مقدمة الصحيفة السجادية
مقدمة الصحيفة السجادية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهربن ، الذين اصطفاهم وجعلهم قدوة للمسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم : ( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ، فكانوا منار الهدى بعده وعلموا المسلمين معالم دينهم وعبادة ربهم ودعاءه ، وكان أبرز ما أثر عنه عليهم السلام في الدعاء صحيفة الإمام زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين عليهما السلام ، التي عرفت باسم: (الصحيفة السجادية) ، وقيل فيها: إذا أردت أن يكلمك الله تعالى فاقرأ القرآن ، وإذا أردت أن تكلمه ، فاقرأ الصحيفة السجادية .
إن أبرز ما عرف به الإمام زين العابدين عليه السلام : تَأَلُّهُهُ وتَعَبُّدُهُ وحُبُّهُ لله تعالى ، حتى سميَ: (شاعر الله) وسميت صحيفة أدعيته: (زبور آل محمد صلى الله عليه وآله)مقابل: (زبور آل داود عليه السلام) الذي أنزله الله عليه وكان فيه مناجاة وأدعية !
فالإمام عليه السلام متألهٌ ، كل حبه لربه ، وكل فكره وذكره وخشوعه ودموعه ، في يومه وليله ، وحله وترحاله.. وهو مع ربه عز وجل في غاية الأدب ، ينتقي في تصرفاته الحركة والسكون ، لأنه يعيش في محضر ربه عز وجل .
وهو شاعر الله ، فلربه كل مدائحه وقصائده ، يخصه بأبلغ المعاني وأعلى الكلام !
والى الآن لم نر دراسةً في تألُّه الإمام عليه السلام وغيره من المعصومين عليهم السلام ، تكشف أبعاد حضور الله تعالى في فكرهم وشعورهم وعملهم ، ونوع جديتهم وصدقهم وعمقهم في تعاملهم مع ربهم عز وجل . كأدعية الإمام زين العابدين عليه السلام ، بشفافيتها الخاصة ونسيمها السماوي !
إن الصحيفة السجاديةكتابٌ لم يعرفه الناس ، وأول ما تنظر فيه تَبْهُرُك فيه قدرة معماره على بناء العبارة العربية ، فهو أقدر من المؤلف البليغ الممسك باللغة وتراكيبها !
تجد مفردات العربية تدور فيه كالنجوم أفعالاً وأسماءً وحروفاً وصَِغَ تعبير ، تعرض نفسها على أنامل فكر الإمام عليه السلام ليجعلها آجرَّةً في أحد صروحه ، أو لُحمةً في إحدى لوحاته .
فالكلمة عند الإمام عليه السلام موجود حيويٌّ، ينتقيها من أسفاط اللغة كما ينتقي الخبير جواهره ، فيصوغها ويصوغ بها . كما أنها موجود حيويٌّ بمحيطها الذي يضعها فيه الإمام فتُحْييه ويُحْييها .
وبخيوط ارتباطها التي يبتكرها الإمام في حروف التعدية فيشد بها الأفعال والأسماء والحروف . فتتقابل الكلمات والفقرات والحروف وتتناغم وتضئ ، في جدلية وتبادلية خاصة غنية .
والفكرة عنده عليه السلام روحٌ تنبض في الكلمة وتنبض بها ، تجئ قادمةً من أفق أعلى ، غنيٍّ غزير ، ينساب في الروح ، ويلذُّ للعقل ، ويناغي أوتار النفس . تنحدر من أفقٌ جمالي عالٍ ، بأروعَ من عقد الجوهر ، وأجمل من نظيم الورد ، معانيَ ونسيماً ، جائيةً من منابع الغيب الغنية .
جميل ، والإمام لا يرى ما يعكر ذلك حتى خطايا الإنسان ، وحتى القوانين والمقادير .
صفاءٌ في الذهن ، ونقاءٌ في الفكر ، وشفافيةٌ في الروح ، كوَّنت شخصية الإمام زين العابدين عليه السلام وعاش بها بصدقٍ ، فاتَّحَدَ في شخصيته نمط السلوك بفكر العقيدة ، برفرفات الروح، فلا فاصلة بين النظرية والتطبيق والقول والعمل !