سبـحــة كربــلاء
(في سنوات حكم صدام وحربه على إيران ، كان الوصول الى كربلاء صعباً ، وكانت السبحة والتربة الحسينية قليلة نادرة.. فأهدى اليَّ صديق سبحة من تراب كربلاء ) .
قال لي صديقي وهو يتهلل فرحاً: سأهـدي لك هدية تحبها.. وأخرج من جيبه سبحة ترابية ، ما أن لحَظَتْهَا عيناي حتى فاضتا بالدمع ، فتناولتُها بكِلْتَيْ يديَّ وشممتُها ومسحت بحباتها عينىَّ ، وقلت له: ألف شكر.. إنها حقاً كربلائية إنها الرائحة الأصلية لتربة الحسين عليه السلام .
أشكرك أنك لم تضع عليها عطراً فيصعب على مثلى تمييزها .
قال: وهل تميز تربة كربلاء بالشم ؟
- نعم إذا كانت جديدة ولم تضف إليها رائحة .
- هل تستطيع أن تصف لى رائحتها ؟
- فيها نفاذٌ خاص ، وعطرٌ ليس من نوع عطور الدنيا ، ومعان غيبية تفهمها من رائحتها يصعب التعبير عنها ؟
قال: إ ن الشم علم !
-الشم عالمٌ يا صديقي قبل أن يكون علماً.. عالم ينفتح عليه الإنسان بالعشق فيعرف الروائح المرتبطة بمعشوقه ، وينفتح عليه بدرجة الايمان فيعرف روائح الأخيار والأشرار ، وقد قرأت أن الملائكة الذين يكتبون الحسنات والسيآت يعرفون النوايا الطيبة والخبيثة من روائحها !
ياصديقي لو كان أكبر علماء الحواس والمشمومات مع يعقوب عليه السلام ، لما وجدوا ريح يوسف ، إذا لم يكن عندهم عشق ولا إيمان .
هل سمعت بالرواية التي تقول إن إبراهيم عليه السلام مرَّ من كربلاء فشم تربتها وصلى فيها ، واشترى أرضها من أهلها و سماها كربلاء !
وهل سمعت أن قاموس اللغة الآشورية القديمة الذي وضعه علماء الآثار الغربيون يذكر أن معنى ( كربو ـ لو ): الرجل القربان ، و معنى (كربوـ ئيل) قربان الله ! فاعجب إذا أردت أن تعجب !
وهل سمعت بحديث قبضة تراب كربلاء التي أتى بها جبرئيل أو ميكائيل الى النبي صلى الله عليه وآله وأخبره أنها من تربة الأرض التي تقتل فيها أمته (!) ولده الحسين عليه السلام ! فأودعها النبي صلى الله عليه وآله عند أم سلمة وأمرها أن تضعها في قارورة زجاج ، حتى إذا كان يوم عاشوراء وقتل الحسين عليه السلام صار التراب في القنينة دماً صافياً قانياً !!
وهل سمعت أن علياً عليه السلام مرَّ على كربلاء في رجوعه من صفين ، وشم تربتها ، وأخبر بما يكون فيها !
إن هؤلاء العظماء يفهمون بالشم أموراً وأحداثاً حسب درجاتهم.. وهذا علم الشم بعد عالمه يا صديقى .
قال: وهل يوجد اليوم أحد يعرف الطيب والشرير من رائحته ؟
قلت: أما إذا أردت المعرفة القطعية فإنما هي عند الإمام المهدي عليه السلام ، وإن أردت المعرفة التي قد تحصل وقد لاتحصل ، وقد تخطئ وقد تصيب ، فهى عند كل مؤمن حسب درجة إيمانه وصفاء روحه وإرهافها.. أما ترى أنك تشم أحياناً من أشخاص رائحة روحهم الخبيثة ونواياهم الشريرة ، فلا تطيق الكلام معهم ولا الجلوس اليهم.. وتشم من أشخاص رائحة روحهم النورانية ونياتهم الصافية ، فكأنما يهبُّ عليك من أحدهم نسيمُ من الجنة !
قال صديقي: فماذا عن تحول التراب في قارورة أم سلمة الى دم عند قتل الإمام الحسين عليه السلام ؟
قلت: لقد تعجبت عندما رأيت حديث تربة كربلاء والقارورة في مصادر إخواننا السنيين ، وأذكر منها المجلد الثالث من مسند أحمد بن حنبل ، ولكن قبل الكلام فيه أروي لك حديثاً أدهشني ومازال.. يقول:
اعتلَّ الحسين فاشتد وجعه ، فاحتملته فاطمة فأتت به النبى صلى الله عليه وآله مستغيثة مستجيرة ، فقالت: يا رسول الله أدع الله لابنك أن يشفيه ، ووضعته بين يديه ، فقام صلى الله عليه وآله حتى جلس عند رأسه ثم قال: يافاطمة يا بنية ، إن الله هو الذي وهبه لك هو قادر على أن يشفيه . فهبط على جبرئيل فقال: يا محمد ، إن الله لم ينزل عليك سورة من القرآن إلا فيها فاء وكل فاء من آفة ، ما خلا (الحمد لله) فإنه ليس فيها فاء ، فادع بقدح من ماء فاقرأ فيه (الحمد) أربعين مرة ثم صبه عليه فإن الله يشفيه ، ففعل ذلك صلى الله عليه وآله ، فكأنما أنشط من عقال !!
فاعجب يا صديقى إذا أردت العجب ، وفكر في قدرة معمار القرآن الذي حسب حساباً لكل حرف أين يوضع ، وأين لايوضع !
ثم في دلالات الحروف فوق دلالات الكلمات ، فهذا الحرف يدل على ما مضى ، وهذا يدل على نوع من الأحداث ، وذاك على نوع آخر !
ثم في تأثير تلاوة سورة الحمد في الماء لأنها بلا فاء ! وتأثير الماء في بدن لمريض ، وتأثير التكرار سبع مرات أوعشراً أو أربعين !
ثم في طريقة تفكير الزهراء عليها السلام وتصرفها ، وطريقة تفكير النبيى وتصرفه ثم لماذا كان الحسين هبة مبتدأة من الله تعالى بدون أن تقترح الزهراء على ربها شيئاً ؟ كما كان تزويجها بعلي أمراً مبتدءً من الله تعالى منذ أن تقبلها من أبيها وأمها ولم يكن لهما حق شرعاً في تزويجها !
وإذا انفتح لك هذا الباب وعرفت أن المسألة أوسع من محيطنا وقوانينه ، فلماذا لاتكون أرض كربلاء من نوع خاص ، ويكون لاختلاط دم الحسين عليه السلام بها تأثيراً فيزيائياً خاصاً !
لماذا لا نفترض قوانين فيزيائية عليا فوق مانعرفه من قوانينها الدنيا ؟
إن أمر عدد من بقاع الأرض كالكعبة ومكة وحرمها ، ومسجد النبي صلى الله عليه وآله ، وبيت المقدس ، والطور وغيرها ، لايمكن أن نفسر أحاديثها وأحداثها إلا بافتراض قوانين فيزيائيه من نوع آخر !
لماذا نتحير في أحاديث النور والإشعاع الذي يصدر من البقاع والأشخاص والأعمال ، ولا نفترض مثلاً أنه واحد من قوانين الفيزياء العالية التي لم يكتشفها العلم الى اليوم ، وقد يكتشفها بعد اليوم !
سمعت أنهم اكتشفوا أشعة تصدر من الإنسان بعد وضوئه وفي حال صلاته.. كشفوا ذلك بواسطة أجهزة.. وهي قابلة للتطوير وكشف الجديد .
وتتحدث الأحاديث عن نور الطائفين حول الكعبة ، وعن فضل السجود في الصلاة على التراب، وعن النور المنبعث عند السجود على تربة كربلاء ولكن الأشعة الى الآن لم تصور أشعة الكعبة والطائفين ، ولا أشعة كربلاء وتربتها . قد يكتشف علماء الطبيعة أشياء وأشياء ويريهم الله من آياته.. ولكنها ستبقى كشوفاً ناقصة الى أن يظهر الله تعالى معجرة نبيه الكبرى صلى الله عليه وآله على يد ولده المهدي الموعود ، وستكون هذه المرة (معجزة العلم) بعد أن كانت في أولها معجزة (الكلمة) !
يومها سيرى الناس قوانين الفيزياء والكيمياء وآياتها ، ويرون حقائق القرآن وتأويله ، وتظل أعناقهم لها خاضعين .
لكن يا صديقى لا تنتظر بإيمانك كشوف العلم ، فإنما يحتاج الى ذلك من لا إيمان له ، أو من كان إيمانه ضعيفاً .
أما الذين عندهم مصدر للإيمان من كتاب الله عز وجل وأحاديث رسوله وأهل بيته الطاهرين، فلا يحتاجون الى كشوف المكتشفين وتصوير المصورين ، لأن مصدرهم أعلى .
هذا يا صديقى عن الفيزياء الدنيا والعليا ، أما عن مقام الحسين عليه السلام فلا تستكثر أن يجعل الله آية قتله في كربلاء أن تتحول تربته المودعة في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله الى دم ، وهذا في الحقيقة من آيات رسول الله ومعجزاته .
قال صديقى: تقصد أن المعجزة شئ آخر فوق هذه القوانين الفيزيائية العالية التي ذكرتها ؟
قلت: نعم إن المعجزة مقولة أخرى ، وإن تخيل بعض المثفقين أنهما مقولة واحدة، وسأضرب لك مثلا: إذا استطاع العلم أن يكشف أن الصادق عندما يتكلم ينبعث منه إشعاع من لون معين ، والكاذب ينبعث منه إشعاع من لون آخر ، أو استطاع أن يكتشف الرائحة الكريهة عند حدوث النية السيئة ، والطيبة عند حدوث النية الطيبة.. فهذه قوانين جديدة، وهي التي عبرت عنها بقوانين الفيزياء العليا تقريباً للذهن .
أما التعبير الأصح فهو أنها إحدى آيات الله تعالى المبثوثة في هذا الكون التي لانعرف منها إلا القليل .
أما المعجزة بالمعنى الأخص فلها منطق آخر ومعادلات فوق قوانين الفيزياء العليا والدنيا..
يصف أمير المؤمنين عليه السلام معجزة مجئ الشجرة الى رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول: ( ولقد كنت معه صلى الله عليه وآله لما أتاه الملأ من قريش فقالوا له: يا محمد إنك قد ادعيت عظيماً لم يدعه آباؤك ولا أحد من بيتك ، ونحن نسألك أمراً إن أجبتنا إليه وأريتناه علمنا أنك نبي ورسول ، وإن لم تفعل علمنا أنك ساحر كذاب . فقال صلى الله عليه وآله : وما تسألون؟ قالوا: تدعو لنا هذه الشجرة حتى تنقلع بعروقها وتقف بين يديك ، فقال صلى الله عليه وآله : إن الله على كل شئ قدير ، فإن فعل الله لكم ذلك أتؤمنون وتشهدون بالحق؟ قالوا نعم ، قال فإني سأريكم ما تطلبون وإني لأعلم أنكم لا تفيئون إلى خير ، وإن فيكم من يطرح في القليب ومن يُحَزِّبُ الاحزاب .
ثم قال صلى الله عليه وآله :ياأيتها الشجرة إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر وتعلمين أني رسول الله فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يديَّ بإذن الله.. فوالذي بعثه بالحق لانقلعت بعروقها وجاءت ولها دوي شديد وقصف كقصف أجنحة الطير حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله مرفوفة وألقت بغصنها الأعلى على رسول الله صلى الله عليه وآله وببعض أغصانها على منكبي ، وكنت عن يمينه صلى الله عليه وآله ! فلما نظر القوم إلى ذلك قالوا علواً واستكباراً: فمرها فليأتك نصفها ويبقى نصفها ! فأمرها بذلك فأقبل إليه نصفها كأعجب إقبال وأشده دوياً فكادت تلتف برسول الله صلى الله عليه وآله ! فقالوا كفراً وعتواً: فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه كما كان ! فأمره صلى الله عليه وآله فرجع .
فقلت أنا: لاإله إلاالله فإني أول مؤمن بك يا رسول الله ، وأول من أقر بأن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تعالى تصديقاً بنبوتك وإجلالاً لكلمتك . فقال القوم كلهم: بل ساحر كذاب عجيب السحر خفيف فيه ، وهل يصدقك في أمرك إلا مثل هذ ا الغلام ! يعنوني ) !
أما مثل هذه المعجزة فهي فعل إلهي حيٌّ في الطبيعة ، بقدرة أعلى من قوانين الفيزياء الدنيا والعليا وقوانين المادة وإمكاناتها جمعاء.. ولذلك يخر لإعجازها علماء الطبيعة أجمعون .
قال صديقي: هل نفهم من قوله تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ، أن العلم سيكشف قوانين الفيزياء العليا التي ذكرتها ؟
قلت: هذه الآية وعد قطعي بآيات معجزة يظهرها الله تعالى ، ولكنها مجملة من حيث الزمان ونوع الآية ، والظاهر أنها أعظم مما ذكرت ، وقد وردت الأحاديث عن أهل البيت عليهم السلام أنها آيات تظهر في أعداء الحق عند ظهور الإمام المهدي عليه السلام ، ونص بعضها على أنها آيات انتقامية من المسخ والقذف بالصواعق ، وفقدان سيطرة الحكام الطغاة على آفاق دولهم !
قال صديقي: شكراً لك ، لقد سمعتُ جديداً عن الشم والنور ، لكن ماذا عن كلام السبحة من تراب كربلاء ، وتسبيحها في يد حاملها ؟
قلت له: هل ترى أن التسبيح في قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ، هل تراه تسبيحاً مجازياً ؟
إن الآية تنادي بأنه تسبيح حقيقى بدليل: لا تفقهون تسبيحهم ، والأحاديث المفسرة لهذه الآية ، وبدليل أن هذا التسبيح لو كان حقيقياً لصح أن نعبر عنه بتعبير الآية بدون إضافة حرف إليها..إن لحمل الكلام على المجاز حدوداً في اللغة العربية ، فمن أفرط فيها فقد تمحل .
نعم يا صديقى ، إنه تسبيح حقيقي ، وإن صريح الآيات والأحاديث أن جميع ما في هذا الكون كائنات حية حتى النبات والجماد ، فلايوجد كائن ميت بالموت الكامل ، ولكنها درجات الحياة تتفاوت في الناس من أعظمهم حيوية ويقظة في عقله وروحه وبدنه صلى الله عليه وآله ..الى أقلهم حياةً الذي لايكاد يفقة شيئاً ، ولا ينبض بحس !
ثم يتفاوت أحدنا في درجة حياته من أرقى حالاته في الإزدهار العقلي والروحي والبدني.. الى أضعف حالته من الخمول والركود والمرض .
وإذا جعلنا الإنسان في أول سلم الأحياء ، فإن أقل إنسان نصيباً من الحياة يقترب من أرقى حيوان صامت.. وأقل حيوان نصيباً منها يقترب من أرقى نبات أو يشتبه به.. وأقل نبات نصيباً منها يشتبه بأرقى جماد..
وكل فرد من سلسلات هذه الكائنات له روح بحسبه ، وعقل بحسبه ، وتكليف بحسبه ، ولغة وتسبيح ، ولكنا لا نفقه تسبيحهم..
أما رأيت لكل نوع من النبات والأشجار شخصية وأخلاقاً غير النوع الآخر.. وما يدريك أن تكون الصخور والجبال كذلك ؟
أما التراب يا صديقي فله قصة أخرى لأنه نحن.. أحدنا ما هو إلا نصف متر مكعب من التراب مخلوط بنفخة إلاهية..
نعم ، إن نفخة الروح هي الاساس وأصل السر ، والإنسان إنسان بروحه قبل بدنه.. ولكن السر أيضاً في قبضة التراب التي تقبل حلول النفخة فيها وتتآخى معها وتكون مقرها .
السر أيضاً في السبع قبضات التي أخذها جبرئيل من الأرض فكانت بيتاً للروح ، وفي غذاء الأبوين من نتيجة تراب الأرض الذي يصير عَلَقَةً تقبل الإنشاء الآخر !
هل سمعت أن كل العناصر الستة عشر التي يتكون منها التراب ، يتكون منها بدن الإنسان بلا زيادة ولا نقصان !
وهل سمعت ، وهل سمعت ، عن التراب.. وأن في الأرض تراباً ليس منها ، وأنه نقل اليها من الجنة ، لأمر لا أفهمه أنا ولا أنت !
الأشياء يا صديقي أكبر مما نرى وأعمق ، فلا تنظر إليها بسذاجة !
إن مثل المؤمن وغير المؤمن يا صديقي كمثل شخصين يملكان جهازي (راديو)فيفتح أحدهما جهازه ويدير مفتاحه فلا يسمع صوتاً الا الخشيش والصفير ، فيقول إنه جهاز جيد ولكن لا توجد محطات الآن .
ويفتح الآخر مذياعه فإذا به ممتلئ بالإذاعات صافية واضحة ، ولا خشيش ولا صفير !
المشكلة يا صديقي ليست في محطات الاذاعات، بل في جهاز الالتقاط!
ومشكلة هؤلاء الجامدين على الماديات ومن تبلد مثلهم من المسلمين أنهم عند ما لا يلتقط جهازهم ينفون وجود الإرسال والمرسلات ! الموجود يا صديقي أكثر مما يلتقطه جهازك وجهازي، ومحطات الإرسال موجودة في كل شئ من حولك !
حواسنا الخمس آيات كبرى من آيات الله تعالى ، ولكنها (كامرات) محدودة تستطيع أن تلتقط أجزاء من المسموع ، والمنظور ، والمحسوس ، والمشموم ، والمطعوم.. وتبقى الأجزاء الأخرى خارج عملها !
وجهاز عقلنا آية عظمى ، ولكنه يلتقط جزءً من الحقائق ، وتبقى الأجزاء الأخرى خارج عمله !
وجهاز روحنا يصل الى جزء من العوالم ، وتبقى الأجزاء الأخرى خارج عمله ! فالمسألة ياصديقي أعمق مما نتصور ، فاعجب للذين ينظرون اليها بأذهان مسطحة ، وأحياناً مُبَلَّطة !
هذه النبتة الصغيرة التي تدوسها الأقدام لها خطة وهدف ، ولها قصة قد تفوق قصة أكبر شجرة في غابات الأمازون !
وكل نبتة لها خطة وهدف وقصة ، وكل حيوان ، وكل إنسان ، بل كل ذرة من جماد أو تراب.. أليس الجميع آجرّاً في بناء هذه الأرض والحياة ، ومن هندسة ذلك المعمار ، وأي معمار ، سبحانه وتعالى !
آه لو استطعت أن أنادي في أولاء الذين لايرون إلا الأشكال والسطوح.. لو استطعت أن أهز بصيحتي عقولهم ووجدانهم.. يا هؤلاء إن البعد المادي إنما هو واحد من أبعاد الموجودات ، وهو أهونها وأصغرها..
روحي فداء رسول الله الذي أراد أن يهز عقول قريش ووجدانهم فصعد على الصفا ذات يوم ، ونادى: يا صباحاه ، فاجتمعت اليـه قريش فقالـوا: مالك؟ قال: أرأيتكم إن أخبـرتكم إن العـدو مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصـدقـونني ؟ قالـوا: بلى .
قال..أيها الناس إن الرائد لايكـذب أهله ، ولو كنت كاذباً لما كذبتكم والله الذي لا إله إلاهو إني رسـول الله اليكم حقاً خاصة والى الناس عامة . والله لتمـوتـن كما تنامـون ولتبعثـن كما تستيقظـون ولتحاسبن كما تعملون ، ولتجزون بالإحسان إحساناً وبالسوء سوءا ، وإنها الجنة أبـداً والنار أبداً..
إنا اليوم يارسول الله بحاجة الى صيحة (ياصباحاه) في قريش العالم ، وفي قريش المسلمين: في قريش العالم ليعرفوا أن وراء الماديات عوالم أعظم منها ، فيخرجوا من عبادة المادة الى نور التوحيد .
وفي قريش المسلمين ليتوقفوا عن ظلمهم لأهل بيتك ، ويرجعوا الى قيادتهم وتلقي الإسلام منهم .
ويظهر أن بوادر تقبل هاتين الصيحتين سستنامى في العالم وفي الأمة ، حتى يظهر ولدك المهدي الموعود عليه السلام فيقوم بها خير قيام .
قال صديقي: لقد استفدت من حديثك وأحببت تربة الحسين عليه السلام أكثر.. وقررت أن أسبح بها لابغيرها ما استطعت ، وأسجد لله على ترابها ما استطعت.. وسوف أهدي لك منها تربة سجود وسبحة .
قلت: خير هدية ، أشكرك عليها ، وأرجو أن لا تفارقني سبحة كربلاء في حياتي وأن يدفنوها معي في قبري . لقد أعجبتني فكرة سيف الدولة الحمداني رحمه الله حيث كان يجمع غبار ثيابه إذا رجع من جهاد الروم حتى صنع منها لبنة ، وأوصى أن توضع معه في قبره ، وأن يوضع شئ من تربة الحسين على صدره..
وهكذا كلما زاد حب الإنسان لنبيه صلى الله عليه وآله وعترته عليهم السلام وأمته.. صار أرهف حساً ، وأكثر فهماً .