سلسلة القبائل العربية في العراق (18) قبيلة شَمَّر الطائية
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 1 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سلسلة القبائل العربية في العراق (18)
قبيلة شَمَّر الطائية
عبد الهادي الربيعي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 2 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 3 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
تعد قبيلة شمَّر من القبائل الواسعة الانتشار في العراق وبلاد الشام والجزيرة العربية، وکان لهذه القبيلة في تاريخها المعاصر مواقف مشرفة في الدفاع عن العروبة والإسلام، وقد رتبت هذا الکتاب الذي خصصناه لقبيلة شمَّر على فصول، الأول: تناولت فيه نسب القبيلة، وموقعها في عقد القبائل الطائية، والثاني: لبطون شمر وعشائرها، أما الثالث: فکتبنا نبذة من تاريخهم في نجد، والرابع: تناولنا نبذة من تاريخهم في العراق، وختمنا الکلام بأشهر شخصياتهم.
وفي ختام هذه الکلمة أتقدم بالشکر لسماحة الشيخ علي الکوراني العاملي حفظه الله؛ لرعايته لهذا الجهد، وأشرافه على تأليف الکتاب.
عبد الهادي الربيعي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 4 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الأول: شمّر ملامح عامة
ونبحث فيه:
1 - شمَّر ملامح عامّة
شَمَّر في اللغة: من التشمير، وهو الجد في الأمر والاجتهاد فيه، يقال: تشمَّر للأمر وانشمر له، إذا تهيأ. ورجل شَمِر، بكسر الميم، وشمِّير، كسكِّيت، من صيغ المبالغة. وتأتي هذه الكلمة بمعنى التقليص، فشمَّر الثوب شمرا: إذا قلَّصه، وقد تأتي أيضا بمعنى الإرسال، فشَمَرَ الشيء إذا رماه وأرسله.
وفي النسبة الى شمَّر أربع لغات: شَمَّري، بفتح الشين والميم المشددة، وشِمِّري، بكسرهما معا مع شد الميم، وشُمَّري، بضمها مع شد الميم، وشِمَّري بكسر الشين وتشديد الميم المفتوحة. (أنظر: تاج العروس: الزبيدي:7/54).
2 - نسب القبيلة
شمَّر من القبائل العربية المشهورة في عصرنا هذا، ومن أكثرها عددا وانتشارا، ووفرة فروع، وتقطن هذه القبيلة كلا من العراق وبلاد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 5 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الشام والأردن والجزيرة العربية، لكن أكثريتهم التي تربو على الثلثين تقطن العراق. (موسوعة عشائر العراق:عبد عون الروضان:2/26)
وكان لهذه القبيلة دور مؤثر في تاريخ العراق والجزيرة العربية حيث أسسوا فيها إمارة في نجد عرفت بإمارة آل رشيد، وسنأتي إلى موجز عن تاريخ القبيلة في فصول لاحقة إن شاء الله.
وأقدم من ذكرهم من النسابة ابن الكلبي (ت 204 هـ) في نسب اليمن ومعد الكبير ص99، قال: ((وولد ثعلبة بن سلامان: عوفا، وزهيرا، وعمرا وهو عيد، فولد زهير بن ثعلبة: عبد جذيمة، فولد عبد جذيمة بن زهير: زريقا، وشمَّرا بطنان، فولد شمَّر بن عبد جذيمة: قيسا، وله يقول امرئ القيس (الكندي):
أجار قسيسا فالطهاء فمسطحا * وجواً فروَّى نخل قيس بن شمَّرا
ومنهم: الجرنفش1بن عبدة الشاعر بن امرئ القيس بن زيد بن عبد رضا بن خزيمة بن حبيب بن شمَّر الذي أسرته الديلم، وله حديث، (ومنهم): حوس بن خالد بن وديعة الشاعر بن ربيعة بن النبيت)).
وقال ابن دريد الأزدي (ت:321 هـ) في الاشتقاق:217، وهو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 6 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يعدد بطون طيء وشخصياتها: ((ومنهم: بنو شمَّر الذين ذكرهم امرئ القيس: نخل قيس بن شمَّرا، ومنهم الجرنفش الشاعر)).
وقال ابن الأثير الجزري (ت 630 هـ) في اللباب في تهذيب الأنساب:2/208: ((الشمَّري: بفتح الشين والميم المشددة، نسبة الى شمَّر، بن عبد جذيمة، بن ثعلبة، بن سلامان، بن ثعل، بن عمرو، بن الغوث، بن طيء)).
وجدهم الأعلى طيء، هو: جُلهمة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. (الأنساب: السمعاني:4/35).
وطيء من القبائل اليمانية القحطانية المشهورة، نزحت عن مواطنها الأصلية في اليمن مع انهيار سد مأرب وسيل العرم وسكنوا سميرا وفيد في جوار بني أسد وغلبوهم على جبلي أجأ وسلمى، قال ابن قتيبة في المعارف:641 ((وخرجت طيء من بلاد اليمن بعد عمرو بن عامر (مزيقياء) بمدة يسيرة فنزلت الجبلين أجأ وسلمى، وحالفتها بنو أسد...))، وقال الحموي:1/79، نقلا عن هشام ابن الكلبي في كتاب افتراق العرب: ((لما خرجت طيء من أرضهم من الشحر، ونزلوا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 7 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بالجبلين، أجأ وسلمى، ولم يكن بهما أحد، وإذا التمر قد غطى كرانيف النخل...))
وقال القلقشندي في نهاية الأرب191: ((وكانت منازلهم باليمن فخرجوا منه على أثر خروج الأزمنة ونزلوا سميرا، وقيل في جوار بني أسد ثم غلبوهم على أجأ وسلمى، وهما جبلان في بلادهم يعرفان الآن بجبلي طيء، فاستمروا وافترقوا في أول الإسلام في الفتوحات. قال ابن سعيد: في بلادهم الآن أمم كثيرة تملأ السهل والجبل حجازاً وشاماً وعراقاً، قال: وهم أصحاب الرياسة في العرب إلى الآن بالعراق والشام، وبمصر منهم بطون)).
وكانت شمَّر من جملة بطون طيء التي حلت هذا المكان، وكانت ذات قوة ومنعة منذ زمن الجاهلية، بحيث استنصرهم امرئ القيس الكندي الشاعر على قتلة أبيه، وعبَّر عنهم بالحي، قال:
فهل أنا ماش بين شوطٍ وحيةٍ * وهل أنا لاقٍ حيَّ قيس بن شمَّرا
والحي مصطلح يطلق عند العرب على القبيلة (لسان العرب:12/394)، وهي وحدة اجتماعية تأتي بدرجة أدنى من الشعب في ترتيب النسابين للشعوب والقبائل، قال ابن منظور في اللسان:1/500: ((الصحيح
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 8 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في هذا ما رتبه الزبير ابن بكار: وهو الشعب، ثم القبيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، ثم الفصيلة، قال أبو أسامة: هذه الطبقات على ترتيب خلق الإنسان، فالشعب أعظمها، مشتق من شعب الرأس، ثم القبيلة من قبيلة الرأس لاجتماعها، ثم العمارة وهي الصدر، ثم البطن، ثم الفخذ، ثم الفصيلة))، والخلاصة: التعبير عن شمَّر بالحي فيه دلالة على أنهم كانوا وحدة اجتماعية كبيرة في زمن امرئ القيس الكندي.
ولم نعثر على ذكر لهذه القبيلة بعد ذلك إلا في بديات القرن العاشر الهجري، إذ يبدو من بعض المؤرخين أن شمَّر كانت منضوية تحت حلف قبلي كبير في نجد يحمل اسم قبائل بني لام، في مقابل حلف قبائل شبابة، وحلف قبائل خندف في الحجاز، ففي الإيجاز في تاريخ البصرة والإحساء ونجد والحجاز:1/414، قال نقلا عن بدائع الزهور لابن إياس الحنفي في أحداث سنة 925هـ: ((أن البقوم من بني لام، وأن الروقة من بني لام، وسبيع من بني لام، ومطير من بني لام، بالإضافة الى الظفير، وشمَّر، وبني خالد وغيرهم، وهذا يكشف عن وجود تحالف قبلي كبير في ذلك العصر كان قائما بين هذه القبائل تحت قيادة بني لام))، إلا أن هذا التحالف قد تفكك في النصف الثاني
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 9 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من القرن العاشر ، وربما بسبب هجرة بني لام من نجد الى العراق والإحساء، وكان آخر أمراء بني لام في نجد يدعى حديد بن عروج (آل الجرباء في التاريخ والأدب: ابن عقيل الظاهري:3 )، فورثت شمَّر زعامة الحلف المذكور وخصوصا القبائل الطائية منه.
ويعتقد بعض الباحثين أن شمَّر لا ينتمون الى جد واحد بل هم خليط من القبائل العدنانية، والقحطانية وهي العبدة خاصة. (إمارة آل رشيد في حائل: محمد الزعارير:35). وقالت المس بيل في فصول من تاريخ العراق القريب ص134نقلا عن وثيقة بريطانية: ((إن قبائل شمَّر من العرب الشماليين، وهم لا يتفرعون من جد واحد، بل يقولون أنهم خليط من تغلب وعبس وهوازن، وتنتمي تغلب الى ربيعة لكن عبسا وهوازن تنتميان الى مضر. أما آل جعفر الذين ينتسب إليهم آل رشيد الحاكمون فينتمون الى قبيلة ثانوية تدعى العبدة من قحطان، وفيما عدا هذه الروايات المحاطة بالغموض يجهل الشمريون تاريخهم الذي يسبق توطنهم في جبل شمَّر، أي جبلي طيء الذين كثيرا ما يرد ذكرهما في أدبيات الجاهلية، حيث حلوا محل أو امتزجوا بأمة طيء القديمة التي هي فرع من قحطان)).
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 10 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومثل ذلك ما جاء في الوثائق العثمانية، قال د/ زكريا كورشون في العثمانيون وآل سعود ص227، ملخصا: ((كانت منطقة جبل شمَّر في شمال نجد مأهولة بقبائل عربية كثيرة ذات أصول متعددة، وهذا الاتحاد الذي تكونه هذه القبائل يدعى بقبائل شمَّر)).
وثمة احتمالا ذكره الباحث ثامر عبد الحسين العامري في موسوعة العشائر العراقية:1/131، أشار فيه الى أن العبدة تمت الى قحطان رأسا، أما بقية فروع شمَّر فهم من طيء خاصة، ونسبهم البسام في عشائر العرب الى حاتم الطائي قال ص99: ((شمَّر: هم من ذرية حاتم)).
لكن لوريمر في دليل الخليج الجغرافي:6/2264 يذهب الى احتمال كونهم من أب واحد لا من شعوب مختلطة اعتمادا على علم القيافة -وهي معرفة النسب بالنظر الى الهيئة الخارجية والآثار - ، قال: ((شمَّر هي إحدى القبائل الشديدة البأس في جزيرة العرب، ويعتبرون أنفسهم أنبل الجميع، وهو إدعاء ربما يكون مبالغا فيه ولكن له ما يبرره، ويعتقد أنهم أصلا من اليمانيين أو القحطانيين ولا يبدو أنهم جنس مختلط. والرجال طوال ويلبسون العباءة، ويمكن تمييزهم بسهولة عن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 11 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جيرانهم أهل عنيزة، وهم في غاية الكرم)).
3 - منازل شمَّر
قال الحموي (ت/626 هـ) في معجم البلدان:2/47، في مادة توران: ((قرية في أجأ أحد جبلي طيء، لبني شمر من بني زهير)).
وقال البكري في معجم ما ستعجم:3 /816، ((شوط: في ديار بني ثعل، من أحد جبال طيء، وحية أيضا: موضع في ديارهم. وقيس: ابن ثعلبة بن سلامان بن ثعل - يعني قيس بن شمَّر - وقد أعاد ذكره في موضع آخر، فقال:
أجار قسيسا فالطهاء فمسطحا * وجوا فروَّى نخل قيس بن شمَّرا
ونقل عن الهمداني: أن قسيسا، هو قسيس بن عبد جذيمة الطائي. قال: وشمَّر على فعَّل ليس إلا في حمير وطيء)). (أنظر البيتين في ديوان امرئ القيس ص98)، ويعني ذلك أن قسيسا وشمَّر أخوان، وهما ابنا عبد جذيمة الطائي إضافة الى أخيهم زريق.
ومما مرَّ نخرج بالنتائج التالية:
أولا: أن شمَّر بطن من طيء، يرجعون في نسبهم إلى شمَّر بن عبد جذيمة بن ثعلبة على ما ذكر ابن الأثير، أو إلى شمَّر بن عبد جذيمة بن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 12 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
زهير بن ثعلبة كما عن ابن الكلبي.
ثانيا: كان لشمَّر ولدان هما: قيس، وحبيب المذكور في عمود نسب الجرنفش الشاعر، والشمريون من ولد قيس المذكور في شعر امرئ القيس (أنظر: المؤثل في أنساب بعض العرب: عبدالسلام المسعودي:125)
ثالثا: هاجروا من اليمن مع قومهم من طيء، ونزلوا الجبلين أجأ وسلمى، وكانت لهم ديار معروفة فيها، منها: شوط، وحية، وتوران، وجو، ومسطح، والطهاء، وثرمد...
رابعا: كان بنو شمَّر حيا ذا قوة ومنعة بحيث طلب امرئ القيس مساعدتهم في حربه مع بني أسد في قصة قتل أبيه الحارث الكندي، وفي الاشتقاق 213، أنه نزل على بني تيم (بن ثعلبة) المعروفون بمصابيح الظلام، وربما كانت شمَّر من فروعهم.
خامسا: كان يعبر عنهم تارة ببني ثُعل، والنسب إليه ثُعلي (لب اللباب في تحرير الأنساب: السيوطي:57، المفصل في تاريخ العرب: جواد علي:4/451)، وأخرى ببني سلامان (مختلف القبائل ومؤتلفها: ابن حبيب:68). ولذا لم يتردد اسم شمَّر كثيرا في كتب التاريخ والأنساب القديمة.
سادسا: قويت شوكة شمَّر مع مرور الزمن، بسبب كثرة عدد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 13 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أبنائها، وحنكت قادة القبيلة وشيوخها، واشتدَّ عودها فلاذت بها قبائل أخرى وتحالفت معها طلبا للقوة والمنعة، وربما ورثت زعامة الحلف من بني لام كما أسلفنا، وكان أكثر تلك القبائل من قحطان، وخصوصا من طيء؛ لذا غلب اسم شمَّر على القبائل الطائية التي كانت تشاطرها السكنى في جبلي أجأ وسلمى.. (أنظر: المؤثل في أنساب بعض العرب: المسعودي:125 وص129، وموسوعة عشائر العراق: عبد عون الروضان:2/26، موسوعة العشائر العراقية: ثامر عبد الحسن العامري:1/ 131، الأنساب المنقطعة: أحمد عبد الرضا كريم:329)
4 - أقسام قبيلة شمَّر
تقسم قبيلة شمَّر بتقسيمين، أحدهما باعتبار مناطق سكناها، والآخر باعتبار أفخاذ وبطون القبيلة، أما باعتبار مواطن سكنها، فتنقسم إلى الأقسام التالية:
1- شمَّر الجبل
أو شمَّر الجنوب وهم الذين يستوطنون السهول المحصورة بين جبلي أجأ وسلمى، وكانوا تابعين لإمارة آل الرشيد قبل سقوطها على يد آل سعود، ولا تفترق هذه القبائل عن قبائل شمر الأخرى إلا في الموطن، وللتفريق بينها وبين غيرها من قبائل شمّر الشمال، قيل لهم:
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 14 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
شمر الجبل أو قبائل ابن رشيد. (معجم قبائل العرب: عمر كحالة:2/609) ومن بلدات وقرى شمَّر الجبل: ((حائل، وتيمة، وعلق، وعقدة، والعيون، وبدع، وفايد، وغزالة، وحفينة، وحفنة، والجذامية، وكهفة، ولقيطة، وموفق، والمستجدة، وعضيم، وقصر الربيعة، وسبعان، وطابة، وفيد)) (دليل الخليج الجغرافي:5/2262)
2 - شمَّر الجرباء
وهؤلاء انفصلوا عن القبيلة وهاجروا إلى سوريا وشمال العراق وتركيا، تحت قيادة الرؤساء آل محمد، وعددهم يعادل ضعفي من بقي من الشمريين في حائل، أما فرع شمر الذي أصبح داخل الحدود الشامية، وأقام في الجزيرة إحدى محافظات الجمهورية السورية، فيدعى أولا: شمر الزور، أو شمر العمشات، وثانيا: شمر الحدود أو شمر دهام، وأما من سكن منهم العراق في الموصل فيحملون نفس التسمية الأصل. (المصدر السابق، وأنظر: عشائر العراق: العزاوي:1/174)
3 - شمَّر طوكة
وهؤلاء قبائل وأفخاذ من شمَّر الجرباء هاجروا إلى العراق أيضا، في عهد دولة المماليك التركية، وسكنوا وسط العراق وجنوبه (عشائر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 15 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العراق:1/174، القاموس العشائري: أحمد الناصري:1/366)، وتمتد ممتلكات شمَّر طوكة على الضفة اليسرى لدجلة من بغداد الى مواجهة البغيلة، وطول أرض القبيلة من شاطئ دجلة في اتجاه التلال الإيرانية حوالي 25 ميلا، وتشمل جزءا من طريق ديالى. (دليل الخليج الجغرافي:6/2268)
4 - شمَّر الصائح
قال العزاوي في عشائر في تحديد هوية هذه الفرقة من شمَّر، 1/175: ((وهؤلاء كشمر طوكة بلا فرق، فإنهم فرق مختلفة من قبائل شمَّر المعلومة اليوم، فلا يقال أنهم خارجون عن الأقسام الأصلية بوجه، ولكن استقل هؤلاء بالتسمية المذكورة... وهؤلاء كانوا في العراق قبل أن تتكون حكومة المماليك - في حدود سنة 1750م - من أيام الوزير حسن باشا أو قبله))، وقال ص204: ((وهذه القبائل لم يكن اسمها هذا، وإنما هي في الحقيقة تسمية حادثة أطلقت على جموع من قبائل شمَّر كانت قد تابعت الصديد - أحد شيوخ شمَّر من الصبحي - لما أن حارب الجرباء أو نازعها، فمن صار الى جهة الصديد أو تبعه أو أجاب نداءه أطلق عليه الصائح، ومن مال الى الجرباء وتابع رؤساءها عدَّ من الجرباء)).
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 16 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الثاني: بطون شمّر وعشائرها/h3
قبيلة شمَّر في عصرنا الحاضر كبيرة العدد، كثيرة الأفخاذ والبطون والعشائر والحمائل؛ وقد اختلف الباحثون في علم الأنساب في إرجاع البطون والفروع الى أصولها اختلافا كبيرا، يصعب على الباحث معه معرفة الحقيقة، فلوريمر في دليل الخليج الجغرافي:6/2264، وهو كتاب اعتمد مؤلفه في جمعه على تقارير الرحالة الغربيين في العراق والجزيرة العربية، وطبع الكتاب لأول مرة سنة 1914، قسَّم شمَّر الى خمس فروع رئيسية، وهي: عبدة، والأسلم، الدغيرات، سنجارة، التومان.
أما العزاوي في عشائر العراق:1/ص178، فقد قسمهم الى خمسة أقسام أيضا، وهي: الخرصة، سنجارة، زوبع، الصائح، وهم فرعان: الأسلم، والصبحي، وأخيرا العبدة. وذكر البسام في عشائر العرب ص71 ثلاثة أصول لهم في نجد، هي: زوبع، وعبدة، والأسلم. أما في العراق ص88، فهم عند البسام: الزكاريط، وزوبع، وشمر الجانب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 17 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الشرقي من دجلة (طوگة)، وفي ص99 : شمر (الجربا) والصائح.
وقد اتبعنا في التفريع بين الأصول هنا على ترتيب المسعودي في المؤثل، نظر لصدور الكتاب حديثا، ولكون المؤلف من المسعود من شمَّر.
أولا: زوبع: وهم أبناء زوبع بن محمد الحارث شريف طيء في أواخر العصر العباسي، وتنقسم زوبع إلى قسمين رئيسيين:
الأول: سنجارة، وتنقسم إلى خمس قبائل:
1- يحمل نفس اسم القبيلة الأصل (زوبع)، لذا قال العزاوي في عشائر العراق:1/189: ((وهذه القبيلة تعد نفسها من سنجارة، أو أنها وقبيلة سنجارة من جذم واحد، والحقيقة أن بعض الفرق تحافظ على الاسم القديم، وبقية أقسامها تسمى بأسماء جديدة)).
وهذا ممكن من باب تسمية الكل باسم الجزء، أو لتشابه في الاسم بين الأصل والفرع، كما هو الشأن في قبيلة زبيد حيث زبيد الأصغر فرع من زبيد الأكبر. وقد ذكر لهم الروضان في موسوعة عشائر العراق:1/358 الفروع التالية:
أ- الحمام، ومنهم: الظاهر، والعودة، والبكر، والعساف، ولكل من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 18 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هذه العشائر فروع أخرى.
ب- السعدان: ومنهم: الفياض، البو خضر، والخضير، والعبيد -وهي غير قبيلة العبيد الزبيدية- ولهذه العشائر فروع.
ت- الچدادة: ومنهم: البرغوث، الزبار، والخماس، والحميد، والبهيم، ولكل منها فروع.
ث- الفداغة: وهم ما يقرب من عشرين فرعا. 5 - بنو زيد: وهم أربع فروع. ج- الكروشيين: وهم ثمان وعشرون فرعا. ح- النمور: ثلاث فروع. خ- الشيتي: أحد عشر فرعا. د- الهيتاويين: عشر فروع (أنظر: موسوعة عشائر العراق للروضان:1/380 وما بعدها، موسوعة العشائر العراقية للعامري:1/ من ص153 - 167)
2- الثابت: وهي فرقة كبيرة من سنجارة، وتتفرع إلى: العمار، والتومان، والنجم، والزرعتين. (المؤثل:156، القاموس العشائري:1/95، عشائر العراق:1/183)
3- الزميل: وهم أبناء الزميل بن محمد الحارث، وينقسمون إلى تسع عشائر. (المؤثل:157)
4- الزامل: وهم أبناء زامل بن محمد الحارث، وينقسمون إلى فرعين رئيسيين، هما: السويد، والفداغة، ولكل منها فروع كثيرة (المصدر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 19 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
السابق:158)
5 - الغفيلة: وهم أبناء علي بن محمد الحارث، وينقسمون إلى أربع أو خمس عشائر. (أنظر: المؤثل:158، القاموس العشائري:1/331، عشائر العراق:1/186)
الثاني: زائدة، وهم الفرع الثاني من زوبع، وينقسمون إلى ثلاث قبائل:
1- الخرصة: وينقسمون إلى: البريك، والهضبة، والغشم، والعليان. 2- العمود: وهم ثلاث عشائر. 3- الصبحي: ومنهم: الشبيش، والميامين، والشواريف، والحريرة. (المؤثل:159، وذكر العزاوي ج1 ص210 فروع أخرى).
ثانيا: عبدة
وتنقسم إلى العشائر التالية:
1- عشيرة اليحيى، ويسكنون الموصل وربيعة، وينقسمون الى سبعة فروع. (موسوعة العشائر العراقية:1/149)
2- الدغيرات، ويسكنون ناحية الدبس في كركوك، وهم ست فروع. (المصدر السابق:1/150)
3- الجدي: ويسكنون ما بين الموصل وربيعة، وهم ست فروع أيضا. (المصدر السابق)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 20 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
4- الجعفر، منهم أمراء شمر في نجد: آل علي، وآل رشيد، (المؤثل:162 - 163) وسيأتي الحديث عن إمارة آل رشيد وآل علي في نجد، وأضاف لهم في موسوعة عشائر العراق1/162: البو علوان، الحلابسة، البو فهد، ولكل منها فروع كثيرة. (وانظر أيضا: القاموس العشائري:2/28) وفي المؤثل ص168، ومن الجعفر آل جباس، ويسكنون سوق الشيوخ وقضاء عفك، وهم متحالفون مع بني حسن الهلالية.
5- العفاريت: وهم عشر فروع، ويسكنون ربيعة. (موسوعة العشائر العراقية:1/151)
6- المردان: على حدود سوريا، وهم خمس فروع (المصدر السابق)
ثالثا: الأسلم
ويعرفون أيضا بضنا كدير وأهل الحيسة أيضا، وهم من عشائر الصائح، ومن فرقهم:
1- انبيجان: وهي فرقة كبيرة تتفرع منها عدة فروع. 2- البعير: وتتكون عشائرهم من ثلاث فروع. 3- الجحيش: وهم غير جحيش زبيد. 4- الوهب.
5- المنيع، وهي أيضا قبيلة كبيرة ذكر العزاوي:1/209 في عشائر العراق لهم عشرة فروع، من أشهرها: الكامل، والغرير، المناصير،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 21 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والمسعود، ويسكن المسعود أرياف كربلاء، وقد هاجروا الى العراق قبل ثلاثة قرون على أثر خلاف نشب بينهم وبين أشراف مكة والأتراك، وينقسمون الى ثلاث فرق: الكوام، والفرحان، والهرير. (أنظر: موسوعة العشائر العراقية:1/191 وما بعدها)
وعدَّ الروضان في موسوعة عشائر العراق:1/56 عشائر أخرى قال أنها تعود للأسلم، منها:
6- الصبحي: وهم ثلاث عشائر رئيسية هي: آل حريرة، والصديد، والشومان، ولكل منها فروع عديدة. 7- آل زياد: وهم غير آل زياد بني حجيم، وينقسمون إلى ستة فروع. 8- الصدعان: ويسكنون النعمانية والعزيزية، وعد لهم أربعة عشر فرعا.
وهناك قبائل أخرى كثيرة ترجع إلى شمَّر، ومن جملة القبائل الشمرية في العراق اليوم:
1- الفناهرة: ومساكنهم موزعة بين بغداد والكوفة، ولهم ثمان فروع. (المؤثل:180)
2- آل غانم: وهم بطنان، ويسكون نهر الزيجية. (المصدر السابق)
3- البو غانم: وهم من آل سويد من فروع عبدة، ويسكنون سدة الهندية في بابل، وتتألف هذه العشيرة من ثمانية عشر فرعا. (المصدر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 22 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
السابق:182)
4- الزگاريط: وعدهم ثامر العامري في موسوعة العشائر العراقية:1/151، من فروع العبدة، وذكر لهم سبعة أفخاذ تلحق ببعضها فند، وهاجر الزگاريط قبل قرنين من الزمن الى صحراء كربلاء، فقد ((كانت عشائر الجشعم البدوية هي المقيمة والمستولية على بوادي كربلاء، ثم زاحمتها على الإقامة فيه عشيرتا المسعود والزگاريط وكلاهما من أفخاذ شمَّر وحلتا محلها، فمالت المسعود الى التوطين والزراعة وحافظت الزگاريط على البداوة، ولما نزحت قبيلة عنزة الى كربلاء تقلص نفوذ الزگاريط ولكنها ظلت مسالمة، وكانت تقف في غزوات القبيلتين شمّر وعنزة موقف الحياد، فلا تقدم على معاونة شمَّر ولا معاداتها، وكانت عنزة ترضى منها بذلك، وبمناسبة الرغبة العامة لدى البدو بالأراضي الزراعية، وتردي أحوال العشيرة الاقتصادية...طمح رؤساؤها الى الاستيلاء على أرض، وقد اتجهت رغبتهم في استغلال الأراضي المحيطة بالعيون في بادية شفاتة (عين تمر) وباشروا بغرس فسائل النخيل، إلا أن الحكومة آنذاك تخوفت من وقوع صدامات بينها وبين عنزة، فتم تخصيص أراض لهم في مشروع الجازية وأم الطليان فاستوطنوا هذه الأماكن)) (البدو والقبائل الرحالة في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 23 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العراق: مكي الجميل:275)
5 - گريط: ويسكنون الهندية وما جاورها (المؤثل:190)، وقال العامري في القاموس العشائري:2/139: ((عشيرة گريط أصلهم من آل جعفر من قبيلة عبدة، تقع مساكنهم في طويريج في أرض الطيعة من الجدول الغربي والمنغهان وجنازة وغيرها، وعدد لهم أربع فرق، يتبع كل فرقة بعض الفند))
أقول: وهم معروفون بخدمة السائرين لزيارة الحسين عليه السلام مشيا على الأقدام، وقد حللت بضيافتهم شخصيا مرات عديدة زمن الطاغية المقبور.
6 - آلبو حداري: وهي عشيرة كبيرة، يسكنون ضفتي شط الكوفة ومنهم في الشامية. (المصدر السابق:192)، وفي القاموس العشائري:1/181 عدهم في قبائل بني حسن الهلالية، وقال الروضان في موسوعة عشائر العراق:1/203: ((تقول بعض المصادر أن هذه العشيرة من عشائر شمَّر، وقد سكنوا مع بني حسن قبل أكثر من مائتي سنة)).
7 - آل دهيم: قيل أنها من الجراح من بني حسن، وقيل هي من شمَّر، ويسكنون في الكوفة والشامية، ويتألفون من عدة فروع. (المؤثل:192)
8 - عشيرة أهل المجاوير: ويسكنون في مناطق من الديوانية،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 24 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كالحمزة، والسدير، والشامية، والسنية، وهم عدة فروع. (المصدر السابق:193)
9 - آل عمرو: وهم من شمَّر عبدة، تقع منازلهم على جهتي شط الدغارة.
10 - عشائر الأگرع (الأقرع): وهي عشيرة شمرية انحدرت من نجد، وكانت منازلها في قرعاء بين النجف وحائل، وقد دفع الجفاف بهذه العشيرة الى النزوح من موطنها الى الدغارة، ثم توزعوا الى السنية، وناحية سومر والحمزة الشرقي والشافعية والسدير. وهذه العشيرة مكونة من سبعة أسلاف (أنظر: موسوعة العشائر العراقية:1 /253 وما بعدها) وقد ذكرنا بعض فروعهم ضمن هذا المختصر بعناوين منفردة.
11 - عشائر عفك الشمرية: وهم عدة أفخاذ، ويسكنون قضاء عفك، وهم من الجعفر من شمَّر عبدة. (المؤثل:195)
12 - آل غانم: وهم غير المذكورين سابقا، فهؤلاء من عشائر عفك، وهم فروع عديدة. (المصدر السابق:196)
13 - آل حمزة: وتقع منازلهم على جهتي شط الدغارة، وهم أخوة آل غانم، وينقسمون إلى خمس مجموعات. (المصدر السابق:197)
14 - عشيرة البحاحثة: ويسكون الدغارة أيضا، وهم فروع كثيرة. (المصدر السابق:197)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 25 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
15 - آل شبانة: وهم من الخرصة من شمَّر، وتمتد منازلهم من الدغارة حتى قلعة شخير، ومنهم في كربلاء، وهم فروع عديدة. (المصدر السابق:199)
16 - آل كروش: ومنازلهم تقع في صدر شط الدغارة، وتجاورهم عشيرة آل عمرو.
17 - الهلالات: من عشائر عبدة الشمرية، وهم خمس فروع. (المصدر السابق:200)
18 - آلبو فهد: وهم من الضياغم من شمَّر عبدة، ويسكنون الرمادي. (المصدر السابق:201)
19 - الجعافرة: بطن من شمَّر عبدة، ويسكنون بغداد وغيرها (المصدر السابق:204)
20 - عشيرة العواد: وتسكن هذه العشيرة كربلاء، ولهم تاريخ مشهود في الحركات التحررية في العهد العثماني، وفي دفاعهم عن كربلاء في مواجهة الغزو الوهابي، كما اشتركوا في ثورة العشرين ضد الانكليز. (المصدر السابق:204)
21 - الغرير: وهي من البطون المعروفة في شمَّر، وفرع من المنيع، ينقسمون إلى: الخليفة، العمران، العبابدة، الغويثات، الجواسمة، البو جناد، السفافحة، البو حسن، الشريفات، الزابية.... (عشائر العراق:1/235)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 26 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وهناك عشائر أخرى اختلف في كونها من شمَّر أو من غيرها أعرضت عن ذكرها خشية الإطالة.
عشائر شمر طوكة
1 - عشائر الحفرية، وهم: بيت بردي، والنفافشة، والشويفي، والكرادة، والمردان، والكفيفان، وطليحة، والدلفية. (موسوعة العشائر العراقية:1/169 وما بعدها)
2 - عشائر العزيزية، وهم: عشيرة المجابلة، وهم عشرة أفخاذ، وعشيرة الدوار: وهم في الأصل من الدغيرات، وينقسمون الى أحد عشر فرعا. وعشيرة الدلابحة، وهم تسع فروع. وعشيرة عتبة: وهي في الأصل من ربيعة ثم اندمجت مع عشائر شمر طوكة. وعشيرة القرغول. وعشيرة الخوالد، وهم ست فروع. وعشيرة البنوة، خمس فروع. وعشيرة آل بو صبر. (المصدر السابق:1/175 وما بعدها)
3 - عشائر سلمان باك، وهم: عشيرة المناصير، أربع فروع. عشيرة الهيرار، أربع فروع. عشيرة الحمران: فرعان. (المصدر السابق:1/182)
4 - عشائر النعمانية، وهم: عشيرة الدعية، ست فروع، عشيرة الصدعان، أربعة عشر فرعا، وعشيرة الثوابت (المصدر السابق:1/184 وما بعدها)
5 - عشائر ديالى، وهم: الزكزك، والمسعود، والشهيلات: وهم من السادة العساكرة، وحلفاء لشمَّر طوكة. (المصدر السابق:1/186 - 189)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 27 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الثالث: نبذة من تاريخ شمّر في نجد
تمهيد
بالرغم من ورود ذكر لقبيلة شمَّر في أشعار امرئ القيس واستنصاره لهم على بني أسد قتلة أبيه كما مر، إلا أنه لم يرد ذكر لهذه القبيلة ورجالاتها بعد ذلك في كتب التاريخ طيلة تسع مائة سنة تقريبا، وربما يرجع ذلك إلى سببين:
الأول: غلبة اسم القبيلة الأم (طيء) على سائر بطونها، خصوصا وأن زعامة القبيلة في النصف الأول من القرن الهجري الأول كانت لعدي بن حاتم الطائي، وهو شخصية إسلامية كبيرة ومن محتد عريق فأبوه حاتم الطائي مضرب المثل في الکرم بين العرب، ولذا ذابت التسميات الجانبية للبطون في ظل قيادة هذا الرجل الهمام للقبيلة، قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة:1/56، وهو يذكر كيفية مرور أمير المؤمنين عليه السلام على بلاد طيء وهو في طريقه إلى البصرة، وخروج الطائيين معه لنصرته: ((وذكروا أن (عدي) ابن حاتم قام إلى علي عليه السلام ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 28 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقال: يا أمير المؤمنين، لو تقدمتُ إلى قومي أخبرهم بمسيرك وأستنفرهم، فإن لك من طيء مثل الذي معك. فقال علي عليه السلام : نعم، فافعل. فتقدم عدي إلى قومه، فاجتمعت إليه رؤساء طيء، فقال لهم: يا معشر طيء، إنكم أمسكتم عن حرب رسول الله’في الشرك، ونصرتم الله ورسوله في الإسلام على الردة، وعلي عليه السلام قادم عليكم، وقد ضمنت له مثل عدة من معه منكم، فخفوا معه، وقد كنتم تقاتلون في الجاهلية على الدنيا، فقاتلوا في الإسلام على الآخرة، فإن أردتم الدنيا فعند الله مغانم كثيرة، وأنا أدعوكم إلى الدنيا والآخرة، وقد ضمنت عنكم الوفاء، وباهيت بكم الناس، فأجيبوا قولي، فإنكم أعز العرب دارا، لكم فضل معاشكم وخيلكم، فاجعلوا أفضل المعاش للعيال وفضول الخيل للجهاد، وقد أظلكم علي والناس معه، من المهاجرين والبدريين والأنصار، فكونوا أكثرهم عددا، فإن هذا سبيل للحي فيه الغنى والسرور، وللقتيل فيه الحياة والرزق، فصاحت طيء: نعم، نعم، حتى كاد أن يصم من صياحهم. فلما قدم علي عليه السلام ، طيء أقبل شيخ من طيء قد هرم من الكبر، فرفع له من حاجبيه، فنظر إلى علي عليه السلام ، فقال له: أنت ابن أبي طالب؟ قال نعم. قال: مرحبا بك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 29 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأهلا، قد جعلناك بيننا وبين الله، وعديا بيننا وبينك، ونحن بينه وبين الناس، لو أتيتنا غير مبايعين لك لنصرناك، لقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأيامك الصالحة، ولئن كان ما يقال فيك من الخير حقا إن في أمرك وأمر قريش لعجبا، إذ أخرجوك وقدموا غيرك! سر، فوالله لا يتخلف عنك من طيء إلا عبد أو دعي إلا بإذنك. فشخص معه من طيء ثلاثة آلاف راكب)).
فهذا الخبر يعطينا صورة للانقياد التام لقبيلة طيء لشخصية زعيمها عدي بن حاتم، وغياب أسماء بطونها في سير الأحداث، وإلا فإن من المؤكد أن ثلاثة آلاف مقاتل ليس بالعدد القليل، وبالتأكيد أنهم كانوا من مختلف بطون طيء.
السبب الثاني: أن منطقة جبال طيء والتي بقيت فيها شمَّر ولم تهاجر منها، كانت تقع على مسافة بعيدة من حواضر الإسلام، خصوصا عواصم الدول زمن بني أمية وبني العباس والدولة الفاطمية مما جعلها لا تتأثر كثيرا بمجريات الأحداث السياسية والاجتماعية، ويترتب على ما ذكرنا عدم صحة ما ذكره العزاوي:1/84، من أن بني سلامان التي منهم شمَّر قد وفدوا على
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 30 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
النبي صلى الله عليه وآله ، فسلامان الوافدون على رسول الله صلى الله عليه وآله سنة 9هـ، هم بنو سلامان من بني أسلم من قضاعة لا سلامان طيء. (أسد الغابة: ابن الأثير:1/372، الإصابة: ابن حجر:2/19، السيرة الحلبية:3/270).
نعم قبيلة طيء وفدت على رسول الله صلى الله عليه وآله سنة تسع للهجرة، وكانوا خمسة عشر رجلا، وترأس الوفد زيد الخيل بن مهلهل النبهاني الطائي، فأسلمت طيء بإسلام سادتها، ومنهم بطبيعة الحال بنو قيس بن شمَّر أو بنو سلامان. (الطبقات:1/321) كما لا صحة لما ذكره صاحب المؤثل:220، من أن قبيلة أسلم الشمرية أسلمت مع رئيسها بريدة الأسلمي، إذ ليس في قبائل العرب من يحمل اسم أسلم - بفتح اللام - يومذاك سوى أسلم بني جمح من قريش، وبني أسلم بن أفصى بن حارثة من خزاعة من الأزد. وبريدة وأبو برزة الأسلميان من أسلم خزاعة (الاستيعاب:1/185، الإصابة:6/341) وقال في المؤثل أيضا: وينسب لهم أبو عبد الرحمان بن حبيب السلمي من أصحاب الإمام علي عليه السلام ، وهو اشتباه أيضا فأبو عبد الرحمان من بني سليم بن منصور من قيس عيلان. (الأنساب: السمعاني:3/278).
والحاصل: يجد الباحث صعوبة عند كتابة تاريخ خاص لقبيلة شمَّر لعدم ورود ذكر لها أو لرجالاتها في المصادر القديمة، فتاريخها يندرج
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 31 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ضمن تاريخ القبيلة الأم طيء. نعم يبدأ تاريخ شمَّر الخاص من أوائل القرن العاشر في نجد كما أسلفنا، وتجلى تاريخهم أكثر عند قيام إمارتي آل علي وآل رشيد في حائل. ومن المؤسف أن تاريخهم الحديث أيضا كتب بأيدي أعدائهم من مؤرخي السلطة الوهابية أو المتملقين لها، حتى عباس العزاوي الذي كان من المفترض أن يكون حياديا وهو يكتب عن العشائر العربية، إلا أنه عبَّر في آخر كلامه بعبارات قاسية عن إمارة آل رشيد الشمرية، وصوَّر خصومهم من آل سعود وكأنهم رحمة الله التي نزلت للعباد، قال في عشائر العراق:1/220 ((وهذه الإمارات لا همَّ لها سوى السلب والنهب، أو قل إن المحاربات فيما بينها أشبه بحروب العصابات....، ولم تر المملكة راحة حتى قيض الله للجزيرة آل سعود فأنقذ الناس مما هم فيه))، فكيف يمكن الثقة بالمدون من تاريخ القبيلة والحال هذا؟ لكن سنحاول التماس الحقيقة بين هذا الركام الهائل من التضليل، مستعينا بالله على ذلك.
إمارة آل علي
كانت بلاد الجزيرة العربية عامة، وخصوصا نجد أيام الحكم العثماني تتكون من عدة إمارات عشائرية، كإمارة آل معمر التميميين
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 32 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في العيينة، وإمارة بني خالد في الإحساء، وآل سعود في الدرعية... وكانت هذه الإمارات ترتبط بشكل غير مباشر بالدولة العثمانية. وما قيل عن هذه الإمارات والحياة الاجتماعية يومذاك، وأنها كانت تشبه الحياة الجاهلية من القتل والنهب والسلب حتى جاءت الدعوة الوهابية (تاريخ الفاخري:1)، لا يخلو من مبالغة الغرض منها تعظيم عمل ابن عبد الوهاب وآل سعود.
أما منطقة جبل شمَّر ومركزها حائل، فكان سكانها من قبائل مختلفة، إلا أن أغلبية السكان كانت من تميم وشمَّر، وكانت بعض بطون شمَّر تسكن في سراة عبيدة في بلاد قحطان، ثم انتقلوا إلى وادي تثليث، ومنه إلى وادي الدواسر ثم الأفلاج، وبعد صدامات مع القبائل القاطنة هناك، انتقلوا إلى حائل. www.ansab-online.com)). وتشير بعض المرويات إلى أن هذه الهجرة قد حدثت قبل أربعة قرون (نشأة إمارة آل رشيد: عبد الله العثيمين:3) وهو أمر محتمل إذ كثيرا ما كان يهاجر جزء من القبيلة، ويبقى جزء منها في موطنها الأصل، ثم تحدث هجرة ثانية إلى نفس الديار التي اختارتها القبيلة. ويبدو أن عشيرة العبدة انتزعت سيادة منطقة الجبل من زعمائها السابقين بعد معركة عقدة،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 33 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يقول العزاوي:1/129، ((أنهم كانوا من زبيد، وكان زعيمهم يسمى بهيج بن ذبيان الزبيدي)). ولعل زبيد المعنيون هنا، وهم بنو زبيد بن معن بن عمرو بن عنيز بن سلامان، بطن من طيء، فهم يلتقون مع شمَّر في سلامان.
وقال د/كورشون في العثمانيون وآل سعود ص227: ((في نهاية القرن الثامن عشر كان يوجد هناك شيخ بدوي يسمى بهيج ينتمي الى قبيلة (سمب) التي قامت بتأسيس مدينة حائل...، غير أنه في إحدى الغزوات انهزم أمام عشيرة عبدة، واضطر الى الانسحاب الى الجزيرة (الفراتية)، وفي الأصل فإن العبديين ينتمون الى قبائل قحطان، وكانوا يعيشون شرق عسير، وربما استوطنوا في جبل شمَّر نتيجة لحياة الترحال التي تميز بها البدو، بعد أن هزموا بهيج، وكانت الإدارة بيد آل علي، وهم فرع من الجعفر التابع لهذه العشيرة)).
إلا أن تلك القوى المنتصرة لم تأسس حكما حضريا وبقيت المجموعات المنتصرة تحكم بشكل قبائل بدو، حتى وصول آل علي من الجعفر من عبدة إلى سدة الحكم، حيث استطاعوا تأسيس أول حكم مركزي حضري في مدينة حائل، وتتالى على حكم تلك الإمارة أكثر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 34 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من 13 أميرا، بدءا من المؤسس الأول لإمارة آل علي، الأمير علي بن علي الكبير بن عطية آل جعفر، وانتهاء بالأمير عيسى بن عبيد الله آل علي، ومن أمرائهم المشهورين:
علي بن علي بن عطية الكبير. وعيسى بن علي. ومحمد بن عيسى. وفايز بن محمد. وعبد المحسن بن فايز. وصالح بن عبد المحسن. وعيسى بن عبيد الله آل علي. www.marefa.org/index.php))
شمَّر في مواجهة المد الوهابي
تبنى آل سعود حكام الدرعية المذهب الوهابي بعد تحالف محمد بن سعود مع محمد بن عبد الوهاب سنة 1157 هـ، ودارت رحى عدوانهم على الإمارات والمدن والقبائل المجاورة لإمارتهم بدعوى أنهم كفار يجب إعادتهم إلى الإسلام، وإدخالهم في طاعة آل سعود (أنظر: كيف كان ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب:48 وما بعدها)، وكان لقبيلة شمَّر وإمارتها في حائل حصة كبيرة من ذلك العدوان.
ويبدو من بعض المؤرخين لتلك الحقبة أن الغزو الوهابي لشمَّر كان مبكرا، فاضطرت قبائل شمَّر الى القبول بمذهب ابن عبد الوهاب ظاهريا ريثما تسنح لهم الفرصة، وما أن سنحت تلك الفرصة حتى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 35 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
انتفضوا على آل سعود، ففي أحداث سنة 1178هـ، قال الظاهري في كتابه (آل الجرباء في الأدب والتاريخ ص9) نقلا عن لمع الشهاب: ((هيأ محمد بن سعود عسكرا من ستة آلاف مقاتل، بقيادة ابنه عبد العزيز وبأمر من محمد بن عبد الوهاب، وأرسله الى طائفة شمَّر، وكانت شمَّر قد دخلت في الطاعة قبل ذلك، ولما سمعوا بمجيء النجراني وعرعر - يقصد هجوم زعيم نجران، وابن عريعر شيخ بني خالد على الوهابيين - ارتدُّوا عن حكم ابن سعود، وجعلوا يغزون أطرافه، فسار عبد العزيز بالجيش الى جبل شمَّر وغزاهم ليلا، فأهلك منهم جمعا كثيرا، وأسر منهم مائتي رجل بل أزيد))، وبالرغم من هذه الوقعة الأليمة، فقد استمرَّ الشمريون بالنضال ضد الحكم الوهابي، فاشتركوا عام 1196هـ إلى جانب أهل القصيم في الثورة ضدَّ الحكم السعودي، وقاد الثوار حاكم الإحساء سعدون بن عريعر الخالدي، فحاصروا مدينة بريدة في القصيم التي كان يحكمها حجيلان بن حمد أحد قادة آل سعود وتابعيهم (عنوان المجد: ابن بشر:1/146).
وفي 1200هـ غزى حجيلان والوهابيون إمارة آل علي في حائل مرة أخرى، فصادف قافلة تجارية كبيرة في البقعاء - شمال شرق حائل-
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 36 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قادمة من البصرة وسوق الشيوخ، فنهبها وقتل عددا من رجال القافلة وفرَّ راجعا. (المصدر السابق:1/157)
ثم اشتركت شمَّر سنة 1201 في جيش ثويني السعدون زعيم قبيلة المنتفق الذي قصد نجدا لمحاربة الوهابيين، فحرر قرية التنومة قرب القصيم، وأتاه أهل قرية الزلفى يطلبون الأمان، ثم تقدم إلى بريدة فحاصرها (المصدر السابق:1/159)، لكنه رجع عنها إلى البصرة لاضطراب الوضع فيها بسبب إفساد الوالي العثماني إبراهيم أفندي في المدينة فألقى القبض عليه وحبسه في الزبير. (العراق بين احتلالين:6/100).
واستغل حجيلان بن حمد الوهابي أمير القصيم الفرصة بعد رحيل الشيخ ثويني، وبأمر من عبد العزيز آل سعود فأغار على جبل شمَّر، معاقبا لهم بزعمه على وقوفهم إلى جانب القبائل العراقية في محاربة آل سعود، فأخذ منهم إبلا كثيرة وأثاثا وأمتعة، وقتل من الشمريين مائة رجل، فبايعوه مكرهين، وخضعت إمارة شمَّر لسلطة آل سعود مرة أخرى. (عنوان المجد: ابن بشر:1/160، نشأة إمارة آل رشيد:7).
لكن ((دخول بلدان الجبل ضمن دولة الدرعية لم يكن يعني خضوع بادية شمَّر لتلك الدولة، فضلا عن عشائر شمَّر التي كانت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 37 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خارج نجد والموجودة في الأراضي العراقية)) (المصدر السابق:9)، بل وحتى حاضرة شمَّر (حائل) كانت طاعتها لآل سعود شكلية، فما أن رحل جنود الوهابية حتى عادت شمَّر إلى كفاحها ضدهم، فاشتركوا في حملة الشريف غالب بن مساعد أمير مكة على الوهابيين سنة 1205، ولكن لم تحقق الحملة أهدافها المرجوة (نشأة إمارة..:9)، فشنَّ الوهابيون مرة أخرى هجوما عنيفا انتقاما من شمَّر على موقفها مع الشريف، فباغتوهم وهم مجتمعين على ماء لهم يسمى العدوة، ومعهم قبائل من مطير، فاقتتلوا قتالا شديدا، وانتهب الوهابيون أموال القوم من الإبل والخيل والأغنام.
ثم استجمعت شمَّر قواها لاستنقاذ أموالها، يقودهم الفارس المشهور مسلط بن مطلق الجرباء، وقد أقسم أن يقحم فرسه خيمة سعود بن عبد العزيز، فاستشهد وهو يناضل في الوصول إليه، وتتبع الوهابيون بعد مقتل القائد الشمري أبناء شمَّر قتلا وتشريدا، ونهبوا أموالهم فكان منها اثنا عشر ألف بعير. (أنظر: عنوان المجد: ابن بشر:1/177، كيف كان ظهور...95). وكان من نتائج المعركة السابقة أن هاجر ثلثا قبيلة شمَّر وتركوا ديارهم قاصدين العراق، فنزلوا في بادية السماوة.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 38 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولم تثنهم وحشية الغزو الوهابي عن السعي لاسترداد أرض آبائهم وأجدادهم من أيدي المحتلين، فاشتركت عشيرة الزگاريط الشمرية في حملة ثويني السعدون الثانية سنة1211، قال ابن بشر في تاريخه:1/218 ((وسار (ثويني) ومعه عساكر كثيرة من عسكر باشا بغداد، وعقيل بغداد، وآل بعيج، والزگاريط وغيرهم...)) ويكمل العزاوي في تاريخ العراق بين احتلالين:6/123، القصة فيقول: ((ووقع الرعب في قوم ابن سعود... لكنه حصل ما لم يكن في الحسبان، فإن عبدا اسمه طعيس من عبيد جبور بني خالد قتل الشيخ ثويني بحربة كان فيها حتفه)).
وتشجع ابن سعود بعد فشل هذه الحملة، ففي رمضان من سنة 1212، ((سار سعود بن عبد العزيز وأغار على عشائر المنتفق في سوق الشيوخ، فقتل الكثير من أهلها..ثم سار وقصد جهة السماوة حيث أخبرته عيونه بتجمع قبائل شمَّر والظفير والبعيج والزگاريط على ماء الأُبيض قرب السماوة، فوجه الجيوش وأغار عليهم، وكان رئيس شمَّر مطلق بن محمد الجرباء، فجرى بينهم قتال شديد وطرد خيل، ثم حمل عليهم قوم ابن سعود فدهموهم في منازلهم، وقتل عدة فرسان من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 39 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
شمَّر، على رأسهم رئيس شمَّر مطلق الجرباء)) (العراق بين احتلالين:6/126)، وستأتي تفاصيل أخرى عن هذه المعركة في ترجمته.
ولم تستسلم قبيلة شمَّر لهذا الحادث الجلل بفقد زعيمها ومن قبله ولده مسلط، فاشتركت في حملة الكهية علي باشا - الوزير الأول للوالي العثماني - سنة 1213، فسار إلى نجد ((وسارت معه عشائر المنتفق، وآل بعيج، والزگاريط، وقشعم، وشمَّر، والظفير وجميع عشائر العراق...لكن هذه الحملة فشلت أيضا بسبب سلوك طريق إلى الدرعية لا ماء فيه، مضافا إلى ثقل المعدات العسكرية، فألحَّ الجيش على قادته بالرجوع، فرجعوا إلى الإحساء، فهجم عليهم سعود على حين غرة، وجرت بين الطرفين معركة قتل فيها خالد أخو ثامر زعيم المنتفق، ثم جرى الصلح بين الطرفين على شروط)) (المصدر السابق:6/131، عنوان المجد: ابن بشر:1/251). وكان يقود قبيلة شمَّر في هذه الحملة فارس آل محمد (عشائر العراق:1/145)
دفاعا عن كربلاء
وقال العزاوي في عشائر العراق:1/146 عن حادثة عزو الوهابية لكربلاء ملخصا: ((وفي سنة 1216أغار سعود بن عبد العزيز على
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 40 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كربلاء وارتكب مجزرة عظيمة حيث قتل ما يقارب الألفين من أهلها، واعتدى على الضريح الحسيني المطهر، فأرسل علي باشا الكهية إلى محمد الشاوي زعيم قبيلة العبيد، والى فارس آل محمد زعيم شمَّر لمقاتلته، فداهموه مع عشائرهم وهو قرب كربلاء، ثم فرَّوا من بين يديه إلى عين تمر - شفاثة حاليا - يريدون إيقاعه في كمين، لكنه فهم القصد فأفلت منهم عائدا إلى نجد)).
سقوط حكم آل سعود
وفي سنة 1233هـ سقطت الدرعية عاصمة حكومة آل سعود، على يد إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا والي مصر، والذي أمدته الدولة العثمانية بقوات كبيرة؛ لإسقاط آل سعود والوهابية الذين عاثوا في الأرض فسادا، ونشروا القتل والدمار في كل مكان، فتوجه إبراهيم من مصر إلى الحجاز ثم إلى نجد، وحاصر الدرعية، ونشبت بين الطرفين معركة عرفت بمعركة غبيراء، فانهزم الوهابيون هزيمة قاسية، بعد أن ملئت جثث قتلاهم وادي حنيفة، وقتل أكثر من عشرين شخصا من آل سعود وحدهم، فاستسلم حاكم الدرعية عبد الله بن عبد العزيز، وأخذ أسيرا إلى مصر، ثم إلى اسطنبول، حيث أعدمه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 41 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
السلطان العثماني محمود خان. (أنظر: تاريخ الدرعية: محمد العيسى:ص100 وما بعدها، عنوان المجد: ابن بشر:1/418)
وفي الوقت الذي كان إبراهيم باشا يقاتل في نجد، أرسل والي بغداد قوة من العشائر العراقية لتخليص الإحساء والقطيف من تسلط آل سعود والوهابية، ولتكون الحملة من الجانبين شرقا وغربا، وكان من جملة هذه العشائر: المنتفق، والظفير، وبني خالد، وشمَّر. (العراق بين احتلالين:6/258)
التسلط الوهابي الثاني
تنفست الجزيرة العربية والمسلمون الصعداء برهة من الزمن بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، وخضعت نجد وما حولها لحكم والي مصر، وبدأت الأمور تعود إلى طبيعتها، فعادت معظم القبائل العربية التي هاجرت إلى العراق تحت تأثير الغزو الوهابي إلى ديارها في نجد والأحساء، ومنها شمَّر حيث عاد بعضهم إلى ديارهم في حائل، واستقر بعضهم في العراق، وأقرَّ إبراهيم باشا حكام آل علي على حكمهم في جبل شمَّر، إلا أن ضعف قبضة الدولة العثمانية على هذه المنطقة الصحراوية النائية، مكَّن تركي بن عبد الله آل سعود بعد التخفي فترة من الزمن إلى العودة إلى واجهة الأحداث السياسية سنة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 42 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
1238هـ، حيث رجع إلى بلدة تسمى عرقة، ومن هناك جمع أتباع آل سعود الوهابيين مرة أخرى، وعادت معه الفتن والغزو والقتل الممنهج لزعماء المناطق المجاورة، وما طلعت سنة 1240هـ حتى استولى على الرياض، وجعلها عاصمة له، بعد أن اعترف بسيادة الأتراك، فتمكن من السيطرة على نجد ومدَّ نفوذه إلى الأحساء والقطيف، وكانت منطقة جبل شمَّر قد خضعت للتسلط السعودي الوهابي مرة أخرى بالقوة كما نقل ذلك عبد الله العثيمين عن فؤاد حمزة (نشأت إمارة:ص14) ثم قتل تركي على يد ابن أخته مشاري بن عبد الرحمان سنة 1249هـ. (انظر: عنوان المجد: ابن بشر:2/25 وما بعدها، الدولة السعودية الثانية: أبو عليه:39)
عبد الله آل رشيد
آل رشيد رهط من الجعفر من عبدة من شمَّر، فهم أبناء عمومة آل علي حكام حائل والجبل، ومن أبرز رجالاتهم عبد الله بن علي بن رشيد، مؤسس إمارة آل رشيد في حائل، وأخوه عبيد.
قال العثيمين في نشأت إمارة آل رشيد :26 وما بعدها مختصرا: ((بدأ حياته السياسية معارضا لحكم أسرة آل علي زمن صالح بن عبد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 43 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المحسن، وأحسَّ صالح آل علي بالخطر منه فعزم على قتله، ففرَّ عبد الله الرشيد سنة 1232هـ إلى العراق، والتحق بفارس آل محمد (الجرباء) وشهد معه وقعة الحلة سنة 1229هـ والتي نهبت فيها شمَّر هذه البلدة، ثم لازم ولده صفوق بن فارس، ثم عاد إلى حائل، فبقي في بلدة جبة - قرية شمال حائل - سنين متنكرا، ثم انضم إلى صفوف خصوم قبيلته آل سعود، فصار واحدا من أتباع تركي وابنه فيصل بن تركي، ولما قتل مشاري بن عبد الرحمان آل سعود خاله تركي واستولى على عاصمته الرياض، تعهد عبد الله الرشيد لفيصل بن تركي أن يقتل قاتل أبيه مشاري مقابل العهد له بإمارة حائل بدلا من آل علي، وتعاهد الطرفان على ذلك، وجاء الجميع لمحاصرة الرياض، وتواطئ ابن الرشيد مع أحد أصدقائه الذين كانوا مع مشاري في القصر، فأدلى الرجل حبالا من أعلى القصر صعد بها عبد الله الرشيد وأربعون رجلا من أتباع فيصل بن تركي، ودخلوا حجرة نوم مشاري فقتلوه، وذلك أوائل سنة 1250 هـ))، وبذلك أعاد عبد الله الرشيد فيصل بن تركي آل سعود إلى سدة الحكم في الرياض، ولكن لا لاعتقاد منه بأحقية فيصل في الحكم، ولا إعجابا منه بالمذهب الوهابي، لأنا سنرى انقلاب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 44 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
آل رشيد على آل سعود، كما لم يكن آل رشيد وهابيين في يوم من الأيام، وسنورد ما يدل على ذلك في الصفحات التالية، ولكن في عالم السياسة الغاية تبرر الوسيلة، حيث كانت غايته إمارة حائل ولو جاءت عن طريق آل سعود.
إمارة آل رشيد
بالرغم من المرسوم السعودي بتعيين عبد الله الرشيد أميرا على حائل، إلا أن هذا المرسوم ظل حبرا على ورق، لعدم وجود قوة تنفيذية مع ابن الرشيد تمكنه من استلام السلطة في حائل، لذا بقي أربع سنوات متخفيا في جبالها يجمع الأنصار، وتيقن أن الدعم السعودي له غير كاف لتحقيق مآربه، فغيَّر ولائه إلى خصومهم الأتراك، ((وقصد خورشيد باشا -قائد الحملة المصرية التركية، وكان قادما من المدينة - فلقيه في المستجدة - قرية من قرى عقدة عند جبل أجأ - وأظهر له الخضوع، فناصره خورشيد في تولي إمارة حائل، فاستتب له الأمر فيها)) (الأعلام:4 /107 )، بعد أن قتل كل أفراد أسرة آل علي في قصة طويلة. (أنظر: نشأت إمارة آل رشيد:52و63).
واستمرَّ حكم هذه الإمارة في جبل شمَّر مدة سبع وثمانين سنة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 45 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
(1835 - 1922)، تولى الحكم فيها اثنا عشر أميرا من أولاد عبد الله وعبيد ابنا علي الرشيد، وهم: عبد الله الرشيد، واستمرت فترة حكمه 12 سنة. طلال بن عبد الله، متعب بن عبد الله، بندر بن طلال، محمد بن عبد الله الرشيد ويعد عصره، العصر الذهني لإمارة آل رشيد ودام حكمه مدة 25 سنة، عبد العزيز بن متعب، متعب بن عبد العزيز، سلطان بن حمود بن عبيد الرشيد، سعود بن حمود، سعود بن عبد العزيز بن متعب، عبد الله بن متعب بن عبد العزيز، محمد بن طلال بن نايف بن طلال بن عبد الله. ((www.hukam.net/family
العلاقة مع آل سعود والوهابيين
ظلت العلاقة بين إمارة آل رشيد وإمارة آل سعود غير ودية، واشتعلت بين الطرفين نيران الحروب والخلافات طيلة عهد هاتين الإمارتين، ويكفي دليلا على ذلك أن يكون سقوط الدولة السعودية الثانية على يد محمد بن عبد الله آل رشيد سنة 1305هـ، ثم سقوط دولة آل رشيد فيما بعد على يد عبد العزيز بن عبد الرحمان آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة سنة 1922م، ولم يكن خضوعهم في بعض الفترات لآل سعود إلا شكليا ومقتصرا على دفع الإتاوة بعنوان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 46 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الزكاة يتقون بها شرَّ الوهابية، قال الدكتور عبد الفتاح أبو عليه في كتابه تاريخ الدولة السعودية الثانية ص133: ((ووصل هذا الجبل - جبل شمَّر - في عهد هذا الحاكم الشمري - عبد الله الرشيد - إلى حد الاستقلال مع الاحتفاظ بالتبعية السياسية لحكومة فيصل، وذلك بدفع الزكاة لها))، ولكنه يعترف ص221 فيقول: ((إن الرياض وحائل لم تكونا على وئام، وكانت الأخيرة تسعى للتوسع على حساب الأولى...))، وأثبت أنه كانت ثمة مراسلات متبادلة بين الخديوي - حاكم مصر - وبين آل رشيد (تاريخ الدولة السعودية الثانية:221) مما يعني ذلك أن ولاءهم كان لحاكم مصر والدولة العثمانية لا لآل سعود.
آل رشيد في الرياض
بعد موت فيصل بن تركي سنة 1282هـ - 1865م اختصم أبناؤه الأربعة: عبد الله ومحمد وسعود وعبد الرحمان أبو الملك عبد العزيز على الغنيمة، وجرت بينهم معارك دموية ومنازعات دامت ما يقرب من ثلاثين سنة (تاريخ نجد وملحقاته: الريحاني:84)، حتى سئم الناس حكم آل سعود، ((فرأى عدد من رجال الدين غير الوهابيين وشيوخ العشائر - كآل مهنا أمراء بريدة وغيرهم - أن يتصلوا بمحمد بن عبد الله آل رشيد أمير
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 47 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حائل؛ ليخلصوهم من سطوة آل سعود وظلمهم)) (تاريخ آل سعود: ناصر السعيد:50)، واستجاب ابن رشيد للنداء ((فزحفت قوات شمَّر إلى البريدة في القصيم، واستولت عليها بيسر لتأييد حكامها آل مهنا له، ثم هاجموا بلدة شقراء عام 1294 فغنم منها ورحل عنها، وانضمت إليه قبيلة حرب، وأهالي المجمعة فدخل المجمعة فاتحا سنة 1299، وحاول عبد الله بن فيصل آل سعود استرداد المجمعة سنة 1301من ابن رشيد لكنه فشل ومنيت قواته بخسائر فادحة في الأرواح والعتاد، ودانت له بعد ذلك عدة مناطق من نجد كسدير والوشم.
ولم تنته الحروب الداخلية بين آل سعود أنفسهم رغم الخطر الذي كان يتهددهم، فهجم أبناء سعود بن فيصل من منطقة الجوف على الرياض عاصمة عمهم عبد الله بن فيصل سنة 1305، وألقوا القبض على عليه وأودعوه السجن، فاستنجد بآل رشيد لتخليصه، فلبى محمد بن رشيد دعوة عبد الله، وقاد جيشا من الشمال وزحف إلى الرياض، وفرَّ أولاد سعود من القوات الشمرية كعادتهم عندما يهددهم الخطر، ودخل ابن رشيد الرياض، وأطلق سراح عبد الله بن فيصل آل سعود وحمله معه إلى حائل، وعيَّن قائده سالم بن سبهان حاكما على الرياض
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 48 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم عزله وعين ابن فهاد بدله، وترك عبد الرحمان بن فيصل في الرياض)) (تاريخ الدولة السعودية الثانية: ص218 وما بعدها مختصرا).
وبعد موت عبد الله آل سعود طلب أخوه عبد الرحمان الذي تركه ابن رشيد في الرياض من محمد عبد الله آل رشيد أن يعزل ابن فهاد عن الرياض، فعزله وعيَّن عدو آل سعود اللدود ابن سبهان مرة أخرى، وعاد آل سعود إلى مؤامراتهم فقد زار ابن سبهان عبد الرحمان الفيصل مرة في قصره سنة 1307، فألقى القبض عليه بتحريض من أهالي القصيم وسجنه، وأعلن نفسه حاكما على الرياض والقصيم، ((وكان مع ابن سبهان المئات من رجاله متخفين فلما طلع الصباح ولم يعد أميرهم، قاموا بالهجوم على قصر عبد الرحمان فقتلوا اثنين من أبناء فيصل، وأسروا بعضا من أفراد آل سعود وحملوهم الى حائل)) (الإيجاز:2/238)
ولم يكن أمام الأمير الشمري إلا معاقبة أهل البريدة عاصمة القصيم المحرضين لابن سعود، ولكن لم تكن لديه القوة الكافية لتحقيق الهدف ((فبعث أربعين رجلا ممتطين أربعين ناقة وقد غطاها بملاءات سود لتحريض شمَّر العراق من الأسلم والزگاريط وغيرهم لنصرته، وكان الأمير محمد بن رشيد يهدف بتغطية النوق بهذه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 49 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الملاءات السوداء الى إحاطة كل فرد من أتباعه علما بأن يغطي كل شخص منهم وجهه بالعار إذا لم يهبوا لنجدته.
وهكذا أسرع كل من كان له قدرة على حمل السلاح من الرجال الى حائل، فزحفوا جميعا بقيادة محمد بن رشيد الى البريدة، فالتقى الجمعان في 13/جمادى الثانية 1308 هـ في المليداء بين البريدة وعنيزة)) (المصدر السابق:2/240) ((فأوقع فيهم وقعة عظيمة وقتل من خصومه قرابة ألف قتيل.
وعرف ابن سعود مصيره بعد هزيمة حلفائه المنكرة ففرَّ إلى الإحساء والتجأ عند آل مرة، ثم عاد إلى حريملاء وجمع قوة من العجمان لمواجهة ابن رشيد، لكن حشود شمَّر مزقت قواته ونجا عبد الرحمان آل سعود بنفسه وأطلق ساقيه للريح، فتوجه الى بادية العجمان فمكث فيها سبعة أشهر، ثم اتجه الى قطر فأقام هناك شهرين، ثم ذهب الى الهفوف وما أن استقرَّ به المقام فيها حتى أخذ يراسل العثمانيين عارضا خدماته عليهم، فوافقت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 50 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
السلطات العثمانية على إعادته إلى عاصمته الرياض شرط أن يدفع لهم ضريبة سنوية، إلا أن أنصاره تفرقوا عنه، فقبل ابن سعود الهزيمة وفرَّ إلى الكويت حيث أجرت له السلطات العثمانية راتبا شهريا لعلها تستفيد منه يوما ما)). (أنظر: تاريخ الدولة السعوية الثانية:228 وما بعدها ملخصا، وجزيرة العرب:236 - 237، الإيجاز:2/240)
وأحست بريطانيا بالخطر
كانت المصالح البريطانية في الخليج تتسع، ويزداد النفوذ البريطاني وتأثيره في الخليج يوما بعد يوم منذ بدايات القرن السادس عشر، وملأ جواسيسها شرق الجزيرة وغربها، في حين كان الضعف يدب في أوصال الدولة العثمانية، وتتراخى قبضتها شيئا فشيئا عن الخليج والجزيرة العربية عموما، وقد مثَّل القرن التاسع عشر وأواخر القرن الثامن عشر مرحلة دقيقة بالنسبة للوجود البريطاني في الخليج، فتوثقت علاقاتها ببعض حكام المنطقة الذين كانوا مبهورين بقوة بريطانيا وكثرة أموالها، فارتبطوا معها بمعاهدات حماية واتفاقيات مشبوهة لحماية أنفسهم من بعضهم البعض.
وكانت إمارة آل رشيد الشمرَّية تقف حائلا دون تحقيق بريطانيا مطامعها في هذا الجزء من البلاد العربية وبسط نفوذها عليه؛ لعدم تقبُّل هؤلاء العرب الأصلاء التبعية للاستعمار الغربي، والخضوع له على حساب قضايا الأمة وكرامتها مهما كان الثمن، ولقد بذل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 51 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الاستعمار البريطاني جهودا مضنية لإقناع زعماء إمارة آل رشيد للانضمام إلى جانبهم أثناء الحرب العالمية الأولى وقبلها، إلا أن أمراء آل رشيد الشمريين تجاهلوا رسائل الانكليز ووعودهم بمؤازرة الإمارة ودعمها ((ويبدو أن الرسائل البريطانية لم تجد نفعا ولم تحرك صمت ابن رشيد، فأوفدوا السير بيرسي كوكس رسولا إليه وكان يحمل معه رسالتين، وقد أكد أمير حائل للمبعوث البريطاني ولاءه للعثمانيين، ونص جوابه: لقد قرأت رسالة الحكومة، كما استلمت منها رسائل من قبل، والحال هو أني مواطن عثماني وأمير من أمراء العثمانيين، والحكومة البريطانية تعلم بأن الحكومة العثمانية تعينني بالمال وتمدني بالأسلحة، وسأكون عديم الإخلاص لو دخلت في مراسلات مع حكومة أخرى هي في حالة حرب مع حكومتي)) (التاريخ السياسي لإمارة حائل:158).
مما استدعى ذلك أن تتخذ بريطانيا موقفا عدائيا من حكومة آل رشيد الشمرية، فكانت أولى محاولات بريطانيا لتدمير هذه الإمارة وإزالتها من الوجود، تحريضهم لمبارك الصباح حاكم الكويت بالهجوم على إمارة شمَّر لضمها تحت سلطته، وكان محمد بن عبد الله آل رشيد قد توفي للتو، وتولى الإمارة من بعده عبد العزيز بن متعب، قال فلبي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 52 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
متحدثا عن التآمر البريطاني ضد هذه الإمارة العربية في تاريخ نجد ص275، ملخصا: ((أخذت الأحلام تراود مبارك أن يحتل مكانة محمد بن رشيد بعد وفاته، وقد شجعه على ذلك وجود أفراد بارزين من أسرة آل سعود ضيوفا عليه، فكانت في يده الورقة الرابحة، وكان ما زاد من تفاؤله أن تعهدت الحكومة البريطانية بحماية الكويت من أي اعتداء خارجي))
وكان لآل سعود الفارين في الكويت دور كبير في تحريض مبارك ضد آل رشيد وشمَّر، واشتركوا معه بشكل فعلي في بعض الغزوات، قال محمد الزعارير في كتابه إمارة آل رشيد في حائل ص191: ((واستأنف عبد الرحمان الفيصل وابنه عبد العزيز العمل والتنسيق مع الشيخ مبارك للضغط على آل رشيد، محاولين استعادة سلطانهم ونفوذهم في نجد، فكانت أولى خطوات هذا التنسيق الغزوة التي قام بها مبارك الصباح واشترك فيها أبناء آل سعود في وقعة الطرفية سنة 1318/1900م))
وقعة الطرفية
((باغت مبارك (الصباح أمير الکويت) ابن رشيد فتوجه بجيوش جرارة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 53 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من أتباعه وأتباع آل سعود وحلفائه المنتفق، فاحتل العارض بدون قتال، ثم مضى الى عنيزة فحاصرها ثلاثة أيام فصالحه أهلها، واعتقل عامل ابن رشيد، ثم توجه الى البريدة فحاصرها سبعة أيام ثم صالح أهلها، ثم اتجه من البريدة الى الطرفية يريد ابن رشيد، جرى ذلك كله وعبد العزيز الرشيد لا علم له بما حصل، ولما وقف على الأمر جمع قبائل شمَّر فأتته أفواجا أفواجا، وسار بهم حتى نزل قرب عسكر مبارك الصباح، وكان يفصل بينهما تل رملي فاندفع فرسان شمَّر وتسلقوا التل، فبادرهم مبارك بإطلاق الرصاص، والتحم الفريقان بعد ذلك بالسيوف والخناجر، وكان للأمير ابن رشيد دور كبير في بث العزيمة وروح المقاومة في نفوس أتباعه، فحدثت بلبلة في جيش مبارك الصباح، فانهزموا تاركين أموالهم وأسلحتهم.
واستغل ابن سعود هذه الظروف فمضى لاحتلال الرياض فتحصن عامل ابن رشيد عليها عبد الرحمان بن ضبعان، وظل عبد العزيز محاصرا القصر أربعة أشهر، فلما وردت أخبار هزيمة مبارك لاذ بالفرار)). (تاريخ الزبير ونجد والكويت: البسام:186).
وبعد هذه الهزيمة القاسية لجأ مبارك الى أساليب السراق وقطع
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 54 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الطرق، فقام في ((سنة 1900م بغزو بعض الجهات التابعة لآل رشيد وسلبهم آلافا من الجمال، وفي خريف هذه السنة حاول مبارك أن يقتنص قافلة كبيرة متجه إلى العراق، كانت مكلفة بإحضار مواد غذائية وملابس وذخيرة لفصل الشتاء من السماوة الى حائل، لكنه فشل في ذلك)) (جزيرة العرب: حافظ وهبة : ص86)
وجرب حضه مرة أخرى أواخر سنة 1318هـ - 1901م، فخرج متوجها إلى حائل، لكن عبد العزيز الرشيد علم بالخبر وأعدَّ العدة للمواجهة، فالتقى الجانبان في الصريف - ماء معروف في القصيم - وانقضت قوات ابن رشيد على قوات مبارك الصباح فابادتها، وفرَّ مبارك بجلده. (إمارة آل رشيد ص191. وتاريخ آل سعود: السعيد:54) وكان عبد الرحمان آل سعود من جملة المشاركين في هذه الحملة يقود بعض المقاتلين (الملك ابن سعود والجزيرة العربية: فان مولين:47)
بعد فشل بريطانيا في الاعتماد على مبارك، بدأت بتوجيه عبد العزيز آل سعود الذي أصبح فيما بعد الملك عبد العزيز من قبل المخابرات البريطانية، فقد جاء في تاريخ آل سعود لناصر السعيد ص 63 ملخصا، عن رجل المخابرات البريطاني جون فلبي، قال: ((لقد رأيت أن نتصل بمشايخ الدين في الرياض، تمهيدا لإرسال عبد العزيز آل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 55 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سعود إليها، وبالفعل أرسلنا الرسل ووجدنا الطريق ممهدا أمامنا، وبذلك أخرجنا عبد العزيز من الكويت بتاريخ:13/8/1901 ومعه 250 شخصا، وحملناهم بسيارات مسلحة إلى مقربة من الرياض، فأقاموا في بيت أحد أعواننا في بساتين الشمسية، وفي ليلة 20/8/1901اتفقوا مع زوجة عجلان بن محمد - والي الرياض من قبل آل رشيد، وكانت من أقارب آل سعود - على أن تخفي عبد الله بن جلوي آل سعود عندها في البيت، فإذا نام زوجها عجلان قاموا إليه واغتالوه، لكنها خافت من انكشاف الأمر فتبدلت الخطة: بأن يأتي عبد العزيز آل سعود ومعه جماعة من أصحابه بثياب نسائية، وكأنهم نساء زائرات لزوجة الأمير، ومن القصر تأخذهم إلى إسطبل الخيول حيث باتوا فيه، بعد أن أرسلت سائس الخيول إلى بيته في إجازة، وكان من عادة عجلان أن يتفقد خيوله عند الصباح، فخرج على عادته وما أن دخل باحة الإسطبل حتى أطلق الغادرون عليه النار فأردوه قتيلا، وعند الظهر أعلن عبد العزيز نفسه أميرا في الرياض، وبذلك خرجت الرياض من قبضة حكم آل رشيد)).
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 56 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سلسلة معارك
لم يعر ابن رشيد اهتماما كبيرا لسقوط الرياض، وكان إذ ذاك في الحفر يفاوض الأتراك للحصول على مساعدات عسكرية، أما عبد العزيز فعاد مسرعا إلى الكويت، لإحضار أبيه إلى الرياض ليقوِّي به مركزه الاجتماعي، وأثناء عودته إلى الرياض أغار على بعض البدو من شمَّر فقتل منهم جماعة وأسر آخرين. (التاريخ السياسي لإمارة حائل:د/ جبار يحيى:204، إمارة آل رشيد في حائل: محمد الزعارير:192).
وأعاد ابن سعود أباه إلى الرياض وتنازل له عن الإمارة، وأتخذ هو الخرج مقرا لتحركاته وغاراته، فأغار على القوافل التجارية المتوجهة إلى حائل، وفي سنة 1902 أغار مرة أخرى على بدو من شمَّر فقتل ونهب. (المصدران السابقان:205،192).
وتحرك ابن رشيد قاصدا مواجهة ابن سعود بعد أن أصبح الأرنب أسدا على حد تعبيره، فالتقاه في تشرين الثاني 1902 في كبشان قرب الدلم، وكانت الدائرة على ابن رشيد حيث قتل (250) من جنوده منهم اثنان من شيوخ عشيرته المهمين. (التاريخ السياسي لإمارة حائل:207)
واستجمع ابن رشيد قواه فأغار على بعض المناطق الموالية لابن سعود، كما أغار على الكويت وحاصرها بهدف قطع طريق الإمدادات
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 57 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عن الرياض أولا، وجر عدوه إلى هذه المنطقة ليبعده عن الرياض، وما أن تحرك عبد العزيز تجاه الكويت حتى شن ابن رشيد هجوما على الرياض في نيسان سنة 1903 وحاصرها، فتوجه عبد العزيز من الكويت باتجاه الغرب، وهاجم ديار شمَّر بهدف قطع طريق الانسحاب على أمير حائل مدمرا القرى والمضارب الشمرية التي مرَّ بها (المصدر السابق:208 - 209، إمارة آل رشيد:193)
وبهدف تحريض جنود ابن سعود على مواصلة القتال والاستماتة فيه، أوعز فلبي لشيوخ الوهابية بإصدار فتوى تبيح قتل أبناء قبيلة شمَّر وأهل حائل، منها قولهم: ((كل من قتل عشرة من قبيلة شمَّر أو أهالي حائل يدخل الجنة بلا حساب... وكل من يقتل تحت بيارق ابن سعود فهو في الجنة)) (تاريخ آل سعود:60)
توجه ابن رشيد بعد تلك المعارك إلى أطراف العراق لاستنفار قبائل شمَّر وطلب مساعدة الحكومة العثمانية، فاستغل ابن سعود غيابه فهجم إلى منطقة نفوذ السر، وكانت لابن رشيد فيها حامية، فقتل قائدها وعددا من المقاتلين، وغنم أموالهم وجمالهم وعرفت هذه المعركة باسم وقعة ابن جراد. (التاريخ السياسي:213)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 58 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم توجه ابن سعود بقواته لغزو القصيم التي كانت واقعة تحت سلطة آل رشيد، وبعد سنتين من القتال 1321 - 1322هـ والكر والفر تمكن من الاستيلاء على الجزء الغربي منها (إمارة آل رشيد:195)
واستجابت الدولة العثمانية لابن رشيد بعد أن رأت خطر ابن سعود على نجد، فأمدته بالعسكر والسلاح، فالتقت قوات ابن رشيد وابن سعود قرب مدينة البكيرية سنة 190، واستمر القتال يوما كاملا، وقتل من الطرفين قتلى كثيرة. (التاريخ السياسي:215، إمارة آل رشيد:197)
وضعفت قوات الطرفين بسبب الخسائر التي لحقتها، فعرض ابن سعود الصلح على أمير حائل، لكن ابن رشيد رفض وأصر على مواصلة القتال، وسار ابن رشيد إلى وادي الرمة بعد أن هاجم مجموعة من قوات ابن سعود في منطقة جرعى في أيلول من السنة المذكورة. (التاريخ السياسي:218)
ثم تلتها وقعة الشنانة في رجب من سنة 1905، حيث خسر الطرفان في المعركة، إلا أن قوات ابن رشيد ظلت متماسكة. (إمارة آل رشيد:199)
وفي خضم هذا الصراع عرضت روسيا على أمير حائل تقديم مساعدة له مقدارها (110) ألف دولار شهريا، مقابل توقيعه على
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 59 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
معاهدة يقبل بمقتضاها الحماية الروسية، لكنه على عادته رفض العرض، وأصر على المقاومة بإمكاناته الذاتية البسيطة، فحولت روسيا عرضها على ابن سعود الذي قبله على الفور، ولم يكن قبوله للعرض الروسي إلا ابتزازا لحلفائه الانكليز كي يدفعوا له أكثر (المصدر السابق:200)
وفي نيسان من سنة 1906 أغار أمير حائل على إحدى القوافل التجارية التابعة للقبائل الموالية لآل سعود، واستولى عليها، لكنه لم يكن يدري إن قوة لابن سعود قريبة منه، وفي الليلة التالية هاجمه ابن سعود في روضة المهنا، فواجه ابن رشيد الهجوم مع عدد قليل من رجاله، بعد أن فرَّ معظم أتباعه، وكان من نتيجة هذه المعركة استشهاد أمير حائل عبد العزيز بن متعب الرشيد. (التاريخ السياسي:222، إمارة آل رشيد:199)
وبعد استشهاد عبد العزيز الرشيد تولى ابنه متعب الإمارة من بعده، فعرض عليه ابن سعود هدنة لمدة ثلاث سنوات، فوافق على العرض، وكان من أهم بنود الاتفاق أن يتنازل ابن رشيد عن حقوقه في القصيم، وتكون حائل وأطرافها تحت سلطته. (التاريخ السياسي:225 ، إمارة آل رشيد:201 )
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 60 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تجدد النزاع
تعاقب في هذه الفترة عدد من الأمراء على إمارة حائل بسبب الصراع الداخلي بين أفراد الأسرة الحاكمة، وحوادث الاغتيال التي طالت أمراء آل رشيد، حتى تولى سعود بن عبد العزيز بن متعب الإمارة، وله من العمر عشر سنوات تحت وصاية أخواله آل سبهان، وتجدد النزاع بين الطرفين بعد فشل محاولة تجديد الهدنة بينهما، فجهزت حائل قوة عسكرية وهاجمت قبائل مطير الموالية لآل سعود يومذاك، وبالمقابل هاجم ابن سعود قبيلة حرب الموالية لابن رشيد، ثم انتقل ابن سعود إلى منطقة نفوذ الأشعلي، ونزل سعود الرشيد قريبا منه. فقام ابن رشيد بهجوم ليلي، لكن ابن سعود كان قد ترك المكان، وكمن في مكان آخر فاشتعل القتال في الصباح وذلك سنة 1909، ثم اضطر الطرفان لتوقيع هدنة بسبب قلة الموارد الاقتصادية. (التاريخ السياسي:228)
ولم يدم هذا الصلح طويلا بسبب التدخل البريطاني وتحريضهم لابن سعود على قبيلة شمَّر وإمارة آل رشيد، ((ففي نهاية سنة 1913 عقد اجتماع بين الكابتن شكسبير الوكيل السياسي البريطاني في الكويت وعبد العزيز السعود، وكانت الغاية من زيارة المسؤول
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 61 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
البريطاني تحقيق هدفين: تحريض ابن سعود لمحاربة آل رشيد، وإبعاد آل سعود عن سواحل الخليج....، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914شعرت بريطانيا بالحاجة لابن رشيد فأرسلت إليه المس بيل لكسب أمير حائل إلى صفها في محاربة الدولة العثمانية، لكنها فشلت في كسب تأييد حكومة حائل، فأرسل بيرسي كوكس وبتوجيه من حكومة الهند شكسبير مرة أخرى أواخر عام 1914 لإقناع عبد العزيز آل سعود بالتحالف مع الانكليز، وأن يقوم بدوره ضد ابن رشيد)) (المصدر السابق:156)
وفي أواخر سنة 1914احتلت بريطانيا العراق، وكان من أهم أولوياتها إضعاف حكومة آل رشيد، فاستدعت عبد العزيز آل سعود الى البصرة، وأمدته بثلاثة آلاف بندقية وأربعة مدافع وبعض الأموال. (العراق ما بين الحربين:سيرل بورتر:50)، كما قاموا بالتفاوض مع شيخ الزبير - إبراهيم بن عبد الله آل راشد - ، وقدمت له رشوة كبيرة مقابل تجسسه على ابن رشيد، وإعلام البريطانيين عن تحركاته وتحركات القوات العثمانية. (المصدر السابق:33)
وعبأت بريطانيا خمسة آلاف مقاتل من البدو أوائل سنة 1915، وتوجهت بهم إلى حائل يقودهم الكابتن شكسبير نفسه، لكن أمير
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 62 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حائل سعود بن عبد العزيز الرشيد علم بالهجوم، فقابله بجنده من شمَّر وبقية أهل حائل في موضع قرب بلدة الزلفى يسمى جراب، فأباد القوة بمن فيهم شكسبير، قتله رجل من شمر يدعى صالح الذعيت، واستولوا على مخيم ابن سعود الذي فرَّ إلى بريدة (التاريخ السياسي:156، تاريخ آل سعود:55، إمارة آل رشيد:203) فهبت بريطانيا لمساعدة صديقها عبد العزيز مرة أخرى فرتبت اجتماع العقير بين كوكس وعبد العزيز خرج منه ابن سعود بعد توقيع الاتفاق بمعونة قدرها (5000) جنيه إسترليني شهريا، كما تم تزويده بأربعة مدافع ميدان، وعشرة آلاف بندقية. (التاريخ السياسي:156 و165 الهامش)
وعلى إثر وقعة جراب والهزيمة القاسية التي مني بها ابن سعود، وقِّعت اتفاقية صلح جديدة بين الطرفين، هدأت فيها المعارك برهة من الزمن.
إثارة الفتن صناعة وهابية
عصفت بمنطقة جبل شمَّر فتن مختلفة، كانت الوهابية وآل سعود مصدر اختلاقها، حيث جاءت في عرض الصراع الذي كان دائرا بين إمارة حائل وحكومة آل سعود، ومن أخطر هذه الفتن التي عجلت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 63 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بفناء إمارة حائل وسقوطها بأيدي الوهابيين ثلاثة:
الأولى: تمرد نوري الشعلان شيخ عشائر الرولة من عنزة في منطقة الجوف شمالا، وانضمت إليه بطون أخرى من عنزة، فهدد حدود حائل الشمالية، بل أصبح مصدر قلق دائم للإمارة التي كانت مشغولة بالقتال في الشرق والجنوب مع آل سعود وحلفائه. (أنظر: التاريخ السياسي:229)
الثانية: حوادث الاغتيال المتكررة بين أفراد الأسرة الرشيدية الحاكمة، بسبب التنافس على السلطة مما أضعف قدرات إمارة حائل على الصمود والمواجهة. (المصدر السابق:225 - 227)
الثالثة: انتشار المذهب الوهابي تدريجيا جنوب حائل وفي قرية الروضة تحديدا، وقد أسهم هؤلاء رغم قلتهم في تفتيت المجتمع الحائلي وضرب بعضه ببعض، فقد نصب ناصر الهواوي نفسه قاضيا على تلك القرية، وأفتى بتكفير قبائل شمَّر وشعب حائل، فاقتتل الناس فيما بينهم حتى عدى رجل على ابنه فقطعه بالسيف إربا لأنه رفض اعتناق المذهب الوهابي. (تاريخ آل سعود:75) ولم يكن ذلك ليجري لولا رشاوى آل سعود والانكليز لهؤلاء المفسدين، فقد وزَّع البريطانيون عشرة آلاف جنيه ذهب في الروضة وحدها، ودفع
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 64 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
للأعيان أربعمائة جنيه ذهب سنويا. (المصدر السابق:77)
وكان أول ما بدأ به هؤلاء المتوهبون هو ((الهجوم على قريتي بيضاء نثيل والشييعة، حيث هجموا على المصلين أثناء صلاة الفجر، وقتلوهم آمنين عزل من السلاح ليس معهم من سلاح سوى القرآن... وكذلك قرية الجليدة قتلوا كل رجالها، وفرَّت نساء شمَّر من أهل هذه القرى إلى الكويت....ثم هجم هؤلاء على قرية عقدة وبقية قرى جبل شمَّر، وكانت باكورة عملهم في هذه القرى قتل الفلاحين في مزارعهم...)) (المصدر السابق:75 - 78)
الهجوم على حائل
بعد مقتل سعود الرشيد على يد ابن عمه عبد الله بن طلال عام 1919، اضطرب وضع الأسرة الحاكمة في حائل، وأخيرا ارتقى عبد الله بن متعب سدة الحكم، فسعى هذا إلى تجديد الصلح مع آل سعود، لكن ابن سعود كان يدرك مدى ضعف الإمارة، فاشترط شروطا تعجيزية على الأمير الجديد، كان الهدف منها إيجاد المبرر لاجتياح حائل واحتلالها (التاريخ السياسي:234)، ((وتكاثفت جهود بريطانيا لدعم ابن سعود، وبعد اجتماعات مكثفة بين ابن سعود وجون فلبي تقرر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 65 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
غزو مدينة حائل وإسقاط إمارة آل رشيد، فأمدت بريطانيا ابن سعود بعشرين ألف جنيه، بالإضافة الى المساعدات العينية التي قدرت بألف بندقية وغيرها من المؤن والاعتدة.
وبدأ ابن سعود يشن هجمات على حدود مدينة حائل ليختبر مدى استعدادها العسكري، وكان نوري الشعلان يهدد حائل من الشمال، ثم أعلن ابن سعود التعبئة العامة في صيف 1339 - 1921 فجمع الجيوش ومعدات الحرب، وقسمها إلى ثلاث فرق لاقتحام حائل)). (إمارة آل رشيد:215) ((فعهد بقيادة إحدى القوتين إلى ابنه سعود، وكانت خطته تقوم بمهاجمة مساكن قبائل شمَّر في شمال حائل، وتشتيت شملها في هجوم مباغت حتى لا تتمكن من الدفاع عن نفسها، وتقدمت القوة الثانية لحصار لحائل نفسها بقيادة ابنه الآخر فيصل، أما القوة الثالثة فكانت في الشمال متمثلة بنوري الشعلان ومن معه من عنزة، واستطاعت القوات السعودية تدمير معظم القرى التابعة لحائل وتشتيت القبائل الشمرية، وسلب بعض مخيمات قبيلة العبدة، إلا أن القوتين لم تتمكنا من تطويق حائل وحصارها للمقاومة الشديدة وبسالة أهلها... فتولى عبد العزيز بن سعود القيادة بنفسه، وباغت
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 66 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المدينة بهجوم قوي في أيلول 1921، أجبر فيه أمير حائل على الانسحاب إلى داخل حائل)) (التاريخ السياسي:239)، وحاصر ابن سعود مدينة حائل لمدة خمس وخمسين يوما من 4 محرم إلى 29 صفر 1340 - 1921حيث سقطت بيد ابن سعود بعد أن دافع أهلها وأميرها عن مدينتهم دفاع الأبطال، فكانت آخر ما دخل تحت سلطة ابن سعود من بلدان نجد)) (إمارة آل رشيد:216)
قال المندوب البريطاني السير برسي كوكس بعد انتهاء المعركة: ((لقد انتهى عهد الرعب وشغلنا الشاغل، انتهت حائل، وقبائل اسمها شمَّر، لم نحس قبل سقوطها بالاطمئنان...)) (تاريخ آل سعود:103)
لقد كان من آثار النزاعات والحروب التي شنها الوهابيون على المسلمين سقوط الكثير من القتلى والجرحى وتشريد الملايين من أبناء القبائل العربية عن ديارهم وأوطانهم، وقد بلغ عدد المشردين من قبيلة شمَّر وحدها حوالي خمسين ألفا، فرُّوا إلى العراق وبلاد الشام، وبلغ عدد القتلى من شمَّر في معارك القصيم وحدها حوالي (2279) وعدد الجرحى وصل إلى (2423). إما الذين قتلوا من أبناء الجزيرة العربية وما جاورها على أيدي الوهابيين وآل سعود، فقد بلغ أربعمائة ألف
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 67 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قتيل، وفرَّ ما يقرب من المليون ونصف من أبناء القبائل العربية إلى العراق والشام ومصر واليمن. (إمارة حائل:207، تاريخ آل سعود:105)
شجاعة شمريَّة
لم يكتف عبد العزيز السعود باحتلال أرض حائل، فعزم على احتلال كرامة أهلها، فأمر تلك الليلة بإحضار فتاة حائلية يتزوج بها، فزفَّت إليه العروس مكرهة، وكانت أخفت مخرزا بيدها، وما أن الاقتراب منها عبد العزيز آل سعود حتى أغمدت مخرزها في عينه، وهكذا فقد الملك السعودي عينه على يد هذه الشمرية الشجاعة. (تاريخ آل سعود: 103)
علاقة إمارة حائل بالعراق
ارتبط جبل شمَّر وأهله في عهد آل رشيد مع العراق بروابط متعددة اجتماعية وسياسية واقتصادية، فقد كانت القرابة بين شمَّر نجد وشمَّر العراق، وعلاقات شمَّر نجد مع بعض قبائل العراق مثل قبائل المنتفق والظفير تدفع إلى تأصيل العلاقة بين الطرفين، فبعد تأسيس إمارة آل رشيد أصبح ابن رشيد مرجعا اجتماعيا لكل قبائل شمَّر نجد والعراق؛ لعلاقة القربى والدم بينهما، واشتركت شمَّر العراق إلى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 68 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جانب ابن رشيد في وقعة الطرفية ضدَّ أمير الكويت الشيخ مبارك وحلفائه، وشهدت بعض فترات التاريخ صراعا بين آل رشيد والمنتفق، إلا أن العلاقة تحسنت فيما بعد ووصلت إلى درجة التفكير المشترك بين ابن رشيد وشيخ المنتفق بتأسيس إمارة عربية في جنوب العراق وحائل. (إمارة آل رشيد:168و169)،كما كان الشمريون يتولون حماية قوافل الحجاج العراقيين إلى بيت الله الحرام. (عنوان المجد: الحيدري:195، وعنوان المجد للآلوسي:22)، وكان لابن رشيد وكلاء في أغلب المدن العراقية كبغداد والبصرة والنجف والناصرية مما يدل على متانة العلاقة بين الطرفين. (إمارة آل رشيد:213)
وارتبط أهل الجبل بعلاقات اقتصادية ممتازة مع العراق، حيث كان العراق مصدرا مهما من مصادر إمداد الجبل بالأغذية والملابس وغيرها، ومع تولي الأمير طلال العبد الله الرشيد (ثاني حكام حائل)، إمارة البلاد عام 1847م، عمل بجهد على تحديث منطقة حائل وتنميتها اقتصادياً وتجارياً، خصوصاً في ظل الاستقرار السياسي التي كانت تنعم به المنطقة آنذاك، فمعظم حروب التأسيس خاضها الأمير المؤسس عبد الله، أما حروب التوسع الإستراتيجي وكسب مناطق
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 69 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العمق في الشمال (الجوف) والشمال الغربي (تيماء) والشرق - أجزاء من ساحل الخليج - والجنوب الشرقي (القصيم)، فرغم أنها تمت في عهد الأمير طلال إلا أن المسؤول عن متابعتها كان الأمير عبيد العلي الرشيد، الذي كان قائداً للجيش والقوات المسلحة. وعلى هذا الأساس تفرّغ الأمير طلال بشكلٍ شبه تام للشؤون المدنية، وعلى رأسها الشأن الاقتصادي، فأمر بترميم وتوسعة سوق برزان فبنى فيه 200 محل - مستودعات ومخازن ودكاكين - ، وكذلك الأمر مع شارع لبدة، الذي كان في عهد الأمير طلال أهم وأرقى شارع تجاري. وعندما اكتملت البنى التحتية من بناء للمحلات، وتوسيع للطرقات، بعث الأمير طلال بدعوات لتجار من الشيعة العرب من مدينة النجف في العراق، الذين كانوا يزورون حائل بشكلٍ مستمر للمتاجرة، وكانوا معروفين باحترافهم التجاري وقدرتهم على تنشيط الاقتصاد وتنميته، وعرض عليهم الإقامة في حائل، وبدء أنشطتهم التجارية المستمرة فيها، موضحاً أنه قام ببناء عشرات الدكاكين وهي جاهزة لمن أراد الإستثمار في حائل منهم. وبالفعل لم يتأخر أي من أولئك الذين وصلتهم الدعوات عن الحضور، فحائل على أي حال مدينة معروفة بالنسبة لهم ولطالما ترددوا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 70 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عليها - يبعد وسط حائل عن وسط النجف مسافة 420 كلم فقط -. فحضر أولئك التجار وتفاهموا مع المسؤول عن الاستثمار والتجارة في حكومة الأمير طلال، وتم تأجير عدد من تلك المحال عليهم، وبدأوا ممارسة أنشطتهم التجارية، حتى أصبح ذلك السوق يُسمى سوق المشاهدة، وظل أولئك التجار يعملون بجد واجتهاد حتى أصبحت مدينة حائل من أغنى مدن الجزيرة العربية، وأصبحت القوافل التجارية تأتيها من كل صوب. ويُذكر أن عددا من المشاهدة قد باعوا أملاكهم في النجف واستقروا في حائل تماماً. ولكن عندما سقطت حائل في 2 نوفمبر 1921 غادر معظم المشاهدة مدينة حائل، إضافة إلى الكثيرين من أهل حائل الأصليين الذين هاجروا بعد السقوط. وهُدم سوق المشاهدة في وقت لاحق بعد السقوط بنحو عقدين أو ثلاثة من السنين.
ومما سبق نستخلص مدى التسامح الديني الذي كان موجوداً عند أهل حائل آنذاك، والذين لم يكونوا قد رضخوا بعد لأولئك الذين أرادوا فرض شخصية جديدة لهم تعتمد على التعصب والتطرف الديني، فالشيعة آنذاك عاشوا مع أهل حائل وسط ودّ واحترام وتقدير كبير متبادل، وأصبح المشاهدة من أهل حائل، لا فرق بينهم وبين أي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 71 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مواطن حائلي آخر في الحقوق والواجبات الوطنية، وكثير منهم اتخذوا زوجات من حائل، وتزوج الحائليون منهم. وكل ذلك رأيناه يسقط مع سقوط حائل، إذ تم تشتيت إخوتنا الشيعة، وكثير منهم عادوا إلى النجف وفئات هاجرت للكويت، غير أن عدد من العوائل رفضت الخروج، وبقيت في حائل كعائلة الشكر والسيف. والمشاهدة هم من يشار إليهم في بعض المصادر ب-شيعة حائل، ولا زالت ذكراهم خالدة وطيبة في قلوب أبناء حائل لإرتباطهم بعصر مجيد لحائل.
.jeeran.com/blog/archive
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 72 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الرابع: نبذة من تاريخ شمّر في العراق
هجرة شمَّر إلى العراق
دخلت عشائر شمَّر العراق على دفعتين
الأولى: كانت في النصف الأول من القرن السابع عشر، قال لونكريك في أربعة قرون من تاريخ العراق/104: ((إن أهم أحداث هذا القرن كان هجرة شمَّر، فلا يخفى أن تاريخ العالم العربي هو تاريخ موجات بشرية متتالية تحركت من قلب الجزيرة، وأن هذه الموجات هي السبب في وجود القبائل العربية في العراق، وعلى هذه الشاكلة جرت هجرة قسم كبير من شمَّر في سنة 1640م - 1050هـ من نجد إلى الشمال))، لكن جون وليمسون في كتابه قبيلة شمَّر العربية وتاريخها السياسي ص47، يختلف معه في تحديد تاريخ هذه الهجرة، فقال: ((بدأت المرحلة الأولى - من هجرة شمَّر - في النصف الأخير من القرن السابع عشر، حين مضت عشيرتا عنزة وشمَّر كلتاهما إلى الشمال من نجد في البحث عن مراعي خصبة....ولم تحل سنة 1696 حتى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 73 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عبرت شمَّر نهر الفرات في الفلوجة، وشنت عدة غارات على ولاية بغداد))، وقال/48: ((وفي ذلك الوقت كانت العشيرة تعرف باسم (شمَّر العراقية) وتشمل فرعي الزكاريط والأسلم))، وكان سبب هذه الهجرة دوافع اقتصادية بحثا عن المراعي الخصبة ومساقط الأمطار.
الثانية: كانت في أواخر القرن الثامن عشر ((حين شهدت العشيرة ضغطا عسكريا متزايدا من جانب الحركة الوهابية)) (المصدر السابق:48)، وذلك بعد معركة عدوة واستشهاد مسلط بن مطلق، فحلت في الأطراف الغربية من العراق، فغزاهم سعود بن عبد العزيز وهم على ماء الأُبيض قرب السماوة كما مرَّ ذلك. ثم حدثت هجرة داخلية سنة 1215هـ - 1800 ((عندما اضطرت شمَّر إلى العبور من غرب الفرات إلى شرقيه بتأثير ضغط عنزة عليها فنزلوا المناطق المحاذية لبغداد... وعبر فرع منهم وهم شمَّر طوقة نهر دجلة فاحتل ضفته اليسرى من ديالى إلى ما يقرب من الكوت)) (أربعة قرون من تاريخ العراق:242). أما شمَّر الجرباء ففضلوا الرحيل إلى منطقة الجزيرة - الواقعة بين دجلة والفرات - ((فوصلوا نحو جبل سنجار في شتاء سنة 1802 أو 1803، فلا ريب أن شمَّر وجدت ولاية بغداد تختلف كثيرا عن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 74 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
موطنها الصحراوي السابق... فكان عليها أن تجد لها موقعا يتناسب وطبيعة القبيلة البدوية، فاختارت منطقة الجزيرة شمال غرب العراق)) (أنظر: قبيلة شمَّر:53)
نبذة عن دور شمَّر السياسي في العراق
كان حضور شمَّر إلى العراق في هجرتها الثانية مرحبا به؛ للعداء المستحكم بين الحكومة العثمانية من جهة والوهابيين وآل سعود من جهة أخرى، فقد ثمَّنت حكومة المماليك العثمانية2 دور شمَّر وموقفها من التيار الوهابي، كما كانت الدولة في مواجهتها مع آل سعود بحاجة كبيرة إلى خبرة قبائل شمَّر بالصحراء الغربية ونجد، ومعرفة قادتها بطبيعة تحركات العدو العسكرية؛ لذا قدمت حكومة المماليك العثمانية كل الدعم والتأييد لقبيلة شمَّر.
وكسبت من جهة أخرى تعاطف القبائل العراقية الكبيرة بسبب ما حلَّ بها من قتل وتشريد على أيدي الوهابيين، فكانت علاقتها بالقبائل طيبة بدليل انخرطها مع القبائل الأخرى كالمنتفق والعبيد وعقيل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 75 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والخزاعل في الحملات التي جردتها الحكومة العثمانية لمواجهة الخطر الوهابي، وقد عرضنا طرفا من هذه الحملات ودور شمَّر فيها.
كما لعبت قبيلة شمَّر دورا وطنيا كبيرا في تاريخ العراق منذ بديات القرن التاسع عشر بل وقبله أيضا، وفي تاريخها الوطني والديني في العراق عدة نقاط نقف عند أهمها:
1 - حربهم مع الفرس
خلال ولاية داود باشا - أحد الولاة العثمانيين فترة حكم المماليك، حكم بغداد من سنة: (1232 - 1247/1816 - 1831) - على العراق ساءت العلاقة بينه وبين الحاكم الكردي محمود الباباني - أسرة كردية حكمت الأجزاء الشمالية الشرقية العراق للفترة من (1649 - 1851م) - ، فاستنجد الأخير بحاكم كرمنشاه محمد علي مرزا - وهو أحد أبناء الشاه القاجاري - فأمده بجيش قوامه عشرة آلاف مقاتل، ((وشعر داود باشا الخطر فأرسل جيشه الخاص بقيادة عمه عبد الله باشا إلى كركوك، لكنه وجد أن الفرس قد استولوا عليها، فوافق داود على إعادة محمود إلى منصبه كوالٍ على كردستان الشرقية من قبله، لكن المعارك نشبت مجددا سنة 1237 - 1821، واشتدت الحرب بين محمود بابان الذي نال دعم داود باشا، وبين عبد الله بابان المدعوم من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 76 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حاكم كرمنشاه للسيطرة على السليمانية، ودحر الجيش الفارسي قوات داود باشا، وفرَّ قائدها الكهية محمد أغا مستسلما للقوات الفارسية، ثم زحف الجيش نحو بغداد للإطاحة بحكومة داود باشا، فالتقى الجيش الفارسي في طريقه إلى بغداد بجماعات من شمَّر، فجرت سلسلة معارك بين الطرفين، وانتشر داء الكوليرا في الجيش الفارسي مما عجَّل في هزيمته وانسحابه بعد أن عقد محمد علي مرزا اتفاقا مع داود باشا)). (قبيلة شمَّر:75 - 76 مختصرا، مطالع السعود:340 )
إلا أن العزاوي في تاريخ العراق بين احتلالين:6 /280 ذكر أن الوقعة كانت مع الكهية محمد أغا وأتباعه الذين فروا إلى محمد علي مرزا، قال: ((وجاءت العشائر زمرا ووافقت على ترتيبات الحكومة وسلطتهم على السرايا والهجومات المختلفة، وصاروا يهاجمونهم ويصولون عليهم من كل ناحية - أي على قوات ابن الشاه والموالين له - وأنهم حينما رأوا محمدا الكهية وأعوانه في الجهة التي بين خان جيق وقرية هبهب صاروا يشنون الغارة عليه وعلى أعوانه... ثم سار الكهية (محمد) إلى الخالص لتحصيل الميرة منها، فلاقاه جمع كبير يتجاوز الألف، فانتهزوا الفرصة وصالوا عليهم بهجوم عظيم وقتلوا أكثرهم وأسروا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 77 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قسما وتفرق الآخرون)).
أما عن صلح ابن الشاه مع داود باشا، فقال: أنه كان بتدخل المرجع الديني الشيخ موسى بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء. (العرق بين احتلالين:6/281)
وفي السنة التالية 1238 - 1822 جرت وقعة أخرى كان سببها لجوء قبيلتين إيرانيتين إلى حاكم أرضروم العثماني، فتحرك عباس ميرزا ابن الشاه القاجاري حاكم أذربيجان الغربية فغزا شرق تركيا، وتجهز العثمانيون لمواجهته، وكتبوا إلى داود باشا والي بغداد بالهجوم على الفرس من ناحيته، فوجه إلى كردستان والمناطق الشرقية جيشا يقوده الكهية حاج طالب، ((وكان قد خلف محمد علي مرزا ابنه حسين ومعه أربعون ألف مقاتل، فدخلوا حدود العراق وقتلوا خمسمائة مقاتل تركي... ثم قرر الضباط الأتراك الانسحاب... وحدث أن وقعت قوة من شمَّر مؤلفة من ثمانمائة مقاتل بقيادة صفوق في شرك القوات الفارسية، فاشتبكت معهم بالقتال وتمكنت شمَّر من دحر قوة كبيرة)) (أربعة قرون من تاريخ العراق:296 مختصرا، قبيلة شمَّر:77) وفي مطالع السعود ص348 قال: ((إن صفوق بن فارس غزا ابن الشاه، وعبر ديالى بفوارس من عشيرته إلى أن كان من عسكر ابن الشاه بمرأى، فركب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 78 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فرسان العسكر إليه وكروا عليه، فاستطردهم حتى عبروا ديالى وبعدوا عنها، فعطف عليهم هو ومن معه من عشيرته ومن الروم (الأتراك) عليهم، فأدبرت فرسان العجم، وقفاهم فوارس شمَّر وقتلوا منهم من أدركوا)).
ثورات شمَّر ضد الحكم العثماني
اتبع العثمانيون سياسة تعسفية رعناء مع الشعب العراقي طيلة عهود احتلالهم المظلم للعراق، والذي دام ما يقرب من أربعة قرون، ولم يكن للولاة العثمانيين في الغالب همٌّ سوى استنزاف قدرات أبناء العراق المادية، بوضع ضرائب باهظة على الأموال والممتلكات والمزروعات، وحتى على بيوت الشعر بالنسبة للبدو الرحل، ومن أبى دفع هذه الضرائب سيَّر له الولاة العثمانيون جيوشهم وقادوا له الحملات بذريعة خروجه عن طاعة الوالي، وربما اتهموهم بالعمالة للأجنبي، أو بقطع السبل والإفساد والتخريب.
كما حرص هؤلاء الولاة على تمزيق وحدة الشعب بضرب القبائل العراقية بعضها ببعض، وإشعال نيران الفتن فيما بينها، وتقريب إحداها على حساب الأخرى، حتى العشيرة الواحدة كان الولاة كثيرا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 79 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ما يلجؤون إلى تعيين شيخ جديد للعشيرة، كلما وجدوا تمردا من شيخها العام أو تحد منه لسلطتهم؛ ليقع التنافس والنزاع بين أبنائها،ولم تكن شمَّر مستثناة عن إطار هذه السياسة.
ولا يتسنى لنا سرد كل الوقائع والأحداث التاريخية المرتبطة بقبائل شمَّر لكثرتها، ولرعايتنا الاختصار في هذا الكتاب لذا سنذكر المهم منها حسب تسلسلها التاريخي.
في سنة 1704م أغار الوزير حسن باشا والي بغداد على عشائر الغرير والشهوان من شمَّر بحجة قطعهم للطريق والغارة على القرى، وبالرغم من إبدائهم الطاعة وتكذيب ما بلغ الوزير، إلا أنه سيَّر لهم جيشا لجبا، وأوقع فيهم وقعة عظيمة وصارت أموالهم نهبا للجنود. (أنظر: العراق بين احتلالين:5/162 - 163)
وفي سنة 1706م ثارت قبيلتا شمَّر بقيادة غانم الحسان والخزاعل في الشامية، احتجاجا على ضريبة البيتية - وهي ضريبة كانت تؤخذ على بيوت أهل البادية - فأغار عليهم الوزير المذكور، فقاتلهم وغنم منهم غنائم لا تحصى، وكانت هذه الوقعة هي السبب في تفرق شمَّر، فانفصلت شمَّر طوقة - حيث مضت إلى ما بين ديالى والكوت، واستقر المسعود في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 80 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أطراف المسيب وكربلاء. (أنظر: المصدر السابق:5/171)
وفي سنة 1708م ثارت قبائل المنتفق في البصرة، فخرج لهم الوزير بجموعه، وانضمت قبائل العرب لنصرة المنتفق: الخزاعل، والسراج والمياح من ربيعة، وغزية، وبني خالد، وانتصرت لهم شمَّر، ووافاهم الوزير بجيوشه وهم في منطقة الشرش شمال البصرة، فكانت وقعة عظيمة دامت سبعا وعشرين يوما، انتصر فيها العثمانيون للفارق الكبير في العدة والعدد. (أنظر: المصدر السابق:5/176 - 180)
وفي عام 1725م انتفضت قبائل: شمَّر، وبني لام، وساعدة، وآل شبل، وعشائر أخرى تحالفت في الكفل وتعاهدت على مقاومة الأتراك العثمانيين، فأرسل الوزير سرية داهمتهم على حين غرة، وحدثت معركة دامية كانت الدائرة فيها على شمَّر، وأسفرت عن نهب أموالهم، فاضطروا للفرار إلى الجزيرة، فتبعهم الوزير فأوقع فيهم هناك وقعة دامية. (أنظر: المصدر السابق:5/215)
وفي سنة 1733م أغار الوزير على قبائل الجزيرة، بدعوى تعاونها مع نادر شاه الصفوي، وبدأ بشمَّر وجرت معركة كبيرة بين الطرفين، قتل من العشائر الكثير، وأخذت منهم غنائم. (أنظر: المصدر السابق:5/244 - 245)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 81 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي سنة 1739م ثارت عشائر: القشعم، وعشيرة الأسلم من شمَّر، والسرحان، وبنو صخر في عين تمر، فهاجمهم الوزير من جهتين: من جهة كربلاء، ومن جهة هيت، فانكسرت العشائر وانتهب الجنود الأتراك أموالهم. (أنظر: المصدر السابق:5/260)
وفي سنة 1755م قاد الوزير سليمان الكبير حملة على زوبع من شمَّر؛ لأنهم عاثوا في الأمن ونهبوا المارة كما يقول العزاوي، فلما وصلهم الجيش فروا وتركوا أثقالهم فنهبها العسكر. (أنظر: المصدر السابق:6/30)
وفي سنة 1816م ثارت شمَّر الجرباء، ومعهم الزگاريط من شمَّر، والخزاعل، والبعيج من عنزة على سعيد باشا في الديوانية وتقدموا تجاه بغداد حتى وصلوا الحلة، فاستنجد الوزير المذكور بحليفه التقليدي حمود الثامر شيخ المنتفق، والعبيد، والعقيل، والرولة من عنزة، وتقابل الفريقان في منطقة لملوم قرب الديوانية، فكان الظفر للوزير وأتباعه. (أنظر: المصدر السابق:6 /227 - 228)
وفي سنة 1817م تحركت شمَّر طوقة للثورة على داود باشا، فأرسل لهم جيشا، فعلموا بالخبر فتفرقوا، وغنم الجيش بضعة آلاف رأس غنم، ومقدارا من الإبل. (المصدر السابق:6 /249)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 82 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كما أغار الوزير على جماعة أخرى من شمَّر في السنة المذكورة، فغنم منهم ثمانية آلاف رأس من الغنم، وخمسمائة ناقة. (المصدر السابق:6/257)
ورغم الخدمات التي قدمتها هذه القبيلة لحكومة المماليك العثمانية في صراعها مع الوهابية، وفي صراعها مع حاكم كرمنشاه، إلا أن ((داود باشا سرعان ما ساءت العلاقة بينه وبين زعيم شمَّر الجرباء صفوق الفارس، في وقت أثار فيه داود نقمة السلطان العثماني عليه، فعزله واستبدله بعلي رضا الذي جاء على رأس جيش جرار لينتزع بغداد من داود بالقوة، واستعان الأخير بشمَّر لخلع الوالي داود فتم ما أراد. ولم يبخل الوالي الجديد على شمَّر بالوعود البراقة، فعهد إليهم بحماية القوافل التجارية السائرة بين العراق والشام مقابل مبلغ من المال يدفعه للقبيلة، وما أن ثبتت أقدامه في السلطة حتى خاس بوعده، مما حدى بشمَّر إلى ضرب حصار على بغداد سنة 1833م، ثم انسحبوا من تلقاء أنفسهم، فتبعهم الجيش العثماني على طريق الموصل فأوقع فيهم، ثم تكرر حصارهم لبغداد في السنة التالية، فاستعان علي رضا بقبيلة عنزة لفك الحصار عن بغداد فجاءت بقضها وقضيضها، وتدخل أهل الحجى والعقل قبل وقوع الكارثة واصطدام القبيلتين،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 83 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حيث انسحبت شمَّر إلى ديارها في الجزيرة بسلام)) (قبيلة شمر...:89، تاريخ العراق بين احتلالين:7/27).
وفي سنة 1862م أرسل الوزير محمد نامق حملة لمحاربة شمَّر في الجزيرة ونهبهم، وإتباعا لسياسة التفريق بين العشائر العراقية فقد أشرك بعض القبائل في الحملة، فلما علمت شمَّر بذلك ففروا إلى جبل سنجار والخابور، والتقى الجيش بمجموعة صغيرة منهم فقاتلهم، ونهبوا أموال العشيرة، ثم جاء وفد منهم في السنة التالية، ووقع صلحا مع الحكومة في بغداد استردت شمَّر بموجبه بعض ما نهب منها. (العراق بين احتلالين:7/140)
وفي سنة 1871م ثار الشيخ عبد الكريم بن صفوق على سياسة مدحت باشا في إسكان العشائر، ((وشعر أن مشروع التوطين الذي وضعه مدحت باشا يمثل نهاية ثقافة شمَّر النجدية، فاستمسك بشدة لتراثه، وقرر أن يحارب رغم الفارق الكبير في العدة والعدد... بعد أن تمكن من تجميع ثلاثة آلاف مقاتل من شمَّر، إلا أن خطته في تقسيم جيشه إلى ثلاثة أقسام: قسم وجهه إلى دير الزور، والثاني إلى الموصل، والثالث إلى بغداد شتت قواته، فشن عليه العثمانيون هجوما من محورين: من الشمال من ديار بكر، ومن بغداد في الجنوب، فقتل ثلاثمائة من أتباعه، وفرَّ عبد الكريم إلى البادية ليذهب إلى جبل شمَّر،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 84 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لكن مدحت باشا كتب لآل رشيد في الجبل بعدم إيوائه، وفي طريقه عبر الفرات إلى جهة المنتفق (الناصرية) فألقى ناصر السعدون القبض عليه وسلَّمه إلى السلطات العثمانية، حيث حكم عليه بالإعدام شنقا، فأعدم إلى جسر دجلة في الموصل)). (قبيلة شمَّر: 171 - 172 مختصرا)
مواجهة الاحتلال البريطاني
دخلت القوات البريطانية العراق سنة 1914م، ولم تلق أي مقاومة تذكر من القوات العثمانية المتمركزة في الجنوب، لضعف تسليحها، وقلة عدد أفرادها، وعدم اهتمام الحكومة العثمانية بهذه الجبهة حيث كانت منشغلة بجبهات أخرى، فسقطت البصرة يوم 17/11/1914بعد أن أخلتها القوات العثمانية، فكبر ذلك على مراجع الدين في النجف الأشراف وكربلاء، وعلى الغيارى من رؤساء العشائر العراقية التي هبت للدفاع عن وطنها، رغم تواضع الإمكانات العسكرية إزاء آلة الحرب البريطانية الفتاكة، ((ولم يقف علماء الدين في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة مكتوفي الأيدي، بل أصدروا فتاواهم إلى رؤساء العشائر في جهاد الانكليز، وإخراجهم من أرض الوطن، وعلى إثر هذه الفتاوى تهيئ أبناء العشائر كافة للجهاد، واجتمع رؤساء عشائر الحلة وكربلاء والديوانية في الديوانية
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 85 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بطلب من المتصرف... واتفقت العشائر والقيادة المتمثلة بالعلماء والأتراك أن تنقسم العشائر إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يتوجه إلى الشعيبة ويتألف من آل فتلة، وآل إبراهيم وآل شبل، والخزاعل، وأهالي النجف وكربلاء، وعشائر السماوة والناصرية.
القسم الثاني: يتوجه عن طريق الجزيرة إلى النعمانية ثم إلى العزير، ويتألف من عشائر زبيد، والمسعود، وآل فتلة الغربيين (أهل الهندية)، وبني حسن، والجبور، وأهل الحلة، وبغداد، والدليم، وقسم من المحافظات الشمالية (الأكراد الفيلية).
القسم الثالث: يتوجه إلى العمارة ثم إلى الأهواز، ويتألف من آل فتلة (أهل الشامية)، وآل بدير، وحجيلة، والبراجع، وكانت عشائر شمَّر الديوانية وعفك والدغارة والحلة في هذا القسم)) (مذكرات الحاج صلال الموح:53)
ويضيف الحاج صلال الموح في مذكراته ص56، وهو أحد قادة المجاهدين من قبيلة الأقرع الشمَّرية ((... وصلنا إلى جبل منجور عن طريق نهر الكراخة...وبدأت المناوشات في اليوم التالي مع القوات الانكليزية واستمرت عدة أيام، وقد ذهب ضحيتها الكثير من الجانبين))، وقال ص58 وما بعدها مختصرا: ((انسحبنا بعدها إلى جهة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 86 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العمارة، فوافتنا رسالة من شيخ عشيرة الرفيع يدعونا للمساعدة في حصار الانكليز في الكوت، فذهبت عشائر عفك والأقرع وعندما وصلنا النعمانية وجدنا الجنود الأتراك ومعهم عشيرة البعيج من عنزة، والعبيد، والدليم، وزوبع برئاسة ضاري المحمود، وتوجهنا جميعا إلى الكوت، ثم التقينا بفرقة من ربيعة... فوجدنا العدو قد احتل جانبي الكوت، فقررنا الهجوم على الجانب الصغير، فلم تصمد القوات البريطانية وانسحبت إلى الضفة الأخرى.... وخرج القائد الانكليزي لجمن بثلاثة آلاف مقاتل يريد فك الحصار، فتمكن من ذلك بعد قتال عنيف، وتوجه إلى علي الغربي حيث تحصن هناك، فتبعته العشائر كالأگرع وگريط وغيرها، فجرت معركة كبيرة بين الطرفين.. ثم كانت معركة سابس قرب قضاء الحي....، ثم تلتها معارك الكوت الكبرى، حيث ولى فيها الجيش البريطاني هاربا نحو العمارة، وكان عدد قتلى الانكليز في سابس وحدها خمسة آلاف قتيل)).
أقول: أما القسم الأول من الأقسام التي ذكرها فقد خاضت معركة الشعيبة، ولم تحضر من بطون شمَّر فيها إلا شمَّر الجرباء بقيادة شيخهم الحميدي بن فرحان (أنظر: قبيلة شمَّر:203)
كما اشتركت شمَّر بأغلب فصائلها في ثورة العشرين يقودهم الشيخ سعدون الرسن، والشيخ شعلان العطية، والحاج صلال الموح،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 87 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والحاج مخيف، وكان الحاكم البريطاني في الديوانية الميجر دايلي قد عرف تحركات العشائر العراقية وتوثبها للثورة، فألقى القبض على الشيخ شعلان، وأبعد الحاج مخيف إلى البصرة، وأسرع الشيخ سعدون الرسن يحرض القبائل على الثورة فذهب إلى الرميثة، وما كان أن يصلها حتى أطلقت الرصاصة الأولى للثورة، عندما دخل غطارفة الظوالم سراي الحكومة وأخرجوا شيخهم شعلان أبو الجون من السجن، وعاد سعدون إلى الدغارة فوجد أن الانكليز هاجموا أهله وعشيرته، فهاجم مخفرا للحكومة واستولى على ما به سلاح وعتاد ووزعه بين الثوار، ثم تقدم نحو الديوانية، فاضطرت القوات البريطانية إلى الانسحاب عنها إلى الحلة، وجرت معارك طاحنة مع القوات المنسحبة حتى قصف العدو القرى والأرياف بالمدافع والطائرات)) (الثورة العراقية الكبرى: السيد عبد الرزاق الحسني:266 وما بعدها مختصرا)
وأثناء الثورة قامت قوة من شمَّر طوكة برفع ((قضبان سكة حديد الموصل بغداد، وقلبت أحد القطارات الصاعدة من بغداد وغنمت ما فيه، وكان يقود المجموعة الشيخ فهد البطيخ رئيس شمَّر طوكة في الكوت)). (فصول من تاريخ العراق:419)، فهذه نبذة يسيرة من جهاد هذه القبيلة ومواقفها الوطنية المشرفة.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 88 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الخامس: تشيّع شمّر العراق
تأثر الشمريون بعد هجرتهم إلى العراق بالجو العام الذي كان يسود بين أوساط القبائل العراقية، فاعتنقت أغلب بطون القبيلة مذهب آل البيت عليهم السلام ، قال الحيدري في عنوان المجد ص107: ((ومن العشائر المترفضة شمَّر طوكة، وهم كثيرون))، وقال ص108: ((ومن العشائر المترفضة عشائر الديوانية، وهم خمسة عشائر: آل أقرع، وآل بدير، وعفك، والجبور، وجليحة، وكلهم يشربون من ماء الدغارة الآخذة من ماء الفرات، والأقرع ست عشر قبيلة كل قبيلة كثيرة العدد...وعفج ثماني قبائل كثيرة العدد....))
وقد برز من هذه القبيلة عدد كبير من الرجال الذين جاهدوا باليد واللسان دفاعا عن قضية آل البيت عليهم السلام ، ولعل من أبرز هؤلاء:
الشيخ صالح الكواز
قال الزركلي في الأعلام3/198: (( الشيخ صالح بن مهدي بن حمزة الكواز: شاعر، من أهل الحلة، عربي المحتد، أصله من قبيلة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 89 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
(الخضيرات) إحدى عشائر شمر، المعروفة اليوم في نجد والعراق. كان يبيع الكيزان والأواني الخزفية، مترفعا عن الاستجداء بشعره)).
وقال السيد الأمين في أعيان الشيعة:7/378 ما خلاصته: ((ولد سنة 1233، وتوفي سنة 1291 بالحلة، ونقل إلى النجف فدفن فيها،وكان كوازا من أسرة يصنعون الفخار والكيزان بالحلة، وكان مكثرا من الشعر لا يقل شعره عن ألفي بيت، وهو ممن جوَّد في رثاء الحسين الشهيد عليه السلام ، وله في ذلك عدة قصائد مشهورة، وكان ناسكا ورعا يحيي أكثر لياليه بالعبادة، ويقيم الجماعة في أحد مساجد الجباويين بالقرب من مرقد أبي الفضائل السيد أحمد بن طاوس، وللناس به أتم وثوق))
وقال الشيخ محمد علي اليعقوبي في مقدمة ديوان الكواز مختصرا: ((يعتبر الشيخ صالح الكواز من أبرز شعراء عصره وأدباء دهره، وكان يعد في طليعة أفاضل الفيحاء في عصره علماً وأدبا، درس النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان على خاله الشيخ علي العذاري، والشيخ حسن الفلوجي، والسيد مهدي السيد داود، وتخرج في الفقه وعلوم الدين على العلامة السيد مهدي القزويني.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 90 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقال: وكان مع رقة حاله، وضعف ذات يده يحمل بين جنبيه نفساً أبية تفيض عفةً وشرفاً وعزةً وكرماً، متعففاً عما في أيدي الناس قانعاً بما قدر له من الرزق، مترفعاً عن الاستجداء بشعره، فما ورد عنه في هذا المجال انه طلب إليه أحد ذوي الجاه والسلطات الرسمية في الحلة، أن ينظم له أبياتا في رثاء أبيه ويؤرخ فيها عام وفاته لتنقش على صخرة تبنى على ضريحه، وبذل له على ذلك ما يقارب الأربعين ليرة عثمانية، فامتنع عن ذلك مع شدة حاجته، وعظيم فاقته؛ لأنه كان لا يزف عرائس أفكاره الأبكار إلا لأهل البيت الأطهار عليهم السلام ... وقد ذاع شعره واشتهر ذكره، وتناقل المنشدون والخطباء في المحافل الحسينية قصائده في أهل البيت عليهم السلام فكانت - وما زالت - تتلى وتنشد في شتى المناسبات))
ومن جيد شعره في رثاء الحسين عليه السلام ، قوله:
ما ضاق دهرك إلا صدرك اتسعا * فهل طربت لوقع الخطب مذ وقعا
تزداد بشراً إذا زادت نوائبه * كالبدر إن غشيته ظلمة سطعا
وكلما عثرت رجل الزمان عمى * أخذت في يده رفقاً وقلت لعا
وكم رحمت الليالي وهي ظالمة * وما شكوت لها فعلا وان فضعا
وكيف تعظم في الأقدار حادثة * على فتى ببني المختار قد فضعا
أيام أصبح شمل الشرك مجتمعاً * بعد الشتات وشمل الدين منصدعا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 91 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ساقت عدياً بنو تيم لظلمهم * إمامها وثنت حربا لها تبعا
والقصيدة طويلة، يمکن مراجعتها في المصدر المذکور.
الشيخ حمادي الكواز
قال السيد الأمين في أعيان الشيعة:10/64، ما ملخصه: ((الشيخ محمد بن مهدي بن حمزة الشمري الحلي، المعروف بالشيخ حمادي الكواز. ولد سنة 1245 وتوفي سنة 1279 بالحلة ونقل إلى النجف وهو أخو الشيخ صالح الكواز المشهور، وبالرغم من أميته، فقد كان أديبا شاعرا ناسكا تقيا مكثرا من مدائح الأئمة الطاهرين)).
وقال الطهراني في الذريعة ج9 القسم الأول/265: ((له ديوان جمعه أخوه الشيخ صالح الكواز، ولم يستوفها لكثرة شعره)). ومن شعره في رثاء أبي الفضل العباس عليه السلام :
أ أريت يوم دعوا رحيلا * من حملوا العبء الثقيلا
ومن استقادته النوى * بيد الخطوب ضحى ذليلا
صبا يحاول وصلهم * والبين يمنعه الوصولا
دنفا يناشد عنهم * ربعا أهاج له الغليلا
طلل أخفَّ عذابه * أن تصبحن به قتيلا
خاف تخاف الوحش * وحشة أنسه خوفا طويلا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 92 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إذ لم أجد عونا سوى * أن أذرف الدمع الهمولا وعشي
إن الخليل إذا أحب * وقى على الخطب الخليلا
فلقد وقى العباس * سبط محمد يوما مهولا
وسطا وصال بموقف * منع المنية أن تصولا
لم يرض عونا فيه إلا * السيف والرمح الطويلا
حسم القضاء منه أكفا * تخصب العام المحيلا
الشيخ كاظم بن سلمان آل نوح
من العلماء والباحثين المحققين، والخطباء المبرزين، ولد في مدينة الكاظمية في حدود سنة 1300 هـ، ودرس العلوم الدينية، وله مصنف ذكره الشيخ الطهراني في الذريعة إلى تصانيف الشيعة، وهو كتاب (الجزم لفصل ابن حزم)، كتبه ردا على كتاب (الفصل في الملل والأهواء والنحل) لمحمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الأندلسي المتوفى (456)، والكتاب يقع في مجلدين كبيرين. (الذريعة:5 /105)
الحاج صلال الموح
من قادة ثورة العشرين، ومن قادة حركة المقاومة عند دخول الإنكليز للعراق خلال الحرب العالمية الأولى 1914، سافر إلى البصرة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 93 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خلال معركة الشعيبة وقبلها وبعدها وكذلك بعد حصار الجيش البريطاني في مدينة الكوت واستسلامه.
وتعد حياة الشيخ صلال الموح الغانمي الشمري أسطورة من أساطير العراقية الرائعة. فقد عاش مائة عام كاملة حيث ولد عام 1869 في السنة الثانية من ولاية الوالي العثماني (مدحت باشا) في محافظة الديوانية، قلعة شخير - ناحية سومر حاليا-، وتوفي سنة 1969 في السنة الثانية من استيلاء حزب البعث على الحكم في العراق. وقد تطلبت منه حياة الكفاح المستمرة منذ اللحظة الأولى لدخول الإنكليز إلى البصرة أن يجوب ارض العراق طولاً وعرضاً على ظهور الخيل انطلاقا من الديوانية إلى بغداد والدليم ثم الكوت والعمارة والبصرة والناصرية لصد الجيش الإنكليزي الغازي. وكان هو وفرسانه من أبناء العشائر في حالة كر وفر مع الجيش الإنكليزي حتى بعد معركة الشعيبة، وانهيار الجيش العثماني النظامي مما أدى إلى انتحار قائده العثماني سليمان باشا، وكانت تلك الأحداث بمثابة تمرين على ثورة العشرين.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 وإتمام احتلال العراق من قبل الجيش البريطاني شرعت السلطات المحتلة بتعيين حكام سياسيين من بين ضباط الجيش، وقد أساء هؤلاء الحكام العسكريين معاملة العشائر ورؤساءها وسعوا بكل السبل إلى إذلال العشائر،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 94 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وكان من نصيب منطقة الديوانية الحاكم السياسي (الميجر ويلي).
وكان دور الشيخ صلال الموح في ثورة العشرين أن جمع عشائر عفك وهاجموا سراي الحكومة في عفك، واحتلوه وهرب الحاكم السياسي لعفك (الكابتن ويب).
وبعد فشل الثورة اضطر من بقي من الثوار ترك العراق والهجرة إلى الحجاز: منهم السيد جعفر أبو التمن والسيد نور الياسري وصلال الموح وشقيقه مهدي الفاضل والسيد هادي المكوطر والسيد محسن أبو طبيخ وعلوان السعدون رئيس بني حسن ومرزوك العواد رئيس العوابد والحاج رابح العطية رئيس الحميدات وشعلان الجبر رئيس أل ابراهيم. وصل الثوار إلى مدينة حائل في نجد حيث استقبلهم عبد العزيز رشيد أمير شمر وقد أقاموا لديه عدة أشهر رحلوا بعدها إلى الحجاز مع وفود من قبل ابن رشيد، وصلوا الحجاز وأقاموا في مكة لدى الملك حسين ملك الحجاز وبقوا هناك إلى أن عقد مؤتمر القاهرة برئاسة تشرشل حيث تقرر إنشاء مملكة العراق وتنصيب عبد الله بن الحسين ملكاً عليها، ولكن بعد أن طرد الفرنسيون الملك فيصل بن الحسين من سوريا، قرر الإنكليز أن يكون فيصل ملكاً للعراق وعبد الله أميرا لإمارة شرق الأردن .
وهكذا عاد الثوار مع الملك فيصل الأول بالباخرة عن طريق
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 95 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
البصرة بعد تأسيس الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة عبد الرحمن النقيب وصدور قرار العفو عنهم. (قراءة في مذكرات الشيخ صلال الموح: د/عبد الجبار منديل)
مطلق بن محمد الشمري
المعروف بمطلق الجربا، أشهر فرسان شمر وبادية العراق في عصره. كان من أعداء آل سعود الأشداء في نهضتهم الأولى، وقتل ولده في معركة عدوة بين سعود بن عبد العزيز وبعض قبائل شمر، فآلى أن يثأر له، فجمع أنصارا من قبائل الظفير وآل بعيج والزقاريط وغيرهم، وأقاموا على ماء يقال له (الأبيض) قرب (السماوة) وكانت من بوادي شمر، فمر بهم (سعود) في إحدى غاراته، فقاتلوه، وكان مطلق على فرس سبوق، يقلبها يمنة ويسرة، وكلما كر على كتيبة حادت عن مطاعنته، فعثرت فرسه بشاة، فسقط على الأرض، فأدركه خزيم بن لحيان - رئيس قبيلة السهول- فقتله. وقال ابن سند: كان قتله عند سعود من أعظم الفتوح. (الأعلام:7/253)
---------------
1 ) قال الخليل: الجرنفش: عظيم الجنبين (العين: 6/210)
2 ) حكومة المماليك أحد مراحل الحكم العثماني في العراق، وذلك حينما تولى المماليك الجراكسة الحكم في بغداد، واستمر حكمهم تسعين سنة تقريبا (1749/1831م) (أنظر الجزء6 من كتاب العراق بين احتلالين للعزاوي)