درر النحو
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 1 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
درر النحو
بقلم
على الكوراني العاملي
الطبعة الأولى 1431 - 2010
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 2 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 3 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
مقدمة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم السلام
على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين .
وبعد ، فإن علم النحو من العلوم التي أُشْبِعَتْ بَحْثاً وتأليفاً ، وإن كان بقيَ فيه الكثير ، فكم ترك الأول للآخر ، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ .
والذي دعاني إلى تأليف هذا الكتاب حاجة حوزاتنا العلمية إلى مثله ، فإن أهمَّ كتب النحو التي تُدَرَّسُ فيها هي : شرحُ قَطْرِ الندى ، ومُغْنِي اللبيب ، وكلاهما لابن هشام الأنصاري ، وشرح ألفية ابن مالك . فإذا أكملها الطالب صار بإمكانه أن يواصل البحث بنفسه ، ويجتهد في مسائل النحو .
وقد وجد واضعوا المناهج أن كتاب شرح القطر على أهميته وفوائده ، ثقيلٌ على الطالب ، بسبب تعقيده أحياناً ، وتطويل عبارته ، فاختاروا بدله كتباً لِتَسُدَّ مَسَدَّه ، فلم تَفِ بالغرض ، لأنها دون مستواه ، في مادتها وخصائص عبارتها .
فكانت الحاجة ماسَّةً إلى كتاب يُحبِّبُ الطالب بعلم النحو ، بدلَ أن يَصْدِمه . وقد رأيت أن الحل الأفضل تجريد شرح القطر من التعقيد والتطويل ، لأنه
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 4 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كتاب أثبت جدارته ، وتربَّت عليه أجيال طلبة العلوم الدينية ، في عامة الحواضر العلمية في العالم الإسلامي .
وقد لمستُ الحاجة إلى ذلك هذه الأيام عندما درَّست شرح القطر لحفيدي العزيز السيد محمد مُقدم وفقه الله ، فكتبت هذا الكتاب ، وَضَمَّنْتُهُ لُباب شرح القطر ، الذي دَرَسْتُه من صغري وأحببته ، ودَرَّسْتُه مرَّات ، فأعدت صياغة مسائله ، وأضفت إليه فوائد عديدة ، وسميته : دُرَرُ النَّحْو .
وينبغي أن نذكر ابن هشام الأنصاري جمال الدين بن يوسف بن أحمد ، فهو مصريٌّ من ذرية الأنصار ، ولد في القاهرة سنة 708 هجرية ، وتخصص في النحو ونبغ فيه ، وألف فيه أكثر من ثلاثين كتاباً ، أشهرها : شرح قطر الندى ، ومغني اللبيب ، وشذرات الذهب . وقد فضله بعضهم على سيبويه ، كما تجد في ترجمته في مقدمة كتابه المغني .
أرجو أن يكون هذا الكتاب مفيداً لطلبتنا الأعزاء في الحوزات الشريفة ، ولطالبي علم العربية عموماً ، لغة القرآن والسنة ، التي لا يصحُّ عملُ باحثٍ إسلامي ولا مجتهدٍ إلا باستيعابها والتخصص في مسائلها ، لأن كل اجتهاد يتوقف على استظهار المعنى من النص ، ولا يصح استظهارٌ إلا بفهم اللغة وقواعدها . والله ولي التوفيق والقبول .
كتبه بقم المشرفة : علي الكَوْرَاني العاملي
منتصف شعبان المعظم 1431
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 5 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الأول : الكلام وأقسامه
الكلمة في الاصطلاح النحوي هي : القول المفرد ، كرجل ، وكتاب .
ومعنى القول : اللفظ الدال على معنى ، فهو أعمُّ من اللفظ ، لأنه كل صَوْتٍ يشتمل على حروف ، وإن لم يكن له معنى .
ومعنى المفرد : اللفظ الذي لا يدل جزءُ لفظه على جزء معناه ، ككتاب ، فهو لفظٌ يدل كله على كل المعنى . أما المركب ، فيدل جزء لفظه على جزء معناه ، كصاحب الكتاب ، فإن كل كلمة منه تدل جزء معناه .
أما في اللغة ، فالكلمة تشمل الجُمل المفيدة ، تقول : ألقى فلان كلمة . وقال الله تعالى : حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِي أَعْمَلُ صَالِحًا فِي مَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . فالكلمة التي قالها الكافر عدة كلمات وسميت كلمة . أما جمع الكلمة فكلامٌ وكَلِم .
وكلام العرب أي اللغة العربية ، ثلاثة أقسام : اسم ، وفعل ، وحرف . وقد قسمها إلى ذلك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عندما وضع علم النحو ، لحفظ لغة
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 6 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
القرآن وضبطها ، فقد كتب ( عليه السلام ) صحيفةً ، وعلمها لأبي الأسود الدؤلي ( رحمه الله ) وأمره بأن يُفَرِّع عليها ، وقال له : أُنْحُ هذا النحو ، فسمي علم النحو .
وروى المؤرخون أن أبا الأسود الدؤلي ، ودؤل بطن من كنانة ، كان يُفَرِّعُ عليها ، ويراجع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حتى استكمل وضع علم النحو .
وقال الزجاج : أخذه عنه عتبة ، ثم ابن أبي إسحق ، ثم عيسى ، ثم الخليل ، ثم سيبويه ، ثم الأخفش ، ثم المازني ، ثم المبرد ، ثم ابن السراج ، ثم أبو علي الفارسي ، ثم علي بن عيسى ، ثم الحسن بن حمدان ، ثم أحمد بن يعقوب .
وكان في الصحيفة : « الكلام ثلاثة أشياء : اسم وفعل وحرف جاء لمعنى ، فالاسم ما أنبأ عن المسمى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى ، والحرف ما أوجد معنى في غيره » .
( راجع في وضع علم النحو وعلامات الإعراب : المناقب : 1 / 325 ، وسبب وضع علم العربية للسيوطي / 34 ، وتاريخ الخلفاء / 141 للسيوطي ، ومعجم الأدباء للحموي / 1097 ، ووفيات الأعيان : 2 / 535 ، والنهاية : 8 / 343 ، وكنز العمال : 10 / 283 ، والمثل السائر لابن الأثير : 1 / 31 ، وسير الذهبي : 4 / 83 ، ومنتقى الذهبي / 499 ، وشرح النهج : 1 / 20 .
والشيعة وفنون الإسلام / 156 ، والمفصل في تاريخ العرب / 4776 ، والفصول المختارة / 91 ، والفصول المهمة : 1 / 680 ، والصراط المستقيم : 1 / 220 ، وكشف اليقين / 58 ، ومنهاج الكرامة / 162 ، ومجلة تراثنا : 13 / 32 ، و : 27 / 131 ، وشرح إحقاق الحق : 8 / 11 ، و 32 / 81 ) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 7 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
علامات الاسم وأقسامه
ذكر النحاة للإسم علاماتٍ ، منها : أن يقبل ( أل ) كرجل ، تقول الرجل . ومنها : أن يقبل التنوين ، كزيدٍ وزيدٌ وزيداً ، والتنوين نونٌ ساكنةٌ تلحق آخر الكلمة ، تُلفظ ولا تُكتب . ومنها : أن يقبل الحديث عنه ، أي يقبل عود الضمير عليه ، كزيد ، تقول : جاء زيد ، وذهب زيد ، وزيد في الدار . والأخيرة أقوى علامات الاسم وأشملها ، لأن الضمير لا يعود على غيره ، حتى أن الحرف وكذا الفعل لا يصح أن تتحدث عنه حتى تقصد لفظه فتجعله إسماً ، تقول : في حرف جر ، وضرب فعل ماض ، فتقصد اللفظ .
والاسم منه معرب ومبني ، فالمعرب : ما يتغير آخره بحسب العوامل الداخلة عليه ، كزيد . والمبني : الثابتُ على حالة واحدة ، كهؤلاءِ ، فهي مبنيةٌ على الكسر ، وأحدَ عشرَ وأخواتها مبنيةٌ على الفتح ، وقبلُ وبعدُ وأخواتها ، تبنى على الضم أحياناً ، وتعرب أحياناً أخرى .
وأصل البناء على السكون ، كمَنْ وكَمْ ، تقول : جاءني مَنْ قام ، ورأيت مَنْ قام ، ومررت بمَنْ قام . وتقول : كم مَالُكَ ، وكم عبداً ملكت ، وبكم درهمٍ اشتريت ؟ فكم ساكنة في الأحوال الثلاثة ، وهي في المثال الأول في محل رفع ، مبتدأ عند سيبويه وخبر عند الأخفش . وفي الثاني في محل نصب على المفعولية بالفعل الذي بعدها ، وفي الثالث في محل جَرٍّ بالباء .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 8 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبعض الأسماء المبنية مختلف فيها ، وهي : باب حَذَامِ ، وهو الأعلام المؤنثة على وزن فَعَال ، فأهل الحجاز يبنونه على الكسر دائماً .
وأكثر بني تميم يوافقونهم فيما آخره راء كوَبَار إسمٍ لقبيلة ، وحَضَار إسمٍ لكوكب ، وسَفَار إسمٍ لماء ، فيبنونه على الكسر دائماً . أما ما ليس آخره راء كحذام وقطام ، فيعربونه إعراب ما لا ينصرف ، بالضم رفعاً وبالفتح نصباً وجراً ، فيقولون : جاءتني حذامُ ، ورأيت حذامَ ومررت بحذامَ بالفتح .
أما القلة من بني تميم ، فيعربون باب حذام دائماً إعراب ما لا ينصرف .
وأما أمسِ ، إذا أردت به اليوم الذي قبل يومك ، فأهل الحجاز يبنونه على الكسر فيقولون : مضى أمسِ ، واعتكفتُ أمسِ ، وما رأيته مُذْ أمسِ ، بالكسر في الأحوال الثلاثة . قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
منع البقاءَ تقلبُ الشمسِ * وطلوعُها من حيث لا تُمسي
وطلوعُها حمراءَ صافيةً * وغروبها صفراءَ كالورْس
اليوم أعلمُ ما يجئُ به * ومضى بفصل قضائه أمس
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فأمس في البيت فاعل لمضى ، وهو مكسور .
أما بنو تميم فمنهم من وافق الحجازيين في حالة النصب والجر ، ومنهم من أعربه إعراب مالا ينصرف ، بالضمة رفعاً والفتحة نصباً وجراً .
وأما أحدَ عشرَ وأخواتها إلى تسعةَ عشرَ ، فتبنى على الفتح دائماً ، إلا اثنا عشرَ ، فإن اثنيْ تعرب إعراب المثنى بالألف رفعاً وبالياء نَصْباً وجراً . وعشرَ تبنى على الفتح دائماً . تقول جاءني أحدَ عشرَ رجلاً ، ورأيت أحدَ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 9 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عشرَ رجلاً ، ومررت بأحدَ عشرَ رجلاً . وكذا أخواتها . وتقول : جاءني اثنا عشر رجلاً ، ورأيت اثني عشرَ رجلاً ، ومررت باثني عشر رجلاً .
قبلُ وبعدُ وأخواتهما
وأما قبلُ وبعدُ ، وأخواتهما أسماء الجهات الست : فوق . تحت . يمين . شمال . أمام . وراء . وكذا أول ودون ، فهي في أكثر حالاتها معربة ، وأحياناً تبنى على الضم .
وأكثر ما وردت في القرآن مضافة مكسورة ، وأكثر إضافتها إلى المصدر كقوله تعالى : إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ . أي قبل تنزيلها . قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا . . أي قبل مجيئك وبعده . الخ .
وأضيفت إلى الضمائر كقوله تعالى : وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا اُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا اُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ . الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ . أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ . وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ . كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ . وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ . هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي .
وأضيفت إلى غير المصدر والضمائر لكن مع مِنْ ، كقوله تعالى : ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا . مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ . وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 10 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كما استعملت في القرآن منصوبة على الظرفية كقوله تعالى : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ . قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا . وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ . قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا . وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ .
كما استعملت مبنية على الضم كقوله تعالى : للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ . وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ . قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ . كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ . إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ . وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ . وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا . فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ . وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا . لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ .
والصحيح أن بناءها على الضم عندما لا يكون للمتكلم غرضٌ في تحديد الزمن المضافة إليه ، بل يقصد إجماله .
ولم تستعمل قبلُ وبعدُ وأخواتهما منونةً أبداً في القرآن ، ولا في أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) ، وهم أفصح العرب ، ولا في نصوص مشاهير العرب . وقد استعملها بعضهم بالتنوين فقالوا : قبلاً وبعداً .
وحاول النحاة أن يستخرجوا القاعدة لبنائها على الضم فقالوا : إن ذلك في حال عدم إضافتها . « قال ابن سيده : وهو مبنيٌّ على الضم إلا أن يضاف أو ينكر . وحكى سيبويه : أفعله قبلاً وبعداً » . ( لسان العرب : 11 / 536 ) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 11 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم وجد ابن هشام أنها تستعمل غير مضافة لكنها منصوبة على الظرفية كما تقدم ، لذا زاد شرطاً هو حذف المضاف ونية معناه ، فقال : « الحالة الرابعة : أن يُحذف المضاف إليه ويُنوى معناه دون لفظه ، فيبنيان حينئذ على الضم ، كقراءة السبعة : للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ » .
لكنَّ قبلُ وبعدُ تتضمنان بذاتهما الإضافة إلى زمن ، فلا يصح فيهما نية المضاف دون معناه ، إلا بمعنى عدم تحديد الزمن المضاف إليه ، كما ذكرنا .
تركيب كلام العرب
الكلام هو الجملة المفيدة ، أي التي يصح الاكتفاء بها ، نحو : قام زيد . ولا يشترط أن يكون منطوقاً ، فالمكتوب كلامٌ أيضاً .
وقد يتألف من اسمين كزيدٌ قائم ، أو فعل واسم كقام زيد ، أو من جملتين أو من فعل وإسمين ، أو من فعل وثلاثة أسماء ، أو من فعل وأربعة أسماء .
أما ائتلافه من اسمين ، فله أربع صور :
إحداها : أن يكونا مبتدأ وخبراً نحو : زيد قائم .
والثانية : أن يكونا مبتدأ وفاعلاً سد مسد الخبر ، نحو : أقائمٌ الزيدان .
وإنما جاز ذلك لأنه في قوة قولك : أيقوم الزيدان ، وذلك كلام تامٌّ لا حاجة له إلى شئ ، فكذلك هذا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 12 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والثالثة : أن يكون مبتدأً ونائباً عن فاعل سد مسد الخبر ، نحو : أمضروبٌ الزيدان .
والرابعة : أن يكونا اسم فعل وفاعله ، نحو : هيهاتَ العقيقُ ، فهيهات اسم فعل ، وهو بمعنى بعد ، والعقيق فاعله .
وأما ائتلافه من فعل واسم ، فله صورتان :
إحداهما : أن يكون الاسم فاعلاً ، نحو : قام زيد .
والثانية : أن يكون الاسم نائباً عن الفاعل ، نحو : ضُرِبَ زيدٌ .
وأما ائتلافه من الجملتين ، فله صورتان أيضاً :
إحداهما : جملة الشرط والجزاء ، نحو : إن قام زيدٌ قمتُ .
والثانية : جملتا القسم وجوابه ، نحو : أحلفُ بالله لَزَيْدٌ قائمٌ .
وأما ائتلافه من فعل واسمين ، فنحو : كان زيدٌ قائماً .
وأما ائتلافه من فعل وثلاثة أسماء ، فنحو : علمتُ زيداً فاضلاً .
وأما ائتلافه من فعل وأربعة أسماء ، فنحو : أعْلَمْتُ زيداً عَمْراً فاضلاً .
فهذه صور التأليف ، وأقل ائتلافه من اسمين أو من فعل واسم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 13 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الثاني : أقسام الفعل وعلاماته
عرَّف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الفعل كما في صحيفته بأنه : ما أنبأ عن حركة المسمى ، وهو ما يقصده النحاة بقولهم : الفعل ما دلَّ على الحَدَث .
وهو ثلاثة أقسام : ماضٍ ، ومضارعٌ ، وأمْر . أما اسم الفعل فهو لفظ يدل على الحدث والاسم معاً .
الفعل الماضي
علامة الفعل الماضي : أن يقبل تاء التأنيث الساكنة كقام وقعد ، تقول : قامت وقعدت . وحُكمه في الأصل البناء على الفتح كما رأيت . ويُبنى على الضم إذا اتصل بواو الجماعة كقولك : قاموا وقعدوا . ويبنى على السكون إذا اتصل بضمير الرفع المتحرك ، كقولك : قمتُ وقعدتُ ، وقُمْنَا وقعدنا ، والنسوة قُمْنَ وقَعَدْنَ .
واختلفوا في نِعْمَ وبئسَ وعسى وليس . والصحيح أنها أفعال ، لاتصال تاء التأنيث الساكنة بها . وذهب الفراء إلى أن نعم وبئس إسمان لأنهما يقبلان حرف
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 14 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الجر ، فقد قال بعضهم عندما رزق بنتاً : والله ما هي بنعمَ الولد ، وقال آخر : نعم السير على بئس الحمار .
والصحيح أن حرف الجر دخل هنا على اسم محذوف ، والتقدير : ما هي بولد يقال فيه نعم الولد ، ونعم السير على حمار يقال فيه بئس الحمار . كما قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
والله ما ليلي بنامَ صاحبُهْ * ولا مُخَالِطٌ الَّليَّان جانِبُهْ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
أي بليلٍ مقولٍ فيه : نام صاحبه .
فعل الأمر
وعلامته أمران معاً : أن يدل على الطلب ويقبل ياء المخاطبة ، نحو : قم واقعد ، فهو يدل على طلب القيام ويقبل ياء المخاطبة ، تقول : قومي واقعدي . قال الله تعالى : فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّى عَيْنًا .
فلو دلت الكلمة على الطلب ولم تقبل ياء المخاطبة ، نحو صَهْ بمعنى أسكت ، ومَهْ بمعنى أكفف ، أو قبلت ياء المخاطبة ولم تدل على الطلب ، نحو أنت يا هند تقومين ، لم تكن فعل أمر .
وحكم فعل الأمر البناء على السكون ، نحو : إضربْ واذهبْ . ويُبنى على حذف آخره إذا كان معتلاً ، نحو أُغْزُ . إخْشَ . إِرْمِ . ويبنى على حذف النون إذا كان مسنداً للألف الذي هو ضمير اثنين ، نحو : قُومَا ، أو واو الجماعة ، نحو : قوموا ، أو ياء المخاطبة ، نحو : قومي .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 15 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
واختلفوا في ثلاث كلمات : هلمَّ وهاتِ وتعالَ ، هل هي فعل أمر ، أم اسم فعل ، فقال ابن هشام إن هاتِ وتعالَ فعلا أمر لدلالتهما على الطلب وقبولهما ياء المخاطبة ، تقول : هاتِي وتَعَالَيْ ، وهاتِيَا وتَعَالَيَا ، وهاتِينَ وتعالَيْن . قال تعالى : قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ . تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ . فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ .
أما هلمَّ فقال ابن هشام إنها اسم فعل لأنها وإن دلت على الطلب ، لا تقبل ياء المخاطبة ، بل تلزم طريقة واحدة ، قال تعالى : قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ . وَالْقَائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا . وتقول : هلمَّ يا زيد ، وهلمَّ يا زيدان ، وهلمَّ يا زيدون ، وهلمَّ يا هند ، وهلمَّ يا هندان ، وهلمَّ يا هندات .
أما بنو تميم فهي عندهم فعل أمر ، لأنهم يلحقون بها ياء المخاطبة والضمائر البارزة ، فيقولون : هَلُمَّا ، وهلموا ، وهلمي .
الفعل المضارع
معنى المُضَارع : المُشَابه ، وسمي به لأنه شابه الاسم في إعرابه .
وعلامته قبول ( لَمْ ) كقوله تعالى : لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ .
ولا بد أن يكون في أوله أحد حروف ( نأتي ) نحو : نقوم وأقوم وتقوم ويقوم . وسموها أحرف المضارعة ، وقالوا هي التي جعلته يشبه الاسم .
وحكم المضارع : أن يُضم أوله إذا كان ماضيه رباعياً ، نحو دحرج يُدحرج ، وأكرم يُكرم ، وأصل أكرم : كَرُمَ ، وزيدت فيه الهمزة . لكنه مع
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 16 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذلك يعتبر رباعياً . أما إذا كان ماضيه أقل من أربعة أحرف أو أكثر ، فيفتح أوله نحو : ذهب يَذهب ، وانطلق يَنطلق ، واستخرج يَستخرج .
وحكمه في الأصل أن يُرفع فيقال : فعلٌ مضارعٌ مرفوع ، ولا يقال مبني على الضم ، لأنه معرب . ويُبنى على السكون إذا اتصل بنون النسوة ، كقوله تعالى : وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ . وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ .
ومنه قوله تعالى : فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ ، لأن واوه أصلية وهي واو عفا يعفو ، ونونه للنسوة ، فبني على السكون لاتصاله بها وهي الفاعل ، ووزنه : يَفْعُلْن . وليس هذا كيَعْفُونَ للرجال ، لأن واوه ضمير الجماعة ، أما واو الفعل فحذفت ، ونونه علامة الرفع ، ووزنه : يَفْعُون ، وهذا يقال فيه : إلا أن يعفوا بحذف نونه ، كما تقول : إلا أن يقوموا .
ويبنى المضارع على الفتح إذا اتصلت به نون التوكيد مباشرة بلا فصل ، كقوله تعالى : كَلا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ . أما إذا فصل بينهما حرف ولو كان ضميراً ، فيكون المضارع معرباً ، كقوله تعالى : فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ . لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ . فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً .
بل يعرب ولا يُبْنَى لو فصل بينهما حرف محذوف ، كقوله تعالى : فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا . وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ . وأصله تسمعون ، فدخلت عليه نون التوكيد فصار تسمعونَنْنَ ، فالتقى ساكنان هما الواو والنون الأولى من نون التوكيد المشددة ، فحذفت الواو لدلالة الضمة عليها فصار تسمعُنَّ . فهو معرب وليس مبنياً ، وإن لحقته نون التوكيد .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 17 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الثالث : الحرف وعلامته
والحرف كما في تعريف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما دلَّ على معنىً في غيره ، أو ما أوْجَدَ معنىٍ في غيره . وقال النحاة إن علامته أن لا يقبل شيئاً من علامات الاسم ولا الفعل ، فكل ما ليس إسماً ولا فعلاً فهو حرف ، لأن اللغة العربية ثلاثة أقسام فقط ، كما حصرها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
كلمات اختلفوا في حرفيتها
وهي أربعة : إذْمَا ، ومَهْمَا ، ومَا المصدرية ، ولمَّا الرابطة .
فأما إذْمَا ، فقال سيبويه إنها حرف مثل إن الشرطية ، ومعنى : إذْمَا تَقُمْ أقُمْ : إن تقم أقم . وقال المبرد إنها اسم ، لأن أصلها إذْ وهي ظرف زمان ، ثم زِيدَتْ فيها ما ولم تتغير . وهذا القول أقوى ، وقد اختاره ابن هشام .
وأما مَهْمَا ، فقال أكثر النحاة إنها اسم ، لأن الضمير يعود عليها ، كقوله تعالى : وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ . فهاء به ضمير يعود على مهما ، والضمير لا يعود إلا على الأسماء . قال زهير بن أبي سلمى :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 18 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ومهما تكنْ عندَ أمرئٍ مِنْ خَليقةٍ * وإن خَالَها تَخفى على الناس تُعْلَمِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فمهما : مبتدأ ، واسم تكن مستتر يعود على مهما . ومن خليقة : تفسير لمهما كما أن من آية في الآية المتقدمة : تفسير لمهما ، وجملة كان : خبر للمبتدأ .
وزعم السهيلي وابن يَسْعُون أنها حرف ، وأعربا خليقة إسماً لتكن ، وجعلا مِن زائدة ، فخلا الفعل من ضمير يعود على مهما ، فصارت لا محل لها من الإعراب ، إذ لا يصح أن تكون مبتدأ لعدم وجود ضمير يربطها بجملة الخبر . لكن الصحيح ما ذكرناه من أنها مبتدأ ، واختاره ابن هشام .
وأما ما المصدرية ، فهي التي تؤول مع ما بعدها بمصدر ، كقوله تعالى : لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ . وقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
يسرُّ المرءَ ما ذهبَ الليالي * وكان ذهابُهُنَّ لهُ ذهابا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
أي يسر المرء ذهاب الليالي .
وينبغي التنبه إلى أن ( ما ) تستعمل في العربية نافية ، وموصولة بمعنى الذي ، وأداة تعجب ، وأداة استفهام . . الخ . ( راجع مغنى اللبيب : 1 / 296 ) .
وذهب سيبويه إلى أن ما المصدرية حرفٌ كأن المصدرية . وذهب الأخفش وابن السراج إلى أنها اسم بمعنى الذي والمعنى : ودُّوا العنت الذي عنتموه . وأيَّدَ ابن هشام قول سيبويه بأنها حرف ، لأن الضمير لا يرجع إليها ، فلم يسمع : أعجبني ما قمتَهُ وما قعدتَهُ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 19 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لكن كلامه يناقض ما قرروه في علامات الاسم من أن الكلمة التي تقبل واحدة منها تكون إسماً ، وأكثرهم لم يَعُدَّ منها عَوْد الضمير ، ولا عَدُّوا عدمه دليلاً على نفي إسميتها . وما المصدرية تقبل حرف الجر كقوله تعالى : وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ . وتأتي ظرفاً ، أي اسم زمان ، كقوله تعالى : وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ . وتأتي مفعولاً أو صفة لمفعول مطلق محذوف ، كقوله تعالى : قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ . كما أنها تحتاج إلى صلة كبقية الأسماء الموصولة .
فما الذي ينقصها لتكون إسماً ؟ ولعل الصحيح أن نقول : إن بعض الكلمات في اللغة العربية تستعمل إسماً وحرفاً ، ومنها ما المصدرية ، ولا يتسع المجال للتفصيل .
وأما لمَّا ، فتستعمل نافية كقوله تعالى : كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ . أي لم يقض ما أمره . وتستعمل إيجابية بمعنى إلا كقوله : فأسألك بحق محمد وآله ( عليهم السلام ) لَمَّا قضيتها لي أي إلا قضيتها .
وتستعمل رابطة لوجود شئ بغيره ، كقولك : لمَّا جاءني أكرمته . فإنها ربطت الإكرام بالمجئ . واختلفوا في أنها اسم أو حرف ، فقال سيبويه إنها حرف ربط وجودٍ بوجود . وقال جماعة إنها اسم لأنها ظرف بمعنى حين .
وأيد ابن هشام قول سيبويه مستدلاً بقوله تعالى : فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ . وقال إنها ليست ظرفاً ، لأنها لو كانت ظرفاً لاحتاجت إلى عامل ينصبها ، ولا يصح أن يكون العامل ( فقضينا ) لأن لمَّا مضافة إلى جملته والمضاف إليه لا يعمل في المضاف . كما لا يصح أن يكون عاملها ( دَلَّهم ) لأن قبله
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 20 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ما النافية ولا يعمل ما بعدها فيما قبلها . وعليه تكون لمَّا بلا عامل ، فلا يكون لها محل من الإعراب ، فتكون حرفاً .
لكن استدلاله لا يصح ، لأن العامل فيها دَلَّهم ، والمعنى : دلتهم دابة الأرض على موته وقتما قضينا عليه الموت ، فتكون إسماً ، لأنها ظرفٌ منصوبٌ بدَلَّهم .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 21 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الرابع : الإعراب والبناء
تميزت اللغة العربية بالإعراب ، وهو حركةٌ في آخر الكلمة ، كقولك : جاء زيدٌ ورأيت زيداٌ ومررت بزيدٍ . أو حركةٌ مقدرة كقولك : جاء الفتى ، ورأيت الفتى ، ومررت بالفتى ، فإنك تقدر الضمة في الأول ، والفتحة في الثاني ، والكسرة في الثالث ، لتعذر ظهور الحركة على الألف المقصورة .
والإعراب أربعة أنواع : الرفع ، والنصب ، والجرُّ ، والجَزْم .
والرفع والنصب يشترك فيهما الأسماء والأفعال ، تقول : زيدٌ يقومُ ، وإنَّ زيداً لن يقومَ . والجر تختص به الأسماء ، تقول : مررت بزيدٍ . والجزم تختص به الأفعال ، تقول : لمْ يقمْ .
وللإعراب في الأسماء والأفعال علاماتٌ بالحركات ، فالضمةُ للرفع ، والفتحةُ للنصب ، والكسرةُ للجر ، وحَذْفُ الحركة للجزم . وعلاماتٌ بغير الحركات ، بحروفٍ أو بحركةٍ مكان حركة ، وفيما يلي أبوابها :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 22 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
1 - الأسماء الستة
الأسماءُ الستةُ المعتلةُ المضافة ، هي : أبوه ، وأخوه ، وحموها ، وهنوه ، وفوه ، وذو مال . تُرفعُ بالواو بدلَ الضمة ، وتُنصب بالألف بدلَ الفتحة ، وتُجرُّ بالياء بدلَ الكسرة . تقول : جاءني أبوه ، ورأيت أباه ، ومررت بأبيه . وكذا الباقي . والْحَمُ : أقارب زوج المرأة .
وشرط إعرابها بالحروف ثلاثة أمور :
الأول : أن تكون مفردة ، فلو كانت مثناةً أعربت إعراب المثنى ، بالألف رفعاً وبالياء جراً ونصباً ، تقول : جاءني أبوان ، ورأيت أبويْن ، ومررت بأبوين . وإن جُمعت جمعَ تكسير أعربت بالحركات كقولك : جاءني آباؤك ، ورأيت آباءك ، ومررت بآبائك . وإن جُمعت جمع تصحيح ، أعربت بالواو رفعاً وبالياء جراً ونصباً ، تقول : جاءني أبُونَ ، ورأيت أبينَ ، ومررت بأبين . ولم يجمع منها هذا الجمع إلا الأب والأخ والحم .
الثاني : أن تكون مكبَّرة ، فلو صُغِّرت أعربت بالحركات ، نحو : جاءني أُبَيُّكَ ، ورأيت أُبَيَّكَ ، ومررت بأُبَيِّكَ .
الثالث : أن تكون مضافة لغير ياء المتكلم ، فلو كانت مفردة أعربت بالحركات ، نحو : هذا أبٌ ، ورأيت أباً ، ومررت بأبٍ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 23 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وإن أضيفت إلى ياء المتكلم أعربت بالحركات المقدرة ، تقول : هذا أبي ، ورأيت أبي ، ومررت بأبي .
والهَنُ : كناية عن الشئ المستقبح ، وقد أسقطه بعض النحاة من الأسماء الستة كالفراء والزجاجي فعدُّوها خمسة .
وقال ابن هشام إن الأفصح إعرابه بالحركات لأنه اسم منقوصٌ كغد ، لأن أصله هَنَوٌ ، تقول : هذا هَنٌ ، ورأيت هَناً ، ومررت بَهنٍ ، كما تقول يعجبني غدٌ ، وأصوم غداً ، واعتكفت في غدٍ .
وكلام ابن هشام صحيح ، فقد قال سيد الفصحاء أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في خطبته الشقشقية يصف نقاشهم في الخلافة : « فَصَغَى رجلٌ منهم لِضِغْنِه ، ومال الآخر لصهره ، مع هَنٍ وهَنٍ » . ( نهج البلاغة : 1 / 35 ) .
2 - المثنى وما ألحق به
يُرفع المثنى بالألف بدل الضمة ، ويُجر وينصب بالياء بدل الكسرة والفتحة ، تقول : جاءني الزيدان ، ورأيت الزيدين ، ومررت بالزيدين .
ومنه اثنان واثنتان دائماً ، تقول : جاءني اثنان واثنتان ، ورأيت اثنين واثنتين ، ومررت باثنين واثنتين . وكذا إذا أضيفا إلى الضمير ، نحو : إثناهم . أو للظاهر نحو : إثنا أخويك . أو كانا مركبين مع العشرة ، نحو : جاءني إثنا عشر ، ورأيت اثني عشر ، ومررت باثني عشر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 24 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومن المثنى كلا وكلتا ، بشرط أن يكونا مضافين إلى الضمير ، تقول : جاءني كلاهما ، ورأيت كليهما ، ومررت بكليهما . فإن أضيفا إلى الظاهر أعربا بالحركات المقدرة على الألف ، لأنهما مقصوران كالفتى ، تقول : جاءني كلا أخويك ، ورأيت كلا أخويك ، ومررت بكلا أخويك .
3 - جمع المذكر السالم
يُرفع جمع المذكر السالم بالواو ، ويجر وينصب بالياء ، تقول : جاءني الزيدون ، ورأيت الزيدين ، ومررت بالزيدين .
ومنه أولوا : قال الله تعالى : وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ . فأولوا فاعل ، وعلامة رفعه الواو . وأولي مفعول وعلامة نصبه الياء . قال تعالى : إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ . فعلامة جره الياء .
ومنه عشرون وأخواته إلى التسعين : تقول : جاءني عشرون ، ورأيت عشرين ومررت بعشرين . وكذا الباقي .
ومنه أهْلون : قال الله تعالى : شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا . مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ . إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا . فالأول فاعل ، والثاني مفعول ، والثالث مجرور .
ومنه وابِلون : وهو جمع وابل ، وهو المطر الغزير .
ومنه أرَضُون : بتحريك الراء ، ويجوز إسكانها في ضرورة الشعر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 25 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومنه سِنون وبابه : وهو كل اسم ثلاثي حذفت لامه وعُوِّض عنها هاء التأنيث ، وجُمع جمعاً سالماً . فسنة أصلها سَنَوٌ أو سَنَهٌ ، لأنهم يجمعونها بالألف والتاء على سَنَوَات وسَنَهَات ، فحذفوا آخرها وجمعوها جمع مذكر سالم ، فأعربت مثله بالواو والنون رفعاً ، وبالياء والنون جراً ونصباً .
وكذا نظائرها وهي : عِضَة وعِضُون ، وعِزَة وعِزُون ، وثُبَة وثُبُون ، وقُلَة وقُلُون . قال الله تعالى : الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ . عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ .
ومنه بَنُون وعِلِّيُون وما أشبهه : من الجموع التي جعلت إسماً ، فعِلِّيُون جمع عِلِّيٍّ ، وسمي به أعلى الجنة فأعرب إعراب جمع المذكر السالم ، قال الله تعالى : إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ . فلو سميتَ رجلاً زيدون ، أعربته هذا الإعراب .
4 - المجموع بألف وتاء مزيدتين
يُرفع ما جمع بألف وتاء مزيدتين بالضمة على الأصل ، ويُجَر بالكسرة . كما أنه ينصب بالكسرة أيضاً بدل الفتحة ، تقول : رأيت الهنداتِ والزينباتِ قال الله تعالى : خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ . أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ .
ويشمل هذا الحكم كل ما جمع بألف وتاء ، سواء كان مؤنثاً بالمعنى كهنداتٍ ، أو بالتاء كطلحاتٍ ، أو بهما كفاطماتٍ ، أو بالألف المقصورة كحُبْلَيَاتٍ ، أو بالألف الممدودة كصَحْرَاوَاتٍ ، أو كان مفرده مذكراً
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 26 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
كإصطبلاتٍ وحَمَّامات ، أو سلمت بُنْيَةُ واحدهِ كضَخْمَة وضَخْمَات ، أو تغيرت كسَجْدَة وسَجَدَات .
ولا يشمل ما كانت ألفه وتاؤه أصليتين ، كبيتٍ وأبياتٍ ، ومَيْتٍ وأمواتٍ فهذا يُنصب بالفتحة على الأصل ، تقول : سكنت أبياتاً ، وحضرت أمواتاً قال الله تعالى : كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ .
وكذلك قُضاة وغُزاة ، لأن ألفهما أصلية منقلبة عن ياء وواو ، وأصلهما قُضَيَة وغَزَوَة ، فينصبان بالفتحة على الأصل تقول : رأيت قُضَاةً وغُزَاةً .
5 - إعراب مالا ينصرف
أما ما لا ينصرف فيُجر بالفتحة ، تقول : بأفضلَ منه ، إلا إذا دخلت عليه أل أو أضيف ، فيُصْرَفُ ويجر بالكسرة على الأصل ، قال الله تعالى : وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ . لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ .
والممنوع من الصرف هو : ما كان فيه علتان فرعيتان من علل تسع كفاطمة ، ففيه التعريف والتأنيث ، وهما علتان فرعيتان عن التنكير والتذكير . وأحمد وأفضل ، وفيهما علتان : الصفة ، ووزن أفعل .
أو كان فيه علة واحدة تقوم مقام علتين ، كمساجدَ ، ومصابيحَ ، وأكالبَ وأصائلَ ، وكل ما كان على وزن مفاعل ومفاعيل ، لأنه منتهى الجموع ، فكأنه جمع مرتين فقام ذلك مقام علتين .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 27 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وكذلك صحراء وحبلى ، فإن تأنيثهما اللازم قام مقام علتين . تقول مررت بفاطمةَ ومساجدَ ومصابيحَ وصحراءَ ، فتفتحها كما تقول : رأيت فاطمةَ ومساجدَ ومصابيحَ وصحراءَ . قال الله تعالى : وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ . وقال تعالى : يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ .
وقال ابن هشام : ( فيجر بالفتحة نحو بأفضلَ منه ، إلا مع أل ، نحو : بالأفضلِ ، أو الإضافة نحو : بأفضلِكم ) .
ثم قال : ( وتمثيلي في الأصل بقولي : بأفضلكم أولى من تمثيل بعضهم بقوله : مررت بعثمانِنَا ، فإن الأعلام لا تضاف حتى تُنَكَّر ، فإذا صار نحو عثمان نكرة ، زال منه أحد السببين المانعين له من الصرف ، وهو العلمية ، فدخل في باب ما ينصرف ، وليس الكلام فيه ) .
وقوله : الأعلام لا تضاف حتى تنكر ، خطأ فاحش ، فقد تصور أن الإضافة تعريفٌ ، والتعريف مختص بالنكرات .
والصحيح أن التعريف أمرٌ نسبي تحتاجه النكرة والمعرفة ، فهو في المثال يزيد عثمان تعريفاً ، بأنه عثماننا لا عثمانهم .
ولو سلمنا أن عثمان صار نكرة بالإضافة ، فهو عَلَمٌ قبلها ، وفيه ألف ونون فيستحق المنع من الصرف ، ثم بتنكيره وإضافته يستحق الصرف .
هذا ، وسيأتي أن السبب الحقيقي للمنع من الصرف ليس العلل التسع التي ذكروها ، بل السماع من العرب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 28 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الأفعال الخمسة والمضارع المعتل الآخر
وتسمى الأمثلة الخمسة ، وهي : تَفعلان ويَفعلان وتَفعلون ويَفعلون وتَفعلين . أي الأفعال المضارعة التي تتصل بها ألف الاثنين ، أو واو الجمع للغائب والحاضر ، أو ياء المخاطبة .
وحكمها أنها ترفع بثبوت النون بدل الضمة ، وتجزم وتنصب بحذف النون بدل السكون والفتحة . تقول : أنتم تقومون ولم تقوموا ولن تقوموا . فالأول مرفوع لخِلُوِّه من الناصب والجازم ، وعلامة رفعه النون . والثاني مجزوم بلم . والثالث منصوب بلن ، وعلامة الجزم والنصب حذف النون . قال الله تعالى : فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ ، فالأول مجزوم ، والثاني منصوب ، وكلاهما بحذف النون .
أما الفعل المضارع المعتل الآخر ، فيُجزم بحذف آخره ، نحو : لم يَغْزُ ، ولم يَخْشَ ، ولم يَرْمِ ، فيحذف منه الحرف ، بدل حذف الحركة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 29 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الإعراب المقدر
في الموارد التالية يوجد مانعٌ من ظهور علامة الإعراب ، فتكون مقدرة :
1 - تقدر حركات الإعراب كلها في الاسم المقصور ، وهو الذي آخره ألف مقصورة ، تقول : جاء الفتى ، ورأيت الفتى ، ومررت بالفتى ، فالأول مرفوع بضمة مقدرة ، والثاني منصوب بفتحة مقدرة ، والثالث مجرور بكسرة مقدرة ، وذلك لتعذر ظهور الحركات على الألف المقصورة .
2 - تُقدر الضمة والكسرة فقط في الاسم المنقوص ، وهو الذي آخره ياء مكسور ما قبلها ، كالقاضي والداعي ، وسبب ذلك الإستثقال ، فيقال مرفوعٌ أو منصوبٌ أو مجرورٌ بحركة مقدرة منع من ظهورها الإستثقال .
3 - تقدر حركات الإعراب كلها في الاسم المضاف إلى ياء المتكلم ، نحو غلامي وأخي وأبي ، فيرفع وينصب ويجر بحركة مقدرة ، منع من ظهورها اشتغال آخر الكلمة بحركة المناسبة لياء المتكلم .
4 - تقدر الضمة والفتحة للتعذر في الفعل المعتل بالألف ، تقول : يخشى زيد ، ولن يخشى عمرو ، فالأول مرفوع بضمة منع من ظهورها التعذر لأنه معتل بالألف . والثاني منصوب بفتحة مقدرة كذلك .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 30 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
5 - تقدر الضمة وحدها في الفعل المعتل بالواو ، نحو : زيد يدعو ، وبالياء نحو : زيد يرمي . أما الفتحة فتظهر على الياء لخفتها في الأسماء والأفعال ، وعلى الواو في الأفعال ، كقولك : إن القاضيَ لن يقضيَ ، ولن يدعوَ ، قال الله تعالى : يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِىَ اللهِ . لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا اللهُ . لَنْ نَدْعُوَاْ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً .
رفع الفعل المضارع
إذا تجرد الفعل المضارع من الناصب والجازم كان مرفوعاً ، كقولك يقومُ زيدٌ ، ويقعدُ عمرٌو . واختلفوا في الرافع للمضارع فقال الفراء : رافعه نفس تجرده من الناصب والجازم . وقال الكسائي : حروف المضارعة . وقال ثعلب : مضارعته للإسم . وقال البصريون : حلوله محل الاسم .
ورجح ابن هشام قول الفراء ، وهو الذي يجري على ألسنة المعربين يقولون : مرفوع لتجرده من الناصب والجازم .
والصحيح أن الأسباب التي ذكروها تعليلات بعد الوقوع ، وأن سبب رفع المضارع المجرد عن الناصب والجازم : السماع من العرب .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 31 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الخامس : نواصب المضارع
نواصب المضارع أربعة : لَنْ وأَنْ وكَيْ وإِذَنْ . وتسمى أدوات ، وحروفاً .
الناصب الأول : لَن
وهي أداة نفيٍ واستقبال ، وقال الزمخشري إنها للنفي المؤبد ، ولا يصح ذلك ، لأن قولك : لن أقوم ، كقولك لا أقوم ، قد تقصد به أنك لا تقوم أبداً ، أو في بعض المستقبل .
وزعم ابن السراج أنها تستعمل للدعاء ، كقوله تعالى عن لسان نبيه موسى ( عليه السلام ) : قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَىَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ . قال إن معناه : فاجعلني لا أكون . والصحيح أنها نفي ومعاهدة منه لله تعالى أن لا يناصر مجرماً ، جزاءً بما أنعم عليه .
وقال الفراء أصلها لا ، فأبدلت ألفها نوناً . وقال الخليل إنها مركبة من لا وأن ، فحذفت الهمزة تخفيفاً والألف لالتقاء الساكنين . ولا دليل عندهما .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 32 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الناصب الثاني : كي المصدرية
وتكون ناصبة إذا كانت مصدرية بمنزلة أن ، وإنما تكون كذلك إذا دخلت عليها اللام لفظاً ، كقوله تعالى : لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ . لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ . أو تقديراً نحو : جئتك كي تكرمني ، إذا قدرت أن الأصل لكي ، وأنك حذفت اللام استغناء عنها بنيتها ، فإن لم تُقَدِّر اللام كانت كي حرف جر للتعليل ، وأن مضمرة بعدها إضماراً لازماً .
ونقل عن الأخفش أن كي حَرْفُ جَرٍّ دائماً ، والمضارع بعدها منصوب بأن المضمرة وجوباً ، وربما ظهرت للضرورة كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
فقالت أكُلَّ الناس أصبحت مانحاً * لسانَك كيما أن تُغَرَّ وتُخدعا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
الناصب الثالث : إذن
وهي حرف جواب وجزاء عند سيبويه . وقال الشلوبين : هي كذلك في كل موضع . وقال الفارسي : في الأكثر ، وقد تتمحض للجواب فيقال : أحبك ، فتقول : إذا أظنك صادقاً ، إذ لا مجازاة بها هنا .
وإنما تكون ناصبة بثلاثة شروط :
الأول ، أن تقع في صدر الكلام ، فلو قلت : زيد إذن ، قلت أكرمُه بالرفع .
الثاني ، أن يكون الفعل بعدها مستقبلاً ، فلو حدثك شخص فقلت : إذن تصدقُ ، رفعت لأن المراد به الحال .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 33 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الثالث ، أن لا يفصل غير القسم نحو : إذن أكرمَك ، وإذن والله أكرمَك . قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
إذن والله نرمِيَهم بحربٍ * تُشيبُ الطفلَ من قبل المشيب
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ولو قلت : إذن يا زيد ، قلت أكرمُك بالرفع . وكذا إذا قلت : إذن في الدار أكرمُك ، وإذن يوم الجمعة أكرمُك . كل ذلك بالرفع .
الناصب الرابع : أن المصدرية
وهي أهم أدوات النصب ، كقوله تعالى : وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ . يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ . وتعمل ظاهرةً ومضمرة ، ونبين فيما يلي أنواعها ، وما ينصب منها وما لا ينصب :
1 . أنْ المفسِّرة للقول ، وتكون بمعنى أي ، وهي المسبوقة بمعنى القول دون حروفه نحو : كتبت إليه أنْ يفعلَ كذا .
2 . أنْ الزائدة ، وهي الواقعة بين القسم ولو ، نحو : أقسم بالله أنْ لو يأتيَني زيد لأكرمنه .
3 . أنْ المخففة من الثقيلة لزوماً ، وهي التي يتقدم عليها ما يدل على العلم . ويُرفع المضارع بعدها ويفصل عنها بحرف التنفيس وحرف النفي وقد ولو . فالأول نحو : عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى . والثاني نحو : أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً . والثالث نحو : علمتُ أن قد يقومُ زيد . والرابع نحو : أَفَلَمْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 34 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً . قال المفسرون : معناه أفلم يعلم ، وهي لغة النخع وهوازن . قال الشاعر سحيم :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
أقول لهم بالشِّعب إذ يأسرونني * ألم تيأسوا أني ابنُ فارسٍ زَهْدَمِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
أي ألم تعلموا . وأنكر الفراء أن تكون ييأس بمعنى يعلم .
4 . أنْ المخففة من الثقيلة جوازاً ، وهي التي يتقدم عليها ظنٌّ ، فيجوز أن تكون مهملة وأن تكون ناصبة وهو الأكثر في كلام العرب ، كقوله تعالى : أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ . واختلفوا في قوله تعالى : وَحَسِبُوا أَلا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ، فقرئ بالوجهين .
5 . أنْ المصدرية الناصبة ، إذا لم يسبقها علمٌ ولا ظن ، كقوله تعالى : وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ .
6 . أن المضمرة جوزاً ، وذلك بعد لام الجر ، سواء كانت لام تعليل كقوله تعالى : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ . وقوله تعالى : إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ . أو لام العاقبة كقوله تعالى : فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا . فقد التقطوه ليكون لهم قرة عين ، فكانت عاقبته أن صار لهم عدواً وحزناً .
أو كانت اللام زائدة كقوله تعالى : إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ . فالفعل في الجميع منصوب بأن المضمرة ، ولو أظهرت لجاز .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 35 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وكذلك تضمر أنْ جوازاً إذا كانت جملتها معطوفة على اسم محض ، كقوله تعالى : وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِىَ بِإِذْنِه . فوحياً إسمٌ لا يقدر بفعل ، ويُرْسِلَ منصوب بأن المضمرة والتقدير : أو أن يرسل ، وجملة أن والفعل معطوفان على وحياً ، أي وحياً أو إرسالاً . قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ولُبْسُ عَبَاءةٍ وَتَقَرَّ عَيني * أحبُّ إليَّ من لُبْسِ الشَّفُوفِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
6 . أنْ الظاهرة وجوباً ، وذلك إذا اقترن الفعل الذي دخلت عليه بلا النافية ، كقوله تعالى : لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ . أو الزائدة كقوله تعالى : لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَئْ . أي ليعلم أهل الكتاب .
7 . أنْ المضمرة وجوباً ، وذلك في خمس موارد :
أ . بعد لام الجحود ، وهي المسبوقة بكان الماضة ، كقوله تعالى : وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ . وكذا لو كان المضيُّ في المعنى نحو : لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ .
ب . بعد حتى ، كقولك : حتى ترجعَ ، أي حتى أن ترجعَ . بشرط أن يكون مستقبلاً بالنسبة إلى ما قبلها ، كقوله تعالى : لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى . فإن رجوع موسى ( عليه السلام ) مستقبلٌ بالنسبة إلى فعلهم . وقوله تعالى : وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ . فقول الرسول مستقبل بالنسبة إلى زلزالهم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 36 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وتأتي حتى بمعنى كيْ ، إذا كان ما قبلها علةً لما بعدها ، نحو : أسلم حتى تدخلَ الجنة . أما إذا كان ما بعدها غير مسبب عما قبلها بنحوٍ ما ، فيُرفع ولا ينصب ، كقولك : سرتُ حتى تطلعُ الشمس ، لأنه لا سببية بينهما .
وتأتي حتى بمعنى إلى ، إذا كان ما بعدها غاية لما قبلها ، كقوله تعالى : لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى .
والنصب في هذه المواضع وشبهها بأن مضمرة بعد حتى ، وقال الكوفيون بحتى نفسها ، ورد ذلك ابن هشام بأنها تعمل في الأسماء كقوله تعالى : حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ . وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ . ولا يوجد في العربية عاملٌ يعمل تارةً في الأفعال وتارةً في الأسماء . وكلامه استبعادٌ لا أكثر .
ج . بعد أو التي بمعنى إلى أو إلا ، كقولك لألزمنك أو تقضيَني حقي ، أي إلى أن تقضيني حقي . وقال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
لأستسهلنَّ الصعبَ أو أدركَ المنى * فما انقادتِ الآمالُ إلا لصابر
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وقولك : لأحبسنك أو تعطيَ الحق لصاحبه ، وقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
وكنت إذا غمزتُ قناةَ قومٍ * كسرتُ كُعوبَها أو تستقيما
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
أي إلا أن تستقيم فلا أكسر كعوبها ، لأن الإستقامة لا تكون غاية للكسر .
د . بعد فاء السببية المسبوقة بنفي محض ، كقوله تعالى : لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ، وقولك : ما تأتينا فتحدثَنا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 37 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أما إذا قلت : ما تزال تأتينا فتحدثُنا ، فترفع المضارع ولا تنصبه ، لأن نفي النفي إثبات ، وكذا : ما تأتينا إلا فتحدثُنا ، لانتقاض النفي بإلا .
ه - . بعد فاء السببية المسبوقة بطلب بالفعل . والطلب يشمل الأمر كقوله :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
يا ناق سيري عَنَقاً فسيحا * إلى سليمانَ فنستريحا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
والنهي ، كقوله تعالى : وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى .
والتحضيض نحو : لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ .
والتمني نحو : يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ .
والترجي نحو : لَعَلِي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ .
والدعاء ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
رب وفقني فلا أعدلَ عنْ * سُنن الساعينَ في خير سنن
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
والاستفهام ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
هل تعرفون لُباناتي فأرجوَ أن * تقضي فيرتدُّ بعض الروح للجسد
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
والعرْض ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
يا ابن الكرام ألا تدنُو فتبصرَ ما * قد حدثوك فما راءٍ كمن سمعا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وقال الكسائي لا يشترط في الطلب أن يكون بالفعل ، فقد يكون باسم الفعل ونحوه ، فتقول : نَزَالِ فنكرمَك ، وصَهْ فنُحدثَك .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 38 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
و . بعد واو المعية المسبوقة بالنفي أو الطلب المتقدمين ، كقوله تعالى : وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ . يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . في قراءة حمزة وابن عامر وحفص ، وقال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ألم أك جاركم ويكونَ بيني * وبينكم المودة والإخاء
وقال : لا تنه عن خلق وتأتيَ مثله * عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وتقول : لا تأكل السمك وتشربَ اللبن ، فتنصب تشرب إن قصدت النهي عن الجمع بينها .
وتجزم ، إن قصدت النهي عن كل واحد منهما ، أي لا تأكل السمك ولا تشرب اللبن .
وترفع ، إن نهيت عن الأول وأبحت الثاني ، أي لا تأكل السمك ، ولك شرب اللبن .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 39 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل السادس : جوازم المضارع
يُجزم الفعل المضارع بالطلب بأنواعه ، ويجزم بأدوات الجزم وهي : لم ، ولما واللام ، ولا السلبيتين . ومنها ما يجزم فعلين : إن وإذما وأين وأنى وأيان ومتى ومهما ومن وما وحيثما . ويسمى الأول شرطاً والثاني جواباً وجزاء .
ما يجزم فعلاً واحداً
الجازم الأول الطلب : فإذا تقدم ما يدل على أمر أو نهي أو استفهام ، أو غيرها من أنواع الطلب ، وجاء بعده فعل مضارع مجرد من الفاء ، وقصد به الجزاء ، جُزِم بذلك الطلب لأن فيه معنى الشرط ، كقوله تعالى : قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ ، لأن المعنى : تعالوا فإن تأتوا أتل عليكم ، فالتلاوة عليهم مسببة عن مجيئهم ، وعلامة جزمه حذف آخره وهو الواو . قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ * بِسِقْطِ الِّلوى بين الدَّخُولِ فحَوْمَلِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وتقول : إئتني أكرمْك ، وهل تأتيني أحدثْك ، ولا تكفر تدخلِ الجنة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 40 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أما لو كان المتقدم على المضارع نفياً أو خبراً مثبتاً وليس طلباً ، فلا يجوز جزمه ، نحو : ما تأتينا تحدثُنا ، ونحو أنت تأتينا تحدثُنا ، برفع المضارع .
وأما قول العرب : إتقي الله امرؤ فعلَ خيراً يُثَبْ عليه ، بالجزم ، فوجهه أن المراد بهما الطلب وإن كانا ماضيين والمعنى : ليتق الله امرؤ وليفعل خيراً . وكذا قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . يَغْفِرْ لَكُمْ . فهو بمعنى آمِنوا وجاهِدوا .
وكذا لو لم يقصد بالفعل المضارع الجزاء ، فلا يجزم كقوله تعالى : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ، لأن معناه : خذ من أموالهم صدقة مطهرة ، فتطهرهم صفة لصدقة . وقرئ قوله تعالى : فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ، بالرفع بجعل يرثني صفة لولياً ، وبالجزم على جعله جزاءً . فالملاك في النصب أن يصلح الفعل جزاء للأمر .
واعلم أنه لا يجوز الجزم في جواب النهي إلا إذا صح تقدير شرط مكانه مقرون بلا النافية ، نحو : لا تكفر تدخلِ الجنة ، ولا تَدْن من الأسد تسلمْ . فلو قيل بدلهما إن لا تكفر تدخل الجنة ، وإن لا تَدْنُ من الأسد تَسلم ، صحَّ بخلاف لا تكفر تدخلُ النار ، ولا تدن من الأسد يأكلُك ، لأنه لا يصح : إن لا تكفر تدخل النار ، وإن لا تدن من الأسد يأكلك .
ولهذا أجمع القراء السبعة على الرفع في قوله تعالى : وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ، ولا يجوز فيه الجزم ، لأنه لا يصح أن يقال : إن لا تمنن تستكثر . بل معناه : لا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 41 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تمنن مستكثراً ما تعطيه ، أو طالباً العوض ممن تعطيه . وقد أخطأ الحسن البصري فجزم تستكثر , وهو خطأٌ لا تبرير له .
الجازم الثاني ، لَمْ : وهي حرف نفي وجزم ٍوقلب ، تقلب المضارع وتجعله ماضياً ، كقولك : لم يقم ولم يقعد . وكقوله تعالى : لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ .
الجازم الثالث ، لمَّا : كقوله تعالى : كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ . بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ . وتشترك مع لم في أربعة أمور : الحرفية ، والاختصاص بالمضارع ، وجزمه ، وقلب زمانه إلى الماضي .
وتختلف عنها في أربعة أمور ، أحدها : أن المنفي بها مستمر إلى الحال والمنفي بلم قد يكون مستمراً مثل : لَمْ يَلِدْ ، وقد يكون منقطعاً مثل : هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُوراً ، لأنه كان بعدها شيئاً مذكوراً . ولذا امتنع أن تقول : لمَّا يقمْ ثم قام ، لأنه تناقض ، وجاز لم يقم ثم قام .
والثاني : ذكر الزمخشري أن لمّا تشير إلى توقُّع ما بعدها ، نحو : بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ، أي إلى الآن لم يذوقوه وسوف يذوقونه . بينما لا تشير لَمْ إلى ذلك .
والثالث : أن الفعل يحذف بعدها ، يقال : هل دخلت البلد ؟ فتقول : قاربتُها ولمَّا . أي ولما أدخلها ، ولا يجوز قاربتها ولمْ .
والرابع : أنها لا تقترن بحرف الشرط بخلاف لم ، تقول : إن لم تقم قمت ، ولا يجوز : إن لمَّا تقم قمت .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 42 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الجازم الرابع اللام الطلبية : وهي الدالة على الأمر نحو : لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ، أو الدعاء نحو : لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ .
الجازم الخامس ، لا الطلبية : وهي الدالة على النهي نحو : لا تُشْرِكْ بِاللهِ . أو الدعاء نحو : رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا .
ما يجزم فعلين
وهو إحدى عَشْرَةَ أداة ، وهي : إنْ ، نحو : إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ , وأيْنَ ، نحو : أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ . وأيٌّ ، نحو : أَيًّا مَا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسماء الْحُسْنَى . ومَنْ ، نحو : مَنْ يَعْمَلْ سُوءً يُجْزَ بِهِ . ومَا ، نحو : وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ . ومَهْمَا ، كقول امرئ القيس :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
أغَرَّكَ مني أن حُبَّك قاتلي * وأنك مهما تأمري القلب يفعلِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ومَتَى ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
أنا ابن جَلا وطلاع الثنايا * متى أضعِ العمامةَ تعرفوني
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وأيَّان ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
إذا النعجةُ العجفاء كانت بقَفْرَةٍ * فأيَّان ما تعدلْ بها الريح تنزل
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وحَيْثُما ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
حيثما تستقم يقدِّرُ لك الله * نجاحاً في غابر الأزمان
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 43 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وإذْمَا ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
وإنك إذ ما تأتِ ما أنت آمرٌ * به تَلْفَ من إياه تأمر آتيا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وأنَّى ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
فأصبحتَ أنى تأتها تستجرْ بها * تجد حَطَباً جَزْلاً وناراً تأجَّجا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
اقتران جواب الشرط بالفاء وإذا الفجائية
يسمى الفعل الأول من الجملة شرطاً والثاني جواباً وجزاء ، وقد تحتاج جملة الجواب إلى أن تُقرن بالفاء ، أو بإذا .
والذي يُقرن بالفاء الجملة الإسمية ، أو الفعلية التي فعلها طلبي ، أو جامد ، أو منفي بلن ، أو بما ، أو المقرون بقد ، أو بحرف تنفيس ، نحو قوله تعالى : وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَئْ قَدِيرٌ . قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ . إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا . فَعَسَى رَبِّى . وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ . وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ . إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ . وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا .
ويجوز في الجملة الإسمية أن تُقرن بإذا الفجائية ، كقوله تعالى : وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 44 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 45 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل السابع : المعرفة والنكرة
ينقسم الاسم إلى نكرة ومعرفة . فالنكرة الاسم الشائع في جنس كرجل ، فهو يصدق على كل ما وجد من هذا الجنس . وقد يكون جنسه مقدراً كشمس ، فإنها اسم موضوع لما كان كوكباً نهارياً ، فيصدق على كل ما وجد من هذا الجنس ، ولم يوضع لمسمى خاص ، كزيد وعمرو .
أقسام المعرفة
المعرفة ستة أقسام :
الأول ، الضمير : وهو أعرف الستة ، وهو ما دل على متكلم كأنا ، أو مخاطب كأنت ، أو غائب كهو .
وينقسم إلى مستتر وبارز ، فالبارز ماله لفظ كتاء قمتُ ، والمستتر المقدر في نحو قولك : قم ، أي أنتَ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 46 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وينقسم المستتر إلى واجب الاستتار وهو ما لا يقوم الظاهر مقامه كالضمير المرفوع بالفعل المضارع المبدوء بهمزة كأقوم ، أو بنون كنقوم ، أو بتاء كتقوم ، فلا تقول : أقوم زيد ، ولا تقول : نقوم عمرو .
ومستتر جائز الاستتار ، وهو ما يصح قيام الظاهر مقامه ، كالضمير المرفوع بفعل الغائب ، نحو : زيد يقوم ، فيجوز أن تقول : زيد يقوم غلامه .
وأما البارز فينقسم إلى متصل ومنفصل ، فالمتصل الذي لا يستقل بنفسه كتاء قمت ، والمنفصل الذي يستقل بنفسه ، كأنا وأنت وهو .
وينقسم المتصل إلى مرفوع المحل ، ومنصوبه ، ومخفوضه .
فالمرفوع كتاء قمتُ فإنه فاعل ، ومنصوبه ككاف أكرمك فإنه مفعول ، ومخفوضه كهاء غلامه فإنه مضاف إليه .
وينقسم المنفصل إلى مرفوع الموضع ومنصوبه ، فالمرفوع اثنتا عشرة كلمة : أنا ، نحن ، أنت ، أنت ، أنتما ، أنتم ، أنتن ، هو ، هي ، هما ، هم ، هن .
والمنصوب اثنتا عشرة كلمة أيضاً : إياي ، إيانا ، إياك ، إياك ، إياكما ، إياكم ، إياكن ، إياه ، إياها ، إياهما ، إياهم ، إياهن . فهذه الإثنتا عشرة الأخيرة لا تأتي إلا في محل نصب . كما أن الإثنتا عشرة الأولى لا تأتي إلا في محل رفع ، تقول : أنا مؤمن . فأنا مبتدأ مرفوع . وإياك أكرمت . فإياك مفعول مقدم منصوب ، ولا تقول : إياي مؤمن ، وأنت أكرمت . وعلى هذا فقس الباقي . وليس في الضمائر المنفصلة ما هو مخفوض المحل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 47 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الضمير المتصل أولى من المنفصل
القاعدة أنه مهما أمكن أن يؤتى بالمتصل فلا يجوز العدول عنه إلى المنفصل ، لا تقول : قام أنا ، ولا : أكرمت إياك ، لأنك تستطيع أن تقول قمتُ ، وأكرمتك ، بخلاف قولك : ما قام إلا أنا ، وما أكرمتَ إلا إياك ، لأن إلا مانعة من الاتصال . ويستثنى من هذه القاعدة حالتان :
أولاهما : أن يجتمع ضميران أولهما أعرف من الثاني وليس مرفوعاً نحو : سِلْنِيهِ وخِلْتُكَهُ ، فيجوز أن تقول فيهما : سلني إياه ، وخلتك إياه ، لأن ضمير المتكلم أعرف من المخاطب ، وضمير المخاطب أعرف من الغائب .
والثانية : أن يكون الضمير خبراً لكان أو إحدى أخواتها ، سواء كان مسبوقاً بضمير نحو : الصديق كنتُه ، أو غير مسبوق نحو : الصديق كانَهُ زيد ، فيجوز أن تقول فيهما : كنتُ إياه ، وكان إياه زيد .
واتفقوا على أن الوصل أرجح إذا لم يكن الفعل قلبياً ، نحو : سلنيه وأعطنيه ، ولذلك لم يأت في التنزيل إلا به كقوله تعالى : أَنُلْزِمُكُمُوهَا . إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا . فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ .
واختلفوا فيما إذا كان الفعل قلبياً نحو : خِلْتُكَهُ وظننتكه ، وفي باب كان نحو : كنتُه وكانهُ زيد . فقال الجمهور : الفصل أرجح فيهن . واختار ابن مالك في جميع كتبه الوصل في كان ، واختلف رأيه في الأفعال القلبية ، فتارة وافق الجمهور ، وتارة خالفهم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 48 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العَلَم وأقسامه
الثاني من أنواع المعارف ، العَلَم : وينقسم إلى : عَلَم شَخْصٍ كزيد وعمرو ، وعَلَم جِنْسٍ ، كأسامة للأسد ، وثُعَالة للثعلب ، وذُؤَالة للذئب ، فإن هذه الألفاظ تصدق على كل واحد من أفراد أجناسها ، تقول لكل أسد رأيته : هذا أسامة مقبلاً ، وتقول : أسامة أشجع من ثُعالة ، أي صاحب هذه الحقيقة أشجع من صاحب هذه الحقيقة ، ولا يجوز أن تطلقها على شخص غائب ، لا تقول لمن بينك وبينه عهد في أسد خاص : ما فعل أسامة ؟
كما ينقسم العَلَم إلى : مفرد ، ومركب . فالمفرد كزيد وأسامة ، والمركب ثلاثة أقسام : مركب تركيب إضافة كعبد الله ، وتركيب مزج كبَعْلَبَك ، وتركيب إسناد ، وأصله جملة جعلت إسماً مثل : شابَ قرناها .
وحكم المركب المضاف أن يُعرب جزؤه الأول بحسب العوامل الداخلة عليه ، ويجرّ الثاني بالإضافة .
وحكم المركب تركيب مزج : أن يُعرب إعراب ما لا ينصرف ، فيُجر بالفتحة ، إلا المختوم بوَيْه فيبني على الكسر ، كسيبويه .
وحكم المركب تركيب إسناد : أن العوامل لا تؤثر فيه ، بل يحكى على ما كان عليه قبل النقل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 49 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وينقسم العَلَم إلى : اسم وكنية ولقب . وذلك لأنه إن بدئ بأب أو أم ، كان كنية كأبي زيد وأم زيد ، وإلا فإن أشعر برفعة المسمى كزين العابدين ، أوضِعَتِهِ كقُفَّة وبَطَّة وأنْف الناقة ، فلقب . وإلا فاسم ، كزيد وعمرو .
وإذا اجتمع الاسم مع اللقب ، وجب في الأفصح تقديم الاسم وتأخير اللقب . ثم إن كانا مضافين كعبد الله زين العابدين ، أو كان الأول مفرداً والثاني مضافاً كزيد زين العابدين ، أو كان الأمر بالعكس كعبد الله قُفة ، وجب كون الثاني تابعاً للأول في إعرابه ، إما على أنه بدل منه ، أو عطف بيان عليه .
وإن كانا مفردين كزيدٌ قفة ، وسعيد كُرز ، فالكوفيون والزجَّاج يجيزون فيه إتْبَاع اللقب للإسم ، وإضافة الاسم إلى اللقب . وجمهور البصريين يوجبون الإضافة . والصحيح الأول .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 50 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اسم الإشارة
الثالث من أنوع المعارف ، اسم الإشارة : وهو ثلاثة أقسام : ما يشار به إلى المفرد والى المثنى والى الجماعة . وكل منها ينقسم إلى : مذكر ومؤنث .
فللمفرد المذكر لفظةٌ واحدةٌ هي : ذا .
وللمفردة المؤنثة عشرة ألفاظ ، خمسة مبدوءة بالذال وهي : ذي ، وذِهِي بالإشباع ، وذهِ بالكسر ، وذهْ بالإسكان ، وذاتُ ، والمشهور استعمالها بمعنى صاحبة كقولك : ذاتُ جمال ، أو بمعنى التي في لغة بعض طئ . وحكى الفراء : بالفضل ذو فضلكم الله به ، والكرامة ذاتُ أكرمكم الله بها أي التي أكرمكم الله بها . فلها حينئذ ثلاث استعمالات .
وخمسة مبدوءة بالتاء وهي : تي ، وتهي بالإشباع ، وتهِ بالكسر ، وتِهْ بالإسكان ، وتَا .
ولتثنية المذكر : ذَان بالألف رفعاً ، كقوله تعالى : فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ . وذَيْن بالياء جراً ونصباً ، كقوله تعالى : رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ .
ولتثنية المؤنث : تَان بالألف رفعاً ، كقولك : جاءتني هاتان . وهاتين بالياء جراً ونصباً ، كقوله تعالى : إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ .
ولجمع المذكر والمؤنث : أولاءِ ، قال تعالى : وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وقال تعالى : هَؤُلاءِ بَنَاتِي . وبنو تميم يقولون : أولى بالقصر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 51 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ثم إن المشار إليه ، إن كان قريباً جئ باسم الإشارة مجرداً من الكاف وجوباً ، ويجوز أن تقرنها بهاء التنبيه ، وهي اسم إشارة ، تقول : جاءني هذا وجاءني ذا . وإذا لحقته هاء التنبيه لم تَلحقه لام البعد .
وإن كان بعيداً جئ بالكاف بدون لام ، نحو : ذاك ، أو معها ، نحو : ذلك . ولا تصح اللام مع هاء التنبيه ، تقول : هذاك ، ولا يجوز هذا لك . وفي المثنى تقول : ذَانِك وتَانِك ، ولا تقول : ذان لك وتان لك . وكذا في جمع أولئك ، ولا يجوز أولاء لك . ومن قصره قال : أولالك .
الاسم الموصول
الرابع من أنواع المعارف ، الأسماء الموصولة : وتنقسم إلى أسماء خاصة ومشتركة ، وتحتاج إلى صِلَةٍ وعَائِد .
أما الخاصة فهي : الذي للمذكر . والتي للمؤنث . واللذان للمثنى المذكر . واللتان للمثنى المؤنث . ويعربان بالألف رفعاً وبالياء جراً ونصباً . والأُولى والذين ، لجمع المذكر ويستعمل الذين بالياء دائماً . ويقول بنو هذيل وبنو عقيل : الَّذون رفعاً ، والذين جراً ونصباً .
واللائي واللاتي لجمع المؤنث . ويجوز فيهما إثبات الياء وحذفها .
أما المشتركة فهي : من ، وما ، وأي ، وأل ، وذو ، وذا . فهذه الستة تطلق على المفرد والمثنى وجمع المذكر والمؤنث ، تقول : يعجبني من جاءك ، ومن
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 52 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
جاءتك ، ومن جاآك ، ومن جاءتاك ، ومن جاءوك ، ومن جئنك . وتقول لمن قال اشتريتُ حماراً أو أتاناً أو حمارين أو أتانين أو حمراً أو أتنا : أعجبني ما اشتريته ، وما اشتريتها ، وما اشتريتهما ، وما اشتريتهن . وكذا الباقي .
وإنما تكون أل موصولة إذا دخلت على اسم الفاعل كالضارب ، واسم المفعول كالمضروب ، والصفة المشبهة كالحسن .
فإذا دخلت على اسم جامد كالرجل ، أو وصف يشبه الجامد كالصاحب ، أو للتفضيل كالأفضل والأعلى ، فهي حرف تعريف .
وإنما تكون ذو موصولة في لغة طئ خاصة ، تقول : جاءني ذو قام . وسُمِع بعضهم يقول : لا وذو في السماء عرشه . وقال شاعرهم :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
فإن الماءَ ماءَ أبي وجدي * وبئري ذو حفرتُ وذو طويت
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وإنما تكون ذا موصولة بشرط أن يتقدمها ما الإستفهامية ، نحو : مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ . أو من الإستفهامية ، نحو قوله :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
وقصيدة تأتي الملوك غريبة * قد قلتها ليقال من ذا قالها
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
أي ما الذي أنزل ربكم ، ومن الذي قالها . فإن لم يدخل عليها شئ من ذلك فهي اسم إشارة ، خلافاً للكوفيين ، وقد استدلوا بقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
عَدَسْ ما لعَبَّادٍ عليكِ أمارةٌ * أمِنْتِ وهذا تحملين طليقُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
قالوا : هذا موصول مبتدأ وطليقٌ خبره ، وتحملين صلته ، والعائد محذوف والتقدير : والذي تحملينه طليق . والظاهر أنها خطأ من الشاعر أو ضرورة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 53 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
صلة الموصول
الصلة واجبة للموصول لأنها تفسر إبهامه ، وقد تكون جملة أو شبه جملة . والجملة اسمية أو فعلية ، وشرطها أن تكون خبرية لا إنشائية ، فلا يصح : جاء الذي أضربه . بخلاف جاء الذي ضربته .
وشرطها أن تشتمل على ضمير يعود إلى الموصول ويطابقه في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، نحو : جاء الذي أكرمته ، وجاءت التي أكرمتها ، وجاء اللذان أكرمتهما ، وجاءت اللتان أكرمتهما ، وجاء الذين أكرمتهم ، وجاء اللاتي أكرمتهن .
وقد يحذف الضمير ، سواء كان مرفوعاً كقوله تعالى : ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ . أي الذي هو أشد . أو منصوباً نحو : وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ، قرأ غير حمزة والكسائي وشعبة : عَمِلَتْهُ بالهاء على الأصل ، وقرأ هؤلاء بحذفها . أو مخفوضاً بالإضافة كقوله تعالى : فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ، أي ما أنت قاضيه . وقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ستبدي لك الأيامُ ما كنتَ جاهلاً * ويأتيك بالأخبار من لم تُزَوِّدِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
أي ما كنت جاهله . أو مخفوضاً بالحرف ، كقوله تعالى : يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ، أي منه . وقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
نصلي للذي صلَّت قريشٌ * ونعبده وإن جَحَد العمومُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 54 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد تكون صلة الموصول شبه جملة ، وهي ثلاثة أشياء : الظرف ، نحو الذي عندك . والجار والمجرور ، نحو : الذي في الدار . والصفة الصريحة وهي اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة ، التي تكون صلة أل .
وإذا وقع الظرف والجار والمجرور صلة ، كانا متعلقين بفعل محذوف وجوباً تقديره : استقر ، وفاعله ضمير مستتر . ويشترط فيهما أن يكون تامين فلا يجوز : جاء الذي بك ، ولا جاء الذي أمس ، لنقصانهما .
المعرف بأداة التعريف
الخامس من أنواع المعارف ، المعرف بأل : ويسمى ذو الأداة ، نحو : الفرس والغلام .
واختلف النحاة في المُعَرِّف ، فقال الخليل إن المعرف أل ، وقال سيبويه المعرف اللام ، والألف زائدة . ولا تترتب على ذلك ثمرة عملية مهمة .
وأل التعريف ثلاثة أنواع : لتعريف العهد ، وتسمى أل العهدية . ولتعريف الجنس وتسمى أل الجنسية ، أو التي لبيان الماهية وبيان الحقيقة .
ولاستيعاب كل أفراد المعرَّف ، وتسمى أل الإستغراقية .
وأل العهدية قسمان : لأن العهد قد يكون ذكرياً كقولك : اشتريت فرساً ثم بعت الفرس ، أي المعهود المذكور . ولو قلت : ثم بعت فرساً ، لكان غير الفرس الأول . قال الله تعالى : مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 55 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد يكون العهد ذهنياً ، كقولك : جاء القاضي ، إذا كان بينك وبين مخاطبك عهدٌ في قاضٍ خاص .
وأما التي لتعريف الجنس فكقولك : الرجل أفضل من المرأة ، إذ لم تُرد به رجلاً بعينه ولا امرأة بعينها ، بل أردت أن هذا الجنس أفضل من هذا . وليس معناها أن كل واحد من الرجال أفضل من كل واحدة من النساء ، لأن الواقع بخلافه ، وكذلك قولك : أهلك الناسَ الدينارُ والدرهم ، وقوله تعالى : وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَئْ حَيٍّ .
وأما التي للاستغراق ، فقد تكون لاستغراق حقيقة الأفراد ، ويصح حلول كلّ محلها كقوله تعالى : وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا ، أي كل واحد من أفراد الإنسان ضعيف . أو لاستغراق صفاتهم ، كقولك : أنت الرجل ، أي الجامع لصفات الرجال المحمودة . ولا يصح حلول كلٍّ محلها إلا على المبالغة كما تقول : أنت كل الرجل . كما قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ليس على الله بمستنكر * أن يجمع العالم في واحد
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ولغة حِمْيَر إبدال اللام ميماً ، وقد تكلم بها النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال لهم : ليس من امْبرِّ امْصيامُ في امْسفر . وعليه قول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ذاك خليلي وذو يواصلني * يرمي ورائي بامْسهمِ وامْسَلَمَه
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 56 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
التعريف بالإضافة
السادس من المعارف ، ما أضيف إلى أحد المعارف الخمسة : نحو : غلامي ، وغلام هذا ، وغلام الذي في الدار ، وغلام القاضي .
وتكون رتبته في التعريف كالمضاف إليه ، فالمضاف إلى العلم في رتبة العلم ، والمضاف إلى الإشارة في رتبة الإشارة ، وكذا الباقي ، إلا المضاف إلى الضمير فليس في رتبته بل في رتبة العلم ، لأنك تقول : مررت بزيد صاحبك ، فتصف العلم بالمضاف إلى الضمير ، ولو كان في رتبته للزم أن تكون الصفة أعرف من الموصوف .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 57 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الثامن : المبتدأ والخبر
تعريف المبتدأ
حاول النحاة أن يُعَرِّفوا المبتدأ فيخرجوا منه الأسماء المرفوعة بغير الابتداء كالفاعل ، والمرفوعة بالنواسخ كإسم كان وخبر إن .
وقد تكلفوا في ذلك وأطالوا . والأولى أن يعرفوه بأنه اسم تبتدئ به الجملة بشروط معينة .
وقد يكون المبتدأ إسماً صريحاً نحو : زيدٌ قائم ، أو مصدراً مؤولاً ، كقوله تعالى : وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ، أي وصيامُكم خير لكم .
وذكر النحاة أن الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة ، وقال ابن هشام : لأن النكرة مجهولة غالباً ، والحكم على المجهول لا يفيد .
والصحيح أن الحكم على المجهول نوع من التعريف . ولغة العرب مليئة بالابتداء بالنكرة ، وقد اضطر النحاة إلى تجويز ذلك ، وأخذوا يعددون المسوغات حتى عدَّد بعضهم أكثر من ثلاثين مسوغاً ، وهو تكلف !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 58 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تعريف الخبر ورابطه
والخبر مفرد أو جملة أو شبه جملة ، يُخبر به عن المبتدأ ، وهو نوع من الحكم عليه . ولا بد أن يرتبط به بأحد روابط أربعة :
الأول : الضمير وهو أصل الروابط ، كقولك : زيد أبوه قائم . فزيدٌ مبتدأٌ أول ، وأبوه مبتدأٌ ثان ، والهاء مضاف إليه ، وقائمٌ خبرُ المبتدأ الثاني ، والمبتدأ الثاني وخبره خبرُ المبتدأ الأول ، والرابط بينهما الضمير .
الثاني : الإشارة ، كقوله تعالى : وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ . فلباس مبتدأ والتقوى مضاف إليه ، وذلك مبتدأٌ ثان ، وخيٌر خبر المبتدأ الثاني ، والمبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول ، والرابط بينهما الإشارة .
الثالث : إعادة المبتدأ بلفظه كقوله تعالى : الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ ، فالحاقة مبتدأ أول ، وما مبتدأ ثان ، والحاقة خبر المبتدأ الثاني ، والمبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول ، والرابط بينهما إعادة المبتدأ بلفظه .
الرابع : العموم ، نحو : زيد نعم الرجل ، فزيد مبتدأ ، ونعم الرجل جملة فعلية خبرُه ، والرابط بينهما العموم . وذلك لأن أل في الرجل للعموم وزيد فرد من أفراده ، فدخل في العموم .
هذا كله إذا لم تكن الجملة نفس المبتدأ في المعنى ، كقوله تعالى : قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ ، فهو مبتدأ ، والله أحدٌ مبتدأ وخبر ، والجملة خبر المبتدأ الأول ، وهي مرتبطة به لأنها نفسه في المعنى ، لأن هو فيها بمعنى الشأن .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 59 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد يكون الخبر شبه جملة
ويقع الخبر شبه جملة ، أي ظرفاً منصوباً ، كقوله تعالى : وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ أو جاراً ومجروراً ، كقوله تعالى : الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وهما حينئذ متعلقان بمحذوف وجوباً ، تقديره مستقر أو استقر . واختار الأول جمهور البصريين بحجة أن المحذوف الخبر ، والأصل فيه أن يكون إسماً مفرداً . واختار الثاني الأخفش وجماعة ، بحجة أن المحذوف العامل في الظرف ومحل الجار والمجرور ، والأصل فيه أن يكون فعلاً .
والصحيح أن العامل المحذوف يجب أن يتناسب مع معنى الجملة ، فقد يكون إسماً أو فعلاً ، فقولك : زيد في الدار ، أي كائن أو موجودٌ فيها . وإذا سئلت أين كان زيد ؟ فأجبت : زيد في الدار ، أي كان فيها .
وقولك : الحمد لله ، أي الحمد ثابتٌ ومستحقٌّ له . وهكذا .
لا يخبر بالزمان عن الذات
ينقسم الظرف إلى : زماني ومكاني ، والمبتدأ إلى جوهر كزيد وعمرو ، وعرض كالقيام والقعود .
فإن كان الظرف مكانياً صح الإخبار به عن الجوهر والعرض ، تقول : زيد أمامك ، والخير أمامك . وإن كان زمانياً صح الإخبار به عن العرض
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 60 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
دون الجوهر ، تقول : الصوم اليوم ، ولا يجوز زيد اليوم ، أما قولهم : الليلة الهلال ، فهو على حذف مضاف والتقدير : الليلة طلوع الهلال .
قد يكون الخبر مرفوع الوصف
إذا كان المبتدأ وصفاً بعد نفي أو استفهام ، استغنى بمرفوعه عن الخبر تقول : أقائم الزيدان ، وما قائم الزيدان ، فالزيدان فاعل والكلام مستغن عن الخبر ، لأن الوصف هنا كالفعل والمعنى : أيقوم الزيدان . قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
خليليَّ ما وافٍ بعهديَ أنتما * إذا لم تكونا لي على من أقاطعُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وقال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
أقاطنٌ قوم سلمى أم نَوَوْا ظَعَناً * إن يظعنوا فعجيبٌ عيش من قطنا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
تعدد الخبر
يجوز أن يخبر عن المبتدأ بأكثر من خبر كقوله تعالى : وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ . ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ . فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ .
وزعم بعضهم أن الخبر واحد وفي الآية مبتدءات محذوفة ، أي : وهو الودود ، وهو ذو العرش . مثل قولك : زيد شاعر وكاتب ، والزيدان شاعر وكاتب ، وهذا حلو حامض ، وكل ذلك لا تعدد فيه ، لأن الثاني معطوف ، أو لأن كل واحد مخبر عنه بخبر ، أو لأن الخبرين بمعنى خبر واحد . فالحلو الحامض هو المُرّ . لكن هذه التقديرات خلاف الأصل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 61 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد يتقدم الخبر على المبتدأ
وقد يكون تقديمه واجباً لئلا يلتبس بالصفة كقولك : في الدار رجل . أو لأنه استفهام له صدر الكلام كقولك : أين زيد . أو لتحاشي عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة ، كقولهم : على التمرة مثلُها زبداً .
وقد يكون تقديمه جائزاً نحو : في الدار زيد ، وقوله تعالى : سَلامٌ هِيَ . وَآيَةٌ لَهُمُ الْلَيْلُ . ولم يجعلوا المقدم مبتدأ لئلا يخبر عن النكرة بالمعرفة .
وقد يحذف المبتدأ أو الخبر
قد يحذف أي منهما إذا دل عليه دليل كقوله تعالى : قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ ، أي هي النار . وقوله تعالى : سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا ، أي هذه سورة . وقوله تعالى : أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا ، أي دائم . وقوله تعالى : أأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ ، أي أم الله أعلم . وقد اجتمع حذف كل منهما وبقاء الآخر في قوله تعالى : سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ، فسلام مبتدأ حذف خبره ، أي سلام عليكم ، وقوم خبر حذف مبتدؤه ، أي : أنتم قوم .
ويجب حذف الخبر في أربعة موارد :
1 . قبل جواب لولا ، كقوله تعالى : لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ، أي لولا أنتم صددتمونا عن الهدى ، بدليل أن بعده : أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 62 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 . قبل جواب القسم الصريح ، كقوله تعالى : لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ، أي لعمرك يميني أو قسمي . أما اللفظ الذي يستعمل للقسم وغيره ، كعهد الله ، فيجوز فيه إظهار الخبر ، تقول : عليَّ عهدُ الله .
3 . قبل الحال التي يمتنع كونها خبراً ، كقولهم : ضربي زيداً قائماً ، أصله ضربي زيداً حاصلٌ إذا كان قائماً ، فحاصل خبر ، وإذا ظرف مضاف إلى كان التامة ، وفاعلها مستتر عائد على مفعول المصدر ، وقائماً حالٌ منه لا يصح كونها خبراً ، فلا تقول ضربي قائم ، لأن الضرب لا يوصف بالقيام . وكذلك قولك : أكثر شربي السويق ملتوتاً ، وأخطب ما يكون الأمير قائماً .
4 . بعد واو المصاحبة الصريحة ، كقولهم : كل رجل وضَيْعتُه ، أي كل رجل مع ضيعته مقرونان ، وقد دل على الاقتران معنى المعيَّة في الواو .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 63 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل التاسع : نواسخ حكم المبتدأ والخبر
سميت كان وأخواتها وإنَّ وأخواتها وظنَّ وأخواتها : النواسخ ، لأنها تنسخ حكم المبتدأ والخبر ، فكان ترفع المبتدأ ويسمى اسمها وفاعلها ، وتنصب الخبر ويسمى خبرها . وإنَّ تنصب المبتدأ وترفع الخبر ، ويسميان اسمها وخبرها . وظن تنصبهما ، فيسميان مفعولاً أولاً وثانياً .
كان وأخواتها
وهي ثلاث عشرة لفظة . منها ثمانية ترفع المبتدأ وتنصب الخبر بلا شرط وهي : كان ، وأمسى ، وأصبح ، وأضحى ، وظل ، وبات ، وصار وليس .
والصحيح أنها تسعة ، إذ لا وجه لعدم عدِّهم بقيَ من أخوات كان ، لأنها مثلها تأخذ إسماً وخبراً ، وتأتي ناقصة وتامة : تقول : بقي زيد قائماً .
ومن أخوات كان : ما يشترط أن يتقدم عليه نفي وهو : زال وبرح وفتئ وانفك . كقوله تعالى : وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ، وشبهه النهي والدعاء ، كقوله :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 64 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ألا يا اسلمي يا دار مَيٍّ على البلي * ولا زال مُنْهَلاًّ بجَرْعَائِكَ القَطْرُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ومنها : ما يعمل بشرط أن يتقدم عليه ما المصدرية الظرفية ، وهو دام كقوله تعالى : وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ، أي مدة دوامي حياً .
وقد يتوسط الخبر بين الفعل والاسم
يجوز في هذا الباب أن يتوسط الخبر بين الاسم والفعل ، كما يجوز في باب الفاعل أن يتقدم المفعول على الفاعل ، قال الله تعالى : وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ . أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ . وقرأ حمزة وحفص : ليسَ البِرَّ أن تُوَلُّوا وُجُوهَكَم ، بنصب البر . وقال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
سلي إن جهلتِ الناس عنا وعنهمُ * فليس سواءً عالمٌ وجهولُ
لا طيبَ للعيش ما دامت منغصةً * لذَّاتُه بادِّكار الموتِ والهرمِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وهذا يردُّ ما نقل عن بعض النحاة من منع تقديم خبر ليس ودام .
وقد يتقدم الخبر على الفعل واسمه ، كقوله تعالى : أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ، فتقدمُ إياكم وهو مفعول يعبدون ، يدل على جواز تقدم فعله .
ولا يجوز تقديم خبر ليس ودام ، لأنه يوجب التباس المعنى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 65 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وذهب الفارسي وابن جني إلى جواز تقديم خبر ليس ، مستدلين بقوله تعالى : أَلا يَوْمَ يَأتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ ، فقد تقدم يوم وهو متعلق بمصروفاً وتقدم المعمول يؤذن بجواز تقدم العامل .
والجواب : أنهم توسعوا في الظروف ما لم يتوسعوا في غيرها .
أفعال الصيرورة
تستعمل كان ، وأمسى ، وأصبح ، وأضحى ، وظل ، بمعنى صار ، كقوله تعالى وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ، فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ، وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً . فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً . ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً . وقال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
أمستْ خلاءً وأمسى أهلها احتملوا * أخْنَى عليها الذي أخنى على لُبَدِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وقال الآخر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
أضحى يمزق أثوابي ويضربني * أبعد شيبي يبغي عندي الأدبا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
الأفعال الناقصة تكون تامة
تستعمل أفعال الباب تامة فتستغني بالفاعل عن الخبر ، إلا ليس وفتئ وزال . قال الله تعالى : وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ . فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ . خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ . وقال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
تطاول ليلُك بالإثْمِدِ * وباتَ الخليُّ ولم تَرقُدِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 66 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
وبات وباتتْ له ليلةٌ * كليلة ذي العائر الأرمد
وذلك من نبأٍ جاءني * وخُبِّرْتُهُ عن بني الأسْوَدِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وقد اختلفوا في معنى تمامها ونقصانها ، فذهب أكثر البصريين إلى أن تمامها دلالتها على الحدث والزمان ، فإن سلبت الدلالة على الحدث وتمحضت في الدلالة على الزمان كانت ناقصة . وهو وجه قوي ، لكن ابن هشام اختار أنها ناقصة ، لأنها لم تكتف بالمرفوع واحتاجت إلى منصوب .
كان الزائدة
تستعمل كان في العربية ناقصة فتحتاج إلى اسم وخبر . وتامة فتحتاج إلى مرفوع فقط . وتستعمل زائدة فلا تحتاج إلى شئ ، وشرط زيادتها أن تكون بلفظ الماضي ، وتكون بين شيئين متلازمين ، ليسا جاراً ومجروراً كقولك : ما كان أحسن زيداً ، أصله : ما أحسن زيداً ، فزيدت فيه كان .
وقد يحذف آخر مضارع كان
يجوز حذف آخر كان إذا كانت بلفظ المضارع مجزومة ، وغير موقوف عليها ، ولا متصلة بضمير نصب ، ولا بساكن . كقوله تعالى : وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا . أصله أكون ، فحذفت الضمة للجازم والواو للساكنين ، وهما حذفان واجبان . وحذفت النون للتخفيف ، وهو حذفٌ جائز .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 67 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولا يجوز الحذف في نحو : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ . لأنها مكسورة لاتصال الساكن بها . ولا في نحو : إن يكنه فلن تُسَلَّط عليه ، لاتصالها بالضمير المنصوب ، ولا في الموقوف عليها .
وقد تحذف كان وحدها أو مع اسمها
قد تحذف كان وحدها ويبقى اسمها وخبرها ، ويعوض عنها بما .
وقال النحاة : إن ذلك يكون بعد أن المصدرية لتعليل فعل بفعل ، كقولك : أمَّا أنت منطلقاً انطلقت ، أصله انطلقت لأن كنت منطلقاً ، فقدمت اللام وما بعدها ، فصار لأن كنت منطلقاً ، ثم حذف الجار وكان اختصاراً ، فانفصل الضمير فصار : أن أنت ، ثم زيد ما عوضاً فصارت : أن ما أنت ، ثم أدغمت النون في الميم فصار أما أنت ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
أبا خراشة أما أنتَ ذا نفرٍ * فإن قوميَ لم تأكلْهُمُ الضَّبُعُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وكلام النحاة فيه مناقشة ، والمتيقن أن : أمَّا أنت ، بمعنى أمَّا كنت .
وقد تحذف كان مع اسمها ويبقى الخبر ، ولا يعوض عنها شئ ، وذلك بعد إن ولو الشرطيتين ، كقولهم : المرء مقتول بما قُتل به ، إن سيفاً فسيفٌ وإن خنجراً فخنجرٌ ، والناس مجزيُّون بأعمالهم إن خيراً فخيرٌ ، وإن شراً فشر . وقال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
لا تَقْرَبَنَّ الدهرَ آلَ مُطَرَّفٍ * إن ظالماً أبداً وإن مظلومَا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 68 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقولهم : التمس ولو خاتماً من حديد .
وقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
لا يأمن الدهر ذو بغيٍ ولو ملكاً * جنودُهُ ضاق عنها السهلُ والجبلُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ما ولا ولات النافية
تعمل ما ، ولا ، ولات النافية عمل ليس ، فترفع الاسم وتنصب الخبر .
أما ما ، فالحجازيون يُعملونها عمل ليس ، وبها جاء التنزيل ، قال الله تعالى : مَا هَذَا بَشَراً . مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ . ولإعمالها عندهم ثلاثة شروط أن يتقدم اسمها على خبرها ، وأن لا تقترن بأن الزائدة ، ولا يقترن خبرها بإلا ، فلهذا أهملت في قولهم : ما مسئٌ من أعتب ، لتقدم الخبر . كما أهملت لوجود إن في قول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
بني غدانة ما إن أنتمُ ذهب * ولا صريفٌ ولكن أنتمُ الخزفُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
كما أهملت لاقتران خبرها بإلا في قوله تعالى : وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ . وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ .
أما بنو تميم فلا يُعملونها عمل ليس أبداً ، ويقرؤون : ما هذا بشرٌ .
وأما لا النافية ، فتعمل عمل ليس بأربعة شروط : أن يتقدم اسمها ، ولا يقترن خبرها بإلا ، وأن يكون اسمها وخبرها نكرتين ، ويكون ذلك في
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 69 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الشعر لا في النثر ، فلا يجوز إعمالها في نحو : لا أفضلُ منك أحدٌ ، ولا في نحو : لا أحدٌ إلا أفضل منك ، ولا في نحو : لا زيدٌ قائم ولا عمرو . ولهذا غلط المتنبي في قوله :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
إذا الجودُ لم يُرزقْ خلاصاً من الأذى * فلا الحمدُ مكسوباً ولا المال باقيا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وأما لات النافية ، فهي لا ، زيدت عليها التاء لتأنيث اللفظ أو للمبالغة ، وتعمل فقط في لفظ الحين ويحذف اسمها ، كقوله تعالى : فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ . والتقدير : فنادى بعضهم بعضاً أن ليس الحينُ حينَ فرار .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 70 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 71 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل العاشر : الثاني من النواسخ : إن وأخواتها
الثاني من نواسخ المبتدأ والخبر : ما ينصب الاسم ويرفع الخبر ، وهو ستة أحرف : إن ، وأن ، ومعناهما التأكيد تقول : زيد قائم ، ثم تؤكد الخبر بأن فتقول : إن زيداً قائم .
وكذلك أن ، لكن يجب أن يسبقها كلام ، كقولك بلغني أو أعجبني ونحوه ، فتعقب الكلام برفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه ، تقول : زيدٌ عالم فيوهم ذلك أنه صالح فتقول : لكنه فاسق . وتقول : ما زيدٌ شجاع ، فيوهم ذلك أنه ليس بكريم ، فتقول : لكنه كريم .
وكأن للتشبيه ، كقولك : كأن زيداً أسد ، أو الظن كقولك : كأن زيداً كاتب .
وليت للتمني ، وهو طلب ما لا طمع فيه كقول الشيخ : ليت الشباب يعود ،
أو ما فيه عسر ، كقول المعدم الآيس : ليت لي قنطاراً من الذهب .
ولعل للترجي ، وهو طلب المحبوب المستقرب حصوله ، كقولك : لعل زيداً قادمٌ ، أو للتعليل كقوله تعالى : فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ، أي لكي يتذكر ، نص على ذلك الأخفش .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 72 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ما الحرفية تبطل عمل إن وأخواتها
إذا دخلت ما الحرفية على إن وأخواتها أبطلت عملهن ، وصح دخولهن على الجملة الفعلية ، قال الله تعالى : قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ . وقال تعالى : كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ . وقال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
فوالله ما فارقتكم قالياً لكم * ولكنَّ ما يُقضى فسوف يكونُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وقال الآخر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
أعد نظراً يا عبدَ قيسٍ لعلما * أضاءت لك النارُ الحمارَ المقيدا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ويستثنى منها ليت ، فلا تدخل على الجملة الفعلية ، فلا يقال : ليتما قام زيد . ولذا أجازوا في لَيْتَمَا أن تعمل وأن تهمل .
أما ما الإسمية فإنها إذا دخلت على إن وأخواتها لا تبطل عملها ، كقوله تعالى : إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ، أي إن الذي صنعوه كيد ساحر .
إن المكسورة المخففة لا تعمل
إذا خففت إن المكسورة يجوز إعمالها وإهمالها كقولك : إنْ زيدٌ لمنطلق ، وإنْ زيداً منطلق . والأرجح الإهمال ، قال تعالى : إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ . وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ . وَإِنَّ كُلاً لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ . قرأ الحرميان وأبو بكر في الأخيرة بالتخفيف والإعمال .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 73 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أما لكن المخففة فتهمل ، لأنها تدخل حينئذ على الجملة الفعلية ، قال الله تعالى : وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ . وقال تعالى : لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ . فدخلت على الجملتين .
أن المخففة المفتوحة تبقى عاملة
إذا خففت أنَّ المفتوحة فصارت أنْ ، بقيت عاملة ، لكن يجب أن يكون اسمها ضميراً بمعنى الشأن ، وأن يكون محذوفاً .
وأما خبرها فيجب أن يكون جملة ، وقد يجب فصله عنها بفاصل من أربعة فواصل هي : قد ، والسين ، ولو ، ولا . كقوله تعالى : وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا . لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا . عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى . أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً . وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ . وربما جاء بغير فصل كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
علموا أن يُؤمَّلُونَ فجادوا * قبل أن يُسألوا بأعظمِ سُؤْلِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
لكن الجملة الإسمية لا تحتاج إلى فاصل ، كقوله تعالى : أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، تقديره أنه الحمد لله ، أي الشأن .
وكذا الفعلية إذا كان فعلها جامداً كقوله تعالى : وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ . وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى . والتقدير : وأنه عسى ، وأنه ليس .
وكذا الجملة الفعلية إذا كان فعلها دعاء كقوله تعالى : وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا ، في قراءة من خفف أنْ وكسر الضاد .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 74 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وربما جاء خبرها في ضرورة الشعر غير مفصول ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
علموا أن يُؤمَّلُونَ فجادوا * قبل أن يُسألوا بأعظمِ سُؤْلِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
أو مصرحاً به غير ضمير شأن ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
بأنْكَ ربيعٌ وغيثٌ مَريعٌ * وأنْكَ هناك تكون َالثمِّالا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
حكم كأنَّ إذا خففت
إذا خففت كأنَّ وجب إعمالها مثل أنَّ ، ويذكر اسمها أكثر من أنْ ، ولا يلزم أن يكون ضميراً ، قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ويوماً تُوافينا بوجهٍ مُقَسَّمٍ * كأنْ ظبيةٌ تعطو إلى وارقِ السَّلَمْ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
يروى برفع ظبية وهو الأصح ، أي كأنها ظبية تمد عنقها لتأكل ورق شجر السلم . ويروى بنصبها على أنها اسم كأنْ والجملة بعدها صفة ، والخبر محذوف أي : كأن ظبيةً تشبه هذه المرأة ، فيكون من عكس التشبيه .
وإن كان خبر كأن المخففة فعلاً ، وجب أن يفصل عنها إما بلَمْ أو قَدْ ، كقوله تعالى : كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ، وقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيسٌ ولم يَسْمَر بمكة سامِرُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وقول الآخر :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 75 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
أزف الترحل غير أن ركابنا * لما تَزَل برحالنا وكأنْ قدِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
أي : وكأن قد زالت ، فحذف الفعل .
تقديم خبر إن وأخواتها
لا يجوز تقديم خبر إن وأخواتها كما في باب كان ، فلا تقول : إنَّ قائمٌ زيداً ، كما تقول : كان قائماً زيد . ذلك أن الأفعال أمكنُ في العمل من الحروف . وما أحسن قول ابن عنين يشكو تأخره :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
كأنيَ من أخبار إنَّ ولم يُجِز * لها أحدٌ في النحو أن تتقدما
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ويستثنى إذا كان الخبر ظرفاً أو جاراً ومجروراً ، قال الله تعالى : إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً . إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى .
وجوب كسر همزة إن
اتفق النحاة على أن همزة تفتح إذا صح تأويلها وما بعدها بمصدر ، وتكسر فيما عدا ذلك ، قال ابن مالك :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
وهمزَ إنَّ افتحْ لِسَدِّ مصدرِ * مسدَّها وفي سوى ذاك اكْسِرِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وذكر ابن هشام أنها تكسر في أربعة مواضع :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 76 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أحدها : إذا جاءت في ابتداء الجملة ، كقوله تعالى : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ . إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ . أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ .
الثاني : بعد القسم ، كقوله تعالى : حم . وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ . يس . وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ . إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ .
الثالث : أن تكون محكية بالقول ، كقوله تعالى : قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ . .
الرابع : أن تقع اللام بعدها ، كقوله تعالى : وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ . فإن لم تكن لام فتحت ، كقوله تعالى : عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ . شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ .
دخول اللام على خبر إن واسمها
يجوز دخول لام الابتداء على خبر إن المكسورة أو اسمها ، بشرط أن يتأخرا ولا يتقدما ، كقوله تعالى : وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ . إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً .
كما يجوز دخولها على معمول الخبر نحو : إن زيداً لطعامك آكل ، وعلى ضمير الفصل ، كقوله تعالى : إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ . وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ . وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ .
وقد يجب دخول اللام إذا خففت وأهملت كقولك : إنْ زيدٌ لمنطلقٌ ، وذلك للتمييز بينها وبين إن النافية كالتي في قوله تعالى : إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا . وتسمى اللام الفارقة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 77 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لا النافية للجنس العاملة عمل إن
تعمل لا النافية للجنس عمل إنَّ بشرطين : أن يكون اسمها وخبرها نكرتين ، وأن يكون خبرها مؤخراً .
فإن كان اسمها مفرداً مضافاً أو شبهه ، ظهر عليه النصب ، كقولك : لا صاحبَ علمٍ ممقوت . ولا طالعاً جبلاً حاضر .
وإن كان غير مضاف يبنى على ما ينصب به كقولك : لا أحدَ عندي . ولا رجالَ عندي . ولا مسلمين في الدار .
وقد تُلحق صفة اسمها به في البناء على الفتح ، شبيهاً بتركيب خمسةَ عشرَ مثل : لا رجلَ ظريفَ عندي ، فإن فصل بينهما فاصل لم يَجز البناء على الفتح ، وجاز النصب أو الرفع كقولك : لا رجلَ في الدرا ظريفاً أو ظريفٌ وكذا شبه المضاف كقولك : لا رجلَ طالعاً جبلاً ، أو طالعٌ جبلاً .
أما النكرة المجموع بألف وتاء فيبنى مع لا على الكسر ، وقد يبنى على الفتح ، وروي بالوجهين قول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
لا سابغاتٍ ولا جَأْواءَ باسلةً * تقي المنونَ لدى استيفاءِ آجال
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فإن كانت لا نافية للوحدة وليس للجنس عملت عمل ليس ، نحو : لا رجل في الدار بل رجلان . وإن كانت ناهية اختصت بالفعل وجزمته
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 78 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
، نحو : لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا . وإن كانت زائدة لم تعمل شيئاً ، نحو : ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك .
أما إذا كان معمولها معرفة ، فلا تعمل ووجب تكرارها ، كقولك : لا زيدٌ في الدار ولا عمروٌ . وكذا إن تقدم خبرها كقوله تعالى : لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ .
إذا تكررت لا النافية للجنس
إذا تكررت لا مع النكرة كقولك : لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله ، جاز في الأولى الفتح والرفع ، فإن فتحتَ جاز في الثانية الفتح والنصب والرفع ، وإن رفعتَ جاز في الثانية الرفع والفتح ، ويمتنع النصب .
فتحصل أنه يجوز فيها خمسة أوجه : فتح الإسمين ورفعهما ، وفتح الأول ورفع الثاني ، وعكسه ، وفتح الأول ونصب الثاني .
فإن لم تتكرر مع النكرة الثانية لم يجز في الأولى الرفع ولا في الثانية الفتح بل تقول : لا حولَ وقوةً أو قوةٌ ، بفتح حول لا غير ونصب قوة أو رفعها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 79 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ظن وأخواتها
الباب الثالث من النواسخ : ما ينصب المبتدأ والخبر معاً ، وتسمى أفعال القلوب وهي : ظَنَّ ، نحو : وَإِنِّي لأظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا . ورأى ، نحو : إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا . وَنَرَاهُ قَرِيبًا . وقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
رأيت اللهَ أكبرَ كلِّ شئ * محاولةً وأكثرَهم جنودا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وحَسِبَ ، نحو : لا تحسبوه شراً لكم . ودَرَى : كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
دُرِيتَ الوفيَّ العهدِ ياعُرْوُ فاغتبط * فإنَّ اغتباطاً بالوفاء حميدُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وخَالَ ، كقول الشاعر : يخال به راعي الحمولة طائرا .
وزعم ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
زعمتني شيخاً ولست بشيخٍ * إنما الشيخ من يَدُبُّ دبيبا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ووَجَد ، كقوله تعالى : تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا .
وعَلِمَ ، كقوله تعالى : فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 80 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
إلغاء أفعال القلوب وتعليقها
يجوز إلغاء أفعال القلوب وإبطال عملها في اللفظ والمحل ، إذا تقدم المفعولان أو أحدهما عليها ، كقولك : زيداً ظننت عالماً بالإعمال ، ويجوز زيد ظننت عالمٌ بالإهمال ، قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
أبا الأراجيز يا ابن اللؤم توعدني * وفي الأراجيز خلت اللؤمُ والخور
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فقد ألغى خِلتُ ورفع اللؤم فهو مبتدأ مؤخر ، وخبره في الأراجيز .
وتقول : زيدٌ عالمٌ ظننت بالإهمال ، وهو الأرجح بالاتفاق ، ويجوز زيداً عالماً ظننت بالإعمال ، قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
القوم في أثري ظننت فإن يكن * ما قد ظننت فقد ظفرت وخابوا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فأهمل ظن لتأخرها . أما إذا تقدم الفعل القلبي على المبتدأ والخبر ، فلا يجوز إهماله ، لا تقول : ظننت زيدٌ قائمٌ بالرفع ، وأجازه الكوفيون .
وأما التعليق ، فهو إبطال عملها لفظاً لا محلاً ، لدخول ما النافية بينها وبين معموليها كقوله تعالى : لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ . فهؤلاء مبتدأ وينطقون خبره ، وليسا مفعولاً أولاً وثانياً .
وكذلك إذا دخلت لا النافية كقولك : علمت لا زيدٌ قائمٌ ولا عمرٌو . وإن النافية كقوله تعالى : وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلاً ، أي ما لبثتم إلا قليلا .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 81 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ولام الابتداء ، كقولك : علمت لزيد قائم . قال الله تعالى : وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ . ولام القسم كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ولقد علمتُ لتأتينَّ مَنِيَّتي * إن المنايا لا تَطِيشُ سهامُها
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
والاستفهام كقولك : علمت أزيد قائم .
وكذا إذا كان فيها اسم استفهام سواء كان جزءً من الجملة ، كقوله تعالى : وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى . أو لم يكن جزءً من الجملة كقوله تعالى : وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ . فأي منقلب منصوبة بينقلبون ، ولا يصح أن تكون منصوبة بيعلم ، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، فتكون يعلم معلقة لما فيها من اسم استفهام .
وسمي هذا الإهمال تعليقاً لأن فعل القلب في قولك : علمت ما زيدٌ قائم ، عاملٌ في المحل ، بدليل العطف على محل الجملة بالنصب ، كقول كثير :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
وما كنت أدري قبل عَزَّةَ ما البُكا * ولا موجعاتِ القلب حتى تَوَلَّتِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فعطف موجعات بالنصب على محل جملة ما البكا ، مع أن أدري عُلقت عن العمل فيه بسبب الاستفهام .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 82 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 83 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الحادي عشر : الفاعل
الفاعل : اسم صريح أو مؤول به ، أسند إليه فعلٌ أو مؤول به ، مقدمٌ عليه بالأصالة . سواء كان واقعاً منه كقولك : ضرب زيد عمراً ، أو قائماً به كقولك : علم زيد ، ومات زيد . لأن العلم والموت قائمان به .
ويدخل في قولنا : أو مؤول به ، نحو : أن تخشع ، في قوله تعالى : أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ ، فإنه فاعل ، لأنه تأويله : خشوع قلوبهم .
ويدخل في قولنا : أو مؤول به ، مختلفٌ في قوله تعالى : مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ ، فألوانه فاعل ، لأنه أسند إليه مختلف وهو بمعنى : يختلف .
وخرج بقولنا : مقدم عليه ، نحو زيد من قولك : زيد قام ، فليس بفاعل لأن الفعل المسند إليه مؤخر عنه ، فهو مبتدأ والفعل خبر .
وخرج بقولنا بالأصالة ، نحو : زيد من قولك : قائم زيد ، فإن تقديمه عليه ليس بالأصالة ، بل هو في نية التأخير .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 84 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وخرج بقولنا : واقعاً منه ، نحو زيد من قولك : ضُرب زيد ، فإن الفعل المسند إليه واقع عليه لا منه .
أحكام الفاعل
ذكر النحاة للفاعل عدة أحكام ، منها : أن يتقدم عامله عليه ولا يتأخر عنه ، فلا يجوز في : قام أخواك ، أن تقول : أخواك قام ، بل تقول : أخواك قاما ، فأخواك مبتدأ ، وقاما : فعل وفاعل ، والجملة منهما خبر .
ومنها : أن عامله لا تلحقه علامة تثنية ولا جمع ، فلا يقال : قاما أخواك ولا قاموا إخوتك ، ولا قمن نسوتك . بل يقال في الجميع قام ، بالإفراد . ومن العرب من يلحقها بالعامل ، وقد روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه تكلم بها مع أحد فقال : يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار .
ومنها : أن الفاعل إذا كان مؤنثاً لحقت عامله تاء التأنيث الساكنة ، إن كان ماضياً ، أو المتحركة إن كان وصفاً ، فتقول : قامت هند ، وزيد قائمة أمه .
ويجوز إلحاق تاء التأنيث وحذفها في أربع مسائل :
1 . في المؤنث المجازي ويقصدون به ما لا فرج له ، فتقول طلع الشمس ، قال الله تعالى : قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ . وقال عز وجل : فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ . وقال بعضهم : إن إلحاق التاء أفصح ، ويرده أنه لا يوجد في القرآن غير الأفصح .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 85 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 . أن يكون حقيقي التأنيث منفصلاً عن فاعله بغير إلا ، كقولك : حضرت القاضي امرأة ، ويجوز : حضر القاضي امرأة ، والأول أفصح .
3 . أن يكون العامل نعم أو بئس ، نحو : نعمت المرأة هند ونعم المرأة هند .
4 . أن يكون الفاعل جمع تكسير ، نحو : جاء الزيود وجاءت الزيود . وجاء الهنود وجاءت الهنود . فمن أنَّثَ فعلى معنى الجماعة ، ومن ذَكَّر فعلى معنى الجمع . أما جمع التصحيح فحكمه حكم مفرده ، تقول : جاءت الهنداتُ بالتاء لا غير ، وقام الزيدون بترك التاء لا غير .
وذكر النحاة أنه يجب إلحاق التاء في غير ذلك ، كما إذا كان الفاعل مؤنثاً حقيقياً غير مفصول عن عامله ولا واقعاً بعد نعم أو بئس ، كقوله تعالى : إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ . أو كان الفاعل ضميراً متصلاً كقولك : الشمس طلعت .
حذف الفاعل
يحذف الفاعل وجوباً في أربعة مواضع :
الأول : في قولك : ما قام إلا هند ، فقد أوجبوا فيه ترك التاء ، لأن ما بعد إلا ليس الفاعل ، بل هو بدل من فاعل مقدر قبل إلا ، وهو المستثنى منه وهو مذكر ، والتقدير : ما قام أحد إلا هند .
والثاني : فاعل المصدر كقوله تعالى : أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذي مَسْغَبَةٍ . يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ . تقديره أو طعامه يتيماً .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 86 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والثالث : في باب النيابة نحو : وقُضِيَ الأمْرُ . أصله : وقضى الله الأمر .
والرابع : فاعل أفعل في التعجب إذ دل عليه مثله ، كقوله تعالى : أَسْمِعْ بِهِمْ وَأبْصِرْ . أي وأبصر بهم ، فحذف بهم من الثاني لدلالة الأول عليه ، وهو في موضع رفع فاعل عند الجمهور .
تأخر الفاعل عن الفعل
الأصل في الفاعل أن يلي عامله ، وحق المفعول أن يأتي بعدهما ، قال الله تعالى : وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ . .
وقد يتأخر الفاعل عن المفعول جوازاً أو وجوباً ، فالجائز كقوله تعالى : وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ ، وقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
جاء الخلافةَ أو كانت لهُ قدراً * كما أتى ربَّهُ موسى على قَدَرِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فلو قيل في الكلام : جاء النذر آل فرعون ، لكان جائزاً ، لأن الضمير حينئذ يكون عائداً على متقدم لفظاً ورتبة ، وهو الأصل في عود الضمير .
أما تأخير الفاعل وجوباً فكقوله تعالى : وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ ، لأنك لو قدمت الفاعل فقلت : ابتلى ربه إبراهيم ، لزم عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة ، وذلك لا يجوز . وكذلك قولك : ضربني زيد ، لأنك لو قلت : ضرب زيد إياي فصلت الضمير مع التمكن من وصله ، وهو لا يجوز .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 87 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ويجب أيضاً تقديم الفاعل إذا التبس بالمفعول كقولك : ضرب موسى عيسى ، فلو وُجدت قرينة معنوية تدل عليه نحو : أرضعت الصغرى الكبرى ، وأكل الكمثرى موسى ، أو قرينة لفظية كقولك : ضربت موسى سلمى ، وضرب موسى العاقل عيسى ، جاز تأخيره ، لانتفاء اللبس .
وقد يجب تقديمه كقوله تعالى : أَيًّا مَا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ، فأياً مفعول تدعو مقدم وجوباً لأنه شرط وله صدر الكلام ، وتدعو مجزوم به .
فاعل نعم وبئس
يجب في فاعل نِعْمَ وبئس أن يكون إسماً معرفاً بأل ، نحو : نعم العبد ، أو مضافاً لما فيه أل ، كقوله تعالى : وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ . فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ، أو مضمراً مستتراً مفسراً بنكرة بعده منصوبة على التمييز ، كقوله تعالى : بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ، أي بئس هو أي البدل بدلاً .
وإذا استوفت نعم فاعلها الظاهر أو المضمر وتمييزه ، جئ بالمخصوص بالمدح أو الذم ، فقيل : نعم الرجل زيد ، ونعم رجلاً زيد . وإعرابه مبتدأ والجملة قبله خبر ، والرابط بينهما العموم الذي في الألف واللام .
ولا يجوز بالإجماع أن يتقدم المخصوص على الفاعل ، فلا يقال : نعم زيد الرجل ، ولا على التمييز خلافاً للكوفيين ، فلا يقال : نعمَ زيدٌ رجلاً . ويجوز بالاجماع أن يتقدم على الفعل والفاعل نحو : زيد نعم الرجل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 88 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ويجوز أن تحذفه إذا دل عليه دليل ، قال الله تعالى : إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَابٌ . أي هو ، أي أيوب .
نائب الفاعل
قد يحذف الفاعل للجهل به أو لغرض آخر ، كقولك : سُرق المتاعُ . وقولهم : من طابت سريرتُه حُمدت سيرتُه ، وقوله تعالى : إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا . وقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
وإن مُدت الأيدي إلى الزاد لم أكن * بأعجلهم إذ أجشعُ القوم أعجلُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فحذف الفاعل في ذلك كله لجهالته أو لغرض آخر ، وأقيم مقامه المفعول به وأخذ أحكامه ، فصار مرفوعاً بعد أن كان منصوباً ، وعمدةً بعد أن كان فضلةً ، وواجب التأخير عن الفعل بعد أن كان جائز التقديم ، ويؤنث له الفعل إن كان مؤنثاً ، تقول في ضرب زيد هنداً : ضُرِبَتْ هندٌ .
يكون نائب الفاعل إسماً غير صريح
إذا لم يوجد مفعول للنيابة عن الفاعل ، فقد ينوب عنه المصدر أو الظرف أو الجار والمجرور ، تقول : جُلِسَ جلوس الأمير ، وسِيرَ فرسخٌ ، وصِيمَ رمضان ، ومُرَّ بزيد .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 89 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ويشترط في الظرف والمصدر : أن يكون محدداً ولو بوصف ، كقولك : ضُرِبَ ضربٌ شديد ، وصيم زمنٌ طويل . ولا يصح أن تقول : ضُرِبَ ضربٌ ، ولا صِيمَ زمنٌ ، ولا اعتُكف مكان ، لعدم اختصاصها .
كما يشترط أن لا يكون ممنوعاً من الصرف ، ولا منصوباً على الظرفية ، أو المصدرية ، أي مفعولاً مطلقاً ، فلا يجوز سبحانُ الله بالضم ، بقصد يُسَبَّحُ سبحانَ الله ، ولا : يجُاء إذا جاء زيد ، على أن إذا نائب الفاعل .
كما لا تصح نيابة المصدر والظرف والجار والمجرور ، إذا كان المفعول به موجوداً ، فلا تقول : ضُرب اليوم زيداً ، خلافاً للأخفش والكوفيين . واحتجوا بقراءة أبي جعفر : لِيُجْزَىَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ . وبقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
وإنما يرضي المنيبُ ربَّهْ * ما دام معنياً بذكر قلبَهْ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فأقيم بما وبذكر مقام الفاعل ، مع وجود قوماً وقلبه . وأجيب عن البيت بأنه للضرورة ، وعن القراءة بأنها شاذة .
صيغة الفعل المبني للمجهول
إذا حذف الفاعل تغير الفعل من المبني للمعلوم إلى المبني للمجهول ، فيُضم أوله ماضياً كان أو مضارعاً ، ويُكسر ما قبل آخره في الماضي ويفتح في المضارع ، تقول ضُرب ويُضرب . وإذا كان أوله تاء ضُمَّ أوله وثانيه ،
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 90 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
تقول : تُعُلِّمَتِ المسألةُ . وإن كان أوله همزة وصل ضُمَّ أوله وثالثه ، تقول أُنْطُلِقَ بزيد ، قال الله تعالى : فَمَنِ اضْطُرَّ ، وقال الهذلي :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
سبقوا هَوِيَّ وأعنقوا لهواهمُ * فتُخُرِّمُوا ولكل جنبٍ مصرع
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وإذا كان ماضياً ثلاثياً معتل الوسط نحو : قال وباع ، جاز لك فيه ثلاث لغات ، أفصحها كسر ما قبل الألف فتقلب ياء ، تقول : قِيلَ وبِيعَ . ويجوز إشمام الكسر شيئاً من الضم . ويجوز ضم أوله وقلب الألف واواً ، فتقول : قُولَ وبُوعَ . وهي لغة غير مستعملة في عصرنا .
الاشتغال
معنى الاشتغال عند النحويين : أن يتقدم الاسم ويكون عامله مشغولاً عنه بالعمل في ضميره ، أو بما يتعلق به ، كقولك : زيداً ضربته ، أو ضربت أخاه ، أو مررت به . فلو قلت : زيداً ضربتُ لما كان اشتغالاً ، لأن العامل لا يشغله شئ عن العمل في زيد ونصبه مفعولاً مقدماً .
وحكم الاسم المقدم في حالة الاشتغال أنه يجوز رفعه بالابتداء ، والجملة بعده في محل رفع ، خبره . ويجوز نصبه مفعولاً بفعل محذوف مناسب فسره الفعل الموجود ، مثل : ضربتُ ، وأهنتُ ، وجاوزتُ ، وأمثالها .
وقد تورط النحاة فقالوا إن النصب أرجح إذا كان الفعل للطلب نحو : زيداً إضربه ، فواجههم إجماع القراء على الرفع في قوله تعالى : وَالسَّارِقُ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 91 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ، وقوله : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا . بل في قوله عز وجل : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا . فحاولوا تعديل قاعدتهم ، وقالوا إن الفعل عمل فيما يتعلق بالسارقَيْن ، وليس في ضميرهما . . الخ .
لكن قولهم بترجيح النصب لا يصح ، لأن القرآن ليس فيه ما هو مرجوح ولا أقل فصاحة ، فلا بد أنهم لم يعرفوا وجه الرفع في الآيتين .
بينما ورد النصب في قوله تعالى : فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ ، فقد يكون الرفع مرتبطاً بعلاقة العقوبة بالجرم ، أو بالمأمور بتنفيذ العقوبة ، أو بنوع الطلب . . الخ .
فالقدر المتيقن جواز الرفع والنصب ، ولا عبرة بترجيح النحويين لهذا ، أو لذاك .
متى يجب الرفع في الاشتغال
قال ابن هشام : وأما وجوب الرفع ففيما إذا تقدم على الاسم أداة خاصة بالدخول على الجملة الإسمية كإذا الفجائية ، كقولك : خرجت فإذا زيدٌ يضربه عمرو ، فهذا لا يجوز فيه النصب لأنه يقتضي تقدير الفعل ، وإذا الفجائية لا تدخل إلا على الجملة الإسمية .
وأما الذي يستويان فيه فضابطه أن يتقدم على الاسم عاطف مسبوق بجملة فعلية ، مخبر بها عن اسم قبلها ، كقولك : زيد قام أبوه وعمراً أكرمته . وذلك لأن ( زيد قام أبوه ) جملة كبرى ، أي في ضمنها جملة ، وهي
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 92 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اسمية الصَّدر فعلية العَجْز ، فإن راعيت صدرها رفعت عمرواً فعطفت جملة اسمية على اسمية ، وإن راعيت عجزها نصبته فعطفت فعلية على فعلية . فالمناسبة حاصلة على كلا التقديرين .
وأما الذي يترجح فيه الرفع فما عدا ذلك ، كقولك : زيد ضربته ، قال الله تعالى : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا . أجمعت السبعة على رفعه وقرئ شاذاً بالنصب . وإنما يترجح الرفع في ذلك لأنه الأصل ولا مرجح لغيره . وليس منه قوله تعالى : وَكُلُّ شَئْ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ، لأن المعنى أن كل ما فعلوه ثابت في الزبر ، وليس أنهم فعلوا كل شئ في الزبر حتى يصح تسليط الفعل على ما قبله ، فالرفع هنا واجب لا راجح ، والفعل المتأخر صفة للإسم .
التنازع
معنى التنازع عند النحاة : أن يتقدم عاملان أو أكثر ، ويتأخر معمول أو أكثر ، يصلح كل منها لكل منها ، كقوله تعالى : آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا . فآتوني يحتاج إلى مفعول ثان ، وأفرغ يحتاج إلى مفعول ، وقطراً يصلح لكل منهما .
ومثال تنازع العاملين أكثر من معمول : ضرب وأكرم زيد عمراً .
ومثال تنازع أكثر من عاملين معمولاً واحداً : كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم . فعلى إبراهيم ، مطلوب للعوامل الثلاثة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 93 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومثال تنازع أكثر من عاملين أكثر من معمول ، ما روي عنه ( صلى الله عليه وآله ) : تسبحون وتحمدون دُبُرَ كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ، وتكبرون أربعاً وثلاثين .
واختلف النحاة في العامل الذي يجب أن يعمل ، فالكوفيون يُعملون الأول لسبقه ، والبصريون يُعملون الأخير لقربه . وإن أعملتَ الأول أو الثاني أضمرتَ في الآخر ما يحتاج إليه من عوامل تناسب الجملة .
هذا ، وقد نبه النحاة على أنه ليس من التنازع قول امرئ القيس :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ولو أن ما أسعى لأدنى معيشةٍ * كفاني ولم أطلب ، قليلٌ من المال
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وذلك لأن المعنى : كفاني قليلٌ من المال ، ولم أطلب الملك . وهو واضح .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 94 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 95 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الثاني عشر : المفعول وأنواعه
الفاعل مرفوع أبداً ، والمفعول منصوب أبداً . وقالوا إن سبب ذلك أن الفاعل واحد والمفعول متعدد ، والنصب أخفُّ فجعلوه للمتعدد المتكرر .
والمفعول خمسة أنواع : المفعول به كضربت زيداً . والمفعول المطلق أو المصدر كضربت ضرباً . والمفعول فيه أو الظرف كصُمْتُ يوم الخميس ، وجلست أمامك . والمفعول له كقمت إجلالاً لك . والمفعول معه ، كسرتُ والنِّيلَ .
ونقَّصَ الزجاج منها المفعول معه فجعله مفعولاً به ، لأنه التقدير فيه : سرت وجاوزت النيل . ونقَّص الكوفيون منها المفعول له فجعلوه من باب المفعول المطلق مثل : قعدت جلوساً . وزاد السيرافي سادساً هو المفعول منه نحو : وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً ، لأن المعنى من قومه . وسمى الجوهري المستثنى مفعولاً دونه .
المفعول به
المفعول به : وقد عرفه ابن الحاجب بأنه : ما وقع عليه فعل الفاعل ، كضربت زيداً . وأُشْكِلَ عليه بقولك : ما ضربت زيداً ، ولا تضرب زيداً ، وأجاب بأن المراد بالوقوع تعلقه به بشكل ما . فهو إذن تعريف للغالب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 96 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المنادى
جعل النحاة المنادى من المفعول به ، لأن قولك : يا عبد الله أصله : أدعو عبد الله . وهو تسامح ، لأن المنادى نوع مستقل في معناه وأحكامه .
وينصب المنادى في ثلاث حالات :
1 . أن يكون مضافاً كقولك : يا عبد الله ، ويا رسول الله . قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ألا يا عباد الله قلبي متيمٌ * بأحسن من صلى وأقبحهم بعلا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
2 . أن يكون شبيهاً بالمضاف ، وهو ما اتصل به شئ يتمم معناه ، إما اسم مرفوعٌ بالمنادى كقولك : يا محموداً فعله ، ويا حسناً وجهه ، ويا جميلاً فعله ، ويا كثيراً بِرُّه . أو منصوبٌ به كقولك : يا طالعاً جبلاً . أو مجرورٌ بجار يتعلق به كقولك : يا رفيقاً بالعباد ، ويا خيراً من زيد . أو معطوفٌ عليه قبل النداء كقولك : يا ثلاثةً وثلاثين ، لرجل سميته بذلك .
3 . أن يكون نكرة مطلقة ، كقول الأعمى : يا رجلاً خذ بيدي ، قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
فيا راكباً إما عرضتَ فَبَلِّغَنْ * ندامايَ من نجرانَ أنْ لا تلاقيا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ويبنى المنادى على الضم أو على ما يرفع به ، بشرطين : أن يكون مفرداً ومعرفة . ومعنى المفرد : أن لا يكون مضافاً ولا شبيهاً به . ومعنى المعرفة هنا يشمل العَلَم كزيد وعمرو ، والمعيَّن بالنداء كرجل وإنسان ، عندما تريد بهما معيناً ، فتقول : يا زيدُ بالضم ، ويا زيدان بالألف ، ويا زيدون
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 97 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بالواو ، قال الله تعالى : قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا . يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ . فنوح علم ، وجبال صارت معرفة بالنداء .
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم
يجوز في المنادى المضاف إلى ياء المتكلم كغلامي ، ستة وجوه :
1 . إثبات الياء الساكنة ، كقوله تعالى : يَا عِبَادِي لا خَوْفٌ عَلَيْكُم .
2 . حذف الياء وإبقاء الكسرة دليلاً عليها ، كقوله تعالى : يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ .
3 . ضم الحرف الذي كان مكسوراً لأجل الياء وهي لغة ضعيفة ، حكوا من كلامهم : يا أمُّ لا تفعلي ، بالضم ، وقرئ : قَالَ رَبُّ احْكُمْ بِالْحَقِّ .
4 . فتح الياء ، قال الله تعالى : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ .
5 . يا غلاما ، بقلب الكسرة قبل الياء فتحةً فتصير الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها . قال الله تعالى : يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ . يَا أَسَفَاً عَلَى يُوسُفَ .
6 . حذف الألف وإبقاء الفتحة دليلاً عليها ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ولست براجعٍ ما فات مني * بلهفَ ولا بليتَ ولا لوَ اني
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
أما إذا كان المنادى المضاف إلى الياء أباً أو أماً ، فيجوز فيه عشر لغات ، وهي الست المذكورة ، وأربعُ لغاتٍ أخر :
1 . إبدال الياء تاء مكسورة ، وبها قرأ السبعة ( عدا ابن عامر ) : يَا أَبَتِ .
2 . إبدالها تاء مفتوحة ، وبها قرأ ابن عامر : يَا أَبَتَ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 98 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
3 . يا أبتا ، بالتاء والألف ، وبها قرئ شاذاً .
4 . يا أبتي بالتاء والياء . وهاتان اللغتان قبيحتان .
أما إذا كان المنادى مضافاً إلى مضاف إلى الياء ، مثل يا غلام غلامي ، فلا يجوز فيه إلا إثبات الياء مفتوحة أو ساكنة ، إلا ابن أم وابن عم ، فيجوز فيهما فتح الميم وكسرها . وقرأ السبعة بهما في قوله تعالى : قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي . قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي .
ويجوز فيه لغتان قليلتا الاستعمال : إثبات الياء وقلبها ألفاً ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
يا ابن أمي ويا شُقَيِّق نفسي * أنت خَلَّفتني لدهرٍ شديد
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وقال الشاعر : يا ابنة عما لا تلومي واهجعي .
حكم تابع المنادى
إذا كان المنادى مبنياً ، وكان تابعه نعتاً أو تأكيداً أو بياناً أو نَسَقاً بالألف واللام ، مفرداً أو مضافاً ، جاز فيه الرفع على لفظ المنادى ، والنصب على محله . تقول في النعت : يا زيدُ الظريفُ بالرفع ، والظريفَ بالنصب .
وفي التأكيد : يا تميمُ أجمعون وأجمعين . وفي البيان : يا سعيدُ كُرْزِ وكُرْزاً . وفي النسق : يا زيد والضحاك ، قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
فما كعب ابن مامة وابن أروى * بأجودَ منك يا عُمَرُ الجوادا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 99 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والقوافي منصوبة . وقال الله تعالى : يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ . وقرئ شاذاً والطيرُ . وتقول : يا زيدُ الحسنُ الوجه ، والحسنَ الوجه . وقال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
يا صاحِ يا ذا الضَّامر العَنْسٍ * والرَّحل ذي الأقتاب والحَلْس
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فإن كان تابع المنادى مضافاً وليس فيه أل ، وجب نصبه على المحل ، كقولك : يا زيدُ صاحبَ عمرو ، ويا زيدُ أبا عبد الله ، ويا تميمُ كلكم أو كلهم ، ويا زيد وأبا عبد الله . قال الله تعالى : قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ .
وإن كان صفةً لأي وجب رفعه ، كقوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ . يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ .
وإن كان بدلاً أو نسقاً بغير أل ، أخذ حكم المنادى ، تقول في البدل : يا سعيد كرزُ بضم كرز بغير تنوين ، كما تقول يا كرزُ . ويا سعيد أبا عبد الله بالنصب ، كما تقول يا أبا عبد الله . وفي النسق : يا زيد وعمرو بالضم ، ويا زيد وأبا عبد الله بالنصب . وكذا حكم البدل والنسق مع المنادى المعرب .
وإذا تكرر المنادى المفرد مضافاً نحو : يا زيد زيد اليعملات ، جاز في الأول الضم بجعله منادى مفرداً ، ويكون الثاني عطف بيان بتقدير أعني ، أو منادى سقط منه حرف النداء . وجاز فيه الفتح لأن الأصل : يا زيد اليعملات زيد اليعملات . فحذف اليعملات من الثاني لدلالة الأول عليه كما قال سيبويه ، وقال المبرد حذف من الأول لدلالة الثاني عليه .
ولا دليل على قول أي منهما .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 100 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ترخيم المنادى المعرفة
يجوز ترخيم المنادى بحذف آخره تخفيفاً . فإن كان آخره تاءً صح ترخيمه مطلقاً ، فتقول في ثُبَة وهي الجماعة : يا ثُبُ ، كما تقول في عائشة : يا عَائشُ . وإن لم يكن مختوماً بالتاء فلا يصح ترخيمه إلا إذا كان علماً مبنياً على الضم وأكثر من ثلاثة أحرف ، تقول في حارث وجعفر : يا حارِ ويا جعفُ ، ولا يجوز في نحو عبد الله ، لأنه ليس مضموماً ، ولا في إنسان مقصوداً به معين لأنه ليس علماً ، ولا في نحو زيد لأنه ثلاثي . وأجاز الفراء الترخيم في حَكَم وحَسَن ، ونحوهما من الثلاثيات المحركة الوسط .
والغالب أن يحذف من المنادى المرخم حرفٌ واحد ، وقد يحذف منه حرفان بشرط أن يكون ما قبل الحرف الأخير زائداً ، ومعتلاً ، وساكناً ، ويكون قبله ثلاثة أحرف فما فوقها ، نحو : سلمان ومنصور ومسكين علماً ، فتقول : يا سلمُ ويا منصُ ويا مسكُ ، وقال الشاعر في مروان :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
يامروُ إن مطيتي محبوسةٌ * ترجو الحباءَ وربُّها لم ييأس
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وقال الآخر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
قفي فانظري يا أَسْمُ هل تعرفينه * أهذا المغيريُّ الذي كان يُذكر
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ويجب الاقتصار على حذف الحرف الأخير في نحو مختار علماً ، لأن المعتل أصلي والأصل : مُختِير أو مختَيَر ، فأبدلت الياء ألفاً . وأجاز الأخفش حذفها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 101 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد يكون المحذوف كلمة برأسها ، وذلك في المركب تركيب مزج ، نحو معدي كرب وحضرموت ، تقول : يا معدي ويا حَضْرُ .
المستغاث به
من أقسام المنادى : المستغاث به ، وهو المنادى ليُخَلِّص من شدة ، أو يُعين على دفع مشقة . ولا يستعمل له من حروف النداء إلا ( يا ) خاصة .
والغالب استعماله مجروراً بلام مفتوحة ، فتقول : يا لَلمسلمين ، ويا لَزيد . واللام ومجرورها متعلقان بفعل محذوف عند ابن الصائغ وابن عصفور ، وينسب ذلك إلى سيبويه . وقال ابن خروف هي زائدة لا تتعلق بشئ . وعند ابن جني متعلقان بيا لأن فيها معنى الفعل .
وإذا عطفت على المستغاث وأعدت معه يا ، فتحت اللام ، قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
يا لَقومي ويا لَأمثال قومي * لأناسٍ عُتُوُّهم في ازدياد
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وإن لم تُعد يا ، كسرت لام المعطوف ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
يبكيك ناء بعيد الدار مغتربُ * يا لَلكهول وللشبان لِلعجب
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وللمستغاث به استعمالان آخران ، أحدهما : أن تُلحق آخره ألفاً فلا تَلْحَقُهُ حينئذ اللام من أوله ، وذلك كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
يا يزيدَا لِآملٍ نيلَ عِزٍّ * وغنىً بعد فاقةٍ وهَوَانِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 102 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والثاني : أن لا تدخل عليه اللام من أوله ولا الألف من آخره ، فيجري عليه حكم المنادى فتقول : يا زيدٌ لِعمرو ، بضم زيد ، ويا عبدَ الله لِزيد ، بنصب عبد الله ، قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ألا يا قومِ للعجبِ العجيبِ * وللغَفَلات تَعْرُضُ للأريبِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
حكم المندوب
المندوب هو : المنادى المتفجع عليه ، أو المتوجع منه ، كقول المتنبي :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
واحرَّ قلباه ممن قلبه شَبِمُ * ومَن بجسمي وحالي عنده سَقَمُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ولا يستعمل فيه من حروف النداء إلا الواو غالباً ، وتختص به ، ويا ، إذا لم يلتبس بالمنادى . وحكمه حكم المنادى ، فتقول : وازيدُ بالضم ، وتقول : يا عبد الله بالنصب . ولك أن تلحق آخره ألفاً ، فتقول : وازيدا .
ولك أن تلحق بها هاء الوقف أو هاء السكت ، فتقول : وازيداه .
ويجب حذف هذه الهاء إذا وصلت الكلام إلا في الضرورة كما مرَّ في بيت المتنبي . وحينئذ تُضم تشبيهاً بهاء الضمير ، أو تُكسر لالتقاء الساكنين .
المفعول المطلق
الثاني من المفاعيل المفعول المطلق : وهو مصدر فَضْلَةٌ تَسَلَّطَ عليه عامل من لفظه أو من معناه . كقوله تعالى : وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً . وقولك : قعدت جلوساً ، وتألَّيْتُ حِلْفَةً . قال الشاعر :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 103 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
تَألَّى ابنُ أوس حِلْفَةً ليردني * إلى نسوة كا أنهن مفائد
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وذلك لأن الإلية هي الحلف ، والقعود هو الجلوس .
وليس من باب المفعول المطلق قولك : كلامك كلام حسن ، وقول العرب : جَدَّ جِدُّه ، وإن كان عامله من لفظه ، لأن كلام الثانية وجِدَّهُ عمدةٌ في الكلام وليسا فضلة ، أي إضافة . وقد قلنا إن عامله من لفظه على مذهب سيبويه في أن عامل الرفع في الخبر هو المبتدأ .
المفعول المطلق النائب عن المصدر
وقد تنصب كلمات على المفعول المطلق وليست مصدراً ، بل نائبة عن المصدر ، مثل كل وبعض مضافين إلى المصدر ، كقوله تعالى : فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ . وَلَوْ تَقَوَلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ . والعدد نحو : فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً فثمانين مفعول مطلق وجلدةً تمييز . وأسماء الآلات نحو : ضربته سوطاً ، أو عصاً ، أو مِقْرَعَةً .
ولا تنوب عن المصدر صفته نحو : وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا ، خلافاً للمعربين زعموا أن الأصل أكلاً رغداً فحذف الموصوف ونابت عنه صفته فنصبت . ومذهب سيبويه أنها حال من مصدر الفعل المفهوم منه ، والتقدير : فكلا حالة كون الأكل رغداً ، ويدل عليه أنهم يقولون : سِيرَ عليه طويلاً ، فيقيمون الجار والمجرور مقام الفاعل ، ولا يقولون طويلٌ بالرفع ، فدل على أنه حالٌ لا مصدر ، وإلا لجازت إقامته مقام الفاعل كالمصدر .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 104 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المفعول له
الثالث من المفاعيل : المفعول له ويسمى المفعول لأجله ومن أجله . وهو كل مصدر مُعَلَّل لحدث مشارك له في الزمان والفاعل . كقوله تعالى : يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ . فالحذر مصدر منصوب ، ذُكر علةً لجعل الأصابع في الآذان ، وزمنه وزمن الجعل واحد ، وفاعلهما أيضاً واحد وهم الكافرون . فلما استوفى هذه الشروط ، انتصب .
فلو فقد المعلل شرطاً من هذه الشروط وجب جرُّهُ بلام التعليل ، فمثال ما فقد المصدرية قوله تعالى : هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ، فإن المخاطبين هم العلة في الخلق ، وقد خفض ضميرهم باللام ، لأنه ليس مصدراً . وكذلك قول امرئ القيس :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة * كفاني ولم أطلب قليلٌ من المال
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فأدنى أفعل تفضيل وليس مصدراً ، فلهذا جاء مخفوضاً باللام .
ومثال ما فقد اتحاد الزمان قول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
فجئت وقد نَضَّتْ لنومٍ ثيابها * لدى الستر إلا لِبْسَةَ المتفضِّل
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فإن النوم وإن كان علة في خلع الثياب لكن زمن الخلع سابق عليه .
ومثال ما فقد اتحاد الفاعل قول الشعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
وإني لتعروني لذكراك هَزَّةٌ * كما انتفض العصفورُ بلَّلَهُ القَطْرُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 105 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فإن الذكرى علة عُرُوِّ الهزة وزمنها واحد ، لكن فاعل العُرُوّ الهزة وفاعل الذكرى المتكلم ، فالمعنى : لذكري إياك . فاختلف الفاعل وخفض باللام . وعلى هذا جاء قوله تعالى : لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ، فإن تركبوها بتقدير لأن تركبوها ، وهو علة لخلق الخيل والبغال والحمير ، وجئ به مقروناً باللام لاختلاف الفاعل ، لأن فاعل الخلق هو الله تعالى وفاعل الركوب بنو آدم . ونصب زينةً ، لأن فاعل الخلق والتزيين هو الله تعالى .
المفعول فيه أو ظرف المكان والزمان
الرابع من المفعولات : المفعول فيه ، وهو الظرف أو اسم الزمان والمكان الذي يأتي بمعنى : في ، كقولك : صمت يوم الخميس ، وجلست أمامك . فليس من الظرف يوماً وحيثُ ، في قوله تعالى : إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا . وقوله تعالى : اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ، لأنهما ليسا بمعنى في ، بل المعنى يخافون نفس اليوم ، ويعلم الله تعالى نفس المكان المناسب لوضع الرسالة ، ولهذا أعربا مفعولاً به ، وحيثُ منصوب بفعل يعلم المقدر . وليس منهما أيضاً نحو : ( أن تنكحوهن ) من قوله تعالى : وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ، لأنه بمعنى في ، لكنه ليس زماناً ولا مكاناً .
نصب أسماء الزمان والمكان على الظرفية
جميع أسماء الزمان تقبل النصب على الظرفية ، لا فرق فيها بين المختص والمعدود والمبهم . والمختص : ما يقع جواباً لمتى ، كأن تقول يوم الخميس .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 106 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والمعدود : ما يقع جواباً ل ( كم ) كالأسبوع والشهر والحول . والمبهم : ما لا يقع جواباً لشئ منهما ، كالحين والوقت .
أما أسماء المكان فلا ينصب منها على الظرفية إلا المبهم وهو ثلاثة أنواع :
1 . أسماء الجهات الست وهي : فوق وتحت وأعلى وأسفل ويمين وشمال وذات اليمين وذات الشمال ووراء وأمام . وما بمعناها ، كعند ولدى .
قال الله تعالى : وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ . قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا . وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ . وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ . وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ .
2 . أسماء مقادير المساحات ، كالفرسخ والميل والبريد .
3 . ما كان مصوغاً من مصدر عامله ، كقولك : جلست مجلس زيد ، فالمجلس مشتق من الجلوس الذي هو مصدر لعامله وهو جلست . قال الله تعالى : وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ . ولو قلت : ذهبت مجلس زيد أو جلست مذهب عمرو ، لم يصح ، لاختلاف مصدره ومصدر عامله .
المفعول معه
الخامس من المفعولات : المفعول معه ، وهو ما جاء بعد الواو وقصد به المعية ، وسبقه فعل أو ما فيه حروفه ومعناه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 107 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وليس منه المنصوب بعد الواو في قولك : لا تأكلِ السمكَ وتشربَ اللبن لأن معناه الجمع أي لا تفعل هذا مع فعلك هذا ، فلا يسمى مفعولاً معه .
وليس منه الجملة الحالية في نحو : جاء زيدٌ والشمسُ طالعةٌ ، وإن كان معناه جاء زيد مع طلوع الشمس ، إلا أنه جملة وليس مفرداً .
وليس منه ما بعد الواو في نحو : اشترك زيد وعمرو ، فإن المفعول معه فضلة ، وهذا عمدة ، أي لا يستغنى عنه فلا يقال : اشترك زيد .
وشرط المفعول معه أن يكون مسبوقاً بفعل كقولك : سرتُ والنيلَ . وقوله تعالى : فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ . أو بما فيه معنى الفعل وحروفه ، كقولك : أنا سائرٌ والنيلَ . فلا يجوز النصب في قولهم : كل رجل وضيعته خلافاً للصيمري ، لأنه ليس فيه فعلٌ ولا ما فيه معنى الفعل .
وكذا لا يجوز : هذا لك وأباك ، بالنصب ، لأن اسم الإشارة وإن كان فيه معنى الفعل وهو أشير ، لكن ليس فيه حروفه .
حكم الاسم بعد الواو
للإسم الواقع بعد الواو المسبوقة بفعل أو معناه ، ثلاث حالات :
إحداها : وجوب نصبه مفعولاً معه ، إذا كان العطف ممتنعاً لمانع معنوي أو نحوي ، كقولك : لا تَنْهَ عن القبيح وإتْيَانَه . أي مع إتيانه ، فلو عطفته للزم التناقض . وكقولك : قمتُ وزيداً ، لأنه لا يجوز العطف على الضمير المرفوع المتصل إلا بعد توكيده بمنفصل ، كقوله تعالى : لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 108 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ . وكذا في مثل قولك : مررت بك وزيداً ، لأنه لا يجوز العطف على الضمير المخفوض إلا بإعادة الخافض ، كقوله تعالى : وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ . وقد أجاز ذلك بعضهم .
والثانية : رجح ابن هشام في قولك : كن أنت وزيداً كالأخ ، نصبه مفعولاً معه ، لأنك لو عطفت زيداً على ضمير كن لزم أن يكون زيد مأموراً ، وأنت لا تريد أن تأمره ، وإنما تريد أن تأمر مخاطبك ، قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
فكونوا أنتمُ وبني أبيكم * مكان الكُليتين من الطَّحال
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ثم ذكر ابن هشام أنه لا يصح أن تقول : كالأخوين ، لأن ما بعد المفعول معه يجب أن يطابق الطرف الذي قبله وليس الطرفين ، وهو مقتضى السماع والقياس ، وقيل إن الأخفش أجاز مطابقتهما قياساً على العطف . ومع ذلك جَوَّزَ ابن هشام العطف وإن رجَّح النصب على المفعول معه . والصحيح أنه يجب هنا النصب ولا يجوز العطف لأنه معنى غير مقصود .
والثالثة : وجوب العطف وعدم جواز النصب على المفعول معه ، وذلك إذا أمكن العطف بغير ضعف في اللفظ ولا في المعنى ، نحو : قام زيد وعمرو ، لأن العطف هو الأصل ولا مضعف له ، فيجب .
والعجيب أن ابن هشام جعل العطف هنا راجحاً ولم يوجبه ! ولعله يقصد بتضعيف المفعول معه وترجيح العظف ، وجوبه .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 109 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الثالث عشر : الأسماء التي تعمل عمل أفعالها
يعمل عمل فعله سبعةُ أسماء منها : هيهات بمعنى : بَعُدَ ، وصَهْ بمعنى أسكت ، وَوَيْ بمعنى : أعجبُ .
1 - اسم الفعل
ويكون للماضي كهيهات بمعنى بعد ، قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
فهيهاتَ هيهاتَ العقيقُ ومَنْ به * وهيهاتَ خِلٌّ بالعقيق نواصله
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ويكون اسم فعل أمر ، كصَهْ ، بمعنى أسكت ، وفي الحديث : إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب : صَهْ ، فقد لغوت .
ويكون اسم مضارع ، نحو وَيْ بمعنى أعجب ، قال تعالى : وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ . أي أعجب لعدم فلاحهم . ويقال فيه : وَا ، قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
وا بأبي أنت وفوك الأشنبُ * كأنما ذُرَّ عليه الزَّرْنَبُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وواهاً ، قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
واهاً لسلمى ثم واهاً واهَا * يا ليت عيناها لنا وفاها
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 110 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومن أحكام اسم الفعل : أنه لا يتأخر عن معموله ، فلا يجوز أن تقول : زيداً عليك ، تقصد : عليك زيداً ، وقد أجازه الكسائي محتجاً بقوله تعالى : كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ ، قال معناه عليكم كتاب الله ، أي إلزموه .
ومنعه البصريون وقالوا إن كتاب الله مصدر محذوف العامل ، والتقدير : كَتَبَ اللهُ ذلك كتاباً عليكم .
ومن أحكامه : أنه إذا دل على الطلب جاز جزم المضارع في جوابه ، تقول : نزال نحدثْك بالجزم ، كما تقول : إنزل نحدثْك ، وقال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
وقولي كلَّمَا جَشَأتْ وجَاشَتْ * مكانَك تُحمدي أو تَستريحي
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فمكانك في الأصل ظرف مكان ، ثم جعل إسماً للفعل ومعناه : أثبتي . وقوله تُحمدي مضارع مجزوم في جوابه ، وعلامة جزمه حذف النون .
ومن أحكامه أن الفعل بعد الفاء لا ينصب في جوابه ، فلا يصح : مكانِك فتُحمدي ، وصَهْ فتُحدثُك ، خلافاً للكسائي . بل فتحمدين ونحدثُك .
2 - المصدر
الثاني من الأسماء العاملة عمل الفعل ، المصدر : وقد يضاف إلى الفاعل كقوله تعالى : وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ . وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ . وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ . أو يضاف إلى المفعول ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ألا إن ظلمَ نفسه المرءُ بيِّنٌ * إذا لم يَصُنْهَا عن هَوىً يغلب العقلا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 111 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقول الشاعر ، كما في كتاب سيبويه :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
تنفي يداها الحصى في كل هاجرةٍ * نفيَ الدراهيم تِنْقَادَ الصَّياريف
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وقد يكون المصدر منوناً وإعماله أقيس من إعمال المضاف ، لأنه يشبه الفعل بالتنكير ، كقوله تعالى : أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذي مَسْغَبَةٍ . يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ . تقديره : أو أن يطعم في يوم ذي مسغبة يتيماً .
وقد يكون المصدر العامل معرفاً بأل ، وإعماله شاذ ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
عجبتُ من الرزق المسئ إلُههُ * ومن ترك بعض الصالحين فقيرا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
أي عجبت من أن رَزَق المسئَ إلهُه ، ومن أن تَرَكَ بعض الصالحين فقيراً .
شروط عمل المصدر
استنبط النحاة من استقرائهم للعربية ، ثمانية شروط لعمل المصدر :
1 . أن يصح أن تقديره بفعل مع أن أو مع ما ، كقولك : أعجبني ضربك زيداً ، ويعجبني ضربك عمراً . فيصح أن تقول مكانه : أعجبني أن ضربت زيداً ، ويعجبني أن تضرب عمراً . وقولك : يعجبني ضربك زيداً الآن ، لأنك تقدر مكانه الفعل وما المصدرية فتقول : يعجبني ما تضرب . قال تعالى : بِمَا رَحُبَتْ . أي برحبها . وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ . أي عَنَتَكُم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 112 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
بينما لا يصح في قولك : ضرباً زيداً ، أن تجعل المصدر عاملاً وزيداً مفعوله ، لأن المصدر حلَّ محل الفعل وحده بدون حرف مصدري . فيكون زيداً منصوباً بفعل محذوف هو الناصب للمصدر ، أي : اضرب زيداً ضرباً .
كما لا تستطيع أن تقدر المصدر في نحو : مررت بزيد فإذا له صوتٌ صوتَ حمار ، فصوت الثاني لا يصح نصبه بصوت الأول ، لأن المعنى يأبى أن يحل محل الأول فعلٌ مع حرف مصدري ولا بدونه ، لأن المراد أنك مررت به وهو في حالة تصويته ، لا أنه أحدث التصويت عند مرورك به .
2 . أن لا يكون مصغراً ، فلا يجوز : أعجبني ضُرَيْبُك زيداً .
وقاس بعضهم عليه المصدر المجموع فمنع إعماله ، لأن كلاً منهما يختلف عن الفعل . وأجاز إعماله كثير من النحاة ، واستدلوا بنحو قول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
وعدتَ وكان الخُلْفُ منك سجيةَ * مواعيدَ عُرْقٌوبٍ أخاه بيثربِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
3 . أن لا يكون مضمراً ، فلا تقول ضربي زيداً حسن ، وهو عمراً قبيح . وأجاز ذلك الكوفيون واستدلوا بقول زهير بن أبي سلمى :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
وما الحربُ إلا ما علمتمْ وذقتمُ * وما هو عنها بالحديث المُرَجَّمِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
أي : وما الحديث عنها بالحديث المرجم ، قالوا ( عنها ) متعلق بالضمير وهذا البيت نادر قابل للتأويل ، فلا تبنى عليه قاعدة .
4 . أن لا يكون محدوداً ، فلا تقول : أعجبني ضربتك زيداً . وشذ قوله :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 113 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
حابى به الجَلْدُ الذي هو حازمٌ * بضربة كفيهِ الملا نفسَ راكب
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فأعمل الضربة في الملا ، ونفس راكب مفعول ليحابي . ومعناه أنه عدل عن الوضوء إلى التيمم ، وسقى الراكب ماء وضوئه فأحيا نفسه .
5 . أن لا يكون موصوفاً قبل العمل ، فلا يقال : أعجبني ضربك الشديد زيداً ، فإن أخرت الشديد جاز ، قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
إن وجدي بك الشديدَ أراني * عاذراً فيك من عهدت عذولا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
6 . أن لا يكون محذوفاً ، وبهذا ردوا من قال في : مالَكَ وزيداً ، تقديره وملابستك زيداً ، ومن قال إن تقدير البسملة : ابتدائي بسم الله ثابت ، فحذف المبتدأ والخبر وأبقى معمول المبتدأ . وجعلوا من الضرورة قوله :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
هل تذكرن إلى الديرين هجرتكم * ومسحكم صلبكم رحمان قربانا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
بتقدير : وقولكم يا رحمن قرباناً .
7 . أن لا يكون مفصولاً عن معموله ، ولهذا لم يرتضوا أن تكون يوم تبلى السرائر في قوله تعالى : إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ . يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ، معمولاً لرجعه لأنه فصل بينهما بالخبر .
8 . أن لا يكون مؤخراً عنه ، فلا يجوز : أعجبني زيداً ضربك . وأجاز السهيلي تقديم الجار والمجرور واستدل بقوله تعالى : لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً . وقولهم : اللهم اجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 114 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
3 - اسم الفاعل
الثالث من الأسماء التي تعمل عمل فعلها : اسم الفاعل ، وهو الوصف الدال على الفاعل كضارب ومكرم . فإن كانت معه أل عمل مطلقاً ، ماضياً كان أو حالاً أو مستقبلاً ، تقول : جاء الضارب زيداً أمس ، أو الآن أو غداً ، لأنه حلَّ محل الفعل ضرب في الماضي ويضرب في غير الماضي . والفعل يعمل في جميع الحالات . قال امرؤ القيس :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
القاتلين الملك الحَلاحِلا * خيرَ مَعَدٍّ حَسَباً ونائلا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وإن كان مجرداً من ألْ عمل بشرطين :
الأول : أن يكون للحال أو الاستقبال ، وخالف الكسائي وهشام وابن مضاء ، فأجازوا إعماله إن كان للماضي ، واستدلوا بقوله تعالى : وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد . وأجيب بأن الجملة هنا حالية أي الآن باسط يديه ويصح أن تقول : وكلبهم يبسط ذراعيه ، وهي جملة حالية ، ولأن الله تعالى قال : وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ ، ولم يقل وقلبناهم .
الشرط الثاني : أن يعتمد على نفي أو استفهام أو مخبر عنه أو موصوف كقوله :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
خليليَّ ما وافٍ بعهديَ أنتما * إذا لم تكونا لي على من أقاطع
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فأنتما فاعل بواف لاعتماده على النفي . ومثال الاستفهام قوله :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
أقاطنٌ قوم سلمى أم نَوَوْا ظَعَناً * إن يظعنوا فعجيبٌ عيش من قطنا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 115 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومثال اعتماده على المخبر عنه ، قوله تعالى : إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ .
ومثال اعتماده على الموصوف : مررت برجل ضارب زيداً ، وقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
إني حلفت برافعين أكفهم * بين الحطيم وبين حوضي زمزم
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وذهب الأخفش إلى أنه يعمل وإن لم يعتمد على شئ ، واستدل بقوله :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
خبيرٌ بنو لِهْبٍ فلاتك مُلغياَ * مقالة لِهبْيٍّ إذا الطير مرتِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فبنو لهْب فاعل بخبير مع أن خبيراً لم يعتمد . وأجيب : بأنا نحمله على التقديم والتأخير ، فبنو لهب مبتدأ وخبير خبره .
ورُدَّ بأنه لا يُخبر بالمفرد عن الجمع . وأجيب بأن وزن فعيل قد يستعمل للجماعة ، كقوله تعالى : وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ .
4 - أمثلة المبالغة
الرابع مما يعمل عمل فعله : أمثلة المبالغة ، وهي خمسة : فَعَّال وفَعُول وفَعِيل وفَعِل . قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
أخا الحرب لَبَّاساً إليها جِلابَها * وليس بِوَلاجِ الخوالفِ أعقلا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وقال الآخر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ضَروبٌ بنصل السيف سُوقَ سِمانها * إذا عُدموا زاداً فإنك عاقرُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وقالوا : إنه لمِنْحَارٌ بَوائكَها . والله سميعٌ دعاءَ من دعاه . وقال الشاعر :
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 116 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
أتاني أنهم مَزِقُونَ عِرضي * جِحَاشُ الكِرْمِلِينَ لها فَدَيدُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
والثلاثة الأولى أكثر استعمالاً ، وكلها تقتضي تكرار الفعل ، فلا يقال ضرَّابٌ لمن ضرب مرة واحدة ، وكذا الباقي .
وحكم أمثلة المبالغة وشروطها كإسم الفاعل سواء ، وإعمالها قول سيبويه وأصحابه ، وحجتهم السماع وأنها محولة عن اسم الفاعل للمبالغة .
ولم يُجز الكوفيون إعمال شئ منها لمخالفتها أوزان المضارع ومعناه ، وحملوا نصب الاسم بعدها على تقدير فعل ، ومنعوا تقديمه عليها .
ويرد عليهم قول العرب : أما العسلَ فأنا شرَّابٌ .
ولم يُجز بعض البصريين إعمال فعيل وفعل ، وأجاز الجرمي إعمال فَعِل لأنه على وزن الفعل ، كعَلِمِ وفَهِمٍ .
وينبغي أن نُنبه هنا : إلى أن تسميتهم لها بأمثلة المبالغة فيه ضعف ، فقصدهم أن الضرَّاب والأكول والشريف يتصفون بهذه الصفات بدرجة عالية مُرَكَّزة ، فسموها صفات مبالغة ، لأن معنى بالغ أن يبلغ الشخص من العمل جهده ومن الصفة درجة عالية ، لكن المبالغة في عرف الناس تشمل الكذب فأوهمت تسميتهم بأن أمثلة المبالغة لا مصداقية لها ، وهو خطأ . ( راجع كتاب العين للخليل : 4 / 421 ، وغريب الحديث للحربي : 1 / 310 ، و : 2 / 407 ، والصحاح : 4 / 1316 ، وشرح الرضي للشافية : 4 / 240 ، ولسان العرب : 8 / 419 ، وفيه : والمبالغة : أن تبلغ في الأمر جهدك . ويقال : بلغ فلان أي جَهِد ، قال الراجز :
إن الضباب خضعت رقابها للسيف لما بلغت أحسابها . أي مجهودها ) .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 117 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
5 - اسم المفعول
الخامس مما يعمل عمل فعله ، اسم المفعول : كمضروب ومُكرم ، وهو كاسم الفاعل في أنه لا يعمل إلا بشرط اعتماده على ( أل ) أو على نفي وشبهه . تقول : جاء المضروبُ عبدُه ، فترفع العبد بمضروب على أنه قائم مقام فاعله ، سواء قصدت الماضي أو الحال أو الاستقبال ، لأن فيه ( أل ) .
لكن لا تقول : زيدٌ مضروبٌ عبدُه ، إن أردت الحال أو الاستقبال . ولا تقول : مضروب عبدُه وأنت تريد الماضي ، خلافاً للكسائي . ولا تقول : مضروب الزيدان ، لعدم اعتماده على نفي وشبهه ، خلافاً للأخفش .
أقول : هذا رأي ابن هشام وابن عقيل وغيرهما ، لكنه أمرٌ سماعي ، يكفي فيه شهادة مثل الكسائي بأن العرب يعملونه للماضي بدون اعتماده على أل ونفي وشبهه .
6 - الصفة المشبهة
النوع السادس من الأسماء التي تعمل عمل فعلها : الصفة المشبهة باسم الفاعل ، وهي الصفة المصوغة لإفادة نسبة الحدث إلى موصوفها لغير تفضيل ، ودون إفادة حدوث ولا استمرارٍ وتجدد ، مثل حسن ، في قولك : مررت برجل حسن الوجه ، فحسنٌ صفة ، لأنها تدل على حدث وصاحبه ولم تُصَغْ للتفضيل ، كما هو الحال في : أفضل وأعلم وأكثر .
1 . ذكر ابن هشام أن صيغة الصفة المشبهة تخالف اسم الفاعل وحركات المضارع غالباً ، وأن معمولها لا يتقدم عليها فلا تقول : زيدٌ وجهَه حسن ، بنصب الوجه ، ويجوز في اسم الفاعل أن تقول : زيدٌ أباه ضارب . وعلل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 118 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ذلك بأن الصفة المشبهة ضعيفة ، لأنها فرعٌ عن اسم الفاعل ، بينما اسم الفاعل قوي ، لأنه فرعٌ عن أصل هو الفعل .
2 . وذكر أن معمول الصفة المشبهة لا يكون إلا سببياً متصلاً بضمير الموصوف ، نحو : مررت برجل حسنٍ وجهُه ، أو بما يقوم مقام ضميره ، نحو : مررت برجل حسنِ الوجه ، لأن أل قائمة مقام الضمير المضاف إليه .
أو مقدراً معه ضمير الموصوف ، نحو : مررت برجل حسن وجهاً ، ولا تقول : مررت برجل حسن عمراً .
وكل هذا بخلاف اسم الفاعل فإن معموله يكون سببياً وأجنبياً ، نحو : مررت برجل ضارب عمراً .
3 . وقد يكون معمول الصفة مرفوعاً نحو : مررتُ برجل حسن وجهُه ، فهو مرفوع على الفاعلية أو الإبدال من ضمير مستتر في الوصف ، قال تعالى : جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ . ففي مفتحة ضمير مرفوع نائب عن الفاعل ، والأبواب بدل منه ، بدل بعض من كل .
4 . وقد يكون معمولها منصوباً ، فإن كان نكرةً فنصبه على التمييز وهو الأرجح ، أو التشبيه بالمفعول به . وإن كان معرفة كان منصوباً على التشبيه بالمفعول به فقط ، لأن التمييز لا يكون معرفة .
5 . وقد يُجر معمولها بالإضافة ، تقول : زيد حسنُ الوجه ، وحسنُ وجهٍ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 119 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
6 . اختلفوا في الصفة المشبهة ، هل هي قياسية تصاغ من الأفعال المتعدية كإسم الفاعل ، أو تصاغ من اسم الفاعل ، أم سماعية يقتصر فيها على السماع من العرب ، فذهب عدد منهم ابن مالك إلى أنها قياسية ، فيمكن أن تصوغها من أي فعل متعد ، قال :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
صفةٌ استُحْسِنَ جَرُّ فاعلِ * معنىً بها المُشْبِهَةُ اسمِ الفاعل
وصوْغُها من لازمٍ لحاضر * * كطاهر القلب جميل الظاهر
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وقال الرضي في شرح الشافية : ( 3 / 433 ) : ( صيغ الصفة المشبهة ليست بقياسية كإسم الفاعل واسم المفعول ، وقد جاءت من الألوان والعيوب الظاهرة قياسية ، كأسود وأبيض وأدعج وأعور على وزن أفعل . وإنما عملت الصفة المشبهة وإن لم توازن صيغها الفعل ، ولا كانت للحال والاستقبال واسم الفاعل يعمل لمشابهته الفعل لفظاً ومعنى ) . وهو رأيٌ قوي .
7 . سماها النحاة الصفة المشبهة باسم الفاعل ، وقالوا إنها محولة عنه أو مشتقة منه ، فضرَّاب مشتقة من ضارب . لكن يردُّ ذلك كثير منها كحسن وجميل ، فليسا مشتقين من حاسن وجامل .
قال ابن هشام : وإنما سميت هذه الصفة مشبهة لأنها كان أصلها أنها لا تنصب ، لكونها مأخوذة من فعل قاصر أي اسم الفاعل ، فهي مباينة للفعل تؤنث وتثنى وتجمع ، فتقول : حسن وحسنة وحسنان وحسنتان وحسنون وحسنات ، كما تقول في اسم الفاعل : ضارب وضاربة وضاربان
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 120 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وضاربتان وضاربون وضاربات ، وهذا بخلاف اسم التفضيل كأعلم وأكثر ، فإنه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ، أي في غالب أحواله ، فلهذا لا يجوز أن يشبه باسم الفاعل .
وزعم ابن هشام أن اسمي الفاعل والمفعول بعكسها يفيدان الحدوث والتجدد ، مع أن ضاربٍ ومضروب ، لا يدلان على تجدد الضرب !
كما لا دليل على أن الصفة المشبهة محولة أو مشتقة من الفاعل ، فهي قسمٌ مستقل ، يشترك مع اسم الفاعل ويفترق عنه .
هذا ، وفي الصفة المشبهة مسائل مهمة ، بحثها علماء اللغة وأصول الفقه .
7 - أفعل التفضيل
النوع السابع من الأسماء التي تعمل عمل أفعالها : اسم التفضيل ، وعرفوه بأنه صفة تدل على المشاركة والزيادة ، كأفضل وأعلم وأكثر . والصحيح أنه لا يدل على المشاركة دائماً فقد يستعمل لتأكيد الوصف في المفضل فقط .
قال الحر العاملي ( رحمه الله ) في : الإثنا عشرية / 151 : ( أما التفضيل فقد استعمل كثيراً مع عدم المشاركة ) . وقال الحموي في معجم الأدباء : 1 / 56 : ( لما قال الفرزدق :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
إن الذي سَمَك السماءَ بنى لنا * بيتاً دعائمُه أعَزُّ وأطوَلُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
قال بعض الحاضرين : أعز وأطول من ماذا ؟ فتفكر الفرزدق فوافق ذلك قول المؤذن في الآذان : الله أكبر ، فرفع رأسه فقال : يا فلان أكبر من ماذا ؟ ) !
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 121 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وروى ابن عطية ( 4 / 335 ) في تفسير قوله تعالى : وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه ، عن ابن عباس والربيع بن خيثم : المعنى وهو هين . راجع : شرح ابن عقيل : 2 / 182 .
لهذا ، نقول إن الصحيح أن التفضيل يدل على المشاركة وزيادة غالباً ، لا دائماً .
لأفعل التفضيل أربع استعمالات
1 . ففي الحالة الأولى يستعمل مفرداً مذكراً بعده مِن ، كقولك : زيد أفضل من عمرو . وكذا الزيدان ، والزيدون ، وهند ، والهندان ، والهندات في كلها بصيغة المفرد . قال الله تعالى : إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا . وقال تعالى : قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ . . .
2 . يستعمل مضافاً إلى نكرة ، تقول : زيد أفضل رجل ، وكذا الزيدان ، والزيدون ، وهند ، والهندان ، والهندات . . وأفضل في كلها مفرد .
3 . يستعمل مطابقاً لموصوفه ، وذلك إذا كان مع أل ، نحو : زيد الأفضل والزيدان الأفضلان ، والزيدون الأفضلون ، وهند الفضلى ، والهندان الفضليان ، والهندات الفضليات أو الفضَّل .
4 . وإذا كان مضافاً لمعرفة فتجوز المطابقة وعدمها ، تقول : الزيدان أفضل القوم ، ويجوز : أفضلا القوم . وكذا الباقي ، قال الله تعالى : وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ، فأفرد التفضيل . وقال تعالى : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا ، فطابقه مع الجمع .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 122 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
التفضيل يَرفع ولا يَنْصِب
اتفق النحاة على أن اسم التفضيل يرفع الضمير المستتر ، تقول : زيد أفضلُ من عمرو ، ففاعل أفضل ضمير مستتر فيه يعود على زيد .
وشذ رفع الظاهر به كقولك : مررت برجلٍ أفضلَ منه أبوهُ ، فأفضل صفة لرجل وأبوه فاعل ، والأصح جعل أفضل خبراً مقدماً .
وأوجب أكثرهم الرفع في مسألة الكحل ، وهي تفضيل الشئ على نفسه باعتبارين أو في حالتين ، كقولهم : ما رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ، وقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ما رأيت امرءً أحب إليه البذ * لُ منه إليك يا ابن سنان
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وكذا لو تقدمه استفهام ، كقولك : هل رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ؟ أو نهيٌ كقولك : لا يكن أحدٌ أحب إليه الخير منه إليك .
كما اتفق النحاة على أن اسم التفضيل لا ينصب مفعولاً ، ولهذا قالوا في قوله تعالى : إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ ، إن مَنْ ليست منصوبة بأعلم ، بل بفعل محذوف يدل عليه أعلم ، أي : يعلم من يضل .
ونُنبه هنا إلى أن ابن هشام انفرد بالإستشهاد بهذا البيت ، وليس فيه تفضيل الشئ على نفسه باعتبارين ، وليته استشهد ببيت سيبويه في مؤلفه القيِّم : الكتاب : 2 / 32 :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
مَرَرتُ على وادي السِّباعِ ولا أَرى * كوادي السِّباع حين يُظْلِمُ وادِيا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 123 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الرابع عشر : الحال
عَرَّفَ النحاة الحال بأنها : وصفٌ ، فضلةٌ ، يصلح أن يكون جواب كيف كقولك : ضربت اللصَّ مكتوفاً .
وقد يشكل عليه بأن ثُبات في قوله تعالى : فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ ، ليست وصفاً ، وجوابه أنها وصف بمعنى متفرقين .
والفضلة باصطلاح النحاة ما ليس ركناً في الجملة في اللفظ ، وإن كان ركناً في المعنى ، لأن مَرَحاً في قوله تعالى : وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً ، ركنٌ في المعنى ، وكذا كئيباً في قول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ليس من مات فاستراحَ بميتٍ * إنما الميْتَ ميِّتُ الأحياء
إنما الميْتُ من يعيش كئيباً * كاسفاً بالُه قليلَ الرجاء
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
لكن ملاك النحاة اللفظ فقط ، والفعل والفاعل عندهما ركنا اللفظ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 124 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
شرط الحال أن تكون نكرة
شرط الحال أن تكون نكرة ، فإن جاءت معرفة وجب تأويلها بنكرة ، كقولهم : أدخلو الأول فالأول . أي أوَّلاً فأوَّل ، وكذا أرسلها العراك . وقرأ بعضهم : ليَخْرُجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ ، بفتح الياء وضم الراء . وهذه المواضع ونحوها مخرَّجَة على زيادة الألف واللام .
وقولهم : اجتهد وحدك ، مؤول بما لا إضافة فيه أي : اجتهد منفرداً .
شروط صاحب الحال
وشرط صاحب الحال أحد أمور أربعة :
الأول : التعريف كقوله تعالى : خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ ، فخشعاً حال من الضمير في قوله تعالى : يخرجون ، والضمير أعرف المعارف .
والثاني : التخصيص كقوله تعالى : فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ . فسواء حال من أربعة ، وهي وإن كانت نكرة لكنها مخصصة بالإضافة إلى أيام .
والثالث : التعميم كقوله تعالى : وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ ، فجملة لها منذرون حال من قرية ، وهي نكرة عامة لوقوعها في سياق النفي .
والرابع : التأخير عن الحال ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
لِمَيَّةَ موحشاً طللُ * يلوحُ كأنهُ خِللُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 125 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فموحشاً حال من طلل ، وهو نكرة لتأخيره عن الحال . والخِلل بكسر الخاء جمع خلة ، وهي صفائح منقوشة تصنع منها جفان السيوف .
التمييز
من المنصوبات التمييز ، وهو يلتقي مع الحال بأنه : إسمٌ نكرةٌ فضلةٌ ، ويتميز عنه بأنه جامدٌ ويفسر الذات المبهمة . بينما الحال يُبيِّن الهيئات .
وهو نوعان : النوع الأول : تمييز مفسر لمفرد ، ويستعمل في أربعة موارد :
1 . مفسر للمقادير ، وهي المساحات ، كجَريبٍ نخلاً . والكيل ، كصَاعٍ تمراً . والوزن ، كمَنَوَيْنِ عَسَلاً .
2 . مفسر العدد وهو غير المقادير ، كأحدَ عشرَ درهماً ، ومنه قوله تعالى : إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا . وكذا حكم الأعداد من الأحدَ عشرَ إلى التسعةَ والتسعين . قال الله تعالى : إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً . وفي الحديث : إن لله تسعة وتسعين إسماً .
ومن تمييز العدد تمييز : كم الإستفهامية ، لأنها كناية عن عدد مجهول الجنس والمقدار ، يُسأل بها عن كمية الشئ ، وتمييزها منصوب مفرد ، تقول : كم عبداً ملكت ، وكم داراً بنيت .
بخلاف كم الخبرية بمعنى كثير ، وتستعمل للإفتخار والتكثير .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 126 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وتمييزها مجرور دائماً ، تقول : كم كتابٍ ملكت ، كما تقول عشرةُ كتبٍ ملكت ، وثلاثة دراهمَ ملكت .
كما يجوز جر تمييز كم الإستفهامية بحرف الجر تقول : بكمْ درهمٍ اشتريت ، وزعم الزجاج أن جرها بالإضافة .
3 . تمييز ما دل على مماثلة كقوله تعالى : وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا . وقولهم : إن لنا أمثالها إبلاً .
4 . تمييز ما دل على مغايرة ، نحو : إن لنا عيرها إبلاً ، أو شاء .
والنوع الثاني من التمييز ، مفسر نسبة : وهو على قسمين : محوَّل وغير محوَّل فالمحول ثلاثة :
1 . محوَّل عن الفاعل ، كقوله تعالى : وَاشْتَعَلَ الرَّاسُ شَيْبًا ، أصله اشتعل شيب الرأس ، فجعل المضاف إليه فاعلاً والمضاف تمييزاً .
2 . محوَّل عن المفعول ، كقوله تعالى : وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا ، أصله وفجرنا عيون الأرض ، فجرى عليه ما ذكرنا .
3 . محوَّل عن مضاف غيرهما ، وذلك في حالات بعد أفعل التفضيل ، كقولك : زيد أكثر منك علماً . قال تعالى : أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً .
وقد يجب جره بالإضافة كقولك : مال زيد أكثرُ مالٍ . إلا إذا كان أفعل التفضيل مضافاً إلى غيره فينصب ، نحو : زيد أكثر الناس مالاً .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 127 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
هذا ، وقد اعترف النحاة بأن الحال والتمييز أوسع من تعريفهم ! قال ابن هشام : وقد يقع الحال والتمييز مؤكداً غير مبين لهيئة ولا ذات ، مثال ذلك في الحال قوله تعالى : وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ . ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ . وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا . فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا . وقال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
وتضئ في وجه الظلام منيرةً * كجمانة البحريِّ سُلَّ نظامها
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ومثال التمييز قوله تعالى : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا . وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً .
وقول أبي طالب ( عليه السلام ) :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ولقد علمتُ بأنَّ دين محمدٍ * من خير أديان البرية دينا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ومنه قول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
والتغلبيون بئس الفحلُ فحلهم * فحلاً وأمهم زلاء منطيق
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ومنع سيبويه أن يقال : نعم الرجل رجلاً زيد . وتأولوا فحلاً في البيت على أنه حال مؤكدة . لكن الشواهد على جواز المسألة كثيرة ، فلا حاجة إلى التأويل . ودخول التمييز في باب نعم وبئس أكثر من دخول الحال .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 128 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 129 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الخامس عشر : الاستثناء
من المنصوبات المستثنى في بعض أقسامه . فيجب نصبه إذا كان الاستثناء بإلا ، وكانت مسبوقة بكلام تام مثبت ، سواء كان متصلاً ، نحو : قام القوم إلا زيداً ، وقوله تعالى : فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ . أو منقطعاً كقولك : قام القوم إلا حماراً ، وقوله تعالى : فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ، إِلا إِبْلِيسَ .
وإذا تقدم على المستثنى منه وجب نصبه مطلقاً ، سواء كان الاستثناء منقطعاً أو متصلاً ، نحو : ما قام إلا زيداً القوم . قال الكميت :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
وماليَ إلا آلُ أحمدَ شيعةً * وماليَ إلا مذهبُ الحقِّ مذهبُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وإنما امتنع الإتْباع في ذلك ، لأن التابع لا يتقدم على المتبوع .
أقول : لا يصح أن تكون شيعة في البيت تمييزاً ، لأنه من الاستثناء المتصل الذي تقدمه نفي ، ومعناه : مالي شيعةٌ إلا آل أحمد . وحكمه عندهم وجوب النصب ، لكن الكميت رفعه بدليل عجز البيت ، فلا بد أن نقول بجواز ذلك في الشعر ، لأن الكميت ( رحمه الله ) من أفصح العرب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 130 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حكم المستثنى بعد النفي
وإذا تقدم المستثنى وكان الكلام السابق غير مثبت ، أي فيه نفي أو نهي أو استفهام ، فيختلف الحال بين الاستثناء المتصل والمنقطع .
ففي المتصل يجوز الوجهان : أن يجعل تابعاً للمستثنى منه على أنه بدل منه بدل بعض من كل عند البصريين ، أو عطف نسق عند الكوفيين .
وأن ينصب على أصل الباب ، وهو عربي جيد ، والإتْباع أجود منه .
مثال النفي قوله تعالى : مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ . قرأ السبعة غير ابن عامر بالرفع على الإبدال من الواو . وقرأ وحده بالنصب على الاستثناء .
ومثال النهي قوله تعالى : وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَكَ . قرأ أبو عمرو وابن كثير بالرفع على الإبدال من أحد ، وقراءتهم مرجوحةٌ لأن الرواية بالنصب ، ومرجع القراءة الرواية لا الرأي .
وقرأ الباقون بالنصب على الاستثناء من أهلك . وهو الصحيح .
ومثال الاستفهام قوله تعالى : وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ . قرأ الجميع بالرفع على الإبدال من الضمير في يقنط ، ولو قرئ الضالين بالنصب على الاستثناء لجاز ، ولكن القراءة رواية .
أما إذا كان الاستثناء منقطعاً ، فأهل الحجاز يوجبون النصب ، وقد جاء التنزيل بلغتهم ، قال الله تعالى : مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 131 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وبنو تميم يجيزون النصب والإبدال ، ويقرؤون إلا اتِّبَاعُ الظن بالرفع ، على أنه بدل من العلم باعتبار الموضع .
ولا يجوز أن يُقرأ بالخفض على الإبدال من لفظ علمٍ ، لأن من زائدة لا تعمل إلا في النكرات المنفية أو المستفهم عنها ، فكيف يُبدل من معمولها اتباع الظن ، وهو معرفة موجبة . قال تعالى : مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ .
الاستثناء المفرغ
إذا لم يذكر المستثنى منه في الجملة يسمى الاستثناء مُفَرَّغاً ، تقول : ما قام إلا زيدٌ ، فهو مفرغٌ من وجود المستثنى منه ، لأنه محذوف تقديره : ما قام أحدٌ إلا زيد . وهو مفرغ أيضاً من حكم الاستثناء ، لأنه يعرب وكأنَّ إلا غير موجودة . لكن النحاة بسليقتهم أهملوا هذين التفريغين ، وقالوا إنه مفرغٌ لأن العامل قبل إلا تفرغ عن العمل بانتظار ما بعدها .
وتقول : ما رأيت إلا زيداً بالنصب ، وما مررت إلا بزيدٍ ، بالجر ، كما لو لم تكن إلا . وكذلك الأمر في المستثنى بغير ، وسوى ، وخلا ، وعدا ، وحاشا ، وما خلا ، وما عدا ، وليس ، ولا يكون .
الاستثناء بغير إلا
يستثنى بأدوات استثناء غير إلا ، ومنها ما يجرُّ دائماً ، ومنها ما ينصب دائماً ، ومنها يجرُّ تارة وينصب أخرى .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 132 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
فالذي يجر دائماً : غير وسوى ، تقول : قام القوم غير زيد ، وقام القوم سوى زيد ، بخفض زيد فيهما . وتعرب غير وسوى بما يستحقه الاسم الواقع بعد إلا ، فتقول : قام القوم غير زيد بنصب غير ، كما لو قلت : قام القوم إلا زيداً بنصب زيد . وتقول : ما قام القوم غيرُ زيد وغيرَ زيد بالنصب والرفع ، كما تقول : ما قام القوم إلا زيداً وإلا زيدٌ . وتقول في الاستثناء المنقطع : ما قام القوم غيرَ حمار ، بالنصب عند الحجازيين ، وبالنصب أو الرفع عند التميميين . وعلى ذلك فقس .
وأما ما ينصب دائماً ، فهو أربعة : ليس ، ولا يكون ، وما خلا ، وما عدا . تقول : قاموا ليس زيداً ، ولا يكون زيداً ، وما خلا زيداً ، وما عدا زيداً . وقال لبيد :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ألا كل شئ ما خلا اللهَ باطلُ * وكلُّ نعيمٍ لا محالةَ زائلُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ونصبه بعد ليس ولا يكون على أنه خبرهما ، واسمهما مستتر وجوباً .
ونصبه بعدما خلا و ما عدا على أنه مفعولهما والفاعل مستتر فيهما .
أما ما يجر تارة وينصب أخرى ، فهو ثلاثة : خلا وعدا وحاشا ، لأنها تكون حروف جر وأفعالاً ماضية ، فإن قدرتها حروفاً جررت بها المستثنى وإن قدرتها أفعالاً نصبته بها على المفعولية ، وقدرت الفاعل مضمراً فيها .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 133 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل السادس عشر : حروف الجر
تُجَرُّ الأسماء بالحروف وبالإضافة . وقال النحاة إن الأصل الجرُّ بالحرف . وحروف الجر عشرون ، وعدها بعضهم أكثر ، وهي : مِن ، وإلى ، وعن ، وعلى ، وفي ، واللام ، والباء ، ورُبَّ ، ومُذْ ، ومُنْذُ ، والكاف ، وحتى ، وواو القسم ، وتاؤه ، وخلا وعدا ، وحاشا . وشذ الجر بلعل ومتى وكي ولولا . قال ابن مالك :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
هاكَ حروفَ الجر وهي : من إلى * حتى خلا حاشا عدا في عن على
مذْ منذُ ربَّ اللامُ كي واوٌ وتا * والكافُ والبا ولعل ومتى
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ومنها أربعة لايُجر بها إلا شذوذاً ، وهي : لعل ، ومتى ، وكي ، ولولا . فلعل لا يَجُرُّ بها إلا بنو عقيل ، قال شاعرهم :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
لعل اللهِ فضَّلكم علينا * بشئ أن أمكم شريمُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
و متى لا يجر بها إلا بنو هذيل ، قال شاعرهم أبو ذؤيب يصف السحاب :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
سقى أمُّ عمرو كلَّ آخرِ ليلةٍ * حَنَاتِمُ غُرٌّ ماؤهن نجيجُ
شربن بماء البحر ثم ترفعت * متى لججٍ خضر لهن نئيجُ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 134 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والمعنى : سقى الله أم عمرو سحائب ارْتَوَيْنَ من لجج ماء البحر الخضراء ثم ارتفعن ، فلهن دويُّ رعد . ( راجع : أضواء البيان : 5 / 329 ، وخزانة الأدب : 7 / 89 ) .
فاستعمل متى بمعنى من ، لكن روي أنها عند هذيل بمعنى : وسط .
أما كَيْ ، فلا يجر بها إلا ما الاستفهامية ، وذلك في قولهم في السؤال عن علة الشئ : كَيْمَهْ ، بمعنى لِمَهْ . وأما لولا ، فلا يجر بها إلا الضمير في قولهم : لولاي ، ولولاك ، ولولاه . وهو نادر ، قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
أومَتْ بعينيها من الهودج * لولاكَ في ذا العام لم أحججِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
والأكثر في العربية : لولا أنا ، ولولا أنت ، ولولا هو ، قال الله تعالى : لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ .
هذا ، وقسموا حروف الجر إلى : ما وضع على حرف واحد وهو : الباء واللام والكاف والواو والتاء . وما وضع على حرفين وهو : من وعن وفي ومذ . وعلى ثلاثة وهو : إلى وعلى ومنذ . وأربعة وهو : حتى ، وحدها .
وقسموها إلى ما يجر الظاهر دون المضمر وهو سبعة : الواو والتاء ومذ ومنذ وحتى والكاف ورب ، وما يجر الظاهر والمضمر ، وهو البواقي .
وما لا يجر إلا الزمان وهو مذ ومنذ ، تقول : ما رأيته مذ يومين ، أو منذ يوم الجمعة ، وما لا يجر إلا النكرات ، وهو رُبَّ ، تقول : رب رجل صالح . وما لا يجر إلا لفظ الجلالة وقد يجر لفظ الرحمن ولفظ الرب ، والكعبة ، وهو التاء ، قال الله تعالى : وَتَاللهِ لأكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ . تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 135 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقالوا : ترب الكعبة لأفعلن كذا ، وهو قليل . وقالوا : تالرحمن لأفعلن كذا ، وهو أقل .
المجرور بالإضافة
قَسَّمَ النحاة الإضافة إلى قسمين : إضافة لفظية ، ومعنوية .
فالإضافة اللفظية : إضافة اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة إلى معمولها . كقولك : حسنُ الوجه ، وضاربُ زيد ، ومعمورُ الدار . وكلها بمعنى الآن أو غداً . وسماها النحاة إضافة لفظية ، لأنها تفيد تخفيف معنى اللفظ ، لأن قولك : ضاربُ زيد ، أخف من قولك : ضاربٌ زيداً .
وقالوا إنها لا تفيد تعريفاً ولا تخصيصاً ، ولهذا صح وصف هدياً ببالغ مع إضافته إلى المعرفة في قوله تعالى : هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ، وصح مجئ ثانيَ حالاً مع إضافته إلى المعرفة في قوله تعالى : ثَانِيَ عِطْفِه .
لكن تسمية النحاة لها إضافة لفظية ، وقولهم بعدم فائدتها ضعيف ، ولا يتسع المجال لبحثه .
والإضافة المعنوية : كغلام زيد ، لأنها تفيد أمراً معنوياً وهو التعريف إن كان المضاف إليه معرفة ، والتخصيص إن كان نكرة ، كغلام امرأة .
وقد تكون هذه الإضافة بين اسمين ليسا صفة ولا معمولاً كغلام زيد ، أو يكون المضاف صفة ولا يكون المضاف إليه معمولاً لها نحو : كاتب
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 136 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
القاضي وكاسب عياله . أو يكون المضاف إليه معمولاً للمضاف ، وليس المضاف صفة نحو : ضَرْبُ اللص .
والإضافة المعنوية تكون على معنى : في وعلى واللام ، فإذا كان المضاف إليه ظرفاً للمضاف ، كانت بمعنى في ، كقوله تعالى : بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ .
وإذا كان المضاف إليه كلاً للمضاف ، كانت بمعنى من ، كخاتم حديد ، وباب ساج . وهذا المضاف إليه يصح جعله خبراً عن المضاف تقول : خاتمٌ حديد . بينما لا يصح الإخبار به على معنى اللام ، كقولك : يَدُ زيد .
لا تجتمع الإضافة مع التنوين
لا تجتمع الإضافة مع التنوين ، ولا مع النون التالية للإعراب ، ولا مع الألف واللام . تقول : جاءني غلامٌ ، وإذا أضفت قلت : جاءني غلامُ زيد فتحذف التنوين . وتقول : جاءني مسلمانِ ومسلمون ، فإذا أضفت قلت : مسلماك ومسلموك ، فتحذف النون كقوله تعالى : إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَابِ . إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ . وقرأ بعضهم : وَالْمُقِيمِي الصَّلَوةَ . والأصل : المقيمين والذائقون ومرسلون . فإذا بقيت النون كان ما بعده معمولاً لا مضافاً إليه ، قال لبيد :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
نحن بني أم البنين الأربعهْ * الضاربونَ الهامَ يومَ المعمعهْ
والمطعمونَ الجَفْنَةَ المُدَعْدَعَهْ * ونحن خيرُ عامرِ بنِ صَعْصَعَهْ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 137 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أما إذا كانت النون من أصل الكلمة كحين ومساكين ، أو نونَ مفردٍ أو جمع تكسير ، فلا تحذف بالإضافة ، تقول : آتيك حين طلوع الشمس ، وهؤلاء شياطين الإنس .
ويستثنى من حذف الألف واللام ما إذا كان المضاف مثنى نحو : الضاربا زيد ، أو جمع مذكر سالم ، نحو : الضاربو زيد .
أو كان المضاف إليه فيه ألف ولام ، نحو الضارب الرجل .
أو كان مضافاً إلى ما فيه ألف ولام ، نحو : الضارب رأس الرجل .
أو كان مضافاً إلى ضمير عائد على ما فيه ألف ولام ، نحو : مررت بالرجل الضارب غلامه .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 138 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 139 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل السابع عشر : التوابع
التوابع هي : الكلمات التي تعرب تبعاً لغيرها ، وهي خمسة : النعت ، والتأكيد ، وعطف البيان ، وعطف النسق ، والبدل . وكلها مشتقة ، أو مؤولة بمشتق .
النعت أو الصفة
وفائدته تخصيص النكرة ، أو توضيح المعرفة ، أو المدح ، أو الذم ، أو الترحم ، أو التأكيد .
فتخصيص النكرة كقولك : مررت برجل كاتب .
وتوضيح المعرفة كقولك : مررت بزيد الخياط .
والمدح كقوله تعالى : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
والذم كقولك : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
والترحم كقولك : اللهم ارحم عبدك المسكين .
والتوكيد كقوله تعالى : تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ . فإذا فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 140 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الصفة تتبع الموصوف
للإسم بحسب الإعراب ثلاثة أحوال : رفعٌ ونصبٌ وجرٌ ، وبحسب الإفراد والتثنية والجمع ثلاثة أحوال ، وبحسب التذكير والتأنيث حالتان ، وبحسب التنكير والتعريف حالتان .
فهذه عشرة أحوال للاسم ، ولا يكون عليها كلها في وقت واحد ، لما في بعضها من التضاد ، وإنما يجتمع منها في وقت واحد أربعة أمور ، تقول : جاءني زيد ، فيكون فيه الافراد والتذكير والتعريف والرفع ، ويجب أن يتبعه فيها النعت .
وهذا مقصود المعربين من أن النعت يتبع المنعوت في أربعة من عشرة ، فلا يجوز في النعت أن يخالف منعوته في : الإعراب والتعريف والتنكير .
وحكمه أن يتبع الفعل الذي يحل محله في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، تقول : مررت برجل قائم ، وبرجلين قائمين ، وبرجال قائمين ، وبامرأة قائمة ، وبامرأتين قائمتين ، وبنساء قائمات .
كما تقول في فعله : مررت برجل قام ، وبرجلين قاما ، وبرجال قاموا ، وبامرأة قامت ، وبامرأتين قامتا ، وبنساء قُمن .
وإن كان الوصف رافعاً لاسم ظاهر ، كان تذكيره وتأنيثه بحسبه لا بحسب المنعوت . وذلك كالفعل الذي يحل محله ، تقول : مررت برجل
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 141 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
قائمة أمه ، فتؤنث الصفة لتأنيث الأم ، ولا تلتفت لتذكير الموصوف ، لأنك تقول في الفعل : قامت أمه .
وتقول في عكسه : مررت بامرأة قائم أبوها ، فتذكِّر الصفة لتذكير الأب ، كما في الفعل ، ولا تلتفت لتأنيث الموصوف ، فإنك تقول : قام أبوها .
قال الله تعالى : رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا .
كما يجب إفراد الوصف كالفعل ، ولو كان فاعله مثنى أو مجموعاً ، فتقول : مررت برجلين قائم أبواهما ، وبرجال قائم آباؤهم ، كما تقول : قام أبواهما ، وقام آباؤهم .
وأجازوا أن تجمع الصفة جمع تكسير إذا كان الاسم المرفوع جمعاً ، فتقول : مررت برجال قيام آباؤهم ، وبرجل قعود غلمانه .
قطع الصفة عن الموصوف
إذا كان الموصوف معلوماً بدون الصفة ، جاز لك في الصفة الاتباع والقطع . مثال ذلك في صفة المدح : الحمد لله الحميد . أجاز فيه سيبويه الجر على الاتباع ، والنصب بتقدير أمدح ، والرفع بتقدير هو .
ومثاله في صفة الذم قوله تعالى : وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ . قرأ الجمهور بالرفع على الاتباع ، وقرأ عاصم بالنصب على الذم .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 142 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومثاله في صفة الترحم : مررت بزيد المسكين ، فيجوز فيه الخفض على الاتباع ، والرفع بتقدير هو ، والنصب بتقدير : أرحم .
ومثاله في صفة الإيضاح : مررت بزيد التاجر ، فيجوز فيه الخفض على الاتباع ، والرفع بتقدير هو ، والنصب بتقدير : أعني .
موارد نقض القاعدة
وجد النحاة ما ينقض قاعدتهم في تبعية الصفة لموصوفها في الإعراب ، وحاولوا الإجابة عليه ، مثل قول العرب : هذا جُحْرُ ضبٍّ خَرِبٍ ، فوصف المرفوع بالمخفوض ، وقوله تعالى : وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ، الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ ، فوصف النكرة وهي كل هُمزة ، بالذي وهو معرفة .
وقوله تعالى : حَم . تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ . غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ . فوصف المعرفة وهو اسم الله تعالى بالنكرة ، وهي شديد العقاب .
وقوله تعالى في سورة المائدة : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى ، فلم يُتبع المعطوف إلى المعطوف عليه ، مع أنه أتبعه في سورة البقرة فقال : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ .
وأجابوا عن ذلك بأن ( خربٍ ) كسرت لمجاورتها لضبٍّ المكسورة ، للتناسب بين المتجاورين في اللفظ ، أخذاً للجار بجرم الجار ، وأن المعطوف قد يعطف على اللفظ أو على المحل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 143 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لكنها إجابة غير مقنعة ، والصحيح أن يقال إن تبعية الصفة للموصوف غالبية وليست مطلقة ، فيجوز أن يتعمد المتكلم تمييز إعراب الصفة عن الموصوف لغرض تمييز أحدهما ، كما تضع تحت الكلمة خطاً مثلاً .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 144 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
التأكيد
الثاني من التوابع : التوكيد ، ويقال فيه أيضاً التأكيد بالهمزة ، وبإبدالها ألفاً : التأكيد ، على القياس في نحو فأس ورأس .
وينقسم التوكيد إلى نوعين : التأكيد اللفظي ، وهو إعادة اللفظ بعينه ، وقد يكون إسماً ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
أخاك أخاك إن من لا أخاً له * كساع إلى الهيجا بغير سلاح
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فأخاك منصوب بفعل مضمر أي إحفظ أو إلزم . والثاني تأكيدٌ له .
أو يكون فعلاُ كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
فأين إلى أين النجاة ببغلتي * أتاك أتاك اللاحقون احْبِسِ احْبِسِ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فأتاك الثانية تأكيدٌ ولا فاعل له لأن الغرض منه التأكيد لا للإسناد ، وقيل إنه فاعل بهما معاً . وقوله : احبسِ احبسِ ، تكرير للجملة ، لأن الضمير المستتر في الفعل في قوة الملفوظ به .
وقد يكون التأكيد حرفاً ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
لا لا أبوح بحب بثنة إنها * أخذت عليَّ مواثقاً وعهودا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وليس من تأكيد الاسم قوله تعالى : كَلا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا . وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ، خلافاً لكثير من النحويين . لأنه روي أن معناه دكاً بعد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 145 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
دك ، وأن الدك كرر عليها حتى صارت هباءً منبثاً ، وأن معنى صفاً صفاً أنه تنزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفاً بعد صف . فليس الثاني تأكيداً للأول ، بل المراد به التكرير كما يقال : علمته الحساب باباً باباً .
وليس من تأكيد الجملة قول المؤذن : الله أكبر الله أكبر ، خلافاً لابن جني لأن الثاني لم يؤت به لتأكيد الأول ، بل لإنشاء تكبيرٍ ثانٍ ، بخلاف قوله : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، فإن الجملة الثانية خبر ثان جئ به لتأكيد الخبر الأول .
النوع الثاني : التأكيد المعنوي ، ويكون بلفظ النفس والعين لرفع قصد المجاز ، تقول : جاء زيد ، فيحتمل مجيؤه بنفسه ، ويحتمل مجئ خبره ، أو كتابه ، فإذا قلت نفسه ، ارتفع الاحتمال الثاني .
ويجوز التأكيد بهما بتقديم النفس مع ضمير يعود على المؤكد ، تقول : جاء زيد نفسه عينه ، ويمتنع : جاء زيد عينه نفسه . ويجب إفرادهما مع المفرد وجمعهما على وزن أفعل مع التثنية والجمع ، تقول : جاء الزيدان أنفسهما أعينهما ، والزيدون أنفسهم أعينهم ، والهندات أنفسهن أعينهن .
ومن ألفاظ التأكيد كل ، لرفع إرادة الخصوص تقول : جاء القوم ، فيحتمل جميعهم أو بعضهم ، فإذا قلت : كلهم ، رفعت هذا الاحتمال .
ويؤكد بلفظ كل ، المفرد والجمع دون المثنى ، بشرط أن يكون له أجزاء ويتصل بضمير يعود على المؤكد ، كقوله تعالى : فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 146 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقولك : اشتريت البيت كله ، فإن البيت يتجزأ باعتبار الشراء ، ولا يجوز : جاء زيد كله ، لأنه لا يتجزأ لا بذاته ولا بعامله .
ونسب ابن هشام إلى الفراء والزمخشري أنها اختارا أن تكون كلاً للتأكيد في قوله تعالى : قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا . ولم يرتضه . لكن الذي قاله الزمخشري في الكشاف ( 3 / 430 ) : ( وقرئ كلاً على التأكيد لاسم إن وهو معرفة ، والتنوين عوض من المضاف إليه ، يريد إنا كنا ، أو كلنا فيها ) . فجعلها قراءة ولم يخترها ، والموجود في القرآن بالرفع .
ومن أدوات التأكيد : كلا وكلتا ، تقول : جاء الزيدان ، فإذا قيل كلاهما اندفع الاحتمال . ويشترط أن يكون المؤكد بهما دالا على اثنين ، وأن يصح حلول الواحد محلهما ، فلا يصح أن يقال : اختصم الزيدان كلاهما ، لأنه لا حاجة للتأكيد . وأن يكون المسند إليهما معنى واحداً ، فلا يجوز : مات زيد وعاش عمرو كلاهما . ويجب اتصالهما بضمير عائد على المؤكد .
ومن أدوات التأكيد : أجمع وجمعاء ، وجمعهما وهو : أجمعون . ويؤكد بها غالباً بعد كل ، فتستغني عن الضمير ، تقول : اشتريت البيت كله أجمع ، والأرض كلها جمعاء ، ورأيت الأهل كلهم أجمعين ، والأخوات كلهن جمع . قال الله تعالى : فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ .
وتستعمل بدون كل ، قال الله تعالى : وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ . ولا يثنيان ، فلا يقال : أجمعان ولا جمعاوان .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 147 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفرق بين التأكيد والنعت
1 . إذا تكررت فأنت فيها مخير بين ذكر حرف العطف وحذفه ، كقوله تعالى : سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى . وكقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
إلى الملك القرم وابن الهمام * وليث الكتيبة في المزدحم
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وكقوله تعالى : وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ . مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ . عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ .
2 . تُنعت المعرفة والنكرة ، ولا تُؤكد إلا النكرة ، لأن أدوات التنكير معارف فلا تجري على النكرات ، وشذ قول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
لكنه شاقه أن قيل ذا رجب * يا ليت عدة حول كله رجب
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
3 . تتعاطف النعوت لأنها مختلفة المعنى ، ولا أدوات التأكيد لأنها بمعنى واحد ، لا يقال : جاء زيد نفسه وعينه ، ولا جاء القوم كلهم وأجمعون ، لأن الشئ لا يعطف على نفسه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 148 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العطف
الباب الثالث من أبواب التوابع : العطف : وهو في اللغة إمالة الشئ نحو الغرض ، ويستعمل لازماً ، ومتعدياً بإلى وعلى وعن وغيرها ، ويختلف معناه ، لكن معنى الميل والإمالة ثابت فيه . تقول : عطف يده ، وعطف دابته ، وعطف قلبه ، وعطف نحو كذا ، أي مال واتجه .
وعرفه ابن هشام بأنه الرجوع إلى الشئ بعد الانصراف عنه ، لكن مصادر اللغة لم تذكر الانصراف ولا الرجوع ، إلا إذا قصد به الميل .
وسمي ردُّ كلمة أو جملة إلى أخرى عطفاً ، لأنه بمثابة إمالة المعطوف إلى المعطوف عليه .
عطف البيان
وسمي بذلك لأنه يفيد فائدة النعت في إيضاح متبوعه وتخصيصه ، ويجب أن يوافقه في التنكير ، والتذكير ، والإفراد ، وفروعهن ، كالنعت .
ويكون موضحاً للمعارف ، كقول أبي سفيان ( تاريخ اليعقوبي : 2 / 126 ) :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
فما الأمر إلا فيكم وإليكم * وليس لها إلا أبو حسن علي
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ومخصصاً للنكرات كقوله تعالى : وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ . وقوله تعالى : أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ . وقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لا يصلي الرجل وفي يده خاتم حديد .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 149 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
( الفقيه : 1 / 253 ) . وقد جوزوا في صديد وحديد ومساكين ، أن تكون بدلاً ، وعطف بيان ، ونعتاً .
كل عطف بيان بدل تقريباً
لما كان عطف البيان موضحاً لمتبوعه ، فهو في المعنى صفة له وبدل منه ، فيصح القول إن كل عطف بيان بدل ، إلا إذا منع مانع ، وقد ذكروا مثالين لا يصح فيهما جعل عطف البيان بدلاً ، الأول قول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
أنا ابن التاركٍ البٍكْرِيَّ بشرٍ * عليه الطيرُ ترقُبُهُ وُقُوعَا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فلا يصح أن تقول : أنا ابن التارك بشرٍ ، لأنه ما فيه أل لا يضاف إلا لما فيه أل ، فيتعين أن يكون بشر عطف بيان . والمثال الثاني قول أبي طالب ( عليه السلام ) :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
أيا أخوينا عبد شمس ونوفلاً * أعيذكما بالله أن تحدثا حربا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فلا يصح أن تقول : أيا عبد شمس ونوفلاً ، لأن نوفلاً مفرد علم منادى مبني على الضم ، وعبد شمس منادى مضاف منصوب ، فإذا عطفته بالنسق قلت : عبد شمس ونوفلٌ . لذا يتعين أن يكون عطف بيان .
ونلفت إلى أن بعضهم نسب هذا البيت إلى طالب بن أبي طالب وأنه قاله بعد بدر ، مع أن طالباً ( رحمه الله ) فُقد في ذهابه إلى بدر ، قتلوه بسبب ميله إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) . والصحيح أنه لأبي طالب ( عليه السلام ) كما في العقد الفريد ( 3 / 71 ) وأنساب الأشراف / 34 ، وقبله :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
فما أن جنينا في قريش عظيمة * سوى أن منعنا خير من وطأ التربا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 150 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
عطف النسق بالواو والفاء وأخواتهما
الواو للعطف المجرد
قال السيرافي : أجمع النحويون واللغويون من البصريين والكوفيين على أن الواو للجمع من غير ترتيب . أي لا تدل على ترتيب المعطوفات بها ، فإذا قيل جاء زيد وعمرو ، فمعناه أنهما اشتركا في المجئ ثم يحتمل أن يكونا جاءا معاً أو على الترتيب أو عكس الترتيب .
فالواو لمجرد الاشتراك بين المعطوفين فيما أسند إلى الأول ، ولا تفيد شيئاً آخر غيره ، بل لا بد أن يفهم غيره من غيرها ، كما فُهمت المعية في نحو قوله تعالى : وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ . وكما فُهم الترتيب في قوله تعالى : إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا ، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ، وَقَالَ الإنْسَانُ مَا لَهَا . وكما فُهم عكس الترتيب في قوله تعالى عن منكري البعث : إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ، فلو كانت للترتيب لكان اعترافاً بالحياة بعد الموت .
ومما يدل عليه على الترتيب بالعطف وعدمه ، قول العرب : اختصم زيد وعمرو ، وامتناعهم من عطفه بالفاء أو بثَمَّ .
الفاء للترتيب والتعقيب
تفيد الفاء التشريك في الحكم والترتيب والتعقيب ، فإذا قيل : جاء زيد فعمرو ، فمعناه أن مجئ عمرو وقع بعد مجئ زيد من غير مهلة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 151 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وتتفاوت مدة التعقيب ، لأن الوقت في كل شئ بحسبه ، فالوقت في قولك : دخلت البصرة فبغداد ، يختلف عنه في قولك : أمطرت السماء فجرى السيل ، وفي قولك : أمطرت السماء فنبت النبات ، وفي قولك : تعبت فنمت ، واتكأت على كرسي فانكسر .
كما أن الفاء في عطف الجُمل تدل غالباً على التسبيب كقولك : تعب فنام ، وقوله تعالى : فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ . ولذلك استعملت لربط جواب الشرط نحو : من يأتيني فإني أكرمه . وإذا قيل من دخل داري فله درهم ، أفاد استحقاق الدرهم بدخول الدار .
وقلنا غالباً لأن الفاء العاطفة للجمل قد تخلو الترتيب ، كقوله تعالى : لَّذِي خَلَقَ فَسَوَى ، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ، وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ، فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى .
ثم للترتيب والتراخي
إذا قيل جاء زيد ثم عمرو ، أفادت ثُم التشريك في الحكم والترتيب والتراخي . أما قوله تعالى : وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ ، فقيل إن التقدير : خلقنا أباكم ، فحذف المضاف .
حتى ، للغاية والتدريج
معنى الغاية آخر الشئ ، ومعنى التدريج أن ما قبلها ينقضي شيئاً فشيئاً إلى أن يبلغ إلى الغاية وهو الاسم المعطوف . ولذلك وجب أن يكون
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 152 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
المعطوف بها جزءً من المعطوف عليه ، إما تحقيقاً كقولك : أكلت السمكة حتى رأسها ، أو تقديراً ، كقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ألقى الصحيفةَ كيْ يُخفِّفَ رَحْلَهُ * والزادَ حتى نعلهُ ألقاها
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
فعطف نعله بحتى وليست جزء مما قبلها تحقيقاً لكنها جزء تقديراً ، لأن معنى الكلام : ألقى ما يثقله حتى نعله .
وهي كالواو للجمع مطلقاً لا للترتيب ، كقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : إن دواب الأرض لتصلي على طالب العلم حتى الحيتان في الماء . فلا يدل على أن استغفار الحيتان متأخر .
أو ، لأحد الشيئين أو الأشياء
وتكون أو لأحد الشيئين ، كقوله تعالى : قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ، ولأحد الأشياء كقوله تعالى : فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ . ولذا لا يصح أن تقول : سواء عليَّ هذا الشئ ، لأن سواء لا بد فيها من شيئين .
وتستعمل أو بعد الطلب للتخيير والإباحة . وبعد الخبر للشك والتشكيك . كقولك : تَزَوَّجْ هنداً أو أختها ، أي إحداهما . وادرس عند زيد أو عمرو . تقصد أياً منهما ، ولا تمنع من الجمع بينهما . وكقولك : جاء زيد أو عمرو . إذا لم تعلم من جاء منهما . وقولك : جاء زيد أو عمرو . إذا كنت عالماً بمن جاء ، ولكنك تُبهم على المخاطب .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 153 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ومنه قوله تعالى : فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ . . الآية . وقوله تعالى : أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ . . الآية . وقوله : قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ . وقوله : وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ .
أَمْ ، لطلب التعيين
وتستعمل بعد الهمزة ، تقول : أزيدٌ عندك أم عمرٌو ، إذا كنت تعلم أن أحدهما عنده ، وشككت من هو ، ويكون الجواب بالتعيين لا بنعم أولا . وتسمى أم : المُعَادِلة ، لأنها عادلت بين شيئين تساوى حكمهما عندك . وتسمى أيضاً : المتصلة ، لأن ما قبلها وما بعدها متصلان لا يستغنى عنهما .
لا ولكن وبل ، للرد عن الخطأ
تشترك لا ولكن مع بل ، بأنها عاطفة تفيد رد السامع عن الخطأ .
وتفترقان عنها بأن لا تكون لقصر القلب وقصر الإفراد ، وبل ولكن تكونان لقصر القلب فقط . ومعنى قصر القلب : رد الإعتقاد بالشئ ، وقصر الإفراد : إفراد أحد أو شئ بالحكم . تقول : جاءني زيد لا عمرو . رداً على من اعتقد أن عمراً جاء دون زيد ، أو أنهما جاءا معا . وتقول : ما جاءني زيد لكن عمرو ، أو بل عمرو . رداً على من اعتقد العكس .
وتفترقان بأن ( لا ) يعطف بها بعد الإثبات ، و ( بل ولكن ) يعطف بهما بعد النفي . وقد يعطف ببل بعد الإثبات ، ويكون معناها إثبات الحكم لما بعدها وجعله فيما قبلها مسكوتاً عنه ، كقولك : جاءني زيد بل عمرو .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 154 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الخامس : البدل
الباب الخامس من أبواب التوابع ، البدل : وهو في اللغة العوض ، قال الله تعالى : عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ . وفي الاصطلاح تابع مقصود بالحكم بلا واسطة ، وأقسامه سته :
الأول : بدل كل من كل . وذلك إذا كان عين المبدل منه ، كقولك : جاءني محمد أبو عبد الله ، وقوله تعالى : إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا حَدَائِقَ .
وقال ابن هشام : إنه لم يقل بدل الكل من الكل ، لأن الأصح عدم دخول أل على كل وكذا على بعض .
الثاني : بدل بعض من كل ، عندما يكون الثاني جزءً من الأول ، كقوله تعالى : وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً . واختار ابن هشام أن من استطاع بدلٌ من الناس . وذكر قول الكسائي إنها شرطية مبتدأ جوابها محذوف ، أي من استطاع فليحج ، فلا حاجة لدعوى الحذف .
وذكر قولاً بأن لله على الناس فاعل بالحج ، أي أن يحج مستطيعهم . وردَّه بأنه لا يصح أن يكون الوجوب موجهاً إلى الناس ، لكن لا مانع منه .
والثالث : بدل الاشتمال ، عندما يكون بين الأول والثان علاقة بغير الجزئية ، كقوله تعالى : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 155 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وقد اتضح أن البدل والمبدل منه يكونان نكرتين ، كقوله تعالى : مَفَازًا حَدَائِقَ ، ومعرفتيْن ، كما في آية الحج ، ومختلفيْن ، كما في آية الشهر الحرام .
والرابع والخامس والسادس : بدل الإضراب ، وبدل الغلط ، وبدل النسيان كقولك : تصدقت بدرهم ، دينار . فيحتمل أنك أخبرت أنك تصدقت بدرهم ، ثم أردت أن تخبر بأنك تصدقت بدينار ، فيكون بدل إضراب . ويحتمل أنك قصدت أنك تصدقت بدينار فسبق لسانك إلى الدرهم ، فيكون بدل غلط . أو نسيت وقلت تصدقت بدرهم فعرفت أنك أخطأت فقلت : بدرهم . وهذا بدل نسيان . فالغلط في اللسان والنسيان في الجنان .
العدد
ألفاظ العدد ثلاثة أقسام :
أحدها : ما يجري على القاعدة دائماً ، فيذكر مع المذكر ويؤنث مع المؤنث ، وهو الواحد والاثنان ، وما كان على صيغة فاعل ، كثان وثالث ورابع إلى عاشر ، وتقول في المؤنث : واحدة واثنتان . وثانية وثالثة ورابعة إلى عاشرة .
والثاني : ما يجري بعكس القاعدة دائماً ، فيؤنث مع المذكر ويذكر مع المؤنث ، وهو الثلاثة والتسعة وما بينهما ، تقول : ثلاثة رجال ، وثلاث نسوة . قال تعالى : سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 156 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
والثالث : ماله حالتان وهو العشرة ، فإن استعملتْ مركبة جرت على القاعدة تقول : ثلاثة عشر رجلاً بالتذكير ، وثلاث عشرة امرأة بالتأنيث ، وإن استعملت غير مركبة جرت على خلاف القاعدة تقول : عشرة رجال بالتأنيث ، وعشر نساء بالتذكير .
أما أسماء العدد التي على وزن فاعل ، فلها أربع حالات : إحداها : الإفراد ، تقول : ثانٍ ثالث رابع خامس . ومعناه واحد موصوف بهذه الصفة .
الثانية : أن يضاف العدد إلى ما هو مشتق منه ، فتقول : ثاني اثنين ، وثالث ثلاثة ، ورابع أربعة . ومعناه واحد من اثنين ، وواحد من ثلاثة ، وواحد من أربعة . قال الله تعالى : فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ . وقال الله تعالى : لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ .
الثالثة : أن يضاف إلى ما دونه كقولك : ثالثُ اثنين ، ورابعُ ثلاثة ، وخامسُ أربعة . ومعناه جاعل الاثنين ثلاثة ، والثلاثة أربعة ، قال الله تعالى : مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ .
الرابعة : أن يَنصب ما دونه ، فتقول رابعٌ ثلاثةً ، وهذا لا يجوز خلافاً للأخفش وثعلب .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 157 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الثامن عشر : علل المنع من الصرف
إذا وجد في الاسم المعرب بالحركات ، علتان من علل تسع ، أو واحدة منها تقوم مقام علتين ، منعته من الصرف . فيجر بالفتحة بدل الكسرة تقول : بأفضلَ منه ، إلا إذا دخلت عليه أل أو أضيف ، فتقول : بالأفضل وبأفضلكم . وقد تقدم إعرابه . وقد جمع بعضهم العلل في هذا البيت :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
إجمعْ وَزِنْ عادلاً أنِّثْ بمعرفةٍ * رَكِّبْ وزِدْ عُجْمَةً فالوصفُ قد كملا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
العلة الأولى ، وزن الفعل : بأن يكون على وزن خاص بالفعل ، كأن تسمي رجلاً قَتَّلَ بالتشديد ، أو ضُرب ونحوه من المبني للمجهول ، أو انطَلَق ونحوه من الماضي المبدوء بهمزة وصل ، فهذه أوزان خاصة بالفعل .
أو يكون في أوله زيادة كزيادة الفعل وهو على وزنه ، كأحمد ويزيد ويشكر وتغلب ونرجس ، وتجعله علماً .
العلة الثانية ، التركيب المزجي : كبعلبك وحضرموت ومعد يكرب ، وليس تركيب الإضافة كامرئ القيس . ولا المزجي المختوم بويه كسيبويه .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 158 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
العلة الثالثة ، العجمة : كإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ( عليهم السلام ) . وكل أسماء الأنبياء أعجمية إلا أربعة : محمد ( صلى الله عليه وآله ) وصالح وشعيب وهود ( عليهم السلام ) .
ويشترط أن يكون الاسم علماً في لغته أعجمية ، وأن يكون أكثر من ثلاثة حروف . فلهذا انصرف نوح ولوط في قوله تعالى : إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ . وقال تعالى : إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ .
العلة الرابعة ، التعريف بالعلمية : وليس منه الضمير والإشارة والموصول لأنها مبنيات ، ولا ذو الأداة والمضاف ، فإنهما موجبان لإعرابه وإعراب الممنوع من الصرف أيضاً .
العلة الخامسة ، أن يكون معدولاً : فبعض الأوزان في اللغة العربية ، معدولة عن وزن آخر .
1 . منها وزن فُعَل كعمر وزُفَر وزُحَل ، معدولٌ عن عامر وزافر وزاحل .
2 . حَذام وقَطام ورَقاش عند تميم . فأما الحجازيون فينبونه على الكسر .
3 . أما سحر فهو ممنوع من الصرف إذا كان ظرفاً من يوم معين كقولك : جئتك يوم الجمعة سحر ، لأنه حينئذ معدول عن السحر . فإن لم يكن ليوم معين انصرف ، كقوله تعالى : نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ .
4 . الصفات المعدولة ، وهي من العدد على وزن فَعَال ومَفْعَل ، في الواحد إلى الأربعة ، تقول : أحَاد ومَوْحد ، وثُناء ومَثْنى ، وثُلاث ومَثْلث
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 159 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
ورُبَاع ومَرْبع ، فهذه الألفاظ الثمانية معدولة عن لفظ العدد المكرر ، لأن أحاد معناه واحد واحد ، وثناء معناه : اثنان اثنان . وكذا الباقي . قال الله تعالى : أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ، فمثنى وما بعده صفة لأجنحة ، والمعنى أولي أجنحة اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة . وأما قوله ( صلى الله عليه وآله ) : صلاة الليل مثنى مثنى ، فمثنى الثاني للتأكيد لا للتكرار .
وأما الصفة المعدولة في غير العدد ، فهي كلمة أُخَر جمع الأخرى ، زعموا أنها معدولة عن ( الأخرى ) لأنها تستعمل بدون أل ، وأخرى لا تستعمل إلا مع أل ، كقوله تعالى : إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ . ولا يجوز أن تقول صغرى ولا كبرى ولا كُبَّر ولا صُغَّر ، ولهذا خطؤوا العروضيين في قولهم : فاصلة كبرى وفاصلة صغرى ، وخطؤوا أبا نواس في قوله :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
كأن صغرى وكبرى من فقاقعها * حصباءُ دُرٍّ على أرضٍ من الذهب
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
ولهذا قالوا إن الصحيح الأُخر مع أل ، فعدلوا إلى أخر . قال الله تعالى فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ . كما عدل بنو تميم أمس ، وعدل العرب سحر عما فيه أل .
العلة السادسة الوصف : كأحمر وأفضل وسكران وغضبان .
1 . ويشترط فيه أن يكون من أصله وصفاً ، فلو استعملت صفواناً وأرنباً بمعنى مجازي للقاسي والذليل ، فقلت : هذا قلبه صفوان ، وهذا رجل أرنب ، فإنك تُصرفهما ، لأن الوصف فيهما ليس أصلاً .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 160 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
2 . كما يشترط في الوصف أن لا يقبل تاء التأنيث ، فلهذا تَصْرِف : مررت برجل عريانٍ ورجلٍ أرملٍ ، لأنهما يقبلان تاء التأنيث فتقول : عريانة وأرملة ، بخلاف سكران وأحمر ، فإن مؤنثهما سكرى وحمراء بغير تاء .
العلة السابعة ، أن يكون بإحدى صيغتي الجمع : وهما مفاعل ومفاعيل ، كمساجد ودراهم ، ومصابيح وطواويس .
العلة الثامنة ، أن يكون فيه ألف ونون زائدتان : نحو عثمان ، وسكران .
العلة التاسعة ، التأنيث : بالألف كحبلى وصحراء ، وهو يؤثر مطلقاً . أما التأنيث بالتاء كطلحة وحمزة ، فهو يؤثر المنع من الصرف بشرط العَلَمية .
وأما التأنيث بالمعنى كزينب وسعاد ، فيؤثر المنع من الصرف إن زادت الكلمة على ثلاثة أحرف كسعاد وزينب ، أو تحرك وسطها كسقر ولظى ، أو كانت أعجميةً ، كحِمْص وبَلْخ . أما ما عدا ذلك كهند ودعد وجُمْل ، فيجوز فيها الصرف وعدمه . وقد اجتمع الأمران في قول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
لم تتلفع بفضل مئزرها دعدٌ * ولم تُسْقَ دعدٌ في العُلَب
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
واعلم أن العلل التسع منها ما يؤثر وحده بدون انضمام علة أخرى وهو : الجمع وألفا التأنيث . ومنها : ما يؤثر مع العلمية وهو التأنيث بغير الألف والتركيب والعجمة ، نحو : فاطمة وزينب ومعديكرب وإبراهيم . ولهذا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 161 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
انصرف مُسْلِمَة وإن كان مؤنثاً ووصفاً ، وصَنْجَه وإن كان مؤنثاً أعجمياً ، وصولجان وإن كان أعجمياً ذا زيادة ، وذلك لانتفاء العلمية فيهن .
ومنها : ما يؤثر بشرط وجود العلمية أو الوصفية ، وهو العدل والوزن والزيادة . كعمر وأحمد وسلمان ، وثلاث وأحمر وسكران .
وينبغي التنبيه في الختام أن النحاة لاحظوا أن العرب يَجُرُّون كلمات بالفتحة بدل الكسرة ، فسموها ممنوعة من الصرف ، ثم أرادوا أن يضعوا لها ضوابط فوجدوها كلمات كثيرة متنوعة ، فقسموها إلى تسعة أقسام ، ووضعوا هذه العلل التسع .
ثم وجدوا أنها غير وافية ، فوضعوا لها شروطاً واستثناءات ، فجاءت معقدة ، وفي عدد منها مناقشات ، وخلاف .
والصحيح أن ميزان المنع من الصرف هو السماع ، فلا بد من شاهد قطعي له من استعمال العرب ، كما أن أكثر تعليلات النحاة ضعيفة .
* *
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 162 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 163 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل التاسع عشر : التعجب
للتعجب ألفاظ كثيرة وبعضها لم يذكره النحاة ، كقوله تعالى : كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا . وقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) للأعرابي : سبحان الله ، بلى والله لقد بعتني . وقولهم : لله دَرُّهُ فارساً . وقول الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
يا سيداً ما أنتَ من سَيِّدٍ * مُوَطَّأُ الأكنافِ رَحْبُ الذراعْ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
والمشهور منه صيغتان : ما أفْعَلَ ، وأَفْعِلْ به . نحو : ما أحْسَنَ زيداً ، وأكْرِمْ به . وإعراب الصيغة الأولى أن ( ما ) اسم تعجب مبتدأ ، وأحسَنْ فعل ماض فاعله ضمير مستتر ، وزيداً مفعول ، والجملة خبر ما . والتقدير : شئٌ عظيمٌ حسَّنَ زيداً ، كما قالوا : شرٌّ أهرَّ ذا ناب . أي حَدَثَ شَرٌّ كبير أوجب نُباح الكلب . وقال الأخفش إن ما موصولة معرفة ، والمعنى : الذي حسن زيداً شئ عظيم . وقال سيبويه إنها نكرة تامة .
وقال الكوفيون إن ( أحسن ) اسم ، لأنه يُصَغَّر ، تقول : ما أحيسنه . وقال البصريون إنه فعل ماض وتصغيره شاذ لشبهه بالاسم ، وهو الصحيح لأنه تلحقه ياء المتكلم مع نون الوقاية ، تقول : ما أحسنني .
أما إعراب أَفْعِلْ في مثل قولك : أحْسٍنْ بزيد ، فهي فعل لفظه لفظ الأمر ومعناه التعجب وهو خال من الضمير ، وأصله أحسن زيد ، أي صار ذا
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 164 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
حسن ، كما قالوا : أورق الشجر ، وأزهر البستان ، وأثرى فلان ، وأترب زيد ، وأغدَّ البعير . بمعنى صار ذا ورق ، وذا زهر ، وذا غُدَّة ، وذا ثروة ، وذا متربة أي فقر وفاقة . فضُمِّنَ معنى التعجب ، وجعلت صيغته أفْعِل ، شبيهاً بصيغة : أُمْرُرْ بزيد ، فالباء تشبه الباء التي زيدت في الفاعل في قوله تعالى : وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا . لكنها لازمة لا تحذف .
بناء فعل التعجب واسم التعجب
ذكر النحاة شروطاً لبناء فعل التعجب واسمه ، لكنهم أقروا بأن العرب خالفتها في بناء صيغ التعجب ! فقالوا إن صيغة التعجب لا تبنى إلا من فعل وخَطَّأُوا من بناه من جِلْف وحِمار فقال : ما أجلفه وما أحمره . لكن العرب قالوا : ما ألصَّهُ ، وهو ألصُّ من شظاظ ، اسم لص مشهور . وقالوا : لا تبنى إلا من فعل ثلاثي ، ونقلوا جواز بنائه منه بعد تجريده . وقال سيبويه بجواز بنائه من أفعل ، نحو أكرم وأحسن وأعطى .
وقالوا : لا يبنى التعجب مما كان اسم فاعله على وزن أفعل ، كعميَ وعرجَ فلا يقال : ما أعماه وما أعرجه ، ولا من الألوان ، فلا يقال : ما أسوده ، وما أحمره . ولا من أفعال الحلى التي وصفها على وزن أفعل ، فلا يقال : ما أعماه ، وما أعرجه ، وما أدعجه ، وما ألْمَاه . والدعج سواد العين ، واللمية الشفة التي يميل لونها إلى السواد . ولا مما لا يقبل التفاوت ، كمات وفنى .
لكن العرب خالفوا ذلك . والميزان هو لغة العرب وليس كلام النحاة .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 165 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل العشرون : الوقف والهمزة
جعل العرب للوقف على أواخر الكلمات قواعد ، منها :
1 . الوقف على تاء التأنيث الساكنة يُبقيها كما هي نحو : قامت وقعدت .
2 . أما المتحركة وليست جمعاً بألف وتاء ، فالأفصح إبدالها هاءً ، تقول هذه رحمهْ ، وهذه شجرهْ . وبعضهم يقف بالتاء فيقول : هذه رحمتْ . وسمع بعضهم يقول : يا أهل سورة البقرتْ . فقال بعض من سمعه : والله ما أحفظ منها آيتْ . وقال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
والله أنجاك بكفيْ مُسلمت * من بَعْدِ ما وبَعد ما وبَعد مَتْ
كانت نفوس القوم عند الغَلْصَمَتْ * وكادت الحرةُ أن تُدعى أمتْ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
لكن هذا الشعر لم يعرف قائله ، وقد تكون روايته الصحيحة يالهاء .
3 . وإن كان الموقوف عليه جمعاً بالألف والتاء ، فالأصح الوقوف عليه بالتاء وبعضهم يقف عليه بالهاء ، وسمع من كلامهم : كيف الإخْوَهْ والأخواهْ . وقالوا دَفْنُ البَنَاهْ من المكرُمَاهْ .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 166 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
4 . إذا كان المنقوص منوناً ، فالأفصح الوقف عليه في الرفع والجر بالحذف ، تقول : هذا قاضْ ، ومررت بقاضْ . ويجوز أن تقف عليه بالياء كما وقف ابن كثير على هاد ووال وواق ، في قوله تعالى : وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍي . وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالي . وَمَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ وَاقي . وهي في القرآن بدون ياء .
5 . إذا كان المنقوص غير منون ، جاز الوقف عليه رفعاً وجراً بإثبات الياء كقولك : هذا القاضي ، ومررت بالقاضي . ويجوز الوقف بحذفها ، كما وقفوا في قوله تعالى : عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ المُتَعَالِ . لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ .
6 . إذا كان المنقوص منصوباً وجب الوقف بإثبات يائه ، فإن كان منوناً أبدل تنوينه بألف ، كقوله تعالى : رَبَّنا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً . وإن كان غير منون وقف على الياء ، كقوله تعالى : كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ .
7 . يجب في الوقف على إذاً قلب نونها ألفاً ، وبعضهم يكتبها بالنون . وقد اتفق القراء على الوقف بالألف في نحو قوله تعالى : وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَداً .
8 . تقلب نون التوكيد الخفيفة الواقعة بعد الفتحة ، ألفاً ، كقوله تعالى : لَنَسْفَعاً ، ولَيَكُوناً ، قال الشاعر :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
وإياك والميْتَات لا تقربَنَّهَا * ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
9 . وقفوا على تنوين الاسم المنصوب بالألف ، نحو : رأيت زيداً . ووقف بنو ربيعة على نحو : رأيت زيداً ، بالحذف ، قال شاعرهم :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
ألا حبذا غُنْمٌ وحسن حديثها * لقد تركت قلبي بها هائماً دنفْ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 167 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
10 . اختلفوا في كتابة الألف الموقوف عليها بالنون ، فقال بعضهم تكتب ألفاً على أصلها ، وقال بعضهم تكتب بالنون كما يوقف عليها .
11 . فرَّق النحاة واللغويون بين واو الجماعة وواو الفعل ، فكتبوا بعدها ألفاً ، نحو : قاموا . وكتبوا واو الفعل وحدها ، في مثل : يدعو .
12 . إذا كانت الكلمة أكثر من ثلاثة أحرف كتبت الألف في آخرها ياءً نحو : استدعى والمصطفى . وكذا إن كانت منقلبة عن ياء ، نحو رَهَى ، وهَدى ، وفَتى . وإن كانت ثلاثة أحرف وكان ثالثها منقلباً عن واو ، كتبت ألفاً نحو : دعا وعفا ، والعصا والقفا .
وإذا أشكل عليك أمر الفعل ولم تعرف حرف علته ، فَصِلْهُ بتاء المتكلم أو المخاطب ، يظهر لك أصله . مثلاً تقول في رمى وهدى : رميت وهديت ، وفي دعا وعفا : دعوت وعفوت .
وإذا أشكل أمر الاسم فثنِّه يظهر لك أصله ، فتقول في الفتى والهدى : الفتيان والهديان ، وفي العصا والقفا : العصوان والقفوان . قال القاسم بن فِيرة الشاطبي الأندلسي ، صاحب الشاطبية في القراءات :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
وتثنية الأسماء تكشفُها وإن * ردَّت إليك الفعل صادفتَ منبلا
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
وقال الحريري صاحب المقامات :
- - - - - - - - - - [ ابتداى شعر ]
إذا الفعل يوماً غمَّ عنك هجاؤه * فَأَلْحِقْ به تاء الخطاب ولا تقفْ
فإن تَرَهُ بالياء يوماً كتبته * بياء وإلا فهو يكتب بالألفْ
- - - - - - - - - - [ انتهاى شعر ]
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 168 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
همزة الوصل وهمزة القطع
همزات الوصل هي التي تثبت في الابتداء ، وتحذف في الوصل .
فالاسم غير المصدر همزته دائماً همزة وصل ، إلا في عشرة أسماء هي : اسم ، وإست ، وابن ، وابنة ، وإبنم ، وإمرؤ ، وامرأة ، واثنان ، واثنتان ، وإبنان وإبنمان ، وإمرآن ، وامرأتان . قال الله تعالى : فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ .
أما الجمع فهمزته همزة قطع ، قال الله تعالى : إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا . فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ .
وأما أسماء مصادر الأفعال الخماسية والسداسية ، فهمزتها همزة قطع ، كالإنطلاق ، والاقتداء ، والإستخراج .
وكذا المضارع ، نحو : أعوذ بالله . أستغفر الله . وأحمد الله .
وكذا الماضي الثلاثي والرباعي ، نحو : أخذ ، وأكل ، وأخرج ، وأعطى .
أما الماضي الخماسي والسداسي فهمزته وصل نحو : انطلق ، واستخرج .
وأما الأمر فإن كان من ماض رباعي ، فهمزته قطع ، نحو : أكرمْ ، وأجبْ .
وأما همزة الحروف فهي همزة قطع نحو : أم ، وأو ، وأل .
وأما همزة أل ، فعن الخليل أنها همزة قطع ، أسقطت في الدرج تخفيفاً لكثرة استعمالها ، كما حذفت من شر وخير ، بمعنى أشر وأخير .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - [ 169 ] - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
وأما حركة همزة الوصل ، فهي في كلمة اسم مكسورة ، وشذ ضمها . وهمزة أل تفتح فقط ، وهمزة : أيمن الله لأفعلنَّ ، تفتح في الأفصح ، وشذ كسرها .
وهمزة الأمر الثلاثي المضموم الثالث ، تضم فقط ، نحو : أُقْتُلْ وأُكْتُبْ وأدخل ، وأغزي يا هند ، لأن أصله أغزوي . وليس منه قولك : إمشوا ، فإنه يبتدئ بالكسر ، لأن أصله إمشيُوا بكسر الشين .
أما بقية همزات الفعل فتكسر لا غير . وكسر الهمزة هو الأصل .
( تمَّ الكتاب ، والحمد لله رب العالمين )