ما رُوِيَ في سهو النبي صلى الله عليه وآله ونومه عن الصلاة
خلط بعضهم بين روايات سهو النبي صلى الله عليه وآله ونومه عن الصلاة ، وبين السهو والإسهاء ، والنوم والإنامة ، وبين مقام الثبوت فيها والإثبات . وهذه مسائلها:
المسألة الأولى: ما روته مصادر المذاهب من نوم النبي صلى الله عليه وآله عن صلاة الصبح نوماً عادياً ، حتى طلعت الشمس وأيقظه عمر .
المسألة الثانية: ما ورد في مصادرنا من أن الله تعالى أنام نبيه صلى الله عليه وآله عن صلاة الصبح رحمةً للأمة حتى لايقال من تركها هلك .
المسألة الثالثة: ما روته مصادر المذاهب من سهو النبي صلى الله عليه وآله في صلاته وأنواع اشتباهه فيها !
المسألة الرابعة: ما ورد في مصادرنا من أن الله تعالى أسهى نبيه في صلاة واحدة رحمة بالأمة ليعرفوا أنه عبد مخلوق فلا يعبدون .
المسألة الخامسة: هل نقبل أخبار الإسهاء ، أم يجب ردها لأنها تنافي عصمة النبي صلى الله عليه وآله ومقامه ؟
المسألة الأولى
أحاديث في أن النبي صلى الله عليه وآله نام عن الصلاة وأيقظه عمر !
قال بخاري في صحيحه:1/88 و:2/168: (عن عمران قال: كنا في سفر مع النبي (ص) وإنا أسْرَيْنا حتى إذا كنا في آخر الليل وقعنا وقعةً ولا وقعةَ أحلى عند المسافر منها ، فما أيقظنا إلا حَرُّ الشمس ، وكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان يسميهم أبو رجاء فنسي عوف ، ثم عمر بن الخطاب الرابع ، وكان النبي (ص)إذا نام لم يوقظ حتى يكون هو يستيقظ ، لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه . فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس وكان رجلاً جليداً ، فكبر ورفع صوته بالتكبير ، فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته النبي(ص)فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم ، قال: لا ضير أو لا يضير ، إرتحلوا ، فارتحل فسار غير بعيد ، ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ، ونودي بالصلاة فصلى بالناس). وهي رواية طويلة فيها قصص أخرى فرعية . (ورواها مسلم:2/140، وأحمد:1/391 ، و:4/81 ، و434 ، و:5 /298، والبيهقي في سننه:1/218 ، وغيرهم ).
وفي هذه الرواية إشكالات ، وبعضها ذكره علماء السنة أنفسهم:
الأول :
أنها تتحدث عن غلبة النوم العادي على النبي صلى الله عليه وآله عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ، وهذا عندنا يتنافى مع العصمة ! ولم أجد من اعترض عليها منهم بذلك ، وذلك لأن عصمة النبي صلى الله عليه وآله عندهم محدودة ضعيفة ، ولعل السبب الأهم في عدم اعتراضهم عليها أن فيها فضيلة لعمر ، ومن عادتهم عدم الإشكال على أي روابة فيها فضيلة لعمر !
الإشكال الثاني :
كيف ينام النبي صلى الله عليه وآله عن الصلاة وقد صح عندهم وعندنا أن من خصائصه صلى الله عليه وآله أنه تنام عينه ولا ينام قلبه ! فهذا يُكذِّب ما تقوله الرواية من أنه صلى الله عليه وآله نام وغلب النوم على قلبه حتى طلعت الشمس !
فقد روى بخاري في صحيحه:4/168و:8/203، في حديث طويل في المعراج: (والنبي(ص)نائمةٌ عيناه ولا ينام قلبه ، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم).(ونحوه في:1/43 ، و208و:2/47 ، ومسلم:2/180، وأحمد:6/73 ، والحاكم:2/431).
وفي تهذيب الأسماء للنووي:1/64: (وكان لا ينام قلبه ، ويرى من وراء ظهره كما يرى من قدامه ). كما رووا أن من خصائصه صلى الله عليه وآله أنه لايبطل وضوؤه بالنوم لأنه تنام عينه ولاينام قلبه . (صحيح بخاري:1/44) . بل رووا أن الدجال تنام عينه ولاينام قلبه ! (أحمد:5/49 ، والترمذي:3/353).
أما مصادرنا :
فروت أوسع من ذلك في صفاته صلى الله عليه وآله ففي الكافي:8/140: (تنام عيناه ولاينام قلبه ، له الشفاعة ، وعلى أمته تقوم الساعة).
وفي الإختصاص/113، فيما أنزله الله على عيسى عليه السلام في وصفه صلى الله عليه وآله :(قليل الأولاد كثير الأزواج ، يسكن مكة من موضع أساس وطْيِ إبراهيم ، نسله من مباركة ، وهي ضُرَّة أمك في الجنة ، له شأن من الشأن ، تنام عيناه ولا ينام قلبه ، يأكل الهدية ولا يقبل الصدقة ) .انتهى.
بل أثبتت مصادرنا هذه الصفة لكل معصوم من عترة النبي صلى الله عليه وآله :
ففي الخصال/428 عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (عشر خصال من صفات الإمام: العصمة ، والنصوص ، وأن يكون أعلم الناس وأتقاهم لله وأعلمهم بكتاب الله ، وأن يكون صاحب الوصية الظاهرة ، ويكون له المعجز والدليل ، وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ولا يكون له فيئ ، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه).(ونحوه في الكافي:1/388 ، عن الإمام الباقر عليه السلام ، وأوسع منه في من لا يحضره الفقيه:4/418 ، عن الإمام الرضا عليه السلام ).
لذلك نعتقد أن السهو العادي والنوم العادي يتنافيان مع عصمته وصفاته صلى الله عليه وآله ، ورواياتهم في سهوه ونومه عن الصلاة كلها في النوم العادي والسهو العادي ، فلا يمكن قبولها ، بل هي إما مكذوبة أو محرفة !
وإن صح أنه صلى الله عليه وآله سها في صلاته أو نام عنها مرة ، فلا بد أن يكون الله تعالى قد أسهاه فيها أو أنامه عنها ، أو أنام المسلمين وسكت هو عنهم ثم خفف عليهم وعلمهم قضاءها ، كما سيأتي .
على أن فقهاء المذاهب حاولوا الجمع بين حديث نومه صلى الله عليه وآله عن الصلاة وحديث لاينام قلبه ، فتخبطوا فيه ولم يصلوا الى نتيجة في حل الإشكال !
ومن العجيب أن جهودهم اتجهت الى تخريب حديث (تنام عينه ولاينام قلبه) ولم يمسوا حديث نومه عن صلاة الصبح ، لأن فيه فضيلة لعمر !
قال النووي في المجموع:2/20: (من خصائص نبينا(ص)أنه لا ينقض وضوءه بالنوم مضطجعاً ، للأحاديث الصحيحة... وقال(ص): إن عينيَّ تنامان ولاينام قلبي. فإن قيل: هذا مخالف للحديث الصحيح أن النبي نام في الوادي عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس ولو كان غير نائم القلب لما ترك صلاة الصبح؟!
فجوابه من وجهين :
أحدهما : وهو المشهور في كتب المحدثين والفقهاء أنه لا مخالفة بينهما فان القلب يقظان يحس بالحدث وغيره مما يتعلق بالبدن ويشعر به القلب ، وليس طلوع الفجر والشمس من ذلك ولا هو مما يدرك بالقلب ، وإنما يدرك بالعين وهي نائمة .
والجواب الثاني : حكاه الشيخ أبو حامد في تعليقه في هذا الباب عن بعض أصحابنا قال: كان للنبي نومان: أحدهما ينام قلبه وعينه ، والثاني عينه دون قلبه فكان نوم الوادي من النوع الأول ! والله أعلم) . انتهى.
وترجمة كلام هذا ( الإمام ) الشامي الذي هو أشهر شُراح مسلم: أن الغزالي حكى عن بعضهم أن: (لاينام قلبه) ليس دائماً فقد ينام قلبه حتى تطلع الشمس كما حدث ! ولم يرتضه النووي لأنه تخريبٌ صريح للنص ، لكنه ارتضى تخريبه غير الصريح ففسر معنى ( تنام عينه) بأن لايدرك وقت الصلاة ولاطلوع الشمس حتى ينبهه عمر ! فماذا صنع وماذا أبقى من: (لاينام قلبه)؟!
وقد تبنى ابن حجر رأي النووي فقال في فتح الباري:1/380: ( وقد تكلم العلماء في الجمع بين حديث النوم هذا وبين قوله(ص):إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي . قال النووي: والصحيح المعتمد هو الأول والثاني ضعيف وهو كما قال ). انتهى.
وتبعهما علماء المذاهب فقال المناوي في فيض القدير:3/354: (ولا ينافيه نومه بالوادي عن الصبح ، لأن رؤيتها وظيفة بصرية ) .
وقال في البحر الرائق:1/76: (وهذا هو المشهور في كتب المحدثين والفقهاء كذا في شرح المهذب). انتهى.
ولذلك انتقدهم قدماء علمائنا والمتأخرون ، قال السيد ابن طاووس رحمه الله في الطرائف/367 بعد أن أورد قصة نوم النبي صلى الله عليه وآله من الجمع بين الصحيحين للحميدي: (إذا نظرت أيها العاقل في وصفهم لعناية الله بنبيهم وأنه لايصح أن ينام وأن جبرئيل كانت شفقته على نبيهم دون عنايته بعمر... وأنه قد نام قلبه حتى لم يحس بخروج الوقت ، وكل ذلك يشهد عليهم بالمناقضة في رواياتهم وسوء مقالاتهم وتكذيب أنفسهم) ! (والرسائل الفقهية للشيخ الأنصاري رحمه الله /319 ) .
وأجاب السيد شرف الدين رحمه الله في كتابه: أبو هريرة/108على زعم النووي فقال: (فلا يمكن والحال هذه أن تفوته صلاة الصبح بنومه عنها ، إذ لو نامت عيناه فقلبه في مأمن من الغفلة...وقد صلى مرة صلاة الليل فنام قبل أن يوتر فقالت له إحدى زوجاته يا رسول الله تنام قبل أن توتر؟ فقال لها تنام عيني ولاينام قلبي(صحيح بخاري:2/47) أراد صلى الله عليه وآله أنه في مأمن من فوات الوتر بسبب وُلوعه فيها ، ويقظة قلبه تجاهها فهو هاجع في عينه يقظان في قلبه منتبه إلى وتره ، وإذا كانت هذه حاله في نومه قبل صلاة الوتر فما ظنك به إذا نام قبل صلاة الصبح). انتهى.
أقول : يبدو أنهم يعرفون أن أولُ ما يستوجبه نفيَ النوم عن قلب النبي صلى الله عليه وآله أن يستيقظ لصلاة الفريضة ، فلا مجال للجمع بين الحديثين إلا بطرح أحدهما ، ولذلك تنازلوا في عملهم وفتواهم عن حديث لاينام قلبه وتبنوا حديث نومه العادي حتى غلب على قلبه ولم يستيقظ حتى طلعت الشمس فأيقظه عمر !!
هذا ، وقد حاول صاحب عون المعبود:4/150 ، أن يجمع بينهما على مذهبنا فقال: (وفيه كلام ! لأنه صحَّ أنه عليه الصلاة والسلام كان تنام عينه ولا ينام قلبه ، نعم يجوز أن يكون فعله لإرشاد أمته وتعليمهم).انتهى.
ومثله ابن المنذر كما في فتح الباري:1/380 ، قال: ( إن القلب قد يحصل له السهو في اليقظة لمصلحة التشريع ، ففي النوم أولى ). انتهى.
لكن كلامهما لايصح حتى على مذهبنا ، لأن حديث بخاري وغيره في نوم النبي صلى الله عليه وآله يتحدث عن نومه العادي كبقية الناس حتى أيقظه عمر ! والذي يصح على مذهبنا أن الله تعالى أنام نبيه صلى الله عليه وآله عن الصلاة ، أو أسهاه كما ستعرف .
الإشكال الثالث :
أن رواة السلطة لم يستطيعوا تسمية الغزوة التي وقعت فيها الحادثة المزعومة ! هل هي خيبر أو الحديبية أو مؤتة أو غيرها ؟! ولا الأشخاص الذين كانوا فيها واستيقظوا قبل عمر أو معه ؟! مع أن غزوات النبي صلى الله عليه وآله كانت بحضور المئات والألوف من أصحابه ، وأخبارها مدونة ، وحدثٌ من هذا النوع لابد أن ينقله كثيرون ويكون إسم الغزوة محفوظاً ! فعدم قدرتهم على تسمية الغزوة والأشخاص ، يوجب الشك في صحة أصل الحديث !
قال ابن حجر في فتح الباري:1/379: ( اختُلف في تعيين هذا السفر ، ففي مسلم من حديث أبي هريرة أنه وقع عند رجوعهم من خيبر قريب من هذه القصة . وفي أبي داود من حديث ابن مسعود أقبل النبي(ص)من الحديبية ليلاً فنزل فقال من يكلؤنا فقال بلال أنا.. الحديث . وفي الموطأ عن زيد بن أسلم مرسلاً: عرَّس رسول الله(ص)ليلة بطريق مكة ووكَّلَ بلالاً . وفي مصنف عبد الرزاق عن عطاء بن يسار مرسلاً أن ذلك كان بطريق تبوك ، وللبيهقي في الدلائل نحوه من حديث عقبة بن عامر . وروى مسلم من حديث أبي قتادة مطولاً ، والبخاري مختصراً في الصلاة قصة نومهم عن صلاة الصبح أيضاً في السفر لكن لم يعينه . ووقع في رواية لأبي داود أن ذلك كان في غزوة جيش الأمراء ، وتعقبه ابن عبد البر بأن غزوة جيش الأمراء هي غزوة مؤتة ولم يشهدها النبي(ص)وهو كما قال . لكن يحتمل أن يكون المراد بغزوة جيش الأمراء غزوة أخرى غير غزوة مؤتة . وقد اختلف العلماء هل كان ذلك مرة أو أكثر ، أعني نومهم عن صلاة الصبح فجزم الأصيلي بأن القصة واحدة ، وتعقبه القاضي عياض بأن قصة أبي قتادة مغايرة لقصة عمران بن حصين ! وهو كما قال..)الخ.
أضف الى ذلك : اختلاف رواياتها في مَن استيقظ أولاً هل هو النبي صلى الله عليه وآله أو عمر أو أبو بكر؟ قال ابن حجر: (فقصة عمر فيها أن أول من استيقظ أبو بكر ، ولم يستيقظ النبي(ص)حتى أيقظه عمر بالتكبير ، وقصة أبي قتادة فيها أن أول من استيقظ النبي(ص) وفي القصتين غير ذلك من وجوه المغايرات)!
وقال الزرقاني في شرحه:1/53: (فليتأمل الجامع لماذا مع هذا التغاير في الذي كلأ (حَرَس) ، وأول من استيقظ ، وأن العمرين معه في قصة عمران دون قصة أبي قتادة ، وسبق اختلاف آخر في محل النوم... ولذا قال السيوطي لا يجمع إلا بتعدد القصة ) . انتهى.
فكل ذلك من موجبات الشك في توظيف هذا الحديث أو تحريفه؟! وما تصوره عياض والسيوطي من تعدد القصة لايحل الإشكال بل يزيده ، فلو كانتا حادثتين لتوفر رواتهما وما ندروا في واحد أو اثنين ! الخ.
الإشكال الرابع :
أنهم رووا وروينا حديثاً يكشف عن أن القصة كانت بشكل آخر وليس فيها ذكر لإيقاظ عمر للنبي صلى الله عليه وآله ، ففي صحيح مسلم:2/138: (عن أبي هريرة أن رسول الله(ص)حين قفل من غزوة خيبر سار ليلة حتى إذا ادركه الكرى عرس وقال لبلال إكلأ لنا الليل فصلى بلال ما قدر له ونام رسول الله (ص)وأصحابه فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر فغلبت بلالاً عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ رسول الله(ص)ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس ، فكان رسول الله(ص)أولهم استيقاظاً ففزع رسول الله(ص)فقال: أيْ بلال؟! فقال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بأبي أنت وأمي يا رسول الله بنفسك . قال: اقتادوا فاقتادوا رواحلهم شيئاً ثم توضأ رسول الله (ص)وأمر بلالاً فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال: من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال أقم الصلاة لذكري ، قال يونس: وكان ابن شهاب يقرؤها للذكرى). (وسنن البيهقي:1/403 ، ومسند الشافعي/166، وكنز العمال:8/230، مختصراً عن مسند أبي جحيفة) .
وقال الألباني في إرواء الغليل:1/292: أخرجه مسلم(2/138)وأبو داود(435) وعنه أبو عوانة (2/253) وكذا البيهقي (2/217) ، وابن ماجة (697) والسراج في مسنده (216/2) من طرق عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عنه . ورواه مالك (1/13/25) عن ابن شهاب عن سعيد مرسلاً . والصواب الموصول لاتفاق جماعة من الثقات عليه وهم يونس ومعمر وشعبان وتابعهم صالح بن أبي الأخصر عند الترمذي .
ثم روى الألباني نحوه في/293، وقال: (أخرجه ابن أبي شيبة (1/190/1) بإسناد صحيح . وعن ابن مسعود قال: أقبلنا مع رسول الله (ص) من الحديبية فذكروا أنهم نزلوا دهاساً من الأرض يعني بالدهاس الرمل قال: فقال رسول الله (ص): من يكلؤنا ؟ فقال بلال: أنا ، فقال النبي عليه السلام : إذا تنام قال: فناموا حتى طلعت الشمس عليهم ، قال: فاستيقظ ناس فيهم فلان وفلان وفيهم عمر ، فقلنا: إهضبوا يعني تكلموا ، قال: فاستيقظ النبي(ص)فقال: إفعلوا كما كنتم تفعلون ، قال: كذلك لمن نام أو نسي . أخرجه ابن أبي شيبة (1/189/2) وأبو داود (447 ) والطيالسي(377) وأحمد (1/364 ، 386 ، 391) وإسناده صحيح .
ثم أورد الألباني حديثاً آخر مختصراً وصححه وقال: رواه أحمد ومسلم صحيح . رواه أحمد (2/428) ومسلم (2/138) وكذا أبو عوانة (2/251) والنسائي (1/102) وابن أبي شيبة في المصنف (1/89 1/2 ) والسراج في مسنده (117/1) والبيهقي (2/218)من طريق أبي حازم عن أبي هريرة: عرسنا مع رسول الله (ص) فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس ، فقال رسول الله(ص): ليأخذ كل رجل برأس راحلته ، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان قال ففعلنا ، قال فدعا بالماء فتوضأ ثم صلى ركعتين قبل صلاة الغداة ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة . والسياق لأحمد . وفي الباب عن أبي قتادة أن النبي(ص) كان في سفر فمال رسول الله (ص) وملت معه فقال انظر فقلت: هذا ركب هذان ركبان هؤلاء ثلاثة حتى صرنا سبعة فقال: احفظوا علينا صلاتنا يعني صلاة الفجر ، فضرب على آذانهم فما أيقظهم إلا حر الشمس فقاموا فساروا هنيهة ثم نزلوا فتوضؤوا ، وأذن بلال فصلوا ركعتي الفجر ثم صلوا الفجر وركبوا فقال بعضهم لبعض: قد فرطنا في صلاتنا ، فقال النبي(ص): إنه لا تفريط في النوم ، إنما التفريط في اليقظة فإذا سها أحدكم عن صلاته فليصلها حين يذكرها ، ومن الغد للوقت. أخرجه مسلم ( 2/138) وأبو عوانة (2/257) وأبو داود(444) والطحاوي (1/233) والدارقطني (148) والبيهقي (2/216) وأحمد (5/8 29) والسراج (117/1).انتهى .
أما من مصادرنا :
فرواها الشهيد الأول رحمه الله في الذكرى:2/403، وصححها قال: (روى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا دخل صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى بدأ بالمكتوبة ، قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عيينة وأصحابه فقبلوا ذلك مني ، فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر عليه السلام فحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وآله عرَّس في بعض أسفاره فقال: من يكلؤنا فقال بلال: أنا فنام بلال وناموا حتى طلعت الشمس ، فقال: يا بلال ما أرقدك؟! فقال: يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : قوموا فتحولوا على مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة فقال: يا بلال أذن فأذن فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله ركعتي الفجر وأمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ، ثم قام فصلى بهم الصبح ثم قال: من نسي شيئاً من الصلاة فليصلها إذا ذكرها ، فإن الله عز وجل يقول: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي . قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه فقال: نقضت حديثك الأول ، فقدمت على أبي جعفر عليه السلام فأخبرته بما قال القوم فقال: يا زرارة ألا أخبرتهم أنه قد فات الوقتان جميعاً وأن ذلك كان قضاءً من رسول الله صلى الله عليه وآله ). (ورواه البقية عن الشهيد في الذكرى ، كجامع أحاديث الشيعة:4/269، ووسائل الشيعة(آل البيت):4/285 ، وبحار الأنوار:17/108 ، و:84/25).
أقول:
1- هذا يدلك على أن بخاري أعرض عن الحديث الصحيح عندهم وعندنا واختار بدله رواية فيها إبهام وإشكال وتناقض، لإثبات فضيلة لعمر كما هو دأبه !
2- كما أن روايتنا عن الإمام الباقر عليه السلام تدل على أن الحادثة وقعت في رجوعهم من خيبر وزواج النبي صلى الله عليه وآله من صفية بنت حي بن أخطب اليهودي وليس فيها نص على أن النبي صلى الله عليه وآله نام عن الصلاة مثلهم ، فقد يكون صلى الفجر وتركهم يأخذهم النوم لأن الله أمره بذلك ليعلمهم كيف يقضون الصلاة ، واليه يشير قوله صلى الله عليه وآله :قوموا فتحولوا على مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة ، ولم يقل أصابنا ، وقد تنبه الى ذلك الشيخ الأنصار رحمه الله ،كما يأتي .
المسألة الثانية
هل ثبت أن الله تعالى أنام نبيه صلى الله عليه وآله عن الصلاة
1- تقدمت صحيحة زرارة التي رواها الشهيد في الذكرى .
2- روى الكليني رحمه الله في الكافي:3/294: (عن سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: نام رسول الله صلى الله عليه وآله عن الصبح والله عز وجل أنامه حتى طلعت الشمس عليه وكان ذلك رحمة من ربك للناس ! ألا ترى لو أن رجلاً نام حتى تطلع الشمس لعيَّره الناس وقالوا: لا تتورع لصلواتك ، فصارت أسوة وسنة فإن قال رجل لرجل: نمت عن الصلاة قال: قد نام رسول الله صلى الله عليه وآله فصارت أسوة ورحمة رحم الله سبحانه بها هذه الأمة).
3- روى الصدوق رحمه الله في الفقيه:1/358: (الحسن بن محبوب ، عن الرباطي ، عن سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله تبارك وتعالى أنام رسوله صلى الله عليه وآله عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ثم قام فبدأ فصلى الركعتين اللتين قبل الفجر ثم صلى الفجر . وأسهاه في صلاته فسلم في ركعتين ، ثم وصف ما قاله ذو الشمالين. وإنما فعل ذلك به رحمةً لهذه الأمة لئلا يُعَيَّرَ الرجل المسلم إذا هو نام عن صلاته أو سها فيها فيقال: قد أصاب ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله .
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله : إن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي صلى الله عليه وآله ويقولون: لو جاز أن يسهو عليه السلام في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ لأن الصلاة عليه فريضة ، كما أن التبليغ عليه فريضة . وهذا لا يلزمنا وذلك لأن جميع الأحوال المشتركة يقع على النبي صلى الله عليه وآله فيها ما يقع على غيره ، وهو متعبد بالصلاة كغيره ممن ليس بنبي ، وليس كل من سواه بنبي كهو ، فالحالة التي اختص بها هي النبوة والتبليغ من شرائطها ، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة ، لأنها عبادة مخصوصة والصلاة عبادة مشتركة ، وبها تثبت له العبودية وبإثبات النوم له عن خدمة ربه عز وجل من غير إرادة له وقصد منه إليه نفي الربوبية عنه ، لأن الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو الله الحي القيوم . وليس سهو النبي صلى الله عليه وآله كسهونا لأن سهوه من الله عز وجل ، وإنما أسهاه ليعلم أنه بشر مخلوق فلا يتخذ رباً معبوداً دونه ، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا ، وسهونا من الشيطان وليس للشيطان على النبي صلى الله عليه وآله والأئمة صلوات الله عليهم سلطان ، إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ، وعلى من تبعه من الغاوين . ويقول الدافعون لسهو النبي صلى الله عليه وآله : إنه لم يكن في الصحابة من يقال له ذو اليدين ، وإنه لا أصل للرجل ولا للخبر ، وكذبوا لأن الرجل معروف وهو أبو محمد بن عمير بن عبد عمرو المعروف بذي اليدين ، وقد نقل عن المخالف والمؤالف ، وقد أخرجت عنه أخبار في كتاب وصف القتال القاسطين بصفين . وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله يقول: أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله ولو جاز أن ترد الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن ترد جميع الأخبار ، وفي ردها إبطال الدين والشريعة . وأنا أحتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي صلى الله عليه وآله والرد على منكريه إن شاء الله تعالى) . انتهى .
4- قال القاضي النعمان في دعائم الإسلام:1/141: (وروينا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي صلوات الله عليه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله نزل في بعض أسفاره بواد فبات فيه فقال: من يكلؤنا الليلة؟ فقال بلال: أنا يا رسول الله فنام ونام الناس معه جميعاً فما أيقظهم إلا حر الشمس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما هذا يا بلال؟ فقال: أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفسكم يا رسول الله ، فقال صلى الله عليه وآله : تنحوا من هذا الوادي الذي أصابتكم فيه هذه الغفلة ، فإنكم بتُّم بوادي الشيطان ، ثم توضأ وتوضأ الناس وأمر بلالاً فأذن وصلى ركعتي الفجر ، ثم أقام فصلى الفجر ).
رأي علمائنا في روايات نوم النبي صلى الله عليه وآله عن الصلاة
أجمع علماؤنا على رد روايات سهو النبي صلى الله عليه وآله سهواً عادياً، لأنها تنافي العصمة، كما خطَّأ أكثرهم الصدوق رحمه الله في تجويزه الإسهاء على النبي صلى الله عليه وآله كما سيأتي .
أما روايات إنامة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله عن الصلاة ، فقبلها بعضهم لصحة سندها ودلالتها ، وردها بعضهم لأنها برأيه تنافي العصمة أيضاً ، بينما توقف فيها آخرون .
المجوزون لإنامة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله لحكمة :
1- الشيخ المفيد رحمه الله ، وهو أول المتشددين في رد الصدوق رحمه الله وقد ألف رسالة في نفي سهو النبي صلى الله عليه وآله رد على الصدوق فيها وهاجمه بلا هوادة ، ولكنه قَبِلَ فيها أن الله تعالى قد ينيم أنبياءه عليهم السلام عن الصلاة لمصلحة ، فقال:
( فصل: والخبر المروي أيضاً في نوم النبي عليه السلام عن صلاة الصبح من جنس الخبر عن سهوه في الصلاة ، وإنه من أخبار الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً ومن عمل عليه فعلى الظن يعتمد في ذلك دون اليقين ، وقد سلف قولنا في نظير ذلك بما يغني عن إعادته في هذا الباب . مع أنه يتضمن خلاف ما عليه عصابة الحق لأنهم لا يختلفون في أنه من فاتته صلاة فريضة فعليه أن يقضيها أي وقت ذكرها من ليل أو نهار ما لم يكن الوقت مضيقاً لصلاة فريضة حاضرة . وإذا حرم على الإنسان أن يؤدي فريضة قد دخل وقتها ليقضي فرضاً قد فاته ، كان حظر النوافل عليه قبل قضاء ما فاته من الفرض أولى . هذا مع الرواية عن النبي عليه السلام أنه قال: لا صلاة لمن عليه صلاة ، يريد أنه لا نافلة لمن عليه فريضة .
فصل: ولسنا ننكر بأن يغلب النوم الأنبياء عليهم السلام في أوقات الصلوات حتى تخرج فيقضوها بعد ذلك ، وليس عليهم في ذلك عيب ولا ذلك عيب ولا نقص ، لأنه ليس ينفك بشر من غلبة النوم ، ولأن النائم لا عيب عليه وليس كذلك السهو ، لأنه نقص عن الكمال في الإنسان ، وهو عيب يختص به من اعتراه . وقد يكون من فعل الساهي تارة ، كما يكون من فعل غيره ، والنوم لا يكون إلا من فعل الله تعالى ، وليس من مقدور العباد على حال ، ولو كان من مقدورهم لم يتعلق به نقص وعيب لصاحبه ، لعمومه جميع البشر ، وليس كذلك السهو لأنه يمكن التحرز منه . ولأنا وجدنا الحكماء يجتنبون أن يودعوا أموالهم وأسرارهم ذوي السهو والنسيان ولا يمتنعون من إيداع ذلك من يغلبه النوم أحياناً ، كما لا يمتنعون من إيداعه من يعتريه الأمراض والأسقام . ووجدنا الفقهاء يطرحون ما يرويه ذووا والسهو من الحديث ، إلا أن يشركهم فيه غيرهم من ذوي التيقظ والفطنة والذكاء والحصافة . فعلم فرق ما بين السهو والنوم بما ذكرناه ). انتهى.
أقول: إشكال المفيد رحمه الله ليس على إمكان أن ينيم الله رسوله صلى الله عليه وآله عن الصلاة ، بل على روايتهم التي رووها في ذلك وأنها من أخبار الآحاد ، وإلا لقبلها . وإشكاله عليها لأنها تضمنت السهو الذي لايصح نسبته الى النبي صلى الله عليه وآله ، فلو لم تتضمن ذلك لقبلها . ومعناه أن يقبل الكبرى ويناقش في الصغرى ، ويقر المبدأ في عالم الثبوت ويناقش في الإثبات .
2- الشهيد الأول رحمه الله قال في الذكرى:2/403: (وقد ذكر فيما تقدم التصريح بأن قاضي الفريضة يصلي أمامها نافلة ركعتين وأن النبي صلى الله عليه وآله فعل ذلك ، قال الكليني والصدوق: الله أنام النبي صلى الله عليه وآله عن صلاة الصبح رحمة للأمة). (الكافي:3/294 ، الفقيه:1/234).
3- المحقق النراقي رحمه الله قال في مستند الشيعة:7/280: (والقدح في هذه الأخبار ، بإيجابها القدح في النبي باعتبار رقوده عن فرض ، سيما مع أنه لا ينام قلبه ، وسيما مع تضمن بعضها لقوله عليه السلام :إنما نمتم بوادي الشيطان ، الدال على أن منشأ نومهم تسلط الشيطان مع أن سلطانه على الذين يتولونه لا على المؤمنين الذين معه . مخدوشٌ جداً لمنع كون رقوده قدحاً فيه بل رحمةً للأمة كما ورد في بعض هذه الأخبار . وإنامته سبحانه له لمصلحة لا توجب قدحاً فيه أصلاً ولاتنافي تيقظ قلبه . وكونه وادي الشيطان لا يدل على تسلطه على الجميع ، غايته إنامته لبعض منهم وهذا ليس بمنفي إذ لم يكن الجميع من أهل العصمة ، بل لعل أهل النفاق كانوا فيهم أيضاً .
4- الفقيه الهمداني فقد قَبِلَ المبدأ كالمفيد ودافع عنه،قال في مصباح الفقيه:2/64: (ثم إن صاحب الحدائق قد ناقش أيضاً في الإستدلال بالصحيحة المتقدمة ونظائرها من الأخبار المتضمنة لنوم النبي صلى الله عليه وآله بأن مقتضى ما انعقد عليه إجماع الأصحاب من عدم تجويزهم السهو على النبي صلى الله عليه وآله رد هذه الأخبار أو حملها على التقية ، وقد تعجب من الأصحاب كل العجب كيف تلقوا هذه الأخبار بالقبول مع إجماعهم على عدم جواز السهو والخطأ على الأنبياء عليهم السلام ، ونقل عن شيخنا المفيد رحمه الله في بعض كلماته التصريح بان الأخبار الواردة في نوم النبي صلى الله عليه وآله أو سهوه في الصلاة من أخبار الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً ، وطعن بذلك على الشهيد في مقالته بأني لم أقف على راد لهذا الخبر . وأنت خبير بأن غلبة النوم غير مندرجة في موضوع السهو والخطأ حتى تندرج في معقد إجماعهم فيشكل دعوى امتناعها على الأنبياء عليهم السلام إذ لا شاهد عليها من نقل أو عقل عدا ما قد يقال من أن نومهم عن الفريضة نقص يجب تنزيههم عنه ، وهو غير مسلم خصوصاً إذا كان من قبل الله تعالى رحمةً على العباد لئلا يعير بعضهم بعضا كما في بعض الأخبار التصريح بذلك .
وربما يستشهد له بما روى من أنه صلى الله عليه وآله كان تنام عيناه ولا ينام قلبه وانه صلى الله عليه وآله كان له خمسة أرواح منها روح القدس وأنه لا يصيبه الحدثان ولا يلهو ولا ينام فإن مقتضى هذه الروايات عدم صدور فوت الصلاة منه عند منامه أيضاً لولا السهو المجمع على بطلانه .
وفيه نظر: إذ الظاهر أن الاعمال الظاهرية الصادرة من النبي والأئمة عليهم السلام لم تكن مربوطة بمثل هذه الإدراكات الخارجة عن المتعارف
فالإنصاف أن طرح تلك الأخبار مع ظهور كلمات الأصحاب في قبولهم لها بمثل هذه الأخبار ونظائرها مما دل على أن عندهم علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة أو نحو ذلك ، مشكل .
نعم ، قد يقال بأنه لا يجوز التعويل على أخبار الآحاد في مثل هذه المسألة التي هي من العقائد ، لكن لايمنع ذلك عن الأخذ بما تضمنتها من الأحكام الفرعية عند اجتماع شرائط الحجية كما في المقام ).
ثم عاد وتوقف فيها ، قال في مصباح الفقيه:2ق2/ 606: (ولكن ربما نوقش في هذه الصحيحة بمنافاة ما تضمنته من نوم النبي صلى الله عليه وآله عن الصلاة الواجبة لمرتبة النبوة ، فلا بد من حملها على التقية. وأجيب بأن النوم ليس كالسهو نقصاً كي يجب تنزه الأنبياء عليهم السلام عنه ، خصوصاً مع ما في بعض الأخبار الواردة في نوم النبي صلى الله عليه وآله من الإشارة إلى كونه من قبل الله تعالى رحمة بالعباد . وفيه تأمل .
ومنها الأخبار ، وهي طوائف منها المستفيضة الواردة في نوم النبي صلى الله عليه وآله كصحيحة زرارة المتقدمة وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول إن رسول الله صلى الله عليه وآله رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى أذاه حر الشمس ثم استيقظ فعاد ناديه ساعته وركع ركعتين ثم صلى الصبح .
وخبر سعيد الأعرج قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن الله أنام رسوله عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ثم قام فبدء فصلى الركعتين قبل الفجر ثم صلى الفجر ومضمرة سماعة قال سألته عن رجل نسي أن يصلي الصبح حتى طلعت الشمس قال يصليها حين يذكرها ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله رقد عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ثم صلاها حين استيقظ ولكنه تنحى عن مكانه ذلك ثم صلى ، ولكنك عرفت فيما سبق أن الاعتماد على هذه الأخبار لا يخلو من اشكال فالأولى رد علمها إلى أهله).
الرادون لأحاديث إنامة الله تعالى لنبي صلى الله عليه وآله والمتوقفون فيها
المحقق البحراني رحمه الله قال في الحدائق الناضرة:6/270: (استدل القائلون بالجواز(تأخير قضاء الصلاة)بما رواه الشيخ عن أبي بصير في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس؟ قال يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة . وما روى بطرق عديدة منها الصحيح وغيره من نومه صلى الله عليه وآله عن صلاة الصبح حتى آذاه حر الشمس ثم استيقظ وركع ركعتي الفجر ثم صلى الصبح بعدهما . ومن تلك الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول إن رسول الله صلى الله عليه وآله رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حر الشمس ثم استيقظ فعاد ناديه ساعة فركع ركعتين ثم صلى الصبح . الحديث.... ومن روايات هذه المسألة ما رواه شيخنا الشهيد في الذكرى في الصحيح عن زرارة بنحو أبسط من الخبر المتقدم عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة . قال فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحاب فقلبوا ذلك مني ، فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر عليه السلام فحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وآله عرس في بعض أسفاره وقال من يكلؤنا ؟ فقال بلال أنا . فنام بلال وناموا حتى طلعت الشمس ، فقال يا بلال ما أرقدك فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله أخذ بنفسي ما أخذ بأنفاسكم . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي أخذتكم فيه الغفلة ، وقال يا بلال أذن فأذن فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله ركعتي الفجر وأمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ثم قام فصلى بهم الصبح ، ثم قال من نسي شيئاً من الصلاة فليصلها إذا ذكرها ، فإن الله عز وجل يقول: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي . قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه فقالوا: نقضت حديثك الأول فقدمت على أبي جعفر عليه السلام فأخبرته بما قال القوم فقال: يا زرارة ألا أخبرتهم أنه قد فات الوقتان جميعاً ، وأن ذلك كان قضاء من رسول الله صلى الله عليه وآله .
وهذه الرواية لم نقف عليها إلا في كتاب الذكرى وكفى به ناقلاً . قال شيخنا الشهيد قدس سره في الذكرى بعد ذكر الخبر المذكور: إن فيه فوائد.... ومنها ، ما تقدم من أن الله أنام نبيه صلى الله عليه وآله لتعليم أمته ولئلا يعير بعض الأمة بذلك . ولم أقف على راد لهذا الخبر من حيث توهم القدح في العصمة به). انتهى .
ثم قال صاحب الحدائق رحمه الله : (ثم العجب كل العجب من أصحابنا رضوان الله عليهم مع إجماعهم واتفاقهم على عدم جواز السهو على النبي صلى الله عليه وآله حتى أنهم لم ينقلوا الخلاف في ذلك إلا عن ابن بابويه وشيخه ابن الوليد ، وقد طعنوا عليهما في ذلك وشنعوا عليهما أتم التشنيع حتى صنفوا في ذلك الرسائل وأكثروا من الدلائل ، ومنها رسالة الشيخ المفيد وربما نسبت إلى السيد المرتضى وهي عندي وفيها ما يقضي منه العجب من القدح في ابن بابويه ، فكيف تلقوا هذه الأخبار بالقبول واعتمدوا على ما فيها من المنقول في مثل هذا الحكم المخالف لاعتقاداتهم؟ فمن كلامه في تلك الرسالة المشار إليها ما صورته: والخبر المروي أيضاً في نوم النبي صلى الله عليه وآله عن صلاة الصبح من جملة الخبر عن سهوه في الصلاة فإنه من أخبار الآحاد التي لاتوجب علماً ولا عملاً ، ومن عمل عليه فعلى الظن معتمد في ذلك بدون اليقين ، وقد سلف قولنا في نظير ذلك ما يغني عن إعادته في هذا الباب ، مع أنه يتضمن خلاف ما عليه عصابة الحق لأنهم لا يختلفون في أن من فاتته صلاة فريضة فعليه أن يقضيها في أي وقت ذكرها من ليل أو نهار ما لم يكن الوقت مضيقاً لصلاة فريضة حاضرة ، فإذا حرم أن يؤدي فيه فريضة قد دخل وقتها ليقضي فرضاً قد فاته كان حظر النوافل عليه قبل قضاء ما فاته من الفرض أولى ، هذا مع أن الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا صلاة لمن عليه صلاة يريد لا نافلة لمن عليه صلاة فريضة . انتهى. وهو جيد وجيه ، كما لا يخفى على الفطن النبيه .
وقال شيخنا البهائي قدس سره في كتاب الحبل المتين بعد نقله صحيحتي ابن سنان وزرارة المذكورتين ما صورته: وربما يظن تطرق الضعف إليهما لتضمنهما ما يوهم القدح في العصمة ، لكن قال شيخنا في الذكرى إنه لم يطلع على راد لهما من هذه الجهة . وهو يعطي تجويز الأصحاب صدور ذلك وأمثاله من المعصوم . وللنظر فيه مجال واسع . انتهى. أقول: قد عرفت صراحة كلام شيخنا المفيد عليه السلام في رد الأخبار المذكورة فكيف يدعى أنه لا راد لهما؟ وعدم اطلاعه عليه لا يدل على العدم . وبالجملة فمقتضى عدم تجويز السهو عليه صلى الله عليه وآله كما هو ظاهر اتفاقهم رد هذه الأخبار ونحوها أو حملها على التقية ، كما يشير إليه ما نقله من رواية العامة الخبر المذكور عن أبي قتادة وجماعة من الصحابة ، إذ لا يخفى ما بين الحكمين من التدافع والتناقض ، لكنهم من حيث قولهم بهذا الحكم واختيارهم له يغمضون النظر عما في أدلته من تطرق القدح ويتسترون بالأعذار الواهية كما لايخفى على من مارس كلامهم في الأحكام ، كما نبهنا عليه في غير مقام) . انتهى.
أما صاحب الجواهر فقد مال الى قبولها ، فقال في:7/251: (كما أنه لا يخفى عليك أولوية جواز التطوع لمن عليه فائتة بناء على المواسعة من الحاضرة ، بل لعل الجواز ظاهر المتن والقواعد ، بل صرح به الصدوق في ركعتي الصبح الفائتة مع الفريضة ، بل حكاه في الذخيرة عن ابن الجنيد والشهيدين ، بل لعله ظاهر الكليني أيضاً وغيره ممن روى أخبار نوم النبي صلى الله عليه وآله ، خصوصاً مع قوله كالصدوق فيما حكي عنهما إن الله أنام النبي صلى الله عليه وآله عن صلاة الصبح رحمة للأمة... والأخبار المشتملة على رقود النبي صلى الله عليه وآله عن صلاة الصبح ونافلتها وأنه قضاهما مقدما للنافلة على الفريضة سيما صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام منها المشتمل على قصته مع الحكم ابن عتيبة وأصحابه، وأنه لما ذكر له قضاء النبي صلى الله عليه وآله كذلك قال له: نقضت حديثك الأول مشيراً به إلى ما رواه زرارة لهم أيضاً عن أبي جعفر عليه السلام : إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى تبدأ بالمكتوبة ، فحكى ذلك لأبي جعفر عليه السلام فقال له: ألا أخبرتهم أنه قد فاته الوقتان جميعاً ، وأن ذلك كان قضاء من رسول الله صلى الله عليه وآله ! والمناقشة في هذه الأخبار باحتمال كون الركعتين اللتين صلاهما النبي صلى الله عليه وآله فريضة فائتة لا نافلة ، وبمنافاتها لمرتبة النبوة يدفعها ظهور بعضها أو جميعها بل صراحة آخر في التطوع ، وعدم إحاطة العقل بحكم ذلك ومصالحه ، وقد ذكرنا بعض الكلام فيه في باب القضاء ، ولعله لذا لم أقف على راد لها من هذه الجهة ، كما اعترف به في الذكرى).
ثم مال رحمه الله الى ردها فقال في:13/71: (ومنها ما يستفاد من المروي من قصة نوم النبي صلى الله عليه وآله عن صلاة الصبح من عدم تلك المبادرة والفورية للقضاء التي يدعيها الخصم ، خصوصاً على ما في الذكرى وغيرها من روايته في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة ، قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه فقبلوا ذلك مني...ثم ذكر روايات نوم النبي صلى الله عليه وآله عن صلاة الصبح وقال: (والمناقشة فيها بأن الواجب طرحها لمنافاتها العصمة كالأخبارالمتضمنة للسهو منه أو من أحد الأئمة عليهم السلام يدفعها ظهور الفرق عند الأصحاب بينه وبين السهو ، ولذا ردوا أخبار الثاني ولم يعمل بها أحد منهم عدا ما يحكى عن الصدوق وشيخه ابن الوليد والكليني وأبي علي الطبرسي في تفسير قوله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا . (الأنعام:68) وإن كان ربما يظهر من الأخير أن الإمامية جوزوا السهو والنسيان على الأنبياء في غير ما يؤدونه عن الله تعالى مطلقاً ما لم يؤد ذلك إلى الإخلال بالعقل ، كما جوزوا عليهم النوم والإغماء الذين هما من قبيل السهو ، بخلاف أخبار الأول كما عن الشهيد في الذكرى الإعتراف به حيث قال: لم أقف على راد لهذا الخبر من حيث توهم القدح في العصمة . بل عن صاحب رسالة نفي السهو وهو المفيد أو المرتضى التصريح بالفرق بين السهو والنوم ، فلا يجوز الأول ويجوز الثاني ، بل ربما يظهر منه أن ذلك كذلك بين الإمامية كما عن والد البهائي رحمه الله في بعض المسائل المنسوبة إليه أن الأصحاب تلقوا أخبار نوم النبي صلى الله عليه وآله عن الصلاة بالقبول ، إلى غير ذلك مما يشهد لقبولها عندهم ، كرواية الكليني والصدوق والشيخ وصاحب الدعائم وغيرهم لها ، حتى أنه عقد في الوافي بابا لما ورد أنه لا عار في الرقود عن الفريضة مورداً فيه جملة من الأخبار المشتملة على ذلك ، معللة له بأنه فعل الله بنبيه صلى الله عليه وآله ذلك رحمة للعباد ، ولئلا يعير بعضهم بعضاً .
لكن ومع ذلك كله فالإنصاف أنه لا يجترأ على نسبته إليهم عليه السلام لما دل من الآيات والأخبار كما نقل على طهارة النبي وعترته عليهم الصلاة والسلام من جميع الأرجاس والذنوب ، وتنزههم عن القبائح والعيوب ، وعصمتهم من العثار والخطل في القول والعمل ، وبلوغهم إلى أقصى مراتب الكمال ، وأفضليتهم عمن عداهم في جميع الأحوال والأعمال ، وأنهم تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ، وأن حالهم في المنام كحالهم في اليقظة ، وأن النوم لا يغير منهم شيئاً من جهة الإدراك والمعرفة ، وأنهم لا يحتلمون ولا يصيبهم لمة الشيطان ، ولا يتثاءبون ولا يتمطون في شئ من الأحيان ، وأنهم يرون من خلفهم كما يرون من بين أيديهم ، ولا يكون لهم ظل ، ولا يرى لهم بول ولا غائط ، وأن رائحة نجوهم كرائحة المسك ، وأمرت الأرض بستره وابتلاعه ، وأنهم علموا ما كان وما يكون من أول الدهر إلى انقراضه ، وأنهم جعلوا شهداء على الناس في أعمالهم ، وأن ملائكة الليل والنهار كانوا يشهدون مع النبي صلى الله عليه وآله صلاة الفجر ، وأن الملائكة كانوا يأتون الأئمة عليهم السلام عند وقت كل صلاة ، وأنهم ما من يوم ولا ساعة ولا وقت صلاة إلا وهم ينبهونهم لها ليصلوا معهم ، وأنهم كانوا مؤيدين بروح القدس يخبرهم ويسددهم ، ولا يصيبهم الحدثان ، ولا يلهو ولا ينام ولا يغفل ، وبه علموا ما دون العرش إلى ما تحت الثرى ورأوا ما في شرق الأرض وغربها ، إلى غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله ، كما ورد أنهم لا يعرفهم إلا الله ولا يعرف الله حق المعرفة إلا هم ، وليسوا هم أقل من الديكة التي تصرخ في أوقات الصلوات وفي أواخر الليل لسماعها صوت تسبيح ديك السماء الذي هو من الملائكة وعرفه تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة ، وجناحاه يجاوزان المشرق والمغرب ، وآخر تسبيحه في الليل بعد طلوع الفجر (ربنا الرحمن لا إله غيره) ليقم الغافلون . تعالوا عن ذلك علوا كبيراً .
نعم لو أمكن دعوى ثبوت تكاليف خاصة لهم تقوم مقام هذه التكاليف اتجه دعوى جواز نومهم عنها ، وربما يومي إليه قول النبي صلى الله عليه وآله : أصابكم فيه الغفلة ، وقوله صلى الله عليه وآله : نمتم بوادي الشيطان ، والله أعلم بحقيقة الحال .
قال العلامة قدس سره في التذكرة: خبر ذي الشمالين عندنا باطل لأن النبي صلى الله عليه وآله لا يجوز عليه السهو مع أن جماعة أصحاب الحديث طعنوا فيه ، لأن راويه أبو هريرة وهو أسلم بعد الهجرة بسبع سنين ، وذو الشمالين قتل يوم بدر . وكيف كان ، اتفق علماؤنا قديماً وحديثاً سوى الصدوق وشيخه ابن الوليد والكليني على الظاهر على عدم جواز السهو والإسهاء على المعصومين عليهم السلام محتجين بأنه إذا جوز السهو عليهم لاسيما الأنبياء عليهم السلام فلا يأمن المكلف من سهوهم في كل حكم وتنتفي فائدة البعثة ، لكن الأخبار الواردة فيه سهوه صلى الله عليه وآله كثيرة من طرق العامة والخاصة .
قال في التكملة في ترجمة ابن أورمة: أصل الغلو في كلامهم غير معلوم المراد إذ يجوز أن يكون من قبيل قول ابن الوليد من الغلو نفي السهو والنسيان عن النبي صلى الله عليه وآله ، فإنه بهذا المعنى عين الصواب بل هو المشهور بين الأصحاب). انتهى.
أ
ما الشيخ الأنصاري رحمه الله فقد مال الى ردها فقال في رسائل فقهية/319:
(الطائفة الثالثة: ما دل على الأخبار على جواز النفل أداء وقضاء لمن عليه فائتة ، فمن جملة ذلك: ما استفاض من قصة نوم النبي صلى الله عليه وآله عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس ، فقام فصلى هو وأصحابه أولا نافلة الفجر ثم صلى الصبح . ولا إشكال في سندها ودلالتها إلا من جهة تضمنها نوم النبي صلى الله عليه وآله . ثم نقل الشيخ الأنصاري كلام الشهيد الأول والمفيد والبهائي ثم رد رواية بخاري مستشهداً بكلام ابن طاووس في ذلك ، ثم قال في/322: (والإنصاف أن نوم النبي صلى الله عليه وآله أو أحد المعصومين صلوات الله عليهم عن الواجب سيما آكد الفرائض نقصٌ عليهم ، ينفيه ما دل من أخبارهم على كمالهم وكمال عناية الله تعالى بهم في تبعيدهم من الزلل ، بل الظاهر بعد التأمل أن هذا أنقص من سهو النبي صلى الله عليه وآله عن الركعتين في الصلاة .
وما تقدم من صاحب رسالة نفي السهو(للمفيد) ممنوع ، بل العقل والعقلاء يشهدون بكون السهو عن الركعتين في الصلاة أهون من النوم عن فريضة الصبح وأن هذا النائم أحق بالتعيير من ذلك الساهي ، بل ذاك لايستحق تعييراً .
وكون نفس السهو نقصاً دون نفس النوم لا ينافي كون هذا الفرد من النوم أنقص ، لكشفه عن تقصير صاحبه ولو في المقدمات .
وبالجملة ، فصدور هذا مخالف لما يحصل القطع به من تتبع متفرقات ما ورد في كمالاتهم وعدم صدور القبائح منهم فعلاً وتركاً ، في الصغر والكبر ، عمداً أو خطأً . ولعله لذا تنظَّر في الأخبار بعض المتأخرين على ما حكي عنهم منهم شيخنا البهائي بعد اعترافه بأن المستفاد من كلام الشهيد المتقدم عن الذكرى تجويز الأصحاب لذلك . وعرفت أيضاً ما عن المنتهى وغيره .
اللهم إلا أن يقال بإمكان سقوط أداء الصلاة عنه صلى الله عليه وآله في ذلك الوقت لمصلحة علمها الله سبحانه ، فإن اشتراكه صلى الله عليه وآله مع غيره في هذا التكليف الخاص ليس الدليل عليه أوضح من الأخبار المذكورة حتى يوجب طرحها ، خصوصاً بملاحظة بعض القرائن الواردة في تلك الأخبار ، منها قوله عليه السلام في رواية سعيد الأعرج: إن الله تعالى أنام رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أن قال: وأسهاه في صلاته فسلم في الركعتين . إلى أن قال: وإنما فعل ذلك رحمة لهذه الأمة ، لئلا يعير الرجل المسلم إذا هو نام على صلاته أو سها...الخبر.. فتأمل . وقوله صلى الله عليه وآله لأصحابه مخاطباً لهم: نمتم بوادي الشيطان، ولم يقل نمنا فعلم أن النوم كان زللاً منهم لا منه صلى الله عليه وآله ).
وقد توقف فيها الشيخ الأصفهاني رحمه الله فقال في صلاة الجماعة/24:
(وأما استحباب الجماعة في القضاء فليس فيه نص معتبر إلا ما ورد في حكاية نوم النبي صلى الله عليه وآله وقضاء صلاة الصبح جماعة ومع ما فيه من الإشكال ، يشكل به الإستدلال في هذا المجال ).
كما توقف فيها السيد الخوئي قدس سره فقال في كتاب الصلاة:5 ق 1/197: (فالنصوص الواردة في نوم النبي صلى الله عليه وآله عن صلاة الفجر وقد تقدم ذكر بعضها تكون حجة عليهم ، بناء على الأخذ بها والإلتزام بمضمونها. فإنا تارة نبني على عدم العمل بالنصوص المذكورة وإن صحت أسانيدها لمنافاتها لمقام النبوة سيما مع ملاحظة ما ورد في الأخبار في شأنه صلى الله عليه وآله من أنه كانت تنام عينه ولا ينام قبله ، فكيف يمكن أن ينام عن فريضة الفجر؟ فلا محالة ينبغي حملها على التقية أو على محمل آخر . وأخرى ، نبني على العمل بها بدعوى: أن النوم من غلبة الله وليس هو كالسهو والنسيان المنافيين لقام العصمة والنبوة ، ولا سيما بعد ملاحظة التعليل الوارد في بعض هذه النصوص من أن ذلك إنما كان بفعل الله سبحانه رحمة على العباد ، كي لايشق على المؤمن لو نام اتفاقاً عن صلاة الفجر ، وعليه فتكون هذه النصوص منافية للتضييق الحقيقي لدلالتها على أنه صلى الله عليه وآله بعد انتباهه من النوم واعتراضه على بلال واعتذار هذا منه ، أمر بالارتحال من المكان المذكور ، ثم بعد ذلك أذن بلال فصلى النبي صلى الله عليه وآله ركعتي الفجر ثم قام فصلى بهم الصبح ، ومعلوم: أن هذه الأمور السابقة على صلاة الصبح تستغرق برهة من الوقت ، فلم يقع إذا قضاء الصبح أول آن التذكر ، بل تأخر عنه بمقدار ينافي الضيق الحقيقي) .
وقال في كتاب الصلاة:5 ق 2/10: (منها: الأخبار الصحيحة الواردة في رقود النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ثم قضائه صلى الله عليه وآله بهم جماعة بعد الانتقال إلى مكان آخر ، فإنها وإن أشكل التصديق بمضمونها من حيث الحكاية عن نوم النبي صلى الله عليه وآله ومن الجائز أن تكون من هذه الجهة محمولة على التقية كما مرت الإشارة إليه سابقاً ، لكنها من حيث الدلالة على مشروعية الجماعة في القضاء لامانع من الأخذ بها بعد قوة أسانيدها ، وعدم المعارض لها). وقال في/202: (رابعها: وهو العمدة الأخبار الواردة ولنذكر المهم منها معرضين عن الباقي الذي منه: ما ورد في نوم النبي صلى الله عليه وآله عن صلاة الفجر ، وأمره صلى الله عليه وآله بالارتحال بعد الانتباه عن ذلك المكان والقضاء في مكان آخر ، وقد مرت الإشارة إلى بعض ذلك ، وقلنا: إن هذه الروايات وإن تمت دلالة وسنداً مما يشكل الإعتماد عليها والتصديق بمضمونها ، فلا بد من رد علمها إلى أهلها أو حملها على بعض المحامل كالتقية ونحوها ). انتهى.
أقول: لاشك في بطلان ما رووه من سهو النبي صلى الله عليه وآله في صلاته ، وكذلك ما رروه من سهوه عنها ، أما إنامة الله لرسوله عنها فهو أمرٌ ممكن وجعله محالاً من الغلو كما ذكر الصدوق واستاذه قدس سرهما، لكن لادليل على وقوعه ، والقدر الثابت أن الله تعالى أنام المسلمين عنها وعلمهم النبي صلى الله عليه وآله كما تقدم .
المسألة الثالثة
أحاديث بخاري في سهو صلى الله عليه وآله ونومه عن الصلاة
روايتهم أن النبي صلى الله عليه وآله نسي وصلى العشاء ركعتين !
في صحيح بخاري:1/123: (عن أبي هريرة قال صلى بنا رسول الله(ص)احدى صلاتي العشي ، قال ابن سيرين: قد سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا ، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم ! فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى ! وخرجت السرعان من أبواب المسجد فقالوا: قُصرت الصلاة ! وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه ، وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين قال: يا رسول الله أنسيتَ أم قَصُرت الصلاة ؟ قال: لم أنس ولم تَقْصُر ، فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم ، فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه وكبر ، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه وكبر ، فربما سألوه فيقول نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم ).
وفي بخاري:1/175: (عن أبي هريرة ان رسول الله(ص)انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله(ص)أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس: نعم ، فقام رسول الله(ص)فصلى اثنتين أخريين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول).
وفي بخاري:2/66: (عن أبي هريرة قال صلى النبي(ص)إحدى صلاتي العشي قال محمد وأكثر ظني العصر ركعتين ثم سلم ، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فهابا أن يكلماه وخرج سرعان الناس فقالوا أقصرت الصلاة ورجل يدعوه النبي(ص)ذو اليدين فقال: أنسيت أم قصرت؟ فقال لم أنس ولم تقصر ، قال: بلى قد نسيت ! فصلى ركعتين ثم سلم ، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه فكبر ثم وضع رأسه فكبر فسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه وكبر).
روايتهم أن النبي صلى الله عليه وآله صلى ركعتين فصحح له ذو اليدين!
في بخاري: 7/85: (عن أبي هريرة قال صلى بنا النبي(ص)الظهر ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد ووضع يده عليها وفي القوم يومئذ أبو بكر وعمر فهابا ان يكلماه وخرج سرعان الناس فقالوا قصرت الصلاة وفي القوم رجل كان النبي(ص)يدعوه ذا اليدين فقال يا نبي الله أنسيت أم قصرت فقال لم انس ولم تقصر قال بل نسيت يا رسول الله قال صدق ذو اليدين فقام فصلى ركعتين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر ثم وضع مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر).
وفي بخاري:2/66: (عن أبي هريرة قال صلى بنا النبي(ص)الظهر أو العصر فسلم فقال له ذو اليدين الصلاة يا رسول الله أنَقَصَتْ؟ فقال النبي(ص)لأصحابه: أحق ما يقول؟ قالوا: نعم ، فصلى ركعتين أخريين ، ثم سجد سجدتين....
عن أبي هريرة أن رسول الله(ص)انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله(ص)أصدق ذو اليدين ؟ فقال الناس نعم ، فقام رسول الله(ص)فصلى اثنتين أخريين ثم سلم ، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع ).
روايتهم أن النبي صلى الله عليه وآله نسي فصلى ركعتين
وفي بخاري:8/133: (عن أبي هريرة أن رسول الله(ص)انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت ؟ فقال: أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس: نعم ، فقام رسول الله(ص)فصلى ركعتين أخريين ، ثم سلم ن ثم كبر ثم سجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع ثم كبر فسجد مثل سجوده).
روايتهم أن الشك في عدد الركعات من الشيطان !
في البخاري:2/66: (عن أبي هريرة أن رسول الله(ص)قال إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس....عن أبي هريرة قال قال رسول الله(ص)إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان ، فإذا قضي الأذان أقبل ، فإذا ثوب بها أدبر ، فإذا قضي التثويب أقبل ، حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: أذكر كذا وكذا ، ما لم يكن يذكر ، حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى ! فإذا لم يدر أحدكم كم صلى ثلاثا أو أربعا ، فليسجد سجدتين وهو جالس). انتهى .
روايتهم أن النبي صلى الله عليه وآله صلى الظهر خمس
في بخاري:2/65: (عن عبد الله أن رسول الله(ص)صلى الظهر خمسا فقيل له أزيد في الصلاة ! فقال: وما ذاك ؟ قال: صليت خمسا فسجد سجدتين بعد ما سلم). وفي:8/133: (عن عبد الله قال صلى بنا النبي(ص)الظهر خمسا فقيل أزيد في الصلاة ؟ قال وما ذاك ؟ قالوا: صليت خمسا فسجد سجدتين بعدما سلم).
روايتهم أن النبي صلى الله عليه وآله صلى الظهر ونسي التشهد !
في بخاري:2/66: (عن عبد الله ابن بحينة الأسدي حليف بني عبد المطلب أن رسول الله(ص)قام في صلاة الظهر وعليه جلوس فلما أتم صلاته سجد سجدتين فكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم ، وسجدهما الناس معه ، مكان ما نسي من الجلوس . تابعه ابن جريج عن ابن شهاب في التكبير ). انتهى .وقد اقتصرنا على ما رواه البخاري فقط ، وقد روى غيره أكثر منه !
تحير فقهاء المذاهب في روايات سهو النبي صلى الله عليه وآله
لم يناقش أحد منهم في أسانيد رواياتها ، لأنها عندهم صحيحة بأعلى درجات الصحة حيث رواها بخاري الذي تبنوا صحة ما فيه من الجلد الجلد ! ولم يعترض أحد منهم عليها لما تنسبه الى النبي صلى الله عليه وآله من سهو وغلط في صلاته وسذاجة وتحير وتناقض! ومعنى ذلك أنهم قبلوا الطعن في عصمته صلى الله عليه وآله في صلاته التي كان يؤم فيها المسلمين ! بل قبلوا الطعن في ذاكرته صلى الله عليه وآله ومستواه الذهني حيث جعلته هذه الأحاديث أقل من إمام جماعة ذكي جيد الإنتباه !
ولكنهم مع ذلك اختلفوا في أحاديث السهو في الصلاة لأنها تضمنت ورطة أخرى ، فردها أكثرهم بسببها وأفتوا ضدها ، وقليل منهم قبلها وأفتى بها ! والورطة أن أحاديث بخاري وغيره تقول إن النبي صلى الله عليه وآله بعد أن أخطأ وأنهى صلاته ، تكلم وغضب ، وذهب الى ناحية المسجد ، وذهب الى خشبة معترضة ووضع يديه ورأسه عليها ، أو ذهب الى منزله ، ثم رجع وأتمَّ صلاته من حيث تركها ولم يُعِدْها ! وتساءلوا كيف يمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وآله قطع صلاته ثم رجع وأتمها وهو الذي يقول صلى الله عليه وآله :(إن هذه الصلاة لايصلح فيها شئ من كلام الناس). (صحيح مسلم:2/70 ، وأحمد:5/447 وغيرهما).
ومع أن بعضهم تجرأ وأفتى بأن الصلاة لاتبطل بالكلام حسب هذه الروايات؟! لكن عامة أتباع المذاهب إذا سهوْا في صلاتهم يعيدونها ، ولا يأخذون بهذه الفتوى ، ولا يستحلون فعل ما نسبه رواتهم وفقهاؤهم الى رسول الله صلى الله عليه وآله !
لقد كتب فقهاؤهم مئات الصفحات في النقض والإبرام محاولين التخلص من هذه الورطة ! وقد كان الشافعي أجرأهم فأفتى بأن من تخيَّل أن أتم صلاته وأتى بمبطل ، يبني عليها ولا يعيدها !
قال في كتاب الأم:1/147: (ومن تكلم في الصلاة وهو يرى أنه قد أكملها أو نسي أنه في صلاة فتكلم فيها بنى على صلاته وسجد للسهو ، لحديث ذي اليدين ) !
(وذهب إلى مثل قول الشافعي أبو هريرة، ومكحول، والزهري، وغيرهم). (سبل السلام1:/206) .
وكان عروة بن الزبير أجرأ من الجميع فصلى المغرب ركعتين وسلم ، سهواً أو عمداً ، ثم قطع صلاته عمداً بالكلام ، ثم أتمها من حيث قطعها وقال: هكذا فعل النبي صلى الله عليه وآله ! (قال سعد: ورأيت عروة بن الزبير صلى من المغرب ركعتين فسلم وتكلم ! ثم صلى ما بقي وسجد سجدتين وقال: هكذا فعل النبي). (بخاري:2/66) .
وفي مغني ابن قدامة:1/704: (من سلَّمَ عن نقص من صلاته يظن أنها قد تمت ثم تكلم ، ففيه ثلاث روايات:
إحداهن: أن الصلاة لا تفسد إذا كان الكلام في شأن الصلاة مثل الكلام في بيان الصلاة ، مثل كلام النبي(ص)وأصحابه في حديث ذي اليدين لأن النبي وأصحابه تكلموا ثم بنوا على صلاتهم، ولنا في رسول الله أسوة حسنة!
والرواية الثانية: تفسد صلاتهم ، وهو قول الخلال وصاحبه ومذهب أصحاب الرأي لعموم أحاديث النهي.
والثالثة: أن صلاة الإمام لا تفسد ، لأن النبي(ص)كان إماماً فتكلم وبنى على صلاته ! وصلاة المأمومين الذين تكلموا تفسد ). انتهى .
وقال ابن حزم في المحلى:4/5: (فغلط في هذا الخبر صنفان: أحدهما أصحاب أبي حنيفة ، والثاني ابن القاسم ومن وافقه ! فأما أصحاب أبي حنيفة فإنهم قالوا لعل هذا الخبر كان قبل تحريم الكلام في الصلاة ، وقالوا: الرجل المذكور قتل يوم بدر.... وهذا كله باطل وتمويه وظن كاذب.... وأما ابن القإسم ومن وافقه فإنهم أجازوا بهذا الخبر كلام الناس مع الإمام في إصلاح الصلاة).
وقال في الدر المختار:1/663: (وحديث ذي اليدين منسوخ بحديث مسلم: إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس).
ورده ابن عابدين:1/663. وقال الكحلاني في شرح سبل السلام:1/203:(هذا الحديث قد أطال العلماء الكلام عليه وتعرضوا لمباحث أصولية وغيرها ، وأكثرهم استيفاء لذلك القاضي عياض ، ثم المحقق ابن دقيق العيد في شرح العمدة ، وقد وفينا المقام حقه في حواشيها ، والمهم هنا الحكم الفرعي المأخوذ منه ، وهو أن الحديث دليل على أن نية الخروج من الصلاة وقطعها إذا كانت بناء على ظن التمام ، لا يوجب بطلانها ولو سلم التسليمتين ، وأن كلام الناسي لا يبطل الصلاة ، وكذا كلام من ظن التمام ، وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف ، وهو قول ابن عباس وابن الزبير وأخيه عروة وعطاء والحسن وغيرهم ، وقال به الشافعي وأحمد وجميع أئمة الحديث . وقال به الناصر من أئمة الآل . وقالت الهادوية والحنفية: التكلم في الصلاة ناسياً أو جاهلاً يبطلها ، مستدلين بحديث ابن مسعود ، وحديث زيد بن أرقم في النهي عن التكلم في الصلاة ، وقالوا: هما ناسخان لهذا الحديث . وأجيب: بأن حديث ابن مسعود كان بمكة متقدما على حديث الباب بأعوام ، والمتقدم لا ينسخ المتأخر....الخ.).انتهى.
وقصده بحديث ابن مسعود ما رواه النسائي:3/19: (قال: كنا نسلم على النبي (ص)فيرد علينا السلام حتى قدمنا من أرض الحبشة فسلمت عليه فلم يردَّ عليَّ فأخذني ما قرب وما بعد ، فجلست حتى إذا قضى الصلاة قال إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء ، وإنه قد أحدث من أمره أن لا يتكلم في الصلاة).
ونحوه في مصنف عبد الرزاق:2/335 ، ونحوه في مسلم:2/85 وزاد في طينه بَلَّة وبخاري:1/104، وزاد فيه بلتان: ( قال عبد الله صلى النبي(ص) قال إبراهيم لا أدري زاد أو نقص ، فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شئ ؟ قال وما ذاك ؟ قالوا صليت كذا وكذا ! فثنى رجله واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم ، فلما أقبل علينا بوجهه قال: إنه لو حدث في الصلاة شئ لنبأتكم به ، ولكن إنما أنا بشر مثلكم ، أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني ). انتهى .
وبذلك أبطلوا بكل سهولة قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى . (الأعلى:6) . وقصد الكحلاني بالهادوية ما قاله يحيى بن الحسين في الأحكام:1/114:
(لا أدري ما صحة هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله في الصلاة بعد التسليم ، ولا أرى أنه صحيح عن رسول الله(ص) ! بل القول عندي فيمن نسي فسلم في غير موضع التسليم ، ثم ذكر قبل أن يتكلم بكلام أو يحرف وجهه عن ذلك المقام ، أن صلاته قد انقطعت ، ويجب عليه الإستيناف لها فليبتد صلاته ، وليؤدها على ما فرضت عليه من حدودها ). انتهى .
وكلامه موافق لمذهبنا .
وقد حاولوا أن يتخلصوا من أحاديث ابن مسعود التي تنهى عن الكلام في الصلاة ، بأن زمنها قبل حديث ذي اليدين ، لكن مشكلتهم أن حديث ذي الدين متأخر لأن راويه أبو هريرة الذي أسلم في السنة السابعة ، وهو يقول: (صلى بنا أو صلى لنا رسول الله) صلى الله عليه وآله .
كما ردوا قول الزهري وغيره إن ذي اليدين أنصاري استشهد في بدر فلا يصح حديث أبي هريرة عنه ، وأجابوا بأن الشهيد في بدر ذو الشمالين ، أما ذو اليدين فهو الخرباق وهو أنصاري عاش الى زمن معاوية وكان معه ، وكان يسكن بذي خشب على مسيرة يوم من المدينة باتجاه الشام .
قال النووي في شرح مسلم:5/71: (واعلم أن حديث ذي اليدين هذا فيه فوائد كثيرة وقواعد مهمة ! منها جواز النسيان في الافعال والعبادات على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وأنهم لا يقرون عليه... ثم قال وهو ينقل خلاصة دفاع ابن عبد البر عن الحديث:
(فذوا اليدين الذي شهد السهو في الصلاة سُلَمي ، وذو الشمالين المقتول ببدر خزاعي يخالفه في الإسم والنسب ، وقد يمكن أن يكون رجلان وثلاثة يقال لكل واحد منهم ذو اليدين وذو الشمالين لكن المقتول ببدر غير المذكور في حديث السهو هذا قول أهل الحذق والفهم من أهل الحديث والفقه)انتهى . (راجع ثقات ابن حبان:3/301، والجرح والتعديل للرازي:4/386 ) .
وقد اضطروا لمهاجمة الزهري لقوله إن ذي اليدين قتل في بدر ، وإن سهو النبي صلى الله عليه وآله في صلاته كان قبل بدر ، قبل أن يستقر تشريع الصلاة !
قال الزهري: (وكان ذلك قبل بدر ثم استحكمت الأمور بعد) ! فعلق عليه شارح موطأ مالك:1/94: (قال ابن عبد البر: لا أعلم أحداً من أهل العلم بالحديث المصنفين فيه عوَّل على الزهري في قصة ذي اليدين ، وكلهم تركوه لاضطرابه ! وأنه لم يقم له لا إسناداً ولا متناً ، وإن كان إماماً عظيماً في هذا الشأن . فالغلط لايسلم منه بشر ). انتهى .
أقول:
1- ينبغي للزهري أن يقبل تغليطهم له ، لأنه غلَّط معهم النبي صلى الله عليه وآله في صلاته !
2- هذا غيضٌ من بحوثهم المطولة في الدفاع عن رواتهم الذين أرادوا تبرير غلطهم أو غلط الخلفاء في صلاتهم ، فرموا بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وأشهدوا عليه بدوياً من أهل ذي خشب ! لكنهم وقعوا في كذبتهم فقالوا إن النبي صلى الله عليه وآله قطع صلاته وغضب وذهب ثم عاد وأتمها !
فصدق عليهم المثل: لاحافظة لكذوب !