سلسلة القبائل العربية في العراق (16) قبيلة بني تميم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 1 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سلسلة القبائل العربية في العراق (16)
قبيلة بني تميم
«إن بني تميم لم يغب لهم نجم، إلا طلع لهم آخر»
(نهج البلاغة:3/18)
عبد الهادي الربيعي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 2 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 3 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
تعد تميم من أكبر القبائل العربية التي اشتهرت قبل الإسلام وفي العصور الإسلامية الأولى، وقد استوطنت مناطق شاسعة من شبه الجزيرة العربية، ثم انتشرت بعد الفتوح الإسلامية شرقا وغربا.
وشاركت في صناعة أحداث كثيرة ومهمة في نجد والبحرين قبل الإسلام، وفي المناطق المفتوحة بعد دخولهم الإسلام.
وقد تميزت هذه القبيلة بكثرة الرجال والفرسان الذين عرفوا بسطوتهم وفروسيتهم فطار صيت بني تميم بهم وارتفعت مكانتها بين القبائل، ولمع منهم رجال في الأدب والتاريخ كالفرزدق، ومتمم بن نويرة، وغيرهم الكثير.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 4 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد رتبت الكتاب على فصول، الأول: تناولت فيه ملامح عامة عن بني تميم، أما الفصل الثاني: فذكرت فيه نبذة من تاريخ تميم في العصر الجاهلي، أما الفصل الثالث: فخصصناه عن موقف تميم من الدعوة النبوية، وتناولنا في الفصل الرابع دور بني تميم في الفتوحات ونبذة من تاريخهم في البلدان المفتوحة، وذكرنا في الفصل الخامس مشاهير رجالات بني تميم.
أسأل الله أن أكون قد وفقت في تقديم فكرة صالحة عن هذه القبيلة العربية الكريمة، وأسأله تعالى أن يحفظ سماحة الشيخ العلامة المفضال علي الكوراني العاملي لرعايته لهذا الجهد.
عبد الهادي الربيعي
26 /رجب/1334
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 5 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قالوا في بني تميم
كتب أمير المؤمنين عليه السلام الى عبد الله بن عباس وهو عامله على البصرة: ((وقد بلغني تنمرك لبني تميم وغلظتك عليهم، وإن بني تميم لم يغب لهم نجم إلا طلع لهم آخر وإنهم لم يسبقوا بوِغم (ثأر) في جاهلية ولا إسلام. وإن لهم بنا رحماً ماسة وقرابة خاصة، نحن مأجورون على صلتها ومأزورون على قطيعته. فاربع(انتبه) أبا العباس رحمك الله فيما جرى على لسانك ويدك من خير وشر، فإنا شريكان في ذلك وكن عند صالح ظني بك، ولا يفيلن رأيي فيك. والسلام)). (نهج البلاغة:3/18)
وفي الخصال/227، عن الإمام الرضا عليه السلام قال: ((إن رسول الله كان يحب أربع قبائل: كان يحب الأنصار، وعبد القيس، وأسلم، وبني تميم. وكان يبغض: بني أمية، وبني حنيفة، وبني ثقيف، وبني هذيل)).
وروي عنه صلى الله عليه وآله أن قائد قوات الإمام المهدي المنتظر عليه السلام هو شعيب بن صالح من بني تميم، قال: ((تخرج راية من خراسان، ثم تخرج أخرى ثيابهم بيض، على مقدمتهم رجل من تميم يوطئ للمهدي سلطانه)). (معجم الإمام المهدي: 1/13، و351) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 6 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وروي أنه يقاتل السفياني حتى يخرجه من الكوفة، ثم يكون قائد جيش المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الى دمشق والقدس. (المصدر السابق:1/355).
ورووا أن عمر بن الخطاب ومعاوية كانا يذمان بني تميم، فقد ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/191): ((أن عمر ذمهم. فقام الأحنف فقال: يا أمير المؤمنين أئذن لي. قال: تكلم، فقال الأحنف: إنك ذكرت تميماً فعممتهم بالذم، وإنما هم من الناس فيهم الصالح والطالح. فقال عمر: صدقت )).
وروى ابن أبي الحديد: أن معاوية قال للأحنف بن قيس وجارية بن قدامة ورجال من سعد معهما، كلاماً أحفظهم (أغضبهم) فردوا عليه بجواب مقذع (مؤلم)، وكانت امرأة معاوية في دار قريبة فسمعت كلامهم، فلما خرجوا جاءت الى معاوية فقالت له: لقد سمعت من هؤلاء الأجلاف كلاماً تلقوك به فلم تنكر، فكدت أن أخرج إليهم فأسطو بهم (أضربهم)! (شرح نهج البلاغة: 15/133).
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 7 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الأول: بنو تميم.. ملامح عامة
1- نسب بني تميم
قبيلة تميم من القبائل العدنانية، وتنتسب: الى تميم بن مُر بن أدّ بن طابخة بن إياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. (عجالة المبتدي: الهمداني:31)
وتميم في اللغة: تعني الشدة والصلابة، قال زهير بن أبي سلمى:
تميمٍ فلوناه فأكمل خلقه * فتمَّ وعزَّته يداه وكاهله
(الاشتقاق:201)، وكان لمر بن أد والد تميم من الأولاد:
1- الغوث بن مر: ويسمى صوفة، ويسمى ربيط الكعبة أيضا؛ وكانت أمه لا يعيش لها ولد، فنذرت لئن عاش لتربطن برأسه صوفة وتربطه في الكعبة، ففعلت وجعلته خادما للكعبة حتى بلغ فنزعته، وكان بنوه يجيزون الحاج من عرفات، ثم درجوا، فانتقلت الإفاضة منهم الى بني عطارد من سعد بن زيد مناة. (العقد الفريد:3/190)
2- ثعلبة بن مر: ويسمى ظاعنة، ظعن بنوه ونزلوا في بني الحارث بن ذهل بن شيبان.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 8 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
3- محارب بن مر: كان بنوه مع بني زهير بن تيم من تغلب، ثم انصرفوا الى قومهم.
4- ويعفر بن مر: لحق أولاده باليمن. (جمهرة النسب:189 وما بعدها مختصرا)
5- بكر بن مر: ويسمون بني الشعيراء، نسبة الى أمهم: الشعيراء بنت ضبة بن أد. (أنساب الأشراف:13/7) كان يسكن أبناؤه البحرين، ثم سكن بعضهم البصرة. (المصدر السابق:12/10)، وقال ابن جزم في جمهرته ص206 : ((وهم قليل دخلوا في بني مقاعس من تميم)).
ولمر أولاد آخرون وهم: أراشة، وكبش، وعامر، وكامل، ومازن، وسلمة، درجوا جميعا. (جمهرة النسب:189، المقتضب: ياقوت الحموي:37)
6- تميم بن مر: وهم قاعدة من أكبر قواعد العرب، وبهم يضرب المثل في الكثرة، قال الفرزدق التميمي:
فإن تميما قبل أن يلد الحصى * أقام زمانا وهو في الناس واحد
(الشعر والشعراء: ابن قتيبة:1/464)، وسئلت ليلى الأخيلية عن مضر فقالت: ((فاخر بكنانة، وحارب بقيس (عيلان)، وكاثر بتميم)). (المنمق:24)
2- بطون تميم القديمة
أولد تميم: الحارث، وعمرو، وزيد مناة، فأما بنو الحارث بن تميم، فيقال لهم الشقرات، وهم بطن صغير، دخلوا في بني نهشل. (جمهرة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 9 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
النسب:192)
وأما عمرو بن تميم: فقد أولد: العنبر، والهجيم، وأسيدا، ومالكا، والحارث، وكعبا، وقليبا، ومنهم تفرعت البطون التالية:
1- بنو أُسيِّد بن عمرو بن تميم: وهو مصغر أسود بلغة تميم، والنسب إليه أُسَيدي، ومن مشاهيرهم: أكثم بن صيفي أحد حكماء العرب، وهو من بني شريف بن أسيد، سكن أغلبهم الكوفة. (الاشتقاق:206 مختصرا)
2- بنو الحارث بن عمرو بن تميم: ويقال لهم الحبطات، والنسب إليه حبطي، لأنه أكل طعاما فانتفخت منه بطنه، منهم: عباد بن الحصين، كان على شرطة مصعب بن الزبير في البصرة. (جمهرة النسب:260، الأنساب:2/169، العقد الفريد:3/190)
3- بنو العنبر بن عمرو بن تميم: والنسب إليه عنبري، وسكن أغلبهم البصرة، والكوفة، منهم: غاضرة بن سمرة بعثه النبي صلى الله عليه وآله على صدقات قومه. ومنهم: عبد الله وعمران ابنا منقذ بن حذيفة بن جندل شهدا الجمل وصفين مع الإمام علي عليه السلام ، فقتل عبد الله يوم صفين، وشترت عين عمران يوم الجمل. ومنهم: مزيد وعبد الله ابنا خيران بن جابر كانا مع المختار، وهما اللذان قتلا محمد بن الأشعث. ومنهم: عامر بن عبد قيس أحد العباد وستأتي ترجمته. (جمهرة النسب:252، الأنساب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 10 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
للسمعاني: 4/247 باختصار).
4- بنو كعب بن عمرو بن تميم: بطن صغير دخلوا في بني مازن. (الاشتقاق:201)
5- بنو مالك بن عمرو بن تميم: وهم أكبر قبائل هذه المجموعة من تميم، وينقسمون الى: أ- بنو مازن بن مالك، والنسب إليه مازني، منهم: المقرئ والأديب البصري أبو عمرو بن العلاء، وانقسم هذا البطن في سكناه بين البصرة وخراسان. (جمهرة النسب:261، جمهرة أنساب العرب:211) ب- بنو الحرماز بن مالك. ت- بنو غيلان بن مالك، سكنوا البصرة. (جمهرة النسب265)
6- بنو الهُجَيم بن عمرو بن تميم: والنسب إليه هُجَيمي، منهم: الصحابي جابر بن سليم، وسكن بنو الهجيم البصرة. (جمهرة أنساب العرب:209، الأنساب:5/629)
أما زيد مناة بن تميم: فهم أكبر قبائل تميم، وأشهرها، وأكثرها عددا، ومن بطون هذه القبيلة المشهورة:
1- مالك بن زيد مناة بن تميم: ومن فروع هذه العشيرة: أ- الربائع: وهم: بنو ربيعة بن مالك، و بنو ربيعة بن حنظلة بن مالك، وبنو ربيعة بن مالك بن حنظلة. (جمهرة أنساب العرب:194) ب- البراجم: والنسبة إليهم برجمي، وهم بنو: عمرو، والظليم، وقيس، وكلفة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 11 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وغالب بنو حنظلة بن مالك بن زيد مناة. (الأنساب:1/309) ت- بنو مرة بن حنظلة بن مالك، ولقب مرة (العم)، والنسب إليه عمي. ث- بنو يربوع بن حنظلة بن مالك، والنسب إليه يربوعي، منهم مالك بن نويرة اليربوعي. ج- بنو رياح بن يربوع: والنسب إليه رياحي، منهم: الحر بن يزيد الرياحي رحمه الله . ح- بنو سليط بن يربوع، ولازالت لهم بقايا في العراق. خ- بنو ثعلبة بن يربوع، وهم بطون أشهرها بنو الكباس، منهم: عتيبة بن الحارث، فارس تميم في الجاهلية، أسر بسطام بن قيس الشيباني يوم الغبيط. د- بنو مالك بن حنظلة بن مالك، وهم بطون كثيرة أشهرها بنو طهية نسبة الى أمهم. ذ- بنو دارم بن مالك بن حنظلة، والنسب إليه دارمي. ر- بنو عبد الله بن دارم، من مشاهيرهم: حاجب بن زرارة وبنوه لقيط ومعبد وعطارد. ز- بنو مجاشع بن دارم، والنسب إليه مجاشعي، ومن مشاهيرهم: الفرزدق الشاعر. س- بنو نهشل بن دارم، والنسب إليه نهشلي. وهناك بطون أخرى كثيرة أعرضنا عن ذكرها خشية الإطالة.
2- بنو امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم: منهم: عدي بن زيد الشاعر صاحب النعمان بن المنذر، وحسان بن مقاتل صاحب قصر بني مقاتل.
3- بنو سعد بن زيد مناة بن تميم: والنسب إليه سعدي، وهم أكبر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 12 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قبائل بني تميم، وينقسمون الى مجموعتين:
1- الأنباء، وهم بنو الحارث وعوافة، وجشم، ومالك، وعبشمس بنو سعد.
2- البطون، وهم بنو كعب، وعمرو ابني سعد بن زيد مناة بن تميم، ومن عشائر هذا القبيلة الكبيرة: أ- بنو منقر بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب، والنسب إليه منقري، منهم: قيس بن عاصم المنقري، الآتية ترجمته، ومسعر بن فدكي، كان مع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في صفين، ثم صار من قادة الخوارج. ب- بنو صريم بن مقاعس، والنسب إليه صريمي، منهم: عبد الله بن أباض الخارجي الذي ينسب إليه المذهب الأباضي. ت- بنو مرة بن عبيد بن مقاعس، منهم: الأحنف بن قيس السعدي. ث- بنو عوف بن كعب، وهم بطون عديدة، منهم: الزبرقان بن بدر. ج- بنو قريع بن عوف، وهو أنف الناقة، ح- بنو عبد العزى بن كعب بن سعد، بطون كثيرة، وأكثر بني سعد في البصرة.
أما بنو عمرو بن سعد: فهم في الكوفة والجزيرة وليس منهم في البصرة أحد، منهم: هائلة، وهي البسوس خالة جساس بن مرة الشيباني، والتي اشتعلت بسببها الحرب بين بكر وتغلب، ومنهم: العالم اللغوي جبر بن حبيب بن عطية، ومنهم: عبد الله بن رؤبة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 13 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الراجز. (راجع: الاشتقاق: ص200 وما بعدها، جمهرة النسب: 192 وما بعدها، جمهرة أنساب العرب: 215 وما بعدها، المقتضب: ص74 وما بعدها، وانظر: الأنساب للسمعاني في المواد المتعلقة بالنسبة)
3- منازل بني تميم
قبيلة تميم من أرحاء العرب، ويقال ذلك للقبيلة التي تغلب على ديار ومياه كثيرة، وكانت تميم تسكن في الجاهلية وصدر الإسلام في نجد، دائرة على ما والى أرض البصرة وأرض اليمامة، وتمتد الى العذيب من أرض الكوفة. (نشوة الطرب: ابن سعيد:1/415) فكانت تحتل مساحة واسعة من صحراء النفوذ وصحراء الدهناء ثم تتوغل أرضهم جنوبا حتى اليمامة بل قريبا من عمان، وشرقا الى البحرين وأسياف كاظمة، أما شمالا فكانت تصل منطقة الحزون غرب كربلاء حاليا، وغربا الى جبلي طيء في حائل، ولا تزال منهم بقايا في المواضع المذكورة خصوصا في حائل وفي حوطة بني تميم جنوب الرياض في السعودية.
ومن مواضع بلاد تميم التي ذكرها الجغرافيون: الأدواء، والأعزلان، وبرد وهو موضع في الدهناء، والبطاح فيه قتل مالك بن نويرة رحمه الله ، وترباع، وثبرة: وهي تلقاء لصاف، من ديار بني مالك بن زيد مناة بن تميم. وقيل: هو بين ديار بني تغلب وديار بني يربوع.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 14 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وكانت بين هاتين القبيلتين فيه حرب، هزمت فيه بنو يربوع، وفر عتيبة بن الحارث بن شهاب عن ابنه حزرة يومئذ، فقتل. وثماد، والجباب، وجحور موضع قرب عمان، والجلاميد موضع في الحزن من بلاد يربوع، وحاجر: وهو موضع من ديار تميم كانت فيه وقعة حيث خرج وائل بن ضريم اليشكري من اليمامة فقتلته بنو أسيد بن عمرو بن تميم، وكانوا أخذوه أسيرا، فجعلوا يغمسونه في الركية (بئر) ويقولون:
يا أيها المائح دلوي دونكا * إني رأيت الناس يحمدونكا
حتى قتلوه. ثم غزاهم أخوه باعث بن صريم يوم حاجر، وهو موضع بديارهم، فقتل منهم مائة. والحجور، وحزوى، والحيار، وحصير، والخطابة، ودارة القداح، ودنا، وروضة حنبل، ورهبا، والزليفات، وسرير، والسر، والسرداح، وسمعان الذي فيه دير سمعان، والسمن، وعنيزة، وعوثبان، والقداح، والقرنتان بين البصرة واليمامة، والقاعة، وقتاد، والقرحى، وكابة، والكاك، ومحيصن، ومطار، وذو معارك، ووبال، ووداء، وغيرها العشرات من المواضع.
ومن مياه بني تميم: أصيهب، قرب المروت في ديار بني حمان من تميم، أقطعه النبي صلى الله عليه وآله حصين بن مشمت لما وفد إليه، وجراد، وجدود، وماوية: ماء لبني العنبر، والنميرة.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 15 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومن جبال ورمال ووديان ديار بني تميم: أثيبت، وأوعال، وجراد، وهو رملة عريضة بين البصرة وحائل، والخرج، وربب، والدهناء، وسبيه، والسؤبان، وشربب، ووادي الشيطان، وصحراء عدان، وذو عشر، والمجزل، والمروت، والهذلول، ويبرين وغيرها من الأودية. (راجع: معجم ما ستعجم، ومعجم البلدان في المواد المذكورة)
وكانت جماعات من بني تميم قد سكنت الحيرة قبل الإسلام، وقد عرف هؤلاء بالعِباد؛ لأنهم اعتنقوا الديانة المسيحية، وقيل: لأنهم كانوا يعبدون صنما يدعى سُبد، ومن مشاهيرهم في الحيرة عدي بن زيد العبادي الشاعر. (تاريخ الحيرة:21) ثم انتشروا بعد الفتوح الإسلامية في مناطق متفرقة سيأتي الحديث عنها في الفصل الثالث.
4- بطون تميم ومساكنهم الحالية في العراق
أما بطون بني تميم في عصرنا الحالي، فقد ذكرها الشيخ خميس السهيل في موسوعته عن تميم، وهم:
1- المصالحة: وهم من أكبر بطون تميم وأكثرها انتشارا، هاجروا من نجد واتجهوا شرقاً حتى دخلوا العراق من منطقة ذي قار. (موسوعة بني تميم/214)، ومن عشائر هذا البطن، ممن يسكنون في مختلف مناطق العراق:
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 16 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
البو سهيل، والعراجلة ويسكنون قضاء المدائن، والبو عاشور ولهم فروع كثيرة، والبو حسن وهم فروع كثيرة أيضاً، والبو ظاهر، والبو سعيد، والبو شذر، ولهؤلاء أيضاً فروع (المصدر السابق) والمصالحة في ديالى، آلبو شاهر، آل طعمة، البو محيميد، الحويضات، الحميدان، البو خلف في المحمودية، البو فدعوس، الطرشان، الحاجي، البو حمد ويسكنون بغداد، الدبيسات والعوينات، ويسكنون واسط وذي قار والديوانية والبصرة والنجف وكربلاء.
ومن المصالحة في ميسان: المرزوية، الرماحة، بيت ملف، بيت أيتيم، الدهاربة، بيت نصيف، بيت مهنا، المراعبة، الصوالح، حنظلة، الشريفات، الدبيسات، والعوينات. ومنهم آل بو بالي ويسكنون بغداد والكوت، البو فرة، البو سعودي في الكوت، البو حمرة، ويسكنون البياع في بغداد.
ومن المصالحة في الحلة: البو موسى، البو عبد الحسين، البو عبود، البو سلطان، البو خليل، البو سلمان، البو مالك. ومنهم في المسيب: البو رمضان، البو حمد، ومنهم في كنعان.
ومنهم: آل علي في المشخاب، نهر شلال، وغماس، والحمزة الغربي، والحيرة، والدسم، والديوانية (سومر)، وبغداد، والكاظمية، والشعلة، وكربلاء والنجف في حي الأنصار. وقد ذكر لآل علي إثنين
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 17 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وعشرين فرعاً. (المصدر السابق:231)
ومن المصالحة: عشيرة الفلاح، وتسكن الكوت والعزيزية وبغداد، ويسكن بعضهم البصرة، وتضم المصالحة مجموعة من العشائر، وهم: البو عريف، الطعمة، البو طليب، الدرويش، البو صريم، ويسكنون الصويرة.
ومن هذه العشائر: الماجد، وهم فروع كثيرة، والسياف ومساكنهم البصرة وميسان، والشناجيل ويسكنون قضاء القاسم في الحلة، ومنهم في المشخاب والمناذرة، عشيرة آلبو خشان، وعشيرة آلبو هله، ويسكن هؤلاء العزيزية والصويرة والمحاويل وسدة الهندية. (المصدر السابق:233).
2- عشائر بني سعد، بنو خيقان (خيكان) وذكر أنهم يرجعون الى قبيلة سعد، ومن فروعهم: آل شميس، آل جوير، النواشي، العساكرة، البوشعيرة، العمايرة، آل الأحول، البوشامة، المطيرات والفراغنة. ولكل فرع من هذه الفروع فروع أخرى صغيرة. (المصدر السابق:254).
ومن عشائر السعد التي ذكروها: العناقر، ويسكنون البصرة والكويت، وتتفرع هذه العشيرة الى ثمانية وخمسين فرعاً. (المصدر السابق:243).
ومن بني سعد: البو سليمان، وموطنهم البصرة، وميسان، وذي قار، والكوت، وبغدا د، وبعضهم يسكنون الأهواز، وهم أكثر من
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 18 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أثني عشر فرعاً. (المصدر السابق:255).
ومن بني سعد عشائر الحمران، وقبيلة عجرش، ويسكنون البصرة، وعدُّوا لهم بطوناً كثيرة. ومنهم بنو ظالم، ويتفرعون الى: البو خضر، آل أسميح، الحويجمة، آل بو حسين ولهم فروع أخرى.(المصدر السابق:260).
3- ومن عشائر تميم في العراق: بنو الأغلب، والشديدة، وتسكن البصرة وذي قار، والأهواز، وهم فروع عديدة أيضاً، والسواكيت، والطاهر وتسكن ذي قار، والبو مشعل في الحلة، وسعيد، وأخشيِّم في ذي قار، وعشيرة بهيدل.
4- ومن عشائر بني حنظلة في ديالى: البو فرج وهم فروع: البو هليل، البونصيري، البو ثنوان، البو ديوان، البو شولي، البو داود، البو شنان ، البوسعيد، الخليفات، البو خالد.
5- عشائر بني دارم، ومنهم آل حصموت ويسكنون الديوانية، والنجف، وكربلاء، والسماوة، والحلة، وبغداد. ومن فروعها: البو عبدالله، البو موسى، البو جويلي، البو سعد، البو شتات، البو صياح. ومنهم الخضيرات وجدهم عبدالله بن محمد بن محمود أحد الشعراء الشيعة المعروفين. (المصدر:278). ولهذه العشيرة فروع منهم: البو بلال، البو عبدالعال، العويسات، الكوايد، والطجاج، البو ابراهيم، البو فياض، البو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 19 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حشمة، وذكر لكل من هذه الفروع فروعا أخرى. (المصدر السابق:279).
6- عشائر بني يربوع، ومنها العتاتبة، والسلايط (بنو سَليط بن يربوع)، ويسكنون البصرة، والزبير وذي قار، وهم فروع عدة. (المصدر السابق:290). ومن يربوع البو عوسج، والبو حسان، وقد عدَّ لهذه العشيرة أربعاً وعشرين فرعاً.
7- عشائر أخرى: مثل النوفل، ويسكنون البصرة وميسان وبغداد وذكر لهم خمسة عشر فرعاً. (المصدر/228)، وقد ذكرهم ابن دريد في الاشتقاق ص214 في بطون بني العنبر. والمصيلح، وعشيرة حنظلة وتسكن النجف، والحمران ويسكنون النجف وبعضهم في الحلة، وبنو الحمرة بطن من بني ثعلبة بن يربوع، (الاشتقاق:225) والعطاطفة وهم فروع خمسة، وعشيرة العراعرة وتسكن الناصرية والبصرة وبغداد، وعدَّ لها عشر فروع، وآل مذكور في البصرة والأهواز، والبو دلي كذلك، والشريفات وهي عشيرة مشهورة في العراق، ويتوزع أبناؤها على جل محافظاته، وهم: بنو شُريف بطن من بني أسيد بن عمرو بن تميم، كان منهم حكيم العرب أكثم بن صيفي) (الاشتقاق:207).
والرُّفيع ومنهم السعد، والرميزان في البصرة، وآل كنعان، ويسكنون ضفتي شط العرب. وبعض هذه البطون التي ذكرها الشيخ السهيل مختلف في نسبتهم الى تميم. (راجع: المصدر السابق:324).
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 20 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الثاني: نبذة من تاريخ تميم في العصر الجاهلي
كانت لتميم منزلة كبيرة بين قبائل العرب في العصر الجاهلي لا من حيث القوة العسكرية فحسب، بل من نواح أخرى، كالقضاء والإدارة وغير ذلك، فكان عدد كبير من قضاة العرب من قبيلة تميم، مثل: ((ربيعة بن مخاشن الأسيدي، وكان يجلس على سرير من خشب في قبة من خشب فسمى ذا الأعواد، وكان أبوه مخاشن قبله حكما، وأكثم بن صيفي الشريفي، وضمرة بن ضمرة النهشلي، وحاجب بن زرارة الدارمي، والأقرع بن حابس المجاشعي)). (المحبر: 134مختصرا)
وكان للعرب موسمان مهمان هما: موسم الحج، وسوق عكاظ، وكانوا يختارون من بين القبائل من يدير هذين الموسمين ويقضي فيهما بين الناس، وكانت منصب الإدارة يناط بشخص ومنصب القضاء يناط بآخر ولا يجمع المنصبين إلا الشخصيات الكبيرة ذات الثقل الاجتماعي والأخلاقي، وعبر عنهم ابن حبيب في المحبر بأئمة العرب، قال ص181مختصرا: (( وكان من اجتمع له الموسم وقضاء عكاظ من بني تميم يكون ذلك في أفخاذهم كلها: سعد بن زيد مناة بن تميم، ثم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 21 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تولى ذلك حنظلة ابن زيد مناة بن تميم، ثم تولاه ذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم، ثم مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، ثم ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة، ثم معاوية بن شريف بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم، ثم الأضبط بن قريع، ثم صلصل بن أوس بن مخاشن، ثم سفيان بن مجاشع، فكان سفيان آخر تميمي اجتمع له الموسم والقضاء بعكاظ، فافترق الأمر فلم يجتمع الموسم والقضاء لأحد حتى جاء الإسلام، فكان محمد بن سفيان بن مجاشع يقضي بعكاظ فصار ميراثا لهم، فكان آخر من قضى بينهم الذي وصل إلى الإسلام الأقرع بن حابس، وأجاز بالموسم صلصل بن أوس، وكان آخر من أفاض بهم (بالحاج) كرب بن صفوان بن جناب السعدي. وله يقول أوس بن مغراء القريعي:
ولا يريمون في التعريف موقفهم * حتى يقال: أجيزوا آل صفوانا
أما من الناحية السياسية: فقد خضع التميميون لمملكة كندة التي قامت في نجد، وكان شرحبيل بن حجر الكندي ملكا عليهم (الأخبار الطوال:52)، ولما زالت مملكة كندة استقل بنو تميم في حكم بلادهم، فاتخذوا هجرا في الأحساء عاصمة لهم، قال ابن حبيب في المحبر ص256: (( وكان ملوكها (هجر) من بني تميم، من بني عبد الله بن زيد رهط المنذر بن ساوى، وكانت ملوك فارس تستعملهم عليها)).
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 22 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إما من الناحية العسكرية: فكثرة الحروب التي خاضتها القبيلة دليل على قوتها، وكثرة عدد أبنائها وشجاعتهم، وقد ذكر المؤرخون لهم وقائع وحروب كثيرة، ذكر منها ابن عبد ربه في العقد الفريد: ج6 ص248: ((يوم رحرحان لعامر بن صعصعة على تميم، يوم شعب جبلة لعامر وعبس على تميم وذبيان، يوم السؤبان لعامر على تميم، يوم أقرن لعبس على دارم، يوم المروت لبني العنبر على قشير بن كعب، يوم دارة مأسل لتميم على قيس عيلان. ومن أيام تميم على بكر بن وائل: يوم الوقيط لتميم على اللهازم من ربيعة، يوم النباج وثيتل لتميم على بكر، يوم زرود ليربوع من تميم على تغلب، يوم ذي طلوح ليربوع على بكر، ويوم الحائر ويسمى يوم ملهم، ويوم قحقح ويسمى يوم ماله، يوم رأس عين، ويوم العظالي، ويوم الغبيط، ويوم مخطط، كلها لبني يربوع على بكر بن وائل، ويوم جدود بين شيبان وبني سعد، ويوم صفوان بين مازن من تميم وشيبان، ويوم السلي بين مازن ويشكر بن وائل.
ومن الأيام التي انتصرت فيها بكر على تميم: يوم الزويرين، ويوم الشيطين، ويوم صعفوق، ويوم مبايض، ويوم فيحان، ويوم ذي قار الأول، ويوم الحاجر بين يشكر وأسيد من تميم، ويوم الشقيق لعجل بن لجيم على مالك بن حنظلة، ويوم الجبات بين ثعلبة بن يربوع وبكر،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 23 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ويوم إراب بين تغلب ويربوع، ويوم الشعب كذلك، ويوم غول الأول بين بني العنبر وعمرو بن تميم من جهة وبكر من جهة أخرى، ويوم نقف قشاوة بين شيبان وتميم، ويوم صنيبعات بين بكر وبني زيد مناة بن تميم.
ومن حروبهم مع النعمان بن المنذر ملك الحيرة: يوم الصفقة: وكان سبب ذلك أنهم إنتهبوا أموالا بعث بها والي كسرى على اليمن الى كسرى، خوفا من أن تقع هذه الأموال بيد بكر بن وائل فيستعينوا بها عليهم، فأمر كسرى عامله على البحرين - وهو فارسي تلقبه العرب بالمكعبر-: بأن لا يدع لبني تميم عينا تطرف.
وكان بنو تميم يأتون الى هجر للتزود بالطعام والميرة، فأرسل المكعبر بعض شرطته ينادون في الناس، من كان من بني تميم فليحضر فإن الملك قد أمر لهم بميرة وطعام، وبهذه الحيلة أدخلهم حصنا يسمى المشقر، وأغلقوا الأبواب عليهم وقتلوا منهم رجالا كثيرة. (الطبري:1/583) ويوم طخفة: للنعمان على بني رياح ويربوع.
ويوم القصيبة: وهي أرض لتميم في اليمامة، أغار عليهم فيها عمرو بن هند ملك الحيرة بسبب قتل سويد بن ربيعة التميمي لأخيه، ويسمى أيضا يوم أواره الثاني لأنه أحرق منهم مائة إنتقاما لأخيه. (معجم البلدان:1/366)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 24 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
واستغلت مذحج هزيمة تميم بعد يوم الصفقة فأرسلت الى قبائل اليمن تدعوهم للإغارة على تميم، وكان لهم يوم عليهم فزاد جرح تميم عمقا، ويسمى يوم كلاب الثاني.
ومن أيامهم أيضا: يوم غول الثاني بين غسان ملوك الشام ويربوع، ويوم ذات شقوق بين تميم والحليفتين أسد وطيء، ويوم خو بين أسد ويربوع، ومن معاركهم الداخلية: يوم تياس بين سعد بن زيد مناة وبني عمرو بن تميم. (انظر أيضا: الكامل في التاريخ:1/551 وما بعدها)
وانقسم التميميون من حيث العبادة في الجاهلية، فكان بعضهم يعبد الكواكب (الدبران)، وآخرون عبدوا الأصنام ومن أصنامهم: شمس، ومناة، ورضا، ونهم، وسعد، وذات الوداع وغيرها.
واعتنق بعضهم النصرانية خصوصا من سكن منهم الحيرة، وكان بعضهم على مذهب المجوسية كلقيط بن زرارة، وأبوه، وابنه حاجب. وكان بعضهم على مذهب الحنيفية كعلاف بن شهاب، وتعد تميم من جملة القبائل التي كانت تأد البنات في الجاهلية. (قبائل بني تميم: واثقة الحيالي: ص79، وص100 وما بعدها)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 25 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الثالث
1- بنو تميم والدعوة الإسلامية
بالرغم من تأخر إسلام بن تميم إلا أنهم لم يشهدوا حربا ضد النبي صلى الله عليه وآله والمسلمين، إلا يزيد بني تميم التميمي كان حليفا لبني مخزوم قتل مع المشركين يوم بدر. (المغازي للواقدي:1/150)
وذكر أبو البقاء الحلي في المناقب المزيدية:2/415 مختصرا، ((أن النبي صلى الله عليه وآله التقى سادات تميم في سوق عكاظ، ودعاهم الى الإسلام، وعرض عليهم حمايته، إلا أن القوم قالوا: أتأمرنا أن نهدف نحورنا للعرب دونك، والله ما أردت ببني تميم خيرا، فانصرف صلى الله عليه وآله عنهم))
أما في كيفية إسلامهم ووفدهم على النبي صلى الله عليه وآله فثمة روايتان، تذهب الأولى الى أنهم أجبروا على إرسال وفد إليه صلى الله عليه وآله سنة تسع للهجرة، قال ابن سعد في الطبقات:1/294 مختصرا: ((بعث رسول الله صلى الله عليه وآله بشر بن سفيان العدوي على صدقات بني كعب من خزاعة، فجاء وقد حل بنواحيهم بنو عمرو بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم، فجمعت خزاعة مواشيها للصدقة، فاستنكر ذلك بنو تميم وأبوا وأبتدروا القسي وشهروا السيوف، فقدم المصدق على النبي صلى الله عليه وآله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 26 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أخبره، فقال: من لهؤلاء القوم؟ فانتدب لهم عيينة بن بدر الفزاري فبعثه صلى الله عليه وآله في خمسين فارسا فأغار عليهم فأخذ منهم أحد عشر رجلا وإحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا، فجلبهم إلى المدينة. فقدم فيهم عدة من رؤساء بني تميم: عطارد بن حاجب والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم وقيس بن الحارث ونعيم بن سعد والأقرع بن حابس ورياح بن الحارث وعمرو بن الأهتم، ويقال كانوا تسعين أو ثمانين رجلا...وخطب خطيبهم عطارد بن حاجب. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لثابت بن قيس بن شماس: أجبه فأجابه. ثم قالوا: يا محمد، إئذن لشاعرنا. فأذن له، فقام الزبرقان بن بدر فأنشد. فقال رسول صلى الله عليه وآله لحسان بن ثابت: أجبه. فأجابه بمثل شعره. فأمر لهم بالجوائز كما كان يجيز الوفد)). وقال البلاذري في أنساب الأشراف:1/382 أنهم منعوا الصدقة، فأرسل النبي صلى الله عليه وآله إليهم سرية، وهذا يعني أنهم كانوا قد أسلموا قبل ذلك.
وزعم بعضهم كما في رواية أحمد مسنده (3/488) والطبري في تفسيره (1/320) أن قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)). نزلت فيهم، لأنهم أخذوا ينادون رسول الله صلى الله عليه وآله بصوت عال من وراء الحجرات! لكن المفيد رحمه الله قال في المسائل العكبرية/51: ((نزلت في واحد بعينه نادى النبي صلى الله عليه وآله ))!
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 27 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وفي الطبقات أيضا:1/295، أنه وفد عليه منهم سفيان بن العذيل من بني كعب بن تميم.
أما الثانية: فتذكر أن النبي صلى الله عليه وآله أرسل رسالة الى أكثم بن صيفي زعيم بني تميم يدعوه الى الإسلام، ونص الرسالة: « بسم الله الرحمن الرحيم. من رسول الله محمد الى أكثم بن صيفي، أحمد الله إليك، إن الله أمرني أن أقول لا إله إلا الله، أقولها وآمر الناس بها، والخلق خلق الله، والأمر كله لله، خلقهم وأماتهم وهو ينشرهم وإليه المصير، أدبتكم بآداب المرسلين، ولتسألن عن النبأ العظيم، ولتعلمنَّ نبأه بعد حين».فبعث أكثم رجلين من قومه ليطَّلعا على دعوة النبي صلى الله عليه وآله فقصدا يثرب فلما وصلا قالا للنبي صلى الله عليه وآله : نحن رسولا أكثم بن صيفي، وهو يسألك من أنت وما أنت وبما جئت؟ فقال صلى الله عليه وآله :أنا محمد بن عبد الله وأنا عبد الله ورسوله، ثم تلا عليهم: ((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)). فرجعا الى أكثم وأخبراه بما قاله صلى الله عليه وآله فقال: يا قوم أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها (ما فيه لوم) فكونوا في هذا الأمر رؤساء، ولا تكونوا فيه أذناباً، وكونوا فيه أولاً، ولا تكونوا فيه آخراً» (الاستيعاب:1/146).
فحزم أمره الى المسير الى النبي صلى الله عليه وآله في مائة من قومه، فأدركه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 28 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الموت قبل أن يصل الى يثرب، لذا ذكر المفسرون (الميزان: 5/57) أنه المعني بقوله تعالى: ((وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ)).
ويظهر أن بعضا من بني تميم أسلموا قبل فتح مكة، وشهدوا وقعة حنين في السنة الثامنة للهجرة مع النبي صلى الله عليه وآله (الطبقات:2/153)، وكان للنبي صلى الله عليه وآله عمال على صدقات تميم، منهم: صفوان بن صفوان على بني بهدلة، وسبرة بن عمرو على بني خضم، ووكيع بن مالك على بني حنظلة، ومالك بن نويرة على صدقات بني اليربوع، وقيس بن عاصم على مقاعس وبطون سعد، والزبرقان بن بدر على عوف والأبناء. (قبائل بني تميم:192)
2- بنو تميم في أحداث الردة
ادعى مسيلمة الحنفي النبوة في اليمامة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسمَّاه رسول الله بالكذاب. كما تنبأ عبهلة بن كعب العنسي المذحجي، المعروف بالأسود العنسي في اليمن، وكان كاهناً مشعوذاً فوثب في نجران وزعم أنه نبي، فتبعته جماعة من مذحج، ثم جاء الى صنعاء واستولى عليها بعد أن قتل واليها من قبل النبي صلى الله عليه وآله شهر بن بادان، ثم استولى على عدن ومدن أخرى وعظم أمره، وعامله المسلمون
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 29 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بالتقية. وبعث النبي صلى الله عليه وآله الى يعلى بن أمية وفيروز الديلمي وهو من مسلمة الفرس فقتلوا الأسود العنسي. (معجم البلدان : 3 / 255)
كما ادعى النبوة طليحة الأسدي، وتجمع المسلمون لقتاله، لكن جاءهم خبر وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فرجعوا عنه. (الكامل:2/343).
ثم تنبَّأت سجاح بنت الحارث بن سويد اليربوعي التميمية، وكان أبوها تنصَّر وسكن الجزيرة، وهي بين دجلة والفرات شمال غرب العراق. وأمها من بني تغلب تزوجها أبوها وعاش معهم فولدت له سجاحاً، وكانت متكهنة تزعم أنها كسطيح وابن سلمة والمأمون الحارثي وغيرهم من الكهان.
ثم ادَّعت سجاح النبوة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله ، واستجاب لها بعض الناس من تغلب وبني النمر وأياد وشيبان، فتركوا النصرانية ودخلوا معها في أمرها، فجاءت بهم من الجزيرة الى بلاد قومها تميم، لتغزو بهم المدينة المنورة، فلما وصلت الحزن -وهي أرض خشنة لبني يربوع قريبة من الكوفة- أرسلت الى مالك بن نويرة وهو على بني يربوع، والى وكيع بن مالك وهو على بني مالك بن حنظلة تدعوهما الى الموادعة، فوادعوها وشرطوا عليها أن لا تعبر بجيشها من أراضيهم، فتوجهت نحو بني حنيفة في اليمامة وفيها مسيلمة الكذاب، فأرسل لها رسولاً يخبرها عن رغبته باللقاء بها، فأعطته الأمان فزارها في أربعين من بني
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 30 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حنيفة، ثم بادلته الزيارة، ثم ما لبثا أن تزوجا واعترفت له بالنبوة. فقاتلهما المسلمون وقتلوهما.
وفي هذه المدة ثبت أغلب بني تميم على الإسلام إلا من شذ منهم، وقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله بعث صلصال بن شرحبيل الى صفوان بن صفوان التميمي، ووكيع بن عدس الداري، وغيرهم يحضهم على قتال أهل الردة (الطبري:2/495) وهو يدل على أنهم لم يكونوا مرتدين، بل قاوموا الارتداد، وأن النبي صلى الله عليه وآله كان يثق بحسن إسلامهم.
وقد شارك بنو تميم في قتال مسيلمة الكذاب، وكان قائد الجيش الذي قاتل مسيلمة سبرة بن عمرو العنبري التميمي، واستخلفه قائد الجيش على اليمامة بعد مقتل مسيلمة (الإصابة: 3/350).
وذكر الطبري:2 /522، أن عوفاً والأبناء أطاعوا الزبرقان بن بدر فثبتوا على إسلامهم، وذبوا عنه، أما قضية مالك بن نويرة فستأتي في ترجمته.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 31 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الرابع : بنو تميم في الفتوحات الإسلامية
حضر بنو تميم معظم جبهات القتال في الفتوحات الإسلامية، ثم سكنوا تلك المناطق التي دخلوها، وكان لهم دور في صناعة تاريخ تلك النواحي، وهذا ما يحتم علينا أن نتتبع تاريخ القبيلة باختصار في تلك الأماكن:
أولا: بنو تميم في الشام
شهد بعض بني تميم فتح الشام، وكان القعقاع بن عمرو، وجارية بن عبد الله المجاشعي، من قادة الكراديس وهي قوة يقدر عددها بألف مقاتل، وممن ذكر اسمه من تميم في فتوح الشام: الربيع بن مطر التميمي. (حروب الإسلام في بلاد الشام: ص89 وص163 و167)، وكان لهم دور بارز في فتح قلعة أعزاز، وكان قائد بني تميم سعد بن حسن. (فتوح الشام للواقدي:1/274)، ثم أنزلهم معاوية حين تولى الشام الرابية من بلاد الجزيرة الفراتية (فتوح البلدان للبلاذري:1/211).
وكان لبني تميم حضور في المعارك القبلية التي حدثت في بلاد الشام أواخر عهد الدولة الأموية، ((فقد اجتمعت مضر بعد مقتل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 32 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الوليد بن يزيد الأموي في حمص وبها مروان بن محمد، وكان يومئذ شيخ بني أمية وكبيرهم، فاستخرجوه من داره، وبايعوه على الطلب بثأر الوليد بن يزيد. فاستعد مروان بجنوده في تميم، وقيس، وكنانة، وسائر قبائل مضر، وسار نحو مدينة دمشق. وبلغ ذلك إبراهيم بن الوليد، فتحصن في قصره. ودخل مروان بن محمد دمشق، فأخذ إبراهيم بن الوليد وولي عهده عبد العزيز ابن الحجاج فقتلهما، فصارت الخلافة إليه)). (الأخبار الطوال:351 مختصرا)
ثانيا: موجز لتاريخ بني تميم في مصر وشمال أفريقيا
وشهد بعض التميميين فتح مصر وكانت لهم بها خطة. (فتوح مصر وأخبارها ص206) ثم هاجرت جماعات أخرى الى مصر أثناء دخول العباسيين إليها بعد سقوط الدولة الأموية سنة 132هـ، وكان أول قوادهم هناك شعبة بن عثمان التميمي، ثم تولى اثنان منهم الحكم في مصر في تلك الفترة، وهما: موسى بن كعب، وسالم بن سوادة، مما أتاح فرصة لدخول آخرين من تميم الى مصر. (القبائل العربية في مصر:121)
ثم كانت لهم هجرة ثالثة الى تونس والجزائر مع الأغلب بن سالم التميمي، وتنتمي هذه الأسرة الى بني سعد بن زيد مناة بن تميم (مروج الذهب:4/201)، وكانوا يسكنون مرو الروذ في خراسان، ثم انضموا الى
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 33 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الثورة العباسية هناك، فولاه موسى الهادي المغرب، فجمع له رجل يسمى حريش كان من جند الثغر في تونس، جمعا وسار إليه وهو بقيروان إفريقية فحصره. ثم إن الأغلب خرج إليه فقاتله، فأصابه في المعركة سهم فسقط ميتا وأصحابه لا يعلمون بمصابه. ولم يعلم به أصحاب حريش. ثم إن حريشا انهزم وجيشه فاتبعهم أصحاب الأغلب ثلاثة أيام فقتلوهم وقتلوا حريشا بموضع يعرف بسوق الأحد، فسمى الأغلب الشهيد. (فتوح البلدان:1 /275 وما بعدها مختصرا)
دولة الأغالبة في أفريقيا
ثم ولى الرشيد ابنه إبراهيم إمارة أفريقيا - تونس والجزائر والمغرب- سنة 184هـ، وكان قد قدم خدمات للرشيد منها: قتل السيد إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى الحسني مؤسس دولة الأدارسة في المغرب بمكيدة بالسم سنة 177هـ (الطبري:6/416)، ومنها: إخماد ثورة تمام بن تميم التميمي في تونس، فقد كان محمد بن مقاتل بن حكيم العكي واليا للرشيد على أفريقيا قبل إبراهيم بن الأغلب، ولم يكن بالمحمود السيرة فاضطربت عليه الأحوال، وثار عليه تمام بن تميم التميمي في تونس سنة 181هـ، فوقعت بينهما معركة هزم فيها العكي، فوجه الرشيد إليه إبراهيم بن الأغلب، فقاتله فهزمه وأسره، وبعث به الى بغداد فمات في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 34 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سجن المطبق. (نهاية الأرب:24/99)
وضبط أمور البلاد ودانت له قبائل البربر، ثم تولى الإمارة من بعده أبناؤه، وقد استمرت إمارة الأغالبة أكثر من مائة واثنتي عشر سنة، تعاقب على الحكم خلالها أحد عشر أميرا، وهم:
1- إبراهيم بن الأغلب: من سنة 184- 196هـ. 2- عبد الله بن إبراهيم: 196- 201. 3- زيادة الله بن إبراهيم: 201- 223. 4- الأغلب بن إبراهيم: من 223- 226. 5- محمد بن الأغلب بن إبراهيم: من 226- 242. 6- أحمد بن محمد بن الأغلب: من 242- 249. 7- زيادة الله بن محمد: من 249- 250 . 8- محمد بن أحمد بن محمد بن الأغلب: من 250- 261. 9- إبراهيم بن أحمد بن محمد: من 261- 289 . 10- عبد الله بن إبراهيم بن أحمد: من 289- 290 .11- زيادة الله بن عبد الله بن إبراهيم: 290- 296 هـ.
(راجع: مؤسسو الدول الإسلامية ص19 وما بعدها، وانظر: نهاية الأرب للنويري: 24/ص99 وما بعدها)
ثالثا: بنو تميم أول مكونات البصرة
تعد البصرة من أقرب المناطق الى ديار بني تميم في خارطة الفتوحات، فقد كانوا يسكنون بواديها وأطرافها الغربية كصفوان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 35 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وكاظمة الى العذيب جنوب القادسية، وقد انضموا الى جيوش الفتح الإسلامي في العراق الى جانب جيرانهم بكر بن وائل بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني، فحضروا معه وقعة كاظمة (الكويت) مع الفرس، ثم تقدموا شرقا ففتحوا الأبلة (البصرة) سنة 12هـ، (الطبري:2/553).
ولما فتحت الحيرة أمر عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان أن يشغل أهل فارس والأهواز عن مد إخوانهم في الحيرة فجعله أميرا على جند البصرة، ولم يكن مع عتبة في البصرة إلا ستمائة مقاتل من بكر وتميم، فبنوا منازلهم من قصب (معجم البلدان:1/431) ، ثم ازداد عدد المسلمين واتخذوا بيوتا من اللبن وجعلوا المدينة خططا: في الخريبة اثنتان، وفي الأزد اثنتان، وفي الزابوقة واحدة، وفي بني تميم اثنتان. (المصدر السابق:1/431) وكانت خطة تميم تقع جنوب غرب المدينة، من المربد الى المسجد الجامع (خطط الكوفة: ص72)، وقد ضمت خطة تميم عددا من المحلات والمربعات، مثل: محلة بني منقر، وخطة بني سعد، وخطة بني عامر، ومحلة بني حمان، وخطة بني مالك، وبني عمرو، وبني مازن، وخطة بني العم. (المدن العربية في الإسلام: عبد الجبار ناجي:164)، وكانت لبني جمرة بن شداد وهم بطن من ثعلبة بن يربوع محلة باسمهم، كما سكن البصرة عامة الحبطات، وبنو الحرماز، وبنو حنظلة بن مالك، وبنو دارم، ورياح، وسليط، وصريم، وطهية، وبنو عجيف بن ربيعة بن مالك،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 36 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبنو عطارد، وبنو العنبر، وبنو غدانة بن يربوع، وبنو مازن، وبنو مجاشع، والهجيم. (أنظر المواد المذكورة في عجالة المبتدي للهمداني)
مختصر لتاريخ بني تميم في البصرة
انقسم بنو تميم البصرة في أحداث وقعة الجمل سنة 36 هـ الى ثلاث فرق: فقد أقنع الأحنف بن قيس جماعات من تميم بعدم الانضمام الى جيش عائشة، فخرج في أربعة آلاف من بني سعد الى وادي السباع، ثم كتب الى أمير المؤمنين عليه السلام : ((إني مقيم في قومي على طاعتك، فإن شئت حبست عنك أربعة آلاف سيف من بني سعد، وإن شئت أتيتك في مائتين من أهل بيتي! فأرسل إليه أمير المؤمنين: أن أحبس واكفف)). (الجمل للشيخ المفيد: 158).
وخالف هلال بن وكيع فبايع أصحاب الجمل، حيث جاء طلحة والزبير الى داره لكنه توارى عنهما، فعذلته أمُّه ولم تزل تقنعه وتعنِّفه حتى خرج إليهما وبايعهما، وتبعه بنو عمرو بن تميم، وبنو حنظلة (شرح النهج: 9/320)، فكانوا في ميسرة أصحاب الجمل، وقتل منهم يومئذ سبع مائة. (أنساب الأشراف:2/239- 248)
أما القسم الثالث: فهم بنو يربوع عامتهم كانوا شيعةً لعلي عليه السلام ، فشهدوا الوقعة الى جانبه. (شرح النهج: 9/320)، وقتل الزبير بعد المعركة في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 37 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حي بني مجاشع، قتله عمرو بن جرموز التميمي. (أنساب الأشراف:2/252)
وفي حرب صفين كانت تميم البصرة الى جانب أمير المؤمنين عليه السلام ، قال الثقفي في الغارات (1/52 ): «استنفر علي عليه السلام أهل البصرة الى حرب معاوية، وأجاب الناس الى المسير ونشطوا وخفوا، فاستعمل ابن عباس أبا الأسود الدؤلي على البصرة، وخرج حتى قدم على علي عليه السلام ومعه رؤوس الأخماس: عمرو بن مرجوم العبدي على عبد قيس، وصبرة بن شيمان الأزدي على الأزد، والأحنف بن قيس على تميم وضبة والرباب ».
فجعل عليه السلام الأحنف بن قيس قائداً عاماً لتميم البصرة، وجعل جارية بن قدامة السعدي على سعد ورباب البصرة، وجعل أعين بن ضبيعة على بني عمرو وبني حنظلة البصرة، وصنع مثل ذلك مع إخوانهم من تميم الكوفة. (انظر: شرح النهج: 4/27).
واحتضن بنو تميم البصرة عبد الله بن عامر الحضرمي الذي بعثه معاوية أواخر خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ليثير الفتنة في البصرة، ويظهر الطلب بدم عثمان فاستولى على البصرة وجبى خراجها، فأرسل الإمام عليه السلام أعين بن ضبيعة التميمي، فدعا تميما الى الطاعة فثاب إليه ناس منهم، فقاتل بهم العاصين، وقتل ابن الحضرمي. (انظر: الغارات:2/400)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 38 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبايعت تميم البصرة لعبد الله بن الزبير سنة 65هـ، وكان ذؤيب بن سلمة اليربوعي أول من دعا لمبايعة ابن الزبير في البصرة فاشتدت شوكته وتبعه خلق كثير فاضطر عبيد الله بن زياد الى الهرب من البصرة. (الطبري:4/390)
وفي أواخر السنة المذكورة انقسمت تميم إزاء حركة الخوارج الأزارقة بين مؤيد لها ومعارض، وجرت بسبب ذلك حروب كثيرة، وكان زعيم الخوارج نافع بن الأزرق مقيما في الأهواز فأراد غزو البصرة، فاجتمع أهل البصرة الى الأحنف التميمي، فسير الأحنف عشرة آلاف مقاتل لمواجهته فالتقوا في قرية الدولاب قرب الأهواز، وقتل من الفريقين مقتلة عظيمة قتل فيها نافع، فتولى أمر الخوارج عبيد الله اليربوعي التميمي، وتولى أمر جيش البصرة الربيع بن عمرو الغداني اليربوعي، فقتل الربيع، فتولى قيادة جيش البصرة حارثة بن بدر اليربوعي فقتل وهزم جيش البصرة، فحملت الخوارج يقودهم الزبير بن علي السليطي التميمي على البصرة، فأمر الأحنف المهلب الأزدي على جيش البصرة فجرت بين الطرفين معارك يطول ذكرها. (انظر: شرح نهج البلاغة:4/ص136 وما بعدها)
ثم دخلت تميم البصرة الحرب الى جانب مصعب بن الزبير ضد المختار الثقفي، وكان الأحنف على مقدمته يوم المذار. (الأخبار
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 39 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الطوال: 306)
ووقف بنو تميم البصرة والكوفة موقفا مضادا من الدعوة العباسية، وانخرطوا في الحركات المقاومة لها، فكانوا من أنصار إبراهيم بن عبد الله بن الحسن الذي ثار في البصرة على المنصور العباسي فنزل عند المغيرة بن الفزع البهدلي التميمي. (أنساب الأشراف:3/122)
واستمر الموقف العدائي لبني تميم من بني العباس، فنزل صاحب الزنج الذي ثار في البصرة في بني الشماس من بني سعد بن زيد مناة، وأمنوا له بعد انتصار ثورته في البصرة إحضار المؤن إليه، فأرسل لهم الموفق العباسي رشيقا مولاه، فقتل أكثرهم وأسر جماعة منهم، فحمل الأسرى والرؤوس إلى الموفقيّة. (نهاية الأرب:25/162)
رابعا: دور بني تميم في الأحداث السياسية في الكوفة
شهد فتح القادسية من بني تميم ألف مقاتل وعليهم الحصين بن معبد بن زرارة (الأخبار الطوال:114)، وكان زهرة بن حوية التميمي قائدا على ميسرة الجيش الإسلامي يوم القادسية (الطبري:3/79)، ومن قادتهم أيضا: القعقاع التميمي، وعاصم بن عمرو وكان رئيس الوفد الذي أرسله سعد الى كسرى. (تاريخ اليعقوبي:2/142)
ثم سكنوا الكوفة بعد تمصيرها فكانوا الى جانب الرباب وأسد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 40 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقريش وكنانة وضبة يشكلون سبعا من أسباع الكوفة، وكانت خطتهم تقع الى الجانب الغربي من الطريق الواصل بين النجف والكوفة، وكانت تفصلهم عن الكناسة سكة تعرف بسكة شبث بن ربعي، ومن بطونهم التي سكنت الكوفة: بنو دارم، وبنو رياح، وبنو حنظلة. (خطط الكوفة ص37، ص60)، وبنو مالك، وبنو نهشل، وبنو يربوع، وبنو سعد بن زيد مناة. (الكوفة وأهلها في صدر الإسلام: صالح أحمد العلي:355)، وبنو أسيد (الاشتقاق:208)
وهبت تميم الكوفة لنصرة أمير المؤمنين عليه السلام في معركة الجمل، وعلى رأسهم معقل بن قيس الرياحي التميمي (الجمل/173)، كما شهدوا صفين الى جانب إخوانهم من تميم البصرة، وكان على تميم الكوفة عمير بن عطارد (الأخبار الطوال:172)، وقد ورد ذكرهم في شعر لابن العاص يتهددهم، مما يدل على أن دورهم في المعركة كان مهما (المصدر السابق:177)، ومن أيامهم المشهودة في صفين ما ذكره ابن قتيبة في الأخبار الطوال ص182، قال: ((ثم إن أهل الشام حملوا على تميم، وكانوا في الميمنة، فكشفوهم، فناداهم زحر النهشلي: يا بني تميم، إلى أين؟ قالوا: ألا ترى إلى ما قد غشينا! فقال: ويحكم، أفرارا واعتذارا؟ إن لم تقاتلوا على الدين، فقاتلوا على الأحساب، احملوا معي. فحمل وحملوا، فقاتل حتى قتل، وهو أمامهم، وحمل الناس جميعا بعضهم على بعض،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 41 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
واقتتلوا حتى تكسرت الرماح وتقطعت السيوف، ثم تكادموا بالأفواه، وتحاثوا بالتراب)).
ثم كان بعض بني تميم أكثر الناس استجابة لدعوة الخوارج، ويقال أن أول من دعا للخروج: عروة ابن أدية وأخوه مرداس التميميان، ومسعر بن فدكي العنبري، والبرك الصريمي (أنساب الأشراف:2/336)
ومن قادة الخوارج من بني تميم: أبو مريم السعدي الذي خرج في شهرزور في مأتي مقاتل فقتل في رمضان سنة 39هـ، وقال أبو الحسن المدائني: كان أبو مريم في أربعمائة من الموالي والعجم ليس فيهم من العرب إلا خمسه من بني سعد، وأبو مريم سادسهم. (المصدر السابق:2 /485 وما بعدها)
تميم الكوفة في معركة كربلاء
حضرت أعدادا كبيرة من بني تميم في جيش عمر بن سعد يقودهم شبت ابن ربعي الرياحي، ويفهم ذلك من نسبة الرؤوس المقدسة التي حملها التميميون، فقد ذكر المؤرخون: أن تميما جاءت بسبعة عشر رأسا من رؤوس أصحاب الحسين عليه السلام . (أنساب الأشراف:3/207، الطبري:4/358، الكامل في التاريخ:4/92، اللهوف:85)
لكن معسكر الحسين عليه السلام لم يكن خاليا منهم، فممن استشهد منهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 42 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
في وقعة كربلاء:
1- الحر بن يزيد الرياحي: أحد القادة المشهورين والفرسان المبرزين من بني رياح بن يربوع، ورد أسمه والسلام عليه في زيارتي الناحية المقدسة والرجبية وذكرته كل المصادر السنية والشيعية، ولم يكن الحر ممن راسل الحسين عليه السلام من أهل الكوفة، بل كان قائدا على ألف فارس أرسلهم عبيد الله بن زياد، لإعتراض الحسين ومنعه من الدخول الى الكوفة، فألتقى بالحسين عند جبل ذي حسم، وأخذ يسايره ويمنعه من التوجه حيث أراد حتى نزل الحسين عليه السلام الى كربلاء، وكان الحر مؤدبا في خطابه مع الإمام عليه السلام ، بالرغم من أنه كان على رأس جيش جاء لمضايقة ومنعه من الوصول الى الكوفة، وكان يصلي وأصحابه بصلاة الحسين عليه السلام . (الفتوح:5/76)
وبعد ما رأى الحر يوم العاشر غيَّ عمر بن سعد، ودعوة أبن زياد الباطلة، تاب قبل نشوب المعركة وألتحق بمعسكر الحسين عليه السلام ، وقاتل قتال الأبطال، ثم شدَّت عليه الرجالة فصرعته، فأحتمله أصحاب الحسين عليه السلام حتى وضعوه بين يديه أمام الفسطاط الذي كانوا يقاتلون دونه، وكان به رمق، فجعل الحسين يمسح الدم والتراب عن وجهه، وهو يقول : ((أنت الحر كما سمتك أمك، أنت الحر في الدنيا، وأنت الحر في الآخره)) (المصدر السابق:5/310)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 43 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2- سعد بن حنظلة التميمي: قال ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب:3/251، ثم برز سعد بن حنظلة التميمي مرتجزا:
صبرا على السيوف والأسنة * صبرا عليها لدخول الجنة
وحور عين ناعمات هنه * يا نفس للراحة فأجهدنَّه
وفي طلاب الخير فأرغبنَّه
وذكره العلامة المجلسي في البحار:45/18 نقلا عن محمد بن أبي طالب في مقتله، وأورد الأبيات المذكورة، وقال الشيخ محمد مهدي شمس الدين (( إن التصحيف بينه وبين حنظلة بن أسعد الشبامي بعيد جدا )) (أنصار الحسين:89)
3- الحجاج بن يزيد السعدي: وقد ورد اسمه والسلام عليه في زيارة الناحية المقدسة المنسوبة للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بإسم الحجاج بن زيد، لكن الشيخ السماوي في كتابه إبصار العين ص113 ذكره بإسم الحجاج بن بدر السعدي، والمتفق عليه أنه من بني سعد البصرة، حمل كتابا الى الحسين عليه السلام من مسعود بن عمرو الأزدي، جوابا على كتاب الحسين إليه والى غيره من زعماء البصرة الذين دعاهم لنصرته، وبقي بعد ذلك في كربلاء حتى استشهد.
4- شبيب بن عبدالله النهشلي: أبو عمرو النهشلي، ورد ذكره والسلام عليه في الزيارتين، وهو من تميم البصرة (مستدركات علم رجال
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 44 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الحديث:8/427)، قال السيد الأمين في أعيان الشيعة:2/389، (( وكان فارسا شجاعا عابدا متهجدا، قال الشيخ هبة الله بن نما الحلي : حدث مهران مولى بني كاهل، قال شهدت كربلاء مع الحسين عليه السلام ، فرأيت رجلا يقاتل قتالا شديدا، لا يحمل على قوم إلا كشفهم، ثم يرجع الى الحسين عليه السلام وهو يرتجز ويقول:
أبشر هديت الرشد تلقى أحمدا * في جنة الفردوس تعلوا صعدا
فقلت: من هذا؟ فقيل أبو عمرو النهشلي- وقيل الخثعمي- فأعترضه عامر بن نهشل أحد بني تيم اللات بن ثعلبه، فقتله وأحتز رأسه، وكان أبو عمرو هذا متهجدا كثير الصلاة.
5- جرير بن يزيد الرياحي: عدَّ في الزيارة الرجبية من الشهداء، لكن أستقرب بعض العلماء أنه تصحيف للحر بن يزيد، إلا إن اسم الحر ورد في نفس الزيارة فالاحتمال قائم بين أن يكون المصحِّف ذكر الحر مرتين، وبين أن يكون جرير هذا أخا للحر كان معه، والله العالم بحقيقة الأمر. (انظر: مستدركات علم رجال الحديث:2/192، وأنصار الحسين:157)
* * *
وانضم بعض بني تميم لحركة الأخذ بالثأر التي أطلقها المختار الثقفي في الكوفة سنة 65هـ، فحضروا معركة الموصل بقيادة يزيد بن أنس الأسدي، وقد قتل فيها عدد كبير من أتباع بن زياد، وانتصر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 45 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أصحاب المختار، وكان على ربع تميم وهمدان عاصم بن قيس الهمداني (الطبري:4/514)، ثم كانت معركة الخازر التي قادها إبراهيم بن مالك الأشتر، وهُزم بها الشاميون شرَّ هزيمة وقتل عبيدالله بن زياد، وقد حضر التميميون هذه المعركة، وكان على ربع تميم وهمدان حبيب بن منقذ الهمداني. (المصدر السابق:4/594)
ووقف بنو تميم الى جانب مصعب بن الزبير في حربه مع عبد الملك بن مروان سنة 72هـ، وكان عتاب بن ورقاء الرياحي على خيل مصعب، لكن مصعبا هزم وقيل أن سبب الهزيمة كان تخاذل تميم وبكر بن وائل عنه. (المصدر السابق:5/7 وما بعدها)
ولم يبق مدافع عن دولة بني أمية في الكوفة مع يزيد بن عمرو بن هبيرة ضد هجمات العباسيين سوى قيس عيلان وبني تميم، وانهزموا معه حيث مضى متحصنا في واسط. (الأخبار الطوال:368، وانظر: بنو شيبان للمؤلف ص66)
خامسا: موجز تاريخ بني تميم في خراسان
كان إقليم خراسان أيام الفتح الإسلامي يطلق على مناطق واسعة تشمل شمال شرق إيران وبلاد أفغانستان، وكانت مقسمة الى أربع مناطق لكل منها عاصمة، وهي: نيسابور، ومرو، وبلخ، وهرات.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 46 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
(بلدان الخلافة الشرقية: كي لسترنج: 424)، وقد خضعت خراسان للحكم الإسلامي بعد فتح نهاوند سنة 21هـ، لكن الحكومة الإسلامية كانت فيها ضعيفة فاستغل أهلها موت عمر بن الخطاب ليستقلوا بها، ثم توجهت قوة أخرى من البصرة كان فيها قادة من تميم مثل الأحنف بن قيس، وعمران بن الفضيل البرجمي فخضعت مرة أخرى لسلطان العرب، لكن العرب لم يسكنوا تلك البلاد إلا في سنة 34هـ.
وبعد مقتل عثمان وانشغال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بحروبه الثلاث، تمرد عرب خراسان من بني تميم على حكومة الإمام عليه السلام وكان على رأس المتمردين عمران البرجمي، وحسكة بن عتاب الحبطي، فقتلوا عامل أمير المؤمنين في تلك الديار عبد الرحمان بن حرو الطائي، فبقيت خراسان مضطربة حتى استتب الحكم لمعاوية بن أبي سفيان، فأرسل زياد بن سمية الزياد بن ربيع الحارثي واليا على خراسان، وبعث معه خمسين ألفا من عرب الكوفة والبصرة.
وفي سنة 56هـ قامت السلطات الأموية في العراق بترحيل أعداد غفيرة من بني تميم الى خراسان؛ بذريعة أنهم قطاع طرق ومخربين، ثم أرسل سليمان بن عبد الملك سنة 96هـ خمسين ألف مقاتل آخرين من المدينتين كان بنو تميم يشكلون نصف هذه القوة تقريبا.
ثم أرسل عشرون ألف مقاتل من العراق في عهد هشام بن عبد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 47 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الملك سنة 120هـ، فبلغ عدد مقاتلي بني تميم في خراسان عند تقليد يزيد بن المهلب ولايتها أربعة وعشرين ألف مقاتل سوى النساء والذرية، فكان أكثر ولاة خراسان ومناطقها من بني تميم.
وقد سكن التميميون مدينة مرو الكبرى في جهة الباب المؤدي الى سرخس، كما سكنوا مروالروذ أو مرو الصغرى وكان فيها للأحنف بن قيس قصر، وكان قد فتحها الأحنف سنة 31هـ. كما اقتسمت ربيعة وتميم سكنى سرخس.
كما فتح الأحنف الربع الثاني من خراسان المعروف بطخارستان ومركزها بلخ، وقد سكنها طوائف من تميم والأزد وتغلب وحنيفة، أما مدينة خلم التي تبعد عن بلخ 60 كم فسكنها بنو أسد وتميم وأخلاط من قيس عيلان، لكنهم تخلوا عنها للأزد فيما بعد بسبب كثرة الحروب والتعصبات فيما بينهم.
أما الربع الثالث ومركزه نيسابور، فقد فتحه الأحنف أيضا، لكن أكثر سكانها كانوا من قيس عيلان، ثم سكنها التميميون بعد عام 65 هـ في فتنة عبد الله بن خازم السلمي كما سيأتي.
وسكنوا طوس أيضا (مشهد حاليا)، وكان لهم بزعامة الحسن بن زيد التميمي دور قتل يحيى بن زيد عليه السلام وإخماد ثورته سنة 125هـ بأمر من نصر بن سيار والي خرسان.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 48 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أما القسم الرابع من خراسان ومركزه بخارى، فكان أهله من الأتراك وكانت العرب في معارك مستمرة معهم حتى عام 96 هـ حيث فتحها قتيبة بن مسلم بجيش كبير كان عدد مقاتلي تميم فيه عشرة آلاف مقاتل، وكان هزيم بن أبي طلحة المجاشعي صاحب راية بني تميم، ومن قادتهم: ضرار الضبي، ووكيع بن حسان البربوعي. (أنظر: انتشار القبائل العربية في خراسان: د/عبد الحسين علي أحمد، مجلة مركز الوثائق والدراسات الإنسانية، العدد العاشر ص97 وما بعدها مختصرا)
فتن ولاة بني أمية في خراسان
تسبب ولاة بني أمية بجهلهم وعصبيتهم في إضعاف العرب في إقليم خراسان، وجعلوا قبائل العرب تتطاحن فيما بينها، وإليك نماذج من هذه الفتن:
فتنة عبد الله بن خازم
والي بني أمية في خراسان، ثم بايع لعبد الله بن الزبير، وهو من بني سليم بن منصور، من مضر، فحاول إضعاف بكر بن وائل فقتل بعض أشرافهم سنة 65هـ، ففروا الى هرات فتجمعوا فيها، فوجه إليهم جيشا من المضرية أغلبهم من تميم، فدارت وقعة قتل فيها ثمانية آلاف شخص من بكر وائل، ثم ولى ولده محمدا على هرات وأمره بمنع بني
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 49 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تميم من دخولها، فثار بنو تميم وقتلوا ولده محمدا، فاستعان ابن خازم بقيس عيلان على تميم، فاشتعلت حرب أخرى تمزق بها بنو تميم، فتركوا هرات على شكل جماعات ليستقروا في نيشابور وطوس. (انظر: تاريخ الطبري:4/396)
مقتل قتيبة بن مسلم
كان قتيبة الباهلي واليا على خراسان من قبل الوليد بن عبد الملك، وجرى تنازع على السلطة في دمشق بين الأمويين، فأيد قتيبة الوليد ضد أخيه سليمان، فلما مات الوليد، ثار قتيبة على سليمان لكن العرب في خراسان لم يجيبوه، فخطبهم وشتمهم، ومما قاله لبني تميم: ((يا أصحاب مسيلمة، يا بني ذميم ولا أقول تميم، يا أهل الجور والقصف، كنتم تسمون الغدر في الجاهلية كيسان يا أصحاب سجاح))، فاجتمع العرب على خلعه وبايعوا وكيعا التميمي، وجرت وقعة بين الطرفين قتل قتيبة على أثرها سنة 97هـ. (المصدر السابق:5/13)
فتنة نصر بن سيار
كان واليا لهشام بن عبد الملك على بلخ وشيخ مضر في خراسان، قال الدينوري في الأخبار الطوال ص351 وما بعدها مختصرا: ((كان نصر بن سيار متعصبا على اليمانية، مبغضا لهم، فكان لا يستعين بأحد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 50 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
منهم، وعادى أيضا ربيعة لميلها إلى اليمانية، فعاتبه جديع بن علي الأزدي وكان سيد من بأرض خراسان من اليمانية، فاستخف به نصر وتطاير الشر حتى قامت الحرب على ساق، فاخرج نصر ولده تميما في ألف فارس من قيس وتميم فاقتتلوا، وحمل محمد بن المثنى الربعي على تميم بن نصر فقتله، ومكثوا بذلك عشرين شهرا، ينهض بعضهم إلى بعض كل يوم، فيقتتلون هويا، ثم ينصرفون، حتى اكتسحهم أبو مسلم الخراساني داعية بني العباس بجيشه))، ومن جرائمه بحق العرب بخراسان، أن طلب مسلم بن سعيد والي خراسان سنة 104هـ
من بكر بن وائل والأزد غزو ما وراء النهر فأبوا، فاشتبك معهم نصر وكان واليا على بلخ، فقتل من العرب نحو ثلاثين ألفا في مكان يدعى بروقان. (انتشار العرب في خراسان: 109)
سادسا: بنو تميم في ساحل الخليج الشرقي
شهد بنو تميم فتوح الساحل الشرقي للخليج، فقد اشتركوا في غزوة العلاء الحضرمي سنة 17هـ الذي عبر الخليج من البحرين الى أرض فارس فخرج في اصطخر قرب شيراز، وعلى تميم خليد بن المنذر بن ساوى، ثم جاء من البصرة مدد لهم عن طريق البر كان أغلبه من بني تميم كما يظهر من أسماء قادته، كالأحنف بن قيس، وعاصم بن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 51 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عمرو، وصعصعة بن معاوية. (الطبري:3/179وما بعدها باختصار)
أما فتح الأهواز وكورها فقد كان لتميم فيها الدور الأبرز، ففتح حرملة بن مريطة الحنظلي التميمي وسلمى بن القين التميمي وجزء بن معاوية ميسان ونهر تيري ومناذر وسوق الأهواز وتستر، وكان معهما أربعة آلاف مقاتل من بني تميم والرباب منهم بطن يقال لهم بنو العم، استوطنوا هناك بعد الفتح، قال جرير بن عطية الخطفي التميمي يذكر سكنى بني العم الأهواز:
سيروا بني العم فالأهواز موعدكم * ونهر تيري فلم تعرفكم العرب
وفتح جزء بن معاوية وهو عم الأحنف بن قيس الدورق، وهي بلدة بين الأهواز وعبادان. (انظر: قادة فتح بلاد فارس ص135 وما بعدها)
ولا زالت عشائر تميم تسكن المحمرة وعبادان والدورق وتستر والحويزة والأهواز وساحل الخليج (أنساب القبائل العربية في خوزستان: السبهاني ص124)، وثمة نهرا جنوب عبادان يصب في الخليج يسمى شط بني تميم. (إمارة النصور الخالدية:177) كما سكنوا مدينة أصفهان وسط إيران. (طبقات المحدثين في أصفهان:1/38)، وسكنوا قزوين (البلدان: الهمداني:560).
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 52 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الخامس : أعلام بني تميم
أولا: الصحابة والتابعون
وقد اتبعنا في ترجمتنا للشخصيات الشهرة ودورهم التاريخي والاجتماعي.
1- الأحنف بن قيس السعدي التميمي
والبحث في شخصيته ندرجه ضمن نقاط:
1- اسمه الضحاك، بن قيس، بن معاوية، بن الحصين، بن عبادة، بن النزال، بن مرَّة، بن عبيد، بن الحارث، بن كعب، بن سعد، بن زيد مناة، بن تميم.
أدرك النبي’ولم يره (أسد الغابة:1 /55 )، وروي ((أن النبي صلى الله عليه وآله بعث رجلاً يدعو بني سعد الى الإسلام وكان الأحنف فيهم، فجعل يعرض عليهم الإسلام فقال الأحنف: والله إنه يدعو الى خير ويأمر بالخير، وما أسمع إلا حسناً، وإنه ليدعو الى مكارم الأخلاق، وينهى عن ملا ئمها، فذكر الرجل ذلك للنبي صلى الله عليه وآله ، فقال: اللهم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 53 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إغفر للأحنف)).
2- وفد الى المدينة على عهد عمر بن الخطاب مع أبي موسى الأشعري، الذي كان والياً على البصرة آنذاك، ليرفعوا إليه بعض حوائج أهل البصرة، فلم يتكلم أحد سوى الأحنف، وكان مما قال: ((... وإنَّا أناس بين سبحة وبين بحر أجاج، لا يأتينا طعامنا إلا في مثل حلقوم النعامة، فأعد لنا قفيزنا ودرهمنا، فأعجب منه ذلك عمر لكنه أعرض عنه لحداثة سنه، فقال له: أجلس يا أحنف، فغلب لقبه على اسمه)). (تاريخ دمشق : 24/312).
3- قاد الأحنف الفتوحات الإسلامية في مناطق شاسعة من إيران، وشهد فتح نهاوند سنة 17هـ ، ثم مضى على رأس جيش الى قم ففتحها، ثم فتح قاشان (كاشان)، ثم سار سنة 17هـ وقيل 22 لفتح خراسان، فبدأ بهراة ففتحها، وتوغل الى مرو، وتقدم منها الى مرو الروذ (الصغرى) حيث بنا قصرا هناك. وجاءه مدد من الكوفة ففتح بلخ، ثم فتح طخارستان، وجعل عليها ربعي بن عامر التميمي وعاد الى مرو. كما شارك في الحملة الثانية على هذه المناطق بعد الفوضى التي اجتاحتها أيام خلافة عثمان. (انظر: قادة فتح بلاد فارس:220 وما بعدها)
4- كانت عائشة لما وصلت البصرة دعته لنصرتها، وأرسلت إليه أن يأتيها مرتين، فأبى! فكتبت إليه: يا أحنف، ما عذرك في ترك جهاد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 54 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قتلة أمير المؤمنين، أمن قلَّة عدد، أو أنك لا تطاع في العشيرة؟ فكتب إليها: إنه والله ما طال العهد بي ولا نسيت عهدي في العام الأول وأنت تحرضين على جهاده، وتذكرين أن جهاده أفضل من جهاد فارس والروم! (شرح الأخبار: 1/381).
ثم وقف الأحنف موقفا محايدا، مع بقائه على البيعة لأمير المؤمنين عليه السلام ، لكنه أراد بذلك منع جهال قومه من الانضمام على معسكر أصحاب الجمل كما مر.
وكان أول من استجاب دعوة أمير المؤمنين عليه السلام حينما دعا أهل البصرة لقتال معاوية، فلما وصل كتاب أمير المؤمنين الى ابن عباس في البصرة، قرأه للناس وقال: أيها الناس، استعدوا للشخوص الى إمامكم، وانفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم.. فلما أتمَّ كلامه قام الأحنف فقال: نعم والله لنجيبك، ونخرج معك على العسر واليسر، والرضا والكره، نحتسب في ذلك الأجر، ونأمل به من الله الثواب العظيم. (شرح النهج: 3/187).
وجاء الأحنف مع وجوه قومه وأشراف البصرة من القبائل الأخرى الى الإمام عليه السلام في الكوفة، فقال الأحنف: يا أمير المؤمنين، إن تك سعد لم تنصرك يوم الجمل فإنها لم تنصر عليك، وقد عجبوا أمس ممن نصرك وعجبوا اليوم ممن خذلك، لأنهم شكوا في طلحة والزبير
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 55 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولم يشكوا في معاوية، وعشيرتنا بالبصرة فلو بعثتنا إليهم فقدموا إلينا فقاتلنا بهم العدو وانتصفنا بهم، وأدركوا اليوم ما فاتهم بالأمس..فقال عليه السلام : أكتب الى قومك من بني سعد، فكتب الأحنف الى بني سعد: ((أما بعد، فإنه لم يبق أحد من بني تميم، إلا وقد شقوا برأي سيدهم غيركم، وعصمكم الله برأيي حتى نلتم ما رجوتم، وأمنتم ما خفتم وأصبحتم منقطعين من أهل البلاء، لاحقين بأهل العافية، وإني أخبركم بأنا قدمنا على تميم الكوفة، فأخذوا علينا بفضلهم مرتين، بمسيرهم إلينا مع علي، وإجابتهم الى المسير الى الشام، فأقبلوا إلينا ولا تتكلوا عليهم)). (أعيان الشيعة:1/466) فجعله الإمام عليه السلام قائدا على تميم البصرة كلها. (شرح نهج البلاغة : 4 : 27)
5- عرض الأحنف على أمير المؤمنين عليه السلام أن يكون مندوبه للتحكيم مع ابن العاص، فقال: ((يا أمير المؤمنين، إنك رُميت بحجر الأرض، ومن حارب الله ورسوله أنف الإسلام، وإني قد عجمت هذا الرجل، -يعني أبا موسى الأشعري- وحلبت شطره فوجدته كليل الشفرة، قريب القعر، وإنه لا يصلح لهؤلاء القوم إلا رجل يدنو منهم حتى يكون في أكفهم، ويتباعد منهم حتى يكون بمنزلة النجم منهم، فإن شئت أن تجعلني حكماً فاجعلني، وإن شئت فاجعلني ثانياً أو ثالثاً، فإن عمراً لا يعقد عقدة إلا حللتها، ولا يحل عقدة إلا عقدت لك أشد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 56 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
منها، فعرض الإمام عليه السلام ذلك على الناس فأبوه! وقالوا: لا يكون إلا أبو موسى)). (شرح النهج:2/230)
ولما رأى الأحنف إصرار أهل الكوفة على تحكيم أبي موسى، نصح أبا موسى عندما ودَّعه قائلاً: ((يا أبا موسى، اعرف خطب هذا الأمر واعلم إن له ما بعده، وإنك إن أضعت العراق فلا عراق، اتق الله فإنها تجمع لك دنياك وآخرتك، وإذا لقيت غداً عمراً فلا تبدأه بالسلام، فإنها وإن كانت سنة إلا أنه ليس بأهلها، ولا تعطه يدك فإنها أمانة، وإياك أن يقعدك على صدر الفراش فإنها خدعة، ولا تلقه إلا وحده، وأحذر أن يكلمك في بيت فيه مخدع تخبأ لك فيه الرجال والشهود)). (شرح النهج:2/249)، إلا أن نصحائه القيمة ذهبت سدى مع أبي موسى.
6- قال له معاوية لما وفد عليه: ((أنت الساعي على أمير المؤمنين عثمان، وخاذل أم المؤمنين عائشة، والوارد الماء على عليٍّ بصفين؟
فقال الأحنف: من ذاك ما أعرف ومنه ما أنكر، أما أمير المؤمنين فأنتم معاشر قريش حضرتموه بالمدينة والدار منا عنه نازحة، وقد حضره المهاجرون والأنصار وكنتم بين خاذل وقاتل، أما عائشة فإني خذلتها في طول باع ورحب سرب، وذلك أني لم أجد في كتاب الله إلا أن تقرَّ في بيتها. وأما ورودي الماء بصفين فإني وردت حين أردت أن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 57 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تقطع رقابنا عطشاً! فقام معاوية وأمر له بخمسين ألف درهم)) (المصدر السابق:1 /745).
7- يعد الأحنف من زعماء العرب، ومن الشخصيات الكبيرة حلما، وعقلا، وأدبا، وشجاعة، وتدينا، وشرفا، قال الحسن البصري: ما رأيت شريف قوم أفضل من الأحنف. وقال سفيان: ما وزن عقل الأحنف بعقل إلا وزنه. (تاريخ دمشق: 4 : 316)، وساد قومه من تميم أربعين سنة، بل اجتمعت له مضر كلها بالبصرة. (المحبر لابن حبيب ص259)
وبه يضرب به المثل في الحلم فيقال: أحلم من الأحنف، وله في ذلك أخبار مأثورة (الغارات:2 /754 ). واشتهر بالحكمة، ورويت عنه حكم كثيرة منها: ((أربع من كن فيه كان كاملاً، ومن تعلق بخصلة منها كان صالحاً: دين يرشده، أو عقل يسدده، أو حسب يصونه، أو حياء يحجزه)) (معدن الجواهر للكراجكي: 45)، توفي الاحنف في الكوفة سنة سبع وستين، ودفن في الثوية. (الغارات:2/754)
2- أكثم بن صيفي الشريفي
وهو أكثم بن صيفي بن رباح بن الحارث بن مخاشن بن معاوية بن شريف بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم. (الإصابة: 1/350)، سيد بني تميم، عرف بالحكمة وسمي بحكيم العرب، ورويت عنه حكم كثيرة،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 58 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وسئل ممن تعلمت الحكمة والحلم والسيادة؟ فقال: من حليف الحلم والأدب، وسيد العجم والعرب، أبي طالب بن عبد المطلب. (البحار: 35/134)
وكان معجباً بأبي طالب وأولاد عبد المطلب عليه السلام ، ففي المنمق/34، لابن حبيب: ((أن أكثم بن صيفي قال: دخلت البطحاء، بطحاء مكة فإذا أنا ببني عبد المطلب يخترقونها كأنهم أبرجة الفضة، وكأن عمائمهم نوق الرجال ألوية، يلحفون الأرض بالحبرات (ثيابهم طويلة) فقال أكثم: يا بني تميم، إذا أراد الله أن ينشئ دولة أنبت لها مثل هؤلاء، هذا غرس الله لا غرس الرجال)).
وقال الصدوق في كمال الدين/570: ((عاش أكثم بن صيفي أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم، ثلاث مائة وستين سنة، وقال بعضهم مائة وتسعين سنة)).
عاصر أكثم النبي صلى الله عليه وآله وكتب إليه رسالة يدعوه الى الإسلام، لكنه مات في أثناء الطريق قبل أن يلتحق بالنبي صلى الله عليه وآله .
3- مالك بن نويرة اليربوعي
وهو مالك بن نويرة بن جمرة بن شداد بن عبد بن ثعلبة بن يربوع التميمي، اليربوعي: هامة الشرف في بني تميم، وعرنين المجد في بني
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 59 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يربوع، من علية العرب، وممن تضرب الأمثال بفتوته نجدة وكرماً وحفيظة وشجاعة وبطولة، أسلم وأسلم معه بنو يربوع بإسلامه، وولاه النبي صلى الله عليه وآله صدقات قومه. (النص والاجتهاد/ 116).
في الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي/75: ((قال البراء بن عازب بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس في أصحابه إذا أتاه وافد من بني تميم مالك بن نويرة، فقال: يا رسول الله علمني الإيمان. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله، وتصلي الخمس، وتصوم رمضان، وتؤدي الزكاة وتحج البيت، وتوالي وصيي هذا من بعدي، وأشار إلى علي عليه السلام بيده، ولا تسفك دماً، ولا تسرق، ولا تخون، ولا تأكل مال اليتيم، ولا تشرب الخمر، وتوفى بشرائعي، وتحلل حلالي، وتحرم حرامي، وتعطي الحق من نفسك للضعيف والقوي، والكبير والصغير، حتى عد عليه شرائع الإسلام.
فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله أعد عليَّ فإني رجل نَسَّاء (كثير النسيان)، فأعاد عليه، فعقدها بيده، وقام وهو يجر إزاره وهو يقول: تعلمت الإيمان ورب الكعبة، فلما بعد من رسول الله قال صلى الله عليه وآله : من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا الرجل!
فقال أبو بكر وعمر: إلى من تشير يا رسول الله؟ فأطرق إلى الأرض، فجدَّا في السير فلحقاه فقالا: لك البشارة من الله ورسوله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 60 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بالجنة. فقال: أحسن الله تعالى بشارتكما إن كنتما ممن يشهد بما شهدت به فقد علمتما ما علمني النبي محمد صلى الله عليه وآله ، وإن لم تكونا كذلك، فلا أحسن الله بشارتكما.
فقال أبو بكر: لا تقل، فأنا أبو عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وآله ! قال: قلت ذلك، فما حاجتكما؟ قالا: إنك من أصحاب الجنة فاستغفر لنا، فقال: لا غفر الله لكما، تتركان رسول الله صاحب الشفاعة، وتسألاني أستغفر لكما، فرجعا والكآبة لائحة في وجهيهما، فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وآله تبسم، وقال: أفي الحق مغضبة؟!
فلما توفى رسول الله ورجع بنو تميم إلى المدينة ومعهم مالك بن نويرة، لينظر من قام مقام رسول الله فدخل يوم الجمعة وأبو بكر على المنبر يخطب بالناس، فنظر إليه وقال: أخو تيم؟ قالوا: نعم. قال: فما فعل وصي رسول الله صلى الله عليه وآله الذي أمرني بموالاته؟ قالوا: يا أعرابي الأمر يحدث بعده الأمر!
قال: بالله ما حدث شيء، وإنكم قد خنتم الله ورسوله صلى الله عليه وآله ! ثم تقدم إلى أبى بكر وقال: من أرقاك هذا المنبر، ووصي رسول الله صلى الله عليه وآله جالس؟ فقال أبو بكر: أخرجوا الأعرابي البوال على عقبيه من مسجد رسول الله!
فقام إليه قنفذ بن عمير وخالد بن الوليد، فلم يزالا يلكزان عنقه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 61 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حتى أخرجاه، فركب راحلته وأنشأ يقول:
أطعنا رسول الله ما كان بيننا * فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر
إذا مات بكر قام عمرٌو ومقامه * فتلك وبيت الله قاصمة الظهر
يدب ويغشاه العشار كأنما * يجاهد جماً أو يقوم على قبر
فلو قام فينا من قريش عصابة * أقمنا ولكن القيام على جمر
قال: فلما استتم الأمر لأبي بكر وجه خالد بن الوليد وقال له: قد علمت ما قاله مالك على روؤس الأشهاد، ولست آمن أن يفتق علينا فتقاً لا يلتئم، فاقتله! فلما أتاه خالد، ركب جواده وكان فارساً يعد بألف، فخاف خالد منه فآمنه وأعطاه المواثيق، ثم غدر به بعد أن ألقى سلاحه، فقتله وأعرس بامرأته في ليلته، وجعل رأسه تحت قدر فيها لحم جزور لوليمة عرسه))
كان مالك بن نويرة رحمه الله مطمئناً الى أن كتيبة خالد بن الوليد التي تحركت من المدينة لا تقصده، ولو أراد المواجهة لأمر أتباعه بالتجمع لا بالتفرق! فباغته خالد الى البطاح: ((فلم يجد بها أحداً وكان مالك قد فرقهم ونهاهم عن الاجتماع، وقال: يا بني يربوع إنا دعينا الى هذا الأمر، فأبطأنا عنه فلم نفلح، وقد نظرت فيه فرأيت أن الأمر لا يتأتى بغير سياسة، وإذا الأمر لا يسوسه الناس فإياكم ومناوأة القوم، فتفرقوا وادخلوا في هذا الأمر، فتفرقوا على ذلك، فلما قدم خالد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 62 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
البطاح بث السرايا... فجاءته الخيل بمالك بن نويرة ونفر من بني ثعلبة بن يربوع، فاختلفت السرية فيهم، وكان فيهم أبو قتادة الأنصاري وكان ممن شهد أنهم أذَّنوا وأقاموا وصلُّوا، فأمر خالد بحبسهم وكانت ليلة باردة فقال خالد: أدفئوا أسراكم، وهي تعني القتل في لغة كنانة، فقتل ضرار بن الأزور مالكاً)). (الكامل لابن الأثير:2/364).
وروي أن خالد بن الوليد طمع بامرأة مالك لما رأى جمالها، فقتله وتزوجها في نفس الليلة. (تاريخ اليعقوبي: 2/131).
وعمد الى التمثيل بجثة مالك ومن معه، وهذا يدل على أنه كان يضمر حقداً، فقد قطع رؤوسهم وجعلها أثافي للقدور (جعلها تحت القدور ونصبها عليها) وترك جثثهم عارية في الصحراء، حتى جاء المنهال التميمي أبو زوجة مالك فغطاه، وأصحابه ببعض الثياب. (الإصابة: 6/249).
ولما قتل خالد مالكاً واستباح زوجته، كان في عسكره أبو قتادة الأنصاري، فركب فرسه والتحق بأبي بكر وحلف ألا يسير في جيش تحت لواء خالد أبداً، فقصَّ على أبي بكر القصة فقال: لقد فتنت الغنائم العرب، وترك خالد ما أمرته! فقال عمر: إن عليك أن تقيده بمالك، فسكت أبو بكر! (شرح النهج:1/179).
وفي تاريخ الطبري:2/504: ((فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال: عدو الله عدا على امرئ مسلم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 63 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقتله، ثم نزا على امرأته! وأقبل خالد بن الوليد قافلاً حتى دخل المسجد، وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهماً، فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر، فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها، ثم قال: أرئاء قتلت امرءً مسلماً، ثم نزوت على امرأته، والله لأرجمنك بأحجارك!
ولا يكلمه خالد بن الوليد، ولا يظن إلا أن رأى أبى بكر على مثل رأى عمر فيه، حتى دخل على أبى بكر، فلما أن دخل عليه أخبره الخبر، واعتذر إليه فعذره أبو بكر، وتجاوز عنه ما كان في حربه تلك! قال: فخرج خالد حين رضى عنه أبو بكر وعمر جالس في المسجد، فقال: هلمَّ إليَّ يا ابن أم شملة! قال فعرف عمر أن أبا بكر قد رضى عنه فلم يكلمه ودخل بيته))! والشملة إزار غير ساتر كانت ترتديه أم عمر لفقرها، فعيره بها خالد.
4- جارية بن قدامة السعدي
هو جارية بن قدامة بن زهير بن الحصين بن رزاح بن أسعد بن بجير بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، عم الأحنف وقيل ابن عمه، صحابي رأى النبي صلى الله عليه وآله وروى عنه (الطبقات:7/56)، ولازم وصيه عليه السلام وشهد معه مشاهده كلها، وهو الذي أخذ بيعة أهل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 64 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
البصرة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام حينما تولى الخلافة.
وحينما وردت عائشة البصرة نصحها جارية، فقال: ((لَقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح!
إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمتك، إنه من رأى قتالك يرى قتلك! فإن كنت أتيتنا طائعة فارجعي الى منزلك! وإن كنت أتيتينا مستكرهة فاستعيني بالناس)). (مواقف الشيعة: 2/376).
وحضر جارية مشاهد الإمام عليه السلام كلها، فكان أميراً على تميم البصرة في معركة الجمل، ثم سكن الكوفة ليكون قرب الإمام عليه السلام ، وحضر معه صفين أميراً على سعد ورباب البصرة، وشهد معه وقعة النهروان. وظهرت كفاءته في إخماد الفتن التي كانت تندلع هنا أو هناك، فكانت تخرج مجموعة فتعيث في الأرض فساداً، فخرج أشرس بن عوف بالدسكرة في مائتين ثم جاء الى الأنبار، فوجه إليه الإمام عليه السلام الأشرس بن حسان فقتله وأتباعه وذلك سنة ثمان وثلاثين للهجرة.
وخرج هلال بن علقمة وتبعه أكثر من مائتين، فوجه إليه الإمام عليه السلام معقل بن قيس. وخرج أشهب بن بشر في مائة وثمانين في المكان الذي قتل فيه هلال، فوجه الإمام عليه السلام اليه جارية بن قدامة فاقتتلوا حتى قتل الأشهب وأتباعه. ثم خرج سعيد بن قفل قرب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 65 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المدائن فخرج إليه سعد بن مسعود الثقفي فقتله وأصحابه. وخرج رجل يقال له أبو مريم السعدي في شهرزور وتبعه بعض الموالي، فندب له الإمام شريح القاضي في سبع مائة، ففر شريح وجيشه من المعركة، فخرج إليهم أمير المؤمنين عليه السلام بنفسه، وعلى مقدمته جارية بن قدامة، فدعاهم جارية الى طاعة الإمام وحذرهم القتل فلم يستجيبوا، ولحقهم أمير المؤمنين عليه السلام فدعاهم أيضاً فلم يستجيبوا، فقاتلهم فقتل أغلبهم. (البحار: 33 /419)، وارتدَّ أهل نجران عن الإسلام، فوجه إليهم أمير المؤمنين عليه السلام جارية بن قدامة فردهم الى رشدهم (رجال الطوسي: 1/322).
واستعمل معاوية أسلوب الغارات على أطراف العراق والحجاز، وكان أكبرها غارة بسر بن أبي أرطاة، وكان هدفها القتل ونشر الرعب، فعاث فساداً ونهباً وتحريقاً في كل مكان مر فيه، وقتل فيها ثلاثين ألفاً من المسلمين!
وكان بسر قاسي القلب فظاً سفاكاً للدماء، فأوصاه معاوية: ((سر حتى تصل المدينة، وأطرد الناس، وأخفْ من مررت به، وأنهب أموال كل من أصبت له مالاً ممن لم يكن دخل في طاعتنا! واقتل شيعة عليٍّ حيث كانوا)). (شرح النهج : 2/7). فمضى بسر يجد السير حتى دخل المدينة، وعليها أبو أيوب الأنصاري وال من قبل أمير المؤمنين عليه السلام ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 66 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فحرق بسر داره ودور آخرين، وفر أبو أيوب منه. ثم مضى الى مكة وعاملها قثم بن العباس، فهرب منها أيضاً، فنهب بسر أموال أهلها.
ثم مضى الى اليمن وعليها عبيدالله بن العباس، فألقى القبض على ولديه وهما صغيران فذبحهما على درج صنعاء! فندب أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه، فتثاقلوا وأجاب جارية فقال: ((أنت لعمري ميمون النقيبة، حسن النية صالح العشيرة)). (البحار :34 :13) فبعثه في ألفين لمواجهة بسر، فسار جارية حتى وصل البصرة، ثم مضى نحو الحجاز، وواصل مسيره حتى وصل اليمن، ففرَّ بسر وكل من كان على هوى معاوية، وما زال جارية يتعقبه وبسر يفر من بين يديه حتى أخرجه الى الشام هارباً. (البحار:34 :15).
وبعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام دخل جارية بن قدامة على الإمام الحسن عليه السلام معزياً ومبايعاً فقال: ((ما يجلسك؟ سِر رحمك الله الى عدوك قبل أن يسار إليك! فقال الإمام الحسن عليه السلام : لو كان الناس كلهم مثلك لسرت إليهم)) (معجم رجال الحديث: 4/350).
ووفد جارية على معاوية، فقال معاوية: ((أنت الساعي مع علي أبن أبي طالب، والموقد النار في شعلتك تجوس قرى عربية تسفك دماءهم؟ قال جارية: يا معاوية! دع عنك علياً فما أبغضنا علياً منذ أحببناه، ولا غششناه من صحبناه! قال: ويحك يا جارية! ما أهونك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 67 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
على أهلك إذ سموك جارية! فقال جارية: وما أهونك على أهلك إذ سموك معاوية، وهي الأنثى من الكلاب! قال معاوية: لا أم لك فقال: أمي ولدتني للسيوف التي لقيناك بها في أيدينا، قال: إنك تهددني؟ قال: إنك لم تفتحنا قسراً ولم تملكنا عنوة، ولكنك أعطيتنا عهداً وميثاقاً وأعطيناك سمعاً وطاعة، فإن وفيت لنا وفينا لك، وإن فزعت الى غير ذلك، فإنا تركنا وراءنا رجالاً شداداً وألسنة حداداً!
فقال معاوية: لا أكثر الله في الناس أمثالك! فقال: قل معروفاً وراعنا، فإن شرَّ الدعاء المحتطب)). (معجم رجال الحيث:1/247).
5- معقل بن قيس الرياحي
من صناديد العرب، ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الخاصين، حضر معه مشاهده، فكان في حرب الجمل على الرجالة من تميم الكوفة (الجمل/172) وقائداً بارزاً في صفين (الفتوح:3/147) وقائد الميسرة في النهروان. ( الطبري: 4/63).
وبعثه الإمام عليه السلام لمطاردة الخريت بن راشد الخارجي الى جبال الأهواز، فقاتله وهزمه، ثم طارده الى فارس حتى قتله. (الفتوح:4/84).
وفي سنة تسع وثلاثين للهجرة بعث معاوية يزيد بن شجرة للإغارة على مكة، وإفساد موسم الحج على المسلمين، وكان قثم بن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 68 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العباس واليه على مكة، فكتب له أمير المؤمنين عليه السلام : ((وقد وجهت إليكم جمعاً من المسلمين ذوي بسالة ونجدة، مع الحسيب الصليب الورع التقي معقل بن قيس الرياحي)). وهي شهادة منه عليه السلام بحق معقل رحمه الله ، فهرب منه ابن شجرة، وأدرك بعض جيشه بوادي القرى فأسرهم وفاداهم الإمام عليه السلام بالذين كان أسرهم معاوية. (الغارات: 2/ 503 ).
وكان آخر من اختاره أمير المؤمنين عليه السلام ليكر على معاوية، فاستشهد الإمام عليه السلام ورجع معقل الى الكوفة . (الغارات:2 /481).
6- أعين بن ضبيعة
هو أعين بن ضبيعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، صحابي، وهو ابن عم الأقرع بن حابس (الاستيعاب:1/141)، أبو النوار امرأة الفرزدق الشاعر. (الشعر والشعراء:1/476) كان من أوائل الملتحقين من تميم البصرة بمعسكر أمير المؤمنين عليه السلام في حرب الجمل، وجعله أميراً على رجالة بني تميم، وجارية بن قدامه على تميم البصرة أجمع. (الجمل: الشيخ المفيد: 72).
وكان أعين فدائياً من الذين انتدبهم الإمام عليه السلام لعقر جمل عائشة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 69 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لأنه أصبح مشكلة تهدد المسلمين، فصرخ عليه السلام : ((ويلكم، أعقروا الجمل فإنه شيطان! ثم قال: أعقروه وإلا فنيت العرب، ولا يزال السيف قائماً وراكعاً حتى يهوي هذا البعير الى الأرض))! (شرح النهج: 1/253).
فقصد ذوو الجد من أصحابه قصد الجمل حتى كشفوا أهل البصرة عنه، وأفضى إليه أعين بن ضبيعة، فكشف عرقوبه بالسيف فسقط وله رغاء. (انظر: الاستيعاب:1/141)
ثم وفد على الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لما استقر في الكوفة مع عشرة من وجوه بني تميم (وقعة صفين:24)، وكان أميرا على بني عمرو وبني حنظلة البصرة في وقعة صفين (المصدر السابق:205).
وبعد أن قتل معاوية محمد بن أبي بكر والي مصر واستولى عليها، أرسل عبد الله بن الحضرمي إلى البصرة وأمره أن يدعو الى الأخذ بثأر عثمان، ويؤلِب الناس ضدَّ أمير المؤمنين عليه السلام ، فالتف حوله من كان له هوى في عثمان، واشتد أمره حتى كاد يستولى على قصر الإمارة في البصرة، وكان الوالي آنذاك زياد بن عبيد من قبل عبدالله بن عباس، ووصل الخبر الى أمير المؤمنين عليه السلام فاستدعى أعين بن ضبيعة، وقال له: يا أعين، ألم يبلغك إن قومك وثبوا على عاملي مع ابن الحضرمي في البصرة يدعون الى فراقي وشقاقي، ويساعدون القاسطين الضلاَّل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 70 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عليَّ؟ فقال أعين: لا تُسأ يا أمير المؤمنين، ولا يكن ما تكره، إبعثني إليهم وأنا لك زعيم بطاعتهم وتفريق جماعتهم، ونفي ابن الحضرمي من البصرة أو قتله.
فقال عليه السلام : فاخرج الساعة، فخرج الى البصرة وأتى واليها زيادا وأخبره عن إرسال الإمام له لوأد الفتنة، ثم قال: إني لأرجو أن يكفى هذا الأمر إن شاء الله، ثم أتى رحله فجمع رجالاً من قومه ثم خطب فيهم، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا قوم علام تقتلون أنفسكم، وتهرقون دماءكم على الباطل مع السفهاء الأشرار؟ وإني والله ما جئتكم حتى عبيت لكم الجنود، فإن تنيبوا الى الحق يقبل منكم ويكف عنكم، وإن أبيتم فهو والله إستئصالكم وبواركم، فقالوا: بل نسمع ونطيع، فقال: انهضوا الآن على بركة الله عز وجل، فنهض بهم الى جماعة ابن الحضرمي، فصافوه وواقفهم عامة يومه يناشدهم الله، ويقول: يا قوم لا تنكثوا بيعتكم ولا تخالفوا إمامكم، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً، فقد رأيتم وجربتم كيف صنع الله بكم عند نكثكم بيعتكم وخلافكم. فكفوا عنه ولم يكن بينه وبينهم قتال، وهم في ذلك يشتمونه وينالون منه، ثم انصرف عنهم وآوى الى فراشه ظناً منه أنهم تؤثر فيهم الموعظة والنصيحة، لكن عشرة من أتباع ابن الحضرمي، وقيل من الخوارج دخلوا رحله ليلاً وقتلوه وهو نائم على فراشه،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 71 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فاستشهد رحمه الله سنة ثمان وثلاثين للهجرة. فأرسل أمير المؤمنين عليه السلام ارية بن قدامة السعدي، فمضى بمن جاء معه من الكوفة الى ابن الحضرمي وأتباعه، فاقتتلوا ساعة فانهزم ابن الحضرمي وأتباعه، وآووا الى دار رجل من أتباعهم، فحاصرهم جارية ثم دعا بنار فأحرق عليهم المنزل، فهلك ابن الحضرمي)). (الغارات:2/297 وما بعدها باختصار)
7- الأصبغ بن نباتة المجاشعي
هو الأصبغ بن نباتة بن الحارث بن عمرو بن فاتك بن عامر بن مجاشع بن دارم التميمي: تابعي، كان شيخاً ناسكاً عابداً، من خواص أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام وعمّر بعده، وقد شهد معه وقعة الجمل وصفين، وكان على شرطة الخميس، وكان شاعراً، وله كتاب مقتل الحسين.
قال نصر بن مزاحم: وكان من ذخائر علي عليه السلام ، ممّن قد بايعه على الموت، وكان من فرسان أهل العراق، وكان علي يضنّ به على الحرب والقتال.
وللأصبغ روايات كثيرة في الفقه والتفسير والحكم، أكثرها عن الإمام علي عليه السلام ، حيث وقع في إسناد اثنتين وستين رواية في الكتب الأَربعة عدا ما روى في غيرها، كما روى عنه عليه السلام عهده إلى مالك
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 72 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الأَشتر لما ولَّاه مصر، ووصيته عليه السلام إلى ابنه محمد المعروف بابن الحنفية. (موسوعة طبقات الفقهاء:1/292)
8- الفرزدق الشاعر
وهو همام بن غالب بن صعصعة، أبو فراس الشهير بالفرزدق، من نبلاء أهل البصرة، عظيم الأثر في اللغة حتى قيل لولا الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب، ولولا أشعاره لذهبت نصف أيام العرب. (الأعلام للزركلي : 8 /93).
ولد الفرزدق في خلافة عمر، وتوفي سنة 110هـ، وذلك يعني أنه عاصر خمساً من الأئمة: أمير المؤمنين والإمام الحسن والحسين وزين العابدين علي بن الحسين وشطراً من حياة الإمام الباقر عليهم السلام ، إلا أن الرجاليين عدوه من صحابة الإمام زين العابدين ولعله لاشتهار قصيدته فيه. (معجم رجال الحديث: 14/276).
وقال المرزباني في شعراء الشيعة/22: ((الفرزدق همام بن غالب كان شيعياً، وكان الأصمعي يذمه بذلك، غير أنه لم يكن مظهراً لذلك لخوفه من بني أمية... دخل الفرزدق يوماً على سليمان بن عبد الملك، وكان سيلمان يشنؤه فتنكر له وأغلظ في خطابه حتى قال له: من أنت لا أم لك؟ فقال: أولا تعرفني؟ أنا من حي هم أوفى العرب، وأحلم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 73 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العرب وأسْوَد العرب، وأجْوَد العرب، وأشجع العرب، وأشعر العرب. فقال سليمان: لتحتجن لما ذكرت أو لأوجعنَّ ظهرك، ولأبعدنَّ دارك.
قال: أما أوفى العرب فحاجب بن زرارة، رهن قوسه عن العرب كلها فأوفى. وأما أحلم العرب، فالأحنف بن قيس يضرب به المثل حلماً.
وأما أسْود العرب، فقيس بن عاصم قال رسول الله: هذا سيد أهل الوبر. وأما أشجع العرب فحريش بن هلال السعدي. وأما أجود العرب فخالد بن عتاب بن ورقاء الرياحي. وأما أشعر العرب فها أنا ذا عندك!
وللفرزدق مواقف جليلة في الدفاع عن أهل البيت عليهم السلام ، لكن أشهرها موقفه من الإمام زين العابدين عليه السلام ، فقد روى المؤرخون أن هشام بن عبد الملك حج في أيام خلافة أبيه، وطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام، فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين عليه السلام وعليه إزار ورداء، من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحة فجعل يطوف حول البيت، فإذا بلغ موضع الحجر تنحَّى الناس عنه ليستلمه هيبة له وإجلالاً، فغاض ذلك هشاماً فقال رجل من أهل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 74 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الشام لهشام: من هذا الذي هابته الناس هذه الهيبة وأفرجوا له عن الحجر؟ فقال هشام: لا أعرفه! لئلا يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق وكان حاضراً لكني أعرفه، ثم أنشد ميميته العصماء، التي طار صيتها في الأرجاء، والتي يقول فيها:
يا سائلي أينَ حلَّ الجودُ والكرمُ * عندي بيانٌ إذا طلابُهُ قدموا
هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأتَهُ * والبيتُ يعرفُهُ والحلُّ والحَرَمُ
هذا ابنُ خَيْرِ عبادِ الله كلِّهِمُ * هذا التّقيُّ النقيُّ الطاهرُ العَلَمُ
هذا الذي أحمدُ المختارُ والدُه * صلى عليه إلهي ما جرى القلمُ
هذا عليٌّ رسولُ الله والدُه * أمست بنور هداه تهتدي الأمم
هذا الذي عمُّه الطيارُ جعفرُ والمَق- * تولُ حمزةُ ليثٌ حُبُّهُ قَسَمُ
هذا ابنُ سيدة النسوانِ فاطمةٌ * وابنُ الوصيِّ الذي في سيفه نِقَمُ
إذا رأتهُ قريشٌ قال قائلُها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكادُ يُمْسكُهُ عرفانُ راحتِهِ * ركنُ الحطيم إذا ما جاءُ يَستلم
وليسَ قولُك من هذا بِضَائِرِهِ * العُرْبُ تعرفُ من أنكرتَ والعجم
فغضب هشام ومنع جائزته، وقال: ألا قلت فينا مثلها؟ قال: هات جداً كجده وأباً كأبيه وأماً كأمه حتى أقول فيكم مثلها! فحبسه بعسفان بين مكة والمدينة، فبلغ ذلك علي بن الحسين عليه السلام فبعث إليه باثني عشر ألف درهم، وقال: أعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 75 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
من هذا لوصلناك به، فردها وقال: يا ابن رسول الله ما قلت هذا الذي قلت إلا غضباً لله ولرسوله! وما كنت لأرزأ عليه شيئاً! فردها إليه وقال: بحقي عليك لمَّا قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك فقبلها، فجعل الفرزدق يهجو هشاماً وهو في الحبس، فكان مما قال:
أيحبسني بين المدينة والتي * إليها قلوب الناس تهوى منيبها
يقلب رأساً لم يكن رأسَ سيِّدٍ * وعيناً له حَوْلاءَ بادٍ عُيُوبها
(مناقب آل أبي طالب:3/306)
وفي الخرائج:1/267: ((فلما طال الحبس عليه وكان يوعده بالقتل! شكى إلى علي بن الحسين عليه السلام ، فدعا له فخلصه الله، فجاء إليه وقال: يا ابن رسول الله، إنه محا اسمي من الديوان. فقال: كم كان عطاؤك؟ قال: كذا. فأعطاه لأربعين سنة وقال عليه السلام : لو علمت أنك تحتاج إلى أكثر من هذا لأعطيتك. فمات الفرزدق بعد أن مضى أربعون سنة ))! (راجع جواهر التاريخ:4/191).
ورُويت للفرزدق مواقف أخرى في الدفاع عن أهل البيت عليهم السلام منها أنه هجا زياد بن أبيه لسبه أمير المؤمنين عليه السلام ، واضطر للإختفاء منه مدة طويلة، وهجا مسكين الدارمي وهو من أقاربه لأنه رثى زياداً لما مات. (تاريخ الطبري : 4/171و225)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 76 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
9- المنذر بن ساوى الدارمي
اختلف في نسبه، فعن ابن عبد البر في الاستيعاب:4/1448، وابن سعد في الطبقات:4/360 أنه من عبد القيس، وعن ابن الكلبي في جمهرة النسب ص201، أنه من بني عبد الله دارم من تميم، وتبعه ابن الأثير في أسد الغابة:4/417، وابن حجر في الإصابة:6/169، وقال: ((السبب في أنه يقال له العبدي؛ لأنه من ولد عبد الله بن دارم، فظن بعض الناس أنه من عبد القيس))، وقال ابن حبيب في المحبر ص256: ((وكانت عبد القيس وتميم جيرانها، وكان ملوكها من بني تميم من بني عبد الله بن زيد، رهط المنذر بن ساوى، كانت ملوك فارس تستعملهم عليها، كبني نصر (اللخميين) على الحيرة، وبني المستكبر على عمان)). والخلاصة: كان المنذر بن ساوى ملكا على البحرين من قبل الفرس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، كما هو حال النعمان بن المنذر اللخمي ملك الحيرة.
قال البلاذري في فتوح البلدان:1/95 مختصرا: ((كانت أرض البحرين من مملكة الفرس، وكان بها خلق كثير من العرب من عبد القيس وبكر بن وائل وتميم مقيمين في بدايتها. وكان على العرب بها من قبل الفرس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله المنذر ابن ساوى أحد بني
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 77 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عبد الله بن زيد بن عبد الله بن دارم.
فلما كانت سنة ثمان وجه رسول الله صلى الله عليه وآله العلاء بن الحضرمي، إلى البحرين ليدعو أهلها إلى الإسلام أو الجزية، وكتب معه إلى المنذر بن ساوى والى سيبخت مرزبان هجر يدعوهما إلى الإسلام أو الجزية، فأسلما وأسلم معهما جميع العرب هناك وبعض العجم))، فأقره النبي صلى الله عليه وآله على ولاية هجر حتى مات بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله بقليل. (الإصابة: 6/169)
10- قيس بن عاصم المنقري:
((قدم في وفد بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وآله ، وذلك في سنة تسع، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله قال: هذا سيّد أهل الوبر. وكان قيس عاقلا حليما مشهورا بالحلم. قال الأحنف: رأيته يوما قاعدا بفناء داره محتبيا بحمائل سيفه يحدّث قومه إذ أتى برجل مكتوف، وآخر مقتول، فقيل له: هذا ابن أخيك قتل ابنك. قال: فوالله ما حلّ حبوته، ولا قطع كلامه، فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه، فقال: يا بن أخي، بئس ما فعلت! أثمت بربك، وقطعت رحمك، وقتلت ابن عمك، ورميت نفسك بسهمك، ثم قال لابن له آخر: قم يا بنىّ فوار أخاك، وحلّ كتاف ابن عمك، وسق إلى أمك مائة ناقة دية ابنها، فإنّها غريبة. وكان قيس بن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 78 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عاصم قد حرّم على نفسه الخمر في الجاهلية)) (الاستيعاب:3/1295)، ولاه رسول الله صلى الله عليه وآله صدقات منقر ومقاعس والبطون (مكاتيب الرسول:1/39)، ثم نزل البصرة حتى توفي بها سنة 20هـ (الأعلام:5/206)، وهو صاحب الأبيات المشهورة في الوعظ:
تخير خليطا من فعالك إنما * قرين الفتى في القبر ما كان يفعل
ولا بد بعد الموت من أن تعده * ليوم ينادى المرء فيه فيقبل
11- القعقاع بن عمرو التميمي:
صحابي، شهد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان للقعقاع أثر عظيم في قتال الفرس في القادسية وغيرها، وكان من أشجع الناس وأعظمهم بلاء، وشهد مع علي عليه السلام الجمل وغيرها من حروبه، وأرسله علي عليه السلام إلى طلحة والزبير فكلمهما بكلام حسن تقارب الناس به إلى الصلح، وسكن الكوفة. (أسد الغابة:4/207)، وعده الشيخ الطوسي في الرجال ص79 فيمن روى عن أمير المؤمنين عليه السلام .
12- خبَّاب بن الأرتّ التميمي
سادس المسلمين إسلاماً، كان صحابياً فاضلاً من المهاجرين الأولين، شهد بدراً وما بعدها من المشاهد مع النبي صلى الله عليه وآله ، وكان ممن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 79 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عُذِّب في الله فصبر على دينه، ثم سكن الكوفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وشهد مع أمير المؤمنين عليه السلام صفين، والنهروان، توفي سنة تسع وثلاثين، وصلى عليه أمير المؤمنين. (الاستيعاب: 2/438). وقال: ((رحم الله خباب بن الأرت، فلقد أسلم راغباً، وهاجر طائعاً، وعاش مجاهداً، طوبى لمن ذكر المعاد وعمل للحساب، وقنع بالكفاف ورضي عن الله)). (نهج البلاغة: الخطبة/42).
13- عبدالله بن خباب
ولد في المدينة، وسماه رسول الله صلى الله عليه وآله بهذا الاسم. (الاستيعاب: 3/894)، وكان رحمه الله كأبيه خباب من شيعة علي عليه السلام وشهد معه الجمل وصفين. (مناقب آل أبي طالب: 2/369 ) ، وعندما انخدع الخوارج برفع معاوية للمصاحف، وألزموا أمير المؤمنين عليه السلام أن يقبل بالتحكيم: ((قال عبدالله بن خباب، وكان من الفرسان الأبطال، وكان له فضل: يا أمير المؤمنين! إنك أمرتنا يوم الجمل بأمور مختلفة، فكانت عندنا أمراً واحداً، فقبلناها منك بالتسليم منا لأمرك، وهذه من تلك الأمور، ونحن اليوم أصحابك أمس، وأراك كارهاً لهذه القضية، وأيم الله ما المكثر المنكر بأعلم من المقتر المقل، وقد كانت الحرب قد أخذت بأنفاس هؤلاء القوم، فلم يبق منهم إلا رجاء ضعيف وصبر مستكره،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 80 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فاستغاثوا بالمصاحف وفزعوا إليها من حرِّ أسنتنا وحدِّ سيوفنا، فأجبتهم الى ما دعوك إليه، فأنت أولنا إيماناً وآخرنا عهداً بنبينا محمد صلى الله عليه وآله ، وإلا فهذه سيوفنا في رقابنا، ورماحنا في أكفنا، وقلوبنا في أجوافنا، وقد أعطيناك تبعتنا غير مستكرهين، والأمر إليك والسلام)). (الفتوح: 4/ 202)
وكان عاملاً لأمير المؤمنين على المدائن، وكان أول شهيد من أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام على يد الفئة الضالة من الخوارج.
روى ابن حجر في الإصابة:4/64: ((أن الصرم الخارجي لقي عبد الله بن خباب بالدار (منطقة) وهو متوجه الى علي عليه السلام بالكوفة، ومعه امرأته وولده، فقال الصرم: هذا رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله نسأله عن حالنا وأمرنا ومخرجنا، فانصرفوا إليه فسألوه فقال: أما بأعيانكم فلا، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله ، يقول: يكون من بعدي قوم يقرؤن القرآن لا يتجاوز تراقيهم ...الحديث)).
وفي شرح النهج:2/281: ((لقي الخوارج عبد الله بن خباب في عنقه مصحف، على حمار ومعه امرأته وهي حامل، فقالوا له: إن هذا الذي في عنقك ليأمرنا بقتلك! فقال لهم: ما أحياه القرآن فأحيوه وما أماته فأميتوه، فوثب رجل منهم على رطبة سقطت من نخلة فوضعها في فيه فصاحوا به فلفظها تورعاً. وعرض لرجل منهم خنزير فضربه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 81 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فقتله، فقالوا: هذا فساد في الأرض، وأنكروا قتل الخنزير، ثم قالوا لابن خباب: حدثنا عن أبيك، فقال: إني سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ستكون بعدي فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه، يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، فكن عبد الله المقتول ولا تكن القاتل. قالوا: فما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى خيراً، قالوا: فما تقول في علي قبل التحكيم وفى عثمان في السنين الست الأخيرة؟ فأثنى خيراً. قالوا فما تقول في علي بعد التحكيم والحكومة؟ قال: إن علياً أعلم بالله وأشد توقياً على دينه، وأنفذ بصيرة. فقالوا: إنك لست تتبع الهدى، إنما تتبع الرجال على أسمائهم، ثم قربوه إلى شاطئ النهر فأضجعوه فذبحوه!
ثم قتلوا زوجة عبد الله بن خباب بصورة بشعة، حيث بقروا بطنها، واستخرجوا جنينها! فغضب أمير المؤمنين عليه السلام وأسرع في معالجة أمرهم، فلم ينفع معهم إلا الحرب فقصدهم في النهروان وقال لهم: أقيدونا بدم عبد الله بن خباب، أخرجوا لنا قتلته. فقالوا: كلنا قتله! فأمر أصحابه أن يحملوا عليهم، وكان الخوارج أربعة آلاف، فلم ينج منهم سوى تسعة أشخاص.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 82 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
14- غالب بن صعصعة المجاشعي
بن ناجية الدارمي المجاشعي، والد الشاعر الفرزدق، وكان من كرام العرب، أقرى مائة ضيف، واحتمل عشر ديات لأناس لا يعرفهم. وفي مستدركات علم رجال الحديث، أنه كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام . (مستدرك علم رجال الحديث:6/181)
وفد عليه بعد فراغه من حرب الجمل ومعه ابنه الفرزدق فقال: من أنت؟ قال: غالب بن صعصعة المجاشعي. فقال عليه السلام : ذو الإبل الكثيرة؟ قال: نعم. قال: ما فعلت إبلك؟ قال: أذهبتها النوائب وذعذعتها الحقوق، فقال: وذلك أحمد سبلها. ثم قال: يا أبا الأخطل من هذا الغلام الذي معك؟ قال إبني الفرزدق، وهو شاعر. قال: علمه القرآن فهو خير له من الشعر.
وأبوه صعصعة بن ناجية أول من أحيا الوئيد قبل الإسلام، وذلك حينما اشترى ثلاث مائة موؤدة فأعتقهن ورباهن، وكانت العرب تئد البنات خوف الإملاق. (شرح نهج البلاغة: 10/21).
15- القعقاع بن معبد بن زرارة: من سادات بني تميم، وفد على النبي صلى الله عليه وآله . (أسد الغابة:4/207)
16- عاصم بن عمرو: أخو القعقاع، كانت له بالقادسية وغيرها
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 83 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مقامات محمودة. (الاستيعاب:2/784)
17- الأقرع بن حابس: من سادات بني تميم وزعمائهم، وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله وأسلم، وشهد معه فتح مكة، ووقعة حنين. (أسد الغابة:1/107)
18- عطارد بن حاجب بن زرارة: وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله وكان خطيب الوفد. (الطبقات:1 /294)
19- الزبرقان بن بدر: واسمه الحصين، وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله أسلم سنة تسع للهجرة، وولاه النبي صدقات قومه. (الاستيعاب:2/563)
20- خليد بن قرة اليربوعي: بعثه أمير المؤمنين عليه السلام والياً على خراسان لما أعلنوا ارتدادهم عن الإسلام (تاريخ خليفة/151)، وكان كسرى (يزد جرد) في كابل فبعث اليهم عماله، فقاتلهم خليد وهزمهم، وأسر بنات كسرى فنزلن على أمان، فبعث بهن الى علي عليه السلام . (أعيان الشيعة: 6/335)
21- عائذ بن حملة الطهوي: من قراء القرآن، اعترض هو وصلحاء الكوفة كمالك الأشتر، وكميل بن زياد، وزيد بن صوحان وأخيه صعصعة، على ولاتها الأمويين الفاسدين، فلم يقبل منهم عثمان، ونفاهم الى الشام، فآذاهم معاوية!
وشهد عائذ مع أمير المؤمنين عليه السلام مشاهده، ثم كان مع حجر بن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 84 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عدي وإخوانه في اعتراضهم على سياسة المغيرة وزياد ولاة الكوفة من قبل معاوية. وعندما أمر زياد بالقبض على حجر اشتبك معهم أنصار حجر، ومنهم عائذ وحموه. (الطبري:4/193)
22- عامر بن عبد قيس العنبري: الزاهد المشهور (الإصابة:5 /60)، من الزهاد الثمانية من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام (معجم رجال الحديث:10/212). رووا له كرامات (الطبقات: 7 /106، والإصابة:5/60)، وكان من الناقمين على عثمان فنفاه الى الشام. (الطبري: 3/373).
23- عبدالله بن حكيم المجاشعي: من وجوه أهل البصرة. لما قدم طلحة والزبير البصرة أتاهما بكتب كتبها طلحة إليهم يؤلبهم على عثمان فقال له: يا طلحة! أتعرف هذه الكتب؟ قال: نعم. قال: فما حملك على التأليب عليه بالأمس والطلب بدمه اليوم؟ فقال: لم أجد في أمر عثمان شيئاً إلا التوبة، والطلب بدمه! (أنساب الأشراف: 1/229).
24- عتبة بن الأخنس: من أصحاب حجر بن عدي الذين قتلهم معاوية، نجا من القتل بطلب أبي الأعور السلمي.
25- عمير بن عطارد: بن حاجب بن زرارة التميمي، سيد مضر في الكوفة، كان قائد تميم الكوفة يوم صفين، وله بطولات.
26- محرز بن شهاب المنقري: من أصحاب حجر بن عدي، استشهد معه في مرج عذراء بدمشق. (أعيان الشيعة: 9/45)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 85 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
27- مسلم بن عبدالله المجاشعي: شاب من بني تميم أجاب دعوة أمير المؤمنين عليه السلام ، ورفع المصحف ودعا إليه أصحاب الجمل، فقطعوا يمينه، فأخذه بشماله، فقطعوها وقتلوه. (شرح النهج: 9/112).
28- الأبرد بن طهرة الطهوي: بنو طهية بطن من تميم، سموا باسم أمهم (معجم قبائل العرب:2/685). استشهد الأبرد مع أمير المؤمنين عليه السلام في صفين. (أعيان الشيعة: 2/245)، وشهد معه صفين ابنه القعقاع بن الأبرد، وروى مشاهداته عن الوقعة. (وقعة صفين/363).
29- ربعي بن كأس العنبري: بعثه أمير المؤمنين عليه السلام على سجستان عندما ظهر فيها مشاغبون فرتب وضعها. (تاريخ خليفة/151).
30-زهرة بن حوية السعدي: وفد على النبي صلى الله عليه وآله وفّده إليه ملك هجر، وكان على مقدمة الجيش في القادسية في قتال الفرس. (الاستيعاب:2/565)
31- عبدالله بن حوية: من أصحاب حجر بن عدي رحمه الله ، وقد نجا من القتل بشفاعة حبيب بن مسلمة. (المصدر السابق/461)
32- مالك بن حبيب اليربوعي: كان على شرطة أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة، وخلفه لتعبئة المقاتلين الى صفين . (أمالي المفيد: 128).
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 86 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
33- مطر بن ناجية الرياحي: كان على شرطة أمير المؤمنين عليه السلام . (الاشتقاق:222)
34- مالك بن حري النهشلي: كان قائداً مع أمير المؤمنين عليه السلام في صفين، وقد استشهد رحمه الله فيها. (الإصابة: 6/394).
35- نهشل بن حري بن ضمرة النهشلي: شاعر مخضرم، أسلم ولم ير النبي صلى الله عليه وآله ، ولازم أمير المؤمنين عليه السلام وحضر معه حروبه، وهو أخو مالك بن حري الذي استشهد في صفين. (الأعلام: 8/ 49).
36- ظبيان بن عمارة السعدي: أحد فرسان بني تميم، صحب أمير المؤمنين عليه السلام وهو حديث السن، وبرز في صفين لعبدالله بن المنذر التنوخي وكان فارس أهل الشام فقتله ظبيان (البحار:32 /432). وعندما استولى أصحاب معاوية على الفرات، كان أول من حمل على أهل الشام، ٍقال الراوي: فضربهم والله حتى خلَّوا له الماء. (شرح النهج: 3/327). وكان من فرسان جارية بن قدامة السعدي في قمع فتن معاوية، كما قاتل الخريت بن راشد الناجي تحت راية معقل بن قيس الرياحي. (المصدر السابق: 3/148) وقد قبض هو وعبيدالله الطائي على سنان بن الجراح عندما حاول اغتيال الإمام الحسن عليه السلام ((فصرعه عبيدالله الطائي، وجاء ظبيان فأخذ المغول من يده، فقطع به أنفه وضرب رأسه بحجر فقتله ، ونجا الإمام الحسن عليه السلام )) (المصدر السابق: 16/ 26). ثم انضم
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 87 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الى حركة التوابين مع سليمان بن صرد الخزاعي. (أصدق الأخبار /6).
37- شبث بن ربعي الرياحي: أدرك عصر النبوة، ثم لحق بسجاح المتنبئة، ثم عاد الإسلام، وثار على عثمان، وشهد صفين مع الإمام علي عليه السلام ، وكان على ميسرته يوم النهروان، ثم انحرف في عقيدته فخرج لحرب الحسين عليه السلام مع ابن زياد. (الأعلام:3/154، الأخبار الطوال:210)
38- حرقوص بن زهير: ويسمى ذو الخويصرة، وذو الثدية، أسلم، لكنه كان فاسد العقيدة معجبا بنفسه، قال لرسول الله صلى الله عليه وآله يوما: اعدل! فقال صلى الله عليه وآله : ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ (أسد الغابة:2/140) ثم سكن البصرة، وكان قائدا ثائري البصرة على عثمان، ثم قاتل في معركة الجمل الأصغر والجمل الأكبر مع الإمام عليه السلام (الفتنة ووقعة الجمل:58)، وشهد معه صفين، ثم تزعم حركة الخوارج فقتل في النهروان، وقال بعض العلماء: أن الإمام أحمد بن حنبل من ذريته لكنه كان يخفي نسبه في بني شيبان، لذا سمي أتباعه من الحنابلة بالحرقوصية. (انظر: رجال النجاشي:322)
ومن مشاهير نساء بني تميم
1- ليلى بنت مسعود النهشلية: زوجة أمير المؤمنين عليه السلام ، ولدت له عبيد الله وأبا بكر، استشهدا مع الحسين عليه السلام .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 88 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2- جروة بنت غالب التميمية: كانت محبة لأمير المؤمنين عليه السلام . روى ابن طيفور في بلاغات النساء ص75: ((أن معاوية احتجم بمكة، فلما أمسى أرق أرقاً شديداً، فأرسل الى جروة إبنة غالب التميمية، وكانت مجاورة بمكة، وهي من بني أسيد بن عمرو بن تميم، فلما دخلت قال: مرحباً يا جروة! أرعناك؟ قالت: إي والله، لقد طرقت ساعة لا يطرق الطير في وكره، فأرعت قلبي وصبياني، وأفزعت عشيرتي وتركت بعضهم يموج في بعض يرجعون القول، ويديرون الكلام خشية منك وشفقة عليَّ! فقال لها: ليسكن روعك ولتطب نفسك فالأمر على خلاف ما ظننت، إني أحتجمت فأعقبني ذلك أرقاً فأرسلت إليك لتخبريني عن قومك، قالت: عن أي قوم تسألني؟ قال: بني تميم، قالت: هم أكثر الناس عدداً، وأوسعهم بلداً، وأبعدهم أمداً، هم الذهب الأحمر، والحسب الأفخر. فقال: صدقت، فأنزليهم لي؟ قالت: أما بنو عمرو بن تميم فأصحاب بأس ونجدة، وتحاشد وشدة، لا يتخاذلون عند اللقاء، ولا يطمع فيهم الأعداء، سلمهم فيهم وسيفهم على عدوهم. قال: صدقت، ونعم القوم لأنفسهم. قالت: أما بنو سعد بن زيد مناة، ففي العدد الأكثرون، وفي النسب الأطيبون، يضرون إن غضبوا، ويدركون إن طلبوا، أصحاب سيوف وجحف، ونزال وزلف، على أن بأسهم فيهم وسيفهم عليهم.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 89 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأما حنظلة، فالبيت الرفيع، والحسب البديع، والعز المنيع، والمكرمون للجار، والطالبون بالثار، والناقضون للأوتار. قال: إن حنظلة شجرة تفرع، قالت: صدقت. فأما البراجم، فأصابع مجتمعة، وكف ممتنعة. وأما بنو طهية، فقوم هوج، وقرن لجوج. وأما بنو ربيعة فصخرة صماء، وحية رقشاء، يغزون غيرهم، ويفخرون بقومهم. أما بنو يربوع ففرسان الرماح، وأسود الصباح، يعتنقون الأقران، ويقتلون الفرسان. وأما بنو مالك فجمع غير مفلول، وعزٌّ غير مجهول، ليوث هرَّارة، وخيول كرَّارة.
وأما بنو دارم، فكرم لا يدانى، وشرف لا يسامى، وعزٌّ لا يوارى. قال: أنت أعلم الناس بتميم ...ثم سألها: فما قولك في عليٍّ؟ قالت: جاز والله الشرف حداً لا يوصف، وغاية لا تعرف، وبالله أسأل إعفائي مما أتخوف)).
ثانيا: أعلام تميم في العلم والأدب والزعامة.
وهم كثيرون جدا لا يسع هذا المختصر ترجمتهم جميعا؛ لذلك سنورد ذكر المشاهير منهم:
1- أسلم بن مهوز: أبو الغوث الطهوي، شاعر آل محمد صلى الله عليه وآله ، وكان معاصرا للبحتري، وكلاهما من بلدة منبج، إلا أن البحتري كان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 90 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يمدح الملوك، وهذا يمدح آل محمد عليهم السلام ، ومن قصائده التي ذكروها في مدح آل البيت، قصيدته في مدح أئمة سامراء عليهم السلام :
إذا ما بلغت الصادقين بني الرضا * فحسبك من هاد يشير الى هاد
مقاويل إن قالوا، بهاليل إن دعوا * وُفاة ٌ بميعاد، كُفاة ٌ بمرتاد
إذا أوعدوا أعفوا ، وإن وعدوا وفوا * فهم أهل فضل عند وعد وإيعاد
(أعيان الشيعة:3/305)
2- الحارث بن سريج التميمي: ثائر من الأبطال، كان من سكان خراسان، وخرج على أميرها سنة 116هـ، فلبس السواد خالعا طاعة بني مروان، والخليفة يومئذ هشام بن عبد الملك، وداعيا إلى الكتاب والسنة والبيعة للرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله . وسار إلى الفارياب، ومنها إلى بلخ، فقاتله أميرها، فهزمه الحارث ودخلها، ثم استولى على الجوزجان والطالقان ومرو الروذ. وعظم أمره فقيل: إن عدة جيشه بلغت ستين ألفا، ثم انهزم جيشه على أبواب مرو، فغرق جمع كبير من أصحابه، ولم يبق معه أكثر من ثلاثة آلاف، فانصرف إلى بلاد الترك فأقام اثنتي عشرة سنة، وأرسل إليه أمير خراسان نصر بن سيار رسلا حملوا إليه أمان يزيد بن الوليد بعودته إلى خراسان، فعاد إلى مرو سنة 127هـ، ورد عليه نصر جميع ما أخذ له، وأجرى عليه كل يوم خمسين درهما، وعرض عليه أن وليه ويعطيه مائة ألف دينار، فأبى وأرسل إليه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 91 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يقول: إني لست من الدنيا واللذات في شيء، إنما أسألك كتاب الله والعمل بالسنة وأن تستعمل أهل الخير، فان فعلت ساعدتك على عدوك. ثم لم يطق المقام بمرو، فدعا الناس إليه، فاجتمع حوله ثلاثة آلاف فخرج، وقال لنصر: إنما خرجت من هذه البلدة منذ ثلاث عشرة سنة إنكارا للجور وأنت تريدني عليه! ثم كتب لنصر أن يجعل الأمر شورى، فأبى نصر، فقاتله، واستعرت نار الفتنة إلى أن قتل أمام سور مرو. (انظر: تجارب الأمم:3/77 وما بعدها، الأعلام:2/154)
3- جرير بن عطية الخطفي: من بني كليب بن يربوع، كان من فحول شعراء الإسلام، وكانت بينه وبين الفرزدق مهاجاة ومعاداة، وأجمعت العلماء على أنه ليس في شعراء الإسلام مثل ثلاثة: جرير والفرزدق والأخطل. وقد اختلف أهل المعرفة بالشعر في الفرزدق وجرير والمفاضلة بينهما، والأكثرون على أن جرير أفضل منه، وتوفي جرير في السنة التي مات فيها الفرزدق وهي سنة 110هـ. (الكنى والألقاب:1/46)
4- زفر بن الهذيل العنبري: عده الشيخ الطوسي في رجاله ص211فيمن روى عن الإمام الصادق عليه السلام ، وهو فقيه كبير من فقهاء الحنفية، أصله من أصفهان، أقام بالبصرة، وولي قضاءها وتوفي بها. (الأعلام:3/45)، وكان أبوه الهذيل بن قيس غلب على أصفهان زمن عبد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 92 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الله بن الزبير. (الاشتقاق:214)
5- سعد بن محمد بن سعد بن صيفي التميمي: شهاب الدين، أبو الفوارس، الملقب بحيص بيص، الفقيه الأديب الشاعر، قيل أنه كان أعلم الناس بأيام العرب، أخذ الناس عنه علما وأدبا كثيرا، روى ابن العديم في بغية الطلب:9/4266، ((عن الشيخ نصر الله بن المجلي أنه رأى في المنام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال فقلت له: يا أمير المؤمنين، تفتحون مكة فتقولون من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم يُتم على ولدك الحسين في الطف مأتم! فقال: أما سمعت أبيات إبن صيفي في هذا؟ فقلت: لا، فقال: اسمعها منه. ثم استيقظت فبادرت الى دار حيص بيص، فخرج إليَّ، فذكرت له الرؤيا، فشهق وأجهش بالبكاء، وحلف بالله إن كانت خرجت من فمي، أو خطي الى أحد، وإن كنت إلا نظمتها في ليلتي هذه، ثم أنشدني:
ملكنا فكان العفو منا سجية * فلما ملكتم سال بالدم أبطح
وحللتم قتل الأسارى وطالما * غدونا عن الأسرى نعفُّ ونصفح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا * وكل إناء بالذي فيه ينضح
6- عبد الكريم بن محمد السمعاني: سمعان بطن من تميم، محدث، حافظ، فقيه، نسابة، مؤرخ، مفسر، ولد بمرو، ورحل إلى بغداد ودمشق، وعاد إلى خراسان وعبر النهر، وحدث ببلخ وهراة، وتوفي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 93 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بمرو في ربيع الأول سنة 562هـ، من تصانيفه الكثيرة: الأنساب، تاريخ مرو في عشرين مجلدا، طراز الذهب في أدب الطالب، معجم البلدان، والتذكرة والتبصرة. (معجم المؤلفين:6/4)
7- عبد الله بن عبدالرحمن بن الفضل بن بهرام بن عبد الصمد التميمي السمرقندي الدارمي: أحد الأعلام، صاحب السنن والتفسير والجامع، روى عنه مسلم وأبو داود والترمذي من أصحاب السنن وأقروا له بكمال الفضل، فتوفى سنة 255هـ في رنه ببلدة مرو ودفن بها، ولما نعي إلى البخاري استرجع وبكى. (الكنى والألقاب:2/255)،
8- عتاب بن ورقاء الرياحي: أجود أهل الكوفة، وشجعانهم وقادتهم، برز صيته في أيام عبد الله بن الزبير، فقمع له ثورة أهل الري، ثم ولاه أصفهان، ووجهه الحجاج لقتال شبيب الخارجي فقتل في سنة 77 هـ، وأخوه عبد الله بن ورقاء شهد فتح أصفهان سنة 21هـ قائدا على أحد المجنبتين. وابنه خالد بن عتاب: كان من أشراف الكوفة، وأحد من حاربوا شبيبا الخارجي في جيش الحجاج. وهو الذي قتل مصادا أخا شبيب، وغزالة. ثم غرق في دجلة قرب المدائن. (الكامل في التاريخ:3/19، 4/144، 287،419، والأعلام:2/297)
9- محمد بن عمر بن سليم: أبو بكر الجعابي، قاضي الموصل، ولد في صفر سنة 284هـ، وتوفي في بغداد سنة 355، من مشايخ الشيخ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 94 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المفيد، والتلعكبري، وابن عبدون، وقد ترحم عليه الشيخ الصدوق، وقال العلامة الحلي في خلاصة الأقوال: ((كان من حفاظ الحديث، وأجلاء أهل العلم، والناقدين للحديث))، وله عدَّة مصنفات، منها: كتاب أخبار بغداد، وطبقات أصحاب الحديث، وكتاب مسند عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وكتاب أخبار علي بن الحسين عليه السلام ، وكتاب من روى مؤاخاة النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام . (معجم رجال الحديث:6/66)
10- نصر بن مزاحم المنقري: كان عطارا في الكوفة، شديد التشيع، ثم ولاه أبو السرايا الشيباني سوق الكوفة عندما ثار على المأمون العباسي سنة 199هـ، له كتاب: مقتل حجر بن عدي، مقتل الحسين بن علي عليه السلام ، كتاب وقعة صفين، وكتاب الغارات، وكتاب الجمل، توفي سنة 212هـ . (فهرست ابن النديم:106، معجم المؤلفين:13/92)
11- النعمان بن محمد بن منصور: القاضي المغربي، أتفقت المصادر على وصفه بالفضل والعلم والنبل، تولي القضاء في مصر زمن المعز لدين الله الفاطمي. قال الحر العاملي في أمل الآمل2/355: ((النعمان بن محمد القاضي في غاية الفضل، من أهل القرآن والعلم بمعانيه، وعالم بوجوه الفقه، وعلم اختلاف الفقهاء، واللغة والشعر، والمعرفة بأحوال الناس، ألَّف لآل البيت من الكتب آلاف الأوراق بأحسن تأليف وأملح سجع )). وله مصنفات كثيرة، أشهرها : دعائم الإسلام، وشرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 95 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
خاتمة
من المؤكد إننا لم نذكر في هذه الصفحات القليلة، إلا القليل جدا من أبناء هذه القبيلة العربية العريقة، لكن عزائنا في أن هؤلاء الذين ذكرنا ليسوا سوى نماذج وردت أسماؤهم في الكتب فتتبعناها وأستخرجناها، وأنا على يقين أن من فاتنا ذكره منهم أكثر، لذا نعتذر للقارئ الكريم عن كل تقصير أو هفوة والله المستعان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.