مفردات الراغب الاصفهاني مع ملاحظات العاملي
--------------------------- الغلاف 1 ---------------------------
مفردات الراغب الاصفهاني
مع ملاحظات العاملي
دار المعروف
للطباعة والنشر
--------------------------- 1 ---------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
--------------------------- 2 ---------------------------
.
--------------------------- 3 ---------------------------
مفردات الراغب الاصفهاني
مع ملاحظات العاملي
دار المعروف
للطباعة والنشر
--------------------------- 4 ---------------------------
.
--------------------------- 5 ---------------------------
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، أفصح من نطق بالضاد ، وتكلم بجوامع الكلم .
ميزات مفردات الراغب ونقاط ضعفه
تميز كتاب مفردات الراغب الأصفهاني بالاختصار ، ونال إعجاب المعاهد العلمية في البلاد الإسلامية ، وصار في القرون الأخيرة مرجعاً للعلماء والطلبة والباحثين . وذلك لما يتصف به من ميزات ، وإن كان فيه نقاط ضعف .
فأهم ميزاته : أنه الكتاب اللغوي الوحيد المختص بألفاظ القرآن ، وقد استوعب أكثرها ، فكان ذلك سبباً لسعة انتشاره وشهرته إلى يومنا هذا .
ومن ميزاته : أنه يصوغ المادة بنوع من التسلسل ، ويحاول استيفاء مفرداتها القرآنية ، وقد يفوته بعضها ، أو بعض أوجه استعمالها .
ومن ميزاته : قوة المستوى الذهني لمؤلفه ، فهو يتصف بالإجادة ، وبالعمق أحياناً كما يتصف بالتكلف أحياناً كثيرة ، وبالغفلة أحياناً أخرى .
ومن ميزاته : أنه يهتم بتجذير الكلمات وإرجاعها إلى أصل واحد ، وقد يحالفه التوفيق في ذلك ، وقد يوقعه في أخطاء صغيرة أو كبيرة .
ومن ميزاته : أنه اعتمد على كتب أئمة اللغة وعلمائها الكبار قبله ، فأخذ كثيراً من كتاب العين للخليل
--------------------------- 6 ---------------------------
الفراهيدي « توفي سنة 160 » وكتاب الصحاح للجوهري « توفي سنة 381 » وأخذ أكثر من كتاب مقاييس اللغة لأحمد بن فارس « توفي سنة 385 » .
وقد انتقده بعضهم بأنه فاته كثيرٌ من الألفاظ ، لكن هذا إشكال عامٌّ يَرِدُ على عامة المؤلفات في مفردات القرآن ، أو مفردات اللغة العربية . كما انتقدوه بأخطائه في ترتيب المفردات داخل الحرف الواحد ، وهو إشكال كسابقه .
وبسبب هذه الميزات بلغ إعجاب البعض بمفردات الراغب إلى حدِّ التقليد !
فقد بلغني عن بعض الفقهاء ، أنه يعتمد على رأي الراغب في اللغة ويُفتي بموجبه ، بدون أن يراجع رأي غيره من اللغويين !
وقد ذكرتُ لأحد كبارالفقهاء حفظهم الله أني أكتب نقداً وتصحيحاً لمفردات الراغب فقال متعجباً : لمفردات الراغب ! فقلتُ : نعم ، ولماذا التعجب ؟
قال : كان السيد الطباطبائي صاحب تفسير الميزان رحمه الله يقول : كما أن القرآن معجزة النبي صلى الله عليه وآله ، فإن مفردات الراغب معجزة القرآن !
فقلت له : من حقه رحمه الله أن يُعْجَبَ به ، لأن لغته الأم التركية ، ولم يتعمق في اللغة العربية بمعايشة أهلها ، فإعجابه به ليس حجةً علينا ، بل هو كإعجابه باللغة التركية وقوله إنها لغة الفطرة ، لأن حروفها وأجراسها تحكي صفات مسمياتها . فقد فاته رحمه الله أن الراغب عايش اللغة العربية في الكتب والنصوص ، وليس مع أهلها ليتكوَّنَ له حِسٌّ لغويٌّ سليم !
وقد سمعت بعد ذلك أن المرجع السيد الحسيني السيستاني دام ظله ، لا يعتمد على قول الراغب وحده ، ويقول إنه غير دقيق ، فأكبرت دقته في العربية .
فمن نقاط ضعف الراغب : أنه عاش حياته في أصفهان ، ولم يسافر إلى غير الري ، ولم يعايش العرب ويدقق في استعمالهم الكلام ، كما فعل غيره . ولذلك وقع في أخطاء ذريعة ، لأن العربية لم تتحول إلى لغته الأم أو لغته الخالة !
ونقصد بالحس اللغوي : مَلَكة الخبرة باللغة ، بحيث يُميز صاحبها أن هذه الكلمة تشبه ألفاظ العربية أو لا تشبهها ، وتستعمل عند أهل العربية بهذا المعنى أو لا تستعمل ، وتتضمن هذا البعد من المعنى أو لا تتضمنه ، وترتبط بتلك الكلمة أو ذلك المعنى أو لا ترتبط . . الخ . وسترى في الكتاب أنواع ذلك .
--------------------------- 7 ---------------------------
ومن نقاط ضعفه وقوته معاً : أن اللغة العربية ليست لغته الأم ، فهذا نقطة قوة أيضاً ، لأن ابن اللغة قد يَتَلَبَّدُ حِسُّهُ بحكم ألفته فلا يلتفت إلى بعض خصائص ألفاظها والربط بينها ، بينما يلتفت إلى ذلك من لم تكن لغته الأم .
ومن نقاط ضعفه وقوته معاً : اتجاهه دائماً إلى توحيد اشتقاق ألفاظ المادة ، فهو يحاول ردها إلى أصل واحد ، وقد يوفق أحياناً ، وقد يَشُذُّ ويُغْرِبُ ، ويتكلف !
ونشير هنا إلى مسألة الإشتقاق ، لأنا سنتعامل فيها مع الراغب كثيراً :
فاعلم أن اللغات عوائل كأبناء آدم ، وهذا من آيات الله فينا ، قال تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ « الروم : 22 » فجعل اختلاف الألسنة آيةً كبرى تلي خلق السماوات والأرض ، وتتقدم على آية ألوان البشر !
وقد جعل الله في عوائل بني آدم وأفرادهم ، وفي عوائل اللغة ومفرداتها مشتركات إذا لاحظتها ومشيت معها ، فقد تصل إلى ما وصل اليه صديقنا العزيز البروفوسور رشيد بن عيسى الجزائري ، في نظريته « الإشتقاق الأكبر » وأن اللغات في العالم متفرعة من اللغة السريانية التي ورثتها اللغة العربية . وما زال يعمل منذ عشرين سنة في جمع الأدلة والمؤيدات من مفردات اللغات .
كما جعل الله في مفردات اللغات ميزاتٍ وخصائص ، إذا لاحظتها ومشيتَ معها ، تأكدتَ أنه لا يوجد ترادفٌ في اللغة العربية ، ولا في غيرها ، لأن كل كلمة تتناول المعنى من زاويةٍ غير الأخرى ، وتختلف عنها من وجوه .
فلفظ منزل مثلاً ، يلحظ النزول من سفر أو الاستقرار بعد بحث . وكلمة بيت تلحظ المبيت ليلاً . وكلمة مسكن تلحظ السكون والهدوء من الحركة .
ولمَّا واجه اللغويون مسألة الإشتقاق رأوا أن النحويين سموا لفظاً من عائلة الكلمة بالمصدر ، فقالوا : إن المصدر أصل الإشتقاق ومنه اشتقت فروع الكلمة . لكنهم اصطدموا بواقع الألفاظ فتركوا هذه المقولة ، ووسعوا الإشتقاق إلى الأسماء بل إلى الحروف ، فصار المصدر مصدراً بالمعنى النحوي وليس اللغوي .
قال الزركشي في البحر المحيط « 1 / 459 » : « لا يدخل الإشتقاق في سبعة أشياء : وهي الأسماء العجمية كإسماعيل ، والأصوات كغاق ، والحروف وما أشبهها من المتوغلة في البناء نحو مَن ومَا ، والأسماء النادرة نحو طوبى له ، إسمٌ للنعمة ، واللغات المتداخلة نحو الهُون للأسود والأبيض ، والأسماء الخماسية كسفرجل . ويدخل
--------------------------- 8 ---------------------------
فيما عدا ذلك . وأثبت ابن جني الإشتقاق في الحروف » .
وعندما فتحوا باب الإشتقاق حتى من الحروف ، انفتح عليهم باب الافتراض فأخذوا يفترضون جذراً للكلمة ، ويبحثون عن مناسبة تبرر اشتقاق فروعها منه وكثرت اجتهاداتهم فيه ، وأكثرها ظنونٌ ، وبعضها لا يزيد عن الاحتمال .
وسترى اختلافاً كثيراً بين الراغب وابن فارس ، فالراغب يميل إلى ربط الألفاظ بأصل واحد ويتكلف لذلك ، وابن فارس أقل منه تعصباً ، فعندما يرى أن مفردات المادة لا يمكن أن ترجع إلى أصل واحد ، يجعلها أصلين أو أكثر . وسترى أن الحق يحالف ابن فارس غالباً .
أما الخليل فلم يتبنَّ منهج الراغب ولا ابن فارس في إرجاع فروع الكلمة إلى جذر واحد ، بل يذكر معاني الكلمة واستعمالاتها ، وقلَّما ذكر مصدر الإشتقاق . وهذا من وَفْرَة عقله ، فقد نأى بنفسه عن بحر التخمين والظنون ، لأن الله وحده يعلم خريطة نشوء اللغة وولادة ألفاظها ، وكيف استعمل الإنسان إلهام ربه في وضعها عبر مئات السنين ، وأي كلمة وضعها أولاً ، ثم وضع الثانية على ضوئها أو وضعها مستقلة بإلهام ربه ، فجاءت تُشبه الأولى في حروفها . . الخ .
اللغويون عيالٌ على الخليل الفراهيدي
جعل علي عليه السلام كل علماء النحو عيالاً على أبي الأسود الدؤلي الكناني ، عندما وضع علم النحو وأعطاه صحيفةً وعلمه أن يُفَرِّع عليها ، وقال له : أُنْحُ هذا النحو ، فسُمِّيَ علم النحو . وكان في الصحيفة : « الكلام ثلاثة أشياء : إسمٌ وفعلٌ وحرفٌ جاء لمعنى ، فالاسم ما أنبأ عن المسمى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى ، والحرف ما أوجد معنى في غيره » .
وكان أبو الأسود يُفَرِّعُ عليها ويراجع أمير المؤمنين عليه السلام فيوجهه ، حتى استكمل وضع علم النحو . قال الزجاج : أخذه عنه عتبة ، ثم ابن أبي إسحق ، ثم عيسى ، ثم الخليل ، ثم سيبويه ، ثم الأخفش ، ثم المازني ، ثم المبرد ، ثم أبو بكر بن السراج ، ثم أبو علي الفارسي ، ثم علي بن عيسى ، ثم الحسن بن حمدان ، ثم أحمد بن يعقوب . « راجع : سبب وضع علم العربية / 34 ، وتاريخ الخلفاء / 141 ، للسيوطي » .
ثم جاء حفيداه الإمام زين العابدين والإمام محمد الباقر عليهما السلام فجعلا علماء اللغة عيالاً على الخليل بن أحمد ، فكان نابغة عصره ، وكُلُّ مَن بعده عيالٌ عليه ، فهو أستاذ سيبويه ، وواضع علم العروض ، ومؤلف كتاب العين ، أول كتاب من نوعه .
--------------------------- 9 ---------------------------
روى في مناقب آل أبي طالب « 1 / 326 » عن تاريخ البلاذري ، أن علم العروض خرج من دار علي عليه السلام قال : « ومنهم العروضيون ومن داره خرجت العروض . رويَ أن الخليل بن أحمد أخذ رسم العروض عن رجل من أصحاب محمد الباقر أو علي بن الحسين عليهم السلام ، فوضع لذلك أصولاً » .
ورواه في شرح إحقاق الحق « 12 / 169 » عن الحافظ أبي حاتم أحمد بن حمدان الرازي ، في كتابه : الزينة في الكلمات الإسلامية العربية / 80 ، طبعة القاهرة . قال :
« كان الخليل بن أحمد أول من استخرج العروض ، فاستنبط منها ومن علل النحو ما لم يستخرجه أحد ولم يسبق إلى مثله سابق . وسمعت بعض أهل العلم يذكر أن الخليل بن أحمد أخذ رسم العروض عن رجل من أصحاب محمد بن علي أو من أصحاب علي بن الحسين ، فوضع له أصولاً ، وقسَّم الشعر ضروباً وسمَّاه بها ، وجعل لتلك الأقسام دوائر وأسطراً ، وبناه على الساكن والمتحرك من أحرف الكلمة والخفيف والثقيل . فكل كلمة فيها حرف متحرك وحرف ساكن سماه سبباً . . إلخ » .
وقال في صبح الأعشى « 1 / 478 » : « أول من عمل العروض الخليل بن أحمد ، وهو أول من ضبط اللغة مرتبة على حروف المعجم ، صنف كتابه : العين » .
وقال في معجم الأدباء « 3 / 300 » : « وكان سفيان الثوري يقول : من أحب أن ينظر إلى رجل خُلق من الذهب والمسك ، فلينظر إلى الخليل بن أحمد !
ويروى عن النضر بن شُمَّيْل أنه قال : ما رأيت رجلاً أعلم بالسنة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد . أكلتُ الدنيا بعلم الخليل وكتبه ، وهو في خُصٍّ لا يشعر به » .
وتدل شهادة سفيان الثوري على أن الخليل ملك إعجابه بدرجة عالية .
ويدل قول تلميذه ابن شُمَّيل على أنه كان يأخذ كتب الخليل ويبيعها إلى الخليفة والوزراء ، والخليل يعيش في كوخ في البصرة ، ولا يعرف ما يفعل ابن شميل !
لكن الخليل كان يعرف وكان يريد نشركتبه بواسطة الخليفة والمسؤولين ، ولو قبض ثمنها ابن شميل ، ويبقى هو بعيداً عن تناول أموالهم ، يتنعم بعيش الفقراء ، ويملأ الدنيا بعلمه !
وفي أعيان الشيعة « 6 / 337 » : « إن الخليل كان من أزهد الناس وأرفعهم نفساً ، وكان الملوك يقصدونه ويبذلون له فلا يقبل » .
وكان الخليل يداري في تشيعه ، ويروي عن أيوب السختياني ، وسفيان الثوري تلميذي الإمام
--------------------------- 10 ---------------------------
الصادق عليه السلام ، فقد كانا يعيشان معه في البصرة .
وقد روى علماء السنة عنه ، عن سفيان ، عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، حديث فلسفة الحج ، وسبب جعل الموقف وراء الحرم . « تهذيب الكمال : 5 / 93 » .
قال العلامة في الخلاصة / 140 : « كان أفضل الناس في الأدب ، وقوله حجة فيه . واخترع علم العروض . وفضله أشهر من أن يذكر . وكان إماميَّ المذهب » .
وفي الذريعة « 15 / 364 » : « ذكر في العين عدد أبنية كلام العرب المهمل والمستعمل على مراتبها الأربع ، من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي من غير تكرار ، في اثني عشر ألف ألف وثلاث مأة وخمسة آلاف وأربع مأة وستة .
فالثنائي سبع مأة وستة وخمسون . والثلاثي تسعة عشر ألف وست مأة وخمسون . والرباعي أربع مأة ألف وأحد وتسعون ألف وأربع مأة . والخماسي أحد عشرألف ألف وسبع مأة وثلاثة وتسعون ألف وست مأة » .
أقول : استفاد الراغب من كتاب العين وكتب الخليل الأخرى ، ونسب اليه أقواله في نحو ثلاثين مورداً فقط ، فلا يرد عليه كثير إشكال .
لكن تعامله مع ابن فارس ، ثم مع الجوهري ، يوجب اتهامه بنقص أمانته العلمية .
الراغب الأصفهاني وابن فارس
عاصره الراغبُ ، وقال عنه الحموي في معجم الأدباء « 4 / 80 » : « كان الصاحب بن عباد يكرمه ويتلمذ له ويقول : شيخنا أبو الحسين ممن رزق حسن التصنيف ، وأُمِنَ فيه في التصحيف . وله من التصانيف : كتاب المجمل ، وكتاب متخير الألفاظ ، كتاب فقه اللغة ، كتاب غريب إعراب القرآن . . كتاب مقاييس اللغة ، وهو كتاب جليل لم يصنف مثله » .
ومدحه الصدوق قدس سره في كمال الدين « 2 / 453 » وروى عنه ، وذكر تشيعه في آخر عمره . وترجم له الطوسي في الفهرست / 83 .
وكان أهم مرجعين في اللغة إلى عصر ابن فارس : العين للخليل والجمهرة لابن دريد ، ثم رجع العلماء إلى مجمل اللغة لابن فارس بعد ظهوره ودرَّسوه لتلاميذهم ، واستجازوا روايته من مؤلفه وأجازوها ، كما ترى في إجازة العلامة لآل زهرة . لاحظ : السرائر لابن إدريس : 3 / 92 ، ونزهة الناظر ليحيى بن سعيد / 130 ،
--------------------------- 11 ---------------------------
ورسائل الشهيد الثاني : 2 / 1136 ، ومجموع النووي : 9 / 98 ، وأنساب السمعاني : 2 / 406 .
ولم يكن لمفردات الراغب ذكرٌ طول هذه القرون ، بل لم أجد أحداً ذكره قبل الفيروزآبادي صاحب القاموس . ثم أخذ يشتهر في القرن الحادي عشر .
قال الداودي في مقدمة المفردات : « اعتمد الراغب على مؤلفات العلماء قبله ، فبحث فيها وناقش أصحابها ، وارتضى أقوالاًورد أخرى ، وأهم هذه المصادر : كتاب المجمل في اللغة لابن فارس . ويبدو أن الراغب قد اعتمد عليه كثيراً ، مع أنه لم يذكره باسمه ، ويتضح ذلك من نفس ترتيب الكتاب ، والتشابه الكبير في العبارة ، وربما ينقل عنه حرفياً ، والموافقة في الأبيات الشعرية . .
أنظر مثلاً مادة : أبَّ ، أسَّ ، جَنَفَ ، خَصَفَ ، رَكَزَ ، سَجَلَ ، صَفَدَ ، تجد تقارباً تاماً في العبارات ، إلا أن الراغب اختصر ، وقلل الأبيات الشعرية » .
ثم ذكر الداودي عشرين مصدراً أخذ منها الراغب ، وهي أكثر . لكن فاته أن الراغب ألقى بكَلِّهِ على كتابي ابن فارس : المجمل والمقاييس ، وكتاب العين للخليل والصحاح للجوهري ، فأخذ منها فقرات وعبارات تامة ، ولم يذكر مصدرها ، فصار من المؤلفين الذين قد ينسبون جهود غيرهم إلى أنفسهم !
أمثلة من أخطاء الراغب
سترى في الكتاب العشرات بل المئات من أخطائه ، وبعضها غرائب انفرد بها !
1 . قال في مادة أتى : « الإتيان : مجئٌ بسهولة » فأدخل في المجئ معنى السهولة من عنده ، ولم يقله لغوي ، ولا عليه شاهد من كلام العرب . وقد تُفهم السهولة أو العنف من نفس الآتي ، أو الآتي به ، أو المأتي به ، أو الظرف ، كما فهم في قوله تعالى : مَا تَذَرُ مِنْ شَئْ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيم ، من الريح ، وليس من نفس الإتيان .
2 . تخيل أن تعبير : آتيناهم الكتاب ، يدل على أنهم قبلوه وآمنوا به ، قال : « وآتيناهم : يقال فيمن كان منه قبول » لكنها وردت في القرآن فيمن لم يقبلوه ولم يؤمنوا به ، فقال : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ أَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ . « الأنعام : 20 » .
3 . فسر الماء الأُجَاج بشديد الحرارة ، مع أن الأجاج الملوحة والمرارة ، قال : « وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ، شديد الملوحة والحرارة ، من قولهم أجيج النار » !
--------------------------- 12 ---------------------------
4 . قال الراغب : « والأجْل : الجناية التي يخاف منها آجلاً . قال تعالى : مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، أي من جَرَّاءِ » .
والصحيح أن أجْل كلمة مستقلة لا علاقة لها بالأجَل ، بل هي إسمٌ يدل على التفريع والتعليل ، ولامدح فيها ولا ذم ولا جناية ، ومعناها : بسبب ذلك .
ومعنى الجريمة في الآية لم يفهم منها بل من تفريعه على جريمة قابيل ، واشتراك بني إسرائيل مع قابيل في الحسد الذي هو سبب الجريمة .
5 . جعل الراغب أرَبَّ الرجلُ مالَه ، من الإرْبَة ، بمعنى صار له به حاجة ، بينما هو من : ربَّه وأربَّه ، أي رَبَّاه ونَمَّاه .
6 . اتَّبع الراغب بعض من شذَّ فجعل معنى : نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ : شددنا في أبدانهم مخرج البول والغائط ! وهو عجيب لأن اللغويين نصوا على أن الأسر بمعنى الخلق ، أي شددنا خلقهم وبناءهم ، شبيهاً بشددنا أزرهم . قال ابن منظور « 4 / 19 » : « الأسر في كلام العرب : الخلق » .
7 . جعل التبديل والإبدال واحداً ، والصحيح ما قاله ابن فارس في المجمل : « بدَّلت الشئ : غيرتهُ وإن لم تأت له ببدل ، وأبدلتُه إذا أتيت ببدله » .
8 . خلط الراغب بين الإدام وآدم ، وقال إن قولهم : جعلت فلاناً أَدَمَة أهلي ، معناه : من آدم ، بينما هو من الإدام . ومنه الحديث الذي ذكره : لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يودم بينكما « الوسائل : 14 / 61 ، وأحمد : 4 / 245 » ومعناه : يوفق بينهما كما وُفِّق بين الخبز والإدام ، فهو من الإدام وليس الأدمة التي منها اسم آدم عليه السلام .
9 . أدخل معنى الحيلة في الإِرْبَة ، مع أنها لا تدخل إلا في بعض أنواع المؤاربة ، فالأريب في الأصل هو العاقل . قال الخليل « 8 / 289 » : « الأريب : العاقل . وأَرَبَ الرجل يأرَبُ إرْباً . والمؤاربة : مداهاة الرجل ومخاتلته ، وفي الحديث : مؤاربة الأريب جهل وعناء ، لأن الأريب لا يخدع عن عقله » .
10 . قال الراغب في قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا . « مريم : 83 » : أي ترجعهم إرجاع القدر إذا أزت ، أي اشتد غليانها » . بينما معناه : تَدُزُّهُم إلى الكفر والشرَّ دزّاً وتدفعهم دفعاً ، ولا علاقة له بأزيز القدر .
--------------------------- 13 ---------------------------
11 . فسر باءَ وتَبَوَّأَ : بأنه تساوت أجزاء بدنه في القعود في المنزل ، فأخذ المساواة من الحديث الشريف : الجِراحاتُ بَواءٌ ، أي مُتَساويةٌ في القِصاص . مع أن بَاءَ بمعنى تحمَّل ، قال تعالى : فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله . وتَبَوَّأَ بمعنى ملك واختص وسكن ، قال تعالى : وَإِذْ بَوَأْنَا لآبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ . وهو مشتق من البيئة .
12 . قال الراغب إن معنى قوله تعالى : لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ : يُثَبِّطُوكَ ويحيروك . مع أن معناه : ليجرحوك جُرحاً يقعدك ، أو يقتلوك .
13 . فسرقوله تعالى : وَلَوْ أنهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً . بأنه أشد لتحصيل علمهم . بينما معناه : أشد تثبيتاً لأنفسهم على الإيمان .
14 . تفرد عن اللغويين فجعل الإباء الامتناع الشديد ، مع أنه مطلق الامتناع ، تقول : أبى فلان أن يفعل ، فيقال لك : هل كان إباؤه شديداً ، أم لا ؟
15 . قال : « أحَدٌ : يستعمل على ضربين : أحدهما في النفي فقط ، والثاني في الإثبات » فتصوَّرأن كلمة أحدٍ تدل على النفي ! وقد وقع في ذلك لأنه رأى ما النافية مع أحد تدل على نفي الجنس ، فتخيل أن النفي منها ، مع أنه جاء من أداته ومن التنكير ، وليس من أحد .
16 . قال : « أَلَوْتُ في الأمر : قصَّرت فيه ، هو منه كأنه رأى فيه الانتهاء » . فجعل فعل ألَوَ مشتقاً من حرف الجر ، إلى . ولو صح الإشتقاق من الحرف ، فأين معنى الانتهاء في : ألَوَ ؟
17 . جعل الراغب المعاندة وفروعها مشتقَّةً من عِنْد التي هي ظرف زمان ومكان ، قال « والعنيد المعجب بما عنده ، والمعاند المباهي بما عنده . مع أن العناد مادةٌ مستقلةٌ لا علاقة لها بعند الظرفية .
18 . قد يبحث الراغب المادة ولا يذكر الآية التي وردت فيها ، أو لايستوفي آياتها ومعانيها الأخرى الواردة في القرآن ، وقد اهتمينا باستيفاء ذلك .
وقد أخطأ في آية : هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ . فزعم أنها تتلو بدل تبلو ، وحاول أن يفسرها في تلى ، ولم يتراجع عن ذلك بوضوح !
--------------------------- 14 ---------------------------
19 . لايراعي في الألفاظ التي يوردها في المادة أن تكون كثيرة الاستعمال في اللغة العربية ، أو معروفة لمتوسط الناس الناطقين بها ، وذلك لعدم معايشته أهلها ، فتراه يذكر ألفاظاً نادرة الاستعمال ، أو مهجورة لا تستعمل ، وقد أكثر منها في كتابه ، وضررها أن القارئ يتصور أنها المعاني المشهورة للكلمة !
20 . أسلوبه في العربية ضعيف ، فيه عُجمة محمولة أحياناً ، وغليظة أحياناً ! وهو مدمن الخطأ في المذكَّر والمؤنث ، وقد يُذَكِّر المؤنثات الحقيقية كالفرس .
كما أنه يستعمل أفعالاً بدون حروف تعدية ، فيقول : دلَّ كذا ، ونَبَّهَ كذا ، وتنبيهاً كذا . وقد راجعت نسخاً مخطوطة ، فوجدته يستعمل مادة نَبَّهَ وغيرها بدون حرف تعدية إلا قليلاً ، فأضفت إليها [ على ] بين قوسين . وعلى العموم ، فإن عبارته ثقيلة وفيها أخطاءٌ تزيد من صعوبة فهمها إلا على الذي تعود على فهم الأعوج !
21 . كأنه مغرم بإضافة قيود على معنى الكلمة ، لم يذكرها أحدٌ من اللغويين ! فكلما وجدته وضع قيداً أوشرطاً ، فاحتمل أنه أضافه من عنده ، تأثراً ببعض موارد استعمال الكلمة ، أو حُبّاً بالتفذلك !
22 . فَسَّرَ في كتابه عدداً من الآيات ، على مشربه الصوفي الذي يميل إلى الحشو ، وتضمن تفسيره أحياناً أخطاء لغويةً أو فكريةً .
كما تَعَرَّضَ إلى مسائل كلامية خارجة عن كتاب لغة ، وفي كلامه أحياناً نظر أو عليه إشكال ، وقد اقتصرنا على مناقشة الضروري من ذلك . ولو أردنا مناقشة كل أخطائه اللغوية الفرعية والعلمية لبلغت ملاحظاتنا أضعاف ما دوناه .
هذا وقد أضفنا إلى النسخة ذكر عدد المفردات في كل باب ، وأضفنا الآل أحياناً في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله .
--------------------------- 15 ---------------------------
الهوية الشخصية للراغب الأصفهاني
هو الحسين بن محمد بن المفضل ، المعروف بالراغب الأصفهاني . ولد في أصفهان وتوفي فيها ، وعاش فيها وفي الري ، أي طهران . ولم أجد نصاً معتمداً في أنه خرج من إيران حتى إلى الحج ، فقد غلب عليه حب العزلة والتصوف .
وهو لغوي موسوعي ، اشتهر بمؤلفه مفردات ألفاظ القرآن ، ثم بكتابه المحاضرات ، في بضعة عشر مجلداً .
وَعَدَّهُ بعض علمائنا شيعياً ، كالسيد الأمين ، قال في أعيان الشيعة « 6 / 160 » : « الشيخ الإمام الراغب أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل بن محمد الأصفهاني ، العالم الفاضل الأديب المفسر اللغوي المتكلم الحكيم الصوفي ، المعروف بالراغب الأصفهاني ، كان من مشاهير حكماء الإسلام . .
اختلف في كونه شيعياً فالعامة صرحوا بكونه معتزلياً ، وبعض الخاصة صرح بذلك ، ولكن الشيخ حسن بن علي الطبرسي قد صرح في آخر كتاب أسرار الإمامة بأنه كان من حكماء الشيعة . . ثم استشهد السيد الأمين على تشيعه بكثرة روايته في كتبه عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وتعبيره عن علي عليه السلام دون غيره بأمير المؤمنين ، وروايته عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله قال : إن خليلي ووزيري وخليفتي وخير من أترك من بعدي ، يقضي ديني وينجز موعدي ، علي بن أبي طالب » .
واستشهد السيد الأمين برواية الراغب لعدد من نصوص الوصية لعلي عليه السلام وأن غيره لا يستحق الخلافة . « راجع : اليقين لابن طاووس / 523 ، ومحاضرات الراغب : 2 / 213 » .
بينما قال السيوطي في بغية الوعاة « 2 / 297 » : « الراغب ، صاحب المصنفات ، كان في أوائل المائة الخامسة . له : مفردات القرآن ، وأفانين البلاغة ، والمحاضرات . وقفت على الثلاثة . وقد كان في ظني أن الراغب معتزلي حتى رأيت بخط الشيخ بدر الدين الزركشي على ظهر نسخة من القواعد الصغرى لابن عبد السلام ما نصه : ذكر الإمام فخر الدين الرازي في تأسيس التقديس في الأصول ، أن أبا القاسم الراغب من أئمة السنة ، وقرنه بالغزالي . قال : وهي فائدة حسنة ، فإن كثيراً من الناس يظنون أنه معتزلي » .
ونقل الداودي في مقدمة المفردات عن رسالة الراغب في الإعتقاد / 52 ، أنه مدح فيها الشيخين ، ونص على ضلال فرقة الشيعة لأنها حسب تعبيره : « تظهر موالاة أمير المؤمنين ، وبها إضلال المؤمنين ، يتوصلون بمدحه وإظهار محبته إلى ذم الصحابة وأزواج النبي رضي الله عنهم . . الفرقة الناجية هم أهل السُّنة والجماعة الذين اقتدوا بالصحابة » .
--------------------------- 16 ---------------------------
ويظهر من ذلك أن الراغب سنيٌّ منفتحٌ على التشيع ، وهو في الواقع صوفيٌّ يعيش حالات تسنن وحالات تشيع ، كبعض الحشوية .
فهو يراعي عصره حيث عاش في أواخر الدولة البويهية ، وعاصر الوزير الشيعي الأديب واللغوي المشهور الصاحب بن عَبَّاد ، لكنه كان صغيراً ، فلم يدرس عنده ودرس عند تلاميذه ، ومنهم علماء كبارٌ .
قال الحموي في معجم الأدباء « 6 / 171 » : « والصاحب مع شهرته بالعلوم وأخذه من كل فن منها بالنصيب الوافر والحظ الزائد الظاهر ، وما أوتيه من الفصاحة ، ووفق لحسن السياسة والرجاحة ، مستغنٍ عن الوصف مكتفٍ عن الإخبار عنه والرصف . . . فذكره الثعالبي قال : واحتفَّ به من نجوم الأرض ، وأفراد العصر ، وأبناء الفضل ، وفرسان الشعر ، من يَرْبَى عددهم على شعراء الرشيد ، ولايقصرون عنهم في الأخذ برقاب القوافي ، وملك رِقَّ المعاني » .
ثم اتصل الراغب بالوزير الشيعي الضبي ، الذي قال عنه في الوافي « 6 / 129 » : « الوزير أحمد بن إبراهيم الوزير الضبي أبو العباس ، الملقب بالكافي الأوحد ، الوزير بعد الصاحب بن عباد لفخر الدولة بن أبي الحسن علي بن ركن الدولة بويه ، توفي في صفر سنة تسع وتسعين وثلاث مائة . ذكره الثعالبي قال : هو جذوة من نار الصاحب أبي القاسم ، ونهر من بحره ، وخليفته النائب منابه في حياته ، القائم مقامه بعد وفاته » .
وقال الذهبي في تاريخه « 20 / 295 » : « إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن المدبر ، الوزير أبو إسحاق الضَّبِّي الكاتب الأديب الشاعر . كان أحد من جمع بين الرياسة والأدب والبلاغة . كان جليلاً عالماً ، ليس في الكُتَّاب من يدانيه » .
وقد ألف الراغب للوزير الضبي كتاباً ، سماه كما في مقدمة المفردات للداودي / 9 : « تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين . وقد طبع عدة طبعات ، آخرها طبع دار الغرب الإسلامي ، بتحقيق الدكتور عبد المجيد النجار .
وقال الداودي : « ذكر في كتاب مراتب العلوم ما نصه : لكن طال تعجبي في ذلك من الشيخ الفاضل حرسه الله ، لأمور رأيتها منه طريفة : أحدها إنكاره عليَّ التفوه بلفظ القوة ، اعتلالاً بأن هذه اللفظة يستعملها ذووا الفلسفة ، وأن أقول بدله : القدرة ، كأنه لم يعلم ما بينهما من الفرق في تعارف عوام الناس فضلاً عن خواصهم . ثم ما كان من إبهاماته وتعريضاته بل تصريحاته ، تنفق منه على أشياعه وأتباعه بالوضع مني والغض مني ، وازدياده بعد المقال مقالاً لما رأى مني في مجاوبته جملاً ثقالاً ، ولم أكن أرى بأساً وضيراً في احتمال شيخ كريم عليَّ بما لا يعود بمعاب في الحقيقة عليَّ . وكلامه هذا يوحي بأنه اختلف مع الوزير ، وأن أتباع الوزير آذوه ، ولم يسكت هو له ، بل ردَّ عليه ، فلعل هذا أدى إلى سجنه » .
--------------------------- 17 ---------------------------
أقول : رأيت كتابه تفصيل النشأتين ، وهو مختصر عام في الأخلاق والعقائد ، على النمط الذي كتب فيه الفلاسفة قبله . وهو يستشهد فيه كثيراً بكلام منسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، ولعل ذلك لأنه ألفه لرئيس وزراء شيعي .
ومعناه أن الراغب كان مؤلِّفاً في حياة الوزير الضبي ، ثم اختلف معه وسُجٍن ، وقد توفي الضبي سنة 399 . وهذا يضعِّف قولهم إن الراغب مات سنة 502 ، فالظاهر أنه مات قبل الخمس مئة .
ولم نعرف سبب سجن الوزير له ، لأن ما ذكره عن اعتراض الوزير عليه لتعابيره الفلسفية ليس سبباً كافياً لسجنه ، فلعل السبب سلوكه مع الوزير وجماعته ، أو سلوكه الشخصي .
أستاذ الراغب أبو منصور الجبَّان
يظهر أن أستاذ الراغب الأساسي : أبو منصور الجبان محمد بن علي بن عمر . فقد ذكروا في ترجمته أنه إمام مشهور في الحديث واللغة ، وأنه كان حياً سنة 416 .
قال الداودي في مقدمته للمفردات : « والظاهر أن المؤلف كان مغموراً يحبُّ الخمول كما يتضح لنا من شعره . لكن الذي يغلب على ظني ويترجح عندي أنه قرأ العربية على أبي منصور الجبان ، واسمه محمد بن علي بن عمر ، قال عنه ياقوت : أحد حسنات الري وعلمائها الأعيان ، جيد المعرفة باللغة ، باقِعَةُ الوقت ، وفَرد الدَّهر ، وبحر العلم . .
صنف كتاب الشامل في اللغة ، كثَّر فيه الألفاظ اللغوية ، قليل الشواهد ، فهو في غاية الإفادة من حيث الكثرة ، وله أيضاً كتاب كبير سماه لسان العرب ، استوفى فيه اللغة غاية إمكانه ، لكنه مات قبل إخراجه من المسودة » .
وقال القفطي في إنباه الرواة « 4 / 176 » : « وهو إمام في اللغة مبرز في زمانه . وقد كان الصاحب كافي الكفاة يُعزه ويُجِلَّه ، ويعلم مقداره ويقرب داره .
وحضر أبو منصور الجبان في مجلس علاء الدولة بن فخر الدولة ابن بويه ، وفي المجلس أبو علي بن سينا الرئيس ، وهو يومئذ وزير لعلاء الدولة ، وجرى فصل من اللغة ، تكلم فيه الرئيس ابن سينا ، فقال له أبو منصور : أنت منطيقي ما نعارضك ، وكلامك في لغة العرب ما نرضاه ! فسكت أبو علي خجلاً ، وبعد انفصاله من المجلس نظر في اللغة وتبحر فيها ، وعمل رسائل أودعها نوعاً متوفراً من اللغة . وسأل علاء الدولة ابن الجبان عما تضمنه من الغريب ، فعلِمَ بعضه وأنكر بعضاً ، فقال أبو علي : الكلمة الفلانية معناها
--------------------------- 18 ---------------------------
كذا ، وهي مذكورة في الكتاب الفلاني . . وشرح جميعها ، وأحال على الأصول ، فخجل أبو منصور بن الجبان وفطن لما فعله ابن سينا ، واعتذر إليه اعتذاراً طويلاً » .
وقال في الوافي « 4 / 128 » : « محمد بن علي بن عمر بن الجبان أبو منصور اللغوي ، من أهل الري ، سكن بأصبهان وكان إماماً في اللغة ، وله مصنفات حسنة في الأدب . قدم بغداد سنة إحدى وتسعين وثلاث مائة ، وروى بها كتاب انتهاز الفرص في تبيين المقلوب من كلام العرب ، من تصنيفه ، قرأه عليه عبد الواحد بن علي بن برهان الأسدي ورواه عنه ، وقرئ عليه مسند الروياني ، وتكلموا فيه من قبل مذهبه ، كذا قاله ابن النجار . قلت : لعله كان معتزلياً . وكان ينخرط في سلك ندماء الصاحب بن عباد ، ثم استوحش من خدمته ، وتمادت به أحوال شتى حتى علق غلاماً من الديلم يقال له البركاني ، واتفق للغلام أنه أحرم بالحج ولم يجد هو بداً من موافقته ومرافقته ، حتى بلغا الميقات ، فلما أخذ في التلبية قال : لبيك اللهم لبيك ، والبركاني ساقني إليك ! وكان يواصل إنشاد هذين البيتين :
مليحُ الدَّلِّ والغَنَجِ * لكَ سُلْطَانٌ على المُهَجِ
إن بيتاً أنتَ ساكنُهُ * غيرُ محتاجٍ إلى سُرُجِ
وقال في الوافي « 8 / 5 » : « قال الصاحب ابن عباد : فاز بالعلم من أصبهان ثلاثة : حائك وحلاج وإسكاف ! فالحائك هو المرزوقي ، والحلاج أبو منصور بن ماشذه « يقصد ابن الجبان » .
ولعل الصاحب كره ابن الجبان وأبعده عنه ، لافتضاحه الجنسي !
أَهمية اللغة العربية في حياتنا
سألني بعضهم : لماذا أُنفق من وقتي على نقد مفردات الراغب وتصحيحها ، قال : أليس الأولى أن تصرف هذا الوقت في البحوث العقدية ، وسيرة المعصومين صلوات الله عليهم ، فأحببتُ أن أذَكِّرَ بأهمية اللغة في عقائدنا ، وبأن نشوء التعسفية في مفردات اللغة هو أساس مذاهب الحشو ، والتناقض والهرطقة !
نَمَّى الله اللغة العربية ورباها ليخاطب بها الناس
من آيات الله تعالى : أنه جعل العرب لقرونٍ طويلة يعشقون لغتهم عشقاً عجيباً حتى نَضَّجُوها وطوَّروها ، فصارت صالحة ليُنزل بها كتابه ، ويكلم بها عباده .
قال الإمام الصادق عليه السلام « الخصال / 258 » : « تعلموا العربية ، فإنها كلام الله الذي يكلم به خلقه » . وقوله عليه السلام :
--------------------------- 19 ---------------------------
« يُكلم به خلقه » يدل على استمرار تكليم الله تعالى للخلق بالقرآن . وهذا خارج موضوعنا .
ومن آيات الله تعالى التي يخشع أمامها الباحث المنصف : أن اللغة تُولد وتتكون تلبيةً لحاجة مجتمعها ، فعندما يطرأ لهم معنى يضعون له كلمة تُعَبِّرُ عنه ، فمفردات اللغة ومعانيها ، تناسب دائماً حاجة ذلك المجتمع ولا تزيد عنها .
لكن اللغة العربية استثناءٌ من ذلك ، لأن المجتمع العربي لم يكن له حاجات بحجم لغته ، ولا طرأت عليه معان أحوجته إلى وضع هذه الثروة الواسعة من الألفاظ . فهو مجتمع صحراوي أو زراعي بسيط ، لكن لغته شجرةٌ عملاقةٌ بين لغات العالم ! وسبب ذلك أن أهلها عشقوها وطوروها ، رغم قلة حاجهتم .
وهذا يعني أن إرادة الله الغيبية تدخلت وأعدت اللغة العربية لينزل بها القرآن .
وقد شهد المستشرقون بتميُّز اللغة العربية ، وعُلُوِّ مستواها عن الحاجة الطبيعية لشعوبها ، فقال فيليب حِتِّي « مجلة البيان : 204 / 9 » : « والعرب لم يبدعوا أن ينشئوا فناً عظيماً خاصاً بهم ، من الفنون المعروفة ، ولكنهم عبروا عن الغريزة الفنية بصورة واحدة هي الكلام . فإن فاخَرَ الإغريقي بما عنده من تماثيل الفن ومنشآت هندسة البناء ، فالعربي يرى قصيدته أفضل ما يعبر عن خلجاته الداخلية » .
النص ضرورةٌ أزليه للدين
كان النص ضرورة للدين الإلهي منذ أسكن الله آدم في الأرض ، لأنه الخريطة والبوصلة التي تضبط له الفهم والتطبيق ، وتضع حداً للخلاف .
ولذلك علم الله آدم وأبناءه عليهم السلام القراءة ، وأنزل عليهم صحفاً في أصول الدين والحياة ، وقد روت ذلك مصادر السنة والشيعة . ففي الخصال / 524 ، للصدوق ، وسنن البيهقي : 9 / 188 ، وصحيح ابن حبان : 2 / 77 ، وغيرها ، عن أبي ذر رحمه الله : « قلت : يا رسول الله ، كم أنزل الله من كتاب ؟ قال : مائة كتاب وأربعة كتب ، أنزل الله على شيث خمسين صحيفة ، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم عشرين صحيفة ، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان . قلت : يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم ؟ قال : كانت أمثالاً كلها وكان فيها : أيها الملك المبتلى المغرور ، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردها وإن كانت من كافر . وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له ساعات : ساعة يناجي فيها ربه عز وجل ، وساعة يحاسب نفسه ، وساعة يتفكر فيما صنع الله عز وجل إليه ، وساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال ، فإن هذه الساعة عونٌ لتلك الساعات واستجمام للقلوب ، وتوزيع لها .
--------------------------- 20 ---------------------------
وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه ، مقبلاً على شانه ، حافظاً للسانه ، فإن من حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه . وعلى العاقل أن يكون طالباً لثلاث : مرمة لمعاش ، أو تزود لمعاد ، أو تلذذ في غير محرم .
قلت : يا رسول الله فما كانت صحف موسى ؟ قال : كانت عبرانية كلها ، وفيها : عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، ولمن أيقن بالنار لمَ يضحك ، ولمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها لمَ يطمئن إليها ، ولمن يؤمن بالقدر كيف ينصب ، ولمن أيقن بالحساب لم لا يعمل . قلت : يا رسول الله هل في أيدينا مما أنزل الله عليك شئ مما كان في صحف إبراهيم وموسى ؟
قال : يا أبا ذر إقرأ : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى . بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى . إن هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولى . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى » .
وتعليم الله تعالى آدم القراءة والكتابة ، لا ينافي أن تكون حياته في بقية جوانبها بدائية ، فقد ورد أن لباسه ولباس حواء كان من جلود البقر .
وقد نص القرآن على أن اختلاف الأمم بعد الرسل قانونٌ سمح به الله تعالى ، فقال : وَلَوْ شَاءَ الله مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ الله مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ . « سورة البقرة : 253 » .
فاختلاف الأمم يحدث بمجرد موت الرسول ، فيحدث الانقسام إلى مذهبين : مذهب إيمان يتمسك بالنص ، ومذهب كفر ، أصله وفصله تعمدٌ تحريف النص !
والى هذين الإتجاهين ترجع كل المذاهب بعد الرسل عليهم السلام .
أكد النبي صلى الله عليه وآله على جدية اللغة ودقتها
تأكيداً لمبدأ القصدية والدقة في كلمات اللغة ، نهى النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام عن السطحية في فهمها ، وأمروا بالتدبر في كلام الله ، وفي كلامهم عليهم السلام .
قال الصدوق في الفقيه « 1 / 240 » والأمالي / 285 : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أُعطيتُ خمساً لم يُعْطَهَا أحدٌ قبلي : جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، وأُحِلَّ ليَ المَغْنَم ، ونُصِرْتُ بالرعب ، وأُعْطِيتُ جَوَامعَ الكَلِم ، وأُعطيت الشفاعة » . والخصال / 292 عن ابن عباس ، ونحوه صحيح البخاري : 4 / 12 .
وعَلَّمَ النبي صلى الله عليه وآله الصحابي البراء بن عازب ، دعاءً يقرؤه قبل النوم : « اللهم أسلمت نفسي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك ، رهبةً ورغبة إليك ، لا ملجأ ولا منجى منك الا إليك . آمنت بكتابك
--------------------------- 21 ---------------------------
الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت . فأعاده البراء ليضبطه فقال : وبرسولك الذي أرسلت . فقال له النبي صلى الله عليه وآله : لا . ونبيك الذي أرسلت » . « صحيح البخاري : 7 / 146 » .
فلم يقبل صلى الله عليه وآله تبديل كلمة بكلمة ، ولو كانت بمعناها .
وفي مسند أحمد « 6 / 51 » : « عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله قال : لا يقولنَّ أحدكم : خَبُثَتْ نفسي ، ولكن ليقل : لَقِسَتْ » . أي شَرِهَتْ .
تقيد الصحابة بقصدية اللغة ودقتها
سئل أبو بكر عن معنى : أبّاً ، في قوله تعالى : وَفَاكِهَةً وَأَبّاً مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ . وهو العشب الذي تأكله الأنعام ، فلم يعرف معناه ، فقال : « أيُّ سماءٍ تُظلني وأيُّ أرض تُقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم » . « فتح الباري : 6 / 212 » .
قال ابن حزم في المحلى « 1 / 61 » : « وقد ثبت عن الصديق أنه قال : أي أرض تقلني أو أي سماء تظلني . . » .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام تعليقاً على كلام أبي بكر : « يا سبحان الله ، أما علم أن الأبَّ هو الكلأ والمرعى ، وأن قوله عز اسمه : وفاكهةً وأباً ، اعتدادٌ من الله سبحانه بإنعامه على خلقه ، فيما غذاهم به ، وخلقه لهم ولأنعامهم » . « الإرشاد : 1 / 200 » .
وقال عليه السلام : « وإن القرآن ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ، ولا تنقضي غرائبه ، ولا تكشف الظلمات إلا به » . « نهج البلاغة : 1 / 55 » .
وقال عليه السلام : « لايقولن أحدكم : اللهم إني أعوذ بك من الفتنة ، لأنه ليس أحد إلاوهو مشتمل على فتنة ، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن فإن الله يقول : وَاعْلَمُوا إنمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ » . « نهج البلاغة : 4 / 20 » .
وهذه النصوص وغيرها تدل على أن الصحابة كانوا يتقيدون بقصدية اللفظ ، حتى حدثَ ما حدث !
وأكد أئمة أهل البيت عليهم السلام على قصدية اللغة
قال الإمام زين العابدين عليه السلام : « لايقولن أحدكم : اللهم تصدق عليَّ بالجنة ، فإنما يتصدق أصحاب الذنوب ، ولكن ليقولن : اللهم ارزقني الجنة ، اللهم مُنَّ عليَّ بالجنة » . « حلية الأولياء : 3 / 138 » .
وقال الإمام الصادق عليه السلام : « حديثٌ تدريه خير من ألفٍ حديث ترويه ، ولا يكون الرجل منكم فقيهاً حتى
--------------------------- 22 ---------------------------
يعرف معاريض كلامنا » . « معاني الأخبار / 2 » .
وفي بصائر الدرجات / 349 : « أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا » .
وقال الحسن بن السري إن الإمام الصادق عليه السلام قال « الكافي : 2 / 672 » : « لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم : لفلان ، ولا بأس أن تكتب على ظهر الكتاب : لفلان » .
فألفتَ الإمام إلى الفرق بين إلى واللام ، وأن إلى أبلغ في احترام المخاطب .
وفي الكافي « 2 / 342 » : عن عبد الأعلى قال : « حدثني أبو عبد الله عليه السلام بحديث فقلت له : جعلت فداك أليس زعمت لي الساعة كذا وكذا ؟ فقال : لا . فعظم ذلك عليَّ فقلت : بلى والله زعمت ، فقال : لا والله ما زعمته ! قال : فعظم عليَّ فقلت : جعلت فداك بلى والله قد قلته ! قال : نعم قد قلته أما علمت أن كل زعم في القرآن كذب » !
فقد تعمد الإمام عليه السلام أن يصدم هذا الراوي ، لينتبه إلى معاني كلماته ولا يطلقها جزافاً .
مفاجأة عمر في نسف حرفية القرآن !
كان النبي صلى الله عليه وآله في حياته يُبَلِّغُ النص القرآني للمسلمين ، وكانوا إذا شَكُّوا فيه راجعوه فَصَحَّحَهُ لهم ، فكان النص الديني واحداً مضبوطاً في مصدره وتلاوته .
أما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله فلم تقبل السلطة نسخة القرآن التي جاء بها علي عليه السلام ، ولعلها خافت مما فيها من تفسير ، فتركت الأمر بدون مرجع مكتوب .
وكان المسلم إذا شك في قراءته سأل من يرى أنه يحفظه من الصحابة ، فنتج عن ذلك اختلافهم فيه ، لعدم تبني السلطة نسخة مكتوبة !
هنا ابتدع عمر مقولةً ورَّطَ فيها الأمة من بعده ، فقال إن القرآن يتسع لأكثر من قراءة ، ولا بأس بأن يبدل القارئ بعض ألفاظه ببعض ، ما دام لم يُغَيِّر اللفظ إلى العكس ، المغفرة إلى عذاب ، أو العذاب إلى مغفرة !
روى أحمد في مسنده « 4 / 30 » : « قرأ رجل عند عمر فَغَيَّر عليه فقال : قرأت على رسول الله فلم يغيِّر عليَّ ! قال فاجتمعنا عند النبي قال فقرأ الرجل على النبي فقال له : قد أحسنت ! قال فكأن عمر وَجَدَ من ذلك فقال النبي : يا عمر إن القرآن كله صواب ، ما لم يُجعل عذابٌ مغفرةً ، أو مغفرةٌ عذاباً » !
ونسب في مسند أحمد « 5 / 41 ، و 51 ، و 124 » إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : « إن قلت غفوراً رحيماً ، أو قلت سميعاً عليماً ، أو عليماً سميعاً ، ف الله كذلك ، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب » !
وقال في مجمع الزوائد « 7 / 150 » عن رواية أحمد الأولى : « رواه أحمد ورجاله ثقات » .
--------------------------- 23 ---------------------------
ثم وثق حديث : « كلٌّ شافٍ كافٍ ما لم يختم آية عذاب برحمةٍ أو رحمة بعذاب » !
وقال السيوطي في الإتقان « 1 / 168 » عن حديث عمر : إن القرآن كله صواب ، ما لم تجعل مغفرة عذاباً أو عذاباً مغفرة . أسانيدها جياد » !
أقول : تعني هذه المقولة البركانية : أن الخليفة تنازل عن صيغة القرآن وعَوَّمَ نصه لتقرأه بالألفاظ التي تريدها بشرط : أن لا تقلب المعنى من مغفرة إلى عذاب !
ثم أفتى للمسلمين بأن كل قراءاتهم بالمعنى ، تكون قرآناً أنزله الله تعالى !
وبذلك يكون الخليفة أعطى للناس حقاً لم يعطه الله تعالى حتى لرسوله صلى الله عليه وآله ، لأنه قال له : قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ « يونس : 15 » .
ومع وضوح خطأ هذه المقولة وخطرها ، فقد صارت فتوىً ومرسوماً خلافياً أشاد به الفقهاء الرسميون ، وأفتوا بجواز تغيير نصوص الصلاة لأنها أخف من نص القرآن ! وبذلك جعلوا إلغاء جدية اللغة وحرفيتها وقصديتها ديناً ، وقدموه إلى المسلمين ليدينوا به ، ويشكروا الله على هذه التوسعة والرحمة للعباد !
قال الشافعي في اختلاف الحديث / 489 ، والأم « 1 / 142 » : « وقد اختلف بعض أصحاب النبي في بعض لفظ القرآن عند رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يختلفوا في معناه فأقرهم ! فما سوى القرآن من الذكر أولى أن يتسع هذا فيه » !
وقال ابن قدامة في المغني « 1 / 575 » : « إن عبد الله كان يرخص في إبدال لفظات من القرآن فالتشهد أولى ! فقد روي عنه أن إنساناً كان يقرأ عليه : إن شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ ، فيقول طعام اليتيم ، فقال له عبد الله : قل طعام الفاجر » !
وقال البيهقي في سننه « 2 / 145 » : « قال الشافعي رحمه الله : فإذا كان الله برأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف ، معرفة منه بأن الحفظ قد نزر ليجعل لهم قراءته وإن اختلف لفظهم فيه ، كان ما سوى كتاب الله أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يُخَلَّ معناه » .
والسبعة أحرف : مقولةٌ أخرى لعمر في نفس الموضوع ، وقد استوفيناها في كتاب تدوين القرآن . وقد حاول محبوه أن يفسروها فلم يجدوا لها معنى معقولاً !
قال السيوطي في الإتقان في علوم القرآن « 1 / 172 و 76 » : « قال ابن حبان : اختلف أهل العلم في معنى الأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولاً ! في معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف ، وهي أقاويل يشبه بعضها بعضاً وكلها محتملة ويحتمل غيرها !
--------------------------- 24 ---------------------------
وقال المرسي : هذه الوجوه أكثرها متداخلة ولا أدري مستندها ولا عمن نقلت . . وفيها أشياء لا أفهم معناها على الحقيقة ، وأكثرها يعارضه حديث عمر مع هشام بن حكيم الذي في الصحيح ، فإنهما لم يختلفا في تفسيره ولا أحكامه ، إنما اختلفا في قراءة حروفه » .
إن هذه الفتوى العمرية ثورة كاملة على النص الديني ، فأعمق ما في الدين هو النص ، وهذه المقولة مرسومٌ بإلغائه ، وتفجير أنظمة الدلالة فيه !
رفض أهل البيت عليهم السلام قرار إلغاء قصدية اللغة
كان موقف أهل البيت عليهم السلام حاسماً رافضاً للتنازل عن حرفية النص القرآني ، لأن القرآن واحدٌ ، نزل من عند الواحد ، على حرفٍ واحد ، على قلب واحد .
قال الفضيل بن يسار قلت لأبي عبد الله « الصادق عليه السلام » : « إن الناس يقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف . فقال : كذبوا أعداء الله ، ولكنه نزل على حرف واحد ، من عند الواحد » . « الكافي : 2 / 630 » .
ولم يتجرأ من علماء السلطة على موافقة أهل البيت عليهم السلام وإعلان خطأ الخليفة عمر إلا ابن حزم ، قال في الأحكام « 4 / 528 » : « فإن ذكر ذاكرٌ الرواية الثابتة بقراءات منكرة ، صحت عن طائفة من الصحابة . . مثل ما صح عن عمر من قراءة : صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم والضالين . ونحن لا ننكر على من دون رسول الله صلى الله عليه وآله الخطأ فقد هتفنا به هتفاً ، ولا حجة فيما روي عن أحد دونه عليه السلام ولم يكلفنا الله تعالى الطاعة له ولا أمرنا بالعمل به ولا تكفل بحفظه ، فالخطأ فيه واقع فيما يكون من الصاحب فمن دونه . فكيف يقولون مثل هذا ، أيجيزون القراءة هكذا ! فلعمري لقد هلكوا وأهلكوا ، وأطلقوا كل بائقة في القرآن » !
ولم أر شبيهاً له إلا ابن قدامة الحنبلي فقد انتقد تعويم النص القرآني بطرف خفي .
أما الباقون فقاموا بتبرير فعل الخليفة ، وجعلوا ذلك توسعةً على العباد !
تلاميذ أهل البيت عليهم السلام أول من صنف في ألفاظ القرآن
« أول من دَوَّنَ علم القراءة أبان بن تغلب الربعي ، أبو سعيد ، ويقال أبو أميمة الكوفي ، قال النجاشي في فهرس أسماء مصنفي الشيعة : كان أبان رحمه الله مقدماً في كل فن من العلم ، في القرآن ، والفقه ، والحديث . . وقد ذكر ابن النديم في الفهرست « ص 276 » تصنيف أبان في القراءة ، قال : وله من الكتب معاني القرآن لطيف ، كتاب القراءة ، كتاب من الأصول في الرواية على مذهب الشيعة » .
--------------------------- 25 ---------------------------
وبعد أبان صنف حمزة بن حبيب ، أحد القراء السبعة كتاب القراءة . قال ابن النديم في الفهرست : « كتاب القراءة لحمزة بن حبيب ، وهو أحد السبعة من أصحاب الصادق عليه السلام » .
« ثم اعلم أن المصنفين في غريب القرآن بعد أبان جماعة من الشيعة منهم : أبو جعفر الرواسي ، وهو متقدم أيضاً على أبي عبيدة ، ومنهم أبو عثمان المازني ، المتوفى سنة 248 ، والفراء المتوفى سنة 207 ، وابن دريد الكوفي اللغوي المتوفى سنة 221 ، وعلي بن محمد السيمساطي . وستأتي تراجم هؤلاء في فصل علم النحو ، وفصل علم اللغة ، والدلالة على تشيعهم » . « الشيعة وفنون الإسلام / 27 » .
« قال السيوطي في الأوائل : أول من صنف غريب القرآن أبو عبيدة معمر بن المثنى ، أخذ ذلك من أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس . انتهى . والعجب من السيوطي كيف يقول ذلك ، مع أنه ذكر في بغية الوعاة أن أبان بن تغلب صنف غريب القرآن وذكر وفاته 141 » . « أعيان الشيعة : 1 / 128 » .
وقد اقترب أحد الوهابيين المعاصرين من رأينا ، وهو أحمد حسن الخميسي ، فقد نشر في مجلة ملتقى أهل التفسير : http / / www . tafsir . net / vb / tafsir 16133 بحثاً بعنوان : حركة التأليف المعجمي في مفردات القرآن ، قال فيه :
« أول من قال بغريب القرآن هو ابن عباس ، وطبع له كتاب في غريب القرآن . كما أن مسائل نافع بن الأزرق المتوفى سنة 65 ه قد أُثبتت في الإتقان للسيوطي وهي مطبوعة في شواهد القرآن لأبي تراب الظاهري ، وفي إعجاز القرآن لعائشة عبد الرحمن « بنت الشاطئ » . والمؤلَّفُ الثاني في غريب القرآن : هو لأبي سعيد أبان بن تغلب بن رباح البكري المتوفى 141 ه ودوَّن شواهده من الشعر . وهذا مايجعلنا نقول : إن بداية تدوين غريب القرآن في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة واستمر إلى العصر الحاضر » .
وقد عقد ابن النديم في « الفهرست » أبواباً للمؤلفات في القرآن ، وأكثرها للشيعة :
« باب نزول القرآن بمكة والمدينة وترتيب نزوله / 28
تسمية الكتب المصنفة في تفسير القرآن / 36
الكتب المؤلفة في معاني القرآن ومشكله ومجازه / 37
الكتب المؤلفة في غريب القرآن / 37
الكتب المؤلفة في لغات القرآن / 38
الكتب المؤلفة في القراءات / 38
--------------------------- 26 ---------------------------
الكتب المؤلفة في النقط والشكل للقرآن / 38
الكتب المؤلفة في لامات القرآن / 38
الكتب المؤلفة في الوقف والابتداء في القرآن / 38
الكتب المؤلفة في اختلاف المصاحف / 38
الكتب المؤلفة في وقف التمام / 39
الكتب المؤلفة فيما اتفقت ألفاظه ومعانيه في القرآن / 39
الكتب المؤلفة في متشابه القرآن / 39
الكتب المؤلفة في هجاء المصاحف / 39
الكتب المؤلفة في مقطوع القرآن وموصوله / 39
الكتب المؤلفة في أجزاء القرآن / 39
الكتب المؤلفة في فضائل القرآن / 39
الكتب المؤلفة في عدد آي القرآن / 40 » .
ثقافة المسلمين وتاريخهم صراع بين القصدية والتعويم !
لخص الله تاريخ الخلاف بعد الرسل بمذهب التمسك بقصدية اللغة ، ومذهب تعويم اللغة ! فقال تعالى : وَلَوْ شَاءَ الله مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ .
فالإختلاف بعد الرسل عليهم السلام كله : صراعٌ بين من يلتزم بحرفية النص الإلهي والنبوي ، وبين من يلغي الحرفية ، ويفتي بتعويم النص لأجل غرضه .
مثال لنتائج تعويم كلمة بتاثيراللغة الأم !
اخترع فقهاء السلطة قاعدة القياس في الأحكام فقالوا : إذا وجدنا موضوعاً حكمه التحريم ، وموضوعاً مشابهاً له ، نحكم عليه بالتحريم قياساً على شبيهه ، لأنه يُظن أو يحُتمل اشتراكهما في العلة .
وهي قاعدة واسعة في أبواب الفقه ، تؤثر على كل الشريعة . وقد ردها أهل البيت عليهم السلام ووصفوها بأنها خطر على الشريعة لأنها تنسب إلى الله تعالى أحكام تحليل وتحريم ، بظن القاضي والمفتي واستحسانهما ! والظن لا يغني عن الحق شيئاً .
--------------------------- 27 ---------------------------
فانبرى فقهاء السلطة لتبرير القياس ، واستدلوا عليه بكلمة « فاعتبروا » في قوله تعالى : يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ .
ومعنى الآية : خذوا العبرة من مصير بني قريظة لما نقضوا عهدهم مع النبي صلى الله عليه وآله وتحزَّبوا مع الأحزاب ، فلما انهزم الأحزاب قذف الله في قلوبهم الرعب فاستسلموا وخرَّبوا بيوتهم بأيديهم !
ولا قياس في الآية ، لكن هؤلاء الفقهاء ، وأكثرهم من الفرس ، قالوا : إن معنى : فاعتبروا : فقيسوا ، لأن الاعتبار بالفارسية : الوزن ، فقالوا معناها : زنوا الأمور يا أولي الأبصار ، أي قيسوا الشريعة !
ثم حبَّروا في كتب الفقه وأصول الفقه مئات الصفحات لإقناعك بأن الاعتبار في الآية بمعنى القياس ، حتى قال الجصاص في الفصول « 4 / 31 » إن ابن سريج كتب نحو خمس مئة ورقة ، في الإستدلال بالآية على القياس !
وقال الآمدي في الإحكام « 4 / 152 » : « والمعتمد في ذلك الإحتجاج بقوله تعالى : فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ، أوجب الاعتبار وأراد به القياس » !
وقد كتبنا في : ألف سؤال وإشكال « 2 / 514 » أن أصل حجتهم على القياس والظنون عملُ عمر بن الخطاب ، أما محاولتهم الإستدلال بالآية فتبريرٌ لذلك .
قال ابن حزم في المحلى « 1 / 57 » : « ومن العجيب أن يكون معنى الاعتبار القياس ويقول الله تعالى لنا : قيسوا . ثم لايبين لنا ماذا نقيس ، ولا كيف نقيس ، ولا على ماذا نقيس » !
إن استدلالهم باعتبروا على القياس مثلٌ صارخ لخطر تعويم النص الديني والخروج عن مدلوله المطابقي أو الإلتزامي . ومثلٌ واضح لضرورة فهم اللغة من أهلها ، والحذر من رواسب اللغات الأم .
من ليس له خبرة كافية بالعربية لا يكون فقيهاً
ذلك أن لغة الإسلام العربية ، فلا بد للباحث والفقيه من معرفة قواعدها ، وفهم معانيها ، والخبرة بتراكيبها ، ليستطيع القول إن المعنى المقصود لله تعالى أو للنبي صلى الله عليه وآله هو هذا ، فيبني عليه ويفتي به .
إن الإجتهاد يتوقف على استظهار المعنى من النص ، ولا يمكن الاستظهار بيقين إلا بفهم اللغة وقواعدها . وليس هذا تنقيصاً لمقام الباحث والفقيه من غير العرب ، فقد عشتُ في إيران نحو عشرين سنة ، واختلطت بالفرس وتكلمت بالفارسية وترجمت منها ، لكني لم أعش بين أهل اللغة محضاً ، ولذلك لا أعدُّ نفسي صاحب خبرة كافية بها تخولني أن أجزم دائماً بمداليل نصوصها .
إن المسألة ليست بالبساطة التي يتصورها البعض ، فما لم تصبح اللغة الثانية أماً لك كلغتك ، أو خالةً ، فلا
--------------------------- 28 ---------------------------
تعتبر نفسك مؤهلاً للحكم فيها ، لأنك قد تعطي رأياً في تحليل لفظ وأبعاد معناه ، ثم يُلفتك المتخصصون من أبنائها إلى أنك شطحتَ بعيداً عن مدلول الكلمة والجملة عند أهلها !
لكن الكثيرين من غير العرب عاشوا في بلاد العرب فصارت العربية لغتهم الأم أو أمهم الثانية ، وصاروا مرجعاً في العربية للعرب أنفسهم ، كسيبويه والكسائي والزجاج والمبرد والفارسي ، وأكثر اللغويين والنحويين .
أما في عصرنا فقلَّ منهم من عايش العربية بين أهلها ، لكن منهم منصفين يرجعون إلى الخبير بها ، فيسألونه عن هذه العبارة ، وهذا اللفظ عند العرب .
يسألونه مثلاً عن اليوم هل هو عند العرب من طلوع الشمس أو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ؟ وتترتب عليه أحكام في الصوم ، وعدة الطلاق ، وأحكام السفر ، والعقود الموقتة بالأيام .
ويسألونه مثلاً عن قوله تعالى : وَأَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِي . هل المقصود : أقم الصلاة لأجل ذكر الله تعالى ، أو أقم الصلاة التي نِمْتَ عنها أو نسيتها عندما تذكرها . أو أنها تشمل المعنيين ؟ وتترتب عليه أحكام كذلك .
لكنَّ المشكلة في من يركب رأسه ويرى أنه أخبرُ بالعربية من أهلها ، فتراه يأخذ بأول معنى يَعِنُّ لذهنه ، ويجادلك فيه ولايقنع بفهمك لمعنى اللفظ ، ولا باستعمال العرب له كأنه هو واضع اللغة ! لهذا ، كان من الضروري لمن أراد التخصص في اللغة العربية ، أن يعيش فترة كافية بين أهلها ، ويحاورهم ، مضافاً إلى دراسته ومطالعاته .
ولهذا ، أرجو أن يكون عملي في تصحيح مفردات الراغب ، قربةً إلى الله تعالى ، والى رسوله وآله عليهم السلام .
كتبه : العاملي
في الرابع والعشرين من ذي الحجة 1432
--------------------------- 29 ---------------------------
مفردات الراغب الاصفهاني
مع ملاحظات العاملي
( مفردات ألفاظ القرآن
للشيخ أبي القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب الأصفهاني )
--------------------------- 30 ---------------------------
--------------------------- 31 ---------------------------
مقدمة الراغب الأصفهاني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلواته على نبيه محمد وآله أجمعين .
قال الشيخ أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب رحمه الله : أسأل الله أن يجعل لنا من أنواره نوراً ، يرينا الخير والشر بصورتيهما ، ويعرفنا الحق والباطل بحقيقتيهما ، حتى نكون ممن يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ، ومن الموصوفين بقوله تعالى : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ، وبقوله : أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ .
كنت قد ذكرت في الرسالة المنبهة على فوائد القرآن ، أن الله تعالى كما جعل النبوة بنبينا صلى الله عليه وآله مختتمة ، وجعل شرائعهم بشريعته من وجه منتسخة ومن وجه مكملة متممة ، كما قال تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً ، جعل كتابه المنزل عليه متضمناً ثمرة كتبه التي أولاها أوائل الأمم ، كما نبه عليه بقوله تعالى : يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً ، فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ . وجعل من معجزة هذا الكتاب أنه مع قلة الحجم متضمن للمعنى الجم ، بحيث تقصر الألباب البشرية عن إحصائه ، والآلات الدنيوية عن استيفائه ، كما نبه عليه بقوله تعالى : وَلَوْ أنمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله إن الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، وأشرت في كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة أن القرآن وإن كان لا يخلو الناظر فيه من نور ما يريه ، ونفع ما يوليه ، فإنه :
كالبدر من حيثُ التفتَّ رأيتَهُ * يُهدي إلى عينيك نوراً ثاقبا
كالشمس في كبد السماء وضوئها * يَغشى البلادَ مَشارقاً ومغاربا
--------------------------- 32 ---------------------------
لكن محاسن أنواره لا يثقفها إلا البصائر الجلية ، وأطايب ثمره لا يقطفها إلا الأيدي الزكية ، ومنافع شفائه لا ينالها إلا النفوس النقية ، كما صرح تعالى به فقال في وصف متناوليه : إنهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ، لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ .
وقال في وصف سامعيه : قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً .
وذكرتُ أنه كما لا تدخل الملائكة الحاملة للبركات بيتاً فيه صورةٌ أو كلبٌ ، كذلك لا تدخل السكينات الجالبة للبينات قلباً فيه كبرٌ وحِرْصٌ ، فالخبيثات للخبيثين ، والخبيثون للخبيثات ، والطيبات للطيبين ، والطيبون للطيبات .
ودللت في تلك الرسالة على كيفية اكتساب الزاد ، الذي يرقى كاسبه في درجات المعارف حتى يبلغ من معرفته أقصى ما في قوة البشر أن يدركه ، من الأحكام والحكم ، فيطلع من كتاب الله على ملكوت السماوات والأرض ، ويتحقق أن كلامه كما وصفه بقوله : مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَئٍْ .
جعلنا الله ممن تولى هدايته حتى يبلغه هذه المنزلة ، ويخوله هذه المكرمة ، فلن يهديه البشر من لم يهده الله كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله : إنكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ الله يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ .
وذكرتُ أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية . ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة ، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المُعاون لمن يريد أن يدرك معانيه ، كتحصيل اللِّبْن في كونه من أول المُعاون في بناء ما يريد أن يبنيه ، ليس ذلك نافعاً في علم القرآن فقط ، بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع ، فألفاظ القرآن هي لُبُّ كلام العرب وزُبدته ، وواسطته وكرائمه ، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم ، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم . وما عداها وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها ، هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى ، بالإضافة إلى أطايب الثمرة ، وكالحثالة والتبن ، بالإضافة إلى لبوب الحنطة .
وقد استخرت الله تعالى في إملاء كتاب مستوفى ، فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجي ، فنقدم ما أوله الألف ثم الباء ، على ترتيب حروف المعجم ، معتبراً فيه أوائل حروفه الأصلية دون الزوائد ، والإشارة فيه إلى المناسبات التي بين الألفاظ المستعارات منها والمشتقات ، حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب ، وأحيل بالقوانين الدالة على تحقيق مناسبات الألفاظ على الرسالة التي عملتها مختصة بهذا الباب ، ففي اعتماد ما حررته من هذا النحو استغناء في بابه من المثبطات ، عن المسارعة في سبيل الخيرات ، وعن المسابقة
--------------------------- 33 ---------------------------
إلى ما حثنا عليه بقوله تعالى : سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ، سهل الله علينا الطريق إليها .
وأُتْبِعُ هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ونسأ في الأجل ، بكتاب ينبئ عن تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد ، وما بينها من الفروق الغامضة ، فبذلك يعرف اختصاص كل خبر بلفظ من الألفاظ المترادفة ، دون غيره من أخواته نحو ذكره القلب مرة ، والفؤاد مرة ، والصدر مرة . ونحو ذكره تعالى في عقب قصة : إن فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ، وفي أخرى : لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ، وفي أخرى : لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ، وفي أخرى : لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ، وفي أخرى : لأُولِي الأَبْصَارِ ، وفي أخرى : لِذِي حِجْرٍ ، وفي أخرى : لأُولِي النُّهَى . ونحو ذلك مما يعده من لا يُحق الحق ويُبطل الباطل أنه باب واحد ، فيُقدر أنه إذا فسر الحمد لله بقوله الشكر لله ، لا ريب فيه ولا شك فيه ، قد فسر القرآن ووفاه التبيان .
جعل الله لنا التوفيق رائداً والتقوى سائقاً ، ونفعنا بما أولانا ، وجعله لنا من معاون تحصيل الزاد ، المأمور به في قوله تعالى : وَتَزَوَّدُوا فَإن خَيْرَ الزَّادِ التقْوَى .
ملاحظات
تدل مقدمة الراغب على أن كتاب المفردات كان آخر مؤلفاته ، أو من أواخرها ، لأنه لم يؤلف ما وعد به إن نسئ في أجله .
وهذا حُسْنٌ في الكتاب ، لأن أواخر مؤلفات العالم تتضمن خبرات عمره العلمية .
أما قوله في وصف العارف : « فيطلع من كتاب الله على ملكوت السماوات والأرض » فيدل على مذهبه العرفاني الفلسفي ، الذي يعطي للمتصوف درجات الأنبياء عليهم السلام . وهو ما لا يوافقه عليه عامة المسلمين .
--------------------------- 34 ---------------------------
أ
أبَا
الأب : الوالد ، ويسمى كل من كان سبباً في إيجاد شئ أو إصلاحه أو ظهوره : أباً ، ولذلك يسمى النبي صلى الله عليه وآله أبا المؤمنين ، قال الله تعالى : النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ، وفي بعض القراءات : وهو أبٌ لهم .
وروى أنه صلى الله عليه وآله قال لعلي : أنا وأنت أبَوَا هذه الأمة . [ وإلى هذا أشار بقوله : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ] وقيل أبو الأضياف لتفقده إياهم ، وأبو الحرب لمهيجها ، وأبو عذرتها لمفتضها .
ويسمى العم مع الأب أبوين وكذلك الأم مع الأب ، وكذلك الجد مع الأب ، قال تعالى في قصة يعقوب : مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِداً . وإسماعيل لم يكن من آبائهم وإنما كان عمهم .
وسمي معلم الإنسان أباه لما تقدم ذكره ، وقد حمل قوله تعالى : وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ على ذلك ، أي علماءنا الذين ربَّوْنا بالعلم ، بدلالة قوله تعالى : رَبَّنَا إنا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا .
وقيل في قوله : أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ، إنه عنى الأب الذي ولده ، والمعلم الذي علمه .
وقوله تعالى : مَا كَأن مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ، إنما هو نفي الولادة ، وتنبيه أن التبني لا يجرى مجرى البنوة الحقيقية .
وجمع الأب : آباء وأُبُوَّةٌ ، نحو بُعُولَةٌ وخَؤُولَة . وأصل أب : فَعَلَ ، وقد أجري مجرى قَفَا في قول الشاعر :
إن أباها وأبا أباها
ويقال : أبَوْتُ القومَ أأبوهم : كنتُ لهم أباً ، وفلان يأبو
--------------------------- 35 ---------------------------
بُهْمَهُ ، أي يتفقدها تفقد الأب . وزادوا في النداء فيه تاء فقالوا : يا أبت . وقولهم : بأبأ الصبي ، فهو حكاية صوت الصبي إذا قال : بابا .
ملاحظات
1 . الوالد الذي منه نطفة الولد ، والأب أعم من الوالد والمربي والأستاذ . وقد يعبر عنه بالوالد مجازاً . وآزر في قوله تعالى : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَر ، هو عم إبراهيم عليه السلام ومربيه ، واسم والده تارخ . ويدل على ذلك قوله تعالى : وَمَا كَأن اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلما تَبَيَّنَ لَهُ إنهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ . فقد كان استغفاره له في بابل ثم لم يستغفر له . ثم استغفر لوالديه وليس لأبيه ، قال : الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ . ربَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ .
فالمتبرأ منه في بابل أبوه آزر ، والمستغفر له بعدها والده تارخ . « راجع الخصال : 318 » .
وقد استعمل القرآن أب ومشتقاتها في أكثر من مئة مورد ، وكلها تقصد المربي وقد يكون هو الوالد ، إلا إذا ثُنِّيت ودخلت معها الأم فتكون بمعنى الوالدين لاغير ، كقوله تعالى : وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ .
واستعمل الوالد مفرداً وجمعاً ثلاثاً وعشرين مرة . وقوله تعالى : أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ، لا يشمل المعلم والمربي كما تصور بعضهم ، لأنه ليس والداً ، وإن لزم شكره بملاك آخر . ولعله لذلك قال الراغب : وقيل .
2 . قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : أنا وأنت أبوا هذه الأمة ، رواه الصدوق في أماليه بأسانيد / 65 و 411 و 755 . وفي معاني الأخبار / 118 : « قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : أنا وأنت أبوا هذه الأمة ، فلعن الله من عقنا . قل آمين ، فقلت : آمين » .
وهي أبوة معنوية من نوع أبوة إبراهيم عليه السلام لأمتنا : مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ . وهي أعلى رتبةً من الأبوة الحقيقية ، لأن النبي صلى الله عليه وآله مؤسس الأمة ، وعلي عليه السلام وزيره وعضده في جهاده ، وولي الأمة بعده .
وقد وضعنا قول الراغب : [ وإلى هذا أشار بقوله : كل سبب ونسب . . ] بين قوسين ، لأنه لا معنى له هنا . فالنسب في أبوة النبي وعلي للأمة مجازي ، وفي الحديث حقيقي ، وقد استشهد به عمر بن الخطاب لما خطب ابنة فاطمة الزهراء عليها السلام ، فاعتذر له بأنها لابن أخيه جعفر .
3 . قال الخليل في العين « 8419 » : « أبوت الرجل آبوه ، إذا كنت له أباً . ويقال في المثل : لا أباً لك كأنه يمدحه . والأبوة : الفعل من الأب كقولك : تأبيت أباً ، وتبنيت إبناً ، وتأممت أماً » .
أبَيَ
الإباء : شدة الامتناع ، فكل إباء امتناع وليس كل امتناع إباء . قال تعالى : وَيَأْبَى الله إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ، وقال : وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ ، وقال : أَبَى وَاسْتَكْبَرَ ، وقوله : إِلا إِبْلِيسَ أَبَى . ورويَ : كلكم في الجنة إلا من أبى .
ومنه رجل أبيٌّ : ممتنع من تحمُّل الضيم . وأبيت الضير تأبى . وتيس آبي ، وعنز أبواء ، إذا أخذها من شرب ماء فيه بول الأروى داءٌ يمنعها من شرب الماء .
ملاحظات
1 . الإباء : مطلق الامتناع ، وتفرد الراغب عن اللغويين بتقييده بالشدة ، ولا يصح ذلك لأنك تسأل : هل كان إباؤه شديداً ، أم لا ؟
2 . قال الخليل « 8 / 419 » : « أبى فلان يأبى إباءً : أي ترك الطاعة ومال إلى المعصية ، قال الله عز وجل : فكذب
--------------------------- 36 ---------------------------
وأبى . ووجهٌ آخر : كل من ترك أمراً ورده فقد أبى . ورجل أبيٌّ ذو إِبَاء ، وقوم أبِيُّونَ وأُباة » .
وقال ابن فارس « 1 / 45 » : « تدل على الامتناع . أبيت الشئ آباه . والإباء أن تعرض على الرجل الشئ فيأبى قبوله فتقول : ما هذا الإباء بالضم والكسر . والأبية من الإبل : الصعبة » .
3 . معنى حديث : كلكم في الجنة إلامن أبى ، أي عصى وعَمِلَ عَمَلَ من يأبى دخولها ، فهو إباء بالمآل . رواه أحمد « 2 / 361 » وغيره وصححوه . ورواه من علمائنا الصدوق في كمال الدين / 250 من حديث قدسي فيه : « يا محمد لأدخلن جميع أمتك الجنة إلا من أبى فقلت : إلهي وأحدٌ يأبى من دخول الجنة ؟ فأوحى الله عز وجل إلي : بلى فقلت : وكيف يأبى ؟ فأوحى الله إلي : يا محمد اخترتك من خلقي ، واخترت لك وصياً من بعدك ، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك ، وألقيت محبته في قلبك ، وجعلته أبا لولدك ، فحقه بعدك على أمتك كحقك عليهم في حياتك ، فمن جحد حقه فقد جحد حقك ، ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك ، ومن أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنة ، فخررت لله عز وجل ساجداً شكراً لما أنعم علي . . الخ . » .
أبَّ
قوله تعالى : وَفَاكِهَةً وَأَبًّا . الأبُّ : المرعى المتهئ للرعي والجز ، من قولهم أبَّ لكذا أي تهيأ ، أبّاً وإبابةً وإباباً . وأبَّ إلى وطنه : إذا نزع إلى وطنه نزوعاً تهيأَ لقصده ، وكذا أبَّ لسيفه إذا تهيأ لِسَلِّه . وإبَّانَ ذلك : فِعْلان ، منه ، وهو الزمان المهيأ لفعله ومجيئه .
ملاحظات
الأبُّ : النبات الذي ترعاه الأنعام ، قال تعالى : وَفَاكِهَةً وَأَبّاً مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ . أما المرعى فهو مكان الرعي ، وقد يطلق على نباته مجازاً .
قال ابن حجر في فتح الباري « 6 / 212 » : « وروى ابن جرير من طريق إبراهيم التيمي ، أن أبا بكر الصديق سئل عن الأب فقال : أيُّ سماء تُظلني وأي أرض تُقلني إذا قلت في كتاب الله بغير علم . وعن عمر أنه قال : عرفنا الفاكهة فما الأب ؟ ثم قال : إن هذا لهو التكلف » .
وقال ابن حزم « 1 / 61 » : « وقد ثبت عن الصديق أنه قال : أي أرض تقلني أو أي سماء تظلني » .
وروى المفيد في الإرشاد : 1 / 200 ، قول علي عليه السلام : « يا سبحان الله ، أما علم أن الأبَّ هو الكلأ والمرعى ، وأن قوله عز اسمه : وفاكهةً وأباً ، اعتدادٌ من الله سبحانه بإنعامه على خلقه فيما غذاهم به وخلقه لهم ولأنعامهم » .
أبَدٌ
قال تعالى : خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً . الأبد : عبارة عن مدة الزمان الممتد الذي لا يتجزأ كما يتجزأ الزمان ، وذلك أنه يقال : زمان كذا ولا يقال أبد كذا . وكان حقه أن لا يثنى ولا يجمع ، إذ لا يتصور حصول أبدٍ آخر يُضم إليه فيثنى به ، لكن قيل آباد ، وذلك على حسب تخصيصه في بعض ما يتناوله ، كتخصيص اسم الجنس في بعضه ، ثم يثنى ويجمع .
على أنه ذكر بعض الناس أن آباداً مولَّد ، وليس من كلام العرب العرباء .
وقيل : أبدٌ آبدٌ وأبيد ، أي دائمٌ ، وذلك على التأكيد . وتأبد الشئ : بقي أبداً ، ويعبر به عما يبقى مدة طويلة .
والآبدة : البقرة الوحشية . والأوابد الوحشيات . وتأبَّد البعير : توحش فصار كالأوابد . وتأبد وجه فلان :
--------------------------- 37 ---------------------------
توحَّشَ . وأبَّدَ كذلك ، وقد فسر بالغضب .
ملاحظات
1 . الأبد : الزمن الذي له بداية ، وله أربعة معان :
الأول : ما له بداية ويمتد مدة طويلة بدون خلود ، فيصح أن تشترط فيه فتقول : لن أفعل ذلك أبداً حتى كذا ، أو إلا إذا حدث كذا . قال الله تعالى : وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِالله وَحْدَهُ .
أما الخلود في مثل قوله تعالى : خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً فيفهم من خالدين وليس من التأبيد ، ولذلك لا تقول : خالدين حتى كذا ، نعم يصح شرطه بمشيئة الله تعالى وبقاء الكون ، كقوله تعالى : خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرض إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ .
الثاني : ما له بداية ويمتد إلى ما لا نهاية ، فهو كالأزل للماضي الممتد إلى مالا نهاية .
وبهذا المعنى تقول : إن الله تعالى أزلي أبدي ، أي لاحدَّ لأوليته ولا منتهى لآخريته ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « لم يخلق الأشياء من أصول أزلية ولا أوائل أبدية » . « نهج البلاغة : 2 / 66 » .
الثالث : بمعنى آباد الدهر الماضية ، فيقال للشئ القديم أبدي .
الرابع : بمعانٍ أخر ، فيقال للحيوان : أبَدَ وتأبَّدَ أي تَوَحَّشَ ، وتأبَّدَت الدار : خَلَت . وقَوَافٍ أوابد وشوارد : أي نادرة . « العين : 8 / 85 » .
2 . قال الخليل « 8 / 85 » : « آباد الدهر : طوال الدهر ، والأبيد مثل الآباد . والآبدة : الغريبة من الكلام ، والجميع أوابد . والأوابد : الوحش . وتأبد فلان : طالت غربته . وتأبدت الدار : خلت من أهلها » .
وقال ابن فارس « 1 / 34 » : « والعرب تقول : أبدٌ أبيد كما يقولون دهرٌ دهير . والأَبْدَة الفعلة تبقى على الأبد . ويقال تأبد وجهه : كلف » .
أبَقَ
قال الله تعالى : إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ . يقال أبَقَ العبد يأبَق إباقاً ، وأبِق يأبق إذا هرب . وعبدٌ آبق وجمعه أُبَّاق ، وتأبَّق الرجل : تشبه به في الاستتار ، وقول الشاعر :
قد أُحْكِمَتْ حَكَمَات القَدِّ والأبَقا
قيل : هو القُنَّب .
ملاحظات
جعل الراغب الإباق مطلق الهرب ، وجعله الخليل الهرب : « من غير خوف ولا كد عمل » .
وقال ابن فارس « 1 / 39 » : « تقول : أبق به : أخذه ، وأبق إلى كذا : هرب اليه ، وبهذا المعنى وردت في القرآن في نبي الله يونس عليه السلام : إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ » .
إبِلٌ
قال الله تعالى : وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ . الإبل : يقع على البعران الكثيرة ، ولا واحد له من لفظه . وقوله تعالى : أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ، قيل أريد بها السحاب ، فإن يكن ذلك صحيحاً فعلى تشبيه السحاب بالإبل وأحواله بأحوالها .
وأبَلَ الوحشيُّ يأبَلُ أبُولاًوأبَل أبْلاً : اجتزأ عن الماء تشبهاً بالإبل في صبرها عن الماء . وكذلك تأبَّلَ الرجل عن امرأته ، إذا ترك مقاربتها .
وأبَّلَ الرجل : كثرت إبله . وفلان لا يأبل ، أي لا يثبت على الإبل إذا ركبها .
ورجل آبِلٌ وَابِل : حسن القيام على إبله . وإبل مؤبَّلة : مجموعة . والإبالة : الحزمة من الحطب تشبيهاً به .
وقوله تعالى : وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ، أي متفرقة كقطعات إبل ، الواحد أَبِيل .
--------------------------- 38 ---------------------------
ملاحظات
الإبِل بكسر الباء ، وقد تسكَّن : اسم جنس للأباعر والجمال لامفرد له ، وذكر الله عز وجل خلقتها المميزة وتسخيرها للإنسان ، فقال : أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الآبِلِ كَيْفَ خُلِقَت . وقال : وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ الله . وقال : وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِير . وقد توسع العرب في الإشتقاق منها فقالوا لمجموعة الخيل المغيرة : خيلٌ أبابيل . « العين : 8 / 343 » .
واختار الراغب أن مفردها إِبِّيل ، والصحيح أنه لامفرد لها ، حيث لم يسمع من العرب إلا إِبِّيل بالتشديد ، وهو كلمة سريانية بمعنى المتبتل ، وسمي عيسى عليه السلام إبِّيل الإبِّيلين .
ومعنى : طيراً أبابيل : مجموعات متتابعة ، ووصفوها أنها كطير السنونو ، مع كل طائر : « ثلاثة أحجار في منقاره ويديه ، يقتل بكل حصاة منها واحداً من القوم » .
وكان عبد المطلب ينتظرها ، فأرسل ابنه عبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله لينظر ناحية البحر : « فصعد عبد الله أبا قبيس ، فما لبث أن جاء طيرٌ أبابيل ، مثل السيل والليل » . « أمالي المفيد / 313 » .
أتَيَ
الإتيان : مجئٌ بسهولة ، ومنه قيل للسيل المارِّ على وجهه أتِيٌّ وأتاوِيٌّ ، وبه سمي الغريب فقيل أتاويٌّ .
والإتيان : يقال للمجئ بالذات ، وبالأمر وبالتدبير . ويقال في الخير ، وفي الشر ، وفي الأعيان ، والأعراض ، نحو قوله تعالى : إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ . وقوله تعالى : أَتَى أَمْرُ الله . وقوله : فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ ، أي بالأمر والتدبير ، نحو : جَاءَ رَبُّكَ .
وعلى هذا النحو قول الشاعر : أتيت المروءة من بابها . فَلَنَاتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا .
وقوله : وَلا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى ، أي لا يتعاطون . وقوله : يَأتِينَ الْفَاحِشَةَ ، وفي قراءة عبد الله : تأتي الفاحشة ، فاستعمال الإتيان منها كاستعمال المجئ في قوله : لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا .
يقال : أتيته وأتوتُه . ويقال للسقاء إذا مُخض وجاء زِبْدُه : أتْوَةً ، وتحقيقه : جاء ما من شأنه أن يأتي منه ، فهو مصدر في معنى الفاعل .
وهذه أرض كثيرة الإتاء ، أي الريع .
وقوله تعالى : كَان وَعْدُهُ مَأْتِيّاً ، مفعول من أتيته . قال بعضهم : معناه آتياً فجعل المفعول فاعلاً وليس كذلك ، بل يقال أتيت الأمر وأتاني الأمر . ويقال أتيته بكذا وآتيته كذا ، قال تعالى : وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ، وقال : فَلَنَاتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ، وقال : وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا .
وكل موضع ذكر في وصف الكتاب : آتَيْنَا ، فهو أبلغ من كل موضع ذكر فيه : أُوتُوا ، لأن أوتوا قد يقال إذا أوليَ من لم يكن منه قبول ، وآتيناهم يقال فيمن كان منه قبول .
وقوله : آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ « الكهف : 96 » وقرأها حمزة موصولة ، أي جيئوني . والإِيتاء : الإعطاء .
وخُصَّ دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء نحو : وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ « البقرة : 277 » وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ « الأنبياء : 73 » وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً « البقرة : 229 » وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ « البقرة : 247 » .
ملاحظات
1 . الإتيان : المجئ مطلقاً ، بسهولةٍ كان أو صعوبة ، فلم يذكر أحدٌ معنى السهولة في الإتيان ، بل هو أعم . ولا يصح تعليل تسمية السيل بأتيٍّ بأنه يأتي بسهولة على وجهه . نعم قد تفهم السهولة والصعوبة من نفس الآتي ،
--------------------------- 39 ---------------------------
أو الآتي به ، أو المأتي به ، أو ظرف الإتيان ، فالعنف والشدة في مثل قوله تعالى : مَا تَذَرُ مِنْ شَئٍْ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيم . فُهِمَ من الريح وليس من نفس الإتيان .
2 . يتغير معنى الإتيان بحروف التعدية أو حروف المعاني ، وتختلف قاعدته بين : يأتي ويُؤتي ، تقول : إتيان المرأة كناية عن مقاربتها ، ويغلط بعضهم فيستعمله للزكاة فيقول : يجب إتيان الزكاة ! ولا يصح إلا بحرف تعدية ، أو يقول إيتاء الزكاة .
قال تعالى : قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الآنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لايَأْتُونَ بِمِثْلِهِ .
وقال : وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ . وجعل السحر كالفاحشة فقال : أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ . لكنه استعمل المجئ للسحر فقال : فَلما أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إن الله سَيُبْطِلُهُ ، ولم يستعمل الإتيان به .
3 . يقال أتاه وأتى به وَأُتِيَ به : مثل جاءه وجاء به وجئ به . وأوتي وأُتيَ وأوتوا وأتوا : مثل أُعْطِيَ وأعْطُوا . قال تعالى : فَلما أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى . أَنَا آتِيكَ بِهِ .
4 . ورد الإتيان للمجئ المجازي بحيلة الإغراء والإغواء ، كقول إبليس : ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ .
5 . تقول : يؤتى على يده : أي تغلبه نفسه على الخطأ . وكتب علي عليه السلام إلى حاكم مصر يأمره بالصفح عن الناس لأنهم : « يؤتى على أيديهم في العمد والخطأ » . « نهج البلاغة : 3 / 84 » . ولا يصح تفسيره بأنهم يُجبرون من غيرهم « شرح النهج : 17 / 33 » لأن سياقه الصفح ، وإن أجبرهم غيرهم فلا استحقاق لعقوبة ليكون صفح ، بينما قال عليه السلام بعده : « فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه ، فإنك فوقهم ، ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من ولاك » .
6 . لا يصح قول الراغب إن آتيناهم الكتاب يعني أنهم قبلوه ، وأوتوه لم يقبلوه . قال تعالى : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإن فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ . فقد آتاهم الكتاب فحرفوه ولم يقبلوه !
فآتينا وأوتوا : يستعملان في المُؤْتَوْنَ الممدوحين والمذمومين . وقد يقال إن المبني للمعلوم فيه اهتمام أكثر ، والمبني للمجهول يستعمل في ذم الذين لم يستفيدوا منه كقوله تعالى : وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ . وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ .
لكنه استعمله للمدح في قوله تعالى : يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات .
7 . يصح قوله : وخُصَّ دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء ، بمعنى أن أكثر ما يعبر به عن إعطائها بالإيتاء ، وقد يعبر بالإعطاء كقوله تعالى : فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . فهو يشمل الزكاة .
أما استشهاده بإيتاء المهور والسعة من المال ، فهما من موارد استعمال مطلق الإيتاء ، ولا علاقة لهما بإيتاء الزكاة .
أَثَّ
الأثاث : متاع البيت الكثير ، وأصله من أثَّ أي كثر وتكاثف ، وقيل للمال كله إذا كثر : أثاث . ولا واحد له كالمتاع ، وجمعه أثاث .
ونساء أثائث : كثيرات اللحم كأن عليهن أثاث .
وتأثث فلان : أصاب أثاثاً .
ملاحظات
لا يشترط في المتاع الكثرة ، ومنه متاع البيت لأنه يقال
--------------------------- 40 ---------------------------
أثاث قليل ، والكثرة فيه بمعنى تراكمه ولينه ، كما نص ابن فارس « 1 / 8 » ولم يذكر الراغب اللين مع أنه دخيل في أثَّ .
وقد وُصف الأثاث بالمتاع ، قال تعالى : وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلى حِينٍ . فوصفه بالمتاع لأنه قد لا يتمتع به ، وليس في مفهومه وقت .
وقال تعالى : وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ . « النساء : 102 » . فلم يعبر بالأثاث لأن فيه معنى الليونة والنعومة ، وهي قليلة في أدوات السفر للحرب .
ولذا قال ابن منظور « 2 / 110 » : « أثث الشئ : وطأه ووثَّره » . وقال الخليل « 8 / 253 » : « يوصف به الشَّعر الكثير والنبات الملتفّ » .
أثَرْ
أَثَرُ الشئ : حصول ما يدل على وجوده . يقال : أثَرٌ وأثِرٌ ، والجمع الآثار . قال الله تعالى : ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا « الحديد : 27 »
وَآثاراً فِي الْأَرْضِ « غافر : 21 »
وقوله : فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ الله . « الروم : 50 » .
ومن هذا يقال للطريق المستدل به على من تقدم : آثار ، نحو قوله تعالى : فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ « الصافات : 70 » وقوله : هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي « طه : 84 » .
ومنه : سمنت الإبل على أثارةٍ ، أي على أثر من شحم . وأَثَرْتُ البعير : جعلت على خُفِّهِ أُثْرَةً ، أي علامة تؤثر في الأرض ليستدل بها على أثره ، وتسمى الحديدة التي يعمل بها ذلك المئثرة . وأَثْرُ السيف : جوهره ، وأثر جودته وهو الفِرَنْد ، وسيف مأثور .
وأَثَرْتُ العلم : رويته ، آثُرُهُ أَثْراً وأَثَارَةً وأُثْرَةً ، وأصله : تتبعت أثره .
أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ . « الأحقاف : 4 » وقرئ : أثَرَةٌ ، وهو ما يروى أو يكتب فيبقى له أثر .
والمآثر : ما يروى من مكارم الإنسان .
ويستعار الأثر للفضل والإيثار للتفضل ، ومنه : آثرته . وقوله تعالى : وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ « الحشر : 9 » وقال : تَ الله لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنا « يوسف : 91 » بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا . « الأعلى : 16 » .
وفي الحديث : سيكون بعدي أثرة . أي يستأثر بعضكم على بعض .
والإستئثار : التفرُّد بالشئ من دون غيره ، وقولهم : استأثر الله بفلان ، كناية عن موته ، تنبيهٌ على أنه ممن اصطفاه وتفرد تعالى به من دون الورى تشريفاً له .
ورجل أَثِرٌ : يستأثر على أصحابه . وحكى اللحياني : خذه آثراً ما ، وإثراً ما ، وأثر ذي أثير .
ملاحظات
1 . جعل الراغب مادة أَثَرَ أصلاً واحداً ، ولم يستوف استعمالاتها في القرآن . بل أخطأ في تعريف الأثر فجعله : حصول ما يدل على وجود الشئ ، ثم ترك ذلك فقال : ومن هذا يقال للطريق المستدل به على من تقدم : آثار ، نحو قوله تعالى : فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ . فجعل الأثر الطريق ، تخيلاً من قوله : [ على ] آثارهم ! مع أن العلو هنا معنوي وليس علواً على الطريق .
وقد أصاب الخليل في تعريفه « 8 / 236 » : « الأثر : بقية ما ترى من كل شئ . وما لا يرى بعدما يُبْقِي عُلْقَة » . أي علامة .
وجعله ابن فارس ثلاثة أصول ، قال « 1 / 53 » : « ثلاثة أصول : تقديم الشئ ، وذكر الشئ ، ورسم الشئ الباقي » .
لكن يصعب إرجاع فروع المادة إلى هذه الأصول .
2 . أثَرُ الشئ : ما ينتج عن وجوده ، وجمعه آثار ، قال تعالى : فَأنظر إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ الله . أو ما ينتج عن فعله :
--------------------------- 41 ---------------------------
سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود .
3 . أكثر ما ورد الأثر في آثار السابقين : وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ . أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَةً وَآثَارًا فِي الأرض . وقد يتضمن المكان : فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً . والزمان والمكان : قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَري . واستعمل للزمن بعد الأنبياء عليهم السلام : وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ . ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا .
وبمعنى دِين الآباء والمعلمين : فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ . وَإنا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ .
وبمعنى الموقف : فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا .
وأثَرَ فلانٌ العِلْمَ : أي تَتَبَّعَهُ وتعلمه ورواه ، فهو آثرٌ ، والعلم مأثور ، وواحده أثَرٌ وأثَارَةٌ : ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ .
4 . قال الراغب : ويستعار الأثر للفضل والإيثار للتفضل ومنه آثرته .
لكن آثر الشئ ليس استعارةً ، بل معناه اتَّبَعَ أثَرَه ، قال تعالى : فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا .
ومعنى آثره على نفسه : أعطاه الأثر وحرم منه نفسه ، فهو من الأثر أيضاً وليس استعارة ، وإن صار يتضمن معنى التفضيل . ومنه قوله تعالى : قَالُوا تَ الله لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ . أي أعطاك الأثر دوننا وفضلك .
5 . أما ثار وأثار ، فهي من ثَوَرَ لا من أَثَرَ . قال تعالى : وَأَثَارُوا الأرض وَعَمَرُوهَا . وقال تعالى : فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً . وستأتي في ثَوَر .
6 . قال الخليل « 8 / 236 » : « ذهبت في إثر فلان أي استقفيته ، لا يشتق منه فعل . والمأثرة : المكرمة . لأنها يأثرها قرن عن قرن . ومآثر كل قوم : مساعي آبائهم . والأثير : الكريم تؤثره بفضلك على غيره . له عندنا إثرة . والميثرة ، خفيفة : شبه مرفقة تتخذ للسرج » .
7 . قال ابن فارس « 1 / 53 » : « والأثير : من الدواب العظيم الأثر في الأرض بخفه أو حافره . ويقولون تدع العين وتطلب الأثر ! يضرب لمن يترك السهولة إلى الصعوبة » .
أَثَلَ
قال تعالى : ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَئْ ٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ . الأثْل : شجر ثابت الأصل ، وشجر متأثل ثابت ثبوته . وتأثل : كذا ثبت ثبوته .
وقوله صلى الله عليه وآله في الوصي : غير متأثل مالاً ، أي غير مقتن له ومدخر ، فاستعار التأثل له ، ومنه استعير : نحتُّ أثلته إذا اغتبته .
ملاحظات
1 . ورد الأثل في آية واحدة : فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَئٍْ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ . وسياقها الذم والتقليل من شأن الجنتين البديلتين ، وليس فيها مدح للأثل بالثبوت ، ولا في لفظه دلالة على الثبوت كما فهم الراغب ! وهو شجر عادي يشبه السَّرْو ، وما تزال بقية الجنتين من السدر والأثل في سهل مأرب باليمن ، وقد رأيتهما .
2 . روي عن النبي صلى الله عليه وآله وقد سأله بعضهم : « في حجري يتيم وله مال ، أفآكل من ماله ؟ قال : نعم بالمعروف غير متأثل مالاً ، ولا واق مالك بماله » . « تفسير عبد الرزاق : 1 / 148 » .
وقد فسر الراغب التأثل فيه بالثبوت ، لأنه تخيل أن الأثل فيه ثبوت ! لكن معنى تأثل مالاً ملك بستاناً محاطاً بالأثل ، لأنهم يستعملونه سياجاً بدل الحائط ، فمعنى غير متأثل : غير متملك من مال اليتيم . ومعنى ولا واقٍ مالك بماله : أي تجعل الخسارة عليه لتحفظ مالك .
--------------------------- 42 ---------------------------
3 . الأثَلة : اسم للبستان وللمكان الذي يكثر فيه الأثل ، يقال أثلة المدينة ، وأثلة الكوفة وجمعها أثلات ، وأثلة الرجل بستانه ، لأنه عادةً يحاط بالأثل . ويستعار لعِرْضِه .
فقول الراغب : « ومنه استعير : نحتُّ أثلته ، إذا اغتبته » غير دقيق ، بل هو مستعار من اجتثثت بستانه ، وقالوا : هو لا تُنْحَتُ أثلته ، أي لا يمكن الانتقاص منه . « تعاريف المناوي / 34 » . وفي مقامات الزمخشري / 37 : « وحاشا لمثلك أن يتولى مُثْلَتَهْ ، ويَنْحَتَ بفأسه أثْلَتَهْ » .
أثِمَ
الإثم والآثام : اسم للأفعال المُبَطئة عن الثواب ، وجمعه آثام ، ولتضمُّنه لمعنى البطء قال الشاعر :
جماليةٌ تغتلي بالروادف
إذا كذَّبَ الآثماتُ الهَجِيرَا
وقوله تعالى : فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ : أي في تناولهما إبطاء عن الخيرات .
وقد أثم إثماً وأثاماً ، فهو آثمٌ وأثِمٌ وأثيم .
وتأثَّمَ : خرج من إثمه ، كقولهم تحوَّبَ خرج من حُوبه وحرجه ، أي ضيقه .
وتسمية الكذب إثماً : لكون الكذب من جملة الإثم ، وذلك كتسمية الإنسان حيواناً لكونه من جملته .
وقوله تعالى : أَخَذَتْهُ الْعزةُ بِالإثْمِ ، أي حملته عزته على فعل ما يؤثمه . وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً : أي عذاباً ، فسماه أثاماً لما كان منه ، وذلك كتسمية النبات والشحم ندىً ، لما كانا منه في قول الشاعر : تَعَلَّى الندى في مَتنه وتَحَدَّرَا
وقيل معنى يلق أثاماً : أي يحمله ذلك على ارتكاب آثام ، وذلك لاستدعاء الأمور الصغيرة إلى الكبيرة . وعلى الوجهين حمل قوله تعالى : فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً .
والأَثِم : المتحمل الإثم ، قال تعالى : آثمٌ قلبه . وقوبل الإثم بالبر فقال صلى الله عليه وآله : البرُّ ما اطمأنت إليه النفس ، والإثم ما حاك في صدرك . وهذا القول منه حكم البر والإثم لا تفسيرهما .
وقوله تعالى : مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ، أي آثم .
وقوله : يُسَارِعُونَ فِي الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، قيل أشار بالإثم إلى نحو قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ، وبالعدوان إلى قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . فالإثم : أعم من العدوان .
ملاحظات
1 . أصل الإثم في العربية : البطؤ عن السير ، ومنه الناقة الآثمة كما في « مقاييس اللغة : 1 / 60 » واستعمله القرآن للذنب الذي يُبَطِّئُ الإنسان عن تكامله ، واستعمله وصفاً للإنسان : وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً . إنا إِذاً لَمِنَ الآثِمِين . ووصفاً للقلب : وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإنهُ آثِمٌ قَلْبُهُ .
وسمى به ارتكاب محرمات عقدية وسلوكية ، فجعل الشرك إثماً مبيناً « النساء : 50 » وظلم الناس وإخراجهم من بيوتهم « البقرة : 85 » وأكل اللحم الحرام : « البقرة : 173 » وأكل أموال الناس « البقرة : 188 » والتكبر : « البقرة : 206 » والفاحشة العلنية والخفية : ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ . « الأنعام : 120 » .
2 . الأثيم والأثوم : الذي يرتكب الإثم كثيراً ، وهوخَوَّانٌ أَثِيم « النساء : 107 » وأفَّاكٌ أًثِيم « الشعراء : 222 » وكَفَّارٌ أَثِيم « البقرة : 276 » ومُعْتَدٍ أَثِيم « القلم : 12 » .
3 . قسَّم القرآن الإثم إلى كبائر وصغائر ، وأخرج منه اللمم ، قال تعالى : الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلأ اللَّمَمَ .
ورويَ تفسير الفواحش بالزنا والسرقة ، وكبائر الإثم بالشرك بالله ، والإياس من روح الله ، والأمن من مكر الله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس التي حرم الله ، وقذف
--------------------------- 43 ---------------------------
المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف ، وأكل الربا . . الخ . « الكافي : 2 / 285 » .
واللمَم : الذنب يُلم به الرجل بين الفينة والفينة ، وليس من طبيعته . « الكافي : 2 / 442 » .
4 . أصل الحديث الذي ذكره الراغب : أن النبي صلى الله عليه وآله قال لأحدهم : « جئتَ تسأل عن البر والإثم . قال : نعم . فضرب بيده على صدره ثم قال : يا وابصة البر ما أطمأن به الصدر ، والإثم ما تردد في الصدر وجال في القلب ، وإن أفتاك الناس » . « قرب الإسناد / 322 » .
« ونحوه مسند أحمد : 4 / 227 » فجعل الإثم مقابل البر ، وجعل الفطرة دليلاً على المشتبه منه .
5 . الأثام : عقوبة الإثم ونتيجته ، قال تعالى : وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . وآثَمَهُ : أوقعه في الإثم وأثَّمَهُ : قال له أثِمْتَ . « الصحاح : 5 / 1857 » .
6 . كل إثم ذنب وبالعكس ، فهما يُبَطِّئَان حركة تكامل الإنسان ، لكن الإثم يجعل في قلبه ما يبطؤه ، والذنب يضيف اليه ما يبطؤه كأنه ذنَب . « العين : 8 / 190 » .
7 . يسمى الإثم الحَرج والحُوب ، والآثم حارجاً وحَابَاً . وأحرجه : آثمَهُ . وتَأثَّمَ وتَحَرَّجَ وتحوَّبَ : خاف الوقوع في إثم ، أو امتنع من شئ أو قام به مخافة الإثم . أو خرج من إثمه وجبر خطأه ، كما قال الراغب . ومنه قالوا : رجل متأثم ومتحرج ومتحوِّب ، أي كافٌّ عن الإثم .
وأصل الحرَج والحرْج : الضيق ، وأصل الحُوب الحاجة التي تدعو إلى الإثم ، ولا يصح قولهم إن الحوب الإثم الكبير ، لأنه وصفه به يقتضي التغاير ، قال تعالى : وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إنهُ كَأن حُوباً كَبِيراً . « العين : 3 / 763 » .
8 . الوِزْر : الحمل الثقيل من الإثم « العين : 7 / 380 » لكن المقصود بقوله تعالى : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ، وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ . هو التفكير والهم ، لأن الإثم منفي عن النبي صلى الله عليه وآله قبل البعثة وبعدها .
والمَعَرَّة : الإثم « الصحاح : 2 / 742 » . والوَكَف : الإثم في عيب ، يقال : ما عليك وكَفٌ « إصلاح المنطق / 402 » وسميت اليمين الكاذبة : الغَمُوس لأنها تغمس صاحبها في الإثم « الصحاح : 3 / 956 » . وسميت الخمر الإثم ، لأنها تجرُّ اليه « الصحاح : 5 / 1857 » وسميت جُماع الآثام . « الفقيه : 4 / 377 » .
9 . قال ابن الأثير « 1 / 52 » إن الإصْر هو الإثم . والصحيح أنه الثقل الحاصل من الإثم شبيهاً بالوزر ، قال تعالى : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَأنتْ عَلَيْهِمْ . رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً . ومعنى لاجناح عليك : لا إثمَ عليك .
أَجَّ
قال تعالى : هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ، شديد الملوحة والحرارة ، من قولهم أجيج النار وأُجَّتُها ، وقد أجَّت ، وائتجَّ النهار .
ويأجوج ومأجوج منه ، شُبهوا بالنار المضطرمة والمياه المتموجة ، لكثرة اضطرابهم .
وأجَّ الظليم : إذا عدا أجيجاً ، تشبيهاً بأجيج النار .
ملاحظات
وردت كلمة الأُجاج في آيتين وصفاً للماء غير الصالح للشرب ، ومعناه المالح أو المُرّ ، مقابل العذب الفرات السائغ شرابه . فلا يصح جعله شديد الحرارة من أجيج النار فإن المحيطات كلها أجاج .
ويحتمل أن يكون الراغب أخذها من الخليل حيث قال « 6 / 198 » : « الأجاج : الماء المر المالح ، قال الله تعالى : وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ، وهو الشديد الملوحة والمرارة ، مثل ماء البحر » . والظاهر أنه قرأ المرارة حرارة ، وبنى عليها ما قاله
--------------------------- 44 ---------------------------
في يأجوج .
وقال الخليل « 6 / 198 » : « يأجوج ومأجوج يقرأ بالهمز وبغير الهمز ، ومن لم يهمز قال : هو مأخوذ من يج ومج على بناء فاعول » .
وقد ذكرتهم آيتان : قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إن يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرض . حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كل حَدَبٍ يَنْسِلُونَ . ويظهر أنهما إسمان سريانيان .
أما الأجاج فالظاهر أنه مشتق من أَجِنَ الماء بمعنى أسن وتغير طعمه . قال ابن فارس « 1 / 66 » : « أجن الماء يأجن ويأجن إذا تغير » .
أَجْرٌ
الأجر : ما يعود من ثواب لعمل ، دنيوياً كان أو أخروياً ، نحو قوله تعالى : إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى الله . وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإنهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ . وَلأجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا . والأجرة : في الثواب الدنيوي . وجمع الأجر أجور . وقوله : فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ، كناية عن المهور .
والأجر والأجرة : يقال فيما كان عن عقد وما يجرى مجرى العقد ، ولا يقال إلا في النفع دون الضر ، نحو قوله : فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، وقوله تعالى : فَأجْرُهُ عَلَى الله .
والجزاء : يقال فيما كان عن عقد وغير عقد ، ويقال في النافع والضار ، نحو قوله : وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً . وقوله : فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ . يقال أجَّر زيد عمراً يأجره أجراً : أعطاه الشئ بأجرة . وأجَّر عمرو زيداً : أعطاه الأجرة ، قال تعالى : عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ، وآجر كذلك . والفرق بينهما أن أجَّرْتُه يقال إذا اعتبر فعل أحدهما ، وآجَرْتُه يقال إذا اعتبر فعلاهما . وكلاهما يرجعان إلى معنى واحد .
ويقال آجره الله وأجَره الله . والأجير : فعيل بمعنى فاعل أو مفاعل . والإستئجار : طلب الشئ بالأجرة ، ثم يعبر به عن تناوله بالأجرة ، نحو الإستيجاب في استعارته الإيجاب ، وعلى هذا قوله : اسْتَأْجِرْهُ إن خَيْرَ مَنِ اسْتَاجَرْتَ الْقَوِىُّ الأَمِينُ .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن الأجر والأجرة بمعناهما اللغوي العادي كقوله تعالى : فَلما جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإن لَنَا لأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِين . واستعمله بشكل واسع في أجر الله تعالى للإنسان على إيمانه وعمله ، وبمعنى أجر الرسل عليهم السلام من أممهم على تبليغ الرسالة .
2 . سمى الله مهور النساء صدقات فقال : وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً . وفرق بينه وبين مهر المتمتع بها لوقت ، فسماه أجرة : فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً . وكلاهما مهر وصداق ، لكن سماه أجرة إشارة إلى تسهيل حركته كالمعاملة .
3 . لا دليل على ما ذكره الراغب من دخالة العقد في تسمية الأجرة والجزاء ، فالأجر هو الجزاء كما في لسان العرب ، وقد سمى الله الجزاء أجراً فقال : أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ، إلى قوله : وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ . « آل عمران : 136 » .
والأجر يكون بالحسنة فقط ، والجزاء يكون بها وبالسيئة ، كما ذكر الراغب ، لكن لا يشترط في الأجر أن يكون محدداً ، وإن كان غالباً كذلك .
كما لا دليل على قول الراغب إنَّ أجَّر تستعمل لطرف الإجارة ، وآجَرَ لطرفيها ! كما لا تعرف لغة العرب أجَّر بمعنى أعطاه الأجرة ، فهو من تخيل الراغب !
4 . قال تعالى عن نوح عليه السلام : فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلا عَلَى الله . وقال : لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلا
--------------------------- 45 ---------------------------
عَلَى الله . وقال : وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ أَلْعَالَمِينَ .
وقال عن هود عليه السلام : لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْريَ إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي . إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وقال عن صالح ولوط وشعيب عليهم السلام : وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ . وقال عن ثلاثة رسل : اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ .
واستعمله في أجر نبينا صلى الله عليه وآله في عشر آيات فقال إنه كبقية الأنبياء عليهم السلام لا يطلب الأجر : قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ . قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا . أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ . وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ . وقال عن أجره في الآخرة : وَإن لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ .
ثم جعل للنبي صلى الله عليه وآله أجراً على الأمة لا يؤديه إلا خاصة المسلمين : قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً .
وجعل هذا الأجر ولاية عترة نبيه صلى الله عليه وآله : قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى .
ثم قال إن نفع مودتهم يعود إلى الأمة لا إلى النبي صلى الله عليه وآله : قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى الله .
5 . أكثر ما استعمل الأجر في أجر الآخرة ، بمعنى ثوابها بالنعيم والخلود ، فقال عنه تعالى : وَلأجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَأنوا يَعْلَمُونَ . وقال : وَلأجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا .
وجعله نفس الجزاء فقال : أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ .
ووصفه بأنه : أَجْرٌ عَظِيمٌ : آل عمران : 172 ، و 179 ، المائدة : 9 ، الأنفال : 28 ، التوبة : 22 ، النساء : 40 ، و 67 و 74 و 95 و 114 و 146 ، و 162 ، الأحزاب : 29 و 35 ، الفتح : 10 و 29 ، الطلاق : 5 ، المزمل : 20 ، الحجرات : 3 ، التغابن : 15 .
وأَجْرٌ كَبِيرٌ : هود : 11 ، الإسراء : 9 ، فاطر : 7 ، الحديد : 7 ، الملك : 12 .
وَأَجْرٍ كَرِيمٍ : يس : 11 ، الحديد : 11 ، و 18 ، الأحزاب : 44 .
وأَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ : فُصِّلَتْ : 8 ، والانشقاق : 25 ، والتين : 6 .
وأجْرٌ حَسَنٌ : الكهف : 2 ، والفتح : 16 .
أَجَلْ
الأجَل : المدة المضروبة للشئ . قال تعالى : وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى . أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ . ويقال : دَيْنُه مؤجل . وقد أجَّلته : جعلت له أجلاً . ويقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان : أجل ، فيقال : دنا أجله ، عبارةٌ عن دنو الموت . وأصله استيفاء الأجل أي مدة الحياة .
وقوله تعالى : وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ، أي حد الموت ، وقيل حد الهرم ، وهما واحد في التحقيق .
وقوله : ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ، فالأول هو البقاء في الدنيا ، والثاني البقاء في الآخرة ، وقيل الأول هو البقاء في الدنيا ، والثاني مدة ما بين الموت إلى النشور ، عن الحسن . وقيل الأول للنوم ، والثاني للموت ، إشارة إلى قوله : الله يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ، عن ابن عباس .
وقيل : الأجلان جميعاً للموت ، فمنهم من أجلُه بعارض كالسيف والحرق والغرق وكل شئ غير موافق ، وغير ذلك من الأسباب المؤدية إلى قطع الحياة . ومنهم من يوقى ويعافى حتى يأتيه الموت حتف أنفه ، وهذان هما المشار إليهما بقوله : من أخطأته سهم الرزية لم تُخْطِهِ سهم المنية . وقيل : للناس أجلان ، منهم من يموت عَبْطَةً ، ومنهم من يبلغ حداً لم يجعل الله في طبيعة الدنيا أن يبقى أحد أكثر منه
--------------------------- 46 ---------------------------
فيها . وإليها أشار بقوله تعالى : وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ، وقصدهما الشاعر بقوله :
رأيتُ المنايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْ تُمِتْهُ
وقول الآخر : من لم يمت عَبْطةً هَرِماً
والآجل : ضد العاجل .
والأجْل : الجناية التي يخاف منها آجلاً ، فكل أجْلٍ جناية وليس كل جنايةٍ أجْلاً . يقال : فعلت كذا من أجْلِهِ ، قال تعالى : مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، أي من جرَّاء ، وقرئ من إِجْلِ ذلك بالكسر ، أي من جناية ذلك . ويقال : أَجَلْ ، في تحقيق خبر سمعته .
وبلوغ الأجَل في قوله تعالى : وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ هو المدة المضروبة بين الطلاق وبين انقضاء العدة . وقوله : وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ ، إشارة إلى حين انقضاء العدة ، وحينئذ : فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ .
ملاحظات
1 . الأجَل : قطعة من الزمان طويلة أو قصيرة .
والتأجيل : وضع الأجل ، قال تعالى : وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا . ويستعمل التأجيل بمعنى تمديد الأجل ، ولم يرد في القرآن بل ورد تأخير الأجل ، قال تعالى : لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيب . إن أَجَلَ الله إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّر . وَلَنْ يُؤَخِّرَ الله نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا .
2 . والأجَل : التوقيت ، وهو قانونٌ في خلق الله تعالى وأفعاله : مَا خَلَقَ الله السَّمَوَاتِ وَالأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحق وَأَجَلٍ مُسَمًّى . وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كل يَجْرِى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى .
وتكوين الإنسان تمَّ بأجَل : وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى .
ونفسه وروحه بأجَل : الله يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الآخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى .
والأمم والحضارات لها أجَل : وَلِكل أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَاخِرُونَ سَاعَةً .
وإرسال الأنبياء عليهم السلام وإنزال الآيات بأجل : وَمَا كَأن لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ الله لِكل أَجَلٍ كِتَابٌ . والقيامة لها أجل معدود عداً : وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأَجَلٍ مَعْدُودٍ .
3 . الأجلُ محددٌ في علمه سبحانه : ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ، ومكتوب عنده : لِكل أَجَلٍ كِتَابٌ . وسماه أجل الله تعالى : ِفَإن أَجَلَ الله لآتٍ . إن أَجَلَ الله إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ .
4 . أطال المفسرون بدون طائل في تفسير الأجلين في قوله تعالى : ثُمَّ قَضَى أجلاً وَأجل مُسَمّىً عِنْدَهُ .
وقال الإمام الباقر عليه السلام : « هما أجلان : أجل محتوم وأجل موقوف » . « الكافي : 1 / 147 » .
وقال الإمام الصادق عليه السلام : « الأجل الأول هو الذي نبذه إلى الملائكة والرسل والأنبياء عليهم السلام والأجل المسمى عنده هو الذي ستره عن الخلائق » . « الفصول المهمة : 1 / 268 » .
5 . أمرَ الله الناس باعتماد التوقيت والأجل حتى في ديونهم الصغيرة ، فقال في أطول آية في القرآن : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ . . وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ .
6 . أغْرَبَ الراغب فجعل أجَل التي بمعنى نعم ، مشتقةً من الأجَل بمعنى الزمن ، والصحيح أنها حرف جواب ، أما أجَل الزمنية فاسم . وقد قلد في ذلك الزَّجَّاج .
وأغْرَبَ الزجاج فجعل أجْل في آية : مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا
--------------------------- 47 ---------------------------
عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أنهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض فَكَانمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ، بمعنى الجناية لأنها تتضمن الجزاء على جريمة !
وتبعه الراغب فقال : « والأجْل : الجناية التي يخاف منها آجلاً ، فكل أجْلٍ جناية وليس كل جناية أجْلاً ، يقال : فعلت كذا من أجله . قال تعالى : مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ . أي من جراء » !
قال في التبيان « 3 / 501 » : « معنى من أجْل ذلك : من جراء ذلك وجريرته . وقال الزجاج : معناه من جناية ذلك » . ونحوه القرطبي « 6 / 145 » .
والصحيح أن أجْل كلمة مستقلة لا علاقة لها بالأجَل ، وهي للتعليل والتفريع ، ولامدح فيها ولا ذم ولا جناية ، ومعناها : بسبب ذلك . ومعنى الجريمة في الآية فُهِمَ من جريمة قابيل ، وقد شُبِّهَ به بنو إسرائيل لاشتراكهم في الحسد .
ويدل على ما قلناه أنه ورد في الحديث القدسي في الصائم لأنه : ترك شهوته من أجلي . « المحاسن : 1 / 15 ، والبخاري : 2 / 226 » فأي جريمة فيه ! ومثله حديث النبي صلى الله عليه وآله مع المخزومي : أرأيت لو فعلت هذا ، أكنتُ من أجل هذا نبياً . « الإحتجاج : 1 / 33 » ولا جريمة في ذلك !
أَحَدٌ
أحَدٌ : يستعمل على ضربين ، أحدهما في النفي فقط ، والثاني في الإثبات . فأما المختص بالنفي فلاستغراق جنس الناطقين ، ويتناول القليل والكثير على طريق الاجتماع والافتراق نحو : ما في الدار أحدٌ ، أي واحد ، ولا اثنان فصاعداً ، لا مجتمعين ولا مفترقين . ولهذا المعنى لم يصح استعماله في الإثبات ، لأن نفي المتضادين يصح ولا يصح إثباتهما ، فلو قيل في الدار واحد ، لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين ومفترقين ، وذلك ظاهر لا محالة . ولتناول ذلك ما فوق الواحد يصح أن يقال : ما من أحد فاضِلينَ ، كقوله تعالى : فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ . « الحاقة : 47 » .
وأما المستعمل في الإثبات فعلى ثلاثة أوجه : الأول : في الواحد المضموم إلى العشرات نحو : أحد عشر وأحد وعشرين .
والثاني : أن يستعمل مضافاً أو مضافاً إليه بمعنى الأول ، كقوله تعالى : أما أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً « يوسف : 41 » . وقولهم : يوم الأحد ، أي يوم الأول ، ويوم الاثنين .
والثالث : أن يستعمل مطلقاً وصفاً ، وليس ذلك إلا في وصف الله تعالى بقوله : قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ « الإخلاص : 1 » وأصله : وحد ، ولكن وحد يستعمل في غيره نحو قول النابغة : كأن رَحلي وقد زالَ النهارُ بنا
بذي الجليل على مستأنسٍ وَحَدِ
ملاحظات
1 . رأى الراغب أن ما النافية مع أحَدٍ تدل على نفي الجنس ، فتخيل أن أحداً تدل على النفي ، فقال : « أحَدٌ : يستعمل على ضربين : أحدهما في النفي فقط ، والثاني في الإثبات » .
ولم يلتفت إلى أن النفي جاء من ما ومن التنكير ، وليس من أحد !
2 . لم يستوف الراغب استعمالات أحَد في القرآن ، فقد اهتم باستعمالها بعد ما النافية ، وذكر آيتين لاستعمالها بغير نفي .
وقد وردت في القرآن في أكثر من مئة مورد ، منها تسعة موارد في نفي الجنس ، ستة بعد النفي بما ، كقوله تعالى : مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ . وواحد بالنفي بأن : وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ .
--------------------------- 48 ---------------------------
وموردان بالاستفهام بهل : هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَد . هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ .
وتستعمل أحدٌ في صيغة التسوية ويحذف أحد طرفيها كقوله تعالى : لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ، أي بين أحد وأحد من رسله .
وتأتي بصيغة المذكر للمؤنث كقوله تعالى : يَا نِسَاءَ النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ . أي كواحدة . وبمعنى كل كقوله تعالى : يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ .
وقوله تعالى : وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ . بمعنى واحدة منهما : القافلة أو الجيش .
وقوله تعالى : إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ . أي كانوا من خوفهم ورُعبهم لا يلتفتون إلى من يناديهم .
3 . استعملت أحدٌ بمعنى من لا ثاني له ، مقابل واحد الذي له ثان . قال تعالى : قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ .
وجاء في تفسيره في التوحيد للصدوق / 83 : « أن أعرابياً قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين أتقول : إن الله واحد ؟ قال : فحمل الناس عليه قالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : دعوه ، فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم ، ثم قال : يا أعرابي إن القول في أن الله واحد على أربعة أقسام : فوجهان منها لا يجوزان على الله عز وجل ، ووجهان يثبتان فيه .
فأما اللذان لا يجوزان عليه ، فقول القائل : واحد يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنه كفر من قال : ثالث ثلاثة .
وقول القائل : هو واحد من الناس ، يريد به النوع من الجنس ، فبهذا ما لا يجوز عليه لأنه تشبيه ، وجل ربنا عن ذلك وتعالى .
وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شِبْهٌ ، كذلك ربنا ، وقول القائل : إنه عز وجل أحديُّ المعنى ، يعني به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم . كذلك ربنا عز وجل » .
ومعنى : « دعوه ، فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم » . يعني أن هدفنا من حربنا مع أصحاب الجمل ، أن نصحح توحيدهم لأنه مثلوم ، حيث نصبوا أنداداً ، ودعوا إلى طاعتها !
أَخَذَ
الأَخْذُ : حَوْزُ الشئ وتحصيله ، وذلك تارةً بالتناول نحو : مَعاذَ الله أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ « يوسف : 79 » وتارةً بالقهر نحو قوله تعالى : لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ . « البقرة : 255 » .
ويقال : أخذته الحمَّى . وقال تعالى : وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ « هود : 67 » فَأَخَذَهُ الله نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى . « النازعات : 25 » . وقال : وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى . « هود : 102 » .
ويُعبر عن الأسير بالأَخِيذِ والمأخوذ .
والإتخاذ : افتعال منه ، ويُعدَّى إلى مفعولين ويجري مجرى الجعل ، نحو قوله تعالى : لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ . « المائدة : 51 » أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ « الشورى : 9 » فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا « المؤمنون : 110 » أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ : اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ الله « المائدة : 116 »
وقوله تعالى : وَلَوْ يُؤاخِذُ الله النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ . « النحل : 61 » فتخصيص لفظ المؤاخذة تنبيهٌ على معنى المجازاة والمقابلة لما أخذوه من النعم ، فلم يقابلوه بالشكر .
ويقال : فلان مأخوذٌ ، وبه أَخْذَةٌ من الجن ، وفلان يأخذ
--------------------------- 49 ---------------------------
مَأْخَذَ فلان ، أي يفعل فعله ويسلك مسلكه ، ورجل أَخِيذٌ ، وبه أُخُذٌ كناية عن الرَّمَد .
والإخاذة والإخاذ : أرض يأخذها الرجل لنفسه . وذهبوا ومن أخذ أَخْذَهُمْ وإِخْذَهُمْ .
ملاحظات
1 . الأخذ أوسع من « حوْز الشئ وتحصيله » الذي عرَّفه به الراغب ، فالأخذ في قوله تعالى : حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ ، ليس فيه حيازة واستيلاء ، بل هو بمعنى استكملت زخرفها وتجللت به كأنها لبسته . وكذا قوله تعالى : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ . وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ . فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً . فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً .
وقد استعملت أخَذَ واتخذ وآخذ في القرآن في أكثر من 200 آية ، كفعل مساعد يشير إلى عدد من الأفعال والأوصاف ، ومنها ما لا ينتظم تحت الحيازة والتناول .
2 . ذكر الراغب أن وصف العقوبة بالمؤاخذة في آية : وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ . لأنه أخذٌ مقابل ما أخذ العاصي من النعم ولم يشكرها .
والأصح تفسيره أيضاً بأن كل ظلم أخْذٌ من حق الله أو حق الناس ، فالجزاء به أخذٌ عليه .
أَخٌ
الأصل أَخَوٌ ، وهو المشارك آخرَ في الولادة من الطرفين أو من أحدهما ، أو من الرضاع .
ويستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة ، أو في الدين ، أو في صنعة ، أو في معاملة ، أو في مودة ، وفي غير ذلك من المناسبات .
قوله تعالى : لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ « آل عمران : 156 » أي لمشاركيهم في الكفر . وقال تعالى : إنمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ « الحجرات : 10 » أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً « الحجرات : 12 » .
وقوله : فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ « النساء : 11 » أي إخوانٌ وأخوات . وقوله تعالى : إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ « الحجر : 47 » تنبيهٌ على انتفاء المخالفة من بينهم .
والأخت : تأنيث الأخ ، وجعل التاء فيه كالعوض من المحذوف منه .
وقوله تعالى : يا أُخْتَ هارُونَ « مريم : 28 » يعني : أخته في الصلاح لا في النسبة ، وذلك كقولهم : يا أخا تميم .
وقوله تعالى : أَخَا عَادٍ « الأحقاف : 21 » سماه أخاً تنبيهاً على إشفاقه عليهم شفقة الأخ على أخيه .
وعلى هذا قوله تعالى : وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ « الأعراف : 73 » وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ « الأعراف : 65 » وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ « الأعراف : 85 » . وقوله : وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها « الزخرف : 48 » أي من الآية التي تقدمتها ، وسماها أختاً لها لاشتراكهما في الصحة والإبانة والصدق .
وقوله تعالى : كلما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها « الأعراف : 38 » فإشارة إلى أوليائهم المذكورين في نحو قوله تعالى : أَوْلِياؤُهُمُ الطاغُوتُ « البقرة : 257 » .
وتأخَّيْت : أي تحريت تحري الأخ للأخ . واعتُبِرَ من الأخُوَّة معنى الملازمة فقيل : أخِيَّةُ الدابة .
ملاحظات
1 . التاء في أخت للتأنيث ، وليس فيها محذوف لتكون التاء بدله ، وعلى القول بأن أصل أخ أخوٌ ، فأصل أخت أخَوَةٌ ، وحذفت واوها .
2 . سمى القرآن الرسول أخاً لقومه في ثلاث عشرة آية . وقرر الأخوة بين المؤمنين في آيات مثل قوله تعالى : فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً .
--------------------------- 50 ---------------------------
إنمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ . وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً . فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ . رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولإ خْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ .
وحكم بالأخوة بين المنافقين في آيات : الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا . وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ .
واستعمل الأخوة بمعنى أخوة النسب كقوله تعالى : وَإِنْ كَأن رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكل وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ .
أما قولهم لمريم عليها السلام : يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَأن أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ ، فلم تكن مريم أخته ، لكن أخت هارون كانت مضرب المثل في العفة .
3 . قال الخليل : 4 / 319 : « أخ وأخوان وإخوة وإخوان . وبيني وبينه أُخُوَّةٌ وإخَاءٌ . وتقول : آخيته . ولغة طئ : واخيته . والأخية : عود يعرض في الحائط ، تشد إليه الدابة ، وتجمع على الأواخي . وكذلك قالوا : إخوان ، وهم الإخوة إذا كانوا لأب ، وهم الإخوان إذا لم يكونوا لأب . وفي القرآن : فأصْلِحُوا بينَ أخَوَيْكم .
والأخت : كان حدها أَخَهْ والإعراب على الهاء والخاء في موضع الرفع ، ولكنها انفتحت لحال هاء التأنيث ، لأنها لاتعتمد إلا على حرف متحرك بالفتحة ، وأسكنت الخاء فحول صرفها على الألف ، وصارت الهاء تاء كأنها من أصل الكلمة ووقع الإعراب على التاء ، وألزمت الضمة التي كانت في الخاء الألف » .
آخِر
آخِر : يقابل به الأول وآخَر يقابل به الواحد . ويعبَّر بالدار الآخرة عن النشأة الثانية ، كما يعبَّر بالدار الدنيا عن النشأة الأولى ، نحو : وَإن الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ . « العنكبوت : 64 » .
وربما تُرك ذكر الدار نحو قوله تعالى : أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ « هود : 16 » .
وقد توصف الدار بالآخرة تارةً ، وتضاف إليها تارةً نحو قوله تعالى : وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ « الأنعام : 32 » وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا « يوسف : 109 » .
وتقدير الإضافة : دار الحياة الآخرة .
وأُخَر : معدولٌ عن تقدير ما فيه الألف واللام وليس له نظير في كلامهم ، فإن أفعل من كذا إما أن يذكر معه مِنْ لفظاً أو تقديراً ، فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث . وإما أن تحذف منه مِنْ فيدخل عليه الألف واللام فيثنى ويجمع . وهذه اللفظة من بين أخواتها جُوَّز فيها ذلك من غير الألف واللام .
والتأخير : مقابل للتقديم ، قال تعالى : بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ « القيامة : 13 » ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ « الفتح : 2 » إنما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ « إبراهيم : 42 » رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ « إبراهيم : 44 » .
وبعته بِأَخِرَةٍ . أي بتأخير أجل ، كقوله : بِنَظِرَة . وقولهم : أبعد الله الأَخِرَ ، أي المتأخر عن الفضيلة وعن تحرِّي الحق .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن تأخَّرَ بالمعنى الحقيقي : وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْه . والمجازي للتأخر في الإيمان : لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ .
2 . واستعمل وصْف النشأة الأولى والآخرة : وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأولى . وَإن عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى . ثُمَّ الله يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ .
ووصْف الأولى والآخرة : لَهُ الْحَمْدُ فِي الأولى وَالآخِرَةِ . وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولى .
--------------------------- 51 ---------------------------
3 . والأوَّلِين والآخرين لأمم الأنبياء عليهم السلام : وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِىٍّ فِي الأولينَ . ثُلَّةٌ مِنَ الأولينَ . وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ . وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ . والمستقدمين والمستأخرين : وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ .
4 . والآخرون : مفهومها نسبي : أَلَمْ نُهْلِكِ الأولينَ . ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ . كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ . مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ .
5 . واستعمل الأخرى بمعنى آخر الهاربين في أحد : وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ .
6 . واستعمل وعد الأولى والآخرة ، لعقوبة بني إسرائيل : فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا . فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ .
7 . ووصف الآخرة بأوصاف عديدة وسمى الدنيا الحياة الدنيا ، ولم يعبر عن الآخرة بالحياة أبداً ، بل بالدار : وَإن الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ .
8 . استعمل الإمام الهادي عليهم السلام في الزيارة الجامعة الآخرة والأولى مقابل الدنيا ، فقال : « السلام على أئمة الهدى . وحجج الله على أهل الدنيا ، والآخرة والأولى » . لأن العوالم ثلاثة ، أولها عالم الذر ، وعبر عنه بالأولى .
أدَّ
قال تعالى : لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا « مريم : 89 » أي أمراً منكراً يقع فيه جَلَبَة ، من قولهم : أدَّت الناقة تئدُّ ، أي رجَّعت حنينها ترجيعاً شديداً .
والأديد : الجلبة ، وأدَّ قيل : من الود ، أو من : أدَّت الناقة .
ملاحظات
فسر اللغويون الإدَّ بالأمر الفظيع ، ولم يذكر أحد معنى الجَلَبَة الذي أدخله الراغب فيه !
نعم قد يستوجب الجَلَبة والضجة ، لكنها ليست جزءً من معناه . قال الخليل « 8 / 101 » : « لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا ، أي أمراً فظيعاً » .
وقال ابن فارس « 1 / 12 » : « فالإدّ هو الأمر العظيم . قال الله تعالى : لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا ، أي عظيماً من الكفر » .
أدَاء
الأداء : دفع الحق دفعةً وتوفيته ، كأداء الخراج والجزية ، ورد الأمانة قال تعالى : فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ . إن الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا . وقال : وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ . وأصل ذلك من الأداة ، يقال أدَوْتَ تفعل كذا أي احتلت ، وأصله تناولت الأداة التي بها يتوصل إليه . واسْتَأْدَيْتُ على فلان : نحو استعديت .
ملاحظات
1 . الأداء مطلق دفع الحق ، سواء أدَّاه دفعةً أو دفعات ، وسواء كان أداؤه ناقصاً أو كاملاً ، والأداء الناقص نوعٌ من الأداء .
2 . جعل الراغب الأداء مشتقاً من الأداة ، فقال في آيات أداء الأمانة : « وأصل ذلك من الأداة ، يقال : أدَوْتَ تفعل كذا أي احتلت » . والصحيح أن الأداة من أدَوَ ، ومعناها الوسيلة والحيلة . والأداء من أدَيَ ، ومعناه الإيصال ، فهما أصلان لا أصلٌ واحد .
قال ابن فارس « 1 / 73 » : « الأدْوُ : كالختل والمراوغة ، يقال أدَى يأدُو أدْوَاً . وهذا شئ مشتق من الأداة لأنها تعمل أعمالاً حتى يوصل بها إلى ما يراد . ومن هذا الباب استأديت على فلان بمعنى استعديت ، كأنك طلبت به أداة تمكنك من خصمك . وآدَيْتُ فلاناً أي أعنته » .
ثم قال ابن فارس : « أَدَيَ . إيصال الشئ إلى الشئ ، أو من تلقاء نفسه . قال الخليل أدَّى فلانٌ يؤدي ما عليه أداءً وتأدية . وتقول : فلان آدى للأمانة منك » .
--------------------------- 52 ---------------------------
لكن الراغب خلط بينهما فجعل أداء الأمانة من الأداة ! ولعله وقع في الخطأ من عبارة الخليل التي فيها انتقال موهم من أدَيَ إلى أدَوَ ! قال « 8 / 98 » : « وأدَّى فلان ما عليه أداء وتأدية ، وفلان آدَى للأمانة من فلان . وألف الأداة هي الواو ، لأنك تقول أدوات » .
و : استأدَيْتُ على فلان : التي جعلها ابن فارس من أَدَوَ ، لا تستعمل إلا نادراً ، وهي غير استأديْتُ فلاناً ، من أديَ ، وهي السائدة .
3 . لم يستعمل القرآن الأداة أبداً ، واستعمل الأداء ست مرات ، أربع منها في أداء الأمانة ، كقوله تعالى : إن الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا . فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ الله رَبَّهُ .
وواحدة في الدية : فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ . وواحدة في مطالبة موسى عليه السلام بأداء بني إسرائيل اليه : أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ الله .
آدَمُ
آدم : أبو البشرقيل سُمِّي بذلك لكون جسده من أديم الأرض . وقيل لسمرةٍ في لونه ، يقال رجل آدم نحو أسمر . وقيل سمي بذلك لكونه من عناصر مختلفة وقوى متفرقة ، كما قال تعالى : مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ « الإنسان : 2 » . ويقال : جعلت فلاناً أَدَمَة أهلي ، أي خلطته بهم .
وقيل سُمي بذلك لما طُيِّبَ به من الروح المنفوخ فيه ، المذكور في قوله تعالى : وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي « الحجر : 29 » وجعل له العقل والفهم والرَّوِيَّة التي فُضِّل بها على غيره ، كما قال تعالى : وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا « الإسراء : 70 » وذلك من قولهم : الإدام ، وهو ما يُطَيَّبُ به الطعام ، وفي الحديث : لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما . أي يؤلف ويطيب .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن اسم آدم أبي البشر عليه السلام خمساً وعشرين مرة . والمعروف أنه سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض أي وجهها ، ورويَ ذلك عن الإمام الصادق عليه السلام « علل الشرائع : 1 / 15 » فالأدمة بمعنى أدَمة الأرض وسمرتها ، وهو الوجه الأقوى في اشتقاق اسم آدم عليه السلام .
أما الألفة والأمشاج ونفخ الروح ، فليست من معنى الأدَمة . وأما الحديث النبوي : لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يودم بينكما « الوسائل : 14 / 61 ، وأحمد : 4 / 245 » فمعناه يوفق بينهما كما وُفِّق بين الخبز والإدام . فهو من الإدام وليس الأدمة .
2 . ذكر اللغويون الوجهين في اشتقاق آدم عليه السلام من أديم الأرض أو الأدمة بمعنى الاتفاق . قال الخليل « 8 / 88 » : « الأدم : الاتفاق ، وأدَمَ الله بينهما يأدم أدماً وآدم بينهما إيداماً . ويقال بينهما أدمة وملحة أي خلطة . وأديم كل شئ ظاهر جلده ، وأدمة الأرض وجهها ، وقيل سمي آدم لأنه خلق من أدمة الأرض . والإدام والأدم : مايؤتدم به مع الخبز » .
وقال ابن فارس « 1 / 71 » : « أدم : أصل واحد وهو الموافقة والملاءمة ، وذلك قول النبي صلى الله عليه وآله للمغيرة بن شعبة وخطب امرأة : لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما .
قال أبو عبيد : ولا أرى هذا إلا من أدم الطعام لأن صلاحه وطيبه إنما يكون بالإدام . وكذلك يقال طعام مأدوم . آدم الله بينهما يؤدم إيداماً فهو مؤدم بينهما » .
3 . جعل الراغب الإدام ما يُطَيِّبُ الطعام ، وهو نفس الطعام ، الذي يؤتدم به مع الخبز .
أُذُنً
الأذُن : الجارحة ، وشُبِّه به من حيث الحلقة أذن القدر وغيرها ، ويستعار لمن كثر استماعه وقوله لما يسمع ، قال
--------------------------- 53 ---------------------------
تعالى : وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ « التوبة : 61 » أي استماعه لما يعود بخيرٍ لكم .
وقوله تعالى : وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً « الأنعام : 25 » إشارة إلى جهلهم لا إلى عدم سمعهم .
وأَذِنَ : استمع ، نحو قوله : وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحقتْ « الانشقاق : 2 » . ويستعمل ذلك في العلم الذي يتوصل إليه بالسماع ، نحو قوله : فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ الله وَرَسُولِهِ . « البقرة : 279 » .
والأُذن والأذان : لما يسمع . ويعبر بذلك عن العلم ، إذ هو مبدأ كثيرٍ من العلم فينا ، قال الله تعالى : ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي « التوبة : 49 » وقال : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ « إبراهيم : 7 » . وأذنته بكذا وآذنته بمعنى .
والمُؤَذِّن : كل من يُعْلِم بشئ نداءً ، قال تعالى : ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ « يوسف : 70 » فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ « الأعراف : 44 » وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ . « الحج : 27 » . والأَذِين : المكان الذي يأتيه الأذان .
والإِذنُ في الشئ : إعلام بإجازته والرخصة فيه ، نحو : وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ الله « النساء : 64 » أي بإرادته وأمره .
وقوله : وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ الله « آل عمران : 166 » وقوله : وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله « البقرة : 102 » وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ الله « المجادلة : 10 » قيل : معناه بعلمه ، لكن بين العلم والإذن فرقٌ فإن الإذن أخص ولا يكاد يستعمل إلا فيما فيه مشيئة به ، راضياً منه الفعل أم لم يرض به ، فإن قوله : وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ الله « يونس : 100 » فمعلوم أن فيه مشيئته وأمره .
وقوله : وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله « البقرة : 102 » ففيه مشيئته من وجهٍ ، وهو أنه لا خلاف أن الله تعالى أوجد في الإنسان قوة فيها إمكان قبول الضرب من جهة من يظلمه فيضرُّه ، ولم يجعله كالحجر الذي لا يوجعه الضرب . ولا خلاف أن إيجاد هذا الإمكان من فعل الله ، فمن هذا الوجه يصح أن يقال : إنه بإذن الله ومشيئته يلحق الضرر من جهة الظالم ، ولبسط هذا الكلام كتاب غير هذا .
والاستئذان : طلب الإذن ، قال تعالى : إنما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالله « التوبة : 45 » فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ « النور : 62 » .
وإِذَنْ : جواب وجزاء ، ومعنى ذلك إنه يقتضي جواباً أو تقدير جواب ، ويتضمن ما يصحبه من الكلام جزاءً . ومتى صُدِّرَ به الكلام وتعقَّبه فعلٌ مضارعٌ ينصبه لا محالة ، نحو : إذن أخرجَ . ومتى تقدمه كلام ثم تبعه فعلٌ مضارعٌ يجوز نصبه ورفعه نحو : أنا إذن أخرجَ وأخرجُ .
ومتى تأخر عن الفعل أو لم يكن معه الفعل المضارع لم يعمل ، نحو : أنا أخرجُ إذن ، قال تعالى : إنكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ . « النساء : 140 » .
ملاحظات
1 . جعل الراغب مادة أَذِنَ مشتقة من الأُذن الجارحة ، فاضطر أن يدخل فيها معنى السماع أو العلم الناتج عن السماع ، فجعل قوله تعالى : وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحقتْ ، بمعنى سمعت .
وجعل : إئْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي ، يتضمن معنى السماع والعلم أي أعلمني . . الخ .
وقد أخذ ذلك من الخليل قال : « 8 / 200 » : « رجل أذَنَة : يستمع لكل شئ ، وأَمَنَة : يأمن بكل إنسان . وأذنت بهذا الشئ أي علمت . وآذنني أعلمني . وتأذنت : تقدمت كالأمير يتأذن قبل العقوبة ، ومنه : وإذ تأذن ربك » .
وقال ابن فارس « 1 / 75 » : « أصلان متقاربان في المعنى متباعدان في اللفظ ، أحدهما : أذُن كلِّ ذي أُذُن . وعنهما يتفرع الباب كله . ويقال للرجل السامع من كل
--------------------------- 54 ---------------------------
أحد : أذُن .
والأصل الآخر : العلم والإعلام . تقول العرب : قد أُذِنْتُ بهذا الأمر أي عَلِمت . وآذنني فلانٌ : أعلمني . والمصدر : الإذن والإيذان » .
فقد رأى ابن فارس أنه لا يمكن إرجاع مشتقات أذن إلى الأذن الجارحة ، ولا إلى السماع بها ، فقال : إن أذِنَ تأتي بمعنى عَلِم ، وجعلها أصلين : بمعنى الإذن والعلم .
وهو كلامٌ قويٌّ .
2 . معنى قوله تعالى : إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحقتْ ، أنها انصاعت بالحق الذي لربها عليه ، ففي تفسير القمي « 2 / 413 » : « أي أطاعت ربها وحُقت ، وحَقَّ لها أن تطيع ربها » .
ومعنى قوله تعالى : إئْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي : لاتجبرني على الذهاب إلى الحرب فأفتتن وأكفر . فالإذن فيها بمعنى الإجازة ، وليس فيه معنى السماع .
وقوله تعالى : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ ، وقوله : فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ الله وَرَسُولِهِ . بمعنى الإعلان والإعلام ، وليس فيه سماع .
3 . استعمل الإذن في القرآن بمعانٍ :
منها : إذن الله بوقوع الشئ تكويناً كقوله تعالى : فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ الله . وَمَا كَأن لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ الله . يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ . تُؤْتِي أُكُلَهَا كل حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا .
ومنها : إذنٌ بمعنى الإجازة ، كقوله : شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ الله أَذِنَ لَكُمْ . أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ . حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي . لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ .
ومنها : بمعنى أمر به : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ .
ومنها : تأذَّنَ به بمعنى تعهَّد وأعلن : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ . وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
ومنها : آذنه ، بمعنى أقرَّ له : وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ .
أذَى
الأذَى : ما يصل إلى الحيوان من الضرر ، إما في نفسه أو جسمه أو تبعاته ، دنيوياً كان أو أخروياً ، قال تعالى : لاتُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى « البقرة : 264 » .
قوله تعالى : فَآذُوهُما « النساء : 16 » إشارة إلى الضرب . ونحو ذلك في سورة التوبة : وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ « التوبة : 61 » ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى « الأحزاب : 69 » وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا . « الأنعام : 34 » . وقال : لِمَ تُؤْذُونَنِي « الصف : 5 » . وقوله : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً . « البقرة : 222 » فسمَّى ذلك أذىً باعتبار الشرع ، وباعتبار الطب على حسب ما يذكره أصحاب هذه الصناعة .
يقال : آذَيْتُهُ أو أَذَيْتُهُ إِيذاءً وأذيَّةً وأذىً . ومنه الآذيّ ، وهو الموج المؤذي لركاب البحر .
ملاحظات
1 . يشمل الأذى كل ما يؤذي ، قال الخليل « 3 / 50 و : 8 / 206 » : « وكل شئ نحيته عن شئ ، فقد نقحته من أذى . وهو الشئ تتكرهه » .
وقال ابن فارس « 1 / 78 » : « الأذى كل ما تأذيت به ، ورجل أذيٌّ أي شديد التأذي » .
2 . ذكر القرآن الُمؤْذِينَ لله ورسوله صلى الله عليه وآله : إن الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ . وَمَا كَأن لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ الله .
والمؤذين للمؤمنين والمؤمنات ، فقال تعالى : وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا .
--------------------------- 55 ---------------------------
وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً .
وأذى معطي الصدقة : لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى . خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً .
وأذى المرض : أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِه . إِنْ كَان بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ . وأذى المحيض : وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً .
وأذى العقوبة : وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا .
إِذَا
إذا : يعبر به عن كل زمان مستقبل ، وقد يُضَمَّن معنى الشرط فيجزم به وذلك في الشعر أكثر .
وإذْ : يعبر به عن الزمان الماضي ، ولا يجازى به إلا إذا ضُمَّ إليه ما نحو : إذْمَا أتيت على الرسول فقل له .
ملاحظات
ذكر الراغب « إِذَنْ » في فعل أذنَ ! وقد استعملها القرآن مع « إذَا وإذْ » بشكل واسع واستوفتها مصادر النحو واللغة ، وفيما يلي خلاصة من المغني لابن هشام « 1 / 87 » :
إذا الفجائية : تختص بالجمل الإسمية ولا تحتاج إلى جواب ، ومعناها الحال لا الاستقبال نحو : خرجت فإذا الأسد بالباب .
ولم يقع الخبر معها في التنزيل إلا مصرحاً به نحو : فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى . فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ . فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ . فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ . فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ .
إذا الشرطية : ظرفٌ للمستقبل ، وتختص بالجملة الفعلية عكس الفجائية ، وقد اجتمعا في قوله تعالى : ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ . وقوله تعالى : فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . ويكون الفعل بعدها ماضياً ، ومضارعاً .
وقد تجئ للماضي كقوله تعالى : وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا . وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا . أوللحال بعد القسم نحو : وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى . وقد يقرن جوابها بإذا الفجائية نحو : ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ .
وقيل إنَّها في قوله تعالى : وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ . وقوله : وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ . ظرف لخبر المبتدأ بعدها ، ولو كانت شرطية لاقترنت بالفاء مثل : وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
إِذَنْ : قال الجمهور إنها حرف ، حذفت بعده الجملة وعوض عنها بالتنوين كقوله تعالى : وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا . فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا .
إذْ : تأتي إسماً للزمن الماضي ، فتكون ظرفاً ، نحو : فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا .
أو مفعولاً به ، نحو : وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا . وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ . أو مضافاً إليها اسم زمان نحو : يَوْمَئِذٍ ، بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا .
وتأتي إذْ للتعليل ، نحو : وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ . وتأتي مضافة إلى جملة نحو : وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ . وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ .
وقد تحذف الجملة ويعوض عنها التنوين نحو : وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . « المغني : 1 / 80 » .
أَرَبَ
الأرَب : فَرْطُ الحاجة المقتضي للإحتيال في دفعه ، فكل أربٍ حاجة وليس كل حاجة أرباً .
ثم يستعمل تارة في الحاجة المفردة ، وتارة في الاحتيال وإن لم يكن حاجة ، كقولهم : فلان ذو أربٍ ، وأريب ، أي ذو احتيال ، وقد أَرِبَ إلى كذا ، أي احتاج إليه حاجةً شديدة . وقد أَرِبَ إلى كذا أَرَباً وأُرْبَةً وإِرْبَةً ومَأْرَبَةً .
قال تعالى : وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى . « طه : 18 » ولا أَرَبَ لي
--------------------------- 56 ---------------------------
في كذا ، أي ليس بي شدة حاجة إليه ، وقوله : أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ « النور : 31 » كناية عن الحاجة إلى النكاح . وهي الأُرْبَى ، للداهية المقتضية للإحتيال .
وتسمَّى الأعضاء التي تشتد الحاجة إليها آراباً الواحد : إِرْب ، وذلك أن الإعضاء ضربان : ضربٌ أوجد لحاجة الحيوان إليه كاليد والرجل والعين . وضربٌ للزينة ، كالحاجب واللحية .
ثم التي للحاجة ضربان : ضرب لا تشتد الحاجة إليه . وضرب تشتد الحاجة إليه ، حتى لو تُوُهِّمَ مرتفعاً لاختل البدن به اختلالًا عظيماً وهي التي تسمى آراباً . وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال : إذا سجد العبد سجد معه سبعة آرابٍ : وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه .
ويقال : أَرَّبَ نصيبه ، أي عَظَّمه ، وذلك إذا جعله قَدْراً يكون له فيه أرَب . ومنه : أرَّبَ ماله أي كثَّر . وأرَّبت العقدة : أحكمتها .
ملاحظات
1 . جعل الراغب أرَبَ أصلاً واحداً بمعنى الحاجة المهمة والحيلة ، وحاول إرجاع فروعها إليها ، وتضمينها معنى الحاجة والحيلة .
وقد أفرط في ذلك حتى جعل أرَبَّ الرجل ماله ، من الإربة ، بمعنى صار له به حاجة ، بينما هو من ربَّه وأربَّه ، أي ربَّاه ونمَّاه .
وكذلك فعل في واربتُ العقدة أي أحكمتها ، وهي من وَارَبَ بواو دون همزة ، والعقدة المَوْرُوبة هي المُحكمة .
وقد اتَّبَعَ الراغب في ذلك بعض اللغويين الذين حاولوا توحيد فروع أرَب ، وجعلوها من الإربة ، وتكلفوا في معانيها بلا موجب ! فالإربة : من أرَب أصل . ورَبَّ المالَ وأربَّه : من ربَّى وأربَّ أصل . ووَارَبَ : بمعنى استعمل الحيلة للإربة أصل ، والآراب : بمعنى قطع البدن أصل .
وقد أجاد ابن فارس حيث قال « 1 / 89 » : « أرب : لها أربعة أصول إليها ترجع الفروع وهي : الحاجة ، والعقل ، والنصيب ، والعقد » .
2 . ومما يدل على خطئهم في إدخال الحيلة في معنى الإِرْبَة ، أن الأريب هو العاقل ، قال الخليل « 8 / 289 » : « والإرْب : الحاجة المهمة ، الأريب : العاقل . وأرب الرجل يأرب إرباً . والمؤاربة : مداهاة الرجل ومخاتلته ، وفي الحديث : مؤاربة الأريب جهل وعناء ، لأن الأريب لا يخدع عن عقله » .
3 . لا أصل لحديث : السجود على سبعة آراب في مصادر الشيعة والسنة . بل هو : على سبعة أعظم ، أو أعضاء . والآراب : كما نص الخليل قطع اللحم ، نعم شاع استعمال : قَطَّعَهُ إرباً إرباً ، وهو يعني عضواً عضواً لكنه باعتبار تقطيع اللحم . وذكر ابن منظور أن الإرب العضو الكامل من البدن وليس كل قطعة ، وفسر حديث : أُتِيَ النبي صلى الله عليه وآله بكتف مُوَرَّب ، بكتف كامل ، ولعل تسميته بالإرب ، لأن قطعه يحتاج إلى مواربة .
4 . يظهر من استعمال الإربة أن معناها الحاجة الملحة وليس المهمة . وسميت الشهوة الجنسية إربة ، كما في الصحيح عن زرارة قال : « سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل : أَوِ التابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ ؟ قال : الأحمق الذي لا يأتي النساء » . « الكافي : 5 / 523 » .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام « نهج البلاغة : 2 / 184 » : « والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ، ولا في الولاية إربة . ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها » . فاستعمل الإربة مقابل الرغبة وكأنها رغبة مع شهوة .
5 . قال الخليل « 8 / 289 » : « قطعت اللحم آراباً ، أي قطعاً .
--------------------------- 57 ---------------------------
والإرْب : الحاجة المهمة » .
وقال ابن فارس « 1 / 89 » : « الإرب العقل . قال ابن الإعرابي : يقال للعقل أيضاً إرب وإربة ، كما يقال للحاجة إربة وإرب . والنعت من الإرب : أريب ، والفعل أَرُبَ بضم الراء . ومن هذا الباب الفوز والمهارة بالشئ يقال : أربت بالشئ ، أي صرت به ماهراً . ومن هذا الباب المؤاربة وهي المداهاة ، كذا قال الخليل » .
وبهذا تعرف كم ابتعد الراغب في هذه المادة .
أرَضَ
الأرض : الجُرم المقابل للسماء ، وجمعه أرضون ولم تجئ مجموعةً في القرآن ، ويعبر بها عن أسفل الشئ كما يعبر بالسماء عن أعلاه . قال الشاعر في صفة فرس :
وأحمرُ كالديباج أما سماؤُه
فَرَيَّا ، وأمَّا أرْضُهُ فمُحُولُ
وقوله تعالى : إعْلَمُوا إن الله يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها « الحديد : 17 » عبارة عن كل تكوين بعد إفساد وعودٍ بعد بدء ، ولذلك قال بعض المفسرين : يعني به تليين القلوب بعد قساوتها .
ويقال : أرضٌ أريضة ، أي حسنةُ النبت . وتأرَّضَ النَّبْتُ : تمكَّن على الأرض فكثر ، وتأرَّض الجَدْيُ : إذا تناول نبت الأرض .
والأَرَضَة : الدودة التي تقع في الخشب من الأرض . يقال : أُرِضَتِ الخشبة فهي مأروضة .
ملاحظات
1 . استعملت الأرض في القرآن ثلاث مئة وإحدى وستين مرة ، في موضوعات عن خلق السماوات والأرض ، وإسكان الإنسان وحياته ومستقبله فيها .
فقد خلقها الله بالحق بقوانين صحيحة وهدف صحيح : خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض بِالْحق .
ولم يخلقها عبثاً بدون قصد : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ .
ولا باطلاً بدون هدف : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً .
وخلقها في ست مراحل ، اثنتان منها لتكوينها العام وأربع لإعدادها لحياة الإنسان : قُلْ أَإنكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ . وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ .
ورتب فيها نظام الزمن السنوي والشهري : إن عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ الله اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ الله يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض .
وأنظمة الإمطار والإنبات والإنهار : وَمَا أَنْزَلَ الله مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كل دَابَّةٍ .
وجعلها مهداً ، وسلك فيها سبلاً ، وجعلها كفاتاً وبساطاً وفراشاً ومهاداً وذلولاً ، ووضعها للأنام . وجعل فيها معايش ، وسخر ذلك للانسان .
وجعل فيها أنواع الأمم من الدواب والطيور ، وتكفل رزق جميع من عليها .
فانتظمت قوانينها وفق إرادته ومشيئته : يُدَبِّرُ الأمر مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرض ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَأن مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ .
وهي في كل ذلك طائعة راضية ، لأنها وجود حي على خلاف ما نتصور ، وفي كل ذرة منها حياة وروح : تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرض وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ .
وقد دعاها الله عز وجل هي والسماء فأجابتا وأعلنتا
--------------------------- 58 ---------------------------
خضوعهما : قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ .
وهي موحدة لله تعالى تمقت الشرك ، وتكاد تنشق من ادعاء المشركين وتَخِرُّ جبالها هداً . وبذلك استحقت أن تسمى الأرض المباركة .
وخلق الله الإنسان من ترابها ، ونطف ذرياته من غذائها ، وجعل حياتنا فيها تشبه دورة حياة النبات : والله أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرض نَبَاتاً ، فالعناصر الستة عشر التي يتركب منها جسم الانسان هي التي يتركب منها تراب الأرض .
وأسكن آدم وأبناءه فيها : هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا .
والهدف منها الإعداد للحياة الآخرة : وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ : وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإن الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ .
وجعل الطريق إلى نيلها عبادة الله تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ .
وأراد تعالى أن تبقى معادلة الصراع بين الحق والباطل فيها قائمة ، فلم يسمح أن يعمها الفساد : وَلَوْلا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْض .
وسمح أن يتداول حكمها الأبرار والفجار : أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا . حتى يحين وعده فيورثها للمؤمنين ويمكن لهم .
2 . وضع القرآن خمسة عشر مصطلحاً تتعلق بالأرض ، هي : الخلافة في الأرض ، والباغون في الأرض ، والفرحون في الأرض ، والماشون في الأرض مرحاً وهوناً ، والمستكبرون والمستضعفون والعالون في الأرض ، والمثَّاقلون إلى الأرض ، والتمكين في الأرض ، والاستقرار في الأرض ، والهجرة في الأرض ، والوارثون للأرض ، والأرض المباركة والمقدسة ، وأدنى الأرض وأقصاها ، والسير في الأرض ، والضرب والانتشار في الأرض ، والإسكان والاستعمار في الأرض .
3 . الأرض الأريضة : أي الأرض الحسنة بنبتها أو بغيره . والأرضة : حشرة في الأرض ، والجدران ، والخشب ، والكتب ، وغيرها .
أَرِيك
الأريكة : حَجَلَة « أشبه بالغرفة » على سرير ، جمعها أرائك . وتسميتها بذلك إما لكونها في الأرض متخذة من أراك وهو شجرة ، أو لكونها مكاناً للإقامة من قولهم : أَرَكَ بالمكان أروكاً ، وأصل الأروك الإقامة على رعي الأراك ، ثم تجوز به في غيره من الإقامات .
ملاحظات
1 . الأريكة : السرير أو الكرسي الموضوع في حجلة أو مقصورة وقد جعلهما الخليل أريكة ، قال « 5 / 404 » : « الأريكة : سرير في حجلة ، فالحجلة والسرير أريكة » .
ولا يصح قولهم إنها سميت أريكة لأنها صنعت من شجر الأراك . والصحيح أنها من الأروك وهو المقام المريح ، وقد استعملت في القرآن لكراسٍ ذات جلسة مريحة ، في قوله تعالى : مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً « الإنسان : 13 » عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ . « المطفّفين : 23 » .
2 . عبَّر النبي صلى الله عليه وآله بالأريكة عن كرسي الحكم بعده فقال : « لا ألفينَّ أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أمرتُ به أو نهيتُ عنه ، فيقول : لا أدري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه » !
وقد صححه النقاد ، وهو من إخباره بالمغيبات بما حدث بعده ، حيث منعوا تدوين السنة والتحديث عن النبي صلى الله عليه وآله ! راجع : ألف سؤال وإشكال : 2 / 42 .
--------------------------- 59 ---------------------------
إِرَم
الإرم : عَلَمٌ يبنى من الحجارة ، وجمعه آرام . وقيل للحجارة إرم ، ومنه قيل للمتغيظ يُحرِّق الإرَّم ، وقوله تعالى : إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ « الفجر : 7 » إشارة إلى أعمدة مرفوعة مزخرفة . وما بها إرم وأريم أي أحَدٌ ، وأصله اللازم للإرم .
وخص به النفي كقولهم : ما بها ديَّار ، وأصله للمقيم في الدار .
ملاحظات
1 . الآرامي : نسبة إلى حضارة إرَم القديمة . واللغة الآرامية من اللغات المدونة المعروفة إلى اليوم ، وكان يتكلم بها المسيح عليه السلام ، وبها نزل الإنجيل « قاموس الكتاب المقدس / 44 » .
ويرى الباحث سعيد اللحام أنها مطورة عن النبطية والسريانية ، وأنها هي العرمية التي تطورت إلى العربية القديمة ثم الجديدة . « ابن أبي شيبة : 7 / 156 » .
وذكر في معجم المطبوعات العربية « 1 / 497 » كتاب الأصول الجليلة في نحو اللغة الأرامية ، تأليف : يعقوب أوجين الكلداني - 1896 م .
وترجم في الأعلام « 8 / 100 » لهنريك صموئيل نيبرغ S H Nyberg : من كبار المستشرقين من السويد أستاذ اللغات السامية ، وأتقن منها الآرامية والفهلوية ، وغيرها .
والذي يدخل في غرضنا كلمة « إرَم » التي وردت في قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ . إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ . ويظهر أنها اسم لعاصمة قبيلة عاد ، وأنها وصفت بذات العماد لأساطين قصورها الرخامية ، فجعلوا اسمها بمعنى الأعمدة أو الأعلام ، ورووا عنها أساطير .
وروى الصدوق في كمال الدين / 552 ، أثراً عن أبي وائل ، بعنوان : « حديث شداد بن عاد بن أرم ، وصفة إرم ذات العماد » . والمشهور أنها الأحقاف قرب حضرموت . وروي أنها دمشق . « معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام : 5 / 255 » .
2 . المؤكد أن إرم لفظة غير عربية ، فهي تعني الآراميين . وأقوال اللغويين فيها وتفريعاتهم عليها كلها احتمالات ، فقد جعلها الراغب العَلَم ، وجعلها الخليل ملتقى قبائل الرأس ، وجعل الأرمي العَلَمَ العادي نسبة إلى عاد « العين : 8 / 296 » وجعلها الأصمعي الأصابع « غريب ابن قتيبة : 1 / 359 » وجعلها الجوهري « 5 / 1860 » الأضراس ، ومنه قولهم يحرَّق عليه الإرَّمَ ! وجعل ابن منظور « 12 / 13 » أرَّمَ بمعنى أكل . الخ . وقد تكون هذه الكلمات متأثرة بها .
أَزَّ
قال تعالى : تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ، أي ترجعهم إرجاع القدر إذا أزَّتْ ، أي اشتد غليانها . وروى أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي ولجَوْفِهِ أزيزٌ كأزيز المرجل . وأزَّهُ أبلغ من هَزَّهُ .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن أزَّ في آية واحدة : أَلَمْ تَرَ إنا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا . أي تحثهم على الكفر والشر ، وتدفعهم اليه دفعاً ، لا أنها تُفَوِّرُهم كالمرجل ، كما تصور الراغب .
قال الخليل في العين : 7 / 397 : « الأز ُّ : أن تَؤُزَّ إنساناً ، أي أن تحمله على أمر برفق واحتيال حتى يفعله كأنه يزين له » . ونحوه الصحاح : 3 / 854 ، ومقاييس اللغة : 1 / 13 .
وفي تفسير القمي : 2 / 55 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « مد لهم في طغيانهم وضلالهم وأرسل عليهم شياطين الإنس والجن تؤزهم أزاً ، أي تنخسهم نخساً ، وتحضُّهم على طاعتهم وعبادتهم » .
2 . فالأ زَّ هو الدفع بحيلة ، ولا علاقة له بالأزيز الذي هو
--------------------------- 60 ---------------------------
صوت غلْي القدر ، وصوت الرعد . ولم يسمع استعمال الفعل من الأخير ، فهما أصلان ، لا أصل واحد .
وأزَّهُ : مثل دزَّهُ ، أو هو لغة فيه ، يقال : دزَّ فلاناً أي دفعه لإيذائه أو على عمل الشر . ويتوسع فيه العراقيون للدفع إلى خير أو شر .
أزَرَ
أصل الأزْر : الإزار الذي هو اللباس ، يقال : إزار وإزارة ومئزر . ويكنى بالإزار عن المرأة قال الشاعر :
ألا بلغ أبا حفص رسولاً
فدىً لك من أخي ثقةٍ إزاري
وتسميتها بذلك لما قال تعالى : هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ « البقرة : 187 » . وقوله تعالى : أُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي « طه : 31 » أي أتقوى به .
والأزر : القوة الشديدة ، وآزره : أعانه وقوَّاه ، وأصله من شد الإزار ، قال تعالى : كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ « الفتح : 29 » يقال : آزرته فتأزّر ، أي شددت أزره ، وهو حسن الإزرة .
وأزرت البناء وآزرته : قوَّيت أسافله ، وتأزَّر النَّبْتُ : طال وقوي .
وآزرته ووازرته : صرت وزيره ، وأصله الواو . وفرس آزر : انتهى بياض قوائمه إلى موضع شد الإزار .
قال تعالى : وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ « الأنعام : 74 » قيل : كان اسم أبيه تارخ فعُرِّب فجعل آزر ، وقيل : آزر معناه الضال في كلامهم .
ملاحظات
1 . وردت مادة أزَرَ في آيتين ، في طلب موسى من ربه أن يشد أزره بأخيه : هَارُونَ أَخِي أشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . أي قوِّ به ظهري .
وفي وصف أئمة العترة عليهم السلام بأبناء الزرع الذي يشد أزر أصله صلى الله عليه وآله : وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ .
وقد تفاوت كلام الراغب في أزَرَ ، فقال هنا إن أصله الإزار ، وفرع عليه مواده ، وقال في أواخر كتابه : « الوزَر الملجأ الذي يُلْتَجَأُ إليه من الجبل . والوِزْر الثقل تشبيهاً بوَزَر الجبل » وفرَّعَ عليه مواده !
والصحيح ما ذكره الخليل من أن الأزر الظهر ، ومنه الإزار والمئزر لأنه يشده ، ومنه الوزير لأنه يشد الأزر . ومنه الوزْر بمعنى الإثم كأنه ثقل على الظهر .
أما آزر ، فلا علاقة له بالأزر ، لأنه ليس عربياً وتقدم أن آزر عمُّ إبراهيم عليه السلام وليس والده .
أَزِفَ
قال تعالى : أَزِفَتِ الْآزِفَةُ « النجم : 57 » أي دَنَت القيامة . وأزِفَ وأفِدَ يتقاربان ، لكن أزف يقال اعتباراً بضيق وقتها ، ويقال : أزف الشخوص .
والأَزَفُ : ضيق الوقت ، وسميت به لقرب كونها ، وعلى ذلك عبَّر عنها بالساعة . وقيل : أَتى أَمْرُ الله « النحل : 1 » فعبر عنها بالماضي لقربها وضيق وقتها ، قال تعالى : وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ . « غافر : 18 » .
ملاحظات
استعملت مادة أزَفَ في آيتين : وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الأَزِفَةِ . أَزِفَتِ الآزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ الله كَاشِفَةٌ .
ومعنى أَزِفَ : قَرُبَ أن يقع . وسميَ يوم القيامة يوم الأزفة ، لذلك .
أما الآزفة : بالمد فهي التي ستأزف ، ففيها إشارةٌ إلى قربها وأن وقوعها قطعي .
أَسَّ
--------------------------- 61 ---------------------------
أَسَّسَ بنيانه : جعل له أُسّاً ، وهو قاعدته التي يبتنى عليها ، يقال : أُسٌّ وأَسَاسٌ .
وجمع الأس : إِسَاسٌ ، وجمع الإساس : أُسُس ، يقال : كان ذلك على أُسِّ الدهر كقولهم : على وجه الدهر .
ملاحظات
استعمل الأساس في قوله تعالى : لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التقْوَى . في النية والهدف من البناء ، لأنه أمرٌ معنوي أعمق من الأساس المادي .
أَسِفَ
الأَسَفُ : الحزن والغضب معاً ، وقد يقال لكل واحدٍ منهما على الانفراد . وحقيقته : ثوران دم القلب من شهوة الانتقام ، فمتى كان ذلك على من دونه انتشر فصار غضباً ، ومتى كان على من فوقه انقبض فصار حزناً . ولذلك سئل ابن عباس عن الحزن والغضب فقال : مخرجهما واحد واللفظ مختلف ، فمن نازع من يقوى عليه أظهره غيظاً وغضباً ، ومن نازع من لا يقوى عليه أظهره حزناً وجزعاً . وبهذا النظر قال الشاعر :
فَحُزْنُ كل أخي حُزْنٍ أخو الغَضَبِ
وقوله تعالى : فَلما آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ . « الزخرف : 55 » أي أغضبونا . قال أبو عبد الله ابن الرضا : إن الله لا يأسف كأسفنا ، ولكن له أولياء يأسفون ويرضون ، فجعل رضاهم رضاه وغضبهم غضبه ، قال : وعلى ذلك قال : من أهان لي وليّاً فقد بارزني بالمحاربة . وقال تعالى : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله .
وقوله تعالى : غَضْبانَ أَسِفاً . « الأعراف : 150 » . والأسيف : الغضبان ، ويستعار للمستخدم المسخَّر ، ولمن لا يكاد يسمى فيقال : هو أسيف .
ملاحظات
فسر كثير من اللغويين الأسف بالغضب ، أو جعلوه جزءً منه ، مع أنهما أمران غير متلازمين ولذا تقول : أسف فغضب ، قال تعالى : وَلما رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً . أي غاضباً متحسراً لما حدث . ومعنى : فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا : هل تقتل نفسك بتأسفك عليهم لعدم إيمانهم ؟ ! « تفسير القمي : 2 : 31 » .
وسبب نسبتهم الأسف والغضب إلى الله تعالى أن وهب بن منبه وهو حاخام مقرب من السلطة ، غضب على شخص : « فضربه على قرنه بعصاً فإذا دماؤه تشخب . فقال وهب : وما لي لا أغضب وقد غضب خالق الأحلام ! إن الله تعالى يقول : فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ ، يقول أغضبونا » .
« تهذيب الكمال : 20 / 33 » . وقد ردَّ ذلك أهل البيت عليهم السلام .
وما ذكره الراغب عن الإمام الرضا فهو عن أبي عبد الله الصادق عليهما السلام رواه في الكافي : 1 / 144 ، قال : « إن الله عز وجل لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون ، وهم مخلوقون مربوبون ، فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه ، لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه . ولو كان يصل إلى الله الأسف والضجر وهو الذي خلقهما وأنشأهما لجاز لقائل هذا أن يقول : إن الخالق يبيد يوماً ما ، لأنه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغيير ، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة ، ثم لم يعرف المكوِّن من المكوَّن ولا القادر من المقدور عليه ، ولا الخالق من المخلوق ، تعالى الله عن هذا القول علواً كبيراً ، بل هو الخالق للأشياء لا لحاجة ، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه » .
وقصده بهؤلاء الأولياء النبي صلى الله عليه وآله وعترته الأئمة عليهم السلام .
--------------------------- 62 ---------------------------
أسَرَ
الأسْر : الشدُّ بالقيد من قولهم أسَرْتُ القَتَب ، وسمي الأسير بذلك ، ثم قيل لكل مأخوذ ومقيد وإن لم يكن مشدوداً ذلك . وقيل في جمعه أُسَارى وأَسَارى وأسْرى . وقال : وَيَتِيماً وَأَسِيراً . ويتجوز به فيقال أنا أسير نعمتك . وأسرة الرجل : من يتقوى به .
قال تعالى : وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ . « الإنسان : 28 » إشارة إلى حكمته تعالى في تراكيب الإنسان ، المأمور بتأملها وتدبرها في قوله تعالى : وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ « الذاريات : 21 » .
يقال : أراد الخلق ، ويقال : بل أراد مجرى ما يخرج من السبيلين .
والأَسْر : احتباس البول ورجل مَأْسُور : أصابه أسرٌ ، كأنه سد منفذ بوله . والأسر في البول كالحصر في الغائط .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن لفظ الأسير : وَيُطْعِمُونَ الطعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا .
والأسارى : وَإِنْ يَاتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ . والمضارع من أسر : فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً .
2 . لا يصح القول بأن شددنا أسرهم مأخوذ من الأسير وأسر البول . فالأسر هنا بمعنى الخلق ، قال ابن منظور : 4 / 19 : « الأسر : في كلام العرب : الخلق . قال الفراء : أسْرُ فلان أحسن الأسر أي أحسن الخلق ، وأسره الله أي خلقه ، وهذا الشئ لك بأسره أي بقده ، يعني كما يقال برمته » . والعين : 7 / 32 ، وإصلاح المنطق / 185 .
فالمعنى شددنا خلقهم وبناءهم ، شبيهاً بقولك شددنا أزرهم .
وقد ساوى الراغب بين القولين فقال : « وشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ، يقال أراد الخلق ، ويقال بل أراد مجرى ما يخرج من السبيلين » . وكان رجح الثاني !
أسَنَ
يقال أسِنَ الماءُ يَأْسَنُ ، وأسن يأسن : إذا تغير ريحه تغيراً منكراً . وماءٌ آسن . قال تعالى : مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ . « محمد : 15 » . وأَسِنَ الرجل : مرض . من أسن الماء ، إذا غشيَ عليه . قال الشاعر : يَمِيدُ في الرُّمْحِ مَيْدَ المائحِ الأسِنِ
وقيل تأسن الرجل : إذا اعتل ، تشبيهاً به .
ملاحظات
أَسِنَ الماء : تغير طَعمه « العين : 7 / 307 » ولا يشترط فيه شدة التغير ولا تغير رائحته . ومعنى قوله تعالى : فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُه : أن ماءها ولبنها لا يقبل التغير ذاتاً ، كما قال الله تعالى لعزير عليه السلام : فَأنظر إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ .
أسَوَ
الأسوة : كالقدوة ، والقدوة هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره ، إن حَسَناً وإن قبيحاً ، وإن سارَّاً وإن ضارَّاً ، ولهذا قال تعالى : لَقَدْ كَأن لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ، فوصفها بالحسنة ، ويقال تأسيت به .
والأسى : الحزن ، وحقيقته إتْباع الفائت بالغم ، يقال : أسَيْتُ عليه أسَىً وأسيت له . قال تعالى : فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ . « المائدة : 68 » وقال الشاعر :
أَسِيتُ لأخوالي ربيعة
وأصله من الواو ، لقولهم : رجل أسوان ، أي حزين .
والأَسْوُ : إصلاح الجرح ، وأصله إزالة الأسى نحو : كربت النخل : أزلت الكرب عنه ، وقد أسوْته أسْوُوهُ أسْوَاً . والآسي : طبيب الجرح جمعه أُساة وإِساة . والمجروح مَأسِيٌّ وأسِيٌّ مَعاً . ويقال أسَيْتُ بين القوم أي أصلحت وآسيت ، قال الشاعر : آسَى أخَاه بنفسه .
وقال آخر : فآسى وآدَاه فكان كمَنْ جَنَى . وآسي : هو
--------------------------- 63 ---------------------------
فاعل من قولهم يواسي . وقول الشاعر :
يكفون أثقالَ ثَأَى المسْتَأسِي
فهو مستفعل من ذلك . فأما الإساءة ، فليست من هذا الباب ، وإنما هي منقولة عن ساء .
ملاحظات
1 . الأُسْوَة بضم الهمزة وكسرها : مشترك يعني القدوة أو السواسية . قال الله تعالى : لَقَدْ كَأن لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ . . قَدْ كَأنتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ . وقال النبي صلى الله عليه وآله : الناسُ فيَّ أُسْوَةٌ سواء . « الكافي : 7 / 267 » .
وفي رسالة علي عليه السلام إلى طلحة والزبير جواباً لاعتراضهما على تسويته في العطاء : « أما ما ذكرتما من أمر الأسوة ، فإن ذلك أمرٌ لم أحكم أنا فيه برأيي ولا وليته هوى مني . بل وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله قد فرغ منه ، فلم أحتج إليكما فيما فرغ الله من قسمه ، وأمضى فيه حكمه » . « نهج البلاغة : 2 / 185 » .
2 . جعل الراغب الأسوة : الحالة . لكنها تستعمل بمعنى القدوة ، يقال : فعل كذا أسوةً بفلان ، وتأسياً به .
3 . استعمل القرآن آسَى : فكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ . والمضارع : فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ . لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ . ولم يستعمل أسَوَ بمعنى معالجة الجرح . وتستعمل : واساه مواساةً ، في الحزن والمرض والمصيبة ، ونحوها .
أشَرَ
الأَشَرُ : شدة البطر ، وقد أَشِرَ يَأْشَرُ أَشَراً . قال تعالى : سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ . « القمر : 26 » فالأشَر أبلغ من البطر ، والبطر أبلغ من الفرح ، فإن الفرح وإن كان في أغلب أحواله مذموماً لقوله تعالى : إن الله لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ . « القصص : 76 » فقد يحمد تارة إذا كان على قدر ما يجب ، وفي الموضع الذي يجب ، كما قال تعالى : فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا « يونس : 58 » .
وذلك أن الفرح قد يكون من سرور بحسب قضية العقل . والأَشَرُ لا يكون إلا فرحاً بحسب قضية الهوى ، ويقال : ناقة مِئْشِير ، أي نشيطة على طريق التشبيه ، أو ضامر من قولهم : أشرت الخشبة .
ملاحظات
1 . الأشَر : أشد من الفرح ، والبطر أشد من الأشَر ، والأشَر نوعٌ من الفخر والغرور ، يقال : رجل أشِرٌ وأشْرَانٌ وأُشَارَى ، مثل سكران وسكارى . « الصحاح : 2 / 579 » . ويتضمن الأشر الفخر ، قال الرضا عليه السلام : « ما أدفع عباد الله عن التحدث بنعم الله عليَّ ، وإن كنت لا أبغي أشراً ولا بطراً » . « عيون أخبار الرضا : 1 / 182 » .
والأشر والبطر باطل . أما الفرح فمنه باطل ، قال تعالى : ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الْحق .
ومنه فرح بالحق ممدوح ، قال تعالى : قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا . وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ .
2 . ورد الأشر في القرآن صفة للمفرد فقط ، قال تعالى : بَلْ هُوَكَذَّابٌ أَشِرٌ . أي كذاب مغرور بنفسه ، وهو غير الفرِح .
3 . تصور بعضهم أن تأشير الأسنان بمعنى تحزيزها وتحديد أطرافها ، وتأشير الخشبة بالمئشار وهو شبيه المنشار ، مشتقة من أشِرَ .
والصحيح أنها من أشَّرَ ، أي جعل فيه إشارة ، ومنه التأشيرة للدخول إلى بلد ، ونحوها .
أَصَرَ
الأَصْرُ : عقد الشئ وحبسه بقهره ، يقال : أَصَرْتُهُ فهو مَأْصُورٌ ، والمَأْصَرُ والمَأْصِرُ : محبس السفينة . قال الله
--------------------------- 64 ---------------------------
تعالى : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ . « الأعراف : 157 » أي الأمور التي تثبطهم وتقيدهم عن الخيرات ، وعن الوصول إلى الثواب . وعلى ذلك : وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً « البقرة : 286 » وقيل : ثقلاً . وتحقيقه ما ذكرت .
والإِصْرُ : العهد المؤكد الذي يثبط ناقضه عن الثواب والخيرات ، قال تعالى : أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي . « آل عمران : 81 » .
والإصار : الطنب والأوتاد التي بها يعمد البيت .
وما يَأْصِرُنِي عنك شئ أي ما يحبسني . والأَيْصَرُ : كساء يشد فيه الحشيش فيثنى على السنام ليمكن ركوبه .
ملاحظات
1 . ورد الإصْر في ثلاث آيات ، قال تعالى : أأقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا . أي هل قبلتم على ذلك عهدي .
وقال تعالى : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَأنتْ عَلَيْهِمْ . أي ثقل ذنوبهم وقيودهم .
رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا : عبئاً يحبس عن الخير . « الكشاف : 1 / 110 » .
2 . وردت كلمة آصار في حديث النبي صلى الله عليه وآله . وقال الإمام الرضا عليه السلام لكبير النصارى كما في توحيد الصدوق / 428 :
« وفي الإنجيل مكتوب : إن ابن البَرَّة ذاهبٌ والفارقليطا جائي من بعده وهو الذي يخفف الآصار ، ويفسر لكم كل شئ ، ويشهد لي كما شهدت له ، أنا جئتكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل » . وتفسير الطبري : 3 / 383 .
إصْبَع
الإصبع : اسم يقع على السُّلَامَى والظفر والأنملة والأطرة والبرجمة معاً .
ويستعار للأثر الحسي فيقال : لك على فلان إصبع ، كقولك لك عليه يدٌ .
ملاحظات
قال تعالى : كلمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ . فضربه مثلاً لمن لا يريد اتباع الحق .
وضربه مثلاً للمنافقين : يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ .
واستعمل البنان في آيتين ، فقال تعالى : بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّىَ بَنَانَهُ . وقال للملائكة : وَاضْرِبوُا مِنْهُمْ كل بَنَانٍ .
أصَلَ
بالغدو والآصال : أي العشايا . يقال للعشية : أصيل وأصيلة . فجمع الأصيل أُصُل وآصَال ، وجمع الأصيلة أصائل . قال تعالى : بُكْرَةً وَأَصِيلاً . « الفتح : 9 » .
وأصل الشئ : قاعدته التي لو توهمت مرتفعة لارتفع بارتفاعه سائره لذلك ، قال تعالى : أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . « إبراهيم : 24 » .
وقد تَأَصَّلَ كذا ، وأَصَّلَهُ ، ومجد أصيل ، وفلان لا أصل له ولا فصل .
ملاحظات
استعمل القرآن كلمة أصل لشجرة إبراهيم عليه السلام : أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ .
وأصول للنخلة : مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله . « الكافي : 6 / 376 » .
وقال عن منبت شجرة الزقوم : إنهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ . واستعمل الآصال ثلاث مرات ، وأصيل أربع مرات .
أُفٍّ
أصل الأُفِّ : كل مستقذر من وسخ وقلامة ظفر ، وما يجري مجراها . ويقال ذلك لكل مُسْتَخَفٍّ به استقذاراً له نحو : أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله « الأنبياء : 67 » .
وقد أَفَّفْتُ لكذا : إذا قلت ذلك استقذاراً له ، ومنه قيل
--------------------------- 65 ---------------------------
للضجر من استقذار شئ : أفَّفَ فلان .
ملاحظات
1 . في أفٍّ وجوه ، أفصحها استعمالها بالجر والتنوين ، كما ورد في القرآن .
ومعنى الأُفّ : التضجر من شئ ، ومنه قول إبراهيم عليه السلام لقومه : أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ .
وقوله تعالى : فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا . وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ .
وقال علي عليه السلام : أفٍّ لكم لقد سئمت عتابكم . أفٍّ لكم لقد لقيت منكم برحاً . « نهج البلاغة : 1 / 82 » . وجعل الراغب الأف نفس المستقذر ، لكنه التضجر وقد يكون من القذر . ولعل الراغب تأثر بمعناها في غير العربية !
« راجع : العين : 8 / 410 ، والصحاح : 4 / 1331 ، ولسان العرب : 9 / 6 » .
أُفُقٌ
قال تعالى : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ « فصلت : 53 » أي في النواحي ، الواحد أفُق وأفْق . ويقال في النسبة إليه أفُقي . وقد أفِق فلان : إذا ذهب في الآفاق . وقيل الآفق الذي يبلغ النهاية في الكرم ، تشبيهاً بالآفق الذاهب في الآفاق .
ملاحظات
قوله تعالى : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ ، بمعنى آفاق الأرض ، كما وردت الرواية ويمكن شمولها لآفاق السماء .
وفي آية المعراج : ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأفُقِ الأعلى ، بمعنى أفق السماوات .
وفي آية بدء الوحي : وَلَقَدْ رَآهُ بِالآفُقِ الْمُبِينِ . بمعنى أفق السماء الدنيا .
أفِكَ
الإفك : كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه ، ومنه قيل للرياح العادلة عن المهابّ : مُؤْتَفِكَة .
قال تعالى : وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ . « الحاقة : 9 » . وقال تعالى : وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى « النجم : 53 » .
وقوله تعالى : قاتَلَهُمُ الله إني يُؤْفَكُونَ « التوبة : 30 » أي يصرفون عن الحق في الإعتقاد إلى الباطل ومن الصدق في المقال إلى الكذب ، ومن الجميل في الفعل إلى القبيح ، ومنه قوله تعالى : يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ « الذاريات : 9 » فَأنى تُؤْفَكُونَ « الأنعام : 95 » وقوله تعالى : أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا « الأحقاف : 22 » فاستعملوا الإفك في ذلك لما اعتقدوا أن ذلك صرفٌ من الحق إلى الباطل ، فاستعمل ذلك في الكذب لما قلنا .
وقال تعالى : إن الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ « النور : 11 » وقال : لِكل أَفَّاكٍ أَثِيمٍ « الجاثية : 7 » .
وقوله : أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ « الصافات : 86 » فيصح أن يجعل تقديره : أتريدون آلهة من الإفك ، ويصح أن يجعل إفكاً مفعول تريدون ويجعل آلهة بدلاً منه ، ويكون قد سماهم إفكاً .
ورجل مَأْفُوك : مصروف عن الحق إلى الباطل ، قال الشاعر : فإن تكُ عن أحسن المروءة مأفو
كاً ففي آخرين قد أُفكوا
وأُفِكَ يُؤْفَكُ : صرف عقله . ورجل مَأْفُوكُ العقل .
ملاحظات
1 . أفِكَ فلانٌ الكلامَ والأمر والشئَ : قَلَبَهُ ، ومنه : أفكْتُهُ عن الأمر : صرفته عنه بالكذب والباطل « العين : 5 / 416 » « يدل على قلب الشئ وصرفه عن جهته » . « المقاييس : 1 / 118 » .
وهو أشد من الكذب ، قال الله تعالى : أَلا إنهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله وَإنهُمْ لَكَاذِبُونَ .
وقال : هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ اَلشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كل أَفَّاكٍ أَثِيمٍ . قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا . أي لتقلبنا عنها إلى
--------------------------- 66 ---------------------------
التوحيد .
2 . سمى الله عبادتهم للأصنام إفكاً وافتراءً فقال : إنمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا .
وسمى ردهم الإسلام ائتفاكاً عن الحق فقال : إنكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ، يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ .
وسمى المشركون الإسلام إفكاً ، قال تعالى : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُوَ . وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ .
3 . وسمى فعل السحَرة إفكاً ، لأنه تزوير للحقائق ، قال : فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ .
وسمى اتهام زوجة النبي صلى الله عليه وآله إفكاً : إن الَّذِينَ جَاءُوا بِالآفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ .
وسمى المدائن المخسوفة مؤتفكة ، أي منقلبة بإفكها ، فقال : وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى . وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ .
أفَلَ
الأفول : غيبوبة النَّيِّرات كالقمر والنجوم ، قال تعالى : فَلما أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ، وقال : فَلما أَفَلَتْ ، والأفَال : صغار الغنم ، والأفِيل : الفصيل الضئيل .
ملاحظات
الأفول : غياب الكواكب والنجوم وغيرها ، قال الخليل « 8 / 337 » : « وكل شئ غاب فقد أفل وهو آفل » .
وذكر ابن فارس « 1 / 119 » أن الأفيل « أصلان : أحدهما الغيبة ، والثاني الصغار من الإبل » .
وجعل بعضهم منه : سيف أفِل ، ولعله مقلوب عن فَلِل ، وهو الكسر في حده .
أكَلَ
الأكْل : تناول المطعم ، وعلى طريق التشبيه . قيل : أكلت النار الحطب . والأُكُل : لما يؤكل بضم الكاف وسكونه ، قال تعالى : أكُلُهَا دَائِمٌ . والأَكْلة للمرة ، والأُكْلة كاللقمة . وأكيلة الأسد : فريسته التي يأكلها . والأكولة من الغنم ما يؤكل . والأكيل المؤاكل . وفلان مُؤْكِل ومُطْعِم : استعارة للمرزوق . وثوب ذو أكُل : كثير الغزل كذلك . والتمر مأكلة للفم .
قال تعالى : ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ . « سبأ : 16 » ويُعبر به عن النصيب فيقال : فلان ذو أُكُلٍ من الدنيا ، وفلان استوفى أُكُلَهُ ، كناية عن انقضاء الأجل ، وأَكَلَ فلانٌ فلاناً : اغتابه ، وكذا أكل لحمه . قال تعالى : أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً « الحجرات : 12 » وقال الشاعر :
فإن كنتُ مأكولاً فكُنْ أنتَ آكلي
وما ذقت أَكَالًا ، أي شيئاً يؤكل . وعبَّر بالأكل عن إنفاق المال لما كان الأكل أعظم ما يحتاج فيه إلى المال ، نحو : وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ « البقرة : 188 » وقال : إن الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً « النساء : 10 » فأكل المال بالباطل صرفه إلى ما ينافيه الحق .
وقوله تعالى : إنما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً « النساء : 10 » تنبيهاً [ على ] أن تناولهم لذلك يؤدي بهم إلى النار .
والأَكُول والأَكَّال : الكثير الأكل ، قال تعالى : أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ « المائدة : 42 » .
والأَكَلَة : جمع آكِل ، وقولهم : هم أَكَلَةُ رأس ، عبارة عن ناس من قلتهم يشبعهم رأس .
وقد يُعَبَّر بالأَكْلِ عن الفساد ، نحو : كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ « الفيل : 5 » وتَأَكَّلَ كذا : فسد . وأصابه إِكَالٌ في رأسه وفي أسنانه ، أي تأكَّل .
وأكلني رأسي . وميكائيل : ليس بعربي .
--------------------------- 67 ---------------------------
ملاحظات
1 . الأكولة : الشاة ترعى للأكل . والمأكلة : الطعمة . وأكائل النخل : المحبوسة للأكل . وائتكل الرجل : اشتد غضبه . وأصابه أَكَال في رأسه : حِكاك . « العين : 5 / 409 » .
2 . استعمل القرآن الأكْل بمعناه المعروف ، وأمر بأكل الحلال وإطعام المحتاج : فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حَلالاً طَيِّباً . فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير . ونهى عن أكل اللحم غير المذكي : وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله عَلَيْهِ .
وذم الذين همهم الأكل : وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ .
ونهى عن أكل السحت : سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ . والربا : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ .
وفي الحديث : لعن الله آكل الربا ومؤكله .
وعبَّر بأكل التراث : وَتَأْكُلُونَ الترَاثَ أَكْلاً لما . وبأكل السنين لما يُدَّخر : سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ . وقال في أكل أهل جهنم : طَلْعُهَا كَأنهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ . لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ .
واستعمله في أكل النحل الرحيق : ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ . واستعمل الأُكُل بضم الكاف لثمار الجنة : أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا .
واستعمله لثمر شجرة ذرية إبراهيم عليهم السلام : تُؤْتِي أُكُلَهَا كل حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا . ولجنائن الأرض : كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً .
الإلُّ
الإلُّ : كل حالة ظاهرة من عهد حِلف وقرابة تَؤلُّ [ أي ] تَلمعُ ، فلا يمكن إنكارها . قال تعالى : لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاً وَلا ذِمَّةً . وأَلَّ الفرس : أي أسرع . حقيقته لمعَ ، وذلك استعارة في باب الإسراع نحو برق وطار .
والآلة : الحربة اللامعة . وألَّ بها : ضَرَبَ . وقيل إلٌّ وإيلٌ اسم الله تعالى ، وليس ذلك بصحيح .
وأذن مؤللة . والإلال : صفحتا السكين .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن الإلَّ ، بمعنى العهد : لايَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاً وَلا ذِمَّةً .
والإيلاء : الحلف على هجر الزوجة : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ .
واستعمل الآل بمعنى الأهل في 29 مورداً . واستعمل إيلَ جزءً من إسماعيل وإسرائيل وجبرائيل في عدة آيات .
2 . لا يصح نفي الراغب أن يكون إيل إسماً لله تعالى ، فقد وردت به الرواية ، ونص عليه اللغويون ، ففي علل الشرائع « 1 / 43 » عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « ويعقوب هو إسرائيل ، ومعنى إسرائيل عبد الله ، لأن إسرا هو عبد وإيل هو الله عز وجل » . وقال الخليل « 8 / 357 » : « إيل : اسم من أسماء الله عز وجل بالعبرانية » . « قاموس الكتاب المقدس / 111 » .
ولعلها جاءت إلى العبرية من البابلية التي هي أصل العربية أيضاً .
وتستعمل في التركية والفارسية بمعنى الجد والقبيلة . وقد ترجع إليها بعض مفردات العربية التي تتناسب مع الرب والجد والقبيلة .
3 . جعل الراغب أصل المادة من الظهور واللمعان ، وجعل ألَّ الفَرَسُ بمعنى أسرع ، وألَّه أي ضربه بالآلة ، وقد دَمَجَ عدة مواد لمجرد اشتراكها في الحروف !
ولا يبعد أن يكون الإلُّ والإيلاءُ بمعنى العهد والحلف ، مشتقاً من الإيل ، فيكون معنى آلَّ وآلى : عاهد وحلَف بالإيل عز وجل . وسيأتي ذكر الإيلاء .
--------------------------- 68 ---------------------------
وقد تكون الآل بمعنى أهل البيت والعترة ، مشتقة من الإيل المستعملة بشكل واسع في اللغات القديمة بمعنى الرب والجد والقبيلة .
أما ألَّ الفرس ، والآلة ، وألَّ بها بمعنى ضرب ، وأذنٌ مؤَّللة بمعنى محددة ، والإلال بمعنى صفحتي السكين ، وغيرها من المفردات ، فلا بد أن تكون من أصول أخرى .
« راجع : العين : 8 / 360 ، وإصلاح المنطق / 57 وغريب ابن قتيبة : 1 / 229 ، والصحاح : 4 / 1626 ، وأبا هلال / 6 ، و 84 ، و 350 ، والمقاييس : 1 / 18 ، ومعجم ما استعجم : 1 / 185 » .
الألِفَ
الأَلِفُ : من حروف التهجي . والإِلْفُ : اجتماع مع التئام ، يقال : أَلَّفْتُ بينهم .
ومنه : الأُلْفَة ، ويقال للمألوف : إِلْفٌ وأَلِيفٌ . قال تعالى : إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ . « آل عمران : 103 » وقال : لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ . « الأنفال : 63 » .
والمُؤَلَّف : ما جمع من أجزاء مختلفة ورُتِّبَ ترتيباً قُدِّمَ فيه ما حقه أن يقدم ، وأُخِّر فيه ما حقه أن يؤخر .
ولِإِيلافِ قُرَيْشٍ : مصدر من أَلِفَ .
والمؤلَّفة قلوبهم : هم الذين يتحرى فيهم بتفقدهم أن يصيروا من جملة من وصفهم الله ، لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ « الأنفال : 63 » . وأَوَالِفُ الطير : ما أَلِفَتِ الدار .
والأَلْفُ : العدد المخصوص ، وسمي بذلك لكون الأعداد فيه مؤتلفة ، فإن الأعداد أربعة : آحاد وعشرات ومئات وألوف ، فإذا بلغت الألف فقد ائتلفت ، وما بعده يكون مكرراً . قال بعضهم : الأَلْفُ من ذلك ، لأنه مبدأ النظام ، وقيل : آلَفْتُ الدراهم ، أي بلغت بها الألف ، نحو ماءيت ، وآلفتُ هي نحو أمأتُ .
ملاحظات
يقصد الراغب الألف غير المهموزة ، وستأتي الهمزة في آخر الباب تحت عنوان الألفات .
والإلْفُ بالكسر والأُلْفَة بالضم : حالة التئام ومودة بين أشخاص . والمؤلفة قلوبهم : الكفار الذين يستمالون إلى الجهاد . « الحدائق : 12 / 176 » .
واستعمل القرآن التأليف بين القلوب : وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، وبين الناس : وَلَكِنَّ الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ .
وتأليف السحاب : يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ،
وإيلاف قريش رحلة الصيف التي رتبها هاشم إلى فارس والشام ومصر . ورحلة الشتاء التي رتبها هاشم وعبد المطلب رضي الله عنهما إلى اليمن والحبشة . ومعنى إيلافهم إياها أنه تعالى جعلها مألوفة لهم غير مستوحشة . والتأليف : يكون بين شخصين أو شيئين ، والإيلاف : إيناسٌ بعمل أوشئ .
ألَكَ
مَلَك : أصله مَأْلَك ، وقيل هو مقلوب عن مَلْأك . والمألك والمألكة والألوك : الرسالة ، ومنه أَلَكْنِي ، أي أبلغه رسالتي .
والملائكة : تقع على الواحد والجمع ، قال تعالى : الله يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا « الحج : 75 » .
قال الخليل : المألكة : الرسالة ، لأنها تؤلك في الفم ، من قولهم فرس يألك اللجام ويعلك .
ملاحظات
الملأك : حامل الرسالة وقد خُفِّفَ إلى مَلك .
أما أن المألكة والألوكة مشتقة من ألكَ بمعنى علك ، لأنها توضع أو تعلك في الفم أو تنطق منه ، فهو احتمال ضعيف . « راجع : العين : 5 / 409 ، إصلاح المنطق / 365 ، شرح الشافية : 4 / 287 ، القاموس : 3 / 293 » .
--------------------------- 69 ---------------------------
ألَمَ
الأَلَمُ : الوجع الشديد ، يقال : أَلَمَ يَأْلَمُ أَلَماً فهو آلِمٌ . قال تعالى : فَإنهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ « النساء : 104 » وقد آلمتُ فلاناً . وعذابٌ أليم ، أي مؤلم . وقوله : ألَمْ يَأْتِكُمْ « الأنعام : 130 » فهو ألف الاستفهام ، وقد دخل على لم .
ملاحظات
1 . الألم عند اللغويين : الوجع ، وجعله الراغب الوجع الشديد ، وقال هو أخف من الوجع !
قال في الفروق / 569 : « الوجع أعم من الألم ، تقول : آلمني زيد بضربته إياي ، وأوجعني بذلك » .
2 . وتنبيهه على أن « أَلَمْ » همزة استفهام دخلت على لَم النافية ، تعليم لغير العرب حتى لايخلطوا بينهما . وينبغي تنبيههم إلى « أ . ل . م » في افتتاح ست سور .
3 . استعمل الأليم في القرآن صفةً للعذاب الأخروي والدنيوي في عشرات الآيات ، وصفةً لعذاب الرِّجز في آيتين : لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ . ولعقاب الله تعالى : إن أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ . فالأليم ليس بالضرورة شديداً .
الله
الله : قيل : أصله إِلَهٌ فحذفت همزته ، وأدخل عليها الألف واللام ، فخصَّ بالباري تعالى . ولتخصصه به قال تعالى : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَميا « مريم : 65 » .
وإلهٌ : جعلوه إسماً لكل معبود لهم ، وكذا اللات ، وسمَّوْا الشمس إِلَاهَة لاتخاذهم إياها معبوداً .
وأَلَهَ فلان يَأْلُهُ الآلهة : عَبَدَ . وقيل تَأَلَّهَ .
فالإله على هذا هو المعبود . وقيل هو من : أَلِهَ ، أي تحيَّر ، وتسميته بذلك إشارة إلى ما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : كل دون صفاته تحبير الصفات ، وضلَّ هناك تصاريف اللغات . وذلك أن العبد إذا تفكر في صفاته تحيَّر فيها ، ولهذا روي : تفكروا في آلاء الله ، ولا تفكروا في الله .
وقيل أصله : وَلَاه ، فأبدل من الواو همزة ، وتسميته بذلك لكون كل مخلوق والهاً نحوه ، إما بالتسخير فقط كالجمادات والحيوانات ، وإما بالتسخير والإرادة معاً كبعض الناس ، ومن هذا الوجه قال بعض الحكماء : الله محبوب الأشياء كلها ، وعليه دل قوله تعالى : وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ . « الإسراء : 44 » .
وقيل أصله من لاهَ يلوهُ لِيَاهاً ، أي احتجب . قالوا : وذلك إشارة إلى ما قال تعالى : لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ . « الأنعام : 103 » والمشار إليه بالباطن في قوله : وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ « الحديد : 3 » .
وإِلَهٌ : حقه ألا يجمع إذ لا معبود سواه ، لكن العرب لاعتقادهم أن هاهنا معبودات ، جمعوه فقالوا : الآلهة . قال تعالى : أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا « الأنبياء : 43 » وقال : وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ . « الأعراف : 127 » وقرئ : وإلاهتك ، أي عبادتك .
ولاهِ أنت ، أي لله ، وحذف إحدى اللامين .
اللهم : قيل معناه يا الله ، فأبدل من الياء في أوله الميمان في آخره ، وخُص بدعاء الله .
وقيل تقديره : يا الله أُمَّنَا بخير ، مركب تركيب حيَّهلا .
ملاحظات
1 . لفظ الجلالة « الإله » مشتق من أَلَهَ بمعنى تَعَلَّقَ وتَوَلَّع وأدغمت ألفه ، فقد صح عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله : الله معناه المعبود الذي يأله فيه الخلق ويؤله إليه . « توحيد الصدوق / 89 » .
وورد في الحديث « متأله » بمعنى متعبد .
2 . يستعمل ألَهَ متعدياً مباشرة فيقال : ألهَهَ ، أي أجاره « توحيد الصدوق / 196 » ومتعدياً بفي وإلى ، يقال : أَلِهَ اليه يأله ، أي فزع إليه من أمر نزل به . ومتعدياً بعن بمعنى
--------------------------- 70 ---------------------------
عجز عن معرفته وتحير فيه ، لكن ابن فارس « 1 / 127 » قال : « ألِهَ يأله فليس من الباب ، لأن الهمزة واو » .
لكن الظاهر أن وَلَهَ منه وكذا وَلَع وتَوَلَّعَ ، وتغيير الحروف شائع في لغة العرب .
3 . لا يصح تفسير بعضهماللهم بيا الله أُمَّ بخير ، أو أُمَّنا بخير . قال الخليل وسيبويه وغيرهما : اللهم بمعنى يا الله ، والميم المشددة عوض من يا » . « لسان العرب : 13 / 470 » .
إلَى
إلى : حرف يُحَدُّ به النهاية من الجوانب الست . وأَلَوْتُ في الأمر : قصَّرت فيه ، هو منه ، كأنه رأى فيه الانتهاء .
وأَلَوْتُ فلاناً : أي أوليته تقصيراً ، نحو كسبته أي أوليته كسباً . وما ألوته جهداً ، أي ما أوليته تقصيراً بحسب الجهد ، فقولك : جهداً تمييز ، وكذلك : ما ألوته نصحاً .
وقوله تعالى : لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا « آل عمران : 118 » منه أي لايقصرون في جلب الخبال .
وقال تعالى : وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ . « النور : 22 » قيل هو يفتعل من ألوتُ . وقيل هو من آليت : حلفت . وقيل : نزل ذلك في أبي بكر ، وكان قد حلف على مسطح أن يزوي عنه فضله . وردَّ هذا بعضهم بأن افتعل قلما يبنى من أفعل إنما يبنى من فعل ، وذلك مثل كسبت واكتسبت ، وصنعت واصطنعت ، ورأيت وارتأيت . وروي : لادريت ولا ائتليت وذلك : افتعلت من قولك : ما ألوته شيئاً ، كأنه قيل : ولا استطعت .
وحقيقة الإيلاء والأَلِيَّة : الحلف المقتضي لتقصير في الأمر الذي يحلف عليه . وجُعل الإيلاء في الشرع للحلف المانع من جماع المرأة . وكيفيته وأحكامه مختصة بكتب الفقه .
فَاذْكُرُوا آلاءَ الله « الأعراف : 69 » أي نعمه ، الواحد ألاً وإِلىً ، نحو أناً وإنىً لواحد الآناء .
وقال بعضهم في قوله تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ « القيامة : 22 » إن معناه إلى نعمة ربها منتظرة ، وفي هذا تعسف من حيث البلاغة .
وأَلَا : للإستفتاح ، وإِلَّا : للاستثناء ، وأُولَاءِ ، في قوله تعالى : ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ . وقوله : أولئك : اسم مبهم موضوع للإشارة إلى جمع المذكر والمؤنث ، ولا واحد له من لفظه ، وقد يقصر نحو قول الأعشى :
هؤلاء ثم هؤلاء كلاً أعطيْتَ نوالاً محذوَّةً بِمِثَالِ
ملاحظات
1 . جعل الراغب ألَوَ مشتقة من حرف الجر : إلى ، ولو صح الإشتقاق من الحرف ، فأين معنى الانتهاء في فعل : ألَوَ ؟ !
2 . كما دمج الراغب عدة أصول في الباب وجعلها مادةً واحدةً ! ونسجل ما يلي :
أ . ألَوَ أو آلى ، تقول : أَلَوْتُ في الأمر أليّاً بمعنى قصَّرت فيه ، وأكثر ما يستعمل مع النفي تقول : ما آلاه وما يألوه ألواً ، بمعنى ما استطاعه ، لا آلو ، وما ألوتُ ، أي لم أقصر فيه بل بذلت جهدي ، ومنه قوله تعالى : لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِن دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً . وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى .
ويستعمل بعكسه بمعنى عجزت عنه ، تقول : ألوتُهُ ألواً وائتليتُ ائتلاءً ، أي عجزتُ .
وعده ابن فارس « 1 / 127 » أصلاً مستقلاً ، قال : « أصلان متباعدان أحدهما الإجتهاد والمبالغة والآخر التقصير » لكن الكلمات المستعملة في عكسها في العربية كثيرة ، كالسليم والبصير .
ب . آليتُ بمعنى حلفتُ وعاهدتُ تقول : آلى على نفسه فهو مؤلٍ ومؤالٍ . وائتلى فهو مؤتل . وآليتُ ألوةً
--------------------------- 71 ---------------------------
وإليةً وألاياً ، وآلى يولي يؤلى ويأتلي ويتألى ، وائتلى يأتلي ، وتألى يتألى ، ومنه قوله تعالى : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ . أي يحلفون على هجرهن ، ومصدره الإيلاء والإئتلاء والتألي ، وهو من ملحقات باب الطلاق ، وهو أصل مستقل ، لكن الراغب اخترع له معنى التقصير ، وجعله من ألوْتُ بمعنى قصَّرْتُ !
ج . إلى حرف جر يدل على الحد ونوع من الانتهاء ، ولايشير إلى الشروع والابتداء كما تخيل البعض ، فقوله تعالى : فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِق ِ ، يدل على حد الغَسل بقطع النظر عن البدء من أعلى أو أسفل ، كقولك : إصبغ الجدار إلى عُلُوِّ ذراع ، فليس فيه شرط الابتداء من أسفل أو أعلى ، بل يعرف البدء إذا كان مطلوباً ، من غيره .
د . إلى بمعنى النعمة ، وجمعها إلىً وآلاء ، قال تعالى : فَاذْكُرُوا آلاءَ الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . فَاذْكُرُوا آلاءَ الله وَلا تَعْثَوْا فِي الأرض مُفْسدِينَ . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ .
وقد وردت آلاء في سورة الرحمن 31 مرة .
ه . إلْيَةٌ : عجز الحيوان ، أو ما ينبت عليه من لحم وشحم ، تقول : شاة ألِيَّة ، وكبش ألَيَان ، ونعجة ألَيَانة ، بفتح اللام ، أي ذات إلْيَة .
3 . جعل الراغب جهداً في لا آلوك ، تمييزاً ، والأقوى قول ابن هشام في المغني « 2 / 525 » : « عُدِّيَ ألوتُ بقصر الهمزة بمعنى قَصَّرتُ إلى مفعولين بعد ما كان قاصراً ، وذلك في قولهم : لا آلوك نصحاً ولا آلوك جهداً ، لما ضمن معنى لا أمنعك » . ونحوه التفتازاني في المختصر / 16 . راجع : العين : 8 / 356 ، والصحاح : 6 / 2270 ، والمقاييس : 1 / 127 ، ولسان العرب : 14 / 39 ، والقاموس : 4 / 300 .
4 . اختار الراغب أن يكون معنى قوله تعالى : إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ، أنها تنظر إلى ذات الله تعالى ، ووصف القول بأن معناها : « إلى نعمة ربها منتظرة ، تعسف من حيث البلاغة » .
وهذا يدل على أن الراغب ليس شيعياً ، لأن مذهبنا أن الله تعالى يُرى بالعقل والبصيرة ، ولا يرى بالعين لا في الدنيا ولا في الآخرة .
والتعسف إنما هو في تفسيرالآية بالنظر إلى ذاته عز وجل وجعله جسماً ينعكس عليه الضوء ، وهو عز وجل يقول : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئْ . فلا بد أن تكون ناظرة من نوع : وَإني مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ « النمل : 35 » أي منتظرة .
ويؤيده أن سياق الآية في مشاهد المحشر حيث يخشى الكفار أن تحل بهم فاقرة : وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ . تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ . ويتطلع المؤمنون إلى الجنة ، قال الإمام الرضا عليه السلام : يعني مشرفة ٌتنتظر ثواب ربها . « التوحيد / 116 » .
ومثله تفسير الراغب : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ ، بأنه النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى .
أَمَّ
الأم : بإزاء الأب ، وهي الوالدة القريبة التي ولدته ، والبعيدة التي ولدت من ولدته . ولهذا قيل لحواء : هي أمنا ، وإن كان بيننا وبينها وسائط .
ويقال لكل ما كان أصلاً لوجود شئ أو تربيته أو إصلاحه أو مبدئه : أم .
قال الخليل : كل شئ ضم إليه سائر ما يليه يسمى أماً . قال تعالى : وَإنهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ « الزخرف : 4 » أي اللوح المحفوظ ، وذلك لكون العلوم كلها منسوبة إليه ومتولدة منه .
وقيل لمكة أم القرى ، وذلك لما رويَ أن الدنيا دحيت من تحتها ، وقال تعالى : لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها « الأنعام : 92 » .
--------------------------- 72 ---------------------------
وأم النجوم : المجرة ، قال الشاعر :
حيثُ اهتدَتْ أمُّ النُّجُومِ الشَّوَابِكِ
وقيل أم الأضياف وأم المساكين ، كقولهم أبو الأضياف . ويقال للرئيس أم الجيش كقول الشاعر :
وأم عيالٍ قد شهدتُ نفوسهم
وقيل لفاتحة الكتاب أم الكتاب لكونها مبدأ الكتاب .
وقوله تعالى : فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ « القارعة : 9 » أي مثواه النار فجعلها أماً له ، قال وهو نحو : مَأْواكُمُ النَّارُ « الحديد : 15 » .
وسمى الله تعالى أزواج النبي أمهات المؤمنين فقال : وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ « الأحزاب : 6 » لما تقدم في الأب . وقال : يَا ابْنَ أُمَّ ، وكذا قوله : وَيْلُ امِّهِ ، وكذا : هَوَتْ أُمُّهُ .
والأم : قيل أصله أمهة ، لقولهم جمعاً أمهات وأميهة ، وقيل أصله من المضاعف لقولهم أُمَّات وأُمَيْمَة . قال بعضهم أكثر ما يقال أمات في البهائم ونحوها ، وأمهات في الإنسان .
والأمَّة : كل جماعة يجمعهم أمرٌ ما ، إما دين واحد ، أو زمان واحد ، أو مكان واحد ، سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيراً أو اختياراً . وجمعها أُمَمٌ .
وقوله تعالى : وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ « الأنعام : 38 » أي كل نوع منها على طريقة قد سخرها الله عليها بالطبع ، فهي من بين ناسجة كالعنكبوت ، وبانية كالسُّرْفة بالضم والتشديد ، ومدخرة كالنمل ، ومعتمدة على قوت وقته كالعصفور والحمام ، إلى غير ذلك من الطبائع التي تخصص بها كل نوع .
وقوله تعالى : كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً . « البقرة : 213 » أي صنفاً واحداً وعلى طريقة واحدة في الضلال والكفر . وقوله : وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً . « هود : 118 » أي في الإيمان .
وقوله : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ . « آل عمران : 104 » أي جماعة يتخيرون العلم والعمل الصالح ، يكونون أسوة لغيرهم .
وقوله : إنا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ . « الزخرف : 22 » أي على دين مجتمع ، قال الشاعر :
وهل يأثَمَنْ ذو أمَّةٍ وَهْوَ طَائِعُ
وقوله تعالى : وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ « يوسف : 45 » أي حين . وقرئ بعد أمَهٍ أي بعد نسيان . وحقيقة ذلك بعد انقضاء أهل عصر أو أهل دين .
وقوله : إن إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِله « النحل : 120 » أي قائماً مقام جماعة في عبادة الله ، نحو قولهم فلان في نفسه قبيلة . ورويَ أنه يحشر زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده .
وقوله تعالى : لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ « آل عمران : 113 » أي جماعة وجعلها الزجَّاج هاهنا للإستقامة وقال : تقديره ذو طريقة واحدة فترك الإضمار .
والأمِّيُّ : هو الذي لا يكتب ولا يقرأ من كتاب وعليه حمل : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُميينَ رَسُولًا مِنْهُمْ « الجمعة : 2 » . قال قطرب : الأُمِّيَّة الغفلة والجهالة فالأميُّ منه ، وذلك هو قلة المعرفة . ومنه قوله تعالى : وَمِنْهُمْ أُميونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ « البقرة : 78 » أي إلا أن يتلى عليهم . قال الفراء : هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب .
و : النَّبِيَّ الْأُمي الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ « الأعراف : 157 » قيل منسوب إلى الأمة الذين لم يكتبوا لكونه على عادتهم ، كقولك عامي لكونه على عادة العامة .
وقيل سميَ بذلك لأنه لم يكن يكتب ولا يقرأ من كتاب ، وذلك فضيلة له لاستغنائه بحفظه واعتماده على ضمان الله منه بقوله : سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى « الأعلى : 6 » وقيل سميَ بذلك لنسبته إلى أم القرى .
والإِمام : المؤتمُّ به ، إنساناً كأن يقتدى بقوله أو فعله ، أو
--------------------------- 73 ---------------------------
كتاباً ، أو غير ذلك محقاً كان أو مبطلاً ، وجمعه : أئمة .
وقوله تعالى : يَوْمَ نَدْعُوا كل أُناسٍ بِإِمامِهِمْ « الإسراء : 71 » أي بالذي يقتدون به . وقيل بكتابهم . وقوله : وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً « الفرقان : 74 » . قال أبو الحسن : جمع آمَ ، وقال غيره : هو من باب دِرْعٌ دلاصٌ ودروع دلاص .
وقوله : وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً « القصص : 5 » . وقال : وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ « القصص : 41 » جمع إمام . وقوله تعالى : وَكل شَئٍْ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ « يس : 12 » فقد قيل إشارةٌ إلى اللوح المحفوظ .
والأَمُّ : القصد المستقيم وهو التوجه نحو مقصود ، وعلى ذلك : وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ . « المائدة : 2 » .
وقولهم : أَمَّهُ : شجَّه ، فحقيقته إنما هو أن يصيب أُمَُ دماغه ، وذلك على حد ما يبنون من إصابة الجارحة لفظ فَعَلْتَ منه ، وذلك نحو رَأَسْتُهُ ورَجَلْتُه وكَبَدْته وبَطَنته ، إذا أصيبت هذه الجوارح .
وأَمْ : إذا قوبل به ألف الاستفهام فمعناه أي ، نحو : أزيد في الدار أمْ عمرو ، أي أيهما ؟ وإذا جُرد عن ألف الاستفهام فمعناه بل نحو : أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ « صاد : 63 » أي بل زاغت .
وأمَّا : حرفٌ تقتضي معنى أحد الشيئين . وتُكرر ، نحو : أما أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وأما الْآخَرُ فَيُصْلَبُ . « يوسف : 41 » .
ويبتدأ بها الكلام ، نحو : أما بعد فإنه كذا .
ملاحظات
1 . تبع الراغب البخاري « 5 / 146 » في أن الفاتحة سميت أم الكتاب لأنها مبدأ الكتاب .
وهي مبدأ الكتاب الآن ، لكن الوحي بدأ بسورة إقرأ ، وسميت الفاتحة أم الكتاب لمركزيتها ، وجمعها كل ما فيه « إعانة الطالبين : 1 / 10 » .
2 . روي أن مكة سميت أم القرى ، لأن الأرض دحيت من تحتها ، وروي أنها سميت بذلك ، لأنها أم القرى ، قال تعالى : وَمَا كَأن رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً . وقال : لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا .
وفي معاني الأخبار / 54 : « وإنما سمي الأمي لأنه كان من أهل مكة . ومكة من أمهات القرى وذلك قول الله عز وجل : لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى » .
3 . أم المساكين : لقب لزينب الهلالية زوجة النبي صلى الله عليه وآله « الطبقات : 8 / 219 » . ووصفوا الراية بأنها أم الجيش « مسند الشافعي : 1 / 48 » . لكن لم أجد وصف قائد الجيش بذلك .
4 . فسر الراغب قوله تعالى : فأمُّهُ هاوية ، بأن النار أمه التي يهوي فيها ، فتكون النار سميت أماً مجازاً ويهوي فيها ابنها . والصحيح أن المعنى أن أم رأسه هاوية في النار يقال : هوت به أمه ، وهوت أمه ، وهوت أم رأسه ، فيكون الضمير في مَاهِيَهْ راجعاً إلى النار المهوي إليها وليس إلى أمه . قال علي عليه السلام لما بلغه قتل رئيس بني ناجية : هوت أمه ، ما كان أنقص عقله وأجرأه على ربه » . « الغارات : 1 / 371 » . وقال تعالى : وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى . وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى . فقوله تعالى : فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ، من هذا النوع . « راجع : الكشاف : 4 / 280 ، والقمي : 2 / 440 ومجمع البيان : 10 / 429 ، والطبري : 3 / 361 » .
5 . قوله : رويَ أن زيد بن عمرو بن نفيل يحشر أمة وحده . وقدغالى فيه رواة السلطة لأنه ابن عم عمر بن الخطاب ، وزعم البخاري أنه كان لا يأكل ما ذبح للنصب وأن نبينا صلى الله عليه وآله كان يأكل منه ! راجع : ألف سؤال وإشكال : 1 / 140 .
6 . لم يذكر الراغب الأمة المعدودة في قوله تعالى : وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ . وهم أصحاب المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف .
--------------------------- 74 ---------------------------
أمَد
قال تعالى : تَوَدُّ لَوْ إن بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيداً « آل عمران : 30 » . الأمد والأبَد : يتقاربان ، لكن الأبَد عبارة عن مدة الزمان التي ليس لها حد محدود ولا تتقيد لا يقال أبَدُ كذا .
والأمد مدةٌ لها حدٌّ مجهول إذا أطلق ، وقد ينحصر نحو أن يقال : أمَدُ كذا ، كما يقال زَمَانُ كذا .
والفرق بين الزمان والأمد : أن الأمد يقال باعتبار الغاية ، والزمان عام في المبدأ والغاية . ولذلك قال بعضهم : المدى والأمد يتقاربان .
ملاحظات
لا بد أن يكون معنى قوله : والأمد مدةٌ لها حدٌّ مجهول ، أنه غايةٌ لمدة من الوقت غير محددة .
قال الخليل « 8 / 89 » : « الأمد : منتهى كل شئ وآخره » . وقال ابن فارس « 1 / 137 » : « الأمد : الغاية . كلمة واحدة لا يقاس عليها » .
وقال أبو هلال / 71 : « يكون الأمد ظرفاً من الزمان والمكان ، فالزمان قوله تعالى : فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ . والمكان قوله تعالى : تَوَدُّ لَوْ إن بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيداً » .
وقد ورد الأمد في ثلاث آيات أخرى لم يذكرها الراغب :
أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا . قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَاتُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً . وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ . ومعنى طول الأمد : أنهم تركوا في فترةٍ من الرسل .
أمَرَ
الأَمْرُ : الشأن وجمعه أُمُور . ومصدر أمرته : إذا كلفته أن يفعل شيئاً . وهو لفظ عام للأفعال والأقوال كلها ، وعلى ذلك قوله تعالى : إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كلهُ « هود : 123 » . وقال : قُلْ إن الْأَمْرَ كلهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ ، يَقُولُونَ : لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَئٌ « آل عمران : 154 » أَمْرُهُ إِلَى الله « البقرة : 275 » ويقال للإبداع أمر ، نحو : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ « الأعراف : 54 » .
ويختص ذلك ب الله تعالى دون الخلائق . وقد حمل على ذلك قوله تعالى : وَأَوْحَى فِي كل سَماءٍ أَمْرَها . « فصلت : 12 »
وعلى ذلك حمل الحكماء قوله : قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي « الإسراء : 85 » أي من إبداعه .
وقوله : إنما قَوْلُنا لِشَئْ ٍإِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ « النحل : 40 » فإشارة إلى إبداعه ، وعُبر عنه بأقصر لفظة وأبلغ ما يتقدم فيه فيما بيننا بفعل الشئ . وعلى ذلك قوله : وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ « القمر : 50 » فعبر عن سرعة إيجاده بأسرع ما يدركه وهمنا .
والأمر : التقدم بالشئ سواء كان ذلك بقولهم : إفعل وليفعل ، أو كان ذلك بلفظ خبر نحو : وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ « البقرة : 228 » أو كان بإشارة أو غير ذلك . ألا ترى أنه قد سمَّى ما رأى إبراهيم في المنام من ذبح ابنه أمراً ، حيث قال : إني أَرى فِي الْمَنامِ إني أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ « الصافات : 102 » فسمى ما رآه في المنام من تعاطي الذبح أمراً .
وقوله تعالى : وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ « هود : 97 » فعامٌّ في أقواله وأفعاله .
وقوله : أَتى أَمْرُ الله « النحل : 1 » إشارة إلى القيامة ، فذكره بأعم الألفاظ .
وقوله : بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً « يوسف : 18 » أي ماتأمر النفس الأمارة بالسوء .
وقيل : أَمِرَ القومُ : كثروا ، وذلك لأن القوم إذا كثروا صاروا ذا أمير من حيث إنهم لا بد لهم من سائس يسوسهم ، ولذلك قال الشاعر :
--------------------------- 75 ---------------------------
لا يصلح الناس فَوْضَى لا سُرَاةَ لهمْ
وقوله تعالى : أَمَرْنا مُتْرَفِيها « الإسراء : 16 » أي أمرناهم بالطاعة ، وقيل معناه كثرناهم .
وقال أبو عمرو : لا يقال أمَرْتُ بالتخفيف في معنى كثرت ، وإنما يقال : أمَّرت وآمرت .
وقال أبو عبيدة قد يقال : أمرت بالتخفيف نحو : خير المال مهرة مأمورة وسكة مأبورة . وفعله : أمرت . وقرئ : أَمَّرْنَا ، أي جعلناهم أمراء ، وكثرة الأمراء في القرية الواحدة سبب لوقوع هلاكهم ولذلك قيل : لا خير في كثرة الأمراء ، وعلى هذا حمل قوله تعالى : وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كل قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها « الأنعام : 123 » وقرئ : آمَرْنَا ، بمعنى : أكثرنا .
والائْتِمَارُ : قبول الأمر ، ويقال للتشاور : ائتمار ، لقبول بعضهم أمر بعض فيما أشار به .
قال تعالى : إن الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ « القصص : 20 » قال الشاعر : وآمرت نفسي أيَّ أمْرَيَّ أفعلُ
وقوله تعالى : لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً « الكهف : 71 » . أي منكراً ، من قولهم : أَمِرَ الأَمْرُ ، أي كَبُرَ وكَثُرَ كقولهم : استفحل الأمر .
وقوله : وَأُولِي الْأَمْرِ « النساء : 59 » قيل عَنَى الأمراء في زمن النبي عليه الصلاة والسلام ، وقيل الأئمة من أهل البيت . وقيل : الآمرون بالمعروف . وقال ابن عباس : هم الفقهاء وأهل الدين المطيعون لله .
وكل هذه الأقوال صحيحة ، ووجه ذلك أن أولي الأمر الذين بهم يرتدع الناس أربعة : الأنبياء : وحكمهم على ظاهر العامة والخاصة وعلى بواطنهم . والولاة : وحكمهم على ظاهر الكافة دون باطنهم . والحكماء : وحكمهم على باطن الخاصة دون الظاهر . والوَعَظَة : وحكمهم على بواطن العامة دون ظواهرهم .
ملاحظات
1 . الأمر : مصطلح نبوي بمعنى ولاية الأمر بعده ، أي الخلافة . فقد كان يعرض نفسه على القبائل فيقولون له : إن نصرناك أتجعل الأمر لنا بعدك ؟ فيقول : لا .
ثم كان يأخذ البيعة من المسلمين على أن لا ينازعوا الأمر أهله . لكن علماء السلطة أبهموا الأمر ليقولوا إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يعين أحداً للأمر بعده !
وتبعهم الراغب فوسع أولي الأمر في الآية إلى أهل البيت عليهم السلام وأنواع الناس حتى وعاظ المساجد والتكايا والقصاصين ! ومحالٌ أن يأمر الله تعالى بطاعة أناس مختلفين ، وقد تقاتلوا على الحكم ، وقتل بعضهم بعضاً .
قال ابن هشام « 2 / 289 » : « أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه ، فقال له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس . أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ، ثم أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال : الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء . قال فقال له : أفنهدف نحورنا للعرب دونك ، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ! لا حاجة لنا بأمرك . فأبوا عليه » .
وورد في بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله قبل الهجرة : « قال : تبايعوني على أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة ، والسمع والطاعة ، وأن لا تنازعوا الأمر أهله ، وأن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم » . « مجمع الزوائد : 6 / 49 » .
وروى البخاري : 8 / 122 ، في بيعة الشجرة : « عن عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله على السمع والطاعة في المنشط والمكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله » . ومسلم : 6 / 16 ، والنسائي : 7 / 137 ، وابن ماجة : 2 / 957 . وأحمد : 5 / 316 .
--------------------------- 76 ---------------------------
فهذا يفسر لنا قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ .
ويضاف اليه تأكيده صلى الله عليه وآله على أن علياً وليكم من بعدي ، وعلى التمسك بالقرآن وعترته عليهم السلام وأنهما باقيان إلى يوم القيامة . « مسند أحمد : 3 / 17 » .
ويضاف اليه أن الأمر بالطاعة مطلقاً يوجب العصمة ، قال الفخر الرازي في تفسيره « 10 / 144 » : « أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابد وأن يكون معصوماً عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته ، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ لكونه خطأ منهي عنه ، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد ، بالاعتبار الواحد ، وإنه محالٌ » .
2 . ورد الأمر في القرآن بخمسة معانٍ أخرى :
أ . أمر الخلق والتكوين والإدارة : قال تعالى : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمر تَبَارَكَ الله رَبُّ الْعَالَمِين .
ب . بمعنى قضاء الله : وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً .
ج . بمعنى خططه في المجتمع البشري : والله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ .
د . بمعنى الروح : وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي .
د . الأمر مقابل النهي : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ .
أمِنَ
أصل الأَمْن : طمأنينة النفس وزوال الخوف . والأَمْنُ والأَمَانَةُ والأَمَانُ في الأصل مصادر ، ويجعل الأمان تارة إسماً للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن ، وتارة إسماً لما يؤمن عليه الإنسان ، نحو قوله تعالى : وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ « الأنفال : 27 » أي ما ائتمنتم عليه .
وقوله : إنا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « الأحزاب : 72 » قيل : هي كلمة التوحيد ، وقيل العدالة ، وقيل حروف التهجي ، وقيل العقل ، وهو صحيح فإن العقل هو الذي بحصوله يتحصل معرفة التوحيد ، وتجري العدالة ، وتُعلم حروف التهجي ، بل بحصوله تُعلم كل ما في طوق البشر تعلُّمه ، وفعل ما في طوقهم من الجميل فعله ، وبه فُضِّلَ على كثير ممن خلقه .
وقوله : وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً « آل عمران : 97 » أي آمناً من النار . وقيل من بلايا الدنيا التي تصيب من قال فيهم : إنما يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا « التوبة : 55 » .
ومنهم من قال : لفظه خبر ومعناه أمر . وقيل يأمن الإصطلام . وقيل آمنٌ في حكم الله وذلك كقولك : هذا حلال وهذا حرام ، أي في حكم الله ، والمعنى : لا يجب أن يقتص منه ولا يقتل فيه إلا أن يخرج .
وعلى هذه الوجوه : أَوَلَمْ يَرَوْا إنا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً « العنكبوت : 67 » . وقال تعالى : وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً « البقرة : 125 » . وقوله : أَمَنَةً نُعاساً « آل عمران : 154 » أي أمناً ، وقيل : هي جمع كالكَتَبَة . وفي حديث نزول المسيح : وتقع الأمنة في الأرض . وقوله تعالى : ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ « التوبة : 6 » أي منزله الذي فيه أمنه .
وآمَنَ : إنما يقال على وجهين ، أحدهما : متعدياً بنفسه يقال : آمنته ، أي جعلت له الأمن ، ومنه قيل لله : مؤمن .
والثاني : غير متعدٍّ ، ومعناه : صار ذا أمن .
والإِيمان : يستعمل تارة إسماً للشريعة التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام ، وعلى ذلك : الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ « المائدة : 69 » ويوصف به كل من دخل في
--------------------------- 77 ---------------------------
شريعته مقراً ب الله وبنبوته . قيل : وعلى هذا قال تعالى : وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ . « يوسف : 106 » .
وتارة يستعمل على سبيل المدح ، ويراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق ، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء : تحقيق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بحسب ذلك بالجوارح . وعلى هذا قوله تعالى : وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ « الحديد : 19 » .
ويقال لكل واحد من الإعتقاد والقول الصدق والعمل الصالح : إيمان . قال تعالى : وَما كانَ الله لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ « البقرة : 143 » أي صلاتكم ، وجعل الحياء وإماطة الأذى من الإيمان .
قال تعالى : وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ . « يوسف : 17 » قيل معناه : بمصدق لنا ، إلا أن الإيمان هو التصديق الذي معه أمْن .
وقوله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطاغُوتِ « النساء : 51 » فذلك مذكور على سبيل الذم لهم ، وأنه قد حصل لهم الأمن بما لا يقع به الأمن ، إذ ليس من شأن القلب ، ما لم يكن مطبوعاً عليه ، أن يطمئن إلى الباطل ، وإنما ذلك كقوله : مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ الله وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ « النحل : 106 » وهذا كما يقال : إيمانه الكفر ، وتحيته الضرب ، ونحو ذلك .
وجعل النبي صلى الله عليه وآله أصل الإيمان ستة أشياء في خبر جبريل حيث سأله فقال : ما الإيمان ؟ والخبر معروف .
ويقال : رجل أَمْنَةٌ وأَمَنَةٌ ، يثق بكل أحد ، وأَمِينٌ وأَمَانٌ يؤمن به . والأَمُون : الناقة يؤمن فتورها وعثورها .
آمين : يقال بالمد والقصر ، وهو اسم للفعل نحو : صه ومه . قال الحسن : معناه : إستجب . وأَمَّنَ فلان : إذا قال : آمين . وقيل : آمين اسم من أسماء الله تعالى .
وقال أبو علي الفسوي : أراد هذا القائل أن في آمين ضميراً لله تعالى ، لأن معناه : إستجب .
وقوله تعالى : أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ « الزمر : 9 » تقديره أم من .
وقرئ أمَنْ . وليسا من هذا الباب .
ملاحظات
1 . أصل الأمن بمعنى طمأنينة النفس ضد الخوف ، وسمي التصديق ب الله تعالى ورسوله إيماناً ، لأن النفس تطمئن به ، وتخرج من الشك والقلق .
2 . استعمل الإيمان ، والمؤمنون ، والذين آمنوا ، في القرآن ، في معان متفاوتة ، من أدنى درجات الإيمان إلى أعلاه ، كما قال تعالى : وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ .
وأدناها من ادعى الإيمان ، قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً . وَإن مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ الله عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً . قال الإمام الصادق عليه السلام : لو أن هذه الكلمة قالها أهل المشرق وأهل المغرب ، لكانوا بها خارجين من الإيمان ، ولكن قد سماهم الله مؤمنين بإقرارهم » . « تفسير القمي : 1 / 30 » .
وذكر القمي في تفسيرها أن الإيمان في كتاب الله على أربعة وجوه : بمعنى الإقرار باللسان . والتصديق بالقلب . والأداء . والتأييد المكتوب في قلوب المؤمنين .
ولذلك قال الله تعالى : قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلما يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ .
وقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ .
والحديث الذي أشار اليه الراغب رواه البخاري « 1 / 18 » : « قال : الإيمان أن تؤمن ب الله وملائكته وبلقائه
--------------------------- 78 ---------------------------
ورسله وتؤمن بالبعث . قال : ما الإسلام ؟ قال : الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به وتقيم الصلاة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان » .
3 . سميت الوديعة أمانة ، لأنها جعلت في مكان يُؤْمَنُ عليها . أما الأمانة في قوله تعالى : إن الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ، فهي أمانة الحكم ، أي أن يؤدي الحاكم الأمانة إلى الحاكم الشرعي بعده ، ولايخونها .
قال ابن أبي شيبة : 7 / 571 : أنزلت في ولاة الأمر . ونحوه الطبري في تفسيره : 5 / 200 .
وقال الإمام الصادق عليه السلام : إيانا عنى ، أن يؤدي الأول إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح .
وقال الإمام الرضا عليه السلام : هم الأئمة يؤدي الإمام إلى الإمام من بعده ، ولا يخص بها غيره ولا يزويها عنه . « الكافي : 1 / 276 » .
وقال العيني في عمدة القاري : 12 / 227 ، إن أكثر المفسرين قالوا إنها نزلت في مفتاح الكعبة عندما أخذه النبي صلى الله عليه وآله في فتح مكة ، فأمره الله تعالى أن يرده إلى بني شيبة !
ويقصد رواة السلطة أن النبي صلى الله عليه وآله ليس له حق في سدانة الكعبة ، مع أنه بنص القرآن وليُّ البيت وأولى بالمؤمنين من أنفسهم !
4 . ذكر الراغب في تفسير : وَمَنْ دَخَلَهُ كَأن آمِناً ثلاثة وجوه ولم يختر منها شيئاً : أنه آمنٌ من عذاب الله في الحياة الدنيا ، أو آمنٌ من الإصطلام والإهلاك ، أو آمنٌ من القصاص حتى يخرج . وفسرها أهل البيت عليهم السلام :
أ . « من دخل الحرم من الناس مستجيراً به فهو آمنٌ من سَخَط الله ، ومن دخله من الوحش والطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم .
إن سرق سارق بغير مكة أو جنى جناية ففرَّ إلى مكة لم يؤخذ ما دام في الحرم . وإن أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه » . « الكافي : 4 / 226 » .
ب . « من أمَّ هذا البيت وهو يعلم أنه البيت الذي أمره الله عز وجل به ، وعرفنا أهل البيت حق معرفتنا ، كان آمناً » . « الكافي : 4 / 545 » .
ج . قال الإمام الصادق عليه السلام لأبي حنيفة : « أنت فقيه أهل العراق ؟ قال نعم ، قال : بما تفتيهم ؟ قال : بكتاب الله وسنة نبيه . قال : يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ ؟ قال : نعم ، قال : يا أبا حنيفة لقد ادعيت علماً ، ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم ، ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا صلى الله عليه وآله ، ما ورَّثك الله من كتابه حرفاً ، فإن كنت كما تقول ولستَ كما تقول ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ، أين ذلك من الأرض ؟
قال : أحسبه ما بين مكة والمدينة ، فالتفت أبو عبد الله عليه السلام إلى أصحابه فقال : تعلمون أن الناس يُقطع عليهم بين المدينة ومكة فتؤخذ أموالهم ولا يؤمنون على أنفسهم ، ويقتلون ؟ قالوا نعم ! قال : فسكت أبو حنيفة .
فقال : يا أبا حنيفة أخبرني عن قول الله عز وجل : وَمَنْ دَخَلَهُ كَأن آمِنًا ، أين ذلك من الأرض ؟ قال : الكعبة . قال : أفتعلم أن الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله ، كان آمناً فيها ؟
قال : فسكت . فقال أبو بكر الحضرمي : جعلت فداك ، الجواب في المسألتين ؟ فقال : يا أبا بكر ، سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ، مع قائمنا أهل البيت . وأما قوله : وَمَنْ
--------------------------- 79 ---------------------------
دَخَلَهُ كَأن آمِنًا ، فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقد أصحابه كان آمناً » . « علل الشرائع : 1 / 89 » .
5 . آمين : ليست مشتقة من أمِن ، بل معربة من الآرامية ، وأصل معناها « حقاً أقول لكم » واستعملت في العربية بمعنى : اللهم استجب . ففي الإنجيل طبعة دار الكتاب المقدس / 548 : « آمين « حقاً » كلمة من الكلمات الآرامية الأربع التي حفظت في النص اليوناني ، في صيغ العهد الجديد الطقسية . إنها تؤكد على أمانة الرب وإيمان الإنسان ، خلافاً لما كان يفعل الربانيون ، كان يسوع يستهل أقواله بقوله : آمين أقول لكم » .
وأضافها الحكام في الصلاة ، ونسبوها إلى النبي صلى الله عليه وآله . لكن أهل البيت قالوا إنها بدعة . « المقنعة / 105 ، والمعتبر : 2 / 185 ، وشرائع الإسلام : 1 / 66 ، وتدوين القرآن / 455 » .
إِنَّ وأَنَّ
إنَّ وأنَّ ينصبان الاسم ويرفعان الخبر ، والفرق بينهما أن إنَّ يكون ما بعده جملة مستقلة وأنَّ يكون ما بعده في حكم مفرد ، يقع موقع مرفوع ومنصوب ومجرور ، نحو : أعجبني أنك تخرج ، وعلمت أنكَ تخرج ، وتعجّبت من أنك تخرج .
وإذا أدخل عليه « ما » يبطل عمله ، ويقتضي إثبات الحكم للمذكور وصرفه عما عداه ، نحو : إنمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ « التوبة : 28 » تنبيهاً [ على ] أن النجاسة التامة هي حاصلة للمختص بالشرك . وقوله عز وجل : إنما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ . « البقرة : 173 » أي : ما حرم ذلك إلا تنبيهاً [ على ] أن أعظم المحرمات من المطعومات في أصل الشرع هو هذه المذكورات .
وأَنْ : على أربعة أوجه : الداخلة على المعدومين من الفعل الماضي أو المستقبل ، ويكون ما بعده في تقدير مصدر ، وينصب المستقبل نحو : أعجبني أن تخرج وأن خرجت .
والمخففة من الثقيلة : نحو : أعجبني أن زيداً منطلق . والمؤكدة للما نحو : فَلما أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ . « يوسف : 96 » . والمفسرة لما يكون بمعنى القول ، نحو : وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا « ص : 6 » أي قالوا إمشوا .
وكذلك إِنْ على أربعة أوجه : للشرط نحو : إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإنهُمْ عِبادُكَ « المائدة : 118 » .
والمخفّفة من الثقيلة : ويلزمها اللام نحو : إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا . « الفرقان : 42 » .
والنافية : وأكثر ما يجئ يتعقّبه إلا ، نحو : إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا . « الجاثية : 32 » إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ « المدثر : 25 » إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ . « هود : 54 » .
والمؤكدة لما النافية : نحو : ما إن يخرج زيد .
ملاحظات
استعمال أنَّ وأخواتها في القرآن أوسع مما ذكره الراغب ، وفيها بحوثٌ مفصلة تجدها في كتب النحو ، والتفسير .
أنَثَ
الأنثى : خلاف الذكر ، ويقالان في الأصل اعتباراً بالفرجين ، قال عز وجل : وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى . « النساء : 124 » .
ولما كان الأنثى في جميع الحيوان تضعف عن الذكَر اعتبر فيها الضعف ، فقيل لما يضعف عمله : أنثى ، ومنه قيل حديد أنيث ، قال الشاعر : عندي جَرازٌ لا أَفَلُّ ولا أنِيثُ .
وقيل : أرض أنيث سهل ، اعتباراً بالسهولة التي في الأنثى ، أو يقال ذلك اعتباراً بجودة إنباتها تشبيهاً بالأنثى ، ولذا قال : أرض حرَّة وولودة .
ولما شُبِّهَ في حكم اللفظ بعض الأشياء بالذكَر فذُكِّر
--------------------------- 80 ---------------------------
أحكامه ، وبعضها بالأنثى فأنثَ أحكامها ، نحو : اليد والأذن والخصية ، سميت الخصية لتأنيث لفظ الأنثيين ، وكذلك الأذن . قال الشاعر :
ضربناهُ تحت الأنثيينِ على الكَرْدِ
وقال آخر : وَمَا ذَكَرٌ وإن يَسْمَنْ فأنثى
يعني : القراد فإنه يقال له إذا كبر : حَلَمَة ، فيؤنَّث .
وقوله تعالى : إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً . « النساء : 117 »
فمن المفسرين من اعتبر حكم اللفظ فقال : لما كانت أسماء معبوداتهم مؤنثة نحو : اللَّات وَالْعزى وَمَناة ، قال ذلك .
ومنهم ، وهو أصح ، من اعتبر حكم المعنى ، وقال : المنفعل يقال له : أنيث ، ومنه قيل للحديد الليِّن : أنيث ، فقال : ولما كانت الموجودات بإضافة بعضها إلى بعض ثلاثة أضرب : فاعلاً غير منفعل ، وذلك هو الباري عز وجل فقط ، ومنفعلاً غير فاعل ، وذلك هو الجمادات . ومنفعلاً من وجه كالملائكة والإنس والجن ، وهم بالإضافة إلى الله تعالى منفعلة ، وبالإضافة إلى مصنوعاتهم فاعلة .
ولما كانت معبوداتهم من جملة الجمادات التي هي منفعلة غير فاعلة ، سماها الله تعالى أنثى وبكَّتَهُمْ بها ، ونبَّههم على جهلهم في اعتقاداتهم فيها أنها آلهة ، مع أنها لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر ، بل لا تفعل فعلاً بوجه .
وعلى هذا قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام : يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً . « مريم : 42 » . وأما قوله عز وجل : وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً « الزخرف : 19 » فلزعم الذين قالوا : إن الملائكة بنات الله .
ملاحظات
1 . أصل التذكير والتأنيث في اللغة العربية للمؤنث الحقيي كالرجل والمرأة ، وشبههما . وقد توسع العرب فقسموا الموجودات والأمور إلى مذكر ومؤنث . ثم جاء علماء اللغة وحاولوا أن يعرفوا الملاك في ذلك فوقعوا في التعليل بعد الوقوع .
ويصعب قبول ما ذكره الراغب من أن الملاك هو الفعل والإنفعال ، أو القوة والضعف .
بل لا بد من القول إن ملاك العرب في التذكير والتأنيث أوسع من هذين الملاكين .
وللتأنيث والتذكير أحكامٌ ، وهما أقسامٌ ، وهما سَمَاعِيَّان ، ويقل فيهما القياسي .
2 . وردت مادة أَنِثَ في بضع وعشرين مورداً في موضوعات ، أهمها :
أ . أن الله تعالى بنى المجتمع على نظام الزوجية : ثُمَّ كَأن عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَى . فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالآنْثَى . . يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى . وأشار إلى مُوَرِّثَات الذكورة والأنوثة بقوله : وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالآنْثَى .
ب . والله تعالى هو الذي ينظم خلق الذكر والأنثى ، ويحقق التوازن في المجتمعات : الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كل أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكل شَئٍْ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ .
ج . ومنها ، المساواة عند الله تعالى بين الذكر والأنثى : لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ .
ه . ومنها ، إدانة نظرة الجاهلية السلبية إلى الأنثى : وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالآنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَكَظِيمٌ .
و . ومنها ، فرض توريث النساء ، مع أن نفقتهن على الرجال : يُوصِيكُمُ الله فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الآنْثَيَيْنِ .
إنْسٌ
الإِنْس : خلاف الجن . والأُنْس : خلاف النفور . والإنسيُّ : منسوب إلى الإنس ، يقال ذلك لمن كثر أنْسُه ، ولكل ما
--------------------------- 81 ---------------------------
يؤنس به ، ولهذا قيل إنسيُّ الدابة للجانب الذي يلي الراكب ، وإنسي القوس للجانب الذي يقبل على الرامي . والإنسي : من كل شئ ما يلي الإنسان ، والوحشي ما يلي الجانب الآخر له .
وجمع الإنس أناسي ، قال الله تعالى : وَأَناسِيَّ كَثِيراً « الفرقان : 49 » . وقيل أَبِنْ أُنْسَك للنفس . وقوله عز وجل : فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً « النساء : 6 » أي أبصرتم أنساً به . وآنَسْتُ ناراً « طه : 10 » .
وقوله : حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا « النور : 27 » أي تجدوا إيناساً .
والإنسان : قيل سمي بذلك لأنه خلق خلقة لا قوام له إلا بأنس بعضهم ببعض ، ولهذا قيل الإنسان مدني بالطبع ، من حيث لأقوام لبعضهم إلا ببعض ولا يمكنه أن يقوم بجميع أسبابه .
وقيل سمي بذلك لأنه يأنس بكل ما يألفه . وقيل هو إفعلان وأصله إنْسِيَان ، سمي بذلك لأنه عُهد إليه فنسي .
ملاحظات
1 . الإنسان ، قيل مشتق من الأنس ، في مقابل الوحشي أو مقابل الجن المخفي ، ومنه استأنس لشئ ، قال تعالى : وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ .
وفي علل الشرائع « 1 / 15 » عن الإمام الصادق عليه السلام : « سمي الإنسان إنساناً لأنه ينسى ، وقال الله عز وجل : وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ » . ونحوه مجمع الزوائد « 7 / 67 » .
واختاره الخليل « 7 / 304 » وقال : « أصله إنْسِيَانٌ لأن جماعته أناسي وتصغيره أُنَيْسِيَانٌ » .
2 . ورد الإنسان في القرآن محوراً لموضوعات عديدة ، من أهمها :
أ . خلق الإنسان : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ .
ب . تكريم الله تعالى للإنسان : خَلَقَ الإنْسَانَ ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ . عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ . وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ .
ج . عداوة الشيطان للإنسان : إن الشَّيْطَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ .
د . ضعف الإنسان في تكوينه وسلوكه : وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا . إنهُ كَان ظَلُومًا جَهُولاً .
أنَفَ
أصل الأنْف : الجارحة ، ثم يسمى به طرف الشئ وأشرفه فيقال أنف الجبل وأنف اللحية . ونسب الحمية والغضب والعزة والذلة إلى الأنف ، حتى قال الشاعر :
إذا غضبتْ تلك الأنوفُ لم أرضها
ولم أطلبِ العُتبى ولكن أزيدُهَا
وقيل شمخ فلان بأنفه للمتكبر ، وتَرِبَ أنفه للذليل ، وأنِفَ فلانٌ من كذا ، بمعنى استَنْكَفَ .
وأَنِفْتُهُ : أصبت أنفه وحتى قيل الأنَفَة الحمية . واستأنفت الشئ : أخذت أنفه ، أي مبدأه . ومنه قوله عز وجل : مَاذَا قَالَ آنِفاً . « محمد : 16 » أي مُبْتَدَأً .
ملاحظات
ورد آنفاً بمعنى : قبل قليل ، قال تعالى : قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا .
والبيت الذي استشهد به الراغب في وزنه خلل ، إلا أن تقول فأرضها بدل لم أرضها ، لكن يتغير المعنى ، ولعله من نظم الراغب ، ففيه عجمة ، ولم يروه غيره .
أنْمُل
قال الله تعالى : عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ « آل عمران : 119 » الأنامل : جمع الأنملة وهي المفصل الأعلى من الأصابع التي فيها الظفر ، وفلان مؤنمل
--------------------------- 82 ---------------------------
الأصابع ، أي غليظ أطرافها في قصر ، والهمزة فيها زائدة ، بدليل قولهم هو نَمِلُ الأصابع ، وذكَّرَها هنا للفظه .
ملاحظات
وردت الأنامل في آية واحدة : وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ .
والبنان في آيتين : بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّىَ بَنَانَه . فَاضْرِبُوا فَوْقَ الإعنَاقِ وَاضْرِبوُا مِنْهُمْ كل بَنَانٍ .
أَنَّى
أَنَّى : للبحث عن الحال والمكان ، ولذلك قيل هو بمعنى أين وكيف ، لتضمنه معناهما ، قال الله عز وجل : أَنَّى لَكِ هَذَا . « آل عمران : 37 » أي من أين وكيف .
ملاحظات
استعملت أنَّى في القرآن بضعاً وعشرين مرة ، في معان أوسع من البحث والطلب ، وأوسع من السؤال عن الحال والمكان ! ففيها استنكارٌ وتعجبٌ وإستفهامٌ عن لبِّ الموضوع . فقوله تعالى : أنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتي عَاقِراً : استفهام عن الحَمْل مع فقد شروطه .
وقوله : فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأنى يُبْصِرُونَ : سؤال عن الرؤية مع فقد شروطها .
وقوله : أنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ : سؤال عن الاهتداء بغير النبي والوحي .
وقوله : أنى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا : سؤال عن استحقاق طالوت عليه السلام للملك مع قلة ماله .
وهكذا قوله : سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأنَّى تُسْحَرُونَ . فَأنَّى يُؤْفَكُونَ . أنَّى يُصْرَفُونَ . وَأنَّى لَهُمُ التنَاوُشُ .
فمصبُّ أنَّى في هذه الآيات ليس البحث عن المكان والحال فقط ، بل أوسع منهما .
أنَا
أَنَا : ضمير المخبر عن نفسه ، وتحذف ألفه في الوصل في لغة ، وتثبت في لغة .
وقوله عز وجل : لكِنَّا هُوَ الله رَبِّي « الكهف : 38 » فقد قيل : تقديره : لكن أنا هو الله ربي ، فحذف الهمزة من أوله وأدغم النون في النون . وقرئ : لكنَّ هو الله ربي فحذف الألف أيضاً من آخره .
ويقال : إِ نِّيَّة الشئ وأَنِيَّتُه ، كما يقال ذاته ، وذلك إشارة إلى وجود الشئ ، وهو لفظ محدث ليس من كلام العرب .
وآناء الليل : ساعاته ، الواحد : إِنْيٌ وإِنىً وأَناً ، قال عز وجل : يَتْلُونَ آياتِ الله آناءَ اللَّيْلِ . « آل عمران : 113 » وقال تعالى : وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ . « طه : 130 » وقوله تعالى : غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ « الأحزاب : 53 » أي وقته .
والإنا : إذا كُسر أوله قُصِر ، وإذا فُتح مُدَّ ، نحو قول الحطيئة : وآنيتُ العشاءَ إلى سهيلٍ
أو الشِّعرى فطالَ بيَ الأناءُ
أَنَى
آن الشئ : قرب إناه . وحَمِيمٍ آنٍ « الرحمن : 44 » بلغ إناه من شدة الحر ، ومنه قوله تعالى : مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ « الغاشية : 5 » . وقوله تعالى : أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا « الحديد : 16 » أي : ألم يقرب إناه . ويقال : آنَيْتُ الشئ أُنِيّاً ، أي أخرته عن أوانه .
وتَأنيْتُ : تأخرت . والأَنَاة التؤدة . وتَأنى فلان تَأنياً ، وأَنَى يَأْنِي فهو آنٍ ، أي وقور .
واستأنيته : انتظرت أوانه ، ويجوز في معنى استبطأته . واستأنيت الطعام كذلك .
والإِنَاء : ما يوضع فيه الشئ وجمعه آنِيَة ، نحو كساء وأكسية ، والأَوَانِي : جمع الجمع .
--------------------------- 83 ---------------------------
أيْنَ
أيْنَ : لفظ يبحث به عن المكان ، كما أن متى يبحث به عن الزمان . والآن : كل زمان مقدر بين زمانين ماض ومستقبل نحو : أنَا الآن أفعل كذا . وخص الآن بالألف واللام المعرف بهما ولزماه . وأفعلُ كذا آونةً : أي وقتاً بعد وقت . وهو من قولهم الآن .
وقولهم : هذا أوان ذلك ، أي زمانه المختص به وبفعله ، قال سيبويه : يقال الآن آنك : أي هذا الوقت وقتك .
وآن يؤون : قال أبو العباس رحمه الله : ليس من الأول وإنما هو فعل على حدته .
والأين : الإعياء ، يقال آن يئين أيناً ، وكذلك أنَى يأني أنياً : إذا حان . وأما بلغ إناه ، فقد قيل هو مقلوب من أنى وقد تقدم .
قال أبو العباس : قال قوم : آنَ يئين أيناً ، الهمزة مقلوبة فيه عن الحاء ، وأصله حان يحين حيناً ، قال : وأصل الكلمة من الحين .
ملاحظات
1 . أجاد ابن فارس بقوله « 1 / 141 » : « أنَى . له أصول أربعة : البطء ، وما أشبهه من الحلم وغيره ، وساعة من الزمان ، وإدراك الشئ ، وظرف من الظروف » .
ثم ذكر الأناة بمعنى الحلم ، والإنَى والأنَى : وهي من ساعات الليل جمعها آناء . واستأنيتُ الطعام أي انتظرت إدراكه ، وأنَى لك يأني أنياً أي حان ، وأتيت فلاناً آينةً بعد آينة ، أي أحياناً أو تارةً . وتقول إناء من الآنية ، والأواني جمع جمع . « راجع العين : 8 / 400 » .
2 . استَعْمَل القرآن كلمة الآن ست مرات بدون همزة استفهام ، ومرتين معها ، قال تعالى : الآنَ خَفَّفَ الله عَنْكُمْ . أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ . آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ .
3 . أنَى الشئ يأني إنىً : بلغ نضجه وإدراكه وأوْجَهُ . ومنه قوله تعالى : لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ . أي منتظرين نضجه .
وقوله تعالى : يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ : أي ماءٌ بلغ إناه في الحرارة . تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ : حارة .
4 . واستعمل القرآن أيَّانَ ست مرات للسؤال عن القيامة : يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا .
5 . واستعمل أيْن سبع مرات ، خمسة منها في السؤال عن الشركاء : وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ . واثنان في التعجب من موقف المكذبين : فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ . . وسؤال الإنسان يوم القيامة : أَيْنَ الْمَفَرُّ .
6 . واستعمل أينما اثنتي عشر مرة . إحداها مع ما الموصولة وليس فيها معنى الشرط ، قال تعالى : وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ .
7 . قوله تعالى : وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ ، أي ظروف فضية ، وقد تكون سميت آنية لأنه يوضع فيها الطعام الذي نضج وبلغ إناه .
أهْل
أهل الرجل : من يجمعه وإياهم نسب أو دين ، أو ما يجرى مجراهما من صناعة وبيت وبلد . فأهل الرجل : في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد ، ثم تُجُوِّز به فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب .
وتُعُورف في أسرة النبي عليه الصلاة والسلام مطلقاً إذا قيل أهل البيت ، لقوله عز وجل : إنما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ . « الأحزاب : 33 » .
وعبَّر بأهل الرجل عن امرأته . وأهل الإسلام : من يجمعهم . ولما كانت الشريعة حَكمت برفع حكم النسب
--------------------------- 84 ---------------------------
في كثير من الأحكام بين المسلم والكافر ، قال تعالى : إنهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إنهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ . « هود : 46 » وقال تعالى : وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ « هود : 40 » .
وقيل : أَهَلَ الرجل يَأْهَلُ أُهُولًا ، وقيل : مكان مأهول : فيه أهله . وأُهِلَ به : إذا صار ذا ناس وأهل . وكل دابة ألف مكاناً يقال : أَهِلٌ وأَهْلِيٌّ .
وتأهَّلَ : إذا تزوج ، ومنه قيل أهَّلك الله في الجنة ، أي زوجك فيها ، وجعل لك فيها أهلاً يجمعك وإياهم . ويقال فلان أهل لكذا ، أي خليق به .
ومرحباً وأهلاً : في التحية للنازل بالإنسان ، أي وجدت سعة مكان عندنا ، ومن هو أهل بيت لك في الشفقة . وجمع الأهل أهلون ، وأهال ، وأهلات .
الآل
الآلُ : مقلوب من الأهل ، ويُصَغَّر على أُهَيْل ، إلا أنه خُصَّ بالإضافة إلى الأعلام الناطقين دون النكرات ، ودون الأزمنة والأمكنة ، يقال : آلُ فلان ، ولا يقال : آلُ رجل ، ولا آلُ زمان كذا ، أو موضع كذا ، ولا يقال : آلُ الخياط ، بل يضاف إلى الأشرف الأفضل ، يقال : آلُ الله ، وآلُ السلطان .
والأهل : يضاف إلى الكل يقال : أهل الله ، وأهل الخياط ، كما يقال : أهل زمن كذا ، وبلد كذا . وقيل : هو في الأصل اسم الشخص ، ويُصَغَّر أُوَيْلًا ، ويستعمل فيمن يختص بالإنسان اختصاصاً ذاتياً إما بقرابة قريبة أو بموالاة ، قال الله عز وجل : وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ « آل عمران : 33 » وقال : أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ « غافر : 46 » .
قيل : آل النبي عليه السلام أقاربه . وقيل المختصون به من حيث العلم ، وذلك أن أهل الدين ضربان : ضرب متخصص بالعلم المتقن والعمل المحكم ، فيقال لهم : آل النبي وأمته . وضرب يختصون بالعلم على سبيل التقليد ، يقال لهم أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، ولا يقال لهم آله ، فكل آل للنبي أمته ، وليس كل أمة له آله .
وقيل لجعفر الصادق رضي الله عنه : الناس يقولون : المسلمون كلهم آل النبي فقال : كذبوا وصدقوا ، فقيل له : ما معنى ذلك ؟ فقال : كذبوا في أن الأمة كافتهم آله ، وصدقوا في أنهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله .
وقوله تعالى : رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ « غافر : 28 » أي من المختصين به وبشريعته ، وجعله منهم من حيث النسب ، أو المسكن ، لا من حيث تقدير القوم أنه على شريعتهم .
وقيل في جبرائيل وميكائيل : إن إيل اسم الله تعالى ، وهذا لا يصح بحسب كلام العرب ، لأنه كان يقتضي أن يضاف إليه فيجرَّ إيل ، فيقال : جَبْرُإيلٍ .
وآل الشخص : شخصه المتردد . قال الشاعر :
ولم يبق إلا آل خيمٍ منضَّدِ
والآل أيضاً : الحال التي يؤول إليها أمره ، قال الشاعر :
سَأَحْمِلُ نَفْسِي عَلَى آلةٍ فَإمَّا عَلَيْهَا وإمَّا لهَا
وقيل لما يبدو من السراب : آلٌ ، وذلك لشخص يبدو من حيث المنظر وإن كان كاذباً ، أو لتردد هواء وتموُّج ، فيكون من آل يؤول .
وآلَ اللبن ، يَؤُولُ : إذا خَثُرَ ، كأنه رجوع إلى نقصان ، كقولهم في الشئ الناقص : راجع .
ملاحظات
1 . في كل لغات العالم يوجد مفهوم أهل بيت الرجل بمعنى أسرته ، وقد يتسع ليشمل عشيرته ، فأهل بيت هرقل ، أو كسرى ، أو إبراهيم ، أو إسماعيل ، أو امرئ القيس ، بمعنى أسرهم ، وقد يستعمل بمعنى عشيرتهم !
--------------------------- 85 ---------------------------
لكن عندما يصل الأمر إلى النبي صلى الله عليه وآله يفاجؤك العلماء الأتقياء بتوسيع معنى أهل بيته وآله ، ليشمل كل قبائل قريش ، بل كل أمة الإسلام ! لذلك ينبغي الحذر ممايحرفه علماء السلطة ويلبسونه ثوباً علمياً !
ومن ذلك قول الراغب : « أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين » ! فكلمة « أو دين » تحريف لتبرير مصادرة حق أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وإعطائه إلى قبائل قريش والأمة ، ليصيروا كلهم : آل النبي صلى الله عليه وآله !
ويكفي لتكذيب ذلك : صحة سلب اسم الآل وأهل البيت عن غير أسرته وعشيرته ، فتقول : الروم ليسوا كلهم آل هرقل وأهل بيته ، والفرس ليسوا كلهم أهل بيت كسرى ، والعرب ليسوا كلهم آل النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله . وكفى بصحة السلب دليلاً .
2 . روى الجميع أن النبي صلى الله عليه وآله وضع مصطلحاً إسلامياً لأهل بيت عليهم السلام فأدار عليهم كساء وقال : اللهم هؤلاء آل محمد ، هؤلاء أهل بيتي . وأرادت زوجته أن تدخل معهم فجذب منها الكساء وقال : لا ، إنك إلى خير ، ولكن هؤلاء أهل بيتي ! ومع ذلك يقفز رواة السلطة على هذا المصطلح الصريح ، ويقولون آل النبي زوجاته ، وكل قريش ، والعلماء ، والأمة !
لقد نسي الراغب هنا علمه وأن الآل غير الأمة ! ونسي آيات القرآن ومنها آية التطهير وأن الأمة كلها لا يمكن أن تكون مطهرة ، وفيها القتلة والمجرمون ! ثم حاول أن يقنعك أن أهل العلم من أمثاله ، من آل النبي صلى الله عليه وآله !
إن اليهود لم يفعلوا مع آل أنبيائهم عليهم السلام ما فعلته هذه الأمة مع آل نبيها صلى الله عليه وآله ! فلم يدعِ اليهود أن من تعلم حرفين فسماه الناس عالماً فهو من آل موسى ، أو آل داوود !
ولتبرير ذلك نسبوه إلى إمام العترة جعفر الصادق عليه السلام ليقولوا : « كل من قام بشرائط شريعته هم آله » ! وقد قام بشرائطها بنو أمية وبنو العباس والعثمانيون والوهابية ، ورؤساء بلاد المسلمين بعدهم ، فكلهم آل النبي وأهل بيته ! ومعناه : لا يوجد شئ اسمه « أهل البيت النبوي » !
3 . تمسك علماء السلطة بالمعنى اللغوي لأهل البيت ، ووضعوا المصطلح النبوي وراء ظهورهم ! كمن يقول : الصلاةُ في اللغة كل دعاء ، وأنا أتمسك بالمعنى اللغوي فأقيم الصلاة بأي دعاء كان ، ولا أعترف بالمعنى الاصطلاحي ، ولا أصلي صلاتكم !
4 . استعمل القرآن أهل البيت بالمعنى اللغوي في قوله تعالى : قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله رَحْمَتُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إنهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ . فزوجة إبراهيم عليه السلام من أهل بيته لغةً . وكذلك زوجات النبي صلى الله عليه وآله فهن من أهل بيته لغةً ، لكن بعد قول النبي صلى الله عليه وآله إن أهل بيتي مصطلح ، لا يصح تفسيره بالمعنى اللغوي .
روى أحمد بن حنبل : 6 / 323 : « عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة : إئتيني بزوجك وابنيك فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساء فدكياً ، قال ثم وضع يده عليهم ، ثم قال : اللهم إن هؤلاء آل محمد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد . قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال : إنك على خير » . وروى في : 1 / 185 : « ثم تلا هذه الآية : إنما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ، وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق » .
5 . العترة في اللغة أخص من الآل فهم الأقارب القريبون خاصة ، وهم الذين حددهم النبي صلى الله عليه وآله وجعلهم وصيته في أمته مع القرآن في الحديث المتواتر عند الجميع : « قال إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك
--------------------------- 86 ---------------------------
فيكم الثقلين : كتاب الله عز وجل وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروني بمَ تخلفوني فيهما » . « مسند أحمد : 3 / 17 » .
وصح عندنا أنه صلى الله عليه وآله قال : وتسعة من ذرية الحسين آخرهم المهدي .
6 . استعمل القرآن كلمة « آل » ستاً وعشرين مرة ، في آل إبراهيم وعمران ويعقوب وموسى وهارون عليهم السلام . وفي آل فرعون . وقال تعالى : سَلامٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ ، وقرئ : سَلامٌ عَلَى آل يَاسِين ، أي آل محمد صلى الله عليه وآله وهو الصحيح .
وفي صحيح بخاري : 4 / 138 ، في قوله تعالى : إن الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ : « قال ابن عباس . . وآل عمران وآل ياسين وآل محمد » .
7 . ورد تعبير « أهل الكتاب » في القرآن ثلاثين مرة ، وأهل الإنجيل مرة واحدة : وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ الله فِيه ، ولم يستعمل « أهل التوراة » !
وورد تعبير أهل النار : إن ذَلِكَ لَحق تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ، ولم يرد تعبير « أهل الجنة » بل ورد التعبير بأصحاب الجنة وأصحاب النار !
كما ورد في القرآن أهل المدينة ، وأهل يثرب ، وأهل القرى ، وأهل مدين ، وأهل قرية ، وفي صفات الله تعالى : أَهْلُ التقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ .
ورد تعبير « أهلك » لنبينا ونوح وموسى ولوط وأيوب وصالح ويوسف عليهم السلام . وعزيز مصر .
واستعمل القرآن تعبير : أهل الأمانات ، وأهل السفينة ، وأهل الفتيات : فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ . وأهلونا في آية ، وأهليكم في آيتين ، وأهل الذكر مرتين : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ .
أوَبَ
الأَوْبُ : ضربٌ من الرجوع ، وذلك أن الأوب لا يقال إلا في الحيوان الذي له إرادة .
والرجوع : يقال فيه وفي غيره ، يقال : آب أَوْباً وإِيَاباً ومَآباً . قال الله تعالى : إن إِلَيْنا إِيابَهُمْ « الغاشية : 25 » وقال : فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً « النبأ : 39 » . والمآب : المصدر منه ، واسم الزمان ، والمكان ، قال الله تعالى : والله عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ « آل عمران : 14 » .
والأوَّاب : كالتواب ، وهو الراجع إلى الله تعالى بترك المعاصي وفعل الطاعات .
قال تعالى : أَوَّابٍ حَفِيظٍ « ق : 32 » وقال : إنهُ أَوَّابٌ « صاد : 30 » ومنه قيل للتوبة : أَوْبَة .
والتأويب : يقال في سير النهار . وقيل : آبت يد الرامي إلى السهم ، وذلك فعل الرامي في الحقيقة ، وإن كان منسوباً إلى اليد . ولا ينقض ما قدمناه من أن ذلك رجوع بإرادة واختيار .
وكذا ناقة أَؤُوب : سريعة رجع اليدين .
ملاحظات
1 . لاوجه لحصر الأوْب في الحيوان الذي له إرادة . فكل شئ رجع إلى مكانه فقد آب يؤوب أوباً وإياباً . وفي الحديث النبوي : حتى آبت الشمس . « لسان العرب : 1 / 219 » . وقال الكميت :
أنَّى ومن أين آبك الطرب . « المقاييس : 1 / 152 » . والشمس والطرب جامدان .
2 . استعمل القرآن أوَّاب خمس مرات ، منها : وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إنهُ أَوَابٌ ، أي سريع الرجوع أو كثير الرجوع إلى الله ، وذلك إذا ارتكب خلاف الأولى ، لأنه لا يصح نسبة المعصية إلى الأنبياء عليهم السلام . واستعمل القرآن الأوابين للتائبين فقال : فَإنهُ كَأن للأَوَابِينَ غَفُورًا .
--------------------------- 87 ---------------------------
والأواب لرجوع الطيور إلى داود عليه السلام : وَالطيْرَ مَحْشُورَةً كل لَهُ أَوَابٌ .
واستعمل مآب ، بمعنى الرجوع والمرجع ، تسع مرات ، قال تعالى : والله عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ . فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً . وَإن لِلطاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ . وقال : إن إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ، أي رجوعهم . وقال : يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطيْرَ ، أي رَجِّعِي تسبيحهُ .
3 . آب الغائب يؤوب مآباً وأوبةً : رجع . وفي الحديث : كان صلى الله عليه وآله إذا أقبل من سفر قال : آيبون تائبون ، لربنا حامدون .
4 . جمع آيب : أُوَّبٌ وُأوَّابٌ وأُيَّابٌ ، بضم الألف وتشديد الواو . والمتأوب سريع الرجوع وأوَّبت الشمس في مآبها : غابت في مغيبها . وجاءوا من كل أوْب : من كل ناحية .
وأبْتُ إلى بني فلان : جئتهم بالليل .
وتأوَّبتهم : جئتهم أول الليل . وآب إلى سيفه : أي رد يده ليستله .
5 . التأويب : السير نهاراً والنزول ليلاً . والإسآد السير ليلاً . يقال : أوَّب القوم تأويباً أي ساروا بالنهار ، وأسأدوا إذا ساروا بالليل .
6 . آب : من أسماء الشهور ، عجمي معرب . ومآب : اسم بلد بالبلقاء . وأيوب عليه السلام : من آب يؤوب . « معاني الأخبار / 50 » . وبنو أيوب : قبيلة . وفي الزيارة الجامعة : مؤمن بإيابكم ، مصدق برجعتكم . « التهذيب : 6 / 99 » .
أيَدَ
قال الله عز وجل : أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ « المائدة : 110 » فَعَلْتُ ، من الأيْد ، أي القوة الشديدة . وقال تعالى : والله يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ « آل عمران : 13 » أي يكثر تأييده .
ويقال : إِدْتُهُ أَئِيدُهُ أَيْداً نحو : بعته أبيعه بيعاً ، وأيدته على التكثير .
قال عز وجل : وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ . « الذاريات : 47 » ويقال : له أيْدٌ ، ومنه قيل للأمر العظيم مؤيد . وإِيَاد الشئ ما يقيه ، وقرئ : أَأْيَدْتُكَ ، وهو أفعلت من ذلك . قال الزجاج رحمه الله : يجوز أن يكون فاعلت نحو : عاونت ، وقوله عز وجل : وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما « البقرة : 255 » أي لا يثقله .
وأصله من الأود ، آد يؤود أوداً وإياداً : إذا أثقله ، نحو : قال يقول قولاً ، وفي الحكاية عن نفسك : أُدْتُ مثل قُلْتُ ، فتحقيق آدَهُ : عوجه من ثقله [ في ممرِّه ] .
ملاحظات
وردت مادة أيَّدَ في القرآن تسع مرات .
والأَيْد بمعنى القوة مرتين : هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ . فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِه ِ . وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإنا لَمُوسِعُون . وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إنهُ أَوَّابٌ .
ووردت مادة أوَدَ مرة واحدة : وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأرض وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ، أي لايثقله ولا يشق عليه . تقول : آدني هذا الأمر يؤودني ، أي شق عليَّ .
ومنه التأوُّد بمعنى الإعوجاج من الثقل تقول : تأود الغصن والعود . قال ابن منظور « 1 / 154 » : « هو العطف والإنثناء ، أُدْتُ الشئ : عطفته ، وتأوَّد النبت مثل تعطف وتعوج » . « راجع : العين : 8 / 97 » .
وقد وضعنا قوله « في ممره » بين قوسين لأنها لا معنى لها ، ونشك في صحة النسخة .
أَيْك
الأيك : شجرٌ مُلْتَفٌّ . وأصحاب الأيكة : قيل نسبوا إلى غيضة كانوا يسكنونها ، وقيل هي اسم بلد .
ملاحظات
ورد ذكر أصحاب الأيكة في أربع آيات ، قال تعالى :
--------------------------- 88 ---------------------------
كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ أَلْمُرْسَلِينَ « الشعراء : 176 » وَإِنْ كَأن أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ . « الحجر : 78 » وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُولَئِكَ الأَحْزَابُ « صاد : 13 » وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ . « قاف : 14 »
وقيل هم أهل مَدْيَن الذين قال الله فيهم : وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً . . وقيل هم أهل تبوك . « معجم البلدان : 1 / 291 ، ومجمع البيان : 6 / 127 » .
أوَلَ
التأويل : من الأوْل ، أي الرجوع إلى الأصل ، ومنه المَوْئِلُ للموضع الذي يرجع إليه ، وذلك هو رد الشئ إلى الغاية المرادة منه ، عِلْماً كان أو فعلاً ، ففي العلم نحو : وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ « آل عمران : 7 » وفي الفعل كقول الشاعر : وللنَّوى قبل يوم البين تأويلُ .
وقوله تعالى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ « الأعراف : 53 » أي بيانه الذي [ هو ] غايته المقصودة منه . وقوله تعالى : ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا « النساء : 59 » قيل : أحسن معنى ترجمةً ، وقيل : أحسن ثواباً في الآخرة . والأَوْلُ : السياسة التي تراعي مآلها يقال : أُلْنَا وإِيلَ علينا .
وأوَّلُ : قال الخليل : تأسيسه من همزة وواو ولام ، فيكون فَعَّل ، وقد قيل من واوين ولام ، فيكون أفعل ، والأول أفصح لقلة وجود ما فاؤه وعينه حرف واحد ، كددن ، فعلى الأول يكون من : آل يؤول ، وأصله : آول ، فأدغمت المدة لكثرة الكلمة . وهو في الأصل صفة لقولهم في مؤنثه : أُولى ، نحو : أُخرى .
فالأول : هو الذي يترتب عليه غيره ، ويستعمل على أوجه : أحدها : المتقدم بالزمان كقولك : عبد الملك أولاً ، ثم المنصور .
الثاني : المتقدم بالرئاسة في الشئ ، وكون غيره محتذياً به ، نحو : الأمير أولاً ، ثم الوزير .
الثالث : المتقدم بالوضع والنسبة ، كقولك للخارج من العراق : القادسية أولاً ، ثم فيد ، وتقول للخارج من مكة : فيد ، أولاً ، ثم القادسية . الرابع : المتقدم بالنظام الصناعي ، نحو أن يقال : الأساس أولاً ، ثم البناء .
وإذا قيل في صفة الله : هوالأول فمعناه : أنه الذي لم يسبقه في الوجود شئ ، وإلى هذا يرجع قول من قال : هو الذي لا يحتاج إلى غيره ، ومن قال : هو المستغني بنفسه .
وقوله تعالى : وَأَنَا أول الْمُسْلِمِينَ « الأنعام : 163 » وَأَنَا أول الْمُؤْمِنِينَ « الأعراف : 143 » فمعناه : أنا المقتدى بي في الإسلام والإيمان ، وقال تعالى : وَلا تَكُونُوا أول كافِرٍ بِهِ « البقرة : 41 » أي لا تكونوا ممن يقتدى بكم في الكفر .
ويستعمل أولُ ظرفاً فيبنى على الضم ، نحو جئتك أَوَّلُ ، ويقال : بمعنى قديم ، نحو : جئتك أولاً وآخراً ، أي قديماً وحديثاً .
وقوله تعالى : أَوْلى لَكَ فَأَوْلى « القيامة : 34 » كلمة تهديد وتخويف يخاطب بها من أشرف على هلاك فيحثُّ بها على التحرز . أو يخاطب بها من نجا ذليلاً منه فينهى عن مثله ثانياً . وأكثر ما يستعمل مكرراً ، وكأنه حثٌّ على تأمُّل ما يؤول إليه أمره ليتنبَّه للتحرز منه .
ملاحظات
1 . التفسير : بيان معنى ألفاظ الكلام . والتأويل : بيان ما يقصد منه ويؤول اليه . تقول : أوَّلتُه وتأولته تأوُّلاً وتأويلاً . وتقول : مآل الكلام وموئله . قال الله تعالى : وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحق وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا .
وقال تعالى عن القرآن : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ
--------------------------- 89 ---------------------------
وَابْتِغَاءَ تَأوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأوِيلَهُ إِلا الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ .
وقال عن يوسف عليه السلام : وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ . يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاىَ مِنْ قَبْلُ .
وقال في الخضر : سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا .
والتأويل في هذه الآيات تأويلُ حَدَثٍ أو كلامٍ مضى ، وقد يكون تأويل شئ سيأتي ، كقوله عن يوسف : لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي .
وقال عن البيع والتعامل : وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً .
وقال عن رد الأخبار الهامة إلى أولي الأمر : ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِيلاً .
2 . استعمل لفظ الأوَّل في القرآن بضعاً وستين مرة ، ثلاثون منها مفرداً والباقي جمعاً .
واستعمل أولاهم مرتين ، وأولاهما مرة . وكلها بمعنى السبق والأولية في الشئ ، وليس فيها معنى الاقتداء الذي ذكره الراغب .
3 . أولى لك : أي أحق لك أو أحْرَى بك ، وليست من مادة أول ، بل من وَلِيَ ، وقد ذكرها الراغب في وليَ وقال : وقيل : أولى لك فأولى ، من هذا .
4 . تقول : رأيته عاماً أولَ وعامَ أول . والجمع أولون ، وجمع أُولى : أولَيَات ، وجمع أخرى أخْرَيات . ومُثَنَّى أوْلى أوْلَيان ، وجمعه أوْلَوْن . « العين : 8 / 368 » .
أيَمَ
الأيامى : جمع الأيِّم ، وهي المرأة التي لا بعل لها ، وقد قيل للرجل الذي لا زوج له ، وذلك على طريق التشبيه بالمرأة فيمن لا غناء عنه لاعلى التحقيق ، والمصدر الأيِّمَة .
وقد آم الرجل ، وآمت المرأة ، وتأيَّم وتأيَّمت وامرأة أيِّمة ورجل أيِّم . والحرب مأيَمَة ، أي تفرق بين الزوج والزوجة ، والأيْمُ : الحيَّة .
ملاحظات
1 . لم ترد كلمة أيِّم في القرآن ، وورد جمعها في قوله تعالى : وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ .
2 . جعل الراغب الأيْم أي الحية من نفس مادة أيَمَ ، لكن الصحيح ما ذكره صاحب المقاييس : 1 / 165 ، من أن أَيَمَ ثلاثة أصول متباينة : الدخان ، والحية ، والمرأة لازوج لها ، أو الرجل لازوجة له . وذكر الخليل أن الأيِّم مشتقة من الدخان ، ومعناها الذي ما زال فيه دخان زواج . « راجع : العين : 8 / 425 ، والصحاح : 5 / 1868 ، ولسان العرب : 12 / 39 » .
أوَهَ
الأوَّاه : الذي يكثر التأوُّه وهو أن يقول : أُوهْ ، وكل كلام يدل على حزن يقال له : التأوه . ويعبر بالأوَّاه عمن يُظهر خشية الله تعالى ، وقيل في قوله تعالى : أوَّاهٌ مُنِيبْ ، أي المؤمن الداعي . وأصله راجع إلى ما تقدم .
قال أبو العباس رحمه الله : يقال إيهاً إذا كففته ، ووَيْهاً إذا أغريته ، ووَاهاً إذا تعجبت منه .
ملاحظات
قال تعالى : إن إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ . وقال : إن إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ . وورد في تفسيره أنه عليه السلام كان دَعَّاءً أي كثير الدعاء والتضرع ، وكان يسمع له في صلاته أزيز كأزيز المِرْجَل . وورد ذلك في وصف عبادة النبي صلى الله عليه وآله « تفسير العياشي : 2 / 154 ، وعدة الداعي / 138 » . وورد في وصف عبادة فاطمة عليها السلام أنها كانت تَنْهَجُ من خيفة الله . « مستدرك الوسائل : 4 / 100 » .
--------------------------- 90 ---------------------------
وسمى الله إبراهيم عليه السلام أوَّاهاً ، لكثرة تحزُّنه في دعائه ومناجاته . فالمتأوه المتضرع كثيرُ الحزن .
وقد يكون التأوه من الشكاية ، كما في قول النبي صلى الله عليه وآله لمعاذ : « واهاً لفراخ آل محمد من خليفة يقتل خلفي وخلف الخلف » . « الطبراني الكبير : 20 / 38 » .
وقد يقلبون الواو ألفاً فيقولون : آهٍ من كذا ، وأوَّهْ منه . وروي الحديث المتقدم : « أوَّهْ لفراخ آل محمد » . « نهاية ابن الأثير : 1 / 82 ، ولسان العرب : 9 / 232 » . وفي تاج العروس « 19 / 10 » : « أُوَّهْ لفراخ محمد . ضبطوه بتشديد الواو وسكون الهاء » .
وفي حديث علي عليه السلام : « أُوَّهْ على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه » . « مجمع البحرين : 1 / 136 » .
وتقول : آهٍ وأُوهٍ بكسر الهاء وتنوينها ، وتأوَّهَ فلان آهاً وآهةً كآهةِ المجروح . وتقول : آهْ وآو وأوتاه .
وتقول متلهفاً : واهاً . ومستزيداً من حديث أو عمل : إيهٍ . وفي التحريض والإغراء : ويهاً ، وويهُ فلان . « الصحاح : 6 / 2257 ، والعين : 4 / 104 ، وإصلاح المنطق / 71 ، والمقاييس : 6 / 80 » .
أيٌّ
أي : في الاستخبار موضوعٌ للبحث عن بعض الجنس والنوع ، وعن تعيينه ، ويستعمل ذلك في الخبر ، والجزاء ، نحو : أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسماء الْحُسْنَى . أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ .
آية
والآية : هي العلامة الظاهرة ، وحقيقته لكل شئ ظاهر ، وهو ملازم لشئ لا يظهر ظهوره . فمتى أدرك مدركٌ الظاهر منهما عُلم أنه أدرك الآخر الذي لم يدركه بذاته ، إذ كان حكمهما سواء . وذلك ظاهر في المحسوسات والمعقولات ، فمن علم ملازمة العلم للطريق المنهج ، ثم وجد العلم علم أنه وجد الطريق . وكذا إذا علم شيئاً مصنوعاً عُلم أنه لا بد له من صانع .
واشتقاق الآية إما من أيٍّ فإنها هي التي تبين أيّاً من أي ، أو من قولهم : أوى إليه . والصحيح أنها مشتقة من التأيِّي الذي هو التثبت والإقامة على الشئ . يقال : تأيَّ ، أي إرفق ، أو من قولهم : أوى إليه .
وقيل للبناء العالي : آية ، نحو : أَتَبْنُونَ بِكل رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ . « الشعراء : 128 » . ولكل جملة من القرآن دالة على حكم آية ، سورة كانت أو فصولاً أو فصلاً من سورة . وقد يقال لكل كلام منه منفصل بفصل لفظي : آية . وعلى هذا اعتبار السور التي تعدُّ بها السورة .
وقوله تعالى : إن فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ . « الجاثية : 3 » فهي من الآيات المعقولة التي تتفاوت بها المعرفة بحسب تفاوت منازل الناس في العلم .
وكذلك قوله : بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ . « العنكبوت : 49 » وكذا قوله تعالى : وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ . « يوسف : 105 » .
وذكر في مواضع آية ، وفي مواضع آيات ، وذلك لمعنى مخصوص ، ليس هذا الكتاب موضع ذكره . وإنما قال : وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً « المؤمنون : 50 » ولم يقل : آيتين ، لأن كل واحد صار آية بالآخر .
وقوله عز وجل : وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً . « الإسراء : 59 » فالآيات هاهنا قيل : إشارة إلى الجراد والقُمَّل والضفادع ، ونحوها من الآيات التي أرسلت إلى الأمم المتقدمة ، فنبَّه [ على ] أن ذلك إنما يفعل بمن يفعله تخويفاً ، وذلك أخسُّ المنازل للمأمورين ، فإن الإنسان يتحرى فعل الخير لأحد ثلاثة أشياء : إما أن يتحراه لرغبة أو رهبة ، وهو أدنى
--------------------------- 91 ---------------------------
منزلة . وإما أن يتحراه لطلب محمدة . وإما أن يتحراه للفضيلة ، وهو أن يكون ذلك الشئ فاضلاً في نفسه ، وذلك أشرف المنازل .
فلما كانت هذه الأمة خير أمة كما قال تعالى : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ، « آل عمران : 110 » رفعهم عن هذه المنزلة ، ونبه [ على ] أنه لا يعمهم بالعذاب ، وإن كانت الجهلة منهم كانوا يقولون : فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ . « الأنفال : 32 » .
وقيل : الآيات إشارة إلى الأدلة ، ونبه [ على ] أنه يقتصر معهم على الأدلة ويصانون عن العذاب الذي يستعجلون به في قوله عز وجل : يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ « العنكبوت : 54 » .
وفي بناء آية ثلاثة أقوال ، قيل : هي فَعْلَة ، وحق مثلها أن يكون لامه معلّا دون عينه ، نحو حياة ونواة ، لكن صُحِّحَ لامُهُ لوقوع الياء قبلها ، نحو : راية . وقيل : هي فَعْلَة إلا أنها قُلِبَتْ كراهة التضعيف ، كطائي في طيئ . وقيل : هي فاعلة وأصلها : آيِيَة فخففت فصار آية . وذلك ضعيف لقولهم في تصغيرها : أُيَيَّة ، ولو كانت فاعلة لقيل : أوية .
ملاحظات
1 . الصحيح أن معنى الآية : العَلَامة ، وأصلها عند الخليل أَأْية قلبت ألفها ياء فصارت أيِيَّة ، ثم حذفت فصارت آية كراية وغاية . « العين : 8 / 440 » وعند سيبويه أوِيَّة .
وجمعها : آيٌ وآياتٌ وآيايٌ وآياءٌ . وفي حديث الإسراء : « وآية ذلك أني مررت بعير لأبي سفيان على ماء لبني فلان وقد أضلوا جملاً » . « الكافي : 8 / 364 » .
وفي وصف الخوارج : « آية ذلك أن فيهم رجلاً أسود مُخَدَّج اليد » . « أحمد : 1 / 88 » .
وفي المقاييس : 1 / 167 ، أنها مشتقة من تأيَّى يتأيَّى تأيِّيَاً ، أي تَمَهَّل وتمكَّث ، أو تأمَّل ونظر ، وكأنها سميت آية لأنها توجب التأمل والنظر .
2 . استعملت آية : في القرآن مفردةً أربعاً وثمانين مرة . وآيات : مئة وثمانية وأربعين مرة ، وآياتنا : اثنين وتسعين مرة . وآياته : سبعاً وثلاثين مرة . . الخ . وهذا الاستعمال الواسع للمادة يدل على سعة مصاديقها .
3 . حاول الراغب أن يثبت تميز هذه الأمة على غيرها ، بأن الله تعالى لا ينزل عليها العذاب « وإن كانت الجهلة منهم كانوا يقولون : فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ » !
وإنما صارت هذه الأمة خير أمة بنبيها وعترته صلى الله عليه وآله . فهم خير أمة وهم دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام : رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ .
أيَّانَ
وأَيَّانَ : عبارة عن وقت الشئ ، ويقارب معنى متى ، قال تعالى : أَيَّانَ مُرْسَاهَا « الأعراف : 187 » أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ « الذاريات : 12 » من قولهم : أي .
وقيل أصله : أيُّ أوان ، أي أيُّ وقت ، فحذف الألف ثم جعل الواو ياء ، فأدغم فصار أيَّان .
وإيَّا : لفظ موضوع ليتوصل به إلى ضمير المنصوب إذا انقطع عما يتصل به ، وذلك يستعمل إذا تقدم الضمير نحو : إيَّاكَ نَعْبُدُ ، أو فصل بينهما بمعطوف عليه أو بإلا ، نحو : نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ . ونحو : وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ . وإي : كلمة موضوعة لتحقيق كلام متقدم نحو : إِي وَرَبِّي إنهُ لَحق .
وأي ، وآ ، وأيا : من حروف النداء ، تقول : أي زيد ، وأيا زيد ، وآزيد . وأي : كلمة ينبه بها أن ما يذكر بعدها شرح وتفسير لما قبلها .
ملاحظات
وضع الراغب هذه الكلمات تحت عنوان « أي »
--------------------------- 92 ---------------------------
وأصولها متعددة . ويبدو أن أيّاً الإستفهامية والتفسيرية وأيانَ أصلٌ ، وإياك وأخواتها أصل ، وإي بمعنى بلى أصل ، وأي للنداء وأخواتها أصل .
وقد ذكرنا أن : أيَّانَ استعملت في القرآن ست مرات ، وكلها للسؤال عن القيامة ، كقوله تعالى : يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا .
أما إيَّا ، فقد جاءت متصلة بكاف الخطاب للمفرد والجمع « إياك ، إياكم » وبضمير المفرد الغائب والجمع « إياه ، إياهم » والمفرد المتكلم وجمعه « إياي ، إيانا » .
وقد استعمل القرآن هذه الضمائر في إسناد الفعل لله بصيغة المفرد والجمع ، للمتكلم والغائب ، وهذا يكشف عن فاعليات الله تعالى بواسطة الملائكة والنبي وآله صلى الله عليه وآله .
وأما إي ، بمعنى نعم ، فقال ابن منظور : 14 / 59 : « توصل باليمين فيقال : إي والله ، وتبدل منها هاء فيقال : هِي » .
وأما أيٌّ التي للنداء ، فوردت في القرآن مئة وخمسين مرةً مع حرف النداء مضافاً إليها الهاء والألف « يا أيها » ومرة واحدة فقط بدونه .
وصح دخول حرف النداء عليها لأنها اسم . قال الجوهري : 6 / 2275 : « يا أيها الرجل ويا أيتها المرأة ، فأي : اسم مبهم مفرد معرفة بالنداء مبني على الضمير ، وها : حرف تنبيه وهي عوض مما كانت أيٌّ تضاف إليه » .
وقال ابن هشام في المغني « 1 / 77 » : « أي : بفتح الهمزة وتشديد الياء اسم يأتي على خمسة أوجه : شرطاً ، نحو أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسماء الْحُسْنَى . أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ . وإستفهاماً نحو : أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً . فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُون . وموصولاً نحو : ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كل شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ . والخامس : أن تكون وصلة إلى نداء ما فيه أل نحو : يا أيها الرجل » .
وقال ابن منظور « 14 / 56 » : « أيْ : حرف استفهام عما يعقل وما لا يعقل . ويقول لك قائل : رأيت ظبياً فتجيبه : أيّاً . ويقول : رأيت ظبيين فتقول : أيَّيْن ، ويقول : رأيت ظباء فتقول : أَيَّات . ويقول : رأيت ظبية ، فتقول : أيَّةَ .
تقول يا أيها الرجل أقبل ولا يجوز يا الرجل . وقال الكوفيون : لأن أياً وما ومن والذي أسماء ناقصة ، لا تتم إلا بالصلات » .
هذا ، وقد زادت نداءات القرآن على مئة نداء . وهي موضوع غني في أدواته ، وأغراضه ، وأنواع المنادَيْن ، والمواضيع التي ينادَوْن من أجلها .
أوَى
المَأْوَى : مصدر أَوَى يَأْوِي أَوِيّاً ومَأْوًى . تقول : أوَى إلى كذا : انضم إليه يأوي أويّاً ومأوى ، وآوَاهُ غيره يُؤْوِيهِ إِيوَاءً . قال عز وجل : إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ « الكهف : 10 »
وقال : سَآوِي إِلى جَبَلٍ « هود : 43 » وقال تعالى : آوى إِلَيْهِ أَخاهُ « يوسف : 69 » وقال : تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ « الأحزاب : 51 » وقال : وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ « المعارج : 13 » وقوله تعالى : جَنَّةُ الْمَأْوى « النجم : 15 » كقوله : دارُ الْخُلْدِ « فصلت : 28 » في كون الدار مضافة إلى المصدر ، وقوله تعالى : مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ . « آل عمران : 197 » اسم للمكان الذي يأوي إليه .
وأَوَيْتُ له : رحمته ، أَوِيّاً وأَيَّةً ومَأْوِيَةً ، ومَأْوَاةً . وتحقيقه : رجعت إليه بقلبي . وآوَى إِلَيْهِ أَخاهُ . « يوسف : 69 » أي ضمه إلى نفسه . يقال : أواه وآواه .
والماوية : في قول حاتم طيئ : أماويُّ إن المال غادٍ ورائحُ .
مأويَّة ، فقد قيل : هي من هذا الباب ، فكأنها سميت بذلك لكونها مأوى الصورة . وقيل : هي منسوبة للماء ، وأصلها مائية ، فجعلت الهمزة واواً .
--------------------------- 93 ---------------------------
ملاحظات
استعمل القرآن من هذه المادة بضع عشرة كلمة هي زبدة كلماتها : المأوى ، جنة المأوى ، مأواه ، مأواهم ، مأواكم ، آواكم ، آوينا ، أوينا . . الخ .
وجعلها صاحب المقاييس « 1 / 151 » أصلين قال : « أحدهما التجمع ، والثاني الإشفاق .
الألِفَات
الألفات : التي تدخل لمعنى على ثلاثة أنواع : نوع في صدر الكلام ، ونوع في وسطه ، ونوع في آخره . فالذي في صدر الكلام أضرب :
الأول : ألف الاستخبار ، وتفسيره بالإستخبار أولى من تفسيره بالاستفهام ، إذ كان ذلك يعمُّه وغيره نحو : الإنكار ، والتبكيت ، والنفي والتسوية .
فالإستفهام نحو قوله تعالى : أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها « البقرة : 30 » .
والتبكيت إما للمخاطب أو لغيره نحو : أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ « الأحقاف : 20 » أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ الله عَهْداً « البقرة : 80 » آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ « يونس : 91 » أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ « آل عمران : 144 » أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ « الأنبياء : 34 » أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً « يونس : 2 » آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ . « الأنعام : 144 » .
والتسوية نحو : سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا « إبراهيم : 21 » سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ « البقرة : 6 » .
وهذه الألف متى دخلت على الإثبات تجعله نفياً ، نحو : أَخَرَجَ . هذا اللفظ ينفي الخروج ، فلهذا سأل عن إثباته نحو ما تقدم .
وإذا دخلت على نفي تجعله إثباتاً ، لأنه يصير معها نفياً يحصل منهما إثبات ، نحو : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ « الأعراف : 172 » أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ « التين : 8 » أَوَلَمْ يَرَوْا أنا نَأْتِي الْأَرْضَ « الرعد : 41 » أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ « طه : 133 » أَوَلا يَرَوْنَ « التوبة : 126 » أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ « فاطر : 37 » .
الثاني : ألف المخبر عن نفسه نحو : أسمعُ وأبصرُ .
الثالث : ألف الأمر ، قطعاً كان أو وصلاً ، نحو : أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ « المائدة : 114 » ابْنِ لِي عِنْدَك بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ « التحريم : 11 » ونحوهما .
الرابع : الألف مع لام التعريف ، نحو : العالمين .
الخامس : ألف النداء نحو : أَزَيْدُ ، أي يا زيد .
والنوع الذي في الوسط : الألف التي للتثنية ، والألف في بعض الجموع في نحو : مسلمات ونحو مساكين .
والنوع الذي في آخره : ألف التأنيث في حبلى وبيضاء ، وألف الضمير في التثنية ، نحو : إذهبا .
والذي في أواخر الآيات الجارية مجرى أواخر الأبيات ، نحو : وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا « الأحزاب : 10 » فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا « الأحزاب : 67 » لكن هذه الألف لا تثبت معنى ، وإنما ذلك لإصلاح اللفظ .
ملاحظات
وضع الراغب هذا العنوان في ختام الباب اتباعاً لغيره من اللغويين . ويقصد بالألِفَات : المهموزة ، واللينة ، وفيها بحوث لا يتسع لها الكتاب ، فنكتفي ببعض كلمات اللغويين فيها :
قال الجوهري : 6 / 2542 : « الألف على ضربين : ليِّنَة ومتحركة . فاللينة تسمى ألفاً ، والمتحركة تسمى همزة » .
وقال ابن منظور : 1 / 17 : « الهمزة لا هجاء لها ، إنما تكتب مرة ألفاً ومرة ياء ومرة واواً ، والألف اللينة لاحرف لها ، إنما هي جزء من مَدة بعد فَتحة . والحروف ثمانية وعشرون حرفاً مع الواو والألف والياء ، وتتم بالهمزة تسعة وعشرين حرفاً » .
--------------------------- 94 ---------------------------
وفي مختار الصحاح / 9 : « الألف من حروف المد واللين والزيادات . وحروف الزيادات عشرة يجمعها قولك : اليوم تنساه . وقد تكون الألف في الأفعال ضمير الاثنين نحو فَعَلا ويفعلان ، وقد تكون في الأسماء علامة للإثنين ودليلاً على الرفع نحو : رجلان ، فإذا تحركت فهي همزة » .
وفي المغني « 1 / 13 » ملخصاً : « الألف المفردة : تكون حرفاً ينادى به القريب . وتكون للاستفهام وهي أصل أدواته ، ولهذا خصت بأحكام : أحدها : جواز حذفها ، سواء تقدمت على أم ، أم لم تتقدمها .
تدخل على النفي : ألم نشرح لك صدرك . أو لما أصابتكم مصيبة .
تأتي للإنكار الإبطالي ، وتقتضي أن ما بعدها غير واقع ومدعيه كاذب نحو : أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ . وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا . فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ . أَفَسِحْرٌ هَذَا . أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ . أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا . أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ .
وللإنكار التوبيخي ، فيقتضي أن ما بعدها واقع وأن فاعله ملوم نحو : أتعبدون ما تنحتون : أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ . أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ . أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ . أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا .
وللتقرير ، ومعناه حملك المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده ثبوته أو نفيه ، كقوله تعالى : أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا ، وهو يحتمل إرادة الاستفهام الحقيقي .
وللتهكم : أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا . وللأمر : أأسلمتم ، أي : أسلموا . وللتعجب : أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ . وللإستبطاء ، نحو : أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا » . « راجع : لسان العرب : 15 / 427 ، وتاج العروس : 20 / 361 » .
تم كتاب الألف
--------------------------- 95 ---------------------------
--------------------------- 96 ---------------------------
كتاب الباء وما يتصل بها
ب
بَتْك
البَتْكُ : يقارب البتّ ، لكن البتك يستعمل في قطع الأعضاء والشعر ، يقال بتك شعره وأذنه ، قال الله تعالى : فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ « النساء : 119 » ومنه : سيف باتك ، قاطع للأعضاء . وبتكت الشعر تناولت قطعة منه .
والبتكة : القطعة المنجذبة جمعها بتك ، قال الشاعر :
طارت وفي يدها من ريشها بَتْكُ
وأما البتُّ : فيقال في قطع الحبل والوصل ، ويقال طلقت المرأة بتةً وبتلةً ، وبَتَتُّ الحكم بينهما . وروي : لاصيام لمن لم يَبُتَّ الصوم من الليل .
والبشْكُ : مثله ، يقال في قطع الثوب ، ويستعمل في الناقة السريعة : ناقة بشكى وذلك لتشبيه يدها في السرعة بيد الناسجة ، في نحو قول الشاعر :
فِعْلُ السريعة بادرتْ حدَّادَها
قبل المساء تَهِمُّ بالإسراعِ
ملاحظات
ذكر ابن فارس أن أصل البتك قطع الشعر ونحوه باليد ، فهو نوع من النتف ، قال زهير يصف نتف ولد لطائر « مجمع البيان : 3 / 192 » :
حتى إذا هَوَتْ كفُّ الغلامِ لهُ
طارتْ وفي كفِّه من ريشها بَتَكُ
وفي تفسير الثعلبي « 3 / 192 » ما يقطع بالسكين ، ومنه الآية : فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ . ومثله المتْك . أما البتُّ فهو القطع ، قطع العلاقة ، وقطع الشئ ، وقطع الأمر عن الرجوع فيه ، ومنه اليمين الباتُّ ، والرأي الباتُّ ، والبَتُّ .
أما البَشْكُ فأصله الخفة في المشي : « يقال ناقة بشكى ، أي سريعة . ويقال امرأة بَشْكى : عمولٌ » . « المقاييس : 1 / 250 » .
--------------------------- 97 ---------------------------
بَتَرَ
البتر : يقارب ما تقدم « البتك » لكن يستعمل في قطع الذنَب ، ثم أجرى قطع العقب مجراه فقيل : فلان أبتر إذا لم يكن له عقب يخلفه ، ورجل أبتر وأباتر انقطع ذِكْرُهُ عن الخير ، ورجل أباتر يقطع رحمه .
وقيل على طريق التشبيه : خطبة بتراء ، لما لم يذكر فيها اسم الله تعالى ، وذلك لقوله عليه السلام : كل أمر لا يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر .
وقوله تعالى : إن شَانِئَكَ هُوَالأَبْتَرُ . « الكوثر : 3 » أي المقطوع الذِّكْر ، وذلك أنهم زعموا أن محمداً ينقطع ذكره إذا انقطع عمره لفقدان نسله ، فنبه تعالى أن الذي ينقطع ذكره هو الذي يشنؤه ، فأما هو فكما وصفه الله تعالى بقوله : وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ « الشرح : 4 » وذلك لجعله أباً للمؤمنين ، وتقييض من يراعيه ويراعى دينه الحق ، وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين رضي الله عنه بقوله : العلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة .
هذا في العلماء الذين هم أتباع النبي صلى الله عليه وآله ، فكيف هو وقد رفع الله عز وجل ذكره ، وجعله خاتم الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام .
ملاحظات
حاول علماء السلطة أن يُبعدوا الأبتر والكوثر عن الذرية ، حتى لا تكون فضيلة لذرية النبي صلى الله عليه وآله ! مع أن قوله تعالى : إن شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ، جواب لقول العاص بن وائل دعوا محمداً صلى الله عليه وآله فإنه أبتر لا عقب له يقوم بدعوته . فأجابهم الله تعالى بأنه أعطاه الكوثر من الذرية ، وأعطاه حوض الكوثر في المحشر ، وأعطاه نهر الكوثر في الجنة . وقال له : لست أبتر ، بل عدوك العاص الأبتر مقطوع العقب . ولذلك استدل بعضهم بالآية على أن العاص أبتر ، ونفى أبوَّته لعمرو .
فالمقصود الأول بالسورة المقابلة بين النبي صلى الله عليه وآله وعدوه ، وإثبات الذرية له ونفيها عن عدوه ، أما غير الذرية فمقصود ثان .
لكن الراغب تبع علماء السلطة وأبعد الأبتر والكوثر عن كثرة الذرية وتخبط فيه ! فجعل الأبتر خاصاً ببتر الذنب وأبعده عن النسب ! ثم جعل الكوثر رفع الذكر ، ثم جعله الذرية ، لكن جعله كل الأمة لأنهم بمثابة أولاد النبي صلى الله عليه وآله . ثم جعله علماء أمة النبي صلى الله عليه وآله لأنهم يرفعون ذكر النبي صلى الله عليه وآله !
ولم يجعلوه نسل النبي صلى الله عليه وآله من فاطمة الزهراء عليها السلام كما هو ظاهر اللفظ ! ولا جعلوهم عليهم السلام جزءً من الكوثر .
وهذا من عجيب تخبطهم .
بَتَلَ
قال تعالى : وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا « المزمل : 8 » أي انقطع في العبادة وإخلاص النية انقطاعاً يختص به . وإلى هذا المعنى أشار بقوله عز وجل : قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ « الأنعام : 91 » وليس هذا منافياً لقوله عليه الصلاة والسلام : لا رهبانية ولا تَبَتُّلَ في الإسلام ، فإن التبتل هاهنا هو الانقطاع عن النكاح ، ومنه قيل لمريم : العذراء البَتُول ، أي المنقطعة عن الرجال .
والانقطاع عن النكاح والرغبة عنه محظور لقوله عز وجل : وأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ . « النور : 32 » وقوله عليه الصلاة والسلام : تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة .
ونخلة مُبْتِل : إذا انفرد عنها صغيرة معها . ومثله البَتْل .
ملاحظات
البتل : القطع ، والتبتل الانقطاع فقط ، ويعرف معناه من حرف التعدية وغيره ، ويأتي بمعنى الانقطاع إلى الله ،
--------------------------- 98 ---------------------------
قال تعالى : وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً « المزّمّل : 8 » .
ومنه البتول المنقطعة إلى ربها كالزهراءعليها السلام ، أو المنقطعة عن الزواج كمريم عليها السلام .
ويستعمل التبتل في الدعاء للإشارة بالإصبع . ويقال الحج المبتول أي المقطوع ، وكذا العمرة .
وفي حديث الغدير : « فأتتني عزيمة من الله عز وجل بَتْلَة ، أوعدني إن لم أبلغ أن يعذبني فنزلت : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ . . » . « الكافي : 1 / 290 » والبتْلة : القطعية .
بَثَّ
أصل البَثِّ : التفريق وإثارة الشئ كبث الريح التراب ، وبثُّ النفس ما انطوت عليه من الغم والسر ، يقال : بَثَثْتُهُ فَانْبَثَّ ، ومنه قوله عز وجل : فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا « الواقعة : 6 » .
وقوله عز وجل : وَبَثَّ فِيها مِنْ كل دَابَّةٍ « البقرة : 164 » إشارة إلى إيجاده تعالى ما لم يكن موجوداً وإظهاره إياه .
وقوله عز وجل : كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ « القارعة : 4 » أي المهيَّج بعد ركونه وخفائه .
وقوله عز وجل : إنما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي « يوسف : 86 » أي غمِّي الذي أبثُّه عن كتمان فهو مصدر في تقدير مفعول ، أو بمعنى : غمي الذي بثَّ فكري ، نحو : توزَّعني الفكر . فيكون في معنى الفاعل .
ملاحظات
يفهم من قوله تعالى : وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ، وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ، أن البث توزيعٌ غير منظم ، مقابل المصفوف بانتظام ، وأن المبثوث هو المتفرق مقابل المجتمع .
واستعمل البث في القرآن مضافاً إلى ما تقدم في خلق نسل آدم وحواء عليهما السلام ونشره في الأرض : وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً .
وفي خلق الحيوانات في الأرض : وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كل دَابَّةٍ . وفي بث هباء الجبال قال تعالى : وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا . فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا . والبسُّ هو التفتيت . « الفائق : 2 / 4114 » .
بَجَسَ
يقال : بَجَسَ الماء وانْبَجَسَ : انفجر ، لكن الإنبجاس أكثر ما يقال فيما يخرج من شئ ضيق ، والإنفجار يستعمل فيه وفيما يخرج من شئ واسع ، ولذلك قال عز وجل : فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً « الأعراف : 160 » وقال في موضع آخر : فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً « البقرة : 60 » فاستعمل حيث ضاق المخرج اللفظان .
قال تعالى : وَفَجَّرْنا خِلالهما نَهَراً « الكهف : 33 » وقال : وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً « القمر : 12 » ولم يقل : بجسنا .
ملاحظات
ربط الراغب معنى الإنبجاس بمكان خروج الماء . والصحيح أنه صفة لخروج الماء بقطع النظر عن مكان خروجه ، ويستعمل له : انبثق لأول خروجه ، وانبجس لخروجه متواصلاً ، وانفجر وانثجر لقوة خروجه ، وأفعال أخرى لا علاقة لها بمكان خروجه .
قال الله تعالى : وَإن مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ ، وَإن مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ . فجعل تفجر الماء غير خروجه .
وعبَّر عن العيون التي فجرها النبي موسى عليه السلام بانفجر وانبجس ، حسب الغرض في وصف حركة الماء في أول انبجاسه ، أو في تفجره بقوة واستمرار ، ولم يميز اللغويون بدقة بين الإنبجاس والإنفجار .
وفَجَر الينبوع : جعله يتفجر ، قال تعالى : حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً . ومنه التفجير ، قال تعالى : عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا .
وفَجَرَ الشخص فجوراً : أصر على الباطل ، وخرج عن
--------------------------- 99 ---------------------------
حدود الشرع والأدب . قال تعالى : بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ . أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ .
وقد سمي فَجْر النهار فجراً ، لأنه نور ينفجر من الظلام ويطلع منه ، قال تعالى : سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ .
بَحَثَ
البحث : الكشف والطلب ، يقال بحثت عن الأمر وبحثت كذا ، قال الله تعالى : فَبَعَثَ الله غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ . وقيل : بحثت الناقة الأرض برجلها في السير إذا شدَّدَت الوطأ ، تشبيهاً بذلك .
ملاحظات
قال الخليل « 3 / 207 » : « البحث : طلبك شيئاً في التراب . وسؤالك مستخبراً . تقول : أستبحث عنه وأبحث ، وهو يبحث بحثاً . والبَحُوث من الإبل التي إذا سارت بحثت التراب بأيديها آخراً آخراً ، ترمي به إلى خلفها » .
أي تحثو التراب بيديها إلى خلفها ، تفعل ذلك باستمرار . فليس في البحث معنى الكشف كما تخيل الراغب ، بل هو استكشاف بهدف الكشف .
ولم ترد في القرآن إلا في : بَعَثَ الله غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأرض . وذكر اللغويون أن أصلها البحث في التراب ، ثم استعملت بمعنى التفتيش والإستكشاف .
بَحْر
أصل البحر : كل مكان واسع جامع للماء الكثير ، هذا هو الأصل ، ثم اعتبر تارة سعته المعاينة ( ! ) فيقال بحرت كذا أوسعته سعة البحر تشبيهاً به .
ومنه بَحَرْتُ البعير شققت أذنه شقاً واسعاً ، ومنه سميت البَحِيرَة ، قال تعالى : مَا جَعَلَ الله مِنْ بَحِيرَةٍ ، وذلك ما كانوا يجعلونه بالناقة إذا ولدت عشرة أبطن ، شقوا أذنها فيُسِيِّبُوها ، فلا تركب ولا يحمل عليها .
وسموا كل متوسع في شئ بحراً ، حتى قالوا فرس بحر باعتبار سعة جريه . وقال صلى الله عليه وآله في فرس ركبه : وجدته بحراً . وللمتوسع في علمه : بحر ، وقد تبحر : أي توسع في كذا ، والتبحر في العلم : التوسع . واعتبر من البحر تارة ملوحته ، فقيل ماء بحراني أي مالح ، وقد أبحر الماء ، قال الشاعر : وقد عادَ ماءُ الأرضِ بَحْرَاً فَزَادَنِي
إلى مَرَضي أن أُبْحِرَ المَشْرَبَ العَذْبَا
وقال بعضهم : البحر يقال في الأصل للماء المالح دون العذب ، وقوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ، إنما سمى العذب بحراً لكونه مع الملح ، كما يقال للشمس والقمر : قمران .
وقيل للسحاب الذي كثر ماؤه : بنات بحر . وقوله تعالى : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، قيل أراد في البوادي والأرياف لا فيما بين الماء . وقولهم : لقيته صَحْرَةً بَحْرَة ، أي ظاهراً حيث لا بناء يستره .
ملاحظات
اختلفوا في سبب تسمية البحر والبحِيرة . وجعله الجوهري « 2 / 585 » من السعة والعمق وجعل الخليل « 3 / 219 » اليَمَّ البحر الذي لا يدرك قعره ولا شطاه . « 8 / 431 » . وأخذ به الراغب .
والأسباب التي ذكروها غير مقنعة لأن في لفظ البحر عناصر أخرى ، فقد قالت العرب للأحمق والكذاب : الباحر ، لأنه إذا تكلم بُحِرَ وبقي كالمبهوت « القاموس : 1 / 368 » .
والعنصر المؤكد في أصل تسميته : الماء والسعة ، وهي سعة نسبية ، لأن العرب يسمون النهر بحراً ، قال تعالى : وَمَا يَسْتَوِى الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ . مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . فعبر عن العذب بالبحر
--------------------------- 100 ---------------------------
وهو قليل . وقال تعالى : حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً . ومعناه حتى أبلغ ملتقى البحرين المالحين ، أو العذبين ، أو المالح والعذب .
كما عبر عن البحر المحيط بالبحر أيضاً ، فقال تعالى : وَلَوْ أن مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ . وعن كل مياه الأرض : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ .
واستعمل البحر في القرآن نحو أربعين مرة ، وسمى السفن : الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعلامِ .
وقال تعالى : وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إنهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ وفسر بعضهم رهواً بأنها صفة حال البحر . وفسرها الخليل « 4 / 83 » وجماعة بأنها صفة مشي موسى عليه السلام بمعنى سيراً سهلاً ، وهو الصحيح .
وجمع ابن فارس « 2 / 446 » بين القولين فجعل الرهو أصلين : نعتاً للمشي ، ومنه نعت للبحر .
وقال تعالى يصف عمل الكفار : أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّىٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ .
واللجة : وسط البحر ، حيث لاتُرى أرض . « العين : 6 / 19 » .
وأبحر القوم إذا ركبوا البحر وأبروا أخذوا في البر . وبحرت الإبل أكلت شجر البحر ، كما سموا الروضة البحرة .
وقالوا لنوع من السحاب : بنات بحر ، وبنات بخر من البخار ، وقال بعضهم : بنات مخر بالميم . وتصور الداودي أن الراغب أخطأ فسماها بنات بحر وهي بالخاء ، لكن الخليل وغيره أوردوها بالحاء المهملة . « 3 / 220 » .
بَخْس
البَخْسُ : نقص الشئ على سبيل الظلم ، قال تعالى : وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ « هود : 15 » وقال تعالى : وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ « الأعراف : 85 » .
والبَخْسُ والبَاخِسُ : الشئ الطفيف الناقص . وقوله تعالى : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ « يوسف : 20 » قيل : معناه : بَاخِس ، أي ناقص ، وقيل مَبْخُوس أي منقوص . ويقال : تَبَاخَسُوا أي تناقصوا وتغابنوا فبخس بعضهم بعضاً .
ملاحظات
أجاد الراغب في تعميمه البخس . قال ابن السكيت / 74 : « البخس النقصان من الحق » . وقال الخليل « 4 / 203 » : « البخس : الظلم ، تبخس أخاك حقه فتنقصه » .
ويؤيده قوله تعالى : فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ . وذكر الفقهاء أن البخس قد يكون بأن يزيد في السلعةما لا يرغب فيه المشتري كما لو زاد على الباب قفلاً لا يريده المشتري .
وأشار عزّ وجل بقوله : وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ، إلى أن البخس يكون في الحق المادي والمعنوي ، بينما استعمل التطفيف في الأعم فقال تعالى : وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ . فشمل الكيل لهم وكيلهم أنفسهم .
أما البخص بالصاد فهو لحْمَةُ العين ، ويقال بَخَص عينه إذا ضربه عليها ، أو فقأها . « المقاييس : 1 / 206 » . ويستعار للتطفيف فيقال بخصه حقه ، أي نقصه وطففه .
بَخَعَ
البَخْعُ : قتل النفس غمّاً ، قال تعالى : فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ « الكهف : 6 » حثٌّ على ترك التأسف ، نحو : فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ « فاطر : 8 » قال الشاعر :
ألا أيُّ هَذا البَاخِعُ الوَجْدِ نفسَه
لشئ نَحَتْهُ عن يَدَيْكَ المقَادِرُ
وبخع فلان بالطاعة ، وبما عليه من الحق ، إذا أقرَّ به وأذعن ، مع كراهة شديدة تجري مجرى بخع نفسه في شدته .
--------------------------- 101 ---------------------------
ملاحظات
قال الخليل « 1 / 123 » : « بخع نفسه : قتلها غيظاً من شدة الوجد . بخعتُ به بخوعاً أي أقررتُ به على نفسي . وبخع بالطاعة أي أذعن وانقاد وسلس » .
فمعنى البخوع يعرف من مفعوله ومن حرف التعدية . والسلاسة في كلام الخليل بمعنى سهولة الانقياد ، وقد يكون البخوع بالطاعة عن كره كما في الزيارة الجامعة « طأطأ كل شريف لشرفكم وبخع كل متكبر لطاعتكم » . « الفقيه : 2 / 615 » وقد يكون طوعاً ، كما في الحديث النبوي : « أتاكم أهل اليمن ، هم أرق قلوباً ، وألين أفئدة وأبخع طاعة » . « الفايق : 1 / 74 » .
بَخِلَ
البُخْل : إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه ، ويقابله الجود . يقال بخل فهو باخل ، وأما البخيل فالذي يكثر منه البخل كالرحيم من الراحم .
والبخل ضربان : بخلٌ بقُنْيَاتِ نفسه وبخلٌ بقنيات غيره ، وهو أكثرهما ذماً . دليلنا على ذلك قوله تعالى : الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ .
ملاحظات
1 . قال الشريف المرتضى في رسائله : 2 / 265 : « البخل : منع المحتاج حقه الواجب من ماله » .
وأيده أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف / 125 ، فقال : « ولو كان إسماً لمن منع نفعاً خالصاً لوجب وصف كافة العقلاء به حتى الأنبياء والأوصياء عليهم السلام والفضلاء ، لأنه لا أحد منهم إلا وهو مانع ماله هذه الصفة ، وإنما هو مختص بمانع الواجب عليه لغيره » .
لكن البخل لا ينحصر بمنع العطاء الواجب شرعاً ، فالغني الذي يمتنع عن إعطاء أقاربه ما هو لازمٌ عرفاً ، يصح تسميته بخيلاً . فقد روى الصدوق في معاني الأخبار / 245 ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « البخيل حق البخيل : الذي يمنع الزكاة المفروضة من ماله ويمنع البائنة في قومه ، وهو في ما سوى ذلك يُبَذِّر » . والبائنة : العطية اللازمة عرفاً ، لأنها تَبِينُ من ماله .
أما الشح فهو شدة البخل مع حرص . « الصحاح : 1 / 378 » .
2 . الصحيح أن البخل لا يختص بالمال ، قال تعالى :
وَلايَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَخَيْرًا لَهُمْ . وما آتاهم أعم من المال .
3 . ذم القرآن الأغنياء الذين يبخلون فقال تعالى : وأما مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وقال في الأغنياء بعد الفقر : فَلما آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ .
وقال في تخفيف الله على الناس : إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ .
وكشف عن أن البخيل يبخل عن نفسه : وَمَنْ يَبْخَلْ فَإنمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ .
وذم الباخلين المبخلين لغيرهم : الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ .
وقال في جزاء البخلاء : بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
بدَرَ
قال تعالى : وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً « النساء : 6 » أي مسارعة ، يقال بَدَرْتُ إليه وبَادَرْتُ ، ويعبر عن الخطأ الذي يقع عن حدة : بَادِرَة . يقال : كانت من فلان بَوَادِر في هذا الأمر .
والبَدْرُ : قيل سمي بذلك لمبادرته الشمس بالطلوع ، وقيل : لامتلائه تشبيهاً بالبَدْرَةِ ، فعلى ما قيل يكون مصدراً في معنى الفاعل .
--------------------------- 102 ---------------------------
والأقرب عندي أن يجعل البدر أصلاً في الباب ثم تعتبر معانيه التي تظهر منه ، فيقال تارة : بَدَرَ كذا ، أي طلع طلوع البدر ، ويعتبر امتلاؤه تارة فشبه البدرة به . والبَيْدَرُ : المكان المرشح لجمع الغِلَّة فيه وملئه منه ، لامتلائه من الطعام .
وقال تعالى : وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ « آل عمران : 123 » وهو موضع مخصوص بين مكة والمدينة .
ملاحظات
الصحيح ما ذكره الخليل « 8 / 34 » من أنه سمي بدراً لأنه بادر بالطلوع عند غروب الشمس .
وجعله ابن فارس « 1 / 28 » أصلين والثاني الإسراع في الشيء ، وهو ضعيف .
ويقول المصريون : بدري ، لمن يذهب إلى الحقل مبكراً كأنه ذهب على ضوء البدر قبل الفجر .
بَدَعَ
الإِبْدَاع : إنشاء صنعة بلا احتذاء واقتداء ، ومنه قيل : ركيَّةٌ بَدِيع أي جديدة الحفر ، وإذا استعمل في الله تعالى فهو إيجاد الشئ بغير آلة ولا مادة ولا زمان ولا مكان ، وليس ذلك إل الله . والبديع : يقال للمُبْدِعِ ، نحو قوله تعالى : بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « البقرة : 117 » ويقال للمُبْدَع نحو : ركية بديع . وكذلك البِدْعُ يقال لهما جميعاً بمعنى الفاعل والمفعول .
وقوله تعالى : قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ « الأحقاف : 9 » قيل : معناه : مبدعاً لم يتقدمني رسول ، وقيل : مبدعاً فيما أقوله .
والبِدْعةُ في المذهب : إيراد قول لم يستن قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة وأماثلها المتقدمة وأصولها المتقنة ، وروي : كل مُحْدَثَةٍ بِدعة ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
والإِبْدَاع بالرجل : انقطاع الظهر به ، من كلال راحلته وهزالها .
ملاحظات
قال ابن فارس في المجمل : « أبدعت الشئ : لا عن مثال . والله عز وجل : بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ . وابتدع فلان الركيَّ : استنبطهُ . وفلان بدعٌ في هذا الأمر .
وأبدعتِ الراحلة : كَلَّتْ . وسميت البدعة ، لأن قائلها ابتدعها من غير مقال إمام » .
وفسر الراغب قوله تعالى : قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ بقوله : مبدعاً لم يتقدمني رسول ، وقيل : مبدعاً فيما أقوله . وهو يشمل الأمرين .
بَدَلَ
الإبدال والتبديل والتبَدُّل والإستبدال : جعل شئ مكان آخر ، وهو أعمُّ من العوض ، فإن العوض هو أن يصير لك الثاني بإعطاء الأول ، والتبديل قد يقال للتغيير مطلقاً وإن لم يأت ببدله . قال تعالى : فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ « البقرة : 59 » وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً « النور : 55 » . وقال تعالى : فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ . « الفرقان : 70 » قيل : أن يعملوا أعمالاً صالحة تبطل ما قدموه من الإساءة . وقيل : هو أن يعفو تعالى عن سيئاتهم ، ويحتسب بحسناتهم .
وقال تعالى : فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ « البقرة : 181 » . وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ « النحل : 101 » وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ « سبأ : 16 » ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ « الأعراف : 95 » . يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ « إبراهيم : 48 » أي تَغَيرُ عن حالها . أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ « غافر : 26 » وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ « البقرة : 108 » وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ « محمد : 38 » .
وقوله : ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ « ق : 29 » أي لا يغير ما سبق في اللوح المحفوظ ، تنبيهاً على أن ما علمه أن سيكون يكون على ما قد علمه ، لا يتغيرعن حاله . وقيل : لا يقع في قوله خلف .
--------------------------- 103 ---------------------------
وعلى الوجهين قوله تعالى : لَاتَبْدِيلَ لِكَلِماتِ الله « يونس : 64 » لاتَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله « الروم : 30 » قيل : معناه أمر وهو نهي عن الخصاء .
والأَبْدَال : قوم صالحون يجعلهم الله مكان آخرين مثلهم ماضين . وحقيقته : هم الذين بدلوا أحوالهم الذميمة بأحوالهم الحميدة ، وهم المشار إليهم بقوله تعالى : فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ « الفرقان : 70 » .
والبَأْدَلَة : ما بين العنق إلى الترقوة ، والجمع البَآدِل . قال الشاعر : ولا رَهِلٌ لَبَّاتُهُ وبآدلُهْ .
ملاحظات
1 . جعل الراغب التبديل والإبدال ، واحداً ، والصحيح ما قاله ابن فارس في المجمل : « بدَّلت الشئ : غيرتهُ وإن لم تأت له ببدل . وأبدلتُه إذا أتيت ببدله » .
2 . فسر الراغب قوله تعالى : فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ . بالأبدال الذين يبدلون أحوالهم إلى الأحسن .
ولا يصح ذلك ، لأن الآية تنص على استبدال شئ بشئ ، وليست كآية : ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ ، التي تجعل شيئاً مكان شئ . وقد عدى الفعل فيها مباشرة بدون حرف التعدية بل عداه بدون حرف ليدل على أنه يحول نفس سيئاتهم إلى حسنات ! وقال أهل البيت عليهم السلام : « يبدل الله سيئات شيعتنا حسنات ، ويبدل الله حسنات أعدائنا سيئات » . « علل الشرائع : 2 / 610 » .
3 . روى الطرفان في الأبدال ، أنهم جماعة إذا مات منهم شخص أبدله الله بآخر . ورووا : « لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الرحمن ، بهم تُغاثون وبهم تُرزقون وبهم تُمطرون » . « الجامع الصغير : 2 / 422 » .
وروينا أنهم أصحاب الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في غيبته ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة ، ولابد له في غيبته من عزلة ، ونعم المنزل طيبة ، وما بثلاثين من وحشة » . « الكافي : 1 / 340 » .
4 . لم يستوف الراغب موارد التبديل في القرآن ، وهي كثيرة ، وفيها حقائق ودقائق . فقد استعمل القرآن التبديل لازماً ومتعدياً ، وحذف المُبَدَّل منه أحياناً كقوله تعالى : وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ، ولم يقل يستبدل بكم . واستعمل : بدل ، وأبدل ، واستبدل ، وتبديل ، ومبدل ، وبدل .
فمنها : في نفي تبديل قول الله ، وكلام الله ، وكلمات الله ، وسنة الله ، وخلق الله .
ومنها : تهديد الأمة باستبدالها بغيرها ، أو بخير منها . ومنها : تهديد نساء النبي صلى الله عليه وآله بأن الله يبدله خيراً منهن : عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ .
ومنها : حكم استبدال الزوجة بغيرها : وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ .
ومنها : تبديل الله تعالى للأرض والسماوات : يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ .
ومنها : مَدْح الثابتين : وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً .
ومدح الذين يبدلون السيئة بالحسنة : إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ .
ومنها : في ذم الذين استبدلوا بالإيمان : وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ .
والذين استبدلوا ولاية الله بولاية إبليس : أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً .
والحكام الذين بدلوا نعمة الله بالإسلام بالكفر : بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا .
والذين تبدلوا الخبيث بالطيب : وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ
--------------------------- 104 ---------------------------
بِالطيِّبِ . والذين فضلوا الثوم على المن والسلوى : أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَأَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرُ .
ومنها : تبديل خوف المؤمنين بالأمن في دولة المهدي عليه السلام : وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا .
بَدَنَ
البَدَنُ : الجسد ، لكن البدن يقال اعتباراً بعظم الجثة ، والجسد يقال اعتباراً باللون ، ومنه قيل : ثوب مجسَّد ، ومنه قيل : امرأة بَادِنٌ وبَدِينٌ : عظيمة البدن . وسميت البُدنة بذلك لسمنها .
يقال : بَدَنَ إذا سمن ، وبَدَّنَ كذلك . وقيل : بل بَدَّنَ إذا أسنَّ ، وأنشد : وكنت خِلْتُ الشيبَ والتَّبْدِينَا
وعلى ذلك ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام : لا تبادروني بالركوع والسجود فإني قد بَدِنْتُ ، أي كبرت وأسننت .
وقوله تعالى : فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ « يونس : 92 » أي بجسدك ، وقيل : يعني بدرعك ، فقد يسمى الدرع بَدَنَةً لكونها على البدن ، كما يسمى موضع اليد من القميص يداً ، وموضع الظهر والبطن ظهراً وبطناً .
وقوله تعالى : وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ الله « الحج : 36 » هو جمع البَدَنَة التي تُهْدَى .
ملاحظات
1 . لا يصح قوله إن البدن سميَ جسداً باعتبار اللون . بل باعتبار الجسمية ولا علاقة للون به .
2 . روى في علل الشرائع « 1 / 59 » عن الإمام الرضا عليه السلام في تفسير : فَالْيَوْمَ نُنَجّيِكَ بِبَدَنِكَ : « كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد وقد لبسه على بدنه ، فلما أغرقه ألقاه الله على نجوةٍ من الأرض ببدنه ، ليكون لمن بعده علامة فيرونه مع تثقله بالحديد على مرتفع من الأرض ، وسبيل التثقيل أن يرسب ولا يرتفع فكان ذلك آية » .
بَدَا
بَدَا الشئ بُدُوّاً وبَدَاءً : أي ظهر ظهوراً بيِّناً ، قال الله تعالى : وَبَدا لَهُمْ مِنَ الله ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ « الزمر : 47 » وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا « الزمر : 48 » فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما . « طه : 121 » .
والبَدْوُ : خلاف الحضر ، قال تعالى : وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ « يوسف : 100 » أي البادية وهي كل مكان يبدو ما يعنُّ فيه ، أي يُعْرَض .
ويقال للمقيم بالبادية : بَادٍ ، كقوله تعالى : سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ « الحج : 25 » . لَوْ أَنهُمْ بادُونَ فِي الإعرابِ « الأحزاب : 20 » .
ملاحظات
1 . حسناً فعل الراغب ففسر بدا الشئ وبدا له الشئ ، بأنه مطلق الظهور ، ولم يشترط أن يكون ظهوره بعد خفائه ، فقد استعمله القرآن فيما لم يكن خافياً عليهم ، قال : بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَأنوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ . « الأنعام : 28 » .
بل يستعمل البُدُوُّ فيما لا ظهور فيه أبداً ، كقوله تعالى : ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ . « يوسف : 35 » فلم يكن سجن يوسف خافياً عليهم ثم ظهر ، ولا كانوا يخفونه ثم أظهروه ، بل معناه : ثم قرروا سجنه رغم الآيات . فليس فيه عنصر ظهور ولا إظهار !
وكذلك قوله تعالى : وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِالله وَحْدَهُ . « الممتحنة : 4 » ومعناه : قررنا أن نعاديكم ونبغضكم حتى تؤمنوا . وليس الإخبار عن العداوة .
وقوله تعالى : وَمَانَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ الرَّأْىِ . « هود : 27 » فيه معنى الظهور لكن الأولية فيه أقوى
--------------------------- 105 ---------------------------
لاشتقاقه من البِدء . وكذلك قول العرب : إفعل ما بدا لك . لا يعني ما ظهر لك ، بل ما أحببت .
2 . اتضح أن البِدَاء لا يعني أن الشئ لم يكن ظاهراً فظهر ، فلا يصح الإشكال على من يقول : بدا لله تعالى ، بأنه ينسب اليه تعالى أنه لم يكن عالماً بالشئ ثم علمه ، معاذ الله ، بل معناه القرار ، وليس الظهور بعد خفاء .
فالتشنيع علينا لقولنا بالبداء ، مغرضٌ ، أو ناتجٌ عن عدم فهم معنى البداء !
قال الإمام الصادق عليه السلام : « ما بدا لله في شئ ، إلا كان في علمه قبل أن يبدو له » . « الكافي : 1 / 148 » .
وحقيقة البداء : أن يكون الأمر جارياً في مسار فيقرر الله تعالى ما لم يكن في حسبان الناظر .
وقد روى البخاري « 4 / 146 » عن النبي صلى الله عليه وآله نفس هذا المعنى ، قال : « إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأعمى وأقرع ، بدا لله عز وجل أن يبتليهم ، فبعث إليهم ملكاً » .
وفي مصنف عبد الرزاق « 4 / 125 » : « فصالح النبي اليهود على أنكم تكفونا العمل ولكن شطر الثمر على أن أقركم ، ما بدا لله ورسوله » .
وفي مجمع الزوائد « 8 / 8 » : « حتى إذا بدا لله أن تطلع من مغربها فعلت » .
بَدَأَ
يقال : بَدَأْتُ بكذا وأَبْدَأْتُ وابْتَدَأْتُ : أي قدَّمت . والبَدْءُ والابتداء : تقديم الشئ على غيره ضرباً من التقديم .
قال تعالى : وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ « السجدة : 7 » وقال تعالى : كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ « العنكبوت : 20 » الله يَبْدَؤُا الْخَلْقَ « يونس : 34 » كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ « الأعراف : 29 » .
ومَبْدَأُ الشئ : هو الذي منه يتركب أو منه يكون . فالحروف مبدأ الكلام ، والخشب مبدأ الباب والسرير ، والنواة مبدأ النخل . يقال للسيد الذي يبدأ به إذا عُدَّ السادات : بَدْءٌ . والله هو المُبْدِئُ المُعِيد : أي هو السبب في المبدأ والنهاية . ويقال : رجع عَوْدُه على بدئه ، وفعل ذلك عائداً وبادئاً ، ومعيداً ومبدئاً .
وأَبْدَأْتُ من أرض كذا ، أي ابتدأت منها بالخروج .
وقوله تعالى : بَادِئَ الرَّأْي « هود : 27 » أي ما يبدأ من الرأي ، وهو الرأي الفطير ، وقرئ : بادِيَ بغير همزة ، أي الذي يَظْهَر من الرأي ولم يُرَوَّ فيه . وشئ بَدِئ : لم يعهد من قبل كالبديع في كونه غير معمول قبل .
والبُدْأَةُ : النصيب المبدأ به في القسمة ، ومنه قيل لكل قطعة من اللحم عظيمة بُدْءٌ .
ملاحظات
معنى باديَ الرأي : ما يبدو بالنظرة الأولى ، وقد يكون صحيحاً ، أو فطيراً .
ومعنى المُبْدِئُ المُعِيد : الخالق الباعث . وما يُبْدئُ الباطِلُ وما يُعِيدُ : الباطل لا يخلق شيئاً ، ولا يبعث .
ولم يذكر الراغب الفرق بين بَدَأَ وأَبْدَأَ . وجعلهما الخليل واحداً وهو بعيد ، قال : « والله بدأ الخلق وأبدأ واحد » . « العين : 8 / 83 » .
وجعل الراغب البُدْأة بضم الباء أول سهم في تقسيم اللحم ، وجعلها ابن منظور بمعنى النصيب من الجزور ،
« لسان العرب : 1 / 26 » . وقال : « وفي الحديث : إن النبيَّ صلى الله عليه وآله نَفَّلَ في البَدْأَةِ الرُّبُعَ وفي الرَّجْعَةِ الثُلثَ ، أَرادَ بالبَدْأَةِ ابتِداءَ سَفَرِ الغزو وبالرَّجْعةِ القُفُولَ منه » .
ولم يذكر الراغب البِدَاء ، وقال الخليل : « البداء يكني عنه الفعل : أبدى يبدي » « العين : 8 / 83 » .
وقال ابن فارس « 1 / 212 » : « تقول : بدا لي في هذا الأمر بداءً ، أي تغير رأيي عما كان عليه » . وتقدم أن معنى بدا
--------------------------- 106 ---------------------------
لله : قضى وأظهر وليس ظهر له كما يتوهم . أما الإنسان فقد يكون جاهلاً ثم يبدو له أي يظهر .
بَذَرَ
التبذير : التفريق . وأصله إلقاء البذر وطرحه ، فاستعير لكل مضيع لماله ، فتبذير البذر : تضييع في الظاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه .
قال الله تعالى : إن الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ « الإسراء : 27 »
وقال تعالى : وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً « الإسراء : 26 » .
ملاحظات
روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله : « إن التبذير من الإسراف » . « الكافي : 3 / 501 » .
وقال الخليل « 8 / 182 » : « والتبذير : إفساد المال وإنفاقه في السرف » .
وقال ابن فارس « 1 / 216 » : « البُذْرُ : القوم لا يكتمون حديثاً ولايحفظون ألسنتهم . قال علي عليه السلام : أولئك مصابيح الدجى ليسوا بالمساييح ولا المذاييع البُذْر » .
وقال ابن منظور « 4 / 51 » : « بَذَرْتُ الكلام بين الناس كما تُبْذَرُ الحبُوبُ أَي أَفشيته » .
ولا يقال في العربية تبذير البذر لبذره ، كما تخيل الراغب . بل يقال بذر البذر .
بَرَّ
البَرُّ : خلاف البحر ، وتُصُوِّرَ منه التوسع فاشتق منه البِرُّ ، أي التوسع في فعل الخير ، وينسب ذلك إلى الله تعالى تارة نحو : إنهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ . « الطور : 28 » وإلى العبد تارة ، فيقال : بَرَّ العبد ربه ، أي توسَّع في طاعته . فمن الله تعالى الثواب ، ومن العبد الطاعة .
وذلك ضربان : ضرب في الإعتقاد وضرب في الأعمال ، وقد اشتمل عليه قوله تعالى : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ « البقرة : 177 » وعلى هذا ما روي أنه سئل عليه الصلاة والسلام عن البِرِّ فتلى هذه الآية ، فإن الآية متضمنة للاعتقاد والأعمال الفرائض والنوافل .
وبِرُّ الوالدين : التوسع في الإحسان إليهما ، وضده العقوق ، قال تعالى : لا يَنْهاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ « الممتحنة : 8 » .
ويستعمل البِرُّ في الصدق لكونه بعض الخير المتوسع فيه ، يقال : بَرَّ في قوله ، وبرَّ في يمينه ، وقول الشاعر :
أكُونُ مَكَانَ البّرِّ مِنْهُ [ ودونه وأجعل ماله دونه وأؤامره ] قيل أراد به الفؤاد ، وليس كذلك ، بل أراد ما تقدم ، أي يحبني محبة البر .
ويقال : بَرَّ أباه فهو بَارٌّ وبَرٌّ ، مثل صائف وصيف ، وطائف وطيف . وعلى ذلك قوله تعالى : وَبَرًّا بِوالِدَتِي « مريم : 32 » . وبَرَّ في يمنيه فهو بَارٌّ ، وأَبْرَرْتُهُ ، وبَرَّتْ يميني . وحجٌّ مَبْرُور أي مقبول ، وجمع البار : أَبْرَار وبَرَرَة ، قال تعالى : إن الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ « الانفطار : 13 » وقال : كلا إن كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ « المطففين : 18 » .
وقال في صفة الملائكة : كِرامٍ بَرَرَةٍ « عبس : 16 » . فَبَرَرَةٌ خصَّ بها الملائكة في القرآن من حيث إنه أبلغ من أبرار ، فإنه جمع برٍّ ، وأبرار جمع بار . وبَرٌّ أبلغ من بَارٍّ ، كما أن عدلاً أبلغ من عادل . والبُرُّ : معروف ، وتسميته بذلك لكونه أوسع ما يحتاج إليه في الغذاء .
والبَرِيرُ : خُصَّ بثمر الأراك ونحوه . وقولهم : لا يعرف الهِرَّ من البِرّ ، من هذا . وقيل : هما حكايتا الصوت ، والصحيح أن معناه لا يعرف من يبره ومن يسئ إليه .
والبَرْبَرَةُ : كثرة الكلام ، وذلك حكاية صوته .
ملاحظات
1 . تفرد الراغب بجعل البِرَّ مشتقاً من البَرِّ ، وجعله التوسع
--------------------------- 107 ---------------------------
بالخير ، لأن البَرَّ واسعٌ . والأقرب أنه أصل مستقل .
قال ابن فارس « ا / 177 » : « أربعة أصول : الصدق ، وحكاية صوت ، وخلاف البحر ، ونبت . فأما الصدق فقولهم : صدق فلان وبرَّ .
ومن ذلك قولهم يَبِرُّ ربَّهُ أي يطيعه ، وهو من الصدق . وأما حكاية الصوت فالعرب تقول : لا يعرف هَرَّاً من بِر ، فالهَرُّ دعاء الغنم ، والبَرُّ الصوت بها إذا سيقت .
والأصل الثالث : خلاف البحر ، وأبَرَّ الرجل : صار في البر وأبْحَرَ صار في البحر .
وأما النبت : فمنه البُرّ وهي الحنطة ، الواحدة بُرَّة . أبرَّت الأرض إذا كثر بُرُّها » .
2 . البِرُّ : عمل الخير لنفع الآخرين ، قال تعالى : وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى . ولا يشترط أن يكون محتاجاً . « الفروق اللغوية / 312 » .
3 . والبِر : يشمل أنواع الإنفاق والصلة ، قال الإمام زين العابدين عليه السلام : « ووَجِّه فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ إِنْفَاقِي » « الصحيفة السجادية / 188 و 138 » .
ويشمل حسن التعامل ، قال أمير المؤمنين عليه السلام « نهج البلاغة : 4 / 89 » « ثلاث من أبواب البر : سخاء النفس ، وطيب الكلام ، والصبر على الأذى » .
4 . وقد وسعه النبي صلى الله عليه وآله لكل خير يطمئن به القلب فقال : « يا وابصة : البِرُّ ما اطمأن به الصدر ، والإثم ما تردد في الصدر وجال في القلب ، وإن أفتاك الناس وأفتوك » . « قرب الإسناد / 321 »
5 . وفسروه باللطف قال الإمام زين العابدين عليه السلام : « فَغَذَوْتَنِي بِفَضْلِكَ غِذَاءَ الْبَرِّ اللَّطِيفِ . إِلَى غَايَتِي هَذِه لَا أَعْدَمُ بِرَّكَ » . « الصحيفة السجادية / 152 » .
بَرَجَ
البُرُوج : القصور ، الواحد : بُرْج ، وبه سمِّي بروج السماء لمنازلها المختصة بها ، قال تعالى : وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ « البروج : 1 » وقال تعالى : تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً « الفرقان : 61 » .
وقوله تعالى : وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ « النساء : 78 » يصح أن يراد بها بروج في الأرض ، وأن يراد بها بروج النجم ، ويكون استعمال لفظ المشيدة فيها على سبيل الاستعارة ، وتكون الإشارة بالمعنى إلى نحو ما قال زهير :
ومن هابَ أسبابَ المنايا يَنلنَهُ
ولو نالَ أسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ
وأن تكون البروج في الأرض ، وتكون الإشارة إلى ما قال الآخر : ولو كنتُ في غَمْدَانَ يَحْرُسُ بابُه
أراجيل أحبوشٍ وأسودُ آلفُ
إذاً لأتتني حَيْثُ كُنْتُ مَنِيَّتِي
يَخِبُّ بها هادٍ لِإثْريَ قَائِفُ
وثوب مُبَرَّج : صُوِّرت عليه بروج واعتبر حسنه . فقيل : تَبَرَّجَتِ المرأة أي تشبهت به في إظهار المحاسن ، وقيل : ظهرت من برجها أي قصرها . ويدل على ذلك قوله تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأولى « الأحزاب : 33 » وقوله : غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ « النور : 60 » .
والبَرَجُ : سعة العين وحسنها ، تشبيهاً بالبرج في الأمرين .
ملاحظات
1 . قوله تعالى : وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ، أي حتى لو كنتم في بروج مبنية للمحافظة على حياة ساكنيها . فلا علاقة له ببروج السماء .
2 . جعل تبرج المرأة مشتقاً من البرج لشبهها به في الظهور ، أو لشبهها بمن خرج منه فظهر . وذلك لأنه جعل مادة بَرَجَ أصلاً واحداً ، فهو يريد توحيد أصلها . والصحيح قول ابن فارس « المقاييس : 1 / 238 » : « أصلان :
--------------------------- 108 ---------------------------
أحدهما البروز والظهور ، والآخر الوَزَر والملجأ . فمن الأول البَرَج ، وهو سعة العين في شدة سواد سوادها وشدة بياض بياضها . ومنه التبرج وهو إظهار المرأة محاسنها . والأصل الثاني البُرْج » .
بَرَحَ
البَرَاح : المكان المتسع الظاهر الذي لا بناء فيه ولا شجر ، فيعتبر تارة ظهوره فيقال : فعل كذا بَرَاحاً ، أي صراحاً لا يستره شئ . وبَرِحَ الخفاء : ظهر ، كأنه حصل في براح يرى ومنه : بَرَاحُ الدار .
وبَرِحَ : ذهب في البراح ، ومنه : البَارِحُ للريح الشديدة ، والبَارِحُ من الظباء والطير ، لكن خُصَّ البارح بما ينحرف عن الرامي إلى جهة لا يمكنه فيها الرمي فيتشاءم به ، وجمعه بَوَارِح ، وخُصَّ السانِح بالمقبل من جهة يمكن رميه ، ويُتَيَمَّن به . والبَارِحَة : الليلة الماضية .
وما بَرِحَ : ثبت في البراح ، ومنه قوله عز وجل : لا أَبْرَحُ . « الكهف : 60 » . وخُصَّ بالإثبات كقولهم : لا أزال ، لأن برح وزال اقتضيا معنى النفي ، ولا للنفي ، والنفيان يحصل من اجتماعهما إثبات ، وعلى ذلك قوله عز وجل : لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ « طه : 91 » وقال تعالى : لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ . « الكهف : 60 » .
ولما تُصُوِّرَ من البارح معنى التشاؤم ، اشتق منه التبْرِيح والتبَارِيح فقيل : بَرَّح بي الأمر ، وبَرَّح بي فلان في التقاضي ، وضربه ضرباً مُبَرِّحاً ، وجاء فلان بالبَرَح ، وأَبْرَحْتَ ربّاً وأبرحت جاراً ، أي أكرمت .
وقيل للرامي إذا أخطأ : بَرْحَى ، دعاءً عليه ، وإذا أصاب : مَرْحَى ، دعاءً له . ولقيت منه البرَحِينَ والبُرَحَاء ، أي الشدائد . وبُرَحَاء الحمّى : شدتها .
بَرَدَ
أصل البَرْد : خلاف الحر ، فتارة يعتبر ذاته فيقال : بَرَدَ كذا ، أي اكتسب برداً ، وبَرَدَ الماء كذا ، أي أكسبه برداً ، نحو :
ستُبْرِدُ أكباداً وتُبْكي بَوَاكِياً
ويقال : بَرَّدَهُ أيضاً . وقيل : قد جاء أَبْرَدَ ، وليس بصحيح . ومنه البَرَّادَة لما يُبَرِّدُ الماء ، ويقال : بَرَدَ كذا ، إذا ثبت ثبوت البرد ، واختصاص الثبوت بالبرد كاختصاص الحرارة بالحر ، فيقال : بَرَدَ كذا ، أي ثبت كما يقال : بَرَدَ عليه دين . قال الشاعر : اليوم يومٌ باردٌ سَمُومُهُ .
وقال الآخر : قد بَرَدَ الموتُ على مُصْطَلَاهُ .
أي ثبت . يقال : لم يَبْرُدْ بيدي شئ ، أي لم يثبت .
وبَرَدَ الإنسان : مات . وبَرَّدَه : قتله ، ومنه : السيوف البَوَارِد ، وذلك لما يعرض للميت من عدم الحرارة بفقدان الروح ، أو لما يعرض له من السكون .
وقولهم للنوم بَرْد : إما لما يعرض عليه من البرد في ظاهر جلده ، أو لما يعرض له من السكون . وقد علم أن النوم من جنس الموت لقوله عز وجل : الله يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها « الزمر : 42 » وقال : لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً « النبأ : 24 » أي نوماً .
وعيش بارد : أي طيب ، اعتباراً بما يجد الإنسان في اللذة في الحر من البرد ، أو بما يجد من السكون . والأبردان : الغداة والعشي ، لكونهما أبرد الأوقات في النهار .
والبَرَدُ : ما يَبْرُدُ من المطر في الهواء فيَصْلُبُ .
وبَرَد السحاب : اختص بالبَرَد ، وسحاب أَبْرَد وبَرِد : ذو بَرَد ، قال الله تعالى : وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ . « النور : 43 » .
والبَرْدِيُّ : نبت ينسب إلى البرد لكونه نابتاً به ، وقيل : أصل كل داء البَرَدَة ، أي التخمة ، وسميت بذلك لكونها
--------------------------- 109 ---------------------------
عارضة من البرودة الطبيعية التي تعجز عن الهضم .
والبَرُود : يقال لما يُبَرَّدُ به ، ولما يُبَرَّدُ ، فيكون تارة فعولاً في معنى فاعل ، وتارة في معنى مفعول ، نحو : ماء برود ، وثغر برود ، كقولهم للكحل : برود .
وبَرَدْتُ الحديد : سحلته ، من قولهم : بَرَّدْتُهُ ، أي قتلته .
والبُرَادَة : ما يسقط ، والمِبْرَدُ : الآلة التي يبرد بها .
والبُرُد في الطرق : جمع البَرِيد ، وهم الذين يلزم كل واحد منهم موضعاً منه معلوماً ، ثم اعتبر فعله في تصرفه في المكان المخصوص به ، فقيل لكل سريع : هو يَبْرُد ، وقيل لجناحي الطائر : بَرِيدَاه ، اعتباراً بأن ذلك منه يجري مجرى البريد من الناس في كونه متصرفاً في طريقه ، وذلك فرع على فرع ، حسب ما يبين في أصول الإشتقاق .
ملاحظات
استعمل القرآن ثلاث كلمات من هذه المادة « بَرَد وبَرْد وبَارد » في خمس آيات .
وجعل الراغب مادة بَرَدَ أصلاً واحداً ، بمعنى خلاف الحر ، وفرَّعَ منها حتى البريد ، والمبرد ، والبردي ، وبريدي الطائر بمعنى جناحيه . وذكر وجه اشتقاق بعضها دون بعض .
وقول ابن فارس أقوى « 1 / 241 » : « بَرَدَ : أصول أربعة ، أحدها : خلاف الحر . والآخر : السكون والثبوت . والثالث : الملبوس . والرابع : الاضطراب والحركة . وإليها ترجع الفروع » .
بَرَزَ
البَرَاز : الفضاء ، وبَرَزَ : حصل في براز ، وذلك إما أن يظهر بذاته نحو : وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً « الكهف : 47 » تنبيهاً [ على ] أنه تبطل فيها الأبنية وسكانها .
ومنه : المبارزة للقتال ، وهي الظهور من الصف ، قال تعالى : لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ « آل عمران : 154 » وقال عز وجل : وَلما بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ « البقرة : 250 » .
وإما أن يظهر بفضله ، وهو أن يسبق في فعل محمود . وإما أن ينكشف عنه ما كان مستوراً منه ، ومنه قوله تعالى : وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ « إبراهيم : 48 » وقال تعالى : يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ « غافر : : 16 » وقوله عز وجل : وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ « الشعراء : 91 » تنبيهاً على أنهم يعرضون عليها .
ويقال : تَبَرَّزَ فلان كناية عن التغوُّط .
وامرأة بَرْزَة : عفيفة ، لأن رفعتها بالعفة ، لا أن اللفظة اقتضت ذلك .
ملاحظات
استعملت المادة في القرآن في تسع آيات ، ذكر الراغب منها ستة . والتي لم يذكرها قوله تعالى : وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ . « النساء : 81 » . وقوله : وَبَرَزُوا للهِ جَمِيعاً . « إبراهيم : 21 » .
وقوله : وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى . « النازعات : 36 » .
وكلها يتسق تفسيرها بالظهور ، ولا يتسق بالفضاء ، كما قال الراغب .
وقد عبَّرَ القرآن : وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ، أي قُرِّبَتْ منهم وزينت ليدخلوها . وبُرِّزت الجحيم ، أي أظهرت ليروها ولو من بعيد .
بَرْزَخ
البَرْزَخ : الحاجز والحد بين الشيئين ، وقيل : أصله بَرْزَهْ فعُرِّب ، وقوله تعالى : بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ « الرحمن : 20 »
والبرزخ في القيامة : الحائل بين الإنسان وبين بلوغ المنازل الرفيعة في الآخرة ، وذلك إشارة إلى العقبة المذكورة في قوله عز وجل : فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ « البلد : 11 » .
قال تعالى : وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
--------------------------- 110 ---------------------------
« المؤمنون / 100 » وتلك العقبة موانع من أحوال لا يصل إليها إلا الصالحون . وقيل : البرزخ ما بين الموت إلى القيامة .
ملاحظات
1 . قال الخليل « 4 / 238 » : « البرزخ : ما بين كل شيئين ، والميت في البرزخ لأنه بين الدنيا والآخرة . وبرازخ الإيمان ما بين الشك واليقين . وما بين الظل والشمس برزخ » .
وقد نصت الأحاديث على أن البرزخ يبدأ من حين الموت إلى القيامة ، ففي الكافي « 3 / 242 » عن الإمام الصادق عليه السلام : « أما في القيامة فكلكم في الجنة بشفاعة النبي المطاع أو وصي النبي صلى الله عليه وآله ولكني والله أتخوف عليكم في البرزخ . قلت : وما البرزخ ؟ قال : القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة » .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام « نهج البلاغة : 2 / 206 و 212 » : سلكوا في بطون البرزخ سبيلاً » .
2 . أشار الراغب إلى أن أصل برزخ قد يكون كلمة برزه الفارسية ، بل هي مُعَرَّبَة منها ، ويكثر في الفارسية ما آخره خاء قبلها مفتوح ، مثل كلمة فرسخ المعربة عن كلمة فر سنگ . وقرأت بحثاً بعنوان : « المفردات الدخيلة / 36 ، و 139 » للغوي الإيراني عادل أشكبوس ، رجَّح فيه أن كلمة برزخ بالفارسية : بمعنى العالم الحسن ، مقابل دوزخ : بمعنى جهنم والعالم السيئ . وبهشت : بمعنى العالم الأعلى :
http : / / wwwashkbooscom / post / 359
بَرَصَ
البَرَصُ : معروف ، وقيل للقمر : أَبْرَص للنكتة التي عليه .
وسامٌّ أَبْرَص : سميَ بذلك تشبيهاً بالبرص .
والبَرِيصُ : الذي يلمع لمعان الأبرص ، ويقارب البصيص ، بصَّ يبصُّ : إذا برق .
ملاحظات
قال الله تعالى : وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ الله « آل عمران : 49 » .
وقال : تُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي . « المائدة : 110 » .
بَرَقَ
البَرْقُ : لمعان السحاب ، قال تعالى : فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ « البقرة : 19 » يقال : بَرِقَ وأَبْرَقَ وبَرَقَ ، يقال في كل ما يلمع ، نحو : سيف بَارِقٌ ، وبَرَقَ وبَرِقَ يقال في العين إذا اضطربت وجالت من خوف ، قال عز وجل : فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ « القيامة : 7 » وقرئ : بَرَقَ .
وتُصُوِّر منه تارة اختلاف اللون فقيل البُرْقَة للأرض ذات حجارة مختلفة الألوان .
والأبرق : الجبل فيه سواد وبياض . وسموا العين بَرْقَاء لذلك . وناقة بَرُوق : تلمع بذنبها .
والبَرُوقَة : شجرة تخضرُّ إذا رأت السحاب وهي التي يقال فيها : أشْكَرُ من بَروقة .
وبَرَقَ طعامه بزيت : إذا جعل فيه قليلاً يلمع منه . والبارقة والأُبَيْرِق : السيف لِلَمَعَانِه .
والبُرَاق : قيل هو دابة ركبها النبي صلى الله عليه وآله لما عُرج به ، والله أعلم بكيفيته .
والإِبْريق : معروف ، وتُصُوِّرَ من البرق ما يظهر من تجويفه . وقيل بَرَقَ فلان ورعد ، وأَبْرَقَ وأرعد : إذا تهدد .
ملاحظات
يقصد الراغب أن الإبريق سمي إبريقاً لأنهم تصوروا أن الماء الذي يخرج منه يبرق ، لكنه معرب من الفارسية ، وأصله آب ريز ، أو آب ريخت . أي صب الماء . والعجب من الراغب وابن فارس كيف يحاولان
--------------------------- 111 ---------------------------
إثبات أصول كلمات من العربية وهما فارسيان يريان أنها فارسية معربة . ويظهر أن الجو السائد كان يرفض أن يكون في القرآن كلمات معربة ، لتخيل الحكام أنه ينافي كونه قرآناً عربياً ، ولعلهم كانوا يعاقبون من يقول بذلك ، فخاف منهم اللغويون !
بَرَكَ
أصل البَرْك : صدر البعير ، وإن استعمل في غيره . ويقال له بَرَكَة .
وبَرَكَ البعير : ألقى بَرْكَهُ ، واعتُبِر منه معنى اللزوم فقيل ابْتَرَكُوا في الحرب ، أي ثبتوا ولازموا موضع الحرب . وبَرَاكَاء الحرب وبَرُوكَاؤُها ، للمكان الذي يلزمه الأبطال .
وابْتَرَكَتِ الدابة : وقفت وقوفاً كالبروك . وسمِّي محبس الماء : بِرْكَة .
والبَرَكَةُ : ثبوت الخير الإلهي في الشئ ، قال تعالى : لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ « الأعراف : 96 » وسمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة .
والمُبَارَك : ما فيه ذلك الخير ، على ذلك : وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ « الأنبياء : 50 » تنبيهاً على ما يفيض عليه من الخيرات الإلهية .
وقال : كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ « الأنعام : 155 » وقوله تعالى : وَجَعَلَنِي مُبارَكاً « مريم : 31 » أي موضع الخيرات الإلهية .
وقوله تعالى : إنا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ . « الدخان : 3 » رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً « المؤمنون : 29 » أي حيث يوجد الخير الإلهي .
وقوله تعالى : وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً « قاف : 9 » فبركة ماء السماء هي ما نبه عليه بقوله : أَلَمْ تَرَ إن الله أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ « الزمر : 21 »
وبقوله تعالى : وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ « المؤمنون : 18 »
ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لايُحَسُّ وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر ، قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة : هو مُبَارَكٌ وفيه بركة . وإلى هذه الزيادة أشير بما روي أنه : لا ينقص مال من صدقة . لا إلى النقصان المحسوس حسب ما قال بعض الخاسرين حيث قيل له ذلك فقال : بيني وبينك الميزان .
وقوله تعالى : تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً . « الفرقان : 61 » فتنبيهٌ على ما يفيضه علينا من نعمه بواسطة هذه البروج والنيرات المذكورة في هذه الآية . وكل موضع ذكر فيه لفظ تَبَارَكَ ، فهو تنبيه على اختصاصه تعالى بالخيرات المذكورة مع ذكر تبارك . وقوله تعالى : فَتَبارَكَ الله أَحْسَنُ الْخالِقِينَ . « المؤمنون : 14 » تَبارَك الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ . « الفرقان : 1 » تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ . « الفرقان : 10 » فَتَبارَكَ الله رَبُّ الْعالَمِينَ . « غافر : 64 » تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ « الملك : 1 » .
كل ذلك تنبيهٌ على اختصاصه تعالى بالخيرات المذكورة مع ذكر تبارك .
ملاحظات
1 . لم أجد عند اللغويين كلاماً مقنعاً في اشتقاق البَرَكة ، وجعل الراغب معناها الثبوت من جلوس البعير على بَرْكِهِ أي صدره ، وقريب منه كلام ابن فارس . « 1 / 227 » .
وجعلها بعضهم من بركة الماء . وأضاف بعضهم إليها معنى النمو وهو صحيح ، لأنه ظاهرٌ في استعمالها . فالبرَكة في الشئ بمعنى نموه وزيادته ، وبمعنى ثباته وعدم نقصانه .
--------------------------- 112 ---------------------------
والمفهوم من نصوص الإسلام وغيره من الأديان : أن البركة سرٌّ وعطاء رباني غيبي ، يمنحه للشخص أو الشئ أو العمل . وهو نوع من النمو والثبات .
لكن تعبير : « تبارك الله ، وتبارك اسمه » لاتقبل التفسير بالنمو ، فلا بد من تفسيرها بالتمجيد والتقديس ، وقالوا : معناها : تمجَّدَ وتقدس وتطهر بذاته ، ولو لم يمجده أحد .
قال الطوسي في التبيان « 7 / 470 » : « معنى تبارك : تقدس وجل ، بما لم يزل عليه من الصفات ولا يزال كذلك ولا يشاركه فيها غيره . وأصله من بروك الطير على الماء ، فكأنه قال : ثبت فيما لم يزل ولا يزال الذي نزل الفرقان على عبده . وقال الحسن : معناه الذي تجئ البركة من قبله ، والبركة الخير الكثير » .
2 . استعمل القرآن مادة بَرَكَ في أكثر من ثلاثين مورداً ، منها بارك ، وتبارك ، وبورك ، ومبارك ، وبركات .
والبركة : عالم واسع له أصوله وقوانينه ، وقد بينتها أحاديث النبي وآله صلى الله عليه وآله . وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول : « لا تأكلوا من رأس الثريد ، فإن البركة تأتي من رأس الثريد » . « المحاسن : 2 / 450 » . ويقول : « إياكم والحلف فإنه ينفق السلعة ويمحق البركة » . « الكافي : 6 / 162 » .
وعن الصادق عليه السلام : « إن النبي أتي بطعام حار جداً فقال : ما كان الله عز وجل ليطعمنا النار ، أقروه حتى يبرد ويمكن ، فإنه طعام ممحوق البركة للشيطان فيه نصيب » . « الكافي : 6 / 322 » .
وعنه عليه السلام : « إن مع الإسراف قلة البركة » . « الكافي : 4 / 55 » . وعنه عليه السلام قال : « دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على أم سلمة فقال لها : ما لي لا أرى في بيتك البركة ! قالت : بلى والحمد لله إن البركة لفي بيتي فقال : إن الله عز وجل أنزل ثلاث بركات : الماء والنار والشاة » . « الكافي : 6 / 545 » .
وعن الإمام الكاظم عليه السلام : « إياك والزنا فإنه يمحق البركة ويهلك الدين » . « الكافي : 5 / 542 » .
بَرَمَ
الإِبْرَام : إحكام الأمر ، قال تعالى : أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإنا مُبْرِمُونَ « الزخرف : 79 » . وأصله من إبرام الحبل وهو ترديد فتله ، قال الشاعر : على كل حالٍ من سَحِيلٍ ومُبْرَمِ
والبَرِيمُ : المُبْرَم أي المفتول فتلاً محكماً ، يقال : أَبْرَمْتُهُ فبَرِمَ ، ولهذا قيل للبخيل الذي لا يدخل في الميسر : بَرِم ، كما يقال للبخيل : مغلول اليد .
والمُبْرِم : الذي يلح ويشدد في الأمر تشبيهاً بمبرم الحبل ، والبَرِم : كذلك .
ويقال لمن يأكل تمرتين تمرتين : بَرِمٌ ، لشدة ما يتناوله بعضه على بعض .
ولما كان البريم من الحبل قد يكون ذا لونين ، سمي كل ذي لونين به من جيش مختلط أسود وأبيض ، ولغنم مختلط ، وغير ذلك .
والبُرْمَةُ : في الأصل هي القدر المبرمة ، وجمعها بِرَامٌ ، نحو حفرة وحفار ، وجعل على بناء المفعول ، نحو : ضحكة وهزأة .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة في آية واحدة ، بمعنى إحكام الأمر ، كما ذكر الراغب .
وقد فصَّل اللغويون في أصل أبرم ومشتقاته ، وجعلها ابن فارس « 1 / 231 » أربعة أصول : « إحكام الشئ ، والغرض به ، واختلاف اللونين ، وجنس من النبات » .
بَرَهَ
البُرْهَان : بيان للحجة ، وهو فُعْلان مثل : الرُّجحان
--------------------------- 113 ---------------------------
والثُّنْيَان ، وقال بعضهم : هو مصدر بَرِهَ يَبْرَهُ : إذا ابيضَّ ، ورجل أَبْرَهُ وامرأة بَرْهَاءُ ، وقوم بُرْهٌ . وبَرَهْرَهَة : شابة بيضاء .
والبُرْهَة : مدة من الزمان . والبُرْهَان : أوكد الأدلة ، وهو الذي يقتضي الصدق أبداً لا محالة ، وذلك أن الأدلة خمسة أضرب : دلالة تقتضي الصدق أبداً . ودلالةٌ تقتضي الكذب أبداً . ودلالةٌ إلى الصدق أقرب . ودلالةٌ إلى الكذب أقرب . ودلالةٌ هي إليهما سواء . قال تعالى : قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ « البقرة : 111 » قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ « الأنبياء : 24 » قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ « النساء : 174 » .
ملاحظات
قال الخليل : « البرهان : بيان الحجة وإيضاحها » . « العين : 4 / 49 » لكن الظاهر أن البرهان نفس الحجة وليس بيانها ، بل هو الدليل القوي . واستعمله القرآن بضع مرات في هذا المعنى .
بَرَأَ
أصل البُرْءِ والبَرَاءِ والتَبَرِّي : التفصِّي مما يُكره مجاورته ، ولذلك قيل : بَرَئْتُ من المرض ، وبَرِئْتُ من فلان وتَبَرَّأْتُ ، وأَبْرَأْتُهُ من كذا وبَرَّأْتُهُ ، ورجل بَرِئ وقوم بُرَآء وبَرِيئُون . قال عز وجل : بَراءَةٌ مِنَ الله وَرَسُولِهِ « التوبة : 1 » إن الله بَرِئ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ « التوبة : 3 »
وقال : أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِئ مِمَّا تَعْمَلُونَ « يونس : 41 » إنا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله « الممتحنة : 4 » وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إننِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ « الزخرف : 26 » فَبَرَّأَهُ الله مِمَّا قالُوا « الأحزاب : 69 » وقال : إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا « البقرة : 166 » .
والبارئ : خُصَّ بوصف الله تعالى ، نحو قوله : الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ « الحشر : 24 » . وقوله تعالى : فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ « البقرة : 54 » .
والبَرِيَّة : الخلق ، قيل أصله الهمز فترك . وقيل بل ذلك من قولهم : بَرَيْتُ العود ، وسميت برية لكونها مَبْرِيَّة من البَرَا ، أي التراب ، بدلالة قوله تعالى : خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ « غافر : 67 » وقوله تعالى : أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ « البينة : 7 » وقال : شَرُّ الْبَرِيَّةِ . « البينة : 6 » .
ملاحظات
1 . استعملت مادة بَرَأَ في القرآن أكثر من ثلاثين مرة ، فمنها : البرئ ، والمبرؤون ، والتبرؤ ، والبارئ سبحانه ، والبرية .
وجعل الراغب أصلها التبرؤ من العيب ، وسماه البُعد عما يُكره ، وجعل البرية مشتقة من البرا ، وهو التراب .
والصحيح ما ذكره الخليل « 8 / 298 » وابن فارس « 1 / 236 » أن برأ أصلان : أحدهما : الخلق ، يقال برأ الله الخلق يبرؤهم بَرْءً . والبارئ الله جل ثناؤه .
والثاني : التباعد من الشئ ومزايلته ، ومنه السلامة من السقم ، يقال برئتُ وبَرَّأتُ . ومنه بارأتُ الرجل ، أي برئت إليه وبرئ إلي . ومنه بُرَآء : على قياس فعلاء : جمع البرئ ، ومن ترك الهمز قال : بُراء . وبَرْآء على قياس فعلاء : جمع البرئ ، ومن ترك الهمز قال : براء .
2 . قال أبو هلال في الفروق / 95 : « الفرق بين البَرْأ والخلق : أن البَرْأ هو تمييز الصورة ، وقولهم برأ الله الخلق : أي ميز صورهم » .
واشتهر قسم أمير المؤمنين عليه السلام : « فوالذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة » . وفي المقنعة / 324 ، في دعاء رمضان : « سبحان الله بارئ النسم ، سبحان الله المصور ، سبحان الله خالق الأزواج كلها » .
بَزَغَ
قال تعالى : فَلما رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً . « الأنعام : 78 » فَلما رَأَى
--------------------------- 114 ---------------------------
الْقَمَرَ بازِغاً . « الأنعام : 77 » أي طالعاً منتشر الضوء . وبَزَغَ النَّابُ تشبيهاً به ، وأصله من بَزَغَ البيطارُ الدَّابَّةَ ، أسال دمها فبزغ هو ، أي سال .
ملاحظات
اتفق اللغويون على أن البزوغ مأخوذ من تشريط البيطار للدابة بمبزغ حديد حتى يبزغ دمها .
ففي أساس البلاغة / 45 : « بزغ البيطار الدابة بزغاً وبزغها تبزيغاً ، إذا شق أشعرها بمبزغه . وبزغ النابُ : إذا شق اللحم فخرج » . فبزوغ الشمس : شقُّها للأفق حتى يبدو طلوعها ، كما قال الخليل « العين : 4 / 385 » .
لكن اشتقاق بزوغ الشمس من بزوغ الدم غير مقنع ، وقد أجاد ابن منظور « 8 / 418 » فجعل الأمر بالعكس ، فإن تعامل الإنسان مع الشمس قبل تعامله مع مبزغ البيطار . قال : « بَزَغَتِ الشمسُ تَبْزُغُ بَزْغاً وبُزُوغاً : بدا منها طُلوعٌ أَو طَلَعَت وشَرَقَتْ . وفي التنزيل : فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا . ومن هذا يقال : بَزَغَ البَيْطارُ أَشاعِرَ الدابة وبضعها ، إِذا شق ذلك المكان » .
بَسَّ
قال الله تعالى : وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسّاً « الواقعة : 5 » أي فُتِّتَتْ ، من قولهم : بَسَسْتُ الحنطة والسويق بالماء : فَتَتُّهُ به ، وهي بَسِيسَةٌ .
وقيل : معناه سُقْتُ سوقاً سريعاً ، من قولهم : انْبَسَّتِ الحَيَّاتُ : انسابت انسياباً سريعاً ، فيكون كقوله عز وجل : وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ « الكهف : 47 » وكقوله : وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ « النمل : 88 » .
وبَسَسْتُ الإبلَ : زجرتها عند السوق ، وأَبْسَسْتُ بها عند الحلب : أي رققت لها كلاماً تسكن إليه .
وناقةٌ بَسُوسٌ : لاتدرُّ إلا على الإِبْسَاس ، وفي الحديث : جاء أهل اليمن يَبُسُّونَ عيالهم . أي كانوا يسوقونهم .
ملاحظات
قال ابن فارس « 1 / 181 » : « الباء والسين : أصلان أحدهما السَّوْق ، والآخر فتُّ الشئ وخلطه » . وقد استعمل البسُّ في آية واحدة هي قوله تعالى : إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا . وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا . فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا . « الواقعة : 4 » . وهي صريحة في أن الجبال تُذرى حتى تكون هباءً ، وهي غير حركة الجبال في قوله تعالى : وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ . وغير تسييرها يوم القيامة : وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ .
بَسَرَ
البَسْرُ : الاستعجال بالشئ قبل أوانه ، نحو : بَسَرَ الرجل الحاجة : طلبها في غير أوانها ، وبَسَرَ الفحل الناقة : ضربها قبل الضبعة ، وماء بَسْر : متناول من غديره قبل سكونه .
وقيل للقرح الذي ينكأ قبل النضج : بَسْر ، ومنه قيل لما لم يدرك من التمر : بُسْر .
وقوله عز وجل : ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ « المدثر : » أي أظهر العبوس قبل أوانه وفي غير وقته .
فإن قيل : فقوله : وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ « القيامة : 24 » ليس يفعلون ذلك قبل الوقت ، وقد قلت : إن ذلك يقال فيما كان قبل الوقت !
قيل : إن ذلك إشارة إلى حالهم قبل الانتهاء بهم إلى النار ، فخُصَّ لفظ البَسْر تنبيهاً على أن ذلك مع ما ينالهم من بعد يجري مجرى التكلف ومجرى ما يفعل قبل وقته ، ويدل على ذلك قوله عز وجل : تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ « القيامة : 25 » .
ملاحظات
استعملت مادة بَسَرَ في الآيتين المذكورتين فقط ، واتفق اللغويون على أن العجلة عنصر في
--------------------------- 115 ---------------------------
معناها . « العين : 7 / 250 ، والمقاييس : 1 / 249 » .
وكأن بُسْر التمر سميَ بذلك لأنهم يعجلون في قطفه قبل نضجه . فمعنى : ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ، أنه عبس واستعجل فغضب .
ومعنى : وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ . تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ . أنها قبل الجنة والنار تستعجل الغضب لأنها تتوقع الحكم عليها بالنار .
ومعنى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . أنها في المحشر تستشرف ثواب ربها لا أنها تنظر إلى ذات الله ، كما زعمت المجسمة .
بَسَطَ
بَسْطُ الشئ : نَشْرُهُ وتوسيعه ، فتارة يُتصور منه الأمران ، وتارة يتصور منه أحدهما .
ويقال : بَسَطَ الثوب : نشره ، ومنه : البِسَاط ، وذلك اسم لكل مَبْسُوط ، قال الله تعالى : والله جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً « نوح : 19 » والبِسَاط : الأرض المتسعة . وبَسِيط الأرض : مبسوطه .
واستعار قوم البسط لكل شئ لا يتصور فيه تركيب وتأليف ونظم . قال الله تعالى : والله يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ « البقرة : 245 » . وقال تعالى : وَلَوْ بَسَطَ الله الرِّزْقَ لِعِبادِهِ « الشورى : 27 » أي لو وسَّعه . وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ « البقرة : 247 » أي سَعَةً .
قال بعضهم : بَسْطَتُهُ في العلم : هو أن انتفع هو به ونفع غيره ، فصار له به بسطة ، أي جوداً .
وبَسْطُ اليد : مدها ، قال عز وجل : وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ « الكهف : 18 » .
وبَسْطُ الكف : يستعمل تارة للطلب نحو : كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ « الرعد : 14 » وتارة للأخذ نحو : وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ « الأنعام : 93 » . وتارة للصولة والضرب ، قال تعالى : وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ « الممتحنة : 2 » وتارة للبذل والإعطاء : بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ « المائدة : 64 » .
والبَسْطُ : الناقة تترك مع ولدها ، كأنها المبسوط نحو النكث والنقض في معنى المنكوث والمنقوض ، وقد أَبْسَطَ ناقَتَه أي تركها مع ولدها .
ملاحظات
أجاد الراغب في تدوين هذه المادة ، ولم أجد ما ينبغي إضافته ، أو التنبيه عليه . ولعلها أدق ما كتبه .
بَسَقَ
قال الله عز وجل : وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ « ق : 10 » أي طويلات .
والباسق : هو الذاهب طولاً من جهة الارتفاع ومنه : بَسَقَ فلان على أصحابه : علاهم .
وبَسَقَ وبصق أصله بزق . وبَسَقَتِ الناقة : وقع في ضرعها لِبَاء قليل كالبساق ، وليس من الأول .
ملاحظات
إبدال الحروف المتقاربة شائع في لغة العرب ، ومنه إبدال بزق وبصق ببسق . وقد تصور بعضهم أن بسقت المرأة والناقة والشاة بمعنى حملت ، فقال إن معنى باسقات حاملات ، وهو اشتباه لأن الباسق المرتفع في السماء طولاً باستقامة .
وبَسَقَتِ الأنثى : درت لبناً قبل الولادة ، كأنها بصقت . قال ابن فارس « 1 / 247 » : « المبساق التي تدر قبل نتاجها » .
بَسَلَ
البَسْلُ : ضم الشئ ومنعه . ولتضمنه لمعنى الضم استعير لتقطيب الوجه ، فقيل هو بَاسِل ومُبْتَسِل الوجه . ولتضمنه
--------------------------- 116 ---------------------------
لمعنى المنع قيل للمحرم والمرتهن : بَسْلٌ .
وقوله تعالى : وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ « الأنعام : 70 » أي تحرم الثواب .
والفرق بين الحرام والبَسْل : أن الحرام عامٌّ فيما كان ممنوعاً منه بالحكم والقهر ، والبسل هو الممنوع منه بالقهر ، قال عز وجل : أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا « الأنعام : 70 » أي حرموا الثواب . وفسر بالإرتهان لقوله : كل نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ « المدثر : 38 » .
قال الشاعر : وإبْسَالي بَنِيَّ بغير جُرْمٍ
وقال آخر : فإن تَقْوَيَا منهم فَإنَّهُمُ بُسْلُ
أقوى المكان : إذا خلا . وقيل للشجاعة : البَسالة إما لما يوصف به الشجاع من عبوس وجهه ، أو لكون نفسه محرماً على أقرانه لشجاعته ، أو لمنعه لما تحت يده عن أعدائه . وأَبْسَلْتُ المكان : حفظته وجعلته بسلاً على من يريده .
والبُسْلَةُ : أجرة الراقي ، وذلك لفظ مشتق من قول الراقي : أَبْسَلْتُ فلاناً ، أي جعلته بَسَلاً ، أي شجاعاً قوياً على مدافعة الشيطان أو الحيات والهوام ، أو جعلته مُبْسَلاً ، أي محرماً عليها .
وحكي : بَسَّلْتُ الحنظل : طيبته ، فإن يكن ذلك صحيحاً فمعناه : أزلت بَسَالَتَه ، أي شدته ، أو بَسْلَهُ أي تحريمه ، وهو ما فيه من المرارة الجارية مجرى كونه محرماً .
وبَسَلْ : في معنى أجَلْ ، وبَسَّ .
ملاحظات
استعمل القرآن البَسْل في الآيتين المذكورتين فقط .
والرهين : المحبوس بما كسب ، والمُبْسَل محبوسٌ بما كسب ، والفرق بينهما أن المحبوس المبسل ممنوع من التقدم لأن الإبسال منع من خير أو تقدُّم ، والرهينة محبوس عن الحركة . والمحبوس المبسل لا استثناء فيه ، والمحبوس الرهينة يستثنى منه أصحاب اليمين ، قال تعالى : كل نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ . وهو استثناء ملفتٌ لفئة لها أعمال سيئة ، لكنها لا ترتهن بها !
وقد تحير فيهم المفسرون وقال بعضهم إنهم أطفال المسلمين « الحاكم : 2 / 507 » لكن أطفال المسلمين لاذنوب لهم ليستحقوا أن يُبسلوا بها !
وفسرهم بعضهم بقوم صالحين . وقال بعضهم الملائكة ! « الطبري : 29 / 206 » . وقال الإمام الباقر عليه السلام : « نحن وشيعتنا أصحاب اليمين » . « الكافي : 1 / 434 ، وشرح الأخبار : 3 / 455 » . وصدق عليه السلام لأنه لا يصح تفسيرها بغير ذلك .
بَسَمَ
قال تعالى : فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها . « النمل : 19 » .
بَشَرَ
البَشَرَة : ظاهر الجلد ، والأدمة : باطنه ، كذا قال عامة الأدباء ، وقال أبو زيد بعكس ذلك ، وغلَّطه أبو العباس وغيره . وجمعها بَشَرٌ وأَبْشَارٌ .
وعُبِّر عن الإنسان بالبَشَر اعتباراً بظهور جلده من الشعر ، بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف أو الشعر أو الوبر . واستوى في لفظ البشر الواحد والجمع . وثُنِّيَ فقال تعالى : أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ « المؤمنون : 47 » . وخصَّ في القرآن كل موضع اعتبر من الإنسان جثته وظاهره ، بلفظ البشر ، نحو : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً « الفرقان : 54 » وقال عز وجل : إني خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ « ص : 71 » .
ولما أراد الكفار الغض من الأنبياء اعتبروا ذلك فقالوا : إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ « المدثر : 25 » وقال تعالى : أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ « القمر : 24 » ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا « يس : 15 » أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا « المؤمنون 47 » فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا « التغابن : 6 »
--------------------------- 117 ---------------------------
وعلى هذا قال : إنما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ « الكهف : 110 » تنبيهاً على أن الناس يتساوون في البشرية ، وإنما يتفاضلون بما يختصون به من المعارف الجليلة والأعمال الجميلة ، ولذلك قال بعده : يُوحى إِلَيَّ « الكهف : 110 » تنبيهاً [ على ] أني بذلك تميزت عنكم .
وقال تعالى : لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ « مريم : 20 » فخصَّ لفظ البشر . وقوله : فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا « مريم : 17 » فعبارة عن الملائكة ، ونبه [ على ] أنه تشبه لها وتراءى لها بصورة بشر .
وقوله تعالى : مَا هَذَا بَشَراً « يوسف : 31 » فإعظام له وإجلال ، وأنه أشرف وأكرم من أن يكون جوهره جوهر البشر .
وبَشَرْتُ الأديم : أصبت بشرته ، نحو أنِفْتُهُ ورَجَلْتُهُ ، ومنه : بَشَرَ الجرادُ الأرضَ إذا أكلها .
والمباشرة : الإفضاء بالبشرتين ، وكنيَ بها عن الجماع في قوله : وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ « البقرة : 187 » وقال تعالى : فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ « البقرة : 187 » .
وفلان مُؤْدَم مُبْشَر : أصله من قولهم : أَبْشَرَهُ الله وآدمه ، أي جعل له بشرة وأدمة محمودة ، ثم عبر بذلك عن الكامل الذي يجمع بين الفضيلتين الظاهرة والباطنة . وقيل معناه : جمع لين الأدمة وخشونة البشرة .
وأَبْشَرْتُ الرجل وبَشَّرْتُهُ وبَشَرْتُهُ : أخبرته بسارٍّ بسط بشرة وجهه ، وذلك أن النفس إذا سُرَّتْ انتشر الدم فيها انتشار الماء في الشجر ، وبين هذه الألفاظ فروق ، فإن بشرته عام ، وأبشرته نحو : أحمدته ، وبشرته على التكثير .
وأبَشَرَ : يكون لازماً ومتعدياً ، يقال : بَشَرْتُهُ فَأَبْشَرَ ، أي اسْتَبْشَرَ ، وأَبْشَرْتُهُ . وقرئ : يُبَشِّرُكَ « آل عمران : 39 » ويُبْشِرُكَ ويَبْشُرُكَ ، قال الله عز وجل : لا تَوْجَلْ إنا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ . وقالَ : أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحق « الحجر : 53 » .
واستبشر : إذا وجد ما يبشره من الفرح ، قال تعالى : وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ « آل عمران : 170 » يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ « آل عمران : 171 » وقال تعالى :
وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ « الحجر : 67 » .
ويقال للخبر السار : البِشارة والبُشْرَى ، قال تعالى : لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ « يونس : 64 » وقال تعالى : لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ « الفرقان : 22 » وَلما جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى « هود : 69 » يا بُشْرى هذا غُلامٌ « يوسف : 19 » وَما جَعَلَهُ الله إِلَّا بُشْرى « الأنفال : 10 » .
والبشير : المُبَشِّر ، قال تعالى : فَلما أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً « يوسف : 96 » فَبَشِّرْ عِبادِ « الزمر : 17 » وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ « الروم : 46 » أي تبشر بالمطر .
وقال صلى الله عليه وآله : انقطع الوحي ولم يبق إلا المُبَشِّرَات وهي الرؤيا الصالحة ، يراها المؤمن أو ترى له .
وقال تعالى : فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ « يس : 11 » وقال : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ « آل عمران : 21 » بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأن لَهُمْ « النساء : 138 » وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ « التوبة : 3 » فاستعارة ذلك تنبيهٌ [ على ] أن أسرَّ ما يسمعونه الخبر بما ينالهم من العذاب ، وذلك نحو قول الشاعر : تحيَّةُ بينِهم ضربٌ وجيعُ
ويصح أن يكون على ذلك قوله تعالى : قُلْ تَمَتَّعُوا فَإن مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ « إبراهيم : 30 » .
وقال عز وجل : وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ « الزخرف : 17 » .
ويقال : أَبشرَ ، أي وجد بشارة ، نحو : أبقل وأمحل ، وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ « فصلت : 30 » .
وأبشرت الأرض : حَسُنَ طلوع نبتها ، ومنه قول ابن مسعود : من أحبَّ القرآن فليَبْشُر . أي فليسر . قال الفرّاء : إذا ثُقِّل فمن البشرى ، وإذا خُفِّف فمن السرور . يقال :
--------------------------- 118 ---------------------------
بَشَرْتُهُ فَبَشَرَ ، نحو : جبرته فجبر ، وقال سيبويه : فَأَبْشَرَ ، قال ابن قتيبة : هو من بشرت الأديم ، إذا رققت وجهه ، قال : ومعناه فليضمِّر نفسه ، كما روي : إن وراءنا عقبة لا يقطعها إلا الضُّمَّر من الرجال . وعلى الأول قول الشاعر :
فَأَعِنْهُمُ وأَبْشِرْ بما بَشَرُوا
به وإذا هُمْ نَزَلُوا بِضَنْكٍ فانزلِ
وتَبَاشِير الوجه وبِشْرُهُ : ما يبدو من سروره ، وتباشير الصبح : ما يبدو من أوائله . وتباشير النخيل : ما يبدو من رطبه ، ويسمى ما يعطى المبشر : بُشْرَى وبشَارَة .
ملاحظات
1 . جعل اللغويون البشارة مشتقة من البشرة ، لأنها توجب السرور الذي يظهر على الوجه والبشرة . « المقاييس : 1 / 251 » وهذا من ميلهم إلى توحيد جذره . وقد تكون من أصلين : البشرة والبشارة . وقد استعملهما القرآن بشكل واسع في عشرات الآيات فعبر بالبَشَر عن آدم والرسل والإنسان ، وبالبشارة عن بشارات الله تعالى وسمى الأنبياء عليهم السلام مبشرين ، وسمى رسوله صلى الله عليه وآله بشيراً للناس .
وبشر المحسنين والمؤمنين والمسلمين ، ووصفهم بالمستبشرين بنعم الله تعالى في الدنيا وبالجنة . وجعل لهم البشرى لنجاتهم من عبادة الطاغوت . ووصف الرياح بأنها مبشرات بالمطر والخير . . الخ .
2 . في نسخ المفردات : بَشَرَ الجَرَادُ الأرضَ ، إذا أكلته ، والصحيح أكلها . قال ابن منظور : « 4 / 60 » : « بَشَرَ الجرادُ الأَرضَ يَبْشُرُها ، بَشراً : قَشَرَها وأَكل ما عليها ، كأَن ظاهر الأَرض بَشَرَتُها » .
بَصَرَ
البَصَر : يقال للجارحة الناظرة نحو قوله تعالى : كَلَمْحِ الْبَصَرِ « النحل : 77 » وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ « الأحزاب : 10 » وللقوة التي فيها . ويقال لقوة القلب المدركة : بَصِيرَة وبَصَر ، نحو قوله تعالى : فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ « ق : 22 » .
وقال : ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى « النجم : 17 » .
وجمع البصر : أَبْصَار ، وجمع البصيرة : بَصَائِر ، قال تعالى : فَمَا أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ « الأحقاف : 26 » .
ولا يكاد يقال للجارحة بصيرة ، ويقال من الأول : أبصرتُ ، ومن الثاني : أبصرتُه وبصرتُ به . وقلما يقال بصرتُ في الحاسة ، إذا لم تضامَّهُ رؤية القلب .
وقال تعالى في الأبصار : لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ « مريم : 42 » وقال : رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا « السجدة : 12 » وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ « يونس : 43 » وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ « الصافات : 179 » بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ « طه : 96 » ومنه : أَدْعُوا إِلَى الله عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي « يوسف : 108 » أي على معرفة وتحقق .
وقوله : بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ . « القيامة : 14 » أي بصيرة تبصره ، فتشهد له وعليه يوم القيامة ، كما قال تعالى : تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ « النور : 24 » .
والضرير : يقال له بصير على سبيل العكس ، والأولى أن ذلك يقال لما له من قوة بصيرة القلب لا لما قالوه ، ولهذا لا يقال له : مبصر وباصر .
وقوله عز وجل : لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِك الْأَبْصارَ « الأنعام : 103 » حمله كثير من المفسرين على الجارحة .
وقيل : ذلك إشارة إلى ذلك وإلى الأوهام والأفهام ، كما قال أمير المؤمنين رضي الله عنه : التوحيد أن لا تتوهمه . وقال : كل ما أدركته فهو غيره .
والبَاصِرَة : عبارة عن الجارحة الناظرة ، يقال : رأيته لمحاً باصراً ، أي نظراً بتحديق ، قال عز وجل : فَلما اءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً « النمل : 13 » وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً « الإسراء : 12 » أي مضيئة للأبصار . وكذلك قوله عز وجل : وَآتَيْنا ثَمُودَ
--------------------------- 119 ---------------------------
النَّاقَةَ مُبْصِرَةً « الإسراء : 59 » .
وقيل : معناه صار أهله بُصَراء نحو قولهم : رجل مخبث ومضعف ، أي أهله خبثاء وضعفاء .
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ « القصص : 43 » أي جعلناها عبرة لهم .
وقوله : وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ « الصافات : 179 » أي أنظر حتى ترى ويرون .
وقوله عز وجل : وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ « العنكبوت : 38 » أي طالبين للبصيرة .
ويصح أن يستعار الإسْتِبْصَار للإِبْصَار ، نحو استعارة الاستجابة للإجابة .
وقوله عز وجل : وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كل زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً « ق : 7 » أي تبصيراً وتبياناً . يقال : بَصَّرْتُهُ تبصيراً وتبصرةً ، كما يقال : قدمته تقديماً وتقدمة ، وذكرته تذكيراً وتذكرة ، قال تعالى : وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ « المعارج : 10 » أي يجعلون بصراء بآثارهم . يقال : بصَّرَ الجرو : تعرض للإبصار لفتحه العين .
والبَصْرَة : حجارة رَخْوَةٌ تلمع كأنها تبصر ، أو سميت بذلك لأن لها ضوءً تُبْصَرُ به من بعد . ويقال له بِصْرٌ .
والبَصِيرَة : قطعة من الدم تلمع . والترس اللامع . والبُصْرُ : الناحية . والبَصِيرَةُ ما بين شقتي الثوب ، والمزادة ونحوها التي يبصر منها . ثم يقال : بصرتُ الثوبَ والأديمَ : إذا خطت ذلك الموضع منه .
ملاحظات
1 . جعل الراغب بَصَرَ أربعة أصول . بمعنى العين الباصرة ، والقوة الباصرة ، والحجارة الرخوة ، وقطعة الدم . وجعلها ابن فارس أصلين ، بمعنى العِلْم الناتج من البصر المادي أو المعنوي ، وقطعة الدم التي تقع فتستدير . وقال الخليل : « البصرة : أرض حجارتها جص ، وهكذا أرض البصرة » . « العين : 7 / 119 » .
2 . استعمل القرآن البصر بالمعنيين المادي والمعنوي في عشرات الآيات . لبصر العين مقابل العمى ، ولبصر القلب والعقل ، ومقابله العمى أيضاً : فَإنهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ . « الحج : 46 » .
وذكَّر الناس بنعمة البصر : وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . « النحل : 78 » .
وذكَّرَ بمسؤولية الإنسان : إن السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كل أُولَئِكَ كَأن عَنْهُ مَسْئُولاً . « الإسراء : 36 » وأمر المؤمنين والمؤمنات بالغض من أبصارهم لئلا يقعوا في الفتنة .
وذكر آفات البصر ، وأن الإنسان قد يستحق أن يُذهب الله بصره ويعميه ، أو يجعل عليه غشاوة ، أو يُقَلِّبُه ، أو يطبع عليه .
وذكر إصابة العين وأن المشركين حاولوا أن يصيبوا النبي صلى الله عليه وآله بها فيزلقونه بأبصارهم . وأن البرق يكاد يذهب بالبصر . وأن البصر يزيغ عند الخوف . ويبرق عند الموت . وأنه بعد الموت يحيا فيكون نافذاً حديداً . وفي مشاهد يوم القيامة شاخصاً خاشعاً . ويومها يشهد على صاحبه .
واستعمل البصر بصيغة الأمر لازماً ، قال أَبْصِرْ به ، ومتعدياً : أَبْصِرْهُمْ ، وأفعل تعجب : أبْصِرْ به وأسْمِع . أسْمِعْ بهم وأبْصِرْ .
والبصير : من أسماء الله الحسنى ، فهو عز وجل بصير بما تعملون ، وبصير بالعباد ، وسميع بصير ، وخبير بصير ، وبكل شئ بصير ، وبذنوب عباده خبيراً بصيراً .
وبصر العين عاجز عن رؤية الله عز وجل ، لأنه يدرك الجسم الذي ينعكس عليه الضوء ، والله تعالى فوق
--------------------------- 120 ---------------------------
المادة وإنما تراه العقول والقلوب . لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ . « الأنعام : 102 » .
والنبي صلى الله عليه وآله ومن معه على بصيرة من ربه ، والأنبياء عليهم السلام أولوا الأيدي والأبصار : وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِى وَالأَبْصَارِ . « صاد : 45 » .
ونظم الخلق ونعمة إنبات النبات ، فيه تبصرة لكل عبد منيب . والدين والوحي بصائر . والإنسان على نفسه بصيرة : خبيرٌ بها . والنهار مبصرٌ ، وآيةٌ مبصرة . وآية الناقة لثمود وآيات موسى لفرعون ، كلها مبصرة .
ومدح القرآن أولي الأبصار ، أي العقول التي تعتبر ، فقال عن معركة بدر : والله يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إن فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ . « آل عمران : 13 » وقال عن معركة بني قريظة : فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ . « الحشر : 2 » .
وبَيَّنَ عز وجل سرعة البصر : وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ . « النحل : 77 » .
بَصَل
البَصَلُ : معروف في قوله عز وجل : وَعَدَسِها وَبَصَلِها « البقرة : 61 » . وبيضة الحديد بصلٌ ، تشبيهاً به لقول الشاعر :
وتركاً كالبصل
ملاحظات
البيت الذي استشهد به الراغب ، للشاعر لبيد ، يصف كتيبة مدرعة فيقول :
فَخْمَةٌ دَفْرَاءُ تُرْتَى بِالْعُرَى
قَرْدَمَانِيًاً وَتَرْكاً كَالْبَصَلْ
أي : يغيثون المستغيث بهم بكتيبة فخمة ، على خيول نجيبة ، يشد فرسانها ذيول دروعهم القردمانية الخشنة الطويلة ، بالعرى إلى أوساطهم ، وعلى رؤوسهم خوذ كبيض
النعام وكالبصل . « العين : 5 / 338 ، وشرح أدب الكاتب / 340 » .
بَضَعَ
البِضَاعَة : قطعة وافرة من المال تقتنى للتجارة يقال : أَبْضَعَ بِضَاعَة وابْتَضَعَهَا . قال تعالى : هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا « يوسف : 65 » وقال تعالى : بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ « يوسف : 88 » .
والأصل في هذه الكلمة : البَضْعُ وهو جملة من اللحم تُبْضَعُ ، أي تقطع ، يقال : بَضَعْتُهُ فَابْتَضَعَ وتَبَضَّعَ ، كقولك : قطعته وقطعته فانقطع وتقطع . والمِبْضَع : مايبضع به نحو المقطع .
وكُنِّيَ بالبِضْعِ عن الفرج فقيل : ملكتُ بضعها ، أي تزوجتها . وبَاضَعَهَا بِضَاعاً ، أي باشرها ، وفلان : حَسَنُ البَضْع والبَضِيعِ والبَضْعَة . والبضاعة : عبارة عن الثَّمن .
وقيل للجزيرة المنقطعة عن البر : بَضِيع .
وفلان بَضْعَة مني ، أي جارٍ مجرى بعض جسدي لقربه مني .
والبَاضِعَة : الشجَّة التي تبضع اللحم . والبِضع بالكسر : المنقطع من العشرة ، ويقال ذلك لما بين الثلاث إلى العشرة وقيل : بل هو فوق الخمس ودون العشرة . قال تعالى : بِضْعَ سِنِينَ « الروم : 4 » .
ملاحظات
لا يشترط في البضاعة أن تكون : « قطعة وافرة من المال ، تُقْتَنى للتجارة » . بل هي كما قال الخليل « 1 / 286 » : « البضاعة : ما أبضعت للبيع كائناً ما كان » . ويؤيده قوله تعالى : وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ . أي غير مرغوبة ، أو قليلة « التبيان : 6 / 186 » . وقد يقتني الشئ للتملك أو الاستهلاك ، ثم يتاجر به .
بَطَرَ
البَطَر : دَهَشٌ يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها ، وصرفها إلى غير وجهها .
--------------------------- 121 ---------------------------
قال عز وجل : بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ « الأنفال : 47 » وقال : بَطِرَتْ مَعِيشَتَها « القصص : 58 » أصله بطرت معيشتُها ، فصُرِف عنه الفعل ونُصِبَ .
ويقارب البطر الطرب : وهو خفةٌ أكثر ما تعتري من الفرح ، وقد يقال ذلك في الترح . والبيطرة : معالجة الدابة .
ملاحظات
1 . تبع الراغب الخليل فلم يبين مصدر اشتقاق البطر ، وجعله إسماً لحالة الدهش من النعمة . وكان الخليل أدق منه حيث قال : « 7 / 422 » : « البطر : في معنى كالحيرة والدهش ، يقال : لايبطرن جهل فلان حلمك ، أي لا يدهشك . وفي معنى كالأشَر وغمط النعمة ، يقال : بطر فلان نعمة الله ، أي كأنه مرح حتى جاوز الشكر فتركه وراءه » . فهو حالة سكر وهوج من النعمة ، تشبه الدَّهَش ، وليست نفس الدهش .
وجعله ابن فارس « 1 / 262 » : « تجاوُزُ الحد في المرح » ومال إلى أنه مشتق من البيطرة بمعنى الشق ! لكنه بعيد ، فالظاهر أنها أصلٌ مستقلٌّ .
2 . ورد البطر في آيتين : وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ « الأنفال : 47 » فوصف به قريشاً لما خرجت إلى حرب النبي صلى الله عليه وآله بطراً للسمعة .
وقال تعالى : وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا . « القصص : 58 » . أي بطر أهلها .
قال الراغب : « أصله : بطرت معيشتُها فصُرِف عنه الفعل ونُصِبَ » وقال في سَفِه نحوه . فهو يرى أن بَطِر وسَفَه فعلان لازمان ، لكنهما في القرآن متعديان .
بَطَشَ
البَطْشُ : تناول الشئ بصولة ، قال تعالى : وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ « الشعراء : 130 » يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى « الدخان : 16 » وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا « القمر : 36 » إن بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ « البروج : 12 » يقال : يد بَاطِشَة .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن مادة بطش في تسع آيات . والبطش يكون خفيفاً وشديداً ، ولذا قال تعالى : إن بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ . أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً . واليد مظهر البطش : أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا . وبطش الله : عذابه لأعدائه في الدنيا : وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ .
والبطشة الكبرى في القيامة : يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إنا مُنْتَقِمُونَ .
2 . أخذ الراغب تعريف البطش من الخليل ، لكن لم يلتفت إلى دقة عبارته . قال الخليل « 6 / 240 » : « البطش : التناول عند الصولة . والأخذ الشديد في كل شئ بطشٌ به . والله ذو البطش الشديد ، أي ذو البأس والأخذ لأعدائه » . وأدق منهما قول ابن فارس « 1 / 262 » : « وهو أخذ الشئ بقهر وغلبة وقوة » .
بَطَلَ
البَاطِل : نقيض الحق ، وهو ما لاثبات له عند الفحص عنه ، قال تعالى : ذلِكَ بأن الله هُوَ الْحق وَإن ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ « الحج : 62 » .
وقد يقال ذلك في الاعتبار إلى المقال والفعال ، يقال : بَطَلَ بُطُولًا وبُطْلًا وبُطْلَاناً وأَبْطَلَهُ غيره . قال عز وجل : وَبَطَلَ ماكانُوا يَعْمَلُونَ « الأعراف : 118 » .
وقال تعالى : لِمَ تَلْبِسُونَ الْحق بِالْباطِلِ « آل عمران : 71 » .
ويقال للمستقل عما يعود بنفع دنيوي أو أخروي : بَطَّال ، وهو ذو بِطَالَةٍ بالكسر .
وبَطَلَ دمه : إذا قتل ولم يحصل له ثأر ولا دية ، وقيل للشجاع المتعرض للموت : بَطَل ، تصوراً لبطلان دمه ،
--------------------------- 122 ---------------------------
كما قال الشاعر : فقلت لها لا تَنْكَحِيهِ فإنهُ
لأولِ بُطْلٍ إن يلاقي مُجَمَّعَا
فيكون فُعْلاً بمعنى مفعول ، أو لأنه يبطل دم المتعرض له بسوء ، والأول أقرب .
وقد بَطُلَ الرجل بُطُولَة : صار بَطَلًا ، وبُطِلَ : نسب إلى البَطَالة ، ويقال : ذهب دمه بُطْلاً أي هدراً . والإِبطال : يقال في إفساد الشئ وإزالته حقاً كان ذلك الشئ أو باطلاً ، قال الله تعالى : لِيُحق الْحق وَيُبْطِلَ الْباطِلَ « الأنفال : 8 » .
وقد يقال فيمن يقول شيئاً لا حقيقة له ، نحو : وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ « الروم : 58 » .
وقوله تعالى : وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ « غافر : 78 » أي الذين يبطلون الحق .
ملاحظات
1 . أخذ الراغب تعريف الباطل من الخليل « 7 / 431 » لكن تعريف ابن فارس أدق ، قال « 1 / 259 » : « وهو ذهاب الشئ وقلة مكثه ولبثه . يقال بطل الشئ يبطل بطلاً وبطولاً . وسُمِّيَ الشيطان الباطل لأنه لا حقيقة لأفعاله ، وكل شئ منه فلا مرجوع له ولا معول عليه » .
فقد جعل الباطل أمراً وجودياً ، بينما جعله الراغب والخليل عدمياً ، والصحيح أنه أعم ، تقول : هذا باطل لا وجود له . وقال زهير بن أبي سلمى :
ألَا كُلُّ شئٍ مَا خَلَا الله بَاطِلُ
فغير الله موجود لكنه زائل ، قليل مكثه ولبثه .
2 . قال اللغويون إن البَطَل مشتق من الباطل لأنه يُبطل جراحه ولا يكترث بها ، أو لأنه يعرض نفسه للتلف والبطلان ، أو لأنه يُبطل دم غيره . وربما كانت تسميته لأنه يريد أن يُبطل دَمَ غيره . وقد يكون أصلاً مستقلاً .
3 . استعمل القرآن مفردات مادة بَطَلَ في أكثر من ثلاثين آية ، ولم يستعملها بمعنى الرجل البطل . وأبرز المعاني التي استعملها فيها :
أن ما يدعوه الناس من دون الله ، من آلهة ، أو شركاء ، أو زعماء ، باطلٌ ليس لها وجود حقيقي : ذَلِكَ بِأن الله هُوَالْحق وَأن مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأن الله هُوَالْعَلِي الْكَبِيرُ « الحج : 62 » .
أن ما يعادي الإسلام باطل : قُلْ جَاءَ الْحق وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ « سبأ : 49 » .
وأن خلق الله تعالى حق ليس فيه باطل ، لافي تكوينه ولا في هدفه : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا .
والقرآن حق كله : لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ .
من يكفر بنعم الله يؤمن بالباطل : أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ الله هُمْ يَكْفُرُونَ .
والباطل ضعيفٌ مهما بدا قوياً : وَقُلْ جَاءَ الْحق وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إن الْبَاطِلَ كَأن زَهُوقًا .
وأتباع الباطل مثله ضعفاء وخاسرون : وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِالله أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ .
وحذر الله تعالى من خلط الحق بالباطل : وَلا تَلْبِسُوا الْحق بِالْبَاطِلِ .
ونهى عن الحيل المالية لأكل المال بالباطل : وَلا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ .
وحذر من الأعمال التي تبطل العمل : لاتُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى .
وقال في عمل السَحَرَة : قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إن الله سَيُبْطِلُهُ .
وتعجب من وصف الكفار آيات الله بالباطل : وَلَئِنْ
--------------------------- 123 ---------------------------
جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ .
بَطَنَ
أصل البَطْن : الجارحة ، وجمعه بُطُون ، قال تعالى : وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ « النجم : 32 »
وقد بَطَنْتُهُ : أصبت بطنه .
والبَطْن : خلاف الظهر في كل شئ ، ويقال للجهة السفلى بَطْنٌ وللجهة العليا ظهر ، وبه شُبِّهَ بطن الأمر ، وبطن الوادي .
والبطن من العرب : اعتباراً بأنهم كشخص واحد ، وأن كل قبيلة منهم كعضو : بطن وفخذ وكاهل .
وعلى هذا الاعتبار قال الشاعر :
النّاس جِسْمٌ وإمامُ الهُدَى
رأسٌ وأنتَ العينُ في الرأسِ
ويقال لكل غامض بطن ، ولكل ظاهر ظهر . ومنه : بُطْنَان القِدْرِ وظَهْرَانُها .
ويقال لما تدركه الحاسة : ظاهر ، ولما يخفى عنها : باطن . قال عز وجل : وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ « الأنعام : 120 » ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ « الأنعام : 151 » .
والبَطِين : العظيم البطن ، والبَطِنُ : الكثير الأكل ، والمِبْطَان : الذي يكثر الأكل حتى يعظم بطنه .
والبِطْنَة : كثرة الأكل ، وقيل : البطنة تُذهب الفطنة . وقد بَطِنَ الرجل بَطَناً : إذا أَشِرَ من الشبع ومن كثرة الأكل . وقد بَطِنَ الرجل : عظم بطنه ، ومُبَطن : خميص البطن ، وبَطَنَ الإنسان : أصيب بطنه ، ومنه : رجل مَبْطُون : عليل البطن .
والبِطانَة : خلاف الظهارة ، وبَطنْتُ ثوبي بآخر : جعلته تحته . وقد بَطَنَ فلان بفلان بُطُوناً .
وتستعار البِطَانَةُ لمن تختصه بالاطلاع على باطن أمرك ، قال عز وجل : لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ « آل عمران : 118 » أي مختصاً بكم يستبطن أموركم ، وذلك استعارة من بطانة الثوب ، بدلالة قولهم : لبست فلاناً إذا اختصصته ، وفلان شعاري ودثاري .
وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال : ما بعث الله من نبيٍّ ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان : بطانة تأمره بالخير وتحضُّه عليه ، وبطانة تأمره بالشرِّ وتحثُّه عليه .
والبِطان : حِزَامٌ يشد على البطن ، وجمعه : أَبْطِنَة وبُطُن . والأَبْطَنَان : عرقان يمرَّان على البطن . والبُطين : نجم هو بطن الحمل . والتَبَطن : دخول في باطن الأمر .
والظاهر والباطن في صفات الله تعالى : لا يقالان إلا مزدوجين ، كالأول والآخر ، فالظاهر قيل : إشارة إلى معرفتنا البديهية ، فإن الفطرة تقتضي في كل ما نظر إليه الإنسان أنه تعالى موجود ، كما قال : وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ « الزخرف : 84 » ولذلك قال بعض الحكماء : مثل طالب معرفته مثل من طوف في الآفاق في طلب ما هو معه .
والبَاطِن : إشارة إلى معرفته الحقيقية ، وهي التي أشار إليها أبو بكر رضي الله عنه بقوله : يا من غاية معرفته القصور عن معرفته .
وقيل : ظاهر بآياته باطن بذاته ، وقيل : ظاهر بأنه محيط بالأشياء مدرك لها ، باطن من أن يحاط به ، كما قال عز وجل : لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ « الأنعام : 103 » . وقد روي عن أمير المؤمنين رضي الله عنه ما دل على تفسير اللفظتين حيث قال : تجلى لعباده من غير أن رأوه ، وأراهم نفسه من غير أن تجلى لهم . ومعرفة ذلك تحتاج إلى فهم ثاقب وعقل وافر .
وقوله تعالى : وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً « لقمان : 20 » قيل الظاهرة النبوة الباطنة بالعقل ، وقيل الظاهرة المحسوسات ، والباطنة : المعقولات . وقيل : الظاهرة النصرة على الأعداء بالناس ، والباطنة النصرة بالملائكة .
--------------------------- 124 ---------------------------
وكل ذلك يدخل في عموم الآية .
ملاحظات
1 . أطال الراغب في تفسير الظاهر والباطن ، بسبب مشربه الصوفي ، ولم يستوفِ استعمالاته في القرآن . وليته نقل تعريف الخليل له « 1 / 241 » أو ابن فارس « 1 / 259 » فهو أدق من كلامه .
2 . استعمل القرآن مادة بَطَنَ أكثر من عشرين مرة ، منها : أنه سبحانه هو الظاهر والباطن : هُوَالأَوَلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمٌ . وفسره ابن فارس بعلمه عز وجل بالظاهر والباطن . ولم يفسره بذاته أو أفعاله .
ومنها : التذكير بنعم الله تعالى على الناس وتغذيتهم من بطون الأنعام والنحل : نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا . نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ .
ومنها : النعم . وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً .
ومنها : الحُجج الظاهرة والباطنة . قال الإمام الكاظم عليه السلام : « يا هشام ، إن لله على الناس حجتين : حجة ظاهرة وحجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام ، وأما الباطنة فالعقول » . « الكافي : 1 / 16 » .
ومنها : الفواحش الظاهرة والباطنة : وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ . وَذَرُوا ظَاهِرَ الإثْمِ وَبَاطِنَهُ .
ومنها : نعمته علينا بخلقنا في بطون أمهاتنا : يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتُكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ .
وقال تعالى عن مريم عليها السلام : إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا .
والحيوانات التي تمشي على بطونها : فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِى عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِى عَلَى رِجْلَيْنِ .
وانتقد الذين يشرعون في الأنعام من عندهم : وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا .
ووصف الذين يأكلون النار في بطونهم : إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا . أُولَئِكَ مَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ .
وأخبرعن نوع من أهل النار : لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ . فَإِنَّهُمْ لاكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ .
وقال عن يونس عليه السلام : فَلَوْلا أَنَّهُ كَأن مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ .
بِطْؤٌ
البُطْؤُ : تأخر الإنبعاث في السير ، يقال : بَطُؤَ وتَبَاطَأَ واسْتَبْطَأَ وأَبْطَأَ . فَبَطُؤَ إذا تخصص بالبطؤ ، وتَبَاطَأَ : تحرى وتكلف ذلك ، واستبطأ : طلبه ، وأَبْطَأَ : صار ذا بُطْؤٍ . ويقال : بَطأَهُ وأَبْطَأَهُ .
وقوله تعالى : وَإن مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ « النساء : 72 » أي يثبط غيره . وقيل : يكثرهوالتثبط في نفسه . والمقصد من ذلك إن منكم من يتأخر ويؤخر غيره .
ملاحظات
وردت هذه المادة في آية واحدة : وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ الله عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً . « النساء : 71 » .
قال الإمام الصادق عليه السلام : « لو أن هذه الكلمة قالها أهل المشرق وأهل المغرب لكانوا بها خارجين من الإيمان ، ولكن قد سماهم الله مؤمنين بإقرارهم » ! « تفسير القمي : 1 / 30 » .
فبَطَّأَ في الآية فعلٌ متعدٍّ ، بمعنى ثبَّط غيره .
ومعنى قول الراغب : بطؤ : إذا تخصص بالبطؤ أي بَطُؤَ هو . وقوله : أبطأ : صار ذا بطؤ . لا يصح ، بل معناه : تأخر هو أو الفعل المنتظر منه .
--------------------------- 125 ---------------------------
بِظْر
قرئ في بعض القراءات : والله أخرجكم من بُظُور أمّهاتكم . وذلك جمع البَظَارَة ، وهي اللحمة المتدلية من ضرع الشاة ، والهنة الناتئة من الشفة العليا ، فعبر بها عن الهن ، كما عبر عنه بالبضع .
ملاحظات
العجب من سليقة الراغب كيف قبل قراءة شاذة لم يقبلها أحد ، وجعلها عنواناً .
وفي المقابل ترك العديد من ألفاظ القرآن ، أو فاتته !
بَعْث
أصل البَعْث : إثارة الشئ وتوجيهه ، يقال : بَعَثْتُهُ فَانْبَعَثَ . ويختلف البعث بحسب اختلاف ما عُلِّق به ، فَبَعَثْتُ البعير : أثرته وسيَّرته ، وقوله عز وجل : وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ الله « الأنعام : 36 » أي يخرجهم ويسيرهم إلى القيامة . يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً « المجادلة : 6 » زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ « التغابن : 7 » ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ « لقمان : 28 » .
فالبعث ضربان : بشريٌّ كبعث البعير ، وبعث الإنسان في حاجة . وإلهيٌّ ، وذلك ضربان : أحدهما : إيجاد الأعيان والأجناس والأنواع لا عن ليس ، وذلك يختص به الباري تعالى ولا يقدر عليه أحد . والثاني : إحياء الموتى ، وقد خص بذلك بعض أوليائه كعيسى عليه السلام وأمثاله ومنه قوله عز وجل : فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ « الروم : 56 » يعني : يوم الحشر . وقوله عز وجل : فَبَعَثَ الله غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ « المائدة : 31 » أي قيَّضه . وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كل أُمَّةٍ رَسُولًا « النحل : 36 » نحو : أَرْسَلْنا رُسُلَنا « المؤمنون : 44 » .
وقوله تعالى : ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً « الكهف : 12 » وذلك إثارة بلا توجيه إلى مكان .
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كل أُمَّةٍ شَهِيداً « النحل : 84 » قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ « الأنعام : 65 » وقال عز وجل : فَأَماتَهُ الله مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ « البقرة : 259 » . وعلى هذا قوله عز وجل : وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ « الأنعام : 60 » . والنوم من جنس الموت فجعل التوفي فيهما ، والبعث منهما سواء .
وقوله عز وجل : وَلكِنْ كَرِهَ الله انْبِعاثَهُمْ « التوبة : 46 » أي تَوَجَّهَهُم ومُضِيَّهُم .
ملاحظات
1 . اختار الراغب قول ابن فارس « 1 / 266 » : بأن أصل البعث الإثارة كبعث الناقة وإنهاضها . وفسره بعضهم بالإرسال فقط ، وقد يتضمن هذا أو ذاك .
2 . ورد البعث بمعنى الإحياء في الدنيا ، في أصحاب موسى عليه السلام : فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ . ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . « البقرة : 56 » .
وقال عن عزير : فَأَمَاتَهُ الله مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ . « البقرة : 259 »
وعن أهل الكهف : ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَىُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا . « الكهف : 12 » .
وعن بعث الناس من النوم : وَهُوَالَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ . « الأنعام : 60 » .
وعن إحياء أنصار المهدي عليه السلام : وَأَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ الله مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حقا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ . « النحل : 38 » .
فهو بعث بحضور مسلمين يحلفون ب الله تعالى جهد أيمانهم ، لا يبعث الله في الدنيا من يموت .
3 . ورد البعث بمعنى إرسال غير الأنبياء عليهم السلام كإرسال طالوت ملكاً لبني إسرائيل : أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِىٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا
--------------------------- 126 ---------------------------
نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله . وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً . « البقرة : 247 » .
وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَىْ عَشَرَ نَقِيباً . « المائدة : 12 » .
فَبَعَثَ الله غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ . « المائدة : 31 » .
لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ « الأعراف : 167 » .
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا . « الإسراء : 5 » .
وعن عاقر الناقة : إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا . « الشمس : 11 »
بَعْثَرَ
قال الله تعالى : وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ « الانفطار : 4 » أي قلب ترابها وأثير ما فيها .
ومن رأى تركيب الرباعي والخماسي من ثلاثيين نحو : تهلل وبسمل ، إذا قال : لا إله إلا الله وبسم الله . يقول : إن بعثر مركب من : بعث وأثير ، وهذا لا يبعد في هذا الحرف ، فإن البعثرة تتضمن معنى بعث وأثير .
ملاحظات
حكم الراغب بأن بَعْثَرَ مركبة من بعث وأثار لأنه يتضمن من معنييهما ، وهو مجرد احتمال .
ومعنى بَعْثَرَ الشئ في العربية نَبَشَهُ وخرَّب نظمه ، يقال : بعثر حوضه أي خربه ، وبعثر المتاع : فرقه وقلب بعضه على بعض . وسميت سورة براءة عند نزولها : الفاضحة والمبعثرة والبعثرة « تفسير القرطبي : 8 / 61 » لأنها فضحت المنافقين وبعثرت أحوالهم .
وقد استعملت البعثرة في آيتين بصيغة الماضي المبني للمجهول : وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ . « الانفطار : 4 » أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ . « العاديات : 9 » .
بَعُدَ
البُعْد : ضد القرب ، وليس لهما حد محدود ، وإنما ذلك بحسب اعتبار المكان بغيره .
يقال ذلك في المحسوس وهو الأكثر ، وفي المعقول نحو قوله تعالى : ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً « النساء : 167 » وقوله عز وجل : أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ « فصلت : 44 » يقال بَعُدَ : إذا تباعد ، وهو بعيد ، وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ « هود : 83 » .
وبَعِدَ : مات ، والبُعْد أكثر ما يقال في الهلاك ، نحو : بَعِدَتْ ثَمُودُ « هود : 95 » . وقد قال النابغة :
[ فضلاً على الناس ] في الأدنى وفي البَعَدِ
والبُعَدُ : يقال فيه وفي ضد القرب ، قال تعالى : فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ « المؤمنون : 41 » فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ « المؤمنون : 44 » .
وقوله تعالى : بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ « سبأ : 8 » أي الضلال الذي يصعب الرجوع منه إلى الهدى ، تشبيهاً بمن ضل عن محجة الطريق بعداً متناهياً ، فلا يكاد يرجى له العود إليها .
وقوله عز وجل : وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ « هود : 89 » أي تقاربونهم في الضلال ، فلا يبعد أن يأتيكم ما أتاهم من العذاب .
بَعْدُ : يقال في مقابلة قبلُ . ونستوفي أنواعه في باب قبلُ إن شاء الله تعالى .
ملاحظات
ورد البُعد في القرآن للبعد المكاني : فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ « النمل : 22 » والزماني : وَإِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ « الأنبياء : 109 » والمشترك بينهما : يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيداً . « آل عمران : 30 » .
والأمد : في الأصل ظرف زمان ، لكنه هنا يشمل المكان بقرينة مُحْضَراً . « الفروق اللغوية / 71 » .
--------------------------- 127 ---------------------------
واستعمل البعد لما هو بعيد التحقق : أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ . « قاف : 3 » .
وللدعاء بالهلاك : أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ . « هود : 95 » . وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . « هود : 44 » . أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ . « هود : 60 » . أَلا بُعْدًا لِثَمُودَ . « هود : 68 » فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . « المؤمنون : 41 » فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ . « المؤمنون : 44 » .
واستعمل الضلال البعيد للطغيان : مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَأن فِي ضَلالٍ بَعِيد . « قاف : 27 » .
وللتحاكم إلى الطاغوت : يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً . « النساء : 60 » .
وللشرك : وَمَنْ يُشْرِكْ بِالله فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا . « النساء : 116 » .
ولبعض أنواع الكفر : وَمَنْ يَكْفُرْ بِالله وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا . « النساء : 136 » إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيدًا . « النساء : 167 » . يَدْعُواْ مِنْ دُونِ الله مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَالضَّلالُ الْبَعِيدُ . « الحج : 12 » . بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ « سبأ : 8 » . أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ « الشورى : 18 » .
ووصف به الشِّقَاق وهو الخلاف الحاد : وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ . « البقرة : 176 » وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ . « الحج : 53 » .
بَعَرَ
قال تعالى : وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ « يوسف : 72 »
البَعِير : معروف ، ويقع على الذكر والأنثى كالإنسان في وقوعه عليهما ، وجمعه أَبْعِرَة وأَبَاعِر وبُعْرَان .
والبَعْرُ : لما يسقط منه . والمِبْعَر : موضع البعر ، والمِبْعَار من البَعْر : الكثير البعر .
ملاحظات
1 . تقدم ذكر الإبل ، وقد وردت في آيتين . ولم يرد في القرآن ذكر الجِمَال .
2 . قال الخليل « 2 / 132 » : « البَعْرُ : للإبل ولكل ذي ظلف ، إلا للبقر الأهلي » .
وتعريف الراغب للبعر بما يسقط من البعير ، ظريف ، فإنه يشمل بوله ووبره وأسنانه . . الخ .
بَعْضٌ
بَعْضُ الشئ : جزءٌ منه ، ويقال ذلك بمراعاة كل ، ولذلك يقابل به كل فيقال بعضه وكله ، وجمعه أَبْعَاض . قال عز وجل : بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ « البقرة : 36 » وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً « الأنعام : 129 » وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً « العنكبوت : 25 » .
وقد بَعَّضْتُ كذا : جعلته أبعاضاً نحو جَزَّأته . قال أبو عبيدة : وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ « الزخرف : 63 » أي كل الذي كقول الشاعر [ لبيد ] :
[ تَرَّاكُ أَمكِنَةٍ إذا لَمْ أَرْضها ] أو يَرْتَبِطْ بَعْضُ النُّفوسِ حِمَامُهَا
وفي قوله هذا قصور نظر منه ، وذلك أن الأشياء على أربعة أضرب : ضربٌ ، في بيانه مفسدة فلا يجوز لصاحب الشريعة أن يبينه ، كوقت القيامة ووقت الموت .
وضربٌ : معقول يمكن للناس إدراكه من غير نبي ، كمعرفة الله ومعرفته في خلق السماوات والأرض ، فلا يلزم صاحب الشرع أن يُبينه ، ألا ترى أنه كيف أحال معرفته على العقول في نحو قوله : قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « يونس : 101 » وبقوله : أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا « الأعراف : 184 » وغير ذلك من الآيات .
وضربٌ : يجب عليه بيانه ، كأصول الشرعيات المختصة
--------------------------- 128 ---------------------------
بشرعه . وضربٌ : يمكن الوقوف عليه بما بينه صاحب الشرع ، كفروع الأحكام .
وإذا اختلف الناس في أمر غير الذي يختص بالمنهي بيانه فهو مخير بين أن يُبين وبين ألا يُبين ، حسب ما يقتضي اجتهاده وحكمته .
فإذاً قوله تعالى : وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ « الزخرف : 63 » لم يرد به كل ذلك ، وهذا ظاهر لمن ألقى العصبية عن نفسه .
أما قول الشاعر : أو يرتبط بعض النفوس حمامها ، فإنه يعني به نفسه والمعنى : إلا أن يتداركني الموت ، لكن عَرَّضَ ولم يصرح حسب ما بُنيت عليه جِبِلَّةُ الإنسان في الابتعاد عن ذكر موته . قال الخليل : يقال : رأيت غرباناً تَتَبَعَّضُ ، أي يتناول بعضها بعضاً .
والبَعُوض بُنِيَ لفظه من بعض ، وذلك لصغر جسمها بالإضافة إلى سائر الحيوانات .
ملاحظات
1 . أطال الراغب بلا موجب ، فنقل عن أبي عبيدة وهو من كبار أئمة اللغة توفي 209 « الإعلام : 7 / 272 » أن بعض تستعمل بمعنى كل كقوله تعالى : وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ . واستشهد ببيت لبيد المتقدم ، وهو من معلقة لبيد الطويلة « جمهرة أشعار العرب للقرشي / 129 » يخاطب فيه زوجته نوار ، ومطلعها :
عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّها فَمُقَامُها
بِمنىً تَأَبّدَ غَوْلُها فَرِجَامُهَا
أَوَلَمْ تَكُنْ تَدري نَوارُ بِأَنّني
وَصَّالُ عَقْدِ حَبَائلٍ جَذَّامُهَا
تَرَّاكُ أَمكِنَةٍ إذا لَمْ أَرْضَهَا
أَو يَرْتَبِطْ بَعْضُ النُّفُوسِ حِمَامُهَا
ومعناه : ألا تعلم نوار أني أترك المكان الذي لا يرضيني ، إلا أن يربط بعض الأنفس أجلها فيمنعني من الرحيل .
فاعترض الراغب على أبي عبيدة وقال إن بعض في الآية ليست بمعنى كل ، لأن النبي صلى الله عليه وآله لا يجب عليه بيان الكل . وكذلك قول لبيد ، فقد قصد به أن الحمام قد يرتبط البعض ، وعنى نفسه ولم يقصد الكل .
وكلام الراغب قوي لأن النبي صلى الله عليه وآله لا يجب عليه أن يبين كل ما يختلف فيه ، فقد يكون بيانه موجباً لاختلافٍ أشد . وكذلك قول لبيد فقد قصد ببعض نفسه ، ولم يقصد أن كل نفس يرتبطها أجلها وحمامها .
2 . زعم أن البعوضة مشتقة من بعض ، وقَوَّاه الرازي في تفسيره « 2 / 136 » وقال البغوي في تفسيره « 1 / 58 » : « سميت بعوضة لأنها كانت بعض البق » .
وهو مجرد استحسان ، فيبقى البعوض أصلاً مستقلاً حتى نجد له مصدر اشتقاق مؤكد .
بَعْلٌ
البَعْلُ هو الذكر من الزوجين ، قال الله عز وجل : وَهذا بَعْلِي شَيْخاً « هود : 72 » . وجمعه بُعُولَة ، نحو فحل وفحولة . قال تعالى : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحق بِرَدِّهِنَّ « البقرة : 228 » .
ولما تُصُوِّرَ من الرجل الإستعلاء على المرأة فجُعل سائسها والقائم عليها كما قال تعالى : الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ « النساء : 34 » سُمِّيَ باسمه كل مُسْتَعْلٍ على غيره ، فسمى العرب معبودهم الذين يتقربون به إلى الله بَعْلاً ، لاعتقادهم ذلك فيه في نحو قوله تعالى : أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ « الصافات : 125 » ويقال : أتانا بَعْلُ هذه الدابة أي المستعلي عليها . وقيل للأرض المستعلية على غيرها بَعْلٌ ، ولفحل النخل بَعْلٌ تشبيهاً بالبعل من الرجال ، ولِما عظم حتى يشرب بعروقه بعلٌ لاستعلائه ، قال صلى الله عليه وآله : فيما سقي
--------------------------- 129 ---------------------------
بَعْلاً ، العشر .
ولما كانت وطأة العالي على المستولى عليه مستثقلة في النفس ، قيل : أصبح فلان بَعْلًا على أهله ، أي ثقيلاً لعلوِّه عليهم .
وبُنِيَ من لفظ البعل المُبَاعَلَة والبِعَال كناية عن الجماع ، وبَعَلَ الرجل يَبْعَلُ بُعُولَةً ، واسْتَبْعَلَ فهو بَعْلٌ ومُسْتَبْعِلٌ : إذا صار بعلاً ، واستبعل النخل عَظُم .
وتُصُوِّرَ من البعل الذي هو النخل قيامه في مكانه ، فقيل : بَعِلَ فلانٌ بأمره : إذا أدهش وثبت مكانه ثبوت النخل في مقرِّه ، وذلك كقولهم : ما هو إلا شجر ، فيمن لا يبرح .
ملاحظات
1 . وردت مادة بعل في آيتين مضافاً إلى الثلاث التي ذكرها الراغب : وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا . « النساء : 128 » وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ . « النور : 31 » .
2 . جعل الراغب « بعل » أصلاً واحداً بمعنى الإستعلاء وحاول إرجاع الفروع اليه ، مع أنه لفظ غير عربي ومعناه الرب والرئيس . قال في قاموس الكتاب المقدس / 207 : « بيل : اسم أكادي لفظه بيلو وهو يقابل الاسم العبري : بعل ، وهو الإله الرئيس في بابل ، وكان يعرف أيضاً باسم مردوخ « اش 46 : 1 وإرميا 50 : 2 و 51 : 44 » وكان إله الشمس ، وإله الربيع » .
كما أخطأ أو تعمد الخطأ ، ففسر : بَعِل الرجل باستعلى . وفسره في الفائق « 1 / 107 » : « العاجز الذي لا يهتدي لأمره » . وفي تاج العروس « 14 / 57 » : « دُهِشَ وفَرِقَ وبَرِمَ وعَيِىَ . والبَعِلَةُ : التي لاتُحْسِنُ لُبسَ الثِّيابِ ولا إصلاحَ شَأنِ النَّفْسِ ، وهي البَلْهاءُ » .
فأي استعلاء في الجبن والعيِّ والبلَه والخبال !
وفسر قول العرب : أتانا بَعْلُ هذه الدابة بمعنى المستعلي عليها . وفسره اللغويون بمعنى ربها وصاحبها . وفسر قولهم : أصبح بَعْلًا على أهله ، بالمستعلي ، وفسره اللغويون بالثقيل الكَلِّ على أهله !
3 . قال ابن فارس « 1 / 264 » : « بَعَلَ : أصول ثلاثة ، فالأول : الصاحب يقال للزوج بعل . وكانوا يسمون بعض الأصنام بعلاً . والأصل الثاني : جنس من الحيرة والدهش يقال : بعل الرجل إذا دُهش . والأصل الثالث : البعل من الأرض المرتفعة التي لا يصيبها المطر في السنة إلا مرة واحدة » . راجع : العين « 2 / 249 » .
بَغْتٌ
البَغْت : مفاجأة الشئ من حيث لا يحتسب . قال تعالى : لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً « الأعراف : 187 » وقال : بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً « الأنبياء : 40 » وقال : تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً « يوسف : 107 » ويقال : بَغَتَ كذا فهو بَاغِتٌ . قال الشاعر :
إذا بَغَتَتْ أشياءُ قد كان مثلُها
قديماً فلا تَعْتَدَّها بَغَتَاتِ
ملاحظات
1 . قال ابن فارس « 1 / 272 » : « بَغَتَ ، أصلٌ واحد لا يقاس عليه » أي لايفرع عليه إلا ما سمع . وقال ابن منظور « 2 / 11 » : « ويقال : لَسْتُ آمَنُ من بَغَتَاتِ العَدُوِّ أَي فَجَآتِه » .
2 . استعملت البغتة في القرآن لمجئ القيامة : بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ . « الأنبياء : 40 » وللعذاب : مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً « الزمر : 55 » .
واستعملت لظهور المهدي عليه السلام قال النّبي صلى الله عليه وآله : « مثل القائم من ولدي مثل الساعة ، قال الله تعالى : يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ . . لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً » . « كفاية الأثر / 277 » .
وفسر بها الإمام الباقر عليه السلام الآية : أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ
--------------------------- 130 ---------------------------
مُبْلِسُونَ : يعني قيام القائم » . « البصائر / 78 » .
وتستعمل لمجئ الموت ، قال الإمام الصادق عليه السلام : « إنكم في آجال مقبوضة وأيام معدودة ، والموت يأتي بغتة » . « الكافي : 2 / 458 » .
بُغْضٌ
البُغْض : نِفَارُ النفس عن الشئ الذي ترغب عنه ، وهو ضد الحُب ، فإن الحُب انجذاب النفس إلى الشئ الذي ترغب فيه . يقال : بَغُضَ الشئ بُغْضاً ، وبَغَضْتُه بَغْضَاء . قال الله عز وجل : وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ . « المائدة : 64 » وقال : إنما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ « المائدة : 91 » وقوله عليه السلام : إن الله تعالى يبغض الفاحش المتفحّش . فذكر بغضه له تنبيه على بعد فيضه وتوفيق إحسانه منه .
ملاحظات
وردت البغضاء في بطانة السوء : وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ . « آل عمران : 118 » .
والبغضاء بين اليهود : وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . « المائدة : 64 » .
وبين النصارى : أَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . « المائدة : 14 » .
وبغضاء الخمر والميسر : أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ . « المائدة : 91 » .
وبغضاء إبراهيم ومن معه لكفار قومهم : إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِالله وَحْدَهُ . « الممتحنة : 7 » .
بَغْل
قال الله تعالى : وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ « النحل : 8 » والبَغْل : المتولد من بين الحمار والفرس .
وتَبَغَّلَ البعير : تشبه به في سعة مشيه ، وتُصُوِّرَ منه عرامته وخبثه ، فقيل في صفة النذل : هو بغل .
ملاحظات
قال ابن فارس « 1 / 271 » : « والذي نذهب إليه أن التبغيل مشتق من سير البغل » .
وفي أساس البلاغة / 56 : « فلانة أعقر من بغلة » .
وفي الخرائج « 1 / 243 » أن ابن عباس قال لعائشة لما ركبت على بغل لتمنع دفن الإمام الحسن عليه السلام عند جده صلى الله عليه وآله : « يوماً تجملت ، ويوماً تَبَغَّلْت ، وإن عشت تَفَيَّلْتِ » .
بَغْيٌ
البَغْي : طلب تجاوز الإقتصاد فيما يتحرَّى ، تجاوزه أم لم يتجاوزه . فتارةً يعتبر في القدر الذي هو الكمية ، وتارة يعتبر في الوصف الذي هو الكيفية ، يقال : بَغَيْتُ الشئ إذا طلبت أكثر ما يجب وابْتَغَيْتُ كذلك .
قال الله عز وجل : لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ « التوبة : 48 » وقال تعالى : يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ « التوبة : 47 » .
والبَغْيُ على ضربين : أحدهما محمود ، وهو تجاوز العدل إلى الإحسان ، والفرض إلى التطوع . والثاني مذموم ، وهو تجاوز الحق إلى الباطل ، أو تجاوزه إلى الشَّبه ، كما قال عليه الصلاة والسلام : الحق بَيِّنٌ والباطل بَيِّنٌ ، وبين ذلك أمور مشتبهات ، ومن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه .
ولأن البغي قد يكون محموداً ومذموماً ، قال تعالى : إنمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحق « الشورى : 42 » فخصَّ العقوبة ببغيه بغير الحق .
وأَبْغَيْتُك : أعنتك على طلبه ، وبَغَى الجرح : تجاوز الحد في فساده . وبَغَتِ المرأة بِغَاءً : إذا فجرت ، وذلك لتجاوزها إلى ما ليس لها . قال عز وجل : وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى
--------------------------- 131 ---------------------------
الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً « النور : 33 » .
وبَغَتِ السماء : تجاوزت في المطر حد المحتاج إليه . وبَغَى : تكبَّر ، وذلك لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له ، ويستعمل ذلك في أي أمر كان . قال تعالى : يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحق « الشورى : 42 » وقال تعالى : إنما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ « يونس : 23 » ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ الله « الحج : 60 » إن قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ « القصص : 76 » وقال : فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي « الحجرات : 9 » . فالبغي في أكثر المواضع مذموم .
وقوله : غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ « البقرة : 173 » أي غير طالب ما ليس له طلبه ولا متجاوز لما رسم له . قال الحسن : غير متناول للذة ولا متجاوز سد الجوعة . وقال مجاهد : غير باغ على إمام ، ولا عاد في المعصية طريق الحق .
وأما الإبتغاء : فقد خُصَّ بالاجتهاد في الطلب فمتى كان الطلب لشئ محمود فالإبتغاء فيه محمود نحو : ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ « الإسراء : 28 » وابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى « الليل : 20 » .
وقولهم : يَنْبغي مطاوع بغى ، فإذا قيل : ينبغي أن يكون كذا فيقال على وجهين : أحدهما ما يكون مسخراً للفعل نحو : النار ينبغي أن تحرق الثوب . والثاني : على معنى الإستئهال نحو : فلان ينبغي أن يعطى لكرمه . وقوله تعالى : وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ « يس : 69 » على الأول ، فإن معناه لا يتسخر ولا يستأهل له ، ألا ترى إن لسانه لم يكن يجري به . وقوله تعالى : وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي . « صاد : 35 » .
ملاحظات
1 . جعل الراغب بَغَى كله بمعنى التجاوز . وأرجع إليه بعض فروعه وعجز عن الباقي !
وأجاد ابن فارس بقوله « 1 / 271 » : « بغى : أصلان : أحدهما طلب الشئ ، والثاني جنسٌ من الفساد . فمن الأول : بغيت الشئ أبغيه إذا طلبته . وأبغيتك الشئ إذا أعنتك على طلبه . والبُغْيَة والبَغْيَة : الحاجة .
والأصل الثاني : قولهم بغى الجرح إذا ترامى إلى فساد ، ثم يشتق من هذا ما بعده . فالبغيُّ الفاجرة ، تقول : بغت تبغي بِغَاءً وهي بغي . ومنه أن يبغي الإنسان على آخر . ومنه بَغْيُ المطر وهو شدته ومعظمه . وإذا كان ذا بغي فلا بد أن يقع منه فساد . والبغي الظلم » . وقال الخليل : « 4 / 453 » : « بغى بغاء ، أي فجر . والبَغْيَة : نقيض الرَّشْدَة في الولد ، يقال : هو ابن بَغْيَة . والبُغْيَة : مصدر الإبتغاء » .
2 . ورد البغي في القرآن بمعنى الطلب ، وبمعنى الظلم . ومن أبرز استعمالاته :
التشديد في تحريم البغي : قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحق « الأعراف : 33 » .
البغي يعود على أصحابه : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ . « يونس : 23 » .
بغيُ الأثرياء : إِنَّ قَارُونَ كَأن مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ . « القصص : 76 » .
بغيُ الناس : وَلَوْ بَسَطَ الله الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ . « الشورى : 27 » .
بغي الصحابة بعد كل رسول : تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ . . وَلَوْ شَاءَ الله مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ . « البقرة : 253 » .
وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ . « البقرة : 213 » .
وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ . « الشورى : 14 » .
--------------------------- 132 ---------------------------
وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ . « آل عمران : 19 » .
الحسد لرسول الله صلى الله عليه وآله : بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ الله بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ الله مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ . « البقرة : 90 » .
تعهد الله بنصر أهل البيت عليهم السلام لأنه بُغِيَ عليهم : وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْىُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ . « الشورى : 39 » .
ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ الله إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ . « الحج : 60 » .
وجوب مساعدة المبغي عليهم : وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الآخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِى حَتَّى تَفِئَ إِلَى أَمْرِ الله . « الحجرات : 9 » .
سد أبواب الحلال يدفع إلى البغي : وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا « النور : 33 » .
الإبتغاء : بمعنى الهدف من العمل ، وقد يكون ممدوحاً : وإما تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورًا . « الإسراء : 28 » . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ الله والله رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ . « البقرة : 207 » . وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ . « الرعد : 22 » . وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ الله . « البقرة : 265 . وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا . « النساء : 114 » . وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى . « الليل : 19 » . وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ الله . « الحديد : 27 » . وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ . « النساء : 104 » . إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي . « الممتحنة : 1 » .
وقد يكون مذموماً : فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأوِيلِهِ . « آل عمران : 7 » .
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ . « النساء : 139 » .
بَقَرَ
البَقَر : واحدته بَقَرَة . قال الله تعالى : إن الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا « البقرة : 70 » وقال : بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ « البقرة : 68 » بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها « البقرة : 69 » .
ويقال في جمعه : بَاقِر كحامل . وبَقِير كحكيم وقيل : بَيْقُور ، وقيل للذكر : ثور ، وذلك نحو : جمل وناقة ورجل وامرأة .
واشتق من لفظه لفظٌ لفعله فقيل : بَقَرَ الأرض أي شق ، ولما كان شقه واسعاً استعمل في كل شق واسع . يقال : بَقَرْتُ بطنه إذا شققته شقاً واسعاً .
وسمي محمد بن علي رضي الله عنه بَاقِراً لتوسعه في دقائق العلوم وبَقْرِه بواطنها .
وبَيْقَرَ الرجل في المال وفي غيره : اتسع فيه ، وبَيْقَرَ في سفره إذا شقّ أرضاً إلى أرض متوسعاً في سيره ، قال الشاعر :
ألا هل أتاها والحوادثُ جَمَّةٌ
بأنَّ امرئِ القيسِ بنِ تَمْلِكَ بَيْقَرَا
وبَقَّرَ الصبيان : إذا لعبوا البقِّيرى ، وذلك إذا بقَّروا حولهم حفائر . والبَيْقَرَان : نبت ، قيل إنه يشق الأرض لخروجه ويشقه بعروقه .
ملاحظات
1 . جعل عدد من اللغويين أصل هذه المادة : بَقَرَ بمعنى شَقَّ ، وذكروا مناسبات لاشتقاق فروعها منها . بينما جعل الراغب أصلها البقرة وتكلف في افتراض مناسبات لاشتقاق فروعها منها . أما ابن فارس فجعله أصلين : البقر بمعنى الشق ، والتبقر بمعنى التوسع ، قال « 1 / 277 » : « وربما جمع ناس بينهما وزعموا أنه أصل واحد . ومن جمع بينهما ذهب إلى أن البَقَر سميت
--------------------------- 133 ---------------------------
لأنها تبقر الأرض وليس بشئ » .
وقال الجوهري « 2 / 594 » : « التبقر : التوسع في العلم والمال . وكان يقال لمحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه الباقر ، لتبقره في العلم » .
وقال الزبيدي « 6 / 105 » : « وفي اللسان : لأنه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه . قلت : وقد ورد في بعض الآثار عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وآله قال له : يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين يقال له محمد ، يبقر العلم بقراً ، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام . خرَّجه أئمة النسب » .
2 . ذُكر البَقَر في القرآن بضع مرات ، أشهرها بقرة بني إسرائيل التي سميت بها أطول سورة في القرآن ، وهي مثلٌ لجهل البشر وجدلهم في الأمر الإلهي : وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَامُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً . . الآيات .
ومنها البقرات السبع في منام فرعون : وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَاكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ . . إلى آخر الآيات .
بَقَلَ
قوله تعالى : بَقْلِها وَقِثَّائِها « البقرة : 61 » : البَقْلُ : ما لا ينبت أصله وفرعه في الشتاء .
وقد اشتق من لفظه لفظُ الفعل فقيل : بَقَل ، أي نبت ، وبَقَل وجه الصبي تشبيهاً به ، وكذا بَقَلَ ناب البعير ، قاله ابن السكِّيت . وأَبْقَلَ المكان : صار ذا بقل فهو مُبْقِلٌ ، وبَقَلْتُ البقل جززته ، والمَبْقَلَة موضعه .
ملاحظات
1 . ورد البقل في آية واحدة في القرآن : فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا « البقرة : 61 » .
2 . لا يصح تعريف الراغب للبقل ، وقد ذكر علماء النبات أن العائلة البقولية تعتبر من أكبر العائلات النباتية ، فهي تضم نحو 690 جنساً وحوالي 1800 نوعاً .
وعَرَّفَ الخليل البقل « 5 / 170 » بأنه : « ما ليس بشجر دَقَّ ولا جَلَّ . وابتقل القوم إذا رعوا البقل . وأبقلت الأرض فهي مبقلة أي أنبتت البقل . ويقال للأمرد إذا خرج وجهه : قد بقل وجهه . وبأقل : اسم رجل يوصف بالعَيِّ » .
بَقِيَ
البَقَاء : ثبات الشئ على حاله الأولى وهو يضاد الفناء ، وقد بَقِيَ بَقَاءً . وقيل بَقَيَ في الماضي موضع بَقِيَ ، وفي الحديث : بَقَيْنَا رسول الله ، أي انتظرناه وترصدنا له مدة كثيرة . والباقي ضربان : باق بنفسه لا إلى مدة وهو الباري تعالى ، ولا يصح عليه الفناء ، وباقٍ بغيره وهو ما عداه ، ويصح عليه الفناء .
والباقي ب الله ضربان : باق بشخصه إلى أن يشاء الله أن يفنيه ، كبقاء الأجرام السماوية . وباق بنوعه وجنسه دون شخصه وجزئه كالإنسان والحيوان . وكذا في الآخرة ، باق بشخصه كأهل الجنة ، فإنهم يبقون على التأبيد لا إلى مدة كما قال عز وجل : خالِدِينَ فِيها « البقرة : 162 » .
والآخر : بنوعه وجنسه كما روي عن النبي : إن ثمار أهل الجنة يقطفها أهلها ويأكلونها ثم تخلف مكانها مثلها .
ولكون ما في الآخرة دائماً قال الله عز وجل : وَما عِنْدَ الله خَيْرٌ وَأَبْقى « القصص : 60 » .
وقوله تعالى : وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ « الكهف : 46 » أي ما يبقى ثوابه للإنسان من الأعمال ، وقد فُسِّربأنها الصلوات الخمس ، وقيل : سبحان الله والحمد لله ، والصحيح أنها
--------------------------- 134 ---------------------------
كل عبادة يقصد بها وجه الله تعالى ، وعلى هذا قوله : بَقِيَّتُ الله خَيْرٌ لَكُمْ « هود : 86 » وأضافها إلى الله تعالى [ تعظيماً له نحو : بيت الله . وقيل : أشار إلى ثوابه وما أعد لصالحي عباده مما لا يلحقه الفناء ، وهو المشار إليه بقوله تعالى : وَإن الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ « العنكبوت : 64 » ] .
وقوله تعالى : فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ « الحاقة : 8 » أي جماعةٍ باقية أوفَعْلَةٍ لهم باقية . وقيل معناه بقية ، قال : وقد جاء من المصادر ما هو على فاعل ، وما هو على بناء مفعول . والأول أصح .
ملاحظات
1 . قال شيخنا المرجع الصافي مد ظله : سقط من عبارة الراغب هنا : تعظيماً له . . الخ . وأضيفت إلى عبارته في تسمية والدي البكر ، وليس محلها هناك ، بل هنا .
لذلك وضعناها هناك ، وهنا بين معقوفين .
2 . قال الخليل « 5 / 230 » : « بقي الشئ يبقى بقاءً وهو ضد الفناء ، يقال : ما بقيت منه بقية .
وبَقَا يَبْقَى : لغة طئ ، وكل ياء مكسورة في الفعل يجعلونها ألفاً .
واستبقيت فلاناً ، إذا أوجبت عليه قتلاً وعفوت عنه . في معنى عفوت عن زلله واستبقيت مودته » .
وقال ابن فارس « 1 / 276 » : « يقول العرب نشدتك الله والبُقْيَا ، وربما قالوا البَقْوَى . قال ابن السكيت : بَقَّيْتُ فلاناً أبقِّيه إذا رعيته وانتظرته . ومن ذلك حديث معاذ : بَقَّيْنَا رسول الله صلى الله عليه وآله ، يريد انتظرناه » .
3 . ما ذكره الراغب عن أنواع البقاء وبقاء الله تعالى والبقاء بالله ، خارج عن مفردات القرآن فقد ورد في القرآن لبقاء المخلوقات من الأشخاص والأفعال والأشياء ، وليس فيها عن بقاء الله تعالى إلا ما يوهمه قول السحرة الآتي .
ورد لبقاء عطاء الله : مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ الله بَاقٍ « النحل : 96 » . وَمَا عِنْدَ الله خَيْرٌ وَأَبْقَى . « القصص : 60 » وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى . « الأعلى : 17 » .
ولبيان شدة عذاب الآخرة : وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى . « طَهَ : 127 » .
ولبقاء كلمة التوحيد في الأئمة من ذرية إبراهيم عليه السلام : وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . « الزخرف : 28 » .
وللأعمال الباقية : وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً . « الكهف : 46 » .
ولما بقي من الربا : وَذَرُوا مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . « البقرة : 278 » .
ولقوم عاد : فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ . « الحاقّة : 7 » . وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأولى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى . « النجم : 51 » .
والباقية غير البقية ، لأن عاداً بقيت منهم بقية ، وروي عن علي عليه السلام أن جرهم بقايا عاد ، وثقيفاً بقايا ثمود .
كما وردت لمواريث موسى وهارون : وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ . « البقرة : 248 » .
ولأصحاب العقل : أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ . « هود : 117 » .
أما قول السحرة : والله خَيْرٌ وَأَبْقَى . « طَهَ : 73 » . فالظاهر أن المقصود بها كقوله تعالى : وَمَا عِنْدَ الله خَيْرٌ وَأَبْقَى « الصافات : 28 » .
وأما قوله : كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالآكْرَامِ . « الرحمن : 26 » . فالمقصود بوجه الله فيها ليس ذاته عز وجل بل حججه وأولياؤه ، وهم النبي وآله صلى الله عليه وآله ، فهم المستثنى من الهلاك بدليل قوله تعالى : كُلُّ شَئٍْ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ . « القصص : 88 » . لأنه لا يصح القول
--------------------------- 135 ---------------------------
إن معناها يهلك الله تعالى إلا وجهه كما زعم الوهابية !
4 . استعمل نبي الله شعيب عليه السلام تعبير بقية الله لما بقي من ربح حلال : بَقِيَّةُ الله خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . « هود : 86 » . وهي قاعدة عامة تعني : أن كل ما أبقاه الله تعالى للإنسان بعد ذهاب غيره خيرٌ له . وعُبِّرَ بها عمن بقي من الأئمة بعد ذهاب الماضين منهم عليهم السلام ، فقال الإمام الكاظم عن ولده الإمام الرضا عليهما السلام عندما وُلد : « هنيئاً لك يا نجمةُ كرامة ربك . . خذيه فإنه بقيةُ الله تعالى في أرضه » . « عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 30 » .
كما سُمِّيَ بها الإمام المهدي عليه السلام لأنه آخر من أبقاه الله من الأئمة والحجج عليهم السلام فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع عنده ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، وأول ما ينطق به هذه الآية : بَقِيَّةُ الله خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، ثم يقول : أنا بقية الله وحجته وخليفته عليكم . فلا يسلم عليه مسلم إلا قال : السلام عليك يا بقية الله في أرضه » .
بَكَّ
بَكَّةُ : هي مكة عن مجاهد ، وجعله نحو : سَبَدَ رأسَهُ وسَمَدَهُ ، وضَرْبَةُ لازبٍ ولازم ، في كون الباء بدلاً من الميم . قال عز وجل : إن أول بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً « آل عمران : 96 » . وقيل : بطن مكة . وقيل هي اسم المسجد . وقيل هي البيت . وقيل : هي حيث الطواف .
وسُمِّيَ بذلك من التَّبَاكّ أي الازدحام ، لأن الناس يزدحمون فيه للطواف . وقيل : سميت مكّة بَكَّة لأنها تبكُّ أعناق الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم .
ملاحظات
قال أكثر اللغويين إن بَكَّة مرادفة لمكة ، وقال بعضهم : بكة موضع البيت ، ومكة البلد . واتفق على أن سبب تسميتها بكة أن الناس يزدحمون فيها فيدفع بعضهم بعضاً .
قال ابن فارس « 1 / 186 » : « بكة : أصل يجمع التزاحم والمغالبة . قال ابن الإعرابي : تباكَّت الإبل ، إذا ازدحمت على الماء فشربت » .
وسأل معاوية بن عمار الصادق عليه السلام : « أقوم أصلي بمكة والمرأة بين يديَّ جالسة أو مارة ؟ فقال : لا بأس إنما سميت بكة . لأن الناس يبكُّ بعضهم بعضاً بالأيدي . وكانت تسمى بكة لأنها تَبُكُّ أعناق الباغين إذا بغوا فيها ، وتسمى بَسَّاسَة كانوا إذا ظلموا فيها بَسَّتْهم ، وأهلكتهم » « الكافي : 4 / 211 و 526 » .
بَكَرَ
أصل الكلمة : هي البُكْرَة التي هي أول النهار فاشتق من لفظه لفظ الفعل ، فقيل : بَكَرَ فلان بُكُوراً ، إذا خرج بُكْرَةً .
والبَكُور : المبالغ في البكرة . وبَكَّر في حاجته وابْتَكَر وبَاكَرَ مُبَاكَرَةً . وتُصُوِّر منها معنى التعجيل لتقدمها على سائر أوقات النهار ، فقيل لكل متعجل في أمر : بِكْر ، قال الشاعر : بَكَرَتْ تَلُومُك بعدَ وَهْنٍ في النَّدى
بَسَلٌ عليك ملامتي وعتابي
وسمي أول الولد بِكْراً ، وكذلك أبواه في ولادته إياه [ تعظيماً له ، نحو : بيت الله . وقيل : أشار إلى ثوابه وما أعد لصالحي عباده مما لا يلحقه الفناء ، وهو المشار إليه بقوله تعالى : وَإن الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ ] « العنكبوت : 64 » قال الشاعر : يا بِكرُ بِكريْنِ وَيَا خُلَّبَ الكَبدِ .
فبِكر في قوله تعالى : لاَ فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ « البقرة : 68 » هي التي لم تلد . وسميت التي لم تفتض بكراً اعتباراً بالثيب ، لتقدمها عليها فيما يراد له النساء ، وجمع البِكر أبكار ، قال تعالى : إنا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً « الواقعة : 35 » .
--------------------------- 136 ---------------------------
والبَكَرَة : المحالة الصغيرة لتصوُّرِ السرعة فيها .
ملاحظات
1 . معنى البيت الذي استشهد به : إن فلانة بكَّرت عليك في اللوم على نداك وكرمك ، وأنت الكريم ، فحرام عليَّ أن ألومك .
2 . قول الراغب : وكذلك أبواه في ولادته إياه تعظيماً له . أن الوالدين يسميان بِكرين أيضاً تعظيماً لابنهم كما عُظِّمَ البيت فسمي بيت الله .
وتقدم قول شيخنا المرجع الصافي مد ظله : إن قوله هنا تعظيماً . . الخ . زائد هنا ، وقد سقط من مادة بقي . ويدل عليه أن عبارته هناك تتم به . ولذا جعلناه في المكانين بين قوسين .
3 . جعل الراغب هذه المادة من أصل واحد هو البُكْرة أول النهار ، ولا يمكن إرجاع فروعها إليها ، فكيف نربط بها بَكَرَة البئر الدائرية ، بالإبن البكر ، والبنت الباكر !
كما حاول ابن فارس « 1 / 187 » توسيع البُكْرَة عن النهار لتشمل فروع المادة فلم يحالفه التوفيق .
بُكْمٌ
قال عز وجل : صُمٌّ بُكْمٌ « البقرة : 18 » جمع أَبْكَم ، وهو الذي يولد أخرس ، فكل أبكم أخرس وليس كل أخرس أبكم ، قال تعالى : وَضَرَبَ الله مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَئ « النحل : 76 » ويقال : بَكِمَ عن الكلام : إذا ضعف عنه لضعف عقله ، فصار كالأبكم .
ملاحظات
استعمل القرآن مادة بكم ، في ست آيات :
للمنافقين الذين اشتروا الضلالة بالهدى : إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ الله الصُّمُّ الْبُكْمُ « الأنفال : 22 » صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ . « البقرة : 18 » .
وللكافرين الذين لا يسمعون كلام النبي صلى الله عليه وآله ولا يريدون فهمه : مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ . « البقرة : 171 » وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ . « الأنعام : 39 » .
ولمقارنة المؤمن المهتدي بالأبكم العاجز : وَضَرَبَ الله مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَئٍْ وَهُوَكَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِى هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ . « النحل : 76 » .
ولنوع من الكفار أنكروا الآخرة : وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا « الإسراء : 97 » .
واستعمل البكم مع الصم ، ومفرديْن .
بَكَى
بَكَى يَبْكِي بُكىً وبُكَاءً ، فالبكاء بالمد : سَيَلان الدمع عن حزن وعويل ، يقال إذا كان الصوت أغلب كالرُّغاء والثُّغاء ، وسائر هذه الأبنية الموضوعة للصوت .
وبالقصر يقال إذا كان الحزن أغلب .
وجمع البَاكِي بَاكُون وبُكِيٌّ ، قال الله تعالى : خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا « مريم : 58 » . وأصل بُكِيٍّ فُعُولٌ كقولهم : ساجد وسجود وراكع وركوع وقاعد وقعود ، لكن قلب الواو ياء فأدغم نحو : جاثٍ وجثيٌّ وعاتٍ وعتيٌّ .
وبكى : يقال في الحزن وإسالة الدمع معاً ، ويقال في كل واحد منهما منفرداً عن الآخر ، وقوله عز وجل : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً « التوبة : 82 » إشارة إلى الفرح والترح ، وإن لم تكن مع الضحك قهقهة ، ولامع البكاء إسالة دمع .
وكذلك قوله تعالى : فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ « الدخان : 29 » .
وقد قيل : إن ذلك على الحقيقة ، وذلك قول من يجعل لهما حياة وعلماً ، وقيل : ذلك على المجاز ، وتقديره : فما بكت
--------------------------- 137 ---------------------------
عليهم أهل السماء .
ملاحظات
1 . معنى قول الراغب : وبالقصر يقال إذا كان الحزن أغلب : أن البكاء بالألف الممدود يقال للبكاء الذي يغلب فيه الصوت ، لأنه من نوع أسماء الأصوات كالثغاء والرغاء . فإن لم يغلب فيه الصوت فهو بكا بدون همزة .
لكنه تقسيم لا يلتزم به العرب ، وقد أخذه الراغب من عبارة ابن فارس ، قال « 1 / 285 » : « قال النحويون : من قَصَرَهُ أجراه مجرى الأدواء والأمراض ، ومن مَدَّه أجراه مجرى الأصوات كالثغاء والرغاء والدعاء » .
2 . ورد البكاء في سبع آيات ، ومواضيعها : أن الله خص الإنسان بالقدرة على الضحك والبكاء : وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى . « النجم : 43 » .
وأن المؤمنين يبكون خشوعاً : إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا . « مريم : 58 » .
وأن الفجار يضحكون : أَفَمِنْ هَذَا الحدِيثِ تَعْجَبُونَ . وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ . « النجم : 59 » .
وأن المنافقين سيبكون كثيراً : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَأنوا يَكْسِبُونَ . « التوبة : 82 » .
وأن الأرض والسماء لا تبكيان على المجرمين : فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَأنوا مُنْظَرِينَ . « الدخان : 29 » .
وفي بكاء إخوة يوسف كذباً : وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ . « يوسف : 16 » .
بَلْ
بَلْ : كلمةٌ للتدارك ، وهو ضربان : ضرب يناقض ما بعده ما قبله ، لكن ربما يقصد به لتصحيح الحكم الذي بعده ، وإبطال ما قبله ، وربما يقصد تصحيح الذي قبله وإبطال الثاني .
فمما قصد به تصحيح الثاني وإبطال الأول ، قوله تعالى : إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الأولينَ كلا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ « المطففين : 13 » أي ليس الأمر كما قالوا بل جهلوا ، فنبَّه بقوله رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ، على جهلهم .
وعلى هذا قوله في قصة إبراهيم : قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ . « الأنبياء : 62 » .
وممّا قصد به تصحيح الأول وإبطال الثاني قوله تعالى : فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وإما إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ كلا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ . « الفجر : 15 » أي ليس إعطاؤهم المال من الإكرام ، ولا منعهم من الإهانة ، لكن جهلوا ذلك لوضعهم المال في غير موضعه . وعلى ذلك قوله تعالى : صَ . وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عزةٍ وَشِقاقٍ . فإنه دلَّ بقوله : وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ على ] أن القرآن مقرٌّ للتذكر ، وأن ليس امتناع الكفار من الإصغاء إليه أن ليس موضعاً للذكر بل لتعززهم ومشاقتهم .
وعلى هذا : قَ . وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا ، أي ليس امتناعهم من الإيمان بالقرآن أن لا مجد للقرآن ، ولكن لجهلهم . ونبَّه بقوله : بَلْ عَجِبُوا على جهلهم ، لأن التعجب من الشئ يقتضي الجهل بسببه . وعلى هذا قوله عز وجل : مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ كلا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ . « الانفطار : 6 » كأنه قيل : ليس هاهنا ما يقتضي أن يغرَّهم به تعالى ، ولكن تكذيبهم هو الذي حملهم على ما ارتكبوه .
والضرب الثاني من بل : هو أن يكون مُبَيِّناً للحكم الأول وزائداً عليه بما بعد بل ، نحو قوله تعالى : بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ « الأنبياء : 5 » فإنه نبه أنهم يقولون : أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ ، يزيدون على ذلك أن
--------------------------- 138 ---------------------------
الذي أتى به مفترى افتراه ، بل يزيدون فيدعون أنه كذاب فإن الشاعر في القرآن عبارة عن الكاذب بالطبع . وعلى هذا قوله تعالى : لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ . « الأنبياء : 39 » أي لو يعلمون ما هو زائد عن الأول وأعظم منه ، وهو أن تأتيهم بغتة .
وجميع ما في القرآن من لفظ بل لا يخرج من أحد هذين الوجهين ، وإن دقَّ الكلام في بعضه .
ملاحظات
1 . أخذ الراغب شيئاً من النحاة واللغويين والفقهاء والأصوليين في بل ، وتصور أنه استوعبها ، وحصرها في قسمين !
2 . قال ابن هشام « 1 / 112 » : « بل : حرف إضراب فإن تلاها بجملة كان معنى الإضراب إما الإبطال نحو : وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ . أي بل هم عباد ، ونحو : أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحق .
وإما الإنتقال من غرض إلى آخر . ووهم ابن مالك إذ زعم في شرح كافيته أنها لا تقع في التنزيل إلا على هذا الوجه ، ومثاله : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّ . بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . ونحو : وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحق وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ . بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ . وهي في ذلك كله حرف ابتداء ، لا عاطفة على الصحيح » .
وقال الشهيد الثاني في مسالك الأفهام « 11 / 19 » في حكم من قال : له عليَّ ألف بل ألفان :
« إعلم أن بل حرف إضراب بما بعدها عما قبلها وعدول عنه . ثم إن تقدمها إيجاب وتلاها مفرد ، جعلت ما قبلها كالمسكوت عنه فلا يحكم عليه بشئ ، وأثبتت الحكم لما بعدها . وحيث كان الأول إقراراً صحيحاً استقر حكمه بالإضراب عنه ، وثبت ما بعده أيضاً .
ثم إن كانا مختلفين أو معينين لم يقبل إضرابه ، لأنه إنكار للاقرار الأول وهو غير مسموع .
وإن كانا مطلقين ، أو أحدهما ، لزمه واحد ، إن اتحد مقدار ما قبل بل وما بعدها ، وإن اختلفا كمية ، لزمه الأكثر . وإن تقدمها نفي فهي لتقرير ما قبلها على حكمه ، وجعل ضده لما بعدها . . الخ » .
وقال المظفر في أصول الفقه « 1 / 179 » : « تستعمل في وجوه ثلاثة ، الأول : للدلالة على أن المضرب عنه وقع عن غفلة أو على نحو الغلط . ولا دلالة لها حينئذ على الحصر ، وهو واضح . الثاني : للدلالة على تأكيد المضرب عنه وتقريره نحو زيد عالم بل شاعر . ولا دلالة لها أيضاً حينئذ على الحصر .
الثالث : للدلالة على الردع وإبطال ما ثبت أولاً ، نحو : أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ، بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ ، فتدل على الحصر ، فيكون لها مفهوم وهذه الآية الكريمة تدل على انتفاء مجيئه بغير الحق » .
ثم وجد الفقهاء أن هذه الأقسام لا تستوعب استعمالات « بل » في القرآن والعربية فقال في المغني « 2 / 653 » :
« قولهم : بل حرف إضراب . والصواب : حرف استدراك وإضراب فإنها بعد النفي والنهى بمنزلة لكن » .
وقال الشيخ الأنصاري في مطارح الأنظار / 217 : « وكلمة بل في قوله : بل المقيد ، ليست للإضراب كما زعمه بعض الأجلة ، بل هي للترقي » .
3 . معنى قولهم : بل حرف إضراب أو استدراك أو ترقٍّ ، أنها ناظرة إلى لفظ ما قبلها ، ثم تستدرك عليه أو تضيف عليه وترتقي درجة . وهذا صحيح في استعمالها في القرآن ، لكن ما قبلها الذي تنظر اليه ، ليس اللفظ
--------------------------- 139 ---------------------------
بالضرورة ، فقد يكون أمراً مفهوماً من اللفظ ، أو مفهوماً من الحال ، وقد يكون قريباً من مضمون اللفظ أو بعيداً عنه . فهي تشبه قول المؤلفين « أقول ، أو قال المؤلف » فهو ناظر إلى ما قبله ، لكن قد يُفَرِّع أو ينفي ، وقد يثبت ، وقد يترقى ، وقد يستدرك أمراً ، أو يكشف جديداً . وقد يتناول الموضوع من زاوية جديدة . . الخ .
وهي تشبه تعبير « حقاً أقول » في الخطاب الإلهي في الأديان السابقة . فقد رويَ في الحديث القدسي قول الله تعالى لعيسى عليه السلام « الكافي : 8 / 132 » : « يا عيسى حقاً أقول : ما آمنت بي خليقة إلا خشعت لي ، ولا خشعت لي إلا رجت ثوابي » . وروي قول الله تعالى لنبينا صلى الله عليه وآله : « حقاً أقول : يا محمد لأدخلن جميع أمتك الجنة ، إلا من أبى من خلقي » . « كمال الدين / 250 » .
وفي قاموس الكتاب المقدس / 7 : « وردت هذه العبارة : الحق أقول لكم ، مرات كثيرة في الأناجيل وهي في الأصل : آمين أقول لكم ، أو آمين آمين أقول لكم » . وآمين بالسريانية : حقاً .
4 . من استعمالات بل في القرآن : لنفي ما قبلها وإثبات ما بعدها محضاً ، كقوله تعالى : أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَالْحق . « السجدة : 3 » .
ولرد ما قبلها وإثبات جديد : وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ « البقرة : 135 » .
ولإثبات ما قبلها وبيانه : إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ . « الحجر : 15 » .
ولإثبات ما قبلها وإصدار الحكم عليه : إِنَّكُمْ لَتَاتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ . « الأعراف : 81 » .
وللترقي مع إثبات ما قبلها : يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ . « الأنبياء : 97 » .
وللترقي بدون إثبات ما قبلها أو نفيه : وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ . « البقرة : 88 » . أولإثبات ما قبلها ثم الترقي عنه : بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ . « النمل : 66 » أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ . « الأعراف : 179 » .
وقد تثبت أمراً جديداً كقوله تعالى : أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأول بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ . « قاف : 15 » كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ . أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ . « الذاريات : 52 » .
أو تكون ناظرة إلى قضية تتعلق بمعنى ما قبلها : أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لايُوقِنُونَ . « الطور : 36 »
أو ناظرة إلى قضية مفهومة من الحال ، كقوله تعالى : بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ . بَلْ هُوَقُرْآنٌ مَجِيدٌ . « البروج : 17 » .
أو استئنافاً لا علاقة لها بما قبلها إلا إذا قدرته من قرائن الحال : بَلْ يُرِيدُ الآنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ . يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ . « القيامة : 5 » .
وقد لا يكون فيها إضراب ولا ترقٍّ بل تكون لتعليل ما قبلها : أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ . « البقرة : 100 » .
ولتقرير حقيقة جديدة تتعلق بنحو ما بما قبلها : وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحق وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ . بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا . « المؤمنون : 61 » .
إلى آخر استعمالاتها ، وهي أوسع مما ذكروه .
بَلَد
البَلَد : المكان المحيط المحدود المتأثر باجتماع قطانه وإقامتهم فيه ، وجمعه : بِلَاد وبُلْدَان ، قال عز وجل : لا
--------------------------- 140 ---------------------------
أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ « البلد : 1 » قيل يعني به مكة .
قال تعالى : بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ « سبأ : 15 » فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً « الزخرف : 11 » وقال عز وجل : فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ ميتٍ « الأعراف : 57 » رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً « البقرة : 126 » يعني مكة .
وتخصيص ذلك في أحد الموضعين وتنكيره في الموضع الآخر ، له موضع غير هذا الكتاب .
وسميت المفازة بلداً لكونها موطن الوحشيات والمقبرة بلداً ، لكونها موطناً للأموات . والبَلْدَة منزل من منازل القمر . والبُلْدَة : البلجة ما بين الحاجبين تشبيهاً بالبلد لتمددها . وسميت الكركرة بلدة لذلك . وربما استعير ذلك لصدر الإنسان ، ولاعتبار الأثر قيل : بجلده بَلَدٌ ، أي أثر ، وجمعه أَبْلَاد ، قال الشاعر : وفي النُّحُورِ كُلُومٌ ذَاتُ أَبْلَادِ .
وأَبْلَدَ الرجل : صار ذا بلد نحو : أنجد وأتهم . وبَلِدَ : لزم البلد .
ولما كان اللازم لموطنه كثيراً ما يتحير إذا حصل في غير موطنه قيل للمتحير : بَلُدَ في أمره وأَبْلَدَ وتَبَلَّدَ ، قال الشاعر : لا بدَّ للمحزونِ أنْ يتَبَلَّدَا
ولكثرة وجود البلادة فيمن كان جلف البدن قيل رجل أبلد ، عبارة عن عظيم الخلق .
وقوله تعالى : وَالْبَلَدُ الطيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً . « الأعراف : 58 » كنايتان عن النفوس الطاهرة والنجسة فيما قيل .
ملاحظات
1 . لاحظ ضعف تعريف الراغب للبَلَد : « المكان المحيط المحدود المتأثر باجتماع قطانه وإقامتهم فيه » .
وقوة تعريف الخليل « 8 / 42 » : « كل موضع متحيز من الأرض ، عامر أو غير عامر ، خال أو مسكون » .
2 . استعمل البلد في القرآن بمعنى القرية ، والبلدة ، والمدينة ، والدولة .
واستعملت القرية بمعناها المعروف ، وبمعنى المدينة ، والدولة والحضارة ، وأهلها . قال تعالى في المفسدين في البلاد : وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ . الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ . « الفجر : 7 » . لَايَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ . « آل عمران : 196 » .
وقال في نظام التبخير والإمطار : والله الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ ميتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ . « فاطر : 9 »
وقال في تسخير الحيوانات : وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ . « النحل : 7 » .
وقال عن البلد الأمين مكة : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا . « إبراهيم : 35 » . لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ .
بَلَسَ
الإِبْلَاس : الحزن المعترض من شدة البأس ، يقال : أَبْلَسَ ، ومنه اشتق إبليس فيما قيل .
قال عز وجل : وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ . « الروم : 12 » وقال تعالى : أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ « الأنعام : 44 » وقال تعالى : وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ . « الروم : 49 » .
ولما كان المبلس كثيراً ما يلزم السكوت وينسى ما يعنيه قيل : أَبْلَسَ فلان ، إذا سكت وإذا انقطعت حجته ، وأَبْلَسَتِ الناقة فهي مِبْلَاس ، إذا لم ترع من شدة الضبعة .
وأما البِلَاس : للمِسْح « البساط » ففارسيٌّ مُعَرَّب .
ملاحظات
1 . الإبلاس : نوع من اليأس ، وجعله الراغب ناتجاً من اليأس . قال ابن فارس « 1 / 299 » : « يقال : أبلس إذا يئس ، قال الله تعالى : فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ . قالوا : ومن ذلك اشتق اسم إبليس كأنه يئس من رحمة الله »
--------------------------- 141 ---------------------------
وقال الجوهري « 3 / 909 » : « أبلس من رحمة الله : أي يئس ، ومنه سمى إبليس وكان اسمه عزازيل » .
2 . في معاني الأخبار / 138 ، عن الإمام الرضا عليه السلام : « إن اسم إبليس الحارث ، وإنما قول الله عز وجل : يا إبليس يا عاصي . وسمي إبليس ، لأنه أبلس من رحمة الله عز وجل » .
وفي دعاء الإمام السجاد عليه السلام : « ولَا تَرُعْنِي رَوْعَةً أُبْلِسُ بِهَا ، ولَاخِيفَةً أُوجِسُ دُونَهَا » . « الصحيفة السجادية / 230 » .
فإبليس والشيطان صفتان كالإسمين ، من شاط عن أمر ربه ، وأبلس من رحمة ربه . ولا شك في اشتقاقه من أبلس بمعنى يئس ، لأنه ورد استعماله على لسان النبي وآله صلى الله عليه وآله ، وهم أفصح من نطق بالضاد .
3 . في الكافي « 1 / 58 » : « أول من قاس إبليس حين قال : أَنَا خَيْرٌ مِنْه خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ، فقاس ما بين النار والطين . ولو قاس نورية آدم بنورية النار ، عرف فضل ما بين النورين » .
وفي نهج البلاغة « 2 / 138 » : « اعترضته الحمية فافتخر على آدم بخلقه وتعصب عليه لأصله . فعدو الله إمام المتعصبين وسلف المستكبرين ، الذي وضع أساس العصبية ونازع الله رداء الجبرية . ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه ، ويبهر العقول رواؤه وطيبٍ يأخذ الأنفاس عُرْفُهُ لفعل . ولو فعل لظلت له الأعناق خاضعة ، ولخفت البلوى فيه على الملائكة . ولكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله تمييزاً بالاختبار لهم ، ونفياً للاستكبار عنهم » .
بَلَعَ
قال عز وجل : يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ . « هود : 44 » من قولهم : بَلَعْتُ الشئ وابْتَلَعْتُه . ومنه : البَالُوعة . وسَعْدُ بُلَع : نجمٌ . وبَلَّعَ الشيب في رأسه : أول ما يظهر .
ملاحظات
وردت هذه المادة في آية واحدة ، في طوفان نوح عليه السلام . وذكر اللغويون أن البلع هو الإبتلاع والإزدراد . وقال الخليل « 2 / 156 » : « ابتلع الطعام أي لم يمضغه » .
وجعله ابن فارس « 1 / 301 » بمعنى الإزدراد .
والظاهر أن البلع والإبتلاع أعم مما كان عن مضغ أو بدونه ، والإزدراد بدون مضغ . والبلع دفعةً ، والإبتلاع أعم . فيكون معنى : يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ : دفعةً واحدة .
بَلَغَ
البُلُوغ والبَلَاغ : الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى ، مكاناً كان أو زماناً أو أمراً من الأمور المقدرة . وربما يعبر به عن المشارفة عليه وإن لم ينته إليه . فمن الانتهاء : بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً . « الأحقاف : 15 » وقوله عز وجل : فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ « البقرة : 232 » وَمَا هُمْ بِبالِغِيهِ « غافر : 56 » فَلما بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ « الصافات : 102 » لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ « غافر : 36 » أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ « القلم : 39 » . أي منتهية في التوكيد .
والبَلَاغ : التبليغ ، نحو قوله عز وجل : هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ « إبراهيم : 52 » وقوله عز وجل : بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ « الأحقاف : 35 » وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ « يس : 17 » فَإنما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ « الرعد : 40 » .
والبَلَاغ : الكفاية نحو قوله عز وجل : إن فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ « الأنبياء : 106 » وقوله عز وجل : وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ « المائدة : 67 » أي إن لم تبلغ هذا أو شيئاً مما حُمِّلْت تكن في حكم من لم يبلغ شيئاً من رسالته ، وذلك أن حكم الأنبياء وتكليفاتهم أشد ، وليس حكمهم كحكم سائر الناس الذين يُتَجَافى عنهم إذا خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً .
وأما قوله عز وجل : فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ «
--------------------------- 142 ---------------------------
الطلاق : 2 » فللمشارفة ، فإنها إذا انتهت إلى أقصى الأجل لا يصح للزوج مراجعتها وإمساكها .
ويقال : بَلَّغْتُهُ الخبر وأَبْلَغْتُهُ مثله ، وبلغته أكثر قال تعالى : أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي « الأعراف : 62 » وقال : يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ « المائدة : 67 » وقال عز وجل : فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ . « هود : 57 » وقال تعالى : بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ « آل عمران : 40 » وفي موضع : وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا . « مريم : 8 » .
وذلك نحو : أدركني الجهد وأدركت الجهد . ولا يصح : بَلَغَنِي المكان وأدركني .
والبلاغة : تقال على وجهين ، أحدهما : أن يكون بذاته بليغاً ، وذلك بأن يجمع ثلاثة أوصاف : صوباً في موضوع لغته ، وطبقاً للمعنى المقصود به وصدقاً في نفسه . ومتى اخترم وصف من ذلك كان ناقصاً في البلاغة .
والثاني : أن يكون بليغاً باعتبار القائل والمقول له ، وهو أن يقصد القائل أمراً فيورده على وجه حقيق أن يقبله المقول له ، وقوله تعالى : وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً « النساء : 63 » يصح حمله على المعنيين . وقول من قال : معناه قل لهم : إن أظهرتم ما في أنفسكم قتلتم . وقول من قال : خوفهم بمكاره تنزل بهم ، فإشارة إلى بعض ما يقتضيه عموم اللفظ . والبلغة : ما يُتَبَلَّغُ به من العيش .
ملاحظات
1 . بَلَغَ : أصلٌ واحد كما ذكر اللغويون ، وهو الوصول إلى الشئ ، كما قال ابن فارس . وهو أحسن من تعريف الراغب له : « الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى » .
قال ابن فارس « 1 / 301 » : « وقد تسمى المشارفة بلوغاً . وكذلك البلاغة التي يمدح بها الفصيح اللسان لأنه يبلغ بها ما يريده » . وفروعها المشهورة أربعة :
التبليغ ، والبُلوغ ، والبَلاغة ، والبُلْغة . والكفاية التي ذكرها الراغب من البُلغة .
2 . استعمل القرآن بَلَّغَ ومشتقاته لإيصال الرسالات ، قال تعالى : الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ الله وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا الله . « الأحزاب : 39 » .
والبلاغ قانون عام لإدارته سبحانه للناس : وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ . « يس : 17 » . ولم يستعمل التبليغ أبداً : فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ . « التغابن : 12 » .
فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ . « الرعد : 40 » فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ . « النحل : 35 » .
3 . استعمل القرآن بَلَغَ بمعنى وصل إلى غايته وهدفه . وفي من بلغه القرآن ، وبلوغ الأطفال الحلم ، وبلوغهم سن الزواج ، وبلوغ الإنسان أشده ، وبلوغه أربعين سنة ، وبلوغ ذي القرنين مطلع الشمس ومغربها وبين السدين . وبلوغ موسى مجمع البحرين ، وبلوغ الإنسان الكبر ، وبلوغ القلوب الحناجر ، وبلوغ الروح الحلقوم والتراقي ، وبلوغ النساء أجل الطلاق ، وبلوغ الإنس والجن أجلهم في الحياة ، وبلوغ الهَدْيِ مَحِلَّه ، وبلوغ الكتاب أجلَه ، وبلوغ المأمن . . الخ .
4 . استعمل القرآن كلمة بليغ فقط : وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً . « النساء : 63 » . وقال عليٌّ عليه السلام : « لاتجعلن ذرب لسانك على من أنطقك ، وبلاغة قولك على من سددك » « نهج البلاغة : 4 / 96 » وقال الإمام سجاد عليه السلام : « فأسألك ببلاغة حكمتك ونفاذ مشيتك » . « الصحيفة / 404 »
5 . تعريف الراغب للبلاغة فيه إشكال ، وقد اختلفوا في تعريفها ، وأطالوا حتى خرجوا عن البلاغة .
وتعريفها المشهور بين الطلبة : مطابقةُ الكلام لمقتضى الحال . وهو على اختصاره وبلاغته مجمل ، وقد أضاف
--------------------------- 143 ---------------------------
له بعضهم : مع الفصاحة .
وقال التفتازاني في مختصر المعاني « 1 / 24 » : « البلاغة في المتكلم ملكة يَقتدر بها على تأليف كلام بليغ . . ليس كل فصيح بليغاً لجواز أن يكون كلامٌ فصيح غير مطابق لمقتضى الحال » .
فالمتفق عليه : أن البلاغة كلامٌ مميز في ألفاظه ومعانيه ، يشهد له أهل المعرفة باللغة .
6 . قال الراغب : والبَلَاغ : الكفاية ، نحو قوله عز وجل : إن فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ . « الأنبياء : 106 » وهو في الآية أعم من التبليغ والكفاية .
ثم فسر آية : وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ، بأنك تكون مبلغاً للرسالة لكن ليس بنحو كافٍ . وهذا خطأ ، قال البيضاوي « 2 / 136 » : « فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَه ، فما أديت شيئاً منها » . وقال ابن جزي في التسهيل « 1 / 238 » : « إن تركت منه شيئاً فكأنك لم تبلغ شيئاً وصار ما بلغت لا يعتد به » . فقد أُمِر صلى الله عليه وآله بتليغ أمرٍ مهم يعادل الرسالة ، وهو إعلان ولاية علي عليه السلام ، لكن علماء السلطة حاولوا تهوين الأمر ! وقد استوفينا بحثه في كتاب : آيات الغدير .
بَلِيَ
يقال : بَلِيَ الثوب بِلًى وبَلَاءً ، أي خَلِقَ . ومنه قيل لمن سافر : بِلْوُ سفر وبِلْيُ سفر ، أي أبلاه السفر .
وبَلَوْتُهُ : اختبرته كأني أخلقته من كثرة اختباري له ، وقرئ : هُنالِكَ تَبْلُو كل نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ . « يونس : 30 » أي تعرف حقيقة ما عملت ،
ولذلك قيل : بلوت فلاناً إذا اختبرته .
وسميَ الغم بلاءً من حيث إنه يُبلي الجسم ، قال تعالى : وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ « البقرة : 49 » وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَئ مِنَ الْخَوْفِ . . الآية . « البقرة : 155 » وقال عز وجل : إن هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ « الصافات : 106 » .
وسمي التكليف بلاءً من أوجه ، أحدها : أن التكاليف كلها مشاق على الأبدان ، فصارت من هذا الوجه بلاء . والثاني : أنها اختبارات ، ولهذا قال الله عز وجل : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ « محمد : 31 » .
والثالث : إن اختبار الله تعالى للعباد تارةً بالمسَارِّ ليشكروا ، وتارة بالمضارِّ ليصبروا ، فصارت المحنة والمنحة جميعاً بلاء ، فالمحنة مقتضية للصبر والمنحة مقتضية للشكر . والقيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر ، فصارت المنحة أعظم البلاءين .
وبهذا النظر قال عمر : بلينا بالضراء فصبرنا وبلينا بالسراء فلم نشكر .
ولهذا قال أمير المؤمنين : من وسع عليه دنياه فلم يعلم أنه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله .
وقال تعالى : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً « الأنبياء : 35 » وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً « الأنفال : 17 » وقوله عز وجل : وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ « البقرة : 49 » راجع إلى الأمرين ، إلى المحنة التي في قوله عز وجل : يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ « البقرة : 49 » وإلى المنحة التي أنجاهم .
وكذلك قوله تعالى : وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ « الدخان : 33 » راجع إلى الأمرين ، كما وصف كتابه بقوله : قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى . « فصلت : 44 » .
وإذا قيل : ابْتَلَى فلان كذا وأَبْلَاهُ فذلك يتضمن أمرين ، أحدهما : تَعَرُّفُ حاله والوقوف على ما يُجهل من أمره . والثاني : ظهور جودته ورداءته . وربما قصد به الأمران ، وربما يقصد به أحدهما .
--------------------------- 144 ---------------------------
فإذا قيل في الله تعالى : بلى كذا وأبلاه ، فليس المراد منه إلا ظهور جودته ورداءته دون التعرف لحاله والوقوف على ما يجهل من أمره ، إذ كان الله علَّام الغيوب .
وعلى هذا قوله عز وجل : وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ . « البقرة : 124 » . ويقال : أَبْلَيْتُ فلاناً يميناً : إذا عرضت عليه اليمين لتبلوه بها .
ملاحظات
1 . جعل الراغب كل فروع بَلِيَ وابْتَلَى أصلاً واحداً من بَلِيَ الثوب ولم يذكر بَلَوَ .
وذكر قولهم : بِلْوُ سفر ، وفسره بأبلاه السفر ، وهم يقصدون أنه قويٌّ على السفر ! وجعله الراغب للإنسان وهو للناقة ، يقولون : نِضْوُ سفر ، وبِلو سفر .
أما ابن فارس فجعل بَلِيَ وبَلَوَ أصلين من بلي الثوب ، لكن المادة أوسع من ذلك .
قال ابن فارس « 1 / 192 » : « أصلان ، أحدهما : إخلاق الشئ . والثاني : نوع من الاختبار ، ويحمل عليه الإخبار أيضاً ، يقول العرب : أبلِني كذا ، أي أخبرني فيقول الآخر : لاأبليك . ومنه حديث أم سلمة حين ذكرت قول النبي صلى الله عليه وآله : إن من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه ، فسألها عمر أمنهم أنا ! فقالت لا ، ولن أبلي أحداً بعدك . أي لن أخبر » .
2 . لم يَستعمل القرآن بَلِيَ للثوب واستعملها ضد الخلود : وَمُلْكٍ لا يَبْلَى . « طَهَ : 120 »
واستعمل بَلَى وأَبْلَى وابتلى بشكل واسع بمعنى الاختبار والامتحان .
واستعمل بَلَوْنا ونَبْلُو ويَبْلُو ، متعدياً بالباء : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً « الأنبياء : 35 » .
ومتعدياً بفي : لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ . « الأنعام : 165 » . ومجرداً : لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً . « الملك : 2 » .
وابْتَلَى ويَبتلي ونَبتلي وابْتُلِيَ ، متعدياً بفي : لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ . « آل عمران : 186 » .
وبالباء : وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ « البقرة : 124 » .
ومجرداً : هُنَالِكَ ابْتُلِي الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا . « الأحزاب : 11 » .
واستعمل أبلى مرة واحدة : وَلِيُبْليَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا . « الأنفال : 17 » .
وتُبْلى في آية واحدة للسرائر : يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ . « الطارق : 9 » . أي يوم تظهرفيها نتيجة الابتلاء .
وكذا تَبْلُو في آية واحدة للنفس : هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ . « يونس : 30 » . أي ترى نتيجته .
واستعمل الابتلاء للنوايا ، والتمحيص لنتائج الأعمال في القلوب ، فقال عز وجل : وَلِيَبْتَلِي الله مَا فِي صُدُورِكُمْ ، وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ والله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . « آل عمران : 154 » .
3 . لم أجد تفريقاً مقنعاً بين البلاء والابتلاء ، ويفهم من تتبع مواردهما أن البلاء قانون إلهي عام ، عليه قامت الحياة على الأرض ، قال تعالى : الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً . « الملك : 2 » . إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً . « الكهف : 7 » . وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً . « هود : 7 » .
ويكون البلاء بالشر وبالخير : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر . « الأنبياء : 35 » لِيَبْلُوَنِى أشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ . « النمل : 40 » .
ومنه البلاء بالرزق : لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ . « الأنعام : 165 » .
وبلاء العقوبة : نَبْلُوهُمْ بِمَا كَأنوا يَفْسُقُونَ . « الأعراف : 163 » .
وبلاء الصراع بين أولياء الله وأعدائه : وَلَوْ يَشَاءُ الله لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ « محمّد : 4 » .
--------------------------- 145 ---------------------------
وابتلاء الناس بأزمة أمنية واقتصادية قبل ظهور المهدي عليه السلام : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَئٍْ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ . « البقرة : 155 » .
أما الابتلاء فهو فعل إلهي خاص ، يشترك مع قانون البلاء العام لكنه أخص منه .
ويكون تكوينياً محضاً : إِنَّا خَلَقْنَا الآنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا . « الإنسان : 2 » .
أوعقوبة على ذنب : ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ . « آل عمران : 152 » هُنَالِكَ ابْتُلِي الْمُؤْمِنُونَ . « الأحزاب : 11 » .
أو اختباراً لرفع درجة : وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ . « البقرة : 124 » . إِنَّ الله مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ . « البقرة : 249 » . وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ . « النساء : 6 » .
بَلَى
ردٌّ للنفي ، نحو قوله تعالى : وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ الله عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ الله عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى الله ما لا تَعْلَمُونَ . بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً . « البقرة : 80 » . أو جوابٌ لاستفهام مقترن بنفي نحو : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا : بَلى . « الأعراف : 172 » .
ونعم : يقال في الاستفهام المجرد نحو : فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حقا قالُوا : نَعَمْ . « الأعراف : 44 » ولا يقال هاهنا : بلى . فإذا قيل : ما عندي شئ ، فقلت : بلى ، فهو ردٌّ لكلامه ، وإذا قلت نعم ، فإقرار منك .
قال تعالى : فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إن الله عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . « النحل : 28 » وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ « سبأ : 3 » . وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى « الزمر : 71 » قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى . « غافر : 50 » .
ملاحظات
قال ابن هشام في المغني « 1 / 113 » : « بلى : حرف جواب . وتختص بالنفي وتفيد إبطاله ، سواء كان مجرداً نحو : الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ، قُلْ بَلَى وَرَبِّي . أم مقروناً بالاستفهام ، حقيقياً كان نحو : أليس زيد بقائم فتقول : بلى ، أو توبيخياً نحو : أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ، بَلَى . أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ ، بَلَى . أو تقريرياً نحو : أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ، قَالُوا بَلَى . أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، قَالُوا بَلَى . أجروا النفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده ببلى » .
وقال في المغني « 2 / 346 » : « واعلم أنه إذا قيل : قام زيد ، فتصديقه نعم وتكذيبه لا ، ويمتنع دخول بلى لعدم النفي . وإذا قيل : ما قام زيد ، فتصديقه نعم وتكذيبه بلى ، ومنه : زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ، قُلْ بَلَى وَرَبِّي .
ويمتنع دخول لا ، لأنها لنفي الإثبات لا لنفي النفي . وإذا قيل : أقام زيد ، فهو مثل قام زيد ، أعني أنك تقول إن أثبتَّ القيام : نعم ، وإن نفيته : لا ، ويمتنع دخول بلى .
وإذا قيل : ألم يقم زيد ، فهو مثل لم يقم زيد ، فتقول إذا أثبت القيام : بلى ، ويمنع دخول لا . وإن نفيته قلت : نعم ، قال الله تعالى : أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ . قَالُوا بَلَى . أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى . أَوَلَمْ تُؤْمِن ، قَالَ بَلَى . وعن ابن عباس أنه لو قيل نعم في جواب : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، لكان كفراً .
والحاصل : أن بلى لا تأتي إلا بعد نفي . وأن لا لا تأتي إلا بعد إيجاب ، وأن نعم تأتي بعدهما . وإنما جاز : بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ ، مع أنه لم يتقدم أداة نفي لأن : لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي ، يدل على نفي هدايته ومعنى الجواب حينئذ : بلى قد هديتك بمجئ الآيات ، أي قد أرشدتك لذلك ، مثل : وإما ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ » .
--------------------------- 146 ---------------------------
أقول : يقصد ابن هشام أن قاعدتهم في أنه لا تجئ بلى إلا بعد نفي ، ينقضها قوله تعالى : بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا . « الزمر : 58 » . فإنه لا يوجد قبلها نفي ، ثم أجاب بأنه يوجد نفي في المعنى وإن لم يصرح به .
والصحيح : أن اشتراط النحويين النفي قبل بلى غير دقيق ، نعم تحتاج لأن يتقدم عليها سؤال ، إما ظاهر بالاستفهام أو النفي ، أو مقدر بقرينة المقال أو الحال . وكذا استعملها أهل البيت عليهم السلام وهم أفصح من نطق بالضاد . قال علي عليه السلام « فوالله ما كنزت من دنياكم تبراً ، ولا ادخرت من غنائمها وفراً ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً . بلى ، كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء ، فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين » . « نهج البلاغة : 3 / 71 » :
وقال عليه السلام : « إن هاهنا لعلماً جماً ، وأشار إلى صدره ، لو أصبت له حَمَلَة . بلى ، أصبت لَقِناً غير مأمونٍ عليه ، مستعملاً آلة الدين للدنيا . اللهم بلى ، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة » . « نهج البلاغة : 4 / 37 »
وفي الكافي « 1 / 90 » في جواب سؤال يهودي : « متى كان ربنا ؟ قال له : يا يهودي إنما يقال متى كان لمن لم يكن فكان ، هو كائن بلا كينونية ، كائن كان بلا كيف يكون . بلى يا يهودي ثم بلى يا يهودي ، كيف يكون له قبل ! هو قَبْلَ القبل بلا غاية ، ولا منتهى غاية لتنتهي غايته . انقطعت الغايات عنده ، هو غاية كل غاية . فقال : أشهد أن دينك الحق ، وأن ما خالفه باطل » .
فَبَلَى في هذه الموارد جوابٌ سؤال مقدر من السياق ، أو مفترض من المتكلم . وقد يخلو من النفي والاستفهام .
بَنَن
البَنَان : الأصابع ، قيل سميت بذلك لأن بها صلاح الأحوال التي يمكن للإنسان أن يُبِنَّ بها ، يريد : أن يقيم بها . ويقال : أَبَنَّ بالمكان يُبِنُّ ، ولذلك خص في قوله تعالى : بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ . « القيامة : 4 » . وقوله تعالى : وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كل بَنانٍ « الأنفال : 12 » خصه لأجل أنها بها تقاتل وتدافع . والبَنَّة : الرائحة التي تبنُّ بما تعلقت به .
ملاحظات
1 . شكَّ الراغب في أن البنان مشتقة من بَنَنَ بمعنى أقام ، وأن مناسبة اشتقاقها أنها تمكن الإنسان من الإقامة بالمكان . وشكه في محله ، لأن اللغويين لم يذكروا ارتباطاً معقولاً بينهما . ثم إن الأصابع من أعضاء البدن ، فكيف تأخرت تسميتها حتى أخذوها من الإقامة في مكان لتسمين الشياه !
قال الخليل « 8 / 373 » : « البنان : أطراف الأصابع من اليدين والرجلين . ويجئ في الشِّعر البنانة » .
وقال ابن منظور « 13 / 58 » : « والبَنانُ في قوله تعالى : بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ . يعني شَوَاه « الأيدي والأرجل » ويقال : بنانٌ مُخَضَّبٌ ، لأن كل جمع بينه وبين واحده الهاءُ ، فإِنه يُوَحِّد ويذكَّرُ . وقوله عز وجل : فَاضْرِبُوا فَوْقَ الإعناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كل بَنانٍ ، قال أَبو إسحق : البَنانُ هاهنا جميعُ أَعضاء البدن » .
أقول : وسَّعُوا معنى البنان إلى كل البدن بدون دليل ، وقصدهم تقوية ضرب الملائكة للمشركين في بدر في قوله تعالى : فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعنَاقِ وَاضْرِبوُا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ . « الأنفال : 12 » فجعلوها كل البدن .
والصحيح حملها على ظاهرها ، وأن الملائكة كانوا مساعدين ، فضربوا المشركين فوق الأعناق ، ولم يضربوا نفس الأعناق ، وضربوا أصابعهم . ولا نعرف كيفية ضربهم ، ولا قوانين حربهم .
بَنَيَ
--------------------------- 147 ---------------------------
يقال : بَنَيْتُ أَبْنِي بِنَاءً وبِنْيَةً وبِنًى . قال عز وجل : وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً « النبأ : 12 » . والبِنَاء اسم لما يبنى بناءً ، قال تعالى : لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ . « الزمر : 20 » .
والبَنِيَّة : يعبر بها عن بيت الله تعالى .
قال تعالى : وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ . « الذاريات : 47 » وَالسَّماءِ وَما بَناها . « الشمس : 5 » .
والبُنيان : واحد لا جمع له ، لقوله تعالى : لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ . « التوبة : 110 » وقال : كَأنهم بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ « الصف : 4 » قالُوا : ابْنُوا لَهُ بُنْياناً « الصافات : 97 » .
وقال بعضهم : بُنْيَانٌ جمع بُنْيَانَة ، فهو مثل شعير وشعيرة وتمر وتمرة ونخل ونخلة . وهذا النحو من الجمع يصح تذكيره وتأنيثه .
وابْنُ : أصله : بَنَوَ ، لقولهم في الجمع أَبْنَاء ، وفي التصغير : بُنَيّ . قال تعالى : يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ . « يوسف : 5 » . يا بُنَيَّ إني أَرى فِي الْمَنامِ إني أَذْبَحُكَ . « الصافات : 102 » يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِالله « لقمان : 13 » .
يا بنيَّ لا تعبد الشيطان . وسماه بذلك لكونه بناءً للأب ، فإن الأب هو الذي بناه وجعله الله بَنَّاءً في إيجاده .
ويقال لكل ما يحصل من جهة شئ أو من تربيته ، أو بتفقده أو كثرة خدمته له ، أو قيامه بأمره : هو ابنه ، نحو : فلان ابن الحرب ، وابن السبيل للمسافر ، وابن الليل ، وابن العلم ، قال الشاعر : أولاك بنو خير وشرّ كليهما .
وفلان ابن بطنه ، وابن فرجه ، إذا كان همه مصروفاً إليهما . وابن يومه : إذا لم يتفكر في غده .
قال تعالى : وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ الله « التوبة : 30 » . وقال تعالى : إن ابْنِي مِنْ أَهْلِي « هود : 45 » . إن ابْنَكَ سَرَقَ « يوسف : 81 » .
وجمع ابْن : أَبْنَاء وبَنُون ، قال عز وجل : وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً . « النحل : 72 » . وقال عز وجل : يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ . « يوسف : 67 » يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كل مَسْجِدٍ « الأعراف : 31 » . يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ . « الأعراف : 27 » .
ويقال في مؤنث ابن : ابْنَة وبِنْت . وقوله تعالى : هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ . « هود : 78 » . وقوله : لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حق . « هود : 79 » . فقد قيل : خاطب بذلك أكابر القوم وعرض عليهم بناته لا أهل قريته كلهم ، فإنه محال أن يعرض بنات له قليلة على الجم الغفير . وقيل : بل أشار بالبنات إلى نساء أمته وسماهن بنات له ، لكون كل نبي بمنزلة الأب لأمته ، بل لكونه أكبر وأجل الأبوين لهم ، كما تقدم في ذكر الأب ، وقوله تعالى : وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ . « النحل : 57 » هو قولهم عن الله : إن الملائكة بنات الله .
ملاحظات
1 . قال ابن فارس « 1 / 302 » في بَنَيَ : « وأصل بنائه : بَنَوَ ، والنسبة إليه بنوي ، وكذلك النسبة إلى بنت ، وإلى بُنَيَّاتِ الطريق . ثم تُفرع العرب فتُسمى أشياء كثيرة بابن كذا وأشياء غيرها ببنت كذا ، فيقولون ابن ذكاء الصبح ، وذكاء الشمس لأنها تذكو كما تذكو النار . ويقولون هو ابن مدينة ، إذا كان عالماً بها ، وابن بَجْدَتِها أي عالم بها ، وبجدة الأمر دخلته » .
2 . استعمل القرآن بناء السماء ، فقال تعالى : ءَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا . رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَاهَا . « النازعات : 27 » .
وأقسَمَ بالسماء وبالقوى التي بنتها بأمره فقال : وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا . « الشمس : 5 » . وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا . « النبأ : 12 » . أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ . « قاف : 6 » .
--------------------------- 148 ---------------------------
وكشف توسيعها المستمر : وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ . « الذاريات : 47 » .
وذكر صَرْحَ نبي الله سليمان عليه السلام : قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ . « النمل : 44 » . والشياطين المسخرين له : وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَاصٍ . « صاد : 37 » .
وذكر آيات عاد ومصانعهم : أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ . وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ . « الشعراء : 128 » .
وبيوت ثمود وقصورها : تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا . « الأعراف : 74 » .
والصرح الذي طلب فرعون أن يبنى له : وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ . « غافر : 36 » .
وبنيان نمرود لإحراق إبراهيم عليه السلام : قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ . « الصافات : 97 » .
وبنيان المسجد والرقيم على غار أهل الكهف : فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ . « الكهف : 21 » .
وبنيان مسجد قباء ومسجد الضرار : أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ الله وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ . « التوبة : 110 » .
وقصور الجنة وغرفها : وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا . « الفرقان : 10 » . لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ . « الزمر : 20 » . قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ . « التحريم : 11 » .
وبنيان أعداء الأنبياء عليه السلام : قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ . « النحل : 26 » .
3 . ذكر القرآن ابني آدم وبني آدم عليه السلام وابن نوح عليه السلام والمسيح عيسى بن مريم عليهما السلام ، وبني إبراهيم ، وبني يعقوب عليهما السلام ، وبني إسرائيل ، وابن لقمان ، وابن السبيل ، وابنة عمران ، وبنات شعيب ، وبنات لوط ، وتذبيح فرعون لأبناء المؤمنين .
وذكر بنات النبي صلى الله عليه وآله وأبناءه ، وأمره أن يباهل بهم ، وبنات أعمام النبي صلى الله عليه وآله وبنات عماته وأخواله وخالاته . والأبناء والبنات بالتبني .
وذكر زعْم اليهود أنهم أبناء الله ، وأن عزيراً ابن الله ، وزعم النصارى أن المسيح ابن الله ، وزعم المشركين أن الملائكة بنات الله . . الخ .
بَهَتَ
قال الله عز وجل : فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ . « البقرة : 258 » أي دُهِشَ وتحير ، وقد بَهَتَهُ . قال عز وجل : هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ . « النور : 16 » أي كذبٌ يبهت سامعه لفظاعته .
قال تعالى : وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ . « الممتحنة : 12 » كناية عن الزنا .
وقيل بل ذلك لكل فعل مستبشع تعاطينه باليد والرجل من تناول ما لا يجوز والمشي إلى ما يقبح . ويقال : جاء بالبَهِيتَةِ ، أي بالكذب .
ملاحظات
اشترط الخليل في تحقق البهتان ثلاثة شروط فقال « 4 / 36 » : « بهته فلان ، أي استقبله بأمر قذفه به وهو برئ منه لا يعلمه . والاسم : البُهتان . وبُهِتَ الرجل يُبْهَتُ بُهْتاً إذا حار . يقال : رأى شيئاً فبُهِتَ » .
2 . وقد ذكر القرآن هذه المادة في ثمان آيات ، وليس فيها كل شروط الخليل . فقد وصف بها تهمة اليهود لمريم عليها السلام : وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا . « النساء : 156 » . وأكل المهر ظلماً : أَتَاخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . « النساء : 20 » . وفعل من يرمي غيره بما هو فيه : وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . « النساء : 112 » . ومن يرمي غيره مطلقاً :
--------------------------- 149 ---------------------------
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . « الأحزاب : 58 » .
ووصف اتهام المنافقين لمارية عليها السلام : سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ . « النور : 16 » .
وجعله شرط بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وآله : وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ . « الممتحنة : 12 » .
ووصف إفحام إبراهيم عليه السلام لنمرود : فَإِنَّ الله يَأتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ . « البقرة : 258 » .
ومباغتة القيامة : بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ . « الأنبياء : 40 » .
بَهَجَ
البَهْجَة : حسن اللون وظهور السرور ، وفيه قال عز وجل : حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ « النمل : 60 » .
وقد بَهُجَ فهو بَهِيج . قال : وَأَنْبَتْنا فِيهَا مِنْ كل زَوْجٍ بَهِيجٍ « ق : 7 » . ويقال : بَهِجٍ ، كقول الشاعر : ذات خُلْقٍ بَهِج ِ .
ولا يجئ منه بَهُوج . وقد ابْتَهَجَ بكذا : أي سُرَّ به سروراً بانَ أثره على وجهه ، وأَبْهَجَهُ كذا .
ملاحظات
وردت هذه المادة في ثلاث آيات . وصفت الحدائق بأنها ذات بهجة لأن ألوانها ونضرتها تبعث البهجة في النفس ، وكذلك النبات .
بَهَلَ
أصل البَهْل : كون الشئ غير مراعى ، والباهل : البعير المخلى عن قيده أو عن سِمَة ، أو المخلَّى ضرعها عن صِرَار . قالت امرأة : أتيتك باهلاً غير ذات صِرار ، أي أبَحْتُ لك جميع ما كنت أملكه لم أستأثر بشئ من دونه . وأَبْهَلْتُ فلاناً : خليته وإرادته ، تشبيهاً بالبعير الباهل .
والبَهْل والابتهال في الدعاء : الاسترسال فيه والتضرع ، نحو قوله عز وجل : ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ الله عَلَى الْكاذِبِينَ « آل عمران : 61 » . ومن فسَّر الابتهال باللعن فلأجل أن الاسترسال في هذا المكان لأجل اللعن ، قال الشاعر :
نَظَرَ الدَّهرُ إليهمْ فابتهلْ
أي : استرسل فيهم فأفناهم .
ملاحظات
جعل الراغب الابتهال مأخوذاً من الناقة الباهل غير ذات الصرار ، أي ليس على ضرعها كيسٌ يمنع من حلبها ، فأخذ منه الابتهال لأنه تخلية واسترسال في الدعاء . لكنه ربطٌ ضعيف وما ذكره من المعاني غير ثابت . لذلك يترجح قول ابن فارس إن المادة ثلاثة أصول . قال « 1 / 311 » : « أحدهما : التخلية ، والثاني : جنس من الدعاء ، والثالث : قلة في الماء .
فأما الأول فيقولون بهلته إذا خليته وإرادته . وأما الآخر : فالإبتهال والتضرع في الدعاء . والمباهلة ترجع إلى هذا فإن المتباهلين يدعو كل واحد منهما على صاحبه . قال الله تعالى : ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ الله عَلَى الْكاذِبِينَ .
والثالث : البَهْل : وهو الماء القليل » .
وقال الخليل « 4 / 55 » : « باهلت فلاناً ، أي دعونا على الظالم منا . وبهلته : لعنته . وابتهل إلى الله في الدعاء ، أي جد واجتهد . ورجل بهلول : حيي كريم ، وامرأة بهلول » .
بَهُمَ
البُهْمَة : الحجر الصلب ، وقيل للشجاع بُهْمة تشبيهاً به ، وقيل لكل ما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوساً ، وعلى الفهم إن كان معقولاً : مُبْهَم . ويقال : أَبْهَمْتُ كذا فَاسْتَبْهَمَ ، وأَبْهَمْتُ الباب : أغلقته إغلاقاً لا يهتدى لفتحه .
والبَهيمةُ : ما لا نُطق له ، وذلك لما في صوته من الإبهام ، لكن خُصَّ في التعارف بما عدا السباع والطير ، فقال
--------------------------- 150 ---------------------------
تعالى : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ « المائدة : 1 » .
وليل بَهِيم : فعيل بمعنى مُفْعَل قد أبهم أمره للظلمة ، أو في معنى مُفْعِل لأنه يبهم ما يعنُّ فيه فلا يدرك .
وفرس بَهِيم : إذا كان على لون واحد ، لا يكاد تميزه العين غاية التمييز ، ومنه ما روي أنه يحشر الناس يوم القيامة بُهْماً أي عراة . وقيل : معرَّون مما يتوسمون به في الدنيا ويتزينون به ، والله أعلم .
والبَهْم : صغار الغنم . والبُهْمَى : نبات يستبهم منبته لشوكه . وقد أبهمت الأرض : كثر بهمها نحو أعشبت وأبقلت ، أي كثر عشبها .
ملاحظات
1 . وردت بهيمة الأنعام في ثلاث آيات :
في تحليلها وذكر اسم الله عليها : وَيَذْكُرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ . « الحج : 28 »
وجعل الراغب أصل المادة البُهْمَة ، أي الحجر الصلب ، وقول ابن فارس أقوى « 1 / 312 » فقد جعله الشئ المبهم الذي لا يعرف المدخل اليه ، قال : « أن يبقى الشئ لايُعرف المَأْتَى إليه . يقال هذا أمر مبهم . وأبهمتُ الباب أغلقتُه . ومما شذ عن هذا الباب الإبهام من الأصابع » .
والصحيح أنه لم يشذ ، فقد سمي بذلك لأنه يُبْهِم الكف إذ يُطْبِقُ عليه فلايعرف ما فيه . « لسان العرب : 12 / 59 » .
وسمي البطل : بُهْمَة ، لأنه مغلق عن قرنه أن ينال منه ، فهو صفة مدح . وكذا قول الإمام الكاظم عليه السلام : « إن الله خلق قلوب المؤمنين مطوية مبهمة على الإيمان ، فإذا أراد استنارة ما فيها نضحها بالحكمة ، وزرعها بالعلم » . « الكافي : 2 / 421 » .
ومعنى ما رويَ عن النبي صلى الله عليه وآله : « يحشر الناس يوم القيامة عُرَاةَ حُفَاةَ بُهْماً » . « ابن الأثير : 1 / 167 » . أي بصفة آدم وحواء عليهما السلام في الجنة فهم مع عُرْيهم مبهمون لا تظهر عوراتهم .
وسمي الليل بُهمة ، لأن ظلمته إغلاق ، قال الإمام زين العابدين عليه السلام في وصف القمر : « آمنت بمن نَوَّرَ بك الظلم ، وأوضح بك البُهَم » . « الصحيفة السجادية / 209 » .
وقد بَيَّنَ الإمام الصادق عليه السلام السبب في تسمية البهائم هو أن الكلام أبهم عليها ، قال عليه السلام : « مهما أُبْهِمَ على البهائم من شئ ، فلا يُبهم عليها أربعة خصال : معرفة أن لها خالقاً ، ومعرفة طلب الرزق ، ومعرفة الذكر من الأنثى ، ومخافة الموت » . « الكافي : 6 / 539 » .
2 . قال الله تعالى في مطلع سورة المائدة : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ . ولم يعرف المفسرون وجه الربط بين الوفاء بالعقود وتحليل الأنعام . والظاهر أن تحليل الأنعام مشروط بوفاء الإنسان بعقده وعهده وميثاقه مع الله تعالى ، فمن لم يفِ بذلك لا يحل له أن يطعم منها . « تفسير القمي : 1 / 160 » .
فهو من الشروط العامة لتحليل لحوم الحيوانات للإنسان ، من نوع ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أن الله جعل الأرض مهراً لفاطمة عليها السلام فمن أبغضها فحرامٌ عليه أن يمشي عليها . « مسند الإمام علي 7 : 8 / 36 » .
بَابٌ
البَاب : يقال لمدخل الشئ ، وأصل ذلك مداخل الأمكنة كباب المدينة والدار والبيت ، وجمعه : أَبْوَاب . قال تعالى : وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ « يوسف : 25 » وقال تعالى : لاتَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ « يوسف : 67 » .
ومنه يقال في العلم : باب كذا ، وهذا العلم باب إلى علم كذا ، أي به يتوصل إليه . وقال صلى الله عليه وآله : أنا مدينة العلم
--------------------------- 151 ---------------------------
وعليٌّ بابها ، أي به يتوصَّل . قال الشاعر :
أتيتَ المَرُوءَةَ منْ بَابِهَا
وقال تعالى : فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كل شَئ « الأنعام : 44 » وقال عز وجل : بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ . « الحديد : 13 » .
وقد يقال : أبواب الجنة وأبواب جهنم ، للأشياء التي بها يتوصل إليهما . قال تعالى : فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ . « النحل : 29 » وقال تعالى : حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ « الزمر : 73 » .
وربما قيل : هذا من بَابَة كذا ، أي مما يصلح له وجمعه : بابات . وقال الخليل : بابة في الحدود ، وبَوَّبْتُ باباً ، أي عملتُ ، وأبوابٌ مُبَوَّبَة .
والبَوَّاب : حافظ البيت . وتَبَوَّبْتُ بواباً : اتخذته . وأصل باب : بَوْبٌ .
ملاحظات
وردت كلمة باب في القرآن في عدة آيات :
منها : الأمر بدخول البيوت من أبوابها : وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَاتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا . « البقرة : 189 » وهي أمرٌ بطلب الأمور من طريقها الطبيعي ، كمعرفة الدين من النبي صلى الله عليه وآله وأوصيائه عليهم السلام ، وهو تعبير آخر عن قوله صلى الله عليه وآله : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأت الباب . « الحاكم : 3 / 126 »
ومنها : أبواب السماء : وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا . « النبأ : 18 » إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ . « الأعراف : 40 » . فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ . « القمر : 11 » .
ومنها : أبواب الجنة والنار : جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ . « صاد : 50 » وقوله : إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا . « الزمر : 73 » . وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ . « الرعد : 23 » . لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ . « الحجر : 43 » .
ومنها : الباب بين الجنة والنار : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ . « الحديد : 13 » .
ومنها : أبواب العذاب : حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ . « المؤمنون : 77 » .
ومنها : أبواب النعمة : فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَئٍْ . « الأنعام : 44 » .
ومنها : أبواب قصور الكافرين : وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ . « الزخرف : 33 » .
ومنها : باب حطة : وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ . « البقرة : 58 » .
ومنها : وصية يعقوب عليه السلام : يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ . « يوسف : 67 »
ومنها : في قصة يوسف عليه السلام : وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ . « يوسف : 25 » .
بَيْتٌ
أصل البيت : مأوى الإنسان بالليل ، لأنه يقال : بَاتَ ، أقام بالليل كما يقال : ظل بالنهار . ثم قد يقال للمسكن بيت من غير اعتبار الليل فيه ، وجمعه أَبْيَات وبُيُوت ، لكن البيوت بالمسكن أخص ، والأبيات بالشعر .
قال عز وجل : فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا « النمل : 52 » وقال تعالى : وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً « يونس : 78 » لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ « النور : 27 » .
ويقع ذلك على المتخذ من حَجَرٍ ومَدَرٍ وصوف وَوَبَر ، وبه شُبه بيت الشِّعْر ، وعُبر عن مكان الشئ بأنه بيته .
وصار أهلُ البيتِ متعارفاً في آل النبي عليه الصلاة والسلام ، ونبه النبي صلى الله عليه وآله بقوله : سلمان منا أهل البيت
--------------------------- 152 ---------------------------
[ على ] أن مولى القوم يصح نسبته إليهم . كما قال : مولى القوم منهم ، وابنه من أنفسهم .
وبيت الله ، والبيت العتيق : مكة ، قال الله عز وجل : وَلْيَطوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ « الحج : 29 » إن أول بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ « آل عمران : 96 » وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ « البقرة : 127 » يعني : بيت الله .
وقوله عز وجل : وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى « البقرة : 189 » . إنما نزل في قوم كانوا يتحاشون أن يستقبلوا بيوتهم بعد إحرامهم ، فنبه تعالى [ على ] أن ذلك منافٍ للبر .
وقوله عز وجل : وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كل بابٍ سَلامٌ « الرعد : 23 » معناه : بكل نوع من المسار .
وقوله تعالى : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ « النور : 36 » قيل : بيوت النبي صلى الله عليه وآله نحو : لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ . « الأحزاب : 53 » وقيل : أشير بقوله : فِي بُيُوتٍ إلى أهل بيته وقومه . وقيل : أشير به إلى القلب .
وقال بعض الحكماء في قول النبي صلى الله عليه وآله : لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة : إنه أريد به القلب وعني بالكلب الحِرْص ، بدلالة أنه يقال : كَلِبَ فلانٌ إذا أفرط في الحرص ، وقولهم : هو أحرص من كلب .
وقوله تعالى : وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ . « الحج : 26 » يعني مكة .
وقالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ « التحريم : 11 » أي سهِّل لي فيها مقرّاً .
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً . « يونس : 87 » يعني : المسجد الأقصى .
وقوله عز وجل : فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ « الذاريات : 36 » فقد قيل : إشارة إلى جماعة البيت فسماهم بيتاً ، كتسمية نازل القرية : قرية .
والبَيَاتُ والتبْيِيتُ : قصد العدو ليلاً . قال تعالى : أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ . « الأعراف : 97 » بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ « الأعراف : 4 » .
والبَيُّوت : ما يفعل بالليل ، قال تعالى : بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ . « النساء : 81 » . يقال لكل فعل دُبِّر فيه بالليل : بُيِّتَ ، قال تعالى : إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ . « النساء : 108 » وعلى ذلك قوله عليه السلام : لا صيام لمن لم يُبيت الصيام من الليل .
وبَاتَ فلان يفعل كذا : عبارة موضوعة لما يفعل بالليل ، كظلٍّ لما يفعل بالنهار ، وهما من باب العبارات .
ملاحظات
1 . البيت في القرآن دائماً فيه عنصر المبيت ، والمسكن عنصر السكن ، والمنزل عنصر النزول من سفر ونحوه .
قال تعالى : فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ . « القصص : 58 » . وقال : يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ . « الحشر : 2 » وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنيى مُنْزَلاً مُبَارَكاً . « المؤمنون : 29 » لَقَدْ كَأن لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ . « سبأ : 15 » .
قال الراغب : « ثم قد يقال للمسكن بيت من غير اعتبار الليل فيه » واستدل بقوله تعالى : فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً . وهو اشتباه ، لأن جعل الخواء لبيوتهم التي باتوا فيها أبلغ منه لمساكنهم أو منازلهم .
2 . قال الراغب : « وصار أهلُ البيتِ متعارفاً في آل النبيِّ عليه الصلاة والسلام ، ونبه النبي صلى الله عليه وآله بقوله : سلمان منا أهل البيت [ على ] أن مولى القوم يصح نسبته إليهم ، كما قال : مولى القوم منهم ، وابنه من أنفسهم » .
يقصد أن اختصاص آل النبي صلى الله عليه وآله بأنهم أهل البيت مجرد عُرف عند المسلمين ، وإلا فهو اسم عام يشمل حتى مواليهم مثل سلمان الفارسي رضي الله عنه !
--------------------------- 153 ---------------------------
لكن عرفت في « آل وأهل » أن آل محمد وأهل بيته عليهم السلام مهما كان واسعاً في اللغة فقد صح عند الجميع أن النبي صلى الله عليه وآله جعله مصطلحاً خاصاً لأهله ، فأدار عليهم الكساء وحصرأهل بيته فيهم ، ومنع أم سلمة من الدخول معهم ، وهم : علي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام فلا يجوز الزيادة فيهم ولا النقيصة .
وقد حرص رواة السلطة على الهرب من المصطلح النبوي ، وتوسيع أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ليشمل الأمة كلها . وهذا ظلم فاضح لأهل البيت النبوي عليهم السلام !
بَادَ
قال عز وجل : ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً . « الكهف : 35 » يقال : بَادَ الشئ يَبِيدُ بَيَاداً ، إذا تفرق وتوزع في البَيْدَاء ، أي المفازة . وجمع البيداء : بِيد . وأتان بَيْدَانَة : تسكن البادية البيداء .
ملاحظات
استعمل القرآن بادَ بمعنى فنيَ في هذه الآية فقط . وبمعنى كانوا في البادية : يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعرَابِ . « الأحزاب : 20 » وبمعنى ساكن البادية : سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ . « الحج : 25 » .
بَوَرَ
البَوَار : فَرْطُ الكساد ، ولما كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد كما قيل : كَسَدَ حتى فَسَدَ . عُبر بالبوار عن الهلاك ، يقال : بَارَ الشئ يَبُورُ بَوَاراً وبَوْراً . قال عز وجل : تِجارَةً لَنْ تَبُورَ « فاطر : 29 » وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ . « فاطر : 10 » وروي : نعوذ ب الله من بَوَار الأيِّم .
وقال عز وجل : وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ . « إبراهيم : 28 » ويقال : رجل حائر بَائِر ، وقوم حُور بُور . وقال عز وجل : حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً . « الفرقان : 18 » أي هلكى ، جمع : بَائِر . وقيل : بل هو مصدر يوصف به الواحد والجمع ، فيقال : رجل بور وقوم بور ، وقال الشاعر :
يا رسولَ المليك إنَّ لساني
راتقٌ ما فتقتُ إذْ أنا بُورُ
وبَارَ الفحل الناقة : إذا تشمَّمها اللاقح هي أم لا . ثم يستعار ذلك للإختبارفيقال : بُرْتُ كذا ، أي اختبرته .
ملاحظات
1 . فسر بعض اللغويين البوار بالهلاك ، وأجاد الراغب ففسره بفرط الكساد ، وهو أعم من الهلاك والكساد . على أن من فسرها بالهلاك لا يقصد الفناء أيضاً ، لأن الآية نصت على أنه بمعنى دخول النار ، قال تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ . جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ . « إبراهيم : 28 » .
وكذلك الآيات الأربع الأخرى التي ورد فيها : وَكَانُوا قَوْمًا بُوراً . « الفرقان : 18 » وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً . « الفتح : 12 » وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ . « فاطر : 10 » يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ . « فاطر : 29 » .
2 . جعل الراغب بَوَرَ أصلاً واحداً ، ولم يستطع أن يُرجع إليها : بار الفحل الناقة بمعنى شمها واختبرها ، فجعله استعارة . والصحيح أن بار وبَوَرَ بمعنى اختبر ، أصل مستقل . قال ابن منظور « 6 / 118 » : « بارَهُ يَبُورُه بَوْراً : جَرَّبَه واختبَرَه ، ومنه الحديث : كُنَّا نَبُوِّرُ أوْلادَنا بحُبِّ عليِّ رضيَ الله عنه » . أي نختبر أنهم أولاد حلال بحبهم لعلي عليه السلام .
بِئْرٌ
قال عز وجل : وَبِئْرٍ مُعَطلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ . « الحج : 45 » وأصله الهمز ، يقال : بَأَرْتُ بِئْراً وبَأَرْتُ بُؤْرَة ، أي حفيرة .
ومنه اشتق المِئْبَر ، وهو في الأصل حفيرة يستر رأسها ليقع فيها من مرَّ عليها ، ويقال لها : المغواة . وعُبِّرَ بها عن
--------------------------- 154 ---------------------------
النميمة الموقعة في البلية ، والجمع : المآبر .
ملاحظات
خلط الراغب بين بَأَرَ ، وأَبَرَ ، وهما مادتان ومعناهما مختلف . فأبر منه الإبرة ، والتأبير ، وبأر منه البئر والبؤرة . ولم يرد أبر في القرآن ، لذا لا نطيل في فروعهما .
بَؤُسَ
البُؤْسُ والبَأْسُ والبَأْسَاءُ : الشدة والمكروه ، إلا أن البؤس في الفقر والحرب أكثر ، والبأس والبأساء في النكاية ، نحو : والله أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا . « النساء : 84 » فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ « الأنعام : 42 » وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ . « البقرة : 177 » . وقال تعالى : بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ « الحشر : 14 » .
وقد بَؤُسَ يَبْؤُسُ ، وبِعَذابٍ بَئِيسٍ . « الأعراف : 165 » فعيل من البأس أو من البؤس : فَلا تَبْتَئِسْ « هود : 36 » أي لاتلزم البؤس ولا تحزن . وفي الخبر أنه عليه السلام : كان يكره البُؤْسَ والتبَاؤُسَ والتبَؤُّسَ . أي الضراعة للفقر ، أو أن يجعل نفسه ذليلاً ، ويتكلف ذلك جميعاً .
وبِئْسَ : كلمة تستعمل في جميع المذام ، كما أن نِعْمَ تستعمل في جميع الممادح . ويرفعان ما فيه الألف واللام ، أو مضافاً إلى ما فيه الألف واللام ، نحو : بئس الرجل زيد ، وبئس غلام الرجل زيد . وينصبان النكرة نحو : بئس رجلاً . ولَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ . « المائدة : 79 » أي شيئاً يفعلونه . قال تعالى : وَبِئْسَ الْقَرارُ « إبراهيم : 29 » فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ « النحل : 29 » بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا « الكهف : 50 » لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ . « المائدة : 63 » . وأصل : بِئْسَ : بَئِسَ ، وهو من البؤس .
ملاحظات
1 . قال الله تعالى : وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا . « البقرة : 177 » .
والبأساء من البُؤس وهو الفقر . والضراء من الضُّرّ كالمرض . وحين البأس كالحرب . فهي ثلاثة أحوال ، لكن الراغب وبعض اللغويين خلط البؤس والبأس والبأساء ، فقال : « البُؤْسُ والبَأْسُ والبَأْسَاءُ : الشدة والمكروه ، إلا أن البؤس في الفقر والحرب أكثر ، والبأس والبأساء في النكاية » .
فكيف يكون البؤس والبأساء في الحرب أكثر وهو الفقر ، وأين الشاهد عليه من كلام العرب ، أو قول اللغويين ؟
ولعل اشتباه الراغب جاء من عبارة ابن فارس « 1 / 328 » قال : « الباء والهمزة والسين ، أصلٌ واحد : الشدة وما ضارعها . فالبأس الشدة في الحرب ، ورجل ذو بأس وبئيس أي شجاع ، وقد بأَسَ بأْساً ، فإن نعته بالبؤس قلت بؤوس . والبؤس : الشدة في العيش . والمبتئس : المفتعل من الكراهة والحزن » .
فلم يخلط ابن فارس البؤس والبأساء وهما الفقر ، بالبأس وهو الشجاعة والشدة في الحرب ، كما فعل الراغب . بل لم يذكر ابن فارس البأساء أبداً !
ولعل الراغب اعتمد على ما ذكره الخليل « 7 / 316 » قال : « البأس : الحرب . ورجل بَئِسٌ قد بَؤُسَ بَأسُهُ ، أي شجاع . والبأساء : اسم للحرب والمشقة والضرر » .
لكن لا يمكن قبول أن البأساء اسم للحرب لأنها من البؤس وهو الفقر وليست من البأس ، بل هي في الآية قسيم البأس وهي الحرب . ولعل في نسخة العين خطأً ، وصحيحها البأس فصحفت عنها بالبأساء .
ولم أجد استعمال البأساء في الحرب أبداً ، ففي تفسير القمي « 1 / 64 » : « في الجوع والعطش والخوف والمرض .
--------------------------- 155 ---------------------------
وحين البأس : قال : عند القتال » .
وفي مجمع البيان « 1 / 488 » : « يريد بالبأساء : البؤس والفقر ، وبالضراء : الوجع والعلة ، عن ابن مسعود وقتادة وجماعة من المفسرين . وحين البأس : يريد وقت القتال » . ونحوه : عبد الرزاق « 1 / 66 » وتفسير الطبري « 2 / 135 » وغيره .
بَيَضَ
البَيَاضُ في الألوان : ضد السواد ، يقال : ابْيَضَّ يَبْيَضُّ ابْيِضَاضاً وبَيَاضاً ، فهو مُبْيَضٌّ وأَبْيَضُ . قال عز وجل :
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وإما الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ الله « آل عمران : 106 » .
والأَبْيَض : عِرْقٌ ، سُمِّيَ به لكونه أبيض . « وهو عصب النخاع » .
ولما كان البياض أفضل لون عندهم كما قيل : البياض أفضل ، والسواد أهول ، والحمرة أجمل ، والصفرة أشكل . عبَّر به عن الفضل والكرم بالبياض ، حتى قيل لمن لم يتدنس بمعاب : هو أبيض اللون . وقوله تعالى : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ . « آل عمران : 106 »
فابيضاض الوجوه عبارة عن المسرَّة واسودادها عن الغم ، وعلى ذلك : وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا . « النحل : 58 » . وعلى نحو الإبيضاض قوله تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ . « القيامة : 22 » وقوله : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ . « عبس : 38 » .
وقيل : أمُّك بيضاء من قضاعة . وعلى ذلك قوله تعالى : بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ . « الصافات : 46 » . وسُمِّيَ البَيْض لبياضه ، الواحدة بَيْضَة ، وكُنِّيَ عن المرأة بالبيضة تشبيهاً بها في اللون وكونها مصونة تحت الجناح .
وبيضة البلد : يقال في المدح والذم ، أما المدح فلمن كان مصوناً من بين أهل البلد ورئيساً فيهم ، وعلى ذلك قول الشاعر : كانت قريشٌ بيضةً فَتَفَلَّقَتْ
فالمحُّ خالصُهُ لعبد مناف
وأما الذم فلمن كان ذليلاً معرَّضاً لمن يتناوله كبيضة متروكة بالبلد ، أي العراء والمفازة . وبَيْضَتَا الرجل : سُمِّيتَا بذلك تشبيهاً بها في الهيئة والبياض .
يقال : بَاضَتِ الدجاجة ، وباض كذا ، أي تمكن . قال الشاعر : بداءٍ من ذواتِ الضِّغْنِ يأوي
صدورَهم فَعَشَّشَ ثم باضَا
وبَاضَ الحَرُّ : تمكن ، وبَاضَتْ يد المرأة : إذا ورمت ورماً على هيئة البيض ، ويقال : دجاجة بَيُوض ، ودجاج بُيُض .
ملاحظات
1 . قال الخليل « 7 / 68 » : « وبَيْضَةُ الإسلام : جماعاتهم . وبيضة البلد : تريكة النعامة . والأبيضان : الشحم واللبن . والبيضة الخصية » .
قال الراغب : « وبيضة البلد يقال في المدح والذم » لكن الظاهر صحة قول الشريف المرتضى بأنها لا تستعمل للذم إلا بقرينة من باب الضد . قال في الأمالي « 3 / 96 » : « معنى البيضة كله يعود إلى التفخيم والتعظيم » . ورووا قول أخت عمرو بن ود « المستدرك : 3 / 34 » :
لو كان قاتلُ عمرو غيرُ قاتلهِ
بكيتُهُ ما أقامَ الروحُ في جسدي
لكن قاتلَه من لا يُعَاب به
أبوهُ يُدْعَى قديماً بيضةَ البلد »
وقال الخليل « 8 / 42 » : « وبيضة البلد : بيضة تتركها النعامة في قيٍّ من البلاد ، ويقال : هو أذلُّ من بيضة البلد » .
--------------------------- 156 ---------------------------
وقال ابن فارس « 1 / 326 » : « فإذا عبروا عن الذليل المستضعف بأنه بيضة البلد يريدون أنه متروك مفرد كالبيضة المتروكة بالعراء . ولذلك تسمى التريكة » .
2 . استعمل القرآن البياض لوجوه المؤمنين في الآخرة : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ . وأما الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ الله . « آل عمران : 106 » .
ولكأس المعين : بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ . « الصافات : 45 » .
وللحور العين : قَاصِرَاتُ الطرْفِ عِينٌ . كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ . « الصافات : 48 » .
ولبياض الفجر : حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ . « البقرة : 187 » .
وليد موسى عليه السلام : وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ . « طه : 22 » .
ولعيني يعقوب عليه السلام : وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَكَظِيمٌ . « يوسف : 84 » .
وللجبال البيض : وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا . « فاطر : 27 » .
بَيَعَ
البَيْع : إعطاء المثمن وأخذ الثمن . والشراء : إعطاء الثمن وأخذ المثمن . ويقال للبيع الشراء وللشراء البيع ، وذلك بحسب ما يتصور من الثمن والمثمن ، وعلى ذلك قوله عز وجل : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ . « يوسف : 20 » .
وقال عليه السلام : لايبيعنَّ أحدكم على بيع أخيه . أي لا يشتري على شرائه . وأَبَعْتُ الشئ : عرضته ، نحو قول الشاعر :
فرساً فليس جوادُنا بِمُبَاعِ
والمُبَايَعَة والمشاراة : تقالان فيهما ، قال الله تعالى : وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا . « البقرة : 275 » وقال : وَذَرُوا الْبَيْعَ « الجمعة : 9 » وقال عز وجل : لابَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ . « إبراهيم : 31 » لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ . « البقرة : 254 » .
وبَايَعَ السلطان : إذا تَضَمَّنَ بذل الطاعة له بما رضخ له ، ويقال لذلك : بَيْعَة ومُبَايَعَة .
وقوله عز وجل : فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ . « التوبة : 111 » إشارة إلى بيعة الرضوان المذكورة في قوله تعالى : لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ « الفتح : 18 » وإلى ما ذكر في قوله تعالى : إن الله اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ الآية . « التوبة : 111 » .
وأما البَاعُ ، فمن الواو بدلالة قولهم باع في السير يبوع : إذا مدَّ باعه .
ملاحظات
1 . أمر القرآن المسلمين بالإشهاد على البيع : وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ . « البقرة : 283 » .
وردَّ قول المرابين : ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا . « البقرة : 275 » .
ونهى عن البيع وقت صلاة الظهر يوم الجمعة : فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله وَذَرُوا الْبَيْعَ . « الجمعة : 9 » .
ووصف أهل البيت عليهم السلام بأنهم : رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله . « النور : 37 » .
ووصف يوم القيامة بأنه : يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ . « إبراهيم : 31 » .
قال ابن منظور « 8 / 23 » : « البيعُ : ضدُّ الشراء والبَيْع الشراء أَيضاً ، وهو من الأَضْداد .
2 . أكثر ما استعمل القرآن من هذه المادة : المبايعة . فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله : إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله . « الفتح : 10 » .
واعتبر إيمان المؤمنين بيعاً لأنفسهم لله تعالى : إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ . . . فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ . « التوبة : 111 » .
--------------------------- 157 ---------------------------
وأمر نبيه صلى الله عليه وآله أن يأخذ من المسلمين البيعة في الحديبية ، وقال : لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ . « الفتح : 18 » .
وكان النبي صلى الله عليه وآله يشرط على المسلمين في البيعة الإيمان والطاعة ، وأن لايفروا في الحرب ، وأن لاينازعوا الأمر أهله ، أي لاينازعوا أهل بيته بعده في الخلافة .
وأمره الله أن يقبل البيعة من النساء ويشرط عليهن فقال : يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِالله شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ . « الممتحنة : 12 » .
وكانت البيعة في زمن النبي صلى الله عليه وآله اختيارية تحترم فيها إرادة المبايع . وبمجرد موته صارت إجبارية ، فهددوا علياً وأهل البيت عليهم السلام بإحراق بيتهم وقتلهم إن لم يبايعوا أبا بكر !
ولا يصح قول الراغب : إن قوله عز وجل : فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ . إشارة إلى بيعة الرضوان المذكورة في قوله تعالى : لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ . لأنهم بايعوا تحت الشجرة على أن لا يفروا في الحرب ثم فروا بعدها في معركة حنين ، ولأن في المبايعين من شهد له بالنار كقاتل عمار .
3 . ذكر القرآن بِيَعَ النصارى أي كنائسهم فقال : وَلَوْلا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ الله كَثِيراً . « الحج : 40 » . قال الخليل « 2 / 266 » : « البِيعَة : كنيسة النصارى وجمعها بِيَع » .
وأفتى في جواهر الكلام « 14 / 137 » باحترامها وجواز الصلاة فيها . وقال ابن منظور « 8 / 23 » : « البِيعةُ بالكسر : كَنِيسةُ النصارى ، وقيل كنيسة اليهود ، والجمع بِيَعٌ وهو قوله تعالى : وبِيَعٌ وصلواتٌ ومساجدُ . فبدأَ بذكر البِيَعِ على المساجد لأن صلوات من تقدَّم من أَنبياء بني إِسرائيل وأُممهم كانت فيها قبل نزول الفُرقان » .
بَالٌ
البَال : الحال التي يكترث بها ، ولذلك يقال : ما باليتُ بكذا بالةً ، أي ما اكترثت به . قال تعالى : كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ « محمد : 2 » وقال : فَما بالُ الْقُرُونِ الأولى « طه : 51 » أي فما حالهم وخبرهم .
ويعبَّر بالبال عن الحال الذي ينطوي عليه الإنسان ، فيقال : خطر كذا ببالي .
ملاحظات
1 . يظهر أن البال أوسع من الحال ، والشأن ، والأمر ، ويشمل كل مقومات الهداية والقوة والعزة والرفاهية . يقال : ناعم البال ، رَخِيَّ البالِ ، راخي البال ، فارِه البالِ ، فارغ البال ، خلي البال ، خالي البال ، مطمئن البال ، سعيد البال ، صالح البال ، طويل البال ، مرتاح البال .
ويقال : ما خطر على بالي وفي بالي وببالي ، وحضر على بالي ، وغاب عن بالي ، واختلج في البال ، ومرَّ بالبال . كقولك : وقع في خَلَدي ورَوْعِي وقلبي ونفسي .
ويقال : كاسف البال ، أي سئ الحظ ، منكسف البال ، كئيب البال ، مكدر البال ، مشتت البال ، مبلبل البال ، قلق البال ، مشوش البال ، موزع البال ، مشغول البال .
2 . استعمل القرآن البال أربع مرات :
في قول يوسف عليه السلام : قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطعْنَ أَيْدِيَهُنَّ « يوسف : 50 » أي إسأله عن النساء اللواتي شهدن على زليخة لمصلحتي .
وفي قول فرعون لموسى عليه السلام : قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأولى . قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي .
وفي حال المؤمنين : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَالْحق مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ
--------------------------- 158 ---------------------------
سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ . « محمّد : 2 » .
وفي حال الشهداء من هؤلاء المؤمنين : وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ . سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ . وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ « محمّد : 4 » .
وهذا وعدٌ عجيبٌ بهداية الشهداء في المستقبل وإصلاح بالهم ، وإدخالهم الجنة ! والجنة ليس فيها تكليف ولا موضوع للهداية والضلال . وقد فسروه بأنه سيثيبهم في الآخرة ، وهو غير مقنع لأنه خلاف الظاهر .
وقد يكون وعداً لهم بإعادتهم إلى الدنيا في الرجعة ليهديهم ويصلح بالهم ، ثم يدخلهم الجنة ! وهو بحث خارج عن غرض الكتاب .
3 . قال ابن منظور « 11 / 74 » ملخصاً : « البَالُ : الحال والشأْن . وفي الحديث : كل أَمر ذي بال لا يُبْدأُ فيه بحمد الله فهو أَبتر . أَي شريفٌ يُحْتَفل له ويُهْتَمُّ به . والبَالُ : القَلْبُ والخاطر .
وقوله عز وجل : سَيَهْديهم ويُصْلح بالَهم ، أَي حالهم في الدنيا . وفي الحديث : هؤلاء في الجنة ولا أُبالي وهؤلاء في النار ولا أُبالي أَي لا أَكره .
البالُ : جمع بالة ، وهي الجِرَاب الضَّخْم . قال الجوهري : أَصله بالفارسية بَلّه » .
بَيْنَ
بَيْن : موضوع للخلالة بين الشيئين ووسطِهما . قال تعالى : وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً . « الكهف : 32 » يقال : بَانَ كذا أي انفصل وظهر ما كان مستتراً منه . ولماَّ اعتبر فيه معنى الانفصال والظهور استعمل في كل واحد منفرداً فقيل للبئر البعيدة القعر : بَيُون ، لبعد ما بين الشفير والقعر ، لانفصال حبلها من يد صاحبها .
وبانَ الصبح : ظهر ، وقوله تعالى : لَقَدْ تَقَطعَ بَيْنَكُمْ . « الأنعام : 194 » أي وَصْلُكُمْ . وتحقيقه : أنه ضاع عنكم الأموال والعشيرة والأعمال التي كنتم تعتمدونها ، إشارة إلى قوله سبحانه : يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ . « الشعراء : 88 » . وعلى ذلك قوله : لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى الآية . « الأنعام : 94 » .
وبَيْنَ : يستعمل تارة إسماً وتارةً ظرفاً ، فمن قرأ : بينُكم جعله إسماً ، ومن قرأ : بَيْنَكُمْ جعله ظرفاً غير متمكن وتركه مفتوحاً .
فمن الظرف قوله : لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ . « الحجرات : 1 » وقوله : فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً . « المجادلة : 12 » فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحق . « صاد : 22 »
وقوله تعالى : فَلما بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما « الكهف : 61 » فيجوز أن يكون مصدراً ، أي موضع المفترق .
وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ . « النساء : 92 » ولا يستعمل بين إلا فيما كان له مسافة ، نحو : بين البلدين ، أو له عددٌ مّا اثنان فصاعداً نحو : الرجلين ، وبين القوم .
ولا يضاف إلى ما يقتضي معنى الوحدة إلا إذا كُرِّر نحو : وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ « فصلت : 5 » فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً . « طه : 58 »
ويقال : هذا الشئ بين يديك ، أي متقدماً لك . ويقال : هو بين يديك ، أي قريب منك . وعلى هذا قوله : ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ . « الأعراف : 17 » ولَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا . « مريم : 64 » وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا « يس : 9 » مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوْراةِ . « المائدة : 46 » أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا . « صاد : 8 » أي من جملتنا .
وقوله : وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ . « سبأ : 31 » أي متقدِّماً له من الإنجيل ونحوه . وقوله : فَاتَّقُوا الله وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ . « الأنفال : 1 » أي راعوا الأحوال التي تجمعكم ، من القرابة والوصلة والمودة .
--------------------------- 159 ---------------------------
ويزاد في بين ما أو الألف ، فيجعل بمنزلة حين ، نحو : بَيْنَمَا زيد يفعل كذا ، وبَيْنَا يفعل كذا ، قال الشاعر :
بينَا يُعَنِّقُه الكُمَاةُ ورَوْغُهُ
يوماً أتيحَ له جَرئٌ سَلْفَعُ
ملاحظات
عَرَّفَ الراغب بَيْنَ ، بأنها للوسط بين الشيئين والصحيح أنها استعملت في القرآن للوسط بين شيئين ، كقوله تعالى : وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ . « البقرة : 164 » وقوله تعالى : وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ . « البقرة : 284 » . تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ . « آل عمران : 64 » وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا . « النساء : 35 » مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ . « النساء : 92 » وَاعْلَمُوا أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ . « الأنفال : 24 » نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ . « النحل : 66 » .
واستعملت لما تقدم زمنياً على الشئ ، كقوله تعالى : مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ . « المائدة : 48 » .
أوتقدماً مكانياً كقوله تعالى : لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ . « الرعد : 11 »
كما استعملت بمعان لا علاقة لها بالوسطية والزمان والمكان ، كقوله تعالى : وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ . « سبأ : 12 » أي يعمل بأمره .
كما يمكن النقاش في دلالتها على الوسطية في عدد من الآيات .
قال الخليل « 8 / 381 » : « البينونة : مصدر بانَ يَبين بَيْناً وبَينونةً ، أي قَطَع . والبينُ : الفُرْقة ، والاسم : البَيْنُ أيضاً . والبين : الوصل ، قال عز من قائل : لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ . أي وصلكم » .
وقال ابن منظور « 13 / 61 » : « البَيْنُ في كلام العرب جاء على وجْهَين : يكون البَينُ الفُرْقةَ ويكون الوَصْلَ وهو من الأَضداد . ويكون البَينُ إسماً وظَرْفاً مُتمكِّناً . وفي التنزيل العزيز : لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ » .
بَيَنَ
يقال : بَانَ ، واسْتَبَانَ ، وتَبَيَّنَ : نحو عَجَّلَ واستعجل وتعجَّل ، وقد بَيَّنْتُهُ .
قال الله سبحانه : وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ « العنكبوت : 38 » وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ . « إبراهيم : 45 » ولِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ « الأنعام : 55 » قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ « البقرة : 256 » قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ . « آل عمران : 118 » وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ . « الزخرف : 63 » وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ . « النحل : 44 » لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ . « النحل : 39 » فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ . « آل عمران : 97 » .
وقال : شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيّناتٍ . « البقرة : 185 » .
ويقال : آية مُبَيَّنَة اعتباراً بمن بيَّنها ، وآية مُبَيِّنَة اعتباراَ بنفسها ، وآيات مبيَّنات ومبيِّنات .
والبَيِّنَة : الدلالة الواضحة ، عقلية كانت أو محسوسة . وسميَ الشاهدان بينة لقوله عليه السلام : البينة على المدعي واليمين على من أنكر .
وقال سبحانه : أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ « هود : 17 » وقال : لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ . « الأنفال : 42 » جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ . « الروم : 9 » .
والبَيَان : الكشف عن الشئ ، وهو أعمُّ من النطق لأن النطق مختص بالإنسان . ويسمى ما بَيَّنَ به بياناً .
--------------------------- 160 ---------------------------
قال بعضهم : البيان يكون على ضربين : أحدهما بالتسخير ، وهو الأشياء التي تدل على حال من الأحوال من آثار الصنعة .
والثاني بالاختبار ، وذلك إما يكون نطقاً أو كتابةً أو إشارةً . فمما هو بيان بالحال قوله : وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إنهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ . « الزخرف : 62 » أي كونه عدوّاً بَيِّن في الحال . تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ . « إبراهيم : 10 » .
وما هو بيان بالاختبار : فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ . « النحل : 43 »
وسُمِّيَ الكلام بياناً لكشفه عن المعنى المقصود إظهاره نحو : هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ . « آل عمران : 138 » .
وسمي ما يشرح به المجمل والمبهم من الكلام بياناً ، نحو قوله : ثُمَّ إن عَلَيْنا بَيانَهُ . « القيامة : 19 »
ويقال : بَيَّنْتُهُ وأَبَنْتُهُ : إذا جعلت له بياناً تكشفه ، نحو : لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ . « النحل : 44 » .
وقال : نَذِيرٌ مُبِينٌ . « صاد : 70 » وإنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ . « الصافات : 106 » وَلا يَكادُ يُبِينُ . « الزخرف : 52 » أي يبيّن . وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ . « الزخرف : 18 » .
ملاحظات
1 . البيان في القرآن : الإبلاغ بوضوح ، ويشمل الإبلاغ والتوضيح . وهو قانون جعله الله تعالى على نفسه : وَيُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآيَاتِ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ . « النور : 18 » كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ . « البقرة : 219 » تَعْقِلُونَ . « النور : 61 » تَهْتَدُونَ . « آل عمران : 103 » تَشْكُرُونَ . « المائدة : 89 » لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ . « البقرة : 187 » يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا والله بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمٌ . « النساء : 176 » .
وقال تعالى : وَمَا كَأن الله لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ . « البقرة : 115 » . وفسرها الإمام الصادق عليه السلام : « حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه » . « الكافي : 1 / 163 » .
واستدل العلماء بالآية على قاعدة براءة ذمة الإنسان حتى يصل اليه البيان .
2 . قانون البيان ملازمٌ لبعثة الأنبياء عليهم السلام : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ . « إبراهيم : 4 » .
والبيان النبوي لا يجب أن يكون شاملاً لكل المواضيع : قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ . « الزخرف : 63 » قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ . « المائدة : 15 » .
وبعضه يؤخره الله تعالى إلى يوم القيامة : وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ . « النحل : 92 » .
وبعضه يؤخره الله إلى إقامة دولة العدل الإلهي على يد المهدي الموعود عليه السلام ، قال تعالى : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحق . « فُصِّلَتْ : 53 » .
3 . شرع الله قتال الذين يمنعون رسله من البيان والتبليغ ، أما بعد البيان ف : لاإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ . « البقرة : 256 » .
وبيان الأنبياء والرسل عليهم السلام هو الميزان في استحقاق العقاب الإلهي : لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ « الأنفال : 42 » .
ولم يكن اختلاف الأمم بعد الرسل لنقص البيان ، لكن من أجل السلطة : وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ . « البقرة : 213 » .
وَلَوْ شَاءَ الله مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا . « البقرة : 253 » .
--------------------------- 161 ---------------------------
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ . « آل عمران : 105 » .
وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ . « البقرة : 213 » .
4 . وسمى الله القرآن مُبِيناً : الرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ . « يوسف : 1 » ونوراً مبيناً : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا . « النساء : 174 » وتبياناً : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَئٍْ . « النحل : 89 » .
ووصف التوراة بأنها كتاب مستبين : وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ . « الصافات : 117 » .
وتكفل الله تعالى بأن يبعث للقرآن في كل عصر إماماً مُفَسِّراً ومُبَيِّناً : فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ . « القيامة : 18 » .
وجعل هذا الإمام الذي يملك اليقين والبيان الرباني ، شاهداً على الأمة بعد الرسول : أَفَمَنْ كَأن عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ . « هود : 17 » .
5 . وأمر الله رسوله أن يبين للناس فبين صلى الله عليه وآله وبلغ وأوضح . قال تعالى : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ . « النحل : 44 » . قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ . « المائدة : 15 » وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ . « النحل : 64 » .
وكان صلى الله عليه وآله يُشهد المسلمين على أنه بَلَّغَ : « ألاهل بلغت ؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد » « الكافي : 7 / 273 » .
6 . وسمى نبيه صلى الله عليه وآله رسولاً مبيناً : حَتَّى جَاءَهُمُ الْحق وَرَسُولٌ مُبِينٌ . « الزخرف : 29 » ونذيراً مبيناً : وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ . « الحجر : 89 » .
وسمى القرآن والوحي آيات بينات : وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ الله يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ . « الحج : 16 » وآيات مُبَيِّنات : وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ . « النور : 34 » .
7 . ومن المسلمين من كان يجادل الرسول صلى الله عليه وآله حتى بعد البيان ، كالصحابة الخوافين الذين أشاروا عليه في طريق بدر أن لا يقاتل : يُجَادِلُونَكَ فِي الْحق بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأنمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ . « الأنفال : 6 » .
ومنهم من ارتد بعد البيان والتوضيح : إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ . « محمّد : 25 » .
8 . واستعمل القرآن لفظ المُبِين بمعنى البَيِّن الواضح في آيات عديدة ومواضيع عديدة ، فالضلال والخسران : منه مُبِينٌ ، وغير مبين ، والعدو : منه مبين وغير مبين ، والظالم لنفسه ، والسحر ، والخصيم ، والحق ، والفتح ، والفاحشة منها مُبَيِّنَة وغير مبينه . . الخ .
9 . وأمر الله المسلمين بالتبين والتحقق : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ الله فَتَبَيَّنُوا . « النساء : 94 » . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ . « الحجرات : 6 » وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ . « البقرة : 187 » .
10 . قال ابن منظور « 13 / 67 » : « بانَ الشئُ بَياناً : اتَّضَح فهو بَيِّنٌ ، والجمع أَبْيِناءُ ، مثل هَيِّنٍ وأَهْيِناء . وكذلك أَبانَ الشئُ فهو مُبينٌ . وأَبَنْتُه أَي أَوْضَحْتُه .
واستَبانَ الشئُ : ظهَر . واستَبَنْتُه أَنا : عرَفتُه . وتَبَيَّنَ الشئُ : ظَهَر ، وتَبيَّنْته أَنا . تتعدَّى هذه الثلاثةُ ولا تتعدَّى .
وقوله عز وجل : وهو في الخِصام غيرُ مُبين ، يريد الأُنثى لا تكاد تَسْتَو في الحجةَ ولا تُبينُ .
وقوله عز وجل : لا تُخْرِجوهُنَّ من بيوتهنّ ولا يَخْرُجْنَ إلا أَن يأْتِين بفاحِشةٍ مُبَيِّنة . أَي ظاهرة .
وقوله عز وجل : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ . أَي بُيِّنَ لك فيه كلُّ ما تحتاج إليه أَنت وأُمتُك من أَمر
--------------------------- 162 ---------------------------
الدِّين ، وهذا من اللفظ العامِّ الذي أُريد به الخاصُّ ، والعرب تقول : بَيَّنْت الشئَ تَبْييناً وتِبْياناً بكسر التاء .
وقال الزجاج في قوله تعالى : خَلَق الإِنْسان علَّمَه البيانَ . قيل إنه عنى بالإِنسان هاهنا النبيَّ صلى الله عليه وآله علَّمَه البيان أَي علَّمه القرآنَ . ويجوز في اللغة أَن يكون الإِنسانُ إسماً لجنس الناس جميعاً » .
وقد أجاد ابن منظور حيث جعل المخاطب بأن القرآن فيه تبيان كل شئ هو النبي صلى الله عليه وآله لأنه هو الذي عنده علم الكتاب . أما الأمة فلا تفهم من القرآن تبيان كل شئ ولا تبيان أكثر الأمور . فلا يفهمه حق فهمه إلا من أوتي علم الكتاب .
بَوَّأَ
أصل البَوَاء : مساواة الأجزاء في المكان ، خلاف النَّبْو الذي هو منافاة الأجزاء . يقال : مكان بَوَاء : إذا لم يكن نابياً بنازله ، وبَوَّأْتُ له مكاناً : سوَّيته فَتَبَوَّأَ ، وبَاءَ فلان بدم فلان يَبُوءُ به أي ساواه ، قال تعالى : وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً . « يونس : 87 » وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ . « يونس : 93 » تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ . « آل عمران : 121 » يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ « يوسف : 56 » .
وروي أنه كان عليه السلام يتبوَّأ لبوله كما يتبوَّأ لمنزله . وبَوَّأْتُ الرمح : هيأت له مكاناً ، ثم قصدت الطعن به . وقال : من كذب عليَّ متعمداً فليتبوَّأ مقعده من النار . وقال الراعي في صفة إبل : لها أمرُها حتى إذا ما تَبَوَّأتْ
بأخفافها مأوىً تبوأَ مضجعا
أي يتركها الراعي حتى إذا وجدت مكاناً موافقاً للرعي طلب الراعي لنفسه متبوأً لمضجعه .
ويقال : تَبَوَّأَ فلان ، كناية عن التزوج كما يعبر عنه بالبناء فيقال : بنى بأهله .
ويستعمل البَوَاء في مراعاة التكافؤ في المصاهرة والقصاص ، فيقال : فلان بُوَاءٌ لفلان إذا ساواه وقوله عز وجل : باءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله . « الأنفال : 16 » أي حلَّ مُبَوّأً ومعه غضب الله ، أي عقوبته . وقوله : بِغَضَبٍ في موضع حال ، كخرج بسيفه أي رجع ، لامفعول نحو : مرَّ بزيد .
واستعمال بَاءَ تنبيهاً على أن مكانه الموافق يلزمه فيه غضب الله ، فكيف غيره من الأمكنة ، وذلك على حد ما ذكر في قوله : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ . « آل عمران : 21 »
وقوله : إني أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ . « المائدة : 29 » أي تقيم بهذه الحالة . قال : أنكرتَ باطلَهَا وبُؤْتَ بحقِّها .
وقول من قال : أقررت بحقها ، فليس تفسيره بحسب مقتضى اللفظ . والبَاءَة كناية عن الجماع .
وحكي عن خلف الأحمر أنه قال في قولهم حَيَّاك الله وبَيَّاك : إن أصله : بَوَّأك مَنْزِلاً ، فغُيِّر لازدواج الكلمة ، كما غير جمع الغداة في قولهم : آتيه الغدايا والعشايا .
ملاحظات
1 . فسر الراغب « بَاءَ » بأنه تساوت أجزاء بدنه في المكان وجلس فيه براحة . وجعله مقابل : نَبَا به المكان ، وفسره بتفاوتت أجزاء بدنه فيه . لكنه لم يرد في العربية للنزول والسكن والجلوس .
وقد أخذه الراغب من ابن فارس حيث جعله أصلين فقال : « 1 / 312 » : « الرجوع إلى الشئ ، والآخر تساوي الشيئين » . وقصده تساويهما في القصاص والدية ، تقول : فلان بواءٌ بفلان ، أي كفؤٌ له إن قتل به .
والصحيح أن باءَ من : البيئة ، تقول العرب : إِنه لَحَسَنُ البِيئةِ أَي هيئة التبَوُّءِ ، وتسمي المنزل : البيئة والباءَة والمباءَة . قال ابن منظور « 1 / 36 » : « وأَباءَه مَنْزِلاً وبَوَّأَه إيَّاه وبَوَّأَه له وبَوَّأَه فيه ، يعني هَيَّأَه له وأَنْزَلَه ومَكَّنَ له فيه .
--------------------------- 163 ---------------------------
والاسم : البِيئةُ . وإِنه لَحَسَنُ البِيئةِ أَي هيئة التبَوُّءِ . وباءَتْ بِبيئةِ سُوءٍ ، أَي بحالِ سُوءٍ .
وفي الحديث : مَن كَذَبَ عَليَّ مُتَعَمِّداً ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه من النار : لِيَنْزِلْ مَنْزِله مِن النار » .
وقال : « وسُمي النكاحُ باءَةً وباءً من المَباءَةِ لأَن الرجل يَتَبَوَّأُ من أَهله أَي يَسْتَمْكِنُ من أَهله ، كما يَتَبَوَّأُ من دارِه . والهاء في الباءة زائدة ، والناسُ يقولون : الباه » .
ويؤيد ما قلناه : أن كل موارد المادة في القرآن يصح تفسيرها بالبيئة والجو المادي والمعنوي ، ولا يصح تفسيرها بالرجوع والمساواة .
فمعنى قوله تعالى : تَبَوَآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً : اختارا بيوتاً في بيئة مناسبة .
ومعنى : باءَ بسخط من الله : تحمل الجو المعنوي من السخط . ومعنى : إِذْ بَوَأْنَا لآبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ : جعلنا بيئة البيت مناسبة ، وأعطيناه لإبراهيم وذريته .
ومعنى : وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ : أورثنا الأرض ، لكنا نختار لسكننا الجنة .
ومعنى : وَبَوَأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا : جعلناكم في بيئة مناسبة من الأرض .
فعنصر البيئة والجو المادي أو المعنوي داخل في كل استعمالات المادة .
أما معنى المساواة في باءَ ، فليس من البيئة بل من قولهم : باوَأْتُ بين القَتْلى : أَي ساوَيْتُ . وقولهم : هم بَواءٌ أَي أَكْفاءٌ . وفي الحديث : الجِراحاتُ بَواءٌ ، أي مُتَساويةٌ في القِصاص فلا يُؤْخَذُ إلا مِثْلُ جِراحَتِه سَواءً ، وذلك البَواءُ . وكذلك معنى الرجوع في قولك باءَ به ، فهو رجوع معنوي بمعنى تحمل نتيجة عمله وصار عليه وليس رجوعاً حقيقياً .
2 . ذكر الراغب أربع آيات وردت فيها مادة : بَاءَ ، من بضع عشرة آية .
ومنها : قوله تعالى عمن فرَّ من القتال في بدر : وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله . « الأنفال : 16 » .
ومنها : لمن سرق من الغنائم أو اتهم النبي صلى الله عليه وآله بأنه سرق ! أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ الله كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ الله وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ . « آل عمران : 163 » .
ومنها : ثلاث آيات في بَوْء اليهود بغضب الله : وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ الله . « البقرة : 61 » .
ومنها : على لسان هابيل لأخيه قابيل : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ . « المائدة : 28 » .
ومنها : عن قوم هود : خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَأَكُمْ فِي الأَرْضِ . « الأعراف : 74 » .
ومنها : تبويئ إبراهيم عليه السلام مكان البيت : إِذْ بَوَأْنَا لآبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ . « الحج : 26 » .
ومنها : تبويئ بني إسرائيل : وَلَقَدْ بَوَانَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَأَ صِدْقٍ . « يونس : 93 » .
ومنها : تبويئ المقاتلين أمكنتَهم : وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ . « آل عمران : 121 » .
ومنها : وعدٌ للمهاجرين الذين فقدوا بيوتهم : وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي الله مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً . « النحل : 41 » .
ومنها : وعدٌ للمؤمنين في الآخرة : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا . نَتَبَوَأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ . وروي أنها في المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وأصحابه .
ومنها : مدحٌ للأنصار : وَالَّذِينَ تَبَوَءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ . « الحشر : 9 » .
--------------------------- 164 ---------------------------
ومنها : في يوسف عليه السلام : مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ . « يوسف : 56 » .
ومنها : عن موسى وهارون عليهما السلام : وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا . « يونس 87 » .
البَاء
الباء : يجئ إما متعلِّقا بفعل ظاهر معه ، أو متعلِّقاً بمضمر . فالمتعلق بفعل ظاهر معه ضربان : أحدهما : لتعدية الفعل ، وهو جارٍ مجرى الألف الداخل على الفعل للتعدية نحو : ذهبت به وأذهبته . قال تعالى : وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً . « الفرقان : 72 » . والثاني : للآلة نحو : قطعه بالسكين .
والمتعلِّق بمضمر : يكون في موضع الحال نحو : خرج بسلاحه أي وعليه السلاح أو معه السلاح . وربما قالوا تكون زائدة نحو : وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا . « يوسف : 17 » وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ . « الشعراء : 114 » وَكَفى بِنا حاسِبِينَ « الأنبياء : 47 » .
وفي كل ذلك لا ينفك عن معنىً ربما يدقُّ ، فيتصور أن حصوله وحذفه سواء وهما في التحقيق مختلفان ، سيما في كلام من لا يقع عليه اللغو . فقوله : وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا . « يوسف : 17 » فبينه وبين قولك : ما أنت مؤمناً لنا فرق ، فالمتصوَّر من الكلام إذا نصبتَ ذاتٌ واحدة ، كقولك : زيد خارج . والمتصور منه إذا قيل : ما أنت بمؤمن لنا ، ذاتان ، كقولك : لقيت بزيد رجلاً فاضلاً ، فإن قوله رجلاً فاضلاً وإن أريد به زيد فقد أخرج في معرض يتصور منه إنسان آخر ، فكأنه قال : رأيت برؤيتي لك آخر هو رجل فاضل . وعلى هذا : رأيت بك حاتماً في السخاء .
وعلى هذا : وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ . « الشعراء : 114 » وقوله تعالى : أَلَيْسَ الله بِكافٍ عَبْدَهُ . « الزمر : 36 »
وقوله : تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ . « المؤمنون : 20 » قيل معناه : تنبت الدهن ، وليس ذلك بالمقصود بل المقصود أنها تنبت النبات ومعه الدهن ، أي والدهن فيه موجود بالقوة . ونبه بلفظة بِالدُّهْنِ على ما أنعم به على عباده وهداهم إلى استنباطه . وقيل : الباء هاهنا للحال ، أي حاله أن فيه الدهن . والسبب فيه أن الهمزة والباء اللتين للتعدية لا يجتمعان .
وقوله : وَكَفى بِالله شَهِيداً « الفتح : 28 » فقيل : كفى الله شهيداً ، نحو : وَكَفَى الله الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ . « الأحزاب : 25 » الباء زائدة ، ولو كان ذلك كما قيل لصح أن يقال : كفى ب الله المؤمنين القتال ، وذلك غير سائغ ، وإنما يجئ ذلك حيث يذكر بعده منصوب في موضع الحال ، كما تقدم ذكره .
والصحيح أن كفى هاهنا موضوع موضع إِكْتَفِ ، كما أن قولهم : أحسن بزيد موضوع موضع ما أحسن ، ومعناه : إِكْتَفِ ب الله شهيداً .
وعلى هذا : وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً . « الفرقان : 31 » وَكَفى بِالله وَكِيلًا . « النساء : 132 » وقوله : أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ إنهُ عَلى كل شَئ شَهِيدٌ . « فصلت : 53 » وعلى هذا قوله : حُبَّ إليَّ بفلان أي أحْبِبْ إليَّ به .
ومما ادُّعي فيه الزيادة : الباء في قوله : وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهْلُكَةِ . « البقرة : 195 » قيل تقديره : لاتلقوا أيديكم ، والصحيح أن معناه لاتلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة ، إلا أنه حذف المفعول استغناء عنه وقصداً إلى العموم ، فإنه لا يجوز إلقاء أنفسهم ولا إلقاء غيرهم بأيديهم إلى التهلكة .
وقال بعضهم : الباء بمعنى من في قوله : عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ . « المطففين : 28 » عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ الله . « الإنسان : 6 » والوجه ألا يصرف ذلك عما عليه وأن العين هاهنا إشارة إلى المكان الذي ينبع منه الماء لا إلى الماء بعينه ، نحو : نزلت بعين ، فصار كقولك : مكاناً يشرب به ، وعلى هذا قوله تعالى : فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ . « آل عمران : 188 » أي بموضع الفوز . والله تعالى أعلم .
--------------------------- 165 ---------------------------
تم كتاب الباء
ملاحظات
1 . في الباء بحوث ، نكتفي منها بخلاصة ما قاله ابن هشام في المغني « 1 / 101 » :
« الباء المفردة : حرف جر ، لأربعة عشر معنى :
أولها : الإلصاق ، قيل وهو معنى لا يفارقها ، فلهذا اقتصر عليه سيبويه .
الثاني : التعدية ، وهي المعاقبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعولاً ، وأكثر ما تُعَدِّي الفعل القاصر ، تقول في ذهب زيد : ذهبت بزيد ، وأذهبته ، ومنه : ذهب الله بنورهم .
الثالث : الاستعانة ، وهي الداخلة على آلة الفعل نحو : كتبت بالقلم . ونجرت بالقدوم . وقيل : ومنه باء البسملة .
الرابع : السببية نحو : إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ . فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ .
الخامس : المصاحبة ، نحو : اهْبِطْ بِسَلَامٍ . أي معه . وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ . الآية .
وقد اختلف في الباء من قوله تعالى : فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ، فقيل : للمصاحبة والحمد مضاف إلى المفعول أي فسبحه حامداً له ، أي نزهه عما لا يليق به .
والسادس : الظرفية نحو : وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ . نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ .
والسابع : البدل ، كقول الحماسي :
فليتَ لي بهمُ قوماً إذا ركبوا
شَنُّوا الإغارة فرساناً وركباناً
والثامن : المقابلة وهي الداخلة على الأعواض ، ومنه : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ .
والتاسع : المجاوزة كعن ، فقيل تختص بالسؤال نحو : فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا .
العاشر : الإستعلاء نحو : مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ . .
الثاني عشر : القسم ، وهو أصل أحرفه ، نحو : أقسم ب الله لتفعلن .
الثالث عشر : الغاية نحو وَقَدْ أَحْسَنَ بِي أي إليَّ .
الرابع عشر : التوكيد ، نحو : كَفَى بِالله شَهِيدًا .
2 . الصحيح ما قاله الراغب من عدم زيادة الباء في هذه الموارد ، بل عدم وجود زيادة في ألفاظ في القرآن ، ولا في السنة ، ولا في اللغة العربية .
وينبغي التنبيه إلى أن النحاة يؤكدون على وصف الزيادة باللفظية ، لكنهم يجعلونها زيادة في المعنى !
--------------------------- 166 ---------------------------
كتاب التاء وما يتصل بها
ت
تَبَّ
التَبُّ والتبَابُ : الاستمرار في الخسران ، يقال : تَبّاً له وتَبٌّ له ، وتَبَبْتُهُ : إذا قلت له ذلك ، ولتضمن الاستمرار قيل : اسْتَتَبَّ لفلان كذا ، أي استمر . وتَبَّتْ يَدا أَبي لَهَبٍ . « المسد : 1 » أي استمرت في خسرانه ، نحو : ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ « الزمر : 15 » وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ « هود : 101 » أي تخسير . وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ . « غافر : 37 » .
ملاحظات
فسر ابن منظور وغيره التبَّ بالهلاك . وهو الخَسَار كما قال الراغب ، بدليل قول الإمام الحسين عليه السلام في خطبته : تباً لكم أيتها الجماعة وتَرَحاً . « الإحتجاج « 2 / 24 » . فلو كان الهلاك لما أضاف اليه الترح . والترَح ضد الفرح .
والتتبيب لا يدل على الاستمرار كما ذكر الراغب ، وإن فهم فهو من غير الكلمة . « راجع العين : 1 / 111 » .
وقد شك ابن فارس « 1 / 341 » في صحة استتب قال : « يقولون : اسْتَتَبَّ الأمرُ إذا تهيأ ، فإن كانت صحيحة ، فللباب إذاً وجهان : الخسران والاستقامة » .
وهي صحيحة ، لأنها وردت في دعاء الإمام السجاد عليه السلام وهو من أفصح من نطق بالضاد ، قال في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله : « حَتَّى اسْتَتَبَّ لَه مَا حَاوَلَ فِي أَعْدَائِكَ ، واسْتَتَمَّ لَه مَا دَبَّرَ فِي أَوْلِيَائِكَ . « الصحيفة السجادية / 34 » .
تَابُوت
التابُوت : فيما بيننا معروف . أَنْ يَأْتِيَكُمُ التابُوتُ . « البقرة : 248 » قيل كان شيئاً منحوتاً من الخشب فيه حكمة ، وقيل عبارة عن القلب والسكينة عما فيه من العلم ، وسمي القلب سفط العلم ، وبيت الحكمة وتابوته ،
--------------------------- 167 ---------------------------
ووعاؤه وصندوقه ، وعلى هذا قيل اجعل سرَِّك في وعاءٍ غير سَرِب .
وعلى تسميته بالتابوت قال عمر لابن مسعود رضي الله عنهما : كنيف ملئ علماً .
ملاحظات
التابوت : كما في قاموس الكتاب المقدس / 209 : « صندوق صنعه موسى بأمره تعالى ، طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف وارتفاعه ذراع ونصف . وكان مصنوعاً من خشب السنط « شجر صحراوي » ومُغَشَّى بصفائح ذهب نقي من داخل ومن خارج ، ويحيط برأسه إكليل من ذهب ، فوقه غطاء من ذهب نقي . وفوق كل طرف من الغطاء كَرُّوبٌ « صورة ملك » من ذهب يظلل الغطاء . وعلى كل من جانبي التابوت حلقتان من ذهب لعصوي التابوت المصفحتين بالذهب لحمل التابوت . وكان المنوط بحراسته وحمله بنو فهات من اللاويين . « عد 3 : 29 » .
وفي معاني الأخبار / 284 : « سألته « الإمام الرضا عليه السلام » فقلت : جعلت فداك ما كان تابوت موسى وكم كان سعته ؟ قال : ثلاثة أذرع في ذراعين . قلت : ما كان فيه ؟ قال : عصى موسى والسكينة . قلت : وما السكينة ؟ قال : روح الله يتكلم . كانوا إذا اختلفوا في شئ كلمهم وأخبرهم ببيان ما يريدون » .
ولعله التابوت الذي أنزله الله لأم موسى عليه السلام فوضعته فيه وألقته في اليم ، فقد ورد في تفسير القمي « 2 / 135 » أنه نزل عليها من السماء . وفي الكافي « 1 / 238 » عن الإمام الباقر عليه السلام : « إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل ، كانت بنو إسرائيل أيُّ أهل بيتٍ وُجد التابوت على بابهم ، أوتوا النبوة فمن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة » .
وقد ورد التابوت في آيتين : قوله تعالى : أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ . « طه : 37 » . وقوله تعالى : إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَاتِيَكُمُ التابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ . « البقرة : 248 » .
تَبَرَ
التبْر : الكسر والإهلاك ، يقال : تَبَرَهُ وتَبَّرَهُ . قال تعالى : إن هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ « الأعراف : 139 » وقال : وَكلا تَبَّرْنا تَتْبِيراً . « الفرقان : 39 » وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً « الإسراء : 7 » وقوله تعالى : وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً . « نوح : 28 » أي هلاكاً .
ملاحظات
قال ابن فارس « 1 / 362 » ومن وافقه : « التاء والباء والراء أصلان متباعدٌ ما بينهما : أحدهما الهلاك ، والآخر جوهر من جواهر الأرض » . والصحيح أنه أصلٌ واحد بمعنى السحق ، كما ذهب الراغب .
والإهلاك قد يكون من لوازمه ، كما في قوله تعالى عن حرب المسلمين الموعودة مع اليهود : وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً . أي ليسحقوا ما بنوه سحقاً .
تَبِعَ
يقال : تَبِعَهُ واتَّبَعَهُ : قفا أثره ، وذلك تارةً بالجسم وتارةً بالإرتسام والإئتمار . وعلى ذلك قوله تعالى : فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ « البقرة : 38 » قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً . « يس : 20 » فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ « طه : 123 » إِتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ . « الأعراف : 3 » وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ . « الشعراء : 111 » وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي . « يوسف : 38 » ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ . « الجاثية : 18 » وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ . « البقرة : 102 » وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ .
--------------------------- 168 ---------------------------
« البقرة : 168 » إنكُمْ مُتَّبَعُونَ . « الدخان : 23 » وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الله . « صاد : 26 » هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِي . « الكهف : 66 » وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ . « لقمان : 15 » .
ويقال : أَتْبَعَه إذا لحقه ، قال تعالى : فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ . « الشعراء : 60 » ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً « الكهف : 89 » وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً « القصص : 42 » فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ « الأعراف : 175 » فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً . « المؤمنون : 44 » .
يقال أَتْبَعْتُ عليه ، أي أحلت عليه .
ويقال أُتْبِعَ فلان بمال ، أي أحيل عليه .
والتبِيع : خُصَّ بولد البقر إذا تبع أمه .
والتبَعُ : رِجْلُ الدابة وتسميته بذلك كما قال :
كأنما اليدانِ والرجلان * طالِبتَا وِتْرٍ وهَاربانِ
والمُتْبِعُ من البهائم : التي يتبعها ولدها .
وتُبَّعٌ : كانوا رؤساء سَمُّوا بذلك لاتِّباع بعضهم بعضاً في الرياسة والسياسة . وقيل : تُبَّع ملكٌ يتبعه قومه ، والجمع التبَابِعَة ، قال تعالى : أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ « الدخان : 37 » . والتَّبَّعُ : الظل .
ملاحظات
1 . أخذ الراغب تعريف تَبِعَ من الخليل . كما وافق ابنَ فارس فجعل تَبِعَهُ واتَّبَعَهُ بمعنى واحد ، مع أن تَبِعَ أعم من اتَّبع وأقل مؤونة ، واتَّبع أشد في الإقتفاء .
والإتِّباع في القرآن أنواع ، فمن ذلك : ما أمر الله رسوله صلى الله عليه وآله باتباعه ، مثل : مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ . مَا يُوحَى إِلَيْكَ . مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ . سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ . فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ . شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ .
وما نهى رسوله صلى الله عليه وآله عن اتباعه ، مثل : وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ . أهواء قوم قد ضلوا من قبل . أهواء الذين كذبوا بآياتنا . أهواء الذين لا يعلمون . سبيل المفسدين . ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله .
وما أمر الله الناس باتباعه : مَا أَنزَلَ الله . أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم . يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ . فَاتَّبِعُونِي . وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ . كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ . فَآمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ . . وَاتَّبِعُوهُ . يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ . إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ . مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ . لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ . وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ الله . وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ . كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ . واتباع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار .
وما نهى الناس عن اتباعه ، مثل : الهوى . أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا . مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ . خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ . وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ . وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ . ن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ . قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا . وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ . وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ .
ومن موارد الاتباع : مقابلة اتباع الرسول صلى الله عليه وآله بالانقلاب على الأعقاب : وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ .
والعلاقة بين حب الله واتباع الرسول صلى الله عليه وآله : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِى . وأن المتبعين للنبي صلى الله عليه وآله كانوا بعض المسلمين وليس كلهم : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .
3 . ذكر القرآن التبابعة في آيتين : أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَأنوا مُجْرِمِينَ . . وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ .
وقال المسعودي في مروج الذهب « 2 / 88 » : « كان لليمن ملوك لايُدْعَوْنَ بالتبابعة ممن تقدم وتأخر منهم ، حتى ينقاد إلى ملكه أهل الشِّحْر وحضرموت ، فحينئذ يستحق أن يسمى تُبَّعاً ، ومن تخلف عن ملكه ممن
--------------------------- 169 ---------------------------
ذكرنا سمي ملكاً ، ولم يطلق عليه اسم تُبَّع » .
وأهل الشَّحْر : ما بين عدن وعمان .
وقال ابن خلدون « 1 / 358 » : « فالفرسُ طالت مدتهم آلافاً من السنين ، وكذلك القبط والنبط والروم ، وكذلك العرب الأولى من عاد وثمود والعمالقة والتبابعة .
تَتْرَى
تَتْرَى على فَعْلَى ، من المواترة ، أي المتابعة وتراً وتراً ، وأصلها واو فأبدلت ، نحو تُراث وتِجاه . فمن صرَفَه جعل الألف زائدة لا للتأنيث ، ومن لم يَصْرِفْهُ جعل ألفه للتأنيث . قال تعالى : ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا . « المؤمنون : 44 » أي متواترين . قال الفرَّاء : يقال تترى في الرفع ، وتترى في الجر وتترى في النصب .
والألف فيه بدل من التنوين . وقال ثعلب : هي تفعل .
تَجِرَ
التجَارَة : التصرف في رأس المال طلباً للربح ، يقال : تَجَرَ يَتْجُرُ ، وتَاجِر وتَجْر ، كصاحب وصحب ، قال : وليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ ، فأما تجاه : فأصله وجاه ، وتجوب : التاء للمضارعة .
وقوله تعالى : هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ « الصف : 10 » فقد فسَّر هذه التجارة بقوله : تُؤْمِنُونَ بِالله « الصف : 11 » إلى آخر الآية .
وقال : اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ « البقرة : 16 » إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ . « النساء : 29 » تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ . « البقرة : 282 » .
قال ابن الإعرابي : فلان تاجر بكذا ، أي حاذق به عارف لوجه المكتسب منه .
ملاحظات
استعمل القرآن التجارة بالمعنى المادي في آيتين بَيَّنَ فيهما بعض أحكامها : إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ . تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ . وفي ست آيات أخرى في التجارة مع الله تعالى وأنها أفضل من التجارة المادية : هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ . رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ . يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ . مَا عِندَ الله خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ . الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ . وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا .
تَحْتَ
تَحْت : مقابل لفوق ، قال تعالى : لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ . « المائدة : 66 » . وقوله تعالى : جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ « الحج : 23 » تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ . « يونس : 9 » . فَناداها مِنْ تَحْتِها . « مريم : 24 » يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ . « العنكبوت : 55 » .
وتحت : تستعمل في المنفصل ، وأسفل في المتصل ، يقال : المال تحته ، وأسفله أغلظ من أعلاه ، وفي الحديث : لا تقوم الساعة حتى يظهر التحُوت أي الأراذل من الناس . وقيل : بل ذلك إشارة إلى ما قال سبحانه : وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ . « الانشقاق : 3 » .
ملاحظات
1 . لم أجد استعمال كلمة التحوت جمع تحت ، إلا عند أبي هريرة ، فقد زعم أن النبي صلى الله عليه وآله ذكر علامات الساعة ، وقال : « تظهر التحوت على الوعول » . « الصحاح : 5 / 1843 » .
ورواه في مجمع الزوائد « 7 / 324 » وصححه . لكنه بعيد عن تعابير النبي صلى الله عليه وآله .
2 . قول الراغب إن تحت تستعمل في المنفصل صحيح . لأن معنى كونه تحته أنه غيره .
أما قوله إن أسفل تستعمل في المتصل ، فلا يصح إلا إذا قلت أسفل الشئ ، بمعنى آخره السفلي . أما
--------------------------- 170 ---------------------------
إذا قلت أسفل منه ، فتدل على أنه غيره ، فهومنفصل عنه ، كقوله تعالى : وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ . إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ .
فلا اتصال هنا . وكذلك قوله تعالى : ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ، فلا اتصال بل تغيُّرٌ إلى الأسفل .
3 . وردت تحت في وصف الجنات التي تجري من تحتها الأنهار أكثر من ثلاثين مرة . وفي النعم من فوقهم ومن تحت أرجلهم . والعذاب من فوق المجرمين وتحت أرجلهم . وفي ملك الله تعالى لما تحت الثرى . . الخ .
تَخِذَ
تَخِذَ : بمعنى أخذ ، قال :
وقد تَخِذَتْ رِجلي إلى جَنْبِ غِرْزِهَا
نَسِيفاً كأُفحوص القَطاةِ المُطَرَّقِ
واتّخذ : افتعل منه ، أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي « الكهف : 50 » قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ الله عَهْداً « البقرة : 80 » وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ الله آلِهَةً « مريم : 81 » وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى « البقرة : 125 » لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ « الممتحنة : 1 » لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً « الكهف : 77 » .
ملاحظات
معنى البيت : أنه ركب ناقته وكان ينهرها بعقب رجله لتسرع ، فأثَّرَ عقب رجله في جنبها كمبيض القطاة .
تَرِبَ
الترَاب : معروف ، قال تعالى : أَإِذا كُنَّا تُراباً . « الرعد : 5 » وقال تعالى : خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ . « فاطر : 11 » يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً . « النبأ : 40 » .
وتَرِبَ : افتقر ، كأنه لصق بالتراب ، قال تعالى : أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ . « البلد : 16 » أي ذا لصوق بالتراب لفقره .
وأَتْرَبَ : استغنى ، كأنه صار له المال بقدر التراب .
والترْبَاء : الأرض نفسها . والتيْرَب واحد التيَارب . والتوْرَب والتوْرَاب : التراب .
وريح تَرِبَة : تأتي بالتراب ، ومنه قوله عليه السلام : عليك بذات الدين تَرِبَتْ يداك . تنبيهاً على أنه لا يفوتنك ذات الدين ، فلا يحصل لك ما ترومه فتفتقر من حيث لا تشعر .
وبارح تَرِبٌ : ريح فيها تراب .
والترائب : ضلوع الصدر ، الواحدة : تَرِيبَة . قال تعالى : يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالترائِبِ . « الطارق : 7 » .
وقوله : أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً . « الواقعة : 36 » وَكَواعِبَ أَتْراباً « النبأ : 33 » وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطرْفِ أَتْرابٌ « صاد : 52 » أي لِدَاتٌ تنشأن معاً تشبيهاً في التساوي والتماثل بالترائب التي هي ضلوع الصدر . أو لوقوعهن معاً على الأرض .
وقيل لأنهن في حال الصبا يلعبن بالتراب معاً .
ملاحظات
جعل الراغب وأكثر اللغويين مادة ترب أصلاً واحداً ، وقال ابن فارس « 1 / 346 » : « أصلان ، أحدهما : التراب وما يشتق منه ، والآخر : تساوي الشيئين . فالتِّرْبُ : الخِدْنُ والجمع أتراب ، ومنه التريب وهو الصدر عند تساوي رؤوس العظام » .
وقال ابن منظور « 1 / 327 » : « وقوله عز وجل : خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ يَخْرُج من بينِ الصُّلْب والترائبِ . قال أَهل اللغة أَجمعون : الترائبُ موضع القِلادةِ من الصَّدْرِ » .
تَرِثَ
وَتَأْكُلُونَ التراثَ . « الفجر : 19 » أصله : وُراث ، وهو من باب الواو .
--------------------------- 171 ---------------------------
تَفَثَ
قال تعالى : ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ . « الحج : 29 » أي يزيلوا وسخهم . يقال : قضى الشئ يقضي : إذا قطعه وأزاله . وأصل التفْث وسخ الظفر وغير ذلك مما شابه أن يزال عن البدن . قال أعرابيّ : ما أَتْفَثَكَ وأدرنك .
ملاحظات
ورد التفث في آية واحدة في مناسك الحج ، قال تعالى : ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ . « الحج : 29 » . والمعروف في معناه أنه يشمل الوسخ المادي والمعنوي ، أي ليزيلوا تفثهم ، لكن ورد في مناقب ابن سليمان « 2 / 253 » عن علي عليه السلام قال : « دخلت على النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت : يا رسول الله أغْضَبَك أحد ما شأن عينيك تَفِثَة ؟ قال : بلى ، قام عندي جبرئيل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات ، فقال : هل لك أن أشمك من تربته ؟ قلت : نعم ، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عينيَّ أن فاضتا » .
فعبر عن تغير العين من البكاء بالتفث .
وفي حديث رواه أحمد « 4 / 15 » : عن النبي صلى الله عليه وآله : « فقد تم حجه ، وقضى تفثه » . بمعنى مناسكه .
وفي الكافي « 4 / 549 » عن عبد الله بن سنان أنه سأل الإمام الصادق عليه السلام عن الآية فقال : « أخذ الشارب وقص الأظفار وما أشبه ذلك ، قال قلت : جعلت فداك إن ذريح المحاربي حدثني عنك بأنك قلت له : ليقضوا تفثهم : لقاء الإمام وليوفوا نذورهم تلك المناسك ؟ فقال : صدق ذريح وصدقت ، إن للقرآن ظاهراً وباطناً . ومن يحتمل ما يحتمل ذريح » .
فجعل التفث بمعنى المناسك يشمل الطواف بالبيت والتنظف والتطيب ، ولقاء الإمام عليه السلام .
قال ابن فارس « 1 / 350 » : « قال أبو عبيدة : هو قص الأظافر وأخذ الشارب وشم الطيب ، وكل ما يحرم على المحرم إلا النكاح . قال : ولم يجئ فيه شعر يحتج به » .
وقال ابن منظور « 2 / 120 » : « قال الزجاج : لا يَعْرِفُ أَهلُ اللغة التفَثَ إِلَّا من التفسير . وعن ابن عباس قال : التفَثُ الحَلْق والتقْصير والأَخْذُ من اللحية والشارب والإِبط ، والذبحُ والرَّمْيُ .
ورجل تَفِثٌ : أَي متغير شَعِثٌ ، لم يَدَّهِنْ ، ولم يَسْتَحِد . وقال ابن الأَعرابي : ثم ليَقْضُوا تَفَثَهم . قال : قَضاءُ حَوائجهمِ من الحَلْق والتنْظِيفِ » .
ويدل ذلك على شمول التفث لجميع المناسك .
تَرِفَ
الترْفَةُ : التوسع في النعمة ، يقال : أُتْرِفَ فلانٌ فهو مُتْرَف . أَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا « المؤمنون : 33 » .
وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ « هود : 116 » .
وقال : إرْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ « الأنبياء : 13 » .
وأَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ « المؤمنون : 64 » .
وهم الموصوفون بقوله سبحانه : فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ . « الفجر : 15 » .
ملاحظات
1 . الترف حالة في الشخصية ، يهوى صاحبها التنعم والتأنق والدعة ، في مأكله وملبسه وكل أموره . وهو في الأغنياء وقد يكون في الفقراء . وقد ورد في القرآن في ثمان آيات ، كلها للذم ، أورد منها الراغب أربعة .
وقال تعالى : وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا . « الإسراء : 16 » . وقال : قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ . « سبأ : 34 » . وقال : قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ . « الزخرف : 23 » . وقال : إِنَّهُمْ كَأنوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ . « الواقعة : 46 » .
--------------------------- 172 ---------------------------
تَرَقَ
قال تعالى : كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التراقِيَ وَقِيلَ مَنْ راقٍ . « القيامة : 26 » جمع تَرْقُوَة ، وهي عظم وصل ما بين ثغرة النحر والعاتق .
ملاحظات
جعل الترقوة هنا من تَرَقَ . وجعلها في حرف الراء من رَقَيَ . وهو الصحيح . وستأتي .
تَرَكَ
تَرْكُ الشئ : رفَضَه ، قصداً واختياراً ، أو قهراً واضطراراً . فمن الأول : وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ . « الكهف : 99 » وقوله : وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً . « الدخان : 24 » .
ومن الثاني : كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ « الدخان : 25 » ومنه : تَرِكَة فلان لما يخلفه بعد موته .
وقد يقال في كل فعل ينتهي به إلى حالة ما : تركته كذا ، أو يجري مجرى جعلته كذا نحو : تركت فلاناً وحيداً .
والترِيكَة : أصله البيض المتروك في مفازة . وتسمى بيضة الحديد بها كتسميتهم إياها بالبيضة .
ملاحظات
التَّرك : انصرافٌ عن الشئ ، وقد يكون عن رفض له أو بغير رفض . قال الخليل « 5 / 337 » : « الترك : وَدَعُكَ الشئ . والترك : الجعل في بعض الكلام . تركت الحبل شديداً ، أي جعلته . والتريكة ماء يمضي عنه السيل ويتركه ناقعاً . وسمي الغدير ، لأن السيل غادره » .
وقال ابن فارس « 1 / 345 » : « الترك : التخلية عن الشئ . وفي الكتاب المنسوب إلى الخليل : يقال تركت الحبل شديداً ، أي جعلته شديداً . وما أحسب هذا من كلام الخليل » .
وما نسب إلى الخليل صحيح ، ولم يطلع ابن فارس على استعمال العرب لترك ، وأنها قد تتضمن معنى الجعل ، تقول : كسَّرَهُ ودقه حتى تركه كالطحين ، أي جعله . وأكرم عدوه حتى تركه صديقاً ، أي جعله . وفي حديث عمار في أيام السقيفة : « فلُبِّبَ وَوُجِئَ في عنقه حتى تُرِكَتْ كالسِّلْعة » . « الإختصاص : 1 / 10 » .
تِسْعَة
التسْعَةُ : في العدد معروفة وكذا التسْعُون ، قال تعالى : تِسْعَةُ رَهْطٍ . « النمل : 48 » تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً . « صاد : 23 » ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً . « الكهف : 25 » عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ . « المدثر : 30 » . والتسْع : من أظماء الإبل . والتسْع : جزءٌ من تسعة .
والتسَعُ : ثلاث ليال من الشهر آخرها التاسعة .
وتَسَّعْتُ القوم : أخذت تِسْعَ أموالهم ، أو كنت لهم تاسعاً .
ملاحظات
الإبل التَّوَاسِعُ : أي تظمأ ثمانية أيام ، وترد في التاسع .
وقال الخليل « 1 / 325 » : « تَسِعْتُ القوم : أي صرت تاسعهم . وأَتْسَعْتُ الشئ إذا كان ثمانية وأتممته تسعة » .
وقال ابن منظور « 8 / 34 » : « تقول : تسع عَشْرَةَ امْرَأَةً وتِسْعَةَ عشر رجلاً . قال الله تعالى : عليها تسعة عشَرَ . والتاسُوعاء : اليوم التاسع من المحرم . وحبْلٌ مَتْسُوع : على تِسْع قُوىً .
وقوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ . قيل في التفسير إِنها أَخْذُ آلِ فِرعون بالسِّنِينَ ، وهو الجَدْب حتى ذهبت ثِمارُهم وذهب من أَهل البوادي مَواشِيهم . ومنها إِخراج موسى عليه السلام يدَه بيضاء للناظرين . ومنها إِلقاؤه عصاه فإِذا هي ثُعبان مبين . ومنها إِرسال الله تعالى عليهم الطوفان والجَراد والقُمَّلَ والضَّفادِعَ والدَّمَ . وانْفِلاقُ البحر . ومن آياته : انفجار الحجر » .
تَعِسَ
التَّعْسُ : أن لا ينتعش من العثرة ، وأن ينكسر في سفال ، وتَعِسَ تَعْساً وتَعْسَةً . قال تعالى : فَتَعْساً لَهُمْ . « محمد : 8 » .
--------------------------- 173 ---------------------------
ملاحظات
أصل تَعِسَ : بمعنى عثر ووقع على وجهه ، وأكثر ما يستعمل للدابة . ويستعمل في الدعاء على أحد ، تقول : تَعِسَ عبد الدينار والدرهم ، وتَعْساً ونَكْساً . والنكس أن يقوم من تعسته ثم يَتْعَس . « المصباح المنير / 75 » . قال الله تعالى : وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ . « محمّد : 8 » .
تَقْوَى
تاء تقوى مقلوب من الواو ، وذلك مذكور في بابه .
ملاحظات
التقوى : في مادة وَقَيَ ، وليس محلها هنا .
تَكَأ
المُتَّكَأ : المكان الذي يتكأ عليه ، والمخدَّة المتكأ عليها . وقوله تعالى : وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً « يوسف : 31 » أي أُتْرُجاً ، وقيل طعاماً متناولاً ، من قولك : إتكأ على كذا فأكله . قال تعالى : قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْها . « طه : 18 » مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ « الطور : 20 » عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ . « يس : 56 » مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ . « الواقعة : 16 » .
ملاحظات
التاء في تَكَأَ ليست أصلية ، فموضعها في وَكَأ . وقد عنون الراغب وَكَأ ، لكن اختصرها .
ولا يصح تفسيره وغيره للمتكأ بالطعام بل معنى الآية : هيأت لهن مجلساً ، وقدمت لهن فاكهة تقطع بالسكين ، ثم قالت ليوسف عليه السلام : أخرج عليهن .
تَلَّ
أصل التلِّ : المكان المرتفع . والتلِيل : العنق . وَتَلَّهُ لِلْجَبِين . « الصافات : 103 » : أسقطه على التل ، كقولك : تَرَّبَه : أسقطه على التراب . وقيل : أسقطه على تليله ، والمِتَّل : الرمح الذي يُتَلُّ به .
ملاحظات
خلط الراغب بين التل بمعنى الشد ، والتل بمعنى الربوة ، فتصور أن تله أسقطه على التل ! بينما معناه : شده وجذبه وأسقطه على وجهه . قال ابن فارس « 1 / 339 » : « والتلتلة : الإقلاق . وهو ذلك القياس . وأما ضده : فَتَلَّهُ أي صرعه وهذا جنس من المقابلة . والمُتِلُّ : الرمح الذي يُصْرَعُ به . قال الله تعالى : وَتَلَّهُ لِلْجَبِينْ » .
فتَلَّهُ بمعنى : شَدَّهُ شداً سريعاً ، وهو قريب من نَتَلَهُ . ولا علاقة له بالتل والتلة كما تصور . قال الخليل « 8 / 107 » : « تلَّ فلانٌ فلاناً : أي صرعه ، وما أسوأ تلته ، أي صَرْعَتَه . والتلتلة مثل الترترة في التحريك » . وروى البخاري « 3 / 100 » . « قال : فَتَلَّهُ رسول الله في يده » .
تَلَوَ
تَلَاهُ : تبعه متابعة ليس بينها ما ليس منها ، وذلك يكون تارة بالجسم ، وتارة بالاقتداء في الحكم . ومصدره : تُلُوٌّ وتُلْوٌ . وتارة بالقراءة وتدبر المعنى ومصدره : تِلَاوَة .
وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها . « الشمس : 2 » أراد به هاهنا الاتباع على سبيل الاقتداء والمرتبة ، وذلك أنه يقال : إن القمر هو يقتبس النور من الشمس ، وهو لها بمنزلة الخليفة ، وقيل : وعلى هذا نبه قوله : وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً . « الفرقان : 61 » فأخبر أن الشمس بمنزلة السراج ، والقمر بمنزلة النور المقتبس منه .
وعلى هذا قوله تعالى : جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً « يونس : 5 » والضياء أعلى مرتبة من النور ، إذ كل ضياء نور ، وليس كل نور ضياء . وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ . « هود : 17 » أي يقتدي به ويعمل بموجب قوله : يَتْلُونَ آياتِ الله . « آل عمران : 113 » .
والتلاوة : تختص باتباع كتب الله المنزلة ، تارة بالقراءة ، وتارة
--------------------------- 174 ---------------------------
بالإرتسام لما فيها من أمر ونهي وترغيب وترهيب . أو ما يتوهم فيه ذلك ، وهو أخصُّ من القراءة ، فكل تلاوة قراءة ، وليس كل قراءة تلاوة . لا يقال : تلوت رقعتك وإنما يقال في القرآن في شئ إذا قرأته وجب عليك اتباعه .
هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت « يونس : 30 » وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا « الأنفال : 31 » أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ إنا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ . « العنكبوت : 51 » قُلْ لَوْ شاءَ الله ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ . « يونس : 16 » وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً . « الأنفال : 2 » .
فهذا بالقراءة ، وكذلك : وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ « الكهف : 27 » وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحق « المائدة : 27 » فَالتالِياتِ ذِكْراً « الصافات : 3 » .
وأما قوله : يَتْلُونَهُ حق تِلاوَتِهِ « البقرة : 121 » فاتباع له بالعلم والعمل . ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ . « آل عمران : 58 » أي ننزله .
وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ . « البقرة : 102 » واستعمل فيه لفظ التلاوة لما كان يزعم الشيطان إن ما يتلونه من كتب الله .
والتلَاوَة والتلِيَّة : بقية مما يتلى ، أي يتبع . وأَتليته أي أبقيت منه تلاوة ، أي تركته قادراً على أن يتلوه . وأَتْلَيْتُ فلاناً على فلان بحق ، أي أحلته عليه .
ويقال : فلان يَتْلُو على فلان ويقول عليه ، أي يكذب عليه . قال : وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ « آل عمران : 75 » ويقال : لا دَرَى ولا تَلَا ، ولا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ . وأصله ولا تلوت فقلب للمزاوجة كما قيل : مأزورات غير مأجورات وإنما هو موزورات .
ملاحظات
1 . اشتبه الراغب فجعل تتلو بدل تبلو ، في قوله تعالى : هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ « يونس : 30 » . وأصرَّ على اشتباهه في مادة بَلِيَ فزعم أن تبلو قراءة ، والأصل تتلو !
قال : وقرئ : هُنالِكَ تَبْلُوا كل نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ . لكنه ذكر الآية بشكل صحيح في مادة : هُنَا .
أما قوله : فلان يَتْلُو على فلان ، أي يكذب عليه ! فهو في ذهنه ، ولا يوجد في العربية .
2 . تلاوة القرآن : قراءته ، وسُميت تلاوةً لأن الكلمة أو الآية منها تتلو ما قبلها . وهي مصطلح لقراءة القرآن لتمييزها عن قراءة غيره ، فيقال قرأ الرسالة ، وتلا القرآن .
وليس فيها دلالة على اتباع الذي يتلو للقرآن ، ولا على تدبره وفهمه ! فالعجب من الراغب وبعض اللغويين كيف جعلوا تلاوة القرآن بمعنى اتباعه ! وهم يقرؤون قوله تعالى لبني إسرائيل : أَتَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ . « البقرة : 44 » وقال تعالى : وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَئٍْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ « البقرة : 113 » فوبخهم لعدم اتباعهم الكتاب مع أنهم يتلونه !
نعم تلاوة الكتاب حق التلاوة تعني اتباعه ، قال تعالى : يَتْلُونَهُ حق تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ . « البقرة : 121 » .
ولعل الراغب أحس بخطأ اشتراط الاتباع في التلاوة فتهرب منه ، فقال : « والتلاوة تختص باتباع كتب الله المنزلة ، تارة بالقراءة ، وتارة بالإرتسام لما فيها من أمر ونهي ، وترغيب وترهيب » . فجعل القراءة بدون ارتسام نوعاً من الاتباع ! والصحيح أنها لا تتضمن اتَّباعاً .
3 . سبب تصورهم أن تلاوة القرآن تتضمن اتباعه ، أن التلاوة فيها تتابع الكلام ، فخلطوا بينه وبين اتباع القرآن . وبعض عباراتهم موهمة كقول ابن فارس « 1 / 351 » : « التاء واللام والواو : أصل واحد وهو الإتْبَاع . يقال تلوته إذا تَبِعْتَه . ومنه تلاوة القرآن لأنه يُتْبِعُ آيةً بعد آية » . وكان
--------------------------- 175 ---------------------------
يجب أن يقول : أتْبَعْتُهُ لا تَبِعْتُهُ .
4 . التلاوة بمعنى قراءة القرآن ابتكار إسلامي فلم أجدها في نص قبل الإسلام إلا في البشارة بالنبي صلى الله عليه وآله بأنه ستظهر على يديه التلاوة !
فقد رووا عن سطيح الكاهن قوله : « إذا غاضت بحيرة ساوة ، وظهرت بأرض تهامة التلاوة ، وظهر صاحب الهراوة ، فليست الشام لسطيح شاماً » . « الفائق : 2 / 19 » .
والظاهر أنها من جو المصطلح الإسلامي .
تَمَّ
تَمَام الشئ : انتهاؤه إلى حدٍّ لا يحتاج إلى شئ خارج عنه . والناقص : ما يحتاج إلى شئ خارج عنه ، ويقال ذلك للمعدود والممسوح . تقول : عدد تَامٌّ وليلٌ تام ، قال : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ . « الأنعام : 115 » والله مُتِمُّ نُورِهِ . « الصف : 8 » وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ . « الأعراف : 142 » .
ملاحظات
1 . تعريفه للتمام والنقص ضعيف . وهما متفاوتان في الأشياء والأشخاص والأمور ، ولا فرق بين المعدود وغيره . وقد وضح القرآن الفرق بينهما في قوله تعالى : وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ . « البقرة : 233 » .
وقال تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الآسْلامَ دِينًا . « المائدة : 3 » .
فالكمال يوصف به المركب الذي ينتفي وجوده بانتفاء جزئه ، كتبليغ الرسالة الذي ينتفي بعدم تبليغ رسالة واحدة منه : وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ . « المائدة : 67 » .
والتمام يوصف به المركب الذي لاينتفي بانتفاء جزئه ، كالرضاعة ، فالتام منها حولان وإن نقصت يوماً لم تتم ، لكنها تسمى رضاعة غير تامة . وسيأتي ذلك في كَمُلَ .
2 . استعمل القرآن التمام في كلمة الله عز وجل : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً . « الأنعام : 115 » وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ . « هود : 119 » وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ . « الأعراف : 137 » .
كما وعدَ عز وجل أن يتم نوره في الأرض : والله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . « الصف : 8 » .
ويستعمل التمام في إتمام نعمته على الناس : كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ . « النحل : 81 » .
وفي امتحان إبراهيم عليه السلام : وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ « البقرة : 124 » .
وفي دعاء المؤمنين يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا . « التحريم : 8 » .
وفي إتمام النعمة على يوسف عليه السلام : وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ « يوسف : 6 » .
وفي إتمام ميقات موسى عليه السلام : فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً . « الأعراف : 142 » .
وفي عقد موسى مع شعيب عليهما السلام : فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ . « القصص : 27 » .
وفي إيتاء موسى الكتاب : ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ . « الأنعام : 154 » .
وفي إتمام النعمة على المسلمين : وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ . « المائدة : 6 » . وَلأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ . « البقرة : 150 » .
وفي النعمة على نبينا صلى الله عليه وآله : وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ . « الفتح : 2 » .
وفي الرضاعة : حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ . « البقرة : 233 » .
وفي إتمام الصيام والحج والعهد : ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ . « البقرة : 187 » وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمَرَةَ للهِ . « البقرة : 176 » فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ . « التوبة : 4 » .
--------------------------- 176 ---------------------------
تَوْرَاة
التوراة : التاء فيه مقلوب ، وأصله من الورى وبناؤها عند الكوفيين : وَوْرَاة ، تَفْعِلَة ، وقال بعضهم : هي تَفْعَلَة نحو تَنْفَلَة . وليس في كلامهم تفعلة إسماً .
وعند البصريين وَوْرَاة ، هي فَوْعَلة نحو حَوْصَلَة . قال تعالى : إنا أَنْزَلْنَا التوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ « المائدة : 44 » ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التوْراةِ ، وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ . « الفتح : 29 » .
ملاحظات
1 . العجب من اللغويين أنهم يحاولون إشتقاق الكلمات غير العربية كالتوراة ، من أصل عربي ثم يتنازعون فيما يفترضونه من خيالهم !
قال ابن منظور « 15 / 398 » : « والتوْرَاةُ عند أَبي العباس تَفْعِلةٌ . وعند الفارسي فَوْعلة ، قال : لقلة تَفْعِلة في الأسماء وكثرة فَوْعلة .
وقد أجاد ابن فارس حيث لم يعتبرها أصلاً عربياً ، قال « 1 / 358 » : « التاء والواو والراء ليس أصلاً يعمل عليه » .
نعم ، قد يقال إن كثيراً من ألفاظ اللغة العربية والعبرية والبابلية والسريانية ، تشترك في أصولها ، وقيل إن التوْرَا بالعبرية : الشريعة وجمعها التوراة ، وقيل معناها بالعبرية : الإراءة والتعليم والتوجيه ، فقد تكون هي والإراءة في العربية من أصل واحد .
والذي أرجحه أن تكون من معنى التلاوة . لأن التلاوة مَرَّةً ومَثْنَاةً من أصول الكتاب الإلهي . وقد تقدم في المثناة ، وسيأتي في التين والطور ، ما ينفع في ذلك . وهو بحث تاريخي لغوي مهم .
تَارَةً
أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى . « الإسراء : 69 » وقال تعالى : وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى . « طه : 55 » أي مرَّة وكرَّة أخرى ، هو فيما قيل من تار الجرح : التأم .
ملاحظات
جعله الراغب من تار الجرح . وجعلها الخليل « 7 / 446 » من طورٍ بعد طور . وجعلها ابن منظور « 4 / 96 » بمعنى الحين .
تِينٌ
قال تعالى : وَالتينِ وَالزَّيْتُونِ . « التين : 1 » قيل : هما جبلان ، وقيل هما المأكولان . وتحقيق موردهما واختصاصهما يتعلق بما بعد هذا الكتاب .
ملاحظات
يقصد الراغب الكتاب الذي وعد بتأليفه في مقدمته قال : « وأُتْبِعُ هذا الكتاب . . بكتاب ينبئ عن تحقيق الألفاظ المترادفة » لكن الأجل لم يمهله لتأليفه .
وقد ورد التين في القرآن في هذه الآية فقط ، وسميت السورة : التين . والمعنى : أقسم لكم ببلاد التين والزيتون وطور سيناء ومكة ، وجهود الأنبياء عليهم السلام فيها لهداية الإنسان ، أنا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ، وجاهد أنبياؤنا لهدايته ، فاهتدى قسم وكذب آخرون ، فرددنا المكذبين أسفل سافلين .
فالمقصود فيها بلاد التين والزيتون وليس ثمرهما ، بقرينة المعطوف عليه والمقسم عليه ، وبدليل ما روي عن الإمام الكاظم عليه السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله تبارك وتعالى اختار من كل شئ أربعة : اختار من الملائكة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام . واختار من الأنبياء أربعة للسيف إبراهيم وداود وموسى وأنا . واختار من البيوتات أربعة فقال : إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ . واختار من البلدان أربعة فقال عز وجل : وَالتينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ . فالتين
--------------------------- 177 ---------------------------
المدينة ، والزيتون بيت المقدس ، وطور سينين الكوفة ، وهذا البلد الأمين مكة » . « الخصال / 225 » .
ونصت أحاديث أهل البيت عليهم السلام على أن اسم طور سينين أصله للكوفة . ومعناه أن إبراهيم وبنيه عليهم السلام سموا به طور سيناء في مهجرهم ، كما يسمي المهاجرون بأسماء مدن بلدهم الأصلي . والى الآن توجد منطقة قرب النجف تسمى الطارات .
ويساعد عليه أن إبراهيم عليه السلام رجع مع إسماعيل بعد هلاك نمرود إلى العراق . وقد تكون الطارات والطور لها علاقة بالتلاوة ، ثم سميت التوراة ، لأنها تستحق أن تتلى ، كما سمي القرآن ، لأنه يستحق أن يقرأ . وللبحث في ذلك مجال آخر .
تَوَبَ
التوْبُ : ترك الذنب على أجمل الوجوه وهو أبلغ وجوه الاعتذار ، فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه : إما أن يقول المعتذر : لم أفعل ، أو يقول : فعلت لأجل كذا ، أو فعلت وأسأت وقد أقلعت ، ولارابع لذلك . وهذا الأخير هو التوبة . والتوْبَةُ في الشرع : ترك الذنب لقبحه والندم على ما فرط منه ، والعزيمة على ترك المعاودة ، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالأعمال بالإعادة ، فمتى اجتمعت هذه الأربع ، فقد كملت شرائط التوبة .
وتاب إلى الله : فَذِكْرُ إلى الله يقتضي الإنابة نحو : فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ . « البقرة : 54 » وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعاً . « النور : 31 » أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى الله . « المائدة : 74 »
وتَابَ الله عليه ، أي قبل توبته ، منه : لَقَدْ تابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ . « التوبة : 117 » ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا . « التوبة : 118 » فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفاعَنْكُمْ . « البقرة : 187 » .
والتائب : يقال لباذل التوبة ولقابل التوبة ، فالعبد تائب إلى الله ، والله تائب على عبده .
والتوَّاب : العبد الكثير التوبة ، وذلك بتركه كل وقت بعض الذنوب على الترتيب حتى يصير تاركاً لجميعه . وقد يقال ذلك لله تعالى ، لكثرة قبوله توبة العباد حالاً بعد حال .
وقوله : وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإنهُ يَتُوبُ إِلَى الله مَتاباً . « الفرقان : 71 » أي التوبة التامة ، وهو الجمع بين ترك القبيح وتحري الجميل . عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ . « الرعد : 30 » إنهُ هُوَ التوَّابُ الرَّحِيمُ . « البقرة : 54 » .
ملاحظات
1 . قال ابن منظور « 1 / 233 » : « رَجل تَوَّابٌ : تائِبٌ إلى الله . والله تَوّابٌ : يَتُوبُ علَى عَبْدِه .
وقوله تعالى : غافِرِ الذَّنْبِ وقابِلِ التوْب . يجوز أَن يكون عَنَى به المَصْدَرَ كالقَول ، وأَن يكون جمع تَوْبةٍ كَلَوْزةٍ ولَوْزٍ ، وهو مذهب المبرد .
وقوله تعالى : وتُوبُوا إلى الله جَمِيعاً . أَي عُودُوا إلى طَاعتِه وأَنيبُوا إليه . والله التوَّابُ : يَتُوبُ على عَبْدِه بفَضْله إذا تابَ إليه من ذَنْبه . واسْتَتَبْتُ فُلاناً : عَرَضْتُ عليه التوْبَةَ مما اقْتَرَف أَي الرُّجُوعَ والنَّدَمَ » .
2 . التوبة في القرآن موضوع مهم ، لأن القرآن كتاب دعوة إلى الله تعالى ، والتوبة هي الرجوع إلى الله تعالى من الكفر أو المعصية .
وقد استعملها القرآن أكثر من ثمانين مرة ، شملت : أصول نظام التوبة . والدعوة إليها . ووجوبها . وكيفيتها . وشروطها . وأنواع التائبين وحالاتهم . وتعامل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله والمؤمنين معهم . ونتائج التوبة .
3 . يظهر من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام أن التوبة فعلٌ نفسي وإن ترتب عليه فعل بدني . فقد روى
--------------------------- 178 ---------------------------
الصدوق في كتابه التوحيد / 408 ، قول النبي صلى الله عليه وآله : « كفى بالندم توبة . وقال صلى الله عليه وآله : من سرته حسنته وساءته سيئة فهو مؤمن ، فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ، ولم تجب له الشفاعة ، وكان ظالماً » .
وعليه ، فكل ما ورد من عمل في التوبة والتائب فهو من توابع التوبة ، وأحياناً من شروط قبولها .
التِّيهُ
يقال : تَاهَ يَتِيهُ : إذا تحيَّر ، وتاه يَتُوهُ لغةٌ في تاهَ يتيه . وفي قصة بني إسرائيل : أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ . « المائدة : 26 » . وتَوَّهَهُ وتَيَّهَهُ : إذا حيَّره وطرحه . ووقع في التيهِ والتوه ، أي في مواضع الحيرة . ومفازة تَيْهَاء : تحيَّر سالكوها .
ملاحظات
استعمل القرآن كلمة يتيهون مرة واحدة ، في تيه بني إسرائيل في سيناء ، فقال : قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَاسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ . « المائدة : 26 »
ورويَ عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال : « فلما أبَوْا أن يدخلوها حرمها الله عليهم فتاهوا في أربع فراسخ أربعين سنة يتيهون في الأرض . ونَزَّل عليهم المن والسلوى . وكان معهم حَجَرٌ إذا نزلوا ضربه موسى عليه السلام بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ، لكل سبط عين . فإذا ارتحلوا رجع الماء إلى الحجر ، ووضع الحجر على الدابة » ! « البرهان : 2 / 266 » .
التاءَات
التاء في أول الكلمة للقسم ، نحو : تَ الله لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ . « الأنبياء : 57 » وللمخاطب في الفعل المستقبل نحو : تُكْرِهُ النَّاسَ . « يونس : 99 » وللتأنيث نحو : تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ . « فصلت : 30 » .
وفي آخر الكلمة تكون : إما زائدة للتأنيث ، فتصير في الوقف هاء نحو : قائمهْ . أو تكون ثابتة في الوقف والوصل ، وذلك في أخت وبنت . أو تكون في الجمع مع الألف ، نحو مسلمات ومؤمنات .
وفي آخر الفعل الماضي لضمير المتكلم ، نحو قوله تعالى : وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً « المدثر : 12 » أو للمخاطب مفتوحاً نحو : أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ . « الفاتحة : 7 » ولضمير المخاطبة مكسوراً ، نحو : لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا . « مريم : 27 » . والله أعلم .
ملاحظات
قال ابن هشام في المغني « 1 / 115 » : « التاء المفردة : محركةٌ في أوائل الأسماء ومحركةٌ في أواخرها ، ومحركةٌ في أواخر الأفعال ، ومسكنةٌ في أواخرها .
فالمحركة في أوائل الأسماء : حرف جر ، معناه القسم ، وتختص بالتعجب وباسم الله تعالى .
والمحركة في أواخرها : حرف خطاب نحو أنتَ وأنتِ .
والمحركة في أواخر الأفعال : ضمير نحو قمتُ وقمتَ وقمتِ .
والتاء الساكنة في أواخر الأفعال : حرف وضع علامة للتأنيث كقامت ، وربما وصلت هذه التاء بثم ورب ، والأكثر تحريكها معهما بالفتح » .
تم كتاب التاء
--------------------------- 179 ---------------------------
--------------------------- 180 ---------------------------
كتاب الثاء وما يتصل بها
ث
ثَبَتَ
الثَّبَات : ضد الزوال ، يقال : ثَبَتَ يَثْبُتُ ثَبَاتاً ، قال الله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا . « الأنفال : 45 » ورجل ثَبْتٌ وثَبِيتٌ في الحرب . وأَثْبَتَهُ السقم . ويقال ذلك للموجود بالبصر أو البصيرة ، فيقال : فلان ثَابِت عندي . ونُبُوَّةُ النبي صلى الله عليه وآله ثابتة .
والإثبات والتثْبِيت : تارة يقال بالفعل ، فيقال لما يخرج من العدم إلى الوجود ، نحو : أثبت الله كذا .
وتارة لما يثبت بالحكم فيقال : أثبت الحاكم على فلان كذا وثبَّته . وتارة لما يكون بالقول ، سواء كان ذلك صدقاً منه أو كذباً ، فيقال : أثبت التوحيد وصدق النبوة ، وفلان أثبت مع الله إلهاً آخر .
وقوله تعالى : لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ . « الأنفال : 30 » أي يُثَبِّطُوكَ ويحيروك .
وقوله تعالى : يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا . « إبراهيم : 27 » أي يقويهم بالحجج القوية .
وقوله تعالى : وَلَوْ أنهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً . « النساء : 66 » أي أشد لتحصيل علمهم .
وقيل : أثبت لأعمالهم واجتناء ثمرة أفعالهم ، وأن يكونوا بخلاف من قال فيهم : وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً . يقال : ثبَّتُّهُ ، أي قوَّيته ، قال الله تعالى : وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ . « الإسراء : 74 » . وقال : فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا . « الأنفال : 12 » وقال : وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ . « البقرة : 265 » وقال : وَثَبِّتْ أَقْدامَنا . « البقرة : 250 » .
ملاحظات
1 . تعريفه الثبات بأنه ضد الزوال ، ضعيف . وليته أبقى تعريف ابن فارس بأنه : الدوام . وتفسيره ليثبتوك في
--------------------------- 181 ---------------------------
الآية بيُثَبِّطُوكَ ويحيروك ، لا يصح ، بل معناه ليُثْبِتُوكَ جريحاً ، فإن أثبته إذا أطلقت كانت بمعنى جَرَحَهُ وَأَقْعَدَهُ ، إلا إذا وجدت قرينة صارفة ، كقولك : أثبته وثاقاً .
وكذلك قولك همَّ بزيد ، معناه أراد أن يبطش به ، إلا إذا وجدت قرينة صارفة ، مثل : وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ : أرادته لنفسها وهي قرينة المقام . أما هَمَّ بِهَا فتبقى بمعنى البطش لعدم وجود قرينة تصرفها عن معناها . قال الجوهري « 1 / 245 » : « لِيُثْبِتُوكَ ، أي يجرحوك جراحة لا تقوم معها » .
كما أن تفسير الراغب لقوله تعالى : وَلَوْ أنهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً . بأن معناه : أشد لتحصيل علمهم . لا يصح .
وقد تحير فيه المفسرون وذكر الطبري عدداً من أقوالهم في تفسيره « 3 / 96 » فأخذ الراغب منها ما رآه أنسب ، وكلها غير مقنع !
ويظهر أن تركيب : تَثْبِيتاً من أَنفسهم ، جديدٌ على علماء اللغة ، ويتوقف فهمه على تعيين متعلق الجار والمجرور . والصحيح أن مِن بمعنى اللام والمعنى : ينفقون ليُثَبِّتُوا أنفسهم على الإيمان لأن الإنفاق دليل على الصدق فيه . فالجار والمجرور متعلق بتثبيتاً .
وقد احتمله العكبري في تفسيره « 1 / 113 » فقال : يجوز أن تكون من بمعنى اللام : أي تثبيتاً لأنفسهم ، كما تقول : فعلت ذلك كسراً من شهوتي » .
وذكر ابن هشام في المغني « 1 / 321 » مجئ مِن بمعنى الباء ، وفي ، وعند ، لكنه لم يذكر مجيئها بمعنى اللام . ولا عجب فإن النحويين لم يستقرئوا اللغة استقراءً تاماً ، فهذا فعل بَقِيَ فيه كل صفات كان النحوية ، ولم يذكروه في أخواتها !
2 . وقد ورد الثبات في القرآن في خمس آيات :
في الشجرة الطيبة : كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ . « إبراهيم : 24 » .
وفي المحو والإثبات : يَمْحُواْ الله مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ . « الرعد : 39 » .
وفي الثبات في الحرب : إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا . « الأنفال : 45 » . وفي ثبات القدم في الإيمان : فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا . « النحل : 94 » .
ويتصل بمعنى هذه الآية قول تعالى : يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ الله وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ . « البقرة : 265 » .
واستعمل التثبيت في ثلاث عشرة آية :
منها : في تثبيت الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله : وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ . « هود : 120 » .
ومنها : في تثبيت الله عز وجل للمؤمنين : يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ . « إبراهيم : 27 » . وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ . « الأنفال : 11 » . إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا . « الأنفال : 12 » .
ومنها الأعمال التي توجب تثبيت الإيمان : يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ الله وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ . « البقرة : 265 » لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا . « النساء : 66 » .
ثَبَرَ
الثُّبُور : الهلاك والفساد . المُثَابِر على الإتيان : أي المواظب ، من قولهم : ثَابَرْتُ .
قال تعالى : دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً « الفرقان : 13 » .
وقوله تعالى : وَإني لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً . « الإسراء : 102 » قال ابن عباس رضي الله عنه : يعني ناقص العقل ، ونقصان العقل أعظم هُلْكٍ . وثَبِيرٌ جبل بمكة .
--------------------------- 182 ---------------------------
ملاحظات
أجاد ابن فارس في شرح الثبور فقال « 1 / 400 » : « أصول ثلاثة : الأول السهولة . والثاني الهلاك . والثالث المواظبة على الشئ . فالأرض السهلة هي الثبرة . قال ابن دريد : والثَّبْرَةُ تراب شبيه بالنورة ، إذا بلغ عرق النخلة إليه وقف ، فيقولون بلغت النخلة ثَبْرَةً من الأرض .
وثبير : جبل معروف . ورجل مثبور هالك . وفي كتاب الله تعالى : دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا » .
ثَبَطَ
قال الله تعالى : فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ . « التوبة : 46 » حبسهم وشغلهم ، يقال : ثَبَّطَه المرض وأَثْبَطَه : إذا حبسه ومنعه ولم يكد يفارقه .
ملاحظات
لم يُعَرِّفِ الراغب التثبيط ، وذكر منه ثبَّطه المرض بمعنى حبسه ومنعه ، وكأنه يرى أن التثبيط المنع .
وعرفه الخليل « 7 / 412 » وغيره بأنه إشغال الإنسان عن فعل . وفسروا التعويق بالتثبيط . « لسان العرب : 10 / 280 » وهو الصحيح لأن التثبيط يكون بأساليب كالإشغال والحبس والمنع . قال ابن منظور « 7 / 267 » : « وفي الحديث : كانت سَوْدةُ امرأَةً ثَبِطةً أَي ثقِيلة بَطِيئةً ، من التثْبِيطِ وهو التعْوِيقُ والشَّغْلُ عن المُراد » .
ثُبَا
قال تعالى : فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً . « النساء : 71 » هي جمَعْ ُثُبَة ، أي جماعة منفردة ، قال الشاعر : وقد أَغدو على ثُبَةٍ كرامِ
ومنه : ثَبَّيْتُ على فلان ، أي ذكرت متفرَّق محاسنه . ويصغر ثُبَيَّة ، ويجمع على ثُبَاتٍ وثُبِين ، والمحذوف منه اللام .
وأما ثُبَةُ الحوض فوسطه الذي يثوب إليه الماء ، والمحذوف منه عينه لا لامه .
ملاحظات
وردت هذه المادة في القرآن مرة واحدة ، واتفق المفسرون على أن معناها جماعات متفرقة .
قال ابن منظور « 1 / 244 » : « الثُّباتُ جَماعاتٌ في تَفْرِقةٍ ، وكلُّ فِرْقةٍ ثُبةٌ ، وهذا من ثابَ » .
أما قول الراغب : ثَبَّيْتُ على فلان ، أي ذكرت متفرَّق محاسنه ، فلم يذكروا عليه شاهداً من شعر العرب ، فهو محل شك ، مضافاً إلى أنه نشازٌ في لفظه ومعناه .
ثَجَّ
يقال : ثَجَّ الماء ، وأتى الوادي بِثَجِيجِه . قال الله تعالى : وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا . « النبأ : 14 » وفي الحديث : أفضل الحج العَجُّ والثَّجُّ . أي رفع الصوت بالتلبية ، وإسالة دم الهدي .
ثَخَنَ
يقال ثَخُنَ الشئ فهو ثَخِين : إذا غلظ فلم يسل ، ولم يستمر في ذهابه . ومنه استعير قولهم : أَثْخَنْتُهُ ضرباً واستخفافاً . قال الله تعالى : ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ . « الأنفال : 67 » حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ . « محمد : 4 » .
ملاحظات
وردت هذه المادة في آيتين وتخبط اللغويون والفقهاء والمحدثون في معنى الإثخان ، لأنها ارتبطت بأسرى بدر ، وزعموا أن عمر كان رأيه صواباً فوافقه الله تعالى ، ونزل الوحي مؤيداً له ومخطئاً للنبي صلى الله عليه وآله لأنه أخذ الأسرى من قريش قبل أن يثخن في الأرض !
فهل معنى الإثخان في الأرض : السفر ، أو جرح العدو ، أو قتله . وهل حُذف تمييز الإثخان إرادةً لإطلاقه ، فصار مطلقاً يشمل كل إثخان ؟
--------------------------- 183 ---------------------------
قال الراغب وتبعه صاحب الميزان « 9 / 134 » إن الإثخان هو أن يصير الدين قوياً ثخيناً جامداً ، بعد أن كان ضعيفاً سائلاً ! وهو قول لا يستقيم ، وهو يستلزم الطعن في النبي صلى الله عليه وآله لأن أخذ الأسرى قبل أن يَثْخُنَ الدين وينتصر المسلمون في الأحزاب أو بعدها !
والتفسير الصحيح للآية : أن الإثخان يعني مواصلة الحرب والقتل ، لكن لما انهزمت قريش في بدر ، تبعهم صحابةٌ وأكثرهم كانوا خلف صف القتال ، بدون أمر النبي صلى الله عليه وآله ليأسروا منهم ويربحوا فديتهم ! فالخطأ منهم وليس من النبي صلى الله عليه وآله .
قال المفيد في المسائل العكبرية / 109 : « ولم يكن منه صلى الله عليه وآله في الأسرى ذنب عوتب عليه ، وإنما كان ذلك من أصحابه الذين أسروا بغير علمه وكفوا عن القتال طمعاً في الفداء » . راجع : ألف سؤال وإشكال « 2 / 221 » .
ثَرِبَ
التثْرِيب : التقريع والتقرير بالذنب . قال تعالى : لاتَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ « يوسف : 92 » .
وروي : إذا زنت أمَةُ أحدكم فليجلدها ولايثرِّبها . ولا يعرف من لفظه إلا قولهم : الثَّرْبُ ، وهو شحمة رقيقة .
وقوله تعالى : يا أَهْلَ يَثْرِبَ . « الأحزاب : 13 » أي أهل المدينة ، يصح أن يكون أصله من هذا الباب . والياء تكون فيه زائدة .
ملاحظات
قال ابن فارس « 1 / 375 » : « كلمتان متباينتا الأصل لا فروع لهما . فالتثريب اللوم والأخذ على الذنب . . والآخر : الثَّرْب وهو شحم قد غشي الكرش والأمعاء رقيق ، والجمع ثُرُوب » .
وهذا هو الصحيح ، ولا علاقة لمدينة يثرب بهما ، وقد تكون إسماً غير عربي .
ثَعَبَ
قال عز وجل : فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ . « الأعراف : 107 » يجوز أن يكون سمي بذلك من قوله : ثَعَبْتُ الماء فَانْثَعَبَ ، أي فجَّرته وأَسَلْتُهُ فسال ، ومنه : ثَعَبَ المطر . والثُّعْبَة : ضربٌ من الوزغ وجمعها ثُعَبٌ ، كأنه شُبِّه بالثعبان في هيئته فاختصرلفظه من لفظه ، لكونه مختصراً منه في الهيئة .
ملاحظات
تبع الراغب ابن فارس « 1 / 378 » فاحتمل أن يكون أصلها من ثَعَب الماء أي جرى لأنه ينساب كالماء . لكنه عكسه محتمل أيضاً . قال ابن منظور « 1 / 136 » : « وفي الحديث : يجئُ الشَّهيدُ يومَ القيامةِ وجُرْحُه يَثْعَبُ دَماً ، أَي يَجْري . والمَثْعَبُ : بالفتح واحد مَثاعِبِ الحِياضِ .
والثُّعْبانُ : الحَيَّةُ الضَّخْمُ الطويلُ الذكرُ خاصّةً .
وقوله تعالى : فأَلْقَى عَصاه فإذا هي ثُعْبانٌ مُبِينٌ . . وفي موضع آخر : تَهْتَزُّ كأَنها جانٌّ . والجانُّ الصغيرُ من الحيَّات » .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام كما في الخصال / 624 : « ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً . حوضنا مترعٌ ، فيه مثعبان يَنْصَبَّانِ من الجنة : أحدهما من تسنيم ، والآخر من معين ، على حافتيه الزعفران ، وحصاه اللؤلؤ والياقوت . وهو الكوثر » .
ثَقَبَ
الثَّاقِب : المضئ الذي يثقب بنوره وإضاءته ما يقع عليه . قال الله تعالى : فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ . « الصافات : 10 » وقال تعالى : وَما أَدْراكَ مَا الطارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ « الطارق : 2 » وأصله من الثُّقْبَة . والمَثْقَبُ : الطريق في الجبل ، كأنه قد ثقب .
وقال أبو عمرو : والصحيح المِثْقَب . وقالوا : ثَقَبْتُ النار ، أي ذكَيتها .
--------------------------- 184 ---------------------------
ملاحظات
ورد لفظ الثاقب في آيتين : صفةً للنجم ، وصفةً للشهاب الذي يُرمى به الجن . ونص اللغويون على أن الثاقب اسم فاعل من ثَقَبَ أي خَرَقَ ، فالنجم الثاقب يثقب بنوره كما قال الراغب ، أو بنفسه ، فبعض النجوم تثقب أجواء الكون بنفسها . وكذا الشهاب الذي يرمى به الجن ، بنفسه أو بأشعته الحارقة .
ثَقِفَ
الثَّقْفُ : الحذق في إدراك الشئ وفعله ، ومنه قيل : رجل ثَقِفٌ ، أي حاذق في إدراك الشئ وفعله . ومنه استعير المُثَاقَفَة . ورمح مُثَقَّف : أي مقوَّم . وما يُثَقَّفُ به : الثِّقَاف . ويقال : ثَقِفْتُ كذا : إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر . ثم يُتَجَوَّز به فيستعمل في الإدراك وإن لم تكن معه ثِقَافَة .
قال الله تعالى : وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ « البقرة : 19 » وقال عز وجل : فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ « الأنفال : 57 » وقال عز وجل : مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا . « الأحزاب : 61 » .
ملاحظات
قال الخليل « 5 / 139 » : « قال أعرابي : إني لَثَقِفٌ لَقِفٌ رَاوٍ رَامٍ شاعر . وثَفَقْتُ فلاناً في موضع كذا : أي أخذناه ثقفاً . وقَلْبٌ ثَقِفٌ : أي سريع التعلم والتفهم » .
وقال ابن فارس « 1 / 382 » : « يقال ثقفت به : إذا ظفرت به . فإن قيل : فما وجه قرب هذا من الأول ؟ قيل له : أليس إذا ثقفه فقد أمسكه . وكذلك الظافر بالشئ يمسكه ، فالقياس بأخذهما مأخذاً واحداً » .
فأصل الثقافة : المهارة وتعديل العِوَج . استعملت في مهارة الإمساك بالعدو ، فمعنى قوله تعالى : فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ، حيث تمكنتم بمهارتكم من الإمساك بهم .
وفي عصرنا استعملت الثقافة بمعنى المهارات وكافة العناصر التعليمية والفنية والأخلاقية ، للمجتمع أو لشخص . بل صارت بمعنى معالم المدنية والحضارة .
ثَقُلَ
الثِّقْلُ والخِفَّةُ متقابلان ، فكل ما يترجح على ما يوزن به أو يقدَّر به يقال : هو ثَقِيل .
وأصله في الأجسام ، ثم يقال في المعاني نحو : أَثْقَلَه الغرم والوزر . قال الله تعالى : أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ . « الطور : 40 » . والثقيل في الإنسان يستعمل تارة في الذم ، وهو أكثر في التعارف وتارة في المدح نحو قول الشاعر :
تخفُّ الأرضُ إذْ ما زلتَ عنها
وتبقى ما بقيتَ بها ثقيلا
حللتَ بمستقرِّ العِزِّ منها
فتمنعُ جانبيها أن تميلا
ويقال : في أذنه ثِقل : إذا لم يَجُد سمعه ، كما يقال في أذنه خفة : إذا جَادَ سمعه ، كأنه يثقل عن قبول ما يلقى إليه . وقد يقال : ثَقُلَ القول إذا لم يطب سماعه ، ولذلك قال في صفة يوم القيامة : ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ . « الأعراف : 187 » .
وقوله تعالى : وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها . « الزلزلة : 2 » قيل كنوزها ، وقيل ما تضمنته من أجساد البشر عند الحشر والبعث .
وقال تعالى : وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ . « النحل : 7 » أي أحمالكم الثقيلة . وقال عز وجل : وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ « العنكبوت : 13 » أي آثامهم التي تثقلهم وتثبطهم عن الثواب كقوله تعالى : لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ . « النحل : 25 » .
وقوله عز وجل : إنْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا . « التوبة : 41 » قيل :
--------------------------- 185 ---------------------------
شُبَّاناً وشيوخاً . وقيل فقراء وأغنياء ، وقيل غرباء ومستوطنين ، وقيل نُشُّاطاً وكسالى .
وكل ذلك يدخل في عمومها ، فإن القصد بالآية الحثُّ على النفر على كل حال ، تَصْعُبُ أو تَسْهُل .
والمِثْقَال : ما يوزن به وهو من الثقل ، وذلك اسم لكل سَنْج « حجر الميزان » قال تعالى : وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ . « الأنبياء : 47 »
وقال تعالى : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ . « الزلزلة : 7 » .
وقوله تعالى : فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ . « القارعة : 6 » فإشارة إلى كثرة الخيرات . وقوله تعالى : وأما مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ . « القارعة : 8 » فإشارة إلى قلة الخيرات .
والثقيل والخفيف يستعمل على وجهين : أحدهما : على سبيل المضايفة ، وهو أن لا يقال لشئ ثقيل أو خفيف إلا باعتباره بغيره ، ولهذا يصح للشئ الواحد أن يقال خفيف إذا اعتبرته بما هو أثقل منه ، وثقيل إذا اعتبرته بما هو أخف منه ، وعلى هذه الآية المتقدمة آنفاً .
والثاني : أن يستعمل الثقيل في الأجسام المرجَّحة إلى أسفل كالحجر والمدر ، والخفيف يقال في الأجسام المائلة إلى الصعود كالنار والدخان ، ومن هذا الثقل قوله تعالى : إثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ . « التوبة : 38 » .
ملاحظات
استعمل القرآن زبدة ألفاظ هذه المادة كعادته . فاستعمل للقيامة : ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ « الأعراف 187 » وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلاً .
ولحساب يوم القيامة : مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ . و : مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ .
وللوحي المنزل على رسوله عليه السلام : إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً .
ووصفاً للسحاب : وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ .
ووصفاً للمقصرين في النفر للجهاد : مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ الله اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ . إنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا .
ووصفاً للذنوب : وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ .
ووصفاً للنفس المثقلة بالذنوب : وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَئٌ .
وللمُثقلين من الضريبة المالية : أَمْ تَسْئلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ .
واستعمل الثقلين للإنس والجن : سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ .
والأثقال لأسباب المعيشة : وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ .
ولأجساد الموتى : وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا .
واستعمل المثقال لدقة علم الله تعالى : وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ .
وللوزن يوم القيامة : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .
وأشهر استعمالات هذه المادة في السنة وصية النبي صلى الله عليه وآله لأمته بالثقلين : إني تاركٌ فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي عليهم السلام أي الثقيلين في قدرهما ومسؤوليتهما .
ثَلَثَ
الثَّلَاثَة والثَّلَاثُون والثَّلَاث والثَّلَاثُ مِائَة وثَلَاثَة آلاف ، والثُّلُثُ والثُّلُثَان .
قال عز وجل : فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ . « النساء : 11 » أي أحد أجزائه الثلاثة ، والجمع أَثْلَاث ، قال تعالى : وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً . « الأعراف : 142 » .
وقال عز وجل : ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ . «
--------------------------- 186 ---------------------------
المجادلة : 7 » وقال تعالى : ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ « النور : 58 » أي ثلاثة أوقات العورة .
وقال عز وجل : وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ « الكهف : 25 » . وقال تعالى : بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ . « آل عمران : 124 » .
وقال تعالى : إن رَبَّكَ يَعْلَمُ إنكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ . « المزمل : 20 » . وقال عز وجل : مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ . « فاطر : 1 » أي اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة .
وثَلَّثْتُ الشئ : جزَّأته أثلاثاً . وثَلَّثْتُ القوم : أخذت ثلث أموالهم . وأَثْلَثْتُهُمْ : صرت ثالثهم أو ثلثهم . وأَثْلَثْتُ الدراهم فأثلثت هي ، وأَثْلَثَ القوم : صاروا ثلاثة .
وحبل مَثْلُوث : مفتول على ثلاثة قوى . ورجل مَثْلُوث : أخذ ثلث ماله . وثَلَّثَ الفرس وربَّع جاء ثالثاً ورابعاً في السباق .
ويقال : أَثَلَاثَةٌ وثلاثون عندك أو ثلاث وثلاثون ؟ كناية عن الرجال والنساء ، وجاؤوا ثُلَاثَ ومَثْلَثَ ، أي ثلاثة ثلاثة . وناقة ثَلُوث : تحلب من ثلاثة أخلاف .
والثَّلَاثَاء والأربعاء من الأيام ، جعل الألف فيهما بدلاً من الهاء ، نحو : حسنة وحسناء ، فخصَّ اللفظ باليوم . وحكي : ثَلَّثْتُ الشئ تَثْلِيثاً : جعلته على ثلاثة أجزاء . وثَلَّثَ البُسْر : إذا بلغ الرطب ثلثيه . وثَلَّثَ العنب : أدرك ثلثاه . وثوب ثُلَاثِيٌّ : طوله ثلاثة أذرع .
ثَلَّ
الثَّلَّة : قطعةٌ مجتمعة من الصوف ، ولذلك قيل للمقيم ثَلَّة . ولاعتبار الاجتماع قيل : ثُلَّةٌ مِنَ الأولينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ . « الواقعة : 39 » أي جماعة . وثَلَّلْتُ كذا : تناولتُ ثُلَّةً منه .
وثَلَّ عرشه : أسقط ثُلَّةً منه . والثَّلَل : قِصَرُ الأسنان لسقوط ثلة منها . وأثلَّ فمه : سقطت أسنانه . وتثللت الركية : أي تهدَّمت .
ملاحظات
لم يذكر الراغب اشتقاق ثَلَّ لأنه غير معلوم ، وقال ابن فارس « 1 / 368 » : « أصلان متباينان : أحدهما ، التجمع . والآخر ، السقوط والهدم والذل » .
وقال الخليل « 8 / 115 » : « والثُّلَّة : قطيع من الغنم غير كثير . والثُّلَّة : جماعة من الناس كثيرة » .
أقول : لا تدل الثُّلَّة بذاتها على كثرة أو قلة ، فهي مثل قسم وبعض وجماعة ، يعرف كبرها وصغرها من غيرها .
ثَمَدَ
ثَمُود : قيل هو أعجمي ، وقيل هو عربي وتُرك صرفه لكونه اسم قبيلة أو أرض . ومن صرفه جعله اسم حيٍّ أو أب ، لأنه يذكر فعول من الثَّمَد ، وهو الماء القليل الذي لا مادّة له . ومنه قيل : فلان مَثْمُود ، ثَمَدَتْهُ النساء : أي قطعن مادة مائه لكثرة غشيانه لهن .
ومَثْمُود : إذا كثر عليه السُّؤال حتى فقد مادة ماله .
ملاحظات
الثَّمَد : الماء القليل والوشْل . وقد جعله ابن فارس يشمل غير الماء أيضاً . « 1 / 388 » . والثماد : الرمل أو التراب الذي فيه الثمد .
قال الإمام الباقر عليه السلام يصف علماء السلطة « الكافي : 1 / 122 » : « يَمُصُّونَ الثَّماد ويَدَعُونَ النهر العظيم ! قيل له : وما النهر العظيم ؟ قال : رسول الله صلى الله عليه وآله والعلم الذي أعطاه الله . إن الله عز وجل جمع لمحمد صلى الله عليه وآله سنن النبيين من آدم وهلمَّ جَرّاً إلى محمد صلى الله عليه وآله . قيل له : وما تلك السنن ؟ قال : علم النبيين عليهم السلام بأسره ، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله صَيَّرَ ذلك كله عند أمير المؤمنين عليه السلام » .
2 . ذُكرت ثمود في القرآن بضعاً وعشرين مرة . « وهم قبيلة من العرب الأولى ، وهم قوم صالح » « الصحاح : 2 / 451 » .
--------------------------- 187 ---------------------------
وقال بعض النسابة : ثمودٌ من عاد . « الصحاح : 2 / 636 » ومنازلهم في الحِجْر ، وتقع بين الشام والحجاز عند وادي القرى . « الصحاح : 2 / 624 » .
وأحمر ثمود : لقب قدار بن سالف ، عاقر ناقة صالح عليه السلام « الصحاح : 2 / 636 » .
وكانت العرب تتداول معلومات عن تاريخ عاد وثمود ، وأنهما حضارتان طغتا ، فأهلكهما الله تعالى ، فكان تهديد القرآن للعرب بعقوبة ثمود مؤثراً فيهم . رويَ أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال له : « يا محمد أنشدني من شعرك ، قال : ما هو شعر ولكنه كلام الله الذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه . فقال : أُتْلُ عليَّ منه شيئاً ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله : حم السجدة ، فلما بلغ قوله : فَإِنْ أَعْرَضُوا ، يا محمد أعني قريشاً ، فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ . قال : فاقشعر الوليد وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته ، ومر إلى بيته ولم يرجع إلى قريش » . « تفسير القمي : 2 / 394 » .
ثَمَرٌ
الثَّمَرُ : اسم لكل ما يُتطعم من أحمال الشجر ، الواحدة ثَمَرَة ، والجمع : ثِمَار وثَمَرَات ، كقوله تعالى : أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ « البقرة : 22 » وقوله تعالى : وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالإعنابِ . « النحل : 67 » وقوله تعالى : أنْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ . « الأنعام : 99 » وقوله تعالى : وَمِنْ كل الثَّمَراتِ « الرعد : 3 » .
والثَّمَر : قيل هو الثِّمَار ، وقيل هو جمعه . ويكنَّى به عن المال المستفاد . وعلى ذلك حمل ابن عباس : وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ « الكهف : 34 » .
ويقال : ثَمَّرَ الله ماله ، ويقال لكل نفع يصدر عن شئ : ثَمَرَة ، كقولك : ثمرة العلم العمل الصالح ، وثمرة العمل الصالح الجنة .
وثمرة السوط : عُقدة أطرافها ، تشبيهاً بالثمر في الهيئة ، والتدلي عنه كتدلي الثمر عن الشجر .
والثَّمِيرَة من اللبن : ما تحبب من الزُّبد تشبيهاً بالثمر في الهيئة ، وفي التحصيل من اللبن .
ملاحظات
عَرَّفَ الخليل الثمر « 8 / 223 » بأنه : حِمْل الشجر ، وعرفه الراغب بأنه ما يؤكل من أحمال الشجر . لكنه أعم منهما لأنه يوجد ثمر لا يؤكل ، وثمر على غير الشجر ، وقد سمى الله رحيق الزهور ثمراً فقال تعالى للنحل : ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ .
ثُمَّ
ثُمَّ : حرف عطف يقتضي تأخر ما بعده عما قبله ، إما تأخيراً بالذات أو بالمرتبة أو بالوضع ، حسبما ذكر في قبل وفي أول . قال تعالى : أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا . « يونس : 51 » وقال عز وجل : ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ . « البقرة : 52 » وأشباهه .
وثُمَامَة : شجر . وثَمَّتِ الشاةُ : إذا رعتها ، نحو شَجَّرَت إذا رعت الشجر . ثم يقال في غيرها من النبات .
وثَمَمْتُ الشئ : جمعته ، ومنه قيل : كنا أَهْلَ ثُمِّهِ ورَمِّهِ . والثُّمَّة : جَمْعَةٌ من حشيش .
وثَمَّ : إشارة إلى المتبعِّد من المكان ، وهنالك للمتقرب ، وهما ظرفان في الأصل ، وقوله تعالى : وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ . « الإنسان : 20 » فهو في موضع المفعول .
ملاحظات
1 . قال ابن هشام في المغني « 1 / 117 » : « ثُمَّ : ويقال فيها فُمَّ ، كقولهم في جدث جدف : حرفُ عطفٍ يقتضي ثلاثة أمور : التشريك في الحكم ، والترتيب ، والمهلة ،
--------------------------- 188 ---------------------------
وفى كل منها خلاف » .
ثم ردَّ الإشكالات على دلالتها على الترتيب والتراخي . ورد قولَ الطبري بأنها بمعنى هنالك في قوله تعالى : أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ . وقال : « هذا وهم . اشتبه عليه ثُم المضمومة الثاء بالمفتوحة » .
ثم قال عن ثَمَّ بالفتح : « اسم يشار به إلى المكان البعيد نحو : وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ . وهو ظرف لا يتصرف ، فلذلك غُلِّط من أعربه مفعولاً لرأيت في قوله تعالى : وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ . ولا يتقدمه حرف التنبيه ، ولا يتأخر عنه كاف الخطاب » .
2 . معنى : « كنا أَهْلَ ثُمِّهِ ورُمِّهِ » الذي جاء في كلام الراغب : « كنا أهل تربيته ، والمتولين لجمع أمره ، وإصلاح شأنه » . « الفائق للزمخشري : 1 / 154 » .
ثَمَنٌ
قوله تعالى : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ . « يوسف : 20 » الثَّمَنُ : اسم لما يأخذه البائع في مقابلة البيع ، عيناً كان أو سلعة . وكل ما يحصل عوضاً عن شئ فهو ثمنه . قال تعالى : إن الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا . « آل عمران : 77 » . وقال تعالى : وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ الله ثَمَناً قَلِيلًا . « النحل : 95 » . وقال : وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا . « البقرة : 41 » .
وأَثْمَنْتُ الرجل بمتاعه وأَثْمَنْتُ لَهُ : أكثرت له الثمن . وشئ ثَمِين : كثير الثمن . والثَّمَانِيَة والثَّمَانُون والثُّمُن في العدد ، معروف .
ويقال ثَمَّنْتُهُ : كنت له ثامناً ، أو أخذت ثمن ماله ، وقال عز وجل : سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ . « الكهف : 22 »
وقال تعالى : عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ . « القصص : 27 » . والثَّمِين : الثُّمْن ، قال الشاعر : فما صَار لي في القَسْمِ إلا ثَمِينُهَا
وقوله تعالى : فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ . « النساء : 12 » .
ثَنَيَ
الثَّنْي والاثنان : أصل لمتصرفات هذه الكلمة ، ويقال ذلك باعتبار العدد ، أو باعتبار التكرير الموجود فيه ، أو باعتبارهما معاً . قال الله تعالى : ثانِيَ اثْنَيْنِ . « التوبة : 40 » اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً . « البقرة : 60 » . وقال : مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ . « النساء : 3 » .
فيقال ثَنَّيْتُهُ تَثْنِيَة : كنت له ثانياً ، أو أخذت نصف ماله ، أو ضممت إليه ما صار به اثنين .
والثِّنْيُ : مايعاد مرتين ، قال عليه السلام : لاثِنْيَ في الصدقة ، أي لا تؤخذ في السنة مرتين . قال الشاعر :
لقد كانت مَلامَتُهَا ثَنِىَّا
وامرأة ثِنْيٌ : ولدت اثنين ، والولد يقال له : ثِنْيٌ . وحلف يميناً فيها ثُنْيَا وثَنْوَى وثَنِيَّة ومَثْنَوِيَّة . ويقال لِلَاوِي الشئ : قد ثَناه ، نحو قوله تعالى : أَلا إنهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ « هود : 5 » وقراءة ابن عباس : يَثْنَوْنَى صدورهم ، من : اثْنَوْنَيْتُ .
وقوله عز وجل : ثانِيَ عِطْفِهِ . « الحج : 9 » وذلك عبارة عن التنكر والإعراض ، نحو : لوى شدقه . وَنَأى بِجانِبِهِ . « الإسراء : 83 » .
والثَّنِيُّ من الشاة : ما دخل في السنة الثانية ، وما سقطت ثنيته من البعيروقد أَثْنَى .
وثَنَيْتُ الشئ أَثْنِيهِ : عقدته بثنايين غير مهموز ، قيل وإنما لم يهمز لأنه بنى الكلمة على التثنية ، ولم يبن عليه لفظ الواحد .
والمُثَنَّاة : ما ثني من طرف الزمام . والثُّنْيَان الذي يثنى به إذا عُدَّ السادات . وفلان ثَنِيَّة أهل بيته : كناية عن قصور منزلته فيهم .
والثَّنِيَّة من الجبل : ما يحتاج في قطعه وسلوكه إلى صعود وحدور ، فكأنه يثني السير .
والثَّنِية من السن : تشبيهاً بالثنية من الجبل في الهيئة
--------------------------- 189 ---------------------------
والصلابة .
والثُّنْيَا من الجزور : ما يثنيه جازره إلى ثنيه من الرأس والصلب ، وقيل : الثُّنْوَى .
والثَّنَاء : ما يذكر في محامد الناس ، فيثنى حالاً فحالاً ذكره ، يقال : أثنى عليه . وتَثَنَّى في مشيته : نحو تبختر .
وسميت سور القرآن مثاني في قوله عز وجل : وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي « الحجر : 87 » لأنها تُثَنَّى على مرور الأوقات وتُكَرَّر ، فلا تدرس ولا تنقطع دروس سائر الأشياء التي تضمحل وتبطل على مرور الأيام .
وعلى ذلك قوله تعالى : الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ . « الزمر : 23 » ويصح أنه قيل للقرآن : مثاني ، لما يثنى ويتجدد حالاً فحالاً من فوائده ، كما روي في الخبر في صفته : لايَعْوَجُّ فَيُقَوَّم ولا يَزيغ فيُستعتب ، ولا تنقضي عجائبه . ويصح أن يكون ذلك من الثناء ، تنبيهاً على أنه أبداً يظهر منه ما يدعو إلى الثناء عليه ، وعلى من يتلوه ويعلمه ويعمل به .
وعلى هذا الوجه وصفه بالكرم في قوله تعالى : إنهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ . « الواقعة : 77 » وبالمجد في قوله : بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ . « البروج : 21 » .
والاستثناء : إيراد لفظ يقتضي رفع بعض ما يوجبه عموم لفظ متقدم ، أو يقتضي رفع حكم اللفظ عما هو .
فمما يقتضي رفع بعض ما يوجبه عموم اللفظ قوله تعالى : قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً . . الآية « الأنعام : 145 » .
وما يقتضي رفع ما يوجبه اللفظ ، فنحو قوله : والله لأفعلنَّ كذا إن شاء الله ، وامرأته طالق إن شاء الله ، وعبده عتيق إن شاء الله ، وعلى هذا قوله تعالى : إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ . « القلم : 17 » .
ملاحظات
1 . أطال الراغب في تفسير المثاني بلا محصل ، قال : « وسميت سور القرآن مثاني في قوله عز وجل : وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي لأنها تُثَنَّى على مرور الأوقات وتُكَرَّر . . الخ . » .
ثم عاد وصحح وجهين لتسميتها ، أحدهما : أنه مثاني لأنه يتجدد . وأنه مثاني بمعنى يُثنى عليه ، فهو مشتق من الثناء ، لأنه أثنى على القرآن بالكرم والمجد . وهو كلام ضعيف !
2 . الصحيح أن المثاني صفةٌ لكل القرآن ، وصفةٌ لسورة الحمد ، وهي السبع المثاني ، وصفةٌ للسور المثاني التي هي أقل من مئة آية . ولا منافاة بين ذلك .
ذلك أن الله تعالى أطلق هذا الوصف على القرآن مقابل النص التوراتي الذي يقرأ مثنى ، أي يقرأ وتعاد قراءته ليفهم أكثر .
فقد وضع اليهود كتباً سموها المثناة « المشنا » شبهوها بالتوراة بأنها تستحق أن تُقرأ مَثْنى . فقال لهم الله تعالى ليس تلمودكم وما كتبتموه مثاني ، ولا حتى التوراة بعد اليوم ، بل هذا القرآن ، وكله مثاني ، يستحق أن يقرأ مثنى مثنى ، وفي كل قراءة يفهم القارئ منه أكثر ، وتنفتح له أبعادٌ ومعانٍ جديدة .
3 . قال ابن منظور « 14 / 11 » : « قال أَبو عبيد : المَثاني من كتاب الله ثلاثة أَشياء : سَمَّى الله عز وجل القرآن كله مثانيَ في قوله عز وجل : الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ . وسَمَّى فاتحةَ الكتاب مثاني في قوله عز وجل : وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ .
4 . السبع المثاني : سورة الحمد ، والبسملة أول آية فيها ، وسميت مثاني لأنها تثنى في الصلاة ، وبهذا أفتى
--------------------------- 190 ---------------------------
فقهاؤنا وأكثر فقهاء المذاهب .
قال أمير المؤمنين كما في عيون أخبار الرضا عليه السلام « 1 / 270 » : « إن بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب ، وهي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم . سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن الله عز وجل قال لي : يا محمد : ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم ، فأفرد الامتنان عليَّ بفاتحة الكتاب ، وجعلها بإزاء القرآن العظيم » .
5 . تصور بعضهم أن كلمة اثنين في قوله تعالى : وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ، للتأكيد ، لكن المعنى : اثنين من كل زوجين . قال الخليل « 6 / 167 » : « يقال : لفلان زوجان من الحمام ، أي ذكر وأنثى . قال سبحانه : فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ » .
6 . قوله عز وجل : فانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ . وقوله : جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ .
قال في جامع المقاصد « 12 / 374 » : « والواو للتخيير لا للجمع ، وإلا لجاز نكاح ثماني عشرة ، لأن معنى قوله مثنى : اثنتين اثنتين ، وكذا قوله : وثلاث : معناه ثلاثاً ثلاثاً ، وقوله ورباع : معناه أربعاً أربعاً » .
7 . معنى قوله تعالى : إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا . أن الله تكفل بنصره وإن لم تنصروه فقد نصره عندما كان وحيداً فاراً من قومه ليس معه إلا شخص واحد غير مقاتل ، فأنزل عليه السكينة وجنوداً لم يرها رفقاؤه . فليس في الآية إلا إشارة إلى شخص كان معه ، بقطع النظر عن نوعه ومن هُوَ .
وفي لسان العرب « 14 / 116 » والصحاح « 6 / 2295 » والمغني « 1 / 84 » « تقول هو ثاني اثنين : أي أحد اثنين . واحدٌ من اثنين » .
فمصب الآية على وحدة النبي صلى الله عليه وآله فقد أفرد ضميره في قوله : إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ولم يقل أخرجهما ، وأفرده في نزول السكينة فقال : فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا . ولم يقل عليهما . وهذا يدل على عدم وجود دور لمرافقه في صلب الهجرة . ويتضح بطلان دعوى بعضهم أن معنى ثاني اثنين : أن النبي صلى الله عليه وآله أول وأبا بكر ثانٍ . فالثاني في اللفظ هو النبي صلى الله عليه وآله والأول أبو بكر فالترتيب الرتبي لا يصح ، والترتيب العددي غير مقصود ، بل المعنى أنه صلى الله عليه وآله كان وحده ولم يكن معه إلا نفر واحد لا ينفعه .
ثَوَبَ
أصل الثَّوْب : رجوع الشئ إلى حالته الأولى التي كان عليها ، أو إلى الحالة المقدرة المقصودة بالفكرة ، وهي الحالة المشار إليها بقولهم : أول الفكرة آخر العمل .
فمن الرجوع إلى الحالة الأولى قولهم : ثَابَ فلان إلى داره ، وثَابَتْ إِلَيَّ نفسي ، وسمي مكان المستسقي على فم البئر مَثَابَة .
ومن الرجوع إلى الحالة المقدرة المقصود بالفكرة : الثَّوْب ، سمي بذلك لرجوع الغزل إلى الحالة التي قدرت له ، وكذا ثواب العمل .
وجمع الثوب أَثْوَاب وثِيَاب ، وقوله تعالى : وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ . « المدثر : 4 » يحمل على تطهير الثوب .
وقيل : الثياب كناية عن النفس لقول الشاعر : ثياب بني عوف طهارى نقيَّةٌ . وذلك أمْرٌ بما ذكره الله تعالى في قوله : إنما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً . « الأحزاب : 33 » .
والثَّوَاب : ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله ، فيسمى الجزاء ثواباً تصوراً أنه هو هو ، ألا ترى كيف جعل الله
--------------------------- 191 ---------------------------
تعالى الجزاء نفس العمل في قوله : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . « الزلزلة : 7 » ولم يقل جزاءه .
والثواب : يقال في الخير والشر ، لكن الأكثر المتعارف في الخير ، وعلى هذا قوله عز وجل : ثَواباً مِنْ عِنْدِ الله والله عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ . « آل عمران : 195 » فَآتاهُمُ الله ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ . « آل عمران : 148 » .
وكذلك المَثُوبَة في قوله تعالى : هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ الله . « المائدة : 60 » فإن ذلك استعارة في الشر كاستعارة البشارة فيه . قال تعالى : وَلَوْ إنهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ الله . « البقرة : 103 » .
والإِثَابَةُ : تستعمل في المحبوب ، قال تعالى : فَأَثابَهُمُ الله بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ . « المائدة : 85 » وقد قيل ذلك في المكروه : فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ . « آل عمران : 153 » على الاستعارة كما تقدم .
والتثْوِيب : في القرآن لم يجئ إلا في المكروه نحو : هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ « المطففين : 36 » .
وقوله عز وجل : وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً . « البقرة : 125 » قيل معناه : مكاناً يثوب إليه الناس على مرور الأوقات . وقيل : مكاناً يكتسب فيه الثواب .
والثَّيِّب : التي تثوب عن الزوج . قال تعالى : ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً . « التحريم : 5 » وقال عليه السلام : الثيِّب أحق بنفسها .
والتثْوِيب : تكرار النداء ، ومنه : التثويب في الأذان . والثُّوبَاء : التي تعتري الإنسان ، سميت بذلك لتكررها .
والثُّبَة : الجماعة الثائب بعضهم إلى بعض في الظاهر . قال عز وجل : فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً « النساء : 71 » . قال الشاعر : وقد أغدو على ثُبَةٍ كرامِ .
وثُبَةُ الحوض : ما يثوب إليه الماء ، وقد تقدم .
ملاحظات
1 . جعل الراغب ثَوَبَ أصلاً واحداً بمعنى الرجوع ، تبعاً لابن فارس « 1 / 393 » . لكن يصعب جعل الثوب والثواب بمعنى الرجوع لأنه يرجع إلى الحالة التي قدرت له !
ولو صح ذلك لصح أن نسمي السيارة مثلاً ثوباً ، لأن حديدها وموادها تثوب إلى الحالة التي قدرت لها !
2 . لم يستعمل القرآن كلمة ثَوْبٍ بل كلمة ثياب ، فأمرَ النبيَّ صلى الله عليه وآله والمسلمين بتطهير ثيابهم ، وبين حكم التبذل ووضع الثياب ، وسَخِرَ من الذين يجعلون أصابعهم في آذانهم ويستغشون ثيابهم ، لئلا يسمعوا القرآن ! وذكر ثياب السندس والإستبرق لأهل الجنة ، والثياب المقطعة من نار للكافرين ، أعاذنا الله .
3 . الثواب والعقاب نظام رباني ، لسَوْق الإنسان إلى تكامله ومنعه من السقوط .
وقد فصَّله الإسلام في نحو عشرين آية : فقَسَّمَ الثواب إلى ثواب الدنيا وثواب الآخرة : قال تعالى : وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الأَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا . « آل عمران : 145 » فَآتَاهُمُ الله ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ . « آل عمران : 148 » . لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ الله خَيْرٌ . « البقرة : 103 » . هُنَالِكَ الْوَلايَةُ للهِ الْحق هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا . « الكهف : 44 » . وقال تعالى : وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ الله خَيْرٌ . « القصص : 80 » . وقال تعالى : وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا . « الفتح : 18 » .
ووصف قسماً من العقوبات بالثواب : قال تعالى : هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَاكَأنوا يَفْعَلُونَ . « المطفّفين : 36 » . وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ . « آل عمران : 153 » . قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ الله مَنْ لَعَنَهُ الله . « المائدة : 60 » .
--------------------------- 192 ---------------------------
وقَسَّمَ الثواب إلى درجات : منها الثواب العادي ومنها حُسْنُ الثواب ، ونِعْمَ الثواب ، والثواب بالنصر ، والثواب بالجنات وأرائكها . . الخ .
ثَوَرَ
ثَارَ الغبار والسحاب ونحوهما ، يَثُور ثَوْراً وثَوَرَاناً : انتشر ساطعاً ، وقد أَثَرْتُهُ . قال تعالى : فَتُثِيرُ سَحاباً « الروم : 48 » . يقال : أَثَرْتُ الأرض ، كقوله تعالى : وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها « الروم : 9 » .
وثَارَتِ الحصبة ثَوْراً : تشبيهاً بانتشار الغبار . وثَوَّرَ شراً كذلك . وثَارَ ثَائِرُهُ : كناية عن انتشار غضبه .
وثَاوَرَهُ : واثبه . والثَّوْرُ : البقر الذي يثار به الأرض ، فكأنه في الأصل مصدرٌ جُعل في موضع الفاعل نحو : ضيف وطيف في معنى : ضائف وطائف . وقولهم سقط ثور الشفق : أي الثائر المنتثر .
والثأر : هو طلب الدم وأصله الهمز . وليس من هذا الباب .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة في إثارة الأرض وإعمارها بالمدنية والحضارة . وفي إثارتها وزراعتها . وفي إثارة الخيل للنقع في الحرب . وفي إثارة الرياح للسحاب .
ثَوَيَ
الثَّوَاء : الإقامة مع الاستقرار ، يقال : ثَوَى يَثْوِي ثَوَاءً .
قال عز وجل : وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ . « القصص : 45 » وقال : أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ . « الزمر : 60 » . وقال الله تعالى : فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ . « فصلت : 24 » أُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ . « الزمر : 72 » وقال : النَّارُ مَثْواكُمْ . « الأنعام : 128 »
وقيل : من أَمَّ مَثْواك . كناية عمن نزل به ضيف .
والثَّوِيَّة : مأوى الغنم . والله أعلم بالصواب .
ملاحظات
عَرَّفَ الراغب الثِّوَاء بأنه إقامة مع استقرار ، وعرفه الخليل « 8 / 252 » بأنه طول المقام . وعرفه ابن فارس « 1 / 393 » بأنه الإقامة فقط . وهذا هو الصحيح لقول مالك بن سوار الطائي ، كما في ربيع الأبرار « 4 / 402 » :
« ثوى اللؤمُ في العجلان يوماً وليلةً
وفي دار مَروانٍ ثوى آخرَ الدهرِ
ولما أتى مروانَ ألقى رحالهُ
وقال رضينا بالمقامِ إلى الحشرِ »
تم كتاب الثاء
--------------------------- 193 ---------------------------
--------------------------- 194 ---------------------------
كتاب الجيم وما يتصل بها
ج
جَبَّ
قال الله تعالى : وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ « يوسف : 10 » أي بئرٍ لم تُطْوَ . وتسميته بذلك إما لكونه محفوراً في جَبُوب أي في أرض غليظة ، وإما لأنه قد جُبَّ .
والجَبُّ : قطع الشئ من أصله ، كجَبِّ النخل . وقيل زمن الجِبَاب نحو : زمن الصِّرَام . وبعيرٌ أَجَبُّ : مقطوع السنام ، وناقة جَبَّاء . وذلك نحو : أقطع وقطعاء ، للمقطوع اليد . وخِصْيٌ مَجْبُوبٌ : مقطوع الذَّكر من أصله .
والجُبَّةُ : التي هي اللباس منه ، وبه شُبَّهَ ما دخل فيه الرمح من السنان . والجُبَاب : شئ يعلو ألبان الإبل .
وجَبَّتِ المرأة النساء حسناً : إذا غلبتهن استعارةً من الجَب الذي هو القطع ، وذلك كقولهم : قطعته في المناظرة والمنازعة .
وأما الجُبْجُبَة : فليست من ذلك ، بل سميت به لصوتها المسموع منها .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن من هذه المادة كلمة الجُبَّ فقط في سورة يوسف عليه السلام : قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ .
والجُب ، والبئر ، والطويُّ ، والرِّكْية ، والقَلِيب ، بمعنى . وقال اللغويون إن البئر مؤنثة ، والقليب والجُب يؤنثان ويذكران ، وقد ذكَّرَها الراغب .
وقالوا إن البئر والطوى : هو المطوي بالحجارة ونحوها ، والجُب والباقي ليست مبنية . لكن لم يستدلوا عليه باستعمال العرب .
ولهم أقوال في الجب ، منها : أنها البئر غير بعيدة القعر ، أو البئر العادِيَة القديمة ، أو كثيرة الماء بَعيدةُ القَعْرِ ،
--------------------------- 195 ---------------------------
أو المُقَبَّبة المُجَبَّبةُ الجَوْفِ إذا كان وَسَطُها أَوْسَعَ شئ فيها . أو رَكِيَّةٌ تُجابُ في الصَّفا ، أوالرَّكِيَّةِ قبل أَن تُطْوَى ، أو القَلِيب الواسِعَةُ الشَّحْوةِ ، أي الفم ، والشحوة الخطوة .
والظاهر أن البئر أعم من ذلك كله . راجع : معالم التنزيل : 2 / 412 ، والكشاف : 2 / 305 ، ولسان العرب : 1 / 250 .
2 . أرجع الراغب مفردات الجُب إلى القطع ، لكن لا مناسبة بين الجُب ، والجبة ، وجبة السنان ، قال : « والجُبَّة التي هي اللباس منه ، وبه شُبَّهَ ما دخل فيه الرمح من السنان » .
كما أنه حصر البئر بما حُفر في أرض غليظة ليصح فيه معنى القطع ! قال : « وتسميته بذلك إما لكونه محفوراً في جَبُوب ، أي في أرض غليظة وإما لأنه قد جُبَّ » .
وجعله ابن فارس أصلين « المقاييس : 1 / 423 » : « أحدهما القطع والثاني تجمع الشئ . الجُبَّة معروفة لأنها تشمل الجسم وتجمعه فيها » .
لكن هذين الأصلين لايستوعبان مفردات المادة ، فقولهم : جُبَّةُ العينِ وحجاجها للعظم الذي عليه الحاجب ، ليس فيه قطع ولا جمع ، إلا بتكلفات بعيدة !
جِبْت
قال الله تعالى : يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطاغُوتِ . الجِبْتُ والِجبْس : الفِسْل الذي لا خير فيه ، وقيل التاء بدل من السين ، تنبيهاً على مبالغته في الفسولة ، كقول الشاعر :
عمرو بنُ يربوعٍ شِرَارُ الناسِ
أي خِساس الناس . ويقال لكل ماعُبد من دون الله جِبْت . وسمي الساحر والكاهن جبتاً .
ملاحظات
وردت كلمة الطاغوت في القرآن ثمان مرات ، والجبت مرة ، في قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطاغُوتِ . « النساء : 51 » .
وفي المخصص « 1 / 98 » أن الجبت : الضعيف في عقله ورأيه . وهو قريب من الجِبْسُ . وقال الخليل « 6 / 93 و : 5 / 58 » : « الجبت : الكاهن والساحر والجبس : الجبان الردئ . ويقال : الجبس من أولاد الريبة » . ونحوه المقاييس : 1 / 500 .
وقال ابن منظور « 2 / 21 » : « الجِبْتُ : كلُّ ما عُبِدَ مِن دون الله . وقيل هي كلمة تَقَعُ على الصَّنَم والكاهن والساحر ونَحْوِ ذلك » .
أقول : الطاغوت هو الذي يطغى ويتزعم ويعبده الناس أي يطيعونه من دون الله تعالى . والجبت : الرجل الضعيف المنحط الذي ينصبونه بدل الطاغوت ، ويطيعونه لأنه يمثل رمز طغيانهم .
والجبت معرَّب ، وقد ورد جمعه في حديث الإمام الصادق عليه السلام في كامل الزيارات / 99 : « اللهم العن الجوابيت والطواغيت والفراعنة ، واللات والعزى ، والجبت والطاغوت ، وكل نِدٍّ يدعى من دون الله » .
وفي الكافي « 4 / 402 » عن الإمام الصادق عليه السلام في دعاء الطواف : آمنت بالله ، وكفرت بالجبت والطاغوت ، وباللات والعزى ، وعبادة الشيطان ، وعبادة كل ند يُدعى من دون الله » .
وفي الكافي « 1 / 205 » : « عن بريد العجلي قال : سألت أبا جعفر « الباقر عليه السلام » عن قول الله عز وجل : بِالْجِبْتِ وَالطاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً . يقولون لأئمة الضلالة والدعاة إلى النار : هؤلاء أهدى من آل محمد سبيلاً . أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ : نحن الناس المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة دون خلق الله أجمعين » .
وفي فتح الباري « 8 / 189 » : « اختار الطبري أن المراد
--------------------------- 196 ---------------------------
بالجبت والطاغوت جنس من كان يُعبد من دون الله ، سواء كان صنماً ، أو شيطاناً ، جنياً ، أو آدمياً » .
جَبَرَ
أصل الجَبْر : إصلاح الشئ بضرب من القهر يقال : جَبَرْتُهُ فَانْجَبَرَ واجْتَبَرَ ، وقد قيل : جَبَرْتُهُ فَجَبَرَ كقول الشاعر :
قد جَبَرَ الدينَ الإلهُ فجَبَرْ
هذا قول أكثر أهل اللغة . وقال بعضهم : ليس قوله فجبر ، مذكوراً على سبيل الانفعال ، بل ذلك على سبيل الفعل ، وكرره ، ونبَّه بالأول على الابتداء بإصلاحه وبالثاني على تتميمه ، فكأنه قال : قصد جَبْرَ الدين ، وابتدأ به فتمم جبْره ، وذلك أنَّ فَعَلَ تارة يقال لمن ابتدأ بفعل وتارة لمن فرغ منه .
وتَجَبَّرَ بعد الأكل : يقال إما لتصور معنى الإجتهاد والمبالغة ، أو لمعنى التكلف ، كقول الشاعر :
تجبَّرَ بعدَ الأكْلِ فَهْوَ نَمِيصُ
وقد يقال الْجَبْرُ تارة في الإصلاح المجرد ، نحو قول علي رضي الله عنه : يا جَابِر كل كسير ، ويا مسهل كل عسير . ومنه قولهم للخبز : جَابِر بن حبَّة . وتارة في القهر المجرد نحو قوله عليه السلام : لا جَبْر ولا تفويض .
والجَبْر في الحساب : إلحاق شئ به إصلاحاً لما يريد إصلاحه ، وسمي السلطان جَبْراً كقول الشاعر :
وأنعم صباحاً أيها الجبر
لقهره الناس على ما يريده ، أو لإصلاح أمورهم .
والإجبار في الأصل : حمل الغير على أن يجبر الآخر ، لكن تُعورف في الإكراه المجرَّد ، فقيل : أَجْبَرْتُهُ على كذا ، كقولك : أكرهته . وسمي الذين يَدَّعون أن الله تعالى يكره العباد على المعاصي في تعارف المتكلمين مُجَبِّرَة ، وفي قول المتقدمين جَبْرِيَّة وجَبَرِيَّة .
والجبَّار : في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها ، وهذا لا يقال إلا على طريق الذم ، كقوله عز وجل : وَخابَ كل جَبَّارٍ عَنِيدٍ « إبراهيم : 15 » وقوله تعالى : وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا « مريم : 32 » .
وقوله عز وجل : إن فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ « المائدة : 22 » وقوله عز وجل : كَذلِكَ يَطْبَعُ الله عَلى كل قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ « غافر : 35 » أي متعالٍ عن قبول الحق والإيمان له . يقال للقاهر غيره : جَبَّار ، نحو : وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ « ق : 45 » .
ولتصور القهر بالعلو على الأقران قيل : نخلة جبَّارة وناقة جبَّار . وما روي في الخبر : ضرس الكافر في النار مثل أحد ، وكثافة جلده أربعون ذراعاً بذراع الجبار فقد قال ابن قتيبة : هو الذراع المنسوب إلى الملك الذي يقال له : ذراع الشاهْ . فأما في وصفه تعالى نحو : الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ « الحشر : 23 » فقد قيل : سمي بذلك من قولهم : جَبَرْتُ الفقير ، لأنه هو الذي يجبر الناس بفائض نعمه ، وقيل لأنه يجبر الناس ، أي يقهرهم على ما يريده .
ودفع بعض أهل اللغة ذلك من حيث اللفظ فقال : لا يقال من أفعلتُ : فعَّال ، فجبَّار لا يبنى من : أجبرت . فأجيب عنه بأن ذلك من لفظ الجبر المروي في قوله : لا جَبْرَ ولا تفويض ، لا من لفظ الإجبار .
وأنكر جماعة من المعتزلة ذلك من حيث المعنى فقالوا : يتعالى الله عن ذلك . وليس ذلك بمنكر فإن الله تعالى قد أجبر الناس على أشياء لا انفكاك لهم منها حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية ، لا على ما تتوهمه الغواة والجهلة ، وذلك كإكراههم على المرض والموت والبعث ، وسخَّر كلاً منهم لصناعة يتعاطاها ، وطريقة من الأخلاق والأعمال يتحراها ، وجعله مجبراً في صورة مُخيَّر ، فإما راضٍ بصنعته لا يريد عنها حولاً ، وإما كارهٌ لها يكابدها مع كراهيته
--------------------------- 197 ---------------------------
لها كأنه لا يجد عنها بدلاً ، ولذلك قال تعالى : فَتَقَطعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كل حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ « المؤمنون : 53 » وقال عز وجل : نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا « الزخرف : 32 » .
وعلى هذا الحد وصف بالقاهر ، وهو لا يقهر إلا على ما تقتضي الحكمة أن يقهر عليه .
وقد روي عن أمير المؤمنين رضي الله عنه : يا بارئ المسموكات وجبّار القلوب على فطرتها ، شقيها وسعيدها .
وقول ابن قتيبة : هو من جبرت العظم ، فإنه جبر القلوب على فطرتها من المعرفة ، فذكرٌ لبعض ما دخل في عموم ما تقدم .
وجَبَرُوت : فعلوت من التجبر . واسْتَجْبَرْتُ حاله : تعاهدت أن أجبرها ، وأصابته مصيبة لا يَجْتَبِرُهَا ، أي لا يتحرَّى لجبرها من عظمها .
واشتق من لفظ جبر العظم : الجَبِيرَة ، للخرقة التي تشد على المَجْبُور ، والجِبَارة للخشبة التي تشدُّ عليه ، وجمعها جَبَائِر . وسُمِّيَ الدملوج « معضد » جبارة ، تشبيهاً بها في الهيئة ، والجبار : لما يسقط من الأرش .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن من هذه المادة كلمة جَبَّار فقط ، وقد وردت في تسع آيات ذماً للإنسان الجبار ، لأنه يضطهد الناس ويجبرهم ظلماً . كقوله تعالى : وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ . . وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ . . وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا . . وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا . . وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ . .
ووردت مدح الله تعالى لأنه يجبر مخلوقاته على ما يصلحها . قال تعالى : الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ . « الحشر : 23 » .
2 . جعل الراغب جَبَرَ أصلاً واحداً ، وأدخل فيها معنى قهر ، قال : « إصلاح الشئ بضرب من القهر ، يقال : جَبَرْتُهُ فَانْجَبَرَ » . ثم قال إن الإصلاح والقهر قد ينفردان ، أي يصير الأصل الواحد أصلين ! « وقد يقال الْجَبْرُ تارة في الإصلاح المجرد ، نحو قول علي رضي الله عنه : يا جَابِر كل كسير . وتارة في القهر المجرد نحو قوله عليه السلام : لا جَبْر ولا تفويض » . ثم زعم أن معنى أجبره : أكرهه على أن يجبر الآخر !
والصحيح أن جَبَرَهُ بمعنى أصلحه ، وأجبره بمعنى أكرهه .
4 . أفرغ الراغب كلمة جبار من معنى الإكراه قال : « والجبَّار : في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها » .
والصحيح أن الجبار في غير الله تعالى يتضمن التعالي ، وإكراه الآخرين ظلماً .
5 . قال الراغب : « وما روي في الخبر : ضرس الكافر في النار مثل أحد ، وكثافة جلده أربعون ذراعاً بذراع الجبار ، فقد قال ابن قتيبة : هو الذراع المنسوب إلى الملك الذي يقال له : ذراع الشاهْ » .
ولا توجد روايته في مصادرنا لأنه تجسيم ، تعالى الله أن يكون له ذراع مثلنا .
لكن رووه وصححوه على شرط الشيخين : « إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعاً بذراع الجبار وضرسه مثل أحد » . « المستدرك : 4 / 595 » . ويقصد أبو هريرة ذراع الله تعالى ، وقد أخذه من إسرائيليات كعب ونسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ! وقد أثبتنا في « ألف سؤال وإشكال : 1 / 483 » أنه كان يجعل أقوال كعب أحاديث نبوية !
وخففه البيهقي فقال إنه للتهويل وليس للحقيقة . وقول ابن قتيبة إن الجبار حاكم فارسي أو يمني . تحايلٌ للفرار من التجسيم ! « فتح الباري : 11 / 365 ، وعمدة القاري : 23 / 121 » .
--------------------------- 198 ---------------------------
6 . استشهد الراغب كغيره في تفسير المادة بقول العجاج : قد جَبَرَ الدينَ الإلهُ فجَبَرْ
وعَوَّرَ الرحمنُ من ولَّى العور
وقد حمَّلوه أكثر مما يحتمل لأن الشاعر قاله : « يمدح عبيد الله بن معمر التيمي وكان غزا أبا فديك بهجر فقتله » . « شرح أدب الكاتب / 318 » .
وقصده أن الله أصلح أمر ابن معمر وعوَّر أمر الخارجي فديك . فإصلاح الدين بمعنى إصلاح حال أهله ونصرهم . وقد منعه الوزن أن يقول فانجبر أو فاجتبر ، فقال فجبر ، وانشغل اللغويون في تحليل كلمته !
6 . قال ابن فارس عن هذه المادة « 1 / 501 » : « أصل واحد وهو جنس من العظمة والعلو والاستقامة ، فالجُبار الذي طال وفاتَ اليدَ ، يقال : فرس جبار ونخلة جبارة .
وذو الجبورة وذو الجَبروت الله جل ثناؤه . ويقال للخشب الذي يضم به العظم الكسير : جُبارة ، والجمع جبائر . ويقال أجبرت فلاناً على الأمر ولا يكون ذلك إلابالقهر » .
ونعم ما قال الخليل « 6 / 115 » : « وهو أن تجبر إنساناً على ما لا يريد وتكرهه . والجبر : أن تجبر كسراً . والجبار من الأرش : ما لا يهدر . والله تبارك وتعالى : الجبار العزيز ، أي قهر خلقه فلا يملكون منه أمراً ، وله التجبر وهو التعظم ، وله الجبرية والجبروت . وفي الحديث : ما كانت نبوة إلا تناسخها ملكٌ جبرية ، أي إلا تجبرت الملوك . والجبار : العاتي على ربه القتَّال لرعيته . والجبار من الناس : العظيم في نفسه الذي لا يقبل موعظة أحد » .
7 . أما جبريل عليه السلام فليس من الجبر ، بل معنى إيل الله تعالى كما تقدم في آل ، ومعنى جَبْرَا الرجل أو الملاك ، فهو بمعنى الملاك الإلهي . وقد ورد في القرآن في آيتين : قُلْ مَنْ كَأن عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله . . وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ الله هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ . وفي قاموس الكتاب المقدس / 245 : « جبرائيل : اسم عبري معناه رجل الله . اسم علم لملاك ذي رتبة رفيعة » .
جَبَل
الجَبَل جمعه : أَجْبَال وجِبَال . وقال عز وجل : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً « النبأ : 6 » . وقال تعالى : وَالْجِبالَ أَرْساها « النازعات : 32 » . وقال تعالى : وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ . « النور : 43 » . وقال تعالى : وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها . « فاطر : 27 » . وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبي نَسْفاً . « طه : 105 » وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ . « الشعراء : 149 » .
واعْتُبَر « ت » معانيه ، فاستعير منه واشتق منه بحسبه ، فقيل : فلان جبلٌ لا يتزحزح تصوراً لمعنى الثبات فيه . وجَبَلَهُ الله على كذا ، إشارة إلى ما ركب فيه من الطبع الذي يأبى على الناقل نقله ، وفلان ذو جِبِلَّة أي غليظ الجسم ، وثوب جيد الجِبِلَّة .
وتُصور منه معنى العِظَم فقيل للجماعة العظيمة : جِبْل . قال الله تعالى : وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبْلاً كَثِيراً « يس : 62 » أي جماعة ، تشبيهاً بالجَبَل في العِظَم . وقرئ : جِبِلًّا مُثَقَّلاً ، قال التوزي : جُبْلًا وجَبْلًا وجُبُلًّا وجِبِلًّا . وقال غيره : جُبُلًّا جمع جِبِلَّة ، ومنه قوله عز وجل : وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأولينَ . « الشعراء : 184 » .
أي المجبولين على أحوالهم التي بنوا عليها ، وسبلهم التي قُيِّضُوا لسلوكها ، المشار إليها بقوله تعالى : قُلْ كل يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ « الإسراء : 84 » . وجَبِلَ : صارَ كالجبل في الغِلْظ .
ملاحظات
1 . ورد الجبل في القرآن مفرداً ست مرات : في الجبل الذي آوى اليه ابن نوح عليه السلام ، وجبل إبراهيم عليه السلام الذي
--------------------------- 199 ---------------------------
وضع عليه أجزاء الطيور ، وجبل الطور الذي تجلى الله فيه بنوره ، وجبل الظلة الذي مده الله فوق رؤوس بني إسرائيل . والجبل الذي افترض الله إنزال القرآن عليه . واستعمل كلمة الجبال ثلاثاً وعشرين مرة ، منها عن تنوع الجبال : وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ .
ومنها تشبيه الموج حول سفينة نوح عليه السلام بالجبال : وَهِيَ تَجْرِى بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ .
وجعل الله الجبال منصوبة في الأرض ، وأوتاداً لها ، وأكناناً لحياة الناس .
وسوف تُسَيَّر يوم القيامة ، وتُنسف ، وتُدك دكاً ، وترَجف ، وتُبَسُّ بَسَّاً ، وتكون كالمهل ، وكالعهن المنفوش ، وكثيباً مهيلاً ، وسراباً .
وهي مسخرة بأمر الله تعالى ، وتسجد له .
وقد عرض عليها الأمانة فأشفقت منها . وهدى النحل لتتخذ منها بيوتاً . وسخرها الله تعالى مع داود عليه السلام فكانت تسبح بتسبيحه . وقد تفننت ثمود في نحت البيوت في الجبال .
وشبهَ مكر الكفار بأنه تزول منه الجبال ، ونصح المتكبر بالتواضع لأنه لن يبلغ الجبال طولاً . وذكر جبال الغيوم التي ينزل منها البَرَد .
وذكر أن القرآن تُسَيَّرُ به الجبال وتُنقل من أماكنها ، وتُقَطعُ به الأرض ، ويُكَلَّمُ به الموتى ، وذلك على يد الإمام المهدي عليه السلام .
2 . جعل الراغب وغيره الجبل أصل المادة ، وحاول أن يرجع اليه كل مفرداتها . وقرأ الآية جِبْلاً كثيراً ، والأصح جِبِلّاً . ويبدو من الخليل أن الجِبِلَّة بمعنى الطبيعة ، هي الأصل . قال « 6 / 136 » : « الجَبَل : اسم لكل وتد من أوتاد الأرض إذا عظم وطال ، من الأعلام والأطوار والشناخيب والأنضاد . فإذا صغر فهو من الآكام والقيران .
وجِبِلَّةُ الجبل : تأسيس خلقته التي جُبل عليها .
وجِبِلَّة الأرض : صلابها . وجِبَلَّةُ كل مخلوق : تُوسُهُ الذي طُبع عليه . ويقال للثوب الجيد النسج والغزل والفتل : إنه لجيد الجِبِلَّة . والخلق : الجِبِلَّة ، وكل أمة مضت فهي جِبِلَّةٌ على حدة ، وقال تعالى : والِجِبَّلةَ الأولين . وجُبِلَ الإنسان على هذا الأمر ، أي طبع عليه » .
جَبَنَ
قال تعالى : وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ « الصافات : 103 » فالجَبِينَان : جانبا الجبهة . والجُبْن : ضعف القلب عما يحق أن يقوى عليه . ورجل جَبَان وامرأة جبان . وأَجْبَنْتُهُ : وجدته جباناً ، وحكمت بجبنه . والجُبْنُ : ما يؤكل . وتَجَبَّنَ اللبن : صار كالجبن .
جَبَهَ
الجَبْهَة : موضع السجود من الرأس ، قال الله تعالى : فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُم وَظُهُورُهُمْ . « التوبة : 35 » .
والنجم يقال له جبهة ، تصوراً أنه كالجبهة للمسمى بالأسد .
ويقال لأعيان الناس جبهة ، وتسميتهم بذلك كتسميتهم بالوجوه ، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : ليس في الجبهة صدقة . أي الخيل .
جَبَيَ
يقال : جَبَيْتُ الماء في الحوض : جمعته . والحوض الجامع له : جَابِيَة ، وجمعها جَوَابٍ . قال الله تعالى : وَجِفانٍ كَالْجَوابِ « سبأ : 13 » ومنه استعير : جَبَيْتُ الخراج جِبَايَةً ، ومنه قوله تعالى : يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كل شَئ . « القصص : 57 » .
والإجتباء : الجمع على طريق الاصطفاء ، قال عز وجل : فَاجْتَباهُ رَبُّهُ « القلم : 50 » . وقال تعالى : وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها . « الأعراف : 203 » أي يقولون هلَّا جمعتها ،
--------------------------- 200 ---------------------------
تعريضاً منهم بأنك تخترع هذه الآيات وليست من الله .
واجتباء الله العبد : تخصيصه إياه بفيض إلهيٍّ يتحصل له منه أنواع من النعم بلا سعي من العبد ، وذلك للأنبياء وبعض من يقاربهم من الصديقين والشهداء ، كما قال تعالى : وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ « يوسف : 6 » فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ « القلم : 50 »
ملاحظات
1 . جعل الراغب الاجتباء بمعنى الاصطفاء ، ونُقل ذلك عن اللغوي ابن الأعرابي ، قال : « اقترحْتُه ، واجتَبيْته ، وخَوَّصته ، وخدَّمْته ، واخْتَلَمْته ، واستَخْلَصْته واسْتَمَيْتُه ، كلُّه بمعنَى اخترْته » . « تاج العروس : 4 / 171 » .
وهذا تبسيط ، لعدم الانتباه إلى استعمالات اصطفى واجتبى ، لازمين ومتعديين ، بحروف متعددة . تقول اصطفاه واجتباه ، مجرداً ، وتقول اصطفاه من كذا ، أو اصطفاه على كذا ، أو اصطفاه لنفسه أو لغيره . ونحوه اجتبى .
هذا في الفعل البشري ، أما الفعل الإلهي فهو أكثر تفصيلاً ، وفي القرآن تصديق ما قلناه : فقد يكون الاصطفاء مجرداً : وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى . واصطفاءً من أجل أحد : اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ .
واصطفاءً من أحد : الله يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ . أو اصطفاءً على أحد : اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ .
أو اصطفاءً على العالمين : إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ .
أو اصطفاء بالرسالة والتكليم : اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِى وَبِكَلامِى .
وقد يكون اصطفاء لأنبياء : وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِى وَالأَبْصَارِ . . وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ .
أواصطفاء لجماعة كبيرة فيهم الظالم لنفسه : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ .
أو اصطفاء بدرجة ، ثم بدرجة أعلى : اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ . أو اصطفاء في الدنيا غير شامل للآخرة : وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا .
كما أن الاجتباء قد يكون اجتباء النخبة من النخبة : كقوله تعالى : وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِى مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ .
وقال تعالى في اجتباء الأئمة من عترة النبي وذرية إسماعيل عليهم السلام : وَجَاهِدُوا فِي الله حق جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ .
وقد يكون واسعاً : أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا .
وقال تعالى : وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ . وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .
وقد يكون إجتباءً مطلقاً ، أو اجتباءً اليه : الله يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ .
وقد يكون إجتباءً بعد ذنب ، قال تعالى : وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى . ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى . وقال في يونس عليه السلام : لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ . فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ .
والإجتباء كالإصطفاء يرتبط بسلوك المجتبى ونجاحه في الامتحان : وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ .
--------------------------- 201 ---------------------------
والنتيجة : أنهما عملان ربانيان ، لهما أقسامهما وقوانينهما ، وبينهما فروق ، ولا يصح القول بأنهما شئ واحد ، ولا مترادفان .
جَثَّ
يقال : جَثَثْتُهُ فَانْجَثَّ ، وجَثَثْتُهُ فَاجْتَثَّ . قال الله عز وجل : اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ « إبراهيم : 26 » أي اقتلعت جثُّتُهَا .
والمِجَثَّة : ما يُجثُّ به . وجُثَّة الشئ : شخصه الناتئ . والجُثُّ : ما ارتفع من الأرض كالأكمة . والجَثِيثَة : سميت به لما بان جثته بعد طبخه ، والجَثْجَاث : نبت .
ملاحظات
جعل الراغب أصل المادة الجثة ، وجعله ابن فارس التجمع ، قال : « 1 / 425 » : « الجيم والثاء يدل على تجمع الشئ . وهو قياس صحيح » . وكلام ابن فارس أقرب ، وكلاهما ظني .
جَثَمَ
فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ « الأعراف : 78 » استعارة للمقيمين ، من قولهم : جَثَمَ الطائرُ إذا قعد ولطئ بالأرض .
والجُثْمَان : شخص الإنسان قاعداً ، ورجل جُثَمَة وجَثَّامَة : كناية عن النؤوم والكسلان .
ملاحظات
1 . وصف الله تعالى قوم عاد وثمود وقوم شعيب بعد هلاكهم بالجثوم : فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ . ومعناه عند الراغب : أصبحوا قاعدين لاطئين بالأرض . وعند ابن فارس : قاعدين أو نائمين .
لكن الجُثُوم في اللغة الهمود والسكون ، وليس فيه عنصر الوقوف أوالقعود أو النوم ، إلا أنه لا يتناسب مع الوقوف . وقد يكون فيه معنى الإقامة والثقل كقولهم جثم الهمُّ على القلب . أو معنى الكُمُون كما في جثم الأسد لفريسته ، وفي الحديث : « إن الشيطان يدير ابن آدم في كل شئ ، فإذا أعياه جثم له عند المال فأخذ برقبته » . « الكافي : 2 / 315 » .
وروى في الإحتجاج « 2 / 159 » أنهم كانوا يحفرون بئراً بين الكوفة والمدينة فانخسفت الأرض فأدلوا بها رجلين على عمق سحيق : « فمكثا ملياً ، ثم حركا الحبل فأصعدا فقال لهما : ما رأيتما ؟ قالا : أمراً عظيماً ! رجالاًونساءً وبيوتاً وآنيةً ومتاعاً كله ممسوخ من حجارة ! فأما الرجال والنساء فعليهم ثيابهم ، فمن بين قاعد ومضطجع ومتكئ ، فلما مسسناهم إذا ثيابهم تتفشى شبه الهباء ومنازل قائمة ! قال : فكتب المهدي « الخليفة » إلى المدينة إلى موسى بن جعفر عليه السلام يسأله . فأخبره فبكى بكاءً شديداً وقال : يا أمير المؤمنين هؤلاء بقية قوم عاد غضب الله عليهم فساخت بهم منازلهم ، هؤلاء أصحاب الأحقاف » !
2 . قال الخليل « 6 / 100 » : « جثم : جثم يجثم جثوماً ، أي لزم مكاناً لا يبرح . والجاثوم الكابوس أي الديثان . . والجثمان بمنزلة الجسمان » .
والخليل أخبر في اللغة من الراغب وابن فارس .
جَثَيَ
جَثَا على ركبتيه يَجْثُو جُثُوّاً وجِثِيّاً فهو جَاثٍ ، نحو : عتا يعتو عتوَّاً وعِتِيَّاً ، وجمعه : جُثِيٌّ نحو : باك وبُكِيّ .
وقوله عز وجل : وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا « مريم : 72 » يصح أن يكون جمعاً نحو : بُكِيّ ، وأن يكون مصدراً موصوفاً به .
والجاثية في قوله عز وجل : وَتَرى كل أُمَّةٍ جاثِيَةً « الجاثية : 28 » فموضوع موضع الجمع ، كقولك : جماعة قائمة وقاعدة .
ملاحظات
لم يذكر الراغب أن الجثو على الركب بمعنى الجلوس
--------------------------- 202 ---------------------------
للخصومة . ولم يذكر ابن فارس المادة أو سقطت من نسخته .
وقال الخليل « 7 / 171 » : « العرب لا تستعمل الجثو إلا في عمل الإنسان إذا جثى على ركبتيه للخصومة ونحوها » .
وقال علي عليه السلام : « أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة » . « البخاري : 5 / 6 » .
وقال ابن منظور « 14 / 131 » : « جَثَا يَجْثُو ويَجْثِي جُثُوّاً وجُثِيّاً ، على فعول فيهما : جلس على ركبتيه للخصومة ونحوها . والجاثي : القاعد . وفي التنزيل العزيز : وترى كل أُمَّةٍ جاثِيَةً ، قال مجاهد : مُستوفِزينَ على الرُّكَب .
والجُثْوة والجَثْوَة والجِثْوَة ، ثلاث لغات : حجارة من تراب متجمع كالقبر . وفي الحديث : فلان من جُثَى جهنم . قال الله تعالى : ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا .
وجُثْوةُ كل إنسان : جسده . والجمع الجُثَى » .
جَحَدَ
الجُحُود : نفي ما في القلب إثباته ، وإثبات ما في القلب نفيه ، يقال : جَحَدَ جُحُوداً وجَحْداً . قال عز وجل : وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ « النمل : 14 » وقال عز وجل : بِآياتِنا يَجحَدُونَ . « الأعراف : 51 » .
وتَجَحَّدَ : تَخَصَّصَ بفعل ذلك . يقال : رجل جَحِدٌ : شحيحٌ قليل الخير يُظهر الفقر . وأرض جَحْدَة : قليلة النبت ، يقال : جَحَداً له ونَكَداً ، وأَجْحَدَ : صار ذا جَحْد .
ملاحظات
اتفق اللغويون على أن الجحود إنكار ما يعلمه الشخص ، فإن أنكر ما لا يعلمه فهو منكر وليس جاحداً . قال ابن فارس : « 1 / 425 » : « الجحود وهو ضد الإقرار ولا يكون إلا مع علم الجاحد به أنه صحيح » .
وفي الكافي « 2 / 399 » أن الإمام الصادق عليه السلام سئل : « ما تقول فيمن شك في الله ؟ فقال : كافر يا أبا محمد . قال : فشك في رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال : كافر ، قال : ثم التفت إلى زرارة فقال : إنما يكفر إذا جحد » .
جَحَمَ
الجُحْمَة : شدة تأجج النار ، ومنه : الجحيم ، وجَحَمَ وجهُه من شدة الغضب ، استعارةٌ من جحمة النار ، وذلك من ثوران حرارة القلب . وجُحْمَتَا الأسد : عيناه لتوقدهما .
ملاحظات
ليست الجحيم من أسماء النار إلا مجازاً ، فقد استعملوا : جَحِمَت الحرب ، وجَاحِمُ الحرب ، بمعنى مركز شدتها . ثم استعملوها للنار بعد نزول القرآن .
وهي في القرآن بمعنى جوٍّ جهنمي يعيشه الفاجر في الدنيا ، فيستعرُ في الآخرة ويصلاه ، قال تعالى : إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ . وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ . يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ . وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ . فهم فيها في الدنيا ، ويَصْلَوْنَها في الآخرة .
جَدَّ
الجَدُّ : قَطْعُ الأرض المستوية ، ومنه : جَدَّ في سيره يَجِدُّ جَدّاً . وكذلك جَدَّ في أمره وأَجَدَّ : صار ذا جِدٍّ . وتُصُور من : جَدَدْتُ الأرض : القطع المجرد ، فقيل : جددت الثوب إذا قطعته على وجه الإصلاح .
وثوب جديد : أصله المقطوع ، ثم جعل لكل ما أحدث إنشاؤه ، قال تعالى : بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ « ق : 15 » إشارة إلى النشأة الثانية ، وذلك قولهم : أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ « ق : 3 » .
وقوبل الجديد بالخَلِق ، لما كان المقصود بالجديد القريب العهد بالقطع من الثوب . ومنه قيل لليل والنهار : الجَدِيدَان والأَجَدَّان .
قال تعالى : وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ « فاطر : 27 » جمع جُدَّة ،
--------------------------- 203 ---------------------------
أي طريقة ظاهرة ، من قولهم : طريق مَجْدُود ، أي مسلوك مقطوع . ومنه : جَادَّة الطريق .
والجَدُود والجِدَّاء من الضأن : التي انقطع لبنها . وجُدَّ ثدي أمه : على طريق الشتم .
وسمي الفيض الإلهي جَدّاً ، قال تعالى : وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا « الجن : 3 » أي فيضه ، وقيل عظمته ، وهو يرجع إلى الأول ، وإضافته إليه على سبيل اختصاصه بملكه .
وسمي ما جعل الله للإنسان من الحظوظ الدنيوية جَدّاً ، وهو البخت ، فقيل : جُدِدْتُ وحُظِظْتُ . وقوله عليه السلام : لا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ ، أي لا يتوصل إلى ثواب الله تعالى في الآخرة بالجد ، وإنما ذلك بالجد في الطاعة ، وهذا هو الذي أنبأ عنه قوله تعالى : مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ « الإسراء : 18 » وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً « الإسراء : 19 » . وإلى ذلك أشار بقوله : يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ « الشعراء : 88 » .
والجَدُّ : أبو الأب وأبو الأم . وقيل : معنى لا ينفع ذا الجد : لا ينفع أحداً نسبه وأبُوَّته ، فكما نفى نفع البنين في قوله : يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ « الشعراء : 88 » كذلك نفى الأبوة في هذا الحديث .
ملاحظات
1 . جعل الراغب المادة أصلاً واحداً ، وهو ظاهر كلام الخليل « 6 / 7 » . وجعلها ابن فارس ثلاثة أصول ، ورأيه أقوى لأنه لا يمكن إرجاع كل فروعها إلى القطع .
قال « 1 / 406 » : « فالأول : العظَمة ، قال الله جل ثناؤه إخباراً عمن قال : وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا .
والثاني : الغنى والحظ ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله في دعائه : لا ينفع ذا الجد منك الجد . يريد لا ينفع ذا الغنى منك غناه ، إنما ينفعه العمل بطاعتك .
والثالث : يقال جددت الشئ جداً وهو مجدود وجديد ، أي مقطوع . ومنه الجدود والجِدَاء من الضان وهي التي جف لبنها ويبس ضرعها . ومن هذا الباب الَجداد والِجداد وهو صرام النخل » .
2 . فسر الراغب وغيره كلمة جُدَدٌ في قوله تعالى : وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ « فاطر : 27 » بأنه : طُرُقٌ أو طرائق . ولم أجد وجهاً مقنعاً لتفسير طرق الجبال المتكونة من ماء الأمطار ! ولعلها طرقٌ جيولوجية للدلالة على الماء والمعادن في باطن الأرض .
3 . قال الله تعالى حكاية عن الجن : وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً . ويقصد الجن تعالى حَظُّ ربنا !
وقد قبل المفسرون هذا الوصفلله تعالى ، لكن أهل البيت عليهم السلام ردوه ، ففي تفسير القمي « 2 / 389 » عن الإمام الصادق عليه السلام : « هو شئ قالته الجن بجهالة ، فلم يرضه الله منهم . وفي رواية عنه عليه السلام : شئ كَذَبَه الجن ، فقصه الله كما قالوا » . وفي الخصال « 1 / 604 » : « يقال في افتتاح الصلاة : تعالى عرشك ، ولا يقال : تعالى جَدُّك » .
جَدَثَ
قال تعالى : يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً « المعارج : 43 » جمع الجَدَث ، يقال : جدث وجدف . وفي سورة يس : فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ .
ملاحظات
اتفق اللغويون على أن معنى الجدث القبر ، وليس له معنى آخر . ولم يذكروا اشتقاقه . ولعله اسم ديني .
جَدَرَ
الجِدَار : الحائط ، إلا إن الحائط يقال اعتباراً بالإحاطة
--------------------------- 204 ---------------------------
بالمكان ، والجدار يقال اعتباراً بالنتوِّ والإرتفاع ، وجمعه جُدُر . قال تعالى : وأما الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ « الكهف : 82 » . وقال : جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ « الكهف : 77 » . وقال تعالى : أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ « الحشر : 14 » وفي الحديث : حتى يبلغ الماء الجُدُر .
وجَدَرْتُ الجدار : رفعته ، واعتبر منه معنى النتوِّ فقيل : جَدَرَ الشجر : إذا خرج ورقه كأنه حُمُّص . وسمي النبات الناتئ من الأرض جَدَراً ، الواحد جَدَرَة ، وأَجْدَرت الأرض : أخرجت ذلك . وجُدِرَ الصبي وجُدِّرَ : إذا خرج جدريهُ تشبيهاً بجدر الشجر .
وقيل : الجُدَرِيُّ والجُدَرَةُ : سلعة تظهر في الجسد ، وجمعها أَجْدَار . وشاة جَدْرَاء .
والجَيْدَر : القصير . اشتق ذلك من الجدار ، وزيد فيه حرف على سبيل التهكم حسبما بيناه في أصول الإشتقاق . والجَدِيرُ : المنتهى ، لانتهاء الأمر إليه انتهاء الشئ إلى الجدار ، وقد جَدُرَ بكذا فهو جَدِير ، وما أَجْدَرَهُ بكذا وأَجْدِرْ به .
ملاحظات
استعمل القرآن كلمة الجدار مفرداً وجمعاً ، وكلمة أجدر ولم يذكرها الراغب ، قال تعالى : الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ الله . « التوبة : 97 » .
وجعل الراغب الجدار أصلاً بمعنى الارتفاع وهو وجه ضعيف ، وقد تكلف في إرجاع الفروع اليه ، وأي ارتفاع في قولك هو جدير به بمعنى حريٍّ به ، وكذا : هو أجدر به .
وجعله ابن فارس « 1 / 431 » أصلين : الجدار والجدري ، لكن جديراً تبقى خارجهما ومعناها : أحق .
جَدَلَ
الجِدَال : المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة ، وأصله من : جَدَلْتُ الحبل أي أحكمت فتله ، ومنه الجَدِيل . وجدلت البناء : أحكمته ، ودرع مَجْدُولَة . والأَجْدَل : الصقر المحكم البنية . والمِجْدَل : القصر المحكم البناء .
ومنه : الجِدَال ، فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه . وقيل : الأصل في الجِدَال : الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجَدَالَة وهي الأرض الصلبة . قال الله تعالى : وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ « النحل : 125 » الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ الله « غافر : 35 » وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ الله أَعْلَمُ « الحج : 68 » قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا « هود : 32 » وقرئ : جدلنا . ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا « الزخرف : 58 » وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَئ جَدَلًا « الكهف : 54 » وقال تعالى : وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي الله « الرعد : 13 » يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ « هود : 74 » وَجادَلُوا بِالْباطِلِ « غافر : 5 » وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي الله « الحج : 3 » وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ « البقرة : 197 » يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا « هود : 32 » .
ملاحظات
1 . جعل الراغب الجدل مشتقاً من جَدْل الحبل ، كأن المجادل يفتل صاحبه ليقنعه برأيه . وجعله ابن فارس مشتقاً من الأرض الصلبة ، كأنه يريد أن يوقع صاحبه على الأرض . قال في المجمل / 179 : « الجدالُ : الخصومة ، سمي بذلك لشدته . والجدالةُ : الأرض . يقال : طعنهُ فجدلهُ أي رماهُ بالأرض » .
وكلا القولين احتمال ، ويحتمل غيرهما .
2 . استعمل القرآن المادة أكثر من عشرين مرة ، في وصف مجادلات الإنسان ، وقال عنه : وَكَانَ الآنْسَانُ أَكْثَرَ شَئٍْ جَدَلاً ، ووصف جدل قوم نوح وهود عليهم السلام ، وجدل إبراهيم عليه السلام للملائكة : فَلما ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ .
واستنكر على الذين يجادلون في الله تعالى ، وفي آياته ، ويجادلون الرسول صلى الله عليه وآله . وبَيَّنَ دوافعهم . وسمى سورة
--------------------------- 205 ---------------------------
المجادلة بمناسبة الشكاية الزوجية : قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى الله .
وذكر المجادلة بين النبي صلى الله عليه وآله وأمته ، فقال له : وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ . وأمر المسلمين : وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ .
وقال عن جبناء الصحابة في حرب بدر : يُجَادِلُونَكَ فِي الْحق بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأنمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ .
ونهاه أن يجادل عن الخائنين : وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ .
وقال عن الآخرة : يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا .
ونهى عن الجدال في الحج خاصة : فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ .
وقال عمَّن يجادل في التسمية عند الذبح : وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ .
جَذَّ
الجَذُّ : كسر الشئ وتفتيته ، ويقال لحجارة الذهب المكسورة ولفُتَات الذَّهب : جُذَاذ ، ومنه قوله تعالى : فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً « الأنبياء : 58 » عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ « هود : 108 » أي غير مقطوع عنهم ولا مخترم . وقيل : ما عليه جِذَّة ، أي متقطعٌ من الثياب .
جَذَعَ
الجِذْعُ جمعه جُذُوع ، قال : فِي جُذُوعِ النَّخْلِ « طه : 71 » جَذَعْتُهُ : قطعته قطع الجذع . والجَذَع من الإبل : ما أتت لها خمس سنين ، ومن الشاة : ما تمّت له سنة .
ويقال للدهم الزالة الجذع ، تشبيهاً بالجذع من الحيوان .
ملاحظات
استعمل القرآن من هذه المادة كلمتين : جذع النخلة ، وجذوع النخل فقط . وقوله : « يقال للدهم الإزالة : الجذع » فيها تصحيف وأصلها : للدهر الأزلم ، وقد أخذها من الخليل ، قال « 1 / 221 » : « الجذع من الدواب قبل أن يثني بسنة ، ومن الأنعام هو أول ما يستطاع ركوبه . والدهر يسمى جذعاً لأنه جديد .
جَذَوَ
الجَذْوَة والجِذْوَة : الذي يبقى من الحطب بعد الإلتهاب ، والجمع : جذى . قال عز وجل : أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ « القصص : 29 » .
قال الخليل : يقال : جَذَا يَجْذُو ، نحو جثا يجثو ، إلا أن جذا أدل على اللزوم . يقال : جذا القراد في جنب البعير : إذا شد التزاقه به ، وأَجْذَتِ الشجرة : صارت ذات جذوة . وفي الحديث : كمثل الأرزة المجذية . ورجل جَاذٍ : مجموع الباع ، كأن يديه جذوة ، وامرأة جَاذِيَة .
ملاحظات
1 . وردت كلمة جذوة في القرآن مرة واحدة في قصة موسى عليه السلام وبمعناها القبس : إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ .
2 . المتبادر من الجذوة والجمرة والشهاب : قبس النار . لكن تعريف الراغب لها بما يبقى من الحطب بعد الإلتهاب ، مضحك ! وعليه يكون باقي الخشبة بعد التهابها جذوة ولو لم يكن فيه نار ، ولا تكون الخشبة المشتعلة بدون التهاب جذوة ! وهذا من عدم معايشته اللغة بين أهلها ، ورغبته في تغيير ما قرأه للخليل وابن فارس وأئمة اللغة قبله ! قال الخليل « 6 / 171 » : « والجذوة : قَبْسَةٌ من نار . والتجاذي : إشالة الجمر . ونحوه أجذيته ، وهم يجذونه » .
وقال ابن منظور « 14 / 138 » : « جَذْوة من النار أَي قطعة من الجمر . وهي بلغة جميع العرب » .
3 . كأن الراغب وافق الخليل على أن أصل الجذوة من
--------------------------- 206 ---------------------------
جذا بمعنى لزق ، لكن ابن فارس جعل جذا بمعنى ارتفع . قال « 1 / 440 » : « أصل يدل على الانتصاب . يقال : جذوت على أطراف أصابعي إذا قمت . قال الخليل : يقال جذا يجذو مثل جثا يجثو . وهذا الذي قاله الخليل فدليل لنا في بعض ما ذكرناه من مقاييس الكلام ، والخليل عندنا في هذا المعنى إمام » .
جَرَحَ
الجرح : أثر دام في الجلد ، يقال : جَرَحَه جَرْحاً فهو جَرِيح ومجروح . قال تعالى : وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ « المائدة : 45 » وسمي القَدْح في الشاهد جَرْحاً تشبيهاً به . وتسمى الصائدة من الكلاب والفهود والطيور جَارِحَة وجمعها جَوَارِح ، إما لأنها تجرح وإما لأنها تكسب . قال عز وجل : وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكلبِينَ « المائدة : 4 » . وسميت الأعضاء الكاسبة جوارح ، تشبيهاً بها لأحد هذين .
والإجتراح : اكتساب الإثم ، وأصله من الجِرَاحة ، كما أن الإقتراف من : قرف القرحة ، قال تعالى : أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ « الجاثية : 21 » .
ملاحظات
1 . جعل الراغب هذه المادة أصلاً واحداً ، وجعلها ابن فارس أصلين فقال : « 1 / 452 » : « أصلان أحدهما الكسب ، والثاني شق الجلد » . ورأيُ الراغب أقوى وإن كانت في عبارته عُجمة ، لأن الكسب غالباً ما يكون بالأعضاء وهي الجوارح ، فهو جرحٌ .
2 . استعمل القرآن من هذه المادة أربع كلمات : الجروح والجوارح . واستعمل جَرَحَ لكل كسب : وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ . أي ما كسبتم من خير وشر .
واستعمل اجترح للسيئات خاصة : أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ .
3 . قال الخليل « 3 / 77 » : « جوارح الإنسان : عوامل جسده من يديه ورجليه » . والصحيح أن هذه أبرزها ، وأن كل أعضاء البدن جوارح . قال الإمام الصادق عليه السلام « 2 / 34 » : « لأن الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها وفرقه فيها . . فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم ، وهو أمير بدنه الذي لا تَرِد الجوارح ولا تَصْدر إلا عن رأيه وأمره ، ومنها عيناه اللتان يبصر بهما ، وأذناه اللتان يسمع بهما ، ويداه اللتان يبطش بهما ، ورجلاه اللتان يمشي بهما ، وفرجه الذي الباه من قبله ، ولسانه الذي ينطق به ، ورأسه الذي فيه وجهه ، فليس من هذه جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها ، بفرض من الله تبارك اسمه » .
وقال عليه السلام « 2 / 151 » : « أول ناطق من الجوارح يوم القيامة الرحم ، تقول : يا رب من وصلني في الدنيا فَصِلِ اليوم ما بينك وبينه ، ومن قطعني في الدنيا فاقطع اليوم ما بينك وبينه » .
جَرَدَ
الجَرَاد : معروف ، قال تعالى : فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ « الأعراف : 133 » وقال : كَأنهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ « القمر : 7 » فيجوز أن يجعل أصلاً فيشتق من فعله جَرَدَ الأرض ، ويصح أن يقال : إنما سمِّي ذلك لجرده الأرض من النبات يقال : أرض مَجْرُودَة ، أي أكل ما عليها حتى تجردت . وفرس أَجْرَد : منحسر الشعر . وثوب جَرْدٌ : خلق ، وذلك لزوال وبره وقوته .
وتَجَرَّدَ عن الثوب ، وجَرَّدْتُهُ عنه ، وامرأة حسنة المتجرد . وروي : جَرِّدُوا القرآن ، أي لا تلبسوه شيئاً آخر ينافيه . وانْجَرَدَ بنا السير . وجَرِدَ الإنسان : شَرِيَ جلده من أكل الجراد .
--------------------------- 207 ---------------------------
ملاحظات
ذكر القرآن الجراد الذي أرسله الله تعالى على قوم فرعون ، وشبَّه خروج الناس من قبورهم يوم القيامة بانتشار الجراد : خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأنهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ .
وقول الراغب : جردوا القرآن ، هو قول عمر بن الخطاب لما مَنَع المسلمين من التحديث عن النبي صلى الله عليه وآله ، أي إقرؤوا القرآن وحده ، ولا تقرؤوا الحديث ، ولا تفسروه بالحديث !
وقد أجاد الخليل في تدوين المادة ، فقال « 6 / 75 » : « الجَرْد : فضاءٌ لا نبات فيه ، إسمٌ للفضاء ، فإذا نُعت به قلت : أرض جرداء ، ومكان أجرد ، وقد جردته جرداً ، وجردها القحط تجريداً . ورجل أجرد : لا شعر على جسده . والأجرد من الخيل والدواب : القصير الشعر حتى يقال إنه لأجرد القوائم . وتجرد لأمر كذا أو للعبادة أي أخذ في القيام به . وإذا خرجت السنبلة من لفائفها ، قيل تجردت . وامرأة بضة المتجرد ، أي رخصة ناعمة تحت ثيابها . والجريدة : سعفةٌ رطبة جُرد عنها خوصها كما يقشأ الورق عن القضيب . وزرع مجرود : أصابه الجراد . والجرادة اللحاسة : معروف . وأرض مجرودة ومَجْرَد وجَرْدة ، أي ليس فيها سترة من شجر وغيره . والجريدة : طائفة من الجند » .
جَرَزَ
قال عز وجل : صَعِيداً جُرُزاً « الكهف : 8 » أي منقطع النبات من أصله ، وأرض مَجْرُوزَة : أكل ما عليها ، والجَرُوز : الذي يأكل ما على الخوان ، وفي المثل : لا ترضى شانئة إلا بِجَرْزَة ، أي باستئصال . والجَارِز : الشديد من السُّعال ، تُصُوِّرَ منه معنى الجرز ، والجَرْزُ : قطع بالسيف وسيف جُرَاز » .
ملاحظات
استعمل القرآن الجُرُز صفةً للأرض في آيتين : وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا . نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا . وفسره الراغب بأنه صعيد منقطع النبات من أصله ، أي مجزوزة أشجاره ونباته .
وفسره الخليل بالأرض المأكول نباتها ، قال « 6 / 64 » : « الجرز : شدة الأكل . وأرض جرز ، وجرزت جرزاً ، أي لم يبق عليها من النبت شئ إلا مأكولاً . والجِرْز من السلاح ، والجميع الجِرزة . والجرزة : الحزمة من قتٍّ ونحوه . وسيف جِرَاز : سريع القطع . ورجل جروز ، أي مقتول في المعركة » .
وقال ابن فارس « 1 / 441 » : « أرض جارزة : يابسة غليظة يكتنفها رمل . وامرأة جارز : عاقر » .
جَرَعَ
جَرِِعَ الماء يَجْرَعُ ، وقيل : جَرَعَ . وتَجَرَّعَهُ : إذا تكلف جرعه . قال عز وجل : يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ « إبراهيم : 17 » والجُرْعَة : قدر ما يتجرَّع ، وأفلت بجُرَيْعَة الذقن ، بقدر جرعة من النفس . ونوق مَجَارِيع : لم يبق في ضروعها من اللبن إلا جَرْعٌ .
والجَرَعُ والجَرْعَاء : رمل لا ينبت شيئاً ، كأنه يتجرع البذر .
جَرَفَ
قال عز وجل : عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ « التوبة : 109 » يقال للمكان الذي يأكله السيل فيجرفه أي يذهب به : جُرْف ، وقد جَرَفَ الدهر ماله ، أي اجتاحه تشبيهاً به ، ورجل جُرَاف : نَكِحَةٌ ، كأنه يجرف في ذلك العمل .
ملاحظات
قال ابن منظور « 9 / 25 و 14 / 436 » : « الجُرُفُ : ما أَكلَ السيلُ من أَسْفَل شِقِّ الوادي والنَّهر ، والجمع أَجْرافٌ وجُرُوف
--------------------------- 208 ---------------------------
وجِرَفةٌ ، فإن لم يكن من شِقِّه فهو شَطٌّ وشاطئٌ .
والشَّفى : حرْفُ الشئِ وحَدُّه ، قال الله تعالى : على شَفى جُرُفٍ هارٍ ، والاثنان شَفَوان . وشَفى كلِّ شئ حَرْفُه ، قال تعالى : وكنتم على شَفى حُفْرة من النارِ » .
وفي مجمع البحرين « 1 / 247 » : « هارٍ : مقلوب من هائر كقولهم : شاكِي السلاح وشائك السلاح » .
جَرَمَ
أصل الجَرْم : قطع الثمرة عن الشجر . ورجل جَارِم وقوم جِرَام وثمر جَرِيم . والجُرَامَة : ردئ التمر المَجْرُوم ، وجعل بناؤه بناء النفاية .
وأَجْرَمَ : صار ذا جُرْم ، نحو : أثمر وألبن ، واستعير ذلك لكل اكتساب مكروه ، ولا يكاد يقال في عامة كلامهم للكَيِّس المحمود . ومصدره جَرْم . وقول الشاعر في صفة عقاب : جريمةُ ناهضٍ في رأسِ نِيقِ
فإنه سمى اكتسابها لأولادها جرماً من حيث إنها تقتل الطيور ، أو لأنه تصورها بصورة مرتكب الجرائم لأجل أولادها ، كما قال بعضهم : ما ذو ولد وإن كان بهيمة ، إلا ويذنب لأجل أولاده !
فمن الإجرام : قوله عز وجل : إن الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ « المطففين : 29 » وقال تعالى : فَعَلَيَّ إِجْرامِي « هود : 35 » وقال تعالى : كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إنكُمْ مُجْرِمُونَ « المرسلات : 46 » وقال تعالى : إن الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ « القمر : 47 » وقال عز وجل : إن الْمُجْرِمِينَ ، فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ « الزخرف : 74 » .
ومن جَرَم ، قال تعالى : لايَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ « هود : 89 » فمن قرأ بالفتح فنحو : بغيتهُ مالاً ، ومن ضمَّ فنحو : أبغيتهُ مالاً ، أي أغثته .
وقوله عز وجل : وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا « المائدة : 8 » .
وقوله عز وجل : فَعَلَيَّ إِجْرامِي « هود : 35 » فمن كسر فمصدر ، ومن فتح فجمع جرم . واستعير من الجرم أي القطع جَرَمْتُ صوف الشاة ، وتَجَرَّمَ الليل .
والجِرْمُ في الأصل : المجروم ، نحو نَقْض ونَفْض للمنقوض والمنفوض ، وجعل إسماً للجسم المجروم . وقولهم : فلان حسن الجرم أي اللون ، فحقيقته كقولك : حسن السخاء . وأما قولهم : حسن الجِرْم أي الصوت ، فالجرم في الحقيقة إشارة إلى موضع الصوت لا إلى ذات الصوت ، ولكن لما كان المقصود بوصفه بالحسن هو الصوت فُسِّرَ به ، كقولك : فلان طيب الحلق ، وإنما ذلك إشارة إلى الصوت لا إلى الحلق نفسه .
وقوله عز وجل : لا جَرَمَ ، قيل : إن لا تتناول محذوفاً ، نحو لا في قوله تعالى : لا أُقْسِمُ « القيامة : 1 » وفي قول الشاعر :
لَاوَأَبِيكِ ابنةَ العامِرِيَِ
ومعنى جَرَمَ : كسب ، أو جنى . و : إن لَهُمُ النَّارَ « النحل : 62 » في موضع المفعول ، كأنه قال : كسب لنفسه النار . وقيل : جَرَمَ وجَرِمَ بمعنى ، لكن خُصَّ بهذا الموضع جرم كما خُصَّ عُمْر بالقسم وإن كان عُمْر وعُمُر بمعنى ، ومعناه : ليس بجرم أن لهم النار ، تنبيهاً [ على ] أنهم اكتسبوها بما ارتكبوه ، إشارة إلى قوله تعالى : وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها « الجاثية : 15 » . وقد قيل في ذلك أقوال ، أكثرها ليس بمرتضى عند التحقيق .
وعلى ذلك قوله عز وجل : فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ « النحل : 22 » لا جَرَمَ إن الله يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ « النحل : 23 » وقال تعالى : لا جَرَمَ إنهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ « النحل : 109 » .
--------------------------- 209 ---------------------------
ملاحظات
1 . جعل أكثر اللغويين مادة جَرَمَ أصلاً واحداً بمعنى قَطَعَ ، إلا الجوهري فجعلها عدة أصول وهو الصحيح ، لأنه لا يمكن إرجاع جريمة المجرم إلى القطع ، ولا إرجاع الجِرم بمعنى الجسم إلى القطع . . قال « 5 / 1885 » : « الجُرْم : الذنب ، والجريمة مثله . والجَرْم : القطع . وقد جَرَمَ النخل واجترمه أي صرمه فهو جارم . وجَرمْتُ صوف الشاة ، أي جززته ، مثل جَلَمْتُ . والجِرم بالكسر الجسد . والجِرم اللون . والجِرم الصوت . وفلان جريمة أهله ، أي كاسبهم .
2 . استعمل القرآن مادة جَرَمَ أكثر من خمسين مرة ، منها 34 مرة في المجرمين ، أي العصاة أهل المخالفات الكبيرة . والجريمة في اللغة الفارسية خفيفة بخلاف العربية ، فلو قلت لفارسي عملك جريمة وأنت مُجرم ، فمعناه ارتكبت مخالفة بسيطة . لذلك خفف اللغويون وأكثرهم فرس ، من معنى الجريمة ، وجعلوها جَزَّ الزرع !
3 . استعمل القرآن تعبير لايجرمنكم ، ثلاث مرات ، بمعنى لايوقعكم الأمر الفلاني في الجُرْم والذنب ، كقوله تعالى : وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا .
واستعمل لا جَرَمَ خمس مرات ، بمعنى لاعجبَ ولا جُرْمَ في هذا الأمر بل يستحقه أهله ، كقوله تعالى : لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ . لاجَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ . لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ .
لاجَرَمَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ . وأكثر اللغويون في تفسيره ، وفسره الراغب : لا كسب ولا جناية في كذا .
وقال الجوهري « 5 / 1886 » : « هي كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة ، فجرت على ذلك وكثرت حتى تحولت إلى معنى القسم ، وصارت بمنزلة حقاً فلذلك يجاب عنه باللام ، كما يجاب بها عن القسم . ألا تراهم يقولون : لا جرم لآتينك » .
وفي المخصص « 4 / 117 » : « وأما لا جرم أن لهم النار ، فإن الخليل وسيبويه ومن تبعهما من البصريين يجعلون جَرَم فعلاً ماضياً ويجعلون لا داخلة عليها . قال سيبويه : حقٌّ أن لهم النار . وقال غيره : جَرَم بمعنى كسب . وأما الفراء وأصحابه فذهبوا إلى أن جَرَم اسم منصوب بلا ، على التبرئة » . أي على النفي .
جَرَى
الجَرْي : المرُّ السريع ، وأصله كمرِّ الماء ولما يجري بجريه . يقال : جَرَى يَجْرِي جِرْيَة وجَرَيَاناً . قال عز وجل : وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي « الزخرف : 51 » وقال تعالى : جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ « الكهف : 31 » وقال : وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ « الروم : 46 » وقال تعالى : فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ « الغاشية : 12 » . وقال : إنا لما طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ « الحاقة : 11 » أي السفينة التي تجري في البحر ، وجمعها جَوَارٍ ، قال عز وجل : وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ « الرحمن : 24 » وقال تعالى : وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالإعلامِ « الشورى : 32 » .
ويقال للحوصلة جِرِّيَّة إما لانتهاء الطعام إليها في جريه ، أو لأنها مجرى الطعام .
والإِجْرِيَّا : العادة التي يجري عليها الإنسان .
والجَرِيُّ : الوكيل والرسول الجاري في الأمر ، وهو أخص من لفظ الرسول والوكيل . وقد جَرَيْتُ جَرْياً .
وقوله عليه السلام : لايستجرينكم الشيطان ، يصح أن يدعى فيه معنى الأصل ، أي لا يحملنكم أن تجروا في ائتماره وطاعته . ويصح أن تجعله من الجري ، أي الرسول والوكيل ، ومعناه : لا تتولوا وكالة الشيطان ورسالته ، وذلك إشارة إلى نحو قوله عز وجل : فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ « النساء : 76 »
--------------------------- 210 ---------------------------
وقال عز وجل : إنما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ . « آل عمران : 175 » .
ملاحظات
1 . عرَّف الراغب الجَري بأنه المرور ، وأضاف له السرعة ، لكن قد يكون الجري بطيئاً .
قال الخليل « 3 / 228 » : « فرس مُحْمِر ، وجمعه محامر ومحامير ، أي يجري جري الحمار من بطئه » .
2 . استعمل القرآن : تجري من تحتها الأنهار ، ومن تحتهم الأنهار ، في نحو أربعين آية . ووصف في الجنة عيناً جارية ، وعينين تجريان .
وقال عن السفن : وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ . وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ . حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا . وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِى فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ . وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِىَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ . تَجْرِى فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ الله .
وسمى سفينة نوح عليه السلام الجارية : إِنَّا لما طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ . وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ الله مَجْرِاهَا وَمُرْسَاهَا .
وقال عن الشمس والقمر : وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مُسَمًّى . وكشف عن قوى كونية : وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا . فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا . فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا .
وقال عن سليمان عليه السلام : فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِى بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ .
جَزَعَ
قال تعالى : سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا « إبراهيم : 21 » الجَزَع : أبلغ من الحزن ، فإن الحزن عام والجزع هو حزن يصرف الإنسان عما هو بصدده ويقطعه عنه .
وأصل الجَزَع : قطع الحبل من نصفه ، يقال : جَزَعْتُهُ فَانْجَزَعَ . ولتصور الانقطاع منه قيل : جِزْعُ الوادي لمنقطعه . ولانقطاع اللون بتغيره قيل للخرز المتلون جَزْع .
ومنه استعير قولهم : لحم مُجَزَّع ، إذا كان ذا لونين . وقيل للبسرة إذا بلغ الإرطاب نصفها : مُجَزَّعَة .
والجَازِع : خشبة تجعل في وسط البيت فتلقى عليها رؤوس الخشب من الجانبين ، وكأنما سمي بذلك إما لتصور الجزعة لما حمل من العبء ، وإما لقطعه بطوله وسط البيت .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن الجزع في آيتين : إِنَّ الآنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وذكر قول أهل النار : سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ .
2 . لا يصح قول الراغب : « الجزع : هو حزن يصرف الإنسان عما هو بصدده » لأن الجَزَع ليس الحزن ، بل حالة تصاحب الحزن أو الغضب أو تنتج عنهما . وهي تُناقض الصبر ، ولذلك يقال : حزن فصبر ، وحزن فَجَزِعَ . ويقال : غضب فجزع ، وغضب وصبر .
وقد يكون الجزع بفعل كاللطم والضرب ونحوهما ، وقد يكون باستحكام حالة نفسية على الحزين الجازع . قال أمير المؤمنين عليه السلام يصف ثورة الصحابة على عثمان : « استأثر فأساء الأثرة . وجزعتم فأسأتم الجزع . ولله حكم واقع في المستأثر والجازع » « نهج البلاغة : 1 / 76 » .
وسئل الإمام الباقر عليه السلام عن الجزع فقال : « أشد الجزع : الصراخ بالويل والعويل ، ولطم الوجه والصدر ، وجز الشعر من النواصي » . « الكافي : 3 / 222 » .
وقال الإمام الصادق عليه السلام : « كل الجزع والبكاء مكروه ، سوى الجزع والبكاء على الحسين » . « أمالي الطوسي / 162 » .
3 . جعل الراغب الجَزْع أصلاً واحداً بمعنى القطع ، من قطع الحبل ، لأنه يقطع الإنسان عما يريد عمله . لكن
--------------------------- 211 ---------------------------
اشتقاقه من قطع الحبل أو الصحراء ، مجرد احتمال .
وجعله ابن فارس أصلين « 1 / 453 » : « أحدهما الانقطاع ، والآخر جوهر من الجواهر . وهو الخَرَز المعروف » .
ولم يتعرض الخليل لاشتقاقه ، قال : « 1 / 217 » : « الواحدة : جَزْعَةٌ من الخَرَز . والجَزْعُ : قطعك المفازة عرضاً . وناحيتا الوادي : جَزْعَاهُ . والجزْعَة : من الماء واللبن : ما كان أقل من نصف السقاء . والجَزَعُ : نقيض الصبر » .
جَزَأَ
جُزْءُ الشئ : ما يتقوَّم به جملته كأجزاء السفينة وأجزاء البيت وأجزاء الجملة من الحساب ، قال تعالى : ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كل جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً « البقرة : 260 » وقال عز وجل : لِكل بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ « الحجر : 44 » أي نصيب ، وذلك جزءٌ من الشئ ، وقال تعالى : وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً « الزخرف : 15 » وقيل : ذلك عبارة عن الإناث ، من قولهم : أَجْزَأَتِ المرأة : أتت بأنثى .
وجَزَأَ الإبل : مَجْزَءاً وجَزْءاً : اكتفى بالبقل عن شرب الماء . وقيل : اللحم السمين أجزأ من المهزول . وجُزْأَة السكين : العود الذي فيه السيلان « دمٌ كثير » تصوُّراً أنه جزء منه .
جَزَيَ
الجَزَاء : الغَنَاء والكفاية ، وقال تعالى : لايَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً « لقمان : 33 » .
والجَزَاء : ما فيه الكفاية من المقابلة ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر . يقال : جَزَيْتُهُ كذا وبكذا . قال الله تعالى : وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى « طه : 76 » . وقال : فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى « الكهف : 88 » وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها « الشورى : 40 » وقال تعالى : وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً « الإنسان : 12 » وقال عز وجل : جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً « الإسراء : 63 » أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا « الفرقان : 75 » وَما تُجْزَوْنَ إِلَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ « الصافات : 39 » .
والجِزْيَة : ما يؤخذ من أهل الذمة ، وتسميتها بذلك للإجتزاء بها عن حقن دمهم ، قال الله تعالى : حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ « التوبة : 29 » . ويقال : جازيك فلان ، أي كافيك ، ويقال : جَزَيْتُهُ بكذا وجَازَيْتُهُ .
ولم يجئ في القرآن إلا جزى ، دون جازى ، وذاك أن المجازاة هي المكافأة ، وهي المقابلة من كل واحد من الرجلين ، والمكافأة هي مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها ، ونعمة الله تتعالى عن ذلك ، ولهذا لا يستعمل لفظ المكافأة في الله عز وجل . وهذا ظاهر .
ملاحظات
1 . فات الراغب قوله تعالى : ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ « سبأ : 17 » . ومعنى المكافأة يصح بأدنى سبب ، فالكفور ظلم الله تعالى فجازاه .
كما أن من يفعل خيراً : يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ . قال ابن منظور « 14 / 143 » : « قال الفراء : لا يكون جَزَيْتُه إِلَّا في الخير ، وجازَيْته يكون في الخير والشر ، قال : وغيره يُجِيزُ جَزَيْتُه في الخير والشر ، وجازَيْتُه في الشَّرّ » .
والصحيح أنهما يستعملان حسب المعنى الذي يقصده المتكلم ، فقد يريد القول إن هذا الجزاء مجازاة باعتبار من الاعتبارات .
2 . جعل الراغب الجزاء بمعنى المكافأة مشتقاً من الجزاء بمعنى الغَنَاء ، لأنهما سدٌّ مَسَدَّ شئ . والظاهر أنهما أصلان . وابتكر ابن فارس أصلاً يجمعهما « 1 / 455 » قال : « يقال : جزيت فلاناً أجزيه جزاءً وجازيته مجازاة . وهذا رجل جَازِيكَ من رجل ، أي حسبك ، ومعناه أنه ينوب مناب كل أحد » .
ويبدو أن الخليل جعلها ثلاثة ، قال « 6 / 164 » : « جزى يجزي جزاء : أي كافأ بالإحسان وبالإساءة . وفلان ذو
--------------------------- 212 ---------------------------
غناء وجزاء ، ممدود . وتجازيتُ دَيْني : تقاضيته » .
لكن مادة جزى أوسع مما ذكروا ، وأصولها أكثر من ثلاثة ، وفروعها كثيرة لا يمكن إرجاعها كلها إلى الأصول المذكورة ، والأمر فيها سهل لوضوحها .
جَسَسَ
قال الله تعالى : وَلا تَجَسَّسُوا « الحجرات : 12 » أصل الجَسِّ : مسُّ العِرْق وتعرُّف نبضه للحكم به على الصحة والسقم ، وهو أخص من الحَسِّ فإن الحس تعرُّف ما يدركه الحِس ، والجَسُّ تَعَرُّفُ حاله من ذلك .
ومن لفظ الجس اشتق الجاسوس .
جَسَدَ
الجَسَد كالجسم ، لكنه أخصُّ ، قال الخليل رحمه الله : لا يقال الجسد لغير الإنسان من خلق الأرض ونحوه . وأيضاً فإن الجسد ما له لون ، والجسم يقال لما لا يَبِينُ له لون كالماء والهواء .
وقوله عز وجل : وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطعامَ « الأنبياء : 8 » يشهد لما قال الخليل . وقال : عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ « طه : 88 » وقال تعالى : وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ « ص : 34 » . وباعتبار اللون قيل للزعفران : جِسَاد . وثوب مِجْسَد : مصبوغ بالجِسَاد ، والمِجْسَد : الثوب الذي يلي الجسد . والجَسَد والجَاسِد والجَسِد من الدم ما قد يبس .
ملاحظات
قال الخليل « 6 / 47 » : « ولا يقال لغير الإنسان جسد من خلق الأرض . وكل خلق لا يأكل ولا يشرب من نحو الملائكة والجن مما يعقل فهو جسد . وكان عجل بني إسرائيل جسداً لا يأكل ولا يشرب ، ويصيح .
وقوله تعالى : وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ، أي ما جعلناهم خلقاً مستغنين عن الطعام » .
يقصد الخليل : أن وصف الله تعالى لعجل بني إسرائيل بأنه جسد مع أنه خُلق من الأرض ، لا ينافي اختصاص لفظ الجسد بالإنسان . وهو كلام ضعيف ، قاله ليفسر قوله تعالى : وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطعامَ . لكن المعنى : وما جعلناهم جسداً مصمتاً لا جوف له فلا يحتاج إلى طعام . قال الإمام الباقر عليه السلام : « إن الله خلق ابن آدم أجوف ، لابد له من الطعام والشراب » . « الكافي : 6 / 286 » .
جَسَمَ
الجسم : ماله طول وعرض وعمق ، ولا تخرج أجزاء الجسم عن كونها أجساماً ، وإن قطع ما قطع ، وجُزِّئ ما قد جزئ . قال الله تعالى : وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ « البقرة : 247 » وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ « المنافقون : 4 » تنبيهاً [ على ] أن لا وراء الأشباح معنى معتد به .
والجُسْمَان : قيل هو الشخص ، والشخص قد يخرج من كونه شخصاً بتقطيعه وتجزئته ، بخلاف الجسم .
ملاحظات
تعريفه للجسم فيه تكلف وتعقيد . فهو من تعريف الواضح بغير الواضح !
جَعَلَ
جَعَلَ : لفظ عام في الأفعال كلها ، وهو أعمُّ من فَعَلَ وصَنَعَ وسائر أخواتها ، ويتصرف على خمسة أوجه : الأول : يجري مجرى صار وطفق فلا يتعدى ، نحو جعل زيدٌ يقول كذا ، قال الشاعر :
فقد جَعَلَتْ قُلوصُ بني سهيلٍ
من الأكوار مرتَعُها قريبُ
والثاني : يجري مجرى أوجدَ فيتعدى إلى مفعول واحد ، نحو قوله عز وجل : وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ « الأنعام : 1 » وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ . « النحل : 78 » .
--------------------------- 213 ---------------------------
والثالث : في إيجاد شئ من شئ وتكوينه منه ، نحو : والله جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً « النحل : 72 » وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً « النحل : 81 » وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا . « الزخرف : 10 » .
والرابع : في تصيير الشئ على حالة دون حالة ، نحو : الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً « البقرة : 22 » وقوله : جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا « النحل : 81 » وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً « نوح : 16 » وقوله تعالى : إنا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا « الزخرف : 3 » .
والخامس : الحكم بالشئ على الشئ حقاً كان أو باطلاً ، فأما الحق فنحو قوله تعالى : إنا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ « القصص : 7 » وأما الباطل فنحو قوله عز وجل : وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً « الأنعام : 136 » وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ « النحل : 57 » الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ « الحجر : 91 » .
والجِعَالَة والجُعَالَة : خرقة ينزل بها القدر .
والجُعْل والجَعَالَة والجَعِيلَة : ما يجعل للإنسان بفعله فهو أعمُّ من الأجرة والثواب .
وكلبٌ مُجْعِل : كناية عن طلب السفاد ، والجُعَل : دويبة .
ملاحظات
قسم الراغب جعل إلى خمسة معانٍ : بمعنى صار ، وأوجد ، وأوجد شيئاً من شئ ، وصيَّر الشئ على حالةٍ ، وحكم بشئ على شئ ! لكن الجعل أوسع من ذلك لأنه فعل كنائي عن فعل أو أفعال أخرى ، تُفهم من سياق الكلام ، وقد استعمله القرآن بشكل واسع في معانٍ عديدة ، فاستعمل جَعَلَ 77 مرة ، وجَعَلْنَا 70 مرة ، وجَعَلْنَاه 15 مرة ، ومجموع استعمالات المادة أكثر من 400 مرة .
فالجعل في القرآن موضوع دراسة لاستخراج معانيه وأنواعه ، ولا يصح حصره في خمسة أنواع ، وبعضها متداخل ! وهذه نماذج منه ، وأكثرها غير ما ذكره الراغب ، وبعضها فيه بحثبل بحوث :
قال الله تعالى : يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم .
وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا .
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا .
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا .
فَمَا جَعَلَ الله لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً .
خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ .
وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ .
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ .
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا .
مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ .
قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً .
يُرِيدُ الله أَلا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الأَخِرَة .
وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .
فَالِقُ الآصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا .
وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا .
فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِي النَّاسِ .
أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ الله لَكُمْ قِيَامًا .
لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً .
إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ .
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا .
إِنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا .
جَفَنَ
الجَفْنَة : خُصت بوعاء الأطعمة وجمعها جِفَان ، قال عز وجل : وَجِفانٍ كَالْجَوابِ « سبأ : 13 » وفي حديث : وأنت الجفنة الغراء ، أي المطعام . وقيل للبئر الصغيرة جفنة تشبيهاً بها . والجِفْن : خُصَّ بوعاء السيف والعين ، وجمعه
--------------------------- 214 ---------------------------
أجفان . وسمي الكَرْم جَفناً تصوراً أنه وعاء العنب .
جَفَأَ
قال تعالى : فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً « الرعد : 17 » وهو ما يرمي به الوادي أو القدر من الغثاء إلى جوانبه . يقال : أَجْفَأَتِ القِدْرُ زَبَدَهَا : ألقته ، إِجْفَاء . وأَجْفَأَتِ الأرض : صارت كالجفاء في ذهاب خيرها . وقيل : أصل ذلك الواو لا الهمز . ويقال : جفت القدر وأجفت .
ومنه : الجفاء ، وقد جفوته أجفوه جفوة وجفاء . ومن أصله أخذ : جفا السرج عن ظهر الدابة : رفعه عنه .
ملاحظات
ومنه قوله تعالى : تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ « السجدة : 16 » أي تجفو المضاجعَ والصحيح أن الجَفْوَ والجَفَاء أصلان ، لأن الجفاءَ ماديٌّ والجفوَ معنويٌّ .
جَلَّ
الجَلَالَة : عِظَم القَدْر ، والجلال بغير الهاء : التناهي في ذلك . وخصَّ بوصف الله تعالى فقيل : ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ « الرحمن : 27 » ولم يستعمل في غيره .
والجليل : العظيم القَدر . ووصفه تعالى بذلك إما لخلقه الأشياء العظيمة المستدل بها عليه ، أو لأنه يجل عن الإحاطة به ، أو لأنه يجل أن يدرك بالحواس .
وموضوعه للجسم العظيم الغليظ ، ولمراعاة معنى الغلظ فيه قوبل بالدقيق ، وقوبل العظيم بالصغير ، فقيل جَلِيل ودقيق ، وعظيم وصغير ، وقيل للبعير : جليل ، وللشاة : دقيق ، اعتباراً لأحدهما بالآخر فقيل : ما له جليل ولا دقيق ، وما أجَلَّنِي ولا أدَقَّني ، أي ما أعطاني بعيراً ولا شاة . ثم صار مثلاً في كل كبير وصغير . وخص الجُلَالةَ بالناقة الجسيمة ، والجِلَّة بالمسانِّ منها .
والجَلَل : كل شئ عظيم . وجَلَلْتُ كذا : تناولت . وتَجَلَّلْتُ البقر : تناولت جُلَالَه . والجَلَل : المتناول من البقر ، وعُبِّر به عن الشئ الحقير ، وعلى ذلك قوله : كل مصيبة بعده جلل .
والجَلَل : ما يُعظم الشئ ، فقيل : جَلَّ الفرس ، وجل الثمن .
والمِجَلَّة : ما يغطى به الصحف ، ثم سميت الصحف مَجَلَّة .
وأما الجَلْجَلَة : فحكاية الصوت ، وليس من ذلك الأصل في شئ ، ومنه : سحاب مُجَلْجِل أي مصوت . فأما سحاب مُجَلِّل فمن الأول ، كأنه يُجَلِّل الأرض بالماء والنبات .
ملاحظات
جعل الراغب أصل جَلَلَ واحداً بمعنى عظيم القَدر ، وحاول إرجاع الفروع اليه ، وأخرج منه جلجل الصوت ، وأهمل ذكر : أمرٌ جلل بمعنى هين !
وجعله ابن فارس ثلاثة أصول ، قال « 1 / 417 » : « جَلَّ الشئ : عظم ، وجِلُّ الشئ : معظمه ، وجَلال الله : عظمته . والثاني : شئ يشمل شيئاً مثل : جِلُّ الفرس ومثل المجلل الغيث الذي يجلل الأرض بالماء والنبات . ومنه الجلول وهي شرع السفن . والثالث : من الصوت يقال سحاب مجلجل إذا صوت . ومحتمل أن يكون جلجلان : السمسم من هذا لأنه يتجلجل في سنفه إذا يبس . وأما المَجَلة : فالصحيفة ، وهي شاذة عن الباب إلا أن تلحق بالأول لعظم خطر العلم وجلالته . قال أبو عبيد كل كتاب عند العرب فهو : مجلة » .
وقال الجوهري « 4 / 1659 » : « والجلل أيضاً : الهين وهو من الأضداد » .
جَلَبَ
أصل الجَلْب : سَوْقُ الشئ . يقال : جَلَبْتُ جَلْباً ، قال الشاعر : وقد يجلبُ الشئَ البعيدَ الجَوَالِبُ
وأَجْلَبْتُ عليه : صِحْتُ عليه بقهر . قال الله عز وجل : وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ « الإسراء : 64 » والجَلَب المنهي
--------------------------- 215 ---------------------------
عنه في قوله عليه السلام : لا جَلَب . قيل هو أن يجلب المصدق أغنام القوم عن مرعاها فيعدها . وقيل هو أن يأتي أحد المتسابقين بمن يجلب على فرسه ، وهو أن يزجره ويصيح به ، ليكون هو السابق .
والجُلْبَة : قشرة تعلو الجرح ، وأجلب فيه .
والجِلْبُ : سحابة رقيقة تشبه الجلبة .
والجَلابيب : القمص والخمر ، الواحد : جِلْبَاب .
ملاحظات
1 . عَرَّف الراغب الجلباب في آية : يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ . بأنه القميص أو الخمار ، وعرفه الخليل « 6 / 130 » بأنه : « ثوب أوسع من الخمار دون الرداء ، تغطي به المرأة رأسها وصدرها » .
وعَرَّفَ الراغب الجَلْب بالسَّوْق ، وليس كل مجلوب للبيع مسوقاً ، فقد يكون محمولاً . وليته نقل قول الخليل أو ابن فارس ، قال الخليل « 6 / 130 » ملخصاً : « الجَلْب : ما يجلب من السبي أو الغنم ، والجمع أجلاب . والجَلَب والجَلَبَة في جماعات الناس ، والفعل أجلبوا من الصياح ونحوه . والجَلوبة : ما يجلب للبيع نحو الناب والفحل والقلوص ، وأما كرام الإناث والفحولة التي تنتسل فليست من الجلوبة » .
2 . عَرَّف الراغب إجلاب الشيطان في قوله تعالى : وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ ، بأنه الصياح بقهر . ولا قهر فيه ولا الصياح عنصره الأصلي فالجَلبة أقرب إلى الضجة والتهويل ، وقد يكون فيها صياح . قال ابن منظور « 1 / 272 » : « وفي التنزيل العزيز : وأَجْلِبْ عليهم بخَيْلِكَ ورَجْلِكَ ، أَي اجْمَعْ عليهم وتَوَعَّدْهم بالشر » .
جَلَتَ
قال تعالى : وَلما بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ « البقرة : 250 » وذلك أعجمي ، لا أصل له في العربية .
جَلَدَ
الجِلْد : قشر البدن ، وجمعه جُلُود . قال الله تعالى : كلما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها « النساء : 56 » وقوله تعالى : الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ الله « الزمر : 23 » .
والجُلُود : عبارة عن الأبدان ، والقلوب عن النفوس .
وقوله عز وجل : حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ « فصلت : 20 » وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا « فصلت : 21 » فقد قيل : الجلود هاهنا كناية عن الفروج .
وجلَدَهُ : ضرب جلده ، نحو : بَطَنَهُ وَظَهَرَُه ، أو ضربه بالجلد ، نحو : عصاه إذا ضربه بالعصا ، وقال تعالى : فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً « النور : 4 » .
والجَلَد : الجلد المنزوع عن الحِوَار ، وقد جَلُدَ جَلَداً فهو جَلْدٌ وجَلِيد ، أي قوي ، وأصله لاكتساب الجلد قوة ، ويقال : ما له معقول ولا مَجْلُود ، أي عقل وجَلَد .
وأرض جَلْدَة تشبيهاً بذلك ، وكذا ناقة جَلدة . وجَلَّدْتُ كذا : أي جعلت له جلداً . وفرس مُجَلَّد : لا يفزع من الضرب ، وإنما هو تشبيه بالمجلد الذي لا يلحقه من الضرب ألم . والجَلِيد : الصقيع ، تشبيهاً بالجلد في الصلابة .
ملاحظات
يظهر أن الراغب جعل المادة أصلين ، بمعنى جلد الإنسان ، وبمعنى الصلب . وأخذه من الخليل ، قال « 6 / 81 » : « الجِلْدُ : غشاء جسد الحيوان . والجَلْدُ : ما صلب من الأرض واستوى متنه . وَجَلَدَهُ بالسوط جلداً أي ضرب جلده . وجَلَدْتُ به الأرض أي صرعته .
--------------------------- 216 ---------------------------
والجَلِيدُ : ما جمد من الماء وما وقع على الأرض من الصقيع فجمد » .
بينما جعله ابن فارس أصلاً واحداً « 1 / 471 » قال : « أصل واحد ، وهو يدل على قوة وصلابة » .
لكن لا يمكن إرجاع فروعه إلى معنى الصلابة .
جَلَسَ
أصل الجَلْس : الغليظ من الأرض ، وسمي النجد جَلَساً لذلك ، وروي أنه عليه السلام أعطاهم معادن القِبْلِيَّةِ غُورِيَّها وجَلَسِيَّها . ومعادن القبلية : من ناحية الفرع . قوله : غوريها وجلسيها : يريد أنه أقطعه وِهَادَها ورُبَاها .
وجَلَسَ : أصله أن يقصد بمقعده جلساً من الأرض ، ثم جعل الجُلُوس لكل قعود . والمَجْلِس : لكل موضع يقعد فيه الإنسان . قال الله تعالى : إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ الله لَكُمْ . « المجادلة : 11 » .
ملاحظات
استعمل القرآن كلمة المجالس مرة واحدة . وجعل الراغب أصلها : الأرض الغليظة ، وجعله ابن فارس : الارتفاع . وإرجاع فروعها إلى الارتفاع أسهل .
قال ابن فارس « 1 / 473 » : « ويقال جلس الرجل : إذا أتى نجداً وهو قياس الباب ، لأن نجداً خلاف الغور وفيه ارتفاع . ويقال لنجد الجَلَس . ومنه الحديث أنه صلى الله عليه وآله أعطاهم معادن القبلية غُوريَّها وجَلَسِيَّها » .
وجعلها الخليل ثلاثة أصول ، قال « 6 / 54 » : « ناقةٌ جَلَس وجملَ جَلَس ، أي وثيق . والجَلَس : ما ارتفع عن الغور من أرض نجد . والجلسي : ما حول الحدقة ويقال ظاهر العين . والجلسان : دخيل ، وهو بالفارسية كُلْشَان » .
جَلَوَ
أصل الجَلْو : الكشف الظاهر ، يقال : أَجْلَيْتُ القوم عن منازلهم فَجَلَوْا عنها . أي أبرزتهم عنها ، ويقال : جَلَاهُ ، نحو قول الشاعر : فلما جَلَاها بالأيَام تحيَّزتْ
ثباتٌ عليها ذُلُّهَا واكتئابُها
وقال الله عز وجل : وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا « الحشر : 3 » .
ومنه : جَلَا لي خَبَرٌ ، وخَبَرٌ جَلِيٌّ ، وقياس جليٌّ ، ولم يسمع فيه جال . وجَلَوْتُ العروس جِلْوَةً ، وجَلَوْتُ السيف جَلَاءً . والسماء جَلْوَاء : أي مصحية ، ورجل أَجْلَى : انكشف بعض رأسه عن الشعر .
والتجَلِّي : قد يكون بالذات نحو : وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى « الليل : 2 » وقد يكون بالأمر والفعل نحو : فَلما تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ « الأعراف : 143 » .
وقيل : فلان ابن جلا ، أي مشهور ، وأَجْلَوْا عن قتيلٍ : إِجْلَاءً .
جَمَّ
قال الله تعالى : وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا « الفجر : 20 » أي كثيراً ، من جَمَّة الماء أي معظمه ومجتمعه ، الذي جُمَّ فيه الماء عن السيلان . وأصل الكلمة من الجَمام ، أي الراحة للإقامة وترك تحمُّل التعب .
وجُمَام المكوك دقيقاً ، وجُمام القدح ماء : إذا امتلأ حتى عجز عن تحمل الزيادة . ولاعتبار معنى الكثرة ، قيل الجُمَّة لقوم يجتمعون في تحمل مكروه ، ولما اجتمع من شعر الناصية .
وجَمَّةُ البئر : مكان يجتمع فيه الماء كأنه أجمَّ أياماً .
وقيل للفرس : جَمُوم الشد تشبيهاً به . والجَمَّاء الغفير ، والجَمُّ الغفير : الجماعة من الناس . وشاة جَمَّاء : لا قرن لها ، اعتباراً بجُمَّة الناصية .
جَمَحَ
قال تعالى : وَهُمْ يَجْمَحُونَ « التوبة : 57 » الجُمُوح : أصله في
--------------------------- 217 ---------------------------
الفرس إذا غلب فارسه بنشاطه في مروره وجريانه ، وذلك أبلغ من النشاط والمرح .
والجُمَاح : سهم يجعل على رأسه كالبندقة ، يرمي به الصبيان .
جَمَعَ
الجَمْع : ضمُّ الشئ بتقريب بعضه من بعض ، يقال : جَمَعْتُهُ فَاجْتَمَعَ ، وقال عز وجل : وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ « القيامة : 9 » وَجَمَعَ فَأَوْعى « المعارج : 18 » جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ « الهمزة : 2 » وقال تعالى : يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحق « سبأ : 26 » وقال تعالى : لَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ « آل عمران : 157 » قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ « الإسراء : 88 » وقال تعالى : فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً « الكهف : 99 » وقال تعالى : إن الله جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ « النساء : 140 » وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ « النور : 62 » أي أمر له خطر يجتمع لأجله الناس ، فكأن الأمر نفسه جمعهم .
وقوله تعالى : ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ « هود : 103 » أي جمعوا فيه ، نحو : وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ « الشورى : 7 » وقال تعالى : يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ « التغابن : 9 » ويقال للمجموع : جَمْعُ وجَمِيعُ وجَمَاعَةُ .
وقال تعالى : وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ « آل عمران : 166 » وقال عز وجل : وَإِنْ كل لما جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ « يس : 32 » والجُمَّاع يقال في أقوام متفاوتة اجتمعوا . قال الشاعر :
جمعٌ غيرٌ جُمَّاع
وأَجْمَعْتُ كذا : أكثر ما يقال فيما يكون جمعاً يتوصل إليه بالفكرة ، نحو : فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ « يونس : 71 » قال الشاعر : هل أغْدُوَنْ يَوْماً وأمري مُجَمَّعُ
وقال تعالى : فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ « طه : 64 » ويقال : أَجْمَعَ المسلمون على كذا : اجتمعت آراؤهم عليه . ونَهْبٌ مجمع : ما يوصل إليه بالتدبير والفكرة .
وقوله عز وجل : إن النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ « آل عمران : 173 » قيل : جمعوا آراءهم في التدبير عليكم ، وقيل : جمعوا جنودهم .
وجَمِيعٌ وأَجْمَعُ وأَجْمَعُونَ : يستعمل لتأكيد الاجتماع على الأمر . فأما أجمعون فتوصف به المعرفة ، ولا يصح نصبه على الحال ، نحو قوله تعالى : فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كلهُمْ أَجْمَعُونَ « الحجر : 30 » وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ « يوسف : 93 » .
فأما جميع : فإنه قد ينصب على الحال فيؤكد به من حيث المعنى ، نحو : اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً « البقرة : 38 » وقال : فَكِيدُونِي جَمِيعاً « هود : 55 » .
وقولهم يوم الجمعة : لاجتماع الناس للصلاة قال تعالى : إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ الله « الجمعة : 9 » .
ومسجد الجامع : أي الأمر الجامع ، أو الوقت الجامع ، وليس الجامع وصفاً للمسجد . ( ! )
وجَمَّعُوا : شهدوا الجمعة ، أو الجامع أو الجماعة .
وأتانٌ جامع : إذا حملت . وقِدْر جِمَاع جامعة : عظيمة . واستجمع الفرَس جرياً : بالغَ . فمعنى الجمع ظاهر .
وقولهم : ماتت المرأة بِجُمْع : إذا كان ولدها في بطنها ، فلتصور اجتماعهما . وقولهم : هي منه بِجُمْعٍ : إذا لم تفتض ، فلاجتماع ذلك العضو منها وعدم التشقق فيه .
وضربه بِجُمْعِ كفه : إذا جمع أصابعه فضربه بها وأعطاه من الدراهم جُمْعَ الكف : أي ما جمعته كفه .
والجوامع : الأغلال لجمعها الأطراف .
جَمَلَ
الجَمَال : الحسن الكثير ، وذلك ضربان :
أحدهما : جمال يخصُّ الإنسان في نفسه أو بدنه أو فعله . والثاني : ما يوصل منه إلى غيره ، وعلى هذا الوجه ما روي
--------------------------- 218 ---------------------------
عنه صلى الله عليه وآله : إن الله جميل يحبُّ الجمال ، تنبيهاً [ على ] أنه منه تفيض الخيرات الكثيرة ، فيحبُّ من يختص بذلك .
وقال تعالى : وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ « النحل : 6 » ويقال : جَمِيلٌ وجَمَال على التكثير .
قال الله تعالى : فَصَبْرٌ جَمِيلٌ « يوسف : 83 » فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا « المعارج : 5 » وقد جَامَلْتُ فلاناً ، وأَجْمَلْتُ في كذا . وجمالَكَ : أي أجمل .
واعتبر منه معنى الكثرة ، فقيل لكل جماعة غير منفصلة : جُمْلَة ، ومنه قيل للحساب الذي لم يفصَّل والكلام الذي لم يبيَّن : مُجْمَل . وقد أجملت الحساب ، وأجملت في الكلام . قال تعالى : وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً « الفرقان : 32 » أي مجتمعاً لا كما أنزل نجوماً مفترقة .
وقول الفقهاء : المُجْمَل ما يحتاج إلى بيان ، فليس بحدٍّ له ولا تفسير ، وإنما هو ذكر بعض أحوال الناس معه ، والشئ يجب أن تبيَّن صفته في نفسه التي بها يتميز . وحقيقة المجمل هو المشتمل على جملة أشياء كثيرة غير ملخصة .
والجَمَلُ : يقال للبعير إذا بَزَل ، وجمعه جِمَال وأَجْمَال وجِمَالة ، قال الله تعالى : حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ « الأعراف : 40 » .
وقوله : جِمالَتٌ صُفْرٌ « المرسلات : 33 » جمع جِمَالة ، والجِمَالَة جمع جَمَل ، وقرئ : جُمالات بالضم ، وقيل : هي القلوص .
والجَامِل : قطعة من الإبل معها راعيها ، كالباقر .
وقولهم : اتخذ الليل جملاً فاستعارة ، كقولهم ركب الليل . وتسمية الجمل بذلك يجوز أن يكون لما قد أشار إليه بقوله : وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ « النحل : 6 » لأنهم كانوا يعدون ذلك جمالاً لهم .
وجَمَلْتُ الشحم : أذبته . والجَمِيل : الشحم المذاب . والإجتمال : الإدِّهَان به .
وقالت امرأة لبنتها : تَجَمَّلِي وتعففي ، أي كلي الجميل ، واشربي العفافة .
ملاحظات
1 . جعل الراغب هذه المادة أصلاً واحداً هو الجَمَال ، وزعم أن الجُمْلة أي الكثرة أخذت من كثرة الحسن التي في الجمال ، وأن الجَمَل أي البعير أيضاً أخذ منه ، لأنهم يرونه جمالاً لهم !
وهذا جنوح في الاحتمال . وقد جعلها ابن فارس أصلين « 1 / 481 » ، بمعنى الحُسْن ، وبمعنى التجمع وعِظَم الخلق ، واليه يرجع الجمل . ومع ذلك لا يمكن إرجاع جميع الفروع اليهما . فالمرجح أنها أربعة أصول : الحُسن والعِظم والتجمع والبعير .
2 . أكثر ما استعمل القرآن من هذه المادة وصف الجميل للصبر والصفح والهجر وتسريح الزوجة . والجمال للناس في الأنعام في سرحهم وراحتهم .
والجمل للحبل الغليظ : حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ . والجملة للمجموع : لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً .
واستعمل جِمالةً بمعنى قطعة الشرر من جهنم : إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ .
وجعلها الراغب جمع جَمَل ! وجعلها في المخصص « 2 - 2 / 23 » جماعة من الإبل . فيكون المعنى كأنها قطعة إبل صفراء . وقال ابن منظور « 5 / 99 و 11 / 125 » : « والعرب تدخل الهاء في كل جمع على فِعالٍ ، يقولون : الجِمالَةُ والحِبالَة والذِّكارَة والحِجارة ، قال : جِمالاتٌ صُفْرٌ . وقيل هي القطعة من النوق لا جَمَل فيها » .
جَنَّ
أصل الجِنِّ : ستر الشئ عن الحاسة ، يقال : جَنَّهُ الليلُ وأَجَنَّهُ وجَنَّ عليه فَجَنَّهُ : ستره .
وأَجَنَّه : جعل له ما يجنُّه ، كقولك : قبرته وأقبرته ، وسقيته وأسقيته ، وجَنَّ عليه كذا : ستر عليه ، قال عز وجل : فَلما
--------------------------- 219 ---------------------------
جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً « الأنعام : 76 » .
والجَنَان : القلب لكونه مستوراً عن الحاسة . والمِجَنُّ والمِجَنَّة : الترس الذي يجنُّ صاحبه . قال عز وجل : اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً « المجادلة : 16 » وفي الحديث : الصّوم جُنَّة .
والجَنَّةُ : كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض ، قال عز وجل : لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ « سبأ : 15 » وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ « سبأ : 16 » وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ « الكهف : 39 » قيل : وقد تسمى الأشجار الساترة جَنَّة ، وعلى ذلك حمل قول الشاعر :
من النواضح تسقي جَنَّةً سُحُقَا
وسميت الجَنة : إما تشبيهاً بالجَنة في الأرض وإن كان بينهما بون ، وإما لسترة نعمها عنا المشار إليها بقوله تعالى : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ « السجدة : 17 » .
قال ابن عباس : إنما قال جَنَّاتٍ بلفظ الجمع لكون الجنان سبعاً : جنة الفردوس ، وعدن ، وجنة النعيم ، ودار الخلد ، وجنة المأوى ، ودار السلام ، وعليين .
والجنين : الولد ما دام في بطن أمه ، وجمعه أَجِنَّة . قال تعالى : وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ « النجم : 32 » وذلك فعيل في معنى مفعول .
والجنين : القبر ، وذلك فعيل في معنى فاعل .
والجِن : يقال على وجهين ، أحدهما للروحانيين المستترة عن الحواس كلها بإزاء الإنس ، فعلى هذا تدخل فيه الملائكة والشياطين ، فكل ملائكة جنٌّ ، وليس كل جنٍّ ملائكة ، وعلى هذا قال أبو صالح : الملائكة كلها جنٌّ .
وقيل : بل الجن بعض الروحانيين ، وذلك أن الروحانيين ثلاثة : أخيارٌ وهم الملائكة ، وأشرارٌ وهم الشياطين ، وأوساطٌ فيهم أخيار وأشرار وهم الجن . ويدل على ذلك قوله تعالى : قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ . إلى قوله : وَأنا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ « الجن : 1 » .
والجِنَّة : جماعة الجن . قال تعالى : مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ « الناس : 6 » وقال تعالى : وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً « الصافات : 158 » .
والجِنَّة : الجنون ، وقال تعالى : ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ « سبأ : 46 » أي جنون . والجُنون : حائل بين النفس والعقل ، وجُنَّ فلان ، قيل أصابه الجن ، وبنيَ فعله كبناء الأدواء نحو : زُكِم ولُقِي وحُمَّ . وقيل أصيب جنانه ، وقيل حيل بين نفسه وعقله ، فجن عقله بذلك .
وقوله تعالى : مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ « الدخان : 14 » أي ضامَّهُ مَن يُعَلِّمُهُ من الجن ، وكذلك قوله تعالى : أَإنا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ « الصافات : 36 » .
وقيل : جُنَّ التلاعُ والآفاق ، أي كثر عشبها حتى صارت كأنها مجنونة .
وقوله تعالى : وَالْجَان خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ « الحجر : 27 » فنوع من الجن ، وقوله تعالى : كَأنهَا جَانٌّ « النمل : 10 » قيل : ضرب من الحيات .
ملاحظات
1 . ورد ذكر الِجن في القرآن في أكثر من أربعين آية ، وفيها أنهم مكلفون كالإنسان ، وأنهم مثلنا في جوانب من تكوينهم وحياتهم ، ويختلفون عنا في جوانب . وأن نبينا صلى الله عليه وآله وأئمتنا عليهم السلام حجج الله على الإنس والجن .
كما ذكر الجَنَّة نحو سبعين مرة ، والجنات مثلها .
2 . قال المفيد في أوائل المقالات / 317 : « الملائكة رُكِّبَ وجودها وعنصرها من النور وعالم التجرد فتلتذ من الطاعة وتتأذى من المعصية ، فتختار الطاعة دائماً من دون صعوبة .
والجن : خلق من النار ومن الشر فيصعب عليه الطاعة صعوبة شديدة ، وهم مجبولون بالشر بمعنى شدة
--------------------------- 220 ---------------------------
ميلهم إليه لا على حد الإلجاء .
وأما البشر : فروحه من عالم النور وجسمه من عالم الظلمة ، وميله إلى الخير يعارضه ميله إلى الشر ، وإن كان الأغلب ميلهم إلى الشر ، والطاعة عليهم كلفة وصعوبة ، والمعصية لذيذة وسهلة ومحبوبة » .
3 . قال الخليل « 6 / 20 » : « الجِنُّ : جماعة ولد الجان ، وجمعهم الجِنَّة والجِنَان . سموا به لاستجنانهم من الناس فلا يُرون . والجَنَّةُ : الحديقة ، وهي بستان ذات شجر ونزهة ، وجمعه جنات . والجُنة : الدرع ، وكل ما وقاك فهو جُنتك » .
جَنَبَ
أصل الجَنْب : الجارحة ، وجمعه : جُنُوب ، قال الله عز وجل : فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ « التوبة : 35 » وقال تعالى : تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ « السجدة : 16 » وقال عز وجل : قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ « آل عمران : 191 » .
ثم يستعار من الناحية التي تليها كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك ، نحو : اليمين والشمال ، كقول الشاعر :
مِنْ عَنْ يميني مَرَّةً وأمامي
وقيل : جَنْبُ الحائط وجَنَبُهُ ، وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ « النساء : 36 » أي القريب ، وقيل : كناية عن المرأة ، وقيل عن الرفيق في السفر . قال تعالى : يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ الله « الزمر : 56 » أي في أمره وحَدِّهِ الذي حده لنا .
وسار جَنْبَيْهِ وجَنْبَتَيْهِ وجَنَابَيْهِ وجَنَابَتَيْهِ . وجَنَبْتُهُ : أصبت جنبه ، نحو كَبَدْتُهُ وفأدته . وجُنِبَ : شكا جنبه ، نحو : كُبِد وفُئِد . وبُني من الجنب الفعل على وجهين : أحدهما : الذهاب على ناحيته . والثاني : الذهاب إليه . فالأول نحو : جَنَبْتُهُ وأَجْنَبْتُهُ ، ومنه : وَالْجارِ الْجُنُبِ « النساء : 36 » أي البعيد ، قال الشاعر : فَلَا تَحْرِمَنِّي نَائِلاً عن جَنَابَةٍِ . أي عن بعد .
ورجل جَنِبٌ وجَانِبٌ ، قال عز وجل : إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ « النساء : 31 » وقال عز وجل : وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ « الحج : 30 » واجْتَنِبُوا الطاغُوتَ « الزمر : 17 » عبارة عن تركهم إياه ، فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ « المائدة : 90 » وذلك أبلغ من قولهم تركوه .
وجُنِّبَ بنو فلان : إذا لم يكن في إبلهم اللبن ، وجُنِّبَ فلان خيراً ، وجُنِّب شراً . قال تعالى في النار : وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى « الليل : 17 » وذلك إذا أطلق فقيل : جُنِّبَ فلان فمعناه : أبعد عن الخير ، وذلك يقال في الدعاء في الخير ، وقوله عز وجل : وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ « إبراهيم : 35 » من جَنَبْتُهُ عن كذا أي أبعدته ، وقيل هو من جنبت الفرس ، كأنما سأله أن يقوده عن جانب الشرك بألطاف منه وأسباب خفية .
والتجنيب : الرَّوْحُ في الرجلين ، وذلك إبعاد إحدى الرجلين عن الأخرى خلقة .
وقوله تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطهَّرُوا « المائدة : 6 » أي إن أصابتكم الجنابة ، وذلك بإنزال الماء أو بالتقاء الختانين . وقد جَنُبَ وأَجْنَبَ واجْتَنَبَ وتَجَنَّبَ . وسميت الجنابة بذلك لكونها سبباً لتجنب الصلاة في حكم الشرع .
والجَنُوبُ : يصح أن يعتبر فيها معنى المجئ من جانب الكعبة ، وأن يعتبر فيها معنى الذهاب عنه ، لأن المعنيين فيها موجودان .
واشتق من الجَنوب : جَنَبَتِ الريحُ : هبَّتْ جنوباً فَأَجْنَبْنَا : دخلنا فيها . وجُنِبْنَا : أصابتنا . وسحابة مَجْنُوبَة : هبت عليها .
جَنَحَ
الجَنَاح : جناح الطائر ، يقال : جُنِحَ الطائر ، أي كُسر جناحه . قال تعالى : وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ « الأنعام : 38 » . وسمي جانبا الشئ جَناحاه ، فقيل جناحا السفينة ، وجناحا
--------------------------- 221 ---------------------------
العسكر ، وجناحا الوادي ، وجناحا الإنسان لجانبيه ، قال عز وجل : وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ « طه : 22 » أي جانبك . وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ « القصص : 32 » عبارة عن اليد ، لكون الجناح كاليد ، ولذلك قيل لجناحي الطائر يداه .
وقوله عز وجل : وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ « الإسراء : 24 » فاستعارة ، وذلك أنه لما كان الذل ضربين : ضرب يضع الإنسان ، وضرب يرفعه ، وقصد في هذا المكان إلى ما يرفعه لا إلى ما يضعه ، فاستعار لفظ الجناح له فكأنه قيل : استعمل الذل الذي يرفعك عند الله من أجل اكتسابك الرحمة ، أو من أجل رحمتك لهما ، وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ « القصص : 32 »
وجَنَحَتِ العير في سيرها : أسرعت ، كأنها استعانت بجناح .
وجَنَحَ الليل : أظلّ بظلامه . والجِنْحُ : قطعة من الليل مظلمة . قال تعالى : وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها « الأنفال : 61 » أي مالوا ، من قولهم : جنحت السفينة ، أي مالت إلى أحد جانبيها . وسمي الإثم المائل بالإنسان عن الحق جُنَاحاً ، ثم سمي كل إثم جُنَاحاً ، نحو قوله تعالى : لا جُناحَ عَلَيْكُمْ . في غير موضع .
وجوانح الصدر : الأضلاع المتصلة رؤوسها في وسط الزور ، الواحدة : جَانِحَة ، وذلك لما فيها من الميل .
جَنَدَ
يقال للعسكر الجُنْد اعتباراً بالغلظة ، من الجَنَد ، أي الأرض الغليظة التي فيها حجارة ، ثم يقال لكل مجتمع جُنْد ، نحو : الأرواح جُنُودٌ مُجَنَّدَة . قال تعالى : إن جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ « الصافات : 173 » إنهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ « الدخان : 24 » .
وجمع الجند : أَجْنَاد وجُنُود ، قال تعالى : وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ « الشعراء : 95 » وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ « المدثر : 31 » اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها « الأحزاب : 9 » فالجنود الأولى من الكفار ، والجنود الثانية التي لم تروها الملائكة .
جَنَفَ
أصل الجَنَف ميل في الحكم ، فقوله تعالى : فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً « البقرة : 182 » أي ميلاً ظاهراً ، وعلى هذا : غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ « المائدة : 3 » أي مائل إليه .
جَنَيَ
جَنَيْتُ الثمرة واجْتَنَيْتُهَا . والجَنْيُ : المجتنى من الثمر والعسل . وأكثر ما يستعمل الجَنْي فيما كان غضّاً ، قال تعالى : تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا « مريم : 25 » وقال تعالى : وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ « الرحمن : 54 » .
وأَجْنَى الشجر : أدرك ثمره ، والأرض : كثر جناها ، واستعير من ذلك جَنَى فلان جِنَاية ، كما استعير اجترم .
ملاحظات
أخذ الراغب برأي ابن فارس « 1 / 482 » في أن أصل جَنَى : جَنْيُ الثمرة ، قال : « ومن المحمول عليه : جنيت الجناية أجنيها » . أي أنه اشتق بملاحظته ، فجناية الشر تشبيه لها بجناية الثمر . وهو قوي .
وذكرهما الخليل « 6 / 184 » كأنهما أصلان مستقلان .
جَهَدَ
الجَهْدُ والجُهْد : الطاقة والمشقة . وقيل الجَهْد بالفتح المشقة ، والجُهْد الوسع . وقيل : الجُهد للإنسان . وقال تعالى : وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ « التوبة : 79 » . وقال تعالى : وَأَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمانِهِمْ « النور : 53 » أي حلفوا واجتهدوا في الحلف أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم .
والاجتهاد : أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة ، يقال جَهَدْتُ رأيي . وأَجْهَدْتُهُ : أتعبته بالفكر .
والجِهادُ والمجاهدة : استفراغ الوسع في مدافعة
--------------------------- 222 ---------------------------
العدو . والجِهَاد ثلاثة أضرب : مجاهدة العدو الظاهر . ومجاهدة الشيطان . ومجاهدة النفس . وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى : وَجاهِدُوا فِي الله حق جِهادِهِ « الحج : 78 » وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله « التوبة : 41 » إن الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله « الأنفال : 72 » وقال صلى الله عليه وآله : جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم . والمجاهدة تكون باليد واللسان ، قال صلى الله عليه وآله : جاهدوا الكفار بأيديكم وألسنتكم .
ملاحظات
ذكر القرآن نوعاً رابعاً من الجهاد ، هو جهاد المعرفة ، قال الله تعالى فيه : وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ . « العنكبوت : 69 » .
جَهَرَ
جَهْرٌ : يقال لظهور الشئ بإفراط لحاسة البصر ، أو حاسة السمع . أما البصر فنحو : رأيته جِهَاراً ، قال الله تعالى : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى الله جَهْرَةً « البقرة : 55 » أَرِنَا الله جَهْرَةً « النساء : 153 » ومنه جَهَرَ البئر واجْتَهَرَهَا : إذا أظهر ماءها . وقيل : ما في القوم أحد يجهر عيني .
والجوهر : فوعل منه ، وهو ما إذا بطلَ بطلَ محموله ، وسمي بذلك لظهوره للحاسة .
وأما السمع ، فمنه قوله تعالى : سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ « الرعد : 10 » . وقال عز وجل : وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإنهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى « طه : 7 » إنهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ « الأنبياء : 110 » وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ « الملك : 13 » وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها « الإسراء : 110 » وقال : وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ « الحجرات : 2 » .
وقيل كلام جوهري وجَهِير . ورجل جهير يقال لرفيع الصوت ، ولمن يجهر لحسنه .
ملاحظات
الجهر : ما قابل الإخفات . أي خفوت الصوت وموته ، ويبدأ الجهر بالكلام الذي تسمعه أنت دون غيرك ، وينتهي بأعلى درجاته وهي الصياح ، وهذا هو المنهي عنه في قوله تعالى : وَلاتَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً . « الإسراء : 110 » . والمطلوب الجهر المعتدل ، وهو الواجب في قراءة الصلوات الليلية .
جَهَزَ
قال تعالى : فَلما جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ « يوسف : 70 » الجَهَاز : ما يعدُّ من متاع وغيره ، والتجهيز : حمل ذلك أو بعثه . وضرب البعير بجهازه : إذا ألقى متاعه في رجله فنفر .
وجَهِيزَة : امرأة محمقة . وقيل للذئبة التي ترضع ولد غيرها : جهيزة .
ملاحظات
قال الخليل « 3 / 385 » : « جهزت القوم تجهيزاً ، إذا تكلفت لهم جهازهم للسفر ، وكذلك جهاز العروس والميت . وهو ما يحتاج إليه في وجهه . وسمعت أهل البصرة يُخَطِّئونَ من يقول الجهاز بالكسر . وأجهزت على الجريح : أثبتت قتله » .
أقول : لعل تخطئة أهل البصرة لمن كسر كلمة جهاز ، تأثرٌ بالفارسية لأنهم يفتحون جيمها .
جَهَلَ
الجهل : على ثلاثة أضرب ، الأول : وهو خلو النفس من العلم ، هذا هو الأصل ، وقد جعل ذلك بعض المتكلمين معنى مقتضياً للأفعال الخارجة عن النظام ، كما جعل العلم معنى مقتضياً للأفعال الجارية على النظام .
والثاني : اعتقاد الشئ بخلاف ما هو عليه . والثالث : فعل
--------------------------- 223 ---------------------------
الشئ بخلاف ما حقه أن يفعل ، سواءً اعتقد فيه اعتقاداً صحيحاً أو فاسداً كمن يترك الصلاة متعمداً .
وعلى ذلك قوله تعالى : قالُوا : أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ، قالَ أَعُوذُ بِالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ « البقرة : 67 » فجعل فعل الهزو جهلاً ، وقال عز وجل : فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ « الحجرات : 6 » .
والجاهل : تارة يذكر على سبيل الذم ، وهو الأكثر ، وتارة لا على سبيل الذم ، نحو : يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التعَفُّفِ « البقرة : 273 » أي من لا يعرف حالهم وليس يعني المتخصص بالجهل المذموم .
والمَجْهل : الأمر والأرض ، والخصلة التي تحمل الإنسان على الإعتقاد بالشئ خلاف ما هو عليه .
واسْتَجْهَلَتِ الريح الغصن : حركتهُ كأنها حملته على تعاطي الجهل وذلك استعارة حسنة .
ملاحظات
عرَّف علماء اللغة الجهل بأنه نقيض العلم ، وتعريف الراغب له بتقسيمه ضعيف ، فقد جعل منه الجهل الاعتقادي ، والجهل العملي . وأقسامه أكثر تنوعاً ، فمنه الجهل الضار ، والجهل النافع . والجهل الذي يجب الخروج منه إلى العلم ، والجهل الذي لا يجب الخروج منه .
ومنه أن مجهولات الإنسان أضعاف معلوماته ، مهما جمع في ذهنه وتحت يده ، ومهما طال عمره !
جَهَنَّم
جَهَنَّم : اسم لنار الله الموقدة ، قيل : وأصلها فارسي .
ملاحظات
جهنم : اسم عام لكل النار ، وقد وردت في القرآن 77 مرة ، قال تعالى : وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ .
والحكم على المجرم بجهنم حكم كلي ، وهو غير عذابه الخاص ، قال تعالى : فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ . فعذاب جهنم جوُّهم العام وعذاب الحريق جزاؤهم الخاص ، وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا .
ونار جهنم غير جهنم ، قال تعالى : وَجِيئَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ . وقال : وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِى الظَّالِمِينَ . وقال : وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا .
جَيَبَ
قال الله تعالى : وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ . « النور : 31 » جمع جَيْب .
ملاحظات
1 . المقصود بجيوبهن : صدورهن ، أي ليغطين بخمرهن صدورهن ومحاسنهن . ولعل أصل الجيب جيب البدن ، ويقال لرقبة الثوب ، ثم غلب استعماله على جيب الثوب . وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام : أن جبرئيل نفخ في جيب مدرعة مريم عليه السلام . « مجمع البيان : 6 / 417 » .
وقال في مجمع البيان « 7 / 241 » : « والخُمُر : المقانع جمع خِمار ، وهو غطاء رأس المرأة المنسدل على جيبها . أمرن بإلقاء المقانع على صدورهن تغطيةً لنحورهن ، فقد قيل إنهن كن يلقين مقانعهن على ظهورهن فتبدو صدورهن ! وكنى عن الصدور بالجيوب لأنها ملبوسة عليها . قال ابن عباس : تغطي شعرها وصدرها وترائبها وسوالفها » .
كما ورد في تفسير قوله تعالى لموسى عليه السلام : وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ .
أمره أن يدخل يده في فتحة مدرعته فتخرج مضيئة ، ثم يضعها ثانية فينطفي ضوؤها .
--------------------------- 224 ---------------------------
وأن يلقي عصاه فتصير ثعباناً ، ثم يضم يده تحت إبطه فتعود عصاً على سيرتها الأولى ، فهذه الآية الثانية .
2 . تقدم عن الخليل « 6 / 130 » في الجلباب أنه : « ثوب أوسع من الخمار دون الرداء ، تغطي به المرأة رأسها وصدرها » . وقال « 2 / 146 » : « واللفاع : خمار للمرأة يستر رأسها وصدرها ، والمرأة تتلفع به » .
وقال ابن فارس « 1 / 497 » : « فالجيب جيب القميص يقال جبت القميص : قورت جيبه . وجَيَّبْتُهُ جعلت له جيباً » .
جَوَبَ
الجَوْبُ : قطع الجَوْبَة ، وهي كالغائط من الأرض ، ثم يستعمل في قطع كل أرض ، قال تعالى : وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ « الفجر : 9 » ويقال : هل عندك جَائِبَة خبر .
وجوابُ الكلام : هو ما يقطع الجوب فيصل من فم القائل إلى سمع المستمع ، لكن خص بما يعود من الكلام دون المبتدأ من الخطاب ، قال تعالى : فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا « النمل : 56 » والجواب يقال في مقابلة السؤال .
والسؤال على ضربين : طلب مقال ، وجوابه المقال ، وطلب نوال ، وجوابه النوال .
فعلى الأول : أَجِيبُوا داعِيَ الله « الأحقاف : 31 » وقال : وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ الله « الأحقاف : 32 » . وعلى الثاني قوله : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما « يونس : 89 » أي أعطيتما ما سألتما .
والاستجابة : قيل هي الإجابة وحقيقتها هي التحري للجواب والتهيؤ له ، لكن عبر به عن الإجابة لقلة انفكاكها منها ، قال تعالى : اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ « الأنفال : 24 » وقال : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ « غافر : 60 » فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي « البقرة : 186 » فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ « آل عمران : 195 » وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ « الشورى : 26 » وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ « الشورى : 38 » وقال تعالى : وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإني قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي « البقرة : 186 » الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ « آل عمران : 172 » .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن مادة جَابَ في آية واحدة ، في قوله تعالى : وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ « الفجر : 9 » وجابوا بمعنى نحتوا ، أو خبروا صخور الأودية والجبال .
واستعمل مادة أجاب بضعاً وأربعين مرة ، وأكثر ما ورد منها الجواب واستجاب .
وجعل الراغب تبعاً لابن فارس ، أصل جابَ من الجَوْبَة ، وهي الأرض المنخفضة ، وقال : « جوابُ الكلام : هو ما يقطع الجوب فيصل من فم القائل إلى سمع المستمع »
وهو رأي واهٍ ، فأيُّ جَوْبٍ ومسافة ووادٍ يقطعه الجواب إذا وضع فمه على أذنك أو كتب لك الجواب ؟ فهل تقول له : لم تجب لأن جوابك لم يقطع الجَوْب والوادي !
على أن الجَوْبة مشتقة من انجاب بمعنى انكشف ، ولا علاقة لها بجاب وأجاب . قال ابن منظور « 1 / 286 » : « والجَوْبة : فَجْوةُ ما بين البُيُوتِ . وانْجابَتِ السَّحابةُ : انْكَشَفَتْ » .
وقال الخليل « 6 / 192 » : « الجوْب : قطعك الشئ وجبت المفازة أي قطعتها . والجواب : رديد الكلام » .
فالصحيح أن جَابَ أصل مستقل ، وأجاب بمعنى آخر فهي أصل مستقل ، وألفها أصلية وليست مزيدة .
جَوَدَ
قال تعالى : وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ « هود : 44 » قيل هو اسم جبل بين الموصل والجزيرة ، وهو في الأصل منسوب إلى الجود .
والجود : بذل المقتنيات ، مالاً كان أو علماً ، ويقال : رجل
--------------------------- 225 ---------------------------
جَوَاد ، وفرس جواد ، يجود بمدَّخر عَدْوِه ، والجمع الجِيَاد ، قال تعالى : بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ « ص : 31 » ويقال في المطر الكثير : جَوْد وَوُصِفَ تعالى بالجواد .
وفي الفرس جَوْدَة ، وفي المال جود ، وجَادَ الشئ جَوْدَة ، فهو جَيِّد ، لما نبَّهَ عليه قوله تعالى : أَعْطى كل شَئ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى « طه : 50 » .
ملاحظات
عن الإمام الصادق عليه السلام : « فقلت له : فكم لبث نوح ومن معه في السفينة حتى نضب الماء ، وخرجوا منها ؟ فقال : لبثوا فيها سبعة أيام ولياليها ، وطافت بالبيت ثم استوت على الجودي ، وهو فرات الكوفة . فقلت له : إن مسجد الكوفة لقديم ؟ فقال : نعم وهو مصلى الأنبياء عليهم السلام » . « تفسير العياشي : 2 / 146 » .
جَأَرَ
قال تعالى : فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ « النحل : 53 » وقال تعالى : إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ « المؤمنون : 64 » لاتَجْأَرُوا الْيَوْمَ « المؤمنون : 65 » جَأَرَ : إذا أفرط في الدعاء والتضرع تشبيهاً بجؤار الوحشيات ، كالظباء ونحوها .
جَارَ
الجار : من يقرب مسكنه منك ، وهو من الأسماء المتضايفة ، فإن الجار لا يكون جاراً لغيره إلا وذلك الغير جار له ، كالأخ والصديق . ولما استُعْظِمَ حق الجار عقلاً وشرعاً ، عُبِّرَ عن كل من يعظم حقه أو يستعظم حق غيره بالجار ، قال تعالى : وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ « النساء : 36 » .
ويقال : استجرته فأجارني ، وعلى هذا قوله تعالى : وَإني جارٌ لَكُمْ « الأنفال : 48 » وقال عز وجل : وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ « المؤمنون : 88 » .
وقد تُصُوِّرَ من الجار معنى القرب فقيل لمن يقرب من غيره : جَارَهُ ، وجَاوَرَه ، وتَجَاوَرَ ، قال تعالى : لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا « الأحزاب : 60 » وقال تعالى : وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ « الرعد : 4 » . وباعتبار القرب قيل : جارَ عن الطريق ، ثم جعل ذلك أصلاً في العدول عن كل حق ، فبني منه الجَوْر ، قال تعالى : وَمِنْها جائِرٌ « النحل : 9 » أي عادل عن المحجة ، وقال بعضهم : الجائر من الناس : هو الذي يمنع من التزام ما يأمر به الشرع .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة ثلاث عشرة مرة ، ولم يستعمل الجَوْر بمعنى الظلم ، بل استعمل السبيل الجائرة . وجعل الراغب جار وجَوَر أصلاً واحداً ، وحاول إرجاع فروعها اليه . وجعلهما اللغويون أصلين .
قال الخليل « 6 / 176 » : « الجار : مجاورك في المسكن . والذي استجارك في الذمة تجيره وتمنعه . والجوار مصدر من المجاورة . والجوار : الاسم . والجميع : الأجوار .
الجَوْرُ : نقيض العدل . وقوم جارَةٌ وجَوْرَةٌ ، أي ظَلَمَة . والْجَوْرُ : ترك القصد في السير والفعل » .
جَوَزَ
قال تعالى : فَلما جاوَزَهُ هُوَ « البقرة : 249 » أي تجاوز جَوْزَهُ ، وقال : وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ « الأعراف : 138 » وجَوْزُ الطريق : وسطه ، وجاز الشئ كأنه لزم جوز الطريق ، وذلك عبارة عما يسوغ ، وجَوْزُ السماء : وسطها ، والجوزاء : قيل سميت بذلك لاعتراضها في جوز السماء ، وشاة جوزاء : أي ابيضَّ وسطها . وجُزْتُ المكان : ذهبت فيه . وأَجَزْتُهُ : أنفذته وخلفته ، وقيل : استجزت فلاناً فأجازني : إذا استسقيته فسقاك ، وذلك استعارة .
والمَجَاز من الكلام : ما تجاوز موضعه الذي وضع له . والحقيقة ما لم يتجاوز ذلك .
--------------------------- 226 ---------------------------
ملاحظات
فسر الراغب جاوز الشئ : بجاوز جَوْزَهُ أي وسطه . بينما معناه عَبَرَ عنه كله لا عن وسطه . فقوله تعالى : وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ ، أي كله لا نصفه . وتقول : جاوزت البلدة ، أي جاوزتها كلها لا نصفها . وكذلك جزتها . وقاعدة التجاوز في الفقه : تعني أن تتجاوز الشئ كله لا نصفه . وسبب خطئه أنه تصور أن جاوز بمعنى جاز جَوْز الشئ أي وسطه .
وأصاب ابن فارس فقال « 1 / 494 » : « جَوَزَ : أصلان ، أحدهما وسط الشئ ، والآخر قطع الشئ . فأما الوسط فجَوْزُ كل شئ وسطه . والأصل الآخر : جزت الموضع : سرت فيه ، وأجزته خلفته وقطعته » .
وقال الخليل « 6 / 165 » : « التجاوز : ألا تأخذه بالذنب ، أي : تتركه » .
جَاسَ
قال تعالى : فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ « الإسراء : 5 » أي توسطوها وترددوا بينها ، ويقارب ذلك جازوا وداسوا ،
وقيل : الجَوْس : طلب ذلك الشئ باستقصاء ، والمجوس : معروف .
جَوَعَ
الجُوع : الألم الذي ينال الحيوان من خُلُوِّ المعدة من الطعام ، والمَجَاعة : عبارة عن زمان الجدب ويقال : رجل جائع وجوعان : إذا كثر جوعه .
ملاحظات
ذكر الله الجوع في خمس آيات ، منها قوله تعالى : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَئٍْ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ . . فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ .
وقول الراغب : « جائع وجوعان : إذا كثر جوعه » فيه خطآن : أولهما ، أنه يقصد بكثر جوعه اشتد جوعه ، لأن كثر جوعه قد تكون بمعنى كثرت مرات جوعه .
والخطأ الثاني : أنه اشترط في صدق الجائع أو الجوعان شدة الجوع ، ولم يشترطه أحد !
مضافاً إلى خطئه في اشتراط الألم في تعريف الجوع . وقد يكون بالإحساس به بدون ألم .
جَاءَ
جاء يجئ جيئةً ومَجِيئاً ، والمجئ كالإتيان ، لكن المجئ أعم لأن الإتيان مجئ بسهولة ، والإتيان قد يقال باعتبار القصد وإن لم يكن منه الحصول . والمجئ يقال اعتباراً بالحصول .
ويقال : جاء في الأعيان والمعاني ، ولما يكون مجيئه بذاته وبأمره ، ولمن قصد مكاناً أو عملاً أو زماناً ، قال الله عز وجل : وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى « يس : 20 » وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ « غافر : 34 » وَلما جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِئ بِهِمْ « هود : 77 » فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ « الأحزاب : 19 » إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ « يونس : 49 » بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي « الزمر : 59 » فَقَدْ جاؤُا ظُلْماً وَزُوراً « الفرقان : 4 » أي قصدوا الكلام وتعدوه ، فاستعمل فيه المجئ كما استعمل فيه القصد ، قال تعالى : إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ « الأحزاب : 10 » وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا « الفجر : 22 » فهذا بالأمر لا بالذات ، وهو قول ابن عباس ، وكذا قوله تعالى : فَلما جاءَهُمُ الْحق « يونس : 76 »
يقال : جاءه بكذا وأجاءه ، قال الله تعالى : فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ « مريم : 23 » قيل : ألجأها ، وإنما هو معدى عن جاء ، وعلى هذا قولهم : شرُّ ما أجاءك إلى مخُّه عرقوب ، وقول الشاعر : أجاءته المخافةُ والرجاءُ .
وجاء بكذا : استحضره ، نحو : لَوْلا جاؤُا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ « النور : 13 » وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ « النمل : 22 » .
--------------------------- 227 ---------------------------
وجاء بكذا يختلف معناه بحسب اختلاف المجئ به .
ملاحظات
1 . ذكرنا في مادة أتى أن المجيئ والإتيان لا يدلان على سهولة ولا صعوبة ، ويصح إطلاقهما على ما يجئ ويأتي بأي كيفية . وقد تتبعت كلمات اللغويين ، ومواردهما في القرآن فلم أجد ما تخيله الراغب !
فأين السهولة في قوله تعالى : أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً . مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ . أو في قوله تعالى : وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ . فَإِذَا جَاءَتِ الطامَّةُ الْكُبْرَى . جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ .
والصحيح أن أتى وجاء للأعم ، والسهولة والصعوبة قد تفهمان من الشئ الآتي ، أو من قرائن خارجة عنهما .
2 . كذلك لا يصح قوله : « والإتيان قد يقال باعتبار القصد ، وإن لم يكن منه الحصول . والمجئ يقال اعتباراً بالحصول » .
فإن المجئ والإتيان يصحان سواء وصل الشخص إلى المقصد أم لم يصل ، فيقال جاء أو أتى إلى بيت فلان ولم يصل . وكذلك الأمر في الأشياء والمعاني .
3 . قال الجوهري « 1 / 42 » : « المجئ : الإتيان . يقال جاء يجئ جيئةً . وأجأته ، أي جئت به . وجاءاني على فاعلني فجئتُه أجيئه ، أي غالبني بكثرة المجئ فغلبته . وتقول : الحمد لله الذي جاء بك ، أي الحمد لله إذ جئت ، ولا تقل : الحمد لله الذي جئت . وأجأته إلى كذا بمعنى ألجأته واضطررته إليه » .
جَالَ
جالوت : اسم ملك طاغ رماه داود عليه السلام فقتله وهو المذكور في قوله تعالى : وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ « البقرة : 251 » .
جَوٌَ
الجوُّ : الهواء ، قال الله تعالى : فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الله « النحل : 79 » واسم اليمامة جَوٌّ . والله أعلم .
ملاحظات
قصده أن اليمامة التي هي نجد ، كان اسمها في الجاهلية « جَوٌّ » . « الطبري : 1 / 141 » .
تم كتاب الجيم
--------------------------- 228 ---------------------------
كتاب الحاء وما يتصل بها
حَبَّ
الحَبُّ والحَبَّة : يقال في الحنطة والشعير ونحوهما من المطعومات . والحَب والحَبَّة : في بزور الرياحين . قال الله تعالى : كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كل سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ « البقرة : 261 » وقال : وَلاحَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ « الأنعام : 59 » وقال تعالى : إن الله فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى « الأنعام : 95 »
وقوله تعالى : فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ « ق : 9 » أي الحنطة وما يجري مجراها ، مما يحصد . وفي الحديث : كما تنبت الحبة في حميل السيل .
والحِبُّ : مَن فَرَطَ حُبُّه .
والحَبَبُ : تَنَضُّدُ الأسنان تشبيهاً بالحَب .
والحُبَاب من الماء : النفاخات تشبيهاً به .
وحَبَّة القلب : تشبيهاً بالحبَّة في الهيئة .
وحَبَبْتُ فلاناً : يقال في الأصل بمعنى : أصبت حبة قلبه ، نحو شغفته وكبدته وفأدته . وأَحْبَبْتُ فلاناً : جعلت قلبي معرضاً لحبه ، لكن في التعارف وضع محبوب موضع محب ، واستعمل حببت أيضاً موضع أحببت .
والمحبَّة : إرادة ما تراه أو تظنه خيراً ، وهي على ثلاثة أوجه : محبة للذة ، كمحبة الرجل المرأة ، ومنه : وَيُطْعِمُونَ الطعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً « الإنسان : 8 » . ومحبة للنفع كمحبة شئ ينتفع به . ومنه : وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ « الصف : 13 » . ومحبة للفضل ، كمحبة أهل العلم بعضهم لبعض لأجل العلم .
وربما فسرت المحبة بالإرادة في نحو قوله تعالى : فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا « التوبة : 108 » وليس كذلك ، فإن المحبة أبلغ من الإرادة كما تقدم آنفاً ، فكل محبة إرادة ، وليس كل إرادة محبة .
--------------------------- 229 ---------------------------
وقوله عز وجل : إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ « التوبة : 23 » أي إن آثروه عليه ، وحقيقة الاستحباب : أن يتحرَّى الإنسان في الشئ أن يحبَّه ، واقتضى تعديته بعلى معنى الإيثار ، وعلى هذا قوله تعالى : وإما ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى « فصلت : 17 » .
وقوله تعالى : فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ « المائدة : 54 » فمحبة الله تعالى للعبد إنعامه عليه ، ومحبة العبد له طلب الزلفى لديه .
وقوله تعالى : إني أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبي « ص : 32 » فمعناه : أحببت الخيل حبي للخير ، وقوله تعالى : إن الله يُحِبُّ التوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ « البقرة : 222 » أي يثيبهم وينعم عليهم ، وقال : لا يُحِبُّ كل كَفَّارٍ أَثِيمٍ « البقرة : 276 » .
وقوله تعالى : والله لا يُحِبُّ كل مُخْتالٍ فَخُورٍ « الحديد : 23 » تنبيهاً [ على ] أنه بارتكاب الآثام يصير بحيث لا يتوب لتماديه في ذلك ، وإذا لم يتب لم يحبه الله المحبة التي وعد بها التوابين والمتطهرين . وحَبَّبَ الله إليّ كذا ، قال الله تعالى : وَلكِنَّ الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ « الحجرات : 7 » .
وأحبَّ البعير : إذا حَرَنَ ولزم مكانه ، كأنه أحَبَّ المكان الذي وقف فيه . وحَبَابَكَ أن تفعل كذا : أي غاية محبتك ذلك .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن هذه المادة أكثر من ثمانين مرة ، وهذا يدل على أهمية الحب في الإسلام : حب المؤمنينلله تعالى ، وحبه لهم ، وحب رسوله صلى الله عليه وآله وحب عترته عليهم السلام والمؤمنين ، وحب الحق والخير . وقال زياد الأسود للإمام الباقر عليه السلام : « إني أُلِمُّ بالذنوب حتى إذا ظننت أني قد هلكت ذكرت حبكم فرجوت النجاة وتجلى عني . فقال أبو جعفر عليه السلام : وهل الدين إلا الحب ؟ قال الله تعالى : حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ . وقال : إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله . وقال : يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ » .
وأنواع الحب وأقسامه في القرآن عديدة ، منها ما أشرنا اليه ، ومنها حب الدنيا ، وحب أعداء الله تعالى . وأنواع الذين يحبهم الله تعالى . وأنواع حب المؤمنينلله تعالى ، ولرسوله صلى الله عليه وآله .
ومنها الحب الصادق والحب الكاذب . وكيف يصير الإنسان محب الله تعالى وللمحبوبين له . ومنها تأثير الحب على حياة الإنسان . وفي كل منها بحوث قرآنية .
2 . حصر الراغب الحَبَّ والحَبَّة : في بزور الرياحين . والصحيح أنه لكل بزور النبات . ويطلق على غيرها .
حَبَرَ
الحِبْرُ : الأثر المستحسن ، ومنه ما روي : يخرج من النار رجل قد ذهب حِبْرُهُ وسِبْرُه . أي جماله وبهاؤه ، ومنه سمي الحَبْر .
وشاعر مُحَبِّر ، وشعر مُحَبَّر ، وثوب حَبِير : مُحَسَّن . ومنه : أرض مِحْبَار ، والحبير من السحاب . وحَبِرَ فلان : بقي بجلده أثر من قرح .
والحَبْر : العالم وجمعه أَحْبَار ، لما يبقى من أثر علومهم في قلوب الناس ، ومن آثار أفعالهم الحسنة المقتدى بها ، قال تعالى : اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ الله « التوبة : 31 » .
وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين رضي الله عنه بقوله : العلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة .
وقوله عز وجل : فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ « الروم : 15 » أي يفرحون حتى يظهر عليهم حِبَار نعيمهم .
--------------------------- 230 ---------------------------
ملاحظات
مدح الله تعالى الأحبار ، في قوله تعالى : إِنَّا أَنْزَلْنَا التوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ الله . لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ . « المائدة : 44 » .
وذمهم في قوله تعالى : إِتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ الله وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ . « التوبة : 33 » .
2 . قال الخليل « 3 / 218 » : « والحِبْر والحَبْر : العالم من علماء أهل الدين ، وجمعه أحبار ، ذمياً كان أو مسلماً بعد أن يكون من أهل الكتاب . والحَبر : صفرة تقع على الأسنان . والحَبرة : ضرب من برود اليمن .
والتحبير : حسن الخط . وحَبَّرت الكلام والشعر تحبيراً ، أي حسنته . والحَبْرة : النعمة ، وحَبَرَ الرجل حَبْرَةً وحَبْراً فهو محبور ، وقوله تعالى : فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ، أي ينعمون . . والحبير : الجديد » .
حَبَسَ
الحَبْس : المنع من الإنبعاث ، قال عز وجل : تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ « المائدة : 106 » .
والحَبْس : مصنع الماء الذي يحبسه ، والأحباس جمع .
والتحبيس : جعل الشئ موقوفاً على التأبيد ، يقال : هذا حَبِيس في سبيل الله .
حَبِطَ
قال الله تعالى : حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ « المائدة : 53 » وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ « الأنعام : 88 » وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ « محمد : 32 » لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ « الزمر : 65 » وقال تعالى : فَأَحْبَطَ الله أَعْمالَهُمْ « الأحزاب : 19 » .
وحَبْط العمل : على أضرب ، أحدها : أن تكون الأعمال دنيوية ، فلا تغني في القيامة غَنَاء ، كما أشار إليه بقوله : وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً « الفرقان : 23 » . والثاني : أن تكون أعمالاً أخروية ، لكن لم يقصد بها صاحبها وجه الله تعالى ، كما روي : أنه يؤتى يوم القيامة برجل فيقال له : بمَ كان اشتغالك ؟ قال : بقراءة القرآن فيقال له : قد كنت تقرأ ليقال هو قارئ ، وقد قيل ذلك . فيؤمر به إلى النار .
والثالث : أن تكون أعمالاً صالحة ، ولكن بإزائها سيئات توفي عليها ، وذلك هو المشار إليه بخفة الميزان .
وأصل الحَبْط من الحَبَطِ ، وهو أن تكثر الدابة أكلاً حتى ينتفخ بطنها ، قال عليه السلام : إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يُلِمُّ .
وسمِّيَ الحارث الحَبَطَ لأنه أصابه ذلك ، ثم سمي أولاده حَبَطَات .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة في خمس عشرة آية ، بَيَّنَ فيها قانون إحباط الأعمال ، وحذر المسلمين أن يشملهم ، فإن المسلم قد يقوم بعمل يفسد أعماله الحسنة ، كما تفسد الدابة معدتها بكثرة أكلها ، أو بأكل ما يفسدها . فإحباط العمل يختلف عن إبطاله وتخريبه ، أو إضلاله عن إصابة هدفه ، لأن الإحباط نوع من تراكم الخير والشر ، لكن شره يُفْسِدُ خيره .
وقد تجتمع في عمل واحد عوامل البطلان والإضلال والإحباط ، وقد يكون الإحباط في الدنيا ، أو في الآخرة . قال الله تعالى في إحباط عمل الكافرين : وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَأنوا يَعْمَلُونَ . « الأعراف : 147 » وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ
--------------------------- 231 ---------------------------
أَعْمَالَهُمْ . « محمّد : 8 » .
وقد نص القرآن على إحباط عمل أصناف من الأمة :
الصنف الأول : عمل من يرتد عن الإسلام : وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ « المائدة : 5 » وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَكَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ . « البقرة : 217 » .
والصنف الثاني : عمل قتلة الآمرين بالقسط : إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حق وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ . « آل عمران : 21 » .
والصنف الثالث : عمل المنافقين : كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَأنوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ « التوبة : 68 » .
والصنف الرابع : المتعاملون ببداوة مع النبي صلى الله عليه وآله وعترته عليهم السلام : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ . « الحجرات : 2 » .
والصنف الخامس : مرضى القلوب المرتبطون بالكفار : وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . . وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ . « المائدة : 52 » .
حَبَكَ
قال تعالى : وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ « الذاريات : 7 » هي ذات الطرائق ، فمن الناس من تصور منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرة ، ومنهم من اعتبر ذلك بما فيه من الطرائق المعقولة المدركة بالبصيرة ، وإلى ذلك أشار بقوله تعالى : الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ . « آل عمران : 191 » .
وأصله من قولهم : بعيرٌ مَحْبُوكُ القرا ، أي محكمه . والإحتباك : شد الإزار .
ملاحظات
1 . وردت كلمة الحُبُك في هذه الآية فقط ، وقد فسرها الراغب وغيره بالطرق . وكأنهم لم يروا قول الخليل إمام اللغويين « 3 / 66 » : « الحُبَاك : رباط الحضيرة بقصبات تُعرض ثم تشد كما تُحبك عروش الكرم بالحبال » .
ويؤيد ذلك ما رواه الحسين بن خالد : « قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : أخبرني عن قول الله : وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ ؟ قال : محبوكة إلى الأرض وشبَّك بين أصابعه . فقلت : كيف تكون محبوكة إلى الأرض وهو يقول : رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ؟ فقال : سبحان الله ، أليس يقول بغير عمد ترونها ؟ فقلت : بلى ، فقال : فثَمَّ عَمَدٌ ولكن لا ترى . فقلت : كيف ذاك ؟ فبسط كفه اليسرى ثم وضع اليمنى عليها فقال : هذه الأرض الدنيا والسماء الدنيا عليها قبة » . « تفسير العياشي : 2 / 203 ، وتفصيله في تفسير القمي : 2 / 328 » .
وروى الثقفي في الغارات « 1 / 178 » أن علياً عليه السلام سئل : « فما السماء ذات الحبك ؟ قال : ذات الخَلْق الحسن » .
فالمعنى : أقسم بالسماء ذات النسيج الحسن ، وذات الحبائك المتقنة التي تربطها بالأرض ، التي لا ترونها . إنكم في آراء متباعدة في نبوة رسولنا صلى الله عليه وآله في حياته وبعد وفاته ، وسيؤفك الأفاكون عن اتباع الحق فيه ، ويهدي الله اليه المخلصين .
والحباك والحبيكة ، جمعها الحبك والحبائك .
--------------------------- 232 ---------------------------
« الصحاح : 4 / 1578 . وتغليق التعليق : 4 / 319 ، والكافي : 1 / 122 » .
2 . وزاد الراغب في ابتعاده في تفسير الحُبُك فجعلها الطرق التي توصل إلى الله تعالى ، قال : « فمن الناس من تصور منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرة ، ومنهم من اعتبر ذلك بما فيه من الطرائق المعقولة المدركة بالبصيرة » .
وهذا تفسير عجيب ، فلو صح فلماذا كانت هذه الطرق في السماء ولم يقل عز وجل : والأرض ذات الحبك ! ولو صح هذا التفسير الباطن ، فلا يصح نسيان الظاهر !
حَبَلَ
الحَبْلُ : معروف ، قال عز وجل : فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ « المسد : 5 » وشبه به من حيث الهيئة حبل الوريد وحبل العاتق . والحبل : المستطيل من الرَّمل ، واستعير للوصل ، ولكل ما يتوصل به إلى شئ . قال عز وجل : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً « آل عمران : 103 » فحبله هو الذي معه التوصل به إليه من القرآن والعقل ، وغير ذلك مما إذا اعتصمت به أداك إلى جواره . ويقال للعهد حبل .
وقوله تعالى : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ الله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ « آل عمران : 112 » ففيه تنبيه [ على ] أن الكافر يحتاج إلى عهدين : عهد من الله ، وهو أن يكون من أهل كتاب أنزله الله تعالى ، وإلا لم يقر على دينه ولم يجعل له ذمة . وإلى عهد من الناس يبذلونه له .
والحِبَالَة : خُصَّت بحبل الصائد ، جمعها حَبَائِل .
وروي : النساء حبائل الشيطان . والمُحْتَبِل والحَابِل : صاحب الحبالة ، وقيل : وقع حابلهم على نابلهم . والحُبْلَة : اسم لما يجعل في القلادة .
ملاحظات
استعمل القرآن كلمة الحبل ثلاث مرات ، مرةً في الحبل المعنوي : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ . . وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا . . إِلا بِحَبْلٍ مِنَ الله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ . . ومرتين في الحبل المادي : فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ . فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى .
وفسر الراغب حبل الله بأنه : « لكل ما يتوصل به إلى شئ » . كما فسر حبل الناس في آية اليهود بعهد الذمة من المسلمين . لكنه معونة الناس لهم ، فهو الذي يمكنهم أن يعلوا في الأرض . وحبل الله أعم من كتابه .
حَتَمَ
الحَتْم : القضاء المقدر ، والحاتم : الغراب الذي يحتم بالفراق ، فيما زعموا .
ملاحظات
قال الله تعالى : كَان عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا . « مريم : 72 » وقال الإمام الكاظم عليه السلام : « لا يكون شئ في السماوات ولا في الأرض إلا بسبع : بقضاء ، وقدر ، وإرادة ، ومشية ، وكتاب ، وأجل ، وإذن . فمن زعم غير هذا فقد كذب على الله أو رد على الله » . « الكافي : 1 / 149 » .
حَتَّى
حَتَّى : حرفٌ يجرُّ به تارة كإلى ، لكن يدخل الحد المذكور بعده في حكم ما قبله . ويعطف به تارة ، ويستأنف به تارة ، نحو : أكلت السمكة حتى رأسِها ، ورأسَها ، ورأسُها . قال تعالى : لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ « يوسف : 35 » وحَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ « القدر : 5 » .
ويدخل على الفعل المضارع فينصب ويرفع ، وفي كل واحد وجهان : فأحد وجهي النصب : إلى أن . والثاني : كي . وأحد وجهي الرفع أن يكون الفعل قبله ماضياً نحو : مشيتُ حتى أدخل البصرة ، أي مشيت فدخلت البصرة .
--------------------------- 233 ---------------------------
والثاني : يكون ما بعده حالاً نحو : مرض حتى لا يرجونه ، وقد قرئ : حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ « البقرة : 214 » بالنصب والرفع ، وحمل في كل واحدة من القراءتين على الوجهين .
وقيل : إن ما بعد حتى يقتضي أن يكون بخلاف ما قبله نحو قوله تعالى : وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا . « النساء : 43 » . وقد يجئ ولا يكون كذلك نحو ما روي : إن الله تعالى لا يملُّ حتى تملُّوا ، لم يقصد أن يثبت ملال الله تعالى بعد ملالهم .
حَثَّ
الحثُّ : السرعة ، قال الله تعالى : يَطْلُبُهُ حَثِيثاً « الأعراف : 54 » .
حَجَّ
أصل الحَجِّ : القصد للزيارة ، قال الشاعر :
يحجُّونَ بَيْتَ الزِّبْرَقَانِ المُعَصْفَرَا
وخُص في تعارف الشرع بقصد بيت الله تعالى إقامة للنسك فقيل : الحَج والحِج ، فالحَجُّ مصدر والحِجُّ اسم . ويوم الحج الأكبر يوم النحر ويوم عرفة . وروي : العمرة الحج الأصغر .
والحُجَّة : الدلالة المبينة للمحجة ، أي المقصد المستقيم الذي يقتضي صحة أحد النقيضين . قال تعالى : قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ « الأنعام : 149 » وقال : لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا « البقرة : 150 » فجعل ما يحتج بها الذين ظلموا مستثنى من الحجة وإن لم يكن حجة ، وذلك كقول الشاعر :
ولا عَيْبَ فيهم غير أنَّ سيوفَهُمْ
بهِنَّ فُلولٌ من قِراعِ الكَتَائبِ
ويجوز إنه سمى مايحتجون به حُجَّة كقوله تعالى : وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي الله مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ « الشورى : 16 » فسمى الداحضة حُجة .
وقوله تعالى : لاحُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ « الشورى : 15 » أي لااحتجاج لظهور البيان .
والمُحاجَّة : أن يطلب كل واحد أن يردَّ الآخر عن حجته ومحجته ، قال تعالى : وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ : أَتُحاجُّونِّي فِي الله « الأنعام : 80 » فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ « آل عمران : 61 » وقال تعالى : لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ « آل عمران : 65 » وقال تعالى : ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ « آل عمران : 66 » وقال تعالى : وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ « غافر : 47 » . وسُمِّيَ سَبْرُ الجراحة حَجاً ، قال الشاعر : يَحُجُّ مَأمُومةً في قعرها لَجفُ .
حَجَبَ
الحَجْب والحِجَاب : المنع من الوصول ، يقال : حَجَبَه حَجْباً وحِجَاباً ، وحِجَاب الجوف : ما يحجب عن الفؤاد . وقوله تعالى : وَبَيْنَهُما حِجابٌ « الأعراف : 46 » ليس يعني به ما يحجب البصر ، وإنما يعني ما يمنع من وصول لذة أهل الجنة إلى أهل النار ، وأذية أهل النار إلى أهل الجنة ، كقوله عز وجل : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ ، وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ . « الحديد : 13 » .
وقال عز وجل : وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكلمَهُ الله إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ « الشورى : 51 » أي من حيث ما لا يراه مكلمه ومبلغه . وقوله تعالى : حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ « ص : 32 » يعني الشّمس إذا استترت بالمغيب .
والحَاجِبُ : المانع عن السلطان ، والحاجبان في الرأس ، لكونهما كالحاجبين للعين في الذب عنهما . وحاجب الشمس ، سُمي لتقدمه عليها تقدم الحاجب للسلطان . وقوله عز وجل : كلا إنهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ « المطففين : 15 » إشارة إلى منع النور عنهم ، المشار إليه بقوله : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ « الحديد : 13 » .
--------------------------- 234 ---------------------------
ملاحظات
ظاهر قوله تعالى : وَبَيْنَهُما حِجابٌ . وقوله فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ . أنهما حجاب وسور ماديان ، كما فسره أهل البيت عليهم السلام وعامة المفسرين . ولا دليل على قول الراغب : « ليس يعني به ما يحجب البصر ، وإنما يعني ما يمنع من وصول لذة أهل الجنة » .
فقد يكون مادياً ويكون المانع من وصول النعيم والعذاب أمراً آخر . « راجع : تفسير القمي : 1 / 231 ، والطبري : 8 / 226 » .
حَجَرَ
الحَجَر : الجوهر الصلب المعروف ، وجمعه أحجار وحِجَارَة . وقوله تعالى : وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ « البقرة : 24 » قيل هي حجارة الكبريت ، وقيل بل الحجارة بعينها . ونبه بذلك [ على ] عظم حال تلك النار ، وأنها مما توقد بالناس والحجارة ، خلاف نار الدنيا ، إذ هي لا يمكن أن توقد بالحجارة وإن كانت بعد الإيقاد قد تؤثر فيها .
وقيل : أراد بالحجارة الذين هم في صلابتهم عن قبول الحق كالحجارة ، كمن وصفهم بقوله : فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً « البقرة : 74 » .
والحَجْر والتحجير : أن يجعل حول المكان حجارة ، يقال : حَجَرْتُهُ حَجْراً ، فهو محجور ، وحَجَّرْتُهُ تحجيراً فهو مُحَجَّر ، وسمِّيَ ما أحيط به الحجارة حِجْراً ، وبه سمي حِجْر الكعبة وديار ثمود ، قال تعالى : كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ « الحجر : 80 »
وتُصُوِّرَ من الحِجْر معنى المنع لما يحصل فيه ، فقيل للعقل حِجْر ، لكون الإنسان في منع منه مما تدعو إليه نفسه ، وقال تعالى : هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ « الفجر : 5 » .
قال المبرّد : يقال للأنثى من الفرس حِجْر ، لكونها مشتملة على ما في بطنها من الولد . والحِجْر : الممنوع منه بتحريمه ، قال تعالى : وَقالُوا : هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ « الأنعام : 138 »
وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً « الفرقان : 22 » كان الرجل إذا لقي من يخاف يقول ذلك ، فذكر تعالى أن الكفار إذا رأوا الملائكة قالوا ذلك ظنّاً أن ذلك ينفعهم ، قال تعالى : وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً « الفرقان : 53 » أي منعاً لا سبيل إلى رفعه .
حَجَزَ
الحَجْزُ : المنع بين الشيئين بفاصل بينهما ، يقال : حَجَزَ بينهما . قال عز وجل : وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً « النمل : 61 » .
والحِجَاز : سمِّي بذلك لكونه حاجزاً بين الشام والبادية . قال تعالى : فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ « الحاقة : 47 » فقوله : حاجِزِينَ صفة لأحد في موضع الجمع .
والحِجَاز : حَبْلٌ يشد من حِقو البعير إلى رسغه وتُصُوِّرَ منه معنى الجمع فقيل : احتجز فلان عن كذا ، واحتجز بإزاره ، ومنه : حُجْزَة السراويل .
وقيل : إن أردتم المحاجزة فقبل المناجزة ، أي الممانعة قبل المحاربة . وقيل : حَجَازَيْك ، أي أحجز بينهم .
ملاحظات
قال الخليل « 3 / 197 » : « وكل شئ حجز بين شيئين فهو حِجاز وحِظَار » . وما دام لكل حاجز بين شيئين ، فلا مبرر لقول الراغب إنه مأخوذ من حجزة البعير ، بل يكون كلاهما مأخوذاً من الحجز والحجاز .
حَدَّ
الحد : الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر ، يقال : حَدَدْتُ كذا : جعلت له حداً يميز .
وحَدُّ الدار : ما تتميز به عن غيرها . وحَدُّ الشئ : الوصف المحيط بمعناه المميز له عن غيره .
وحَدُّ الزنا والخمر : سمِّي به لكونه مانعاً لمتعاطيه من معاودة مثله ، ومانعاً لغيره أن يسلك مسلكه ، قال الله
--------------------------- 235 ---------------------------
تعالى : وَتِلْكَ حُدُودُ الله وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ الله « الطلاق : 1 » وقال تعالى : تِلْكَ حُدُودُ الله فَلا تَعْتَدُوها « البقرة : 229 » وقال : الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ الله « التوبة : 97 » أي أحكامه ، وقيل حقائق معانيه .
وجميع حدود الله على أربعة أوجه : إما شئ لا يجوز أن يُتَعَدَّى بالزيادة عليه ولا القصور عنه كأعداد ركعات صلاة الفرض . وإما شئ تجوز الزيادة عليه ، ولا يجوز النقصان عنه . وإما شئ يجوز النقصان عنه ، ولا تجوز الزيادة عليه . وإما شئ يجوز [ فيه ] كلاهما .
وقوله تعالى : إن الَّذِينَ يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ « المجادلة : 5 » أي يمانعون ، فذلك إما اعتباراً بالممانعة ، وإما باستعمال الحديد . والحديد : معروف . قال عز وجل : وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ « الحديد : 25 » .
وحَدَّدْتُ السكين : رقَّقْتُ حدَّه . وأَحْدَدْتُهُ : جعلت له حداً . ثم يقال لكل ما دق في نفسه من حيث الخلقة أو من حيث المعنى كالبصر والبصيرة : حَدِيد ، فيقال : هو حديد النظر ، وحديد الفهم ، قال عز وجل : فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ « ق : 22 » ويقال : لسان حديد ، نحو لسان صارم ، وماض ، وذلك إذا كان يؤثر تأثير الحديد ، قال تعالى : سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ « الأحزاب : 19 » .
ولتصوُّر المنع سمِّي البواب حَدَّاداً ، وقيل : رجل محدود : ممنوع الرزق والحظ .
ملاحظات
قال الراغب : « وجميع حدود الله على أربعة أوجه » ثم قسمها من حيث جواز الزيادة والنقصان فيها ، ولم يذكر إلا مثالاً واحداً ، كما لم يبين قصده بالزيادة والنقصان . وبعض الحدود يمكن أن تزيد أو تنقص كالتعزيرات الموكلة إلى تقدير القاضي . على أن هذا كله من استطرادات الراغب الضعيفة وغير اللغوية !
حَدَبَ
يجوز أن يكون الأصل في الحَدَبِ حَدَبُ الظهر ، يقال : حَدِبَ الرجل حَدَباً ، فهو أَحْدَب واحدودب . وناقة حدباء تشبيهاً به .
ثم شبه به ما ارتفع من ظهر الأرض فسمي حَدَباً . قال تعالى : وَهُمْ مِنْ كل حَدَبٍ يَنْسِلُونَ « الأنبياء : 96 » .
ملاحظات
ويمكن فرض أنه من حَدَب الأرض بمعنى ارتفاعها ، ومنه حُدبة الظهر كما فعل الجوهري . أومطلق الارتفاع ومنه ارتفاع الأرض وارتفاع الظهر ، كما فعل ابن فارس .
حَدَثَ
الحدوث : كون الشئ بعد أن لم يكن ، عرضاً كان ذلك أو جوهراً . وإِحْدَاثه : إيجاده . وإحداث الجواهر ليس إل الله تعالى . والمُحدَث : ما أوجد بعد أن لم يكن ، وذلك إما في ذاته أو إحداثه عند من حصل عنده نحو : أحدثت مُلكاً ، قال تعالى : مايَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ « الأنبياء : 2 » .
ويقال لكل ما قرب عهده : مُحدث ، فعلاً كان أو مقالاً ، قال تعالى : حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً « الكهف : 70 » وقال : لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً « الطلاق : 1 » .
وكل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته أو منامه يقال له : حديث ، قال عز وجل : وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً « التحريم : 3 » وقال تعالى : هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ « الغاشية : 1 » . وقال عز وجل : وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ « يوسف : 101 » أي ما يحدَّث به الإنسان في نومه .
وسَمَّى تعالى كتابه حديثاً فقال : فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ « الطور : 34 » وقال تعالى : أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ « النجم : 59 » وقال : فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ
--------------------------- 236 ---------------------------
حَدِيثاً « النساء : 78 » وقال تعالى : حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ « الأنعام : 68 » فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ « الجاثية : 6 » وقال تعالى : وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً « النساء : 87 » .
وقال عليه السلام : إن يكن في هذه الأمّة مُحَدَّثٌ فهو عمر . وإنما يعني من يلقى في روعه من جهة الملإ الأعلى شئ . وقوله عز وجل : فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ « سبأ : 19 » أي أخباراً يُتمثل بهم .
والحديث : الطريُّ من الثمار . ورجل حَدُثٌ : حسن الحديث . وهو حِدْثُ النساء أي محادثهن وحادثته وحَدَّثْته وتحادثوا . وصار أُحْدُوثَة . ورجل حَدَثٌ وحديث السن : بمعنى . والحادثة : النازلة العارضة ، وجمعها حوادث .
ملاحظات
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « من ولدي أحد عشر نقيباً ، نجباء ، مُحدثون ، مُفَهَّمُون . آخرهم القائم بالحق ، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً » . « الكافي : 1 / 534 » .
أما ما رووه من أن عمر تحدثه الملائكة ، وينطق على لسانه ملك فهو لتشبيهه بالنبي صلى الله عليه وآله الذي وصفه الله بأنه : مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى .
حَدَقَ
حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ « النمل : 60 » : جمع حديقة ، وهي قطعة من الأرض ذات ماء ، سميت تشبيهاً بحدقة العين في الهيئة ، وحصول الماء فيها . وجمع الحَدَقَة حِدَاق وأحداق .
وحَدَّقَ تحديقاً : شدد النظر ، وحَدَقُوا به وأَحْدَقُوا : أحاطوا به ، تشبيهاً بإدارة الحدقة .
ملاحظات
ذكرالقرآن الحديقة في ثلاث آيات : حدائق ذات بهجة . حدائق وأعناباً . حدائق غلباً . قال الخليل « 3 / 41 » : « الحديقة من الرياض : ما أحدق بها حاجز أو أرض مرتفعة .
وقال ابن منظور « 10 / 39 » : « وقيل : الحَدِيقةُ حُفرة تكون في الوادي تَحْبِسُ الماء ، وكلُّ وَطِئ يَحْبس الماء في الوادي ، وإِن لم يكن الماء في بطنه فهو حديقةٌ » .
وهذه الأقوال أقرب من قول الراغب إنها مأخوذة من حدقة العين التي فيها ماء .
حَذَرَ
الحَذَر : احتراز من مخيف ، يقال : حَذِرَ حَذَراً ، وحذرته ، قال عز وجل : يَحْذَرُ الْآخِرَةَ « الزمر : 9 » وقرئ : وإنا لجميع حَذِرُون ، وحاذِرُونَ .
وقال تعالى : وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ « آل عمران : 28 »
وقال عز وجل : خُذُوا حِذْرَكُمْ « النساء : 71 » أي ما فيه الحذر من السلاح وغيره ، وقوله تعالى : هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ « المنافقون : 4 » وقال تعالى : إن مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ « التغابن : 14 » .
وحَذَارِ ، أي إحذر ، نحو مناعِ أي إمنع .
حَرّ
الحرارة ضد البرودة ، وذلك ضربان : حرارة عارضة في الهواء من الأجسام المحمية ، كحرارة الشمس والنار . وحرارة عارضة في البدن من الطبيعة ، كحرارة المحموم . يقال : حَرَّ يومُنا والريح يَحِرُّ حرّاً وحرارة ، وحُرَّ يومنا فهو محرور . وكذا : حُرَّ الرجل .
قال تعالى : لاتَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا « التوبة : 81 » والحَرور : الريح الحارة ، قال تعالى : وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ « فاطر : 21 » واستحرَّ القَيْظُ : اشتد حره ، والحَرَر : يبس عارض في الكبد من العطش . والحَرَّة : الواحدة من الحر ، يقال : حَرَّةٌ تحت قَرَّة . والحَرَّة أيضاً : حجارة تَسْوَدُّ من حرارة تعرض فيها . وعن ذلك استعير : استحرَّ القتل : اشتد . وحَرُّ العمل : شدته . وقيل : إنما يتولى حارَّها من تولى قارَّها .
والحُرُّ : خلاف العبد ، يقال : حُرٌّ بَيِّنُ الحُرُورِيَّة والحُرُورَة .
--------------------------- 237 ---------------------------
والحرية ضربان ، الأول : من لم يجر عليه حكم الشئ نحو : الْحُرُّ بِالْحُرِّ . « البقرة : 178 » . والثاني : من لم تتملكه الصفات الذميمة من الحرص والشَّرَه على المقتنيات الدنيوية .
وإلى العبودية التي تضاد ذلك أشار النبي صلى الله عليه وآله بقوله : تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار . وقول الشاعر :
ورِقُّ ذوي الأطماعِ رِقٌّ مُخَلَّدُ
وقيل : عبد الشهوة أذل من عبد الرِّق .
والتحريرُ : جعل الإنسان حراً ، فمن الأول : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ « النساء : 92 » ومن الثاني : نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً « آل عمران : 35 » قيل : هو أنه جعل ولده بحيث لا ينتفع به الانتفاع الدنيوي المذكور في قوله عز وجل : بَنِينَ وَحَفَدَةً « النحل : 72 » بل جعله مخلصاً للعبادة ، ولهذا قال الشعبي : معناه مخلصاً ، وقال مجاهد : خادماً للبيعة ، وقال جعفر : معتقاً من أمر الدنيا ، وكل ذلك إشارة إلى معنى واحد .
وحَرَّرْتُ القوم : أطلقتهم وأعتقتهم عن أسر الحبس . وحُرُّ الوجه : من لم تسترقه الحاجة . وحُرُّ الدار : وسطها . وأحرار البقل معروف . وقول الشاعر :
جَادَتْ عليهِ كلُّ بِكْرٍ حُرَّةٍ
وباتت المرأة بليلة حرة ، كل ذلك استعارة .
والحَريرُ من الثياب : ما رقَّ ، قال الله تعالى : وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ « فاطر : 33 » .
ملاحظات
استعمل القرآن من هذه المادة : الحُر والتحرير والمُحرر ، والحَر والحَرُور ، والحرير . قال الجوهري : « 2 / 628 » : « الحرور : الريح الحارة ، وهي بالليل كالسموم بالنهار . وقال أبو عبيدة : الحرور بالليل وقد تكون بالنهار ، والسموم بالنهار وقد تكون بالليل » .
وقال ابن منظور « 4 / 181 » : « وقوله تعالى : إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ منِّي . ومعناه جعلته خادماً يخدم في مُتَعَبَّداتك ، وكان ذلك جائزاً لهم » .
حَرَبَ
الحَرْبُ معروف . والحَرَب : السَّلَب في الحرب ثم قد سميَ كل سلب حَرَباً ، قال : والحرب فيه الحرائب
وقال : والحرب مشتقة المعنى من الحَرَب .
وقد حُرِبَ فهو حَرِيب ، أي سليب . والتحريب : إثارة الحرب ، ورجل مِحْرَب : كأنه آلة في الحرب .
والحَرْبَة : آلة للحرب معروفة ، وأصله الفعلة من الحرب أو من الحراب .
ومِحرابُ المسجد : قيل سمي بذلك لأنه موضع محاربة الشيطان والهوى ، وقيل سمي بذلك لكون حق الإنسان فيه أن يكون حريباً من أشغال الدنيا ، ومن توزع الخواطر .
وقيل : الأصل فيه أن محراب البيت صدر المجلس ، ثم اتخذت المساجد فسمي صدره به . وقيل : بل المحراب أصله في المسجد ، وهو اسم خُصَّ به صدر المجلس فسمي صدر البيت محراباً تشبيهاً بمحراب المسجد ، وكأن هذا أصح ، قال عز وجل : يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ « سبأ : 13 » .
والحِرْبَاء : دويبة تتلقى الشمس كأنها تحاربها ، والحِرْبَاء : مسمار ، تشبيهاً بالحرباء التي هي دويبة في الهيئة كقولهم في مثلها : ضبة وكلب ، تشبيهاً بالضبِّ والكلب .
حَرَثَ
الحَرْث : إلقاء البذر في الأرض وتهيؤها للزرع ويسمى المحروث حرثاً ، قال الله تعالى : أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ « القلم : 22 » .
وتُصُوِّرَ منه معنى العمارة التي تحصل عنه في قوله تعالى : مَنْ
--------------------------- 238 ---------------------------
كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ، وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ « الشورى : 20 » .
وقد ذكرت في مكارم الشريعة كون الدنيا مَحْرَثاً للناس ، وكونهم حُرَّاثاً فيها وكيفية حرثهم . وروي : أصدق الأسماء الحارث ، وذلك لتصور معنى الكسب منه ، وروي : أُحرث في دنياك لآخرتك .
وتُصًوِّرَ معنى التهيج من حرث الأرض فقيل حَرَثْت النار ، ولما تهيج به النار : محرث . ويقال : أُحْرُثِ القرآن ، أي أكثر تلاوته ، وحَرَثَ ناقته : إذا استعملها .
وقال معاوية للأنصار : ما فعلت نواضحكم ؟ قالوا : حرثناها يوم بدر . وقال عز وجل : نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ إني شِئْتُمْ « البقرة : 223 » وذلك على سبيل التشبيه ، فبالنساء زرع ما فيه بقاء نوع الإنسان كما أن بالأرض زرع ما به بقاء أشخاصهم ، وقوله عز وجل : وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ « البقرة : 205 » يتناول الحرثين .
حَرَجَ
أصل الحَرَج والحراج : مجتمع الشيئين ، وتُصُوِّرَ منه ضيق ما بينهما فقيل للضِّيق حَرَج ، وللإثم حَرَج ، قال تعالى : ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً « النساء : 65 » وقال عز وجل : وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ « الحج : 78 » .
وقد حَرِجَ صدره ، قال تعالى : يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرِجاً « الأنعام : 125 » وقرئ حَرَجاً ، أي ضيّقاً بكفره ، لأن الكفر لا يكاد تسكن إليه النفس لكونه اعتقاداً عن ظن ، وقيل : ضَيِّقٌ بالإسلام كما قال تعالى : خَتَمَ الله عَلى قُلُوبِهِمْ « البقرة : 7 » . وقوله تعالى : فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ « الأعراف : 2 » قيل هو نهي ، وقيل هو دعاء ، وقيل هو حكم منه نحو : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ « الشرح : 1 » . والمُتَحَرِّج والمُتَحَوِّبُ : المتجنب من الحرج والحُوب .
ملاحظات
لا يصح تعريف الحرج بأنه « مجتمع الشيئين » . وقد أخذه من تعريف ابن فارس « 2 / 50 » بأنه : « تجمع الشئ وضيقه » لكن قصد ابن فارس تضامُّ الأجزاء الذي يُسبب الضيق .
وقال الخليل « 3 / 76 » : « الحَرْجَة من الشجر : الملتف قدر رمية حجر ، وجمعها حراج » .
حَرَدَ
الحَرْد : المنع من حدةٍ وغضب ، قال عز وجل : وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ « القلم : 25 » أي على امتناع من أن يتناولوه قادرين على ذلك ، ونزل فلان حريداً ، أي ممتنعاً من مخالطة القوم . وهو حريد المحل .
وحَارَدَتِ السَّنَة : مَنَعَتْ قطرها . والناقة : منعت درَّها .
وحَرِدَ : غضب ، وحَرَّدَهُ كذا . وبعير أحرد : في إحدى يديه حَرَدٌ . والحُرْدِيَّة : حظيرة من قصب .
ملاحظات
استعمل القرآن كلمة حَرْدٍ مرة واحدة في قوله تعالى : وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ . فَلما رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ . « القلم : 23 » . أي ذهبوا لقطافها على غضب ، وهم بتصورهم قادرون على ما يريدون . فعلى حردٍ : جارٌّ ومجرور متعلق بمصدر محذوف حال أو مفعول مطلق من غدوا . وقادرين : حال منه أيضاً ، أي غَدَوْا حالة كونهم غاضبين وقادرين بتصورهم .
وقد أخطأ كثير من المفسرين فجعلوا الجار والمجرور متعلقاً بقادرين ، وتصوروا أن المعنى قادرين على حرد ، أي على منع المساكين . والصحيح أنهما حالان منفصلان ، والمعنى غدوا غضاباً مقتدرين بتصورهم . ودليله أن الجار والمجرور لا يتقدم في العربية على
--------------------------- 239 ---------------------------
قَدِرَ ، إلا إذا دخلت عليها اللام بينما يتقدم عليه في الفارسية . فلا تقول العرب : على الشئ الفلاني يقدر ، بل تقول : يقدر على الشئ الفلاني ، ولا تقول إنه على الشئ الفلاني قادر ، بل تقول لقادر . بينما يقال ذلك في الفارسية ، فتأثر بذلك اللغويون .
لذلك تصوروا أن المعنى غدوا وهم على منعٍ قادرون . بتأخير المتعلق وحذف معمول قادر . لكن المعنى : غدوا غضاباً وهم مقتدرون بتصورهم . راجع : مجاز القرآن لابن المثنى : 2 / 266 ، والطبري : 29 / 40 ، والعين : 3 / 180 ، والمقاييس : 2 / 51 .
حَرَسَ
قال الله تعالى : فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً « الجن : 8 » . والحَرَس والحُرَّاس : جمع حارس ، وهو حافظ المكان ، والحَرَز والحَرَس : يتقاربان معنى كتقاربهما لفظاً ، لكن الحرز يستعمل في الناض والأمتعة أكثر ، والحرس يستعمل في الأمكنة أكثر ، وقول الشاعر :
فبقيتُ حَرْساً قبل مَجْرَى دَاحِسٍ
لو كانَ للنَّفس اللَّجُوجِ خُلُودُ
قيل معناه : دهراً ، فإن كان الحرس دلالته على الدهر من هذا البيت فقط فلا يدل ، فإن هذا يحتمل أن يكون مصدراً موضوعاً موضع الحال ، أي بقيت حارساً . ويدل على معنى الدهر والمدة ، لا من لفظ الحرس ، بل من مقتضى الكلام .
وأَحْرَسَ : معناه صار ذا حرس ، كسائر هذا البناء المقتضي لهذا المعنى .
وحَرِيسَة الجبل : ما يحرس في الجبل بالليل . قال أبو عبيد : الحريسة هي المحروسة ، وقال : الحريسة المسروقة ، يقال : حَرَسَ يَحْرُسُ حَرْساً ، وقدر أن ذلك لفظ قد تُصُوِّرَ من لفظ الحريسة لأنه جاء عن العرب في معنى السرقة .
حَرَصَ
الحِرْص : فرط الشَّرَه وفرط الإرادة . قال عز وجل : إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ « النحل : 37 » أي إن تفرط إرادتك في هدايتهم . وقال تعالى : وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ « البقرة : 96 » وقال تعالى : وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ « يوسف : 103 » وأصل ذلك من حَرَصَ القصَّار الثوب ، أي قشره بدقة . والحارصة : شجة تقشر الجلد ، والحارصة والحريصة : سحابة تقشر الأرض بمطرها .
ملاحظات
خلط الراغب بين الحرص المذموم والممدوح ، فالمذموم الحرص لجر نفعٍ إلى نفسه بدون حق . والممدوح حرصه لنفع غيره ، ولذلك مدح الله نبيه صلى الله عليه وآله بقوله : لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ .
وقال تعالى : إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ الله لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ . . وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ .
وقال تعالى : وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ . وكل هذا حرص ممدوح .
وقال في الحرص المذموم : وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ . وفي الكافي « 2 / 290 » : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من علامات الشقاء جمود العين وقسوة القلب وشدة الحرص في طلب الدنيا ، والإصرار على الذنب » .
وتعريف الراغب للحرص بأنه « فرط الشرَه وفرط الإرادة » غير دقيق ، بل هو فرط الرغبة في جر نفع أو دفع ضُر لنفسه أو لغيره . والذم والمدح لا يفهم منه بل من متعلقه .
وقال ابن منظور « 7 / 11 » : « قول العرب : حَرِيصٌ عليك ، معناه : حَرِيصٌ على نَفْعِك . قال : واللغة العالية حَرَصَ يَحْرِصُ ، وأَما حَرِصَ يَحْرَصُ فلغة رديئة » .
--------------------------- 240 ---------------------------
حَرَضَ
الحَرَض : ما لا يعتد به ولا خير فيه ، ولذلك يقال لما أشرف على الهلاك : حَرِضَ ، قال عز وجل : حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً « يوسف : 85 » . وقد أَحْرَضَهُ كذا ، قال الشاعر :
إني امرؤٌ نَابَنِي همٌّ فَأَحْرَضَنِي
والحُرْضَة : من لا يأكل إلا لحم الميسر لنذالته .
والتحريض : الحثُّ على الشئ بكثرة التزيين وتسهيل الخطب فيه ، كأنه في الأصل إزالة الحرض ، نحو : مرَّضته وقذَّيته ، أي أزلت عنه المرض والقذى .
وأَحْرَضْتُهُ : أفسدته ، نحو : أقذيته : إذا جعلت فيه القذى .
حَرَفَ
حَرْفُ الشئ : طرفه ، وجمعه أحرف وحروف ، يقال : حرف السيف ، وحرف السفينة ، وحرف الجبل . وحروف الهجاء : أطراف الكلمة ، والحروف العوامل في النحو : أطراف الكلمات الرابطة بعضها ببعض .
وناقةٌ حَرْفٌ : تشبيهاً بحرف الجبل ، أو تشبيهاً في الدقة بحرف من حروف الكلمة ، قال عز وجل : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ الله عَلى حَرْفٍ « الحج : 11 » قد فسَّر ذلك بقوله بعده : فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَإن بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ « الحج : 11 » وفي معناه : مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ « النساء : 143 » .
وانحرف عن كذا . وتحرف . واحترف .
والإحتراف : طلب حرفة للمكسب . والحرفة : حالته التي يلزمها في ذلك ، نحوالقِعدة والجِلسة . والمحارف : المحروم الذي خلا به الخير . وتَحريفُ الشئ : إمالته كتحريف القلم .
وتحريف الكلام : أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين ، قال عز وجل : يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ « النساء : 46 » ويُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ « المائدة : 41 » وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ الله ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ « البقرة : 75 » .
والحَرِف : ما فيه حرارةٌ ولَذْع ، كأنه محرَّف عن الحلاوة والحرارة . وطعام حِرِّيف .
وروي عنه صلى الله عليه وآله : نزل القرآن على سبعة أحرف ، وذلك مذكور على التحقيق في الرسالة المنبهة على فوائد القرآن .
ملاحظات
في كلامه مواطن للنظر ، وقصده بأطراف الكلمة كل حروفها وليس طرفيها فقط .
ولم يذكر التحرف في القتال ، في قوله تعالى : وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله . وهو الانحراف عن مواجهة العدو ، بأن يستطرد له ويهرب أمامه ليكرَّ عليه . أو يميل عنه ليكون في وضع أفضل لقتاله ، أو لينضم إلى إخوانه وفئته .
حَرَقَ
يقال : أَحْرَقَ كذا فاحترق . والحريق : النار . وقال تعالى : وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ « الحج : 22 » وقال تعالى : فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ « البقرة : 266 » وقالُوا : حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ « الأنبياء : 68 » لَنُحَرِّقَنَّهُ ، ولنُحْرِقَنَّه « طه : 97 » قرئا معاً .
فَحَرْقُ الشئ : إيقاع حرارة في الشئ من غير لهيب ، كحرق الثوب بالدق .
وحَرَقَ الشئ : إذا برده بالمبرد ، وعنه استعير : حرق الناب ، وقولهم : يُحَرِّقُ عليَّ الأرَّم .
وحَرَق الشعرُ : إذا انتشر . وماء حُرَاق : يحرق بملوحته . والإحراق : إيقاع نار ذات لهيب في الشئ ، ومنه استعير : أحرقني بلومه : إذا بالغ في أذيته بلوم .
--------------------------- 241 ---------------------------
ملاحظات
استعمل القرآن المادة مرتين في تحريق البابليين لإبراهيم عليه السلام . ومرة في مَثَل الجنة التي أصابها إعصار فاحترقت . ومرة في حرق موسى عليه السلام لعجل بني إسرائيل . واستعمل عذاب الحريق في جهنم خمس مرات .
ولا يصح قول الراغب : إن حرق الشيء بالحرارة من غير لهب كحرق الثوب بالدق ، لأن الحرق قد يكون بلهب .
حَرَكَ
قال تعالى : لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ « القيامة : 16 » . الحركة : ضد السكون ، ولا تكون إلا للجسم ، وهو انتقال الجسم من مكان إلى مكان ، وربما قيل : تَحَرَّكَ كذا : إذا استحال ، وإذا زاد في أجزائه ، وإذا نقص من أجزائه .
حَرَمَ
الحرام : الممنوع منه إما بتسخير إلهي ، وإما بشري ، وإما بمنع قهري ، وإما بمنع من جهة العقل ، أو من جهة الشرع ، أو من جهة من يرتسم أمره . فقوله تعالى : وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ « القصص : 12 » فذلك تحريم بتسخير ، وقد حمل على ذلك : وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها « الأنبياء : 95 » . وقوله تعالى : فَإنها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً « المائدة : 26 » وقيل بل كان حراماً عليهم من جهة القهر لابالتسخير الإلهي .
وقوله تعالى : إنهُ مَنْ يُشْرِكْ بِالله فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيْهِ الْجَنَّةَ « المائدة : 72 » فهذا من جهة القهر بالمنع ، وكذلك قوله تعالى : إن الله حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ « الأعراف : 50 » .
والمُحرَّم بالشرع : كتحريم بيع الطعام بالطعام متفاضلاً . وقوله عز وجل : وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ « البقرة : 85 » فهذا كان محرماً عليهم بحكم شرعهم . ونحو قوله تعالى : قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ . . الآية « الأنعام : 145 » وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كل ذِي ظُفُرٍ « الأنعام : 146 » .
وسوط مُحَرَّم : لم يدبغ جلده ، كأنه لم يحلَّ بالدباغ الذي اقتضاه قول النبي صلى الله عليه وآله : أيّما إهاب دبغ فقد طهر . وقيل : بل المحرم الذي لم يُلَيَّن .
والحَرَمُ : سُمِّيَ بذلك لتحريم الله تعالى فيه كثيراً مما ليس بمحرم في غيره من المواضع . وكذلك الشهر الحرام . وقيل : رجل حَرَام وحلال ، ومُحِلٌّ ومُحْرِم ، قال الله تعالى : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ الله لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ « التحريم : 1 » أي لم تحكم بتحريم ذلك .
وكل تحريم ليس من قبل الله تعالى فليس بشئ ، نحو : وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها « الأنعام : 138 » .
وقوله تعالى : بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ « الواقعة : 67 » أي ممنوعون من جهة الجد .
وقوله : لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ « الذاريات : 19 » أي الذي لم يوسَّع عليه الرزق كما وُسِّع على غيره . ومن قال أراد به الكلب فلم يَعْنِ أن ذلك اسم الكلب كما ظنه بعض من رد عليه ، وإنما ذلك منه ضرب مثال بشئ ، لأن الكلب كثيراً ما يحرمه الناس ، أي يمنعونه .
والمَحْرَمَة والمَحْرُمَة والحُرْمَة .
واستحرمت الماعز : كناية عن إرادتها الفحل .
ملاحظات
قال ابن فارس « 2 / 45 » : « الحاء والراء والميم أصل واحد وهو المنع والتشديد » .
وبنحوه عرَّف أكثرهم حَرُمَ . وذكروا مشتقاتها ومنها : الحرمان والحارم والمحروم . والصحيح أن الحرمان من حَرَمَ بفتح الراء ، ومعناه يختلف عن التحريم ، لأن حَرَّمَ عليه الشئ : منعه من فعله أو تركه ، وحرمه من الشئ : لم يعطه إياه ، فكان ذلك نوعاً من المنع منه . ويستعمل
--------------------------- 242 ---------------------------
الحرمان لازماً بمعنى عدم حصوله على الشئ لأي سبب . فالحرمان : أصل مستقل وهو غير التحريم . وقد ورد في القرآن واستعمال العرب ، قال تعالى : لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ . إِنَّا لَمُغْرَمُونَ . بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ . « الواقعة : 65 » فَلما رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ . بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ . « القلم : 26 » وَفِي أَمْوَالِهِمْ حق لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم . « الذاريات : 19 » .
وتفسير الراغب للمحروم في الآية بالكلب ، لا يصح ، وإن كان أحد مصاديقه .
قال ابن منظور « 12 / 125 » : « الأَزهري : الحَرْمُ المنع ، والحِرْمَةُ الحِرْمان ، والحِرْمانُ نَقيضه الإِعطاء والرَّزْقُ . يقال مَحْرُومٌ ومَرْزوق » .
وقول الراغب : « قول النبي صلى الله عليه وآله أيما إهاب دبغ فقد طهر » . والميتة لا تطهر بالدباغ عندنا .
وتقسيماته للحرام نظريةٌ ، وغير مستوعبة .
حَرَى
حَرَى الشئ يحري : أي قصد حراه أي جانبه . وتَحَرَّاه : كذلك ، قال تعالى : فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً « الجن : 14 » . وحَرَى الشئ يحري : نقص ، كأنه لزم الحرى ولم يمتد ، قال الشاعر : والمرءُ بعدَ تمامِهِ يَحْرِي
ورماه الله بأفعى حارية .
ملاحظات
جعل الراغب تحرَّى بمعنى بحثَ وبمعنى نقص ، أصلاً واحداً . وجعله ابن فارس ثلاثة ، قال : « 2 / 47 » : « فالأول جنس من الحرارة ، والثاني القرب والقصد ، والثالث الرجوع . وأما القرب والقصد فقولهم : أنت حريٌّ أن تفعل كذا ، ولا يثنى على هذا اللفظ ولا يجمع .
ومنه قولهم هو يتحرى الأمر أي يقصده . ومنه قولهم نزلتُ بحِراه وبعُراه ، أي بعقوته » .
وقال أبو هلال في الفروق / 118 : « الفرق بين التحري والإرادة : أن التحري هو طلب مكان الشئ ، مأخوذ من الحَرَا وهو المأوى ، وقيل لمأوى الطير حَرَاها ، ولموضع بيضها حَرَا أيضاً ومنه تحرِّي القبلة » .
والصحيح أنه لا علاقة لتحرَّى بمعنى بحث وفتش بتحرَّى بمعنى النقص ، فهما أصلان .
حَزَبَ
الحزب : جماعة فيها غلظ ، قال عز وجل : أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً « الكهف : 12 » أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ « المجادلة : 19 » . وقوله تعالى : وَلما رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ « الأحزاب : 22 » عبارة عن المجتمعين لمحاربة النبي صلى الله عليه وآله فَإن حِزْبَ الله هُمُ الْغالِبُونَ « المائدة : 56 » يعني : أنصار الله .
وقال تعالى : يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أنهُمْ بادُونَ فِي الإعرابِ « الأحزاب : 20 » وَبُعَيْدَهُ : وَلما رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ .
ملاحظات
1 . يقصد بعبارته الأخيرة أن الآية التي بعدها عن مشاهدة المؤمنين للأحزاب تدل على أنهم جماعة كبيرة . وذلك دليل على أن الحزب جماعة فيها غلظ أي كثافة وكثرة .
لكن الحزب يشترط فيه وحدة الأهواء كما قال الخليل ، ولا يشترط فيه الكثرة والغلظة ، فقد ورد الحزب صفة لأربعة نساء ، قالت عائشة كما في صحيح البخاري « 3 / 132 » : « إن نساء رسول الله كنَّ حزبين ، فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة . والحزب الآخر : أم سلمة وسائر نساء رسول الله » .
قال الخليل « 3 / 164 » : « حَزَبَ الأمرُ يحزبُ حَزْباً ،
--------------------------- 243 ---------------------------
إذا نابك . وتحزَّب القوم : تجمعوا . وحَزَّبْتُ أحزاباً : جمعتهم . والِحزْبُ : أصحاب الرجل على رأيه وأمره . والمؤمنون حزب الله ، والكافرون حزب الشيطان . وكل طائفة تكون أهواؤهم واحدة فهم حزب » .
وقال الجوهري « 1 / 109 » : « والحزب : الطائفة . وتحزبوا : تجمعوا . والأحزاب : الطوائف التي تجتمع على محاربة الأنبياء عليهم السلام » .
2 . استعمل الحزب في القرآن عشرين مرة :
في حزب الله تعالى : أُولَئِكَ حِزْبُ الله أَلا إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
وحزب الشيطان : أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ .
والأحزاب بعد عيسى عليه السلام : فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ . . فَتَقَطعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ .
وأحزاب اليهود والمشركين : وَلما رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ .
والأحزاب التي واجهت الأنبياء عليهم السلام : كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ . . جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأَحْزَابِ . . وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُولَئِكَ الأَحْزَابُ . . يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ . . مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ .
حَزِنَ
الحُزْن والحَزَن : خشونة في الأرض وخشونة في النفس لما يحصل فيه من الغم . ويضاده الفرح . ولاعتبار الخشونة بالغم قيل : خَشَّنْتَ بصدره إذا حزنته ، يقال : حَزِنَ يَحْزَنُ وحَزَنْتُهُ وأَحْزَنْتُهُ . قال عز وجل : لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ « آل عمران : 153 » الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ « فاطر : 34 » تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً « التوبة : 92 » إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله « يوسف : 86 » .
وقوله تعالى : وَلا تَحْزَنُوا « آل عمران : 139 » ولا تَحْزَنْ « الحجر : 88 » فليس ذلك بنهي عن تحصيل الحزن . فالحُزْن ليس يحصل بالاختيار ، ولكن النهي في الحقيقة إنما هو عن تعاطي ما يورث الحزن واكتسابه ، وإلى معنى ذلك أشار الشاعر بقوله : من سرَّهُ أن لا يَرى ما يسوؤهُ
فلا يتخذْ شيئاً يبالي له فَقْدَا
وأيضاً فحثٌّ للإنسان أن يتصور ما عليه جبلت الدنيا ، حتى إذا ما بغتته نائبة لم يكترث بها لمعرفته إياها ، ويجب عليه أن يروض نفسه على تحمل صغار النُّوبَ حتى يتوصل بها إلى تحمل كبارها .
ملاحظات
1 . قال الخليل « 3 / 160 » : « الحَزَن والحُزْن : لغتان يقال : حزنني الأمر يحزنني فأنا محزون ، وأحزنني فأنا مُحَزَن . قال الله عز وجل : وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ . وقال عز اسمه : وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا . وقوله عز وجل : إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله .
والحَزَن من الأرض والدواب : ما فيه خشونة . وحُزَانَةُ الرجل : من يتحزن بأمره » .
فقد خص الخشونة بالأرض والدواب ، لكن الراغب قال : « خشونة في النفس لما يحصل فيه من الغم ، ويضاده الفرح . ولاعتبار الخشونة بالغم قيل : خشنت بصدره إذا حزنته » .
فعممه إلى ما يحصل للنفس من الغم والحُزْن . لكن هذالا يصح لأن الخشونة في النفس أو الصدر هي الغضب أو البغض . قال الجوهري « 5 / 2108 » وابن منظور : « 13 / 141 » : « خَشَّنْتَ صدره تخشيناَ : أو غرته . وقال عنترة : وخَشَّنْتَ صَدْراً جَيْبُهُ لكَ نَاصحُ » .
--------------------------- 244 ---------------------------
وما نسبه الراغب إلى العرب من قولهم : خَشَّنْتَ صدره ، بمعنى أحزنته لم أجده في العربية ، ولعله من خياله أو اختراعه !
2 . قوله : « فالحُزن ليس يحصل بالاختيار ، ولكن النهي في الحقيقة إنما هو عن تعاطي ما يورث الحزن واكتسابه » . يقصد به أن نهي النبي صلى الله عليه وآله صاحبه عن الحزن بقوله : لاتَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا ، ليس نهياً عن حزنه يوم الغار لأن الحزن غير اختياري ، بل معناه لا تفعل ما يوجب حزنك كما فعلت اليوم ! ولا يصح ذلك ، ومعاذ الله أن ينهى عن أمر غير اختياري ، بل صح النهي لأنه يمكن لصاحبه رفعه أو تخفيفه ، وتغييره من حالة هلع وإعلان بالفعل والقول ، تكشف للمشركين وجودهما ، إلى حالة إخفاء وكتمان !
حَسَّ
الحاسَّة : القوة التي بها تدرك الأعراض الحسية والحواس : المشاعر الخمس ، يقال : حَسَسْتُ وحَسَّيْتُ وأَحْسَسْتُ . فَحَسَسْتُ يقال على وجهين ، أحدهما : يقال : أصبته بحسي نحو عنته ورعته . والثاني : أصبت حاسته نحو كَبَدْتُهُ وَفَأَدْتُهُ . ولما كان ذلك قد يتولد منه القتل عُبِّرَ به عن القتل فقيل : حَسَسْتُه ، أي قتلته . قال تعالى : إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ « آل عمران : 152 »
والحَسِيس : القتيل ، ومنه : جراد مَحْسُوس : إذا طبخ . وقولهم : البرد محسَّة للنبت ، وانحسَّت أسنانه : انفعال منه .
فأما حَسِسْتُ فنحو علمت وفهمت ، لكن لا يقال ذلك إلا فيما كان من جهة الحاسة .
فأما حَسَّيْتُ فبقلب إحدى السينين ياء .
وأما أَحْسَسْتُهُ فحقيقته : أدركته بحاستي ، وأحَسْتُ مثله ، لكن حذفت إحدى السينين تخفيفاً نحو : ظلت .
وقوله تعالى : فَلما أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ « آل عمران : 52 » فتنبيهٌ [ على ] أنه قد ظهر منهم الكفر ظهوراً بانَ للحس فضلاَ عن الفهم .
وكذا قوله تعالى : فَلما أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ « الأنبياء : 12 » وقوله تعالى : هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ « مريم : 98 » أي هل تجد بحاستك أحداً منهم . وعبَّر عن الحركة بالحسيس والحس ، قال تعالى : لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها « الأنبياء : 102 » .
والحُسَاس : عبارة عن سوء الخلق ، وجُعل على بناء زُكام وسُعال .
ملاحظات
1 . جعل الراغب الحاسة أصل المادة ، وحاول أن يُرجع إليها فروع الباب فبَسَّط مركباً بدون حجة ، ثم رسم من تصوره اشتقاق الألفاظ من الحاسة ، وكأن الإشتقاق عملية في زمن واحد ، من شخص وذهن واحد !
أما ابن فارس فجعلها أصلين قال « 2 / 9 » : « الحاء والسين : أصلان ، فالأول : غلبة الشئ بقتل أو غيره .
والثاني : حكاية صوت عند توجع وشبهه .
فالأول الحَسّ : القتل ، قال الله تعالى : إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ . ومن ذلك الحديث حُسُّوهم بالسيف حَسّاً .
والأصل الثاني قولهم : حَسْ ، وهي كلمة تقال عند التوجع . ويقال : حَسَسْتُ له فأنا أَحُس ، إذا رققت له كأن قلبك تألم شفقةً عليه » .
وأما الخليل فجعل أصولها أكثر ، قال « 3 / 15 » : « الحَسُّ : القتل الذريع . والحَسُّ : إضرار البرد الأشياء ، تقول : أصابتهم حاسةٌ من البرد . والحَسُّ : نفضك التراب عن الدابة بالمحسة وهي الفرجون . ويقال : ما سمعت له حِساً ولا جَرْساً ، فالحس من الحركة ، والجَرْس من الصوت . والحَس : داء يأخذ النفساء في رحمها .
--------------------------- 245 ---------------------------
وأحسست من فلان أمراً : أي رأيت .
وعلى الرؤية يفسر قوله عز وجل : فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ، أي رأى . ويقال ضرب فلان ، فما قال حَسٌّ ولا بَسٌّ . وتحسَّسْتُ خبراً : أي سألت وطلبت » .
ومثل هذا وأوسع منه تجده في كلمات اللغويين خاصة ابن منظور ، وأول ما ذكروه من معاني الحس : القتل .
فكان الأولى بالراغب أن يجعله أصلاً ويجعل أحسست به مأخوذاً من قتلته أي قتلت خبرهُ ، فهو أولى من جعل قتل مأخوذاً من الحاسة لأنه قتل حاسته !
فكلامه احتمال ضعيف ، والإشتقاق في تاريخ اللغات أوسع من هذه التبسيطات والاحتمالات الضعيفة .
2 . استعمل القرآن المادة بمعنى القتل : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ .
وبمعنى شَعَر به : فَلما أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِى إِلَى الله . فَلما أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ .
والتحسس بمعنى البحث سراً : يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ . وبمعنى الصوت : أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ . لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا .
وفي الكافي « 1 / 81 » : « قال هشام : فكان من سؤال الزنديق أن قال : فما الدليل عليه ؟ فقال أبو عبد الله « الصادق عليه السلام » : وجود الأفاعيل دلت على أن صانعاً صنعها ، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني ، علمت أن له بانياً ، وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده . قال : فما هو ؟ قال : شئ بخلاف الأشياء ، أرجع بقولي إلى إثبات معنى وأنه شئ بحقيقة الشيئية ، غير أنه لا جسم ولا صورة ، ولا يُحس ولا يُجس ، ولا يدرك بالحواس الخمس ، لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور ، ولا تغيره الأزمان » .
حَسَبَ
الحساب : استعمال العدد ، يقال : حَسَبْتُ أَحْسُبُ حِسَاباً وحُسْبَاناً ، قال تعالى : لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ « يونس : 5 » . وقال تعالى : وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً « الأنعام : 96 » . وقيل : لا يعلم حسبانه إلا الله .
وقال عز وجل : وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ « الكهف : 40 » قيل : معناه : ناراً وعذاباً ، وإنما هو في الحقيقة ما يحاسب عليه فيجازى بحسبه ، وفي الحديث أنه قال صلى الله عليه وآله في الريح : اللهم لا تجعلها عذاباً ولا حسباناً ، قال تعالى : فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً « الطلاق : 8 » إشارة إلى نحو ما روي : من نوقش [ في ] الحساب عُذِّب .
وقال تعالى : اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ « الأنبياء : 1 » نحو : اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ « القمر : 1 » وَكَفى بِنا حاسِبِينَ « الأنبياء : 47 » وقوله عز وجل : وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ « الحاقة : 26 » إني ظَنَنْتُ إني مُلاقٍ حِسابِيَهْ « الحاقة : 20 » فالهاء فيها للوقف ، نحو : مالِيَهْ وسُلْطانِيَهْ .
وقال تعالى : إن الله سَرِيعُ الْحِسابِ « آل عمران : 199 » وقوله عز وجل : جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً « عم : 36 » فقد قيل كافياً ، وقيل ذلك إشارة إلى ما قال : وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى « النجم : 39 » .
وقوله : يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ « البقرة : 212 » ففيه أوجه : الأول : يعطيه أكثر مما يستحقه . والثاني : يعطيه ولا يأخذه منه . والثالث : يعطيه عطاء لا يمكن للبشر إحصاؤه ، كقول الشاعر : عطاياهُ يُحْصَى قبل إحصائها القطرُ
والرابع : يعطيه بلا مضايقة من قولهم : حاسبته : إذا ضايقته . والخامس : يعطيه أكثر مما يحسبه .
والسادس : أن يعطيه بحسب ما يعرفه من مصلحته لا على حسب حسابهم ، وذلك نحو ما نبه عليه بقوله
--------------------------- 246 ---------------------------
تعالى : وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ . الآية . « الزخرف : 33 » .
والسابع : يعطي المؤمن ولا يحاسبه عليه ، ووجه ذلك أن المؤمن لا يأخذ من الدنيا إلا قدر ما يجب وكما يجب ، وفي وقت ما يجب ، ولا ينفق إلا كذلك ، ويحاسب نفسه فلا يحاسبه الله حساباً يضر . كما روي : من حاسب نفسه في الدنيا لم يحاسبه الله يوم القيامة . والثامن : يقابل الله المؤمنين في القيامة لا بقدر استحقاقهم ، بل بأكثر منه ، كما قال عز وجل : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً « البقرة : 245 » .
وعلى هذه الأوجه قوله تعالى : فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ « غافر : 40 » وقوله تعالى : هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ « ص : 39 » وقد قيل : تصرَّف فيه تصرُّف من لا يحاسب ، أي تناول كما يجب وفي وقت ما يجب وعلى ما يجب ، وأنفقه كذلك .
والحسيب والمحاسب : من يحاسبك . ثم يعبر به عن المكافئ بالحساب .
وحَسْبُ : يستعمل في معنى الكفاية ، حَسْبُنَا الله « آل عمران : 173 » أي كافينا هو ، وحَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ « المجادلة : 8 » وَكَفى بِالله حَسِيباً « النساء : 6 » أي رقيباً يحاسبهم عليه . وقوله : ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَئ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَئ « الأنعام : 52 » فنحو قوله : عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ « المائدة : 105 » ونحوه : وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبي « الشعراء : 112 » .
وقيل معناه : ما من كفايتهم عليك ، بل الله يكفيهم وإياك ، من قوله : عَطاءً حِساباً « النبأ : 36 » أي كافياً ، من قولهم : حسبي كذا . وقيل : أراد منه عملهم ، فسماه بالحساب الذي هو منتهى الأعمال . وقيل : احتسب ابْناً له ، أي اعتدَّ به عند الله .
والحِسبةُ : فعل ما يحتسب به عند الله تعالى . ألم أَحَسِبَ النَّاسُ « العنكبوت : 1 » أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ « العنكبوت : 4 » وَلا تَحْسَبَنَّ الله غافِلًا عما يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ « إبراهيم : 42 » فَلا تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ « إبراهيم : 47 » أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ « البقرة : 214 » فكل ذلك مصدره الحُسبان .
والحِسْبَان : أن يحكم لأحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله ، فيحسبه ويعقد عليه الإصبع ، ويكون بعرض أن يعتريه فيه شك ، ويقارب ذلك الظن ، لكن الظن أن يخطر النقيضين بباله فيُغَلِّب أحدهما على الآخر .
ملاحظات
1 . جعل الراغب المادة أصلاً واحداً هو العَدُّ وجعلها ابن فارس « 2 / 59 » أربعة ، قال : « فالأول : العدُّ ، تقول حسبتُ الشئ أحسبه حَسْباً وحسباناً . والأصل الثاني : الكفاية . تقول شئ حساب أي كاف . والأصل الثالث : الحِسْبان جمع حسبانة وهي الوسادة الصغيرة . ومن هذا الأصل الحُسْبان : سهام صغار يرمى بها عن القسي الفارسية الواحدة حُسْبَانَه . ومنه قولهم أصاب الأرض حسبان أي جراد . وفسر قوله تعالى : وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ ، بالبرد . والأصل الرابع : الأحسب الذي ابيضت جلدته من داء ففسدت شعرته » .
وأضاف إليها الخليل معاني أخَر ، قال « 3 / 148 » : « الحَسَب : الشرف . والحُسْبَان من الظن » .
2 . وقد أطال الراغب في تفسير : يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ، وذكر وجوهاً استحسانية ، وأكثرها يُقيد إطلاق الآية . وليته أتى بآية أو حديث يفسرها . وقد بينت الآيات والأحاديث أنواعاً من مصاديق الرزق الدنيوي بغير حساب ، وأناساً يدخلون الجنة بغير حساب .
--------------------------- 247 ---------------------------
حَسَدَ
الحسد : تمنِّي زوال نعمة من مستحق لها ، وربما كان مع ذلك سعي في إزالتها ، ورويَ : المؤمن يغبط والمنافق يحسد . وقال تعالى : حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ « البقرة : 109 » وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ « الفلق : 5 » .
ملاحظات
استعمل القرآن الحسد في أربع آيات ، في حسد أهل الكتاب للمسلمين على النبي صلى الله عليه وآله : وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ .
وفي حسد قريش للنبي وآله صلى الله عليه وآله : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا .
وفي الإستعاذة من كل أنواع الحسد : وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ .
حَسَرَ
الحَسْرُ : كشف المَلبَس عما عليه ، يقال : حسرت عن الذراع . والحاسر : من لا درع عليه ولا مغفر . والمِحْسَرَة : المكنسة . وفلان كريم المَحْسَر ، كناية عن المختبر . وناقة حَسِير : انحسر عنها اللحم والقوة ، ونوقٌ حَسْرَى .
والحاسر : المُعْيَا لانكشاف قواه ، ويقال للمعيا حاسر ومحسور ، أما الحاسر فتصوُّراً « ل » أنه قد حسر بنفسه قواه ، وأما المحسور فتصوراً « ل » أن التعب قد حسره .
وقوله عز وجل : يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ « الملك : 4 » يصح أن يكون بمعنى حاسر ، وأن يكون بمعنى محسور ، قال تعالى : فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً « الإسراء : 29 » .
والحَسْرةُ : الغم على ما فاته والندم عليه ، كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه ، أو انحسر قواه من فرط غم ، أو أدركه إعياء من تدارك ما فرط منه ، قال تعالى : لِيَجْعَلَ الله ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ « آل عمران : 156 » وَإنهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ « الحاقة : 50 » وقال تعالى : يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ الله « الزمر : 56 » وقال تعالى : كَذلِكَ يُرِيهِمُ الله أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ « البقرة : 167 » وقوله تعالى : يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ « يس : 30 » وقوله تعالى : في وصف الملائكة : لايَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلايَسْتَحْسِرُونَ « الأنبياء : 9 » وذلك أبلغ من قولك : لا يحسرون .
ملاحظات
تهافت الراغب فجعل الحسر كشف الملبوس ، ثم ذكر الناقة الحسير ، والبصر ، والغم ، وليس فيها ملبوس .
قال الخليل « 3 / 133 » : « الحسر : كشطك الشئ عن الشئ . يقال : حسر عن ذراعيه ، وحسر البيضة عن رأسه ، وحسرت الريح السحاب حسراً . والحسر والحسور : الإعياء . وحسرت العين أي كلت . وحسر حسرة وحسراً ، أي ندم على أمر فاته . ورجل حاسر : خلاف الدارع . وامرأة حاسر : حسرت عنها درعها » .
كما تهافت ابن فارس فقال « 2 / 61 » : « أصل واحد وهو من كشف الشئ . ومن الباب الحسرة التلهف على الشئ الفائت . وحسر البصر إذا كَلَّ » .
ولا كشف في التلهف والكلال !
حَسَمَ
الحَسْم : إزالة أثر الشئ ، يقال : قطعه فَحَسَمَهُ ، أي أزال مادته ، وبه سُمي السيف حُسَاماً .
وحَسْمُ الداء : إزالة أثره بالكي . وقيل للشؤم المزيل لأثر من ناله : حُسُوم ، قال تعالى : ثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً « الحاقة : 7 » قيل : حاسماً أثرهم ، وقيل : حاسماً خبرهم ، وقيل : قاطعاً لعمرهم . وكل ذلك داخل في عمومه .
--------------------------- 248 ---------------------------
حَسَن
الحُسْنُ : عبارة عن كل مبهج مرغوب فيه ، وذلك ثلاثة أضرب : مستحسن من جهة العقل . ومستحسن من جهة الهوى . ومستحسن من جهة الحس .
والحسنةُ : يعبَّر بها عن كل ما يسرُّ من نعمة تنال الإنسان في نفسه وبدنه وأحواله . والسيئة : تضادها .
وهما من الألفاظ المشتركة ، كالحيوان الواقع على أنواع مختلفة كالفرس والإنسان وغيرهما ، فقوله تعالى : وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ الله « النساء : 78 » أي خصب وسعة وظفر ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ، أي جدب وضيق وخيبة ، يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كل مِنْ عِنْدِ الله « النساء : 78 » وقال تعالى : فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ « الأعراف : 131 » وقوله تعالى : ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله « النساء : 79 » أي من ثواب . وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ « النساء : 79 » أي من عقاب .
والفرق بين الحسن والحسنة والحُسْنَى : أن الحَسَنَ يقال في الأعيان والأحداث ، وكذلك الحَسَنَة إذا كانت وصفاً ، وإذا كانت إسماً فمتعارف في الأحداث . والحُسْنَى : لا يقال إلا في الأحداث دون الأعيان .
والحسن : أكثر ما يقال في تعارف العامة في المستحسن بالبصر ، يقال : رجل حَسَنٌ وحُسَّان وامرأة حَسْنَاء وحُسَّانَة . وأكثر ما جاء في القرآن من الحسن فللمستحسن من جهة البصيرة ، وقوله تعالى : الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ « الزمر : 18 » أي الأبعد عن الشبهة كما قال صلى الله عليه وآله : إذا شككت في شئ فدع . وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً « البقرة : 83 » أي كلمة حسنة . وقال تعالى : وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً « العنكبوت : 8 » وقوله عز وجل : هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ « التوبة : 52 » .
وقوله تعالى : وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ « المائدة : 50 »
إن قيل : حكمه حسن لمن يوقن ولمن لايوقن فلم خص ؟ قيل : القصد إلى ظهور حسنه والاطلاع عليه ، وذلك يظهر لمن تزكى واطلع على حكمة الله تعالى دون الجهلة .
والإحسان : يقال على وجهين ، أحدهما : الإنعام على الغير ، يقال : أحسنَ إلى فلان . والثاني : إحسان في فعله وذلك إذا علم علماً حسناً ، أو عمل عملاً حسناً ، وعلى هذا قول أمير المؤمنين : الناس أبناء ما يحسنون ، أي منسوبون إلى ما يعلمون وما يعملونه من الأفعال الحسنة . وقال تعالى : الَّذِي أَحْسَنَ كل شَئ خَلَقَهُ « السجدة : 7 » .
والإحسان : أعمُّ من الإنعام . قال تعالى : إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ « الإسراء : 7 » وقوله تعالى : إن الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ « النحل : 90 » فالإحسان : فوق العدل ، وذاك أن العدل هو : أن يعطي ما عليه ويأخذ أقل مما له ، والإحسان أن يعطي أكثر مما عليه ، ويأخذ أقل مما له .
فالإحسان : زائد على العدل ، فتحرِّي العدل واجب ، وتحرِّي الإحسان ندب وتطوع ، وعلى هذا قوله تعالى : وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ « النساء : 125 » . وقوله عز وجل : وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ « البقرة : 178 » .
ولذلك عظم الله تعالى ثواب المحسنين فقال تعالى : وَإن الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ « العنكبوت : 69 » وقال تعالى : إن الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ « البقرة : 195 » وقال تعالى : ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ « التوبة : 91 » لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ . « النحل : 30 » .
ملاحظات
قوله : والسيئة تضادها ، وهما من الألفاظ المشتركة ! يقصد سعة معنى كل من الحسنة والسيئة ، وليس اشتراكهما معاً !
--------------------------- 249 ---------------------------
وقوله : والحُسْنَى لا يقال إلا في الأحداث دون الأعيان . لكن العرب يسمون به المرأة .
ولا يصح قوله إن الإنعام أعم ، بل النسبة بينهما عموم مطلق ، كما أن العدل أن يعطي ما عليه ويأخذ ما له .
ولا نطيل في نقد بقية ما ذكره لقلة أهميته .
حَشَرَ
الحَشْرُ : إخراج الجماعة عن مقرهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب ونحوها ، وروي : النساء لا يُحْشَرن ، أي لا يخرجن إلى الغزو ، ويقال ذلك في الإنسان وفي غيره ، يقال : حَشَرَتِ السنة مال بني فلان ، أي أزالته عنهم .
ولا يقال الحشر إلا في الجماعة ، قال الله تعالى : وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ « الشعراء : 36 » وقال تعالى : وَالطيْرَ مَحْشُورَةً « ص : 19 » وقال عز وجل : وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ « التكوير : 5 » وقال : لأول الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا « الحشر : 2 » وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ « النمل : 17 » .
وقال في صفة القيامة : وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً « الأحقاف : 6 » سَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً « النساء : 172 » وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً « الكهف : 47 » . وسمي يوم القيامة يوم الحشر كما سمي يوم البعث والنشر .
ورجل حَشْرُ الأذنين : أي في أذنيه انتشار وحِدَّة .
حَصَّ
حَصْحَصَ الْحَقُ « يوسف : 51 » أي وضح ، وذلك بانكشاف ما يغمره . وحَصَّ وحَصْحَصَ نحو : كفَّ وكفكف ، وكبَّ وكبكب . وحَصَّهُ : قطع منه ، إما بالمباشرة وإما بالحكم ، فمن الأول قول الشاعر :
قد حَصَّتِ البَيْضَةُ رأسي فَما
أَطعمُ نَوْماً إلا بتِهْجَاعِ
والحِصَّة : القطعة من الجملة ، وتستعمل استعمال النصيب .
حَصَدَ
أصل الحَصْد : قطع الزرع ، وزمن الحَصَاد والحِصَاد : كقولك زمن الِجدَاد والجُداد . وقال تعالى : وَآتُوا حقهُ يَوْمَ حَصادِهِ « الأنعام : 141 » فهو الحصاد المحمود في إبَّانه .
وقوله عز وجل : حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أنهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأن لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ « يونس : 24 » فهو الحصاد في غير إبَّانه على سبيل الإفساد . ومنه استعير : حصدهم السيف ، وقوله عز وجل : مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ « هود : 100 » فحصيد إشارة إلى نحو ما قال : فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا « الأنعام : 45 » وَحَبَّ الْحَصِيدِ « ق : 9 » أي ما يحصد مما منه القوت . وقال صلى الله عليه وآله : وهل يُكَبُّ الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم . فاستعارة .
وحبل مُحْصَد ، ودرع حَصْدَاء ، وشجرة حصداء : كل ذلك منه . وتَحَصَّدَ القوم : تقوى بعضهم ببعض .
ملاحظات
قال الخليل « 3 / 112 » : « الحصد : جَزُّ البُرِّ ونحوه وقَتْلُ الناس أيضاً حَصْدٌ . وقول الله تعالى : جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا . أي كالحصيد المحصود » .
وقال ابن فارس « 2 / 71 » : « أصلان ، أحدهما : قطع الشئ والآخر إحكامه ، وهما متفاوتان ، فالأول حصدت الزرع وغيره حصداً . والأصل الآخر قولهم : حبل مُحَصَّد أي مفتول . ومن الباب شجرة حصداء أي كثيرة الورق ، ودرع حصداء محكمة » .
ونلاحظ بلاغة الخليل ، ودقة ابن فارس ، بالقياس إلى كلام الراغب .
--------------------------- 250 ---------------------------
أما قوله في تفسير : فَجَعَلْناها حَصِيداً : فهو الحصاد في غير إبَّانه على سبيل الإفساد . فلم يلتفت إلى أنه بذلك ينسب الإفساد إلى الله تعالى !
ولعل قصده جزاء إفسادهم . أو يقصد بالإفساد : قتلهم . والصحيح أنه لا علاقة للحصد بإبَّان نهاية الشيء .
حَصَرَ
الحَصْر : التضييق ، قال عز وجل : وَاحْصُرُوهُمْ « التوبة : 5 » أي ضيقوا عليهم . وقال عز وجل : وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً « الإسراء : 8 » أي حابساً . قال الحسن : معناه مهاداً ، كأنه جعله الحصير المرمول كقوله : لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ « الأعراف : 41 » فحصير في الأول بمعنى الحاصر ، وفي الثاني بمعنى المحصور ، فإن الحصير سمِّي بذلك لحصر بعض طاقاته على بعض ، وقول لبيد :
ومعالمٌ غُلْبُ الرِّقَابِ كأنَّهُمْ
جِنٌّ لدَى بَابِ الحصيرِ قِيَامُ
أي لدى سلطان ، وتسميته بذلك إما لكونه محصوراً نحو مُحَجَّب ، وإما لكونه حاصراً ، أي مانعاً لمن أراد أن يمنعه من الوصول إليه .
وقوله عز وجل : وَسَيِّداً وَحَصُوراً « آل عمران : 39 » فالحصور : الذي لا يأتي النساء ، إما من العِنَّة ، وإما من العفة والاجتهاد في إزالة الشهوة . والثاني أظهر في الآية ، لأنه بذلك يستحق المحمدة .
والحصر والإحصارُ : المنع من طريق البيت ، فالإحصار يقال في المنع الظاهر كالعدو ، والمنع الباطن كالمرض . والحصر لا يقال إلا في المنع الباطن ، فقوله تعالى : فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ « البقرة : 196 » فمحمول على الأمرين ، وكذلك قوله : لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ الله « البقرة : 273 » .
وقوله عز وجل : أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ « النساء : 90 » أي ضاقت بالبخل والجبن ، وعُبِّر عنه بذلك كما عبر عنه بضيق الصدر ، وعن ضده بالبر والسعة .
ملاحظات
قال الخليل « 3 / 113 » : « حُصِرَ حَصْراً : أي عَيِيَ فلم يقدر على الكلام . وحَصِرَ صدر المرء : أي ضاق عن أمر حصراً . والحصار : موضع يحصر فيه المرء . والإحصار : أن يحصر الحاج عن بلوغ المناسك مرض أو عدو . قال تعالى : وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ، أي يحصرون فيها » .
حَصَنَ
الحصن : جمعه حصون ، قال الله تعالى : مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ الله « الحشر : 2 » وقوله عز وجل : لايُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ « الحشر : 14 » أي مجعولة بالإحكام كالحصون .
وتَحَصَّنَ : إذا اتخذ الحصن مسكناً ، ثم يُتَجَوَّز به في كل تحرُّز ومنه : درع حصينة لكونها حصناً للبدن ، وفرس حِصَان : لكونه حصناً لراكبه ، وبهذا النظر قال الشاعر :
إن الحصونَ الخيلُ لا مدرُ القرى
وقوله تعالى : إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ « يوسف : 48 » أي تحرزون في المواضع الحصينة الجارية مجرى الحصن .
وامرأة حَصان وحَاصِن . وجمع الحصان حُصُن ، وجمع الحاصن حَوَاصِن . ويقال حَصان للعفيفة ولذات حرمة ، وقال تعالى : وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها « التحريم : 12 » . وأَحْصَنَتْ وحَصَنَتْ ، قال الله تعالى : فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ « النساء : 25 » أي تزوجن أُحْصِنَّ : زُوِّجْنَ . والحَصَان في الجملة : المُحْصَنَة إما بعفتها أو تزوُّجها أو بمانع من شرفها وحريتها . ويقال : امرأة مُحْصَن ومُحْصِن ، فالمُحْصِن يقال : إذا تُصُوِّر حصنها من نفسها ، والمُحْصَن يقال إذا تصور حصنها من غيرها .
--------------------------- 251 ---------------------------
وقوله عز وجل : وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ « النساء : 25 » وبعده : فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ « النساء : 25 » ولهذا قيل المحصنات : المزوجات ، تُصُوِّر أن زوجها هو الذي أحصنها .
والْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ « النساء : 24 » بعد قوله : حُرِّمَتْ « النساء : 23 » بالفتح لا غير ، وفي سائر المواضع بالفتح والكسر ، لأن اللواتي حرم التزوج بهن المزوجات دون العفيفات ، وفي سائر المواضع يحتمل الوجهين .
حَصَلَ
التحصيل : إخراج اللب من القشور ، كإخراج الذهب من حجر المعدن ، والبُرِّ من التبن . قال الله تعالى : وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ « العاديات : 10 » أي أظهر ما فيها وجمعَ كإظهار اللب من القشر وجمعه ، أو كإظهار الحاصل من الحساب . وقيل للحثالة : الحصيل . وحَصِلَ الفرس : إذا اشتكى بطنه عن أكله . وحوصلة الطير : ما يحصل فيه الغذاء .
ملاحظات
تعريف الخليل أدق من تعريف الراغب ، قال « 3 / 116 » : « حصل يحصل حصولاً : أي بقي وثبت وذهب ما سواه من حساب أو عمل ونحوه ، فهو حاصل . والتحصيل : تمييز ما يحصل . والاسم الحصيلة » .
حَصَيَ
الإحصاء : التحصيل بالعدد ، يقال : قد أحصيت كذا ، وذلك من لفظ الحصا ، واستعمال ذلك فيه من حيث إنهم كانوا يعتمدونه بالعد كاعتمادنا فيه على الأصابع ، قال الله تعالى : وَأَحْصى كل شَئ عَدَداً « الجن : 28 » أي حصَّله وأحاط به .
وقال عليه السلام : من أحصاها دخل الجنة . وقال : نفسٌ تنجيها خير لك من إمارة لا تحصيها ، أي تريحها من العذاب ، أي أن تشتغل بنفسك خير لك من أن تشتغل بالإمارة . وقال تعالى : عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ « المزمل : 20 » .
وروي : إستقيموا ولن تحصوا أي لن تحصلوا ذلك . ووجهُ تَعَذُّرِ إحصائه وتحصيله هو أن الحق واحد والباطل كثير ، بل الحق بالإضافة إلى الباطل كالنقطة بالإضافة إلى سائر أجزاء الدائرة ، وكالمرمى من الهدف ، فإصابة ذلك شديدة . وإلى هذا أشار ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال : شيبتني هود وأخواتها ، فسئل : ما الذي شيبك منها ؟ فقال : قوله تعالى : فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ .
وقال أهل اللغة : لن تحصوا أي لاتحصوا ثوابه .
حَضَّ
الحضُّ : التحريض كالحث ، إلا أن الحث يكون بسوَْقٍ وسير ، والحض لا يكون بذلك . وأصله من الحث على الحضيض ، وهو قرار الأرض ، قال الله تعالى : وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ « الحاقة : 34 » .
حَضَب
الحَضَب : الوقود ، ويقال لما تسعر به النار : مِحْضَب ، وقرئ : حضب جهنم .
حَضَرَ
الحَضَر : خلاف البدو . والحَضَارة والحِضَارَة : السكون بالحضر ، كالبداوة والبِداوة . ثم جعل ذلك إسماً لشهادة مكان أو إنسان أو غيره ، فقال تعالى : كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ « البقرة : 180 » نحو : حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ « الأنعام : 61 » وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ « النساء : 8 » وقال تعالى : وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ « النساء : 128 » عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ « التكوير : 14 » وقال : وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ « المؤمنون : 98 » وذلك من باب الكناية ، أي أن يحضرني الجن .
وكُنِّيَ عن المجنون بالمحتضر ، وعَمَّن حضره الموت
--------------------------- 252 ---------------------------
بذلك ، وذلك لما نبه عليه قوله عز وجل : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ « ق : 16 » وقوله تعالى : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ « الأنعام : 158 » وقال تعالى : ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً « آل عمران : 30 » أي مشاهداً معايناً في حكم الحاضر عنده . وقوله عز وجل : وَاسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ « الأعراف : 163 » أي قربَهُ . وقوله : تِجارَةً حاضِرَةً « البقرة : 282 » أي نقداً .
وقوله تعالى : وَإِنْ كلٌّ لما جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ « يس : 32 » وفِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ « سبأ : 38 » شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ « القمر : 28 » أي يحضره أصحابه .
والحُضْر : خُصَّ بما يُحضر به الفرس إذا طلب جريه ، يقال : أَحْضَرَ الفرس واستحضرته : طلبت ما عنده من الحضر . وحاضرته مُحَاضَرَة وحِضَاراً : إذا حاججته ، من الحضور ، كأنه يحضر كل واحد حجته ، أو من الحَضَر كقولك : جاريته .
والحضيرة : جماعة من الناس يحضر بهم الغزو وعبَّر به عن حضور الماء . والمَحْضَر : يكون مصدر حضرت ، وموضع الحضور .
ملاحظات
الاحتضار : تعبير إسلامي ، صار مصطلحاً لحضور الموت ، وهو مأخوذ من قوله تعالى : كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ .
حَطَّ
الحَطُّ : إنزال الشئ من علو ، وقد حططتُ الرَّحْل . وجارية محطوطةُ المتنين ، أي ملساء غير مختلفة ولا داخلة ، أي مستوية الظهر . وقوله تعالى : وَقُولُوا حِطةٌ « البقرة : 58 » كلمةٌ أُمِرَ بها بنو إسرائيل ، ومعناه : حُط عنا ذنوبنا . وقيل : معناه قولوا صواباً .
حَطَبَ
قال تعالى : كانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً « الجن : 15 » أي ما يعدُّ للإيقاد . وقد حَطَبْتُ حَطَباً واحْتَطَبْتُ . وقيل للمخلِّط في كلامه : حَاطِب ليل ، لأنه لا يبصر ما يجعله في حبله .
وحَطَبْتُ لفلان حَطَباً : عملته له . ومكان حَطِيب : كثير الحطب . وناقة مُحَاطِبَة : تأكل الحطب .
وقوله تعالى : حَمَّالَةَ الْحَطَبِ « المسد : 4 » كنايةٌ عنها بالنميمة ، وحَطَبَ فلان بفلان : سعى به ، وفلان يوقد بالحطب الجزل : كناية عن ذلك .
ملاحظات
أخذ الراغب تفسير حمالة الحطب من البخاري ، قال : « 6 / 95 » : « وقال مجاهد : حمالة الحطب تمشى بالنميمة » . لكنها كانت تحمل الحطب والشوك وتضعه في طريق رسول الله صلى الله عليه وآله . « الكشاف : 4 / 297 » لكنهم يخففون عن آل أبي لهب لأنه حليف زعماء قريش .
حَطَمَ
الحَطْمُ : كسر الشئ مثل الهَشْم ونحوه ، ثم استعمل لكل كسر مُتَنَاهٍ ، قال الله تعالى : لايَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ « النمل : 18 » .
وحَطَمْتُهُ فانحطم حَطْماً ، وسائقٌ حُطَمٌ : يحطم الإبل لفرط سوقه . وسميت الجحيم حُطَمَة ، قال الله تعالى في الحطمة : وَما أَدْراك مَا الْحُطَمَةُ « الهمزة : 5 » . وقيل للأكول حُطمة : تشبيهاً بالجحيم ، تصوُّراً لقول الشاعر : كأنَّما في جَوْفِهِ تَنُّورُ .
ودرع حُطَمية : منسوبة إلى ناسجها أو مستعملها .
وحطيم وزمزم : مكانان . والحُطَام : ما يتكسر من اليبس ، قال عز وجل : ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً « الزمر : 21 » .
--------------------------- 253 ---------------------------
ملاحظات
سميَ الأكول حُطَمة : لأنه يحطم الطعام . ولا يصح أن يكون تشبيهاً بالجحيم ، لأن العرب سمته حُطمة قبل نزول القرآن ووصفه جهنم بالحُطَمة . والحطيم عند الكعبة لا تستعمله العرب بدون أل .
حَظَّ
الحَظُّ : النصيب المقدر ، وقد حَظِظْتُ وحُظِظْتُ فأنا مَحْظُوظ ، وقيل في جمعه : أَحَاظٌّ وأُحُظٌ ، قال الله تعالى : فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ « المائدة : 14 » وقال تعالى : لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ « النساء : 11 » .
حَظَرَ
الحَظْرُ : جمع الشئ في حَظِيرَة ، والمَحْظُور : الممنوع . والمُحْتَظِرُ : الذي يعمل الحظيرة . قال تعالى : فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ « القمر : 31 » .
وقد جاء فلان بالحَظِرِ الرطِب . أي الكذب المستبشع .
حَفَّ
قال عز وجل : وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ « الزمر : 75 » أي مطيفين بِحَافَّتَيْهِ ، أي جانبيه . ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله : تَحُفُّه الملائكة بأجنحتها . وقال الشاعر :
لهُ لحظاتٌ في حَفَافِي سَرِيرِهِ
وجمعه أَحِفَّة . وقال عز وجل : وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ « الكهف : 32 » وفلان في حَفَفٍ من العيش ، أي في ضيق ، كأنه حصل في حفف منه أي جانب ، بخلاف من قيل فيه : هو في واسطة من العيش . ومنه قيل : من حَفَّنَا أو رَفَّنَا فليقتصد ، أي من تفقد حفف عيشنا .
وحَفِيفُ الشجر والجناح : صوتهما ، فذلك حكاية صوتهما . والحَفُّ : آلة النساج سمي بذلك لما يسمع من حفِّه ، وهو صوتُ حركته .
حَفَدَ
قال الله تعالى : وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً « النحل : 72 » جمع حَافِد ، وهو المتحرك المتبرع بالخدمة ، أقارب كانوا أو أجانب . قال المفسرون : هم الأسباط ونحوهم وذلك أن خدمتهم أصدق ، قال الشاعر :
حَفَدَ الولائد بينهنَّ
وفلان مَحْفُودٌ أي مخدوم ، وهم الأختان والأصهار . وفي الدعاء : إليك نسعى ونحفد . وسيف مُحْتَفِد : سريع القطع . قال الأصمعي : أصل الحَفْد مداركة الخطو .
حَفَرَ
قال تعالى : وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ « آل عمران : 103 » أي مكان محفور ، ويقال لها حَفِيرَة . والحَفَر : التراب الذي يخرج من الحفرة ، نحو نقض لما ينقض .
والمِحْفَار والمِحْفَر والمِحْفَرَة : ما يحفر به . وسمي حَافِر الفرس تشبيهاً لحفره في عَدْوه . وقوله عز وجل : أَإنا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ « النازعات : 10 » مثلٌ لمن يرد من حيث جاء ، أي أنَحْيَا بعد أن نموت ؟ وقيل : الحافرة الأرض التي جعلت قبورهم ، ومعناه : أإنا لمردودون ونحن في الحافرة ؟ أي في القبور . وقوله : فِي الْحافِرَةِ على هذا في موضع الحال . وقيل : رجع على حافرته ورجع الشيخ إلى حافرته ، أي هرم ، نحو قوله تعالى : وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ « النحل : 70 » .
وقولهم : النقد عند الحافر ، لما يباع نقداً ، وأصله في الفرَس إذا بيع فيقال : لا يزول حافره أو ينقد ثمنه .
والحَفْر : تآكل الأسنان ، وقد حَفَرَ فوه حَفْراً وأَحْفَرَ المُهْرُ : للإثناء والإرباع . « أي لسقوطها » .
حَفِظَ
الحِفْظ : يقال تارةً لهيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه
--------------------------- 254 ---------------------------
الفهم . وتارةً لضبط الشئ في النفس ويضادُّه النسيان . وتارةً لاستعمال تلك القوة فيقال : حَفِظْتُ كذا حِفْظاً .
ثم يستعمل في كل تفقد وتعهد ورعاية ، قال الله تعالى : وَإنا لَهُ لَحافِظُونَ « يوسف : 12 » حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ « البقرة : 238 » وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ « المؤمنون : 5 » وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ « الأحزاب : 35 » كنايةً عن العفة . حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ الله « النساء : 34 » أي يحفظن عهد الأزواج عند غيبتهن بسبب أن الله تعالى يحفظهن أي يطلع عليهن . وقرئ : بِما حَفِظَ الله بالنصب ، أي بسبب رعايتهن حق الله تعالى لا لرياء وتَصَنُّعٍ منهن .
و : فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً « الشورى : 48 » أي حافظاً ، كقوله : وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ « ق : 45 » وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ « الأنعام : 107 » فَ الله خَيْرٌ حافِظاً « يوسف : 64 » وقرئ : حِفْظاً أي حفظه خير من حفظ غيره .
وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ « ق : 4 » أي حافظ لأعمالهم ، فيكون حَفِيظٌ بمعنى حافظ ، نحو قوله تعالى : الله حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ « الشورى : 6 » أو معناه : محفوظ لا يضيع ، كقوله تعالى : عِلْمُها عِنْدَ رَبي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبي وَلا يَنْسى « طه : 52 » .
والحِفَاظ : المُحَافَظَة ، وهي أن يحفظ كل واحد الآخر ، وقوله عز وجل : وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ « المؤمنون : 9 » فيه تنبيه [ على ] أنهم يحفظون الصلاة بمراعاة أوقاتها ومراعاة أركانها ، والقيام بها في غاية ما يكون من الطوق ، وأن الصلاة تحفظهم الحفظ الذي نبه عليه في قوله : إن الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ « العنكبوت : 45 » .
والتَحَفُّظ : قيل هو قلة الغفلة ، وحقيقته إنما هو تكلف الحفظ لضعف القوة الحافظة . ولما كانت تلك القوة من أسباب العقل توسعوا في تفسيرها كما ترى .
والحَفِيظَة : الغضب الذي تحمل على المحافظة أي ما يجب عليه أن يحفظه ويحميه .
ثم استعمل في الغضب المجرد فقيل : أَحْفَظَنِي فلان ، أي أغضبني .
ملاحظات
ليس في قوله تعالى : وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ . دلالة على أن الصلاة تحفظهم كما يحفظونها ، فلا بد أن يستفاد من غير الآية ، إن كان .
وقوله تعالى : حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله . ليس معناه بما يحفظهن الله كما ذكر الراغب بل معناه : بالذي أمر الله بحفظه . « راجع التبيان « 3 / 189 » .
حَفِيَ
الإحفاء في السؤال : التترُّع « الزيادة » في الإلحاح في المطالبة ، أو في البحث عن تعرف الحال . وعلى الوجه الأول يقال : أَحْفَيْتُ السؤال ، وأَحْفَيْتُ فلاناً في السؤال ، قال الله تعالى : إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا « محمد : 37 » وأصل ذلك من : أَحْفَيْتُ الدابة : جعلتها حافياً ، أي مُنْسَحِجَ الحافر « منسحق » والبعيرَ جعلته منسحج الخف من المشي حتى يرق . وقد حَفِيَ حَفاً وحَفْوَة . ومنه : أَحْفَيْتُ الشارب : أخذته أخذاً متناهياً .
والحَفِيُّ : البرُّ اللطيف في قوله عز وجل : إنهُ كانَ بِي حَفِيًّا « مريم : 47 » ويقال : حَفَيْتُ بفلان وتَحَفَّيْتُ به : إذا عنيت بإكرامه . والحَفِيُّ : العالم بالشئ .
حَقَّ
أصل الحق : المطابقة والموافقة ، كمطابقة رِجْل الباب في حُقَّةٍ لدَوَرَانِه على استقامة . والحق يقال على أوجه :
الأول : يقال لموجد الشئ بسبب ما تقتضيه الحكمة ، ولهذا قيل في الله تعالى : هو الحق ، قال الله تعالى : وَرُدُّوا إِلَى الله مَوْلاهُمُ الْحق ، وقيل بعيد ذلك : فَذلِكُمُ الله رَبُّكُمُ الْحق
--------------------------- 255 ---------------------------
فَماذا بَعْدَ الْحق إِلَّا الضَّلالُ فَإنى تُصْرَفُونَ « يونس : 32 » .
والثاني : يقال للمُوجَد بحسب مقتضى الحكمة ولهذا يقال : فعل الله تعالى كله حق ، نحو قولنا : الموت حق ، والبعث حق ، وقال تعالى : هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً « يونس : 5 » إلى قوله : ما خَلَقَ الله ذلِكَ إِلَّا بِالْحق « يونس : 5 » وقال في القيامة : وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحق هُوَ قُلْ إِي وَرَبي إنهُ لَحق « يونس : 53 » لَيَكْتُمُونَ الْحق « البقرة : 146 » .
وقوله عز وجل : الْحق مِنْ رَبِّكَ « البقرة : 147 » وَإنهُ لَلْحق مِنْ رَبِّكَ « البقرة : 149 » .
والثالث : في الإعتقاد للشئ المطابق لما عليه ذلك الشئ في نفسه ، كقولنا : اعتقاد فلان في البعث والثواب والعقاب والجنة والنار : حق . قال الله تعالى : فَهَدَى الله الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحق « البقرة : 213 » .
والرابع : للفعل والقول بحسب ما يجب ، وبقدر ما يجب ، وفي الوقت الذي يجب ، كقولنا : فعلك حق وقولك حق ، قال تعالى : كَذلِكَ حقتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ « يونس : 33 » وحق الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ « السجدة : 13 » وقوله عز وجل : وَلَوِ اتَّبَعَ الْحق أَهْواءَهُمْ « المؤمنون : 71 » يصح أن يكون المراد به الله تعالى ، ويصح أن يراد به الحكم الذي هو بحسب مقتضى الحكمة .
ويقال : أَحققْتُ كذا ، أي أثبتُّه حقاً ، أو حكمت بكونه حقاً ، وقوله تعالى : لِيُحق الْحق « الأنفال : 8 » فإحقاق الحق على ضربين :
أحدهما : بإظهار الأدلة والآيات ، كما قال تعالى : وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً « النساء : 91 » أي حجة قوية .
والثاني : بإكمال الشريعة وبثها في الكافة ، كقوله تعالى : والله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ « الصف : 8 » هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كلهِ « التوبة : 33 » .
وقوله : الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ « الحاقة : 1 » إشارة إلى القيامة ، كما فسّره بقوله : يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ « المطففين : 6 » لأنه يحق فيه الجزاء . ويقال : حَاقَقْتُهُ فَحَقَقْتُهُ ، أي خاصمته في الحق فغلبته ، وقال عمر رضي الله عنه : إذا النساء بلغن نص الحقاق ، فالعصبة أولى في ذلك .
وفلان نَزِقُ الحِقَاق : إذا خاصم في صغار الأمور .
ويستعمل استعمال الواجب واللازم والجائز نحو : كانَ حقا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ « الروم : 47 » كَذلِكَ حقا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ « يونس : 103 »
وقوله تعالى : حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى الله إِلَّا الْحَقَ « الأعراف : 105 » قيل معناه : جدير ، وقرئ : حَقِيقٌ عَلى . قيل واجب ، وقوله تعالى : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحق بِرَدِّهِنَّ « البقرة : 228 » .
والحقيقة : تستعمل تارة في الشئ الذي له ثبات ووجود ، كقوله صلى الله عليه وآله لحارث : لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك ، أي ما الذي ينبئ عن كون ما تدعيه حقاً .
وفلان يحمي حقيقته ، أي ما يحق عليه أن يحمى .
وتارة تستعمل في الإعتقاد كما تقدم ، وتارة في العمل وفي القول فيقال : فلان لفعله حقيقة ، إذا لم يكن مرائياً فيه ، ولقوله حقيقة ، إذا لم يكن مترخصاً ومتزيداً . ويستعمل في ضده المتجوز والمتوسع والمتفسح .
وقيل : الدنيا باطل والآخرة حقيقة ، تنبيهاً على زوال هذه وبقاء تلك . وأما في تعارف الفقهاء والمتكلمين فهي اللفظ المستعمل فيما وضع له في أصل اللغة .
والحق من الإبل : ما استحق أن يحمل عليه ، والأنثى حقة ، والجمع حِقَاق . وأتت الناقة على حقها ، أي على الوقت الذي ضربت فيه من العام الماضي .
حَقَبَ
قوله تعالى : لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً « النبأ : 23 » قيل : جمع الحُقُب ، أي الدهر . قيل : والحِقْبَة ثمانون عاماً وجمعها حِقَب ،
--------------------------- 256 ---------------------------
والصحيح أن الحقبة مدة من الزمان مبهمة .
والإحتقاب : شد الحقيبة من خلف الراكب . وقيل : احتقبه واستحقبه .
وحَقِبَ البعير : تعسر عليه البول لوقوع حقبه في ثيله « حزامه على آلته » .
والأحقب : من حُمُرِ الوحش ، وقيل : هو الدقيق الحقوين ، وقيل : هو الأبيض الحقوين والأنثى : حَقْبَاء .
حَقَفَ
قوله تعالى : إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ « الأحقاف : 21 » جمع الحِقْف أي الرمل المائل .
وظبي حاقف : ساكن للحقف ، واحْقَوْقَفَ : مال حتى صار كحقف ، قال : [ طيُّ الليالي زُلَفاً فزلفا ] سماوةَ الهِلَالِ حَتَّى احْقَوْقَفَا
« أي طوت الليالي سماء الهلال بالتدريج حتى عاد كالعرجون » .
حَكَمَ
حَكَمَ : أصله مُنِعَ مَنْعاً لإصلاحٍ ، ومنه سميت اللجام حَكَمَة الدابة ، فقيل حَكَمَتُهُ . وحَكَمْتُ الدابة : منعتها بالحَكَمة ، وأَحْكَمْتُهَا : جعلت لها حَكَمة ، وكذلك : حَكَمْتُ السفيه وأحكمته ، قال الشاعر :
أبني حَنِيفَةَ أحْكِمُوا سُفَهَاءكم
وقوله : فَيَنْسَخُ الله ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ الله آياتِهِ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ « الحج : 52 » .
والحُكْم بالشئ : أن تقضي بأنه كذا أوليس بكذا ، سواء ألزمت ذلك غيرك أو لم تلزمه ، قال تعالى : وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ « النساء : 58 » يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ « المائدة : 95 » وقال :
فاحكم كحُكم فَتَاة الحيِّ إذْ نَظَرَتْ
إلى حمَاَمٍ سِرَاعٍ واردِ الثَّمَدِ
والثمد : الماء القليل ، وقيل معناه : كن حكيماً . وقال عز وجل : أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ « المائدة : 50 » وقال تعالى : وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ « المائدة : 50 » .
ويقال : حَاكِم وحُكَّام لمن يحكم بين الناس ، قال الله تعالى : وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ « البقرة : 188 »
والحَكَمُ : المتخصص بذلك ، فهو أبلغ . قال الله تعالى : أَفَغَيْرَ الله أَبْتَغِي حَكَماً « الأنعام : 114 » وقال عز وجل : فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها « النساء : 35 » وإنما قال حَكَماً ولم يقل حاكماً تنبيهاً [ على ] أن من شرط الحكمين أن يتوليا الحكم عليهم ولهم ، حسب ما يستصوبانه من غير مراجعة إليهم في تفصيل ذلك . ويقال الحَكَم للواحد والجمع .
وتحاكمنا إلى الحاكم : قال تعالى : يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطاغُوتِ « النساء : 60 » وحَكَّمْتُ فلاناً : قال تعالى : حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ « النساء : 65 » . فإذا قيل : حكم بالباطل فمعناه : أجرى الباطل مجرى الحكم .
والحِكْمَةُ : إصابة الحق بالعلم والعقل ، فالحكمة من الله تعالى : معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام . ومن الإنسان : معرفة الموجودات ، وفعل الخيرات .
وهذا هو الذي وصف به لقمان في قوله عز وجل : وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ « لقمان : 12 » ونبه على جملتها بما وصفه بها ، فإذا قيل في الله تعالى : هو حَكِيم ، فمعناه بخلاف معناه إذا وصف به غيره ، ومن هذا الوجه قال الله تعالى : أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ « التين : 8 »
وإذا وصف به القرآن فلتضمنه الحكمة ، نحو : الر . تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ « يونس : 1 » وعلى ذلك قال : وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بالِغَةٌ « القمر : 4 » .
وقيل : معنى الحكيم المُحْكم نحو : أُحْكِمَتْ آياتُهُ « هود : 1 »
--------------------------- 257 ---------------------------
وكلاهما صحيح ، فإنه محكم ومفيد للحكم ، ففيه المعنيان جميعاً .
والحُكم : أعم من الحِكمة ، فكل حكمة حُكم وليس كل حكم حكمة ، فإن الحكم أن يقضي بشئ على شئ فيقول : هو كذا أوليس بكذا . قال صلى الله عليه وآله : إن من الشعر لحكمة ، أي قضية صادقة وذلك نحو قول لبيد :
إنَّ تَقْوى رَبِّنَا خَيْرُ نَفَل
قال الله تعالى : وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا « مريم : 12 » وقال صلى الله عليه وآله : الصَّمْتُ حُكْمٌ وقَلِيلٌ فَاِعُلْه . أي حِكْمَةٌ . وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ « آل عمران : 164 » .
وقال تعالى : وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ الله وَالْحِكْمَةِ « الأحزاب : 34 » قيل : تفسير القرآن ، ويعني ما نبه عليه القرآن من ذلك : إن الله يَحْكُمُ ما يُرِيدُ « المائدة : 1 » أي ما يريده يجعله حكمة وذلك حث للعباد على الرضا بما يقضيه . قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله : مِنْ آياتِ الله وَالْحِكْمَةِ « الأحزاب : 34 » هي علم القرآن ناسخه ومُحْكَمه ومتشابهه .
وقال ابن زيد : هي علم آياته وحكمه .
وقال السدي : هي النبوة . وقيل : فهم حقائق القرآن ، وذلك إشارة إلى أبعاضها التي تختص بأولي العزم من الرسل ، ويكون سائر الأنبياء تبعاً لهم في ذلك .
وقوله عز وجل : يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا « المائدة : 44 » فمن الحكمة المختصة بالأنبياء أو من الحكم .
وقوله عز وجل : آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ « آل عمران : 7 » فالمحكم : ما لا يعرض فيه شبهة من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى .
والمتشابه على أضرب تذكر في بابه إن شاء الله .
وفي الحديث : إن الجنة للمُحَكِّمِين ، قيل : هم قوم خُيِّروا بين أن يُقتلوا مسلمين وبين أن يرتدوا ، فاختاروا القتل . وقيل عنى المتخصصين بالحكمة .
ملاحظات
يبدو أن الراغب أخذ تعريف الحكمة من ابن فارس « 2 / 91 » لكن الخليل قال « 3 / 66 » : « الحكمة : مرجعها إلى العدل والعلم والحلم . ويقال : أحكمته التجارب إذا كان حكيماً . وأحكم فلان عني كذا ، أي منعه » .
وفي تعريف الحكمة وأقسامها بحوث ليس هنا مكانها ، فنكتفي بذكر آيات وأحاديث فيها :
قال الله تعالى : كمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ . . أُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ .
وقال تعالى : يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا .
وقال تعالى : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا .
قال حمران بن أعيَن : « قلت لأبي عبد الله عليه السلام : قول الله عز وجل : فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ؟ فقال : النبوة ، قلت : الحكمة ؟ قال : الفهم والقضاء . قلت : وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ؟ فقال : الطاعة .
عن بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى : فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ؟
قال : جعل منهم الرسل والأنبياء والأئمة فكيف يُقِرُّونَ في آل إبراهيم عليه السلام وينكرونه في آل محمد صلى الله عليه وآله ! قال قلت : وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ؟ قال : الملك العظيم أن جعل فيهم أئمةً من أطاعهم أطاع الله ، ومن عصاهم
--------------------------- 258 ---------------------------
عصى الله ، فهو الملك العظيم » . « الكافي : 1 / 206 » .
وقال الإمام الصادق عليه السلام : « من أحبنا أهل البيت وحقق حبنا في قلبه ، جرت ينابيع الحكمة على لسانه ، وجُدد الإيمان في قلبه » . « المحاسن : 1 / 61 » .
حَلَّ
أصل الحَل : حلُّ العقدة ، ومنه قوله عز وجل : وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي « طه : 27 » وحَللْتُ : نزلت ، أصله من حل الأحمال عند النزول ، ثم جُرِّدَ استعماله للنزول ، فقيل : حَلَّ حُلُولًا ، وأَحَلَّهُ غيره ، قال عز وجل : أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ « الرعد : 31 » وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ « إبراهيم : 28 » . يقال : حَلَّ الدَّيْنُ : وجب أداؤه . والحِلَّة : القوم النازلون . وحَيٌّ حُلَّالٌ مثله . والمَحَلَّة : مكان النزول .
وعن حل العقدة استعير قولهم : حَلَّ الشئ حلالًا ، قال الله تعالى : وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حَلالًا طَيِّباً « المائدة : 88 » وقال تعالى : هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ « النحل : 116 » .
ومن الحُلُول : أَحَلَّتِ الشاة : نزل اللبن في ضرعها .
وقال تعالى : حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ « البقرة : 196 » . وأَحَلَّ الله كذا ، قال تعالى : وأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ « الحج : 30 » وقال تعالى : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إنا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ الله عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عماتِكَ . . الآية . « الأحزاب : 50 » فإِحْلَال الأزواج هو في الوقت لكونهن تحته ، وإحلال بنات العم وما بعدهن إحلال التزوج بهن . وبلغ الأجل محله . ورجل حَلالٌ ومُحِلٌّ : إذا خرج من الإحرام ، أو خرج من الحرم ، قال عز وجل : وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا « المائدة : 2 » .
وقال تعالى : وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ « البلد : 2 » أي حَلَّال .
وقوله عز وجل : قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ « التحريم : 2 » أي بيَّنٌ ما تَنْحَلُّ به عقدة أيمانكم من الكفارة .
وروي : لا يموت للرجل ثلاثة من الأولاد فتمسه النار إلا تحلَّةَ القسم ، أي قدر ما يقول إن شاء الله تعالى ، وعلى هذا قول الشاعر : وَقْعُهُنَّ الأرضَ تحليلُ
أي عدوهنَّ سريع لا تصيب حوافرهن الأرض من سرعتهن ، إلا شئ يسير مقدار أن يقول القائل : إن شاء الله .
والحَلِيل : الزوج ، إما لحل كل واحد منهما إزاره للآخر ، وإما لنزوله معه ، وإما لكونه حلالاً له ، ولهذا يقال لمن يحالُّك أي لمن ينزل معك : حَلِيل .
والحَلِيلَةُ : الزوجة وجمعها حَلَائِل ، قال الله تعالى : وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ « النساء : 23 » . والحُلَّة : إزارٌ ورداءٌ . والإحليل : مخرج البول لكونه محلول العقدة .
ملاحظات
جعل الراغب حَلَّ من أصل واحد بمعنى فَكُّ العقدة .
وابتدأ الخليل « 3 / 26 » بالحلول في المحل ، مشيراً به إلى أنه أصل المادة ، ثم فرع عليه .
وقال ابن فارس « 2 / 20 » : « الحاء واللام له فروع كثيرة ومسائل ، وأصلها كلها عندي فتح الشئ لا يشذ عنه شئ . يقال حللت العقدة أحلها حلاً » .
ورأيه أقوى من قول الراغب والخليل ، لأنه يمكن إرجاع فروع المادة إلى الفتح ، ولا يمكن إرجاعها إلى فك العقدة ، أو الحلول في محل .
حَلَفَ
الحِلْف : العهد بين القوم . والمُحَالَفَة : المعاهدة ، وجعلت للملازمة التي تكون بمعاهدة ، وفلان حِلْفُ كرم ، وحَلِيف كرم .
والأحلاف : جمع حليف ، قال الشاعر وهو زهير :
تداركتما الأحْلَاف قَد ثُلَّ عَرْشُهَا
--------------------------- 259 ---------------------------
أي كاد يزول استقامة أمورها ، وعرش الرجل : قوام أمره .
والحَلْفُ : أصله اليمين الذي يأخذ بعضهم من بعض بها العهد ، ثم عبر به عن كل يمين ، قال الله تعالى : وَلا تُطِعْ كل حَلَّافٍ مَهِينٍ « القلم : 10 » أي مكثار للحلف .
وقال تعالى : يَحْلِفُونَ بِالله ما قالُوا « التوبة : 74 » يَحْلِفُونَ بِالله إنهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ « التوبة : 56 » يَحْلِفُونَ بِالله لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ « التوبة : 62 » .
وشئ مُحْلِف : يحمل الإنسان على الحلف . وكُمَيْتٌ مُحَلَّفٌ إذا كان يشكُّ في كميتته وشقرته فيحلف واحد أنه كميت ، وآخر أنه أشقر .
والمُحَالَفَة : أن يحلف كل للآخر ، ثم جعلت عبارة عن الملازمة مجرداً ، فقيل : حِلْفُ فلان وحَلِيفُه ، وقال صلى الله عليه وآله : لا حِلْفَ في الإسلام . وفلان حَلِيف اللسان ، أي حديده ، كأنه يحالف الكلام فلا يتباطأ عنه ، وحليف الفصاحة .
ملاحظات
جعل الراغب أصل الحلف العهد ، وقد أخذه من ابن فارس حيث جعله بمعنى الملازمة « 2 / 97 » .
وجعله الخليل « 3 / 231 » مرادف القَسَم وهو الصحيح ، لأن العهد ناتج عن الحلف والقسم .
ويقصد الراغب بقوله كميتته : شُقرته ، ولا يستعمل العرب كميتته ، بل يقولون : كُمْتَتُه بمعنى جودته . « العين : 5 / 334 » .
قال الجوهري « 1 / 263 » : « والفرق بين الكُمَيْت والأشقر بالعُرْفِ والذَّنَب ، فإن كانا أحمرين فهو أشقر ، وإن كانا أسودين فهو كُمَيْت . تقول منه : اكْمَتَّ الفرس اكمِتَاتاً ، واكماتَّ اكميتاتاً ، مثله » .
حَلَقَ
الحَلْق : العضو المعروف . وحَلَقَهُ : قطع حلقه ، ثم جعل الحَلْق لقطع الشعر وجَزِّه ، فقيل حلق شعره ، قال تعالى : وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ « البقرة : 196 » وقال تعالى : مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ « الفتح : 27 » . ورأس حَلِيق ، ولحية حليق .
وعقرى حَلْقَى : في الدعاء على الإنسان ، أي أصابته مصيبة تحلق النساء شعورهن ، وقيل معناه : قطع الله حلقها . وقيل للأكسية الخشنة التي تحلق الشعر بخشونتها : مَحَالِق .
والحَلْقَة : سمِّيت تشبيهاً بالحلق في الهيئة . وقيل : حَلَقَة ، وقال بعضهم : لا أعرف الحَلَقَة إلا في الذين يحلقون الشعر ، وهو جمع حالق ، ككافر وكفرة . والحَلَقَة بفتح اللام لغة غير جيدة .
وإبل مُحَلَّقَة : سِمَتُهَا حَلْق . واعتُبر في الحَلْقَة معنى الدوران ، فقيل حَلْقَة القوم ، وقيل : حَلَّقَ الطائر ، إذا ارتفع ودار في طيرانه .
ملاحظات
جعل الراغب مادة حَلَق أصلاً واحداً هو حَلْق الإنسان ، وتكلف في إرجاع الفروع اليه ولم يوفق . بينما جعلها ابن فارس ثلاثة أصول ، وجعلها الخليل أكثر . قال « 3 / 48 » : « الحَلْقُ : مساغ الطعام والشراب ومخرج النفَس من الحلقوم . وموضع المذبح من الحلق أيضاً ، ويجمع على حلوق . وحلق فلانٌ فلاناً : ضربه فأصاب حلقه . والحلق : نبات لورقه حموضة يخلط بالوسمة للخضاب » .
حَلُمَ
الحِلْم : ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب ، وجمعه أَحْلَام ، قال الله تعالى : أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا « الطور : 32 » قيل معناه : عقولهم . وليس الحِلْم في الحقيقة هو العقل ، لكن فسَّروه بذلك لكونه من مسبَّبات العقل . وقد حَلُمَ وحَلَّمَهُ العقل وتَحَلَّمَ .
--------------------------- 260 ---------------------------
وأَحْلَمَتِ المرأة : ولدت أولاداً حلماء ، قال الله تعالى : إن إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ « هود : 75 » وقوله تعالى : فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ « الصافات : 101 » أي وُجِدَت فيه قوة الحلم .
وقوله عز وجل : وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ « النور : 59 » أي زمان البلوغ ، وسمي الحِلْم لكون صاحبه جديراً بالحِلْم .
ويقال : حَلَمَ في نومه يَحْلُمُ حُلْماً وحُلُماً وقيل حُلْماً نحو رُبْع ، وتَحَلَّمَ واحتلم .
وحَلَمْتُ به في نومي أي رأيته في المنام ، قال الله تعالى : قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ « يوسف : 54 » .
والحَلَمَة : القراد الكبير ، قيل سميت بذلك لتصورها بصورة ذي حلم لكثرة هدوئها ، فأما حَلَمَة الثدي فتشبيهاً بالحلمة من القراد في الهيئة ، بدلالة تسميتها بالقراد في قول الشاعر :
كأن قِرَادَيْ زَوْرِهِ طَبَعَتْهُمَا
بِطِينٍ من الجَوْلان كُتَّابُ أعْجَمِ
وحَلِمَ الجِلْد : وقعت فيه الحلمة ، وحَلَّمْتُ البعير : نزعت عنه الحلمة ، ثم يقال : حَلَّمْتُ فلاناً : إذا داريته ليسكن وتتمكن منه تمكنك من البعير إذا سكنته بنزع القِراد عنه .
ملاحظات
جعل الراغب الحِلم أصلاً واحداً ، وهو ضبط النفس عن الغضب ، ولا يصح ، لأنه لا يمكن إرجاع فروعه إلى هذا المعنى .
وقال ابن فارس « 2 / 93 » : « حلم : أصول ثلاثة ، الأول : ترك العجلة ، والثاني : تثقب الشئ . والثالث : رؤية الشئ في المنام . وهي متباينة جداً ، تدل على أن بعض اللغة ليس قياساً ، وإن كان أكثره منقاساً » .
وقال الخليل « 3 / 246 » : « الحُلم : الرؤيا ، يقال : حلُمَ يحلُمُ إذا رأى في المنام . والحُلم : الاحتلام ويجمع على الأحلام . والحُلْم : الأناة ويجمع على الأحلام . والحلام : الجدي . وأحلام القوم : حلماؤهم ، والواحد حليم . وقد حلم الرجل يحلم فهو حليم . والحليم في صفة الله تعالى معناه الصبور » .
ومن العجيب جَعْل الراغب حلمة الثدي مأخوذة من حلمة البعير وقرادته ، وكأن الإنسان عرف قرادة البعير قبل ثدي أمه !
حَلَيَ
الحُلِيّ : جمع الحَلْي ، نحوثَدْي وثَدِيٍّ ، قال تعالى : مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ « الأعراف : 148 » يقال : حَلِيَ يُحَلَّى ، قال الله تعالى : يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ « الكهف : 31 » وقال تعالى : وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ « الإنسان : 21 » وقيل : الحِلْيَة والجميع حِلِيٌّ . قال تعالى : أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ « الزخرف : 18 » .
ملاحظات
ترك الراغب عادته في تأصيل المادة لصعوبتها هنا !
أما ابن فارس « 2 / 94 » فجعلها ثلاثة ، قال : « طيب الشئ في ميل من النفس إليه . والثاني : تحسين الشئ . والثالث : وهو مهموز تنحية الشئ » .
وقال الخليل « 3 / 296 » : « الحلي : كل حِلْيَةٍ حُلِّيَتْ به امرأةً أو سيفاً ، أو نحوه . والحِلية : تحليتك وجه الرجل إذا وصفته . ويقال : ما أحلى فلانٌ ولا أمَرَّ ، أي ما تكلم بحلوٍ ولا مُرٍّ » .
حَمَّ
الحميم : الماء الشديد الحرارة ، قال تعالى : وَسُقُوا ماءً حَمِيماً « محمد : 15 » إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً « عمّ : 25 » وقال تعالى : وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ « الأنعام : 70 » وقال عز وجل :
--------------------------- 261 ---------------------------
يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ « الحج : 19 » ثُمَّ إن لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ « الصافات : 67 » هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ « ص : 57 » . وقيل للماء الحار في خروجه من منبعه : حِمَّة .
وروي : العالم كالحِمَّة يأتيها البعداء ويزهد فيها القرباء ، وسميَ العَرَق حميماً على التشبيه .
واستحمَّ الفرس : عَرِقَ ، وسمي الحمَّام حماماً إما لأنه يعرِّق ، وإما لما فيه من الماء الحار ، واستحمَّ فلان : دخل الحمام . وقوله عز وجل : فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ « الشعراء : 100 » وقوله تعالى : وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً « المعارج : 10 » فهو القريب المشفق ، فكأنه الذي يحتدُّ حماية لذويه .
وقيل لخاصة الرجل : حامَّته ، فقيل : الحامَّة والعامة وذلك لما قلنا ، ويدل على ذلك أنه قيل للمشفقين من أقارب الإنسان حُزَانته ، أي الذين يحزنون له .
واحتمَّ فلان لفلان : احتدَّ ، وذلك أبلغ من اهتمَّ لما فيه من معنى الإحتمام . وأحمَّ الشَّحم : أذابه ، وصار كالحميم . وقوله عز وجل : وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ « الواقعة : 43 » للحميم ، فهو يفعول من ذلك ، وقيل : أصله الدخان الشديد السَّواد ، وتسميته إما لما فيه من فرط الحرارة كما فسره في قوله : لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ « الواقعة : 44 » أو لما تُصُوِّر فيه من لفظ الحِمَمَة فقد قيل للأسود يحموم ، وهو من لفظ الحممة ، وإليه أشير بقوله : لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ « الزمر : 16 » وعبَّر عن الموت بالحِمام ، كقولهم : حُمَّ كذا ، أي قُدِّرَ .
والحُمَّى : سميت بذلك إما لما فيها من الحرارة المفرطة ، وعلى ذلك قوله صلى الله عليه وآله : الحُمَّى من فَيْحِ جهنم ، وإما لما يعرض فيها من الحميم ، أي العَرَق ، وإما لكونها من أمارات الحِمَام ، لقولهم : الحمَّى بريد الموت ، وقيل : باب الموت .
وسمي حُمَّى البعير حُمَاماً بضمة الحاء ، فجعل لفظه من لفظ الحمام لما قيل إنه قلما يبرأ البعير من الحمى . وقيل : حَمَّمَ الفرخ : إذا اسودَّ جلده من الريش .
وحَمُمَ وجهه : اسودَّ بالشعر ، فهما من لفظ الحِمَمة .
وأما حَمْحَمة الفرس : فحكاية لصوته ، وليس من الأول في شئ .
ملاحظات
جعل الراغب مادة حَمَمَ أصلاً واحداً ، ولا يستقيم ذلك . وقال ابن فارس « 2 / 23 » : « الحاء والميم فيه تفاوت لأنه متشعب الأبواب جداً . فأحد أصوله اسوداد ، والآخر الحرارة ، والثالث الدنو والحضور ، والرابع جنس من الصوت ، والخامس القصد .
فأما السواد فالحِمَم : الفحم ، ومنه اليَحْمُوم وهو الدخان . والحَمْحَم : نبت أسود وكل أسود حمحم ، ويقال حَمَّمْته إذا سَخَّمْتَ وجهه بالسِّخامَ وهو الفحم .
وأما الحرارة : فالحميم : الماء الحار .
ومما شذ عن هذه الأبواب قولهم طلق الرجل امرأته وحَمَّمَهَا : إذا متعها بثوب أو نحوه » .
وعليه ، فلا يصح فرض حَمَمَ أصلاً واحداً بمعنى الحميم كما فعل الراغب .
كما أنه انفرد بتقييد الحرارة بالشديدة ، ولم يذكرْ أحد .
حَمَدَ
الحَمْدُلله تعالى : الثناء عليه بالفضيلة ، وهو أخص من المدح وأعم من الشكر ، فإن المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره ، ومما يقال منه وفيه بالتسخير ، فقد يمدح الإنسان بطول قامته وصباحة وجهه ، كما يمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه . والحمد يكون في الثاني دون الأول .
والشُّكر : لا يقال إلا في مقابلة نعمة . فكل شكر حمد ،
--------------------------- 262 ---------------------------
وليس كل حمد شكراً ، وكل حمد مدحٌ وليس كل مدح حمداً . ويقال : فلان محمود : إذا حُمِدَ . ومُحَمَّد : إذا كثرت خصاله المحمودة . ومحمد : إذا وجد محموداً .
وقوله عز وجل : إنهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ « هود : 73 » يصح أن يكون في معنى المحمود ، وأن يكون في معنى الحامد .
وحُمَادَاكَ أن تفعل كذا : أي غايتك المحمودة .
وقوله عز وجل : وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ « الصف : 6 » فأحمد إشارة إلى النبي صلى الله عليه وآله باسمه وفعله ، تنبيهاً [ على ] أنه كما وجد اسمه أحمد ، يوجد وهو محمود في أخلاقه وأحواله . وخُصَّ لفظة أحمد فيما بشر به عيسى تنبيهاً [ على ] أنه أحمد منه ومن الذين قبله .
وقوله تعالى : مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله « الفتح : 29 » فمحمد هاهنا ، وإن كان من وجه إسماً له علماً ، ففيه إشارة إلى وصفه بذلك وتخصيصه بمعناه ، كما مضى ذلك في قوله تعالى : إنا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى « مريم : 7 » أنه على معنى الحياة ، كما يبين في بابه إن شاء الله .
ملاحظات
لا إشكال لغوياً مهماً فيما ذكره الراغب ، وتمييزه بين اسم أحمد ومحمد صلى الله عليه وآله وتعليله ذكر اسم أحمد في آية البشارة النبوية بأنه أحمد من الأنبياء الماضين عليهم السلام وجهٌ قويٌّ يؤيده ما في تفسير القمي : « 2 / 365 » . وفي نسخة : أحمد من في الأرض .
حَمَرَ
الحِمَار : الحيوان المعروف ، وجمعه حَمِير وأَحْمِرَة وحُمُر ، قال تعالى : وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ « النحل : 8 » .
ويعبر عن الجاهل بذلك ، كقوله تعالى : كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً « الجمعة : 5 » وقال تعالى : كَأنهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ « المدثر : 50 » .
وحمارُ قَبَّان : دويبة . والحِمَارَان : حجران يجفف عليهما الأقط ، شبهاً بالحمار في الهيئة . والمُحَمَّر : الفرس الهجين المشبَّه بلادته ببلادة الحمار .
والحُمْرَة : في الألوان . وقيل الأحمر والأسود للعجم والعرب ، اعتباراً بغالب ألوانهم ، وربما قيل : حمراء العجان . والأحمران : اللحم والخمر ، اعتباراً بلونيهما ، والموت الأحمر : أصله فيما يراق فيه الدم .
وسنة حَمْرَاء : جدبة ، للحمرة العارضة في الجو منها ، وكذلك حَمَّارَة القيظ : لشدة حرها ، وقيل وِطَاءَة حَمْرَاء : إذا كانت جديدة ، ووِطَاءة دهماء : دارسة .
ملاحظات
لم يصرح الراغب بأصل مادة : حَمَرَ ، لكن ابن فارس جعلها أصلاً واحداً فقال « 2 / 102 » : « أصل واحد عندي وهو من الذي يعرف بالحمرة . وقد يجوز أن يجعل أصلين أحدهما هذا ، والآخر جنس من الدواب » .
لكن لا يمكن إرجاع فروعها إلى الحمرة ، ولا الحمار ، ولم يذكروا وجه اشتقاق الحمار من الحمرة !
حَمَلَ
الحَمْل : معنى واحد اعتبر في أشياء كثيرة ، فَسُوِّيَ بين لفظه في فعل ، وفُرِّقَ بين كثير منها في مصادرها ، فقيل في الأثقال المحمولة في الظاهر كالشئ المحمول على الظهر : حِمْل ، وفي الأثقال المحمولة في الباطن : حَمْل ، كالولد في البطن ، والماء في السحاب ، والثمرة في الشجرة ، تشبيهاً بحمل المرأة ، قال تعالى : وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَئ « فاطر : 18 » يقال : حَمَلْتُ الثِّقل والرسالة والوِزْر حَمْلًا ، قال الله تعالى : وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ « العنكبوت : 13 » وقال تعالى : وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَئ « العنكبوت : 12 » وقال تعالى : وَلا عَلَى
--------------------------- 263 ---------------------------
الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ « التوبة : 92 » وقال عز وجل : لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ « النحل : 25 »
وقوله عز وجل : مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ « الجمعة : 5 » أي كلفوا أن يتحمّلوها ، أي يقوموا بحقها ، فلم يحملوها . ويقال : حَمَّلْتُهُ كذا فَتَحَمَّلَهُ ، وحَمَّلْتُ عليه كذا فَتَحَمَّلَهُ ، واحْتَمَلَه وحَمَلَه . وقال تعالى : فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً « الرعد : 17 » حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ « الحاقة : 11 » وقوله : فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإنما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ « النور : 54 » وقال تعالى : رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ « البقرة : 286 » وقال عز وجل : وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ « القمر : 13 » ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إنهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً « الإسراء : 3 » وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ « الحاقة : 14 » .
وحَمَلَتِ المرأةُ : حَبِلَتْ ، وكذا حملت الشجرة ، يقال : حَمْلٌ وأحمال ، قال عز وجل : وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ « الطلاق : 4 » وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ « فصلت : 47 » حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ « الأعراف : 189 » حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً « الأحقاف : 15 » وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً « الأحقاف : 15 » .
والأصل في ذلك الحَمْل على الظهر ، فاستعير للحَبَل بدلالة قولهم : وَسَقَتِ الناقة إذا حملت . وأصل الوَسَق : الحمل المحمول على ظهر البعير . وقيل : الحَمُولَة لما يحمل عليه ، كالقَتُوبة والرَّكُوبة ، والحُمُولَة : لما يحمل .
والحَمَلُ : للمحمول ، وخُصَّ الضأن الصغير بذلك لكونه محمولاً لعجزه ، أو لقربه من حمل أمه إياه ، وجمعه : أَحْمَال وحُمْلَان ، وبها شُبِّه به السحاب فقال عز وجل : فَالْحامِلاتِ وِقْراً « الذاريات : 2 » والحَمِيل : السحاب الكثير الماء لكونه حاملاً للماء ، والحَمِيل : ما يحمله السيل ، والغريب تشبيهاً بالسيل ، والولد في البطن .
والحَمِيل : الكفيل ، لكونه حاملاً للحق مع من عليه الحق ، وميراث الحميل لمن لا يتحقق نسبه .
وحَمَّالَةَ الْحَطَبِ « المسد : 4 » : كناية عن النَّمَّام ، وقيل : فلان يحمل الحطب الرطب ، أي ينمُّ .
ملاحظات
جعل الراغب الحبل وحمل الأشجار للثمر من الحمل على الظهر ! واستدل له بقولهم وسقت الناقة أي حملت . ولا دليل فيه لأنهم يعبرون عن الحبل وحمل الحيوان بألفاظ متعددة .
أما حمالة الحطب ففي مقدمة فتح الباري / 316 : « هي العوراء بنت حرب أخت أبي سفيان ، وهي حمالة الحطب زوج أبي لهب » . وفي نهج البلاغة « 3 / 32 » في رسالته عليه السلام إلى معاوية : « ومنا خير نساء العالمين ، ومنكم حمالة الحطب في كثير مما لنا وعليكم » .
وقد جعلها الراغب وصفاً عاماً بمعنى النمامة ، وأخذه من البخاري « 6 / 95 » والصحيح أنها كانت تحمل الحطب والشوك وتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وآله . « الكشاف : 4 / 297 »
حَمِيَ
الحَمْيُ : الحرارة المتولدة من الجواهر المحمية كالنار والشمس ، ومن القوة الحارة في البدن ، قال تعالى : فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ . أي حارة ، وقرئ : حَمِئَةٍ . وقال عز وجل : يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ « التوبة : 35 » . وحَمِيَ النهار ، وأَحْمَيْتُ الحديدة إِحْمَاءً . وحُمَيَّا الكأس : سورتها وحرارتها .
وعبر عن القوة الغضبية إذا ثارت وكثرت بالحَمِيَّة ، فقيل حَمِيتُ على فلان ، أي غضبت عليه ، قال تعالى : حَميةَ
--------------------------- 264 ---------------------------
الْجاهِلِيَّةِ « الفتح : 26 » . وعن ذلك استعير قولهم : حَمَيْتُ المكان حِمىً ، وروي : لا حِمَى إل الله ورسوله .
وحميت أنفي مَحْمِيَةً ، وحَمَيْتُ المريض حَمْياً . وقوله عز وجل : وَلا حَامٍ « المائدة : 103 » : قيل هو الفحل إذا ضرب عشرة أبطن ، كان يقال : حَمَى ظَهْرَه فلا يركب .
وأحماء المرأة : كل من كان من قبل زوجها ، وذلك لكونهم حُمَاة لها ، وقيل حَمَاهَا وحَمُوهَا وحَمِيهَا ، وقد همز في بعض اللغات فقيل : حمئ نحو كمئ .
والحَمْأَةُ والحَمَأُ : طين أسود منتن ، قال تعالى : مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ « الحجر : 26 » ويقال : حمأت البئر : أخرجت حمأتها .
وأحمأتها : جعلت فيها حمأً . وقرئ : فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ : ذات حمأ .
حَنَّ
الحنين : النَّزع المتضمن للإشفاق يقال : حَنَّتِ المرأة والناقة لولدها ، وقد يكون مع ذلك صوت ، ولذلك يعبَّر بالحنين عن الصوت الدال على النزع والشفقة أو متصور بصورته . وعلى ذلك حنين الجذع ، وريحٌ حَنُون ، وقوس حَنَّانَة : إذا رنَّت عند الإنباض .
وقيل : ما له حنَّة ولا أنَّة ، أي لا ناقة ولا شاة سمينة ، ووُصفتا بذلك اعتباراً بصوتيهما .
ولما كان الحنين متضمناً للإشفاق ، والإشفاق لا ينفك من الرحمة ، عُبِّرَ عن الرحمة به في نحو قوله تعالى : وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا « مريم : 13 » ومنه قيل : الحَنَّان المنَّان ، وحَنَانَيْكَ إشفاقاً بعد إشفاق ، وتثنيته كتثنية لبيك وسعديك .
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ « التوبة : 25 » منسوب إلى مكان معروف .
حَنَثَ
قال الله تعالى : وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ « الواقعة : 46 » أي الذنب المؤثم ، وسمي اليمين الغموس حنثاً لذلك .
وقيل : حَنِثَ في يمينه إذا لم يف بها . وعُبَّر بالحِنْثِ عن البلوغ ، لما كان الإنسان عنده يؤخذ بما يرتكبه خلافاً لما كان قبله فقيل بلغ فلان الحنث . والمُتَحَنِّث : النافض عن نفسه الحنث ، نحو : المتحرِّج والمتأثِّم .
ملاحظات
استعملت هذه المادة في آيتين ، قال تعالى : وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلاتَحْنَثْ .
وقال تعالى : إِنَّهُمْ كَأنوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ . وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ .
ومعنى الحَنث في آية أيوب عليه السلام : نقض اليمين ومخالفته . ومعنى الحِنث العظيم : الكفر بدليل الآية بعدها ، وسُمِّيَ حِنثاً عظيماً ، لأنه نقض للتوحيد الذي هو عهد الفطرة . فالحِنث نقض العهد ، كبيراً أو صغيراً .
وأما تسمية عبادة النبي صلى الله عليه وآله في غار حراء بالتحنث ، فهو تصحيف أو إبدال من التحنف .
قال في عمدة القاري « 1 / 49 » عن الشيباني : لا أعرف يتحنث ، إنما هو يتحنف من الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام . قلت : قد وقع في سيرة ابن هشام يتحنف بالفاء » .
حَنْجَرَ
قال تعالى : لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ « غافر : 18 » وقال عز وجل : وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ « الأحزاب : 10 » جمع حَنْجَرَة ، وهي رأس الغَلْصَمَة من خارج .
حَنَذَ
قال تعالى : وجاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ « هود : 69 » أي مشويٍّ بين حجرين ، وإنما يفعل ذلك لتتصبَّب عنه اللُّزوجة التي فيه ، وهو من قولهم : حَنَذْتُ الفرس : استحضرته شوطاً أو شوطين ثم ظاهرت عليه الِجلال ليعرق . وهو محنوذ وحَنِيذ . وقد حَنَذَتْنَا الشمسُ . ولما كان ذلك خروج ماء قليل قيل : إذا سَقَيْتَ الخَمْرَ فَأَحْنِذْ ، أي قلل الماء فيها ،
--------------------------- 265 ---------------------------
كالماء الذي يخرج من العرق والحنيذ .
ملاحظات
عرف الراغب الحنيذ بالمشوي بين حجرين ! وعرفه اللغويون له بالمشوي الذي يوضع عليه حجر مُحمى أو حجارة لتنضجه . كما في إصلاح المنطق / 134 ، والصحاح : 2 / 562 . وذكر ابن فارس : 2 / 109 ، حَنَذَ بمعنى أنضجَ .
حَنَفَ
الحَنَفُ : هو ميلٌ عن الضَّلال إلى الإستقامة . والجَنَف : ميلٌ عن الإستقامة إلى الضَّلال . والحَنِيف هو المائل إلى ذلك ، قال عز وجل : قانِتاً لِله حَنِيفاً « النحل : 120 » وقال : حَنِيفاً مُسْلِماً « آل عمران : 67 » وجمعه حُنَفَاء ، قال عز وجل : وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفاءَ لِلَّهِ « الحج : 30 » .
وتَحَنَّفَ فلان ، أي تحرى طريق الإستقامة ، وسمت العرب كل من حج أو اختتن حنيفاً ، تنبيهاً [ على ] أنه على دين إبراهيم عليه السلام .
والأحنف : من في رجله ميل . قيل : سمي بذلك على التفاؤل ، وقيل : بل استعير للميل المجرَّد .
ملاحظات
قال الخليل « 3 / 248 » وأجاد : « والحنيف في قول : المسلم الذي يستقبل قبلة البيت الحرام ، على ملة إبراهيم حنيفا مسلماً » . فقد كانت التسمية معروفة قبل الإسلام ، وكان عبد المطلب وأجداد النبي صلى الله عليه وآله على حنيفية إبراهيم عليه السلام ، لا يعبدون الأصنام .
حَنَكَ
الحَنَكُ : حنك الإنسان والدابة ، وقيل لمنقار الغراب : حَنَكٌ ، لكونه كالحنك من الإنسان . وقيل : أسود مثل حَنَك الغراب ، وحَلَك الغراب . فحنكه منقاره ، وحلكه سواد ريشه . وقوله تعالى : لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا « الإسراء : 62 » يجوز أن يكون من قولهم : حَنَكْتُ الدابة : أصبت حنكها باللجام والرَّسَن ، فيكون نحو قولك : لأُلْجِمَنَّ فلاناَ ولأُرْسِننَّهُ .
ويجوز أن يكون من قولهم احتنك الجراد الأرض ، أي استولى بحنكه عليها فأكلها واستأصلها ، فيكون معناه : لأستولين عليهم استيلاءه على ذلك .
وفلان حَنَّكَه الدهر واحتنكه : كقولهم : نجَّذَه ، وقرع سنَّه ، وافترَّه ، ونحو ذلك من الإستعارات في التجربة .
ملاحظات
قال الخليل « 3 / 64 » : « أهل الحَنَك والحِنْكة ، يعني أهل الشرف والتجارب . واحتنكت الرجل : أخذت ماله ، ومنه قوله تعالى : لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا » .
وقال ابن فارس « 2 / 111 » : « ومن المحمول عليه استئصال الشئ وهو احتناكه ، ومنه في كتاب الله تعالى : لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا » .
حَوَبَ
الحُوبُ : الإثم ، قال عز وجل : إنهُ كانَ حُوباً كَبِيراً « النساء : 2 » والحَوْبُ المصدر منه .
وروي : طلاق أم أيوب حُوب . وتسميته بذلك لكونه مزجوراً عنه ، من قولهم : حَابَ حُوباً وحَوْباً وحِيَابَةً ، والأصل فيه : حُوب ، لزجر الإبل . وفلان يَتَحَوَّبُ من كذا ، أي يتأثّم . وقولهم : ألحق الله به الحَوْبَةَ ، أي المسكنة والحاجة ، وحقيقتها هي الحاجة التي تحمل صاحبها على ارتكاب الإثم ، وقيل : بات فلان بِحَيْبَةِ سوء .
والحَوْبَاء : قيل هي النفس ، وحقيقتها هي النفس المرتكبة للحوب ، وهي الموصوفة بقوله تعالى : إن النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ « يوسف : 53 » .
--------------------------- 266 ---------------------------
حُوت
قال الله تعالى : نَسِيا حُوتَهُما « الكهف : 61 » وقال تعالى : فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ « الصافات : 142 » وهو السمك العظيم . إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً « الأعراف : 163 » وقيل : حاوَتَني فلانٌ ، أي راوغني مراوغة الحوت .
حَيَدَ
قال عز وجل : ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ « ق : 19 » أي تعدل عنه وتنفر منه .
حَيْثُ
حيثُ : عبارة عن مكان مبهم يشرح بالجملة التي بعده ، نحو قوله تعالى : وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ « البقرة : 144 » وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ « البقرة : 149 » .
حَوَذَ
الحَوْذُ : أن يتبع السائق حاذيي البعير ، أي أدبار فخِذيه فيعنف في سوقه . يقال : حَاذَ الإبلَ يَحُوذُهَا ، أي ساقها سوقاً عنيفاً .
وقوله : اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ « المجادلة : 19 » استاقهم مستولياً عليهم . أو من قولهم : استحوذ العير على الأتان ، أي استولى على حَاذَييْهَا ، أي جانبي ظهرها .
ويقال : استحاذ ، وهو القياس . واستعارة ذلك كقولهم : اقتعده الشيطان وارتكبه . والأَحْوَذِي : الخفيف الحاذق بالشئ ، من الحَوْذ أي السَّوْق .
ملاحظات
استعمل القرآن مادة الإستحواذ في آيتين : إسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ الله أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَان . « المجادلة : 19 » . وَإِنْ كَان لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . « النساء : 141 » .
وهي في الموضعين بمعنى سيطر عليهم وأحاط بهم . فحَاذَ وحَوَذ وأحْوَذَ لا بد أن تكون من عالم الإحاطة والسيطرة . قال الخليل « 3 / 284 » : « حاذ يحوذ حَوْذاً ، أي حاط يحوط حوطاً » . فهي تشبه حاز يحوز ، وقد تكون مبدلة منها ، لكن رغبة الراغب في التكلف أخذته إلى حاذيي البعير وهما مؤخرا فخذيه ، فقال إنهما أصل المادة ، بدون شاهد من كلام العرب !
ويدل استعمال استحوذ في القرآن على أنها بذاتها لا تدل على ذم ، وقد تكون للخير ، تبعاً لهدفها .
حَوَرَ
الحَوْرُ : التردُّد إما بالذات وإما بالفكر ، وقوله عز وجل : إنهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ « الانشقاق : 14 » أي لن يبعث ، وذلك نحو قوله : زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ، قُلْ بَلى وَرَبي لَتُبْعَثُنَّ « التغابن : 17 » . وحَارَ الماء في الغدير : تردَّدَ فيه .
وحَارَ في أمره : تحيَّر . ومنه المِحْوَر للعود الذي تجري عليه البكرة لتردده . وبهذا النظر قيل :
سيرالسَّواني أبداً لا ينقطع
والسواني جمع سانية ، وهي ما يستقى عليه من بعير أو ثور .
ومَحَارَة الأذن : لظاهره المنقعر ، تشبيهاً بمحارة الماء ، لتردد الهواء بالصوت فيه كتردد الماء في المحارة .
والقوم في حُور : أي في تردد إلى نقصان ، وقوله : نعوذ ب الله من الحُور بعد الكُور ، أي من التردد في الأمر بعد المضي فيه ، أو من نقصان وتردد في الحال بعد الزيادة فيها ، وقيل : حار بعد ما كار .
والمُحاوَرَةُ والحِوَار : المُرَادَّة في الكلام ، ومنه التحَاوُر ، قال الله تعالى : والله يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما « المجادلة : 1 » وكلَّمته فما رجع إليَّ حَوَاراً أو حَوِيراً أو مَحُورَةً ، أي جواباً .
وما يعيش بأحْوَر ، أي بعقل يحور إليه .
--------------------------- 267 ---------------------------
وقوله تعالى : حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ « الرحمن : 72 » وَحُورٌ عِينٌ « الواقعة : 22 » جمع أَحْوَرَ وحَوْرَاء ، والحَوَر : قيل ظهور قليل من البياض في العين من بين السواد . وأَحْوَرَتْ عينه ، وذلك نهاية الحسن في العين . وقيل : حَوَّرْتُ الشّئ : بيضته ودورته ، ومنه الخبز الحُوَّارَي .
والحَوَارِيُّونَ : أنصار عيسى عليه السلام قيل كانوا قصَّارين ، وقيل كانوا صيَّادين ، وقال بعض العلماء : وإنما سموا حواريين لأنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدين والعلم المشار إليه بقوله تعالى : إنما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً « الأحزاب : 33 » قال : وإنما قيل كانوا قصارين على التمثيل والتشبيه .
وتُصُوِّرَ منه من لم يتخصص بمعرفته لحقائق المهنة المتداولة بين العامة ، قال : وإنما كانوا صيادين لاصطيادهم نفوس الناس من الحيرة وقودهم إلى الحق قال صلى الله عليه وآله : الزبير ابن عمتي وحواريَّ . وقوله صلى الله عليه وآله : لكل نبيٍّ حَوَارِيٌّ وحواريَّ الزبير ، فتشبيه بهم في النُّصرة حيث قال : مَنْ أَنْصارِي إِلَى الله قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ الله « الصف : 14 » .
ملاحظات
1 . تهافت كلام الراغب في هذه المادة ، فجعلها أصلاً واحداً بمعنى التردد المادي أو الذهني . ثم فسر يحور في الآية بيُبعث وليس فيه تردد !
ثم ذكر بعض مفردات الحَوَر ، فأرجع بعضها إلى التردد ، وترك إرجاع بعضها ، ولم يذكر نوع التردد في قوله تعالى : حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ ! والمفردات التي لم يذكرها أكثر ، وأكثرها لا يصح فيها معنى التردد !
وقد أجاد ابن فارس فقال « 2 / 115 » : « حَوَرَ : ثلاثة أصول . أحدها : لون ، والآخر الرجوع ، والثالث أن يدور الشئ دوراً . فالحَوَرُ : شدة بياض العين في شدة سوادها . يقال حوَّرت الثياب أي بيضتها . ويقال لأصحاب عيسى عليه السلام الحواريون لأنهم كانوا يحورون الثياب أي يبيضونها . وأما الرجوع : فيقال حَارَ إذا رجع قال الله تعالى : إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ . والعرب تقول الباطل في حُورٍ أي رجع ونقص . وقد استعمل القرآن من المادة : يحور مرة ، والمحاورة ثلاث مرات ، والحور العين أربع مرات ، والحواريين ثلاث مرات .
حَاجَ
الحَاجَة إلى الشئ : الفقر إليه مع محبته ، وجمعها : حَاجٌ وحاجاتٌ وحوائج . وحَاجَ يَحُوجُ : احتاج ، قال تعالى : إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها « يوسف : 68 » . وقال : حاجَةً مِمَّا أُوتُوا « الحشر : 9 » .
والحَوْجَاء الحاجة . وقيل الحاج ضرب من الشوك .
حَيَرَ
يقال : حَارَ يَحَارُ حَيْرَة ، فهو حَائِر وحَيْرَان ، وتَحَيَّرَ واسْتَحَارَ : إذا تبلد في الأمر وتردد فيه ، قال تعالى : كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ « الأنعام : 71 » والحائر : الموضع الذي يتحير به الماء ، قال الشاعر :
[ تَقَضَّى شَبَابي ] واسْتَحَارَ شَبَابُهَا
وهو أن يمتلئ حتى يرى في ذاته حيرة .
والحيرة : موضع ، قيل سمي بذلك لاجتماع ماء كان فيه .
حَيَزَ
قال الله تعالى : أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ « الأنفال : 16 » أي صائراً إلى حَيِّز ، وأصله من الواو ، وذلك كل جمع منضمٌّ بعضه إلى بعض . وحُزْتُ الشئ أَحُوزُهُ حَوْزاً ، وحمى حَوْزَتَهُ ، أي جمعه ، وتَحَوَّزَتِ الحيّة وتَحَيَّزَتْ أي تلوَّت ، والأَحْوَزِيُّ : الذي جمع حوزه متشمراً ، وعبر به عن الخفيف السريع .
--------------------------- 268 ---------------------------
حَاشَى
قال الله تعالى : وَقُلْنَ حاشَ لِله « يوسف : 31 » أي بُعْداً منه . قال أبو عبيدة : هي تنزيهٌ واستثناء . وقال أبو عليّ الفسوي رحمه الله : حَاشَ : ليس باسم لأن حرف الجر لا يدخل على مثله ، وليس بحرف ، لأن الحرف لا يحذف منه ما لم يكن مضعَّفاً ، تقول : حَاشَ وحَاشَى .
فمنهم من جعل حاش أصلاً في بابه وجعله من لفظة الحَوْش أي الوحش ، ومنه : حُوشِيُّ الكلام . وقيل : الحَوْشُ فُحُول جنٍّ نسبت إليها وحشة الصيد .
وأَحَشْتَهُ : إذا جئته من حواليه لتصرفه إلى الحبالة ، واحْتَوَشُوهُ وتَحَوَّشُوهُ : أتوه من جوانبه .
والحَوْشُ : أن يأكل الإنسان من جانب الطعام . ومنهم من حمل ذلك مقلوباً من حَشَى ، ومنه الحاشية وقال : وما أحاشي من الأقوام من أحد كأنه قال : لا أجعل أحداً في حشا واحد فأستثنيه من تفضيلك عليه ، قال الشاعر :
ولا يتحشَّى الفَحْل إن أعْرضَتْ بهِ
ولا يَمْنَعُ المرباعَ منهُ فَصِيلُهَا
يصف إنساناً بالجود ، وأنه يطعم وينحر كل ما يعرض له من الفحل وغيره .
ملاحظات
أخذ الراغب قوله « الحوش أي الوحش » من مجمل اللغة لابن فارس ، وهو غير مفهوم . ولا علاقة لحاشا به .
قال الجوهري « 3 / 1003 » : « حاشلله : تنزيهاً له . ولا يقال حاش لك قياساً عليه ، وإنما يقال : حاشاك وحاشا لك » .
وفي المخصص « 5 / 2 / 163 » : « وأما حاشَلله . معناه بَراءةًلله ، ومَعاذ الله » .
وفي مختار الصحاح / 81 : « حاشى : كلمة يستثنى بها ، وقد تكون حرفاً وقد تكون فعلاً ، فإن جعلتها فعلاً نصبت بها فقلت : ضربتهم حاشى زيداً ، وإن جعلتها حرفاً خفضت بها .
وقال سيبويه : حاشى : لا تكون إلا حرف جر ، لأنها لو كانت فعلاً لجاز أن تكون صلة لما ، كما يجوز ذلك في خلا » .
حَاصَ
قال تعالى : هَلْ مِنْ مَحِيصٍ « ق : 36 » وقوله تعالى : ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ « إبراهيم : 21 » أصله من حَيْص بَيْص أي شدة . وحَاصَ عن الحق يَحِيصُ ، أي حاد عنه إلى شدة ومكروه . وأما الحَوْصُ فخياطة الجلد ، ومنه حِصْتُ عين الصقر .
ملاحظات
قال الله تعالى : أُولَئِكَ مَاوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً . « النساء : 121 » . أي محيداً . والحَيْص : الحَيْد إلى فَرَج . والحَيص بَيْص : الأمر المختلط المشكل . « العين : 3 / 269 » . والحياصة : حزام الإكاف من خلف .
حَيْض
الحيض : الدم الخارج من الرحم على وصف مخصوص ، في وقت مخصوص .
والمَحِيض : الحيض ووقت الحيض وموضعه . على أن المصدر في هذا النحو من الفعل يجئ على مفعل نحو : معاش ومعاد . وقول الشاعر : لا يستطيع بها القِرَاد مقيلا
أي مكاناً للقيلولة ، وإن كان قد قيل هو مصدر ، ويقال : ما في بُرِّك مكيل ومكال .
حَيَطَ
الحائط : الجدار الذي يَحُوط بالمكان . والإحاطة : تقال على وجهين ، أحدهما : في الأجسام نحو : أَحَطْتُ بمكان كذا .
أو تستعمل في الحفظ نحو : إنهُ بِكل شَئ مُحِيطٌ « فصلت : 54 » أي حافظ له من جميع جهاته . وتستعمل في المنع نحو : إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ « يوسف : 66 » أي إلا أن تُمنعوا .
وقوله : أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ « البقرة : 81 » فذلك أبلغ
--------------------------- 269 ---------------------------
استعارة ، وذاك إن الإنسان إذا ارتكب ذنباً واستمرَّ عليه استجرَّه إلى معاودة ما هو أعظم منه ، فلا يزال يرتقي حتى يطبع على قلبه فلا يمكنه أن يخرج عن تعاطيه .
والاحتياط : استعمال ما فيه الحياطة أي الحفظ .
والثاني : في العلم نحو قوله : أَحاطَ بِكل شَئ عِلْماً « الطلاق : 12 » وقوله عز وجل : إن الله بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ « آل عمران : 120 » وقوله : إن رَبي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ « هود : 92 » .
والإحاطة بالشئ علماً : هي أن تعلم وجوده وجنسه وقدره وكيفيته وغرضه المقصود به وبإيجاده ، وما يكون به ومنه ، وذلك ليس إل الله تعالى . وقال عز وجل : بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ « يونس : 39 » فنفى ذلك عنهم .
وقال صاحب موسى عليه السلام : وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً « الكهف : 68 » تنبيهاً [ على ] أن الصبر التام إنما يقع بعد إحاطة العلم بالشئ ، وذلك صعب إلا بفيض إلهي .
وقوله عز وجل : وَظَنُّوا أنهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ « يونس : 22 » فذلك إحاطة بالقدرة ، وكذلك قوله عز وجل : وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ الله بِها « الفتح : 21 » وعلى ذلك قوله : إني أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ « هود : 84 » .
حَيَفَ
الحَيْفُ : الميل في الحكم والجنوح إلى أحد الجانبين ، قال الله تعالى : أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ الله عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ « النور : 50 » أي يخافون أن يجور في حكمه . ويقال تَحَيَّفْتُ الشئ أخذته من جوانبه .
حَاقَ
قوله تعالى : وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ « هود : 8 » قال عز وجل : وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ « فاطر : 43 » أي لا ينزل ولا يصيب .
قيل : أصله حَقَّ فقلب نحو : زَلَّ وزَال ، وقد قرئ : فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ « البقرة : 36 » وأزالهما . وعلى هذا : ذَمَّهُ وذامَّهُ .
حَوَلَ
أصل الحَوْل : تغير الشئ وانفصاله عن غيره ، وباعتبار التغير قيل : حَالَ الشئ يَحُولُ حُؤُولًا . واستحال : تهيأ لأن يحول ، وباعتبار الانفصال قيل : حَالَ بيني وبينك كذا .
وقوله تعالى : وَاعْلَمُوا إن الله يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ « الأنفال : 24 » فإشارة إلى ما قيل في وصفه : يا مقلب القلوب والأبصار ، وهو أن يلقي في قلب الإنسان ما يصرفه عن مراده لحكمة تقتضي ذلك .
وقيل : على ذلك وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ « سبأ : 54 » وقال بعضهم في قوله : يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ « الأنفال : 24 » هو أن يهلكه ، أو يردَّه إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً .
وحَوَّلْتُ الشئ فَتَحَوَّلَ : غيَّرته ، إما بالذات وإما بالحكم والقول . ومنه : أَحَلْتُ على فلان بالدين . وقولك : حوَّلت الكتاب هو أن تنقل صورة ما فيه إلى غيره من غير إزالة الصورة الأولى . وفي المثل : لو كان ذا حيلة لتحول ، وقوله عز وجل : لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا « الكهف : 108 » أي تحوُّلاً .
والحَوْلُ : السَّنة ، اعتباراً بانقلابها ودوران الشمس في مطالعها ومغاربها ، قال الله تعالى : وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ « البقرة : 233 »
وقوله عز وجل : مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ « البقرة : 240 » ومنه : حَالَتِ السنة تَحُولُ ، وحَالَتِ الدار : تغيرت ، وأَحَالَتْ وأَحْوَلَتْ : أتى عليها الحول ، نحو : أعامت وأشهرت . وأَحَال فلان بمكان كذا : أقام به حولاً ، وحَالَتِ الناقة تَحُولُ حِيَالًا : إذا لم تحمل ، وذلك لتغيُّر ما جرت به عادتها .
والحالُ : لما يختصُّ به الإنسان وغيره من أموره المتغيرة في
--------------------------- 270 ---------------------------
نفسه وجسمه وقنيته .
والحَوْل : ما له من القوة في أحد هذه الأصول الثلاثة ، ومنه قيل : لا حول ولا قوة إلا بالله .
وحَوْلُ الشئ : جانبه الذي يمكنه أن يحول إليه قال عز وجل : الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ « غافر : 7 » .
والحِيلَة والحُوَيْلَة : ما يتوصل به إلى حالة ما في خفية . وأكثر استعمالها فيما في تعاطيه خبث ، وقد تستعمل فيما فيه حكمة ، ولهذا قيل في وصف الله عز وجل : وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ « الرعد : 13 » أي الوصول في خفية من الناس إلى ما فيه حكمة ، وعلى هذا النحو وصف بالمكر والكيد لا على الوجه المذموم ، تعالى الله عن القبيح .
والحيلة : من الحول ولكن قلبت واوها ياء لانكسار ما قبلها ، ومنه قيل : رجل حُوَلٌ .
وأما المَحَال : فهو ما جمع فيه بين المتناقضين ، وذلك يوجد في المقال نحو أن يقال : جسم واحد في مكانين في حالة واحدة . واستحال الشئ : صار محالاً ، فهو مُسْتَحِيل . أي آخذٌ في أن يصير محالاً .
والحِوَلَاء : لما يخرج مع الولد . ولا أفعل كذا ما أرزمت أمُّ حائل ، وهي الأنثى من أولاد الناقة إذا تحولت عن حال الاشتباه فبانَ أنها أنثى ، ويقال للذكر بإزائها سَقَب .
والحال : تستعمل في اللغة للصِّفة التي عليها الموصوف ، وفي تعارف أهل المنطق لكيفية سريعة الزوال ، نحو : حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة عارضة .
ملاحظات
1 . جعل الراغب أصل الحول تغير الشئ وانفصاله عن غيره ، وجعله الخليل بمعنى السنة « 3 / 297 » وجعله ابن فارس « 2 / 121 » التحرك في دوران . وبعض فروعه يمكن إرجاعها إلى ما ذكروا ، وبعضها لا يمكن .
2 . استعمل القرآن المادة بمعنى الحيلولة في ثلاث آيات : وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ . يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ . . وَحِيلَ بَيْنَهُمْ . واستعمل الحول بمعنى السنة : يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ . والبدل : لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً .
والحيلة بمعنى المخرج : لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً .
واستعمل التحويل بمعنى التغيير .
واستعمل حوله ، وحولهم ، وحولك ، وحولكم ، وحولها ، بمعنى مايحيط به ، ويقرب منه .
حِينٌ
الحِينُ : وقت بلوغ الشئ وحصوله ، وهو مبهم المعنى ويتخصص بالمضاف إليه نحو قوله تعالى : وَلاتَ حِينَ مَناصٍ . « ص : 3 » . ومَنْ قال حينٌ يأتي على أوجه : للأجل ، نحو : فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ « الصافات : 148 » وللسَّنَة ، نحو قوله تعالى : تُؤْتِي أُكُلَها كل حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها « إبراهيم : 25 » . وللساعة نحو : حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ « الروم : 17 » . وللزمان المطلق ، نحو : هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ « الدهر : 1 » وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ « ص : 88 » ، فإنما فسر ذلك بحسب ما وجده قد عُلِّقَ به .
ويقال : عاملته مُحَايَنَةً حيناً وحيناً . وأَحْيَنْتُ بالمكان : أقمت به حيناً . وحَانَ حِينُ كذا ، أي قرب أوانه . وحَيَّنْتُ الشئ : جعلت له حيناً . والحِينُ : عُبِّر به عن حين الموت .
حَيِيَ
الحياة : تستعمل على أوجه ، الأول : للقوة النامية الموجودة في النبات والحيوان ، ومنه قيل : نبات حَيٌّ ، قال عز وجل : إعْلَمُوا أن الله يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها « الحديد : 17 » .
وقال تعالى : وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً « ق : 11 » وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كل شَئ حَيٍّ « الأنبياء : 30 » .
الثانية : للقوة الحساسة ، وبه سمي الحيوان حيواناً ، قال
--------------------------- 271 ---------------------------
عز وجل : وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ « فاطر : 22 » وقوله تعالى : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً « المرسلات : 25 » وقوله تعالى : إن الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إنهُ عَلى كل شَئ قَدِيرٌ « فصلت : 39 » . فقوله : إن الَّذِي أَحْياها ، إشارة إلى القوة النامية ، وقوله : لَمُحْيِ الْمَوْتى ، إشارة إلى القوّة الحسّاسة .
الثالثة : للقوة العاملة العاقلة كقوله تعالى : أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ « الأنعام : 122 » وقول الشاعر :
وقد أسْمَعْتَ لو نَادَيْتَ حَيّاً
ولكنْ لا حَيَاةَ لمن تُنَادِي
والرابعة : عبارة عن ارتفاع الغم ، وبهذا النظر قال الشاعر : ليس من ماتَ فاستراحَ بِمَيْتٍ
إنما الميْتُ مَيِّتُ الأحياءِ
وعلى هذا قوله عز وجل : وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ « آل عمران : 169 » أي هم متلذذون ، لما روي في الأخبار الكثيرة في أرواح الشهداء .
والخامسة : الحياة الأخروية الأبدية ، وذلك يتوصل إليه بالحياة التي هي العقل والعلم ، قال الله تعالى : اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ « الأنفال : 24 » وقوله : يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي « الفجر : 24 » يعني بها : الحياة الأخروية الدائمة .
والسادسة : الحياة التي يوصف بها الباري ، فإنه إذا قيل فيه تعالى : هو حيٌّ فمعناه : لا يصح عليه الموت ، وليس ذلك إل الله عز وجل .
والحياة باعتبار الدنيا والآخرة ضربان :
الحياة الدنيا ، والحياة الآخرة : قال عز وجل : فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا « النازعات : 38 » وقال عز وجل : اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ « البقرة : 86 » وقال تعالى : وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ « الرعد : 26 » أي الأعراض الدنيوية . وقال : وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَإنوا بِها « يونس : 7 » .
وقوله تعالى : وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ « البقرة : 96 » أي حياة الدنيا .
وقوله عز وجل : وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى « البقرة : 260 » كان يطلب أن يريه الحياة الأخروية المُعَرَّاة عن شوائب الآفات الدنيوية .
وقوله عز وجل : وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ « البقرة : 179 » أي يرتدع بالقصاص من يريد الإقدام على القتل ، فيكون في ذلك حياة الناس .
وقال عز وجل : وَمَنْ أَحْياها فَكَأنما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً « المائدة : 32 » أي من نجاها من الهلاك . وعلى هذا قوله مخبراً عن إبراهيم : رَبيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ « البقرة : 258 » أي أعفو فيكون إحياء .
والحَيَوَانُ : مَقَرُّ الحياة ، ويقال على ضربين ، أحدهما : ما له الحاسة ، والثاني : ما له البقاء الأبدي ، وهو المذكور في قوله عز وجل : وَإن الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ « العنكبوت : 64 » .
وقد نبه بقوله : لَهِيَ الْحَيَوانُ [ على ] أن الحيوان الحقيقي السَّرمدي الذي لا يفنى ، لا ما يبقى مدة ثم يفنى . وقال بعض أهل اللغة : الحَيَوَان والحياة واحد . وقيل : الحَيَوَان ما فيه الحياة . والموَتان : ما ليس فيه الحياة .
والحَيَا : المطر ، لأنه يحيي الأرض بعد موتها ، وإلى هذا أشار بقوله تعالى : وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كل شَئ حَيٍّ « الأنبياء : 30 » .
وقوله تعالى : إنا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى « مريم : 7 » فقد نبه [ على ] أنه سماه بذلك من حيث إنه لم تُمته الذنوب ، كما أماتت كثيراً من ولد آدم عليه السلام ، لا أنه كان يعرف بذلك فقط ، فإن هذا قليل الفائدة .
--------------------------- 272 ---------------------------
وقوله عز وجل : يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْميتِ وَيُخْرِجُ الْميتَ مِنَ الْحَيِّ « يونس : 31 » أي يخرج الإنسان من النطفة ، والدجاجة من البيضة ، ويخرج النبات من الأرض ، ويخرج النطفة من الإنسان .
وقوله عز وجل : وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها « النساء : 86 » وقوله تعالى : فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ الله « النور : 61 »
فَالتحِيَّة أن يقال : حَيَّاكَ الله ، أي جعل لك حياة ، وذلك إخبار ، ثم يجعل دعاء .
ويقال : حَيَّا فلان فلاناً تَحِيَّة إذا قال له ذلك ، وأصل التحية من الحياة ، ثم جعل ذلك دعاء تحية ، لكون جميعه غير خارج عن حصول الحياة ، أو سبب حياة إما في الدنيا وإما في الآخرة . ومنه : التحيَّاتلله .
وقوله عز وجل : وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ « البقرة : 49 » أي يستبقونهن . والحَياءُ : انقباض النفس عن القبائح وتركه ، لذلك يقال : حَيِيَ فهو حَيِيٌّ . واستحيا فهو مُسْتَحْيٍ ، وقيل استَحَى فهو مستحٍ ، قال الله تعالى : إن الله لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها « البقرة : 26 » وقال عز وجل : والله لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحق « الأحزاب : 53 »
وروي : إن الله تعالى يستحي من ذي الشيبة المسلم أن يعذبه ، فليس يراد به انقباض النفس إذ هو تعالى منزهٌ عن الوصف بذلك ، وإنما المراد به ترك تعذيبه . وعلى هذا ما روي : إن الله حَيِيٌّ أي تاركٌ للقبائح فاعل للمحاسن .
ملاحظات
استعمل القرآن مادة الحياة والموت في معان أخرى سوى ما ذكره الراغب :
منها حياة المؤمن وموت الكافر ، قال تعالى : أَوَ مَنْ كَأن مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا « الأنعام : 122 » .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُو الله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ . « الأنفال : 24 » .
ومنها حيوية يحيي عليه السلام : يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَميا . « مريم : 7 » .
وقوله تعالى : مِنْ قَبْلُ ، يدل على وجود سميٍّ له بعده . وهو الحسين عليه السلام . كما نصت الرواية .
واستحياء النساء وقتل الرجال : إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ . « إبراهيم : 6 » .
وحياة الرجعة في الدنيا : قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا . « غافر : 11 » .
وأنواع الحياة بعد الموت : وَلاتَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ « آل عمران : 169 » .
ونوع الحياة في الآخرة : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ . « الأعراف : 32 » .
وبعض أهل النار الذين لا يموتون ولا يحيون : الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى . ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى . « الأعراف : 12 » .
هذا ، وقد فسر الراغب عدداً من الآيات على طريقته ، ولا نطيل بذكر الإشكال فيها .
حَوَايَا
الحَوَايَا : جمع حَوِيَّة ، وهي الأمعاء ويقال للكساء الذي يلفُّ به السَّنام حويَّة ، وأصله من حَوَيْتُ كذا حَيّاً وحَوَايَةً . قال الله تعالى : أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ « الأنعام : 146 » .
وقوله عز وجل : فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى « الأعلى : 5 » أي شديد السواد وذلك إشارة إلى الدُّرَيْن « النبات اليابس » نحو :
--------------------------- 273 ---------------------------
وطال حبسٌ بالدُّرَيْنِ الأسودِ
وقيل تقديره : والذي أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء .
والحُوَّة : شدة الخضرة . وقد احْوَوَى يَحْوَوِي احْوِوَاءً ، نحو ارعوى ، وقيل ليس لهما نظير . وحَوَى حُوَّةً ومنه : أَحْوَى وحَوَّاء .
ملاحظات
وردت الحوايا في القرآن مرة واحدة : حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا .
قال ابن منظور « 14 / 209 » : « حاوِيَةٌ وحَوايا : مثل زاوية وزَوايا ، ومنهم من يقول حَوِيَّة وحَوايا . وحاوِية البَطْنِ وحاوِياءُ البطن ، كله بمعنى . وأَنشد ابن بري لعليٍّ كرم الله وجهه : أضْرِبُهم ولا أَرى مُعاويَهْ
الجاحِظَ العَينِ العَظيمَ الحاوِيَه »
وورد الأحوى في قوله تعالى : وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى . فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى « الأعلى : 4 » وقال أكثرهم : جعله هشيماً يابساً أسود ، ولا يصح ذلك ، بل الأحوى الجامع لأنواع النبات والخضرة ، والغُثاء : الطري اللين ، بدليل أن الله تعالى وصف به المرعى الذي أخرجه الله ، ولو كان وصفاً له بعد يبسه لقال : ثم جعله غثاء .
وقد أخطأ الزركشي فقال في البرهان « 3 / 380 » : « فجعله غثاء أحوى ، أي أحوى غثاء ، أي أخضر يميل إلى السواد ، والموجب لتأخير أحوى رعاية الفواصل » !
وليس في كلامه تعالى تأخير وتقديم من أجل القافية !
تم كتاب الحاء
--------------------------- 274 ---------------------------
كتاب الخاء وما يتصل بها
خَبَتَ
الخَبْتُ : المطمئن من الأرض . وأَخْبَتَ الرجل : قصد الخبت أو نزله ، نحو : أسهل وأنجد .
ثم استعمل الإخبات استعمال اللين والتواضع قال الله تعالى : وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ « هود : 23 » وقال تعالى : وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ « الحج : 34 » أي المتواضعين ، نحو : لايَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ « الأعراف : 206 » . وقوله تعالى : فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ « الحج : 54 » أي تلين وتخشع .
والإخبات هاهنا قريب من الهبوط في قوله تعالى : وَإن مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله « البقرة : 74 » .
ملاحظات
ليت الراغب ترك التكلف وأخذ المادة من الخليل أو الجوهري أو ابن فارس ، الذي قال « 2 / 238 » : « أصل واحد يدل على خشوع . يقال أخبت يخبت إخباتاً إذا خشع . وأصله من الخبت وهو المفازة لا نبات بها » .
أو أخذ معنى المخبتين من الآية : وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ . الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِى الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . « الحج : 35 » .
فالإخبات مصطلح إسلامي يعني أن شخصية صاحبه كالأرض المبسوطة الخاشعة . ولاداعي لجعله كالهبوط !
خَبَثَ
الخُبْثُ والخَبِيثُ : ما يُكرهُ رَدَاءَةً وخَسَاسَةً ، محسوساً كان أو معقولاً ، وأصله الردئ الدَّخَلَة الجاري مجرى خَبَثِ الحديد ، كما قال الشاعر : سبكناهُ ونَحْسَبُهُ لجُيْناً
فأبدى الكِيرُ عن خَبَثِ الحديدِ
وذلك يتناول الباطل في الإعتقاد ، والكذب في المقال ، والقبيح في الفعال ، قال عز وجل : وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ « الأعراف : 157 »
--------------------------- 275 ---------------------------
أي ما لا يوافق النفس من المحظورات ، وقوله تعالى : وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ « الأنبياء : 74 » فكناية عن إتيان الرجال .
وقال تعالى : ما كانَ الله لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطيِّبِ « آل عمران : 179 » أي الأعمال الخبيثة من الأعمال الصالحة ، والنفوس الخبيثة من النفوس الزكية .
وقال تعالى : وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطيِّبِ « النساء : 2 » أي الحرام بالحلال .
وقال تعالى : الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ « النور : 26 » أي الأفعال الردية والاختيارات المبهرجة لأمثالها ، وكذا : الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ .
وقال تعالى : قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطيِّبُ « المائدة : 100 » أي الكافر والمؤمن ، والأعمال الفاسدة والأعمال الصالحة .
وقوله تعالى : وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ « إبراهيم : 26 » فإشارة إلى كل كلمة قبيحة من كفر وكذب ونميمة وغير ذلك . وقال صلى الله عليه وآله : المؤمن أطيب من عمله ، والكافر أخبث من عمله . ويقال : خبيث مُخْبِث ، أي فاعل الخُبْث .
ملاحظات
الشجرة الطيبة : هي النبي وآله صلى الله عليه وآله ، والشجرة الخبيثة أعداؤهم . قال الإمام الباقر عليه السلام : « هذا مثل ضربه الله لأهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله ولمن عاداهم » . « تفسير العياشي : 2 / 22 » . وقد حاول المفسرون الرسميون إبعاد الكلمة الخبيثة والشجرة الخبيثة عن أعداء أهل البيت عليهم السلام فقالوا إنها الحنظل أو الطحلب الذي يلتف على الشجر ، وقالوا شجرة الثوم ، وشجرة الشوك ، والكمأة ، وكل شجرة لا يطيب ثمرها . وكلها ظنون ، بلأهواء .
خَبَرَ
الخُبْرُ : العلم بالأشياء المعلومة من جهة الخَبَر ، وخَبَرْتُهُ خُبْراً وخِبْرَة . وأَخْبَرْتُ : أعلمتُ بما حصل لي من الخبر . وقيل الخِبْرَة المعرفة ببواطن الأمر .
والخَبَار والخَبْرَاء : الأرض اللَّيِّنة ، وقد يقال ذلك لما فيها من الشجر . والمخابرة : مزارعة الخبار بشئ معلوم . والخَبِيرُ : الأكار فيه . والخَبْر : المزادة العظيمة ، وشبهت بها الناقة فسميت خبراً .
وقوله تعالى : والله خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ « آل عمران : 153 » أي عالم بأخبار أعمالكم ، وقيل أي عالم ببواطن أموركم . وقيل خبير بمعنى مخبر ، كقوله : فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ « المائدة : 105 » وقال تعالى : وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ « محمد : 31 » قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبارِكُمْ « التوبة : 94 » أي من أحوالكم التي نخبر عنها .
خَبَزَ
الخُبْز : معروف ، قال الله تعالى : أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً « يوسف : 36 » .
والخُبْزَة : ما يجعل في المَلَّة « كالتنور » والخَبْزُ : اتخاذه . واختبزتُ : إذا أمرت بخبزه . والخِبَازَة : صَنْعَتُه .
واستعير الخَبْز للسَّوْق الشديد ، لتشبيه هيئة السائق بالخابز .
خَبَطَ
الخَبْط : الضرب على غير استواء ، كخبط البعير الأرض بيده ، والرجل الشجرَ بعصاه . ويقال للمخبوط : خَبْطٌ ، كما يقال للمضروب : ضَرْبٌ . واستعير لعسف السلطان فقيل : سلطان خَبُوط .
واختباط المعروف : طلبه بعسف ، تشبيهاً بخبط الورق ، وقوله تعالى : يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمسِّ . « البقرة : 275 » .
خَبَلَ
الخَبَالُ : الفساد الذي يلحق الحيوان فيورثه اضطراباً ، كالجنون والمرض المؤثر في العقل والفكر ، ويقال : خَبَلٌ
--------------------------- 276 ---------------------------
وخَبْلٌ وخَبَال ، ويقال : خَبَلَهُ وخَبَّلَهُ فهو خَابِل ، والجمع الخُبَّل ، ورجل مُخَبَّل . قال الله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا « آل عمران : 118 »
وقال عز وجل : ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا « التوبة : 47 » .
وفي الحديث : من شرب الخمر ثلاثاً كان حقاً على الله تعالى أن يسقيه من طينة الخبال . قال زهير :
هنالكَ إن يُسْتَخْبَلُوا المالَ يُخبلوا
أي إن طلب منهم إفساد شئ من إبلهم ، أفسدوه .
خَبَوَ
خَبَتِ النار تَخْبُو : سكن لهبها ، وصار عليها خِباء من رماد ، أي غِشاء . وأصل الخِبَاء : الغطاء الذي يتغطى به ، وقيل لغشاء السنبلة خِباء ، قال عز وجل : كلما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً . « الإسراء : 97 » .
خَبَأَ
يُخْرِجُ الْخَبْءَ « النمل : 25 » يقال ذلك لكل مُدَّخَر مستور ، ومنه قيل : جاريةٌ مُخْبَأَة . والخُبْأة : الجارية التي تظهر مرة وتُخَبّأ أخرى . والخِبَاءُ : سِمَةٌ في موضع خَفِيٍّ ( في الحيوان ) .
خَتَرَ
الخَتْرُ : غدر يَخْتِرُ فيه الإنسان ، أي يضعف ويُكسر لاجتهاده فيه . قال الله تعالى : كل خَتَّارٍ كَفُورٍ « لقمان : 32 » .
ملاحظات
قال ابن فارس « 2 / 244 » : « الختر : وهو الغدر ، وذلك أنه إذا ختر فقد قعد عن الوفاء . والختار : الغدار ، قال الله تعالى : وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ » . وقال الخليل « 4 / 236 » : « الخَتْرُ : شبه الغدر ، ورجل خَتَّار : غدار » .
خَتَمَ
الخَتْمُ والطَّبْع : يقال على وجهين : مصدر خَتَمْتُ وطبعت ، وهو تأثير الشئ كنقش الخاتم والطابع . والثاني : الأثر الحاصل عن النقش ، ويتجوز بذلك تارةً في الاستيثاق من الشئ والمنع منه ، اعتباراً بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والأبواب نحو : خَتَمَ الله عَلى قُلُوبِهِمْ « البقرة : 7 » وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ « الجاثية : 23 » .
وتارةً في تحصيل أثر عن شئ ، اعتباراً بالنقش الحاصل . وتارةً يُعتبر منه بلوغ الآخر ، ومنه قيل : ختمت القرآن ، أي انتهيت إلى آخره .
فقوله : خَتَمَ الله عَلى قُلُوبِهِمْ « البقرة : 7 » وقوله تعالى : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ « الأنعام : 46 » إشارةٌ إلى ما أجرى الله به العادة أن الإنسان إذا تناهى في اعتقاد باطل أو ارتكاب محظور ، ولا يكون منه تلفتٌ بوجه إلى الحق ، يورثه ذلك هيئة تمرنه على استحسان المعاصي ، وكأنما يختم بذلك على قلبه ، وعلى ذلك : أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ الله عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ « النحل : 108 » .
وعلى هذا النحو استعارة الإغفال في قوله عز وجل : وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا « الكهف : 28 » .
واستعارة الكَن في قوله تعالى : وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ . « الأنعام : 25 » .
واستعارة القساوة في قوله تعالى : وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً « المائدة : 13 » قال الجبَّائي : يجعل الله ختماً على قلوب الكفار ، ليكون دلالة للملائكة على كفرهم فلا يدعون لهم . وليس ذلك بشئ ، فإن هذه الكتابة إن كانت محسوسة فمن حقها أن يدركها أصحاب التشريح ، وإن كانت معقولة غير محسوسة فالملائكة باطلاعهم على اعتقاداتهم مستغنية عن الإستدلال .
وقال بعضهم : خَتْمُهُ شهادته تعالى عليه أنه لا يؤمن ، وقوله تعالى : الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ « طس : 65 » أي نمنعهم من الكلام . وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ « الأحزاب : 40 » لأنه خَتَمَ
--------------------------- 277 ---------------------------
النبوة ، أي تممها بمجيئه .
وقوله عز وجل : خِتامُهُ مِسْكٌ « المطففين : 26 » قيل : ما يختم به أي يطبع ، وإنما معناه : منقطعة وخاتمة شربه ، أي سؤره في الطيب مسك . وقول من قال يختم بالمسك أي يطبع ، فليس بشئ ، لأن الشراب يجب أن يطيب في نفسه ، فأما ختمه بالطيب فليس مما يفيده ، ولا ينفعه طيب خاتمه ما لم يطب في نفسه .
ملاحظات
قال الخليل « 4 / 241 » : « الخاتم : ما يوضع على الطينة ، إسمٌ مثل العالِم ، والختام : الطين الذي يختم به على كتاب . وخاتمة السورة : آخرها . وخاتم العمل وكل شئ : آخره . وختمت زرعي : إذا سقيته أول سَقْيَة » .
وقال ابن فارس « 2 / 245 » : « ويقال الخاتم والخاتام والخيتام . قال الله تعالى : ختامه مسك ، أي إن آخر ما يجدونه منه عند شربهم إياه رائحة المسك » .
خَدَّ
قال الله تعالى : قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ « البروج : 4 » .
الخَدُّ والأخدود : شقٌّ في الأرض مستطيل غائص ، وجمع الأخدود أَخَادِيد ، وأصل ذلك من خَدَّيِ الإنسان ، وهما : ما اكتنفا الأنف عن اليمين والشمال . والخَدُّ : يستعار للأرض ولغيرها ، كاستعارة الوجه . وتَخَدُّدُ اللحمِ : زواله عن وجه الجسم ، يقال : خَدَّدْتُهُ فَتَخَدَّدَ .
ملاحظات
قال الخليل « 4 / 138 » : « المخدة : المصدغة ، واشتقاقهما من الخد والصدغ وهو من لدن المحجر إلى اللِّحْيِ من الجانبين . والخَدُّ : جعلك أخدوداً في الأرض ، تحفره مستطيلاً ، يقال خدَّه خداً » .
وقال ابن منظور « 3 / 161 » : « كان أَصحاب الأُخدود خَدُّوا في الأَرض أَخاديدَ وأَوقدوا عليها النيران حتى حميت ، ثم عرضوا الكفر على الناس فمن امتنع أَلقَوْه فيها » .
خَدَعَ
الخِدَاع : إنزال الغير عما هو بصدده ، بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه . قال تعالى : يُخادِعُونَ الله « البقرة : 9 » أي يخادعون رسوله وأولياءه ، ونسب ذلك إلى الله تعالى من حيث أن معاملة الرسول كمعاملته ، ولذلك قال تعالى : إن الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إنما يُبايِعُونَ الله « الفتح : 10 » . وجعل ذلك خداعاً تفظيعاً لفعلهم وتنبيهاً على عظم الرسول وعظم أوليائه . وقول أهل اللغة : إن هذا على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، فيجب أن يعلم أن المقصود بمثله في الحذف لا يحصل لو أتى بالمضاف المحذوف ، لما ذكرنا من التنبيه على أمرين ، أحدهما : فظاعة فعلهم فيما تَحَرَّوْهُ من الخديعة ، وأنهم بمخادعتهم إياه يخادعون الله . والثاني : التنبيه على عظم المقصود بالخداع ، وأن معاملته كمعاملة الله ، كما نبه عليه بقوله تعالى : إن الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ . الآية . « الفتح : 10 » .
وقوله تعالى : وَهُوَ خادِعُهُمْ « النساء : 142 » قيل معناه : مجازيهم بالخداع ، وقيل على وجه آخر مذكور في قوله تعالى : وَمَكَرُوا وَمَكَرَ الله « آل عمران : 54 » .
وقيل : خَدَعَ الضَّبُّ أي استتر في جحره ، واستعمال ذلك في الضب أنه يُعِدَّ عقرباً تلدغ من يدخل يديه في جحره ، حتى قيل : العقرب بواب الضب وحاجبه ، ولاعتقاد الخديعة فيه قيل : أَخْدَعُ من ضب .
وطريق خَادِع وخَيْدَع : مضل ، كأنه يخدع سالكه . والمَخْدَع : بيت في بيت ، كأن بانيه جعله خادعاً لمن رام تناول ما فيه . وخَدَعَ الريق : إذا قلَّ ، متصوَّراً منه هذا المعنى .
والأَخْدَعَان : « عرقان في العنق » تُصُوِّر منهما الخداع لاستتارهما تارة ، وظهورهما تارة .
--------------------------- 278 ---------------------------
يقال : خَدَعْتُهُ : قطعت أَخْدَعَهُ . وفي الحديث : بين يدي الساعة سنون خَدَّاعَة أي محتالة لتلونها بالجدب مرة وبالخصب مرة .
ملاحظات
1 . تعريف الراغب للخداع ضعيف ، لكن تفسيره لمخادعة الكفارلله تعالى ، قوي .
قال ابن فارس « 2 / 161 » : « أصل واحد ذكر الخليل قياسه . قال الخليل : الإخداع إخفاء الشئ ، قال وبذلك سميت الخزانة المخدع ، وعلى هذا الذي ذكر الخليل يجري الباب ، فمنه خدعت الرجل ختلته ، ومنه الحرب خُدْعَة وخِدْعَة ، ويقال خدع الريق في الفم وذلك أنه يخفى في الحلق ويغيب » .
وقال الخليل « 1 / 115 » : « والخُدعة المرة الواحدة . والانخداع الرضا بالخدع . والتخادع : التشبه بالمخدوع . والخَدَعَة : الرجل المخدوع » .
2 . استعمل القرآن مادة خدع في ثلاث آيات :
قال تعالى : وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ الله . . إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ . . يُخَادِعُونَ الله وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ .
فهم يريدون أن يخدعوا النبي صلى الله عليه وآله وهم يخادعون الله تعالى ، أي يقومون بما يرونه خداعاً وينتظرون الرد ، ويأملون أن يكون عملهم أقوى .
خَدَنَ
قال الله تعالى : وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ « النساء : 25 » جمع خِدْن أي المصاحب . وأكثر ذلك يستعمل فيمن يصاحب بشهوة يقال : خِدْنُ المرأة وخَدِينُهَا ، وقول الشاعر : خدين العُلى ، فاستعارةً كقولهم : يعشق العُلى ، ويشبب بالندى ، وينسب بالمكارم .
خَذَلَ
قال تعالى : وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا « الفرقان : 29 » أي كثير الخذلان . والخِذْلَان : ترك من يظن به أن ينصره نصرته ، ولذلك قيل خَذَلَتِ الوحشية ولدها ، وتَخَاذَلَت رِجْلَا فلان ، ومنه قول الأعشى :
بين مغلوبٍ تَلِيلٍ خدُّه
وخَذُولٍ الرِّجْلِ من غير كُسَحْ
ورَجُلٌ خُذَلَة : كثيراً ما يَخْذُل .
خُذْ
قال الله تعالى : فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ « الأعراف : 144 » وخُذُوهُ أصله من : أخذ ، وقد تقدم .
خَرَّ
فَكَأنما خَرَّ مِنَ السَّماءِ « الحج : 31 » وقال تعالى : فَلما خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ « سبأ : 14 » وقال تعالى : فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ « النحل : 26 » فمعنى خَرَّ سقط سقوطاً يسمع منه خرير . والخَرِير : يقال لصوت الماء والريح وغير ذلك مما يسقط من علو . وقوله تعالى : خَرُّوا سُجَّداً « السجدة : 15 » فاستعمال الخَرِّ تنبيهٌ على اجتماع أمرين : السقوط ، وحصول الصوت منهم بالتسبيح .
وقوله من بعده : وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ « السجدة : 15 » فتنبيهٌ [ على ] أن ذلك الخرير كان تسبيحاً بحمد الله لابشئ آخر .
ملاحظات
أجمع اللغويون على أن معنى خرَّ : سقط . وعلى أن الخرير صوت الماء وشبهه . وقد تكلف الراغب فجعل معنى خَرَّ : سقط سقوطاً يسمع منه خرير ، ثم جعل معنى خرير الملائكة سقوطاً ومعه التسبيح . وهي إضافات إلى المعنى من عنده ! فالخرير في العشر آيات بمعنى مجرد السقوط ، أما شكل السقوط ، وهل
--------------------------- 279 ---------------------------
يرافقه صوت أو تسبيح ، فيدل عليه لفظ آخر .
خَرِبَ
يقال : خَرِبَ المكان خَرَاباً ، وهو ضد العمارة ، قال الله تعالى : وَسَعى فِي خَرابِها « البقرة : 114 » وقد أَخْرَبَه وخَرَّبَهُ ، قال الله تعالى : يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ « الحشر : 2 » فتخريبهم بأيديهم إنما كان لئلّا تبقى للنبي صلى الله عليه وآله وأصحابه . وقيل كان بإجلائهم عنها .
والخُرْبَة : شقٌّ واسع في الأذن ، تَصَوُّراً أنه قد خرب أذنه ، ويقال : رجل أَخْرَب وامرأة خَرْبَاء ، نحو أقطع وقطعاء .
ثم شبه به الخرق في أذن المزادة ، فقيل خَرِبَة المزادة ، واستعارة ذلك كاستعارة الأذن له ، وجعل الخارب مختصاً بسارق الإبل .
والخَرْب : ذكر الحبارى وجمعه خِرْبَان ، قال الشاعر :
أَبْصَرَخِرْبَانٌ فضاءً فانْكَدَرْ
ملاحظات
1 . لم تذكر مادة الخراب إلا في الآيتين اللتين ذكرهما الراغب ، بمعنى الخراب من العمران ويشمل الخراب المادي والمعنوي . وتستعمل في فقدان العمران المعنوي كما في حديث النبي صلى الله عليه وآله : « أربعٌ ، لا تدخل بيتاً واحدة منهن إلا خرب ولم يعمر بالبركة : الخيانة ، والسرقة ، وشرب الخمر ، والزنا » . « أمالي الصدوق / 482 » .
وحديث علي عليه السلام : « يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه ، مساجدهم يومئذ عامرة من البُنى خراب من الهُدى ، سكانها وعمارها شر أهل الأرض » . « نهج البلاغة : 4 / 87 » .
2 . تدل استعمالات المادة على أصالتها في الخراب من العمران ، وهذا يضعف قول ابن فارس « 2 / 174 » : « أصل يدل على التثلم والتثقب » . فلا موجب للإستعارة من ثقب الأذن ومزادة الراعي ، ولا ربط بينها .
خَرَجَ
خَرَجَ خُرُوجاً : برز من مقره أو حاله ، سواء كان مقره داراً أو بلداً أو ثوباً ، وسواء كان حاله حالةً في نفسه ، أو في أسبابه الخارجة . قال تعالى : فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ « القصص : 21 » وقال تعالى : فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ « الأعراف : 13 » وقال : وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها « فصلت : 47 » فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ « غافر : 11 » يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها « المائدة : 37 » .
والإِخْرَاجُ أكثر ما يقال في الأعيان ، نحو : إنكُمْ مُخْرَجُونَ « المؤمنون : 35 » وقال عز وجل : كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحق « الأنفال : 5 » وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً « الإسراء : 13 » وقال تعالى : أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ « الأنعام : 93 » وقال : أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ « النمل : 56 » .
ويقال في التكوين الذي هو من فعل الله تعالى : والله أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ « النحل : 78 » فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى « طه : 53 » وقال تعالى : يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ « الزمر : 21 » .
والتخْرِيجُ : أكثر ما يقال في العلوم والصناعات . وقيل لما يخرج من الأرض ومن وكر الحيوان ونحو ذلك : خَرْج وخَرَاج ، قال الله تعالى : أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ « المؤمنون : 72 » فإضافته إلى الله تعالى تنبيه [ على ] أنه هو الذي ألزمه وأوجبه .
والخَرْج : أعم من الخراج ، وجعل الخرج بإزاء الدخل ، وقال تعالى : فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً « الكهف : 94 » .
والخراج : مختص في الغالب بالضريبة على الأرض . وقيل : العبد يؤدي خرجه أي غلته ، والرعية تؤدي إلى الأمير الخراج .
والخَرْج أيضاً : من السحاب وجمعه خُرُوج ، وقيل :
--------------------------- 280 ---------------------------
الخراج بالضمان ، أي ما يخرج من مال البائع فهو بإزاء ما سقط عنه من ضمان المبيع .
والخارجي : الذي يخرج بذاته عن أحوال أقرانه ، ويقال ذلك تارة على سبيل المدح إذا خرج إلى منزلة من هو أعلى منه . وتارة يقال على سبيل الذم إذا خرج إلى منزلة من هو أدنى منه ، وعلى هذا يقال : فلان ليس بإنسان ، تارة على المدح كما قال الشاعر :
فلستُ بِإنْسِيٍّ ولكنْ كَمَلْأَكٍ
تَنَزَّلَ من جَوِّ السماءِ يُصَوَّبُ
وتارة على الذم نحو : إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ « الفرقان : 44 »
والخَرَج : لونان من بياض وسواد ، ويقال : ظليمٌ أَخْرَجُ ، ونعامةٌ خَرْجَاء . وأرضٌ مُخَرَّجَة : ذات لونين ، لكون النبات منها في مكان دون مكان .
والخَوَارِج : لكونهم خارجين عن طاعة الإمام .
ملاحظات
عرَّف الراغب الخروج بأنه البروز من المقر . والتقسيمات التي ذكرها لموارده لا بأس بها ، وإن كانت لا تخلو من إشكال . وعرفه الخليل بأنه : نقيض الدخول . « 4 / 158 » . وجعله ابن فارس أصلين : النفاذ عن الشئ ، واختلاف لونين . « 2 / 175 » .
وهي تعريفات تقريبيةغير جامعة ، لأن خَرَجَ استعملت في الخروج المادي والمعنوي ، كقوله تعالى : وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ .
وللظهور مقابل الظلمة : وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا .
ولخروج الحي والميت : وَتُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْميتِ وَتُخْرِجُ الْميتَ مِنَ الْحَىِّ .
ولخروج الزينة من مصادرها : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ .
ولكشف النوايا السيئة : وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ .
ولخروج الكلمة من الفم : كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ .
ولخروج الشجرة من منبتها : وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ .
ولخروج الثمرة من كُمِّها : وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا .
خَرَصَ
الخَرْص : حزر الثمرة . والخَرْص المحزور ، كالنقض للمنقوض . وقيل الخَرْص الكذب في قوله تعالى : إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ « الزخرف : 20 » قيل معناه يكذبون .
وقوله تعالى : قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ « الذاريات : 10 » قيل : لُعِن الكذابون . وحقيقة ذلك : أن كل قول مقول عن ظن وتخمين يقال له : خَرْصٌ ، سواء كان مطابقاً للشئ أو مخالفاً له ، من حيث إن صاحبه لم يقله عن علم ولاغلبة ظن ولاسماع ، بل اعتمد فيه على الظن والتخمين كفعل الخارص في خرصه .
وكل من قال قولاً على هذا النحو قد يسمى كاذباً ، وإن كان قوله مطابقاً للمقول المخبر عنه . كما حكي عن المنافقين في قوله عز وجل : إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إنكَ لَرَسُولُ الله والله يَعْلَمُ إنكَ لَرَسُولُهُ والله يَشْهَدُ إن الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ « المنافقون : 1 » .
ملاحظات
يرى الراغب أن خرص بمعنى ظن ، وأنها قد تستعمل بمعنى كَذِب ، لكن اللغويين ذكروا أن الخرص بمعنى الكذب . قال الخليل « 4 / 183 » : « الخرص : الكذب ، والخراصون : في قوله جل وعز : قتل الخراصون : الكذابون ، ويخرصون يكذبون . والخرص : الحزر في العدد والكيل » .
وقال ابن فارس « 2 / 169 » : « والخراص : الكذاب وهو من هذا ، لأنه يقول ما لا يعلم ولا يحق » .
--------------------------- 281 ---------------------------
وقال ابن منظور « 21 / 24 » : « خرَصَ يَخْرُصُ بالضم خَرْصاً ، وتخَرّصَ : أَي كَذَب . ورجل خَرّاصٌ : كذّابٌ . وفي التنزيل : قُتِل الخرَّاصُون ، قال الزجاج : الكذَّابون » .
وعليه ، تكون خرص بمعنى كذب إلا إذا وجدت قرينة على أنها بمعنى خرص الثمر ونحوه ، أي خَمَّنَه بالظن .
خَرَطَ
قال تعالى : سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ « القلم : 16 » أي نلزمه عاراً لا ينمحي عنه ، كقولهم جدعت أنفه .
والخرطوم : أنف الفيل ، فسمي أنفه خرطوماً استقباحاً له .
ملاحظات
ذكرت مصادر اللغة أن الخرطوم أنف الفيل والذبابة ونحوهما ، وليس فيه دلالة على القبح . ويظهر أن الراغب أضاف القُبح من عنده !
أما وقت هذا الوسم الموعود ، فظاهره أنه في الآخرة ، لكن ورد أنه يكون في الرجعة . ففي تفسير القمي « 2 / 381 » : « سنسمه على الخرطوم : قال : في الرجعة إذا رجع أمير المؤمنين عليه السلام يرجع أعداؤه فيَسِمُهُمْ بِمَيْسَمٍ معه كما توسم البهائم على الخراطيم » .
خَرَقَ
الخَرْقُ : قطع الشئ على سبيل الفساد ، من غير تدبر ولا تفكر ، قال تعالى : أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها « الكهف : 71 » وهو ضد الخَلْق ، فإن الخلق هو فعل الشئ بتقدير ورفق ، والخرق بغير تقدير ، قال تعالى : وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ « الأنعام : 100 » أي حكموا بذلك على سبيل الخرق ، وباعتبار القطع قيل خَرَقَ الثوبَ وخَرَّقَه ، وخَرَقَ المفاوز ، واخْتَرَقَ الريح . وخُصَّ الخَرْق والخريق بالمفاوز الواسعة ، إما لاختراق الريح فيها ، وإما لتخرُّقها في الفلاة . وخُصَّ الخرق بمن ينخرق في السخاء .
وقيل لثقب الأذن إذا توسع خَرْقٌ ، وصبيٌّ أَخْرَقُ وامرأة خَرْقَاء ، مثقوبة الأذن ثقباً واسعاً .
وقوله تعالى : إنكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ « الإسراء : 37 » فيه قولان ، أحدهما : لن تقطع . والآخر : لن تثقب الأرض إلى الجانب الآخر ، اعتباراً بالخرق في الأذن .
وباعتبار ترك التقدير قيل : رجل أَخْرَقُ وخَرِقُ ، وامرأة خَرْقَاء . وشُبِّهَ بها الريح في تعسُّف مرورها فقيل : ريح خرقاء . وروي : ما دخل الخَرق في شئ إلا شانَهُ .
ومن الخرق استعيرت المَخْرَقَة ، وهو إظهار الخرق توصُّلاً إلى حيلة . والمِخْرَاق : شئ يلعب به كأنه يخرق لإظهار الشئ بخلافه .
وخَرِقَ الغزال : إذا لم يحسن أن يعدو لخرقه .
ملاحظات
1 . تبع الراغب ابن فارس « 2 / 172 » فجعل الخَرْق أصلاً واحداً بمعنى القطع للإفساد ، من غير تدبر . مع أن الخَرْق نوع من المَزق وهو أقرب إلى الثقب ، والتخريق كالتمزيق . وتعريفهما له لا يصح لأنه لا يشترط فيه أن يكون تخريباً وإفساداً ، بل قد يكون إصلاحاً عن تدبر ، كالتخريق اللازم في الصناعات .
2 . ليته تبنى قول الخليل المتزن « 4 / 149 » : « خرقت الثوب إذا شققته . وخرقت الأرض إذا قطعتها حتى بلغت أقصاها . وبه سمي الثور مخراقاً .
والإختراق : المرور في الأرض غير طريق عرضاً ، واخترقت دار فلان جعلتها طريقاً لحاجتك .
والخَرق : الشق في حائط أو ثوب ونحوه فهو مخروق .
والإختراق كالإختلاق . وقوله جل وعز : وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ ، بالتخفيف أحسن . والمَخَارق : الأكاذيب . وخرق يخرق فهو أخرق إذا حمق » .
--------------------------- 282 ---------------------------
وقال ابن منظور « 10 / 75 » : « قال الله عز وجل : وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، سُبْحَانَهُ . قال الفراء : معنى خَرقُوا : افْتَعلوا ذلك كذباً وكُفراً . قال أَبو الهيثم : الإِخْتِراقُ والإخْتِلاقُ والإخْتِراصُ والإفْتِراءُ واحد . ويقال : خَلق الكلمة واخْتَلَقها وخَرَقها واخترقها : إذا ابْتدَعها كذباً . والخَرْقُ والخُرْقُ : نَقِيض الرِّفْق ، والخَرَقُ مصدره وصاحبه أَخْرَقُ . وفي الحديث : الرِّفق يُمْن والخُرْقُ شُؤم .
الخُرق بالضم : الجهل والحمق . وفي الحديث : تُعِينُ صانِعاً أَو تَصْنَع لأَخْرَقَ ، أَي لجاهل بما يَجِب أَن يَعْمَله » .
3 . استعمل القرآن هذه المادة في أربع آيات ، مرتين لخرق السفينة ، ومرة لخَرْق بناتلله سبحانه ، ومرة في قوله تعالى : وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً . « الإسراء : 37 » .
خَزَنَ
الخَزْنُ : حفظ الشئ في الخِزَانَة ، ثم يعبر به عن كل حفظ ، كحفظ السِّرِّ ونحوه ، وقوله تعالى : وَإِنْ مِنْ شَئ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ « الحجر : 21 » وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « المنافقون : 7 » فإشارة منه إلى قدرته تعالى على ما يريد إيجاده ، أو إلى الحالة التي أشار إليها بقوله عليه السلام : فرغ ربكم من الخلق والرزق والأجل .
وقوله تعالى : فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ « الحجر : 22 » قيل معناه حافظين له بالشكر ، وقيل هو إشارة إلى ما أنبأ عنه قوله : أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ . الآية . « الواقعة : 69 » .
والخَزَنَةُ : جمع الخازن . وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها « الزمر : 71 و 73 » في صفة النار وصفة الجنة . وقوله : لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ الله « الأنعام : 50 » أي مقدوراته التي منعها الناس ، لأن الخَزْنَ ضرب من المنع ، وقيل جوده الواسع وقدرته . وقيل : هو قوله كُنْ .
والخَزْنُ : في اللحم أصله الإدِّخار فكُنِّيَ به عن نتنه يقال : خَزِنَ اللحم إذا أنتن ، وخَنِزَ ، بتقديم النون .
ملاحظات
قول الراغب : « الخَزْنُ : حفظ الشئ في الخِزَانَة » يعني أن اسم الخزانة كان قبله ! لذلك كان تعريف ابن فارس أصح . قال « 2 / 178 » : « أصل يدل على صيانة الشئ » .
خَزِيَ
خَزِيَ الرجل : لحقه انكسار إما من نفسه وإما من غيره . فالذي يلحقه من نفسه هو الحياء المفرط ، ومصدره الخَزَايَة ، ورجل خَزْيَان وامرأة خَزْيَى وجمعه خَزَايَا .
وفي الحديث : اللهم احشرنا غير خزايا ولا نادمين .
والذي يلحقه من غيره يقال هو ضرب من الاستخفاف ، ومصدره الخِزْي ، ورجل خَزٍ . قال تعالى : ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا « المائدة : 33 » . وقال تعالى : إن الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ « النحل : 27 » فَأَذاقَهُمُ الله الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا « الزمر : 26 » لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا « فصلت : 16 » . وقال : مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى « طه : 134 » . وأَخْزَى : يقال من الخزاية والخزي جميعاً .
وقوله : يَوْمَ لا يُخْزِي الله النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا « التحريم : 8 » فهو من الخزي أقرب ، وإن جاز أن يكون منهما جميعاً .
وقوله تعالى : رَبَّنا إنكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ « آل عمران : 192 » فمن الخزاية ، ويجوز أن يكون من الخزي ، وكذا قوله : مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ « هود : 39 » وقوله : وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ « آل عمران : 194 » وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ « الحشر : 5 » وقال : وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي « هود : 78 » .
وعلى نحو ما قلنا في خَزِيَ قولهم : ذَلَّ وهَانَ ، فإن ذلك متى كان من الإنسان نفسه يقال له : الهون والذُّل ويكون
--------------------------- 283 ---------------------------
محموداً ، ومتى كان من غيره يقال له : الهُون والهَوَان والذُّل ، ويكون مذموماً .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن هذه المادة بضعاً وعشرين مرة ، في خزي الدنيا والآخرة ، وعذاب الخزي . واستعمل منه فعل : خزيَ وأخزى ويُخزي ومصدره ، وأفعل التفضيل .
وجعله بعضهم من خزوَ بالواو وبعضهم من خزي بالياء ، وهو الصحيح بدليل تثنيته .
2 . معنى خَزِيَ في العربية : لحقه ذلٌّ وفضيحةٌ وعارٌ . ففيه معنى : ثبت عليه ذلك وأُدين به ، أو أوقعه به أحد . وينتج عنه غالباً أن يشعر صاحبه به فينكسر ويذل .
ويظهر بذلك ضعف تعريف الراغب بأنه : « لحقه انكسار إما من نفسه وإما من غيره » فهو تعريف بأحد عناصره ، لأن الإنكسار النفسي والشعور بالذل ناتجٌ عن وقوع الخزي أو العقوبة عليه . وقد يكون الإنكسار أحد عناصره . على أن الإنكسار ليس دائماً ، فقد لا يُحس المخزي بخزيه ، وهو مع ذلك مخزي .
ولذلك ذكر أبو هلال في الفروق / 215 : « أن الخزي ذل مع افتضاح . وقيل هو الإنقماع لقبح الفعل » .
كما قد يطلق الخزي على العقوبة ، قال تعالى : فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِئِذٍ . فهو خاص بالعذاب أو شامل له .
ولا يشترط فيه استحقاق صاحبه ، ففي المثل : أخزى من ذات النِّحْيَيْن . وقصتها معروفة « مجمع الأمثال : 1 / 268 » .
خَسِرَ
الخُسْرُ والخُسْرَان : انتقاص رأس المال ، وينسب ذلك إلى الإنسان فيقال : خَسِرَ فلان ، وإلى الفعل فيقال : خسرت تجارته ، قال تعالى : تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ « النازعات : 12 » .
ويستعمل ذلك في المقتنيات الخارجة كالمال والجاه في الدنيا وهو الأكثر . وفي المقتنيات النفسية كالصحة والسلامة والعقل والإيمان والثواب ، وهو الذي جعله الله تعالى الخسران المبين وقال : الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ « الزمر : 15 » .
وقوله : وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ « البقرة : 121 » وقوله : الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ ، إلى : أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ « البقرة : 27 » .
وقوله : فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ « المائدة : 30 » .
وقوله : وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ « الرحمن : 9 » . يجوز أن يكون إشارة إلى تحرِّي العدالة في الوزن ، وترك الحيف فيما يتعاطاه في الوزن . ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى تعاطي مالايكون به ميزانه في القيامة خاسراً فيكون ممن قال فيه : وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ « الأعراف : 9 » وكلا المعنيين يتلازمان . وكل خسران ذكره الله تعالى في القرآن فهو على هذا المعنى الأخير ، دون الخسران المتعلق بالمقتنيات الدنيوية والتجارات البشرية .
ملاحظات
عرف الراغب الخسارة بأنها النقص من رأس المال ، وعرفها الخليل وابن فارس بأنها مطلق النقص ، وهو الصحيح .
وقد استعمل القرآن الخُسْروالخُسْرَان والخَسَار والتخْسِير والأَخْسَرِين ، وأكثرها للخسارة في الآخرة ، والخسارة المعنوية . وبينها فروقات لا يتسع المجال لبحثها .
وأجاد ابن منظور في قوله : 4 / 238 : « وقوله تعالى : فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ . أَي غير إِبعاد من الخير .
ويقال : كِلْتُه ووَزَنْتُه فأَخْسَرْته ، أَي نقصته ، قال الله تعالى :
--------------------------- 284 ---------------------------
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ . الزجاج : أَي يَنْقُصُون في الكيل والوزن .
وصَفْقَةٌ خاسرة : غير رابحة . وكَرَّةٌ خاسرة : غير نافعة . وفي التنزيل : تلك إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ . وقوله عز وجل : وخَسِرَ هنالك المُبْطِلُونَ . وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ، المعنى : تبين لهم خُسْرانُهم لما رأَوا العذاب ، وإِلَّا فهم كانوا خاسرين في كل وقت . والتخْسِيرُ : الإِهلاك » .
خَسَفَ
الخُسُوف للقمر ، والكسوف للشمس . وقال بعضهم : الكسوف فيهما إذا زال بعض ضوئهما والخسوف إذا ذهب كله . ويقال خَسَفَهُ الله وخَسَفَ هو ، قال تعالى : فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ « القصص : 81 » . وقال : لَوْلا أَنْ مَنَّ الله عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا « القصص : 82 » .
وفي الحديث : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا يُخْسَفَانِ لموت أحد ولا لحياته .
وعين خَاسِفَة : إذا غابت حدقتها ، فمنقول من خسف القمر . وبئر مَخْسُوفَة : إذا غاب ماؤها ونزف ، منقول من خسف الله القمر .
وتُصُوِّرَ من خسف القمر مهانة تلحقه ، فاستعير الخسف للذُّل فقيل : تحمل فلان خسفاً .
ملاحظات
1 . جعل الراغب الأصل خسف القمر ، استعيرت منه فروعه ، لكن قد يكون الأصل خسف الأرض ، واستعير منه خسف القمر لأنه يغيب عن الرؤية كأنه خسف .
قال الخليل « 4 / 201 » : « الخسف : سؤوخ الأرض بما عليها من الأشياء . وعين خاسفة : فقئت وغابت حدقتها . وبئر خسيف مخسوفة . والخسف : تحميلك إنساناً ما يكره » .
ونحوه ابن فارس ، قال « 2 / 180 » : « أصل واحد يدل على غموض وغؤور ، وإليه ترجع فروع الباب . قال الله تعالى : فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ . ومن الباب خسوف القمر . والمهزول يسمى خاسفاً كأن لحمه غار ودخل . ومما حمل على الباب قولهم للسحاب الذي يأتي بالماء الكثير خسيف ، كأنه شبه بالبئر التي ذكرناها » .
2 . خص بعضهم الخسوف بالقمر والكسوف بالشمس ، لكنه استعمل للقمر أيضاً .
قال ابن فارس « 6 / 177 » : « كسوف القمر وهو زوال ضوئه ، ويقال رجل كاسف الوجه إذا كان عابساً . وهو كاسف البال أي سئ الحال . وأما القطع فيقال كَسْفُ العرقوب بالسيف كسفاً يكسفه . والكِسْفة الطائفة من الثوب يقال أعطني كِسْفَةً من ثوبك .
والكِسْفة : القطعة من الغيم قال الله تعالى : وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا » .
خَسَأَ
خَسَأْتُ الكلب فَخَسَأَ : أي زجرته مستهيناً به فانزجر ، وذلك إذا قلت له : إخْسَأْ . قال تعالى في صفة الكفار : إخْسَؤُا فِيها وَلا تُكلمُونِ « المؤمنون : 108 » . وقال تعالى : قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ « البقرة : 65 » .
ومنه : خَسَأَ البَصَرُ ، أي انقبض عن مهانة ، قال : خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ . « الملك : 4 » .
خَشَبَ
قال تعالى : كَأنهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ « المنافقون : 4 » شُبِّهوا بذلك لقلة غنائهم ، وهو جمع الخَشْب . ومن لفظ الخشب قيل خَشَبْتَ السيف : إذا صقلته بالخَشْب الذي هو المصقل .
وسيف خَشِيب : قريب العهد بالصقل ، وجمل خَشِيب أي جديد لم يُرَضْ ، تشبيهاً بالسيف الخشيب . وتَخَشَّبَتِ الإبل : أكلت الخشب .
--------------------------- 285 ---------------------------
وجبهة خَشْبَاء : يابسة كالخشب ، ويعبر بها عمن لا يستحي ، وذلك كما يشبه بالصخر في نحو قول الشاعر :
والصَّخْرُ هَشٌّ عندَ وجهك في الصَّلابة
والمَخْشُوب : المخلوط به الخشب ، وذلك عبارة عن الشئ الردئ .
ملاحظات
خُشُب : في الآية بضم الشين من الخَشَب ، ومعناه : كأنهم تماثيل خشبية لا تقف بنفسها إلا بدعامات . وليت الراغب قبل قول ابن فارس في المادة ، قال « 2 / 185 » : « أصل واحد يدل على خشونة وغلظ . فالأخشب الجبل الغليظ . والخشيب السيف الذي بدئ طبعه ، ولا يكون في هذه الحال إلا خشناً » .
خَشَعَ
الخُشُوع : الضَّراعة . وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح . والضراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ، ولذلك قيل فيما روي : إذا ضرع القلب خَشِعَتِ الجوارح .
قال تعالى : وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً « الإسراء : 109 » وقال : الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ « المؤمنون : 2 » وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ « الأنبياء : 90 » وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ « طه : 108 » خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ « القلم : 43 » أَبْصارُها خاشِعَةٌ « النازعات : 9 » كناية عنها وتنبيهاً على تزعزعها كقوله : إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا « الواقعة : 4 » وإِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها « الزلزلة : 1 » يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً « الطور : 9 » .
ملاحظات
1 . الخشوع : تطامن القلب والجوارح أمام الله تعالى . والضراعة : الطلب منه بتذلل . والخضوع : إطاعته بتذلل .
قال ابن فارس « 2 / 182 » : « يقال خشع ، إذا تطامن وطأطأ رأسه ، يخشع خشوعاً . وهو قريب المعنى من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن والإقرار بالإستخذاء ، والخشوع في الصوت والبصر . قال الله تعالى : خاشعة أبصارهم » .
وأصل الخضوع للبدن وقد يكون في القلب ، والخشوع بالعكس ، ففي الحديث القدسي : « يا ابن عمران ، هب لي من قلبك الخشوع ، ومن بدنك الخضوع ، ومن عينيك الدموع في ظُلَمِ الليل » . « أمالي الصدوق / 438 » .
وعن النبي صلى الله عليه وآله : « ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب ، فهو عندنا نفاق » .
وعن الإمام الصادق عليه السلام : « إذا دخلت المسجد الحرام فأدخله حافياً على السكينة والوقار والخشوع . قلت : ما الخشوع ؟ قال : السكينة ، لا تدخله بتكبر » . « الكافي : 4 / 401 » .
وفي الدعاء : « وأنت ربي . خشع لك قلبي ، وسمعي وبصري ، وشعري وبشري ، ولحمي ودمي ، ومخي وعظامي وعصبي ، وما أقلته قدماي » . « الكافي : 3 / 319 » .
2 . ورد الخشوع في القرآن خمس عشرة مرة ، منها في مدح المؤمنين الخاشعين : الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ . وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ . وخَاشِعِينَللهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ الله ثَمَنًا قَلِيلاً . َإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ . أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله . وَيَخِرُّونَ للأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا .
وفي خشوع الناس يوم القيامة : وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا .
وفي خشوع المجرمين من الذل يوم القيامة : وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ . خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ . وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ . أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ . خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ .
وفي خشوع الجبل لو نزل عليه القرآن : لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ
--------------------------- 286 ---------------------------
عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله .
خَشِيَ
الخَشْيَة : خوفٌ يشوبه تعظيم ، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه ، ولذلك خص العلماء بها في قوله : إنما يَخْشَى الله مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ « فاطر : 28 » .
وقال : وأما مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى « عبس : 8 » مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ « ق : 33 » فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما « الكهف : 80 » فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي « البقرة : 150 » يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً « النساء : 77 » وقال : الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ الله وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا الله « الأحزاب : 39 » وَلْيَخْشَ الَّذِينَ . الآية . « النساء : 9 » أي ليستشعروا خوفاً من معرته .
وقال تعالى : وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ « الإسراء : 31 » أي لا تقتلوهم معتقدين مخافة أن يلحقهم إملاق . لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ « النساء : 25 » أي لمن خاف خوفاً اقتضاه معرفته بذلك من نفسه .
ملاحظات
استعمل القرآن الخشية نحو خمسين مرة . وهي أوسع من الخشوع ، فهي من جهة تشمل التخوف الدنيوي من شئ أو على شئ . ومن جهة تعني الخوف من عقاب الله تعالى عند مخالفة ما أمر به أو نهى عنه . ومجال ذلك واسع في حياة الإنسان .
خَصَّ
التخصيص والاختصاص والخصوصية والتخصص : تفرد بعض الشئ بما لا يشاركه فيه الجملة ، وذلك خلاف العموم ، والتعمم ، والتعميم .
وخُصَّان الرجل : من يختصه بضربٍ من الكرامة .
والْخاصَّةُ : ضد العامة ، قال تعالى : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً « الأنفال : 25 » أي بل تعمكم .
وقد خَصَّهُ بكذا يخصه ، واختصه يختصه . قال : يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ « آل عمران : 74 » .
وخُصَاصُ البيت : فُرَجُهُ ، وعُبر عن الفقر الذي لم يُسَدَّ بالخصاصة ، كما عبر عنه بالخَلَّة ، قال : وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ « الحشر : 9 » وإن شئت قلت من الخصاص . والخُصُّ : بيت من قصب أو شجر ، وذلك لما يرى فيه من الخصاصة .
ملاحظات
تعريف الراغب للتخصيص فيه ضعف ، وقد أخطأ فتصور أن التعمم بمعنى العموم ، وهو لبس العمامة .
قال ابن منظور « 12 / 425 » : « وعَمَّمْتُه : أَلبسته العِمامةَ ، وهو حَسَنُ العِمَّةِ أي التعَمُّمِ » .
كما تصور الراغب أن خُصَّان الرجل هم أخصاؤه بمعنى المقربين منه ، ولا يقال خصان الرجل بل يقال : خصان الناس . قال ابن منظور « 7 / 25 » : « والخُصَّانُ والخِصَّانُ كالخاصَّةِ ، ومنه قولهم : إِنما يفعل هذا خُصَّان الناس ، أَي خواصُّ منهم » .
خَصَفَ
قال تعالى : وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما « الأعراف : 22 » أي يجعلان عليهما خَصَفَةً ، وهي أوراق ، ومنه قيل لجلَّة التمر : خَصَفَة ، وللثياب الغليظة . جمعه : خَصَفٌ ، ولما يطرق به الخف خَصَفَة . وخَصَفْتُ النعل بالمِخْصَف .
وروي : كان النبي صلى الله عليه وآله يخصف نعله . وخَصَفْتُ الخصفة : نسجتها . والأخصف والخصيف : قيل الأبرق من الطعام ، وهو لونان من الطعام ، وحقيقته : ما جعل من اللبن ونحوه في خصفة ، فيتلون بلونها .
ملاحظات
تصور الراغب من جو الآية : وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا
--------------------------- 287 ---------------------------
مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ، أن الخَصَفَة ورق شجر الجنة ، ففسر به خَصَف ومشتقاته ، وأعرض عن تفسير أئمة اللغة !
ولا يصح ما قاله ، فلو كانت الخَصَفة الورق لما صح : يخصفان من ورق . بل الخَصْف سَفُّ الورق ، أو خياطته أو نسجه ليكون ساتراً . وتسمى الجلة خصفة .
قال الجوهري « 4 / 1351 » : « وخصفت النعل : خرزتها فهي نعل خَصِيف . وقوله تعالى : وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ، يقول : يلزقان بعضه ببعض ليسترا به عورتهما . وكذلك الإختصاف . والمِخْصَف : الإشْفى » . أي المخرز .
خَصَمَ
الخَصْمُ : مصدر خَصَمْتُهُ ، أي نازعته خَصْماً ، يقال : خاصمته وخَصَمْتُهُ مُخَاصَمَةً وخِصَاماً ، قال تعالى : وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ « البقرة : 204 » وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ « الزخرف : 18 » . ثم سمي المُخَاصِم خصماً ، واستعمل للواحد والجمع ، وربما ثُنِّيَ .
وأصل المُخَاصَمَة : أن يتعلق كل واحد بخصم الآخر ، أي جانبه وأن يجذب كل واحد خصم الجوالق من جانب . وروي : نسيته في خصم فراشي . والجمع : خُصُوم وأخصام ، وقوله : خَصْمانِ اخْتَصَمُوا « الحج : 19 » أي فريقان ، ولذلك قال : اخْتَصَمُوا . وقال : لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ « ق : 28 » وقال : وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ « الشعراء : 96 » . والخَصِيمُ : الكثير المخاصمة ، قال : هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ « النحل : 4 » والخَصِمُ : المختص بالخصومة ، قال : بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ . « الزخرف : 58 » .
خَضَدَ
قال الله : فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ « الواقعة : 28 » أي مكسور الشوك ، يقال : خَضَدْتُهُ فانخضد ، فهو مخضود وخضيد .
والخَضْدُ : المخضود ، كالنقض في المنقوض ، ومنه استعير : خَضَدَ عُنُقَ البعير ، أي كسر .
خَضَرَ
قال تعالى : فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً « الحج : 63 » وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ « الكهف : 31 » فَخُضْرٌ جمع أخضر . والخُضْرَة : أحد الألوان بين البياض والسواد ، وهو إلى السواد أقرب ولهذا سمي الأسود أخضر والأخضر أسود ، قال الشاعر :
قد أعسفَ النازحُ المجهول مِعْسَفُهُ
في ظلِّ أخضرَ يدعو هامَهُ البُومُ
وقيل : سواد العراق للموضع الذي يكثر فيه الخضرة . وسميت الخضرة بالدَّهْمَة في قوله سبحانه : مُدْهامَّتانِ
« الرحمن : 64 » أي خضراوان .
وقوله عليه السلام : إياكم وخَضْرَاء الدِّمَن ، فقد فسره عليه السلام حيث قال : المرأة الحسناء في منبت السوء .
والمخاضرة : المبايعة على الخَضْرِ والثمار قبل بلوغها . والخضيرة : نخلة ينتثر بسرها أخضر .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه الكلمة المبتكرة « الخَضِر » بكسر الضاد في قوله تعالى : فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا . وذكر علماء النبات أن المادة الخضرة لها دور في التمثيل الضوئي لتكوين الحب والثمار .
خَضَعَ
قال الله : فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ « الأحزاب : 32 » .
الخضوع : الخشوع ، وقد تقدم . ورجل خُضَعَة : كثير الخضوع . ويقال : خَضَعْتُ اللحم ، أي قطعته ، وظليم أَخْضَعُ : في عنقه تطامن .
--------------------------- 288 ---------------------------
خَط
الخط : كالمدِّ ويقال لما له طول ، والخطوط أَضْرُبٌ ، فيما يذكره أهل الهندسة من : مسطوح ومستدير ومُقَوَّس ومُمَال . ويُعبر عن كل أرض فيها طول بالخط ، كخط اليمن ، وإليه ينسب الرمح الخطي .
وكل مكان يَخُطهُ الإنسان لنفسه ويحفره يقال له خَط وخِطةٌ . والخَطِيطَة : أرض لم يصبها مطرٌ بين أرضين ممطورتين كالخط المنحرف عنه .
ويعبر عن الكتابة بالخَط ، قال تعالى : وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطهُ بِيَمِينِكَ . « العنكبوت : 48 » .
خَطَبَ
الخَطْبُ والمُخَاطَبَة والتخَاطُب : المراجعة في الكلام ، ومنه الخُطْبَة والخِطْبَة ، لكن الخُطبة تختص بالموعظة ، والخِطبة بطلب المرأة ، قال تعالى : وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ . « البقرة : 235 » .
وأصل الخطبة : الحالة التي عليها الإنسان إذا خطب ، نحو الجلسة والقعدة ، ويقال من الخُطْبَة : خاطب وخطيب . ومن الخِطْبَة خاطب لا غير ، والفعل منهما خَطَبَ .
والخَطْبُ : الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب ، قال تعالى : فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ « طه : 95 » فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ « الذاريات : 31 » .
وفصل الخِطَاب : ما ينفصل به الأمر من الخطاب .
خَطَفَ
الخَطْفُ والإختطاف : الاختلاس بالسرعة . يقال : خَطِفَ يَخْطَفُ وخَطَفَ يَخْطِفُ وقرئ بهما جميعاً ، قال : إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ ، وذلك وصف للشياطين المسترقة للسمع .
قال تعالى : فَتَخْطَفُهُ الطيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ « الحج : 31 » يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ « البقرة : 20 » وقال : وَيُتَخَطفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ « العنكبوت : 67 » أي يقتلون ويسلبون .
والخَطَّاف : للطائر الذي كأنه يخطف شيئاً في طيرانه ، ولما يخرج به الدَّلو كأنه يختطفه ، وجمعه خَطَاطِيف . وللحديدة التي تدور عليها البكرة . وباز مُخْطِف : يختطف ما يصيده . والخَطِيف : سرعة انجذاب السِّير . وأَخْطَفُ الحشا ، ومُخْطَفُهُ ، كأنه اخْتُطِفَ حشاه لضموره .
خَطَأ
الخَطَأ : العدول عن الجهة ، وذلك أضْرُبٌ :
أحدها : أن تريد غير ما تحسن إرادته فتفعله ، وهذا هو الخطأ التام المأخوذ به الإنسان ، يقال : خَطِئَ يَخْطَأُ خِطْأً وخِطْأَةً ، قال تعالى : إن قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً « الإسراء : 31 » وقال : وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ « يوسف : 91 » .
والثاني : أن يريد ما يحسن فعله ، ولكن يقع منه خلاف ما يريد فيقال : أَخْطَأَ إِخْطَاءً فهو مُخْطِئٌ ، وهذا قد أصاب في الإرادة وأخطأ في الفعل . وهذا المعنيُّ بقوله عليه السلام : رفع عن أمتي الخَطَأ والنسيان . وبقوله : من اجتهد فأخطأ فله أجر . وقوله عز وجل : وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ « النساء : 92 » .
والثالث : أن يريد ما لا يحسن فعله ويتفق منه خلافه ، فهذا مخطئ في الإرادة ومصيب في الفعل ، فهو مذموم بقصده وغير محمود على فعله . وهذا المعنى هو الذي أراده في قوله : أردتَ مساءاتي فَأجْرَتْ مَسَرَّتي
وقد يُحْسِنُ الإنسانُ من حَيْثُ لا يَدري
وجملة الأمر : أن من أراد شيئاً فاتفق منه غيره يقال : أخطأ ، وإن وقع منه كما أراده يقال : أصاب .
وقد يقال لمن فعل فعلاً لا يحسن ، أو أراد إرادة لا تجمل إنه أخطأ ، ولهذا يقال : أصاب الخطأ وأخطأ الصواب ،
--------------------------- 289 ---------------------------
وأصاب الصواب وأخطأ الخطأ .
وهذه اللفظة مشتركة كما ترى ، مترددة بين معان ، يجب لمن يتحرى الحقائق أن يتأمّلها .
وقوله تعالى : وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ « البقرة : 81 » والخَطِيئَةُ والسيئة يتقاربان ، لكن الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون مقصوداً إليه في نفسه ، بل يكون القصد سبباً لتولد ذلك الفعل منه ، كمن يرمي صيداً فأصاب إنساناً ، أو شرب مسكراً فجنى جناية في سكره .
والسبب سببان : سبب محظور فعله ، كشرب المسكر وما يتولد عنه من الخطأ غير متجاف عنه ، وسبب غير محظور كرمي الصيد . قال تعالى : وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ « الأحزاب : 5 » . وقال تعالى : وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً « النساء : 112 »
فالخطيئة هاهنا هي التي لا تكون عن قصد إلى فعله . قال تعالى : وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا « نوح : 24 » مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ « نوح : 25 » إنا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا « الشعراء : 51 » وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَئ « العنكبوت : 12 » وقال تعالى : وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ « الشعراء : 82 » .
والجمع الخطيئات والخطايا ، وقوله تعالى : نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ « البقرة : 58 » فهي المقصود إليها ، والخاطِئُ : هو القاصد للذّنب ، وعلى ذلك قوله : وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ « الحاقة : 36 » .
وقد يسمى الذنب خَاطِئَةً في قوله تعالى : وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ « الحاقة : 9 » أي الذنب العظيم ، وذلك نحو قولهم : شعر شاعر .
فأما ما لم يكن مقصوداً فقد ذكر أنه متجافَى عنه ، وقوله تعالى : نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ « البقرة : 58 » فالمعنى ما تقدم .
ملاحظات
حاول الراغب أن يقسم الخطأ ، وأن يفسر بعض آياته فوقع في إشكالات . وقد قَسَّمَ الفقهاء الخطأ إلى أقسام ، وقَسَّمَ المحقق الحلي في شرائع الإسلام « 4 / 1016 » القتل إلى عمد ، وشبيه العمد ، وخطأ محض وقال : « وضابط العمد : أن يكون عامداً في فعله وقصده . وشبيه العمد : أن يكون عامداً في فعله ، مخطئاً في قصده . والخطأ المحض : أن يكون مخطئاً فيهما » .
وقد عرف الراغب الخطأ بقوله : « أن تريد غير ما تحسن إرادته فتفعله » . وهو ضعيف ، ومعناه : تقصد ما لا يجوز قصده . ثم حاول التفريق بين الخطأ والخطيئة ، فجعل الخاطئ بقصد ، والخطيئة بغير قصد وفسر بها قوله تعالى : وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ، قال : « الخطيئة هاهنا هي التي لا تكون عن قصد إلى فعله »
ولا يصح ذلك ، لأن القاعدة قوله تعالى : وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ . فصحة العقاب تدل على العمد . وقد قال تعالى : مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا . فلا بد أن تكون خطيئتهم بقصد وعمد .
قال ابن منظور « 1 / 65 » : « المُخْطِئُ : من أَراد الصواب ، فصار إلى غيره . والخاطِئُ : من تعمَّد لما لا ينبغي » . وقال بعضهم : الخِطأ بكسر الخاء للعمد ، وبفتحه للخطأ المحض . وأكثر ما استعمل القرآن الخطأ فيما كان عن عمد . ولم يستعمل الخطيئة في الخطأ المحض ، بل بمعناها في الأديان السابقة .
خَطَوَ
خَطَوْتُ أَخْطُو خَطْوَةً ، أي مرة . والخُطْوَة ما بين القدمين ، قال تعالى : وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ « البقرة : 168 » أي لاتتبعوه . وذلك نحو قوله : وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى . « صاد : 26 » .
--------------------------- 290 ---------------------------
خَفَّ
الخَفِيف : بإزاء الثقيل ، ويقال ذلك تارة باعتبار المضايفة بالوزن ، وقياس شيئين أحدهما بالآخر ، نحو : درهم خفيف ودرهم ثقيل .
والثاني : يقال باعتبار مضايفة الزمان ، نحو : فرس خفيف وفرس ثقيل : إذا عدا أحدهما أكثر من الآخر ، في زمان واحد .
الثالث : يقال خفيف فيما يستحليه الناس ، وثقيل فيما يستوخمه ، فيكون الخفيف مدحاً والثقيل ذماً .
ومنه قوله تعالى : الْآنَ خَفَّفَ الله عَنْكُمْ « الأنفال : 66 » فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ « البقرة : 86 » وأرى أن من هذا قوله : حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً « الأعراف : 189 » .
الرابع : يقال خفيف فيمن يطيش ، وثقيل فيما فيه وقار ، فيكون الخفيف ذماً ، والثقيل مدحاً .
الخامس : يقال خفيف في الأجسام التي من شأنها أن ترجَحَنَّ إلى أسفل كالأرض والماء ، يقال : خَفَّ يَخِفُّ خَفّاً وخِفَّةً ، وخَفَّفَه تَخْفِيفاً وتَخَفَّفَ تَخَفُّفاً واستخففته . وخَفَّ المتاع : الخفيف منه ، وكلام خفيف على اللسان .
قال تعالى : فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ « الزخرف : 54 » أي حملهم أن يخفوا معه ، أو وجدهم خفافاً في أبدانهم وعزائمهم . وقيل معناه وجدهم طائشين . وقوله تعالى : فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ « المؤمنون : 102 » فإشارة إلى كثرة الأعمال الصالحة وقلتها .
وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ « الروم : 60 » أي لا يزعجنك ويزيلنك عن اعتقادك بما يوقعون من الشَّبَه .
وخفوا عن منازلهم : ارتحلوا منها في خفة . والخُفُّ : الملبوس . وخُفُّ النعامة والبعير : تشبيهاً بخف الإنسان .
ملاحظات
تعبير الراغب : أن ترجَحَنَّ ، فيه عجمة ، ولم أجد في كلام العرب أن يفعلن ، لأن المضارع المنصوب بأن معرب ، والمتصل بنون التوكيد مبني على الفتح . فيجتمع عليه إعراب وبناء .
خَفَتَ
قال تعالى : يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ « طه : 103 » وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها « الإسراء : 110 » المخافتة والخفت : إسرار المنطق ، قال : وشَتَّانَ بين الجَهرِ والمَنْطِقِ الخَفْتِ
ملاحظات
أصل الخَفْت بمعنى الموت ، والخفت المنهي عنه في قراءة الصلاة لا بد أن يكون إماتة الصوت وليس خفضه ، لأن خفضه مطلوب أو جائز ، فهو غير منهي عنه .
وتعبير الفقهاء بوجوب الإخفات في القراءة ، يقصدون به الإخفاء ، ولم أجد في روايات أهل البيت عليهم السلام تعبير الإخفات بالتاء ، بل الإخفاء . وقد أشرنا له في جهر .
خَفَضَ
الخَفْض : ضد الرفع ، والخَفْض : الدعة ، والسير الليِّن . وقوله عز وجل : وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ « الإسراء : 24 » فهو حثٌّ على تليين الجانب والانقياد ، كأنه ضد قوله : أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ « النمل : 31 » . وفي صفة القيامة : خافِضَةٌ رافِعَةٌ « الواقعة : 3 » أي تضع قوماً وترفع آخرين . فخافضة إشارة إلى قوله : ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ « التين : 5 » .
خَفِيَ
خَفِيَ الشئ خُفْيَةً : استتر ، قال تعالى : ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً « الأعراف : 55 » والخَفَاء : ما يستر به كالغطاء . وخَفَيْتَهُ : أزلت خفاه ، وذلك إذا أظهرته . وأَخْفَيْتَهُ : أوليته خفاء وذلك إذا سترته .
--------------------------- 291 ---------------------------
ويقابل به الإبداء والإعلان ، قال تعالى : إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعما هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ « البقرة : 271 » وقال تعالى : وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ « الممتحنة : 1 » بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ « الأنعام : 28 » .
والإسْتِخْفَاءُ : طلب الإخفاء ، ومنه قوله تعالى : أَلا إنهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ « هود : 5 » .
والخَوَافي : جمع خافية ، وهي ما دون القوادم من الريش .
خَلَّ
الخَلَل : فرجة بين الشيئين وجمعه خِلَال ، كخلل الدار والسحاب والرماد وغيرها ، قال تعالى في صفة السحاب : فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ « النور : 43 » فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ « الإسراء : 5 » قال الشاعر : أرى خِلَلَ الرمادِ وَمِيضَ جَمْرٍ
وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ « التوبة : 47 » أي سعوا وسطكم بالنميمة والفساد .
والخِلَال : لما تُخَلَّل به الأسنان وغيرها ، يقال : خَلَّ سِنَّهُ وخل ثوبه بالخلال يَخُلُّهُ ، ولسان الفصيل بالخلال ليمنعه من الرضاع ، والرَّمية بالسهم ، وفي الحديث : خَلِّلُوا أصابعكم . والخَلَل في الأمر : كالوهن فيه ، تشبيهاً بالفرجة الواقعة بين الشيئين .
وخَلَّ لحمه يَخِلُّ خَلًّا وخِلَالًا : صار فيه خلل ، وذلك بالهزال ، قال : إنَّ جِسْمِي بَعْدَ خَالي لخِلُّ .
والخَل : الطليق في الرمل ، لتخلل الوعورة أي الصعوبة إياه ، أو لكون الطريق متخللاً وسطه .
والخَلَّة : أيضاً الخمر الحامضة لتخلل الحموضة إياها . والخِلَّة : ما يغطى به جفن السّيف لكونه في خلالها . والخَلَّة : الاختلال العارض للنفس إما لشهوتها لشئ أو لحاجتها إليه ، ولهذا فسرالخَلة بالحاجة والخصلة .
والخُلَّةُ : المودة ، إما لأنها تتخلل النفس أي تتوسطها ، وإما لأنها تخل النفس فتؤثر فيها تأثير السهم في الرمية ، وإما لفرط الحاجة إليها . يقال منه : خاللته مُخَالَّة وخِلَالًا فهو خليل ، وقوله تعالى : وَاتَّخَذَ الله إِبْراهِيمَ خَلِيلًا « النساء : 125 » قيل سماه بذلك لافتقاره إليه سبحانه في كل حال ، الافتقار المعني بقوله : إني لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ « القصص : 24 » وعلى هذا الوجه قيل : اللهم أغنني بالإفتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك .
وقيل : بل من الخُلة واستعمالها فيه كاستعمال المحبة فيه . قال أبو القاسم البلخي : هو من الخِلة لا من الخُلة ، قال : ومن قاسه بالحبيب فقد أخطأ ، لأن الله يجوز أن يحب عبده ، فإن المحبة منه الثناء ولا يجوز أن يخالَّهُ ، وهذا منه اشتباه ، فإن الخُلة من تخلل الود نفسه ومخالطته ، كقوله :
قد تخلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوحِ مني
وبه سميَ الخَلِيلُ خَلِيلا
ولهذا يقال : تمازج روحانا . والمحبة : البلوغ بالود إلى حبة القلب ، من قولهم : حببته إذا أصبت حبة قلبه ، لكن إذا استعملت المحبة في الله فالمراد بها مجرد الإحسان ، وكذا الخُلة ، فإن جاز في أحد اللفظين جاز في الآخر ، فأما أن يراد بالحب حبة القلب والخلة التخلل ، فحاشا له سبحانه أن يراد فيه ذلك .
وقوله تعالى : لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ « البقرة : 254 » أي لا يمكن في القيامة ابتياع حسنة ولا استجلابها بمودة ، وذلك إشارة إلى قوله سبحانه : وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى « النجم : 39 » وقوله : لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ « إبراهيم : 31 » فقد قيل : هو مصدر من خاللت ، وقيل : هو جمع ، يقال خليل وأَخِلَّة وخِلَال ، والمعنى كالأول .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن الخِلة في ثلاثة عشر مورداً : خلال
--------------------------- 292 ---------------------------
الديار ، وخلال المسلمين ، وخلال الأرض ، وخلال الجنتين ، وخلال الغيم ، وفي الخليل ، والأخلاء ، والخلة يوم القيامة .
2 . أطال الراغب في وجه تسمية الخليل عليه السلام بدون حاجة . وجعل الخِلة بمعنى الفُرجة فقط وحاول أن يرجع إليها الفروع ، وتكلف في بعضها ، وبقيت فروع عديدة لا يمكن إرجاعها إلى الفرجة .
قال الخليل « 4 / 140 » : « والخِل : الثوب البالي إذا رأيت فيه طرقاً . ونزلت به خَلَّة : أي حاجة وخصاصة .
واختلَّ إلى فلان : أي احتيج إليه . والخليل : الفقير الذي أصابته ضارورة في ماله وغير ذلك . والخلال : البلح بلغة أهل البصرة وهو الأخضر من البسر قبل أن يَشْقَح » .
خَلَدَ
الخُلُود : هو تبري الشئ من اعتراض الفساد ، وبقاؤه على الحالة التي هو عليها ، وكل ما يتباطأ عنه التغيير والفساد تصفه العرب بالخلود ، كقولهم للأثافي : خوالد ، وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها . يقال : خَلَدَ يَخْلُدُ خُلُوداً ، قال تعالى : لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ « الشعراء : 129 » .
والخَلْدُ : اسم للجزء الذي يبقى من الإنسان على حالته ، فلا يستحيل ما دام الإنسان حيّاً استحالة سائر أجزائه .
وأصل المُخَلَّد : الذي يبقى مدة طويلة ، ومنه قيل رجل مُخَلَّد لمن أبطأ عنه الشيب ، ودابة مُخَلَّدَة هي التي تبقى ثناياها حتى تخرج رباعيتها ، ثم استعير للمبقيّ دائماً .
والخُلُودُ في الجنة : بقاء الأشياء على الحالة التي عليها من غير اعتراض الفساد عليها ، قال تعالى : أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ « البقرة : 82 » أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ « البقرة : 39 » وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها « النساء : 93 » .
وقوله تعالى : يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ « الواقعة : 17 » قيل مُبْقَوْنَ بحالتهم لا يعتريهم استحالة . وقيل مقرطون بخَلَدَة ، والخَلَدَة : ضرب من القرطة .
وإِخلادُ الشئ : جعله مُبْقى ، والحكم عليه بكونه مبقى ، وعلى هذا قوله سبحانه : وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ « الأعراف : 176 » أي ركن إليها ظاناً أنه يخلد فيها .
ملاحظات
أجاد الراغب بقوله : « وأصل المُخَلَّد : الذي يبقى مدة طويلة » فإن الخلود لا يدل بذاته على التأبيد ، قال الإمام زين العابدين عليه السلام في دعائه : « اللَّهُمَّ يَا ذَا الْمُلْكِ الْمُتَأَبِّدِ بِالْخُلُودِ والسُّلْطَانِ . الْمُمْتَنِعِ بِغَيْرِ جُنُودٍ ولَا أَعْوَانٍ » . « الصحيفة / 146 » .
ولهذا صح أن يقيد الخلود بزمان ، قال الله تعالى : خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ . وإما الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ . « هود : 105 » .
أما قول الإمام الصادق عليه السلام : « من شرب النبيذ على أنه حلال خُلِّدَ في النار ، ومن شربه على أنه حرام عُذِّبَ في النار » . « الكافي : 6 / 398 » . فهو يدل من جهة على أن الخلود في النار لبعض أهلها وليس لجميعهم ، وقد ورد أنهم المعاندون والمتكبرون .
ويدل من جهة على أن التعذيب في النار أمر نسبي ، وهو أقل من الخلود ، والخلود أيضاً نسبي كما تقدم .
2 . قال الراغب : « والخَلْدُ : اسم للجزء الذي يبقى من الإنسان » . وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام من أن في البدن ذَرَّةً لا تفنى ، وهي التي تزرع يوم القيامة ويعاد بدنه منها ، فقد سئل : « عن الميت يبلى جسده ؟ قال : نعم حتى لا يبقى له لحم ولا عظم إلا طينته التي خلق
--------------------------- 293 ---------------------------
منها ، فإنها لا تبلى ، تبقي في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أول مرة » . « الكافي : 3 / 251 » .
خَلَصَ
الخالص : كالصافي إلا إن الخالص هو ما زال عنه شَوْبُهُ بعد أن كان فيه ، والصافي : قد يقال لما لا شوب فيه .
ويقال : خَلَّصْته فَخَلَصَ ولذلك قال الشاعر :
خَلَاصَ الخَمْرِ مِن نَسْجِ الفِدَامِ
والفدام : ما يوضع في فم الإبريق ليصفَّى به ما فيه .
قال تعالى : وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا « الأنعام : 139 » . ويقال : هذا خالص وخالصة ، نحو : داهية وراوية .
وقوله تعالى : فَلما اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا « يوسف : 80 » أي انفردوا خالصين عن غيرهم .
وقوله : وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ « البقرة : 139 » إنهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ « يوسف : 24 » فإخلاص المسلمين أنهم قد تبرؤوا مما يدعيه اليهود من التشبيه والنصارى من التثليث ، قال تعالى : مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ « الأعراف : 9 » وقال : لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إن الله ثالِثُ ثَلاثَةٍ « المائدة : 73 » وقال : وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ « النساء : 146 » وهو كالأول .
وقال : إنهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا « مريم : 51 » فحقيقة الإخلاص : التبَرِّي عن كل ما دون الله تعالى .
ملاحظات
1 . لا يصح الفرق الذي ذكره الراغب بين الخالص والصافي وأن الخالص ما زال شوبه بعد أن كان فيه ، فقد يكون الشئ من أصله خالصاً لا شَوْبَ فيه . قال الله تعالى : أَلا للَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ . وهو من أصله خالص .
بل الفرق بينهما : أن الصافي ناظر إلى الشئ من زاوية جودة ذاته فعلاً وعدم شوبها ، والخالص ناظر اليه من زاوية براءته مما قد يشوبه .
ولعل الراغب أخذ ما قاله من عبارة الخليل ، قال « 4 / 186 » : « خلص الشئ خلوصاً ، إذا كان قد نَشِبَ ، ثم نجا وسلم » لكن كلام الخليل عن أحد مصاديقه ، وليس عن تعريفه بذلك .
كما أن الخلوص أوسع استعمالاً مما ذكر الراغب ، تقول : خلص منه ، وخلص عنه ، وخلص اليه ، وخلص له ، وخلص فيه ، وخلص به . وخلص هو ، وخلص عمله ، وخلصت نيته ، وخلص ماله ، وعرضه ، ودينه . ولكل منها فروع وفروق عن بعضها .
ومن الخلوص ما هو تكويني وتشريعي ، ومنه خارج عن إرادة الإنسان ، ومنه بإرادته .
وخلوص النية : أمر نسبي ، وإذا بلغ خلوص العبدلله تعالى درجة عاليه استخلصه الله فكان من المخلَصين ، كما قال تعالى : إنهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ « يوسف : 24 » .
2 . أجاد الخليل بقوله « 4 / 186 » : « والإخلاص : التوحيدلله خالصاً ، ولذلك قيل لسورة قل هو الله أحد : سورة الإخلاص . وأخلصتلله ديني : أمحضته ، وخلص له ديني . وإنه من عبادنا المخلصين : المخلصون ، المختارون ، والمخلصون الموحدون .
وخلصته : نحيته من كل شئ ينشب تخليصاً ، وتخلصته كما يتخلص الغزل إذا التبس .
والخلاص : زُبْدُ اللبن يستخلص منه ، أي يستخرج . والخلاصة : ما بقي من الخلاص وغيره » .
خَلَطَ
الخَلْطُ : هو الجمع بين أجزاء الشيئين فصاعداً سواء كانا مائعين ، أو جامدين ، أو أحدهما مائعاً والآخر جامداً ، وهو أعم من المزج . ويقال اختلط الشئ ، قال تعالى :
--------------------------- 294 ---------------------------
فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ « يونس : 24 » .
ويقال للصَّديق والمجاور والشريك : خَلِيطٌ . والخليطان في الفقه من ذلك ، قال تعالى : وَإن كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ « ص : 24 » . ويقال الخليط للواحد والجمع ، قال الشاعر : بانَ الخليطُ ولم يأوُوا لمنْ تَرَكُوا
وقال : خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً « التوبة : 102 » أي يتعاطون هذا مرةً وذاك مرة .
ويقال : أخلط فلان في كلامه : إذا صار ذا تخليط ، وأخلط الفرس في جريه كذلك ، وهو كناية عن تقصيره فيه .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة في التعايش : وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ . وفي الشركاء في التجارة : وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ .
وفي خلط الإنسان عمله : خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا .
وفي اللحم المختلط بعظم : أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ .
ومثلاً للدنيا وعمر الإنسان : فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ . أي سقي بالماء فنما ، ومن خصبه اختلط بعضه ببعض ، ثم سرعان ما صار يَبَساً .
خَلَعَ
الخَلْعُ : خلع الإنسان ثوبه ، والفرس جِلَّهُ وعذاره ، قال تعالى : فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ « طه : 12 » قيل : هو على الظاهر ، وأمره بخلع ذلك عن رجله ، لكونه من جلد حمار ميت .
وقال بعض الصوفية : هذا مثل وهو أمر بالإقامة والتمكن ، كقولك لمن رمت أن يتمكن : إنزع ثوبك وخُفَّك ، ونحو ذلك .
وإذا قيل : خَلَعَ فلان على فلان ، فمعناه أعطاه ثوباً . واستفيد معنى العطاء من هذه اللفظة بأن وصل به على فلان ، لا بمجرد الخلع .
ملاحظات
قوله : بخلع ذلك عن رجله . من ضعف عربيته ، فقد ترجمها من الفارسية ، وقد راجعت نسخه فوجدته فيها كلها : عن . ويقال في العربية خلعه من رجله ، ولا يقال عنها . والفصيح : خلع نعله أو نعليه فقط ، ولا يحتاج إلى إضافة : من رجليه ، لأنه لا يلبسها في يديه !
خَلَفَ
خَلْفُ : ضد القُدَّام ، قال تعالى : يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ « البقرة : 255 » . وقال تعالى : لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ « الرعد : 11 » وقال تعالى : فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً « يونس : 92 » . وخَلَفَ : ضد تقدم ، وسلفَ . والمتأخر لقصور منزلته يقال له : خَلْفٌ ، ولهذا قيل : الخَلَف الردئ ، والمتأخر لا لقصور منزلته يقال له خَلَف ، قال تعالى : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ « الأعراف : 169 » وقيل : سكت ألفاً ونطق خَلْفاً ، أي رديئاً من الكلام .
وقيل للإست إذا ظهر منه حبقة : خُلْفَة ، ولمن فسد كلامه أو كان فاسداً في نفسه .
يقال : تَخَلَّفَ فلان فلاناً : إذا تأخر عنه ، وإذا جاء خلف آخر ، وإذا قام مقامه . ومصدره الخِلَافةَ بالكسر .
وخَلَفَ خَلَافَةً بفتح الخاء : فسد ، فهو خالف : أي ردئ أحمق . ويُعَبَّر عن الردئ بخَلْف ، نحو : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ « مريم : 59 » . ويقال لمن خلف آخر فسدَّ مسدَّه : خَلَف .
والخِلْفَةُ : يقال في أن يخلف كل واحد الآخر ، قال تعالى : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً « الفرقان : 62 » وقيل : أمرهم خِلْفَةٌ ، أي يأتي بعضه خلف بعض ، قال الشاعر :
بها العينُ والآرام يَمشِينَ خِلْفَةً
وأصابته خِلْفة : كناية عن البِطْنَة ، وكثرة المشي .
--------------------------- 295 ---------------------------
وخَلَفَ فلانٌ فلاناً : قام بالأمر عنه ، إما معه وإما بعده ، قال تعالى : وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ « الزخرف : 60 » .
والخِلافةُ : النيابة عن الغير إما لغيبة المنوب عنه ، وإما لموته ، وإما لعجزه ، وإما لتشريف المستخلف . وعلى هذا الوجه الأخير استخلف الله أولياءه في الأرض ، قال تعالى : هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ « فاطر : 39 » وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ « الأنعام : 165 » وقال : وَيَسْتَخْلِفُ رَبي قَوْماً غَيْرَكُمْ « هود : 57 » .
والخلائف : جمع خليفة ، وخلفاء جمع خليف ، قال تعالى : يا داوُدُ إنا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ « ص : 26 » وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ « يونس : 73 » جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ « الأعراف : 69 » .
والإختلافُ والمخالفة : أن يأخذ كل واحد طريقاً غير طريق الآخر ، في حاله أو قوله .
والخِلَاف : أعمُّ من الضِّد ، لأن كل ضدين مختلفان ، وليس كل مختلفين ضدين .
ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يقتضي التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة قال : فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ « مريم : 37 » وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ « هود : 118 » وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ « الروم : 22 » عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ « النبأ : 1 » إنكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ « الذاريات : 8 » وقال : مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ « النحل : 13 » وقال : وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ « آل عمران : 105 » وقال : فَهَدَى الله الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحق بِإِذْنِهِ « البقرة : 213 » وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا « يونس : 19 » وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ « يونس : 93 » .
وقال في القيامة : وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ « النحل : 92 » وقال : لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ « النحل : 39 » .
وقوله تعالى : وَإن الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ « البقرة : 176 » قيل معناه : خلفوا ، نحو كسب واكتسب ، وقيل : أتوا فيه بشئ خلاف ما أنزل الله . وقوله تعالى : لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ « الأنفال : 42 » فمن الخلاف ، أو من الخُلف .
وقوله تعالى : وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَئ فَحُكْمُهُ إِلَى الله « الشورى : 10 » وقوله تعالى : فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ « آل عمران : 55 »
وقوله تعالى : إن فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ « يونس : 6 » أي في مجئ كل واحد منهما خلف الآخر وتعاقبهما .
والخُلْفُ : المخالفة في الوعد ، يقال : وعدني فأخلفني ، أي خالف في الميعاد . بِما أَخْلَفُوا الله ما وَعَدُوهُ « التوبة : 77 » وقال : إن الله لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ « الرعد : 31 » وقال : فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي « طه : 86 » قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا « طه : 87 » .
وأخلفت فلاناً : وجدته مُخْلِفاً . والإخلاف : أن يُسقى واحد بعد آخر .
وأَخْلَفَ الشجرُ : إذا اخضرَّ بعد سقوط ورقه .
وأَخْلَفَ الله عليك : يقال لمن ذهب ماله ، أي أعطاك خلفاً .
وخَلَفَ الله عليك . أي كان لك منه خليفة . وقوله : لايَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إِلا قَلِيلاً « الإسراء : 76 » : بعدك . وقرئ : خِلافَكَ ، أي مخالفة لك .
وقوله : أَوْ تُقَطعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ « المائدة : 33 » أي إحداهما من جانب ، والأخرى من جانب آخر .
وخَلَّفْتُهُ : تركته خلفي ، قال : فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ الله « التوبة : 81 » أي مخالفين . وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا « التوبة : 118 » قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ « الفتح : 16 » .
--------------------------- 296 ---------------------------
والخالِفُ : المتأخر لنقصان أو قصور كالمتخلف ، قال : فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ « التوبة : 83 » .
والخَالِفةُ : عمود الخيمة المتأخر ، ويكنى بها عن المرأة لتخلفها عن المرتحلين ، وجمعها خَوَالِف ، قال : رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ « التوبة : 87 » ووجدت الحيَّ خَلُوفاً ، أي تخلفت نساؤهم عن رجالهم .
والخَلْف : حد الفأس الذي يكون إلى جهة الخلف ، وما تخلَّف من الأضلاع إلى ما يلي البطن .
والخِلَافُ : شجر ، كأنه سمي بذلك لأنه فيما يظنُّ به ، أو لأنه يخلف مخبره منظره .
ويقال للجمل بعد بزوله : مُخْلِفُ عامٍ ومخلف عامين . وقال عمر رضي الله عنه : لولا الخِلِّيفَى لأذَّنتُ ، أي الخلافة ، وهو مصدر خلف .
ملاحظات
1 . مادة خلف أوسع مما ذكر الراغب . وقال ابن فارس « 3 / 210 » إنها ثلاثة أصول : « أن يجئ شئ بعد شئ يقوم مقامه ، والثاني خلاف قدام ، والثالث التغير » .
وذكر الخليل « 4 / 265 » عدداً من معانيها ، يجعلها أكثر من ثلاثة أصول .
2 . تهافت كلام الراغب ، فقد عَرَّفَ المادة فقال : « خَلْفُ : ضدُّ القُدَّام » وتكلم عن فروعها ، وعن الخليفة وفروعه ، وعن الاختلاف وفروعه . وهي أصول ثلاثة . وخلط معها غيرها أيضاً .
وجعل آية : وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ ، مما استعير للمنازعة والمجادلة وكأن الهدف من التنوع الخصام !
3 . خلط الراغب وغيره بين الاستخلاف التكويني لأجيال الإنسان على الأرض ، وبين نصب الله تعالى خليفة له كآدم وداود عليهما السلام ، قال : « وعلى هذا الوجه الأخير استخلف الله أولياءه في الأرض . هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ » . مع أن الاستخلاف هنا بمعنى الخلق والإسكان ، وليس فيه معنى خلافة الله تعالى .
4 . لا تتضمن خَلَفَ معنى المدح أو الذم بل يفهم من غيرها ، نعم كلمة خَلْف في الآية : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ، تشير إلى ذمهم .
أما قوله : سكت ألفاً ونطق خَلْفاً ، فهو كما نص اللغويون : سكت ألفاً ونطق خُلفاً ، بضم الخاء مأخوذٌ من خُلوف الفم ، أو خلف الإنسان بمعنى استه ، ولهذا تضمن معنى الرداءة .
ولعل الراغب غلط في قراءته أو غَيَّره ليكون شاهداً له !
خَلَقَ
الخَلْقُ : أصله التقدير المستقيم ، ويستعمل في إبداع الشئ من غير أصل ولا احتذاء ، قال : خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « الأنعام : 1 » أي أبدعهما بدلالة قوله : بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « البقرة : 117 » .
ويستعمل في إيجاد الشئ من الشئ نحو : خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ « النساء : 1 » خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ « النحل : 4 » خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ « المؤمنون : 12 » وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ « الأعراف : 11 » خَلَقَ الْجَان مِنْ مارِجٍ « الرحمن : 15 » .
وليس الخَلْقُ الذي هو الإبداع إل الله تعالى ، ولهذا قال في الفصل بينه تعالى وبين غيره : أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ « النحل : 17 » .
وأما الذي يكون بالاستحالة فقد جعله الله تعالى لغيره في بعض الأحوال ، كعيسى حيث قال : وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطينِ كَهَيْئَةِ الطيْرِ بِإِذْنِي « المائدة : 110 » . والخلق : لا يستعمل في كافة الناس إلا على وجهين : أحدهما في معنى التقدير كقول الشاعر :
--------------------------- 297 ---------------------------
فَلَأنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ
وبعضُ القومِ يخلقُ ثم لا يفري
والثاني : في الكذب نحو قوله : وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً « العنكبوت : 17 » .
إن قيل : قوله تعالى : فَتَبارَكَ الله أَحْسَنُ الْخالِقِينَ « المؤمنون : 14 » يدل على أنه يصح أن يوصف غيره بالخلق . قيل : إن ذلك معناه : أحسن المقدرين ، أو يكون على تقدير ما كانوا يعتقدون ويزعمون أن غير الله يبدع فكأنه قيل : فأحسب أن هاهنا مبدعين وموجدين ، ف الله أحسنهم إيجاداً على ما يعتقدون ، كما قال : خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ « الرعد : 16 » . وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله « النساء : 119 » فقد قيل : إشارة إلى ما يشوهونه من الخلقة بالخصاء ونتف اللحية وما يجري مجراه . وقيل معناه : يغيرون حكمه . وقوله : لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله « الروم : 30 » فإشارة إلى ما قدره وقضاه ، وقيل معنى : لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله : نهيٌ ، أي لا تغيروا خلقة الله .
وقوله : وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ « الشعراء : 166 » فكنايةٌ عن فروج النساء .
وكل موضع استُعمل الخلق في وصف الكلام فالمراد به الكذب . ومن هذا الوجه امتنع كثير من الناس من إطلاق لفظ الخَلْق على القرآن . وعلى هذا قوله تعالى : إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الأولينَ « الشعراء : 137 » وقوله : ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ . « ص : 7 » .
والخَلْق : يقال في معنى المخلوق .
والخَلْقُ والخُلْقُ : في الأصل واحد ، كالشِّرْب والشُّرْب والصَّرم والصُّرم ، لكن خُصَّ الخَلْق بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر ، وخُصَّ الخُلُق بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة . قال تعالى : وَإنكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ « القلم : 4 » وقرئ : إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الأولينَ .
والْخَلَاقُ : ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه ، قال تعالى : ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ « البقرة : 102 » وفلان خليق بكذا ، أي كأنه مخلوق فيه ، وذلك كقولك : مجبولٌ على كذا ، أو مدعو إليه من جهة الخلق .
وخَلِقَ الثوبُ وأَخْلَقَ ، وثوب خَلِقٌ ومُخْلَق وأخلاق : نحو حَبْلٌ أرمامٌ وأرْمَات . وتُصُوِّرَ من خَلُوقَة الثوب الملامسة فقيل : جبل أَخْلَق ، وصخرة خَلْقَاء .
وخَلَقْتُ الثوب : ملسته . واخلولق السحاب منه ، أو من قولهم هو خليق بكذا . والخَلُوق : ضرب من الطيب .
ملاحظات
1 . المعنى المتبادر من الخَلْق : الإيجاد من عدم ، أو إبداع الشئ من غير أصل ولا احتذاء . وهذا مختصٌّ ب الله تعالى ، ويوصف به من يعطيه الله القدرة عليه .
فالخالق بالذات هو الله سبحانه وكل ما سواه مخلوق حتى القرآن . وقد وقع الحشوية المجسمة في شبهة أن الكلام جزء من المتكلم ، فكلام الله تعالى جزء منه فهو غير مخلوق ، فجعلوه سبحانه وجوداً مركباً مثلنا ووقعوا في التجسيم ، والله تعالى يقول : مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ . « الأنبياء : 2 » .
ومثلها شبهة أن الكلام المخلوق يعني المكذوب ، فلا يصح أن يوصف به كلام الله تعالى !
قال الراغب : « كل موضع استُعمل الخلق في وصف الكلام فالمراد به الكذب » . وهذا خطأ ، لأن المختلق بمعنى المكذوب وهو غير المخلوق المبدَع من الله تعالى .
2 . قال الله تعالى : فَتَبارَكَ الله أَحْسَنُ الْخالِقِينَ . وتخبط المفسرون في تفسيرها ، لأنها تشير إلى وصف غير الله عز وجل بأنه خالق . وفسرها الراغب بغير ظاهرها ، والصحيح تفسيرها بأن معنى الخالقين في الآية ليس
--------------------------- 298 ---------------------------
من يدعى لهم ذلك ، بل هم الخالقون بتمكين الله تعالى لهم كعيسى عليه السلام .
روى الصدوق في التوحيد / 63 ، عن الإمام الرضا عليه السلام : « قلت : جعلت فداك ، وغير الخالق الجليل خالق ؟ قال : إن الله تبارك وتعالى يقول : تبارك الله أحسن الخالقين ، فقد أخبر أن في عباده خالقين ، منهم عيسى بن مريم عليه السلام ، خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فنفخ فيه فصار طائراً بإذن الله ، والسامري خلق لهم عجلاً جسداً له خوار » .
3 . بالغ فقهاء السلطة في تفسير قوله تعالى عن إبليس : وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله « النساء : 119 » فجعلوا تغيير خلق الله يشمل حتى حلق اللحية وقص الشعر !
وفسره أئمة العترة عليهم السلام بتغيير دين الله تعالى وأمره ونهيه . « تفسير العياشي : 1 / 276 » . ولم يقبلوا الإستدل بها على تحريم حلق اللحية . قال السيد الخوئي في مصباح الفقاهة : 1 / 407 : « والظاهر أن المراد به تغيير دين الله الذي فطر الناس عليه ، وفاقاً للشيخ الطوسي » .
4 . وجعل الراغب الخُلُق بضم اللام من الخَلْق وفسربه : إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الأولينَ ! قال : « والخَلْقُ والخُلْقُ في الأصل واحد » ! ولم يقله أحد من اللغويين ، فالخُلُق بمعنى الطبيعة والسجية ، لا يأتي بمعنى خَلْق الشئ .
5 . جعل الخَلِق صفة للثوب البالي مأخوذاً من الخُلْق ، ثم قال : « وتُصُوِّرَ من خَلُوقَة الثوب المَلَاسَة فقيل : جبل أَخْلَق وصخرة خَلْقَاء » . والصحيح أن الخَلْق بمعنى الملاسة أصل مستقل كما قال ابن فارس « 2 / 213 » : « أصلان أحدهما تقدير الشئ ، والآخر مَلاسَةُ الشئ » .
خَلَأَ
الخلاء : المكان الذي لاساتر فيه من بناء ومساكن وغيرهما . والخُلُوُّ : يستعمل في الزمان والمكان ، لكن لما تُصِوِّرَ في الزمان المضي فسَّر أهل اللغة : خلا الزمان ، بقولهم : مضى الزمان وذهب . قال تعالى : وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ « آل عمران : 144 » وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ « الرعد : 6 » تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ « البقرة : 141 » قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ « آل عمآآران : 137 » إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ « فاطر : 24 » مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ « البقرة : 214 » وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ « آل عمران : 119 » . وقوله : يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ « يوسف : 9 » أي تحصل لكم مودة أبيكم وإقباله عليكم .
وخَلَا الإنسان : صار خَالِياً . وخَلَا فلان بفلان : صار معه في خَلَاءٍ . وخَلَا إليه : انتهى إليه في خلوة ، قال تعالى : وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ « البقرة : 14 » . وخلَّيت فلاناً : تركته في خَلَاءٍ ، ثم يقال لكل ترك تخلية ، نحو : فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ « التوبة : 5 » . وناقة خَلِيَّة : مُخْلَاةٌ عن الحلب . وامرأة خَلِيَّةٌ : مخلاةٌ عن الزوج . وقيل للسفينة المتروكة بلا ربان : خَلِيَّة .
والخَلِيُّ : من خَلَّاهُ الهَمُّ ، نحو المطلقة في قول الشاعر :
مطلقةً طَوْرَاً وطوراً تُرَاجَعُ
والخَلَاءُ : الحشيش المتروك حتى ييبس . ويقال : خَلَيْتُ الخَلَاءَ : جززته ، وخَلَيْتُ الدابة : جززت لها ومنه استعير : سيف يَخْتَلِي أي يقطع ما يضرب به قطعه للخلا .
ملاحظات
1 . عدَّ الراغب خلا في قوله تعالى : وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ . من الخُلُوِّ الزماني ، والصحيح أنها للخلو المكاني بمعنى خلوا معهم في مكان خلوة . وكذلك قوله تعالى : وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ .
وفاته قوله تعالى : وَأَلَقْتَ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ . أي تخلَّتْ عنهم ، وخَلِيَت بطنها منهم .
--------------------------- 299 ---------------------------
2 . فاته عدد من معاني خلا ، ذكرها الخليل « 4 / 306 » وغيره ، منها : فلان خلا لفلان أي خادعه . وخلى مكانُه أي مات . وخاليت فلاناً إذا صارعته . وخلأت الناقة خلاءً ، أي لم تبرح مكانها تعسراً منها . وما في الدار خلا زيداً . والخلي والخلية : الموضع الذي يُعْسِلُ فيه النحل .
خَمَدَ
قوله تعالى : جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ « الأنبياء : 15 » كناية عن موتهم ، من قولهم : خَمَدَتِ النار خُمُوداً : طفئ لهبها .
وعنه استعير : خمدت الحُمَّى : سكنت ، وقوله تعالى : فَإِذا هُمْ خامِدُونَ « يس : 29 » .
ملاحظات
الخمود : السكون ، والهمود : الموت . قال تعالى : وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ . وقال تعالى : حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ .
يقصد به سكونهم لا موتهم ، وإن كان سكون الموت .
قال الخليل « 4 / 235 » : « خمد القوم : إذا لم تسمع لهم حساً . وخمدت النار خموداً : سكن لهبها ، وإذا طفئت قيل همدت » .
خَمَرَ
أصل الخمر : ستر الشئ ، ويقال لما يستر به : خِمَار ، لكن الخمار صار في التعارف إسماً لما تغطي به المرأة رأسها ، وجمعه خُمُر ، قال تعالى : وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ « النور : 31 » واختمرت المرأة وتَخَمَّرَت . وخَمَّرْتُ الإناء : غطيته ، وروي : خَمِّروا آنيتكم .
وأَخْمَرْتُ العجين : جعلت فيه الخمير . والخميرة : سميت لكونها مخمورة من قبل . ودخل في خِمَار الناس : أي في جماعتهم الساترة لهم .
والخَمْر : سميت لكونها خامرةٌ لمقر العقل ، وهو عند بعض الناس اسم لكل مسكر ، وعند بعضهم اسم للمتخذ من العنب والتمر ، لما روي عنه صلى الله عليه وآله : الخمر من هاتين الشجرتين : النخلة والعنبة . ومنهم من جعلها إسماً لغير المطبوخ . ثم كمية الطبخ التي تسقط عنه اسم الخمر ، مختلفٌ فيها .
والخُمَار : الداء العارض من الخمر ، وجُعل بناؤه بناء الأدواء كالزكام والسعال . وخُمْرَةُ الطيب : ريحه . وخَامَرَهُ وخَمَرَهُ : خالطه ولزمه ، ومنه استعير : خامريُّ أمِّ عامر .
ملاحظات
1 . ذكر القرآن الخمر في ست آيات ، ثلاث منها في تحريمه : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا . « البقرة : 219 » . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ « المائدة : 90 » .
واستعمله في منام صاحبي يوسف عليه السلام ومرة في خمر الآخرة .
وفي الحجاب : وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ .
ولم يستوف الراغب معاني المادة ، لكن المهم منها ما ورد في القرآن . « لسان العرب : 4 / 254 » :
ويلاحظ أن الراغب تبنى مذهب المتساهلين في الخمر .
خَمْس
أصل الخَمْس في العدد ، قال تعالى : وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ « الكهف : 22 » وقال : فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً . « العنكبوت : 14 » .
والخميس : ثوب طوله خمس أذرع ، ورمح مَخْمُوس كذلك . والخَمْس من أظماء الإبل . وخَمَّسْتُ القومَ
--------------------------- 300 ---------------------------
أَخْمُسُهُمْ : أخذت خمس أموالهم . وخَمَّسْتُهُمْ أَخْمُسُهُمْ : كنت لهم خامساً . والخميس في الأيام معلوم .
ملاحظات
1 . فات الراغب آية الخمس ولم يذكرها في مكان آخر : وهي قوله تعالى : وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَئٍْ فَأَنَّللهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِالله وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ والله عَلَى كُلِّ شَئٍْ قَدِيرٌ . « الأنفال : 41 » .
والخمس شرعه الله قبل بدر ، فجعل لبني هاشم ميزانية خاصة ، وقد ربطه الله بمعركة بدر التي كانت فرقاناً ، والتي تم فيها تأسيس الأمة والدولة بتضحيات النبي صلى الله عليه وآله وبني هاشم خاصة .
خَمَصَ
قوله تعالى : فِي مَخْمَصَةٍ « المائدة : 3 » أي مجاعة تورث خَمْصَ البطن ، أي ضموره ، يقال : رجل خامص ، أي ضامر ، وأَخْمَص القدم : باطنها ، وذلك لضمورها .
خَمَطَ
الخمط : شجر لاشوك له ، قيل هو شجر الأراك . والخَمْطَة : الخمر إذا حمضت .
وتَخَمَّط : إذا غضب ، يقال : تَخَمَّطَ الفحل هدر .
خِنْزِير
قوله تعالى : وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ « المائدة : 60 » قيل : عنى الحيوان المخصوص ، وقيل : عنى من أخلاقه وأفعاله مشابهة لأخلاقها ، لا من خلقته خلقتها ، والأمران مرادان بالآية ، فقد روي أن قوماً مسخوا خلقةً ، وكذا أيضاً في الناس قوم إذا اعْتُبَرْتَ « فحصت » أخلاقهم وجدوا كالقردة والخنازير ، وإن كانت صورهم صور الناس .
خَنَسَ
قوله تعالى : مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ « الناس : 4 » أي الشيطان الذي يَخْنُسُ ، أي ينقبض إذا ذكر الله تعالى . وقوله تعالى : فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ « التكوير : 15 » أي بالكواكب التي تخنس بالنهار .
وقيل : الخُنَّس هي زحل والمشتري والمريخ ، لأنها تخنس في مجراها ، أي ترجع . وأَخْنَسْتُ عنه حقه : أخَّرته .
ملاحظات
سُمِّيَ الشيطان الخناس لأنه يخنس ، أي يختبئ وربما كان يخنس عن الوسوسة إذا ذكر الإنسان الله تعالى .
كما لا دليل على حصر النجوم أو الكواكب الجواري الخنس ، بما ذكره الراغب . وأن تسميتها بالخنس كان بسبب أنها تخنس عنا في النهار ، فقد يكون خنوسها في أوقات أخرى ، وقد تكون في عوالم أخرى ويكون خنوسها غير الغياب .
خَنَقَ
قوله تعالى : وَالْمُنْخَنِقَةُ « المائدة : 3 » أي التي خُنِقَتْ حتى ماتت ، والمِخْنَقَة : القلادة .
خَابَ
الخَيْبَة : فوت الطلب ، قال : وَخابَ كل جَبَّارٍ عَنِيدٍ « إبراهيم : 15 » وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى « طه : 61 » وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها « الشمس : 10 » .
ملاحظات
عرَّف الراغب الخيبة بفوت الطلب . لكنها بمعنى فوت ما طلبه ، أو خسران حظه كلياً .
خَيَرَ
الخَيْرُ : ما يرغب فيه الكل ، كالعقل مثلاً والعدل والفضل والشئ النافع ، وضده الشر . قيل : والخير ضربان .
--------------------------- 301 ---------------------------
خيرٌ مطلق : وهو أن يكون مرغوباً فيه بكل حال وعند كل أحد ، كما وصف عليه السلام به الجنة فقال : لا خير بخير بعده النار ، ولا شرَّ بشرٍّ بعده الجنة .
وخيٌر وشرٌّ مقيدان : وهو أن يكون خيراً لواحد شرّاً لآخر ، كالمال الذي ربما يكون خيراً لزيد وشراً لعمرو ، ولذلك وصفه الله تعالى بالأمرين فقال في موضع : إِنْ تَرَكَ خَيْراً « البقرة : 180 » . وقال في موضع آخر : أَيَحْسَبُونَ إنما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ « المؤمنون : 55 » . وقوله تعالى : إِنْ تَرَكَ خَيْراً « البقرة : 180 » أي مالاً .
وقال بعض العلماء : لا يقال للمال خير حتى يكون كثيراً ومن مكان طيب ، كما روي أن علياً رضي الله عنه دخل على مولى له فقال : ألا أوصي يا أمير المؤمنين ؟ قال : لا ، لأن الله تعالى قال : إِنْ تَرَكَ خَيْراً « البقرة : 180 » وليس لك مال كثير ، وعلى هذا قوله : وَإنهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ « العاديات : 8 » أي المال الكثير .
وقال بعض العلماء : إنما سُمِّيَ المال هاهنا خيراً تنبيهاً على معنى لطيف ، وهو أن الذي يحسن الوصية به ما كان مجموعاً من المال من وجه محمود ، وعلى هذا قوله : قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ « البقرة : 215 » . وقال : وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإن الله بِهِ عَلِيمٌ « البقرة : 273 » .
وقوله : فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً « النور : 33 » قيل : عنى به مالاً من جهتهم ، وقيل : إن علمتم أن عتقهم يعود عليكم وعليهم بنفع . أي ثواب .
والخير والشرُّ يقالان على وجهين ، أحدهما : أن يكونا اسمين كما تقدم ، وهو قوله : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ « آل عمران : 104 » . والثاني : أن يكونا وصفين ، وتقديرهما تقدير : أفعل منه ، نحو : هذا خير من ذاك وأفضل ، وقوله : نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها « البقرة : 106 » .
وقوله : وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ « البقرة : 184 » فخير هاهنا يصح أن يكون إسماً وأن يكون بمعنى أفعل ، ومنه قوله : وَتَزَوَّدُوا فَإن خَيْرَ الزَّادِ التقْوى « البقرة : 197 » تقديره تقدير أفعل منه .
فالخير يقابل به الشر مرة ، والضُّرُّ مرة ، نحو قوله تعالى : وَإِنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كل شَئ قَدِيرٌ « الأنعام : 17 » .
وقوله : فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ « الرحمن : 70 » قيل : أصله خَيِّرَاتٌ فخُفِّف ، فالخيْرات من النساء الخيِّرات ، يقال : رجل خَيْرٌ وامرأة خَيْرَةٌ ، وهذا خَيْرُ الرجال ، وهذه خَيْرَةُ النساء . والمراد بذلك المختارات ، أي فيهن مختارات لا رذل فيهن .
والخيِّر : الفاضل المختص بالخير ، يقال : ناقةٌ خِيَار ، وجملٌ خيار ، واستخار الله العبدُ فَخَارَ له ، أي طلب منه الخير فأولاه ، وخَايَرْتُ فلاناً كذا فَخِرْتُهُ .
والخِيَرَة : الحالة التي تحصل للمستخير والمختار ، نحو القعدة والجلسة ، لحال القاعد والجالس .
والإختيارُ : طلب ما هو خير وفعله ، وقد يقال لما يراه الإنسان خيراً وإن لم يكن خيراً . وقوله : وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ « الدخان : 32 » يصح أن يكون إشارة إلى إيجاده تعالى إياهم خيراً ، وأن يكون إشارة إلى تقديمهم على غيرهم .
والمختار : في عرف المتكلمين يقال لكل فعل يفعله الإنسان لا على سبيل الإكراه ، فقولهم : هو مختار في كذا ، فليس يريدون به ما يراد بقولهم فلان له اختيار ، فإن الاختيار أخذ ما يراه خيراً ، والمختار قد يقال للفاعل والمفعول .
خُوَار
قوله تعالى : عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ « الأعراف : 148 » الخُوَار : مختص بالبقر وقد يستعار للبعير ، ويقال : أرض خَوَّارَة ، ورمح خَوَّار ، أي فيه خَوَرٌ .
والخَوْرَان : يقال لمجرى الرَّوث ، وصوت البهائم .
--------------------------- 302 ---------------------------
خَوَضَ
الخَوْضُ : هو الشُّروع في الماء والمرور فيه ، ويستعار في الأمور . وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذمُّ الشروع فيه ، نحو قوله تعالى : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ : إنما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ « التوبة : 65 » وقوله : وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا « التوبة : 69 » ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ « الأنعام : 91 » وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ « الأنعام : 68 » .
وتقول : أَخَضْتُ دابتي في الماء ، وتخاوضوا في الحديث : تفاوضوا .
ملاحظات
عّرَّفَ اللغويون الخوض : بالمشي في الماء . ولا معنى للشروع في الماء الذي عرفه به الراغب ، بل يقال : شرع بالمشي في الماء .
على أن خطأه الأكبر ، أن الخوض ليس مجرد الشروع في المشي بل هو توسط الماء ، كما أنه ليس المشي في الماء فقط بل في كل مخاضة . قال ابن فارس « 2 / 229 » : « الخاء والواو والضاد أصل واحد ، يدل على توسط شئ ودخول . يقال : خضت الماء وغيره » .
وقال في أساس البلاغة / 254 : « خاض الماء خوضاً وخياضاً وخوضةً . وخضت السويق بالمخوض جدحته وخوضته . ومن المجاز خاضوا في الحديث ، وتخاوضوا فيه » .
خَيَطَ
الخَيْطُ : معروف وجمعه خُيُوط . وقد خِطْتُ الثوب أَخِيطُهُ خِيَاطَةً ، وخَيَّطْتُهُ تَخْييطاً . والخِيَاطُ : الإبرة التي يخاط بها ، قال تعالى : حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ « الأعراف : 40 » حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ « البقرة : 187 » أي بياض النهار من سواد الليل .
والخيطة في قول الشاعر : تدلَّى عليها بين سبٍّ وخِيطَةٍ
فهي مستعارة للحبل أو الوتد .
وروي أن عدي بن حاتم عمد إلى عقالين أبيض وأسود فجعل ينظر إليهما ويأكل ، إلى أن يتبيَّن أحدهما من الآخر ، فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك فقال : إنك لعريض القفا ، إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل .
وخَيَّطَ الشَّيْبُ في رأسه : بدا كالخيط .
والخَيْط : النعام وجمعه خِيطَان ، ونعامة خَيْطاء : طويلة العنق ، كأنما عنقها خيط .
ملاحظات
وضَّح الإمام الجواد عليه السلام معنى الخيط الأبيض في الآية ، قال الراوي : « فكتب بخطه وقرأته : الفجر يرحمك الله ، هو الخيط الأبيض المعترض ليس هو الأبيض صعداء . فلا تُصَلِّ في سفر ولا حضر حتى تَتَبَيَّنَهُ ، فإن الله تبارك وتعالى لم يجعل خلقه في شبهة من هذا فقال : كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ . فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في الصوم ، وكذلك هو الذي توجب به الصلاة » . « الكافي : 3 / 282 » .
وما ذكره الراغب من شتم النبي صلى الله عليه وآله للصحابي الجليل عدي بن حاتم رضي الله عنه لا يصح ، وهو من تحامل رواة السلطة على عدي ، لأنه كان من أصحاب علي عليه السلام ! وقد رواه البخاري « 5 / 156 » وزعم أن عدياً رحمه الله قال : « قلت يا رسول الله ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان ؟ قال : إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ! ثم قال : لا ، بل هو سواد الليل وبياض النهار » .
--------------------------- 303 ---------------------------
وعريض القفا هو الأبله أو الأحمق ، وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وآله أن يقول ذلك لمثل عدي . وقد حاول شراح البخاري أن يخففوه ، أو يؤولوه ، فلم يوفقوا .
خَوْف
الخَوْف : تَوَقُّعُ مكروهٍ ، عن أمارة مظنونة أو معلومة . كما أن الرجاء والطمع توقع محبوبٍ ، عن أمارة مظنونة أو معلومة .
ويضاد الخوف الأمن ، ويستعمل ذلك في الأمور الدنيوية والأخروية . قال تعالى : وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ « الإسراء : 57 » . وقال : وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ إنكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِالله « الأنعام : 81 » . وقال تعالى : تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً « السجدة : 16 » . وقال : وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا « النساء : 3 » .
وقوله : وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما « النساء : 35 » . فقد فسر ذلك بعرفتم ، وحقيقته : وإن وقع لكم خوف من ذلك لمعرفتكم .
والخوف من الله لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب ، كاستشعار الخوف من الأسد ، بل إنما يراد به الكف عن المعاصي واختيار الطاعات ، ولذلك قيل : لا يعد خائفاً من لم يكن للذنوب تاركاً . والتخويفُ من الله تعالى : هو الحث على التحرُّز وعلى ذلك قوله تعالى : ذلِكَ يُخَوِّفُ الله بِهِ عِبادَهُ « الزمر : 16 »
ونهى الله تعالى عن مخافة الشيطان ، والمبالاة بتخويفه فقال : إنما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ « آل عمران : 175 »
أي فلا تأتمروا لشيطان وائتمرو الله ، ويقال : تخوفناهم أي تنقصناهم تنقصاً اقتضاه الخوف منه .
وقوله تعالى : وَإني خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي « مريم : 5 » فخوفه منهم أن لا يراعوا الشريعة ولا يحفظوا نظام الدين ، لا أن يرثوا ماله كما ظنه بعض الجهلة ، فالقنيات الدنيوية أخس عند الأنبياء عليهم السلام من أن يشفقوا عليها .
والخِيفَةُ : الحالة التي عليها الإنسان من الخوف ، قال تعالى : فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ « طه : 67 » واستعمل استعمال الخوف في قوله : وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ « الرعد : 13 » .
وقوله : تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ « الروم : 28 » أي كخوفكم ، وتخصيص لفظ الخيفة تنبيهاً [ على ] أن الخوف منهم حالة لازمة لا تفارقهم .
والتخَوُّفُ : ظهور الخوف من الإنسان ، قال : أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ « النحل : 47 » .
ملاحظات
عَرَّفَ الراغب الخوف بأنه « توقع مكروهٍ عن أمارة » والصحيح أنه نوع من الفزع سواء وجدت أمارة على وقوع ما يفزع منه أم لا .
والخوف من الله تعالى ، أنواع ، وهوبمعنى الخوف من الوقوع في معصية والتعرض لغضب الله تعالى وعقوبته .
وله مرادفات ، تشكل منظومة في سلوك المؤمن مع ربه عز وجل وأهمها : الخشية . والخشوع . والرهبة . والفزع . والتوقي . والحذر . وكلها استعملت في القرآن وبينها فروق ، وبحثها خارج عن غرضنا .
وقد يكون خوفاً من الناس كقوله تعالى : فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لما خِفْتُكُمْ .
وقد يكون ممدوحاً : يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا .
أو مذموماً : إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ .
أو طبيعياً غير مذموم : وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ .
--------------------------- 304 ---------------------------
أو خوفاً من عدو : فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً .
أو من الفقر : وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً . أو من المجتمع : وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِي مِنْ وَرَائي .
واستعمل الراغب : الإئتمارلله أو لشيطان . والفصيح : الإئتمار بأمر الله ، أو بأمر الشيطان .
وقال : يقال تخوفناهم ، أي تنقصناهم تنقصاً اقتضاه الخوف منه . ومعنى كلامه : انتقصناهم وطعنا فيهم ، فخفنا من ردة فعلهم .
خَيَلَ
الخَيَال : أصله الصورة المجردة ، كالصورة المتصورة في المنام وفي المرآة ، وفي القلب بعيد غيبوبة المرئي .
ثم تستعمل في صورة كل أمر متصور ، وفي كل شخص دقيق يجري مجرى الخيال .
والتخييل : تصوير خيال الشئ في النفس . والتخيُّل : تصور ذلك . وخِلْتُ : بمعنى ظننت يقال اعتباراً بتصور خيال المظنون . ويقال خَيَّلَتِ السماءُ : أبدت خيالاً للمطر ، وفلان مَخِيلٌ بكذا ، أي خليق ، وحقيقته : أنه مظهر خيال ذلك .
والخُيَلَاء : التكبر ، عن تخيل فضيلة تراءت للإنسان من نفسه ، ومنها يتأول لفظ الخيل لما قيل : إنه لا يركب أحد فرساً إلا وجد في نفسه نخوة .
والْخَيْلُ : في الأصل اسم للأفراس والفرسان جميعاً ، وعلى ذلك قوله تعالى : وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ « الأنفال : 60 » . ويستعمل في كل واحد منهما منفرداً نحو ما روي : يا خيل الله اركبي ، فهذا للفرسان ، وقوله عليه السلام : عفوت لكم عن صدقة الخيل ، يعني الأفراس .
والأخيل : الشِّقْرَاق لكونه متلوِّناً فيختال في كل وقت إن له لوناً غير اللون الأول ، ولذلك قيل كأبي براقش كل لون لونه يتخيل » .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة في آية سَحَرة فرعون : فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى .
وفي رباط الخيل ، وفي خيل الشيطان : وَاجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ . ولا يصح قوله إن الخيل راكبها .
أما المختال : فهو من الإختيال والخُيلاء ، وليس من تخيل .
خَوَلَ
قوله تعالى : وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ « الأنعام : 94 » أي ما أعطيناكم . والتخويل في الأصل : إعطاء الخَوَل . وقيل إعطاء ما يصير له خولاً ، وقيل إعطاء ما يحتاج أن يتعهده ، من قولهم : فلان خَالُ مَالٍ وخَايِلُ مالٍ ، أي حسن القيام به . والخَال : ثوبٌ يعلق فيخيل للوحوش . والخَال في الجسد : شامةٌ فيه .
خَوَنَ
الخِيَانَة والنفاق واحد ، إلا إن الخيانة تقال اعتباراً بالعهد والأمانة ، والنفاق يقال اعتباراً بالدين . ثم يتداخلان ، فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر .
ونقيض الخيانة الأمانة . يقال : خُنْتُ فلاناً وخنت أمانة فلان ، وعلى ذلك قوله : لا تَخُونُوا الله وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ « الأنفال : 27 » وقوله تعالى : ضَرَبَ الله مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما « التحريم : 10 » وقوله : وَلا تَزالُ تَطلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ « المائدة : 13 » أي على جماعة خائنة منهم .
وقيل على رجل خائن يقال : رجل خائن وخائنة ، نحو راوية وداهية . وقيل : خائنة موضوعة موضع المصدر نحو : قم قائماً .
وقوله : يَعْلَمُ خائِنَةَ الأعيُنِ « غافر : 19 » على ما تقدم . وقال تعالى : وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا الله مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ
--------------------------- 305 ---------------------------
مِنْهُمْ « الأنفال : 71 » وقوله : عَلِمَ الله إنكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ « البقرة : 187 » .
والإختيان : مراودة الخيانة ، ولم يقل : تخونون أنفسكم ، لأنه لم تكن منهم الخيانة بل كان منهم الإختيان ، فإن الإختيان تحرك شهوة الإنسان لتحري الخيانة ، وذلك هو المشار إليه بقوله تعالى : إن النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ « يوسف : 53 » .
ملاحظات
1 . عَرَّفَ ابن فارس « 2 / 231 » الخيانة بأنها التنقص ، وعرفها الراغب بالنفاق وهو أقوى . لأن معناها في القرآن شديد ، قال تعالى : إِنَّ الله لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ . إِنَّ الله لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَانٍ كَفُورٍ . إِنَّ الله لا يُحِبُّ مَنْ كَأن خَوَانًا أَثِيمًا . لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ . . وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً .
2 . لا يصح تفسير الراغب للإختيان بأنه التفكير بالخيانة لأنه نفس الخيانة ، لكن الله سمى خيانة الإنسان لنفسه : اختياناً ، ففي البخاري « 5 / 156 » : « وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله تعالى : عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ » .
3 . اتفق اللغويون على أن خائنة الأعين بمعنى النظر سرقةً . قال الخليل « 4 / 309 » : « وخائنة العين : ما تخون من مسارقة النظر ، أي تنظر إلى ما لا يحل . وإذا نبا سيفك عن الضريبة فقد خانك .
والخُوَان : المائدة ، معربة ، وجمعه : الخَون » .
وفي أساس البلاغة / 256 : « خائنة الأعين ، وهي النظرة المسارقة إلى ما لا يحل » . ولا يبعد أن تشمل أنواعاً من النظر ليس فيها مسارقة .
خَوَيَ
أصل الخَوَاء : الخلا ، يقال خَوَى بطنه من الطعام يَخْوِي خَوًى ، وخَوَى الجَوْز خَوًى تشبيهاً به . وخَوَتِ الدار تَخْوِي خَوَاءً .
وخَوَى النجم وأَخْوَى : إذا لم يكن منه عند سقوطه مطر ، تشبيهاً بذلك . وأخوى : أبلغ من خوى ، كما أن أسقى أبلغ من سقى . والتخوية : ترك ما بين الشيئين خالياً .
ملاحظات
لم يذكر الراغب شيئاً من آيات المادة ، وهي خمسة . في ثلاث منها : وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا . وفي واحدة : فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا . وفي الخامسة : فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأنهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ .
وذكر أكثر اللغويين كالراغب أن خاوية بمعنى خالية ، لكن المفسرين رأو أن ذلك يصح في قوله تعالى : فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ، ولا يصح في قوله تعالى : وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا . لأن العروش السقوف ولا معنى لقولك : خالية على سقوفها ، ولذلك فسروها بساقطة جدرانها بعد سقوط سقوفها .
وكذا فسروا قوله تعالى : كَأنهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ بأعجاز نخل ساقطة من يبسها ، أي خلت من الهواء فسقطت .
وكأن الخواء فراغ الهواء الذي يوجب السقوط ويوجب فراغ البيوت من ساكنيها .
ومنه التخوية في السجود ، وهي ترك فراغ بين البدن والأرض .
والتخوية في الركوع فتح الرجلين كثيراً والانحناء قليلاً . وفي الطبري « 1 / 323 » : « كان عمر إذا أراد أن يركع خوى » . أي يفتح رجليه ويركع على جنبه .
تم كتاب الخاء
--------------------------- 306 ---------------------------
كتاب الدال وما يتصل بها
دَبَّ
الدَّبُّ والدَّبِيبُ : مشيٌ خفيفٌ ، ويستعمل ذلك في الحيوان وفي الحشرات أكثر .
ويستعمل في الشراب والبِلى ونحو ذلك ، مما لا تدرك حركته الحاسة .
ويستعمل في كل حيوان ، وإن اختصت في التعارف بالفَرَس ، قال تعالى : والله خَلَقَ كل دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ . الآية « النور : 45 » وقال : وَبَثَّ فِيها مِنْ كل دَابَّةٍ « البقرة : 164 » وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى الله رِزْقُها « هود : 6 » وقال تعالى : وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ « الأنعام : 38 » .
وقوله تعالى : وَلَوْ يُؤاخِذُ الله النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ « فاطر : 45 » قال أبو عبيدة : عنى الإنسان خاصة ، والأولى إجراؤها على العموم .
وقوله : وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكلمُهُمْ « النمل : 82 » فقد قيل : إنها حيوان بخلاف ما نعرفه يختصُّ خروجها بحين القيامة . وقيل : عنى بها الأشرار الذين هم في الجهل بمنزلة الدواب ، فتكون الدابة جمعاً لكل شئ يَدِبُّ ، نحو : خائنة جمع خائن .
وقوله : إن شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ الله « الأنفال : 22 » فإنها عام في جميع الحيوانات . ويقال : ناقة دَبُوب : تدبُّ في مشيها لبطئها . وما بالدار دُبِّيٌّ ، أي من يدب . وأرض مَدْبُوبَة : كثيرة ذوات الدبيب فيها .
ملاحظات
تفسير الرغب لآية دابة الأرض يدل على خلل في منهجه في التفسير ، وأنه قد يساوي بين القول القطعي وبين الاحتمال المردود . فالآية صريحة في أن دابة الأرض معجزة تكلم الناس ، والأحاديث متواترة عند
--------------------------- 307 ---------------------------
المسلمين في أنها من علامات القيامة . لكن الراغب فسرها بقيل وقيل !
دَبَرَ
دُبُرُ الشئ : خلاف القُبُل ، وكُنِّيَ بهما عن العضوين المخصوصين . ويقال : دُبْرٌ ودُبُرٌ وجمعه أَدْبَار ، قال تعالى : وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ « الأنفال : 16 » . وقال : يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ « الأنفال : 50 » أي قُدَّامهم وخلفهم . وقال : فَلا ثُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ « الأنفال : 15 » وذلك نهيٌ عن الإنهزام .
وقوله : وَأَدْبارَ السُّجُودِ « ق : 40 » أواخر الصلوات .
وقرئ : وَإِدْبارَ النُّجُومِ وأَدْبَار النجوم ، فإدبار مصدر مجعول ظرفاً ، نحو مقدم الحاج ، وخفوق النجم ، ومن قرأ : أدبار فجمع .
ويُشتقُّ منه تارة باعتبار دَبَرَ الفاعل ، وتارة باعتبار دَبَرَ المفعول . فمن الأول قولهم : دَبَرَ فلانٌ ، وأمس الدابر ، وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ « المدثر : 33 » . وباعتبار المفعول قولهم : دَبَرَ السهم الهدف : سقط خلفه ، ودَبَرَ فلان القوم : صار خلفهم ، قال تعالى : إن دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ « الحجر : 66 » وقال تعالى : فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا « الأنعام : 45 » .
والدابر : يقال للمتأخر وللتابع ، إما باعتبار المكان ، أو باعتبار الزمان ، أو باعتبار المرتبة .
وأَدبرَ : أعرض وولى دبره ، قال : ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ « المدثر : 23 » وقال : تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى « المعارج : 17 »
وقال عليه السلام : لا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً . وقيل : لا يذكر أحدكم صاحبه من خلفه .
والاستدبار : طلب دبر الشئ . وتدابر القوم : إذا ولى بعضهم عن بعض .
والدِّبَار : مصدر دابرته ، أي عاديته من خلفه .
والتدبيرُ : التفكر في دُبُر الأمور ، قال تعالى : فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً « النازعات : 5 » يعني : ملائكة موكلة بتدبير أمور . والتدبير : عتق العبد عن دَبَر ، أو بعد موته .
والدِّبَار : الهلاك الذي يقطع دابرتهم .
وسمي يوم الأربعاء في الجاهلية دِبَاراً ، قيل : وذلك لتشاؤمهم به . والدَّبِير من الفتيل : المَدْبُور أي المفتول إلى خلف ، والقبيل بخلافه .
ورجل مُقَابَل مُدَابَر : أي شريف من جانبيه . وشاة مُقَابَلَة مُدَابَرَة : مقطوعة الأذن من قُبُلها ودُبُرها .
ودابرة الطائر : إصبعه المتأخرة ، ودابرة الحافر : ما حول الرسغ . والدَّبُور : من الرياح معروف . والدَّبْرَة : من المزرعة : جمعها دَبَار ، قال الشاعر :
على جَرْبَةٍ تَعْلُو الدَّبَارُ غُروبَهَا
والدَّبْر : النحل والزنابير ونحوهما مما سلاحها في أدبارها ، الواحدة دَبْرَة . والدَّبْرُ : المال الكثير الذي يبقى بعد صاحبه ، ولا يثنى ولا يجمع .
ودَبَرَ البعير دَبَراً : فهو أَدْبَرُ ودَبِرٌ : صار بقرحه دُبْراً ، أي متأخراً . والدَّبْرَة : الإدبار .
ملاحظات
1 . معنى الدُّبُر والدُّبْر في العربية : خلف الشئ . يقولون : جعل فلان قولي دُبُر أذنه ، أي خلف أذنه . وجعلته دُبُر أذني ، وجئتُكَ دُبُرَ الشهر . « غريب الحديث لابن قتيبة : 2 / 6 » .
لكن استعماله في مقعد الإنسان جعله المتبادر إلى أذهان العامة ، مثل الغائط والغوطة للأرض المنخفضة ، فصار المتبادر منه فضلات الإنسان .
2 . كشف القرآن عن المدَبِّرَات في أمور الكون من الملائكة أو القوى غير العاقلة ، وأقسم بها ، فقال : فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا . وهو ردٌّ على من ينسبنا إلى
--------------------------- 308 ---------------------------
الغلو في النبي وآله صلى الله عليه وآله ويستعظم القول بأن الله تعالى أعطاهم دوراً في إدارة الكون وأمور العباد . وكذا النازعات والزاجرات . .
دَثَرَ
قال الله تعالى : يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، أصله المتدثر فأدغم ، وهو المتدرع دِثَاره يقال : دَثَرْتُهُ فَتَدَثَّرَ . والدِّثَار : ما يتدثر به .
وقد تَدَثَّرَ الفحل الناقة : تسنمها ، والرجل الفرس : وثب عليه فركبه . ورجل دَثُور : خامل مستتر . وسيف داثر : بعيد العهد بالصقال ، ومنه قيل للمنزل الدارس داثر ، لزوال أعلامه . وفلان دِثْرُ مالٍ : أي حَسَنُ القيام به .
ملاحظات
استعمل القرآن لفظين قليلي الاستعمال لوصف حالة النبي صلى الله عليه وآله . فالمدثر والمزمل قلما يستعملان في التلفف بالثوب . لأن الدِّثْر بمعنى المال ، وبمعنى دروس الرسم ، وليس فيه ما يتعلق بالثوب ، إلا قولهم تَدَثَّر ، بمعنى لبس ثيابه الفوقية . « الصحاح : 2 / 655 » .
وقال ابن فارس « 2 / 328 » : « وهوتضاعف شئ وتناضده بعضه على بعض ، فالدثر المال الكثير والدثار ما تدثر به الإنسان وهو فوق الشعار » .
أما التزمل ، فقد ذكروا أنه نوعٌ من الصوت والمشي ، ولم يذكروا تزمل بمعنى تلفف بالثوب . « العين : 7 / 371 » .
دَحَرَ
الدَّحْر : الطرد والإبعاد ، يقال : دَحَرَهُ دُحُوراً ، قال تعالى : أخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً « الأعراف : 18 » وقال : فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً « الإسراء : 39 »
وقال : وَيُقْذَفُونَ مِنْ كل جانِبٍ دُحُوراً « الصافات : 8 » .
دَحَضَ
قال تعالى : حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ « الشورى : 16 » أي باطلة زائلة ، يقال : أدحضت فلاناً في حجته فَدَحَضَ ، قال تعالى : وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحق « الكهف : 56 » وأدحضت حجته فَدَحَضَتْ ، وأصله من دحض الرجل ، وعلى نحوه في وصف المناظرة : نظراً يزيل مواقع الإقدامِ . ودَحَضَتِ الشمس : مستعار من ذلك .
دَحَا
قال تعالى : وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها « النازعات : 30 » أي أزالها عن مقرها ، كقوله : يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ « المزمل : 14 »
وهو من قولهم : دحا المطر الحصى عن وجه الأرض ، أي جَرَفَهَا .
ومرَّ الفرس يَدْحُو دَحْواً : إذا جرَّ يده على وجه الأرض فيدحو ترابها . ومنه : أُدْحِيُّ النَّعام ، وهو أُفْعُول من دحوت . ودِحْيَة : اسم رجل .
ملاحظات
فسر الراغب دحا الأرض بإزالتها عن مقرها ، فلا يكون فيها إشارة إلى كروية الأرض ، لكن أدحية النعامة : مكان بيضها في الرمل وهو دائري كروي .
ومن معاني دَحْوِ الشئ دَحْرَجَتُهُ ، ولا يكون إلا لكروي . ففي غريب الحديث للحربي « 2 / 725 » : « دحا إليَّ النبي صلى الله عليه وآله سفرجلة وقال : دونكها فإنها تذهب طخا الصدر » . وفي أساس البلاغة / 265 : « خلق الله الأرض مجتمعة ثم دحاها ، أي بسطها ومدها ووسعها كما يأخذ الخباز الفرزدقة فيدحوها . ويقال لِلَّاعب بالجوز : أبْعِدْ وَادْحُهُ ، أي إرمه » .
دَخَرَ
قال تعالى : وَهُمْ داخِرُونَ « النحل : 48 » أي أذلّاء ، يقال : أَدْخَرْتُهُ فَدَخَرَ ، أي أذللته فذل ، وعلى ذلك قوله : إن الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ
--------------------------- 309 ---------------------------
داخِرِينَ « غافر : 60 » . وقوله : يَدَّخِرُ أصله : يذتخر ، وليس من هذا الباب .
دَخَلَ
الدخول : نقيض الخروج ، ويستعمل ذلك في المكان والزمان والأعمال ، يقال : دخل مكان كذا ، قال تعالى : أدْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ « البقرة : 58 » ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ « النحل : 32 » ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها « الزمر : 72 » وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ « المجادلة : 22 » وقال : يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ « الإنسان : 31 » وَقُلْ : رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ « الإسراء : 80 » .
فمَدْخَل : مِنْ دَخَل يَدْخُلُ ، ومُدْخَل : من أدخل ، لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ « الحج : 59 » وقوله : مُدْخَلًا كَرِيماً « النساء : 31 » قرئ بالوجهين . وقال أبو علي الفسوي : من قرأ مَدخلاً بالفتح فكأنه إشارة إلى أنهم يقصدونه ، ولم يكونوا كمن ذكرهم في قوله : الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ « الفرقان : 34 » وقوله : إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ « غافر : 71 » ومن قرأ مُدخلاً فكقوله : لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ « الحج : 59 » .
وادَّخَلَ : اجتهد في دخوله ، قال تعالى : لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا « التوبة : 57 » .
والدَّخَلُ : كناية عن الفساد والعداوة المستبطنة كالدغل ، وعن الدعوة في النسب يقال : دَخِلَ دَخَلاً ، قال تعالى : تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ « النحل : 92 » . يقال : دُخِلَ فلان : فهو مدخول ، كنايةً عن بَلَهٍ في عقله ، وفساد في أصله . ومنه قيل : شجرة مدخولة . والدِّخَالُ في الإبل : أن يدخل إبل في أثناء ما لم تشرب لتشرب معها ثانياً .
والدَّخَلَ : طائر سمي بذلك لدخوله فيما بين الأشجار الملتفة . والدَّوْخَلَّة : معروفة . « زنبيل » .
ودَخَلَ بامرأته : كناية عن الإفضاء إليها ، قال تعالى : مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ « النساء : 23 » .
ملاحظات
المتفق عليه أن قوله تعالى : وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ . بضم الميم من مُدخل ومُخرج . وذكر الراغب أن سببه أنها من أدخل الرباعي ، وذلك تبعاً للغويين .
وقال الزبيدي : « القاعدة أَنّ كلَّ فِعْلٍ ثُلاثيٍّ يكون مُضارعُه غيرَ مكسورٍ يأْتي منه المصدر والمَكَان والزَّمَان على المَفْعَل بالفَتْح ، إِلاّ ما شَذَّ كالمَطْلِع والمَشْرِقِ مما جاءَ بالوَجْهَيْنِ » . « تاج العروس : 3 / 339 » .
لكن الذي أميل اليه أن الضم والفتح تابع للمعنى المقصود ، وليس للرباعي والثلاثي .
فالمَدخل بالفتح هو المصدر والموضع ، أي الفعل المطلق ومكانه . أما بالضم فهو اسم لموضع مختار منه . والمدعو به في الآية : اسم مصدر مناسب يختاره الله ، وليس كل مصدر ، ولذا ميزه عن المطلق المفتوح بالضم .
دَخَنَ
الدُّخَان كالعُثَان : المستصحبللهيب . قال : ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ « فصلت : 11 » أي هي مثل الدخان ، إشارة إلى أنه لا تماسك لها ، ودَخَنَتِ النار تَدْخُنُ : كثر دخانها .
والدُّخْنَة : منه لكن تعورف فيما يتبخَّر به من الطيب . ودَخِنَ الطبيخ : أفسده الدخان .
وتُصُوَِّر من الدخان اللون فقيل : شاة دَخْنَاء ، وذات دُخْنَةٍ ، وليلة دَخْنَانَة . وتُصُوِّر منه التأذي به فقيل : هو دَخِنُ الخُلُقِ ، وروي : هدنة على دَخَنٍ ، أي على فسادٍ دخلة .
--------------------------- 310 ---------------------------
ملاحظات
العُثان : الغبار . والدخان أعم مما فيه لهب أوليس فيه . فاشتراطاللهب زيادة من الراغب .
دَرَّ
قال تعالى : وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً « الأنعام : 6 » يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً « نوح : 11 » وأصله : من الدَّرِّ والدِّرَّة ، أي اللبن . ويستعار ذلك للمطر استعارة أسماء البعير وأوصافه فقيل : لله دَرُّه ، ودَرَّ دَرُّكَ .
ومنه استعير قولهم للسُّوق : دِرَّةٌ ، أي نفاق ، وفي المثل : سبقت دِرَّته غراره ، نحو سبق سيله مطره . ومنه اشتق : اسْتَدَرَّت المعزى ، أي طلبت الفحل ، وذلك أنها إذا طلبت الفحل حملت ، وإذا حملت ولدت فإذا ولدت درَّت . فكُنِّيَ عن طلبها الفحل بالإستدرار .
ملاحظات
جعل الراغب الدَّر أصلاً واحداً من دَرِّ اللبن ، ثم قال إنه استعير منه الدُّرَّة بمعنى السوط ، والدَّر بمعنى النفاق ، ولم يذكر الدُّر بمعنى الجوهر . ويصعب القول بوحدة أصلها ، أو برجوعها إلى أصلين فقط .
دَرَجَ
الدرجة : نحو المنزلة ، لكن يقال للمنزلة : درجة إذا اعتبرت بالصعود دون الامتداد على البسيطة ، كدرجة السطح والسُّلَّم .
ويعبر بها عن المنزلة الرفيعة : قال تعالى : وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ « البقرة : 228 » تنبيهاً لرفعة منزله الرجال عليهن في العقل والسياسة ونحو ذلك من المشار إليه بقوله : الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ . الآية . « النساء : 34 »
وقال : لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ « الأنفال : 4 » وقال : هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ الله « آل عمران : 163 » أي هم ذووا درجات عند الله ، ودرجات النجوم تشبيهاً بما تقدم .
ويقال لقارعة الطريق : مَدْرَجَة ، ويقال : فلان يتدرج في كذا ، أي يتصعد فيه درجة درجة . ودَرَجَ الشيخ والصبي دَرَجَاناً : مشى مشية الصاعد في درجه .
والدَّرْجُ : طيُّ الكتاب والثوب ، ويقال للمطوي : دَرْجٌ . واستعير الدَّرْج للموت كما استعير الطيُّ له في قولهم : طوته المنية . وقولهم : من دبَّ ودرج ، أي من كان حيّاً فمشى ، ومن مات فطوى أحواله .
والدُّرْجُ : سفط يجعل فيه الشئ . والدُّرْجَة : خرقة تلفُّ فتدخل في حياء الناقة .
وقوله : سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ « الأعراف : 182 » قيل معناه : سنطويهم طيَّ الكتاب عبارة عن إغفالهم نحو : وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا « الكهف : 28 » .
وقيل : سَنَسْتَدْرِجُهُمْ معناه : نأخذهم درجة فدرجة ، وذلك إدناؤهم من الشئ شيئاً فشيئاً كالمراقي والمنازل في ارتقائها ونزولها . والدُّرَّاج : طائر يدرج في مشيته .
دَرَسَ
دَرَسَ الدَّارُ : معناه بقي أثرها . وبقاء الأثر يقتضي انمحاءه في نفسه ، فلذلك فسر الدُّرُوس بالإنمحاء .
وكذا دَرَسَ الكتابَ ودَرَسْتُ العلمَ : تناولت أثره بالحفظ . ولما كان تناول ذلك بمداومة القراءة عُبِّر عن إدامة القراءة بالدرس ، قال تعالى : وَدَرَسُوا ما فِيهِ « الأعراف : 169 » وقال : بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ « آل عمران : 79 » وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها « سبأ : 44 » . وقوله تعالى : وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ « الأنعام : 105 » وقرئ : دَارَسْتَ أي جاريتَ أهل الكتاب . وقيل : وَدَرَسُوا ما فِيهِ : تركوا العمل به ، من قولهم : دَرَسَ القومُ المكان ، أي أبلوا أثره . ودَرَسَتِ المرأةُ : كنايةٌ عن حاضت .
--------------------------- 311 ---------------------------
ودَرَسَ البعيرُ : صار فيه أثر جرب .
ملاحظات
دَوَّنَ اللغويون مادة درس فجعلوا دراسة غير الكتب هي الأصل ، ودراسة الكتب مستعارة من الثوب الدارس والمكان الدارس . لكن قوله تعالى : وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . « الأنعام : 105 » يدل على أن المادة أصيلة في اللغة العربية وغيرها من اللغات كالعبرية وإن كان سينها شيناً .
لذا نرجح أن يكون دَرْسُ الثوب استعير من دَرْس الكتاب ، وكذا دَرْسُ البيدر لاستخراج الحب من الحنطة .
ومن أفضل من استوفى المادة ، ابن منظور « 6 / 79 » قال : « دَرَسَ الشئُ والرَّسْمُ يَدْرُسُ دُرُوساً : عفا . وكذلك قالوا : دَرَسَ البعيرُ إِذا جَرِبَ جَرَباً شديداً فَقُطِرَ . ودُرِسَ الطعامُ يُدْرسُ دِراساً : إِذا دِيسَ . والدِّراسُ : الدِّياسُ بلغة أَهل الشام . ودَرَسَ الكتابَ يَدْرُسُه دَرْساً ودِراسَةً ودارَسَه من ذلك ، كأَنه عانده حتى انقاد لحفظه .
وقد قرئ بهما : وليَقُولوا دَرَسْتَ ، وليقولوا دارَسْتَ . وقيل : دَرَسْتَ قرأَتَ كتبَ أَهل الكتاب . ودارَسْتَ : ذاكَرْتَهُ .
ويقال سمي إِدْرِيس عليه السلام لكثرة دِراسَتِه كتابَ الله تعالى ، واسمه أَخْنُوخُ .
والمِدْراسُ والمَدْرَسُ : الموضع الذي يُدْرَسُ فيه . وكذلك مَدارِسُ اليهود . وفي حديث اليهودي الزاني : فوضع مِدْراسُها كَفَّه على آيةِ الرَّجمِ . المِدْراسُ صاحب دِراسَةِ كتبهم ، ومِفْعَل ومِفْعالٌ من أَبنية المبالغة . ومنه الحديث الآخر : حتى أَتى المِدْراسَ ، هو البيت الذي يَدْرسون فيه .
ودارَسْت الكتبَ وتَدارَسْتُها وادَّارَسْتُها : أَي دَرَسْتُها . وفي الحديث : تَدارَسُوا القرآن ، أَي اقرأُوه وتعهدوه لئلا تَنْسَوْه . وأَصل الدِّراسَةِ : الرياضة والتعَهُّدُ للشئ » .
دَرَكَ
الدَّرْكُ : كالدَّرْج ، لكن الدَّرْجَ يقال اعتباراً بالصعود ، والدرك اعتباراً بالحدور ، ولهذا قيل : درجات الجنة ودَرَكَات النار . ولتصوُّر الحدور في النار سُمِّيَتْ هاوية ، وقال تعالى : إن الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ « النساء : 145 » والدَّرك أقصى قعر البحر .
ويقال للحبل الذي يوصل به حبل آخر ليدرك الماء : دَرَكٌ ، ولما يلحق الإنسان من تبعة : دَرَكٌ كالدرك في البيع . قال تعالى : لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى « طه : 77 » أي تبعة .
وأَدْرَكَ : بلغ أقصى الشئ ، وأَدْرَكَ الصبي : بلغ غاية الصبا ، وذلك حين البلوغ ، قال : حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ « يونس : 90 » .
وقوله : لاتُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ « الأنعام : 103 » فمنهم من حمل ذلك على البصر الذي هو الجارحة ، ومنهم من حمله على البصيرة ، وذكر أنه قد نُبه به على ما روي عن أبي بكر في قوله : يا من غاية معرفته القصور عن معرفته . إذ كان غاية معرفته تعالى أن تعرف الأشياء فتعلم أنه ليس بشئ منها ، ولا بمثلها ، بل هو موجد كل ما أدركته .
والتدَارُكُ في الإغاثة والنعمة أكثر نحو قوله تعالى : لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ « القلم : 49 » وقوله : حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً « الأعراف : 38 » أي لحق كل بالآخر . وقال : بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ « النمل : 66 » أي تدارك فأدغمت التاء في الدال ، وتُوُصِّلَ إلى السكون بألف الوصل .
وعلى ذلك قوله تعالى : حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها « الأعراف : 38 » ونحوه : اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ « التوبة : 38 » واطيَّرْنا بِكَ « النمل : 47 » وقرئ : بل أَدْرَكَ علمُهم في الآخرة ، وقال الحسن : معناه جهلوا أمر الآخرة . وحقيقته انتهى علمهم في لحوق الآخرة فجهلوها . وقيل معناه بل يدرك علمهم
--------------------------- 312 ---------------------------
ذلك في الآخرة أي إذا حصلوا في الآخرة ، لأن ما يكون ظنوناً في الدنيا فهو في الآخرة يقين .
ملاحظات
1 . قال الراغب : « لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ . فمنهم من حمل ذلك على البصر الذي هو الجارحة . ومنهم من حمله على البصيرة » ! مع أنه لا يوجد أحدٌ من المفسرين حمله على نفي إدراك الله بالبصيرة ولا يصح ذلك لأنه يعني عدم إمكان معرفته ! إلا إذا أراد نفي التوهم فيصح ، كما قال الإمام الجواد عليه السلام : « يا أبا هاشم ، أوهام القلوب أدق من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك ، وأوهام القلوب لا تدركه ، فكيف أبصار العيون » .
2 . ما ذكره الراغب على لسان أبي بكر ، لم يذكره أحد غيره ، لا من المحدثين ولا من المفسرين ، ولا من رواة فضائل أبي بكر ، فلا بد أن يكون من الموضوعات !
3 . تفاوتت كلمات المفسرين في : قوله تعالى : بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ . ففسرها بعضهم بالعلم بالآخرة ، ولا يصح ، لأنه عَدَّى الفعل بفي ، ومعناه أن الآخرة ظرف لعلمهم بها أو بغيرها ، وليست موضوعاً له .
والصحيح ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام « تفسير البرهان : 4 / 226 » : « علموا ما كانوا جهلوا في الدنيا » فمعناه أن علمهم بحياتهم وبعثهم وما غاب عنهم يتكامل في الآخرة . ويتضح ذلك من سياق الآية : قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا الله وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ . بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ . « النمل : 65 » .
ويدل عليه أن ادَّارك وردت في القرآن بهذا المعنى ، قال تعالى : حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا . « الأعراف : 38 » . أي تتابعوا واكتملوا .
4 . قال الخليل « 5 / 327 » : « الدِّرَاك : اتباع الشئ بعضه على بعض . قال الله تعالى : حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا ، أي أدرك آخرهم أولهم فاجتمعوا فيها . وقوله عز وجل : بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ . أي لاعلم عندهم في أمرها » .
وقال ابن فارس « 2 / 269 » : « لأن علمهم أدركهم في الآخرة حين لم ينفعهم » ! ويرد عليهما ما تقدم ، بل المعنى : تنامى علمهم حتى تكامل في الآخرة .
دِرْهَم
قال تعالى : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ « يوسف : 20 » الدِّرهم : الفضَّة المطبوعة المتعامل بها .
دَرَى
الدِّراية : المعرفة المدركة بضرب من الحيل ، يقال : دَرَيْتُهُ ، ودَرَيْتُ به ، دِرْيَةً ، نحو : فِطْنَة ، وشِعْرة ، وادَّرَيْتُ قال الشاعر : وماذا يدَّرِي الشُّعَرَاءُ مِنِّي
وقد جَاوَزْتُ رَأسَ الأربعينِ
والدَّرِيَّة : لما يتعلم عليه الطعن ، وللناقة التي ينصبها الصائد ليأنس بها الصيد ، فيستتر من ورائها فيرميه .
والمِدْرَى : لقرن الشاة ، لكونها دافعة به عن نفسها ، وعنه استعير المُدْرَى لما يصلح به الشعر .
قال تعالى : لا تَدْرِي لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً « الطلاق : 1 » وقال : وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ « الأنبياء : 111 » وقال : ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ « الشورى : 52 » .
وكل موضع ذكر في القرآن وَما أَدْراكَ ، فقد عقَّب ببيانه نحو : وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ « القارعة : 10 » وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ « القدر : 2 » وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ « الحاقة : 3 » ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ « الانفطار : 18 » . وقوله : قُلْ لَوْ شاءَ الله ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ
--------------------------- 313 ---------------------------
« يونس : 16 » من قولهم : دريْت ، ولو كان من درأت لقيل : ولا أدرأتكموه .
وكل موضع ذكر فيه : وَما يُدْرِيكَ لم يعقبه بذلك ، نحو : وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى « عبس : 30 » وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ « الشورى : 17 » .
والدِّراية : لا تستعمل في الله تعالى ، وقول الشاعر :
لَاهُمَّ لَا أَدْرِي وَأَنْتَ الدَّارِي فمن تعجرف أجلاف العرب
ملاحظات
1 . قال الراغب : « الدِّراية : المعرفة المدركة بضرب من الحيل » فأدخل معنى الحيلة في الدراية لأنه تصور أنها مأخوذة من دارَى ، ودَارَاه تأتي بمعنى خاتله . وهو تصورٌ خاطيء ، فلا درى من دارى ، ولا داراه بمعنى خاتله بل داراه بمعنى جاراه وجامله ولاينه وتألفه ، ومنه الحديث النبوي : مداراة الناس نصف العقل . ومنه حكم المؤلفة قلوبهم ، فهل يأمر الله ورسوله بالحيلة والمخاتلة !
قال الإمام الصادق عليه السلام في معنى الدراية : « عليكم بالدرايات لا بالروايات . خبر تدريه خير من ألف ترويه » . « مستطرفات السرائر / 266 » .
كما أن قوله إن الله تعالى ذكر جواب أدراك ولم يذكر جواب يدريك ، فهو غير دقيق . وقد نقضه بآية أدراكم به ، فليس فيها جواب !
2 . وقد رتَّب الراغب على تكلفه بأن درى فيها نوع من الحيلة ، أنه لا يجوز وصف الله تعالى بالدراية ، لأنه منزه عن الحيلة ، ثم تهجم على العجاج الشاعر ، ولم يسمه لأنه قال : لاهُمَّ لا أَدْرِي وأَنْتَ الداري
كلُّ امْرئٍ مِنْكَ على مِقْدارِ
فقال عنه : « وقول الشاعر فمن تعجرف أجلاف العرب » .
والجلافة : الغلظة والجفاء في الخَلْق والخُلق . والعجرفة : الحَمَق والتسرع وقلة المبالاة !
وكان الواجب على الراغب لما رأى العجاج أمير الرجز العربي قد استعمله الله تعالى ، أن يرجع عن تخيله أنها تتضمن معنى الحيلة ، ويصحح علمه ، لكنه بدل ذلك شتم العجاج ! راجع : ابن منظور : 12 / 555 ، و : 1 / 71 ، و : 9 / 11 ، والخليل : 8 / 58 ، والجوهري : 6 / 2334 ، وابن فارس : 2 / 271 ، والمصون في الأدب للعسكري / 138 ، ومعجم المناهي اللفظية لأبي زيد : 1 / 78 ، والمخصص : 3 ق 3 / 158 .
دَرَأ
الدَّرْءُ : الميل إلى أحد الجانبين ، يقال : قَوَّمت دَرْأَهُ . ودَرَأْتُ عنه : دفعت عن جانبه . وفلان ذو تَدَرُّؤٍ ، أي قويٌّ على دفع أعدائه .
ودَارَأْتُهُ : دافعته . قال تعالى : وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ « الرعد : 22 » وقال : وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ « النور : 8 » .
وفي الحديث : إدْرَءُوا الحدود بالشبهات ، تنبيهاً على تطلُّب حيلة يدفع بها الحد ، قال تعالى : قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ « آل عمران : 168 » وقوله : فَادَّارَأْتُمْ فِيها « البقرة : 72 » هو تفاعلتم ، أصله : تَدَارَأْتُم ، فأريد منه الإدغام تخفيفاً وأبدل من التاء دال فسُكِّن للإدغام ، فاجتلب لها ألف الوصل فحصل على افَّاعلتم .
قال بعض الأدباء : ادَّارأتم افتعلتم ، وغُلِّطَ من أوجه : أولاً ، أن ادَّارأتم على ثمانية أحرف ، وافتعلتم على سبعة أحرف . والثاني : أن الذي يلي ألف الوصل تاء ، فجعلها دالاً . والثالث : أن الذي يلي الثاني دال فجعلها تاء . والرابع : أن الفعل الصحيح العين لا يكون ما بعد تاء الافتعال منه إلا متحركاً ، وقد جعله هاهنا ساكناً . الخامس : أن هاهنا قد دخل بين التاء والدال زائد ، وفي افتعلت لا يدخل ذلك .
--------------------------- 314 ---------------------------
السادس : أنه أنزل الألف منزل العين ، وليست بعين . السابع : إن افتعل قبله حرفان ، وبعده حرفان ، وادارأتم بعده ثلاثة أحرف .
ملاحظات
كلام الراغب في وزن ادَّارأتم بلا موجب . وقد استعمل القرآن الدَّرْأَ بمعنى الدفع والمنع وذكره اللغويون ، وذكروا معانٍ أخرى ومنها الميل إلى أحد الجانبين . لكن ذلك لا يصحح أن يَجعل المَيْل أول معانيها . قال الخليل « 8 / 60 » : « ودرأته عني ، أي دفعته » .
وقال ابن فارس « 2 / 272 » : « وأما المهموز قولهم درأت الشئ دفعته . قال الله تعالى : وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ . فأما الدرأ الذي هو الإعوجاج فمن قياس الدفع ، لأنه إذا اعوجَّ اندفع من حد الاستواء إلى الإعوجاج » .
دَسَّ
الدَّسُّ : إدخال الشئ في الشئ بضرب من الإكراه يقال : دَسَسْتُهُ فَدُسَّ . وقد دُسَّ البعير بالهناء ، وقيل : ليس الهناء بالدَّس . قال الله تعالى : أَمْ يَدُسُّهُ فِي الترابِ . « النحل : 59 » .
دَسَرَ
قال تعالى : وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ « القمر : 13 » أي مسامير ، الواحد دِسَار ، وأصل الدَّسْرِ : الدفع الشديد بقهر ، يقال : دَسَرَهُ بالرُّمح ، ورجل مِدْسَر ، كقولك : مِطْعَن ، وروي : ليس في العنبر زكاة ، إنما هو شئ دسره البحر » .
دَسَّى
قال تعالى : وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها « الشمس : 10 » أي دسسها في المعاصي ، فأبدل من إحدى السينات ياء ، نحو : تَظنَّيْتُ ، وأصله تَظنَّنْتُ .
دَعَّ
الدَّعُّ : الدفع الشديد . وأصله أن يقال للعاثر : دَعْ دَعْ ، كما يقال له : لَعَا . قال تعالى : يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا « الطور : 13 » وقوله : فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ « الماعون : 2 » قال الشاعر : دَعُّ الوصيِّ في قفا يتيمهِ .
ملاحظات
ذكر عامة اللغويين أن : دَعْ دَعْ ، تقال للعاثر أي الذي يسقط على الأرض ، ومعناها قم أنعشك الله . فجعلها الراغب أصل دَعَّهُ بمعنى دفعه بشدة . وهذا اشتباه واضح لعدم العلاقة بين المعنيين !
دَعَا
الدُّعَاء كالنداء ، إلا إن النداء قد يقال بيا ، أو أيا ، ونحو ذلك من غير أن يُضم إليه الاسم ، والدُّعَاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم نحو : يا فلان . وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر . قال تعالى : كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً « البقرة : 171 » .
ويستعمل استعمال التسمية ، نحو : دَعَوْتُ ابني زيداً ، أي سميته . قال تعالى : لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً « النور : 63 » حثّاً على تعظيمه ، وذلك مخاطبة من كان يقول : يا محمد .
ودَعَوْتَهُ : إذا سألته وإذا استغثته ، قال تعالى : قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ « البقرة : 68 » أي سله . وقال : قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ الله أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ « الأنعام : 40 » تنبيهاً [ على ] أنكم إذا أصابتكم شدة لم تفزعوا إلا إليه .
وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً « الأعراف : 56 » وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ الله إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ « البقرة : 23 » وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ « الزمر : 8 » وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ « يونس : 12 » وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ الله ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ « يونس : 106 » .
--------------------------- 315 ---------------------------
وقوله : لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً « الفرقان : 14 » هو أن يقول : يا لهفاه ، ويا حسرتاه ، ونحو ذلك من ألفاظ التأسُّف والمعنى : يحصل لكم غموم كثيرة .
[ وقوله : ادْعُ لَنا رَبَّكَ « البقرة : 68 » أي سله ] .
والدُّعاءُ إلى الشئ : الحثُّ على قصده قال : رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ « يوسف : 33 » وقال : والله يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ « يونس : 25 » وقال : يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِالله وَأُشْرِكَ بِهِ « غافر : 41 » وقوله : لا جَرَمَ إنما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ « غافر : 43 » أي رفعةٌ وتنويهٌ .
والدِّعْوَةُ : مختصة بادعاء النسبة . وأصلها للحالة التي عليها الإنسان نحو القَعدة والجَلسة .
وقولهم : دَعْ دَاعِي اللبن ، أي غُبْرَةً تجلب منها اللبن .
والادِّعاءُ : أن يدعي شيئاً أنه له ، وفي الحرب الإعتزاء « ينتسب الفارس » قال تعالى : وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ نُزُلًا « فصلت : 31 » أي ما تطلبون .
والدَّعْوَى : الادعاء ، قال : فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا « الأعراف : 5 » والدَّعْوَى : الدعاء ، قال : وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ « يونس : 10 » .
ملاحظات
1 . قوله : « والدِّعْوَةُ مختصة بادعاء النسبة » والصحيح أن يقول : وابن دِعْوَة ، تقال لدعيِّ النسب . وقوله : « وأصلها للحالة التي عليها الإنسان » : لا معنى معقولاً له .
وقوله : « قولهم : دَعْ دَاعِي اللبن ، أي غُبْرَةً تجلب منها اللبن » . أي : دعْ شيئاً في الضرع يستدعيالحليب .
2 . لم يذكر الراغب دعاء أحد ، أو الدعاء إلى أحد ، بمعنى الدعاء إلى عبادته ، قال تعالى : أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ . وقال : إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ . وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ .
دَفَعَ
الدَّفْعُ : إذا عُدِّيَ بإلى اقتضى معنى الإنالة ، نحو قوله تعالى : فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ « النساء : 6 » . وإذا عُدِّي بعن اقتضى معنى الحماية نحو : إن الله يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا « الحج : 38 » وقال : وَلَوْلا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ « الحج : 40 » وقوله : لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ الله ذِي الْمَعارِجِ « المعارج : 2 » أي حام .
والمُدَفَّع : الذي يدفعه كل أحد .
والدُّفْعَة من المطر ، والدُّفَّاع من السَّيْل .
دَفَقَ
قال تعالى : ماءٍ دافِقٍ « الطارق : 6 » : سائل بسرعة . ومنه استعير : جاءوا دُفْقَةً . وبعير أَدْفَقُ : سريع . ومَشَى الدِّفِقَّى ، أي يتصبَّبُ في عدوه كتصبب الماء المتدفق . ومشوا دفقاً .
ملاحظات
الدافق : المندفع بقوة ، متصلاً كان أو متقطعاً ، ولا ينحصر بالسائل كما تصور الراغب .
دَفِئَ
الدِّفْء : خلاف البرد ، قال تعالى : لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ « النحل : 5 » وهو لما يُدفئ . ورجل دفآن ، وامرأة دفأى ، وبيت دفئ .
دَكَّ
الدَّكُّ : الأرض اللينة السهلة ، وقد دَكَّهُ دَكّاً . قال تعالى : وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً « الحاقة : 14 » وقال : دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا « الفجر : 21 » أي جعلت بمنزلة الأرض اللينة . وقال الله تعالى : فَلما تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا « الأعراف : 143 » . ومنه الدُّكَّان .
والدكداك : رمل لينة .
--------------------------- 316 ---------------------------
وأرض دَكَّاء : مُسَوَّاة ، والجمع الدُّكُّ ، وناقة دكاء : لا سنام لها ، تشبيهاً بالأرض الدكاء .
ملاحظات
لا يصح تفسيره دُكَّت الأرض بأنها جعلت سهلة ، بل الدكُّ هو الدق والرص ، وشبهه . قال ابن فارس « 2 / 258 » : « الدال والكاف أصلان أحدهما : يدل على تطامن وانسطاح . من ذلك الدكان وهو معروف . والأصل الآخر : يقرب من باب الإبدال فكأن الكاف فيه قائمة مقام القاف ، يقال دككت الشئ ، مثل دققته » .
دَلَّ
الدلالة : ما يتوصل به إلى معرفة الشئ ، كدلالة الألفاظ على المعنى ، ودلالة الإشارات والرموز والكتابة والعقود في الحساب ، وسواء كان ذلك بقصد ممن يجعله دلالة ، أو لم يكن بقصد كمن يرى حركة إنسان فيعلم أنه حي . قال تعالى : ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ « سبأ : 14 » .
وأصل الدلالة مصدر ، كالكتابة والإمارة . والدال : من حصل منه ذلك . والدليل : في المبالغة كعالم وعليم ، وقادر وقدير . ثم يسمى الدال والدليل دلالة ، كتسمية الشئ بمصدره .
« قال تعالى : ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا » . « الفرقان : 45 » .
دَلْوٌ
دَلَوْتُ الدَّلْوَ : إذا أرسلتها ، وأدليتها أي أخرجتها ، وقيل : يكون بمعنى أرسلتها ، قاله أبو منصور في الشامل : قال تعالى : فَأَدْلى دَلْوَهُ « يوسف : 19 » واستعير للتوصل إلى الشئ ، قال الشاعر : وليس الرزقُ عن طلبٍ حثيثٍ
ولكنْ أَلْقِ دَلْوَكَ في الدِّلَاءِ
وبهذا النحو سمي الوسيلة المائح ، قال الشاعر :
ولي مائحٌ لم يُورِدِ الناسُ قَبْلَهُ
مُعِلٌّ وأشطانُ الطوِيِّ كثيرُ
قال تعالى : وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ « البقرة : 188 » والتدَلِّي : الدُّنوُّ والاسترسال ، قال تعالى : ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى « النجم : 8 » .
دَلَكَ
دُلُوك الشمس : ميلها للغروب . قال تعالى : أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ « الإسراء : 78 » هو من قولهم : دَلَكْتُ الشمس : دفعتها بالراح . ومنه : دلكت الشئ في الراحة . ودَالَكْتُ الرجل : إذا ماطلته . والدَّلُوك : ما دلكته من طيب . والدَّلِيك : طعام يتخذ من الزبد والتمر .
ملاحظات
لا معنى لقوله دلكْتُ الشمس : دفعتُها بالراح . وهذا الفقرة أخذها الراغب من المجمل ، وليس فيها : دفعتها بالراح ، فهي زائدة ، وهي : دَلَكَتِ الشمس بمعنى زالت .
دَمْدَمَ
فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ « الشمس : 14 » أي أهلكهم وأزعجهم ، وقيل : الدمدمة حكاية صوت الهرة ومنه : دَمْدَمَ فلان في كلامه . ودَمَمْتُ الثوب : طليته بصبغ مَّا . والدِّمَام : يطلى به . وبعير مَدْمُوم بالشحم .
والدَّامَّاء والدُّمَمَة : جحر اليربوع . والدَّامَاء بالتخفيف . والدَّيْمُومَة : المفازة .
دَم
أصل الدم دميٌ وهو معروف ، قال الله تعالى : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ « المائدة : 3 » وجمعه دِمَاء . وقال : لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ « البقرة : 84 » .
وقد دَمِيَتِ الجراحةُ . وفرس مَدْمي : شديد الشقرة كالدم في اللون . والدُّمْيَة : صورة حسنة . وشَجَّةٌ دامية .
دَمَّرَ
قال : فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً « الفرقان : 36 » وقال : ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ « الشعراء : 172 » وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا
--------------------------- 317 ---------------------------
يَعْرِشُونَ « الأعراف : 137 » . والتدمير : إدخال الهلاك على الشئ ، ويقال : ما بالدار تَدْمُرِيٌّ . وقوله تعالى : دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ « محمد : 10 » فإن مفعول دمَّر محذوف .
دَمَعَ
قال تعالى : تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً « التوبة : 92 » فالدمع يكون إسماً للسائل من العين ، ومصدر دَمَعَتِ العينُ دَمْعاً ودَمَعَاناً .
دَمَغَ
قال تعالى : بَلْ نَقْذِفُ بِالْحق عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ « الأنبياء : 18 » أي يكسر دِمَاغَهُ ، وحجة دَامِغَةٌ كذلك . ويقال للطلعة تخرج من أصل النخلة فتفسده إذا لم تقطع : دامغة ، وللحديدة التي تُشَدُّ على آخر الرحل : دامغة ، وكل ذلك استعارة من الدَّمْغ الذي هو كسر الدماغ .
دَنَرَ
قال تعالى : مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ « آل عمران : 75 » أصله : دنار ، فأبدل من إحدى النونين ياء ، وقيل : أصله بالفارسية دينآر ، أي الشريعة جاءت به .
دَنَا
الدُّنُو : القرب بالذات أو بالحكم ، ويستعمل في المكان والزمان والمنزلة . قال تعالى : وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ « الأنعام : 99 » وقال تعالى : ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى « النجم : 8 » هذا بالحكم . ويعبر بالأدنى تارة عن الأصغر فيقابل بالأكبر نحو : وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ « المجادلة : 7 » .
وتارة عن الأرذل فيقابل بالخير ، نحو : أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ « البقرة : 61 » وعن الأول فيقابل بالآخر ، نحو : خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ « الحج : 11 » . وقوله : وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإنهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ « النحل : 122 » .
وتارة عن الأقرب فيقابل بالأقصى ، نحو : إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى « الأنفال : 42 »
وجمع الدنيا الدُّنَى ، نحو الكبرى والكُبَر ، والصغرى والصُّغَر .
وقوله تعالى : ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ « المائدة : 108 » أي أقرب لنفوسهم أن تتحرى العدالة في إقامة الشهادة ، وعلى ذلك قوله تعالى : ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ « الأحزاب : 51 »
وقوله تعالى : لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ « البقرة : 220 » متناول للأحوال التي في النشأة الأولى ، وما يكون في النشأة الآخرة . ويقال : دَانَيْتُ بين الأمرين ، وأَدْنَيْتُ أحدهما من الآخر . قال تعالى : يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ « الأحزاب : 59 » . وأَدْنَتِ الفرسُ : دنا نتاجها .
وخُصَّ الدنئ بالحقير القدر ، ويقابل به السيئ يقال : دنئ بَيِّنُ الدناءة . وما روي : إذا أكلتم فَدَنُّوا ، من الدون ، أي كلوا مما يليكم .
دَهَرَ
الدهر : في الأصل اسم لمدة العالم من مبدأ وجوده إلى انقضائه ، وعلى ذلك قوله تعالى : هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ « الدهر : 1 » ثم يعبر به عن كل مدة كثيرة وهو خلاف الزمان ، فإن الزمان يقع على المدة القليلة والكثيرة . ودَهْرُ فلان : مدة حياته ، واستعير للعادة الباقية مدة الحياة فقيل : ما دهري بكذا . ويقال : دَهَرَ فلاناً نائبةٌ دَهْراً ، أي نزلت به ، حكاه الخليل . فالدهر هاهنا مصدر .
وقيل : دَهْدَرَهُ دَهْدَرَةً ، ودَهْرٌ دَاهِرٌ ودَهِيرٌ .
وقوله عليه الصلاة والسلام : لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ، قد قيل معناه : إن الله فاعل ما يضاف إلى الدهر من الخير ، والشر ، والمسرة والمساءة ، فإذا سببتم الذي تعتقدون أنه فاعل ذلك فقد سببتموه ، تعالى عن ذلك .
وقال بعضهم : الدهر الثاني في الخبر غير الدهر الأول ،
--------------------------- 318 ---------------------------
وإنما هو مصدر بمعنى الفاعل ومعناه : إن الله هو الداهر ، أي المصرِّف المدبر المفيض لما يحدث . والأول أظهر .
وقوله تعالى إخباراً عن مشركي العرب : ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ « الجاثية : 24 » قيل : عنى به الزمان .
ملاحظات
لم تروِ مصادرنا حديث : لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ، ورواه مسلم « 7 / 45 » بهذا اللفظ . والبخاري « 7 / 115 » بلفظ : « قال الله : يسب بنو آدم الدهر ، وأنا الدهر ، بيدي الليل والنهار » . ولم يرتضه بعض علمائنا ، كالفضل بن شاذان الأزدي المتوفى 260 ، قال في كتابه الإيضاح / 15 : « عامة أصحاب الحديث مثل سفيان الثوري ويزيد بن هارون ، وجرير بن عبد الله ، ووكيع بن الجراح ، وأشباههم من العلماء الذين يروون أن النبي صلى الله عليه وآله قال : لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر . فهم على معنى ما رووا أن الله هو الدهر لا يعيبون أن يقولوا : يا دهرُ ارحمنا ، ويا دهرُ اغفر لنا ، ويا دهرُ ارزقنا » .
بينما أغمض الشريف الرضي عن صحته ، وقال في المجازات النبوية / 235 : « لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر . وهو مجاز ، وذلك أن العرب كانت إذا قرعتها القوارع ونزلت بها النوازل ، وحطمتها السنون الحواطم ، وسلبت كرائم أعلاقها من مال مثمر ، أو ولد مؤمل ، أو حميم مرجب ، ألقت المَلاوِم على الدهر ، فقالت في كلامها وأسجاعها ، وأرجازها وأشعارها : استقاد منا الدهر ، وجار علينا الدهر ، ورمانا بسهامه الدهر ، كقول القائل منهم وهو عدي بن زيد .
ثم أمْسَوْا لَعِبَ الدهرُ بهمْ
وكذاكَ الدهرُ يُودِي بالرجالْ
فكأنه صلى الله عليه وآله قال : لاتذموا الذي يفعل بكم هذه الأفعال فإن الله سبحانه هو المعطي والمنتزع والباسط والقابض » .
دَهَقَ
قال تعالى : وَكَأْساً دِهاقاً « النبأ : 34 » أي مفعمة ، ويقال : أَدْهَقْتُ الكأسَ فَدَهَقَ ، ودَهَقَ لي من المال دَهْقَةً ، كقولك : قبض قبضة .
دَهَمَ
الدُّهْمَة : سواد الليل ، ويعبر بها عن سواد الفرَس ، وقد يعبر بها عن الخضرة الكاملة اللون ، كما يعبر عن الدُّهْمَة بالخضرة إذا لم تكن كاملة اللون ، وذلك لتقاربهما باللون . قال الله تعالى : مُدْهامَّتانِ « الرحمن : 64 » .
وبناؤهما من الفعل مفعال ، يقال ادهامَّ ادهيماماً . قال الشاعر في وصف الليل : في ظِلِّ أخضرَ يَدْعُو هَامَهُ البُومُ .
دَهَنَ
قال تعالى : تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ « المؤمنون : 20 » وجمع الدهن أدهان . وقوله تعالى : فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ « الرحمن : 37 » قيل : هو دَرْدِيُّ الزيت .
والمَدْهَن : ما يجعل فيه الدهن ، وهو أحد ما جاء على مفعل من الآلة . وقيل للمكان الذي يستقر فيه ماء قليل : مَدْهَن تشبيهاً بذلك .
ومن لفظ الدُّهن استعير الدَّهِين للناقة القليلة اللبن ، وهي فعيل في معنى فاعل ، أي تعطي بقدر ما تدهن به . وقيل : بمعنى مفعول ، كأنه مَدْهُون باللبن . أي كأنها دُهِنَتْ باللبن لقلته ، والثاني أقرب من حيث لم يدخل فيه الهاء . ودَهَنَ المطر الأرض : بَلَّها بللاً يسيراً كالدهن الذي يدهن به الرأس . ودَهَنَهُ بالعصا : كناية عن الضرب على سبيل التهكم ، كقولهم : مسحته بالسيف ، وحييته بالرمح .
والإِدْهَانُ : في الأصل مثل التدهين ، لكن جعل عبارة عن
--------------------------- 319 ---------------------------
المداراة والملاينة ، وترك الجد ، كما جعل التقريد وهو نزع القراد عن البعير عبارة عن ذلك . قال : أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ « الواقعة : 81 » قال الشاعر :
الحزم والقوّةُ خيرٌ من الإدهان والفَكَّة والهَاعِ
وداهنت فلاناً مداهنة . قال : وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ « القلم : 9 » .
دَأَبَ
الدَّأْب : إدامة السَّيْر ، دَأَبَ في السّير دَأْباً . قال تعالى : وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ « إبراهيم : 33 » .
والدأب : العادة المستمرة دائماً على حالة ، قال تعالى : كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ « آل عمران : 11 » أي كعادتهم التي يستمرون عليها .
دَاوُد
داود : اسم أعجمي .
دَارَ
الدَّار : المنزل اعتباراً بدورانها الذي لها بالحائط . وقيل دارةٌ وجمعها ديار ، ثم تسمى البلدة داراً ، والصَّقْعُ داراً ، والدنيا كما هي داراً .
والدار الدنيا والدار الآخرة : إشارة إلى المقرَّيْن في النشأة الأولى والنشأة الأخرى . وقيل : دار الدنيا ودار الآخرة : قال تعالى : لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ « الأنعام : 127 » أي الجنة .
ودارَ الْبَوارِ : أي الجحيم . قال تعالى : قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ « البقرة : 94 » وقال : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ « البقرة : 243 » وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا « البقرة : 246 » وقال : سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ « الأعراف : 145 » أي الجحيم .
وقولهم : ما بها دَيَّار أي ساكن ، وهو فَيْعَال ولو كان فعَّالاً لقيل : دوَّار كقولهم : قوَّال وجوَّاز .
والدَّائرَةُ : عبارة عن الخط المحيط ، يقال : دَارَ يدور دوراناً ، ثم عبر بها عن المحادثة .
والدَّوَّاريُّ : الدهر الدائر بالإنسان من حيث إنه يُدور بالإنسان ، ولذلك قال الشاعر : والدهرُ بالإنسانِ دَوَّارِيُّ .
والدورة والدائرة في المكروه ، كما يقال : دولة في المحبوب . وقوله تعالى : نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ « المائدة : 52 » .
والدَّوَّار : صنم كانوا يطوفون حوله .
والدَّاريُّ : المنسوب إلى الدار ، وخصص بالعطار تخصيص الهالكي بالقَيْن قال صلى الله عليه وآله : مثل الجليس الصالح كمثل الداريِّ . ويقال للازم الدار : داريٌّ .
وقوله تعالى : وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ « التوبة : 98 » أي يحيط بهم السوء إحاطة الدائرة بمن فيها ، فلا سبيل لهم إلى الإنفكاك منه بوجه . وقوله تعالى : إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ « البقرة : 282 » أي تتداولونها وتتعاطونها من غير تأجيل .
ملاحظات
قول الراغب : « الدَّار : المنزل ، اعتباراً بدورانها الذي لها بالحائط » . فيه عجمة ، وقصده : سميت الدار ، لأن لها حائطاً يدور عليها .
دَوَلَ
الدَّوْلَة والدُّولَة واحدة ، وقيل : الدُّولَة : في المال ، والدَّوْلَة : في الحرب والجاه .
وقيل : الدُّولَة اسم الشئ الذي يتداول بعينه ، والدَّوْلَة المصدر . قال تعالى : كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ « الحشر : 7 » .
وتداول القوم كذا أي تناولوه من حيث الدولة . وداول الله كذا بينهم . قال تعالى : وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ « آل عمران : 140 » .
والدؤلول : الداهية ، والجمع الدَّآليل والدَّؤلات .
--------------------------- 320 ---------------------------
دَوَمَ
أصل الدوام السكون ، يقال : دام الماء أي سكن ، ونهي أن يبول الإنسان في الماء الدائم .
وأَدَمْتُ القدر ودَوَّمْتُهَا : سكَّنت غليانها بالماء .
ومنه : دَامَ الشئ : إذا امتد عليه الزمان ، قال تعالى : وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ « المائدة : 117 » إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً « آل عمران : 75 » لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها « المائدة : 24 » .
ويقال : دُمْتَ تَدَامُ ، وقيل : دِمْتَ تدوم ، نحو : مِتَّ تموت . ودوَّمَتِ الشمس في كبد السّماء ، قال الشاعر :
والشمس حَيْرَى لها في الجَوِّ تَدْوِيمُ
ودَوَّمَ الطير في الهواء : حَلَّقَ . واستدمت الأمر : تأنَّيْتُ فيه . والظَّلُّ الدَّوْم : الدائم . والدِّيمَة : مطر تدوم أياماً .
دَيَنَ
يقال : دِنْتُ الرجل : أخذت منه دَيْناً . وأَدَنْتُهُ : جعلته دائناً ، وذلك بأن تعطيه ديناً . قال أبو عبيد : دِنْتُهُ أقرضته ، ورجل مَدِين ومديون . ودِنْتُهُ : استقرضت منه ، قال الشاعر :
نَدِينُ ويَقضي الله عنَّا وقد نرى
مصارعَ قومٍ لا يَدِينُونَ ضُيَّعَا
وأَدَنْتُ : مثل دِنْتُ . وأَدَنْتُ : أي أقرضت . والتدَايُنُ والمداينة : دفع الدَّيْن ، قال تعالى : إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى « البقرة : 282 » وقال : مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ « النساء : 11 » .
والدِّينُ : يقال للطاعة والجزاء ، واستعير للشريعة . والدِّينُ كالملة ، لكنه يقال اعتباراً بالطاعة والانقياد للشريعة ، قال : إن الدِّينَ عِنْدَ الله الْإِسْلامُ « آل عمران : 19 » وقال : وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ « النساء : 125 » أي طاعة . وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ « النساء : 146 » وقوله تعالى : يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ « النساء : 171 » وذلك حثٌّ على اتِّباع دين النبي صلى الله عليه وآله الذي هو أوسط الأديان كما قال : وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً « البقرة : 143 » .
وقوله : لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ « البقرة : 256 » قيل : يعني الطاعة ، فإن ذلك لا يكون في الحقيقة إلا بالإخلاص ، والإخلاص لا يتأتى فيه الإكراه . وقيل إن ذلك مختص بأهل الكتاب الباذلين للجزية .
وقوله : أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ « آل عمران : 83 » يعني الإسلام لقوله : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ « آل عمران : 85 » . وعلى هذا قوله تعالى : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحق « الصف : 9 » وقوله : وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحق « التوبة : 29 » وقوله : وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ « النساء : 125 » فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ « الواقعة : 86 » أي غير مجزيين .
والمدين والمدينة : العبد والأمة . قال أبو زيد : هو من قولهم : دِينَ فلان يُدَانُ : إذا حمل على مكروه ، وقيل هو من دِنْتُهُ : إذا جازيته بطاعته . وجعل بعضهم المدينة من هذا الباب .
ملاحظات
جعل بعض اللغوين ومنهم الراغب ، أصل هذه المادة الدَّيْن ، بمعنى القرض . مع أن ديَّنَه بمعنى أقرضه وُجِدَتْ بعد الدِّين والدَّيْنُونةلله تعالى .
وأجاد ابن فارس بقوله « 2 / 319 » : « دِين : أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها . وهو جنس من الانقياد والذل . فالدين الطاعة يقال دانَ له يدين ديناً ، إذا أصحب وانقاد وأطاع ، وقوم دِينٌ ، أي مطيعون منقادون .
والمدينة : كأنها مفعلة ، سميت بذلك لأنها تقام فيها طاعة ذوي الأمر . فأما قوله جل ثناؤه : مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ
--------------------------- 321 ---------------------------
فِي دِينِ الْمَلِكِ ، فيقال : في طاعته ، ويقال : في حكمه . ومنه : مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، أي يوم الحكم ، وقال قوم : الحساب والجزاء .
ومن هذا الباب الدَّيْن ، يقال : داينتُ فلاناً إذا عاملته ديناً ، إما أخذاً وإما إعطاءً » .
دَوَنَ
يقال للقاصر عن الشئ : دُون ، قال بعضهم : هو مقلوب من الدُّنو . والأدون : الدنئ . وقوله تعالى : لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ « آل عمران : 118 » أي ممن لم يبلغ منزلته منزلتكم في الديانة ، وقيل في القرابة . وقوله : وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ « النساء : 48 » أي ما كان أقل من ذلك ، وقيل ما سوى ذلك ، والمعنيان يتلازمان .
وقوله تعالى : أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ الله « المائدة : 116 » أي غير الله ، وقيل : معناه إلهين متوصلاً بهما إلى الله .
وقوله : لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ « الأنعام : 51 » وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ الله مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ . أي ليس لهم من يواليهم من دون أمر الله . وقوله : قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ الله ما لايَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا « الأنعام : 71 » مثله . وقد يُغْرَى بلفظ دون فيقال : دونك كذا ، أي تناوله .
قال القتيبي : يقال : دَانَ يَدُونُ دَوْناً : ضَعُف » .
تم كتاب الدال
--------------------------- 322 ---------------------------
كتاب الذال وما يتصل بها
ذَبَّ
الذُّبَاب : يقع على المعروف من الحشرات الطائرة ، وعلى النحل ، والزنابير ونحوهما . قال الشاعر :
فهذا أوانُ العَرْضِ حَيّاً ذُبَابُه
زنابيرُه والأزْرَقُ المُتَلَمِّسُ
وقوله تعالى : وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً « الحج : 73 » فهو المعروف . وذُباب العين : إنسانها ، سمي به لتصوره بهيئته أو لطيران شعاعه طيران الذباب . وذباب السيف : تشبيهاً به في إيذائه . وفلانٌ ذبابٌ : إذا كثر التأذي به .
وذبَّبت عن فلان : طردت عنه الذباب . والمِذَبَّة : ما يطرد به ، ثم استعير الذب لمجرد الدفع ، فقيل : ذببت عن فلان .
وذُبَّ البعيرُ : إذا دخل ذباب في أنفه . وجعل بناؤه بناء الأدواء نحو : زُكم . وبعيرٌ مذبوب .
وذَبَّ جِسْمُهُ : هزل فصار كذُباب ، أو كذُباب السيف .
ملاحظات
قال ابن فارس « 2 / 348 » : « الذال والباء ، في المضاعف ، أصول ثلاثة : أحدها طويئر ، ثم يحمل عليه ويشبه به غيره . والآخر : الحد والحدة ، والثالث : الاضطراب والحركة » .
وقد حاول الراغب إرجاع فروع ذب إلى الذباب ، وهذا لا يمكن ، فلا ربط لذباب السيف بالذبابة !
كما أخطأ الراغب بتوسيع الذباب إلى الحشرات المشابهة تأثراً بالفارسية . والبيت الذي ذكره لا شاهد له فيه ، ولعل معناه : أن ذلك الحي ذبابهُ تلسع كالزنابير .
لذلك يترجح قول ابن فارس إنه أكثر من أصل ومنها الحد والحدة ، أو ذباب السيف . قال « 2 / 348 » : « الذبذبة : نَوْسُ الشئ المعلق في الهواء . والرجل
--------------------------- 323 ---------------------------
المذبذب : المتردد بين أمرين » .
وقال ابن منظور « 1 / 384 » : مُذَبْذَبِين بين ذلك لا إِلى هؤلاء ولا إِلى هؤلاء . المعنى : مُطَرَّدين مُدَفَّعين عن هؤُلاء وعن هؤُلاء . وفي الحديث : تَزَوَّجْ وإِلَّا فأَنتَ من المُذَبْذَبِينَ أَي المَطْرودين عن المؤمنين لأنك لم تَقْتَدِ بهم ، وعن الرُّهْبانِ لأنك تركت طريقتهم . وأَصلُه من الذَّبِّ ، وهو الطرد » .
ذَبَحَ
أصل الذَّبْح : شق حلق الحيوانات . والذِّبْح : المذبوح ، قال تعالى : وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ « الصافات : 107 » وقال : إن الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً « البقرة : 67 » .
وذَبَحْتُ الفارة : شققتها تشبيهاً بذبح الحيوان . وكذلك : ذَبَحَ الدِّنَّ وقوله : يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ « البقرة : 49 » على التكثير ، أي يذبح بعضهم إثر بعض . وسعد الذابح : اسم نجم . وتسمى الأخاديد من السيل : مذابح .
ملاحظات
الذَّبْحُ : معروف ، وهو فَرْيُ أوداج الحيوان . لكن الراغب عرفه بعُجْمته فقال : « الذَّبْح : شقُّ حلق الحيوانات » . فجعل الحلق بالعربية وهو أعلى الفم بمعناه بالفارسية وهو أول الحلقوم ، وجعل شَقَّ بمعنى قَطَع ! ويظهر أنه لم يلتفت إلى دقة الخليل ، حيث قال « 3 / 202 » : « الذبح : قطع الحلقوم من باطن عند النصيل » .
ذَخَرَ
أصل الإدِّخار اذتخار . يقال : ذخرته وادَّخرته إذا أعددته للعقبى . وروي أن النبي كان لايدَّخر شيئاً لغد .
والمذاخر : الجوف والعروق المدَّخِرة للطعام ، قال الشاعر :
فلما سَقيناها العَكِيسَ تَمَلَّأتْ
مَذَاخِرُهَا وامتدَّ رَشْحاً وريدُها
والإذخر : حشيشة طيبة الريح .
ذَرَّ
الذُّرِّيَّة : قال تعالى : وَمِنْ ذُرِّيَّتِي « البقرة : 124 » وقال : وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ « البقرة : 128 » وقال : إن الله لايَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ « النساء : 40 » .
وقد قيل : أصله الهمز ، وقد تذكر بعد في بابه .
ذَرَعَ
الذِّراع : العضو المعروف ، ويعبر به عن المذروع ، أي الممسوح بالذراع . قال تعالى : فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ « الحاقة : 32 » يقال : ذراع من الثوب والأرض .
وذراع الأسد : نجم ، تشبيهاً بذراع الحيوان .
وذراع العامل : صدر القناة ، ويقال : هذا على حبل ذراعك ، كقولك هو في كفك .
وضاق بكذا ذرعي : نحو ضاقت به يدي .
وذَرَعْتُهُ : ضربت ذراعه . وذَرَعْتُ : مددت الذراع ، ومنه : ذَرَعَ البعير في سيره ، أي مدَّ ذراعه ، وفرس ذريع وذروع : واسع الخطو . ومُذَرَّع : أبيض الذِّراع .
وزِقُّ ذراع : قيل هو العظيم ، وقيل هو الصغير ، فعلى الأول هو الذي بقي ذراعه ، وعلى الثاني هو الذي فصل ذراعه عنه . وذَرَعَهُ القئ : سبقه . وقولهم : ذَرَعَ الفرس ، وتذرَّعت المرأة الخوص وتذرَّع في كلامه : تشبيهاً بذلك . كقولهم : سفسف في كلامه وأصله من سفيف الخوص .
ذَرَأَ
الذَّرْءُ : إظهار الله تعالى ما أبداه ، يقال : ذَرَأَ الله الخلق ، أي أوجد أشخاصهم . قال تعالى : وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ « الأعراف : 179 » وقال : وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً « الأنعام : 136 » وقال : وَمِنَ الْأَنْعامِ
--------------------------- 324 ---------------------------
أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ « الشورى : 11 » وقرئ : تذرؤه الرياح . والذُّرْأَة : بياض الشَّيب ، والملح ، فيقال : ملح ذُرْآني ، ورجل أَذْرَأُ ، وامرأة ذَرْآءُ . وقد ذَرِئَ شعره .
ملاحظات
قال : « الذَّرْءُ : إظهار الله تعالى ما أبداه » أي ما أظهره ! وليته أخذ تعريفه من أئمة اللغة كالخليل « 8 / 193 » قال : « والذرأ من قولك : ذرأنا الأرض أي بذرناها ، وزرع ذرئ بوزن فعيل » .
أو ابن فارس « 2 / 352 » قال : « ذرأ : أصلان ، أحدهما : لون إلى البياض . والأصل الآخر : قولهم ذرأنا الأرض أي بذرناها ، وزرع ذَرِئٌ على فعيل . ومن هذا الباب ذرأ الله الخلق » . وقال أبو هلال في الفروق / 241 : « الفرق بين الذرأ والخلق : أن أصل الذرء الإظهار ، ومعنى ذرأ الله الخلق أظهرهم بالإيجاد بعد العدم . والذَّرْوُ بلا همزة التفرقة بين الشيئين ، ومنه قوله تعالى : تذروه الرياح » .
ويتضح بهذا ، أن الذرأ : الخلق ، وفيه معنى البذر .
ذَرَوَ
ذِرْوَةُ السَّنام وذُرَاه : أعلاه ، ومنه قيل : أنا في ذُرَاكَ ، أي في أعلى مكان من جنابك .
والمِذْرَوَان : طرفا الإليتين . وذَرَتْهُ الريح تَذْرُوهُ وتَذْرِيهِ .
قال تعالى : وَالذَّارِياتِ ذَرْواً « الذاريات : 1 » وقال : تَذْرُوهُ الرِّياحُ « الكهف : 45 » .
والذُّرِّيَّة : أصلها الصغار من الأولاد ، وإن كان قد يقع على الصغار والكبار معاً في التعارف ، ويستعمل للواحد والجمع ، وأصله الجمع ، قال تعالى : ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ « آل عمران : 34 » وقال : ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ « الإسراء : 3 » وقال : وَآيَةٌ لَهُمْ إنا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ « يس : 41 » وقال : إني جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي « البقرة : 124 » .
وفي الذُّرِّيَّة ثلاثة أقوال : قيل هو من ذرأ الله الخلق فترك همزه نحو : رَوِيَّة وبَرِيَّة . وقيل : أصله ذَرْوِيَّة . وقيل : هو فَعْلِيَّة من الذَّرِّ ، نحو قَمْرِيَّة . وقال أبو القاسم البلخي : قوله تعالى : وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ « الأعراف : 179 » من قولهم : ذريت الحنطة ، ولم يعتبر أن الأول مهموز .
ملاحظات
جعل الراغب الذرية من الذَّرْو أي التذرية ، وجعلها الخليل من ذَرَرَ ، وهو أخبر من الراغب وأعمق .
قال « 8 / 175 » : « والذَّرَارة : ما تناثر من الشئ الذي تّذُرُّهُ . والذُّرُّيَّةُ فُعْلِيَّة من ذَرَرْتُ ، لأن الله ذَرَّهم في الأرض فنثرهم فيها كما أن السَّرِيَّة من تسررتُ ، والجميع الذَّرَّاري وإن خفف جاز » .
أما الجوهري فجعلها من مادتين ، قال في ذَرَرَ « 2 / 663 » : « وذرية الرجل : ولده ، والجمع الذراري والذريات » .
وقال في ذَرَأَ « 1 / 51 » : « ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءاً خلقهم ، ومنه الذرية وهي نسل الثقلين إلا أن العرب تركت همزها » .
أما ابن منظور فوافق الخليل ، قال « 4 / 304 » : « ذَرَّ الله الخلقَ في الأَرض : نَشَرَهُم . والذُّرِّيَّةُ فُعْلِيَةٌ منه ، وهي منسوبة إِلى الذَّرِّ الذي هو النمل الصغار ، وكان قياسه ذَرِّيَّةٌ بفتح الذال لكنه نَسَبٌ شاذ لم يجئ إِلَّا مضموم الأول . وذُرِّيَّةُ الرجل : وَلَدُه ، والجمع الذَّرَارِي والذُّرِّيَّاتُ . ومعنى قوله : وإِذ أَخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذُرِّيَّاتهم ، أَن الله أَخرج الخلق من صلب آدم كالذَّرِّ حين أَشهدهم على أَنفسهم : أَلَسْتُ بربكم قالوا بَلى » .
--------------------------- 325 ---------------------------
ذَعَنَ
مُذْعِنِينَ : أي منقادين ، يقال : ناقة مِذْعَان ، أي منقادة .
ذَقَنَ
قوله تعالى : وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ « الإسراء : 109 » الواحد : ذَقَنٌ ، وقد ذَقَنْتُهُ : ضربت ذقنه .
وناقة ذَقُونٌ : تستعين بذقنها في سيرها .
ودلو ذَقُونٌ : ضخمة مائلة تشبيهاً بذلك .
ذَكَرَ
الذِّكْرُ : تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة ، وهو كالحفظ ، إلا أن الحفظ يقال اعتباراً بإحرازه ، والذِّكْرُ : يقال اعتباراً باستحضاره .
وتارة يقال لحضور الشئ القلب أو القول ، ولذلك قيل : الذكر ذكران : ذكر بالقلب وذكر باللسان ، وكل واحد منهما ضربان : ذكر عن نسيان ، وذكر لاعن نسيان بل عن إدامة الحفظ .
وكل قول يقال له ذكر ، فمن الذكر باللسان قوله تعالى : لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ « الأنبياء : 10 » وقوله تعالى : وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ « الأنبياء : 50 » وقوله : هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي « الأنبياء : 24 » وقوله : أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا « ص : 8 » أي القرآن ، وقوله تعالى : صَاد . وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ « ص : 1 » وقوله : وَإنهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ « الزخرف : 44 » أي شرف لك ولقومك ، وقوله : فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ « النحل : 43 » أي الكتب المتقدمة .
وقوله : قَدْ أَنْزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا « الطلاق : 10 » فقد قيل : الذكر هاهنا وصف للنبي عليه السلام كما أن الكلمة وصف لعيسى عليه السلام من حيث إنه بُشر به في الكتب المتقدمة ، فيكون قوله : رسولاً بدلاً منه . وقيل : رسولاً منتصب بقوله ذكراً ، كأنه قال : قد أنزلنا إليكم كتاباً ذكراً رسولاً يتلو ، نحو قوله : أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً « البلد : 14 » فيتيماً نصب بقوله إطعام .
ومن الذكر عن النسيان قوله : فإني نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ « الكهف : 63 » .
ومن الذكر بالقلب واللسان معاً قوله تعالى : فَاذْكُرُوا الله كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً « البقرة : 200 » وقوله : فَاذْكُرُوا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ « البقرة : 198 » وقوله : وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ « الأنبياء : 105 » أي من بعد الكتاب المتقدم .
وقوله : هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً « الدهر : 1 » أي لم يكن شيئاً موجوداً بذاته ، وإن كان موجوداً في علم الله تعالى .
وقوله : أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ إنا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ « مريم : 67 » أي : أوَلَا يذكر الجاحد للبعث أول خلقه ، فيستدل بذلك على إعادته .
وكذلك قوله تعالى : قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أول مَرَّةٍ « يس : 79 » وقوله : وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ « الروم : 27 » وقوله : وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ « العنكبوت : 45 » أي ذكرٍلله لعبده ، أكبر من ذكر العبد له . وذلك حثٌّ على الإكثار من ذكره .
والذِّكْرَى : كثرة الذكر وهو أبلغ من الذكر ، قال تعالى : رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ « ص : 43 » وَذَكِّرْ فَإن الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ « الذاريات : 55 » في آيٍ كثيرة . والتذْكِرَةُ : ما يتذكر به الشئ ، وهو أعم من الدلالة والأمارة ، قال تعالى : فَما لَهُمْ عَنِ التذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ « المدثر : 49 » كلا إنها تَذْكِرَةٌ « عبس : 11 » أي القرآن .
وذَكَّرْتُهُ كذا ، قال تعالى : وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله « إبراهيم : 5 » وقوله : فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى « البقرة : 282 » قيل : معناه
--------------------------- 326 ---------------------------
تعيد ذكره . وقد قيل : تجعلها ذكراً في الحكم .
قال بعض العلماء في الفرق بين قوله : فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ « البقرة : 152 » وبين قوله : اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ « البقرة : 40 » إن قوله : فَاذْكُرُونِي مخاطبة لأصحاب النبي عليه السلام الذين حصل لهم فضل قوة بمعرفته تعالى ، فأمرهم بأن يذكروه بغير واسطة . وقوله تعالى : اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ ، مخاطبة لبني إسرائيل الذين لم يعرفوا الله إلّا بآلائه ، فأمرهم أن يتبصروا نعمته ، فيتوصلوا بها إلى معرفته .
والذَّكَرُ : ضد الأنثى ، قال تعالى : وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى « آل عمران : 36 » وقال : آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ « الأنعام : 144 » وجمعه : ذُكُور وذُكْرَان ، قال تعالى : ذُكْراناً وَإِناثاً « الشورى : 50 » . وجُعل الذَّكَر كناية عن العضو المخصوص .
والمُذْكِرُ : المرأة التي ولدت ذكراً . والمِذْكَار : التي عادتها أن تذكر . وناقة مُذَكَّرَة : تشبه الذكر في عظم خلقها .
وسيف ذو ذُكْرٍ ، ومُذَكَّر صارمٌ : تشبيهاً بالذكر .
وذُكُورُ البقل : ما غلظ منه .
ملاحظات
استعمل القرآن الذكر إستعمالاً واسعاً لأن مهمة الأنبياء عليه السلام التذكير . قال عليٌّ عليه السلام : « فبعث فيهم رسله ، وواتر إليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكروهم منسي نعمته ، ويحتجوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول » . « نهج البلاغة : 1 / 23 » .
واكتفى الراغب بذكر بعض آيات المادة وتفسيرها على مشرب المتصوفة . ومما قاله إن المأمورين بذكره تعالى مباشرة هم الصحابة ، والمأمورين بذكر نعمه بنو إسرائيل ! مع أن الله تعالى خاطب كل المسلمين بقوله : فاذْكُرُوا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ . وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْكُنْتُمْ أَعْدَاءً .
والذكر في القرآن أنواع ، منها : ذكر الله تعالى . وذكر اسمه . وذكر نعمته . وآلائه . والذكرى . والتذكرة . وذكرى الدار . والذكر المعمق كذكركم آباءكم . والذكر الكثير وغير الكثير . وفي حالة أو كل حالة . وفي أيام معدودات . وأمكنة معينة كالمشعر . وفي الأمن والخوف . وسراً وعلناً . في نفسك وتضرعاً . وعند الصيد . وذبح الحيوانات . وفي السلم والحرب . وفي المساجد . والبِيَع . والصلوات .
والتذكيرُ : له قواعده وله أهله . ومن أهله المنيبون . وأولوا الألباب . ومن يخشى . ومن يخضع قلبه . ومن يستبشرون بذكر الله . والمقوون . والمتقون . والأذن الواعية .
وللتذكير وسائل : منها الإنذار ، وتوصيل القول . وضرب الأمثال . وتيسير القرآن . وعند التذكير بالقرآن . والتاليات ذكراً . والملقيات ذكراً .
ومن الناس من لا يتذكر : ومنهم من يصد عن ذكر الله . ومن أغفل الله قلبه . ومن يعرض عن ذكر الله . ومن يعشو عن الذكر . والكسالى . والمبلسون . ومن أنساهم الشيطان ذكر الله . ومن تشمئز قلوبهم من ذكر الله .
وما يذكر أحدٌ الله تعالى إلا بمشيئته عز وجل .
ذَكَا
ذَكَتِ النار تَذْكُو : اتَّقَدَت وأضاءت ، وذَكَّيْتُهَا تَذْكِيَةً . وذُكَاء : اسم للشمس ، وابن ذُكَاء للصبح ، وذلك أنه تارة يتصور الصبح ابنا للشمس ، وتارة حاجباً لها فقيل : حاجب الشمس . وعُبِّر عن سرعة الإدراك وحدة الفهم بالذكاء كقولهم : فلان هو شعلة نار .
وذَكَّيْتُ الشاة : ذبحتها . وحقيقة التذكية : إخراج الحرارة الغريزية ، لكن خصَّ في الشرع بإبطال الحياة على وجه دون وجه ، ويدل على هذا الإشتقاق قولهم في الميت : خامد وهامد ، وفي النار الهامدة : ميتة .
--------------------------- 327 ---------------------------
وذَكِيَ الرجل : إذا أسنَّ وحظي بالذكاء لكثرة رياضته وتجاربه . وبحسب هذا الإشتقاق لايسمى الشيخ مُذَكِّياً إلّا إذا كان ذا تجارب ورياضات . ولما كانت التجارب والرياضات قلما توجد إلا في الشيوخ لطول عمرهم ، استعمل الذكاء فيهم ، واستعمل في العتاق من الخيل المسان ، وعلى هذا قولهم : جَرْيُ المُذْكِيَات غِلاء .
ملاحظات
لا وجه لتدوينه هذه المفردة لأنها لم ترد في القر آن ! نعم وردت زكى وستأتي في الزاي . ثم أخطأ الراغب في تحريك ذَكِيَ الرجل ، وهي بكسر الكاف فتصورها بتشديده ، وفسرها بالتقدم في السن والخبرة والتجربة ، ولا علاقة لها بغير السن لا بالذكاء ولا بالتجربة !
والبيت الذي ذكره معناه : أن جري الخيل المسنة غلوات قليلة لا أكثر ، لكبر سنها .
ذَلَّ
الذُّلُّ : ما كان عن قهر ، يقال : ذَلَّ يَذِلُّ ذُلًّا ، والذِّلُّ : ما كان بعد تصعُّبٍ وشماسٍ من غير قهر ، يقال : ذَلَّ يَذِلُّ ذِلًّا .
وقوله تعالى : وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ « الإسراء : 24 » أي كن كالمقهور لهما ، وقرئ جناح الذِّلِّ ، أي لِنْ ، وانْقَدْ لهما . يقال : الذُّلُّ والقُلُّ ، والذِّلَّةُ والقِلَّةُ ، قال تعالى : تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ « المعارج : 44 » وقال : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ « البقرة : 61 » وقال : سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ « الأعراف : 152 » .
وذَلَّتِ الدابة بعد شماس ، ذِلًّا . وهي ذَلُولٌ ، أي ليست بصعبة ، قال تعالى : لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ « البقرة : 71 » .
والذُّلُّ : متى كان من جهة الإنسان نفسه لنفسه فمحمود ، نحو قوله تعالى : أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ « المائدة : 54 » وقال : وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ « آل عمران : 123 » وقال : فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً « النحل : 69 » أي منقادة غير متصعبة . قال تعالى : وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا « الإنسان : 14 » أي سُهِّلَت ، وقيل : الأمور تجري على أذلالها ، أي مسالكها وطرقها .
ملاحظات
ليس كل ذُلٍّ عن تصعب من صاحبه وقهر ، فقد يكون بإرادة الإنسان واختياره كذله لوالديه وإمامه .
قال ابن فارس « 2 / 345 » : « فالذل ضد العز . ويقال لما وَطِئَ من الطريق ذَلَّ . وَذَلَّلَ القُطف تذليلاً : إذا لان وتدلى » .
واستعملت المادة في القرآن في الذل الإجباري ، والإختياري ، التكويني ، والتشريعي ، قال تعالى : وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ . وقال : وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ . وقال : أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ . وقال : جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً .
ذَمَّ
يقال : ذَمَمْتُهُ أَذُمُّهُ ذَمّاً فهو مَذْمُومٌ وذَمِيمٌ . قال تعالى : مَذْمُوماً مَدْحُوراً « الإسراء : 18 » وقيل : ذَمَّتُّهُ أَذُمُّهُ على قلب إحدى الميمين تاء .
والذِّمَام : ما يذم الرجل على إضاعته من عهد ، وكذلك المَذَمَّةُ والمَذِمَّة . وقيل : لي مَذَمَّة فلا تهتكها ، وأذهب مَذَمَّتَهُمْ بشئ ، أي أعطهم شيئاً لما لهم من الذمام .
وأَذَمَّ بكذا : أضاع ذمامه . ورجل مُذِمٌّ : لا حراك به . وبئر ذَمَّةٌ : قليلة الماء ، قال الشاعر :
وترى الذميمَ على مَرَاسِنِهِمْ
يوم الهياجِ كمَازنِ الجَثَلِ
الذَّمِيم : شبه بثور صغار . يقال : أصله الذنة والذنين .
ملاحظات
معنى البيت : ترى الزَّبَد على مناخر خيلهم يوم المعركة
--------------------------- 328 ---------------------------
كبيض النمل . فاستعمل الذميم لزبد الأنف . وهو استعمال غريب ، وبدَوي .
ذَنَبَ
ذَنَبُ الدابة وغيرها : معروف ، ويعبر به عن المتأخر والرَّذْل ، يقال : هم أذناب القوم . وعنه استعير : مَذَانِبُ التلاع ، لمسايل مياهها .
والمُذَنِّبُ : ما أرطب من قبل ذنبه . والذَّنُوبُ : الفرس الطويل الذنب ، والدَّلْو التي لها ذنب . واستعير للنَّصيب ، كما استعير له السِّجل . قال تعالى : فَإن لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ . « الذاريات : 59 » .
والذَّنْبُ في الأصل : الأخذ بذَنَب الشئ ، يقال : ذَنَبْتُهُ : أصبت ذنبه . ويستعمل في كل فعل يستوخم عقباه اعتباراً بذنب الشئ ، ولهذا يسمى الذَّنْبُ تبعةً اعتباراً لما يحصل من عاقبته .
وجمع الذَّنْب : ذُنُوب ، قال تعالى : فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ « آل عمران : 11 » وقال : فَكلا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ « العنكبوت : 40 » وقال : وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا الله « آل عمران : 135 » إلى غير ذلك من الآي .
ملاحظات
أجاد ابن فارس في تدوين المادة فقال « 2 / 361 » : « ذَنَبَ : أصولٌ ثلاثة ، أحدها : الجرم . والآخر : مؤخر الشئ . والثالث : كالحظ والنصيب . فالأول الذنب والجرم ، يقال : أذنب يذنب ، والاسم الذنب وهو مذنب . والأصل الآخر : الذنب وهو مؤخر الدواب ، ولذلك سمي الأتباع الذُّنَابَى » .
ولم يذكر مثلاً للأصل الثالث لخلل في النسخة ، وهو السَّهم كقوله تعالى : فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ .
ذَهَبَ
الذَّهَبُ : معروف ، وربما قيل ذَهَبَةٌ . ورجل ذَهِبٌ : رأى معدن الذهب فدهش . وشئ مُذَهَّبٌ : جعل عليه الذهب . وكُمَيْتٌ مُذْهَبٌ : علت حمرته صفرةٌ كأن عليها ذهباً .
والذَّهَابُ : المضي ، يقال : ذَهَبَ بالشئ وأَذْهَبَهُ ويستعمل ذلك في الأعيان والمعاني ، قال الله تعالى : وَقالَ إني ذاهِبٌ إِلى رَبي « الصافات : 99 » فَلما ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ « هود : 74 » فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ « فاطر : 8 » كناية عن الموت . وقال : إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ « إبراهيم : 19 » وقال : وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ « فاطر : 34 » وقال : إنما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ « الأحزاب : 33 » .
وقوله تعالى : وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ « النساء : 19 » أي لتفوزوا بشئ من المهر ، أو غير ذلك مما أعطيتموهن .
وقوله : وَلاتَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ « الأنفال : 46 » وقال : ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ « البقرة : 17 » وَلَوْ شاءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ « البقرة : 20 » لَيَقُولَنَّ : ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي « هود : 10 » .
ذَهَلَ
قال تعالى : يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كل مُرْضِعَةٍ عما أَرْضَعَتْ « الحج : 2 » الذُّهول : شغلٌ يورث حزناً ونسياناً ، يقال : ذَهَلَ عن كذا وأَذْهَلَهُ كذا .
ذَوَقَ
الذَّوْق : وجود الطعم بالفم ، وأصله فيما يقل تناوله دون ما يكثر ، فإن ما يكثر منه يقال له : الأكل .
واختير في القرآن لفظ الذوق في العذاب ، لأن ذلك وإن كان في التعارف للقليل فهو مستصلح للكثير ، فخصه بالذكر ليعم الأمرين .
--------------------------- 329 ---------------------------
وكثر استعماله في العذاب ، نحو : لِيَذُوقُوا الْعَذابَ « النساء : 56 » وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ « السجدة : 20 » فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ « الأنفال : 35 » ذُقْ إنكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ « الدخان : 49 » إنكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ « الصافات : 38 » ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ « الأنفال : 14 » وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ « السجدة : 21 » .
وقد جاء في الرحمة نحو : وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً « هود : 9 » وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ « هود : 10 » ويعبر به عن الاختبار ، فيقال : أَذَقْتُهُ كذا فذاق ، ويقال : فلان ذاق كذا ، وأنا أكلته ، أي خبرته فوق ما خُبر .
وقوله : فَأَذاقَهَا الله لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ « النحل : 112 »
فاستعمال الذوق مع اللباس من أجل أنه أريد به التجربة والاختبار ، أي فجعلها بحيث تمارس الجوع والخوف . وقيل إن ذلك على تقدير كلامين ، كأنه قيل : أذاقها طعم الجوع والخوف ، وألبسها لباسهما .
وقوله : وَإنا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً « الشورى : 48 » فإنه استعمل في الرحمة الإذاقة ، وفي مقابلتها الإصابة ، فقال : وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ « الشورى : 48 » تنبيهاً على أن الإنسان بأدنى ما يعطى من النعمة يأشر ويبطر ، إشارة إلى قوله : كلا إن الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى « العلق : 6 » .
ملاحظات
الذوق : اختبار الطَّعْمِ باللسان « المقاييس : 2 / 364 » ويستعمل للذوق المادي والمعنوي . وعرفه الراغب بأنه : « وجود الطعم بالفم » أي حصوله . وقد ترجمه من الفارسية .
ذُو
ذُو : على وجهين ، أحدهما : يتوصل به إلى الوصف بأسماء الأجناس والأنواع ، ويضاف إلى الظاهر دون المضمر ، ويثنى ويجمع . ويقال في المؤنث ذَاتُ ، وفي التثنية ذَوَاتَا ، وفي الجمع : ذَوَاتٌ . ولا يستعمل شئ منها إلا مضافاً .
قال : وَلكِنَّ الله ذُو فَضْلٍ « البقرة : 251 » وقال : ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى « النجم : 6 » وَذِي الْقُرْبى « البقرة : 83 » وَيُؤْتِ كل ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ « هود : 3 » ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى « البقرة : 177 » إنهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ « الأنفال : 43 » وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ « الكهف : 18 » وَتَوَدُّونَ إن غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ « الأنفال : 7 » ذَواتا أَفْنانٍ « الرحمن : 48 » .
وقد استعار أصحاب المعاني الذات فجعلوها عبارة عن عين الشئ ، جوهراً كان أو عرضاً ، واستعملوها مفردة ، ومضافة إلى المضمر بالألف واللام ، وأجروها مجرى النفس والخاصة ، فقالوا : ذاته ونفسه وخاصته . وليس ذلك من كلام العرب .
والثاني في لفظ ذو : لغةٌ لطيئ ، يستعملونه استعمال الذي ، ويجعل في الرفع والنصب والجر والجمع والتأنيث على لفظ واحد ، نحو :
وبئري ذُو حَفَرْتُ وَذُو طَوَيْتُ
أي التي حفرت والتي طويت
وأما ذا في هذا ، فإشارة إلى شئ محسوس أو معقول . ويقال في المؤنث : ذه وذي وتا ، فيقال : هذه وهذي وهاتا ، ولا تثنى منهن إلا هاتا ، فيقال : هاتان . قال تعالى : أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ « الإسراء : 62 » هذا ما تُوعَدُونَ « ص : 53 » هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ « الذاريات : 14 » إِنْ هذانِ لَساحِرانِ « طه : 63 » إلى غير ذلك . هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ « الطور : 14 » هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ « الرحمن : 43 » .
ويقال بإزاء هذا في المستبعد بالشخص أو بالمنزلة : ذَاكَ وذلك . قال تعالى : ألم ذلِكَ الْكِتابُ « البقرة : 1 » ذلِكَ مِنْ آياتِ الله « الكهف : 17 » ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ
--------------------------- 330 ---------------------------
الْقُرى « الأنعام : 131 » إلى غير ذلك .
وقولهم ماذا : يستعمل على وجهين ، أحدهما : أن يكون ما مع ذا بمنزلة اسم واحد ، والآخر أن يكون ذا بمنزلة الذي .
فالأول نحو قولهم : عماذا تسأل ؟ فلم تحذف الألف منه لما لم يكن ما بنفسه للاستفهام بل كان مع ذا اسماً واحداً ، وعلى هذا قول الشاعر : دَعي ماذا علمتِ سأتقيهِ .
أي دعي شيئاً علمتِه .
وقوله تعالى : وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ « البقرة : 219 » فإن من قرأ : قُلِ الْعَفْوَ ، بالنصب فإنه جعل الإسمين بمنزلة اسم واحد كأنه قال : أيَّ شئ ينفقون ؟ ومن قرأ : قُلِ الْعَفْوُ بالرفع ، فإن ذا بمنزلة الذي ، وما للاستفهام أي ما الذي ينفقون .
وعلى هذا قوله تعالى : ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ . قالُوا أَساطِيرُ الأولينَ « النحل : 24 » وأساطير بالرفع والنصب » .
ذَيَبَ
الذِّيبُ : الحيوان المعروف ، وأصله الهمز ، قال تعالى : فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ « يوسف : 17 » . وأرض مَذْأَبَة : كثيرة الذئاب . وذُئِبَ فلان : وقع في غنمه الذئب .
وذَئِبَ : صار كذئب في خبثه .
وتَذَاءَبَتِ الرّيحُ : أتت من كل جانب مجئ الذئب .
وتَذَاءَبْتُ للناقة على تفاعلت : إذا تشبهت لها بالذئب في الهيئة لتظأر على ولدها .
والذئبة من القتب : ما تحت ملتقى الحنوين « خشبة في مقدمة القتب » تشبيهاً بالذئب في الهيئة .
ذَوَدَ
ذُدْتُهُ عن كذا أَذُودُهُ . قال تعالى : وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ « القصص : 23 » أي تطردان ذوداً .
والذَّوْدُ من الإبل : العشرة .
ذَأَمَ
قال تعالى : اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً « الأعراف : 18 » أي مذموماً . يقال : ذمته أذيمه ذيماً ، وذممته أذمُّه ذمّاً ، وذَأَمْتُهُ ذَأْماً .
تم كتاب الذال
--------------------------- 331 ---------------------------
--------------------------- 332 ---------------------------
كتاب الراء وما يتصل بها
رَبَّ
الرَّبُّ في الأصل : التربية ، وهو إنشاء الشئ حالاً فحالاً إلى حد التمام ، يقال رَبَّهُ وربَّاه ورَبَّبَهُ . وقيل : لئن يربُّني رجل من قريش أحبُّ إليَّ من أن يربَّني رجل من هوازن . فالرب مصدر مستعار للفاعل ، ولا يقال الرب مطلقاً إل الله تعالى المتكفل بمصلحة الموجودات ، نحو قوله : بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ « سبأ : 15 » . وعلى هذا قوله تعالى : وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً « آل عمران : 80 » أي آلهة تزعمون أنهم الباري مسبِّب الأسباب والمتولي لمصالح العباد ، وبالإضافة يقال له ولغيره ، نحو قوله : رَبِّ الْعالَمِينَ « الفاتحة : 1 » ورَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الأولينَ « الصافات : 126 » .
ويقال : رَبُّ الدار ، ورَبُّ الفرس لصاحبهما ، وعلى ذلك قول الله تعالى : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ « يوسف : 42 » وقوله تعالى : ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ « يوسف : 50 » وقوله : قالَ مَعاذَ الله إنهُ رَبي أَحْسَنَ مَثْوايَ « يوسف : 23 » قيل : عنى به الله تعالى ، وقيل : عنى به الملك الذي رباه ، والأول أليق بقوله .
والرَّبَّانِيُّ : قيل منسوب إلى الربان ، ولفظ فَعْلَان يُبنى من فَعَلَ نحو : عطشان وسكران وقلَّما يبنى من فعل ، وقد جاء نعسان . وقيل : هو منسوب إلى الرب الذي هو المصدر ، وهو الذي يربُّ العلم كالحكيم . وقيل منسوبٌ إليه ومعناه يربُّ نفسه بالعلم ، وكلاهما في التحقيق متلازمان ، لأن من ربَّ نفسه بالعلم فقد ربَّ العلم ، ومن ربَّ العلم فقد ربَّ نفسه به .
وقيل : هو منسوب إلى الرب أي الله تعالى ، فالربانيُّ كقولهم : إلهيٌّ ، وزيادة النون فيه كزيادته في قولهم : لحيانيٌّ
--------------------------- 333 ---------------------------
وجسمانيٌّ . قال عليّ رضي الله عنه : أنا ربَّانيُّ هذه الأمّة . والجمع ربانيون . قال تعالى : لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ « المائدة : 63 » كُونُوا رَبَّانِيِّينَ « آل عمران : 79 » .
وقيل : رباني لفظٌ في الأصل سرياني ، وأخلق بذلك ، فقلَّما يوجد في كلامهم . وقوله تعالى : رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ « آل عمران : 146 » فالرِّبِّيُّ كالرباني .
والرُّبوبية : مصدرٌ يقال في الله عز وجل . والرِّبَابَة : تقال في غيره .
وجمع الرَّب أرْبابٌ ، قال تعالى : أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الْواحِدُ الْقَهَّارُ « يوسف : 39 » .
ولم يكن من حق الرب أن يجمع إذ كان إطلاقه لا يتناول إلا الله تعالى ، لكن أتى بلفظ الجمع فيه على حسب اعتقاداتهم ، لا على ما عليه ذات الشئ في نفسه .
والرب : لا يقال في التعارف إلا في الله ، وجمعه أربَّة وربوب ، قال الشاعر :
كانت أربَّتهم بَهْزٌ وغَرَّهُمُ
عَقْدُ الجِوَارِ وكانوا معشراً غُدْرَا
وقال آخر : وكنتُ امرأً أَفْضَتْ إليك رَبَابَتِي
وقَبْلَكَ رَبَّتْنِي فَضِعْتُ رُبُوبُ
ويقال للعقد في موالاة الغير : الرِّبَابَةُ ، ولما يجمع فيه القدح : ربابة . واختص الرَّابُّ والرَّابَّة بأحد الزوجين إذا تولى تربية الولد من زوج كان قبله . والربيب والربيبة بذلك الولد ، قال تعالى : وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ « النساء : 23 » .
ورببت الأديم بالسمن ، والدواء بالعسل . وسِقَاٌء مربوب ، قال الشاعر : فكوني له كالسمن رُبَّتْ بالأَدَمْ .
والرَّبَابُ : السحاب ، سمي بذلك لأنه يربُّ النبات ، وبهذا النظر سميَ المطر دَرّاً ، وشُبِّه السحاب باللُّقوح . وأَرَبَّتِ السحابة : دامت . وحقيقته أنها صارت ذات تربية .
وتُصُوِّر فيه معنى الإقامة فقيل : أَرَبَّ فلانٌ بمكان كذا ، تشبيهاً بإقامة الرباب .
ورُبَّ : لاستقلال الشئ ، ولما يكون وقتاً بعد وقت ، نحو : رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا « الحجر : 2 » .
ملاحظات
تعبيره عن التربية بالإنشاء ضعيف ، وقصده تنميته إلى بلوغ كماله . وجعلها ابن فارس ثلاثة ، قال « 2 / 381 » : « فالأول إصلاح الشئ والقيام عليه ، فالرَّبُّ المالك والخالق والصاحب ، والرب المصلح للشئ . يقال رَبَّ فلان ضيعتَه إذا قام على إصلاحها . والله جل ثناؤه الرب لأنه مصلح أحوال خلقه .
والرِّبِّيُّ : العارف بالرب . ورببتُ الصبي أربه ورببته أرببه .
والربيبة : الحاضنة . وربيب الرجل : ابن امرأته . والرابُّ : الذي يقوم على أمر الربيب . وفي الحديث : يكره أن يتزوج الرجل امرأة رابِّهِ .
والأصل الآخر : لزوم الشئ والإقامة عليه ، وهو مناسب للأصل الأول . يقال أربَّت السحابة بهذه البلدة إذا دامت . وأرضٌ مِرَبٌّ لا يزال بها مطر ولذلك سمي السحاب رباباً .
والأصل الثالث : ضم الشئ للشئ ، وهو أيضاً مناسب لما قبله . ومتى أنعم النظر كان الباب كله قياساً واحداً . يقال للخرقة التي يجعل فيها القداح ربابة .
فأما رُبَّ : فكلمة تستعمل في الكلام لتقليل الشئ ، تقول : رُب رجل جاءني . ولا يعرف لها اشتقاق » .
رَبِحَ
الرِّبْحُ : الزيادة الحاصلة في المبايعة ، ثم يتجوز به في كل ما يعود من ثمرة عمل . وينسب الربح تارة إلى صاحب
--------------------------- 334 ---------------------------
السلعة ، وتارة إلى السلعة نفسها ، نحو قوله تعالى : فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ « البقرة : 16 » وقول الشاعر :
قَرَوْا أضيافَهُمْ رُبَحاً ببَحِّ
فقد قيل : الرُّبَحُ : الطائر ، وقيل هو الشجر . وعندي أن الرُّبَحَ هاهنا اسم لما يحصل من الربح ، نحو النقص .
وبَحٌّ : اسم للقداح التي كانوا يستقسمون بها ، والمعنى : قروا أضيافهم ما حصَّلوا منه الحمد الذي هو أعظم الربح ، وذلك كقول الآخر :
فأوسَعَني حَمْداً وأوسعتُه قِرًى
وأرخِصْ بحمدٍ كان كاسِبُه الأكلُ
رَبَصَ
التربُّص : الانتظار بالشئ ، سلعةً كانت يقصد بها غلاءً أو رخصاً ، أو أمراً ينتظر زواله أو حصوله . يقال : تربصت لكذا ، ولي رُبْصَةٌ بكذا وتَرَبُّصٌ ، قال تعالى : وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ « البقرة : 228 » قُلْ تَرَبَّصُوا فَإني مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ « الطور : 31 » قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ « التوبة : 52 » وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ « التوبة : 98 » .
رَبَطَ
رَبَطَ الفرس : شدَّه بالمكان للحفظ . ومنه : رِبَاطُ الخيل . وسمِّي المكان الذي يُخَصُّ بإقامة حفظه فيه رباطاً . والرِّبَاط مصدر رَبَطْتُ ورَابَطْتُ ، والمُرَابَطَة كالمحافظة ، قال الله تعالى : وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ « الأنفال : 60 » وقال : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا « آل عمران : 200 » .
فالمرابطة ضربان : مرابطة في ثغور المسلمين ، وهي كمرابطة النفس البدن ، فإنها كمن أقيم في ثغر وفُوِّض إليه مراعاته ، فيحتاج أن يراعيه غير مخلٍّ به ، وذلك كالمجاهدة . [ والثاني ] وقد قال عليه السلام : من الرِّبَاطِ انتظار الصلاة بعد الصلاة .
وفلان رَابِطُ الجأش : إذا قوي قلبه ، وقوله تعالى : وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ « الكهف : 14 » وقوله : لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها « القصص : 10 » وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ « الأنفال : 11 » فذلك إشارة إلى نحو قوله : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ « الفتح : 4 » وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ « المجادلة : 22 » فإنه لم تكن أفئدتهم كما قال : وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ « إبراهيم : 43 » .
وبنحو هذا النظر قيل : فلان رابط الجأش .
رَبَعَ
أربعةٌ ، وأربعون ، وربعٌ ، ورُبَاعٌ : كلها من أصل واحد ، قال الله تعالى : ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ « الكهف : 22 » وأَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ « المائدة : 26 » وقال : أَرْبَعِينَ لَيْلَةً « البقرة : 51 » وقال : وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ « النساء : 12 » وقال : مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ « النساء : 3 » . ورَبَعْتُ القومَ أَرْبَعُهُمْ : كنت لهم رابعاً ، وأخذت ربع أموالهم . ورَبَعْتُ الحَبْلَ : جعلته على أربع قوى .
والرِّبْعُ من أظماء الإبل ، والحُمَّى . وأَرْبَعَ إِبِلَهُ : أوردها رِبْعاً .
ورجل مربوع ومُرْبَع : أخذته حُمَّى الرِّبع . والأربعاء في الأيام : رابع الأيام من الأحد .
والربيع : رابع الفصول الأربعة . ومنه قولهم : رَبَعَ فلان وارْتَبَعَ : أقام في الربيع ، ثم يتجوز به في كل إقامة ، وكل وقت ، حتى سمِّي كل منزل رَبْعاً ، وإن كان ذلك في الأصل مختصاً بالربيع . والرُّبَعُ ، والرُّبَعِيّ : ما نتج في الربيع ، ولما كان الربيع أولى وقت الولادة وأحمده ، استعير لكل ولد يولد في الشباب فقيل : أفلح من كان له رَبَعِيُّون .
والمِرْبَاع : ما نتج في الربيع . وغيث مُرْبِع : يأتي في
--------------------------- 335 ---------------------------
الربيع . ورَبَعَ الحَجَرَ والحمل : تناول جوانبه الأربع .
والمِرْبَع : خشب يربع به ، أي يؤخذ الشئ به ، وسمي الحجر المتناول ربيعة .
وقولهم : إرْبَعْ على ظَلَعِك « ضعف مشيك » يجوز أن يكون من الإقامة ، أي أقم على ظَلْعك ، ويجوز أن يكون من ربع الحجر ، أي تناوله على ظَلعك .
والمِرْبَاع : الرُّبُعُ الذي يأخذه الرئيس من الغُنْم من قولهم : رَبَعْتُ القومَ . واستعيرت الرِّبَاعَة للرئاسة ، اعتباراً بأخذ المرباع ، فقيل : لا يقيم رِبَاعَةَ القومِ غَيْرُ فلانٍ .
والرَّبْعَةُ : الجونة ، لكونها في الأصل ذات أربع طبقات ، أو لكونها ذات أربع أرجل .
والرَّبَاعِيتان : قيل سُميتا لكون أربع أسنان بينهما . واليربوع : فأرة لجحرها أربعة أبواب . وأرض مَرْبَعَة : فيها يرابيع ، كما تقول : مضبة في موضع الضب .
رَبَوَ
رَبْوَة ورِبْوَة ورُبْوَة ورِبَاوَة ورُبَاوَة . قال تعالى : إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ « المؤمنون : 50 » قال أبو الحسن « الأخفش » : الرَّبْوَة أجود لقولهم ربى . ورَبَا فلان : حصل في ربوة ، وسميت الربوة رابية كأنها ربَت بنفسها في مكان .
ومنه : رَبَا إذا زاد وعلا ، قال تعالى : فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ « الحج : 5 » أي زادت زيادة المتربي . فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً « الرعد : 17 » فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً « الحاقة : 10 » .
وأربى عليه : أشرف عليه . ورَبَيْتُ الولد فَرَبَا من هذا . وقيل أصله من المضاعف فقلب تخفيفاً ، نحو : تظنَّيْت في تظنَّنْت .
والرِّبَا : الزيادة على رأس المال ، لكن خُص في الشرع بالزيادة على وجه دون وجه ، وباعتبار الزيادة قال تعالى : وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ الله « الروم : 39 » .
ونبه بقوله : يَمْحَقُ الله الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ « البقرة : 276 » [ على ] أن الزيادة المعقولة المعبر عنها بالبركة مرتفعة عن الربا ، ولذلك قال في مقابلته : وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ « الروم : 39 » .
والأُرْبِيَّتَان : لحمتان ناتئتان في أصول الفخذين من باطن . والرَّبْوُ : الانبهار ، سمي بذلك تصوراً لتصعُّده ، ولذلك قيل : هو يتنفس الصُّعداء . وأما الربيئة للطليعة ، فبالهمز ، وليس من هذا الباب .
رَتَعَ
الرَّتْعُ : أصله أكل البهائم ، يقال : رَتَعَ يَرْتَعُ رُتُوعاً ورِتَاعاً ورِتْعاً ، قال تعالى : يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ « يوسف : 12 » ويستعار للإنسان إذا أريد به الأكل الكثير ، وعلى طريق التشبيه قال الشاعر : وإذا يَخْلُو لهُ لَحْمي رَتَعْ
ويقال : رَاتِعٌ ورِتَاعٌ في البهائم ، ورَاتِعُونَ في الإنسان .
ملاحظات
وردت هذه المادة في آية واحدة : أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ . « يوسف : 12 » .
وفسرها الخليل « 2 / 67 » بالأكل والشرب في الربيع رغداً .
وقال ابن فارس « 2 / 486 » : « تقول رتع يرتع إذا أكل ما شاء . ولا يكون ذلك إلا في الخصب . والمراتع مواضع الرتعة » .
فالرتع أعم من الأكل ، وهو مرتبط بمكانه أو ظرفه الذي يسمى المرتع . وهو قريب من الرعي ، بل قد يكون « يرتع » صفة خاصة للإنسان ، مثل يرعى للحيوان .
ولا علاقة للرتع بالكثرة كما تصور الراغب ، بل علاقته بجودة المكان والظرف .
رَتَقَ
الرَّتْقُ : الضم والالتحام ، خلقة كان أم صنعةً قال تعالى : كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما « الأنبياء : 30 » أي منضمتين .
--------------------------- 336 ---------------------------
والرَّتْقَاءُ : الجارية المنضمة الشفرين .
وفلان رَاتِقٌ وفاتقٌ في كذا ، أي هو عاقدٌ وحالٌّ .
ملاحظات
استعمل الفتق والرتق في القرآن في آية واحدة هي قوله تعالى : أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَأنتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَئٍْ حَىٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ . « الأنبياء : 30 » .
والمعروف في تفسيرها أنهما كانتا قطعة واحدة ، ففصَّلهما الله تعالى . والصحيح ما قاله الإمام الباقر عليه السلام : « إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الأرض وكانت السماوات رتقاً لا تمطر شيئاً ، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت شيئاً . فلما أن تاب الله عز وجل على آدم عليه السلام السماء فتقطرت بالغمام ، ثم أمرها فأرخت عَزَاليها . ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثمار وتفهَّقَت بالأنهار ، فكان ذلك رتقها ، وهذا فتقها » . « الكافي « 8 / 121 » .
رَتْلٌ
الرَّتَلُ : اتساق الشئ وانتظامه على استقامة ، يقال رجل رَتَلُ الأسنان . والترْتِيلُ : إرسال الكلمة من الفم بسهولة واستقامة . قال تعالى : وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا « المزمل : 4 » وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا « الفرقان : 32 » .
ملاحظات
قال الخليل « 8 / 113 » : « الرَّتَل : تنسيق الشئ ، وثغرٌ رَتِلٌ : حسن المتنضد ، ومُرتل : مُفَلَّج . ورتلت الكلام ترتيلاً : إذا أمهلتَ فيه وأحسنت تأليفه . وهو يترتل في كلامه ويترسل ، إذا فصل بعضه من بعض » .
وفي مجمع البحرين « 5 / 378 » : « ترتيل القرآن : حفظ الوقوف ، وبيان الحروف » .
فأصل معنى الترتيل : نظم تلاوة الكلام وتنسيقه .
رَجَّ
الرَّجُّ : تحريك الشئ وإزعاجه ، يقال : رَجَّهُ فَارْتَجَّ ، قال تعالى : إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا « الواقعة : 4 » نحو : إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها « الزلزلة : 1 » والرَّجْرَجَةُ : الاضطراب ، وكتيبةٌ رَجْرَاجَةٌ ، وجاريةٌ رَجْرَاجَةٌ . وارْتَجَّ كلامه : اضطرب . والرِّجْرِجَةُ : ماء قليل في مقره يضطرب فيتكدر .
ملاحظات
الرَّجُّ : فعلٌ فيه عنفٌ وتكرارٌ كالهز فلا يصح قول الراغب إنهُ مجرد تحريك الشئ وإزعاجه ، دون أن يذكر الشدة والتكرار ! قال الخليل « 6 / 16 » : « والإرتجاج : مطاوعة الرج ، وهو أن تزلزل زلزالاً شديداً » .
رَجَزَ
أصل الرِّجْز : الاضطراب ، ومنه قيل : رَجَزَ البعيرُ رَجَزاً فهو أَرْجَزُ ، وناقة رَجْزَاءُ : إذا تقارب خطوها واضطرب لضعفٍ فيها .
وشُبِّهَ الرَّجَز به لتقارب أجزائه . وتُصُوِّرَ رَجَزٌ في اللسان عند إنشاده ، ويقال لنحوه من الشعر أُرْجُوزَةٌ وأَرَاجِيزُ ، ورَجَزَ فلان وارْتَجَزَ ، إذا عمل ذلك أو أنشد . وهو رَاجِزٌ ، ورَجَّازٌ ، ورِجَّازَةٌ .
وقوله : عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ « سبأ : 5 » فَالرِّجْزُ هاهنا كالزلزلة . وقال تعالى : إنا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ « العنكبوت : 34 » وقوله : وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ « المدثر : 5 » قيل : هو صنم وقيل : هو كناية عن الذنب ، فسماه بالمآل كتسمية الندى شحماً . وقوله : وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ « الأنفال : 11 » والشيطان عبارة عن الشهوة على ما بُيِّنَ في بابه . وقيل : بل أراد برجز الشيطان : ما يدعو إليه من الكفر والبهتان والفساد .
--------------------------- 337 ---------------------------
والرِّجَازَةُ : كساء يجعل فيه أحجار فيعلق على أحد جانبي الهودج إذا مال ، وذلك لما يتصور فيه من حركته واضطرابه .
ملاحظات
1 . الرِّجْز بسكون الجيم : الرِّجس ونحوه . والرَّجَز : بفتحها نوع من الشِّعر . فهما أصلان ولا يمكن إرجاع أحدهما إلى الآخر . قال الخليل « 6 / 66 » : « فأما الرَّجْز فمصدر رَجَزَ يَرْجُزُ ، ويرتجز الأراجيز . الواحدة أرجوزة ، وهو الرجازة والرجاز والراجز » .
2 . الرِّجز والرِّجس يشتركان في الاستعمال ، قال ابن فارس « 2 / 489 » : « والرجز فاهجر : فذاك من باب الإبدال ، لأن أصله السين » .
وقال الجوهري « 3 / 878 » : « الرجز : القذر ، مثل الرجس » .
3 . عبَّر بالرجز عن آيات العذاب التي نزلت على قوم فرعون : وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ .
والعذاب على بني إسرائيل : فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَأنوا يَفْسُقُونَ .
والعذاب على قوم لوط : إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَأنوا يَفْسُقُونَ .
وعذاب الآخرة : وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ .
وبمعنى الأصنام والشرك : وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ . وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ .
وبمعنى وسوسات الشيطان : وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ .
وبمعنى الخمر وأخواته : إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ .
لحم الخنزير وأخواته : مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ .
وفي رجس الأوثان : فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ .
وفي رجس الشرك ورفض الإيمان : يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأنمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء ِكَذَلِكَ يَجْعَلُ الله الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ . . وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ .
وفي رجس العذاب على قوم هود : قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ .
كما ورد وصفاً للناكثين لعهدهم : سَيَحْلِفُونَ بِالله لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ .
4 . فالرِّجْزُ والرجس مترادفان ، لكن يغلب استعمال الرجز فيما كان عذاباً إلهياً ، والرجس فيما كان من فعل الإنسان ، وهوما يستقذر مادياً أو معنوياً . وقد أجاد الجوهري بقوله « 3 / 878 » : « الرِّجْز : القذر ، مثل الرجس » .
رِجْس
الرِّجْسُ : الشئ القذر ، يقال : رجل رجس ورجال أَرْجَاسٌ . قال تعالى : رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ « المائدة : 90 » .
والرِّجْسُ يكون على أربعة أوجه : إما من حيث الطبع ، وإما من جهة العقل ، وإما من جهة الشرع ، وإما من كل ذلك ، كالميتة فإن الميتة تعاف طبعاً وعقلاً وشرعاً .
والرِّجْسُ من جهة الشرع : الخمر والميسر ، وقيل إن ذلك رجس من جهة العقل ، وعلى ذلك نبه بقوله تعالى : وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما « البقرة : 219 » لأن كل ما يوفي إثمه على نفعه فالعقل يقتضي تجنبه ، وجعل الكافرين رجساً من حيث إن الشرك بالعقل أقبح الأشياء ، قال تعالى : وإما الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى
--------------------------- 338 ---------------------------
رِجْسِهِمْ « التوبة : 125 » .
وقوله تعالى : وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ « يونس : 100 » قيل : الرِّجْسُ النَّتن ، وقيل العذاب ، وذلك كقوله : إنمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ « التوبة : 28 » وقال : أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإنهُ رِجْسٌ « الأنعام : 145 » وذلك من حيث الشرع .
وقيل : رِجْسٌ ورجز للصوت الشديد ، وبعير رَجَّاسٌ : شديد الهدير ، وغمامٌ رَاجِسٌ ورَجَّاسٌ : شديد الرعد .
ملاحظات
تقدم أن الغالب استعمال الرجز في العذاب ، والرجس فعل الإنسان . لكن نص اللغويون على أن الرجس يشمل كل ما يستقذر ، فيكون قوله تعالى : إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً . تنزيهاً عن المعاصي وكل ما يستقبح ، وهي درجة فوق العصمة !
قال الخليل « 6 / 52 » : « كل شئ يستقذر فهو رجس كالخنزير ، وقد رجس الرجل رجاسة من القذر ، وإنه لرجس مرجوس . والرجس في القرآن العذاب كالرجز ، وكل قذر رجس . ورجس الشيطان وسوسته وهمزه » .
وقال ابن فارس « 2 / 490 » : « أصلٌ يدل على اختلاط . ومن الباب الرجس : القذر ، لأنه لَطْخٌ وخَلْطٌ » .
رَجَعَ
الرُّجُوعُ : العود إلى ما كان منه البدء ، أو تقدير البدء مكاناً كان أو فعلاً أو قولاً ، وبذاته كان رجوعه ، أو بجزء من أجزائه ، أو بفعل من أفعاله .
فَالرُّجُوعُ : العود ، والرَّجْعُ : الإعادة . والرَّجْعَةُ : في الطلاق ، وفي العَوْدِ إلى الدنيا بعد الممات ، ويقال : فلان يؤمنُ بِالرَّجْعَةِ .
والرِّجَاعُ : مختصٌّ برجوع الطير بعد قطاعها .
فمن الرجوع قوله تعالى : لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ « المنافقون : 8 » فَلما رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ « يوسف : 63 » وَلما رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ « الأعراف : 150 » وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا « النور : 28 » ويقال : رَجَعْتُ عن كذا رَجْعاً ، ورَجَعْتُ الجواب ، نحو قوله : فَإِنْ رَجَعَكَ الله إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ « التوبة : 83 » .
وقوله : إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ « المائدة : 48 » وقوله : إن إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى « العلق : 8 » وقوله تعالى : ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ « الأنعام : 164 » يصح أن يكون من الرُّجُوعِ كقوله : ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . ويصح أن يكون من الرجع كقوله : ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . وقد قرئ : وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ، بفتح التاء وضمها .
وقوله : لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ « الأعراف : 168 » أي يرجعون عن الذنب .
وقوله : وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها إنهُمْ لا يَرْجِعُونَ « الأنبياء : 95 » أي حرمنا عليهم أن يتوبوا ويرجعوا عن الذنب ، تنبيهاً [ على ] أنه لا توبة بعد الموت كما قال : قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً « الحديد : 13 » .
وقوله : بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ « النمل : 35 » فمن الرجوع . أو من رجع الجواب ، كقوله : يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ « سبأ : 31 » .
وقوله : ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ « النمل : 28 » فمن رجع الجواب لا غير ، وكذا قوله : فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ « النمل : 35 » .
وقوله : وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ « الطارق : 11 » أي المطر ، وسمي رجعاً لرد الهواء ما تناوله من الماء . وسمي الغدير رَجْعاً إما لتسميته بالمطر الذي فيه ، وإما لِتَرَاجُعِ أمواجه وتردده في مكانه .
ويقال : ليس لكلامه مَرْجُوعٌ ، أي جواب . ودابة لها مرجوع : يمكن بيعها بعد الاستعمال . وناقة رَاجِعٌ : تردُ ماء الفحل ، فلا تقبله .
--------------------------- 339 ---------------------------
وأَرْجَعَ يده إلى سيفه ليستلَّه . والإرْتِجَاعُ : الإسترداد . وارْتَجَعَ إبلاً إذا باع الذكور واشترى إناثاً ، فاعتبر فيه معنى الرجع تقديراً ، وإن لم يحصل فيه ذلك عيناً .
واسْتَرْجَعَ فلان : إذا قال إن الله وإنا إليه راجعون .
والترْجِيعُ : ترديد الصوت باللحن في القراءة وفي الغناء ، وتكرير قول مرتين فصاعداً ، ومنه : الترْجِيعُ في الأذان .
والرَّجِيعُ : كناية عن أذى البطن للإنسان والدابة ، وهو من الرُّجُوعِ ، ويكون بمعنى الفاعل ، أو من الرَّجْعِ ويكون بمعنى المفعول .
وجُبَّةٌ رَجِيعٌ : أعيدت بعد نقضها ، ومن الدابة : ما رَجَعْتَهُ من سفر إلى سفر ، والأنثى رَجِيعَةٌ . وقد يقال : دابة رَجِيعٌ ، ورجْعُ سفر : كناية عن النَّضْو .
والرَّجِيعُ من الكلام : المردود إلى صاحبه أو المكرر .
رَجَفَ
الرَّجْفُ : الاضطراب الشديد ، يقال : رَجَفَتِ الأرض ورَجَفَ البحر ، وبحر رَجَّافٌ . قال تعالى : يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ « النازعات : 6 » يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ « المزمل : 14 » فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ « الأعراف : 78 » .
والإِرْجَافُ : إيقاع الرجفة ، إما بالفعل وإما بالقول ، قال تعالى : وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ ، ويقال : الْأَرَاجِيفُ : ملاقيح الفتن .
رَجَلَ
الرجل : مختصٌّ بالذَّكَر من الناس ، ولذلك قال تعالى : وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا « الأنعام : 9 » .
ويقال رَجْلَةٌ للمرأة : إذا كانت متشبِّهة بالرجل في بعض أحوالها ، قال الشاعر : لم يُبَالُوا حُرْمَةَ الرَّجُلَهْ .
ورجل بيِّن الرُّجُولَةِ والرُّجُولِيَّةِ ، وقوله : وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى « يس : 20 » وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ « غافر : 28 » فالأولى به الرجولية والجلادة . وقوله : أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّي الله « غافر : 28 » وفلان أَرْجَلُ الرجليْنِ .
والرِّجْل : العضو المخصوص بأكثر الحيوان ، قال تعالى : وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ « المائدة : 6 » واشتقّ من الرجل : رَجِلٌ ورَاجِلٌ للماشي بالرجل ، ورَاجِلٌ بيِّنُ الرجلةِ ، فجمع الرَّاجِلُ رَجَّالَةٌ ورَجْلٌ ، نحو : رَكْب ، ورِجَالٌ نحو : رِكاب لجمع الراكب . ويقال : رَجُلٌ رَاجِلٌ ، أي قويٌّ على المشي ، جمعه : رِجَالٌ ، نحو قوله تعالى : فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً « البقرة : 239 » وكذا رَجِيٌل ورَجْلَةٌ . وحرّةٌ رَجْلَاءُ : ضابطة للأرجل بصعوبتها .
والْأَرْجَلُ : الأبيض الرجل من الفرس ، والعظيم الرجل .
ورَجَلْتُ الشاةَ : علَّقتها بالرجل . واستعير الرجل للقطعة من الجراد ، ولزمان الإنسان ، يقال : كان ذلك على رِجْلِ فلان ، كقولك : على رأس فلان . ولمسيل الماء ، الواحدة رِجْلَةٌ وتسميته بذلك كتسميته بالمذانب .
والرِّجْلَةُ : البقلة الحمقاء ، لكونها نابتة في موضع القدم .
وارْتَجَلَ الكلام : أورده قائماً من غير تدبر ، وارْتَجَلَ الفرس في عدوه . وتَرَجَّلَ الرجل : نزل عن دابته ، وتَرَجَّلَ في البئر تشبيهاً بذلك .
وتَرَجَّلَ النهار : انحطت الشمس عن الحيطان كأنها تَرَجَّلَتْ .
ورَجَّلَ شعره ، كأنه أنزله إلى حيث الرجل . والْمِرْجَلُ : القدر المنصوبة . وأَرْجَلْتُ الفصيل : أرسلته مع أمه ، كأنما جعلت له بذلك رِجْلاً .
ملاحظات
قال أمير المؤمنين عليه السلام لمن عصاه من المسلمين : « يا أشباه الرجال ولا رجال ، حلوم الأطفال ، وعقول ربات الحجال » « نهج البلاغة : 1 / 70 » . يقصد أنهم فاقدون
--------------------------- 340 ---------------------------
لمعاني الرجولة من الغيرة والشهامة والشجاعة .
وقال النبي صلى الله عليه وآله لعائشة : أنت رَجُلة . وقال المناوي في فيض القدير « 5 / 343 » : « لعن الله الرجلة من النساء : أي المترجلة وهو بفتح الراء وضم الجيم ، التي تتشبه بالرجال في زيهم أو مشيهم أو رفع صوتهم أو غير ذلك . أما في العلم والرأي فمحمود ، ويقال كانت عائشة رجلة الرأي » .
رَجَمَ
الرِّجَامُ : الحجارة ، والرَّجْمُ : الرمي بالرِّجَامِ . يقال : رُجِمَ فهو مَرْجُومٌ . قال تعالى : لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ « الشعراء : 116 » أي المقتولين أقبح قتلة . وقال : وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ « هود : 91 » إنهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ « الكهف : 20 » .
ويستعار الرجم للرمي بالظن والتوهم ، وللشتم والطرد ، نحو قوله تعالى : رَجْمًا بِالْغَيْبِ « الكهف : 22 » قال الشاعر :
وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
وقوله تعالى : لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا « مريم : 46 » أي لأقولن فيك ما تكره . والشيطان الرَّجِيمُ : المطرود عن الخيرات ، وعن منازل الملإ الأعلى . قال تعالى : فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ « النحل : 98 » وقال تعالى : فَاخْرُجْ مِنْها فَإنكَ رَجِيمٌ « الحجر : 34 » وقال في الشُّهُب : رُجُوماً لِلشَّياطِينِ « الملك : 5 » .
والرَّجْمَةُ والرُّجْمَةُ : أحجار القبر ، ثم يعبر بها عن القبر ، وجمعها رِجَامٌ ورُجَمٌ .
وقد رَجَمْتُ القبر : وضعت عليه رِجَاماً . وفي الحديث : لا تَرْجُمُوا قبري . والمُرَاجَمَةُ : المسابة الشديدة استعارة كالمقاذفة . والترْجُمَانُ : تَفْعُلان ، من ذلك ( ! )
رَجَا
رَجَا البئرِ والسماء وغيرهما : جانباها ، والجمع أَرْجَاءٌ ، قال تعالى : وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها « الحاقة : 17 » . والرَّجَاءُ : ظنٌّ يقتضي حصول ما فيه مسرَّة . وقوله تعالى : ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً « نوح : 13 » قيل : ما لكم لا تخافون ، وأنشد :
إذا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لم يَرْجُ لَسْعَهَا
وحَالَفَهَا في بيتِ نَوْبٍ عَوَامِلُ
ووجه ذلك إن الرَّجَاءَ والخوف يتلازمان ، قال تعالى : وَتَرْجُونَ مِنَ الله ما لا يَرْجُونَ « النساء : 104 » وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ الله « التوبة : 106 » .
وأَرْجَتِ الناقة : دنا نتاجها ، وحقيقته جعلت لصاحبها رجاء في نفسها بقرب نتاجها .
والْأُرْجُوَان : لون أحمر يفرِّح تفريح الرَّجاء .
ملاحظات
قال في التبيان « 7 / 482 » : « وإذا استعملوا الرجاء مع النفي أرادوا به الخوف ، كقوله : تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ، وهي لغة تهامة وهذيل » .
« عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : لاترجونلله وقاراً َوله الشئ وإزعاجه . قال : لاتخافونلله عظمة » . « تفسير القمي : 2 / 387 »
وفي مصنف عبد الرزاق « 1 / 286 » : « عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وآله رأى قوماً يغتسلون في النهر عراةً ليس عليهم أزر ، فوقف فنادى بأعلى صوته فقال : ما لكم لاترجونلله وقاراً » .
وفي تلخيص البيان / 347 : « هذه استعارة ، لأن الوقار هاهنا وضع الحلم مجازاً . يقال : رجل وقور بمعنى حليم . فأما حقيقة الوقار الذي هو الرزانة والثقل فلا يجوز أن يوصف بها القديم سبحانه ، لأنها من صفات الأجسام ، وإنما يجوز وصفه تعالى بالوقار ، على معنى الحلم كما ذكرنا . والمعنى أنه يؤخر عقاب المذنبين مع الاستحقاق إمهالاً للتوبة ، وإنظاراً للفيئة والرجعة .
--------------------------- 341 ---------------------------
لأن الحليم في الشاهد إسمٌ لمن يترك الانتقام عن قدرة . ولا يسمى غير القادر إذا ترك الانتقام حليماً ، للعلَّة التي ذكرناها .
وقوله تعالى : لا تَرْجُونَ ، هاهنا أي لا تخافون فكأنه سبحانه قال : ما لكم لا تخافونلله حلماً ؟ وإنما أخر عقوبتكم إمهالاً لكم ، وإيجاباً للحجة عليكم . وإلَّا فعقابه من ورائكم وانتقامه قريب منكم .
وقد جاء في شعر العرب لفظ الرجاء ، والمراد به الخوف . ولا يرد ذلك إلا وفي الكلام حرف نفي . لا يقال : فلان لا يرجو فلاناً بمعنى يخافه ، بل يقال : فلان لا يرجو فلاناً . أي لا يخافه » .
رَحَبَ
الرَّحْبُ : سعة المكان ، ومنه رَحْبَةُ المسجد . ورَحُبَتِ الدَّار : اتَّسَعت . واستعير للواسع الجوف فقيل : رَحْبُ البطن ، ولواسع الصدر ، كما استعير الضيق لضده قال تعالى : ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ « التوبة : 118 » وفلان رَحِيبُ الفناء : لمن كثرت غاشيته .
وقولهم : مَرْحَباً وأهلاً ، أي وجدت مكاناً رَحْباً ، قال تعالى : لا مَرْحَباً بِهِمْ إنهُمْ صالُوا النَّارِ قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ . « ص : 59 » .
رَحَقَ
قال الله تعالى : يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ « المطففين : 25 » أي خمر .
ملاحظات
قال بعض اللغويين إن الرحيق من أسماء الخمر ، وقال بعضهم هو أحسنها . وقال ابن منظور « 10 / 114 » : « الرَّحِيقُ والرُّحاقُ : الصافي ، ولا فعل له » .
ويؤيده وصف الآيات شراب أهل الجنة بالصفو ، والرحيق بالمختوم ، حتى لا يضاف اليه غيره . وليكون فيه خصوصية واحترام .
رَحَلَ
الرَّحْلُ : ما يوضع على البعير للركوب ، ثم يعبر به تارة عن البعير ، وتارة عما يجلس عليه في المنزل ، وجمعه رِحَالٌ . وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ . « يوسف : 62 » .
والرِّحْلَةُ : الِارْتِحَالُ ، قال تعالى : رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ « قريش : 2 » .
وأَرْحَلْتُ البعير : وضعت عليه الرحل . وأَرْحَلَ البعيرُ : سمن ، كأنه صار على ظهره رحل لسمنه وسنامه .
ورَحَلْتُهُ : أظعنته ، أي أزلته عن مكانه .
والرَّاحِلَةُ : البعير الذي يصلح للإرتحال . ورَاحَلَهُ : عاونه على رِحْلَتِهِ . والمُرَحَّلُ : بُرْدٌ عليه صورة الرِّحال .
رَحِمَ
الرَّحِمُ : رَحِمُ المرأة . وامرأة رَحُومٌ تشتكي رحمها . ومنه استعير الرَّحِمُ للقرابة ، لكونهم خارجين من رحم واحدة ، يقال : رَحِمٌ ورُحْمٌ . قال تعالى : وَأَقْرَبَ رُحْماً « الكهف : 81 » .
والرَّحْمَةُ : رقةٌ تقتضي الإحسان إلى الْمَرْحُومِ ، وقد تستعمل تارة في الرقة المجردة ، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة نحو : رَحِمَ الله فلاناً .
وإذا وصف به الباري فليس يراد به إلا الإحسان المجرد دون الرقة ، وعلى هذا روي إن الرَّحْمَةَ من الله إنعام وإفضال ، ومن الآدميين رقةٌ وتعطف . وعلى هذا قول النبي صلى الله عليه وآله ذاكراً عن ربه أنه لما خلق الرَّحِمَ قال له : أنا الرحمن ، وأنت الرحم ، شققت اسمك من اسمي ، فمن وصلك وصلته ، ومن قطعك بَتَتُّهْ . فذلك إشارة إلى ما تقدم وهو أن الرَّحْمَةَ منطوية على معنيين : الرقة والإحسان ، فركَّز تعالى في طبائع الناس الرِّقَّة وتفرد
--------------------------- 342 ---------------------------
بالإحسان [ فصار ] كما أن لفظ الرَّحِمِ من الرحمة ، فمعناه الموجود في الناس من المعنى الموجودلله تعالى ، فتناسب معناهما تناسب لفظيهما .
والرَّحْمَنُ والرَّحِيمُ : نحو نَدْمَان ونديم ، ولا يطلق الرَّحْمَنُ إلا على الله تعالى من حيث إن معناه لا يصح إلا له ، إذ هو الذي وسع كل شئ رَحْمَةً . والرَّحِيمُ : يستعمل في غيره ، وهو الذي كثرت رحمته ، قال تعالى : إن الله غَفُورٌ رَحِيمٌ « البقرة : 182 » وقال في صفة النبي صلى الله عليه وآله : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ « التوبة : 128 » .
وقيل إن الله تعالى هو رحمن الدنيا ورحيم الآخرة ، وذلك أن إحسانه في الدنيا يعم المؤمنين والكافرين ، وفي الآخرة يختص بالمؤمنين . وعلى هذا قال : وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كل شَئ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ « الأعراف : 156 » تنبيهاً [ على ] أنها في الدنيا عامة للمؤمنين والكافرين ، وفي الآخرة مختصة بالمؤمنين .
رَخَا
الرُّخَاءُ : اللَّيِّنَة . من قولهم : شئ رِخْوٌ ، وقد رَخِيَ يَرْخَى ، قال تعالى : فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ « ص : 36 » . ومنه : أَرْخَيْتُ الستر ، وعن إِرْخَاءِ الستر استعير : إِرْخَاءُ سِرْحَان .
وقول أبي ذؤيب : وهي رَخْوٌ تمزَّع ُ . أي رخو السيركريح الرخاء . وقيل : فرس مِرْخَاءٌ ، أي واسع الجري بعيد الخطو من خيل مِرَاخٍ . وقد أَرْخَيْتُهُ : خليته رخواً .
رَدَّ
الرَّدُّ : صرف الشئ بذاته ، أو بحالة من أحواله ، يقال : رَدَدْتُهُ فَارْتَدَّ ، قال تعالى : وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ « الأنعام : 147 » .
فمن الرد بالذات قوله تعالى : وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ « الأنعام : 28 » ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ « الإسراء : 6 » وقال : رُدُّوها عَلَيَّ « ص : 33 » وقال : فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ « القصص : 13 » يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ « الأنعام : 27 » .
ومن الرد إلى حالة كان عليها قوله : يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ « آل عمران : 149 » وقوله : وَإِنْ يُرِدْك بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ « يونس : 107 » أي لا دافع ولا مانع له ، وعلى ذلك : عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ « هود : 76 » .
ومن هذا الرَّدُّ إلى الله تعالى ، نحو قوله : وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً « الكهف : 36 » ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ « الجمعة : 8 » ثُمَّ رُدُّوا إِلَى الله مَوْلاهُمُ الْحق « الأنعام : 62 » فالرد كالرّجع في قوله : ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ « البقرة : 28 » .
ومنهم من قال : في الرَّدِّ قولان ، أحدهما : ردهم إلى ما أشار إليه بقوله : مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ « طه : 55 » .
والثاني : ردهم إلى الحياة المشار إليها بقوله : وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى « طه : 55 » فذلك نظر إلى حالتين كلتاهما داخلة في عموم اللفظ . وقوله تعالى : فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ « إبراهيم : 9 » قيل : عَضُّوا الأنامل غيظاً ، وقيل : أومأوا إلى السكوت وأشاروا باليد إلى الفم .
وقيل : ردوا أيديهم في أفواه الأنبياء فأسكتوهم واستعمال الرد في ذلك تنبيهاً [ على ] أنهم فعلوا ذلك مرة بعد أخرى .
وقوله تعالى : لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً « البقرة : 109 » أي يرجعونكم إلى حال الكفر بعد أن فارقتموه ، وعلى ذلك قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ « آل عمران : 100 » .
والإرْتِدَادُ والرِّدَّةُ : الرجوع في الطريق الذي جاء منه ، لكن
--------------------------- 343 ---------------------------
الردة تختص بالكفر ، والارتداد يستعمل فيه وفي غيره ، قال تعالى : إن الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ « محمد : 25 » وقال : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ « المائدة : 54 » وهو الرجوع من الإسلام إلى الكفر ، وكذلك : وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ « البقرة : 217 » . وقال عز وجل : فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً « الكهف : 64 » إن الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى « محمد : 25 » وقال تعالى : وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا « الأنعام : 71 » وقوله تعالى : وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ « المائدة : 21 » أي إذا تحققتم أمراً وعرفتم خيراً فلا ترجعوا عنه .
وقوله عز وجل : فَلما أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً « يوسف : 96 » أي عاد إليه البصر ، ويقال : رَدَدْتُ الحكم في كذا إلى فلان : فوّضته إليه ، قال تعالى : وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ « النساء : 83 » وقال : فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَئ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ « النساء : 59 » .
ويقال : رَادَّهُ في كلامه . وقيل في الخبر : البَيعان يَتَرَادَّانِ ، أي يرد كل واحد منهما ما أخذ .
ورَدَّةُ الإبل : أن تَتَرَدَّدَ إلى الماء . وقد أَرَدَّتِ الناقة . واسْتَرَدَّ المتاع : استرجعه .
رَدِفَ
الرِّدْفُ : التابع . ورِدْفُ المرأة : عجيزتها . والترَادُفُ : التتابع . والرَّادِفُ : المتأخر . والمُرْدِفُ : المتقدم الذي أَرْدَفَ غيره . قال تعالى : فَاسْتَجابَ لَكُمْ إني مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ « الأنفال : 9 » قال أبو عبيدة : مردفين جائين بعد . فجعل رَدِفَ وأَرْدَفَ بمعنى واحد ، وأنشد :
إذَا الجوزاءُ أَرْدَفَتِ الثُّرَيَّا
وقال غيره : معناه مردفين ملائكة أخرى ، فعلى هذا يكونون ممدين بألفين من الملائكة ، وقيل عنى بِالمُرْدِفِينَ المتقدمين للعسكر يلقون في قلوب العدى الرّعب . وقرئ مُرْدِفِينَ ، أي أُرْدِفَ كل إنسان ملكاً .
ومُرَدَّفِينَ : يعني مُرْتَدِفِينَ ، فأدغم التاء في الدال وطرح حركة التاء على الدال .
وقد قال في سورة آل عمران : أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ . وأَرْدَفْتُهُ : حملته على رِدْفِ الفرس . والرِّدَافُ : مركب الرّدف ، ودابة لاتُرَادَفُ ولا تُرْدَفُ ، وجاء واحد فأردفه آخر . وأَرْدَافُ الملوكِ : الذين يخلفونهم .
رَدَمَ
الرَّدْمُ : سدُّ الثَّلمة بالحجر ، قال تعالى : أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً « الكهف : 95 » . والرَّدْمُ : المَرْدُوم ُ ، وقيل : المُرْدَمُ ، قال الشاعر : هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدِّمِ
وأَرْدَمْتُ عليه الحمَّى ، وسحاب مُرَدَّمٌ .
رَدَأَ
الرِّدْءُ : الذي يتبع غيره معيناً له . قال تعالى : فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي « القصص : 34 » . وقد أَرْدَأَهُ .
والرَّدِئ : في الأصل مثله ، لكن تعورف في المتأخر المذموم . يقال : رَدُأَ الشئ رَدَاءَةً ، فهو رَدِئ .
والرَّدَى : الهلاك ، والترَدِّي : التعرضللهلاك ، قال تعالى : وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى « الليل : 11 » وقال : وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى « طه : 16 » وقال : تَ الله إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ « الصافات : 56 »
والمُرْدَاة : حجر تكسر بها الحجارة ، فَتُرْدِيهَا .
رَذَلَ
الرَّذْلُ والرُّذَالُ : المرغوب عنه لرداءته ، قال تعالى : وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ « النحل : 70 » وقال : إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا
--------------------------- 344 ---------------------------
بادِيَ الرَّأْيِ « هود : 27 » وقال تعالى : قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ « الشعراء : 111 » جمع الْأَرْذَلِ .
رَزَقَ
الرِّزْقُ : يقال للعطاء الجاري تارةً ، دنيوياً كان أم أخروياً ، وللنصيب تارةً . ولما يصل إلى الجوف ويُتَغَذَّى به تارةً ، يقال : أعطى السلطان رِزْقَ الجند ، ورُزِقْتُ علماً ، قال : وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ « المنافقون : 10 » أي من المال والجاه والعلم ، وكذلك قوله : وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ « البقرة : 3 » كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ « البقرة : 172 » .
وقوله : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ إنكُمْ تُكَذِّبُونَ « الواقعة : 82 » أي وتجعلون نصيبكم من النعمةتحرِّي الكذب .
وقوله : وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ « الذاريات : 22 » قيل عني به المطر الذي به حياة الحيوان ، وقيل : هو كقوله : وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً « المؤمنون : 18 » وقيل تنبيه [ على ] أن الحظوظ بالمقادير .
وقوله تعالى : فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ « الكهف : 19 » أي بطعام يتغذى به .
وقوله تعالى : وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبادِ « ق : 10 » قيل عنى به الأغذية ، ويمكن أن يحمل على العموم فيما يؤكل ويلبس ويستعمل ، وكل ذلك مما يخرج من الأرضين ، وقد قيَّضه الله بما ينزله من السماء من الماء .
وقال في العطاء الأخروي : وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ « آل عمران : 169 » أي يفيض الله عليهم النعم الأخروية ، وكذلك قوله : وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا « مريم : 62 » .
وقوله : إن الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ « الذاريات : 58 » فهذا محمول على العموم . والرَّازِقُ : يقال لخالق الرزق ومعطيه والمسبب له ، وهو الله تعالى . ويقال ذلك للإنسان الذي يصير سبباً في وصول الرزق .
والرَّزَّاقُ : لا يقال إل الله تعالى ، وقوله : وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ « الحجر : 20 » أي بسبب في رزقه ، ولا مدخل لكم فيه . وقوله : وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله ما لايَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلايَسْتَطِيعُونَ « النحل : 73 » أي ليسوا بسبب في رزق بوجه من الوجوه ، وسبب من الأسباب .
ويقال : ارْتَزَقَ الجند : أخذوا أرزاقهم . والرَّزْقَةُ : ما يعطونه دُفْعة واحدة .
رَسَّ
أَصْحابَ الرَّس : قيل هو واد ، قال الشاعر :
وَهُنَّ لِوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَمِ
وأصل الرَّسِّ : الأثر القليل الموجود في الشئ ، يقال : سمعت رَسّاً من خبر . ورَسُّ الحديث في نفسي ، ووجد رَسّاً من حُمَّى . ورُسَّ الميتُ : دُفن وجعل أثراً بعد عين .
ملاحظات
قال الله تعالى : وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا . « الفرقان : 39 » وقال : كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ . « ق : 12 »
والظاهر أن أصحاب الرس في الآية ترجمةٌ لكلمة أصحاب نهر أرَسْ وهو في آذربيجان الإيرانية ويمتد إلى روسيا ، وطوله أكثر من ألف كيلو متر ، ولأهله حضارة وردت فيها روايات عن أهل البيت عليهم السلام .
فالرَّسُّ مُعَرَّبَة ، وليست من رسَّ في العربية .
رَسَخَ
رُسُوخُ الشئ : ثباته ثباتاً متمكناً ، ورَسَخَ الغدير : نضب ماؤه ، ورَسَخَ تحت الأرض . والرَّاسِخُ في العلم : المتحقق به الذي لا يعرضه شبهة .
--------------------------- 345 ---------------------------
فَالرَّاسِخُونَ في العلم هم الموصوفون بقوله تعالى : الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا « الحجرات : 15 » وكذا قوله تعالى : لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ « النساء : 162 » .
ملاحظات
فسر الراغب الراسخ بالعلم بالمتحقق الذي لا تؤثر عليه الشبهة ، لأنه صاحب رؤية يقينية . وهذا لا ينطبق على علماء المسلمين الذين يقصد ، لأن الرسوخ في العلم يعني سعة علمهم ويقينهم ، ولا يوجد عندهم ! فلا بد أن يكون هؤلاء نفس الذين قال الله عنهم : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا . وقال عنهم : قُلْ كَفَى بِالله شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَاب . وقال : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ . وقال عنهم النبي صلى الله عليه وآله : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسكم بهما لن تضلوا بعدي .
ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام : « أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ، أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم » « نهج البلاغة : 2 / 27 » .
رَسَلَ
أصل الرِّسْلِ : الإنبعاث على التؤدة ويقال : ناقة رَِسْلَةٌ : سهلة السير ، وإبلٌ مَرَاسِيلُ : منبعثة انبعاثاً سهلاً .
ومنه ( ! ) : الرَّسُولُ المنبعث ، وتُصُوِّرَ منه تارةً الرفق ، فقيل على رِسْلِكَ إذا أمرته بالرفق ، وتارةً الإنبعاث فاشتق منه الرسول . والرَّسُولُ : يقال تارة للقول المتحمَّل كقول الشاعر : ألا أبلغ أبا حفص رسولاً . وتارة لمتحمل القول والرِّسَالَةِ .
والرَّسُولُ : يقال للواحد والجمع ، قال تعالى : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ « التوبة : 128 » وللجمع : فقولا إنا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ « الشعراء : 16 » وقال الشاعر :
أَلِكْنِي إليها وخَيْرُ الرَّسُول
أعلمُهُمْ بنَوَاحي الخَبَرْ
وجمع الرسول : رُسُلٌ . ورُسُلُ الله : تارة يراد بها الملائكة ، وتارة يراد بها الأنبياء ، فمن الملائكة قوله تعالى : إنهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ « التكوير : 19 » وقوله : إنا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ « هود : 81 » وقوله : وَلما جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِئ بِهِمْ « هود : 77 » وقال : وَلما جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى « العنكبوت : 31 » . وقال : وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً « المرسلات : 1 » بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ « الزخرف : 80 » .
ومن الأنبياء قوله : وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ « آل عمران : 144 » يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ « المائدة : 67 » وقوله : وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ « الأنعام : 48 » فمحمول على رسله من الملائكة والإنس .
وقوله : يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً « المؤمنون : 51 » قيل عنى به الرسول وصفوة أصحابه فسماهم رسلاً لضمهم إليه ، كتسميتهم المهلب وأولاده : المهالبة .
والْإِرْسَالُ : يقال في الإنسان ، وفي الأشياء المحبوبة والمكروهة . وقد يكون ذلك بالتسخير كإرسال الريح والمطر نحو : وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً « الأنعام : 6 » .
وقد يكون ببعث من له اختيار ، نحو إِرْسَالِ الرّسل ، قال تعالى : وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً « الأنعام : 61 » فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ « الشعراء : 53 » . وقد يكون ذلك بالتخلية وترك المنع ، نحو قوله : أَلَمْ تَرَ إنا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا « مريم : 83 » .
والْإِرْسَالُ : يقابل الإمساك ، قال تعالى : ما يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ « فاطر : 2 » .
--------------------------- 346 ---------------------------
والرَّسْلُ : من الإبل والغنم : ما يَسْتَرْسِلُ في السير ، يقال : جاءوا أَرْسَالاً ، أي متتابعين ، والرِّسْلُ : اللبن الكثير المتتابع الدَّرّ .
رَسَا
يقال : رَسَا الشئ يَرْسُو : ثبت . وأَرْسَاهُ غيره . قال تعالى : وَقُدُورٍ راسِياتٍ « سبأ : 13 » وقال : رَواسِيَ شامِخاتٍ « المرسلات : 27 » أي جبالاً ثابتات ، وَالْجِبالَ أَرْساها « النازعات : 32 » وذلك إشارة إلى نحو قوله تعالى : وَالْجِبالَ أَوْتاداً « النبأ : 7 » قال الشاعر : ولا جِبَالَ إذَا لَمْ تَرْسِ أوْتَادُ .
وألقت السحابة مَرَاسِيهَا : نحو ألقت طنبها . وقال تعالى : ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ الله مَجْراها وَمُرْساها ، من : أجريت وأَرْسَيْتُ . فالمُرْسَى : يقال للمصدر والمكان والزمان والمفعول ، وقرئ : مُجريها ومُرسيها . وقوله : يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها « الأعراف : 187 » أي زمان ثبوتها .
ورَسَّوْتُ بين القوم ، أي أثبتُّ بينهم إيقاع الصلح .
رَشَدَ
الرَّشَدُ والرُّشْدُ : خلاف الغي ، يستعمل استعمال الهداية ، يقال : رَشَدَ يَرْشُدُ ، ورَشِدَ يَرْشَدُ قال : لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ « البقرة : 186 » وقال : قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ « البقرة : 256 » وقال تعالى : فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً « النساء : 6 » وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ « الأنبياء : 51 » وبين الرشدين أعني : الرشد المؤنَس من اليتيم ، والرشد الذي أوتي إبراهيم عليه السلام بَوْنٌ بعيد . وقال : هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً « الكهف : 66 » وقال : لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً « الكهف : 24 » .
وقال بعضهم : الرَّشَدُ أخصُّ من الرُّشْدِ ، فإن الرُّشْدَ يقال في الأمور الدنيوية والأخروية . والرَّشَدُ : يقال في الأمور الأخروية لاغير ، والرَّاشِدُ والرَّشِيدُ : يقال فيهما جميعاً . قال تعالى : أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ « الحجرات : 7 » وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ « هود : 97 » .
رَصَّ
قال تعالى : كأنهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ « الصف : 4 » أي محكم كأنما بني بالرَّصَاصِ ، ويقال : رَصَصْتُهُ ورَصَّصْتُهُ ، وتَرَاصُّوا في الصلاة . أي تضايقوا فيها . وتَرْصِيصُ المرأة : أن تشدد التنَقُّب ، وذلك أبلغ من الترَصُّصُ .
رَصَدَ
الرَّصَدُ : الاستعداد للترقب ، يقال : رَصَدَ له وتَرَصَّدَ وأَرْصَدْتُهُ له . قال عز وجل : وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ الله وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ « التوبة : 107 » وقوله عز وجل : إن رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ « الفجر : 14 » تنبيهاً [ على ] أنه لا ملجأ ولا مهرب .
والرَّصَدُ : يقال لِلرَّاصِدِ الواحد ، وللجماعة الرَّاصِدِين . ولِلْمَرْصُودِ ، واحداً كان أو جمعاً . وقوله تعالى : يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً « الجن : 27 » يحتمل كل ذلك .
والمَرْصَدُ : موضع الرصد ، قال تعالى : وَاقْعُدُوا لَهُمْ كل مَرْصَدٍ « التوبة : 5 » .
والْمِرْصَادُ : نحوه لكن يقال للمكان الذي اختصّ بِالترَصُّدِ ، قال تعالى : إن جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً « النبأ : 21 » تنبيهاً [ على ] أن عليها مجاز الناس ، وعلى هذا قوله تعالى : وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها « مريم : 71 » .
ملاحظات
عرف الراغب الرصد بالاستعداد للترقب ، والصحيح أنه نفس الترقب .
قال ابن فارس « 2 / 400 » : « رصدته أرصده : أي ترقبته . وأرصدت له : أي أعددت » .
رَضَعَ
يقال : رَضَعَ المولود يَرْضِعُ ، ورَضِعَ يَرْضَعُ رَضَاعاً
--------------------------- 347 ---------------------------
ورَضَاعَةً . وعنه استعير : لئيم رَاضِعٌ : لمن تناهى لؤمه ، وإن كان في الأصل لمن يُرْضِع غنمه ليلاً ، لئلا يسمع صوت شَخْبِهِ ، فلما تعورف في ذلك قيل : رَضُعَ فلان ، نحو : لؤم .
وسمي الثنيتان من الأسنان : الرَّاضِعَتَيْن ِ ، لاستعانة الصبي بهما في الرضع . قال تعالى : وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ « البقرة : 233 » فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ « الطلاق : 6 » . ويقال : فلان أخو فلان من الرّضاعة وقال صلى الله عليه وآله : يحرم من الرَّضَاعِ ما يحرم من النّسب . وقال تعالى : وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ « البقرة : 233 » أي تسومونهن إرضاع أولادكم .
رَضِيَ
يقال : رَضِيَ يَرْضَى رِضًا فهو مَرْضِيٌّ ومَرْضُوٌّ . ورِضَا العبد عن الله : أن لا يكره ما يجري به قضاؤه . ورِضَا الله عن العبد : هو أن يراه مؤتمراً لأمره ، ومنتهياً عن نهيه ، قال الله تعالى : رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ « المائدة : 119 » وقال تعالى : لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ « الفتح : 18 » وقال تعالى : وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً « المائدة : 3 » وقال تعالى : أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ « التوبة : 38 » وقال تعالى : يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ « التوبة : 8 » وقال عز وجل : وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كلهُنَ « الأحزاب : 51 » .
والرِّضْوَانُ : الرضا الكثير ، ولما كان أعظم الرِّضَا رضا الله تعالى ، خُصَّ لفظ الرضوان في القرآن بما كان من الله تعالى ، قال عز وجل : وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ الله « الحديد : 27 » وقال تعالى : يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ الله وَرِضْواناً « الفتح : 29 » وقال : يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ « التوبة : 21 » .
وقوله تعالى : إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ « البقرة : 232 » أي أظهر كل واحد منهم الرضا بصاحبه ورَضِيَهُ .
ملاحظات
معنى التراضي في الآية : إرضاءُ كل طرف لصاحبه ، وليس الرضا بصاحبه ، كما تصور الراغب . فقد يتراضى العدُوَّان على شئ .
رَطَبَ
الرَّطْبُ : خلاف اليابس ، قال تعالى : وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ « الأنعام : 59 » وخُصَّ الرُّطَبُ بالرَّطْبِ من التمر ، قال تعالى : وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا « مريم : 25 » وأَرْطَبَ النخلُ نحو أتمر وأجنى ، ورَطَبْتُ الفرس ورَطَّبْتُهُ : أطعمته الرطب فَرَطَبَ الفرس : أكَله . ورَطِبَ الرجل رَطَباً : إذا تكلم بما عنَّ له من خطأ وصواب ، تشبيهاً برطب الفرس ، والرَّطِيبُ : عبارة عن الناعم .
ملاحظات
أخذ الراغب هذه المادة من ابن فارس وأخطأ في فهمها ! قال في المقاييس « 2 / 404 » : « والرطب معروف . ويقال أرطبَ النخل إرطاباً . ورَطَبْتُ القومَ ترطيباً ، إذا أطعمتهم رُطَباً . والرِّطَاب : من النبت ، تقول : رَطَبْتُ الفرس أرطبه رَطباً ورطوباً » . ونحوه الخليل « 7 / 421 » .
فحذف الراغب القوم ، وأطعم رُطَبهم للفرس بدل الرِطَاب الذي هو نبات !
رَعَبَ
الرُّعْبُ : الانقطاع من امتلاء الخوف ، يقال : رَعَبْتُهُ فَرَعَبَ رُعْباً فهو رَعِبٌ .
والترْعَابَةُ : الفَرُوق . قال تعالى : وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ « الأحزاب : 26 » وقال : سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ « آل عمران : 151 » وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً « الكهف : 18 » .
ولتصور الامتلاء منه قيل : رَعَبْتُ الحوض : ملأته ، وسيل
--------------------------- 348 ---------------------------
رَاعِبٌ : يملأ الوادي .
وباعتبار القطع قيل : رَعَبْتُ السنام : قطعته . وجارية رُعْبُوبَةٌ : شابة شطبةٌ تارَّةٌ ، والجمع الرَّعَابِيبُ .
رَعَدَ
الرَّعْدُ : صوت السحاب ، وروي أنه ملك يسوق السحاب . وقيل رَعَدَتِ السّماءُ وبرقت وأَرْعَدَتْ وأبرقت ، ويكنى بهما عن التهدد .
ويقال : صَلَفٌ تحت رَاعِدَةٍ : لمن يقول ولايحقق . والرِّعْدِيدُ : المضطرب جبناً . وقيل : أُرْعِدَتْ فرائصه خوفاً .
رَعَى
الرَّعْيُ : في الأصل حفظ الحيوان إما بغذائه الحافظ لحياته ، وإما بذبِّ العدو عنه . يقال : رَعَيْتُهُ ، أي حفظته . وأَرْعَيْتُهُ : جعلت له ما يرْعَى . والرِّعْيُ : ما يرعاه . والمَرْعَى : موضع الرعي ، قال تعالى : كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ « طه : 54 » أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها « النازعات : 31 » وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى « الأعلى : 4 » . وجُعل الرَّعْيُ والرِّعَاءُ للحفظ والسياسة ، قال تعالى : فَما رَعَوْهَا حَقَّ رِعايَتِها « الحديد : 27 » أي ما حافظوا عليها حق المحافظة . ويسمى كل سائس لنفسه أو لغيره رَاعِياً ، وروي : كلكم رَاعٍ وكلكم مسؤول عن رَعِيَّتِهِ . قال الشاعر : ولا المرعيُّ في الأقوامِ كالراعي .
وجمع الراعي : رِعَاءٌ ورُعَاةٌ . ومُرَاعَاةُ الإنسان للأمر : مراقبته إلى ماذا يصير ، وماذا منه يكون ، ومنه رَاعَيْتُ النجوم ، قال تعالى : لاتَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا « البقرة : 104 » .
وأَرْعَيْتُهُ سمعي : جعلته راعياً لكلامه . وقيل : أَرْعِنِي سمعَك . ويقال : أَرْعِ على كذا ، فيُعَدَّى بعلى ، أي أبق عليه ، وحقيقته : أَرْعِهِ مطلعاً عليه .
رَعَنَ
قال تعالى : لا تَقُولُوا راعِنا « البقرة : 104 » وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ « النساء : 46 » . كان ذلك قولاً يقولونه للنبي صلى الله عليه وآله على سبيل التهكُّم يقصدون به رميه بِالرُّعُونَة ويوهمون أنهم يقولون راعنا ، أي احفظنا ، من قولهم : رَعُنَ الرجل يَرْعُنُ رَعَناً ، فهو رَعِنٌ وأَرْعَنُ ، وامرأة رَعْنَاءُ ، وتسميته بذلك لميل فيه تشبيهاً بالرَّعن أي أنف الجبل لما فيه من الميل ، قال الشاعر :
لولا ابنُ عُتبةَ عمرٌو والرجاءُ لهُ
ما كانت البصرةُ الرَّعْنَاءُ لي وَطَنَا
فوصفها بذلك إما لما فيها من الخفض بالإضافة إلى البدو ، تشبيهاً بالمرأة الرعناء . وإما لما فيها من تكسُّروتغيُّر في هوائها .
ملاحظات
قال ابن فارس « 2 / 408 » : « فأما قوله جل ثناؤه : لا تقولوا راعنا ، فهي كلمة كانت اليهود تتسابّ بها وهو من الأرعن » . وقرئت الآية : راعناً بالتنوين .
رَغِبَ
أصل الرَّغْبَةِ : السعة في الشئ ، يقال رَغُبَ الشئ : اتسع ، وحوض رَغِيبٌ ، وفلان رَغِيبُ الجوف ، وفرس رَغِيبُ العدو .
والرَّغْبَةُ والرَّغَبُ والرَّغْبَى : السعة في الإرادة قال تعالى : وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً « الأنبياء : 90 » فإذا قيل : رَغِبَ فيه وإليه ، يقتضي الحرص عليه ، قال تعالى : إنا إِلَى الله راغِبُونَ « التوبة : 59 » .
وإذا قيل : رَغِبَ عنه اقتضى صرف الرغبة عنه والزهد فيه نحو قوله تعالى : وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ « البقرة : 130 » أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي « مريم : 46 » .
والرَّغِيبَةُ : العطاء الكثير إما لكونه مَرْغُوباً فيه فتكون مشتقة من الرغبة ، وإما لسعته ، فتكون مشتقة من الرغبة بالأصل ، قال الشاعر : يعطي الرَّغَائِبَ من يشاءُ ويَمْنَعُ .
--------------------------- 349 ---------------------------
ملاحظات
قال ابن فارس « 2 / 416 » : « رغب . . أصلان أحدهما طلب لشئ والآخر سعة في شئ . فالأول الرغبة في الشئ الإرادة له : رغبت في الشئ ، فإذا لم ترده قلت : رغبت عنه . والآخر الشئ الرغيب الواسع الجوف ، يقال حوض رغيب وسقاء رغيب . والرغيبة العطاء الكثير والجمع رغائب . والرِّغاب الأرض الواسعة » .
وجاء الراغب فخرب معنى الراغب ، حيث خلط السعة والطلب فجعل الرغبة بمعنى السعة في الإرادة فقط ، وأي إرادة في الأرض الرغيبة ، وغيرها من الفروع !
رَغَدَ
عيش رَغَدٌ ورَغِيدٌ : طيبٌ واسعٌ ، قال تعالى : وَكُلا مِنْها رَغَداً « البقرة : 35 » يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كل مَكانٍ « النحل : 112 » . وأَرْغَدَ القوم : حصلوا في رغد من العيش ، وأَرْغَدَ ماشيتَهُ . فالأول من باب جدب وأجدب ، والثاني من باب دخل وأدخل غيره .
والمِرْغَادُ من اللبن : المختلط الدال بكثرته على رغد العيش .
رَغَمَ
الرَّغَامُ : التراب الدقيق . ورَغِمَ أنفُ فلانٍ رَغْماً : وقع في الرغام وأَرْغَمَهُ غيره . ويعبر بذلك عن السخط ، كقول الشاعر : إذا رَغِمَتْ تلك الأنوفُ لمْ أُرْضِهَا
ولم أطلبِ العُتْبَى ولكنْ أزيدُها
فمقابلته بالإرضاء مما ينبه [ على ] دلالته على الإسخاط . وعلى هذا قيل : أَرْغَمَ الله أنفه . وأَرْغَمَهُ : أسخطه . ورَاغَمَهُ : ساخَطَهُ . وتجاهدا على أن يُرْغِمَ أحدهما الآخر .
ثمّ تستعار المُرَاغَمَةُ للمنازعة ، قال الله تعالى : يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً « النساء : 100 » أي مذهباً يذهب إليه إذا رأى منكراً يلزمه أن يغضب منه ، كقولك : غضبت إلى فلان من كذا ، ورَغَمْتُ إليه .
ملاحظات
معنى قوله تعالى : وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ الله يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً : يجد مهجراً مرغماً لأعدائه ، وسعة في رزقه .
أما البيت الذي استشهد به ، فتقدم في أنَفَ أن في وزنه خللاً ، إلا أن تقول فأرضها بدل لم أرضها ، لكن المعنى يتغير . ولعله من نظم الراغب ، فلم يروه غيره ولانسبه إلى أحد !
وقوله : وتَجَاهَدَا لم تستعمله العرب أبداً ، فهو من اختراعه !
رَفَّ
رَفِيفُ الشَّجَر : انتشار أغصانه . ورَفَّ الطير : نشر جناحيه ، يقال : رَفَّ الطائرُ يَرُفُّ ورَفَّ فرخَهُ يَرُفُّهُ : إذا نشر جناحيه متفقداً له .
واستعير الرَّفُّ للمتفقد فقيل : ما لفلان حَافٌّ ولا رَافٌّ ، أي من يحفه أو يرفه . وقيل : من حفنا أو رفنا فليقتصد .
والرَّفْرَفُ : المنتشر من الأوراق ، وقوله تعالى : عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ « الرحمن : 76 » فضرب من الثياب مشبه بالرياض ، وقيل الرَّفْرَفُ طرف الفسطاط والخباء الواقع على الأرض دون الأطناب والأوتاد ، وذكر عن الحسن أنها المخاد .
رَفَتَ
رَفَتُّ الشئ أَرْفُتُهُ رَفْتاً : فَتَتُّهُ . والرُّفَاتُ والْفُتَاتُ : ما تكسر وتفرق من التبن ونحوه ، قال تعالى : وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً « الإسراء : 49 » .
واستعير الرُّفَاتُ للحبل المتقطع قطعةً قطعةً .
--------------------------- 350 ---------------------------
رَفَثَ
الرَّفَثُ : كلامٌ متضمنٌ لما يستقبح ذكره من ذكر الجماع ودواعيه ، وجُعل كناية عن الجماع في قوله تعالى : أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ « البقرة : 187 » تنبيهاً على جواز دعائهن إلى ذلك ومكالمتهن فيه .
وعُدِّيَ بإلى لتضمنه معنى الإفضاء .
وقوله : فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ « البقرة : 197 » يحتمل أن يكون نهياً عن تعاطي الجماع ، وأن يكون نهياً عن الحديث في ذلك إذ هو من دواعيه ، والأول أصح ، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه أنشد في الطواف :
فهنَّ يمشينَ بنا هَمِيسَا إن تَصْدُقِ الطيرُ ننكْ لميسَا
يقال : رَفَثَ وأَرْفَثَ ، فَرَفَثَ فَعَلَ ، وأَرْفَثَ صار ذا رَفَثٍ ، وهما كالمتلازمين ، ولهذا يستعمل أحدهما موضع الآخر .
ملاحظات
روت المصادر المختلفة هذه السقطة عن ابن عباس رحمه الله وروى عبد الرزاق في المصنف « 4 / 396 » : أن ابن عباس تمثل بهذا البيت وهو محرم « فقيل له : تقول هذا وأنت محرم ! فقال : إنما الفجش ما روجع به النساء وهم محرمون » ! ولا شك أن إنشاده له خلاف الاحتياط .
رَفَدَ
الرِّفْدُ : المعونة والعطية ، والرَّفْدُ : مصدر . والْمِرْفَدُ : ما يجعل فيه الرِّفْدُ من الطعام ، ولهذا فسر بالقدح . وقد رَفَدْتُهُ : أنلته بالرفد ، قال تعالى : بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ « هود : 99 » .
وأَرْفَدْتُهُ : جعلت له رِفْداً يتناوله شيئاً فشيئاً .
فَرَفَدَهُ وأَرْفَدَهُ نحو : سقاه وأسقاه ، ورُفِدَ فلان فهو مُرْفَدٌ ، استعير لمن أعطيَ الرئاسة .
والرَّفُودُ : الناقة التي تملأ المرفد لبناً من كثرة لبنها ، فهي فَعول في معنى فاعل . وقيل : الْمَرَافِيدُ من النُّوق والشاء : ما لا ينقطع لبنه صيفاً وشتاءً ، وقول الشاعر :
فأطعمتُ العِرَاقَ ورَافِدَيْهِ
فِزَارِيَّا أحَذَّ يَدَ القميصِ
أي دجلة والفرات . وتَرَافَدُوا : تعاونوا ، ومنه : الرِّفَادَةُ وهي معاونة للحاج كانت من قريش ، بشئ كانوا يخرجونه لفقراء الحاج .
ملاحظات
قال الخليل « 8 / 25 » : « الرفادة : شئٌ كانت قريش ترافد به في الجاهلية ، فيخرجون أموالاً بقدر طاقتهم فيشترون بها الجزور والطعام والزبيب للنبيذ ، فلا يزالون يطعمون الناس حتى ينقضي الموسم . وأول من سن ذلك هاشم بن عبد مناف » .
وكانت الرفادة لبني هاشم والسقاية أي تأمين الماء للحجاج في مكة ومنى وعرفات . وقد ورثها أبو طالب من عبد المطلب رضي الله عنهما ، وكان ينفق عليها نحو ثلاثين ألف درهم . وبعد الهجرة وخلو المدينة من بني هاشم أخذها العباس بن عبد المطلب .
رَفَعَ
الرَّفْعُ : يقال تارة في الأجسام الموضوعة إذا أعليتها عن مقرها ، نحو : وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطورَ « البقرة : 93 » قال تعالى : الله الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها « الرعد : 2 » وتارة في البناء إذا طولته ، نحو قوله : وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ « البقرة : 127 » .
وتارة في الذكر إذا نوهته « نوهت به » نحو قوله : وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ « الشرح : 4 » وتارة في المنزلة إذا شرفتها نحو قوله : وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ « الزخرف : 32 » نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ « يوسف : 76 » رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ « غافر : 15 » .
--------------------------- 351 ---------------------------
وقوله تعالى : بَلْ رَفَعَهُ الله إِلَيْهِ « النساء : 158 » يحتمل رفعه إلى السماء ورفعه من حيث التشريف .
وقال تعالى : خافِضَةٌ رافِعَةٌ « الواقعة : 3 » .
وقوله : وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ « الغاشية : 18 » فإشارة إلى المعنيين : إلى إعلاء مكانه ، وإلى ما خص به من الفضيلة وشرف المنزلة .
وقوله عز وجل : وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ « الواقعة : 34 » أي شريفة ، وكذا قوله : فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ « عبس : 13 » .
وقوله : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ « النور : 36 » أي تشرف ، وذلك نحو قوله : إنما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ « الأحزاب : 33 » .
ويقال : رَفَعَ البعيرُ في سيره ورَفَعْتُهُ أنا ومَرْفُوعُ السير : شديدهُ . ورَفَعَ فلان على فلان كذا : أذاع خبر ما احتجبه .
والرِّفَاعَةُ : ماترفع به المرأة عجيزتها ، نحو المرفد .
رَقَّ
الرِّقَّةُ : كالدِّقَّة ، لكن الدقة تقال اعتباراً بمراعاة جوانبه ، والرِّقَّةُ اعتباراً بعمقه ، فمتى كانت الرقة في جسم تضادُّها الصَّفاقة ، نحو : ثوب رَقِيقٍ وصفيق ، ومتى كانت في نفسٍ تضادها الجفوة والقسوة يقال : فلان رَقِيقُ القلب وقاسي القلب .
والرَّقُّ : ما يكتب فيه ، شبه الكاغد ، قال تعالى : فِي رَقٍّ مَنْشُور « الطور : 3 » وقيل لذَكَر السَّلاحف : رِقٌّ .
والرِّقُّ : مُلْكُ العبيد . والرَّقِيقُ : المملوك منهم وجمعه أَرِقَّاءُ ، واسْتَرَقَّ فلان فلاناً : جعله رقيقاً .
والرَّقْرَاقُ : تَرَقْرُقُ الشّراب . والرَّقْرَاقَةُ : الصافية اللون .
والرَّقَّةُ : كل أرض إلى جانبها ماء ، لما فيها من الرقة بالرطوبة الواصلة إليها . وقولهم : أعن صبوح تُرَقِّقُ ، أي تُلَيِّنُ القول .
رَقَبَ
الرَّقَبَةُ : اسم للعضو المعروف ثم يعبر بها عن الجملة . وجُعل في التعارف إسماً للمماليك . كما عُبر بالرأس وبالظهر عن المركوب فقيل : فلان يربط كذا رأساً ، وكذا ظهراً ، قال تعالى : وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ « النساء : 92 » وقال : وَفِي الرِّقابِ « البقرة : 177 » أي المكاتبين منهم ، فهم الذين تصرف إليهم الزكاة .
ورَقَبْتُهُ : أصبت رقبته ، ورَقَبْتُهُ : حفظته . والرَّقِيبُ : الحافظ ، وذلك إما لمراعاته رقبة المحفوظ وإما لرفعه رقبته ، قال تعالى : وَارْتَقِبُوا إني مَعَكُمْ رَقِيبٌ « هود : 93 » وقال تعالى : إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ « ق : 18 » وقال : لايَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً « التوبة : 10 » .
والمَرْقَبُ : المكان العالي الذي يشرف عليه الرقيب ، وقيل لحافظ أصحاب الميسر الذين يشربون بالقداح رَقِيبٌ ، وللقدح الثالث رَقِيبٌ . وتَرَقَّبَ : احترز راقباً ، نحو قوله : فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ « القصص : 21 » .
والرَّقُوبُ : المرأة التي تَرْقُبُ موت ولدها لكثرة من مات لها من الأولاد ، والناقة التي ترقب أن يشرب صواحبها ثم تشرب . وأَرْقَبْتُ فلاناً هذه الدار هو : أن تعطيه إياها لينتفع بها مدة حياته ، فكأنه يرقب موته ، وقيل لتلك الهبة : الرُّقْبَى والعمرى .
رَقَدَ
الرُّقَادُ : المستطاب من النوم القليل . يقال : رَقَدَ رُقُوداً فهو رَاقِدٌ ، والجمع الرُّقُودُ . قال تعالى : وَهُمْ رُقُودٌ « الكهف : 18 » وإنما وصفهم بالرقود مع كثرة منامهم اعتباراً بحال الموت ، وذاك أنه اعتقد فيهم أنهم أموات ، فكان ذلك النوم قليلاً في جنب الموت . وقال تعالى : يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا « يس : 52 » وأَرْقَدَ الظّليم : أسرع كأنه رفض رُقَاده .
--------------------------- 352 ---------------------------
ملاحظات
وقع الراغب في تهافت فعرَّف الرقاد بأنه جزءٌ من نومٍ قليل ، ثم ذكر بعده رقاد أهل الكهف !
وما أدري من أين أتى له بوصف المستطاب !
رَقَمَ
الرَّقْمُ : الخط الغليظ ، وقيل هو تعجيم الكتاب . وقوله تعالى : كِتابٌ مَرْقُومٌ « المطففين : 9 » حمل على الوجهين .
وفلان يَرْقُمُ في الماء : يضرب مثلاً للحُذَّق في الأمور . وأصحاب الرَّقِيمِ : قيل اسم مكان ، وقيل نسبوا إلى حجر رُقِمَ فيه أسماؤهم .
ورَقْمَتَا الِحمَار : للأثر الذي على عضديه .
وأرض مَرْقُومَةٌ : بها أثر نبات ، تشبيهاً بما عليه أثر الكتاب .
والرُّقْمياتُ : سهام منسوبة إلى موضع بالمدينة .
رَقَى
رَقِيتُ في الدرج والسُّلَّم أَرْقَى رُقِيّاً ، ارْتَقَيْتُ أيضاً .
قال تعالى : فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ « ص : 10 » وقيل : إرْقَ على ظَلَعك ، أي إصعد وإن كنت ظالعاً .
ورَقَيْتُ : من الرُّقْيَةِ . وقيل : كيف رَقْيُكَ ورُقْيَتُكَ ، فالأول المصدر والثاني الاسم . قال تعالى : لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ « الإسراء : 93 » أي لرقيتك . وقوله تعالى : وَقِيلَ مَنْ راقٍ « القيامة : 27 » أي من يَرْقِيهِ تنبيهاً [ على ] أنه لا رَاقِي يَرْقِيهِ فيحميه ، وذلك إشارة إلى نحو ما قال الشاعر :
وإذا المنيَّةُ أنْشَبَتْ أظفارَها
ألْفَيْتَ كلَّ تميمةٍ لا تنفعُ
وقال ابن عباس : معناه من يَرْقَى بروحه ، أملائكة الرّحمة أم ملائكة العذاب .
والترْقُوَةُ : مقدَّمُ الحلق في أعلى الصدر حيث ما يَتَرَقَّى فيه النفس . كلا إِذا بَلَغَتِ التراقِيَ . « القيامة : 26 » .
ملاحظات
جعل الراغب مادة رقى أصلاً واحداً ، ولم يبين إرجاع فروعها إلى أصلها . والصحيح ما قاله ابن فارس « 2 / 426 » : « أصول ثلاثة متباينة ، أحدها : الصعود . والآخر : عوذة يتعوذ بها . والثالث : بقعة من الأرض . فالأول : قولك : رَقَيْتُ في السُّلَّمِ ، أرقى رُقِيّاً . قال الله جل ثناؤه : أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ . والعرب تقول : إرْقَ على ظَلْعِك « عَرَجِك » أي إصعد بقدر ماتطيق . والثاني : رَقَيْتُ الإنسان من الرُّقْيَة . والثالث : الرَّقْوَة : فويق الدعص من الرمل » .
رَكِبَ
الرُّكُوبُ : في الأصل كون الإنسان على ظهر حيوان ، وقد يستعمل في السفينة ، والرَّاكِبُ اختص في التعارف بممتطي البعير ، وجمعه رَكْبٌ ورُكْبَانٌ ورُكُوبٌ .
واختص الرِّكَابُ بالمركوب ، قال تعالى : وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً « النحل : 8 » فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ « العنكبوت : 65 » وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ « الأنفال : 42 » فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً « البقرة : 239 » . وأَرْكَبَ المُهْرُ : حان أن يركب .
والمُرَكَّبُ : اختص بمن يُركب فرس غيره ، وبمن يضعف عن الرُّكُوبِ ، أو لا يُحسنُ أن يَركب .
والمُتَرَاكِبُ : ما ركب بعضه بعضاً . قال تعالى : فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً « الأنعام : 99 » .
والرُّكْبَةُ : معروفة . ورَكِبْتُهُ : أصبت رُكْبَتَهُ ، نحو فَأَدْتُهُ ورَأَسْتُهُ . ورَكِبْتُهُ أيضاً : أصبته بِرُكْبَتِي ، نحو : يديته وعنته ، أي أصبته بيدي وعيني . والرَّكْبُ : كناية عن فرج المرأة ، كما يكنى عنها بالمطية ، والقعيدة ، لكونها مقتعدة .
ملاحظات
لم يذكر الراغب هنا رِكاب جمع راكب ، ولا يصح قوله : «
--------------------------- 353 ---------------------------
والرَّاكِبُ : اختص في التعارف بممتطي البعير » فهو يطلق على راكب الفرس والبغل والحمار ، كما يطلق على راكب الجمل .
رَكَدَ
رَكَدَ الماء والريح : أي سكن ، وكذلك السفينة ، قال تعالى : وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالإعلامِ « الشورى : 32 » إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ « الشورى : 33 » . وجفنة رَكُودٌ : عبارة عن الامتلاء .
رَكَزَ
الرِّكْزُ : الصوت الخفي ، قال تعالى : هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً « مريم : 98 » .
ورَكَزْتُ كذا : أي دفنته دفناً خفياً . ومنه الرِّكَازُ للمال المدفون ، إما بفعل آدمي كالكنز ، وإما بفعل إلهيٍّ كالمعدن ، ويتناول الرِّكَازُ الأمرين . وفسر قوله عليه السلام : وفي الرِّكَازِ الخمس بالأمرين جميعاً .
ويقال رَكَزَ رمحه . ومَرْكَزُ الجند : محطهم الذي فيه رَكَزُوا الرماح .
رَكَسَ
الرَّكْسُ : قَلْبُ الشئ على رأسه ورَدُّ أوله إلى آخره . يقال : أَرْكَسْتُهُ فَرُكِسَ وارْتَكَسَ في أمره ، قال تعالى : والله أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا « النساء : 88 » أي ردهم إلى كفرهم .
رَكَضَ
الرَّكْضُ : الضرب بالرجل ، فمتى نسب إلى الراكب فهو إعداء مركوب نحو : رَكَضْتُ الفرسَ ، ومتى نسب إلى الماشي فوطْأ الأرض ، نحو قوله تعالى : أرْكُضْ بِرِجْلِكَ « ص : 42 »
وقوله : لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ « الأنبياء : 13 » فنهوا عن الإنهزام .
ملاحظات
رحم الله الخليل ما أعلمه وأدقه ، قال « 5 / 301 » : « الركض : مشية الرجل بالرجلين معاً » . ولذلك قال الله تعالى لأيوب عليه السلام : اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ . فذكر الرجل الواحدة ، لأن المطلوب ليس الركض المتعارف بل حركة خاصة سماها ركضاً بالرجل .
رَكَعَ
الرُّكُوعُ : الإنحناء ، فتارةً يستعمل في الهيئة المخصوصة في الصلاة كما هي ، وتارةً في التواضع والتذلل ، إما في العبادة وإما في غيرها نحو : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا « الحج : 77 » وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ « البقرة : 43 » وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ « البقرة : 125 » الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ « التوبة : 112 » قال الشاعر :
أُخَبِّرُ أخبارَ القرونِ التي مَضَتْ
أَدِبُّ كأني كلما قُمْتُ راكعُ
رَكَمَ
يقال : سحاب مَرْكُومٌ ، أي متراكم . والرُّكَامُ : ما يلقى بعضه على بعض ، قال تعالى : ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً « النور : 43 » .
والرُّكَامُ : يوصف به الرمل والجيش .
ومُرْتَكَمُ الطريق : جادّتُهُ التي فيها رُكْمَةٌ ، أي أثر مُتَرَاكِمٌ .
رَكَنَ
رُكْنُ الشئ : جانبه الذي يسكن إليه . ويستعار للقوة ، قال تعالى : لَوْ إن لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ « هود : 80 »
ورَكنْتُ إلى فلان أَرْكَنُ بالفتح . والصحيح ( ! ) أن يقال : رَكَنَ يَرْكُنُ ، ورَكِنَ يَرْكَنُ ، قال تعالى : وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا « هود : 13 » وناقة مُرَكَّنَةُ الضرع : له ( ها ) أركان تعظمه ( ها ) . والْمِرْكَنُ : الإجَّانة .
وأَرْكَانُ العبادات : جوانبها التي عليها مبناها ، وبتركها بطلانها .
--------------------------- 354 ---------------------------
رَمَّ
الرَّمُّ : إصلاح الشئ البالي . والرِّمَّةُ : تختص بالعظم البالي ، قال تعالى : مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ « يس : 78 » وقال : ما تَذَرُ مِنْ شَئ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ « الذاريات : 42 » .
والرُّمَّةُ : تختص بالحبْل البالي . والرِّمُّ : الفُتات من الخشب والتبن . ورَمَّمْتُ المنزل : رعيت رَمَّهُ ، كقولك تفقدت . وقولهم : إدفعه إليه بِرُمَّتِهِ معروف .
والْإِرْمَامُ : السّكوت . وأَرَمَّتْ عظامه : إذا سحقت حتى إذا نفخ فيها لم يسمع لها دويٌّ .
وتَرَمْرَمَ القوم : إذا حركوا أفواههم بالكلام ولم يُصَرِّحوا . والرُّمَّانُ : فُعْلانُ وهو معروف .
رَمَحَ
قال تعالى : تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ « المائدة : 94 » وقد رَمَحَهُ أصابه ، ورَمَحَتْهُ الدابة تشبيهاً بذلك . والسماك الرَّامِحُ ، سمي به لتصور كوكب يقدمه بصورة رُمْحٍ له . وقيل : أخذت الإبل رِمَاحَهَا : إذا امتنعت عن نحرها بحسنها ، وأخذت البهمى رُمْحَهَا : إذا امتنعت بشوكها عن راعيها .
رَمَدَ
يقال : رَمَادٌ ورِمْدِدٌ وأَرْمَدُ وأَرْمِدَاءُ ، قال تعالى : كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ « إبراهيم : 18 » . ورَمِدَتِ النارُ : صارت رَمَاداً ، وعبر بِالرَّمَدِ عن الهلاك كما عبر عنه بالهمود .
ورَمِدَ الماء : صار كأنه فيه رماد لأُجُونِهِ « لأنه آجن » والْأَرْمَدُ : ما كان على لون الرماد .
وقيل للبعوض : رُمْدٌ . والرَّمَادَةُ : سَنَةُ المَحْلِ .
رَمَزَ
الرَّمْزُ : إشارة بالشَّفَة والصوت الخفي ، والغمز بالحاجب . وعُبِّر عن كل كلام كإشارة بالرمز ، كما عُبِّر عن الشكاية بالغمز ، قال تعالى : قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكلمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً « آل عمران : 41 » وما ارْمَازَّ ، أي لم يتكلم رمزاً . وكتيبة رَمَّازَةٌ : لا يسمع منها إلا رَمْزٌ من كثرتها .
رَمَضَ
شَهْرُ رَمَضانَ « البقرة : 185 » هو من الرَّمْضِ ، أي شدة وقع الشمس ، يقال : أَرْمَضَتْهُ فَرَمِضَ ، أي أحرقته الرَّمْضَاءُ وهي شدة حر الشمس ، وأرض رَمِضَةٌ .
ورَمِضَتِ الغنم : رعت في الرمضاء فقرحت أكبادها .
وفلان يَتَرَمَّضُ الظباء : أي يتبعها في الرمضاء .
رَمَى
الرَّمْيُ : يقال في الأعيان كالسهم والحجر ، نحو : وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ الله رَمى « الأنفال : 17 » ويقال في المقال ، كناية عن الشتم كالقذف نحو : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ « النور : 6 » يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ « النور : 4 » .
وأَرْمَى فلان على مائة : استعارة للزيادة .
وخرج يَتَرَمَّى : إذا رمى في الغرض .
رَهَبَ
الرَّهْبَةُ والرُّهْبُ : مخافة مع تحرز واضطراب ، قال : لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً « الحشر : 13 » وقال : جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ « القصص : 32 » وقرئ : مِنَ الرَّهْبِ ، أي الفزع .
قال مقاتل : خرجت ألتمس تفسير الرَّهَب ، فلقيت أعرابيَّة وأنا آكلُ ، فقالت : يا عبد الله تصدق عليَّ ، فملأت كفي لأدفع إليها فقالت : هاهنا في رَهْبِي ، أي كُمِّي .
والأول أصح . قال تعالى : وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً « الأنبياء : 90 » وقال : تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله « الأنفال : 60 » وقوله : وَاسْتَرْهَبُوهُمْ « الأعراف : 116 » أي حملوهم على أن يَرْهَبُوا ، وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ « البقرة : 40 » أي فخافون .
والترَهُّبُ : التعبد وهو استعمال الرهبة .
والرَّهْبَانِيّةُ : غلوٌّ في تحمل التعبد من فرط الرهبة . قال :
--------------------------- 355 ---------------------------
وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها « الحديد : 27 » والرُّهْبَانُ : يكون واحداً وجمعاً ، فمن جعله واحداً جمعه على رَهَابِينَ ، ورَهَابِنَةٌ بالجمع أليق .
والْإِرْهَابُ : فزع الإبل ، وإنما هو من أَرْهَبْتُ . ومنه الرَّهْبُ من الإبل . وقالت العرب : رَهَبُوتٌ خير من رحموت .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة في اثني عشر مورداً :
في الأمر برهبة الله تعالى : وَأَوْفُوا بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّاىَ فَارْهَبُونِ . وَقَالَ الله لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّاىَ فَارْهَبُونِ .
وفي وصف التوراة : وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ .
وأن الأنبياء عليهم السلام يدعون الله تعالى ويرهبونه : إِنَّهُمْ كَأنوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ .
وفي وصف آية موسى عليه السلام : أُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ . . وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ .
وفي وصف سحرة فرعون : فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ .
وفي الإعداد لإرهاب العدو : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَ الله وَعَدُوَكُمْ . . لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ .
وفي مدح رهبان النصارى : وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسيِنَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ . وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ الله فَمَا رَعَوْهَا حق رِعَايَتِهَا .
وفي ذم الرهبان السيئين ومن اتبعهم : إِتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ الله . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ .
ويتضح بذلك أن الرهبة نوع من خوف الله تعالى يتضمن الخشية . وقد أجاد الراغب بقوله : مخافةٌ مع تحرز واضطراب .
رَهَطَ
الرَّهْطُ : العصابة دون العشرة ، وقيل : يقال إلى الأربعين . قال : تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ « النمل : 48 » وقال : وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ « هود : 91 » يا قَوْمِ أَرَهْطِي « هود : 92 » .
والرُّهَطَاءُ : جُحْرٌ من جحر اليربوع ويقال لها رُهَطَةٌ ، وقول الشاعر : أجْعَلْكَ رَهْطاً على حَيِّضٍ ، فقد قيل : أديم تلبسه الحيِّض من النساء ، وقيل الرَّهْطُ : خرقةٌ تحشو بها الحائض متاعها عند الحيض ، ويقال : هو أذل من الرهط .
رَهَقَ
رَهِقَهُ الأمر : غَشِيَهُ بقهر ، يقال : رَهِقْتُهُ وأَرْهَقْتُهُ نحو ردفته وأردفته ، وبعثته وابتعثته . قال : وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ « يونس : 27 »
وقال : سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً « المدثر : 17 » .
ومنه : أَرْهَقْتُ الصلاة : إذا أخرتها حتى غَشي وقت الأخرى .
رَهَنَ
الرَّهْنُ : ما يوضع وثيقة للدَّيْن ، والرِّهَانُ مثله ، لكن يختص بما يوضع في الخطار وأصلهما مصدر ، يقال : رَهَنْتُ الرَّهْنَ ورَاهَنْتُهُ رِهَاناً فهو رَهِينٌ ومَرْهُونٌ .
ويقال في جمع الرَّهْنِ : رِهَانٌ ورُهُنٌ ورُهُونٌ .
وقرئ : فَرُهُنٌ مقبوضة ، وفَرِهانٌ .
وقيل في قوله : كل نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ « المدثر : 38 » إنه فعيل بمعنى فاعل ، أي ثابتة مقيمة . وقيل بمعنى مفعول ،
--------------------------- 356 ---------------------------
أي كل نفس مُقَامةٌ في جزاء ما قدم من عمله .
ولما كان الرهن يتصور منه حبسه استعير ذلك للمحتبس أي شئ كان ، قال : بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ « المدثر : 38 »
ورَهَنْتُ فلاناً ، ورَهَنْتُ عنده ، وارْتَهَنْتُ : أخذت الرهن ، وأَرْهَنْتُ في السِّلْعة : قيل غاليت بها ، وحقيقة ذلك : أن يدفع سلعة تقدمةً في ثمنه ، فتجعلها رهينة لإتمام ثمنها .
ملاحظات
تقدم في بسل معنى قوله تعالى : كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ . إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ . « المدّثّر : 38 » . وأن المُبْسَل ممنوع من الخير والتقدم ، ولا استثناء فيه ، والمحبوس الرهينة ممنوع من الحركة ، لكن فيه استثناء .
وقال بعضهم إن هذه الفئة المستثناة التي لها أعمال سيئة ولا تُرتهن بها أطفالُ المسلمين « الحاكم : 2 / 507 » لكن لاذنوب لهم ليُبسلوا بها . وقيل : قوم صالحون . وقيل : الملائكة ! « الطبري : 29 / 206 » . وقال الإمام الباقر عليه السلام : « نحن وشيعتنا أصحاب اليمين » . « الكافي : 1 / 434 » .
رَهَوَ
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً « الدخان : 24 » أي ساكناً ، وقيل : سعة من الطريق ، وهو الصحيح . ومنه الرَّهَاءُ : للمفازة المستوية . ويقال لكل جوبة مستوية يجتمع فيها الماء : رَهْوٌ . ومنه قيل : لا شفعة في رَهْوٍ . ونظر أعرابيٌّ إلى بعير فالج فقال : رَهْوٌ بين سنامين .
رَيَبَ
يقال رَابَنِي كذا وأَرَابَنِي ، فَالرَّيْبُ : أن تتوهم بالشئ أمراً ما ، فينكشف عما تتوهمه . قال الله تعالى : يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ « الحج : 5 » وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا « البقرة : 23 » تنبيهاً [ على ] أنْ لا ريب فيه . وقوله : رَيْبَ الْمَنُونِ « الطور : 30 » سماه ريباً لا أنه مشكِّك في كونه ، بل من حيث تشكُّك في وقت حصوله ، فالإنسان أبداً في ريب المنون من جهة وقته ، لا من جهة كونه ، وعلى هذا قال الشاعر :
الناسُ قد عَلِموا أنْ لا بَقَاءَ لهمْ
لو أنَّهمْ عَمِلُوا مِقْدارَ ما عَلِمُوا
ومثله : أمِنَ المَنُونِ وريْبها تتوجَّعُ .
وقال تعالى : لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ « هود : 110 » مُعْتَدٍ مُرِيبٍ « قاف : 25 » .
والإرْتِيابُ يجري مجرى الْإِرَابَةِ ، قال : أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ « النور : 50 » وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ « الحديد : 14 » .
ونفى عن المؤمنين الِارْتِيَابَ فقال : وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ « المدثر : 31 » . وقال : ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا « الحجرات : 15 » وقيل : دع ما يُرِيبُكَ إلى ما لا يُرِيبُكَ . ورَيْبُ الدهر صروفه . وإنما قيل رَيْبٌ لما يتوهم فيه من المكر .
والرِّيبَةُ : اسم من الريب قال : بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ « التوبة : 110 » أي تدل على دغل وقلة يقين .
رُوح
الرَّوْحُ والرُّوحُ : في الأصل واحد ، وجعل الروح إسماً للنفس ، قال الشاعر في صفة النار :
فقلت لهُ ارفَعْهَا إليكَ وأحْيِهَا
بِرُوحِكَ واجعلْ لها قُبَّةً قِدْرَا
وذلك لكون النفس بعض الروح كتسمية النوع باسم الجنس ، نحو تسمية الإنسان بالحيوان ، وجعل إسماً للجزء الذي به تحصل الحياة والتحرك ، واستجلاب المنافع واستدفاع المضار ، وهو المذكور في قوله : وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبي « الإسراء : 85 » وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي « الحجر : 29 » . وإضافته إلى نفسه إضافة ملك ، وتخصيصه بالإضافة تشريفاً له وتعظيماً ، كقوله : وَطَهِّرْ
--------------------------- 357 ---------------------------
بَيْتِيَ « الحج : 26 » ويا عِبادِيَ « الزمر : 53 » .
وسَمَّى أشراف الملائكة أَرْوَاحاً نحو : يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا « النبأ : 38 » تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ « المعارج : 4 » نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ « الشعراء : 193 »
وسَمَّى به جبريل ، وسماه بِرُوحِ القدس في قوله : قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ « النحل : 102 » وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ « البقرة : 253 » .
وسَمَّى عيسى عليه السلام رُوحاً في قوله : وَرُوحٌ مِنْهُ « النساء : 171 » وذلك لما كان له من إحياء الأموات .
وسمى القرآن رُوحاً في قوله : وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا « الشورى : 52 » وذلك لكون القرآن سبباً للحياة الأخروية الموصوفة في قوله : وَإن الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ « العنكبوت : 64 » والرَّوْحُ التنفُّس ، وقد أَرَاحَ الإنسان إذا تنفس .
وقوله : فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ « الواقعة : 89 » فالرَّيْحَانُ : ما له رائحة وقيل : رزق . ثمّ يقال للحب المأكول رَيْحَانٌ في قوله : وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ « الرحمن : 12 » وقيل لأعرابيٍّ : إلى أين . فقال : أطلب من رَيْحَانِ الله أي من رزقه ، والأصل ما ذكرنا . وروي : الولد من رَيْحَانِ الله ، وذلك كنحو ما قال الشاعر : يا حبَّذا رِيحُ الوَلَدْ
رِيحُ الخُزَامَى في البَلَدْ
أو لأن الولد من رزق الله تعالى .
والرِّيحُ : معروف ، وهي فيما قيل الهواء المتحرك . وعامة المواضع التي ذكر الله تعالى فيها إرسال الريح بلفظ الواحد فعبارة عن العذاب ، وكل موضع ذكر فيه بلفظ الجمع فعبارة عن الرحمة .
فمن الرِّيحِ : إنا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً « القمر : 19 » فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً « الأحزاب : 9 » مَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ « آل عمران : 117 » اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ « إبراهيم : 18 » .
وقال في الجمع : وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ « الحجر : 22 » أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ « الروم : 46 » يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً « الأعراف : 57 » .
وأما قوله : يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا ، فالأظهر فيه الرحمة ، وقرئ بلفظ الجمع وهو أصح . وقد يستعار الريح للغلبة في قوله : وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ « الأنفال : 46 »
وقيل : أَرْوَحَ الماءُ : تغيرت ريحه ، واختص ذلك بالنَّتَن . ورِيحَ الغديرُ يَرَاحُ : أصابته الرِّيحُ . وأَرَاحُوا : دخلوا في الرَّوَاحِ . ودهن مُرَوَّحٌ : مطيب الريح . وروي : لم يَرَحْ رَائِحَةَ الجنة ، أي لم يجد ريحها .
والمَرْوَحَةُ : مهب الريح . والمِرْوَحَةُ : الآلة التي بها تستجلب الريح . والرَّائِحَةُ : تَرَوُّحُ هواء .
ورَاحَ فلان إلى أهله : إما أنه أتاهم في السرعة كالريح ، أو أنه استفاد برجوعه إليهم روحاً من المسرة .
والرَّاحةُ : من الرَّوْح ، ويقال : إفعل ذلك في سراح ورَوَاحٍ ، أي سهولة .
والمُرَاوَحَةُ في العمل : أن يعمل هذا مرة وذلك مرة .
واستعير الرَّوَاحُ للوقت الذي يراح الإنسان فيه من نصف النهار ، ومنه قيل : أَرَحْنَا إبلَنا ، وأَرَحْتُ إليه حقه مستعار من : أرحت الإبل . والمُرَاحُ : حيث تُرَاحُ الإبل . وتَرَوَّحَ الشجر ورَاحَ يَراحُ : تفطر .
وتُصُوِّرَ من الروح السعة فقيل : قصعة رَوْحَاءُ .
وقوله : لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ الله « يوسف : 87 » أي من فرجه ورحمته ، وذلك بعض الروح .
رَوَدَ
الرَّوْدُ : التردد في طلب الشئ برفق ، يقال : رَادَ وارْتَادَ ، ومنه : الرَّائِدُ لطالب الكلأ .
ورَادَ الإبل : في طلب الكلأ . وباعتبار الرفق قيل : رَادَتِ الإبلُ في مشيها تَرُودُ رَوَدَاناً ، ومنه بني المرْوَدُ .
--------------------------- 358 ---------------------------
وأَرْوَدَ يُرْوِدُ : إذا رفق ، ومنه بُنِيَ رُوَيْدٌ ، نحو :
رُوَيْدَكَ الشِّعْرُ يَغِبْ
والْإِرَادَةُ : منقولة من رَادَ يَرُودُ : إذا سعى في طلب شئ . والْإِرَادَةُ في الأصل : قوة مركبة من شهوة وحاجة وأمل ، وجُعل إسماً لنزوع النفس إلى الشئ مع الحكم فيه بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل ، ثم يستعمل مرة في المبدأ وهو : نزوع النفس إلى الشئ ، وتارة في المنتهى ، وهو الحكم فيه بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل .
فإذا استعمل في الله فإنه يراد به المنتهى دون المبدأ ، فإنه يتعالى عن معنى النزوع ، فمتى قيل أَرَادَ الله كذا ، فمعناه حكم فيه أنه كذا وليس بكذا ، نحو : إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً « الأحزاب : 17 » .
وقد تُذْكر الْإِرَادَةُ ويراد بها معنى الأمر ، كقولك : أُرِيدُ منك كذا ، أي آمرك بكذا نحو : يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ « البقرة : 185 » .
وقد يذكر ويراد به القصد نحو : لايُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ « القصص : 83 » أي يقصدونه ويطلبونه .
والْإِرَادَةُ : قد تكون بحسب القوة التسخيرية والحسية ، كما تكون بحسب القوة الاختيارية ، ولذلك تستعمل في الجماد ، وفي الحيوانات نحو : جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ « الكهف : 77 » ويقال : فرسي تريد التبن .
والمُرَاوَدَةُ : أن تنازع غيرك في الإرادة ، فتريد غير ما يريد ، أو ترود غير ما يرود .
ورَاوَدْتُ : فلاناً عن كذا . قال : هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي « يوسف : 26 » وقال : تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ « يوسف : 30 » أي تصرفه عن رأيه . وعلى ذلك قوله : وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ « يوسف : 32 » سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ « يوسف : 61 » .
ملاحظات
جعل الخليل أراد ، وارتاد ، وراود ، أصلاً واحداً هو رَوَدَ ، وتبعه عامة اللغويين والراغب . وجعلوا رود وأراد بمعنى واحد . وفيه إشكال أساسي ، لأن المراودة تتضمن طرفاً آخر ومحاولة . والإرادة أعم . إلا أن يكون معناه أراده أن يريد .
رَأْس
الرَّأْسُ : معروف وجمعه رُؤُوسٌ ، قال : وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً « مريم : 4 » وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ « البقرة : 196 » ويعبر بِالرَّأْسِ عن الرَّئِيسِ . والْأَرْأَسُ : العظيم الرّأس ، وشاة رَأْسَاءُ : اسودَّ رأسها . ورِيَاسُ السيف : مقبضه .
رَيَشَ
رِيشُ الطائر : معروف ، وقد يخص الجناح من بين سائره . ولكون الرِّيش للطائر كالثياب للإنسان استعير للثياب . قال تعالى : وَرِيشاً وَلِباسُ التقْوى « الأعراف : 26 » وقيل : أعطاه إبلاً بِرِيشِهَا ، أي ما عليها من الثياب والآلات .
ورِشْتُ السَّهْمَ : أَرِيشُهُ رَيْشاً فهو مَرِيشٌ : جعلت عليه الريش ، واستعير لإصلاح الأمر ، فقيل : رِشْتُ فلاناً فَارْتَاشَ ، أي حَسُنَ حاله ، قال الشاعر :
فَرِشْنِي بخيرٍ طَالمَا قد بَرَيْتَنِي
فَخَيْرُ المَوالي من يَرِيشُ ولا يبري
ورمح رَاشٌ : خوار ، تُصُوِّر منه خور الريش .
رَوَضَ
الرَّوْضُ : مستنقع الماء والخضرة ، قال : فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ « الروم : 15 » . وباعتبار الماء قيل : أَرَاضَ الوادي واسْتَرَاضَ ، أي كثر ماؤه ، وأَرَاضَهُمْ : أرواهم .
والرِّيَاضَةُ : كثرة استعمال النفس لتسلس وتمهر ، ومنه رُضْتُ الدابة . وقولهم : أفعل كذا ما دامت النفس مُسْتَرَاضَةً ، أي قابلة للرياضة ، أو معناه : متسعة ، ويكون
--------------------------- 359 ---------------------------
من الروض والْإِرَاضَةِ .
وقوله : فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ « الروم : 15 » فعبارة عن رِيَاضِ الجنة ، وهي محاسنها وملاذُّها . وقوله : فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ « الشورى : 22 » فإشارة إلى ما أعد لهم في العقبى من حيث الظاهر ، وقيل : إشارة إلى ما أهَّلهم له من العلوم والأخلاق التي من تخصص بها ، طاب قلبه .
ملاحظات
الرَّوْضُ : معروفٌ ، وهو مكان فيه عُشْبٌ وخضرةٌ على الأقل ، وقد يكون فيه شجر . ولا يصح تعريف الراغب له بأنه : « مستنقع الماء والخضرة » لأن المستنقع : مجتمع الماء الذي طال مكثه !
رَيَعَ
الرِّيْعُ : المكان المرتفع الذي يبدو من بعيد ، الواحدة رِيعَةٌ . قال : أَتَبْنُونَ بِكل رِيعٍ آيَةً « الشعراء : 128 » أي بكل مكان مرتفع . وللإرتفاع قيل رَيْعُ البئر للجثوة المرتفعة حواليها .
ورَيْعَانُ كل شئ : أوائله التي تبدو منه ، ومنه استعيرالرَّيْعُ للزيادة والإرتفاع الحاصل ومنه : تَرَيَّعَ السراب .
ملاحظات
قال الخليل « 2 / 243 » : « الرَّيْع : فضل كل شئ على أصله ، نحو الدقيق وهو فضله على كيل البر » .
فلم يذكر هو ولا غيره عنصر الارتفاع ، لكن الراغب أخذه من ابن فارس ، قال « 2 / 467 » : « رَيَعَ : أصلان ، أحدهما : الارتفاع والعلو ، والآخر الرجوع » . ولا يبعد أن يكون ابن فارس فهم الارتفاع بالعلو ، بينما هو ارتفاع بالنمو ، يقال ارتفاع الأرض أي ريعها . فهو أصل واحد .
رَوَعَ
الرُّوعُ : الخَلَد ، وفي الحديث : إن روح القدس نفث في رُوعِي . والرَّوْعُ : إصابة الرُّوع ، واستعمل فيما ألقي فيه من الفزع ، قال : فَلما ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ « هود : 74 » يقال : رُعْتُهُ ورَوَّعْتُهُ . ورِيعَ فلان ، وناقة رَوْعَاءُ : فزعة . والْأَرْوَعُ : الذي يروع بحسنه كأنه يفزع ، كما قال الشاعر :
يهولُك أن تلقاهُ صَدْرَاً لمَِحْفَل
ملاحظات
الرَّوْع : الفزع . والرُّوع : القلب . وجعلهما أكثر اللغوين أصلين ، قال الجوهري « 3 / 1223 » : « الرَّوْع بالفتح : الفزع ، والرَّوْعَة : الفزعة . والرُّوع بالضم : القلب والعقل . يقال وقع ذلك في رُوعي ، أي في خلدي وبالي » .
وقال ابن فارس « 2 / 459 » : « أصل واحد يدل على فزع ، أو مستقر فزع » . وأخذه منه الراغب .
لكن الخليل جعل الفزع فيه بمعنى الإعجاب بالجمال أو الكثرة ، قال « 2 / 242 » : « الرَّوْع : الفزع . راعني هذا الأمر يَرُوعني وارتعتُ له ، وروَّعني فتروَّعت منه ، وكذلك كل شئ يروعك منه جمالٌ أو كثرة . تقول : راعني فهو رائع . وفرس رائع : كريم يروعك حسنه .
والأروع : من الرجال : من له جسم وجهارة وفضل وسؤدد . والقياس في اشتقاق الفعل منه : رَوَعَ يَرُوعُ رَوْعاً .
ورَوْعُ القلب : ذهنُه وخَلَدُه . يقال : رجع إليه رَوْعُه ورِوَاعُه ، إذا ذهب قلبه ثم ثاب إليه » .
ورأي الخليل قوي ، فالفزع في الرَّوْع فزعٌ خاصٌّ هو الإعجاب والإندهاش ، وليس الخوف العادي .
رَوَغَ
الرَّوْغُ : الميل على سبيل الاحتيال ومنه : رَاغَ الثعلب يَرُوغُ رَوَغَاناً . وطريق رَائِغٌ : إذا لم يكن مستقيماً كأنه يُرَاوِغُ . ورَاوَغَ فلان فلاناً ، ورَاغَ فلان إلى فلان : مال نحوه لأمر يريده منه بالاحتيال . قال : فَراغَ إِلى أَهْلِهِ « الذاريات : 26 » فَراغَ عَلَيْهِمْ
--------------------------- 360 ---------------------------
ضَرْباً بِالْيَمِينِ « الصافات : 93 » أي مال ، وحقيقته : طلب بضرب من الرَّوَغَانِ ، ونبه بقوله على ، على معنى الاستيلاء .
ملاحظات
اشتهر عند الناس روغان الثعلب ، فصرنا ننظر بالذم إلى كل ومراوغة ، لكن عندما نقرأ قوله تعالى : فَراغَ إِلى أَهْلِهِ ، وصفاً لذهاب إبراهيم عليه السلام ومجيئه إلى ضيوفه بعجل حنيذ . ونقرأ في تكسيره للأصنام بقوله : فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ ، نعرف أن أصل راغ يدل على معنى سارع ومال أو حادَ ، وأنه بذاته لا يتضمن ذماً بل الذم من الفاعل أو الفعل .
قال الخليل « 4 / 445 » : « طريق رائغ ، أي مائل ، وراغ فلان إلى فلان ، أي مال إليه سراً وتقول : يديرني فلانٌ عن أمر ، وأنا أريغه » .
رَأَفَ
الرَّأْفَةُ : الرحمة ، وقد رَؤُفَ فهو رَئِفٌ ورَؤُوفٌ نحو يقظ وحذر ، قال تعالى : لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله . « النور : 2 » .
ملاحظات
لا يصح جعل الرأفة نفس الرحمة بدون فرق ، لقوله تعالى : وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً . إِنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ .
وذكر الجوهري أن الرأفة أشد الرحمة . والظاهر أنها رحمة خاصة عند حدوث موضوعها ، كأن ترى فقيراً أو مستغيثاً أو مظلوماً يستوجب الرحمة فترأف به .
ويؤيده النهي عنها في قوله تعالى : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله . لأن رقة القلب قد تمنع من إيقاع العقوبة أو الرضا بها حتى للتأديب والحد ، فهي رأفة خاطئة ، ويقابلها رأفة صحيحة في غير الحد الشرعي ، وكلاهما رأفة .
فالرحمة رقة عامة ، والرأفة رقة خاصة عند حضور موضوعها .
رَوَمَ
ألم . غُلِبَتِ الرُّومُ « الروم : 1 » يقال مرةً للجيل المعروف ، وتارة لجمع رُومي كالعجم .
رَيَنَ
الرَّيْنُ : صدأٌ يعلو الشئ الجلي ، قال : بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ « المطففين : 14 » أي صار ذلك كصدأ على جلاء قلوبهم ، فعميَ عليهم معرفة الخير من الشر ، قال الشاعر :
قد رَانَ النُّعَاسُ بهِمْ * رِينَ على قلبهِ
رَأَى
رَأَى : عينه همزة ولامه ياء ، لقولهم : رُؤْيَةٌ ، وقد قَلَبَهُ الشاعر فقال : وكل خليلٍ رَاءَنِي فهو قائلٌ
منَ اجْلِكَ هذا هامةُ اليومِ أو غَدِ
وتحذف الهمزة من مستقبله فيقال : تَرَى ويَرَى ونَرَى ، قال : فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً « مريم : 26 » وقال : أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ « فصلت : 29 » وقرئ : أرنا .
والرُّؤْيَةُ : إدراك المَرْئِيُّ ، وذلك أضرب بحسب قوى النفس . والأول : بالحاسة وما يجري مجراها ، نحو : لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ « التكاثر : 6 » وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى الله « الزمر : 60 » وقوله : فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ « التوبة : 105 » فإنه مما أجري مجرى الرؤية الحاسة ، فإن الحاسة لا تصح على الله ، تعالى عن ذلك . وقوله : إنهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاتَرَوْنَهُمْ « الأعراف : 27 » . والثاني : بالوهم والتخيل ، نحو : أَرَى أن زيداً منطلق ، ونحو قوله : وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا « الأنفال : 50 » . والثالث : بالتفكُّر ، نحو : إني أَرى ما لا تَرَوْنَ « الأنفال : 48 » .
والرابع : بالعقل ، وعلى ذلك قوله : ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى « النجم : 11 » وعلى ذلك حمل قوله : وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى
--------------------------- 361 ---------------------------
« النجم : 13 » .
ورَأَى : إذا عُدِّيَ إلى مفعولين اقتضى معنى العلم ، نحو : وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ « سبأ : 6 » وقال : إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ « الكهف : 39 » .
ويجري أَرَأَيْتَ مجرى أخبرني ، فيدخل عليه الكاف ، ويترك التاء على حالته في التثنية والجمع والتأنيث ، ويسلَّط التغيير على الكاف دون التاء ، قال : أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي « الإسراء : 62 » قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ « الأنعام : 40 » وقوله : أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى « العلق : 9 » قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ « الأحقاف : 4 » قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ الله « القصص : 71 » قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ « الأحقاف : 10 » أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا « الكهف : 63 » كل ذلك فيه معنى التنبيه .
والرَّأْيُ : اعتقاد النفس أحد النقيضين عن غلبة الظن ، وعلى هذا قوله : يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ « آل عمران : 13 » أي يظنونهم بحسب مقتضى مشاهدة العين مثليهم ، تقول : فعل ذلك رأي عيني ، وقيل : رَاءَةَ عيني .
والرَّوِيَّةُ والترْوِيَةُ : التفكر في الشئ ، والإمالة بين خواطر النفس في تحصيل الرأي . والمُرْتَئِي والمُرَوِّي : المتفكر . وإذا عُدي رأيت بإلى ، اقتضى معنى النظر المؤدي إلى الاعتبار نحو : أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ « الفرقان : 45 » وقوله : بِما أَراكَ الله « النساء : 105 » أي بما علمك . والرَّايَةُ : العلامة المنصوبة للرؤية . ومع فلان رَئِيٌّ من الجنّ .
وأَرْأَتِ الناقة فهي مُرْءٍ : إذا أظهرت الحمل حتى يرى صدق حملها .
والرُّؤْيَا : ما يرى في المنام ، وهو فُعْلى وقد يخفف فيه الهمزة فيقال بالواو . ورُوي : لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا . قال : لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ « الفتح : 27 » وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ « الإسراء : 60 » .
وقوله : فَلما تَراءَا الْجَمْعانِ « الشعراء : 61 » أي تقاربا وتقابلا حتى صار كل واحد منهما بحيث يتمكن من رؤية الآخر ، ويتمكن الآخر من رؤيته . ومنه قوله : لا تَتَرَاءَى نارهما .
ومنازلهم رِئَاءٌ : أي متقابلة . وفعل ذلك رِئَاءَ الناس أي مُرَاءَاةً وتشيعاً .
والْمِرْآةُ : ما يرى فيه صورة الأشياء ، وهي مفعلة من رأيت نحو : المصحف من صحفت ، وجمعها مَرَائِي .
والرِّئَةُ : العضو المنتشر عن القلب ، وجمعه من لفظه رِؤُونَ ، وأنشد أبو زيد :
فَغِظْنَاهُمُ حتى أتَى الغَيْظ مِنْهمُ
قُلوباً وأكباداً لهم ورئينا
ورِئْتُهُ : إذا ضربت رِئَتَهُ .
رَوَى
تقول : ماء رَوَاءٌ ورِوىً ، أي كثير مُرْوٍ ، فَرِوىً على بناء عِدىً : ومَكاناً سُوىً « طه : 58 » قال الشاعر :
مَنْ شَكَّ في فَلَجٍ فَهَذَا فَلَجُ
ماءٌ رِوَاءٌ وَطَرِيقٌ نَهَجُ
وقوله : هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً « مريم : 74 » فمن لم يهمز جعله من رَوِيَ كأنه رَيَّانُ من الحسن ، ومن همز فللذي يرمق من الحسن به . وقيل : هو منه على ترك الهمز .
والرِّيُّ : اسم لما يظهر منه . والرِّوَاءُ منه ، وقيل هو مقلوب من رأيت . قال أبو علي الفسوي : المروءة هو من قولهم حسن في مرآة العين . كذا قال ، وهذا غلط ، لأن الميم في مرآة زائدة ، ومروءة فعولة .
وتقول : أنت بمرأى ومسمع ، أي قريب . وقيل : أنت مني مرأى ومسمع ، بطرح الباء . ومرأى : مفعل من رأيت .
تم كتاب الراء
--------------------------- 362 ---------------------------
كتاب الزاء وما يتصل بها
زَبَد
الزَّبَدُ : زَبَدُ الماء ، وقد أَزْبَدَ ، أي صار ذا زَبَدٍ ، قال : فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً « الرعد : 17 » .
والزُّبْدُ اشتق منه لمشابهته إياه في اللون ، وزَبَدْتُهُ زَبَداً : أعطيته مالاً كالزبد كثرة ، وأطعمته الزُّبْدَ .
والزَّبَادُ : نور يشبهه بياضاً .
زَبَرَ
الزُّبْرَةُ : قطعة عظيمة من الحديد ، جمعه زُبَرٌ ، قال : آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ « الكهف : 96 » وقد يقال : الزُّبْرَةُ من الشعر جمعه زُبُرٌ . واستعير للمجزأ قال : فَتَقَطعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً « المؤمنون : 53 » أي صاروا فيه أحزاباً .
وزَبَرْتُ الكتاب : كتبته كتابة غليظة ، وكل كتاب غليظ الكتابة يقال له : زَبُورٌ ، وخُصَّ الزَّبُورُ بالكتاب المنزل على داود عليه السلام قال : وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً « النساء : 163 » وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ « الأنبياء : 105 » وقرئ زُبُوراً بضم الزاي وذلك جمع زَبُورٍ ، كقولهم في جمع ظريف : ظروف ، أو يكون جمع زِبْرٍ .
وزِبْرٌ : مصدر سمي به كالكتاب ، ثم جمع على زُبُرٍ ، كما جمع كتاب على كتب . وقيل : بل الزَّبُورُ كل كتاب يصعب الوقوف عليه من الكتب الإلهية . قال : وَإنهُ لَفِي زُبُرِ الأولينَ « الشعراء : 196 » وقال : وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ « آل عمران : 184 » أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ « القمر : 43 » .
وقال بعضهم : الزَّبُورُ : اسم للكتاب المقصور على الحكم العقلية دون الأحكام الشرعية ، والكتاب : لما يتضمن الأحكام والحكم ، ويدل على ذلك إن زبور داود عليه السلام لا يتضمّن شيئاً من الأحكام . وزِئْبُرُ الثوب : معروف .
والْأَزْبَرُ : ما ضخم زُبْرَةُ كاهله ، ومنه قيل : هاج زَبْرَؤُهُ ،
--------------------------- 363 ---------------------------
لمن يغضب .
ملاحظات
وردت مادة زَبَرَ بمعان عديدة . قال ابن فارس « 3 / 44 » : « زَبَرَ : أصلان ، أحدهما : يدل على إحكام الشئ وتوثيقه . والآخر : يدل على قراءة وكتابة ، وما أشبه ذلك » .
وبما أن القراءة والكتابة أصلٌ في الدين الإلهي فلا بد أن تكون كلماتها قديمة ، وأن يتوارثها الأنبياء : وأصحابهم . قال تعالى : وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَلِينَ . أي كان مبشراً به في كتب الأنبياء الأقدمين : . وسَمَّى كتاب داود الزبور ، قال تعالى : وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ . وبهذا يظهر ضعف ما ذهب اليه الراغب من أن أصل المادة الغلظة .
وقد وردت في القرآن خمس مرات لزبر الأنبياء عليهم السلام ، وثلاثاً لزبور داود عليه السلام ومرة ذي القرنين .
وقال تعالى : فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ . « المؤمنون : 53 » . وفسروه بالكتب أي كل جماعة تتمسك بزبور كتبته . لكن الظاهر أن زبراً وصفٌ لهم لا لأمرهم ، ومعناه صاروا جماعات متعصبة كزبر الحديد .
وقال تعالى : وَكُلُّ شَئٍْ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ . وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ . « القمر : 52 » . ومعناه الزبر التي يكتبها الملكان الكاتبان .
زَجَّ
الزُّجَاجُ : حجر شفاف ، الواحدة زُجَاجَةٌ ، قال : فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأنها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ « النور : 35 » .
والزُّجُّ : حديدة أسفل الرمح جمعه زِجَاجٌ . وزَجَجْتُ الرجل : طعنته بالزج . وأَزْجَجْتُ الرمح : جعلت له زُجاً ، وأَزْجَجْتُهُ : نزعت زُجَّهُ . والزَّجَجُ : دقة في الحاجبين مشبه بالزج ، وظليم أَزَجُّ ، ونعامة زَجَّاءُ : للطويلة الرجل .
ملاحظات
من ضعف عربية الراغب تعريفه الزُّجاج بأنه حجر شفاف ، ولم يقل لوحٌ أو جسمٌ . ولو قال : الزجاج : معروف ، لكان خيراً له .
زَجَرَ
الزَّجْرُ : طرد بصوت ، يقال : زَجَرْتُهُ فَانْزَجَرَ ، قال : فَإنما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ « النازعات : 13 » . ثم يستعمل في الطرد تارةً ، وفي الصوت أخرى .
وقوله : فَالزَّاجِراتِ زَجْراً « الصافات : 2 » أي الملائكة التي تَزْجُرُ السحاب . وقوله : ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ « القمر : 4 » أي طرد ومنع عن ارتكاب المآثم .
وقال : وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ « القمر : 9 » أي طرد . واستعمال الزجر فيه لصياحهم بالمطرود ، نحو أن يقال : أعزب وتنحَّ ووراءك .
ملاحظات
ليس في زَجَر معنى الطرد ، وهو من إضافة الراغب كعادته . بل فيها معنى نهره وردعه ونهاه بخشونة ، قال الخليل « 6 / 61 » : « زجرته فانزجر ، أي نهيته » .
وقال الجوهري « 2 / 668 » : « الزجر : المنع والنهى » .
وقال ابن فارس « 3 / 47 » : « تدل على الإنتهار » .
فتفسيره : وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ . بأنه طرد لا يصح . وأسوأ منه تفسير بعضهم للآية بزجروه فانزجر ، أي أطاعهم وسكت ! فإن ازدُجر بمعنى زجروه وليست بمعنى انزجر هو ، قال في تفسير القمي « 2 / 341 » : « وقالوا مجنون وازدجر . أي آذوه وأرادوا رجمه » .
وفي مجمع البيان « 9 / 312 » : « أي : زُجر بالشتم والرمي بالقبيح » . تقدم تفسير الزاجرات في المدبرات .
--------------------------- 364 ---------------------------
زَجَى
التزْجِيَةُ : دَفْعُ الشّئ لينساق ، كَتَزْجِيَةِ ردء البعير ، وتَزْجِيَةِ الريح السحاب ، قال : يُزْجِي سَحاباً « النور : 43 » وقال : رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ « الإسراء : 66 » ومنه : رجل مُزْجًى ، وأَزْجَيْتُ رديئ التمر فَزَجَا .
ومنه استعير : زَجَا الخراج يَزْجُو ، وخراج زَاجٍ وقول الشاعر : وحاجةٌ غيرُ مُزْجَاةٍ من الحَاجِ .
أي غير يسيرة ، يمكن دفعها وسوقها ، لقلة الاعتداد بها .
ملاحظات
في زجا معنى الرقة والرفق في الدفع ، وقد أهمله الراغب ، وجعله مطلق الدفع ! قال الجوهري « 6 / 2367 » : « زجيت الشئ تزجية إذا دفعته برفق » .
وقال ابن فارس « 3 / 7 » : « زجَّ : أصل يدل على رقة في شئ . يقال زججته جعلت له زُجّاً ، فإذا نزعت زجه قلت أزججته . والزجج : دقة الحاجبين وحسنهما ، ويقال إن الأزج من النعام الذي فوق عينه ريش أبيض » .
واستشهد ابن منظور « 14 / 255 » بقول ابن الرفاع العاملي :
تزجي أغنَّ كأن إبْرَة رُوقة
قلمٌ وأصابت من الدواة مِدادَها
زَحَحَ
فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ « آل عمران : 185 » أي أزيل عن مقره فيها .
زَحَفَ
أصل الزَّحْفِ : انبعاث مع جر الرجل ، كانبعاث الصبي قبل أن يمشي ، وكالبعير إذا أعيا فجَرَّ فَرْسَنَهُ « خفه » وكالعسكر إذا كثر فيعثر انبعاثه .
قال : إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً « الأنفال : 15 » والزَّاحِفُ : السهم يقع دون الغرض .
ملاحظات
الزَّحف : حركة خاصة ، قد تكون عن إعياء وقد تكون لغرضٍ ، كما في الحرب . ويصح اسمه سواء كان من قيام أو قعود وغيره . ولا يشترط أن يجر الزاحف شيئاً كما زعم الراغب !
زَخْرَفَ
الزُّخْرُفُ : الزينة المزوَّقة ، ومنه قيل للذهب : زُخْرُفٌ .
وقال : أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها « يونس : 24 » وقال : بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ « الإسراء : 93 » أي ذهب مزوَّق .
وقال : وَزُخْرُفاً « الزخرف : 35 » وقال : زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً « الأنعام : 112 » أي المزوَّقات من الكلام .
زَرَبَ
الزَّرَابِي : جمع زُرْبٍ ، وهو ضرب من الثياب محبَّر منسوب إلى موضع ، وعلى طريق التشبيه والاستعارة .
قال : وَزَرابِي مَبْثُوثَةٌ « الغاشية : 16 » .
والزَّرْبُ والزَّرِيبَةُ : موضع الغنم . وقترة الرامي .
زَرَعَ
الزَّرْعُ : الإنبات ، وحقيقة ذلك تكون بالأمور الإلهية دون البشرية . قال : أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ « الواقعة : 64 » فنسب الحرث إليهم ونفى عنهم الزَّرْعَ ونسبه إلى نفسه ، وإذا نسب إلى العبد فلكونه فاعلاً للأسباب التي هي سبب الزرع ، كما تقول أنبتُّ كذا : إذا كنت من أسباب نباته . والزَّرْعُ : في الأصل مصدر ، وعُبِّرَ به عن المزْرُوعِ نحو قوله : فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً « السجدة : 27 » وقال : وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ « الدخان : 26 » ويقال : زَرَعَ الله ولدك ، تشبيهاً كما تقول : أنبته الله . والمُزْرِعُ : الزَّرَّاعُ ، وازْدَرَعَ النبات : صار ذا زرع .
ملاحظات
1 . عرَّف الراغب الزرع بأنه الإنبات ، وهو خطأ ، والآية :
--------------------------- 365 ---------------------------
ءَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ، لا تنفي فعل الزرع ، بل تأثيرهم في إنباته ، وتحصر التأثير ب الله تعالى .
2 . قال ابن منظور « 8 / 141 » : « الزَّرْعُ : وقد غلب على البُرّ والشَّعِير ، وجمعه زُرُوع ، وقيل : الزرع نبات كل شئ يحرث » . ويؤيده أن القرآن استعمل الزروع في مقابل الأشجار في آيات عديدة ، فقال تعالى : جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا . . وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ . . يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ .
3 . وقد يشمل الأشجار ، فقد ضربه الله مثلاً للنبي وعترته صلى الله عليه وآله فقال : وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ . فهم الشجرة الطيبة ، وهم الزرع الذي أخرج شطأه ، أي أولاده .
قال ابن منظور « 7 / 449 » : « واستغلظ النباتُ والشجر : صار غَلِيظاً . وفي التنزيل العزيز : كزرْع أَخرج شَطْأَه فآزَرَه فاستغلظ فاستوى على سُوقه ، وكذلك جميع النبات والشجر إِذا استحكمت نِبْتَتُه » .
وقال ابن منظور « 1 / 100 » : « شَطَأَ الزَّرْعُ والنخل يَشْطَأُ شَطْأً وشُطُوءً : أَخرج شَطْأَه . وأَشْطَأَ الزرعُ إذا فَرَّخ . وأَشْطَأَ الرجلُ : بَلغ ولَدُه مَبْلَغَ الرِّجالِ فصار مثله » .
زَرَقَ
الزُّرْقَةُ : بعض الألوان بين البياض والسواد ، يقال : زَرَقَتْ عينه زُرْقَةً وزَرَقَاناً . وقوله تعالى : زُرْقاً يَتَخافَتُونَ « طه : 102 » أي عمياً عيونهم لانورلها . والزُّرَقُ : طائر ، وقيل : زَرَقَ الطائرُ يَزْرِقُ . وزَرَقَهُ بِالْمِزْرَاقِ : رماه به .
زَرَى
زَرَيْتُ عليه : عِبْتُهُ . وأَزْرَيْتُ به : قصَّرت به وكذلك ازْدَرَيْتُ ، وأصله : افتعلت . قال : وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ « هود : 31 » أي تستقلُّهم ، تقديره : تَزْدَرِيهِمْ أعينكم ، أي تستقلهم وتستهين بهم .
زَعَقَ
الزُّعَاقُ : الماء الملح الشديد الملوحة ، وطعام مَزْعُوقٌ : كثر ملحه حتى صار زُعَاقاً ، وزَعَقَ به : أفزعه بصياحه فَانْزَعَقَ ، أي فزع .
والزَّعِقُ : الكثير الزَّعق ، أي الصوت ، والزَّعَّاقُ : النَّعَّار .
ملاحظات
لم ترد هذه المادة في القرآن فلا موجب لتدوينها !
زَعَمَ
الزَّعْمُ : حكاية قول يكون مظنَّةً للكذب ، ولهذا جاء في القرآن في كل موضع ذم القائلون به ، نحو : زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا « التغابن : 7 » بلْ زَعَمْتُمْ « الكهف : 48 » كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ « الأنعام : 22 » زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ « الإسراء : 56 » .
وقيل للضمان بالقول والرئاسة : زَعَامَةٌ ، فقيل للمتكفل والرئيس : زَعِيمٌ ، للاعتقاد في قوليهما أنهما مظنة للكذب . قال : وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ « يوسف : 72 » أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ « القلم : 40 » إما من الزَّعَامَةِ أي الكفالة ، أو من الزَّعْمِ بالقول .
ملاحظات
قال الإمام الباقر عليه السلام : « أما علمت أن كل زعم في القرآن كذب » . « الكافي : 2 / 342 » وهذا يجعل لقب الزعيم غير ممدوح !
زَفَّ
زَفَّ الإبل : يَزِفُّ زَفّاً وزَفِيفاً ، وأَزَفَّهَا سائقُها . وقرئ : إِلَيْهِ يَزِفُّونَ « الصافات : 94 » أي يسرعون ، ويَزِفُّونَ ، أي يحملون أصحابهم على الزَّفِيفِ .
وأصل الزَّفِيفِ في هبوب الريح ، وسرعة النعام التي تخلط الطيران بالمشي . وزَفْزَفَ النعام : أسرع . ومنه استعير زَفُّ
--------------------------- 366 ---------------------------
العروس . واستعارة ما يقتضي السرعة لا لأجل مشيتها ، ولكن للذهاب بها على خفة من السرور .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة في آية واحدة هي قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ . فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ . قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ . والمعنى أقبلوا يهرعون كركض النعام الذي يزف زفيفاً ، أي بسرعة وسيرٍ غير منتظم . فالزفيف ركض النعام بسرعة وخفة ، وهو المناسب لمجي قوم إبراهيم عليه السلام ، وهو ما اتفق عليه اللغويون . لكن الراغب جعل أصله هبوب الريح !
قال ابن فارس « 3 / 4 » : « الزاء والفاء : أصل يدل على خفة في كل شئ ، يقال : زفَّ الظليم « ذكر النعام » زفيفاً إذا أسرع . ومنه زُفَّتِ العروسُ إلى زوجها ، وزَفَّ القوم في سيرهم أسرعوا . قال جل ثناؤه : فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ . والزفزافة : الريح الشديدة لها زفزفة أي خفة ، وكذلك الزفزف » . وقال الخليل « 7 / 351 » : « جاء فلان يزف زفيف النعامة ، أي من سرعته . والزف : صغار ريش النعام والطائر » .
زَفَرَ
قال : لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ « الأنبياء : 100 » فَالزَّفِيرُ : تردد النَّفَس حتى تنتفخ الضلوع منه . وازْدَفَرَ فلان كذا : إذا تحمله بمشقة فتردد فيه نفسه ، وقيل للإماء الحاملات للماء : زَوَافِرُ .
ملاحظات
عرَّف الراغب الزفير بالشهيق بعبارة فيها عجمة ، وهو إخراج النَّفَس ، والشهيق أخذ النَّفَس .
أما الإماء الزوافر فهن اللواتي يحملنَ القرب .
والزِّفْرَة : القِربة . وازْدَفَرَ : حَمَل الزِّفر أي القربة الكبيرة ، ولا علاقة له بالزفير ! « راجع الصحاح : 2 / 670 » .
زَقَمَ
إن شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ « الدخان : 43 » عبارة عن أطعمة كريهة في النار ، ومنه استعير : زَقَمَ فلان وتَزَقَّمَ : إذا ابتلع شيئاً كريهاً .
ملاحظات
قال الخليل « 5 / 94 » : « لما نزلت آية الزقوم لم تعرفه قريش ، فقدم رجل من إفريقية وسئل عن الزقوم ، فقال الإفريقي : الزقوم بلغة إفريقية ، الزبد والتمر . فقال أبو جهل : هاتي يا جارية تمراً وزبداً نزدقمه ، فجعلوا يتزقمون منه ويأكلونه . وقالوا : أبهذا يخوفنا محمد ، فبين الله في آية أخرى : إنا جعلناها فتنة للظالمين ، إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم » .
زَكَا
أصل الزَّكَاةِ : النُّمُو الحاصل عن بركة الله تعالى ويعتبر ذلك بالأمور الدنيوية والأخروية . يقال : زَكَا الزرع يَزْكُو : إذا حصل منه نموٌّ وبركة . وقوله : أَيُّها أَزْكى طَعاماً « الكهف : 19 » إشارة إلى ما يكون حلالاً لا يستوخم عقباه .
ومنه الزَّكاةُ : لما يخرج الإنسان من حق الله تعالى إلى الفقراء ، وتسميته بذلك لما يكون فيها من رجاء البركة ، أو لتزكية النفس ، أي تنميتها بالخيرات والبركات . أو لهما جميعاً ، فإن الخيرين موجودان فيها .
وقرن الله تعالى الزَّكَاةَ بالصلاة في القرآن بقوله : وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ « البقرة : 43 » .
وبِزَكَاءِ النفس وطهارتها يصير الإنسان بحيث يستحق في الدنيا الأوصاف المحمودة ، وفي الآخرة الأجر والمثوبة . وهو أن يتحرى الإنسان ما فيه تطهيره ، وذلك ينسب تارةً إلى العبد لكونه مكتسباً لذلك ، نحو : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها « الشمس : 9 » وتارة ينسب إلى الله تعالى ، لكونه فاعلاً
--------------------------- 367 ---------------------------
لذلك في الحقيقة نحو : بَلِ الله يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ « النساء : 49 » وتارة إلى النبي لكونه واسطة في وصول ذلك إليهم ، نحو : تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها « التوبة : 103 » يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ « البقرة : 151 » وتارة إلى العبادة التي هي آلة في ذلك نحو : وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً « مريم : 13 » لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا « مريم : 19 » أي مُزَكًّى بالخلقة .
وذلك على طريق ما ذكرنا من الاجتباء ، وهو أن يجعل بعض عباده عالماً وطاهر الخلق ، لا بالتعلم والممارسة بل بتوفيق إلهيّ ، كما يكون لجل الأنبياء والرسل . ويجوز أن يكون تسميته بالمزكى لما يكون عليه في الاستقبال لا في الحال ، والمعنى : سَيَتَزَكَّى .
وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ « المؤمنون : 4 » أي يفعلون ما يفعلون من العبادة ليزكيهم الله ، أو لِيُزَكُّوا أنفسهم ، والمعنيان واحد . وليس قوله : للزكاة مفعولاً لقوله : فاعلون ، بل اللام فيه للعلة والقصد .
وتَزْكِيَةُ الإنسان نفسه ضربان ، أحدهما : بالفعل ، وهو محمود وإليه قصد بقوله : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها « الشمس : 9 » وقوله : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى « الأعلى : 14 » .
والثاني : بالقول كتزكية العدل غيره ، وذلك مذموم أن يفعل الإنسان بنفسه ، وقد نهى الله تعالى عنه فقال : فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ « النجم : 32 » ونهيه عن ذلك تأديبٌ لقبح مدح الإنسان نفسه عقلاً وشرعاً . ولهذا قيل لحكيم : ما الذي لا يَحْسُن وإن كان حقاً ؟ فقال : مدح الرجل نفسه .
ملاحظات
استعملت مادة الزكاة في القرآن عشرات المرات ، وقرنت بالصلاة وجعلت ركناً عملياً بني عليه الإسلام .
وتشمل الزكاة المسماة بالصدقة : الخمس ، والصدقة المستحبة : الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ . . وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ، الَّذِي يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى .
وتشمل الزكاة عبادة الله وعمل الخير : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى . وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى .
وتشمل تزكية الإنسان نفسه : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا .
وتزكية النبي للمؤمنين : وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ . وتزكية الله لهم : بَلِ الله يُزَكِّى مَنْ يَشَاءُ .
وزكاة الإنسان بنفسه : قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا . وزكاة الطعام : فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا .
والإنسان البرئ زكي : أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ .
زَلَّ
الزَّلَّةُ : في الأصل استرسالُ الرجل من غير قصد ، يقال : زَلَّتْ رِجْله تَزِلُّ . والْمَزِلَّةُ : المكان الزلق .
وقيل للذنب من غير قصد : زَلَّةٌ ، تشبيهاً بزلة الرجل . قال تعالى : فَإِنْ زَلَلْتُمْ « البقرة : 209 » فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ « البقرة : 36 » .
واسْتَزَلَّهُ : إذا تحرّى زلته . وقوله : إنمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ « آل عمران : 155 » أي استجرهم الشيطان حتى زلوا ، فإن الخطيئة الصغيرة إذا ترخص الإنسان فيها تصير مسهلة لسبيل الشيطان على نفسه .
وقوله عليه السلام : من أُزِلَّتْ إليه نعمةٌ فليشكرها ، أي من أوصل إليه نعمة بلا قصد من مسديها ، تنبيهاً [ على ] أنه إذا كان الشكر في ذلك لازماً فكيف فيما يكون عن قصده .
التزَلْزُلُ : الاضطراب ، وتكرير حروف لفظه تنبيه على تكرير معنى الزلل فيه ، قال : إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها « الزلزلة : 1 » .
وقال : إن زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَئ عَظِيمٌ « الحج : 1 » وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً « الأحزاب : 11 » أي زُعْزِعُوا من الرُّعب .
زَلَفَ
الزُّلْفَةُ : المنزلة والحظوة ، وقوله تعالى : فَلما رَأَوْهُ زُلْفَةً
--------------------------- 368 ---------------------------
« الملك : 27 » قيل معناه : لما رأوا زلفة المؤمنين وقد حرموها . وقيل : استعمال الزلفة في منزلة العذاب كاستعمال البشارة ونحوها من الألفاظ . وقيل لمنازل الليل زُلَفٌ . قال : وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ « هود : 114 » قال الشاعر : طيُّ الليالي زُلَفاً فزُلَفا .
والزُّلْفَى : الحظوة ، قال الله تعالى : إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى الله زُلْفى « الزمر : 3 » . والمَزَالِفُ : المراقي ، وأَزْلَفْتُهُ : جعلت له زلفى . قال : وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ « الشعراء : 64 » وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ « الشعراء : 90 » .
وليلة المُزْدَلِفَةِ : خصت بذلك لقربهم من منى بعد الإفاضة . وفي الحديث : إزْدَلِفُوا إلى الله بركعتين .
ملاحظات
أجاد ابن فارس في تدوين المادة ، قال « 3 / 21 » : « زَلَفَ : يدل على اندفاع وتقدم في قرب إلى شئ ، يقال من ذلك ازدلف الرجل : تقدم . وسميت مزدلفة بمكة لاقتراب الناس إلى منى بعد الإفاضة من عرفات .
ويقال : لفلان عند فلان زلفى ، أي قربى ، قال الله جل وعز : وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى .
والزُّلْفُ والزُّلْفَةُ : الدرجة والمنزلة . وأزلفتُ الرجل إلى كذا : أدنيته . وأما الزُّلَفُ من الليل فهي طوائفُ منه ، لأن كل طائفة منها تقرب من الأخرى » .
قال الجوهري « 4 / 1370 » : « الزلفة والزلفى : القربة والمنزلة ، ومنه قوله تعالى : وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى ، كأنه قال : بالتي تقربكم عندنا ازدلافاً » .
زَلَقَ
الزَّلَقُ والزَّلَلُ : متقاربان ، قال : صَعِيداً زَلَقاً « الكهف : 40 » أي دَحِضاً لا نبات فيه ، نحو قوله : فَتَرَكَهُ صَلْداً « البقرة : 264 » . والْمَزْلَقُ : المكان الدحض . قال : لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ « القلم : 51 » وذلك كقول الشاعر : نظراً يُزِيلُ مَوَاضِعَ الأَقْدَامِ .
ويقال : زَلقَهُ وأَزْلَقَهُ فَزَلقَ . قال يونس : لم يسمع الزَّلقُ والْإِزْلَاقُ إلّا في القرآن . وروي أن أبيّ بن كعب قرأ : وأَزْلَقْنَا ثَمَّ الآخرين . أي أهلكنا .
زَمَرَ
قال : وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً « الزمر : 73 » جمع زُمْرَةٍ ، وهي الجماعة القليلة .
ومنه قيل : شاة زَمِرَةٌ : قليلة الشعر ، ورجل زَمِرٌ : قليل المروءة ، وزَمَرَتِ النعامة تَزْمِرُ زمَاراً . وعنه اشتق الزَّمْرُ . والزَّمَّارَةُ : كناية عن الفاجرة .
ملاحظات
فسر الجوهري الزُّمَر بالفوج ، والجماعة . وفسرها الراغب بالجماعات القليلة . وقال ابن فارس « 3 / 23 » : « أصلان : قلة الشئ ، والآخر جنس من الأصوات » .
ولم يذكر الخليل القِلَّة ، قال « 7 / 365 » : « الزمرة : فوج من الناس . بعضٌ على أثر بعض » .
أما الزَّمِر بكسر الميم فهو من التزمير ، وهو من أوصاف الذم كالزمَّارة . ولا علاقة له بالزُّمرة . ومن معانيه : « الزَّمِر : القليل الشَّعر والقليل المروءة » . « العين : 2 / 671 » .
زَمَلَ
يا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ ، أي المُتَزَمِّلُ في ثوبه وذلك على سبيل الاستعارة ، كناية عن المقصر والمتهاون بالأمر وتعريضاً به . والزُّمَيْلُ : الضعيف ، قالت أمّ تأبَّط شرّاً :
ليس بزمَّيْلٍ شَرُوبٍ للقِيَل
ملاحظات
ليس في المزمل ذَمٌّ كما تصور الراغب . ومعنى قول الشاعرة : ليس بزميل . . ليس بجبان يشرب اللبن في القيلولة .
--------------------------- 369 ---------------------------
زَنَمَ
الزَّنِيمُ والْمَزَنَّمُ : الزائد في القوم وليس منهم ، تشبيهاً بِالزَّنمَتَيْنِ من الشاة ، وهما المتدليتان من أذنها ، ومن الحلق ، قال تعالى : عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ « القلم : 13 » وهو العبد زلمة وزَنْمَةً ، أي المنتسب إلى قوم معلق بهم لا منهم ، وقال الشاعر : فأنت زَنِيمٌ نِيطَ في آلِ هاشمِ
كما نِيطَ خَلْفَ الرَّاكبِ القَدَحُ الفردُ
ملاحظات
قال الله تعالى : وَلاتُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ . مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ . عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ . أَنْ كَأن ذَا مَالٍ وَبَنِينَ . وقد اتفق المفسرون والمحدثون على أنها نزلت في الوليد والد خالد . قال في تفسير الجلالين / 758 : « دعيٌّ في قريش وهو الوليد بن المغيرة ، ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة » .
زَنَا
الزِّنَاءُ : وطْأُ المرأة من غير عقد شرعي ، وقد يُقصر . وإذا مُدَّ يصحُّ أن يكون مصدر المفاعلة . والنسبة إليه زَنَوِيٌّ .
وفلان لِزِنْيَةٍ وزَنْيَةٍ : قال الله تعالى : الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ « النور : 3 » الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي « النور : 2 » . وزنأ في الجبل بالهمز زنأً وزنوءً .
والزَّنَّاء : الحاقن بوله ، ونُهيَ الرجل أن يصلي وهو زَنَّاء .
زَهَدَ
الزَّهِيدُ : الشئ القليل . والزَّاهِدُ في الشئ : الراغب عنه ، والراضي منه بالزهيد أي القليل . قال تعالى : وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ « يوسف : 20 » .
زَهَقَ
زَهَقَتْ نفسه : خرجت من الأسف على الشئ قال : وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ « التوبة : 55 » .
ملاحظات
فسر اللغويون : زهقت نفسه بأنه مات ، ولم يشترطوا أن يكون مات من الأسف والحسرة فهي زيادة من الراغب !
قال الخليل « 3 / 363 » : « وكل شئ هلك وبطل فقد زهق » . « وزهقت نفسه تزهق زهوقاً ، أي خرجت » .
وقال ابن فارس « 3 / 32 » : « يدل على تقدم ومضي وتجاوز . من ذلك زهقت نفسه ، زهق الباطل » .
زَيْت
زَيْتُونٌ وزَيْتُونَةٌ : نحو شجر وشجرة ، قال تعالى : زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ « النور : 35 » والزَّيْتُ : عصارة الزيتون ، قال : يَكادُ زَيْتُها يُضِئ « النور : 35 » وقد زَاتَ طعامَهُ : نحو سَمَّنَهُ ، وزَاتَ رأسَهُ : نحو دَهَنَهُ به ، وازْدَاتَ : ادَّهَنَ .
زَوَجَ
يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المُتَزَاوِجَةُ : زَوْجٌ .
ولكل قرينين فيها وفي غيرها : زوج ، كالخف والنعل . ولكل ما يقترن بآخر مماثلاً له أو مضاداً : زوج .
قال تعالى : فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى « القيامة : 39 » وقال : وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ « البقرة : 35 » وزَوْجَةٌ لغة رديئة ، وجمعها زَوْجَاتٌ ، قال الشاعر :
فَبَكَا بَنَاتِي شَجْوَهُنَّ وَزَوْجَتِي
وجمع الزوج أَزْوَاجٌ . وقوله : هُمْ وَأَزْواجُهُمْ « يس : 56 » احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ « الصافات : 22 » أي أقرانهم المقتدين بهم في أفعالهم . وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ « الحجر : 88 » أي أشباهاً وأقراناً .
وقوله : سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ « يس : 36 » وَمِنْ كل شَئ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ « الذاريات : 49 » فتنبيهٌ [ على ] أن الأشياء كلها مركبة من جوهر وعرض ومادة وصورة ، وأن لا شئ
--------------------------- 370 ---------------------------
يتعرَّى من تركيب يقتضي كونه مصنوعاً ، وأنه لا بد له من صانع تنبيهاً [ على ] أنه تعالى هو الفرد .
وقوله : خَلَقْنا زَوْجَيْنِ « الذاريات : 49 » فبيَّن أن كل ما في العالم زوج من حيث إن له ضدّاً أو مِثْلاً مّا أو تركيباً مّا ، بل لا ينفك بوجه من تركيب .
وإنما ذكر هاهنا زوجين تنبيهاً [ على ] أن الشئ وإن لم يكن له ضد ولا مثل ، فإنه لا ينفك من تركيب جوهر وعرض ، وذلك زوجان .
وقوله : أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى « طه : 53 » أي أنواعاً متشابهة . وكذلك قوله : مِنْ كل زَوْجٍ كَرِيمٍ « لقمان : 10 » ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ « الأنعام : 143 » أي أصناف . وقوله : وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً « الواقعة : 7 » أي قرناء ثلاثاً وهم الذين فسرهم بما بعد .
وقوله : وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ « التكوير : 7 » فقد قيل : معناه قَرَن كلَّ شيعة بمن شايعهم في الجنة والنار ، نحو : أحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ « الصافات : 22 » وقيل : قرنت الأرواح بأجسادها حسبما نبه عليه قوله في أحد التفسيرين : يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً « الفجر : 27 » أي صاحبك . وقيل : قرنت النفوس بأعمالها حسبما نبه قوله : يَوْمَ تَجِدُ كل نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ « آل عمران : 30 » .
وقوله : وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ « الدخان : 54 » أي قرناهم بهن ، ولم يجئ في القرآن زوجناهم حوراً ما [ كما ] يقال زوجته امرأة ، تنبيهاً [ على ] أن ذلك لا يكون على حسب المتعارف فيما بيننا من المناكحة .
ملاحظات
لا شك أن حياة الإنسان في الجنة تختلف عن حياته في الدنيا ، لكن لا دليل على قول الراغب إن علاقة الزواج في الجنة تختلف عنها في الدنيا في طبيعتها ، فالظاهر من استعمال القرآن والسنة أن طبيعتها في الدنيا والجنة واحدة . أما تعدية زوَّج بالباء في قوله تعالى : وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ ، فغرضها إظهار أهمية الحور ، كمن يقول لابنه زوجتك بفلانة ، أي بزوجة مميزة .
وكأن الراغب وبعض المتصوفة يرون أنه لا نكاح في الجنة ، لأنه من الأمور الدونية !
وقد أخذوا ذلك من أديانٍ أخرى .
زَادَ
الزِّيادَةُ : أن ينضمَّ إلى ما عليه الشئ في نفسه شئ آخر ، يقال : زِدْتُهُ فَازْدَادَ ، وقوله : وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ « يوسف : 65 » نحو : ازْدَدْتُ فضلاً ، أي ازداد فضلي ، وهو من باب سَفِهَ نَفْسَهُ « البقرة : 130 »
وذلك قد يكون زيادة مذمومة كالزيادة على الكفاية مثل زيادة الأصابع ، والزوائد في قوائم الدابة ، وزِيَادَةُ الكبد ، وهي قطعة معلقة بها يتصور أن لا حاجة إليها لكونها غير مأكولة . وقد تكون زيادة محمودة ، نحو قوله : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ « يونس : 26 » وروي من طرق مختلفة إن هذه الزيادة النظر إلى وجه الله ، إشارة إلى إنعام وأحوال لا يمكن تصورها في الدنيا .
وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ « البقرة : 247 » أي أعطاه من العلم والجسم قدراً يزيد على ما أعطى أهل زمانه . وقوله : وَيَزِيدُ الله الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً « مريم : 76 » .
ومن الزيادة المكروهة قوله : ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً « فاطر : 42 » وقوله : زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ « النحل : 88 » فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ « هود : 63 » وقوله : فَزادَهُمُ الله مَرَضاً « البقرة : 10 » فإن هذه الزيادة هو ما بني عليه جبلَّة الإنسان ، إن من تعاطى فعلاً إن خيراً وإن شراً ، تَقَوَّى فيما يتعاطاه فيزداد حالاً فحالاً .
--------------------------- 371 ---------------------------
وقوله : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ « ق : 30 » يجوز أن يكون ذلك استدعاء للزيادة ، ويجوز أن يكون تنبيهاً [ على ] أنها قد امتلأت ، وحصل فيها ما ذكر تعالى في قوله : لَأَمْلَأن جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ « السجدة : 13 » .
يقال : زدته وزاد هو وازْدَادَ . قال : وَازْدَادُوا تِسْعاً « الكهف : 25 » وقال : ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً « آل عمران : 90 » وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ « الرعد : 8 » وشرّ زَائِدٌ وزَيْدٌ . قال الشاعر :
وأنتمُ مَعْشَرٌ زَيْدٌ على مِائَةٍ
فأجمعوا أمركم طُرّاً فكيدوني
والزَّادُ المدخر : الزائد على ما يحتاج إليه في الوقت ، والتزَوُّدُ : أخذ الزاد ، قال : وَتَزَوَّدُوا فَإن خَيْرَ الزَّادِ التقْوى « البقرة : 197 » . والْمِزْوَدُ : ما يجعل فيه الزاد من الطعام . والْمَزَادَةُ : ما يجعل فيه الزاد من الماء .
ملاحظات
قول الراغب : « وروي من طرق مختلفة أن هذه الزيادة النظر إلى وجه الله ، إشارة إلى إنعام وأحوال لا يمكن تصورها في الدنيا » .
يدل على قبوله رؤية الله تعالى بالعين في الآخرة بنحو من الأنحاء ، وهذا يؤكد أنه ليس شيعي المذهب كما أسلفنا ، لأن مذهبنا استحالة رؤية الله بالعين في الدنيا والآخرة ، لأنها لا تكون إلا لجسم يقع عليه الضوء .
زَوَرَ
الزَّوْرُ : أعلى الصدر . وزُرْتُ فلاناً : تلقيته بزَوْرِي ، أو قصدت زوره ، نحو : وجهته .
ورجل زَائِرٌ ، وقوم زَوْرٌ ، نحو سافر وسَفْر ، وقد يقال : رجل زَوْرٌ ، فيكون مصدراً موصوفاً به نحو : ضيف .
والزَّوَرُ : ميل في الزور ، والْأَزْوَرُ : المائلُ الزور . وقوله : تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ « الكهف : 17 » أي تميل ، قرئ بتخفيف الزاي وتشديده . وقرئ : تَزْوَرُّ . قال أبو الحسن : لا معنى لتزْوَرَّ ها هنا لأن الِازْوِرَارَ الإنقباض ، يقال : تَزَاوَرَ عنه ، وازْوَرَّ عنه ، ورجلٌ أَزْوَرُ ، وقومٌ زَوَّرٌ .
وبئرٌ زَوْرَاءُ : مائلة الحفر وقيل لِلْكَذِبِ : زُورٌ ، لكونه مائلاً عن جهته ، قال : ظُلْماً وَزُوراً « الفرقان : 4 » وقَوْلَ الزُّورِ « الحج : 30 » مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً « المجادلة : 2 » لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ « الفرقان : 72 » .
ويسمَّى الصنم زُوراً في قول الشاعر :
جاؤُوا بِزَوْرَيْهِمْ وَجِئْنَا بِالْأَصَمّْ
لكون ذلك كذباً وميلاً عن الحق .
ملاحظات
أخذ الراغب هذه المادة من ابن فارس ، حيث قال « 3 / 36 » : « زَوَرَ : أصل واحد ، يدل على الميل والعدول » . وهذا احتمال بعيد لأن معاني المادة متعددة وغير متجانسة ولا تتضمن معنى الميل إلا واحد منها ، فهي إذن أصولٌ مستقلة ، خاصةً المعاني الثلاثة التي استعملها القرآن :
1 . قال تعالى : أَلْهَاكُمُ التكَاثُرُ . حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ . والزيارة فيها : قصد الشئ والذهاب اليه .
2 . وقال تعالى : وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ . وليس فيه ميل عن الحق ، بل تعمد للباطل ومضادة الحق .
3 . وقال تعالى : وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ .
أي : كانت عندما تطلع تميل عن باب كهفهم لئلا تؤذيهم ، وإذا غربت تلقي بعض أشعتها عليهم . ففيه معنى الميل أو التمايل والإزورار .
لكن لا يلزم منه أن يكون كل زَوْرٍ وزيارةٍ وزُورٍ ، وكل مفردات المادة ، مأخوذة من زَوَرَ بمعنى مال !
فإن معنى ذلك أن العرب سموا زَوْر الصدر لأن أضلاعه
--------------------------- 372 ---------------------------
مائلة ، وأهملوا بروزه وارتفاعه واشتماله على القلب ، وكل اعتبار آخر ، إلا الميل ! وهكذا سموا قول الباطل زوراً ، لأنه ميلٌ عن الحق ، وسموا القدرة والحيل زُوراً ، لأنها ميلٌ على الخصم مثلاً ، وسموا به الزائر لأنه يميل إلى مكان المزور ، وسموا به قطعة الإبل زارة ، لأنها تميل أو يُمال إليها . وكذا الدوحة . الخ . ولا يصح ذلك .
فلماذا سموا رئيس القوم وسيدهم : زَوْراً ؟ ! ولماذا قالوا : ما له زَوْرٌ وزُورٌ ولا صَيُّورٌ . أَي ما له رأْي وعقل يرجع إِليه ؟ « لسان العرب : 4 / 335 » .
زَيَغَ
الزَّيْغُ : الميل عن الإستقامة . والتزَايُغُ : التمايل . ورجل زَائِغٌ ، وقوم زَاغَةٌ ، وزائغون ، وزاغت الشمس ، وزَاغَ البصر . وقال تعالى : وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ « الأحزاب : 10 » يصح أن يكون إشارة إلى ما يداخلهم من الخوف حتى اظلمَّت أبصارهم ، ويصح أن يكون إشارة إلى ما قال : يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ « آل عمران : 13 » وقال : ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى « النجم : 17 » مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ « التوبة : 117 » فَلما زاغُوا أَزاغَ الله قُلُوبَهُمْ « الصف : 5 » لما فارقوا الإستقامة عاملهم بذلك .
ملاحظات
1 . الزيغ : تعمد الانحراف عن الحق والإصرار على ذلك ، لكن الراغب كغيره من اللغويين خفف معناه حتى جعله مجرد ميل عن الإستقامة ، مع أن القرآن والحديث استعظماه وجعلاه كفراً ، وحكم فقهاء المسلمين بكفر أهل الزيغ . قال أمير المؤمنين عليه السلام : « الكفر على أربع دعائم : على التعمق ، والتنازع ، والزيغ ، والشقاق . فمن تعمق لم يُنب إلى الحق ، ومن كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق ، ومن زاغ ساءت عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة ، وسَكِرَ سُكْرَ الضلالة » . « نهج البلاغة : 4 / 9 » . وقال عليه السلام « التهذيب : 6 / 144 » : « القتال قتالان : قتالٌ لأهل الشرك ، لا يُنفرُ عنهم حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون . وقتال لأهل الزيغ ، لا ينفر عنهم حتى يفيئوا إلى أمر الله ، أو يقتلوا » .
2 . ورد الزيغ في القرآن في : تعمد اليهود للزيغ والكفر : فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ والله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ .
وفي أهل الزيغ الذين يتبعون متشابه القرآن ويتركون مُحكمه : فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلا الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُواْ الأَلْبَابِ . رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا .
وفي زيغ البصر مطلقاً : أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ .
وفي زيغ البصر من الخوف : إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا .
وفي ثبات بصر النبي صلى الله عليه وآله في المعراج : مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى .
وفي الجن المسخرين مع سليمان عليه السلام : وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ .
فعلينا أن نأخذ معنى الزيغ في هذه الموارد ، ولا يصح التخفيف منه من أجل صحابي أو صحابية .
زَالَ
زَالَ الشئ يَزُولُ زَوَالًا : فارق طريقته جانحاً عنه ، وقيل : أَزَلْتُهُ ، وزَوَّلْتُهُ .
قال : إن الله يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا « فاطر : 41 »
--------------------------- 373 ---------------------------
وَلَئِنْ زالَتا « فاطر : 41 » لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ « إبراهيم : 46 » .
والزَّوَالُ يقال في شئ قد كان ثابتاً قبلُ . فإن قيل : قد قالوا زوال الشمس ، ومعلوم أن لا ثبات للشمس بوجه . قيل : إن ذلك قالوه لاعتقادهم في الظهيرة أن لها ثباتاً في كبد السماء ولهذا قالوا : قام قائم الظهيرة وسار النهار .
وقيل : زَالَهُ يَزِيلُهُ زَيْلاً . قال الشاعر :
زَالَ زوالها أي : أذهب الله حركتها
والزَّوَالُ : التصرف . وقيل هو نحو قولهم : أسكت الله نأمته . وقال الشاعر : إذا مَا رَأتْنَا زَالَ مِنْهَا زُوَيْلُهَا
ومن قال زال لا يتعدى قال : زوالهَا ، نُصب على المصدر . وتَزَيَّلُوا « الفتح : 25 » : تفرقوا ، قال : فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ « يونس : 28 » وذلك على التكثير فيمن قال : زِلْتُ متعد ، نحو : مزته وميزته .
وقولهم : مَا زَالَ ولا يزال خُصَّا بالعبارة ، وأجريا مجرى كان في رفع الاسم ونصب الخبر وأصله من الياء ، لقولهم : زَيَّلْتُ ، ومعناه معنى ما برحت ، وعلى ذلك : وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ « هود : 118 » وقوله : لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ « التوبة : 110 » وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا « الرعد : 31 » فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ « غافر : 34 » .
ولا يصح أن يقال : ما زال زيد إلا منطلقاً ، كما يقال : ما كان زيد إلا منطلقاً ، وذلك أن زَالَ يقتضي معنى النفي ، إذ هو ضد الثبات ، وما ولا يقتضيان النفي ، والنفيان إذا اجتمعا اقتضيا الإثبات ، فصار قولهم : ما زَالَ يجري مجرى كان ، في كونه إثباتاً ، فكما لا يقال : كان زيد إلا منطلقاً ، لا يقال : ما زال زيد إلا منطلقاً .
ملاحظات
عرَّف الراغب الزوال بأنه : « يقال في شئ قد كان ثابتاً قبلُ » . ولا يصح ذلك ، بل يصح وصف الزوال لكل ما انتقل من حال إلى حال ولو كان غير مستقر .
كما فسر تَزَيَّلُوا بتفرقوا ، والصحيح أن معناه تميزوا عن بعضهم ، فامتاز المؤمن عن الكافر . والتميُّز يكون بالتفرق وبغيره .
زَيَّنَ
الزِّينَةُ الحقيقية : ما لا يشين الإنسان في شئ من أحواله ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما ما يزينه في حالةٍ دون حالة فهو من وجه شين .
والزِّينَةُ بالقول المجمل ثلاث : زينة نفسية كالعلم والاعتقادات الحسنة ، وزينة بدنية كالقوة وطول القامة ، وزينة خارجية كالمال والجاه . فقوله : حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ « الحجرات : 7 » فهو من الزينة النفسية .
وقوله : مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله « الأعراف : 32 » فقد حمل على الزينة الخارجية ، وذلك أنه قد روي : إن قوماً كانوا يطوفون بالبيت عراة فنهوا عن ذلك بهذه الآية . وقال بعضهم : بل الزينة المذكورة في هذه الآية هي الكرم المذكور في قوله : إن أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ « الحجرات : 13 » وعلى هذا قال الشاعر : وزِينَةُ العاقلِ حُسْنُ الأَدَبْ .
وقوله : فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ « القصص : 79 » فهي الزينة الدنيوية من المال والأثاث والجاه .
يقال : زَانَهُ كذا ، وزَيَّنَهُ : إذا أظهر حسنه ، إما بالفعل أو بالقول . وقد نسب الله تعالى التزيين في مواضع إلى نفسه ، وفي مواضع إلى الشيطان ، وفي مواضع ذكره غير مسمى فاعله .
فمما نسبه إلى نفسه قوله في الإيمان : وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ « الحجرات : 7 » وفي الكفر قوله : زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ « النمل : 4 » زَيَّنَّالِكل أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ « الأنعام : 108 » .
ومما نسبه إلى الشيطان قوله : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ « الأنفال : 48 » وقوله تعالى : لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ « الحجر : 39 » ولم يذكر المفعول لأن المعنى مفهوم
.
--------------------------- 374 ---------------------------
ومما لم يسمَّ فاعله قوله عز وجل : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ « آل عمران : 14 » زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ « التوبة : 37 » وقال : زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا « البقرة : 212 » وقوله : زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ ، تقديره : زينه شركاؤهم . وقوله : زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ « فصلت : 12 » وقوله : إنا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ « الصافات : 6 » وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ « الحجر : 16 » فإشارةٌ إلى الزينة التي تدرك بالبصرالتي يعرفها الخاصة والعامة ، وإلى الزينة المعقولة التي يختص بمعرفتها الخاصة ، وذلك أحكامها وسيرها .
وتَزْيِينُ الله للأشياء : قد يكون بإبداعها مزينة وإيجادها كذلك .
وتَزْيِينُ الناس للشئ : بتزويقهم ، أو بقولهم ، وهو أن يمدحوه ويذكروه بما يرفع منه .
تم كتاب الزاي
--------------------------- 375 ---------------------------
--------------------------- 376 ---------------------------
كتاب السين وما يتصل بها
بسَبَبَ
السَّبَبُ : الحبل الذي يصعد به النخل ، وجمعه أَسْبَابٌ ، قال : فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ « ص : 10 » والإشارة بالمعنى إلى نحو قوله : أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ « الطور : 38 » . وسمي كل ما يتوصل به إلى شئ سَبَباً ، قال تعالى : وَآتَيْناهُ مِنْ كل شَئ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً « الكهف : 84 » ومعناه : إن الله تعالى آتاه من كل شئ معرفة وذريعةً يتوصل بها ، فأتبع واحداً من تلك الأسباب ، وعلى ذلك قوله تعالى : لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ « غافر : 36 » أي لعلي أعرف الذرائع والأسباب الحادثة في السماء فأتوصّل بها إلى معرفة ما يدعيه موسى .
وسُمِّيَ العمامة والخمار والثوب الطويل سَبَباً ، تشبيهاً بالحبل في الطول . وكذا منهج الطريق وصف بالسبب كتشبيهه بالخيط مرة ، وبالثوب الممدود مرة ( ! ) .
والسَّبُّ : الشتم الوجيع ، قال : وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله فَيَسُبُّوا الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ « الأنعام : 108 »
وسَبُّهُمْلله ليس على أنهم يَسُبُّونَهُ صريحاً ، ولكن يخوضون في ذكره فيذكرونه بما لا يليق به ، ويتمادون في ذلك بالمجادلة ، فيزدادون في ذكره بما تنزه تعالى عنه . وقول الشاعر : كانَ ذَنْبُ بني مَالكٍ
بأن سُبَّ منهم غُلاماً فَسَبّْ
بأبيضَ ذي شَطَبٍ قَاطِعٍ
يَقُطُّ العِظَامَ ويَبْرِي العَصَبْ
فإنه نبه على ما قال الآخر : ونَشْتُمُ بِالأَفْعَالِ لَابِالتَّكَلُّمِ
والسِّبُّ : المُسَابِبُ ، قال الشاعر :
لاتسبَّنَّني فلستَ بسِبِّي
إن سِبِّي من الرجال الكريمُ
--------------------------- 377 ---------------------------
والسُّبَّةُ : ما يسبُّ ، وكُنِّيَ بها عن الدُّبْر ، وتسميته بذلك كتسميته بالسَّوْأة .
والسَّبَّابَةُ : سميت للإشارة بها عند السب ، وتسميتها بذلك كتسميتها بالمسبِّحة لتحريكها بالتسبيح .
سَبَتَ
أصل السَّبْت : القطع ، ومنه سَبَتَ السِّير : قطعه ، وسَبَتَ شعره : حلقه ، وأنفه : اصطلمه . وقيل سمي يوم السَّبْت لأن الله تعالى ابتدأ بخلق السماوات والأرض يوم الأحد فخلقها في ستة أيام كما ذكره ، فقطع عمله يوم السبت فسمي بذلك . وسَبَتَ فلان : صار في السبت .
وقوله : يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً « الأعراف : 163 » قيل : يوم قطعهم للعمل . وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ « الأعراف : 163 » قيل : معناه لا يقطعون العمل . وقيل : يوم لا يكونون في السبت . وكلاهما إشارة إلى حالة واحدة . وقوله : إنما جُعِلَ السَّبْتُ « النحل : 124 » أي ترك العمل فيه ، وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً « النبأ : 9 » أي قطعاً للعمل ، وذلك إشارة إلى ما قال في صفة اللّيل : لِتَسْكُنُوا فِيهِ . « يونس : 67 » .
ملاحظات
فسر الخليل السبت بأنه عيدٌ عند اليهود وأن معناه النوم . وفسره ابن فارس بالسكون والراحة . وفسره بعضهم بالقطع وبه أخذ الراغب . والمشهور في العربية تفسير ابن فارس .
سَبَحَ
السَّبْحُ : المرُّ السريع في الماء ، وفي الهواء ، يقال : سَبَحَ سَبْحاً وسِبَاحَةً ، واستعير لمرِّ النجوم في الفلك نحو : وَكل فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ « الأنبياء : 33 » ولجري الفرس نحو : وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً « النازعات : 3 » ولسرعة الذهاب في العمل نحو : إن لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً « المزمل : 7 » .
والتسْبِيحُ : تنزيه الله تعالى . وأصله : المر السريع في عبادة الله تعالى ، وجعل ذلك في فعل الخير كما جعل الإبعاد في الشرفقيل : أبعده الله ، وجعل التسْبِيحُ عاماً في العبادات قولاً كان أو فعلاً أو نيةً ، قال : فَلَوْلا أنهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ « الصافات : 143 » قيل : من المصلين ، والأولى أن يحمل على ثلاثتها . قال : وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ « البقرة : 30 » وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِ « غافر : 55 » فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ « ق : 40 » قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ « القلم : 28 » أي هلا تعبدونه وتشكرونه ، وحمل ذلك على الاستثناء ، وهو أن يقول : إن شاء الله . ويدلّ على ذلك قوله : إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ « القلم : 17 » .
وقال : تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَئ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لاتَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ « الإسراء : 44 » فذلك نحو قوله : وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً « الرعد : 15 » وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ « النحل : 49 » فذلك يقتضي أن يكون تسبيحاً على الحقيقة ، وسجوداً له على وجه لا نفقهه ، بدلالة قوله : وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ « الإسراء : 44 » ودلالة قوله : وَمَنْ فِيهِنَّ « الإسراء : 44 » بعد ذكر السماوات والأرض ، ولا يصح أن يكون تقديره : يسبح له من في السماوات ، ويسجد له من في الأرض لأن هذا مما نفقهه ، ولأنه محال أن يكون ذلك تقديره ، ثم يعطف عليه بقوله : وَمَنْ فِيهِنَّ .
والأشياء كلها تسبح له وتسجد ، بعضها بالتسخير وبعضها بالاختيار ، ولا خلاف أن السّموات والأرض والدواب مُسَبِّحَاتٌ بالتسخير ، من حيث إن أحوالها تدل على حكمة الله تعالى ، وإنما الخلاف في السماوات والأرض هل تسبح باختيار ، والآية تقتضي ذلك بما ذكرت من الدلالة .
وسُبْحَانَ أصله مصدر نحو : غفران ، قال فَسُبْحانَ الله
--------------------------- 378 ---------------------------
حِينَ تُمْسُونَ « الروم : 17 » وسُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا « البقرة : 32 » . وقول الشاعر : سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الفَاخِرِ
قيل تقديره سبحان علقمة على طريق التهكم ، فزاد فيه من ردّاً إلى أصله . وقيل : أراد سبحان الله من أجل علقمة ، فحذف المضاف إليه .
والسُّبُّوحُ القدوس : من أسماء الله تعالى ، وليس في كلامهم فُعُّول سواهما ، وقد يفتحان نحو : كَلُّوب وسَمُّور . والسُّبْحَةُ : التسبيح ، وقد يقال للخرزات التي بها يسبح : سُبْحَة .
ملاحظات
جعل الراغب أصل سبَّح السباحة ، ثم أَغْرَبَ ففسر السباحة بأنها المرور السريع في الماء كسباحة النجم بالمرور السريع في السماء !
قال : « السَّبْحُ المرُّ السريع في الماء ، وفي الهواء » .
ولعله رأى تعبير العَوْم في الماء ، فتصور أن العوم السير والمرور ، والعوم هو الطفْو !
ولو صح كلامه لكان الذي يسبح مكانه غير سابح ، وما يسبح في الفضاء ببطئ غير سابح !
ثم أمعن في الغرابة فجعل أصل التسبيح « المر السريع في عبادة الله تعالى » ! والصحيح : أن التسبيح تنزيهٌ لله تعالى عن الشَّبَهِ بمخلوقاته ، ولا علاقة له بالسباحة ، ولا بالمرور السريع أو البطئ !
وقد أجاد ابن فارس بقوله « 3 / 125 » : « سبح : أصلان ، أحدهما : جنس من العبادة ، والآخر : جنس من السعي » .
سَبَخَ
قرئ : إن لك في النهار سَبْخاً ، أي سعة في التصرف ، وقد سَبَخَ الله عنه الحمى فَتَسَبَّخَ ، أي تغشى . والسَّبِيخُ : ريش الطائر ، والقطن المندوف ، ونحو ذلك مما ليس فيه اكتناز وثقل .
ملاحظات
وهذا من ضعف سليقة الراغب ، فقد سمع بشخص قرأ سَبَّخ تَسبيخاً ، فشغلنا به !
سَبَطَ
أصل السَّبْط : انبساط في سهولة ، يقال : شَعْرٌ سَبْطٌ وسَبِطٌ ، وقد سَبِطَ سُبُوطاً وسَبَاطَةً وسَبَاطاً ، وامرأة سَبْطَةُ الخلقة ، ورجل سَبْطُ الكفين : ممتدهما ، ويعبر به عن الجود .
والسِّبْطُ : ولد الولد ، كأنه امتداد الفروع ، قال : وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ « البقرة : 136 » أي قبائل كل قبيلة من نسل رجل . وقال تعالى : وَقَطعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً « الأعراف : 160 » .
والسَّابَاطُ : المنبسط بين دارين . وأخَذَتْ فلاناً سَبَاطِ ، أي حمىً تمطه . والسُّبَاطَة : ُ خط من قمامة . وسَبَطَتِ الناقة ولدها ، أي ألقته .
ملاحظات
السِّبْطُ : لفظ مشترك بين العربية والعبرية ، وربما مع لغات أخرى ، وهو بمعنى قبيلة . لكن اللغويين رأوا العرب تستعمل السَّبْط صفة للشعر فتقول : سَبْطُ الشعر ، أي مسترسله فقالوا إن أصل المادة الاسترسال . وترجم ذلك الراغب بأسلوبه فقال : انبساط في سهولة يقصد مسترسلاً .
قال ابن منظور « 7 / 310 » : « قال أَبو العباس : سأَلت ابن الأَعرابي : ما معنى السِّبْط في كلام العرب ؟ قال : السِّبْطُ والسّبْطانُ والأَسْباطُ خاصة الأولاد والمُصاصُ « الخلصاء » منهم . وفي الحديث : الحسَنُ والحُسَينُ سِبْطا رسولِ الله ، صلَّى الله عليه وسلم ورضي عنهما ، ومعناه أَي طائفتانِ وقِطْعتان منه . وفي الحديث أَيضاً : الحسينُ سِبْطٌ من الأَسْباط ، أَي أُمَّةٌ من الأُمم في الخير .
--------------------------- 379 ---------------------------
والسِّبْطُ من اليهود : كالقبيلة من العرب ، وهم الذين يرجعون إِلى أَب واحد . وقوله عز وجل : وقطعناهم اثْنَتَيْ عَشْرةَ أَسْباطاً أُمماً . ليس أَسباطاً بتمييز لأَن المميز إِنما يكون واحداً لكنه بدل من قوله اثنتي عشرة كأَنه قال : جعلناهم أَسْباطاً » .
أما الساباط : فهو كلمة فارسية بمعنى الطريق المسقوف ، ولا يشترط أن تكون بين دارين . ولا يبعد أن تكون السباطة بمعنى الكناسة والمزبلة ، معربة أيضاً .
سَبَعَ
أصل السَّبْع : العدد ، قال : سَبْعَ سَماواتٍ « البقرة : 29 » سَبْعاً شِداداً « النبأ : 16 » يعني : السماوات السبع . وسَبْعَ سُنْبُلاتٍ « يوسف : 46 » سَبْعَ لَيالٍ « الحاقة : 7 » سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ « الكهف : 22 » سَبْعُونَ ذِراعاً « الحاقة : 32 » سَبْعِينَ مَرَّةً « التوبة : 80 » سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي « الحجر : 87 » . قيل : سورة الحمد لكونها سبع آيات .
السَّبْعُ الطوال : من البقرة إلى الأعراف . وسمي سور القرآن المثاني لأنه يثنى فيها القصص ، ومنه السَّبْعُ والسَّبِيعُ والسِّبْعُ ، في الورود .
والْأُسْبُوعُ : جمعه أَسَابِيعُ ، ويقال : طفت بالبيت أسبوعاً وأسابيع .
وسَبَعْتُ القومَ : كنت سابعهم ، وأخذت سبع أموالهم .
والسَّبُعُ : معروف ، وقيل سمي بذلك لتمام قوته ، وذلك أن السَّبْعَ من الأعداد التامة ، وقول الهذلي :
[ صخب الشَّوارب لا يزال ] كأنه
عبدٌ لآل أبي ربيعة مُسْبِعُ
أي قد وقع السبع في غنمه . وقيل : معناه المهمل مع السباع ، ويروى مُسْبَع بفتح الباء . وكُنِّيَ بالمُسبع عن الدعي الذي لا يعرف أبوه . وسَبَعَ فلان فلاناً : اغتابه وأكل لحمه أكل السباع . والْمَسْبَع : موضع السَّبُع .
سَبَغَ
درع سَابِغٌ : تام واسع . قال الله تعالى : أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ « سبأ : 11 » وعنه استعير إِسْبَاغُ الوضوء ، وإسباغ النعم .
قال : وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً . « لقمان : 20 » .
سَبَقَ
أصل السَّبْقِ : التقدم في السير ، نحو : فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً . « النازعات : 4 » . والِاسْتِبَاقُ : التسَابُقُ . قال : إنا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ « يوسف : 17 » وَاسْتَبَقَا الْبابَ « يوسف : 25 » .
ثم يتجوّز به في غيره من التقدم ، قال : ما سَبَقُونا إِلَيْهِ « الأحقاف : 11 » سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ « طه : 129 » أي نفدت وتقدمت ، ويستعار السَّبْقُ لإحراز الفضل والتبريز ، وعلى ذلك : وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ « الواقعة : 10 » أي المتقدمون إلى ثواب الله وجنته بالأعمال الصالحة ، نحو قوله : وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ « آل عمران : 114 » وكذا قوله : وَهُمْ لَها سابِقُونَ « المؤمنون : 61 » .
وقوله : وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ « الواقعة : 60 » أي لا يفوتوننا . وقال : وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا « الأنفال : 59 » وقال : وَما كانُوا سابِقِينَ « العنكبوت : 39 » تنبيهٌ [ على ] أنهم لا يفوتونه .
ملاحظات
أضاف الراغب من عنده السير إلى معنى السبق والتقدم ، كما ألغى التقدم الزمني في السابقين ، مع أنه نوع من السبق ، كما جعل السبق التقدم إلى ثواب الله تعالى ، وهو أعم !
سَبَلَ
السَّبِيلُ : الطريق الذي فيه سهولة ، وجمعه سُبُلٌ ، قال : وَأَنْهاراً وَسُبُلًا « النحل : 15 » وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا « الزخرف : 10 » لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ « الزخرف : 37 » يعني به طريق الحق ، لأن اسم الجنس إذا أطلق يختص بما هو الحق . وعلى ذلك :
--------------------------- 380 ---------------------------
ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ « عبس : 20 » . وقيل لسالكه سَابِلٌ ، وجمعه سَابِلَةٌ . وسبيلٌ سابل ، نحو شعرٌ شاعر .
وابن السَّبِيلِ : المسافر البعيد عن منزله نُسب إلى السبيل لممارسته إياه .
ويستعمل السَّبِيلُ لكل ما يتوصل به إلى شئ خيراً كان أو شراً ، قال : ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ « النحل : 125 » قُلْ هذِهِ سَبِيلِي « يوسف : 108 » وكلاهما واحد لكن أضاف الأول إلى المبلِّغ ، والثاني إلى السالك بهم ، قال : قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله « آل عمران : 169 » إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ « غافر : 29 » وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ « الأنعام : 55 » فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ « النحل : 69 »
ويعبر به عن المحجة ، قال : قُلْ هذِهِ سَبِيلِي « يوسف : 108 » سُبُلَ السَّلامِ « المائدة : 16 » أي طريق الجنة . ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ « التوبة : 91 » فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ « الشورى : 41 » إنمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ « الشورى : 42 » إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا « الإسراء : 42 » .
وقيل : أَسْبَلَ الستر والذَّيْل ، وفرس مُسْبَلُ الذنب ، وسَبَلَ المطرُ وأَسْبَلَ .
وقيل للمطر : سَبَلٌ ما دام سَابِلًا ، أي سائلاً في الهواء .
وخُصَّ السَّبَلَةُ : بشعر الشفة العليا ، لما فيها من التحدر .
والسُّنْبُلَةُ : جمعها سَنَابِلُ ، وهي ما على الزرع ، قال : سَبْعَ سَنابِلَ فِي كل سُنْبُلَةٍ « البقرة : 261 » وقال : سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ « يوسف : 46 » . وأَسْبَلَ الزرعُ : صار ذا سنبلة ، نحو : أحصد وأجنى . والمُسْبِلُ : اسم القدح الخامس .
ملاحظات
أضاف الراغب السهولة إلى معنى السبيل ، من عنده ، مع أنها قد تكون سهلةً أو صعبةً . قال الإمام زين العابدين عليه السلام « الصحيفة السجادية 100 » : « واسْتَعْمِلْنِي بِطَاعَتِكَ فِي أَيَّامِ الْمُهْلَةِ ، وانْهَجْ لِي إِلَى مَحَبَّتِكَ سَبِيلًا سَهْلَةً » . فليست كل سبيل سهلة .
وقول الراغب : « ويستعمل السَّبِيلُ لكل ما يتوصل به إلى شئ خيراً كان أو شراً » وهو صحيح لقوله تعالى : وَعَلَى الله قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ . . وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ .
وأبعد من تعريف الراغب تعريف ابن فارس ، قال « 3 / 129 » : « والممتد طولاً السبيل وهو الطريق ، سمي بذلك لامتداده » .
والصحيح أنه سمي السبيل لأنه مُسَبَّلٌ للإنسان أي ممهد له مادياً أو معنوياً ، قال الإمام السجاد عليه السلام « الصحيفة 212 » : « وسَبَّلَنَا في سبل إحسانه لنسلكها بمنه إلى رضوانه » . كما سميت الطريق ، لأنها مطروقة مسلوكة .
سَبَأ
قال عز وجل : وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ « النمل : 22 » سَبَأ : اسم بلد تفرق أهله ، ولهذا يقال : ذهبوا أيادي سبأ ، أي تفرقوا تفرق أهل هذا المكان من كل جانب . وسَبَأْتُ الخمر : اشتريتها . والسَّابِيَاءُ : جِلْدٌ فيه الولد .
سِتٌّ
قال تعالى : فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ « الأعراف : 54 » وقال : سِتِّينَ مِسْكِيناً « المجادلة : 4 » فأصل ذلك سُدُسٌ ، ويذكر في بابه إن شاء الله .
سَتَرَ
السَّتْرُ : تغطية الشئ ، والسِّتْرُ والسُّتْرَةُ : ما يستتر به ، قال : لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً « الكهف : 90 » حِجاباً مَسْتُوراً « الإسراء : 45 » . والِاسْتِتَارُ : الاختفاء ، قال : وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ « فصلت : 22 » .
سَجَدَ
السُّجُودُ : أصله التطامن والتذلل ، وجعل ذلك عبارة عن التذلللله وعبادته ، وهو عامٌّ في الإنسان والحيوانات
--------------------------- 381 ---------------------------
والجمادات ، وذلك ضربان :
سجودٌ باختيار ، وليس ذلك إلا للإنسان ، وبه يستحق الثواب ، نحو قوله : فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا « النجم : 62 » أي تذللوا له .
وسجودٌ تسخير ، وهو للإنسان والحيوانات والنبات ، وعلى ذلك قوله : وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ « الرعد : 15 » وقوله : يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ « النحل : 48 »
فهذا سجود تسخير ، وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة ، وأنها خلق فاعل حكيم .
وقوله : وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ « النحل : 49 » ينطوي على النوعين من السجود : التسخير والاختيار .
وقوله : وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ « الرحمن : 6 » فذلك على سبيل التسخير . وقوله : اسْجُدُوا لِآدَمَ « البقرة : 34 » قيل أُمِروا بأن يتخذوه قبلة ، وقيل أُمروا بالتذلل له والقيام بمصالحه ومصالح أولاده فائتمروا إلا إبليس . وقوله : ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً « النساء : 154 » أي متذللين منقادين .
وخص السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة ، وما يجري مجرى ذلك من سجود القرآن ، وسجود الشكر ، وقد يعبَّر به عن الصلاة بقوله : وَأَدْبارَ السُّجُودِ « ق : 40 » أي أدبار الصلاة . ويسمون صلاة الضحى : سُبْحَة الضحى ، وسُجُود الضحى . وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ « طه : 130 » قيل : أريد به الصلاة .
والمَسْجِدُ : موضع الصلاة ، اعتباراً بالسجود . وقوله : وَإن الْمَساجِدَ لِله « الجن : 18 » قيل : عني به الأرض ، إذ قد جعلت الأرض كلها مسجداً وطهوراً ، كما روي في الخبر .
وقيل : الْمَسَاجِدَ مواضع السجود : الجبهة والأنف واليدان والركبتان والرجلان .
وقوله : أَلَّا يَسْجُدُوا لِله « النمل : 25 » أي يا قوم اسجدوا . وقوله : وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً « يوسف : 100 » أي متذللين ، وقيل كان السجود على سبيل الخدمة في ذلك الوقت سائغاً ، وقول الشاعر : وافَى بِهَا لِدَرَاهِمِ الْإِسْجَادِ
عنى بها دراهم عليها صورة ملك سجدوا له .
ملاحظات
يقصد الراغب بسجود التسخير : السجود التكويني ، مقابل السجود الإرادي ، وقد فسر به عدة موارد للسجود في القرآن . لكن الله تعالى قال : تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ . ومعناه : أن كل موجود مادي أو غيره يسبح الله تعالى تسبيحاً حقيقياً بإرادة ولغة وعقل بحسبه ، لكن لا نفهم تسبيحهم . وبهذا لا يبقى مجال للتسبيح التسخيري بدون إرادة .
أما قوله تعالى : وَللَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا . فلا بد أن يكون المراد بالكره فيه معنى آخر ، وقد تقدم قول الراغب في سبح ، قال : « فذلك يقتضي أن يكون تسبيحاً على الحقيقة ، وسجوداً له على وجه لا نفقهه » .
سَجَرَ
السَّجْرُ : تهييج النار ، يقال سَجَرْتُ التنُّورَ ، ومنه : وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ، قال الشاعر :
إذا شاءَ طالعُ مَسْجُورَةٍ * حولها النبع والساسِمَا
وقوله : وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ « التكوير : 6 » أي أضرمت ناراً ، عن الحسن . وقيل : غيضت مياهها . وإنما يكون كذلك لتسجير النار فيه . ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ « غافر : 72 » نحو : وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ « البقرة : 24 » .
--------------------------- 382 ---------------------------
وسَجَرَتِ الناقة ، استعارة لالتهابها في العَدْو ، نحو : اشتعلت الناقة . والسَّجِيرُ : الخليل الذي يسجر في مودة خليله كقولهم : فلان مُحَرَّقٌ في مودة فلان ، قال الشاعر :
سُجَرَاءُ نفسي غَيْرَ جَمعٍ أُشَابةٍ
ملاحظات
معنى الشطر الذي استشهد به : خلصائي وليسوا أخلاطاً من الناس .
وسَجَرَ التنور : ملأه بالحطب لينتج عنه زيادة التهابه ، فعلاقته بالإلتهاب غير مباشرة . قال الخليل « 6 / 50 » : « سَجَرْتُ التنور أسجرُه سجراً . والسجور : اسم للحطب . والمِسْجَرة : الخشبة التي يُساط بها السُّجُور في التنور . والسجور : امتلاء البحر والعين وكثرة مائه . والبحر المسجور : المفعم الملآن » .
وفسروا المسجور بالمشتعل ، لأنه يملأ بما يشتعل .
سَجَلَ
السَّجْلُ : الدلو العظيمة . وسَجَلْتُ الماء فَانْسَجَلَ أي صببته فانصب ، وأَسْجَلْتُهُ : أعطيته سَجْلاً . واستعير للعطية الكثيرة .
والمُسَاجَلَةُ : المساقاة بالسجل وجعلت عبارة عن المباراة والمناضلة ، قال : مَنْ يُسَاجِلْنِي يُسَاجِلْ مَاجِداً
والسِّجِّيلُ : حجر وطين مختلط ، وأصله فيما قيل فارسي معرب . والسِّجِلُّ : قيل حجر كان يكتب فيه ، ثم سمي كل ما يكتب فيه سِجِلّاً ، قال تعالى : كطيِّ السِّجلِّ للكتاب « الأنبياء : 104 » أي كطيه لما كتب فيه حفظاً له .
ملاحظات
قال الجوهري « 5 / 1725 » : « السجل : الصك . وقد سَجَّلَ الحاكمُ تسجيلاً » . فمعنى الآية : نطوي السماء كما يطوي الكاتب الكتاب ، أو يلف الطومار .
سَجَنَ
السَّجْنُ : الحبس في السِّجْنِ ، وقرئ : رَبِّ السَّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ « يوسف : 33 » بفتح السين وكسرها . قال : لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ « يوسف : 35 » وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ « يوسف : 36 » .
والسِّجِّينُ : اسم لجهنم ، بإزاء علِّيِّين ، وزيد لفظه تنبيهاً على زيادة معناه . وقيل : هو اسم للأرض السابعة ، قال : لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ « المطففين : 7 » .
وقد قيل : إن كل شئ ذكره الله تعالى بقوله : وَما أَدْراكَ فَسَّرَهُ . وكل ما ذكر بقوله : وَما يُدْرِيكَ ، تركه مبهماً .
وفي هذا الموضع ذكر : وَما أَدْراكَ ، وكذا في قوله : وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ « المطففين : 19 » ثم فسر الكتاب لاالسجين والعليين . وفي هذه لطيفة موضعها الكتب التي تتبع هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ، لا هذا .
ملاحظات
لا تصح قاعدة الراغب في : ما أدراك ، وما يدريك ، فقد قال تعالى : وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ . ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ . ثم بينه وفسره فقال : يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِهَّ .
وقد ذكرها الراغب في درى وكأنها كشف !
سَجَى
قال تعالى : وَاللَّيْلِ إِذا سَجى « الضحى : 2 » أي سكن ، وهذا إشارة إلى ما قيل : هدأت الأرجل . وعين سَاجِيَةٌ : فاترة الطرف . وسَجَى البحر سَجْواً : سكنت أمواجه . ومنه استعير : تَسْجِيَةُ الميت أي تغطيته بالثوب .
ملاحظات
أجاد الجوهري حيث قال « 6 / 2372 » : « سجى الشئ يسجو سجواً : سكن ودام . وقوله تعالى : والليل إذا سجى ، أي إذا دام وسكن » . فالسَّجْوُ بمعنى استمرار السكون .
--------------------------- 383 ---------------------------
سَحَبَ
أصل السَّحْبِ : الجرُّ ، كسحب الذَّيْل ، والإنسانَ على الوجه ، ومنه : السَّحَابُ ، إما لجرِّ الريح له ، أو لجرِّهِ الماء ، أو لانجراره في كره ، قال تعالى : يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ « القمر : 48 » وقال تعالى : يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ « غافر : 71 » . وقيل : فلان يَتَسَحَّبُ على فلان ، كقولك : ينجر ، وذلك إذا تجرأ عليه .
والسَّحَابُ : الغيم فيها ماء أو لم يكن ، ولهذا يقال : سحاب جهام ، قال تعالى : أَلَمْ تَرَ إن الله يُزْجِي سَحاباً « النور : 43 » حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً « الأعراف : 57 » وقال : وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ « الرعد : 12 » . وقد يذكر لفظه ويراد به الظل والظلمة ، على طريق التشبيه ، قال تعالى : أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ « النور : 40 » .
ملاحظات
فَسَّرَ الراغب : من فوقه سحاب ، في الآية ، بالظل والظلمة . ولا مبرر للخروج عن الظاهر ، فهو سحاب مظلم .
سُحْت
السُّحْتُ : القَشْرالذي يستأصل ، قال تعالى : فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ « طه : 61 » وقرئ : فَيَسْحِتَكُمْ يقال : سَحَتَهُ وأَسْحَتَهُ ، ومنه : السَّحْتُ والسُّحْتُ للمحظور الذي يلزم صاحبه العار ، كأنه يسحت دينه ومروءته ، قال تعالى : أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ « المائدة : 42 » أي لما يسحت دينهم . وقال عليه السلام : كل لحم نبت من سُحْتٍ فالنار أولى به .
وسميَ الرشوة سحتاً لذلك . وروي : كسب الحجام سُحت . فهذا لكونه سَاحِتاً للمروءة لا للدين ، ألا ترى أنه أذن عليه السلام في إعلافه الناضح ، وإطعامه المماليك .
ملاحظات
أخذ تعريف السحت من قولهم : سَحَتَ الشَّحْمَ عن اللحم إذا قشره عنه « الصحاح : 1 / 252 » والصحيح قول ابن فارس « 3 / 142 » : « سَحِتَ الشئ : إذا استؤصل . يقال : سحت الله الكافر بعذاب ، إذا استأصله . ومالٌ مسحوت ومسحت . وسمي سحتاً لأنه لا بقاء له » .
سَحَرَ
السَّحَرُ : طرف الحلقوم والرئة . وقيل : انتفخ سَحَرُهُ . وبعير سَحِيرٌ : عظيم السَّحَرِ .
والسِّحَارَةُ : ما ينزع من السَّحَر عند الذبح فيرمى به ، وجُعل بناؤه بناء النِّفاية والسِّقاطة . وقيل : منه اشتق السَّحْرُ ، وهو : إصابة السَّحَر .
والسِّحْرُ : يقال على معان ، الأول : الخداع وتخييلات لا حقيقة لها ، نحو ما يفعله المشعبذ بصرف الأبصار عما يفعله لخفة يده . وما يفعله النمام بقول مزخرف عائق للأسماع ، وعلى ذلك قوله تعالى : سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ « الأعراف : 116 » وقال : يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ « طه : 66 » وبهذا النظر سَمَّوْا موسى سَاحِراً فقالوا : يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ « الزخرف : 49 » .
والثاني : استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه ، كقوله تعالى : هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كل أَفَّاكٍ أَثِيمٍ « الشعراء : 221 » وعلى ذلك قوله تعالى : وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ « البقرة : 102 » .
والثالث : ما يذهب إليه الأغْتَام « الأعجام » وهو اسم لفعل يزعمون أنه من قوته يغير الصور والطبائع ، فيجعل الإنسان حماراً ، ولا حقيقة لذلك عند المحصلين .
وقد تُصُوِّر من السحر تارةً حُسْنُهُ فقيل : إن من البيان لسحراً . وتارةً دقة فعله حتى قالت الأطباء : الطبيعة
--------------------------- 384 ---------------------------
ساحرة . وسموا الغذاء سِحْراً من حيث إنه يدق ويلطف تأثيره ، قال تعالى : بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ « الحجر : 15 » أي مصروفون عن معرفتنا بالسحر . وعلى ذلك قوله تعالى : إنما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ « الشعراء : 153 » قيل : ممن جعل له سحر تنبيهاً [ على ] أنه محتاج إلى الغذاء ، كقوله تعالى : ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطعامَ « الفرقان : 7 »
ونبه [ على ] أنه بشر كما قال : ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا « الشعراء : 154 » وقيل : معناه ممن جعل له سحر يتوصل بلطفه ودقته إلى ما يأتي به ويدعيه .
وعلى الوجهين حمل قوله تعالى : إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً « الإسراء : 47 » . وقال تعالى : فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إني لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً « الإسراء : 101 » .
وعلى المعنى الثاني دل قوله تعالى : إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ « سبأ : 43 » قال تعالى : وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ « الأعراف : 116 » وقال : أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ « يونس : 77 » وقال : فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ « الشعراء : 38 » فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ « طه : 70 » .
والسَّحَرُ والسَّحَرَةُ : اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار ، وجعل إسماً لذلك الوقت ، ويقال : لقيته بأعلى السحرين . والمُسْحِرُ : الخارج سَحَراً ، والسَّحُورُ : اسم للطعام المأكول سحراً ، والتسَحُّرُ : أكله .
ملاحظات
أخذ الراغب تعريف السَّحَر من ابن فارس . وقد أجاد الجوهري بقوله « 2 / 678 » : « السَّحْر : الرئة ، والجمع أسحار . وقد يحرك فيقال سَحَر مثل نَهْر ونَهَر ، لمكان حروف الحلق . ويقال للجبان : قد انتفخ سَحَرُه .
والسَّحَر : قبيل الصبح . وهو معرفة وقد غلب عليه التعريف بغير إضافة ولا ألف ولام ، وإن أردت بسحر نكرة صرفته ، كما قال الله تعالى : إِلَّا آلَ لُوطٍ ، نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ . وكل ما لطف مأخذه ودق فهو سِحْر » .
وقال الخليل « 3 / 135 » : « السِّحْر : الأخذة التي تأخذ العين . والسِّحْر : البيان في الفطنة » .
سَحَقَ
السَّحْقُ : تفتيت الشئ ، ويستعمل في الدواء إذا فُتت يقال : سَحَقْتُهُ فَانْسَحَقَ ، وفي الثوب إذا أخلق يقال : أَسْحَقَ .
والسُّحْقُ : الثوب البالي ، ومنه قيل : أَسْحَقَ الضرعُ ، أي صار سَحْقاً لذهاب لبنه ، ويصح أن يُجعل إِسْحَاقُ منه فيكون حينئذ منصرفاً ، وقيل : أبعده الله وأَسْحَقَهُ أي جعله سَحِيقاً ، وقيل : سَحَقَهُ ، أي جعله بالياً ، قال تعالى : فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ « الملك : 11 »
وقال تعالى : أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ « الحج : 31 » . ودم مُنْسَحِقٌ وسَحُوقٌ ، مستعارٌ كقولهم : مدرور .
ملاحظات
الصحيح أن إسحاق لفظٌ با بلي سرياني ، لأن لغة إبراهيم وأولاده عليهم السلام كانت السريانية حتى تكونت العبرية . وفي قاموس الكتاب المقدس / 66 : « معناه بالعبرية : يضحك ، وهو ابن إبراهيم وسارة ، وقد ولد في النقب » .
سَحَلَ
قال عز وجل : فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ « طه : 39 » أي شاطئ البحر أصله من سَحَلَ الحديد ، أي بَرَدَهُ وقَشَرَهُ ، وقيل : أصله أن يكون مَسْحُولاً ، لكن جاء على لفظ الفاعل كقولهم : همٌّ ناصب . وقيل : بل تُصُوِّرَ منه أنه يَسْحَلُ الماءَ ، أي يفرقه ويضيقه . والسُّحَالَةُ : البرادة .
والسَّحِيلُ والسُّحَالُ : نهيق الحمار ، كأنه شُبَّهَ صوته بصوت سحل الحديد . والْمِسْحَلُ : اللسان الجهير الصوت ، كأنه تُصور منه سحيل الحمار من حيث رفع صوته ، لا من حيث نكرة صوته ، كما قال تعالى : إن أَنْكَرَ الْأَصْواتِ
--------------------------- 385 ---------------------------
لَصَوْتُ الْحَمِيرِ « لقمان : 19 » .
والْمِسْحَلَتَانِ : حلقتان على طرفي شكيم اللجام .
ملاحظات
ورد الساحل في القرآن مرة واحدة . وافترض اللغويون أن ساحل البحر والنهر لا بد أن يكون مشتقاً من أصلٍ وليس أصلاً بذاته ! ولكنهم لم يستطيعوا أن يجدوا له أصلاً معقولاً !
سَخِرَ
التسْخِيرُ : سياقةٌ إلى الغرض المختص قهراً ، قال تعالى : وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ « الجاثية : 13 » وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ . وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ « إبراهيم : 33 » وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ « إبراهيم : 32 » كقوله : سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ « الحج : 36 » سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا « الزخرف : 13 » . فَالمُسَخَّرُ هو المقيَّض للفعل .
والسُّخْرِيُّ هو الذي يُقهر فَيَتَسَخَّرُ بإرادته . قال : لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا « الزخرف : 32 » .
وسَخِرْتُ منه واسْتَسْخَرْتُهُ : لِلْهُزْءِ منه ، قال تعالى : إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإنا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ « هود : 38 » بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ « الصافات : 12 » .
وقيل : رجل سُخْرَةٌ : لمن سَخِرَ ، وسُخْرَةٌ لمن يُسْخَرُ منه ، والسُّخْرِيَةُ والسِّخْرِيَةُ : لفعل الساخر .
وقوله تعالى : فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا « المؤمنون : 110 » وسخرياً فقد حمل على الوجهين على التسخير وعلى السخرية قوله تعالى : وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا « ص : 62 » . ويدل على الوجه الثاني قوله بعده : وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ « المؤمنون : 110 » .
ملاحظات
يقول العرب : اتخذه سِخْرياً ، بمعنى سخر منه ولا يستعملونه في الإجبار على العمل بل يقولون : أخذه سُخْرةً ، فالمقصود بالآية السخرية لا السخرة .
سَخِطَ
السَّخَطُ والسُّخْطُ : الغضب الشديد المقتضي للعقوبة ، قال : إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ « التوبة : 58 » وهو من الله تعالى : إنزال العقوبة ، قال تعالى : ذلِكَ بِأنهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ الله « محمد : 28 » أَنْ سَخِطَ الله عَلَيْهِمْ « المائدة : 80 » كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ الله « آل عمران : 162 » .
سَدَّ
السَّدُّ والسُّدُّ : قيل هما واحد ، وقيل : السُّدُّ ما كان خلقة ، والسَّدُّ ما كان صنعة .
وأصل السَّدِّ : مصدر سَدَدْتُهُ ، قال تعالى : بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا « الكهف : 94 » وشُبِّه به الموانع ، نحو : وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا « يس : 9 » وقرئ سُداً .
السُّدَّةُ : كالظُّلَّة على الباب تقية من المطر ، وقد يعبر بها عن الباب ، كما قيل : الفقير الذي لا يفتح له سُدَدُ السلطان .
والسَّدَادُ والسَّدَدُ : الإستقامة . والسِّدَادُ : ما يُسَدُّ به الثَّلْمة والثغر ، واستعير لما يسد به الفقر .
سِدْر
السِّدْرُ : شجر قليل الغَناء عند الأكل ، ولذلك قال تعالى : وَأَثْلٍ وَشَئ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ « سبأ : 16 » وقد يخضد ويستظل به ، فجعل ذلك مثلاً لظل الجنة ونعيمها في قوله تعالى : فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ « الواقعة : 28 » لكثرة غنائه في الإستظلال .
وقوله تعالى : إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى « النجم : 16 » فإشارة إلى مكان اختصّ النبي صلى الله عليه وآله فيه بالإفاضة الإلهية والآلاء الجسيمة ، وقد قيل : إنها الشجرة التي بويع النبي صلى الله عليه وآله تحتها ، فأنزل الله تعالى السكينة فيها على المؤمنين . والسَّدَر : تحيُّر البصر . والسَّادِرُ : المتحير . وسَدَرَ
--------------------------- 386 ---------------------------
شَعْرَهُ ، قيل : هو مقلوب عن دَسَرَ .
سُدْسٌ
السُّدُسُ : جزء من ستة ، قال تعالى : فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ « النساء : 11 » والسِّدُسُ في الإظماء ، وسِتٌّ أصله سِدْسٌ ، وسَدَسْتُ القومَ : صرت سادسهم ، وأخذت سُدُسَ أموالهم . وجاء سَادِساً ، وسَاتّاً ، وسَادِياً ، بمعنى . قال تعالى : وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ « المجادلة : 7 » وقال تعالى : وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ « الكهف : 22 » ويقال : لا أفعل كذا سَدِيسَ عجيس ، أي أبداً .
والسُّدُوسُ : الطلسان . والسندس : الرقيق من الديباج . والإستبرق : الغليظ منه .
سَرَرَ
الْإِسْرَارُ : خلاف الإعلان ، قال تعالى : سِرًّا وَعَلانِيَةً « إبراهيم : 31 » وقال تعالى : وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ « التغابن : 4 » وقال تعالى : وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ « الملك : 13 » ويستعمل في الأعيان والمعاني .
والسِّرُّ : هو الحديث المكتم في النفس . قال تعالى : يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى « طه : 7 » وقال تعالى : إن الله يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ « التوبة : 78 » . وسَارَّهُ : إذا أوصاه بأن يسرّه ، وتَسَارَّ القومُ .
وقوله : وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ « يونس : 54 » أي كتموها . وقيل معناه أظهروها بدلالة قوله تعالى : يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا « الأنعام : 27 » وليس كذلك ، لأن الندامة التي كتموها ليست بإشارة إلى ما أظهروه من قوله : يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا « الأنعام : 27 » .
وأَسْرَرْتُ إلى فلان حديثاً : أفضيت إليه في خفية ، قال تعالى : وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُ « التحريم : 3 » وقوله : تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ « الممتحنة : 1 » أي يطلعونهم على ما يسرون من مودتهم . وقد فسر بأن معناه يظهرون ، وهذا صحيح ، فإن الإسرار إلى الغير يقتضي إظهار ذلك لمن يفضى إليه بالسر ، وإن كان يقتضي إخفاءه عن غيره ، فإذاً ، قولهم أسررت إلى فلان يقتضي من وجه الإظهار ، ومن وجه الإخفاء . وعلى هذا قوله : وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً « نوح : 9 » . وكُنِّي عن النكاح بالسِّر من حيث إنه يُخفى . واستعير للخالص فقيل : هو من سِرِّ قومه ، ومنه : سِرُّ الوادي وسِرَارَتُه .
وسُرَّةُ البطن : ما يبقى بعد القطع وذلك لاستتارها بعُكَن البطن ، والسُّرُّ والسُّرَرُ يقال لما يقطع منها .
وأَسِرَّةُ الراحة ، وأَسَارِيرُ الجبهة : لغضونها .
والسَّرَارُ : اليوم الذي يستتر فيه القمر آخر الشهر . والسُّرُورُ : ما ينكتم من الفرح ، قال تعالى : وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً « الإنسان : 11 » وقال : تَسُرُّ النَّاظِرِينَ « البقرة : 69 » . وقوله تعالى في أهل الجنة : وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً « الانشقاق : 9 » وقوله في أهل النار : إنهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً « الانشقاق : 13 » تنبيهٌ على أن سُرُورَ الآخرة يضاد سرور الدنيا .
والسَّرِيرُ : الذي يجلس عليه من السرور ، إذ كان ذلك لأولي النعمة ، وجمعه أَسِرَّةٌ وسُرُرٌ ، قال تعالى : مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ « الطور : 20 » فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ « الغاشية : 13 » وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ « الزخرف : 34 » .
وسَرِيرُ الميت : تشبيهاً به في الصورة ، وللتفاؤل بالسرور الذي يلحق الميت برجوعه إلى جوار الله تعالى ، وخلاصه من سجنه المشار إليه بقوله صلى الله عليه وآله : الدنيا سجن المؤمن .
ملاحظات
السِّرُّ : قد يكون في النفس أو بين جماعة . فقول الراغب « الحديث المكتم في النفس » غير دقيق .
ومعنى قولك سارَّهُ وتسارَّ القوم : أخبره بسرٍّ ، وتكلموا به .
فقوله : « سَارَّهُ : إذا أوصاه بأن يُسِرَّه » . غير دقيق .
--------------------------- 387 ---------------------------
وكذا تفسيره : تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ، بأنهم يطلعونهم ، لا يصح أيضاً لأنهم قد يُسرون مودتهم ولا يخبرونهم .
أما قول نوح عليه السلام : وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً . أي أسرَّ إلى بعضهم . وقوله : « وكُنِّي عن النكاح بالسر من حيث إنه يخفى » . فهو يقصد به قوله تعالى : وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا . والمقصود به خطبة المتوفى عنها زوجها أو المطلقة في عدتها .
وتعريفه للسُّرُور بأنه : « ما ينكتم من الفرح » تعريف بالأخص . أما ربطه سرير الميت بالسرور ، فقال الجوهري « 3 / 1022 » : « النعش : سرير الميت سميَ بذلك لارتفاعه . فإذا لم يكن عليه ميت فهو سرير » .
سَرَبَ
السَّرَبُ : الذهاب في حدور . والسَّرَبُ : الْمَكَانُ المُنْحَدِرُ ، قال تعالى : فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً « الكهف : 61 » يقال : سَرَبَ سَرَباً وسُرُوباً ، نحو مرَّ مرّاً ومروراً ، وانْسَرَبَ انْسِرَاباً كذلك ، لكن سَرَبَ يقال على تصور الفعل من فاعله ، وانْسَرَبَ على تصوّر الانفعال منه .
وسَرَبَ الدمع : سال ، وانْسَرَبَتِ الحَيَّةُ إلى جُحْرِهَا . وسَرَبَ الماء من السقاء . وماء سَرَبٌ وسَرِبٌ : متقطرٌ من سِقائه . والسَّارِبُ : الذاهب في سِرْبه أيَّ طريق كان ، قال تعالى : وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ « الرعد : 10 » .
والسَّرْبُ : جمع سَارِبٍ ، نحو : ركب وراكب ، وتعورف في الإبل حتى قيل : زُعِرَتْ سَرْبُهُ ، أي إبله . وهو آمن في سِرْبِهِ ، أي في نفسه ، وقيل : في أهله ونسائه ، فجعل السِّرْبُ كناية . وقيل : إذهبي فلا أنْدَهُ سِرْبَكِ ، في الكناية عن الطلاق ، ومعناه : لا أردُّ إبلك الذاهبة في سربها . والسُّرْبَةُ : قطعة من الخيل نحو العشرة إلى العشرين . والمَسْرَبَةُ : الشعر المتدلي من الصدر .
السَّرَابُ : اللامع في المفازة كالماء ، وذلك لانسرابه في مرأى العين ، وكان السراب فيما لا حقيقة له كالشراب فيما له حقيقة . قال تعالى : كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً « النور : 39 » . وقال تعالى : وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً « النبأ : 20 » .
ملاحظات
ذكر اللغويون أن سَرَبَ بمعنى ذهب ، وأضاف الراغب إلى معناه الإنحدار فجعله : « الذهاب في حدور » ولم يذكر ذلك أحدٌ غيره ، فهو من تخيله !
كما أن المسربة خط الشعر من وسط الصدر إلى أصل السرة . « العين : 7 / 248 » .
سَرْبَلَ
السِّرْبَالُ : القميص من أي جنس كان ، قال : سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ « إبراهيم : 50 » سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ « النحل : 81 » أي تقي بعضكم من بأس بعض .
سَرَجَ
السِّرَاجُ : الزاهر بفتيلة ودهن ، ويعبر به عن كل مضئ ، قال : وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً « نوح : 16 » سِراجاً وَهَّاجاً « النبأ : 13 » يعني : الشمس .
يقال : أَسْرَجْتُ السّراج . وسَرَّجْتُ كذا : جعلته في الحسن كالسراج ، قال الشاعر : وَفَاحِماً ومِرْسَناً مُسَرَّجاً
والسَّرْجُ : رحالة الدابة ، والسَّرَّاجُ : صانعه .
ملاحظات
لاحظ عبارة الخليل لترى تصرف الراغب المُخِلّ فيها . قال الخليل « 6 / 53 » : « حِرْفَةُ السَّرَّاج : السِّرَاجة ، وأسرجت السرج إسراجاً . والسراج : الزاهر الذي يزهر بالليل ، والفعل منه : أسرجت السراج إسراجاً .
والمَسْرج : الموضع الذي توضع عليه المسرجة .
والمَسْرَجة : التي توضع فيها الفتيلة . وأسرجتُ الدابة .
--------------------------- 388 ---------------------------
والشمس سراج النهار ، والهدى سراج المؤمنين .
وسرج الله وجهه وبَهَّجَهُ أي حَسَّنَه . قال العجاج : وفاحِماً ومِرْسَناً مُسَرَّجاً » .
وقصد الخليل بالزاهر : كل ما يزهر بنفسه في الليل ، ومنه السراج .
سَرَحَ
السَّرْحُ : شجر له ثمر ، الواحدة سَرْحَةٌ .
وسَرَّحْتُ الإبل : أصله أن تُرعيه السَّرْحَ ، ثمّ جعل لكل إرسال في الرعي ، قال تعالى : وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ « النحل : 6 » والسَّارِحُ : الرّاعي . والسَّرْحُ : جمعٌ كالشِّرب .
والتسْرِيحُ في الطلاق ، نحو قوله تعالى : أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ « البقرة : 229 » وقوله : وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا « الأحزاب : 49 » مستعارٌ من تَسْرِيحِ الإبل كالطلاق في كونه مستعاراً من إطلاق الإبل ، واعتبر من السرح المضيف قيل : ناقة سَرْحٌ تسرح في سيرها ومضى سرحاً سهلاً .
والمُنْسَرِحُ : ضرب من الشِّعر ، استعير لفظه من ذلك .
سَرَدَ
السَّرْدُ : خَرْزُ ما يخشن ويغلظ ، كنسج الدرع ، وخرز الجلد . واستعير لنظم الحديد . قال : وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ « سبأ : 11 » ويقال : سَرْدٌ وزَرْدٌ ، والسِّرَادُ والزِّرَاد نحو سِرَاط ، وصِرَاط وزِرَاط . والْمِسْرَدُ : المِثْقَب .
سَرْدَقَ
السُّرَادِقُ : فارسيٌّ معرَّب ، وليس في كلامهم اسم مفرد ثالثه ألف وبعده حرفان . قال تعالى : أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها « الكهف : 29 » وقيل : بيت مُسَرْدَقٌ : مجعول على هيئة سرادق .
سَرَطَ
السِّرَاطُ : الطريق المستسهل . أصله من سَرَطْتُ الطعامَ وزردته : ابتلعته ، فقيل : سِرَاطٌ ، تصوراً أنه يبتلعه سالكه ، أو يبتلع سالكه ! ألا ترى أنه قيل : قتل أرضاً عالمها ، وقتلت أرض جاهلها . وعلى النظرين قال أبو تمام :
رَعَتْهُ الفيافي بَعْدَمَا كانَ حِقْبَةً
رعَاهَا وَمَاءُ المُزْنِ يَنْهَلُّ سَاكِبُهْ
وكذا سمي الطريق اللقم والملتقم ، اعتباراً بأن سالكه يلتقمه .
ملاحظات
1 . ذكر الراغب أن الصراط بالصاد نفسه بالسين ، وجعل أصله : سَرَطُ الطعامَ وازْدَرَدَهُ بدون مضغ ، لأن السالك يسرط الطريق ويأكله ، أو الطريق يسرطه !
وهو كلام غير معقول ، ولم يقتنع به ابن فارس فنسبه إلى البعض ، قال « 3 / 152 » : « السين والراء والطاء : أصل صحيح واحد ، يدل على غيبة في مَرٍّ وذَهاب . من ذلك سرطت الطعام إذا بلعته ، وبعض أهل العلم يقول : السراط مشتق من ذلك ، لأن الذاهب فيه يغيب غيبة الطعام المسترط » !
أما الخليل وهو إمام اللغويين فاختار الصمت واقتصر في مادة سرط « 7 / 211 » على قوله : « السرط : منه الإستراط ، وهو سرعة الإبتلاع من غير مضغ » .
ثم لم يذكر السراط لا بالسين ولا بالصاد في كل كتابه . وهذا من وفرة عقله ، لأنه لا يحب الرجم بالغيب كما يفعل غيره !
والظاهر أن الصراط غير عربي ، ولا علاقة له بالسراط بالسين ، فقد نص اللغويون على أن العرب لم تكن تعرف الصراط بالصاد ، فلما نزل القرآن به لفظه بعضهم بالسين . قال ابن منظور « 7 / 313 » : « وهي بالصاد لغة قريش الأولين التي جاء بها الكتاب ، قال : وعامة العرب تجعلها
--------------------------- 389 ---------------------------
سيناً ، وقيل : إِنما قيل للطريق الواضح سراط لأَنه كأَنه يَسْتَرِطُ المارة » . وتعليل اسمه بالسرط والبلع ، قياسٌ له على شبيه لفظه عند العرب ، ولا يصح ذلك في اللغة .
فقد كانت العرب تعرف حنيفية إبراهيم وملة إبراهيم عليه السلام ، لكنها لا تعرف الصراط لأنه اسم خاص لملة إبراهيم عليه السلام يعرفه أبناؤه ، كما نص عليه ابن منظور .
2 . ذكر القرآن الصراط بضعاً وأربعين مرة ، أكثرها بمعنى طريق الهدى الذي أمر الله به ، وسماه الصراط المستقيم ، وجعله مفرداً لا جمع له ، ونسبه اليه تعالى فقال : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ . فلم يُسَمِّ ما يقابله صراطاً بل سبيلاً وسُبُلاً .
ووصفه بالدين القيِم : قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ، وبالصراط السَّوِيّ ، وصراط العزيز الحميد ، وصراط الذين أنعم عليهم . وسمى صراط المحشر الذي يؤدي إلى النار : صِرَاطِ الْجَحِيمِ .
سَرَعَ
السُّرْعَةُ : ضد البطء ، ويستعمل في الأجسام والأفعال ، يقال : سَرُعَ فهو سَرِيعٌ ، وأَسْرَعَ فهو مُسْرِعٌ .
وأَسْرَعُوا : صارت إبلهم سِرَاعاً ، نحو : أبلدوا وسَارَعُوا وتَسَارَعُوا . قال تعالى : وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ « آل عمران : 133 » وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ « آل عمران : 114 » يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً « ق : 44 » وقال : يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً « المعارج : 43 » .
وسَرَعَانُ القوم : أوائلهم السِّرَاعُ . وقيل : سَرْعَانَ ذا إهالة ، وذلك مبني من سرع كوَشْكان من وَشَكَ ، وعَجْلَان من عَجَل . وقوله تعالى : إن الله سَرِيعُ الْحِسابِ « المائدة : 4 » وسَرِيعُ الْعِقابِ « الأنعام : 165 » فتنبيهٌ على ما قال : إنما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ « يس : 82 » .
سَرَفَ
السَّرَفُ : تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر . قال تعالى : وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا « الفرقان : 67 » وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً « النساء : 6 » ويقال تارة اعتباراً بالقدر ، وتارة بالكيفية ، ولهذا قال سفيان : ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سَرَفٌ وإن كان قليلاً . قال الله تعالى : وَلا تُسْرِفُوا إنهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ « الأنعام : 141 » وَإن الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ « غافر : 43 » أي المتجاوزين الحد في أمورهم . وقال : إن الله لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ « غافر : 28 » .
وسمى قوم لوط مسرفين ، من حيث إنهم تعدوا في وضع البذر في الحرث المخصوص له المعني بقوله : نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ « البقرة : 223 » .
وقوله : يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ « الزمر : 53 » فتناول الإسراف في المال ، وفي غيره .
وقوله في القصاص : فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ « الإسراء : 33 » فسرفه أن يقتل غير قاتله ، إما بالعدول عنه إلى من هو أشرف منه ، أو بتجاوز قتل القاتل إلى غيره حسبما كانت الجاهلية تفعله ، وقولهم : مررت بكم فَسَرِفْتُكُمْ ، أي جهلتكم من هذا ، وذاك أنه تجاوز ما لم يكن حقه أن يتجاوز فجهل ، فلذلك فسر به .
والسُّرْفَةُ : دويبة تأكل الورق ، وسمي بذلك لتصور معنى الإسراف منه ، يقال : سُرِفَتِ الشجرةُ فهي مسروفة .
ملاحظات
عرَّفوا الإسراف بأنه الإنفاق أكثر من الحاجة والتبذير بأنه الإنفاق بدون حاجة . وجعل الإمام الصادق عليه السلام الإسراف أعم من التبذير فقال : « إتق الله ولا تسرف ولا تَقْتُرْ
--------------------------- 390 ---------------------------
ولكن بين ذلك قواماً . إن التبذير من الإسراف » . « الكافي « 3 / 501 » .
واستعمل القرآنُ الإسرافَ في الموقف والسلوك والإفراط في رفض الحق ، كقوله تعالى : وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ . أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ . وقوله مررت بكم فسرفتكم بمعنى جهلتكم ، نقله الأصمعي ، وهو محل شك .
وقوله إن اسم السرفة الحشرة مأخوذ من الإسراف ، محل شك أيضاً .
سَرَقَ
السَّرِقَةُ : أخذ ما ليس له أخذه ، في خفاء ( ! ) وصار ذلك في الشرع لتناول الشئ من موضع مخصوص وقدر مخصوص ، قال تعالى : وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ « المائدة : 38 » وقال تعالى : قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ « يوسف : 77 » وقال : أَيَّتُهَا الْعِيرُ إنكُمْ لَسارِقُونَ « يوسف : 70 » إن ابْنَكَ سَرَقَ « يوسف : 81 » .
واسْتَرَقَ السمع : إذا تسمع مستخفياً ، قال تعالى : إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ « الحجر : 18 » .
والسَّرَقُ والسَّرَقَةُ : واحد ، وهو الحرير .
سَرْمَدَ
السَّرْمَدُ : الدائم ، قال تعالى : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً « القصص : 71 » وبعده : النَّهارَ سَرْمَداً « القصص : 72 » .
سَرَى
السُّرَى : سير الليل ، يقال : سَرَى وأَسْرَى . قال تعالى : فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ « هود : 81 » وقال تعالى : سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا « الإسراء : 1 » . وقيل : إنَّ أسرى ليست من لفظة سرى يسري ، وإنما هي من السَّرَاةِ ، وهي أرض واسعة ، وأصله من الواو ، ومنه قول الشاعر :
بِسَرْوِ حِمْيرَ أبْوَالُ البِغَال بهِ
فأ سْرَى نَحْوَ أجْبُلْ وأتْهَمِ
وقوله تعالى : سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ « الإسراء : 1 » أي ذهب به في سراة من الأرض ، وسَرَاةُ كل شئ : أعلاه ، ومنه : سَرَاةُ النهار ، أي ارتفاعه ، وقوله تعالى : قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا « مريم : 24 » أي نهراً يسري .
وقيل : بل ذلك من السرو ، أي الرفعة . يقال رجل سَرْوٌ . قال : وأشار بذلك إلى عيسى عليه السلام وما خصه به من سروه ، يقال : سَرَوْتُ الثوبَ عني ، أي نزعته ، وسَرَوْتُ الجُلَّ عن الفرس . وقيل ومنه رجل سَرِيٌّ ، كأنه سَرَى ثوبه بخلاف المتدثر ، والمتزمل ، والزميل .
وقوله : وأَسَرُّوهُ بِضاعَةً « يوسف : 19 » أي خمنوا في أنفسهم أن يحصلوا من بيعه بضاعة . والسَّارِيَةُ : يقال للقوم الذين يَسْرُونَ بالليل ، وللسحابة التي تسري ، وللأسطوانة .
ملاحظات
اتفق اللغويون على أن الإسراء السير ليلاً ، فلا قيمة للأقوال الشاذة التي أطال فيها الراغب . والبيت الذي استشهد به ، ضعيف ومكسور ، ورواه ابن فارس « 3 / 154 » بلفظ آخر .
كما أخطأ في تفسير : وأَسَرُّوهُ بِضاعَةً بأنهم أملوا أن يحصلوا من بيعه بضاعة . بل معناه : وأخفوه في بضاعة لهم عن العشارين في حدود مصر تهرباً من ضريبته .
سَطَحَ
السَّطْحُ : أعلى البيت . يقال : سَطَحْتُ البيت : جعلت له سطحاً ، وسَطَحْتُ المكان : جعلته في التسوية كَسَطْحٍ . قال : وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ « الغاشية : 20 » . وانْسَطَحَ الرجل : امتد على قفاه ، قيل : وسمي سَطِيحُ الكاهن لكونه مُنْسَطِحاً لزمانةٍ [ علة ] . والْمِسْطَحُ : عمود الخيمة الذي يجعل به لها سطحاً ، وسَطَحْتُ الثريدة في القصعة : بسطتها .
--------------------------- 391 ---------------------------
سَطَرَ
السَّطْرُ والسَّطَرُ : الصف من الكتابة ، ومن الشجر المغروس ، ومن القوم الوقوف .
وسَطرَ فلان كذا : كتب سطراً سطراً ، قال تعالى : ن . وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ « القلم : 1 » وقال تعالى : وَالطورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ « الطور : 1 » وقال : كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً « الإسراء : 58 » أي مثبتاً محفوظاً . وجمع السَّطر أَسْطُرٌ وسُطُورٌ وأَسْطَارٌ ، قال الشاعر : إني وأسْطَارٌ سُطِرْنَ سَطْرَا
[ لَقائلٌ يا نَصْرُ نَصْرٌاً نَصْرَا ] وأما قوله : أَساطِيرُ الأولينَ « الأنعام : 24 » فقد قال المبرد : هي جمع أُسْطُورَةٍ ، نحو : أرجوحة وأراجيح ، وأثفية وأثافي ، وأحدوثة وأحاديث . وقوله تعالى : وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الأولينَ « النحل : 24 » أي شئ كتبوه كذباً وميناً ، فيما زعموا ، نحو قوله تعالى : أَساطِيرُ الأولينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا « الفرقان : 5 » وقوله تعالى : فَذَكِّرْ إنما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ « الغاشية : 21 » وقوله : أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ « الطور : 37 » فإنه يقال : تَسَيْطَرَ فلان على كذا ، وسَيْطَرَ عليه إذا قام عليه قيام سطر ، يقول لستَ عليهم بقائم ، واستعمال المُسَيْطِر هاهنا كاستعمال القائم في قوله : أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كل نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ « الرعد : 33 »
وحفيظ في قوله : وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ « الأنعام : 104 » وقيل : معناه لست عليهم بحفيظ ، فيكون المسيطر كالكاتب في قوله : وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ « الزخرف : 80 »
وهذه الكتابة هي المذكورة في قوله : أَلَمْ تَعْلَمْ أن الله يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إن ذلِكَ فِي كِتابٍ إن ذلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ « الحج : 70 » .
ملاحظات
ذكر الخليل مادة سيطر على أنها أصل مستقل ، قال « 7 / 210 » : « السيطرة مصدر المسيطر ، وهو كالرقيب الحافظ . والمصيطر لغةٌ » . وجعله ابن فارس مما شذ عن الباب فقال « 3 / 72 » : « ومما شذ عن الباب : المسيطر ، وهو المتعهد للشئ المتسلط عليه » .
وقال ابن منظور « 4 / 364 » : « قوله عز وجل : لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ، وقد سَيْطَرَ علينا وسَوْطَرَ » .
وزعم الراغب وبعض اللغويين أنه من السطر ولا يصح ذلك ، لأنه لا علاقة له بالسطر والكتابة ، فلا بد من جعله أصلاً بنفسه .
سَطَا
السَّطْوَةُ : البطش برفع اليد يقال : سَطَا به . قال تعالى : يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا « الحج : 72 » .
وأصله من : سَطَا الفرس على الرمكة يَسْطُو إذا أقام على رجليه رافعاً يديه ، إما مرحاً وإما نزواً على الأنثى .
وسَطَا الراعي : أخرج الولد ميتاً من بطن أمه . وتستعار السَّطْوَةُ للماء كالطغو ، يقال : سَطَا الماء وطغى .
ملاحظات
السطوة مطلق البطش ، باليد وغيرها . وقد زعم أنهم أخذوه من سطو الحصان على الفرس ! فهل كان سطو الخيل على بعضها ، أسبق من سطو الناس على بعضهم !
سَعَدَ
السَّعْدُ والسَّعَادَةُ : معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير ، ويضاده الشقاوة . يقال : سَعِدَ وأَسْعَدَهُ الله ، ورجل سَعِيدٌ ، وقوم سُعَدَاءُ .
وأعظم السعادات الجنة ، فلذلك قال تعالى : وإما الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ « هود : 108 » وقال : فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ
--------------------------- 392 ---------------------------
« هود : 105 » .
وَالمُسَاعَدَةُ : المعاونة فيما يظن به سَعَادَةً . وقوله : لبيك وسَعْدَيْكَ ، معناه : أسعدك الله إسعاداً بعد إسعاد ، أو سَاعَدَكُمْ مُسَاعَدَةً بعد مساعدة والأول أولى .
والْإِسْعَادُ : في البكاء خاصة ، وقد اسْتَسْعَدْتُهُ فَأَسْعَدَنِي .
والسَّاعِدُ : العضو تصوُّراً لِمُسَاعَدَتِهَا ، وسمي جناحا الطائر سَاعِدَيْنِ كما سُمِّيَا يدين .
والسَّعْدَانُ : نبتٌ يُغَزِّرُ اللبن ، ولذلك قيل : مرعى ولا كَالسَّعْدَانِ . والسَّعْدَانَةُ : الحمامة ، وعقدة الشسع ، وكركرة البعير . وسُعُودُ الكواكب : معروفة .
ملاحظات
استعمل القرآن السعادة مرتين ، عن أهل الجنة . قال تعالى : يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ . . فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ . . وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا . « هود : 106 »
وهذا يشير إلى أن السعادة الحقيقية في الجنة لا في الدنيا ، لكن ذلك لا ينفي وجود السعادة النسبية في الدنيا ، المادية والمعنوية .
سَعَرَ
السَّعْرُ : التهاب النار ، وقد سَعَرْتُهَا وسَعَّرْتُهَا وأَسْعَرْتُهَا . والْمِسْعَرُ : الخشب الذي يُسْعَرُ به . واسْتَعَرَ الحرب واللصوص ، نحو : اشتعل . وناقة مَسْعُورَةٌ ، نحو : موقدة ومهيجة .
السُّعَارُ : حر النار ، وسَعُرَ الرجل : أصابه حر ، قال تعالى : وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً « النساء : 10 » وقال تعالى : وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ « التكوير : 12 » وقرئ بالتخفيف ، وقوله : عَذابَ السَّعِيرِ « الملك : 5 » أي حميم ، فهو فعيل في معنى مفعول . وقال تعالى : إن الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ « القمر : 47 » .
والسِّعْرُ في السوق : تشبيهاً بِاسْتِعَارِ النار .
ملاحظات
ذكر الخليل سِعْرَ السلعة مستقلاً ، ثم ذكر تسعير الحرب . لكن الراغب تبع ابن فارس فجعل أصل المادة تسعير النار ، وحاولا أن يرجعا إليها فروعها ، لكن يصعب إرجاع سعر السلعة إلى تسعير النار ، لأن السعر المنخفض بل كل سعرٍ ليس فيه اشتعال !
سَعَى
السَّعْيُ : المشي السريع ، وهو دون العَدْو . ويستعمل للجد في الأمر خيراً كان أو شرّاً ، قال تعالى : وَسَعى فِي خَرابِها « البقرة : 114 » وقال : نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ « التحريم : 8 » وقال : وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً « المائدة : 64 » وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ « البقرة : 205 » وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأن سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى « النجم : 39 » إن سَعْيَكُمْ لَشَتَّى « الليل : 4 » . وقال تعالى : وَسَعى لَها سَعْيَها « الإسراء : 19 » كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً « الإسراء : 19 » وقال تعالى : فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ « الأنبياء : 94 » . وأكثر ما يستعمل السَّعْيُ في الأفعال المحمودة قال الشاعر : إنْ أجْزِ عَلْقَمَةَ بْنَ سَعْدٍ سَعْيَهُ
لا أُجْزِهِ ببلاءِ يومٍ واحدِ
وقال تعالى : فَلما بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ « الصافات : 102 » أي أدرك ما سعى في طلبه . وخص المشي فيما بين الصفا والمروة بالسعي . وخصت السعاية بالنميمة ، وبأخذ الصدقة ، وبكسب المكاتب لعتق رقبته . والمُسَاعاة : بالفجور ، والمَسْعاة : بطلب المكرمة ، قال تعالى : وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ « سبأ : 5 » أي اجتهدوا في أن يظهروا لنا عجزاً فيما أنزلناه من الآيات .
ملاحظات
السعي : مطلق المشي ، وقد عرفه الراغب بالمشي السريع ليصحح قول عمر ، فقد كان يحذف : فَاسْعَوْا إِلَى
--------------------------- 393 ---------------------------
ذِكْرِ الله من القرآن ويكتب بدلها : إمضوا إلى ذكر الله ، لأن السعي عنده الركض ولا يجب الركض إلى الصلاة !
قال البخاري « 6 / 63 » : « وقرأ عمر : فامضوا إلى ذكر الله » . وروى السيوطي في الدر المنثور « 6 / 219 » وابن شّبَّة « 2 / 711 » أنه رأى بيد رجل لوحاً مكتوباً فيه : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فأمره أن يمحوه ويكتب بدله : وامضوا . وقال عمر كما في مجمع الزوائد « 7 / 124 » « لو قرأتها فاسْعَوْا ، سعيت حتى يسقط ردائي ! وكان يقرؤها فامضوا » !
فقد جاء إلى ذهنه أن السعي هو المشي السريع !
لكن المسلمين لم يطيعوه في حذفها من القرآن والحمدللّه ، وأطاعه بعضهم في تعريف السعي !
سَغَبَ
قال تعالى : أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ « البلد : 14 » من السَّغَبِ ، وهو الجوع مع التعب ، وقد قيل : في العطش مع التعب ، يقال : سَغِبَ سَغَباً وسُغُوباً ، وهو سَاغِبٌ وسَغْبَانُ ، نحو : عطشان .
ملاحظات
ذكر عامة اللغويين أن السَّغَب يدل على الجوع ، وأضاف اليه الراغب التعب . وفي المخصص « 1 ق 5 / 33 » : « سَغِب سَغَباً : جاع مع تَعَبٍ . وقد يُسَّمى العَطَش سَغَباً » . وقال ابن فارس « 3 / 78 » : « قال بعض أهل اللغة لا يكون السغب إلا الجوع مع التعب » .
فالسغب ليس نفس الجوع بل حالة تدل على الجوع ، لكن إضافة التعب اليه قولٌ لبعض اللغويين ، ولم أجد له شاهداً من كلام العرب .
سَفَرَ
السَّفْرُ : كشف الغطاء ، ويختص ذلك بالأعيان نحو : سَفْرَ العمامة عن الرأس والخمار عن الوجه ، وسَفْرُ البيتِ : كَنْسُهُ بِالْمِسْفَرِ ، أي المكنس ، وذلك إزالة السَّفِيرِ عنه ، وهو التراب الذي يكنس منه . والإِسْفارُ يختصُّ باللون ، نحو : وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ « المدثر : 34 » أي أشرق لونه ، قال تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ « عبس : 38 » .
وأَسْفِرُوا بالصبح تؤجروا من قولهم : أَسْفَرْتُ أي دخلت فيه ، نحو أصبحت . وسَفَرَ الرجل فهو سَافِرٌ ، والجمع السَّفْرُ ، نحو : ركب . وسَافَرَ : خُصَّ بالمفاعلة اعتباراً بأن الإنسان قد سَفَرَ عن المكان ، والمكان سَفَرَ عنه .
ومن لفظ السَّفْرِ اشتق السُّفْرَةُ : لطعام السَّفَرِ ، ولما يوضع فيه . قال تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ « النساء : 43 » .
والسِّفْرُ : الكتاب الذي يُسْفِرُ عن الحقائق وجمعه أَسْفَارٌ ، قال تعالى : كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً « الجمعة : 5 » .
وخص لفظ الأسفار في هذا المكان تنبيهاً [ على ] أن التوراة وإن كانت تَحقَّقَ ما فيها ، فالجاهل لا يكاد يستبينها كالحمار الحامل لها .
وقوله تعالى : بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ « عبس : 15 » فهم الملائكة الموصوفون بقوله : كِراماً كاتِبِينَ « الانفطار : 11 » . والسَّفَرَةُ : جمع سَافِرٍ ، ككاتب وكتبة .
والسَّفِيرُ : الرسول بين القوم يكشف ويزيل ما بينهم من الوحشة ، فهو فعيل في معنى فاعل . والسِّفَارَةُ : الرِّسالة ، فالرسول ، والملائكة ، والكتب ، مشتركة في كونها سَافِرَةٌ عن القوم ما استبهم عليهم .
والسَّفِيرُ : فيما يكنس في معنى المفعول ، والسِّفَارُ في قول الشاعر : وما السَّفَارُ قُبِّحَ السَّفَارُ . فقيل : هو حديدة تجعل في أنف البعير ، فإن لم يكن في ذلك حجة غير هذا البيت فالبيت يحتمل أن يكون مصدر سَافَرْتُ .
--------------------------- 394 ---------------------------
سَفَعَ
السَّفْعُ : الأخذ بِسُفْعَةِ الفرس ، أي سواد ناصيته ، قال الله تعالى : لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ « العلق : 15 » وباعتبار السواد قيل للأثافي : سُفْعٌ ، وبه سُفْعَةُ غضب ، اعتباراً بما يعلو من اللون الدخاني وجه من اشتد به الغضب ، وقيل للصقر : أَسْفَعُ ، لما به من لمع السواد . وامرأة سَفْعَاءُ اللون .
سَفَكَ
السَّفْكُ في الدم : صَبُّهُ ، قال تعالى : وَيَسْفِكُ الدِّماءَ « البقرة : 30 » وكذا في الجوهر المذاب ، وفي الدمع .
سَفَلَ
السُّفْلُ : ضد العلو ، وسَفُلَ فهو سَافِلٌ ، قال تعالى : فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها « الحجر : 74 » وأَسْفَل ضد أعلى ، قال تعالى : وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ « الأنفال : 42 » .
وسَفُلَ صار في سفل ، وقال تعالى : ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ « التين : 5 » وقال : وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى « التوبة : 40 » . وقد قوبل بفوق في قوله : إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ « الأحزاب : 10 » .
وسُفَالَةُ الريح : حيث تمر الريح ، والعلاوة ضده . والسَّفْلَةُ من الناس : النَّذْل ، نحو الدُّون . وأمرهم في سَفَالٍ .
سَفَنَ
السَّفَنُ : نحت ظاهر الشئ ، كَسَفَنَ العودَ ، والجلد ، وسفن الريحُ التراب عن الأرض ، قال الشاعر :
فجاءَ خَفِيّاً يَسْفِنُ الأرْضَ صَدْرُهُ
والسَّفَنُ : نحو النقض لما يُسْفَنُ ، وخص السَّفَنُ بجلدة قائم السيف ، وبالحديدة التي يَسْفِنُ بها . وباعتبار السَّفْنِ سميت السَّفِينَةُ ، قال الله تعالى : أما السَّفِينَةُ « الكهف : 79 »
ثمّ تُجُوَِّز بالسفينة فشبه بها كل مركوب سهل .
سَفِهَ
السَّفَهُ : خفة في البدن ، ومنه قيل : زمامٌ سَفِيهٌ : كثير الاضطراب . وثوب سَفِيهٌ : ردئ النسج .
واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل ، وفي الأمور الدنيوية والأخروية ، فقيل : سَفِهَ نَفْسَهُ « البقرة : 130 » وأصله سَفِهَتْ نفسُه فصرف عنه الفعل ، نحو : بَطِرَتْ مَعِيشَتَها « القصص : 58 » .
قال في السَّفَهِ الدنيوي : وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ « النساء : 5 » وقال في الأخروي : وَإنهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى الله شَطَطاً « الجن : 4 » فهذا من السفه في الدِّين .
وقال : أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إنهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ « البقرة : 13 » فنبه [ على ] أنهم هم السفهاء في تسمية المؤمنين سفهاء . وعلى ذلك قوله : سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها « البقرة : 142 » .
سَقَرَ
من سَقَرَتْهُ الشمسُ وقيل صقرته ، أي لَوَّحَتْهُ وأذابته . وجُعل سَقَرُ إسمَ عَلَمٍ لجهنم ، قال تعالى : ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ « المدثر : 42 » وقال تعالى : ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ « القمر : 48 » . ولما كان السَّقْرُ يقتضي التلويح في الأصل نبه بقوله : وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ . لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ « المدثر : 27 » [ على ] أن ذلك مخالف لما نعرفه من أحوال السقر في الشاهد .
سَقَطَ
السُّقُوطُ : طرح الشئ ، إما من مكان عالٍ إلى مكان منخفض كسقوط الإنسان من السطح ، قال تعالى : أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا « التوبة : 49 » وسقوط منتصب القامة ، وهو إذا شاخ وكبر . قال تعالى : وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً « الطور : 44 » وقال : فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ « الشعراء : 187 » .
--------------------------- 395 ---------------------------
والسِّقَطُ والسُّقَاطُ : لما يقل الاعتداد به ، ومنه قيل : رجل سَاقِطٌ لئيم في حَسَبِهِ ، وقد أَسْقَطَهُ كذا .
وأسقطت المرأة : اعتبر فيه الأمران : السقوط من عال ، والرداءة جميعاً ، فإنه لا يقال : أسقطت المرأة إلا في الولد الذي تلقيه قبل التمام ، ومنه قيل لذلك الولد : سِقْط . وبه شبه سَقْطُ الزَّنْد « الشرر عند القدح » بدلالة أنه قد يسمى الولد . وقوله تعالى : وَلما سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ « الأعراف : 149 » فإنه يعني الندم .
وقرئ : تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا « مريم : 25 » أي تَسَّاقَطُ النخلة ، وقرئ : تَساقطْ بالتخفيف ، أي تَتَسَاقَطُ فحذف إحدى التاءين . وإذا قرئ تَسَاقَطْ فإن تفاعل مطاوع فاعل ، وقد عَدَّاهُ كما عُدي تفعل في نحو : تجرعه .
وقرئ : يَسَّاقَطْ عليك ، أي يسَّاقط الجذع .
سَقَفَ
سَقْفُ البيت ، جمعه : سُقُفٌ ، وجعل السماء سقفاً في قوله تعالى : وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ « الطور : 5 » وقال تعالى : وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً « الأنبياء : 32 » وقال : لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ « الزخرف : 33 » . والسَّقِيفَةُ : كل مكان له سقفٌ كالصُّفَّة والبيت . والسَّقَفُ : طول في انحناء تشبيهاً بالسقف .
سَقَمَ
السَّقَمُ والسُّقْمُ : المرض المختص بالبدن ، والمرض قد يكون في البدن وفي النفس نحو : فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ « البقرة : 10 » . وقوله تعالى : إني سَقِيمٌ « الصافات : 89 » فمن التعريض ، أو الإشارة إلى ماض ، وإما إلى مستقبل ، وإما إلى قليل مما هو موجود في الحال ، إذ كان الإنسان لا ينفك من خلل يعتريه وإن كان لا يحس به ، ويقال : مكان سَقِيمٌ ، إذا كان فيه خوف .
سَقَى
السَّقْيُ والسُّقْيَا : أن يعطيه ما يشرب . والْإِسْقَاءُ : أن يجعل له ذلك حتى يتناوله كيف شاء ، فالإسقاء أبلغ من السقي لأن الإسقاء هو أن تجعل له ما يسقى منه ويشرب ، تقول : أَسْقَيْتُهُ نهراً . قال تعالى : وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً « الإنسان : 21 » وقال : وَسُقُوا ماءً حَمِيماً « محمد : 15 » وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ « الشعراء : 79 » وقال في الإسقاء : وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً « المرسلات : 27 » وقال : فَأَسْقَيْناكُمُوهُ « الحجر : 22 » أي جعلناه سَقْياً لكم . وقال : نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها « المؤمنون : 21 » بالفتح والضم . ويقال للنصيب من السقي : سَقْيٌ ، وللأرض التي تسقى سَقْيٌ ، لكونهما مفعولين كالنقض .
والإسْتِسْقاءُ : طلب السقي ، أو الإسقاء ، قال تعالى : وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى « البقرة : 60 » .
والسِّقَاءُ : ما يجعل فيه ما يسقى . وأسقيتك جِلداً : أعطيتكه لتجعله سقاء . وقوله تعالى : جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ « يوسف : 70 » فهو المسمى صواع الملك ، فتسميته السِّقَايَةَ تنبيهاً [ على ] أنه يسقى به ، وتسميته صواعاً [ على ] أنه يكال به .
سَكَبَ
قال عز وجل : وَماءٍ مَسْكُوبٍ « الواقعة : 31 » أي مصبوب ، وفرس سَكْبُ الجري . وسَكَبْتُهُ فَانْسَكَبَ ، ودمع سَاكِبٌ ، متصوَّرٌ بصورة الفاعل ، وقد يقال : مُنْسَكِبٌ . وثوب سَكْبٌ : تشبيهاً بالمنصب لدقته ورقته كأنه ماء مسكوب .
سَكَتَ
السُّكُوتُ : مختص بترك الكلام ، ورجل سِكِّيتٌ ، وسَاكُوتٌ : كثير السكوت . والسَّكْتَةُ والسُّكَاتُ : ما يعتري من مرض . والسَّكْتُ : يختص بسكون النفس في
--------------------------- 396 ---------------------------
الغناء . والسَّكتَاتُ في الصلاة : السكوت في حال الإفتتاح وبعد الفراغ .
والسُّكَيْتُ : الذي يجئ آخر الحلبة .
ولما كان السكوت ضرباً من السكون استعير له في قوله : وَلما سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ « الأعراف : 154 » .
سَكَرَ
السُّكْرُ : حالة تعرض بين المرء وعقله ، وأكثر ما يستعمل ذلك في الشراب ، وقد يعتري من الغضب والعشق ، ولذلك قال الشاعر : سكرانُ سُكْرَ هَوىً وَسُكْرَ مُدَامَةٍ
ومنه : سَكَرَاتُ الموت ، قال تعالى : وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ « ق : 19 » . والسَّكَرُ : اسم لما يكون منه السكر ، قال تعالى : تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً « النحل : 67 »
والسَّكْرُ : حبس الماء ، وذلك باعتبار ما يعرض من السد بين المرء وعقله . والسِّكْرُ : الموضع المسدود . وقوله تعالى : إنما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا « الحجر : 15 » قيل : هو من السَّكْرِ ، وقيل : هو من السُّكْرِ . وليلة سَاكِرَةٌ ، أي ساكنة ، اعتباراً بالسكون العارض من السكر .
سَكَنَ
السُّكُونُ : ثبوت الشئ بعد تحرُّك ، ويستعمل في الاستيطان نحو : سَكَنَ فلان مكان كذا ، أي استوطنه ، واسم المكان مَسْكَنُ ، والجمع مَسَاكِنُ ، قال تعالى : لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ « الأحقاف : 25 » وقال تعالى : وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ « الأنعام : 13 » ولِتَسْكُنُوا فِيهِ « يونس : 67 » .
فمن الأول يقال : سَكَّنْتُهُ ، ومن الثاني يقال : أَسْكَنْتُهُ ، نحو قوله تعالى : رَبَّنا إني أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي « إبراهيم : 37 » وقال تعالى : أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ . « الطلاق : 6 » . وقوله تعالى : وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ « المؤمنون : 18 » فتنبيهٌ منه على إيجاده وقدرته على إفنائه .
والسَّكَنُ : السكون وما يُسْكَنُ إليه ، قال تعالى : والله جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً « النحل : 80 » وقال تعالى : إن صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ « التوبة : 103 » وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً « الأنعام : 96 » .
والسَّكَنُ : النار التي يسكن بها . والسُّكْنَى : أن يجعل له السكون في دار بغير أجرة . والسَّكْنُ : سُكَّانُ الدار ، نحو سفر في جمع سافر ، وقيل في جمع ساكن : سُكَّانٌ .
وسُكَّان السفينة : ما تُسكن به .
والسِّكِّينُ : سمي لإزالته حركة المذبوح .
وقوله تعالى : أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ « الفتح : 4 » فقد قيل : هو ملك يُسَكِّنُ قلب المؤمن ويؤمنه ، كما روي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال : إن السَّكِينَةَ لتنطق على لسان عمر . وقيل : هو العقل ، وقيل له سكينة إذا سكن عن الميل إلى الشهوات ، وعلى ذلك دل قوله تعالى : وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله « الرعد : 28 » . وقيل : السَّكِينَةُ والسَّكَنُ واحد ، وهو زوال الرعب ، وعلى هذا قوله تعالى : أَنْ يَأْتِيَكُمُ التابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ « البقرة : 248 » وما ذكر إنه شئ رأسه كرأس الهِرِّ فما أراه قولاً يصح .
والْمِسْكِينُ : قيل هو الذي لا شئ له ، وهو أبلغ من الفقير ، وقوله تعالى : أما السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ « الكهف : 79 » فإنه جعلهم مساكين بعد ذهاب السفينة ، أو لأن سفينتهم غير مُعْتَدٍّ بها في جنب ما كان لهم من المسكنة . وقوله : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ « البقرة : 61 » فالميم في ذلك زائدة في أصح القولين .
ملاحظات
الفقير في فقه أهل البيت عليهم السلام من لا يملك قوت سنته ، والمسكين أسوأ حالاً منه . وقد تكون تسمية أصحاب السفينة بالمساكين لأن وارد العائلة من السفينة لم
--------------------------- 397 ---------------------------
يكن يكفيهم لقوت سنتهم .
أما السكينة فذكرها الله تعالى في ست آيات ، وفسرتها أحاديث أهل البيت عليهم السلام بالإيمان ، وأنها : « ريحٌ تخرج من الجنة ، لها صورة كصورة الانسان ورائحة طيبة ، وهي التي نزلت على إبراهيم عليه السلام فأقبلت تدور حول أركان البيت ، وهو يضع الأساطين » . « فجعلت تأخذ كذا وكذا ، فبنى الأساس عليها » . « الكافي : 3 / 472 و 4 / 206 »
« لها وجه كوجه الانسان أطيب رائحة من المسك ، وهي التي أنزلها الله على رسول الله صلى الله عليه وآله بحنين فهزم المشركين » . « الكافي : 5 / 257 » .
وهي بعد النبي صلى الله عليه وآله تنزل على الإمام من عترته ، ولذلك وضعوا على لسان علي عليه السلام أنها ليست معه ، بل مع عمر بن الخطاب !
سَلْ
سَلُّ الشئ من الشئ : نزعه كَسَلِّ السيف من الغمد ، وسَلِّ الشئ من البيت على سبيل السرقة ، وسَلُّ الولد من الأب ، ومنه قيل للولد : سَلِيلٌ . قال تعالى : يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً « النور : 63 » وقوله تعالى : مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ « المؤمنون : 12 » أي من الصَّفْو الذي يُسَلُّ من الأرض ، وقيل : السُّلَالَةُ كناية عن النطفة تُصُوِّرَ منه صفو ما يحصل منه .
والسِّلُّ : مرض ينزع به اللحم والقوة ، وقد أَسَلَّهُ الله . وقوله عليه السلام : لا إِسْلَالَ ولا إغلال .
وتَسَلْسَلَ الشئ اضطرب ، كأنه تُصُوِّرَ منه تَسَلُّلٌ مترددٌ فردد لفظه تنبيهاً على تردد معناه . ومنه السِّلْسِلَةُ ، قال تعالى : فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً « الحاقة : 32 » وقال تعالى : سَلاسِلَ وَأَغْلالًا وَسَعِيراً « الإنسان : 4 » وقال : وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ « غافر : 71 » وروي : يا عجباً لقوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل .
وماء سَلْسَلٌ : متردد في مقره حتى صفا ، قال الشاعر :
أشهى إلي من الرحيق السَّلْسَلِ
وقوله تعالى : سَلْسَبِيلًا « الإنسان : 18 » أي سهلاً لذيذاً سلساً حَديدَ الجَرْيَة ، وقيل : هو اسم عين في الجنة ، وذكر بعضهم أن ذلك مركب من قولهم : سل سبيلاً ، نحو : الحوقلة والبسملة ونحوهما من الألفاظ المركبة . وقيل : بل هو اسم لكل عين سريع الجَرْيَة .
وأَسَلَةُ اللسان : الطرف الرقيق .
سَلَبَ
السَّلْبُ : نزع الشئ من الغير على القهر . قال تعالى : وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ « الحج : 73 » والسَّلِيبُ : الرجل الْمَسْلُوبُ ، والناقة التي سُلِبَ ولدها .
والسَّلَبُ : المسلوب ، ويقال للحاء الشجر المنزوع منه سَلَبٌ . والسُّلُبُ في قول الشاعر :
في السُّلُبُ السُّود وفي الأمْسَاحِ
فقد قيل : هي الثياب السود التي يلبسها المصاب ، وكأنها سميت سَلَباً لنزعه ما كان يلبسه قبل . وقيل : تَسَلَّبَتِ المرأة ، مثل : أَحَدَّتْ . والْأَسَالِيبُ : الفنون المختلفة .
سَلَحَ
السِّلَاحُ : كل ما يقاتل به ، وجمعه أَسْلِحَةٌ ، قال تعالى : وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ « النساء : 102 » أي أمتعتهم .
والْإِسْلِيحُ : نبت إذا أكلته الإبل غزرت وسمنت ، وكأنما سمي بذلك لأنها إذا أكلته أخذت السلاح ، أي منعت أن تنحر ، إشارة إلى ما قال الشاعر :
أزمانَ لم تأخذ عَليَّ سِلَاحَهَا
إبِلي بجلِّتِهَا ولَا أبْكَارَهَا
والسُّلَاحُ : ما يقذف به البعير من أكل الْإِسْلِيحِ وجعل كناية عن كل عذرة حتى قيل في الحبارى : سِلاحه سُلاحه .
--------------------------- 398 ---------------------------
ملاحظات
لا يصح تفسير الأسلحة بالأمتعة ، لأن عطفهما في الآية يقتضي تغايرهما ، قال تعالى : وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ .
سَلَخَ
السَّلْخُ : نزع جلد الحيوان ، يقال : سَلَخْتُهُ فَانْسَلَخَ . وعنه استعير : سَلَخْتُ درعه : نزعتها . وسَلَخَ الشهر وانْسَلَخَ ، قال تعالى : فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ « التوبة : 5 » وقال تعالى : نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ « يس : 37 » أي ننزع . وأسود سَالِخٌ : سَلَخَ جلدَه أي نزعه . ونخلة مِسْلَاخٌ : ينتثر بِسْرُهَا الأخضر .
سَلَطَ
السَّلَاطَةُ : التمكُّن من القهر ، يقال : سَلَّطْتُهُ فَتَسَلَّطَ ، قال تعالى : وَلَوْ شاءَ الله لَسَلَّطَهُمْ « النساء : 90 » وقال تعالى : وَلكِنَّ الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ « الحشر : 6 » ومنه سمي السُّلْطَانُ .
والسُّلْطَانُ : يقال في السَّلَاطَةِ ، نحو : وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً « الإسراء : 33 » إنهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ « النحل : 99 » إنما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ « النحل : 100 » لاتَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ « الرحمن : 33 » وقد يقال لذي السَّلَاطَةِ وهو الأكثر .
وسُمي الحجة سلطاناً وذلك لما يُلحق من الهجوم على القلوب ، لكن أكثر تسلطه على أهل العلم والحَكَمَة من المؤمنين . قال تعالى : الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ الله بِغَيْرِ سُلْطانٍ « غافر : 35 » وقال : فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ « إبراهيم : 10 » وقال تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ « غافر : 23 » وقال : أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً « النساء : 144 » . وقوله عز وجل : هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ « الحاقة : 29 » يحتمل السلطانين .
والسَّلِيطُ : الزيت بلغة أهل اليمن . وسَلَاطَةُ اللسان : القوة على المقال ، وذلك في الذم أكثر استعمالاً ، يقال : امرأة سَلِيطَةٌ ، وسنابك سَلْطَاتٌ : لها تسلط بقوتها وطولها .
ملاحظات
قال ابن فارس « 3 / 95 » : « سلط : أصل واحد وهو القوة والقهر . من ذلك السلاطة من التسلط وهو القهر ، ولذلك سمي السلطان سلطاناً . والسلطان الحجة .
والسليط من الرجال : الفصيح اللسان الذرب . والسليطة : المرأة الصخَّابة .
سَلَفَ
السَّلَفُ : المتقدم ، قال تعالى : فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ « الزخرف : 56 » أي مُعْتَبَراً متقدماً . وقال تعالى : فَلَهُ ما سَلَفَ « البقرة : 275 » أي يتجافى عما تقدم من ذنبه ، وكذا قوله : وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ « النساء : 23 » أي ما تقدم من فعلكم فذلك متجافى عنه . فالإستثناء عن الإثم لا عن جواز الفعل .
ولفلان سَلَفٌ كريم ، أي آباء متقدمون ، جمعه أَسْلَافٌ ، وسُلُوفٌ . والسَّالِفَةُ : صفحة العنق . والسَّلَفُ : ما قُدم من الثمن على المبيع . والسَّالِفَةُ والسُّلَافُ : المتقدمون في حرب ، أو سفر . وسُلَافَةُ الخمر : ما بقي من العصير .
والسُّلْفَةُ : ما يقدم من الطعام على القرى ، يقال : سَلِّفُوا ضيفكم ولَهِّنُوهُ .
سَلَقَ
السَّلْقُ : بسط بقهر ، إما باليد أو باللسان ، والتسَلُّقُ على الحائط منه ، قال : سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ « الأحزاب : 19 » . يقال : سَلَقَ امرأته إذا بسطها فجامعها قال مسيلمة :
وإن شئت سلقناك وإن شئت على أربع
والسَّلْقُ : أن تدخل إحدى عروتي الجوالق في الأخرى . والسَّلِيقَةُ : خبزٌ مرقق وجمعها سَلَائِق . والسَّلِيقَةُ أيضاً :
--------------------------- 399 ---------------------------
الطبيعة المتباينة . والسَّلْقُ : المطمئن من الأرض .
سَلَكَ
السُّلُوكُ : النفاذ في الطريق ، يقال : سَلَكْتُ الطريق ، وسَلَكْتُ كذا في طريقه . قال تعالى : لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً « نوح : 20 » وقال : فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا « النحل : 69 » يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ « الجن : 27 » وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا « طه : 53 » . ومن الثاني قوله : ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ « المدثر : 42 » وقوله : كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ « الحجر : 12 » كَذلِكَ سَلَكْناهُ « الشعراء : 200 » فَاسْلُكْ فِيها « المؤمنون : 27 » يَسْلُكْهُ عَذاباً « الجن : 17 » قال بعضهم : سَلَكْتُ فلاناً طريقاً ، فجعل عذاباً مفعولاً ثانياً ، وقيل : عذاباً هو مصدر لفعل محذوف ، كأنه قيل : نعذبه به عذاباً .
والطعنة السُّلْكَةُ : تلقاء وجهك . والسُّلْكَةُ : الأنثى من ولد الحجل ، والذكر : السُّلَكُ .
سَلَمَ
السِّلْمُ والسَّلَامَةُ : التعري من الآفات الظاهرة والباطنة . قال : بِقَلْبٍ سَلِيمٍ « الشعراء : 89 » أي مُتَعَرٍّ من الدَّغل ، فهذا في الباطن . وقال تعالى : مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها « البقرة : 71 » فهذا في الظاهر .
وقد سَلِمَ يَسْلَمُ سَلَامَةً ، وسَلَاماً ، وسَلَّمَهُ الله قال تعالى : وَلكِنَّ الله سَلَّمَ « الأنفال : 43 » وقال : ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ « الحجر : 46 » أي سلامة . وكذا قوله : إهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا « هود : 48 » . والسلامة الحقيقية ليست إلا في الجنة ، إذ فيها بقاء بلا فناء ، وغنى بلا فقر ، وعز بلا ذل ، وصحة بلا سقم ، كما قال تعالى : لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ « الأنعام : 127 » أي السلامة . قال : والله يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ « يونس : 25 » وقال تعالى : يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ « المائدة : 16 » يجوز أن يكون كل ذلك من السلامة .
وقيل : السَّلَامُ اسم من أسماء الله تعالى ، وكذا قيل في قوله : لَهُمْ دارُ السَّلامِ « الأنعام : 127 » والسَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ « الحشر : 23 » قيل : وصف بذلك من حيث لا يلحقه العيوب والآفات التي تلحق الخلق .
وقوله : سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ « يس : 58 » سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ « الرعد : 24 » سلام على آل ياسين .
كل ذلك من الناس بالقول ، ومن الله تعالى بالفعل ، وهو إعطاء ما تقدم ذكره مما يكون في الجنة من السلامة .
وقوله : وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً « الفرقان : 63 » أي نطلب منكم السلامة ، فيكون قوله سلاماً نصباً بإضمار فعل ، وقيل معناه : قالوا سَلَاماً ، أي سداداً من القول ، فعلى هذا يكون صفة لمصدر محذوف .
وقوله تعالى : إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ « الذاريات : 25 » فإنما رفع الثاني لأن الرفع في باب الدعاء أبلغ ، فكأنه تحرى في باب الأدب المأمور به في قوله : وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها « النساء : 86 » ومن قرأ سَلَمٌ ، فلأن السلام لما كان يقتضي السلم ، وكان إبراهيم عليه السلام قد أوجس منهم خيفة ، فلما رآهم مُسَلِّمِينَ تصوَّر من تَسْلِيمِهِمْ أنهم قد بذلوا له سلماً ، فقال في جوابهم : سلامٌ تنبيهاً [ على ] أن ذلك من جهتي لكم كما حصل من جهتكم لي .
وقوله تعالى : لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً « الواقعة : 25 » فهذا لا يكون لهم بالقول فقط ، بل ذلك بالقول والفعل جميعاً . وعلى ذلك قوله تعالى : فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ « الواقعة : 91 » .
وقوله : وَقُلْ سَلامٌ « الزخرف : 89 » فهذا في الظاهر أن تُسَلِّمَ عليهم ، وفي الحقيقة سؤال الله السَّلَامَةَ منهم ، وقوله تعالى : سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ « الصافات : 79 » سَلامٌ
--------------------------- 400 ---------------------------
عَلى مُوسى وَهارُونَ « الصافات : 120 » سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ « الصافات : 109 » كل هذا تنبيهٌ من الله تعالى [ على ] أنه جعلهم بحيث يثنى عليهم ، ويدعى « يدعو » لهم .
وقال تعالى : فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ « النور : 61 » أي ليسلم بعضكم على بعض .
والسَّلَامُ والسِّلْمُ والسَّلَمُ : الصلح ، قال : وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً « النساء : 94 » وقيل : نزلت فيمن قتل بعد إقراره بالإسلام ومطالبته بالصلح .
وقوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً « البقرة : 208 » وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ « الأنفال : 61 » وقرئ لِلسَّلْمِ بالفتح ، وقرئ : وَأَلْقَوْا إِلَى الله يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ . وقال : يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ « القلم : 43 » أي مُسْتَسْلِمُونَ ، وقوله : ورجلاً سَلَماً لرجل ، وقرئ سِلْما وسَلَماً ، وهما مصدران ، وليسا بوصفين كحسن ونكد . يقول : سَلِمَ سَلَماً وسِلْماً ، وربحَ رَبحاً ورِبحاً . وقيل : السِّلْمُ اسم بإزاء حرب .
والْإِسْلَامُ : الدخول في السِّلم ، وهو أن يسلم كل واحد منهما أن يناله من ألم صاحبه ، ومصدر أسلمت الشئ إلى فلان : إذا أخرجته إليه . ومنه : السَّلَمُ في البيع .
والْإِسْلَامُ في الشرع : على ضربين ، أحدهما : دون الإيمان ، وهو الاعتراف باللسان وبه يحقن الدم ، حصل معه الإعتقاد أو لم يحصل ، وإياه قصد بقوله : قالَتِ الإعرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا « الحجرات : 14 » .
والثاني : فوق الإيمان ، وهو أن يكون مع الاعتراف اعتقادٌ بالقلب ، ووفاءٌ بالفعل ، واستسلامٌلله في جميع ما قضى وقدر ، كما ذكر عن إبراهيم عليه السلام في قوله : إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ « البقرة : 131 » وقوله تعالى : إن الدِّينَ عِنْدَ الله الْإِسْلامُ « آل عمران : 19 » . وقوله : تَوَفَّنِي مُسْلِماً « يوسف : 101 » أي اجعلني ممّن استسلم لرضاك ، ويجوز أن يكون معناه : اجعلني سالماً عن أسر الشيطان حيث قال : لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ « الحجر : 40 » .
وقوله : إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ « النمل : 81 » أي منقادون للحق مذعنون له .
وقوله : يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا « المائدة : 44 » أي الذين انقادوا من الأنبياء الذين ليسوا من العزم لأولي العزم الذين يهتدون بأمر الله ، ويأتون بالشّرائع .
والسُّلَّمُ : ما يتوصل به إلى الأمكنة العالية فيرجى به السلامة ، ثم جعل إسماً لكل ما يتوصل به إلى شئ رفيع كالسبب ، قال تعالى : أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ « الطور : 38 » وقال : أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ « الأنعام : 35 » وقال الشاعر :
ولو نالَ أسبابَ السَّماءِ بِسُلَّم ِ
والسَّلْمُ والسَّلَامُ : شجر عظيم ، كأنه سمي لاعتقادهم أنه سليم من الآفات . والسِّلَامُ : الحجارة الصلبة .
سَلَا
قال تعالى : وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى « البقرة : 57 » أصلها ما يُسَلِّي الإنسانَ ، ومنه : السُّلْوَانُ والتسَلِّي .
وقيل : السَّلْوَى : طائر كالسمانى ، قال ابن عباس : المنُّ الذي يسقط من السماء ، والسَّلْوَى : طائر ، قال بعضهم : أشار ابن عباس بذلك إلى ما رزق الله تعالى عباده من اللحوم والنبات ، وأورد بذلك مثالاً .
وأصل السلوى من التسلي ، يقال : سَلَّيْتُ عن كذا ، وسَلَوْتُ عنه وتَسَلَّيْتُ : إذا زال عنك محبته .
قيل : والسُّلْوَانُ : ما يسلي ، وكانوا يتداوون من العشق بخرزة يحكُّونها ويشربونها ويسمونها السُّلْوَانَ .
ملاحظات
ذكر ابن سيده في المخصص « 1 - 5 / 15 » : « أن السَّلْوَى
--------------------------- 401 ---------------------------
كأنه ما يُسْلي عن غيره لِفَضِيلة فيه من فرطِ طِيبه أو قِلَّة عِلاجٍ ومُعَاناة في إقتنائه » .
وفي من لا يحضره الفقيه « 1 / 503 » : « وكان المنُّ والسلوى ينزل على بني إسرائيل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فمن نام تلك الساعة لم ينزل نصيبه ، فكان إذا انتبه فلا يري نصيبه احتاج إلى السؤال » !
سَمَمَ
السَّمُّ والسُّمُّ : كل ثقب ضيق كخرق الإبرة ، وثقب الأنف والأذن ، وجمعه سُمُومٌ . قال تعالى : حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ « الأعراف : 40 » . وقد سَمَّهُ : أي دخل فيه ، ومنه السَّامَّةُ للخاصة الذين يقال لهم : الدِّخْلِل ، الذين يتداخلون في بواطن الأمر .
والسُّم : القاتل ، وهو مصدر في معنى الفاعل ، فإنه بلطف تأثيره يدخل بواطن البدن .
والسَّمُومُ : الريح الحارة التي تؤثر تأثير السُّم .
قال تعالى : وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ « الطور : 27 » وقال : فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ « الواقعة : 42 » . وَالْجَان خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ « الحجر : 27 » .
سَمَدَ
السَّامِدُ : اللاهي الرافع رأسه ، من قولهم : سَمَدَ البعير في سيره . قال : وَأَنْتُمْ سامِدُونَ « النجم : 61 » وقولهم : سَمَدَ رَأْسَهُ وسبد ، أي استأصل شعره .
سَمَرَ
السُّمْرَةُ : أحد الألوان المركبة بين البياض والسواد ، والسَّمْرَاءُ كُنِّيَ بها عن الحنطة . والسَّمَارُ : اللبن الرقيق المتغير اللون . والسَّمُرَةُ : شجرة تشبه أن تكون للونها سميت بذلك .
والسَّمَرُ : سواد الليل ، ومنه قيل : لا آتيك السَّمَرَ والقمر . وقيل للحديث بالليل : السَّمَرُ . وسَمَرَ فلان : إذا تحدث ليلاً ، ومنه قيل : لا آتيك ما سَمَرَ ابنا سمير ، وقوله تعالى : مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ « المؤمنون : 67 » قيل معناه : سُمَّاراً ، فوضع الواحد موضع الجمع . وقيل : بل السَّامِرُ : الليل المظلم ، يقال : سَامِرٌ وسُمَّارٌ وسَمَرَةُ وسَامِرُونَ ، وسَمَرْتُ الشئ . وإبل مُسْمَرَةٌ : مهملة . والسَّامِرِيُّ : منسوب إلى رجل .
سَمِعَ
السَّمْعُ : قوة في الأذن به يدرك الأصوات ، وفعله يقال له السَّمْعُ أيضاً ، وقد سمع سمعاً .
ويعبر تارةً بالسمع عن الأذن نحو : خَتَمَ الله عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ « البقرة : 7 » وتارةً عن فعله كَالسَّمَاعِ نحو : إنهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ « الشعراء : 212 » وقال تعالى : أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ « ق : 37 » .
وتارةً عن الفهم ، وتارةً عن الطاعة ، تقول : إسْمَعْ ما أقول لك ، ولم تَسْمَعْ ما قلت ، وتعني لم تفهم ، قال تعالى : وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا « الأنفال : 31 »
وقوله : سَمِعْنا وَعَصَيْنا « النساء : 46 » أي فهمنا قولك ولم نأتمر لك . وكذلك قوله : سَمِعْنا وَأَطَعْنا « البقرة : 285 » أي فهمنا وارتسمنا .
وقوله : وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ « الأنفال : 21 » يجوز أن يكون معناه : فهمنا وهم لا يفهمون ، وأن يكون معناه : فهمنا وهم لا يعملون بموجبه . وإذا لم يعمل بموجبه فهو في حكم من لم يسمع .
ثم قال تعالى : وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا « الأنفال : 23 » أي أفهمهم بأن جعل لهم قوة يفهمون بها .
وقوله : وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ « النساء : 46 » يقال على وجهين ،
--------------------------- 402 ---------------------------
أحدهما : دعاء على الإنسان بالصمم . والثاني : دعاء له . فالأول نحو : أَسْمَعَكَ الله ، أي جعلك الله أصم .
والثاني : أن يقال : أَسْمَعْتُ فلاناً ، إذا سببته ، وذلك متعارف في السَّب . وروي أن أهل الكتاب كانوا يقولون ذلك للنبي صلى الله عليه وآله يوهمون أنهم يعظمونه ويدعون له ، وهم يدعون عليه بذلك .
وكل موضع أثبت الله السمع للمؤمنين ، أو نفاه عن الكافرين ، أو حثَّ على تَحَرِّيه ، فالقصد به إلى تصور المعنى والتفكر فيه ، نحو : أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها « الأعراف : 195 » ونحو : صُمٌّ بُكْمٌ « البقرة : 18 » ونحو : فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ « فصلت : 44 » .
وإذا وصفت الله تعالى بِالسَّمْعِ ، فالمراد به علمه بِالْمَسْمُوعَاتِ ، وتحريه بالمجازاة بها نحو : قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها « المجادلة : 1 » لَقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا « آل عمران : 181 » وقوله : إنكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ « النمل : 80 » أي لاتفهمهم لكونهم كالموتى في افتقادهم بسوء فعلهم القوة العاقلة التي هي الحياة المختصة بالإنسانية .
وقوله : أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ « الكهف : 26 » أي يقول فيه تعالى ذلك من وقف على عجائب حكمته ، ولا يقال فيه : ما أبصره وما أسمعه ، لما تقدم ذكره « من » أن الله تعالى لا يوصف إلّا بما ورد به السمع .
وقوله في صفة الكفار : أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا « مريم : 38 » معناه : أنهم يسمعون ويبصرون في ذلك اليوم ما خفي عليهم ، وضلوا عنه اليوم لظلمهم أنفسهم وتركهم النظر .
وقال : خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا « البقرة : 93 » سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ « المائدة : 42 » أي يسمعون منك لأجل أن يكذبوا . سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ « المائدة : 41 » أي يسمعون لمكانهم .
والِاسْتِمَاعُ : الإصغاء نحو : نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ ، إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ « الإسراء : 47 » وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ « محمد : 16 » وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ « يونس : 42 » وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ « ق : 41 » وقوله : أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ « يونس : 31 » أي من الموجد لِأَسْمَاعِهِمْ وأبصارهم والمتولي لحفظها . والْمِسْمَعُ والْمَسْمَعُ : خرق الأذن ، وبه شبه حلقة مسمع الغرب .
ملاحظات
قال أكثر المفسرين إن معنى قوله تعالى : أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا : مَا أَسْمَعُهُم وما أبصرهم يومئذ ، بعد أن كانوا لا يسمعون ولا يبصرون في الدنيا . لكنه صيغة تعجب مثل قولك : أكرم بزيد ، وأنعم به ، أو أبْعِدْ بزيد . ومعناه : فاعجب لحالهم يوم يأتوننا ، وأسمع الآخرين بهم وأبصرهم بهم ! ولا علاقة له بسمعهم هم وبصرهم ، في الدنيا أو الآخرة . ويدل عليه سياق الآية وهو : فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ . أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ . « مريم : 37 » .
ويدل عليه أن هذه الصيغة استعملتلله تعالى في قوله تعالى : قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا . « الكهف : 26 » .
فالمعنى : أبصر أنت وبصِّر الآخرين ، وأسمعهم بقدرته وعظمته وسطوته عز وجل .
سَمَكَ
السَّمْكُ : سَمْكُ البيت ، وقد سَمَكَهُ أي رفعه . قال : رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها « النازعات : 28 » وقال الشاعر :
إن الذي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا
--------------------------- 403 ---------------------------
وفي بعض الأدعية : يا بارئ السماوات الْمَسْمُوكَات . وسنام سَامِكٌ : عال . والسِّمَاكُ : ما سَمَكْتَ به البيت . والسِّمَاكُ : اسم نجم . والسَّمَكُ : معروف .
سَمَنَ
السِّمَنُ : ضد الهزال ، يقال : سَمِينٌ وسِمَانٌ ، قال : أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ « يوسف : 46 » . وأَسْمَنْتُهُ وسَمَّنْتُهُ : جعلته سميناً ، قال : لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ « الغاشية : 7 » .
وأَسْمَنْتُهُ : اشتريته سميناً ، أو أعطيته كذا . واسْتَسْمَنْتُهُ : وجدته سميناً .
والسُّمْنَةُ : دواء يستجلب به السِّمَنُ . والسَّمْنُ : سُمِّي به لكونه من جنس السِّمَنِ وتولّده عنه . والسُّمَانَى : طائر .
سَمَا
سَمَاءُ كل شئ : أعلاه . قال الشاعر في وصف فرس :
وأحمرُ كالدِّيباج أمَّا سَمَاؤُهُ
فريَّا وأمَّا أرْضُهُ فَمُحُولُ
قال بعضهم : كل سماء بالإضافة إلى ما دونها فسماء ، وبالإضافة إلى ما فوقها فأرض ، إلا السماء العليا فإنها سماء بلا أرض ، وحمل على هذا قوله : الله الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ « الطلاق : 12 » .
وسميَ المطر سَمَاءً لخروجه منها ، قال بعضهم : إنما سمي سماء ما لم يقع بالأرض اعتباراً بما تقدم .
وسمي النبات سَمَاءً ، إما لكونه من المطر الذي هو سماء ، وإما لارتفاعه عن الأرض . والسماء : المقابل للأرض مؤنثة ، وقد تذكر ، وتستعمل للواحد والجمع ، لقوله : ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ « البقرة : 29 » وقد يقال في جمعها : سَمَوَاتٍ . قال : خَلْقِ السَّماواتِ « الزمر : 5 » قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ « المؤمنون : 86 » وقال : السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ « المزمل : 18 » فذكر ، وقال : إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ « الانشقاق : 1 » إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ « الانفطار : 1 » فأنث ، ووجه ذلك أنها كالنخل في الشجر ، وما يجري مجراه من أسماء الجنس الذي يذكر ويؤنث ، ويخبر عنه بلفظ الواحد والجمع ، والسماء الذي هو المطر يذكر ، ويجمع على أَسْمِيَة .
والسَّمَاوَةُ : الشخص العالي ، قال الشاعر :
سَمَاوَةُ الِهلَالِ حَتَّى احْقَوْقَفَا
وسَمَا لي : شخص ، وسَمَا الفحل على الشول سَمَاوَةً : لتخلله إياها .
والاسم : ما يعرف به ذات الشئ ، وأصله سِمْوٌ ، بدلالة قولهم : أسماء وسُمي ، وأصله من السُّمُوِّ وهو الذي به رفع ذكر المُسَمَّى فيعرف به ، قال الله : بِسْمِ الله « الفاتحة : 1 » وقال : ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ الله مَجْراها « هود : 41 » بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ « النمل : 30 » وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماء « البقرة : 31 » أي الألفاظ والمعاني مفرداتها ومركباتها .
وبيان ذلك : أن الاسم يستعمل على ضربين ، أحدهما : بحسب الوضع الاصطلاحي ، وذلك هو في المخبر عنه نحو : رجل وفرس . والثاني : بحسب الوضع الأولي ، ويقال ذلك للأنواع الثلاثة : المخبر عنه ، والخبر عنه ، والرابط بينهما المسمى بالحرف .
وهذا هو المراد بالآية ، لأن آدم عليه السلام كما عُلِّمَ الاسم علم الفعل والحرف ، ولا يعرف الإنسان الاسم فيكون عارفاً لمسماه إذا عرض عليه المسمى ، إلا إذا عرف ذاته .
ألا ترى أنا لو علمنا أَسَامِيَ أشياء بالهندية أو بالرومية ، ولم نعرف صورة ما له تلك الأسماء لم نعرف المُسَمَّيَاتِ إذا شاهدناها بمعرفتنا الأسماء المجردة بل كنا عارفين بأصوات مجردة .
فثبت أن معرفة الأسماء لا تحصل إلا بمعرفة المسمى ، وحصول صورته في الضمير ، فإذاً المراد بقوله : وَعَلَّمَ آدَمَ
--------------------------- 404 ---------------------------
الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا « البقرة : 31 » الأنواع الثلاثة من الكلام وصور المسميات في ذواتها .
وقوله : ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها « يوسف : 40 » فمعناه أن الأسماء التي تذكرونها ليس لها مسميات ، وإنما هي أسماء على غير مسمى إذ كان حقيقة ما يعتقدون في الأصنام بحسب تلك الأسماء غيرموجود فيها .
وقوله : وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ « الرعد : 33 » فليس المراد أن يذكروا أساميها نحو اللات والعزى ، وإنما المعنى إظهار تحقيق ما تدعونه إلهاً ، وأنه هل يوجد معاني تلك الأسماء فيها ، ولهذا قال بعده : أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ « الرعد : 33 » .
وقوله : تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ « الرحمن : 78 » أي البركة والنعمة الفائضة في صفاته إذا اعتبرت ، وذلك نحوالكريم والعليم والباري والرحمن الرحيم .
وقال : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى « الأعلى : 1 » وَلِلَّهِ الأسماء الْحُسْنى « الأعراف : 180 »
وقوله : اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَميا « مريم : 7 » لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى « النجم : 27 » أي يقولون للملائكة بنات الله .
وقوله : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَميا « مريم : 65 » أي : نظيراً له يستحق اسمه ، وموصوفاً يستحق صفته على التحقيق . وليس المعنى هل تجد من يتسمى باسمه ، إذ كان كثير من أسمائه قد يطلق على غيره ، لكن ليس معناه إذا استعمل فيه كما كان معناه إذا استعمل في غيره .
ملاحظات
لا يصح قول الراغب : والسماء الذي هو المطر يُذَكَّر ، ويجمع على أَسْمِيَة ، لأنها جمع سماء .
قال سيبويه في الكتاب « 3 / 606 » : « قول بعض العرب في السماء سَمْيٌ . وقالوا أسْمِيَةٌ فجاءوا به على الأصل » .
وقال الجوهري « 6 / 2382 » : « ويجمع على أسمية وسماوات . والسماء : كل ما علاك فأظلك » .
هذا ، وقد استطرد الراغب في بحث العلاقة بين الاسم والمسمى ، ولم يستوفِ استعمالات القرآن للإسم ، وهي أكثر من خمسين مرة .
أما الأسماء التي علمها الله تعالى لآدم عليه السلام ، فلا هي أسماء كالتي نعرف ، لأنه عبر عنها بضمير العاقل ، ولا تعليمه عز وجل له كالتعليم الذي نعرفه ، لأنه عليه السلام استطاع أن يستوعبها فكان بذلك أعلم من الملائكة ، وبهذا العلم العملي كان أعلى منهم درجة ، واعترفوا له بذلك . وفي ذلك بحوث خارجة عن غرض الكتاب .
سَنَنَ
السِّنُّ معروف ، وجمعه أَسْنَانٌ . قال : وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ « المائدة : 45 » وسَان البعير الناقة : عاضَّها حتى أبركها . والسَّنُونُ : دواء يعالج به الأسنان . وسَنُّ الحديد : إسالته وتحديده ، والْمِسَنُّ : ما يُسَنُّ به ، أي يُحَدَّد به . والسِّنَانُ : يختص بما يركَّب في رأس الرُّمح .
وسَنَنْتُ البعير : صقلته وضمَّرته تشبيهاً بِسَنِّ الحديد . وباعتبار الإسالة قيل : سَنَنْتُ الماء ، أي أسلته . وتنحَّ عن سَنَنِ الطريق وسُنَنِهِ وسِنَنِهِ .
فالسُّنَنُ : جمع سُنَّةٍ ، وسُنَّةُ الوجه : طريقته ، وسُنَّةُ النبي : طريقته التي كان يتحرَّاها . وسُنَّةُ الله تعالى : قد تقال لطريقة حكمته وطريقة طاعته ، نحو : سُنَّةَ الله الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا « الفتح : 23 » وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَحْوِيلًا « فاطر : 43 » فتنبيهٌ [ على ] أن فروع الشرائع وإن اختلفت صورها ، فالغرض المقصود منها لا يختلف ولا يتبدل ، وهو تطهير النفس ، وترشيحها
--------------------------- 405 ---------------------------
للوصول إلى ثواب الله تعالى وجواره .
وقوله : مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ « الحجر : 26 » قيل : متغير ، وقوله : لَمْ يَتَسَنَّهْ « البقرة : 259 » معناه : لم يتغير ، والهاء للاستراحة .
ملاحظات
حصرالراغب سنة الله عز وجل ، بسنته في تطهير النفس ، وهي أعم . وعمدة آياتها في القرآن في سنن الله في عقوبة الأمم المكذبة للرسل عليهم السلام أو المنحرفة بعدهم .
قال تعالى : لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لايُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلاً . مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً . سُنَّةَ الله فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً . « الأحزاب : 60 » .
وقال تعالى : وَأَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الآمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا . اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّىءِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأولينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَحْوِيلاً . « فاطر : 42 » .
ومعنى السُّنَن أخص من معنى الطريق ، ولذا يقال سُنُن الطريق بالضم والفتح ، بمعنى معالمه وعلائمه ، ويقال : تَنَحَّ عن سَننِ الخيل .
قال ابن منظور « 13 / 223 و 325 » : « وسُنَّةُ الله : أَحكامه وأَمره ونهيه . قال الله تعالى : سُنَّةَ الله في الذين خَلَوْا من قبلُ ، نَصَبَ سنة الله على إرادة الفعل ، أَي سَنَّ الله ذلك في الذين نافقوا الأَنبياءَ وأَرْجَفُوا بهم أَن يُقْتَلُوا أَين ثُقِفُوا أَي وُجِدُوا . وقد تكرر في الحديث ذكر السُّنَّة وما تصرف منها ، والأَصل فيها الطريقة والسِّيرَة ، وإذا أُطْلِقَت في الشرع فإِنما يراد بها ما أَمَرَ به النبيُّ صلى الله عليه وآله ونَهى عنه ونَدَب إليه قولاً وفعلاً ، مما لم يَنْطق به الكتابُ العزيز .
سَنَمَ
قال : وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ « المطففين : 27 » قيل هو عين في الجنة رفيعة القدر ، وفسّر بقوله : عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ « المطففين : 28 » .
ملاحظات
في تفسير القمي « 2 / 411 » : « أشرف شراب أهل الجنة ، يأتيهم من عالي تسنيم ، وهي عين يشرب بها المقربون ، والمقربون آل محمد صلى الله عليه وآله والمقربون يشربون من تسنيم بحتاً صرفاً ، وسائر المؤمنين ممزوجاً » .
سَنَا
السَّنَا : الضوء الساطع ، والسَّنَاءُ : الرِّفعة . والسَّانِيَةُ : التي يسقى بها سميت لرفعتها . قال : يَكادُ سَنا بَرْقِهِ « النور : 43 » . وسَنَتِ الناقة تَسْنُو : أي سقت الأرض ، وهي السَّانِيَةُ .
سَنَةٌ
السَّنَةُ : في أصلها طريقان ، أحدهما : أن أصلها سَنَهَةٌ لقولهم : سَانَهْتُ فلاناً ، أي عاملته سَنَةً فسنة ، وقولهم : سُنَيْهَةٌ قيل : ومنه قوله تعالى : لَمْ يَتَسَنَّهْ « البقرة : 259 » أي لم يتغير بمرِّ السنين عليه ، ولم تذهب طراوته .
وقيل أصله من الواو ، لقولهم سنوات ، ومنه : سَانِية ، والهاء للوقف ، نحو : كِتابِيَهْ « الحاقة : 19 » وحِسابِيَهْ « الحاقة : 20 » . وقال عز وجل : أَرْبَعِينَ سَنَةً « المائدة : 26 » سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً « يوسف : 47 » ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ « الكهف : 25 » وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ « الأعراف : 130 » فعبارة عن الجدب .
وأكثر ما تستعمل السَّنَةُ في الحول الذي فيه الجدب ، يقال : أَسْنَتَ القوم : أصابتهم السَّنَةُ ، قال الشاعر :
لها أرج ما حولها غير مُسْنِتٍ
وقال آخر : فليست بِسَنْهَاءَ ولا رجبيةً .
فمن الهاء كما ترى ، وقول الآخر :
--------------------------- 406 ---------------------------
يأكلُ أزمانَ الهُزَالِ والسِّنِيِّ
فليس بمرخم ، وإنما جمع فعلة على فعول ، كمائة ومئين ومئون ، وكسر الفاء كما كسر في عصي ، وخففه للقافية .
وقوله : لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ « البقرة : 255 » فهو من الوسَن لا من هذا الباب .
سَهِرَ
السَّاهِرَةُ : قيل وجه الأرض ، وقيل هي أرض القيامة . وحقيقتها : التي يكثر الوطأ بها ، فكأنها سَهَرَتْ بذلك إشارة إلى قول الشاعر : تُحَرِّكَ يَقْظَانَ التُّرَابِ وَنَائِمُهْ .
والْأَسْهَرَانِ : عرقان في الأنف .
سَهَلَ
السَّهْلُ : ضد الحزَن ، وجمعه سُهُولٌ ، قال تعالى : تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً « الأعراف : 74 » وأَسْهَلَ : حصل في السَّهْلِ : ورجل سَهْلِيٌّ : منسوب إلى السهل ، ونهر سَهْلٌ .
ورجل سَهْلُ الخلق ، وحَزْن الخلق . وسُهَيْلٌ : نجم .
سَهَمَ
السَّهْمُ : ما يرمى به ، وما يضرب به من القداح ونحوه ، قال تعالى : فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ « الصافات : 141 » واسْتَهَمُوا : اقترعوا . وبُرْدٌ مُسَهَّمٌ : عليه صورة سَهْمٍ . وسَهَمَ وجهه : تغير ، والسُّهَامُ : داء يتغير منه الوجه .
سَهَا
السَّهْوُ : خطأ عن غفلة ، وذلك ضربان ، أحدهما : أن لا يكون من الإنسان جوالبه ومولداته ، كمجنون سب إنساناً .
والثاني : أن يكون منه مولداته ، كمن شرب خمراً ثم ظهر منه منكر لا عن قصد إلى فعله . والأول معفوٌّ عنه ، والثاني مأخوذ به . وعلى نحو الثاني ذم الله تعالى فقال : فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ « الذاريات : 11 » عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ « الماعون : 5 » .
سَيَبَ
السَّائِبَةُ : التي تُسَيَّبَ في المرعى ، فلا تُرَدُّ عن حوضٍ ولا علفٍ ، وذلك إذا ولدت خمسة أبطن .
وانْسَابَتِ الحيّةُ انْسِيَاباً . والسَّائِبَةُ : العبد يعتق ويكون ولاؤه لمعتقه ، ويضع ماله حيث شاء ، وهو الذي ورد النهي عنه . والسَّيْبُ : العطاء . والسِّيبُ : مجرى الماء ، وأصله من : سَيَّبْتُهُ فَسَابَ .
سَاحَ
السَّاحَةُ : المكان الواسع ، ومنه سَاحَةُ الدار ، قال : فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ « الصافات : 177 »
والسَّائِحُ : الماء الدائم الجَرْيَة في ساحة .
وسَاحَ فلان في الأرض : مرَّ مرَّ السائح ، قال : فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ « التوبة : 2 » . ورجل سائح في الأرض وسَيَّاحٌ . وقوله : السَّائِحُونَ « التوبة : 112 » أي الصائمون ، وقال : سائِحاتٍ « التحريم : 5 » أي صائمات .
قال بعضهم : الصوم ضربان : حكمي وهو ترك المطعم والمنكح ، وصوم حقيقي وهو حفظ الجوارح عن المعاصي كالسمع والبصر واللسان .
فَالسَّائِحُ : هو الذي يصوم هذا الصوم دون الصوم الأول .
وقيل : السَّائِحُونَ هم الذين يتحرون ما اقتضاه قوله : أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها . « الحج : 46 » .
سَوَدَ
السَّوَادُ : اللون المضاد للبياض ، يقال : اسْوَدَّ واسْوَادَّ ، قال : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ « آل عمران : 106 » فابيضاض الوجوه عبارة عن المسرّة واسْوِدَادُهَا عبارة عن المساءة ، ونحوه : وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ « النحل : 58 » .
--------------------------- 407 ---------------------------
وحمل بعضهم الإبيضاض والإسوداد على المحسوس ، والأول أولى لأن ذلك حاصل لهم سُوداً كانوا في الدنيا أو بيضاً . وعلى ذلك دل قوله في البياض : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ « القيامة : 22 » وقوله : وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ « القيامة : 24 » وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ « عبس : 40 » وقال : وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ الله مِنْ عاصِمٍ كَأنما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً « يونس : 27 » .
وعلى هذا النحو ما روي : إن المؤمنين يحشرون غراً مُحَجَّلين من آثار الوضوء .
ويُعَبَّر بِالسَّوَادِ عن الشخص المرئي من بعيد ، وعن سواد العين . قال بعضهم : لا يفارق سوادي سواده ، أي عيني شخصه . ويعبر به عن الجماعة الكثيرة ، نحو قولهم : عليكم بالسواد الأعظم .
والسَّيِّدُ : المتولي للسواد ، أي الجماعة الكثيرة ، وينسب إلى ذلك فيقال : سيد القوم ، ولا يقال : سيد الثوب ، وسيد الفَرَس ، ويقال : سَادَ القومَ يَسُودُهُمْ .
ولما كان من شرط المتولي للجماعة أن يكون مهذب النفس ، قيل لكل من كان فاضلاً في نفسه : سَيِّدٌ . وعلى ذلك قوله : وَسَيِّداً وَحَصُوراً « آل عمران : 39 » . وقوله : وَأَلْفَيا سَيِّدَها « يوسف : 25 » فسمي الزوج سَيِّداً لسياسة زوجته ، وقوله : رَبَّنا إنا أَطَعْنا سادَتَنا « الأحزاب : 67 » أي ولاتنا وسَائِسِينَا .
ملاحظات
المعروف عند المسلمين أن لقب سيد وشريف يطلق على المنتسبين إلى النبي صلى الله عليه وآله ومنهم أبناء فاطمة الزهراء عليها السلام . ففي حديث موثق « مجمع الزوائد : 9 / 131 » : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أنس ، انطلق فادع لي سيد العرب يعني علياً ، فقالت عائشة : ألست سيد العرب ؟ قال : أنا سيد ولد آدم ، وعلي سيد العرب » .
أما رؤساء السواد فيسمون الدهاقين ، وهم السادة أو الملاكون عند الفرس . وكلام الراغب متأثرٌ بمحاولة علماء السلطة إبعاد لقب السيد عن أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله .
سَارَ
السَّيْرُ : المضيُّ في الأرض ، ورجل سَائِرٌ وسَيَّارٌ .
والسَّيَّارَةُ : الجماعة ، قال تعالى : وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ « يوسف : 19 » . يقال : سِرْتُ ، وسِرْتُ بفلان ، وسِرْتُهُ أيضاً ، وسَيَّرْتُهُ على التكثير . فمن الأول قوله : أَفَلَمْ يَسِيرُوا « الحج : 46 » قُلْ سِيرُوا « الأنعام : 11 » سِيرُوا فِيها لَيالِيَ « سبأ : 18 » .
ومن الثاني قوله : سارَ بِأَهْلِهِ « القصص : 29 » ولم يجئ في القرآن القسم الثالث ، وهو سِرْتُهُ .
والرابع قوله : وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ « النبأ : 20 » هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ « يونس : 22 » .
وأما قوله : سِيرُوا فِي الْأَرْضِ « النمل : 69 » فقد قيل : حثَّ على السياحة في الأرض بالجسم ، وقيل : حثَّ على إجالة الفكر ، ومراعاة أحواله كما روي في الخبر أنه قيل في وصف الأولياء : أبدانهم في الأرض سَائِرَةٌ وقلوبهم في الملكوت جائلة . ومنهم من حمل ذلك على الجد في العبادة المتوصل بها إلى الثواب ، وعلى ذلك حمل قوله عليه السلام : سافروا تغنموا .
والتسْيِيرُ ضربان ، أحدهما : بالأمر والاختيار والإرادة من السائر نحو : هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ « يونس : 22 » .
والثاني : بالقهر والتسخير كتسخير الجبال : وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ « التكوير : 3 » وقوله : وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ « النبأ : 20 » .
والسِّيرَةُ : الحالة التي يكون عليها الإنسان وغيره ، غريزيّاً كان أو مكتسباً ، يقال : فلان له سيرة حسنة ، وسيرة قبيحة ، وقوله : سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الأولى « طه : 21 » أي الحالة
--------------------------- 408 ---------------------------
التي كانت عليها من كونها عوداً .
سُوَر
السَّوْرُ : وثوبٌ مع علو ، ويستعمل في الغضب وفي الشراب ، يقال : سَوْرَةُ الغضب ، وسَوْرَةُ الشراب . وسِرْتُ إليك ( ! ) وسَاوَرَنِي فلان ، وفلان سَوَّارٌ : وثَّاب .
والأسْوَارُ : من أساورة الفرس أكثر ما يستعمل في الرماة ، ويقال هو فارسي معرب . وسِوَارُ المرأة : معرَّب وأصله دستوار ، وكيفما كان فقد استعملته العرب ، واشتُقَّ منه : سَوَّرْتُ الجارية وجارية مُسَوَّرَةٌ ومخلخلة ، قال : فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ « الزخرف : 53 » وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ « الإنسان : 21 » . واستعمال الْأَسْوِرَةِ في الذهب ، وتخصيصها بقوله : ألقي ، واستعمال أَسَاوِرَ في الفضة وتخصيصه بقوله : حُلُّوا ، فائدة ذلك تختصُّ بغير هذا الكتاب .
والسُّورَةُ : المنزلة الرفيعة ، قال الشاعر :
ألم تَرَ أنَّ الله أعطاكَ سُورَةً
ترى كل مَلْكٍ دونها يتذبذبُ
وسُورُ المدينة : حائطها المشتمل عليها ، وسُورَةُ القرآن تشبيهاً بها لكونه محاطاً بها إحاطة السور بالمدينة ، أو لكونها منزلة كمنازل القمر ، ومن قال : سؤرة فمن أسأرت ، أي أبقيت منها بقية كأنها قطعة مفردة من جملة القرآن . وقوله : سُورَةٌ أَنْزَلْناها « النور : 1 » أي جملة من الأحكام والحكم .
وقيل : أسأرت في القدح ، أي أبقيت فيه سؤراً أي بقية ، قال الشاعر : لَابِالْحَصُورِ وَلَا فِيهَا بسآَّر . ويروى بِسَوَّارٍ من السَّوْرَةِ ، أي الغضب .
سَوْط
السَّوْطُ : الجلد المضفور الذي يضرب به ، وأصل السَّوْطِ : خلط الشئ بعضه ببعض ، يقال : سُطْتُهُ وسَوَّطْتُهُ ، فالسَّوْطُ يسمى سوطاً لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض ، وقوله : فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ « الفجر : 13 » تشبيهاً بما يكون في الدنيا من العذاب بالسوط ، وقيل : إشارة إلى ما خلط لهم من أنواع العذاب المشار إليه بقوله : حَمِيماً وَغَسَّاقاً « النبأ : 25 » .
سَاعَة
السَّاعَةُ : جزء من أجزاء الزمان ، ويعبر به عن القيامة . قال : اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ « القمر : 1 » يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ « الأعراف : 187 » وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ « الزخرف : 85 » تشبيهاً بذلك لسرعة حسابه ، كما قال : وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ « الأنعام : 62 » أو لما نبه عليه بقوله : كَأنهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها « النازعات : 46 » لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ « الأحقاف : 35 » وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ « الروم : 55 » فالأولى هي القيامة ، والثانية الوقت القليل من الزمان .
وقيل : الساعات التي هي القيامة ثلاثة : السَّاعَةُ الكبرى : هي بعث الناس للمحاسبة وهي التي أشار إليها بقوله عليه السلام : لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفحش وحتى يعبد الدرهم والدينار ، إلى غير ذلك . وذكر أموراً لم تحدث في زمانه ولا بعده .
والساعة الوسطى : وهي موت أهل القرن الواحد ، وذلك نحو ما روي أنه رأى عبد الله بن أنيس فقال : إن يطل عمر هذا الغلام لم يمت حتى تقوم الساعة . فقيل إنه آخر من مات من الصحابة .
والساعة الصغرى : وهي موت الإنسان ، فَسَاعَةُ كل إنسان موته ، وهي المشار إليها بقوله : قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ الله حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً « الأنعام : 31 » .
ومعلوم أن هذه الحسرة تنال الإنسان عند موته لقوله :
--------------------------- 409 ---------------------------
وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ . . الآية . « المنافقون : 10 » وعلى هذا قوله : قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ الله أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ « الأنعام : 40 » .
وروي أنه كان إذا هبَّتْ ريحٌ شديدة تغيّر لونه عليه السلام فقال : تخوفت الساعة ، وقال : ما أمد طرفي ولا أغضها إلا وأظن أن السَّاعَةَ قد قامت ، يعني موته .
ويقال : عاملته مساوعةً نحو معاومة ًومشاهرةً وجاءنا بعد سَوْعٍ من الليل وسُوَاعٍ ، أي بعد هدوء . وتُصور من الساعة الإهمال فقيل : أَسَعْتُ الإبل أسيعها ، وهو ضائع سائع .
وسُوَاعٌ : اسم صنم ، قال تعالى : وَدًّا وَلا سُواعاً « نوح : 23 » .
ملاحظات
لا أصل لتقسيم الساعة إلى كبرى ووسطى وصغرى ، وحديث عبد الله بن أنيس وأمثاله موضوع . ولا نفيض في بحث ذلك لأنه ليس لغوياً .
سَاغَ
سَاغَ الشراب في الحلق : سهل انحداره وأَسَاغَهُ كذا . قال : سائِغاً لِلشَّارِبِينَ « النحل : 66 » وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ « إبراهيم : 17 » وسَوَّغْتُهُ مالاً مستعارٌ منه .
وفلان سَوْغُ أخيه : إذا ولد إثره عاجلاً ، تشبيهاً بذلك .
سَوْفَ
سَوْفَ : حرفٌ يُخَصِّصُ أفعال المضارعة بالاستقبال ، ويجرِّدُها عن معنى الحال ، نحو : سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي « يوسف : 98 » وقوله : فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ « الأنعام : 135 » تنبيهٌ [ على ] أن ما يطلبونه وإن لم يكن في الوقت حاصلاً ، فهو مما يكون بعدُ لا محالة ، يقتضي معنى المماطلة والتأخير . واشتق منه التسْوِيفُ اعتباراً بقول الواعد : سوف أفعل كذا .
والسَّوْفُ : شمُّ التراب والبول ، ومنه قيل للمفازة التي يَسُوفُ الدليل ترابها : مَسَافَةٌ ( ! ) قال الشاعر :
إذا الدَّليلُ اسْتَافَ أخلاقَ الطَّرَق
والسُّوَافُ : مرض الإبل يشارف بها الهلاك ، وذلك لأنها تشم الموت ، أو يشمها الموت ، وإما لأنه مما سوف تموت منه .
سَاقَ
سَوْقُ الإبل : جلبها وطردها ، يقال : سُقْتُهُ فَانْسَاقَ . والسَّيِّقَةُ : ما يُسَاقُ من الدَّواب . وسُقْتُ المهر إلى المرأة ، وذلك أن مهورهم كانت الإبل .
وقوله : إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ « القيامة : 30 » نحو قوله : وَإن إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى « النجم : 42 » .
وقوله : سائِقٌ وَشَهِيدٌ « ق : 21 » أي ملك يَسُوقُهُ وآخر يشهد عليه وله ، وقيل هو كقوله : كَأنما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ « الأنفال : 6 » . وقوله : وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ « القيامة : 29 » قيل عنى التفاف الساقين عند خروج الروح . وقيل التفافهما عندما يلفان في الكفن . وقيل هو أن يموت فلا تحملانه بعد أن كانتا تَقِلَّانه . وقيل أراد التفاف البلية بالبلية نحو قوله تعالى : يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ « القلم : 42 » من قولهم : كشفت الحرب عن ساقها .
وقال بعضهم في قوله : يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ « القلم : 42 » إنه إشارة إلى شدة ، وهو أن يموت الولد في بطن الناقة فيدخل المُذَمِّر يده في رحمها فيأخذ بساقه فيخرجه ميتاً ، قال : فهذا هو الكشف عن الساق ، فجعل لكل أمر فظيع .
وقوله : فَاسْتَوى عَلى سُوقِه « الفتح : 29 » قيل : هو جمع ساق نحو : لابَة ولُوَب ، وقارَة وقُوَر ، وعلى هذا : فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأعناقِ « ص : 33 » ورجل أَسْوَقُ ، وامرأة سَوْقَاءُ بينة السُّوق ، أي عظيمة الساق .
والسُّوقُ : الموضع الذي يجلب إليه المتاع للبيع قال : وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ « الفرقان : 7 » .
--------------------------- 410 ---------------------------
والسَّوِيقُ : سمي لِانْسِوَاقِهِ في الحلق من غير مضغ .
سَوَلَ
السُّؤْلُ : الحاجة التي تحرص النفس عليها ، قال : قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى « طه : 36 » وذلك ما سأله بقوله : رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي « طه : 25 »
والتسْوِيلُ : تزيين النفس لما تحرص عليه ، وتصوير القبيح منه بصورة الحسن ، قال : بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً « يوسف : 18 » الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ « محمد : 25 » وقال بعض الأدباء : سَالَتْ هذيل رسول الله فاحشةً
أي طلبت منه سُؤْلًا . قال : وليس من سأل كما قال كثير من الأدباء .
والسُّؤْلُ : يقارب الأمنية ، لكن الأمنية تقال فيما قدره الإنسان ، والسُّؤْلُ فيما طلب ، فكأن السُّؤْلَ يكون بعد الأمنية .
ملاحظات
يقصد ببعض الأدباء حسان بن ثابت شاعر النبي صلى الله عليه وآله ، فقد روى ابن هشام في السيرة « 3 / 675 » والبلاذري في أنساب الأشراف « 11 / 257 » : « أتى أبو كبير النبي صلى الله عليه وآله فقال له : أحلَّ لي الزنا . فقال له : أترضى أن يؤتى إليك مثل ذلك ؟ قال : لا . قال : فادع الله أن يذهب عني الشبق ، فدعا له ، وكان قد أسلم ، فقال حسان :
سالت هذيلٌ رسول الله فاحشةً
ضلَّت هذيلٌ بما سالت ولم تُصِبِ
سألوا نبيَّهم ما ليس يعطيهم
حتى المماتِ وكانوا سُبَّة العربِ
قالوا : ومن هذيل : مسلم بن جندب وكان قاصَّ مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة وإمامه وقارئه ، وكان يأخذ العطاء مع القراء ، والفقهاء ، والشعراء ، ومع المسجديين » . وشاهد الراغب أن الشاعر جعل همزة سألت ألفاً لضرورة الشعر ، ثم نقل عن أديب آخر أن سألوا مشتقٌ من غير سألوا ، ولا يصح ذلك .
سَالَ
سَالَ الشئ يَسِيلُ ، وأَسَلْتُهُ أنا ، قال : وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ « سبأ : 12 » أي أذبنا له . والْإِسَالَةُ في الحقيقة : حالة في القطر تحصل بعد الإذابة .
والسَّيْلُ : أصله مصدر ، وجعل إسماً للماء الذي يأتيك ولم يصبك مطره ، قال : فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً « الرعد : 17 » فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ « سبأ : 16 » . والسِّيلَانُ : الممتد من الحديد ، الداخل من النصاب في المقبض .
سَأَلَ
السُّؤَالُ : استدعاء ( ! ) معرفة ، أو ما يؤدي إلى المعرفة ، واستدعاء مال ، أو ما يؤدي إلى المال ، فاستدعاء المعرفة جوابه على اللسان ، واليد خليفة له بالكتابة ، أو الإشارة .
واستدعاء المال جوابه على اليد ، واللسان خليفة لها إما بوعد ، أو برد .
إن قيل : كيف يصح أن يقال السؤال يكون للمعرفة ، ومعلوم أن الله تعالى : يَسْأَلُ عباده نحو : وَإِذْ قالَ الله يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ « المائدة : 116 » . قيل : إن ذلك سُؤَالٌ لتعريف القوم ، وتبكيتهم لا لتعريف الله تعالى ، فإنه علام الغيوب ، فليس يخرج عن كونه سؤالاً عن المعرفة . والسُّؤَالُ للمعرفة يكون تارة للإستعلام ، وتارة للتبكيت ، كقوله تعالى : وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ « التكوير : 8 » ولتعرُّف الْمَسْؤولِ .
والسُّؤَالُ : إذا كان للتعريف تعدى إلى المفعول الثاني تارة بنفسه ، وتارة بالجار ، تقول : سألته كذا ، وسألته عن كذا ، وبكذا ، وبعن أكثر . وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ « الإسراء : 85 » وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ « الكهف : 83 » يَسْئَلُونَكَ عَنِ
--------------------------- 411 ---------------------------
الْأَنْفالِ « الأنفال : 1 » وقال تعالى : وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي « البقرة : 186 » وقال : سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ « المعارج : 1 » .
وإذا كان السؤال لاستدعاء مال فإنه يتعدى بنفسه أو بمن ، نحو : وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ « الأحزاب : 53 » وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا « الممتحنة : 10 » وقال : وَسْئَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ « النساء : 32 » . ويعبر عن الفقير إذا كان مستدعياً لشئ بالسائل ، نحو : وأما السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ « الضحى : 10 » وقوله : لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ « الذاريات : 19 » .
سَامَ
السَّوْمُ أصله : الذهاب في ابتغاء الشئ ، فهو لفظ لمعنى مركب من الذهاب والإبتغاء ، وأجري مجرى الذهاب في قولهم : سَامَتِ الإبل فهي سَائِمَةٌ . ومجرى الإبتغاء في قولهم : سُمْتُ كذا ، قال : يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ « إبراهيم : 6 » ومنه قيل : سِيمَ فلان الخسف ، فهو يُسَامُ الخسف .
ومنه : السَّوْمُ في البيع ، فقيل : صاحب السلعة أحق بالسوْم . ويقال : سُمْتُ الإبل في المرعى ، وأَسَمْتُهَا ، وسَوَّمْتُهَا ، قال : وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ « النحل : 10 » .
والسِّيمَاءُ والسِّيمِيَاءُ : العلامة ، قال الشاعر :
له سيمياءٌ لا تَشُقُّ عَلى البَصَرْ
وقال تعالى : سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ « الفتح : 29 » وقد سَوَّمْتُهُ أي أعلمته ، وقوله عز وجل في الملائكة : مُسَوِّمِينَ ، أي معلِّمين ومُسَوَّمِينَ معلَّمين لأنفسهم أو لخيولهم ، أو مرسلين لها ، وروي عنه عليه السلام أنه قال : تَسَوَّمُوا فإن الملائكة قد تَسَوَّمَتْ .
سَأَمَ
السَّأْمَةُ : الملالة مما يكثر لبثه ، فعلاً كان أو انفعالاً قال : وَهُمْ لايَسْأَمُونَ « فصلت : 38 » وقال : لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ « فصلت : 49 » وقال الشاعر :
سَئِمْتُ تكاليفَ الحياةِ ومَنْ يَعِشْ
ثمانينَ حَوْلاً لَا أباً لكَ يَسْأَمِ
سِين
طور سَيْنَاءَ : جبل معروف ، قال : تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ « المؤمنون : 20 » قرئ بالفتح والكسر ، والألف في سَيْنَاءَ بالفتح ليس إلا للتأنيث ، لأنه ليس في كلامهم فَعْلال إلا مضاعفاً ، كالقَلْقَال والزِّلْزَال ، وفي سِينَاءَ يصح أن تكون الألف فيه كالألف في عِلباء وحِرباء ، وأن تكون الألف للإلحاق بسرداح . وقيل أيضاً : وَطُورِ سِينِينَ .
والسِّينُ : من حروف المعجم .
سَوَا
المُسَاوَاةُ : المعادلة المعتبرة بالذرع والوزن والكيل ، يقال : هذا ثوب مُسَاوٍ لذاك الثوب ، وهذا الدرهم مساوٍ لذلك الدرهم . وقد يعتبر بالكيفية نحو : هذا السواد مساوٍ لذلك السواد ، وإن كان تحقيقه راجعاً إلى اعتبار مكانه دون ذاته . ولاعتبار المعادلة التي فيه استعمل استعمال العدل ، قال الشاعر : أبيْنَا فَلَا نُعْطِي السُّوَاءَ عَدُوَّنَا
واسْتَوَى : يقال على وجهين ، أحدهما : يسند إليه فاعلان فصاعداً ، نحو : اسْتَوَى زيد وعمرو في كذا ، أي تَسَاوَيَا ، وقال : لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ الله « التوبة : 19 » .
والثاني : أن يقال لاعتدال الشئ في ذاته ، نحو : ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى « النجم : 6 » وقال : فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ « المؤمنون : 28 » لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ « الزخرف : 13 » فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ « الفتح : 29 » واستوى فلان على عمالته ، واستوى أمر فلان .
ومتى عُدِّيَ بعلى اقتضى معنى الاستيلاء ، كقوله : الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى « طه : 5 » وقيل : معناه استوى له ما في السماوات وما في الأرض ، أي استقام الكل على مراده بِتَسْوِيَةِ الله تعالى إياه ، كقوله : ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ
--------------------------- 412 ---------------------------
فَسَوَّاهُنَّ « البقرة : 29 »
وقيل : معناه استوى كل شئ في النسبة إليه ، فلا شئ أقرب إليه من شئ ، إذ كان تعالى ليس كالأجسام الحالة في مكان دون مكان ، وإذا عُدِّي بإلى اقتضى معنى الانتهاء إليه إما بالذات أو بالتدبير . وعلى الثاني قوله : ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ « فصلت : 11 » .
وتَسْوِيَةُ الشئ : جعله سواء ، إما في الرفعة ، أو في الضعة ، وقوله : الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ « الانفطار : 7 » أي جعل خلقتك على ما اقتضت الحكمة ، وقوله : وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها « الشمس : 7 » فإشارة إلى القوى التي جعلها مقوِّمة للنفس ، فنسب الفعل إليها ، وقد ذكر في غير هذا الموضع أن الفعل كما يصح أن ينسب إلى الفاعل يصح أن ينسب إلى الآلة ، وسائر ما يفتقر الفعل إليه ، نحو : سيف قاطع . وهذا الوجه أولى من قول من قال : أراد وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها « الشمس : 7 » يعني الله تعالى ، فإن ما لا يعبر به عن الله تعالى ، إذ هو موضوع للجنس ، ولم يرد به سمع يصح .
وأما قوله : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى « الأعلى : 1 » فالفعل منسوب إليه تعالى ، وكذا قوله : فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي « الحجر : 29 » وقوله : رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها « النازعات : 28 » فَتَسْوِيَتُهَا يتضمن بناءها وتزيينها المذكور في قوله : إنا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ « الصافات : 6 » .
والسَّوِيُّ : يقال فيما يصان عن الإفراط والتفريط ، من حيث القدر والكيفية . قال تعالى : ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا « مريم : 10 » وقال تعالى : مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ « طه : 135 »
ورجلٌ سويٌّ : استوت أخلاقه وخلقته عن الإفراط والتفريط . وقوله تعالى : عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ « القيامة : 4 » قيل : نجعل كفه كخف الجمل لا أصابع لها . وقيل : بل نجعل أصابعه كلها على قدر واحد حتى لا ينتفع بها ، وذاك أن الحكمة في كون الأصابع متفاوتة في القدر والهيئة ظاهرة ، إذ كان تعاونها على القبض أن تكون كذلك .
وقوله : فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها « الشمس : 14 » أي سوى بلادهم بالأرض ، نحو : خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها « الكهف : 42 » وقيل : سوى بلادهم بهم ، نحو : لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ « النساء : 42 » وذلك إشارة إلى ما قال عن الكفار : يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً « النبأ : 40 »
ومكان سُوىً وسَوَاءٌ : وسطٌ . ويقال : سَوَاءٌ وسِوىً وسُوىً ، أي يستوي طرفاه ، ويستعمل ذلك وصفاً وظرفاً ، وأصل ذلك مصدر .
وقال : فِي سَواءِ الْجَحِيمِ « الصافات : 55 » وسَواءَ السَّبِيلِ « القصص : 22 » فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ « الأنفال : 58 » أي عدل من الحكم ، وكذا قوله : إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ « آل عمران : 64 » وقوله : سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ « البقرة : 6 » سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ « المنافقون : 6 » سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا « إبراهيم : 21 » أي يَسْتَوِي الأمران في أنهما لا يغنيان . سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ « الحج : 25 » .
وقد يستعمل سِوىً وسَوَاءٌ بمعنى غير ، قال الشاعر :
فلم يبقَ منهَا سِوى هَامِدِ
وقال آخر : وَمَا قَصَدَتْ من أهْلِهَا لِسَوَائِكَا .
وعندي رجل سِوَاكَ ، أي مكانك وبدلك .
والسِّيُّ : المساوي ، مثل : عدل ومعادل ، وقتل ومقاتل ، تقول : سِيَّانِ زيد وعمرو .
وأَسْوَاءٌ : جمع سِيٍّ نحو : نقض وأنقاض ، يقال : قوم أسواءٌ ومستوون .
والمساواة : متعارفة في المثمنات ، يقال : هذا الثوب يساوي كذا ، وأصله من سَاوَاهُ في القدر قال : حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ « الكهف : 96 » .
--------------------------- 413 ---------------------------
ملاحظات
خلط الراغب بين : ساوى وسوَّى واستوى وسواء وسِوى وغيرها ، وكأن أصلها واحد ! لكن لا نطيل في بحثها لوضوحها ، ونلفت إلى تعبير القرآن المبتكر : خلق فسوى وخلق ثم سوى ، بمعنى : هندسه وصاغه وصنعه . ونسب التسوية إلى بعض مخلوقاته وأقسم به فقال : ونفسٍ وما سَوَّاها « الشمس : 7 » .
سَوَأَ
السُّوءُ : كل ما يغمُّ الإنسان من الأمور الدنيوية والأخروية ، ومن الأحوال النفسية والبدنية والخارجة ، من فوات مال وجاه وفقد حميم . وقوله : بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ « طه : 22 » أي من غير آفة بها ، وفُسر بالبرص ، وذلك بعض الآفات التي تعرض لليد .
وقال : إن الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ « النحل : 27 » وعُبِّر عن كل ما يقبُح بِالسَّوْأَى ، ولذلك قوبل بالحسنى ، قال : ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّوأى « الروم : 10 » . كما قال : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى « يونس : 26 »
والسَّيِّئَةُ : الفعلة القبيحة وهي ضد الحسنة ، قال : بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً « البقرة : 81 » قال : لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ « النمل : 46 » يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ « هود : 114 » ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ « النساء : 79 » فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا « النحل : 34 » ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ « المؤمنون : 96 » . وقال عليه الصلاة والسلام : يا أنس ، أَتْبِعِ السيئة الحسنة تمحها .
والحسنة والسيئة ضربان ، أحدهما : بحسب اعتبار العقل والشرع نحو المذكور في قوله : مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلايُجْزى إِلَّا مِثْلَها « الأنعام : 160 » .
وحسنةٌ وسيئةٌ : بحسب اعتبار الطبع ، وذلك ما يستخفه الطبع وما يستثقله ، نحو قوله : فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ « الأعراف : 131 »
وقوله : ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ « الأعراف : 95 » وقوله تعالى : إن الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ « النحل : 27 » .
ويقال : سَاءَنِي كذا وسُؤْتَنِي ، وأَسَأْتَ إلى فلان . قال : سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا « الملك : 27 » وقال : لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ « الإسراء : 7 » مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ « النساء : 123 » أي قبيحاً . وكذا قوله : زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ « التوبة : 37 » عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ « الفتح : 6 » أي ما يسوؤهم في العاقبة . وكذا قوله : وَساءَتْ مَصِيراً « النساء : 97 » وساءَتْ مُسْتَقَرًّا « الفرقان : 66 » .
وأما قوله تعالى : فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ « الصافات : 177 » وساءَ ما يَعْمَلُونَ « المائدة : 66 » ساءَ مَثَلًا « الأعراف : 177 » فساء هاهنا تجري مجرى بئس .
وقال : وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ « الممتحنة : 2 » . وقوله : سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا « الملك : 27 » نسب ذلك إلى الوجه من حيث إنه يبدو في الوجه أثر السرور والغم .
وقال : سِئ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً « هود : 77 » : حل بهم ما يسوؤهم . وقال : سُوءُ الْحِسابِ « الرعد : 21 » وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ « الرعد : 25 » .
وكُنِّيَ عن الْفَرْجِ بِالسَّوْأَةِ . قال : كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ « المائدة : 31 » فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي « المائدة : 31 » يُوارِي سَوْآتِكُمْ « الأعراف : 26 » بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما « الأعراف : 22 » لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما « الأعراف : 20 » .
تم كتابُ السِّين
--------------------------- 414 ---------------------------
كتاب الشين وما يتصل بها
شَبَهَ
الشِّبْهُ والشَّبَهُ والشَّبِيهُ : حقيقتها في المماثلة من جهة الكيفية كاللون والطعم ، وكالعدالة والظلم .
والشُّبْهَةُ : هو أن لا يتميز أحد الشيئين من الآخر لما بينهما من التشابه ، عيناً كان أو معنىً ، قال : وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً « البقرة : 25 » أي يشبه بعضه بعضاً لوناً لا طعماً وحقيقة . وقيل : متماثلاً في الكمال والجودة . وقرئ قوله : مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ « الأنعام : 99 » . وقرئ : مُتَشابِهاً « الأنعام : 141 » جميعاً ، ومعناهما متقاربان .
وقال : إن الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا « البقرة : 70 » على لفظ الماضي ، فجعل لفظه مذكراً . وتَشَّابَهُ ، أي تتشابه علينا على الإدغام . وقوله : تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ « البقرة : 118 » أي في الغيِّ والجهالة . قال : آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ « آل عمران : 7 » .
والمُتَشَابِهُ من القرآن : ما أشكل تفسيره لمشابهته بغيره ، إما من حيث اللفظ ، أو من حيث المعنى ، فقال الفقهاء : المُتَشَابِهُ ما لا ينبئ ظاهره عن مراده . وحقيقة ذلك أن الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب : محكم على الإطلاق ، ومُتَشَابِهٌ على الإطلاق ، ومحكم من وجه متشابه من وجه . فالمتشابه في الجملة ثلاثة أضرب : متشابهٌ من جهة اللفظ فقط ، ومتشابهٌ من جهة المعنى فقط ، ومتشابهٌ من جهتهما . والمتشابه من جهة اللفظ ضربان :
أحدهما : يرجع إلى الألفاظ المفردة ، وذلك إما من جهة غرابته نحو : الأبَّ ، ويزفُّون ، وإما من جهة مشاركة في اللفظ ، كاليد والعين .
والثاني : يرجع إلى جملة الكلام المركب ، وذلك ثلاثة أضرب : ضربٌ : لاختصار الكلام نحو : وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا
--------------------------- 415 ---------------------------
تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ « النساء : 3 » . وضربٌ : لبَسط الكلام نحو : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئ « الشورى : 11 » لأنه لو قيل : ليس مثله شئ كان أظهر للسامع .
وضربٌ : لنظم الكلام نحو : أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً « الكهف : 1 » تقديره : الكتاب قيِّماً ولم يجعل له عوجاً . وقوله : وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ إلى قوله : لَوْ تَزَيَّلُوا .
والمتشابه من جهة المعنى : أوصاف الله تعالى ، وأوصاف يوم القيامة ، فإن تلك الصفات لا تُتَصَوَّر لنا ، إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نُحِسُّه ، أو لم يكن من جنس ما نحسُّه .
والمتشابه من جهة المعنى واللَّفظ جميعاً : خمسة أضرب ، الأول : من جهة الكمية كالعموم والخصوص نحو : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ « التوبة : 5 » . والثاني : من جهة الكيفية كالوجوب والندب ، نحو : فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ « النساء : 3 » . والثالث : من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ نحو : اتَّقُوا الله حق تُقاتِهِ « آل عمران : 102 » . والرابع : من جهة المكان والأمور التي نزلت فيها ، نحو : وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها « البقرة : 189 » وقوله : إنمَا النَّسِئ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ « التوبة : 37 » فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه معرفة تفسير هذه الآية .
والخامس : من جهة الشروط التي بها يصح الفعل أو يفسد ، كشروط الصلاة والنكاح .
وهذه الجملة إذا تُصوِّرت عُلم أن كل ما ذكره المفسرون في تفسير المتشابه لا يخرج عن هذه التقاسيم ، نحو قول من قال : المتشابه : ألم . وقول قتادة : المحكم : الناسخ والمُتَشَابِهُ المنسوخ . وقول الأصم : المحكم ما أجمع على تأويله والمُتَشَابِهُ ما اختلف فيه .
ثم جميع المتشابه على ثلاثة أضرب ، ضرب : لا سبيل للوقوف عليه ، كوقت الساعة وخروج دابة الأرض ، وكيفية الدابة ونحو ذلك . وضربٌ : للإنسان سبيلٌ إلى معرفته ، كالألفاظ الغريبة والأحكام الغَلِقَة . وضربٌ : مترددٌ بين الأمرين ، يجوز أن يختص بمعرفة حقيقته بعض الراسخين في العلم ، ويخفى على من دونهم ، وهو الضَّرب المشار إليه بقوله عليه السلام في عليٍّ رضي الله عنه : اللهمّ فقِّهه في الدِّين وعلِّمه التأويل ، وقوله لابن عباس مثل ذلك .
وإذ عرفت هذه الجملة ، عُلم أن الوقف على قوله : وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله « آل عمران : 7 » ووصله بقوله : وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ « آل عمران : 7 » جائز ، وأن لكل واحد منهما وجهاً ، حسبماً دل عليه التفصيل المتقدم .
وقوله : الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً « الزمر : 23 » فإنه يعني ما يشبه بعضه بعضاً في الأحكام ، والحكمة واستقامة النظم . وقوله : وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ « النساء : 157 » أي مُثِّلَ لهم من حسبوه إياه . والشَّبَهُ من الجواهر : ما يشبه لونه لون الذهب .
ملاحظات
1 . قال الله تعالى : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَاوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلا الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُواْ الأَلْبَابِ . رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ . « آل عمران : 7 » .
2 . لم يُعرِّف الراغب المُحكم والمتشابه ، ولا ذكر أحكامهما ، بل فصل في أنواع التشابه ، وشقَّق النوع إلى قسمين ، ثم القسم إلى أقسام . وهذا هروبٌ من البحث العلمي فيهما ، إلى مهارة وصفية لأسباب التشابه !
3 . من أول مسائل الموضوع : من يعلم المتشابه . فهل الراسخون في العلم في آيته عطف على الله تعالى
--------------------------- 416 ---------------------------
فهم يعلمون تأويله ، أم مبتدأٌ خبره يقولون آمنا ، فهم لا يعلمون تأويله بل يؤمنون به ؟ وقد اختار الراغب الأمرين معاً فقال : « وإذ عرفت هذه الجملة ، عُلم أن الوقف على قوله : وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله ووصله بقوله : وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ، جائز ، وأن لكل واحد منهما وجهاً حسبماً ، دل عليه التفصيل المتقدم » .
ومعناه أن المتشابه لا يعلمه إلا الله ، ويعلمه الراسخون في العلم !
لكن المهارة في التقسيم لاترفع التناقض بين الوجهين ! والقول إن بعض المتشابه لا يعلمه إلا الله ، وبعضه يعلمه الراسخون ! مهارةٌ لفظية لا تحل المشكلة .
4 . عقيدتنا أن المقصود القطعيلله تعالى من الآيات المتشابهة ، لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم عليهم السلام الذين اصطفاهم الله وأورثهم علم الكتاب .
قال علي عليه السلام : « أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ، أنْ رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم » . « نهج البلاغة : 2 / 27 » .
5 . أفضل تعريف للمتشابه قول الإمام الصادق عليه السلام في جواب مسعدة بن صدقة قال : الناسخ الثابت المعمول به ، والمنسوخ ما قد كان يعمل به ثم جاء ما نسخه ، والمتشابه : ما اشتبه على جاهله » . « العياشي 1 / 11 »
فالمتشابه نسبيٌّ حسب فهم الناس ، فهو يقلُّ حسب درجتهم العلمية وقدراتهم العقلية ، ويزول عند الراسخين في العلم ، الذين عندهم علم الكتاب عليهم السلام .
6 . من القواعد التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وآله : تحريم القول بغير علم في تفسير القرآن وأحكام الشريعة وكل أمور الدين . وكان القاضي ابن شبرمة يرتجف لهذا الحديث ، قال : « ما ذكرت حديثاً سمعته عن جعفر بن محمد إلا كاد أن يتصدع قلبي ، قال : حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله . قال ابن شبرمة : وأقسم ب الله ما كذب أبوه على جده ولا جده على رسول الله صلى الله عليه وآله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « من عمل بالمقائيس فقد هلك وأهلك ومن أفتى الناس بغير علم وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ ، والمحكم من المتشابه ، فقد هلك وأهلك » . « الكافي : 1 / 43 »
7 . ومن القواعد التي وضعها النبي صلى الله عليه وآله : وجوب رد المتشابه إلى المحكم ، قال الإمام الرضا عليه السلام : « من رد متشابه القرآن إلى محكمة هُدِيَ إلى صراط مستقيم . ثم قال : إن في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن ، ومحكماً كمحكم القرآن ، فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا » . « عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 261 » .
8 . كثر التحليل في الحكمة من وجود المتشابه وسبب بناء القرآن على محكم ومتشابه ، وهو بحث مهم . كما توجد بحوث أخرى ، وهي خارجة عن غرض الكتاب .
شَتَتَ
الشَّتُّ : تفريق الشَّعْب ، يقال : شَتَّ جمعهم شَتاً وشَتَاتاً ، وجاؤوا أَشْتَاتاً ، أي متفرقي النظام ، قال : يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً « الزلزلة : 6 » وقال : مِنْ نَباتٍ شَتَّى « طه : 53 » أي مختلفة الأنواع ، وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى « الحشر : 14 » أي هم بخلاف من وصفهم بقوله : وَلكِنَّ الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ « الأنفال : 63 » .
وشَتَّانَ اسم فعل ، نحو وَشْكَان يقال : شتان ما هما ، وشتان ما بينهما إذا أخبرت عن ارتفاع الإلتئام بينهما .
ملاحظات
لا يصح تعريف الشت بتفرق الشعب ، أي فروع العشيرة ، لأنه أعم . تقول : تشتت أمرهم ، وتقول : ثغر شتيت ، أي حسن متفرق الثنايا . وقد أخذه الراغب
--------------------------- 417 ---------------------------
من الخليل وابن فارس ، لكنهما لم يُعَرِّفا الشت بذلك ، بل مَثَّلا بقولهم : تفرق شعبهم . ولعل أصله : شت سعيهم . « راجع : العين : 6 / 214 والمقاييس : 7 / 254 » .
شَتَا
قال عز وجل : رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ « قريش : 2 » يقال : شَتَّى وأَشْتَى ، وصاف وأصاف .
والْمَشْتَى والْمَشْتَاةَ : للوقت والموضع والمصدر ، قال الشاعر :
نحنُ في المِشْتَاةِ نَدْعُو الجَفْلَى
« معناه : نحن في الشتاء ندعو لطعامنا عامة الناس » .
شَجَرَ
الشَّجَرُ : من النبات ما له ساق ، يقال : شَجَرَةٌ وشَجَرٌ ، نحو : ثمرة وثمر . قال تعالى : إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ « الفتح : 18 » وقال : أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها « الواقعة : 72 » وقال : وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ « الرحمن : 6 » لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ « الواقعة : 52 » إن شَجَرَةَ الزَّقُّومِ « الدخان : 43 » .
وواد شَجِيرٌ : كثير الشجر ، وهذا الوادي أَشْجَرُ من ذلك . والشَّجَارُ المُشَاجَرَةُ ، والتشَاجُرُ : المنازعة . قال تعالى : حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ « النساء : 65 » . وشَجَرَنِي عنه : صرفني عنه بالشجار . وفي الحديث : فإن اشْتَجَرُوا فالسلطان ولي من لا ولي له .
والشِّجَارُ : خشب الهودج ، والْمِشْجَرُ : ما يلقى عليه الثوب . وشَجَرَهُ بالرمح أي طعنه بالرمح ، وذلك أن يطعنه به فيتركه فيه .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة في : شجرة آدم وحواء عليهما السلام ، وشجرة وادي الطور ، وفي الشجرة الطيبة عليهم السلام ، والشجرة الخبيثة ، وشجرة الزقوم ، وشجرة الزيتون ، وشجرة بيعة الرضوان ، وفي بيوت النحل على الشجر ، وشجر الحدائق البهيجة ، وشجر الرعي ، وفي سجود الشجرلله تعالى ، وفي شجرة النار ، والنار في الشجر الأخضر ، وفي أقلام الأشجار ، وفي شجرة اليقطين ليونس عليه السلام .
وشجرة اليقطين : تدل على أن الشجرة تطلق على كل نبات اشتجرت غصونه وإن لم يكن له ساق ، فيقال شجرة يقطين ، وشجرة خيار ، كما يقال : شجرة زيتون .
شَحَّ
الشُّحُّ : بخل مع حرص ، وذلك فيما كان عادة قال تعالى : وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ « النساء : 128 » وقال سبحانه : وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ « الحشر : 9 » . يقال : رجل شَحِيحٌ ، وقوم أَشِحَّةٌ ، قال تعالى : أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ « الأحزاب : 19 » أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ « الأحزاب : 19 » . وخطيب شَحْشَح : ماض في خطبته ، من قولهم : شَحْشَحَ البعير في هديره .
ملاحظات
أخذ الراغب تفسير الشح من ابن فارس ، لكنه لم يشترط أن يكون عادة لصاحبه . قال « 3 / 178 » : « الشح : وهو البخل مع حرص » .
شَحَمَ
قال تعالى : حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما « الأنعام : 146 » . وشَحْمَةُ الأذن : مَعْلَق القرط لتصوره بصورة الشَّحْمِ . وشَحْمَةُ الأرض لدودة بيضاء . ورجل مُشْحِمٌ : كثر عنده الشحم . وشَحِمٌ : محبٌّ للشَّحم . وشَاحِمٌ : يطعمه أصحابه . وشَحِيمٌ : كثر على بدنه .
شَحَنَ
قال تعالى : فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ « الشعراء : 119 » أي المملوء . والشَّحْنَاءُ : عداوة امتلأت منها النفس . يقال : عدوٌّ مُشَاحِنٍ . وأَشْحَنَ للبكاء : امتلأت نفسه لتهيئه له .
--------------------------- 418 ---------------------------
شَخَصَ
الشَّخْصُ : سواد الإنسان القائم المرئي من بعيد ، وقد شَخَصَ من بلده : نفذ ، وشَخَصَ سهمه وبصره ، وأَشْخَصَهُ صاحبه .
قال تعالى : لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ « إبراهيم : 42 » شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا « الأنبياء : 97 » أي أجفانهم لا تطرف .
شَدَّ
الشَّدُّ : العقد القوي . يقال : شَدَدْتُ الشئ : قويت عقده ، قال الله : وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ « الإنسان : 28 » حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ « محمد : 4 » .
والشدة : تستعمل في العقد ، وفي البدن ، وفي قوى النفس ، وفي العذاب ، قال : وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً « فاطر : 44 » عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى « النجم : 5 » يعني جبريل عليه السلام وقال تعالى : عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ « التحريم : 6 » وقال : بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ « الحشر : 14 » فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ « ق : 26 » .
والشَّدِيدُ والمُتَشَدِّدُ : البخيل . قال تعالى : وَإنهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ « العاديات : 8 » . فَالشَّدِيدُ يجوز أن يكون بمعنى مفعول ، كأنه شُدَّ ، كما يقال : غُلَّ عن الإفضال ، وإلى نحو هذا : وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ « المائدة : 64 » . ويجوز أن يكون بمعنى فاعل ، فَالمُتَشَدِّدُ كأنه شد صُرَّته .
وقوله تعالى : حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً « الأحقاف : 15 » فيه تنبيهٌ [ على ] أن الإنسان إذا بلغ هذا القدر يتقوى خلقه الذي هو عليه فلا يكاد يزايله بعد ذلك . وما أحسن ما نبه له الشاعر حيث يقول :
إذا المرءُ وافَى الأربعينَ وَلَمْ يَكُنْ
لهُ دُونَ مَا يَهْوَى حَيَاءٌ وَلَا سِتْرُ
فَدَعْهُ وَلَا تَنْفَسْ عَلَيْهِ الَّذي مَضَى
وَإنْ جَرَّ أسْبَابَ الحَيَاةِ لَهُ الْعُمْرُ
وشَدَّ فلان واشْتَدَّ : إذا أسرع ، يجوز أن يكون من قولهم : شدَّ حزامه للعَدْو ، كما يقال : ألقى ثيابه : إذا طرحه للعدو ، وأن يكون من قولهم : اشتدت الريح ، قال تعالى : اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ « إبراهيم : 18 » .
ملاحظات
عرَّف الراغب الشدَّ بالعقد القوي ، وقال إن شَدَدْتُ الشئ بمعنى قويت عقده . وهذا لا يصح لأن شدَّ الشئ قد يكون بمعنى جَرَّهُ .
وقد اشتبه الراغب في فهم عبارة ابن فارس ، فقد ذكر شد العقدة مثلاً ، قال « 3 / 179 » : « من ذلك شددت العقد شداً أشده » . كما أن تفسيره لَشَدَدْنا أَسْرَهُم بشد العقدة لا يصح ، نعم شد الوثاق قد يستلزم شد العقدة .
ولم يستوف الراغب آيات المادة . وقد استعملت في : شد المُلك ، وشد العضد ، وشد الأزر ، والشد على القلب ، واشتداد الريح ، والبأس الشديد ، والبطش الشديد ، والزلزال الشديد . وأشدُّ عداوةً . وأشدُّ قوةً . وأشدُّ كفراً ونفاقاً . وأشدُّ خَلْقاً . وأشدُّ بطشاً . وأشد رهبةً . وأشد رهبةً . وأشد وطأةً . واستعملت كثيراً في العذاب الشديد ، والعقاب الشديد .
شَرّ
الشَّرُّ : الذي يرغب عنه الكل ، كما أن الخير هو الذي يرغب فيه الكل ، قال تعالى : شَرٌّ مَكاناً « يوسف : 77 » وإن شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ الله الصُّمُ « الأنفال : 22 » . وقد تقدم تحقيق الشر مع ذكر الخير وذكر أنواعه .
ورجل شَرٌّ وشِرِّيرٌ : متعاطٍ للشر ، وقوم أَشْرَارٌ .
وقد أَشْرَرْتُهُ : نسبته إلى الشر . وقيل : أَشْرَرْتُ كذا : أظهرته ، واحتُجَّ بقول الشاعر :
إذا قيل أيُّ الناس شرٌَّ قَبِيلَةً
أشَرَّتْ كُلَيْبٌ بالأكُفِّ الأصَابعِ
فإن لم يكن في هذا إلا هذا البيت فإنه يحتمل أنها نسبت
--------------------------- 419 ---------------------------
الأصابع إلى الشر بالإشارة إليه ، فيكون من أشررته إذا نسبته إلى الشر . والشُّرُّ : بالضم خُصَّ بالمكروه .
وشَرَارُ النّار : ما تطاير منها ، وسميت بذلك لاعتقاد الشر فيه قال تعالى : تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ « المرسلات : 32 » .
ملاحظات
من تكلف الراغب استشهاده ببيت الفرزدق وهو مشهور من مساجلاته مع جرير ونصه :
أشارت كليبٌ بالأكفِّ الأصابعُ « خزانة الأدب : 9 / 115 » فليس فيه شاهد . لكنه جعله أشَرَّتْ ولم يروه أحدٌ بهذا اللفظ !
أما قوله : « وقد تقدم تحقيق الشر مع ذكر الخير وذكر أنواعه » فلم يتقدم منه ما يشفي الغليل .
والظاهر أن الخير والشر يستعملان في القرآن مرة بالمعنى الواقعي ، ومرة بالمعنى العرفي . فقوله تعالى : إِنَّ الآنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ . وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ . وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ . فالخير الذي يحبه خيرٌ عرفي ، حسب رأيه ، وقد يكون شراً له واقعاً .
وقال تعالى : إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا . أي ما يحسبه شراً وخيراً . وقال تعالى : لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ . فما تحسبه شراً قد يكون خيراً في الواقع ، وبالعكس .
شَرِبَ
الشُّرْبُ : تناول كل مائع ، ماء كان أو غيره . قال تعالى في صفة أهل الجنة : وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً « الإنسان : 21 » وقال في صفة أهل النار : لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ « يونس : 4 » .
وجمع الشَّرَاب أَشْرِبَةٌ ، يقال : شَرِبْتُهُ شَرْباً وشُرْباً . قال عز وجل : فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي . إلى قوله : فَشَرِبُوا مِنْهُ . وقال : فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ « الواقعة : 55 » .
والشِّرْبُ : النصيب منه قال تعالى : هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ « الشعراء : 155 » وقال : كل شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ « القمر : 28 » .
والْمَشْرَبُ : المصدر ، واسم زمان الشُّرب ، ومكانه ، قال تعالى : قَدْ عَلِمَ كل أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ « البقرة : 60 » . والشَّرِيبُ : المُشَارِبُ والشَّرَابُ . وسمي الشَّعر الذي على الشفة العليا ، والعرق الذي في باطن الحلق شارباً ، وجمعه : شَوَارِبُ ، لتصورهما بصورة الشاربين ، قال الهذلي في صفة عِير :
صَخْبُ الشَّوارب لا يَزَال كَأَنَّهُ
[ عَبْدٌ لآلِ أبي ربيعةَ مُسْبِعُ ] وقوله تعالى : وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ « البقرة : 93 » قيل : هو من قولهم : أَشْرَبْتُ البعير ، أي شددت حبلاً في عنقه ، قال الشاعر : فأَشْرَبْتُهَا الأقْرَانَ حَتَّى وَقَصْتُها
بِقَرْحٍ وقد أَلْقَيْنَ كُلَّ جَنِينِ
فكأنما شُدَّ في قلوبهم العجل لشغفهم .
وقال بعضهم : معناه أُشْرِبَ في قلوبهم حبُّ العجل ، وذلك أن من عادتهم إذا أرادوا العبارة عن مخامرة حب أو بغض ، استعاروا له اسم الشراب ، إذ هو أبلغ إنجاع في البدن ، ولذلك قال الشاعر :
تَغَلْغَلَ حَيْثُ لم يَبْلُغْ شَرَابٌ
ولا حُزْنٌ ولم يَبْلُغْ سُرورُ
ولو قيل : حب العجل لم يكن له المبالغة ، فإن في ذكر العجل تنبيهاً [ على ] أنه لفرط شغفهم به صارت صورة العجل في قلوبهم لا تنمحي . وفي مَثَلٍ : أَشْرَبْتَنِي ما لم أشرب ، أي ادعيت عليَّ ما لم أفعل .
ملاحظات
لم يجزم الراغب بتفسير أشربوا في قلوبهم العجل بأنه حب العجل مع أنه واضح . وهو من مبتكرات القرآن .
--------------------------- 420 ---------------------------
ولم يَذكر الشارب ولا السبال في القرآن ، وذكره الراغب واستشهد له بشعر غامض . وقد اختلفوا في تعريفه ، فقال الجوهري « 1 / 491 » : « والشارِبانِ : ما سالَ على الفَم من الشَّعر . وبعضهم يُسمِّي السَّبَلةَ كلَّها شارِباً واحداً ، وليس بصواب » . وفي تحرير الأحكام للعلامة الحلي « 1 / 72 » : « السُّنَن الحنيفية عشر : خمس في الرأس وهي : المضمضة والاستنشاق ، والسواك ، وفرق الشعر ، وقص الشارب .
وخمس في البدن : قص الأظفار ، وحلق العانة ، والإبطين ، والختان ، والاستنجاء » .
شَرَحَ
أصل الشَّرْحِ : بسط اللحم ونحوه ، يقال : شَرَحْتُ اللحم وشَرَّحْتُهُ . ومنه : شَرْحُ الصَّدر أي بسطه بنور إلهي وسكينة من جهة الله وروح منه . قال تعالى : رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي « طه : 25 » وقال : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ « الشرح : 1 » أَفَمَنْ شَرَحَ الله صَدْرَهُ « الزمر : 22 » .
وشرح المشكل من الكلام : بسطه وإظهار ما يخفى من معانيه .
ملاحظات
1 . عرف الراغب الشرح بأنه بَسْطُ اللحم ونحوه . وتعريف الخليل فصيح ، قال « 3 / 93 » : « الشرح : السعة . قال الله عز وجل : أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ، أي وسعه فاتسع لقول الخير . والشرح : البيان . والشرح والتشريح : قَطْعُ اللحم على العظام قطعاً ، والقطعة منه شَرْحَة » .
2 . استعمل القرآن الشرح خمس مرات في شرح الصدر ، ولم يستعمله في غيره . وجعله الراغب مأخوذاً من شرح اللحم ، وقد أخذه من ابن فارس « 3 / 269 » ولعل شرح اللحم أُخِذَ من السعة . كما اشترط الخليل في تشريح اللحم أن يكون عن عظم .
شَرَدَ
شَرَدَ البعير : ندَّ ، وشَرَّدْتُ فلاناً في البلاد ، وشَرَّدْتُ به ، أي فعلت به فعلةً تُشَرِّدُ غيره أن يفعل فعله ، كقولك : نكَّلت به : أي جعلت ما فعلت به نكالاً لغيره .
قال تعالى : فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ « الأنفال : 57 » أي اجعلهم نكالاً لمن يعرض لك بعدهم ، وقيل : فلان طريد شَرِيدٌ .
شَرْذَمَ
الشِّرْذِمَةُ : جماعة منقطعة . قال تعالى : إن هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ « الشعراء : 54 » وهو من قولهم : ثوب شَرَاذِمُ ، أي متقطع .
شَرَطَ
الشَّرْطُ : كل حكم معلوم متعلِّق بأمر يقع بوقوعه ، وذلك الأمر كالعلامة له . وشَرِيطٌ وشَرَائِطُ ، وقد اشْتَرَطْتُ كذا ، ومنه قيل : للعلَامة الشَّرَطُ .
وأَشْرَاطُ الساعة : علاماتها ، قال تعالى : فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها « محمد : 18 » . والشُّرَطُ : قيل سموا بذلك لكونهم ذوي علامة يعرفون بها ، وقيل لكونهم أرذال الناس فَأَشْرَاطُ الإبل : أرذالها . وأَشْرَطَ نفسهللهلكة : إذا عمل عملاً يكون علامة للهلاك ، أو يكون فيه شرط الهلاك .
ملاحظات
عرَّف الشرط بكلام يدل على قلة بضاعته في الفقه ، فقال : الشَّرْطُ : كل حكم معلوم متعلِّق بأمر يقع بوقوعه ، وذلك الأمر كالعلامة له . فجعله الحكم ، ثم اشترط أن يكون حكماً معلوماً . . والشَّرطُ لغةً : العَلَامة . وعرفه ابن منظور « 7 / 329 » بأنه إلزام الشئ والتزامه في البيع ونحوه .
شَرَعَ
الشَّرْعُ : نهج الطريق الواضح ، يقال : شَرَعْتُ له طريقاً . والشَّرْعُ : مصدر ، ثم جعل إسماً للطريق النهج فقيل له : شِرْعٌ وشَرْعٌ وشَرِيعَةٌ ، واستعير ذلك للطريقة الإلهية .
--------------------------- 421 ---------------------------
قال تعالى : لِكل جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً « المائدة : 48 » . فذلك إشارة إلى أمرين ، أحدهما : ما سخر الله تعالى عليه كل إنسان من طريق يتحراه مما يعود إلى مصالح العباد وعمارة البلاد ، وذلك المشار إليه بقوله : وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا « الزخرف : 32 » .
الثاني : ما قيض له من الدين وأمره به ليتحراه اختياراً ، مما تختلف فيه الشرائع ، ويعترضه النسخ ، ودل عليه قوله : ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها « الجاثية : 18 » .
قال ابن عباس : الشِّرْعَةُ ما ورد به القرآن ، والمنهاج ما ورد به السنة .
وقوله تعالى : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً « الشورى : 13 » فإشارة إلى الأصول التي تتساوى فيها الملل ، فلا يصح عليها النسخ كمعرفة الله تعالى : ونحو ذلك من نحو ما دلَّ عليه قوله : وَمَنْ يَكْفُرْ بِالله وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ « النساء : 136 » .
قال بعضهم : سميت الشَّرِيعَةُ شَرِيعَةً تشبيهاً بشريعة الماء ، من حيث إن من شرع فيها على الحقيقة المصدوقة رُوِيَ وتطهر . قال : وأعني بالريِّ ما قال بعض الحكماء : كنت أشرب فلا أروى ، فلما عرفت الله تعالى رويت بلا شرب . وبالتطهر ما قال تعالى : إنما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً « الأحزاب : 33 » . وقوله تعالى : إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً « الأعراف : 163 » جمع شارع .
وشَارِعَةُ الطريق : جمعها شَوَارِعُ ، وأَشْرَعْتُ الرمح قبله ، وقيل : شَرَعْتُهُ فهو مَشْرُوعٌ . وشَرَعْتُ السفينة : جعلت لها شراعاً ينقذها ، وهم في هذا الأمر شَرْعٌ ، أي سواء ، أي يَشْرَعُونَ فيه شروعاً واحداً .
وشَرْعُك من رَجُلٍ زيدٌ : كقولك حَسْبُك ، أي هو الذي تَشرع في أمره ، أو تشرع به في أمرك .
والشِّرْعُ : خص بما يشرع من الأوتار على العود .
ملاحظات
وردت مادة شَرَع في القرآن خمس مرات ، وعرفه الراغب : بنهج الطريق الواضح ، لكنه مأخوذ من شريعة الماء ، نعم يسمى الطريق إليها شريعة أيضاً .
قال الخليل « 1 / 252 » : « شرع الوارد الماء شرعاً فهو شارع . والشريعة والمشرعة موضع على شاطئ البحر « النهر » أو في البحر يُهيأ لشرب الدواب ، والجميع الشرائع والمشارع . والشريعة والشرائع : ما شرع الله للعباد من أمر الدين ، وأمرهم بالتمسك به من الصلاة والصوم والحج وشبهه ، وهي الشرعة » .
وقال ابن فارس « 3 / 262 » : « أصل واحد وهو شئ يفتح في امتداد يكون فيه . من ذلك الشريعة وهي مورد الشاربة الماء . واشتق من ذلك الشرعة في الدين والشريعة قال الله تعالى : لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا .
وقال سبحانه : ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ . ويقال أشرعت طريقاً إذا أنفذته وفتحته ، وشرعت أيضاً » .
وقال ابن منظور « 8 / 175 » : « والشَّريعةُ والشِّراعُ والمَشْرَعةُ : المواضعُ التي يُنْحَدر إِلى الماء منها ، قال الليث : وبها سمي ما شَرَعَ الله للعبادِ شَريعةً » .
فاتضح أن الشريعة تطلق على شريعة الماء وعلى طريقها ، فهي الطريق الموصلة إلى المنهل ، وهي المنهل نفسه .
ثم نقل الراغب تفسير أحد المتصوفة أن الشريعة هي ورود الحقيقة والرِّيُّ والتطهر . ثم نقل أنهم بتطهرهم بالشريعة يصلون إلى درجة تطهير الله تعالى لأهل البيت عليهم السلام . وهذا سرقةٌ لمقام خص الله به عترة رسوله صلى الله عليه وآله فطهرهم من كل ذنب وعيب ، أعطاه الراغب لمن يزعمون أنهم أصحاب مقامات !
--------------------------- 422 ---------------------------
شَرَقَ
شَرَقَتِ الشمس شُرُوقاً : طلعت ، وقيل : لا أفعل ذلك ما ذرَّ شَارِقٌ . وأَشْرَقَتْ : أضاءت . قال الله : بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ « ص : 18 » أي وقت الإشراق .
والْمَشْرِقُ والمغرب : إذا قيلا بالإفراد ، فإشارة إلى ناحيتي الشَّرْقِ والغرب . وإذا قيلا بلفظ التثنية فإشارة إلى مطلعي ومغربي الشتاء والصيف . وإذا قيلا بلفظ الجمع فاعتبار بمطلع كل يوم ومغربه ، أو بمطلع كل فصل ومغربه .
قال تعالى : رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ « الشعراء : 28 » رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ « الرحمن : 17 » بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ « المعارج : 40 » وقوله تعالى : مَكاناً شَرْقِيًّا « مريم : 16 » أي من ناحية الشرق .
والْمِشْرَقَةُ : المكان الذي يظهر للشرق . وشَرَّقْتُ اللحم : ألقيته في الْمِشْرَقَةِ « ليجف » . والمُشَرَّقُ : مصلى العيد لقيام الصلاة فيه عند شُرُوقِ الشمس . وشَرَقَتِ الشمس : اصفرَّت للغروب ، ومنه : أحمر شَارِقٌ : شديد الحمرة ، وأَشْرَقَ الثوب بالصبغ ،
ولحم شَرَقٌ : أحمر لا دسم فيه .
شَرِكَ
الشِّرْكَةُ والمُشَارَكَةُ : خلط الملكين ، وقيل : هو أن يوجد شئ لاثنين فصاعداً ، عيناً كان ذلك الشئ أو معنىً ، كَمُشَارَكَةِ الإنسان والفرس في الحيوانية ، ومُشَارَكَةِ فرس وفرس في الكمتة والدهمة ، يقال : شَرَكْتُهُ وشَارَكْتُهُ وتَشَارَكُوا واشْتَرَكُوا وأَشْرَكْتُهُ في كذا . قال تعالى : وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي « طه : 32 » وفي الحديث : اللهمَّ أَشْرِكْنَا في دعاء الصّالحين . وروي أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وآله : إني شرفتك وفضلتك على جميع خلقي وأَشْرَكْتُكَ في أمري . أي جعلتك بحيث تذكر معي ، وأمرت بطاعتك مع طاعتي في نحو : أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ « محمد : 33 »
وقال تعالى : إنكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ . « الزخرف : 39 » . وجمع الشَّرِيكِ شُرَكاءُ . قال تعالى : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ « الإسراء : 111 » وقال : شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ « الزمر : 29 » أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ « الشورى : 21 » وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ « النحل : 27 » .
وشِرْكُ الإنسان في الدين ضربان ، أحدهما : الشِّرْكُ العظيم وهو : إثبات شريكلله تعالى . يقال : أَشْرَكَ فلان بالله ، وذلك أعظم كفر . قال تعالى : إن الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ « النساء : 48 » وقال : وَمَنْ يُشْرِكْ بِالله فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً « النساء : 116 » ومَنْ يُشْرِكْ بِالله فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيْهِ الْجَنَّةَ « المائدة : 72 » يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِالله شَيْئاً « الممتحنة : 12 » وقال : سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ الله ما أَشْرَكْنا « الأنعام : 148 » .
والثاني : الشِّرْكُ الصغير ، وهو مراعاة غير الله معه في بعض الأمور ، وهو الرِّيَاء والنفاق المشار إليه بقوله : جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى الله عما يُشْرِكُونَ « الأعراف : 190 » وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ « يوسف : 106 » .
وقال بعضهم : معنى قوله إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ، أي واقعون في شرك الدنيا ، أي حبالتها . قال : ومن هذا ما قال عليه السلام : الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصَّفا . ولفظ الشِّرْكِ من الألفاظ المشتركة . وقوله تعالى : فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً « الكهف : 110 » محمول على الشركين .
وقوله : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ « التوبة : 5 » فأكثر الفقهاء يحملونه على الكفار جميعاً ، كقوله : وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله . الآية . « التوبة : 30 » وقيل : هم من عدا أهل الكتاب لقوله : إن الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا « الحج : 17 » أفرد المُشْرِكِينَ عن اليهود والنصارى .
--------------------------- 423 ---------------------------
ملاحظات
خلط الراغب بين أنواع الشرك والمشركين ، ومعانيها . لكنها مباحث يغلب عليها الجانب الكلامي والفقهي ، ويقل فيها الجانب اللغوي ، فلا نُفيض فيها .
شَرَى
الشِّرَاءُ والبيع يتلازمان ، فَالمُشْتَرِي دافع الثمن وآخذ المثمن ، والبائع دافع المثمن وآخذ الثمن .
هذا إذا كانت المبايعة والمُشَارَاةُ بناضٍّ وسلعة ، فأما إذا كانت بيع سلعة بسلعة صح أن يتصور كل واحد منهما مُشْتَرِياً وبائعاً ، ومن هذا الوجه صار لفظ البيع والشراء يستعمل كل واحد منهما في موضع الآخر .
وشَرَيْتُ بمعنى بعت أكثر ، وابتعت بمعنى اشْتَرَيْتُ أكثر ، قال الله تعالى : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ « يوسف : 20 » أي باعوه ، وكذلك قوله : يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ « النساء : 74 » وتُجُوِّزَ بالشراء والإشتراء في كل ما يحصل به شئ ، نحو : إن الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله « آل عمران : 77 » لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ الله « آل عمران : 199 » اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا « البقرة : 86 » أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى « البقرة : 16 » وقوله : إن الله اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ « التوبة : 111 » فقد ذكر ما اشتري به ، وهو قوله : يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ « التوبة : 111 » .
ويسمى الخوارج بِالشُّرَاةِ : متأولين فيه قوله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ الله « البقرة : 207 »
فمعنى يَشْرِي : يبيع ، فصار ذلك كقوله : إن الله اشْتَرى . الآية « التوبة : 111 » .
شَطَطَ
الشَّطَطُ : الإفراط في البعد . يقال : شَطَّتِ الدارُ وأَشَطَّت ، يقال في المكان وفي الحكم وفي السّوم ، قال : شطَّ المزارُ بجَدْوَى وانْتَهَى الأَمَلُ . وعبّر بِالشَّطَطِ عن الجور . قال تعالى : لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً « الكهف : 14 » أي قولاً بعيداً عن الحق . وشَطُّ النهر : حيث يبعد عن الماء من حافته .
شَطَرَ
شَطْرُ الشئ : نصفه ووسطه . قال تعالى : فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ « البقرة : 144 » أي جهته ونحوه ، وقال : وَحَيْثُما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ « البقرة : 150 » .
ويقال : شَاطَرْتُهُ شِطَاراً ، أي ناصفته ، وقيل : شَطَرَ بصره أي نصفه ، وذلك إذا أخذ ينظر إليك وإلى آخر ، وحلب فلانٌ الدهر أَشْطُرَهُ ، وأصله في الناقة أن يحلب خِلفين ويترك خِلفين وناقة شَطُورٌ : يبسَ خلفان من أخلافها ، وشاة شَطُورٌ : أحد ضرعيها أكبر من الآخر .
وشَطَرَ : إذا أخذ شَطْراً أي ناحيةً ، وصار يُعَبَّر بِالشَّاطِرِ عن البعيد ، وجمعه : شُطَّر ، نحو : أشَاقَكَ بين الخَلِيطِ الشُّطَّرُ . والشَّاطِرُ : أيضاً لمن يتباعد عن الحق ، وجمعه : شُطارٌ .
ملاحظات
فسر الراغب شطره بنصفه ووُسْطَتِه وجِهته ونحوه ، وكلها صحيح . قال المحقق الحلي في المعتبر « 2 / 64 » : « فولوا وجوهكم شطره . والشطر : النحو والجهة » . وقال ابن منظور « 4 / 408 » : « وفي التنزيل العزيز : فَوَلِّ وجْهَك شَطْرَ المسجِد الحرامِ ، ولا فعل له . قال الفراء : يريد نحوه وتلقاءه » .
شَطَنَ
الشَّيْطَانُ : النون فيه أصلية ، وهو من : شَطَنَ أي تباعد ، ومنه : بئر شَطُونٌ ، وشَطَنَتِ الدار ، وغربة شَطُونٌ . وقيل : بل النون فيه زائدة ، من شَاطَ يَشِيطُ : احترق غضباً .
فَالشَّيْطَانُ مخلوق من النار كما دل عليه قوله تعالى : وَخَلَقَ الجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ « الرحمن : 15 » ولكونه من ذلك اختص بفرط القوة الغضبية والحمية الذميمة ، وامتنع من السجود لآدم . قال أبو عبيدة : الشيطان اسم لكل عارم
--------------------------- 424 ---------------------------
من الجن والإنس والحيوانات .
قال تعالى : شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ « الأنعام : 112 » وقال : وَإن الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ « الأنعام : 121 » وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ « البقرة : 14 » أي أصحابهم من الجن والإنس .
وقوله : كَأنهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ « الصافات : 65 » قيل : هي حية خفيفة الجسم . وقيل : أراد به عارم الجن ، فتشبه به لقبح تصورها .
وقوله : وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ « البقرة : 102 » فهم مردة الجن . ويصح أن يكونوا هم مردة الإنس أيضاً ، وقال الشاعر : لوَ انَّ شَيْطَانَ الذِّئَابِ العُسَّلِ
جمع العاسل ، وهو الذي يضطرب في عدوه ، واختص به عسلان الذئب . وقال آخر : ما ليلة الفقير إلّا شَيْطَانْ . وسمّي كل خلق ذميم للإنسان شَيْطَاناً ، فقال عليه السلام : الحسد شَيْطَانٌ ، والغضب شَيْطَانٌ .
ملاحظات
1 . ورد ذكر الشيطان في القرآن نحو تسعين مرة ، ونَسَبَ اليه تحريك الإنسان إلى الشر والكفر عن طريق الوسوسة والتخويف والتزيين . وهو موضوع دراسة لمعرفة مصادر الشر الثلاثة : الشيطان ، والنفس ، والناس . وشرور الإنسان بسبب طاعته للشيطان .
2 . لم يجزم الراغب باشتقاق الشيطان من شطن يشطن بمعنى بَعُدَ ، أو من شَاطَ بمعنى احترق غضباً وشاط عن أمر ربه ، وهو الصحيح .
قال الخليل « 6 / 236 » : « والشيطان : فَيْعَال ، من شطن أي بعد » . وقال « 6 / 275 » : « وكل شئ أحرقته رطباً فقد شططته . والشائط : الرُّبُّ والدُّهن إذا طبخ فوق القدر فاحترق . يقال : شاط الرُّب وشاطت الأداوية ، وهي الطبخة من الزبد إذا أرادوا أن يتخذوا منه سمناً » .
فقد اختار الخليل أن نون الشيطان أصلية وهو مشتق من شطن ، وليس من شاط . ومال اليه ابن فارس « 3 / 183 » لكنه أبقى احتمال أن يكون من شاط ، وهو المفهوم من الرواية .
4 . في الكافي « 2 / 440 » : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن آدم عليه السلام قال : يا رب سلطت عليَّ الشيطان وأجريته مني مجرى الدم ، فاجعل لي شيئاً . فقال : يا آدم جعلت لك أن من هم من ذريتك بسيئة لم تكتب عليه ، فإن عملها كتبت عليه سيئة . ومن هم منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة ، فإن هو عملها كتبت له عشراً . قال : يا رب زدني ، قال : جعلت لك أن من عمل منهم سيئة ثم استغفر له غفرت له .
قال : يا رب زدني ، قال : بسطت لهم التوبة حتى تبلغ النفس هذه . قال : يا رب حسبي » .
شَطَا
شَاطِئُ الوادي : جانبه ، قال عز وجل : نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ « القصص : 30 » ويقال : شَاطَأْتُ فلاناً : ماشيته في شاطئ الوادي ، وشَطْأُ الزّرع : فروخ الزرع ، وهو ما خرج منه وتفرّغ في شَاطِئَيْهِ أي في جانبيه ، وجمعه : أَشْطَاءٌ . قال تعالى : كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ « الفتح : 29 » أي فراخه ، وقرئ : شَطَأَهُ ، وذلك نحو : الشمْع والشَّمَع ، والنَّهْر والنَّهَر .
ملاحظات
قول الراغب واللغويين : « كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ أي فراخه » يدل على أن قوله تعالى : مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ الله وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ . « الفتح : 29 » . خاص بعترة النبي صلى الله عليه وآله لأنهم فروع شجرته وفراخها . ولا علاقة للآية بصحابته .
--------------------------- 425 ---------------------------
وفي أساس البلاغة / 491 : « أشطأ الشجر والنبات أخرج شطأه وهو ما ينبت حواليه » .
ويؤيده أن الله تعالى قال : وَالَّذِينَ مَعَهُ ، ولم يقل آمنوا معه ، لأنهم مؤمنون من الأساس .
ويدل عليه أيضاً : أنهم هم الرحماء بينهم ، فلم يختلفوا ، وقد اختلف الصحابة وتناقضوا وتقاتلوا ، فلم يكونوا رحماء بينهم ، فلا تنطبق عليهم الآية .
شَعَبَ
الشِّعْبُ : القبيلة المتشعبة من حي واحد ، وجمعه : شُعُوبٌ . قال تعالى : شُعُوباً وَقَبائِلَ « الحجرات : 13 » .
والشِّعْبُ : من الوادي ما اجتمع منه طرف وتفرَّق طرف ، فإذا نظرت إليه من الجانب الذي تفرق أخذت في وهمك واحداً يتفرق ، وإذا نظرت من جانب الاجتماع أخذت في وهمك اثنين اجتمعا . فلذلك قيل : شَعِبْتُ الشئ إذا جمعته ، وشَعِبْتُهُ إذا فرقته .
وشُعَيْبٌ : تصغير شعب الذي هو مصدر ، أو الذي هو اسم ، أو تصغير شعب .
والشَّعِيبُ : المزادة الخلق التي قد أصلحت وجمعت . وقوله : إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ « المرسلات : 30 » يختص بما بعد هذا الكتاب .
ملاحظات
استعمل القرآن شُعوباً مرةً ، وشُعَباً مرةً ، وشُعيباً النبي عليه السلام إحدى عشرة مرة . وذكر اللغويون أن اسم شعيب مأخوذ من شعب ، لكن الظاهر أنه إسمٌ غير عربي . قال الخليل « 1 / 263 » : « الشَّعْبُ : ما تشعب من قبائل العرب ، وجمعه : شعوب . ويقال : العرب شُعَب والموالي شُعَب والترك شُعَب وجمعه شعوب . والشعوبي : الذي يصغر شأن العرب فلا يرى لهم فضلاً .
قال الخليل : هذا من عجائب الكلام وَوُسْع اللغة والعربية : أن يكون الشِّعْب تفرقاً ، ويكون اجتماعاً ، وقد نطق به الشعر » .
شَعَرَ
الشَّعْرُ : معروف ، وجمعه أَشْعَارٌ . قال الله تعالى : وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها « النحل : 80 » وشَعَرْتُ : أصبت الشَّعْر ، ومنه استعير : شَعَرْتُ كذا ، أي علمت علماً في الدقة كإصابة الشَّعر ، وسمّي الشَّاعِرُ شاعراً لفطنته ودقة معرفته ، فَالشِّعْرُ في الأصل : اسم للعلم الدقيق في قولهم : ليت شعري ، وصار في التعارف إسماً للموزون المقفى من الكلام ، والشَّاعِرُ للمختص بصناعته . وقوله تعالى حكاية عن الكفار : بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ « الأنبياء : 5 » وقوله : لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ « الصافات : 36 » شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ « الطور : 30 » . وكثير من المفسرين حملوه على أنهم رموه بكونه آتياً بشعر منظوم مقفّى ، حتى تأولوا ما جاء في القرآن من كل لفظ يشبه الموزون من نحو : وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ « سبأ : 13 » وقوله : تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ « المسد : 1 » .
وقال بعض المحصلين : لم يقصدوا هذا المقصد فيما رموه به ، وذلك أنه ظاهر من الكلام أنه ليس على أساليب الشعر ، ولا يخفى ذلك على الأغتام من العجم فضلاً عن بلغاء العرب ، وإنما رموه بالكذب ، فإن الشعر يعبر به عن الكذب ، والشَّاعِرُ الكاذب ، حتى سمى قوم الأدلة الكاذبة الشعرية ، ولهذا قال تعالى في وصف عامة الشعراء : وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ « الشعراء : 224 » إلى آخر السّورة . ولكون الشِّعْرِ مقرّ الكذب قيل : أحسن الشعر أكذبه . وقال بعض الحكماء : لم ير متدينٌ صادق اللهجة مفلقاً في شعره . والْمَشَاعِرُ : الحواسّ .
وقوله : وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ « الحجرات : 2 » ونحو ذلك ،
--------------------------- 426 ---------------------------
معناه : لا تدركونه بالحواس ، ولو : في كثير مما جاء فيه : لا يَشْعُرُونَ ، لا يعقلون ، لم يكن يجوز إذ كان كثير مما لا يكون محسوساً قد يكون معقولاً .
ومَشَاعِرُ الحَجِّ : معالمه الظاهرة للحواس ، والواحد مشعر ، ويقال : شَعَائِرُ الحج ، الواحد شَعِيرَةٌ ، قال تعالى : ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ الله « الحج : 32 » وقال : فَاذْكُرُوا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ « البقرة : 198 » لاتُحِلُّوا شَعائِرَ الله « المائدة : 2 » أي ما يهدى إلى بيت الله ، وسُمِّي بذلك لأنها تُشْعَرُ أي تُعَلَّمُ بأن تُدمى بِشَعِيرَةٍ أي حديدة يُشعر بها .
والشِّعَارُ : الثوب الذي يلي الجسد لمماسّته الشَّعَرَ . والشِّعَارُ أيضاً ما يشعر به الإنسان نفسه في الحرب ، أي يُعَلَّم .
وأَشْعَرَهُ الحُبَّ نحو ألبسه . والْأَشْعَرُ : الطويل الشعر ، وما استدار بالحافر من الشعر . وداهية شَعْرَاءُ ، كقولهم داهية وبراء ، والشَّعْرَاءُ : ذباب الكلب لملازمته شعره . والشَّعِيرُ : الحب المعروف . والشِّعْرَى : نجم ، وتخصيصه في قوله : وَإنهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى « النجم : 49 » لكونها معبودة لقوم منهم .
ملاحظات
خلط الراغب بين كل مواد « شعر » وهي شعر الرأس وغيره ومنه الشعار الثوب وغيره . والشعور بمعنى الإحساس . والشعر المنظوم . والشعير الحَب . والشعري النجم . وكأن أصلها واحد حيث لم يبين أصولها . والفروق بينها واضحه ، ولم ترد كلها في القرآن .
شَعَفَ
قرئ : شَعَفَهَا وهي من شَعَفَةِ القلب ، وهي رأسه معلق النياط . وشَعَفَةُ الجبل : أعلاه ، ومنه قيل : فلان مَشْعُوفٌ بكذا ، كأنما أصيب شعفة قلبه .
شَعَلَ
الشَّعْلُ : التهاب النار ، يقال : شُعْلَةٌ من النار ، وقد أَشْعَلْتُهَا ، وأجاز أبو زيد : شَعَلْتَهَا ،
والشَّعِيلَةُ : الفتيلة إذا كانت مُشْتَعِلَةً . وقيل : بياض يَشْتَعِلُ ، قال تعالى : وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً « مريم : 4 » تشبيهاً بالإشْتِعَالِ من حيث اللون .
واشْتَعَلَ فلان غضباً تشبيهاً به من حيث الحركة ، ومنه : أَشْعَلْتُ الخيل في الغارة ، نحو أوقدتها ، وهيجتها ، وأضرمتها .
شَغَفَ
قال تعالى : شَغَفَها حُبًّا « يوسف : 30 » أي أصاب شَغَافَ قلبها ، أي باطنه . عن الحسن ، وقيل وسطه ، عن أبي علي . وهما متقاربان .
شَغَلَ
الشَّغْلُ والشُّغْلُ : العارض الذي يذهل الإنسان . قال عز وجل : إن أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ « يس : 55 » وقرئ : شُغُلٍ . وقد شُغِلَ فهو مَشْغُولٌ ولا يقال أَشْغَلَ . وشُغُلٌ شَاغِلٌ .
شَفَعَ
الشَّفْعُ : ضم الشئ إلى مثله ، ويقال لِلْمَشْفُوعِ شَفْعٌ . وقوله تعالى : وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ « الفجر : 3 » قيل : الشَّفْعُ المخلوقات من حيث إنها مركبات كما قال : وَمِنْ كل شَئ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ « الذاريات : 49 » والوتر هو الله من حيث إن له الوحدة من كل وجه .
وقيل : الشَّفْعُ : يوم النحر من حيث إن له نظيراً يليه ، والوتر : يوم عرفة . وقيل : الشَّفْعُ : ولد آدم ، والوتر : آدم لأنه لا عن والد .
والشَّفَاعَةُ : الانضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه . وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من هو أدنى . ومنه : الشَّفَاعَةُ في القيامة ، قال تعالى : لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً « مريم : 87 » لا تَنْفَعُ
--------------------------- 427 ---------------------------
الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ « طه : 109 » لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً « النجم : 26 » وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى « الأنبياء : 28 » فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ « المدثر : 48 » أي لا يشفع لهم ، وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ « الزخرف : 86 » مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ « غافر : 18 » مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً « النساء : 85 » وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً « النساء : 85 » . أي من انضم إلى غيره وعاونه ، وصار شَفْعاً له ، أو شَفِيعاً في فعل الخير والشر فعاونه وقوَّاه وشاركه في نفعه وضره .
وقيل : الشَّفَاعَةُ هاهنا : أن يشرع الإنسان للآخر طريق خير ، أو طريق شر فيقتدي به فصار كأنه شفع له ، وذلك كما قال عليه السلام : من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ، أي إثمها وإثم من عمل بها .
وقوله : ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ « يونس : 3 » أي يدبر الأمر وحده لا ثاني له في فصل الأمر إلا أن يأذن للمدبرات والمقسمات من الملائكة فيفعلون ما يفعلونه بعد إذنه . واسْتَشْفَعْتُ بفلان على فلان فَتَشَفَّعَ لي . وشَفَّعَهُ : أجاب شفاعته ، ومنه قوله عليه السلام : القرآن شَافِعٌ مُشَفَّعٌ . والشُّفْعَةُ هو : طلب مبيع في شركته بما بيع به ليضمّه إلى ملكه ، وهو من الشَّفع . وقال عليه السلام : إذا وقعت الحدود فلا شُفْعَةَ .
ملاحظات
1 . في تفسير الشفع والوتر رواياتٌ وأقوالٌ ، أقواها أنه قَسَمٌ مطلق بكل شفع ووتر . ومضافاً إلى الوجوه التي ذكرها الراغب ، قيل : الشفع والوتر الصلاة ، فالشفع ركعتان ، والوتر ركعة . وقيل : الوتر هو الله تعالى ، والشفع رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام . وقيل : الشفع الحسن والحسين عليهما السلام والْوَتْرِ أمير المؤمنين عليه السلام . وقيل : الشفع أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام ، والوتر رسول الله صلى الله عليه وآله .
2 . فسر الراغب الشفاعة بانضمام الشفيع إلى المشفوع له ، وهو تعبير ضعيف . قال الخليل « 1 / 260 » : « والشافع : الطالب لغيره » .
والشفاعة : عقيدةٌ متفقٌ عليها في كل الأديان ، فالأنبياء عليهم السلام يشفعون للمذنبين ، ويقبل الله شفاعتهم . وقد ذكر الله الشفاعة في الآخرة ، دون الدنيا لكنه أعطى قاعدة عامة تشملهما : مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا .
وقد تضمنت آيات الشفاعة في القرآن أهم الحقائق عن الشفاعة :
منها : أن الشفعاء لهم عهد من الله تعالى وإذن منه : وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله .
ومنها : أن الأولياء المكرمين ينفعون بشفاعتهم . والشهداء بالحق شفعاء . والملائكة يشفعون .
ومنها : أن الشفيع الأكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وبه فسر أهل البيت عليهم السلام وأكثر المسلمين قوله تعالى : عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا .
ومنها : أن الذين اتخذهم المشركون شفعاء لا ينفعونهم : وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله . وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ .
ومنها : أنه لا شفاعة يوم القيامة كشفاعة الدنيا : وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ .
ومنها : أن الكفار يبحثون عن شفعاء في الآخرة بحثاً حثيثاً : فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا . مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ .
شَفَقَ
الشَّفَقُ : اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب
--------------------------- 428 ---------------------------
الشمس . قال تعالى : فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ « الانشقاق : 16 »
والْإِشْفَاقُ : عناية مختلطة بخوف ، لأن المُشْفِقَ يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه ، قال تعالى : وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ « الأنبياء : 49 » فإذا عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر ، وإذا عدي بفي فمعنى العناية فيه أظهر .
قال تعالى : إنا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ « الطور : 26 » مُشْفِقُونَ مِنْها « الشورى : 18 » مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا « الشورى : 22 » أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا « المجادلة : 13 » .
ملاحظات
تعريف الراغب للشفق ناقص . وقد أجاد الجوهري بقوله « 4 / 1501 » : « الشفق : بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قريب من العتمة . وقال الخليل : الشفق : الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة ، فإذا ذهب قيل غاب الشفق . وقال الفراء : سمعت بعض العرب يقول : عليه ثوب كأنه الشفق ، وكان أحمر » .
وقال الخليل « 5 / 44 » : « الشفق : الردئ من الأشياء وقلما يجمع . وأشفقت : أي جئت به شفقاً . والشفق والشفقة : أن يكون الناصح من النصح خائفاً على المنصوح ، وأشفقت عليه أن يناله مكروه . والشفيق : الناصح الحريص على صلاح المنصوح . وقوله تعالى : إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ، أي خائفين من هذا اليوم » .
شَفَا
شَفَا البئر وغيرها : حَرْفُهُ ، ويضرب به المثل في القرب من الهلاك . قال تعالى : عَلى شَفا جُرُفٍ « التوبة : 109 » وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ « آل عمران : 103 » وأَشْفَى فلان على الهلاك ، أي حصل على شفاه ، ومنه استعير : ما بقي من كذا إلا شَفاً ، أي قليل كشفا البئر . وتثنية شفا شَفَوَانِ ، وجمعه أَشْفَاءٌ .
والشِّفَاءُ من المرض : موافاة شفا السلامة ، وصار إسماً للبرء . قال في صفة العسل : فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ « النحل : 69 » وقال في صفة القرآن : هُدىً وَشِفاءٌ « فصلت : 44 » وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ « يونس : 57 » وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ « التوبة : 14 » .
شَقَّ
الشَّقُّ : الخَرْم الواقع في الشئ . يقال : شَقَقْتُهُ بنصفين . قال تعالى : ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا « عبس : 26 » يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً « قاف : 44 » وَانْشَقَّتِ السَّماءُ « الحاقة : 16 » إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ « الانشقاق : 1 » وَانْشَقَّ الْقَمَرُ « القمر : 1 » .
وقيل : انْشِقَاقُهُ في زمن النبي عليه الصلاة والسلام . وقيل : هو انْشِقَاقٌ يعرض فيه حين تقرب القيامة . وقيل معناه : وضح الأمر . والشِّقَّةُ : القطعة المُنْشَقَّةُ كالنصف ، ومنه قيل : طار فلان من الغضب شِقَاقًا ، وطارت منهم شِقَّةٌ ، كقولك : قطع غضباً .
والشِّقُّ : المشَقَّةُ والانكسار الذي يلحق النفس والبدن ، وذلك كاستعارة الإنكسار لها . قال عز وجل : لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ « النحل : 7 » .
والشُّقَّةُ : الناحية التي تلحقك المشقة في الوصول إليها ، قال : بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ « التوبة : 42 » .
والشِّقَاقُ : المخالفة ، وكونك في شِقٍّ غير شِقِ صاحبك ، أو من : شَقَّ العصا بينك وبينه . قال تعالى : وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما « النساء : 35 » فَإنما هُمْ فِي شِقاقٍ « البقرة : 137 » أي مخالفة . لايَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي « هود : 89 » وَإن الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ « البقرة : 176 » مَنْ يُشاقِقِ الله وَرَسُولَهُ « الأنفال : 13 » أي صار في شقٍّ غير شق أوليائه ، نحو : مَنْ يُحادِدِ الله « التوبة : 63 » ونحوه : وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ « النساء : 115 » ويقال : المال بينهما شق الشعرة ، وشَقَّ الأبلمة ، أي مقسوم كقسمتهما ، وفلان شِقُّ نفسي ، وشَقِيقُ نفسي ، أي كأنه شق مني لمشابهة بعضنا بعضاً .
--------------------------- 429 ---------------------------
وشَقَائِقُ النعمان : نبتٌ معروف . وشَقِيقَةُ الرَّمل : ما يُشَقَّقُ ، والشَّقْشَقَةُ : لهاة البعير لما فيه من الشق . وبيده شُقُوقٌ ، وبحافر الدابة شِقَاقٌ .
وفرس أَشَقُّ : إذا مال إلى أحد شِقَّيْهِ .
والشُّقَّةُ : في الأصل نصف ثوب ، وإن كان قد يسمَّى الثوب كما هو شُقَّةً .
ملاحظات
تعريف الشَّق بالخَرْم غير دقيق ، لأن شَقَّ الأرض يتبادر منه القطع في العمق وفيه طول ، أو هو أبرز أفراده . بينما أبرز أفراد الخَرْم : الثَّقْب ، ويكون في العمق وليس فيه طول أو عرض كبير . تقول : خُرْمُ الإبرة ، وخُرْمُ الأنف ، وخرم الخُزَامة . وتقول : لا أشق عليك ، أي لا أجعل عليك مشقة .
والشقشقة بكسر الشين ، تشبه الرئة تخرج من فم البعير عند غضبه . ووصف بها أمير المؤمنين عليه السلام خطبته التي طلب منه ابن عباس أن يواصلها ، فقال له : هيهات يا ابن عباس ، تلك شقشقة هدرت ثم قرت . فسميت الخطبة الشقشقية .
كما عرَّف الراغب الشِّقَاق بمجرد المخالفة ، لكنه المخالفة الشديدة والخصومة التي قد يكون معها عداء ومحاربة . واستعمل القرآن مشاقة الكفار للرسول صلى الله عليه وآله : وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا .
وقال : فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبوُا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا الله وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ .
شَقَا
الشَّقَاوَةُ : خلاف السعادة ، وقد شَقِيَ يَشْقَى شَقْوَةً وشَقَاوَةً وشَقَاءً . وقرئ شِقْوَتُنا وشَقَاوَتُنَا . فَالشِّقْوَةُ كالرِّدَّة .
والشَّقَاوَةُ : كالسعادة من حيث الإضافة ، فكما أن السعادة في الأصل ضربان : سعادة أخروية ، وسعادة دنيوية ، ثم السعادة الدنيوية ثلاثة أضرب : سعادة نفسية وبدنية وخارجية ، كذلك الشقاوة على هذه الأضرب ، وهي الشَّقَاوَةُ الأخروية . قال عز وجل : فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى « طه : 123 » وقال : غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا « المؤمنون : 106 » وقرئ : شَقَاوَتُنَا . وفي الدنيوية : فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى « طه : 117 » .
قال بعضهم : قد يوضع الشَّقَاءُ موضع التعب نحو : شقيت في كذا ، وكل شَقَاوَةٍ تعب ، وليس كل تعب شقاوة ، فالتعب أعمُّ من الشقاوة .
شَكَّكَ
الشَّكُّ : اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما ، وذلك قد يكون لوجود أمارتين متساويتين عند النقيضين ، أو لعدم الأمارة فيهما . والشَّكُّ ربما كان في الشئ هل هو موجود أو غير موجود ، وربما كان في جنسه من أي جنس هو ، وربما كان في بعض صفاته ، وربما كان في الغرض الذي لأجله أوجد .
والشَّكُّ : ضرب من الجهل ، وهو أخصُّ منه ، لأن الجهل قد يكون عدم العلم بالنقيضين رأساً ، فكل شَكٍّ جهل وليس كل جهل شكّاً ، قال الله تعالى : وَإنهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ « هود : 110 » بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ « الدخان : 9 » فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ « يونس : 94 » . واشتقاقه إما من شَكَكْتُ الشئ أي خرقته ، قال : وَشَكَكْتُ بِالرُّمْحِ الْأَصَمِِّّ ثِيَابَه
لَيْسَ الكريمُ على القَنَا بِمُحَرَّمِ
فكأن الشَّكَّ الخرق في الشئ ، وكونه بحيث لا يجد الرأي مستقراً يثبت فيه ويعتمد عليه . ويصح أن يكون مستعاراً من الشَّكِّ ، وهو لصوق العضد بالجنب وذلك
--------------------------- 430 ---------------------------
أن يتلاصق النقيضان فلامدخل للفهم والرّأي ، لتخلل ما بينهما . ويشهد لهذا قولهم : التبس الأمر واختلط وأشكل ، ونحو ذلك من الإستعارات .
والشِّكَّةُ : السلاح الذي به يُشَك ، أي يفصل .
ملاحظات
تعريفه للشك بأنه « اعتدال النقيضين » : ضعيف . ويقصد به تساوي طرفي الاحتمال ، فإن زاد احتمال أحدهما كان ظناً ، وكان ما يقابله وهماً . فإن زاد أحد الطرفين حتى انتفى ما يقابله كان علماً أو يقيناً .
أما لماذا سمي شكاً ، فقال ابن فارس إنه مأخوذٌ من شك اللحم بالسفود ، والشك بالرمح « 3 / 173 » لكن يظهر أنه مأخوذٌ من قولهم : شك في صدري ، أو حاك في صدري ، أو حكَّ في صدري ، كأن الاحتمال شئ يشك في الصدر لأنه لا يصل إلى يقين . قال ابن فارس « 2 / 19 » : « ويقال حَكَّ في صدري كذا ، إذا لم ينشرح صدرك له ، كأنه شئ شك صدرك » .
هذا ، واستعمل القرآن تعبير : في شك منه ، خمس عشرة مرة ، ووصف الشك في عدة آيات بأنه مريب ، فدل على أن الشك أعم من المجرد كشك المشركين في القرآن ، فبعضه مجرد ، وبعضه معه ريب بأن النبي صلى الله عليه وآله كتبه ! أما الشاكي في سلاحه فمأخوذٌ من شكاية ثقله ، وليس من الشك بالسفود .
شَكَرَ
الشُّكْرُ : تصور النعمة وإظهارها ، قيل : وهو مقلوب عن الكشر أي الكشف ، ويضاده الكفر ، وهو : نسيان النعمة وسترها . ودابة شكور : مظهرة بسمنها إسداء صاحبها إليها ، وقيل أصله من عين شَكْرَى أي ممتلئة .
فَالشُّكْرُ : على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه . والشُّكْرُ ثلاثة أضرب : شُكْرُ القلب وهو تصور النعمة . وشُكْرُ اللسان وهو الثناء على المنعم . وشُكْرُ سائر الجوارح وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقه .
وقوله تعالى : اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً « سبأ : 13 » فقد قيل شكراً انتصب على التمييز ومعناه : اعملوا ما تعملونه شكر الله . وقيل : شكراً مفعول لقوله اعملوا ، وذكر اعملوا ولم يقل أشكروا لينبه على التزام الأنواع الثلاثة من الشكر بالقلب واللسان وسائر الجوارح .
قال : اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ « لقمان : 14 » وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ « آل عمران : 145 » وَمَنْ شَكَرَ فَإنما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ « النمل : 40 » وقوله : وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ « سبأ : 13 » ففيه تنبيهٌ [ على ] أن توفية شكر الله صعب ، ولذلك لم يثن بالشكر من أوليائه إلا على اثنين ، قال في إبراهيم عليه السلام : شاكِراً لِأَنْعُمِهِ « النحل : 121 » وقال في نوح : إنهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً « الإسراء : 3 » . وإذا وصف الله بالشّكر في قوله : والله شَكُورٌ حَلِيمٌ « التغابن : 17 » فإنما يعنى به إنعامه على عباده ، وجزاؤه بما أقاموه من العبادة .
ويقال : ناقة شَكِرَةٌ : ممتلئة الضرع من اللبن . وقيل : هو أَشْكَرُ من بروق ، وهو نبت يخضر ويتربى بأدنى مطر .
والشَّكْرُ : يكنى به عن فرج المرأة وعن النكاح ، قال بعضهم : أإن سَأَلَتْكَ ثَمَنَ شُكْرِهَا وَشِبْرَكَ ، أنشأتَ تُطِلُّهَا ! والشَّكِيرُ : نبت في أصل الشجرة غض ، وقد شَكَرَتِ الشجرةُ : كَثُرَ غصنها .
ملاحظات
1 . تعريف الراغب للشكر ضعيف ، ولو قال : الشكر هو الإقرار لله بالنعمة وحمده عليها لأصاب . ولا يصح تفسيره بكَشَف ولا أن يكون مقلوباً عن كَشَر ، لأنها بمعنى ضحك .
2 . الحمد والشكر في القرآن واسعان ، وقد وردا في عشرات
--------------------------- 431 ---------------------------
الآيات . ولم يذكر الراغب الفرق بينهما ، فالشكر يكون على نعمة على الشاكر أو من يتعلق به ، والحمد على كل النعم . والحمد باللسان وحده ، والشكر بالجوارح .
شَكَسَ
الشَّكْسُ : السَّيِّئ الخلق . وقوله تعالى : شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ « الزمر : 29 » أي متشاجرون لِشِكَاسَةِ خُلُقِهِمْ .
شَكَلَ
المُشَاكَلَةُ : في الهيئة والصورة ، والند في الجنسية ، والشبه في الكيفية . قال تعالى : وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ « ص : 58 » أي مثله في الهيئة وتعاطي الفعل .
والشِّكْلُ : قيل هو الدَّلّ ، وهو في الحقيقة الأنس الذي بين المتماثلين في الطريقة ، ومن هذا قيل : الناس أَشْكَالٌ وأُلَّاف ، وأصل المُشَاكَلَةُ من الشَّكْل ، أي تقييد الدابة ، يقال شَكَلْتُ الدابة َ . والشِّكَالُ : ما يقيد به ، ومنه استعير : شَكَلْتُ الكتاب كقوله : قيدته ، ودابة بها شِكَالٌ : إذا كان تحجيلها بإحدى رجليها وإحدى يديها كهيئة الشِّكَالِ .
وقوله : قُلْ كل يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ « الإسراء : 84 » أي على سجيته التي قيدته ، وذلك أن سلطان السجية على الإنسان قاهر ، حسبما بينت في الذريعة إلى مكارم الشريعة وهذا كما قال صلى الله عليه وآله : كلٌّ مُيَسَّرٌ لما خلق له .
والْأَشْكِلَةُ : الحاجة التي تقيد الإنسان .
والْإِشْكَالُ في الأمر : استعارة ، كالإشتباه من الشبه .
ملاحظات
قال الله تعالى : قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً . وقال اللغويون إن أصل الشاكلة في اللغة : الخاصرة . « الصحاح : 5 / 1736 » . وقال المفسرون : معنى الشاكلة في الآية : يعمل على طريقته ، وطبيعته ، وخليقته ، وجديلته ، وناحيته ، وسجيته ، وأخلاقه ، ودينه ، ومذهبه . . الخ .
وفسرها أئمتنا عليه السلام بأنها الشكل الذي تأخذه النية في نفس الإنسان فيطابقه الفعل ، وصيغة الصفة المشبهة تعني أنها الشكل الذي تَكَوَّنَ واستقرَّ في النفس .
قال الإمام الصادق عليه السلام : « إنما خُلِّدَ أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خُلِّدُوا فيها أن يعصوا الله أبداً ! وإنما خُلِّدَ أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبداً . فبالنيات خُلِّدَ هؤلاء وهؤلاء ثم تلا قوله تعالى : قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ . قال : على نيته » . « الكافي : 2 / 85 » . وقال عليه السلام : « والنية أفضل من العمل . ألا وإن النية هي العمل . ثم تلا قوله عز وجل : قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ . يعني على نيته » . « الكافي : 2 / 16 » .
فمعنى شاكلته : الشكل الذي شَكَّلَهُ وصنعه بنيته .
شَكَا
الشَّكْوُ والشِّكَايَةُ والشَّكَاةُ والشَّكْوَى : إظهار البث ، يقال : شَكَوْتُ واشْتَكَيْتُ . قال تعالى : أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله « يوسف : 86 » وقال : وَتَشْتَكِي إِلَى الله « المجادلة : 1 » وأَشْكَاهُ أي يجعل له شكوى ، نحو : أمرضه . ويقال : أَشْكَاهُ ، أي أزال شكايته . وروي : شكونا إلى رسول الله حرَّ الرمضاء في جباهنا وأكفِّنا فلم يُشْكِنا .
وأصل الشَّكْوِ : فتح الشَّكْوَةِ وإظهار ما فيه ، وهي سقاء صغير يجعل فيه الماء ، وكأنه في الأصل استعارة ، كقولهم : بثثت له ما في وعائي ، ونفضت ما في جرابي : إذا أظهرت ما في قلبك .
والمِشْكَاةُ : كُوَّةٌ غير نافذة . قال تعالى : كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ « النور : 35 » وذلك مثل القلب ، والمصباح مثل نور الله فيه .
شَمِتَ
الشَّمَاتَةُ : الفرح ببلية من تعاديه ويعاديك ، يقال : شَمِتَ
--------------------------- 432 ---------------------------
به فهو شَامِتٌ ، وأَشْمَتَ الله به العدو . قال عز وجل : فَلا تُشْمِتْ بِي الإعداءَ « الأعراف : 150 » .
والتشْمِيتُ : الدعاء للعاطس ، كأنه إزالة الشماتة عنه بالدعاء له ، فهو كالتمريض في إزالة المرض ، وقول الشاعر : [ فارتاعَ من صوت كَلَّابٍ فباتَ لهُ
طَوْعَ الشوامِتِ من خَوْفٍ ومن صَرَدِ ] أي على حسب ما تهواه اللاتي تَشْمَتُ به ، وقيل : أراد بِالشَّوَامِتِ : القوائم ، وفي ذلك نظر ، إذ لا حجة له في هذا البيت .
ملاحظات
لم يرد التشميت في القرآن ، وهو نفس التسميت أي الدعاء للعاطس ، ولا علاقة له بالشماته ، وأي شماتة يوجبها العطاس !
شَمَخَ
قال الله عز وجل : رَواسِيَ شامِخاتٍ « المرسلات : 27 » أي عاليات ، ومنه : شَمَخَ بأنفه عبارة عن الكبر .
شَمأز
قال الله تعالى : اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ « الزمر : 45 » أي نَفَرَتْ .
شَمَسَ
الشَّمْسُ : يقال للقرصة وللضوء المنتشرعنها ، وتجمع على شُمُوسٍ . قال تعالى : وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها « يس : 38 » وقال : الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ « الرحمن : 5 » . وشَمِسَ يومَنا وأَشْمَسَ : صار ذا شَمْسٍ .
وشَمَسَ فلان شِمَاساً : إذا ندَّ ولم يستقرّْ ، تشبيهاً بالشمس في عدم استقرارها .
شَمَلَ
الشِّمَالُ : المقابل لليمين . قال عز وجل : عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ « ق : 17 » ويقال للثوب الذي يغطى به : الشِّمَالُ ، وذلك كتسمية كثير من الثياب باسم العضو الذي يستره ، نحو تسمية كُمِّ القميص يداً ، وصدره وظهره صدراً وظهراً ، ورجل السراويل رجلاً . ونحو ذلك .
والِاشْتِمَالُ بالثوب : أن يلتفّ به الإنسان فيطرحه على الشمال . وفي الحديث : نهى عن اشْتِمَالِ الصماء .
والشَّمْلَةُ والْمِشْمَلُ : كساءيشتمل به مستعار منه . ومنه : شَمَلَهُمُ الأمر ، ثم تجوز بالشمال فقيل : شَمَلْتُ الشاة : علقت عليها شمالاً ، وقيل للخليقة شِمَالٌ ، لكونه مشتملاً على الإنسان اشتمال الشمال على البدن .
والشَّمُولُ : الخمر لأنها تشتمل على العقل فتغطيه ، وتسميتها بذلك كتسميتها بالخمر لكونها خامرة له .
والشَّمَالُ : الريح الهابَّة من شمال الكعبة . وقيل في لغة : شَمْأَلٌ ، وشَامَلٌ ، وأَشْمَلَ الرجل من الشمال ، كقولهم : أجنب من الجنوب .
وكُنِّيَ بِالْمِشْمَلِ عن السَّيف ، كما كُني عنه بالرداء ، وجاء مُشْتَمِلًا بسيفه ، نحو مرتدياً به ومتدرعاً له ، وناقة شِمِلَّةٌ وشِمْلَالٌ : سريعة كالشَّمال ، وقول الشاعر :
وَلَتَعْرِفَنَّ خَلائقاً مَشْمُولَةً
ولَتَنْدَمَنَّ وَلَاتَ سَاعَةَ مَنْدَمِ
قيل : أراد خلائق طيبة ، كأنها هبت عليها شمال فبردت وطابت .
شَنَأَ
شَنِئْتُهُ : تَقَذَّرْتُهُ بُغْضَاً له ، ومنه اشتقَّ أَزْدُ شَنُوءَةَ .
وقوله تعالى : لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ « المائدة : 8 » أي بغضهم ، وقرئ : شَنْأَنُ فمن خَفَّفَ أراد بغيض قوم ، ومن ثقل جعله مصدراً . ومنه : إن شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ « الكوثر : 3 » .
--------------------------- 433 ---------------------------
ملاحظات
الشنآن : البغض ، وزاد فيه الراغب الإستقذار ولم يذكره أحد من اللغويين ! وأخذ تعريفه من ابن فارس ، فتخيل أن كل شنآن فيه تقزز وتقذر !
لكنك قد تبغض شيئاً ولا تتقزز منه ! قال ابن فارس « 3 / 217 » : « شنأ : أصل يدل على البغضة والتجنب للشئ . من ذلك الشنوءة وهي التقزز ، ومنه اشتقاق أزد شنوءة . ويقال شنئ فلان فلاناً إذا أبغضه وهو الشنآن ، وربما خففوا فقالوا الشنان » .
شَهَبَ
الشِّهَابُ : الشُّعلة السَّاطعة من النار الموقدة ، ومن العارض في الجو ، نحو : فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ « الصافات : 10 » شِهابٌ مُبِينٌ « الحجر : 18 » شِهاباً رَصَداً « الجن : 9 » .
والشُّهْبَةُ : البياض المختلط بالسواد ، تشبيهاً بالشهاب المختلط بالدخان ، ومنه قيل : كتيبة شَهْبَاءُ : اعتباراً بسواد القوم وبياض الحديد .
شَهِدَ
الشُّهُودُ والشَّهَادَةُ : الحضور مع المشاهدة ، إما بالبصر ، أو بالبصيرة ، وقد يقال للحضور مفرداً . قال الله تعالى : عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ « السجدة : 6 » . لكن الشهود بالحضور المجرد أولى ، والشهادة مع المشاهدة أولى . ويقال للمحضر : مَشْهَدٌ ، وللمرأة التي يحضرها زوجها : مُشْهِدٌ .
وجمع مَشْهَدٍ مَشَاهِدُ . ومنه مَشَاهِدُ الحج ، وهي مواطنه الشريفة التي يحضرها الملائكة والأبرار من الناس . وقيل : مَشَاهِدُ الحج : مواضع المناسك . قال تعالى : لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ « الحج : 28 » وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما « النور : 2 » ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ « النمل : 49 » أي ما حضرنا . وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ « الفرقان : 72 » أي لا يحضرونه بنفوسهم ولا بهمهم وإرادتهم .
والشَّهَادَةُ : قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر . وقوله : أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ « الزخرف : 19 » يعني مُشَاهَدَةِ البصر . ثم قال : سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ « الزخرف : 19 » تنبيهاً [ على ] أن الشهادة تكون عن شُهُودٍ . وقوله : لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ الله وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ « آل عمران : 70 » أي تعلمون . وقوله : ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ « الكهف : 51 » أي ما جعلتهم ممن اطلعوا ببصيرتهم على خلقها ، وقوله : عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ « السجدة : 6 » أي ما يغيب عن حواس الناس وبصائرهم وما يشهدونه بهما .
وشَهِدْتُ : يقال على ضربين ، أحدهما : جار مجرى العلم وبلفظه تقام الشهادة ، ويقال : أَشْهَدُ بكذا . ولايُرضى من الشاهد أن يقول أعلم ، بل يحتاج أن يقول : أشهد .
والثاني : يجري مجرى القسم ، فيقول : أشهد ب الله أن زيداً منطلق ، فيكون قَسَماً .
ومنهم من يقول : إن قال أشهد ولم يقل بالله ، يكون قَسَماً . ويجري عَلِمْتُ مجراه في القسم فيجاب بجواب القسم ، نحو قول الشاعر : ولقد علمتُ لَتَأْتِيَنَّ مَنِيَّتِي
ويقال : شَاهِدٌ وشَهِيدٌ وشُهَدَاءُ ، قال تعالى : وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ « البقرة : 282 » قال : وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ « البقرة : 282 » ويقال : شَهِدْتُ كذا أي حضرته ، وشَهِدْتُ على كذا . قال : شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ « فصلت : 20 » .
وقد يعبر بالشهادة عن الحكم نحو : وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها « يوسف : 26 » . وعن الإقرار نحو : وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِالله « النور : 6 » إن كان ذلك شَهَادَةٌ لنفسه .
وقوله : وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا « يوسف : 81 » أي ما أخبرنا . وقال تعالى : شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ « التوبة : 17 » أي مقرين .
--------------------------- 434 ---------------------------
لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا « فصلت : 21 » وقوله : شَهِدَ الله إنهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ « آل عمران : 18 » فشهادة الله تعالى بوحدانيته هي إيجاد ما يدل على وحدانيته في العالم ، وفي نفوسنا كما قال الشاعر : ففي كلِّ شئٍ لهُ آيةٌ * على أنهُ واحدُ
قال بعض الحكماء : إن الله تعالى لما شهد لنفسه كان شهادته أن أنطق كل شئ كما نطق بالشهادة له . وشهادة الملائكة بذلك : هو إظهارهم أفعالاً يؤمرون بها ، وهي المدلول عليها بقوله : فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً « النازعات : 5 » .
وشهادة أولي العلم : اطَّلاعهم على تلك الحِكم وإقرارهم بذلك . وهذه الشهادة تختص بأهل العلم ، فأما الجهال فمبعدون منها ، ولذلك قال في الكفار : ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلاخَلْقَ أَنْفُسِهِمْ « الكهف : 51 » .
وعلى هذا نبَّه بقوله : إنما يَخْشَى الله مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ « فاطر : 28 » وهؤلاء هم المعنيون بقوله : وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ « النساء : 69 » .
وأما الشَّهِيدُ : فقد يقال لِلشَّاهِدِ ، والمُشَاهِدِ للشئ ، وقوله : مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ « ق : 21 » أي من شهد له وعليه ، وكذا قوله : فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كل أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً « النساء : 41 » .
وقوله : أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ « ق : 37 » أي يشهدون ما يسمعونه بقلوبهم على ضد من قيل فيهم : أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ « فصلت : 44 » .
وقوله : أَقِمِ الصَّلاةَ ، إلى قوله : مَشْهُوداً ، أي يشهد صاحبه الشفاء والرحمة والتوفيق والسكينات والأرواح المذكورة في قوله : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ « الإسراء : 82 » . وقوله : وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ « البقرة : 23 » فقد فسَّر بكل ما يقتضيه معنى الشهادة ، قال ابن عباس : معناه أعوانكم ، وقال مجاهد : الذين يشهدون لكم ، وقال بعضهم : الذين يعتدُّ بحضورهم ولم يكونوا كمن قيل فيهم : مخلَّفونَ ويقضي الله أمْرَهُمُ
وهمْ بغَيْبٍ وفي عَمْيَاءَ مَا شَعَرُوا
وقد حمل على هذه الوجوه قوله : وَنَزَعْنا مِنْ كل أُمَّةٍ شَهِيداً « القصص : 75 » وقوله : وَإنهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ « العاديات : 7 » إنهُ عَلى كل شَئ شَهِيدٌ « فصلت : 53 » وَكَفى بِالله شَهِيداً « النساء : 79 » فإشارة إلى قوله : لا يَخْفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَئ « غافر : 16 » . وقوله : يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى « طه : 7 » ونحو ذلك مما نبه على هذا النحو .
والشَّهِيدُ : هو المحتضرفتسميته بذلك لحضور الملائكة إياه ، إشارة إلى ما قال : تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا . . الآية « فصلت : 30 » قال : وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ « الحديد : 19 » . أو لأنهم يَشْهَدُونَ في تلك الحالة ما أعد لهم من النعيم ، أو لأنهم تشهد أرواحهم عند الله كما قال : وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ « آل عمران : 169 » . وعلى هذا دل قوله : وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ .
وقوله : وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ « البروج : 3 » قيل : الْمَشْهُودُ يوم الجمعة ، وقيل : يوم عرفة ، ويوم القيامة . وشَاهِدٌ : كل من شهده . وقوله : يَوْمٌ مَشْهُودٌ « هود : 103 » أي مُشَاهَد تنبيهاً [ على ] أن لا بد من وقوعه .
والتشَهُّدُ : هو أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله . وصار في التعارف إسماً للتحيات المقروءة في الصلاة ، وللذكر الذي يقرأ ذلك فيه .
ملاحظات
المعنى المتبادر لشهادة الملائكة وأولي العلم بوحدانية الله تعالى ، إدراكهم لها بيقين وشهادتهم بها .
لكن الراغب جعلها شهادةً عن حِسٍّ ، لأن الله أشهدهم
--------------------------- 435 ---------------------------
خلق السماوات والأرض ! قال : « وهذه الشهادة تختص بأهل العلم ، فأما الجهال فمبعدون منها ، ولذلك قال في الكفار : ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » .
ففسر أشهدتهم بأحضرتهم ، كما فسر المتصوفة قوله تعالى : شَهِدَ الله أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ . بأن الله أشهد الملائكة وأولي العلم خلق السماوات ، وفسروا أولي العلم بأنفسهم !
وجعلوا نفيه تعالى لإشهاد إبليس وذريته خلق السماوات والأرض ، إثباتاً لإشهاد غيرهم . ولو صح أنه تعالى أشهد أحداً خلقه ، لكان محمداً وعترته صلى الله عليه وآله أفضل مخلوقاته . وبحث ذلك خارج عن موضوعنا .
شَهَرَ
الشَّهْرُ : مدة مَشْهُورَةٌ بإهلال الهلال ، أو باعتبار جزء من اثني عشر جزءً من دوران الشمس من نقطة إلى تلك النقطة . قال تعالى : شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ « البقرة : 185 » فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ « البقرة : 185 » الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ « البقرة : 197 » إن عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ الله اثْنا عَشَرَ شَهْراً « التوبة : 36 » فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ « التوبة : 2 » .
والمُشَاهَرَةُ : المعاملة بالشهوركالمسانهة والمياومة .
وأَشْهَرْتُ بالمكان : أقمت به شهراً . وشُهِرَ فلان واشْتُهِرَ يقال في الخير والشر .
شَهَقَ
الشَّهِيقُ : طول الزفير ، وهو رد النَّفَس ، والزَّفير : مَدُّهُ « إخراجه » قال تعالى : لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ « هود : 106 » سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً « الفرقان : 12 » وقال تعالى : سَمِعُوا لَها شَهِيقاً « الملك : 7 » وأصله من جبل شَاهِقٍ . أي متناهي الطول .
شَهَا
أصل الشَّهْوَةِ : نزوع النفس إلى ما تريده ، وذلك في الدنيا ضربان : صادقة ، وكاذبة ، فالصادقة : ما يختل البدن من دونه كشهوة الطعام عند الجوع ، والكاذبة : ما لا يختلُّ من دونه . وقد يسمى المُشْتَهَى شهوةً ، وقد يقال للقوة التي تَشْتَهِي الشئ شهوةً . وقوله تعالى : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ « آل عمران : 14 » يحتمل الشهوتين .
وقوله : اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ « مريم : 59 » فهذا من الشهوات الكاذبة . ومن المُشْتَهِيَاتِ المستغنى عنها .
وقوله في صفة الجنة : وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ « فصلت : 31 » وقوله : فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ « الأنبياء : 102 » .
وقيل : رجل شَهْوَانٌ ، وشَهَوَانِيٌّ ، وشئ شَهِيٌّ .
شَوَبَ
الشَّوْبُ : الخلط . قال الله تعالى : لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ « الصافات : 67 » وسُمِّيَ العسل شَوْباً ، إما لكونه مزاجاً للأشربة ، وإما لما يختلط به من الشمع .
وقيل : ما عنده شَوْبٌ ولا رَوْب ، أي عسل ولبن .
شَيَبَ
الشَّيْبُ والْمَشِيبُ : بياض الشعر . قال تعالى : وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً « مريم : 4 » وباتت المرأة بليلة شَيْبَاءَ : إذا افتضت ، وبليلة حرة : إذا لم تفتض .
شَيَخَ
يقال لمن طعن في السِّن : الشَّيْخُ ، وقد يعبر به فيما بيننا عمن يكثر علمه ، لما كان من شأن الشَّيْخِ أن تكثر تجاربه ومعارفه . ويقال : شَيْخٌ بيِّن الشَّيْخُوخَةُ ، والشَّيْخُ ، والتشْيِيخُ . قال الله تعالى : هذا بَعْلِي شَيْخاً « هود : 72 » وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ « القصص : 23 » .
شَيَدَ
قال عز وجل : وَقَصْرٍ مَشِيدٍ « الحج : 45 » أي مبنيٍّ بِالشِّيدِ « الجص وما شابه » وقيل : مطول ، وهو يرجع إلى الأول .
--------------------------- 436 ---------------------------
ويقال : شَيَّدَ قواعده : أحكمها كأنه بناها بِالشِّيدِ .
والْإِشَادَةُ : عبارة عن رفع الصوت .
شَوَرَ
الشُّوَارُ : ما يبدو من المتاع ، ويُكَنَّى به عن الفرج ، كما يكنى به عن المتاع ، وشَوَّرْتُ به : فعلت به ما خجلته ، كأنك أظهرت شَوْرَهُ ، أي فرجه . وشِرْتُ العسل وأَشَرْتُهُ : أخرجته ، قال الشاعر : وَحَديثٌ مِثْلُ مَاذِيٍّ مُشَارِ
وشِرْتُ الدابة : استخرجت عدوه تشبيهاً بذلك ، وقيل : الخطب مِشْوَارٌ كثير العثار .
والتشَاوُرُ والمُشَاوَرَةُ والْمَشُورَةُ : استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض ، من قولهم : شِرْتُ العسل : إذا اتخذته من موضعه ، واستخرجته منه . قال الله تعالى : وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ « آل عمران : 159 » . والشُّورَى : الأمر الذي يُتَشَاوَرُ فيه . قال : وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ « الشورى : 38 » .
شَيَطَ
الشَّيْطَانُ . قد تقدم ذكره .
شَوَظَ
الشُّوَاظُ : اللهب الذي لا دخان فيه . قال تعالى : شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ « الرحمن : 35 » .
شَيَعَ
الشِّيَاعُ : الانتشار والتقوية . يقال : شاع الخبر ، أي كثر وقوي ، وشَاعَ القوم : انتشروا وكثروا ، وشَيَّعْتُ النار بالحطب : قويتها .
والشِّيعَةُ : من يتقوى بهم الإنسان وينتشرون عنه ، ومنه قيل للشجاع : مَشِيعٌ ، يقال : شِيعَةٌ وشِيَعٌ وأَشْيَاعٌ .
قال تعالى : وَإن مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ « الصافات : 83 » هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ « القصص : 15 » وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً « القصص : 4 » فِي شِيَعِ الأولينَ « الحجر : 10 » وقال تعالى : وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ « القمر : 51 » .
ملاحظات
قصد الراغب قوله : « والشِّيعَةُ من يتقوى بهم الإنسان ، وينتشرون عنه » . أي يَشِيعون أفكاره وينشرونها .
وقال الخليل « 2 / 190 » : « وشيعة الرجل أصحابه وأتباعه . وكل قوم اجتمعوا على أمر ، فهم شيعة » .
وقال ابن الأثير في النهاية « 2 / 519 » : « أصل الشيعة الفرقة من الناس ، وتقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد . وقد غلب هذا الاسم على كل من يزعم أنه يتولى علياً رضي الله عنه وأهل بيته حتى صار لهم إسماً خاصاً ، فإذا قيل فلان من الشيعة عرف أنه منهم ، وفي مذهب الشيعة كذا ، أي عندهم . وتجمع الشيعة على شيع . وأصلها من المشايعة وهي المتابعة والمطاوعة » .
شَوَكَ
الشَّوْكُ : ما يَدُقُّ ويصلب رأسه من النبات ، ويعبر بِالشَّوْكِ والشِّكَةِ عن السلاح والشدة . قال تعالى : غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ « الأنفال : 7 » . وسميت إبرة العقرب شَوْكاً تشبيهاً به . وشجرة شَاكَةٌ وشَائِكَةٌ ، وشَاكَنِي الشَّوْكُ : أصابني . وشَوَّكَ الفرخ : نبت عليه مثل الشوك . وشَوَّكَ ثدي المرأة : إذا انتهد ، وشَوَّكَ البعير : طال أنيابه كالشوك .
شَأَنَ
الشَّأْنُ : الحال والأمر الذي يتفق ويصلح ، ولا يقال إلّا فيما يعظم من الأحوال والأمور . قال الله تعالى : كل يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ « الرحمن : 29 » .
وشَأْنُ الرّأس : جمعه شَئُونٌ ، وهو الوصلة بين متقابلاته التي بها قوام الإنسان .
شَوَى
شَوَيْتُ اللّحم واشْتَوَيْتُهُ . قال تعالى : يَشْوِي الْوُجُوهَ «
--------------------------- 437 ---------------------------
الكهف : 29 » وقال الشاعر : فَاشْتَوَى ليلةَ ريحٍ وَاجْتَمَلْ
والشَّوَى : الأطراف ، كاليد والرجل . يقال : رماه فَأَشْوَاهُ ، أي أصاب شَوَاهُ . قال تعالى : نَزَّاعَةً لِلشَّوى « المعارج : 16 » .
ومنه قيل للأمر الهين : شَوَى ، من حيث إن الشَّوَى ليس بمقتل .
والشَّاةُ قيل : أصلها شَاهَةٌ بدلالة قولهم : شِيَاهٌ وشُوَيْهَةٌ .
شَيَأَ
الشَّئ : قيل هو الذي يصح أن يُعلم ويُخبر عنه ، وعند كثير من المتكلمين هو اسم مشترك المعنى إذا استعمل في الله وفي غيره ، ويقع على الموجود والمعدوم .
وعند بعضهم : الشَّئ عبارة عن الموجود ، وأصله : مصدر شَاءَ ، وإذا وصف به تعالى فمعناه : شَاءَ ، وإذا وصف به غيره فمعناه الْمَشِئ .
وعلى الثاني قوله تعالى : قُلِ الله خالِقُ كل شَئ « الرعد : 16 » فهذا على العموم بلا مثنوية إذ كان الشئ ها هنا مصدراً في معنى المفعول .
وقوله : قُلْ أَيُّ شَئ أَكْبَرُ شَهادَةً « الأنعام : 19 » فهو بمعنى الفاعل كقوله : فَتَبارَكَ الله أَحْسَنُ الْخالِقِينَ « المؤمنون : 14 » .
والْمَشِيئَةُ : عند أكثر المتكلمين كالإرادة سواء ، وعند بعضهم : المشيئة في الأصل : إيجاد الشئ وإصابته ، وإن كان قد يستعمل في التعارف موضع الإرادة ، فالمشيئة من الله تعالى هي الإيجاد ، ومن الناس هي الإصابة ، قال : والمشيئة من الله تقتضي وجود الشئ ، ولذلك قيل : ما شَاءَ الله كان وما لم يَشَأْ لم يكن .
والإرادة منه لا تقتضي وجود المراد لا محالة ، ألا ترى أنه قال : يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر « البقرة : 185 » وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ « غافر : 31 » ومعلوم أنه قد يحصل العسر والتظالم فيما بين الناس ، قالوا : ومن الفرق بينهما أن إرادة الإنسان قد تحصل من غير أن تتقدمها إرادة الله فإن الإنسان قد يريد أن لا يموت ، ويأبى الله ذلك . ومشيئته لا تكون إلّا بعد مشيئته لقوله : وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله « الإنسان : 30 » روي أنه لما نزل قوله : لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ « التكوير : 28 » قال الكفار : الأمر إلينا إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم ، فأنزل الله تعالى : وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله .
وقال بعضهم : لولا أن الأمور كلها موقوفة على مشيئة الله تعالى ، وإن أفعالنا معلقة بها وموقوفة عليها ، لما أجمع الناس على تعليق الاستثناء به في جميع أفعالنا نحو : سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ « الصافات : 102 » سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ الله صابِراً « الكهف : 69 » يَأْتِيكُمْ بِهِ الله إِنْ شاءَ « هود : 33 » ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ الله « يوسف : 69 » قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ الله « الأعراف : 188 » وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله رَبُّنا « الأعراف : 89 » وَلا تَقُولَنَّ لِشَئ إني فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله « الكهف : 24 » .
ملاحظات
عن الإمام الصادق عليه السلام : « خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة » .
وعن الإمام الكاظم عليه السلام : « لا يكون شئ في السماوات ولا في الأرض إلا بسبع : بقضاء وقدر وإرادة ومشيئة وكتاب وأجل وإذن ، فمن زعم غير هذا فقد كذب على الله ، أو رد على الله عز وجل » . « الكافي : 1 / 110 و 149 » .
وقد تقدم في الإرادة ، وهو بحث غير لُغَوي .
شَيَهَ
شِيَةٌ : أصلها وِشْيَةٌ ، وذلك من باب الواو .
تم كتاب الشين
--------------------------- 438 ---------------------------
كتاب الصاد وما يتصل بها
صَبَبَ
صَبُّ الماء : إراقته من أعلى ، يقال : صَبَّهُ فَانْصَبَّ وصَبَبْتُهُ فَتَصَبَّبَ . قال تعالى : إنا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا « عبس : 25 » فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ « الفجر : 13 » يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ « الحج : 19 » .
وصَبَا إلى كذا صبابةً : مالت نفسه نحوه محبة له وخُصَّ اسم الفاعل منه بِالصَّبِّ ، فقيل : فلان صَبٌّ بكذا .
والصُّبَّةُ : كالصرمة . والصَّبِيبُ : الْمَصْبُوبُ من المطر ، ومن عصارة الشئ ومن الدم . والصُّبَابَةُ والصُّبَّةُ : البقيّة التي من شأنها أن تصب . وتَصَابَبْتُ الإناء : شربت صُبَابَتَهُ ، وتَصَبْصَبَ : ذهبت صبابته .
صُبْحٌ
الصُّبْحُ والصَّبَاحُ : أول النهار ، وهو وقت مَا احْمَرَّ الأفق بحاجب الشمس . قال تعالى : أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ « هود : 81 » وقال : فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ « الصافات : 177 » والتصَبُّحُ : النوم بالغداة . والصَّبُوحُ : شرب الصباح يقال : صَبَحْتُهُ : سقيته صبوحاً ، والصَّبْحَانُ : المُصْطَبَحُ .
والْمِصْبَاحُ : ما يسقى منه ، ومن الإبل ما يبرك فلا ينهض حتى يُصْبَحَ . وما يجعل فيه الْمِصْبَاحُ ، قال : مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ « النور : 35 »
ويقال للسراج مِصْبَاحٌ . والْمِصْبَاحُ : مقرُّ السِّراج . والْمَصَابِيحُ : أعلام الكواكب ، قال تعالى : وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ « الملك : 5 » .
وصَبِحْتُهُمْ ماء كذا : أتيتهم به صَبَاحاً .
والصُّبْحُ : شدة حمرة في الشعر ، تشبيهاً بالصبح والصباح ، وقيل : صَبُحَ فلان أي وَضُؤَ .
--------------------------- 439 ---------------------------
صَبَرَ
الصَّبْرُ : الإمساك في ضيق ، يقال : صَبَرْتُ الدابة : حبستها بلا علف . وصَبَرْتُ فلاناً : خلفته خلفة لا خروج له منها .
والصَّبْرُ : حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع ، أو عما يقتضيان حبسها عنه ، فَالصَّبْرُ لفظ عامٌّ ، وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه ، فإن كان حبس النفس لمصيبة سمي صبراً لا غير ويُضَادُّهُ الجزع ، وإن كان في محاربة سمي شجاعة ويضادُّه الجبن ، وإن كان في نائبة مضجرة سمي رحب الصدر ويضاده الضجر ، وإن كان في إمساك الكلام سمي كتماناً ويضاده الإذاعة .
وقد سمى الله تعالى كل ذلك صبراً ، ونبه عليه بقوله : وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ « البقرة : 177 » وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ « الحج : 35 » وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ « الأحزاب : 35 » .
وسمي الصوم صبراً لكونه كالنوع له ، وقال عليه السلام : صيام شهر الصَّبْرِ وثلاثة أيام في كل شهر يذهب وَجْرَ الصدر .
وقوله تعالى : فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ « البقرة : 175 » قال أبو عبيدة : إن ذلك لغة بمعنى الجرأة ، واحتج بقول أعرابيٍّ قال لخصمه : ما أَصْبَرَكَ على الله ، وهذا تصور مجاز بصورة حقيقة ، لأن ذلك معناه : ما أصبرك على عذاب الله في تقديرك إذا اجترأت على ارتكاب ذلك ، وإلى هذا يعود قول من قال : ما أبقاهم على النار ، وقول من قال : ما أعملهم بعمل أهل النار ، وذلك أنه قد يوصف بالصبر من لا صبر له في الحقيقة اعتباراً بحال الناظر إليه ، واستعمال التعجب في مثله اعتباراً بالخلق لا بالخالق .
وقوله تعالى : إصْبِرُوا وَصابِرُوا « آل عمران : 200 » أي إحبسوا أنفسكم على العبادة وجاهدوا أهواءكم . وقوله : وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ « مريم : 65 » أي تحمل الصبر بجهدك وقوله : أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا « الفرقان : 75 » أي بما تحملوا من الصبر في الوصول إلى مرضاة الله . وقوله : فَصَبْرٌ جَمِيلٌ « يوسف : 18 » معناه : الأمر والحث على ذلك .
والصَّبُورُ : القادر على الصبر ، والصَّبَّارُ يقال : إذا كان فيه ضرب من التكلف والمجاهدة ، قال : إن فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكل صَبَّارٍ شَكُورٍ « الشورى : 33 » . ويعبر عن الانتظار بالصبر لمَّا كان حق الانتظار أن لا ينفك عن الصبر ، بل هو نوع من الصبر قال : فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ « الطور : 48 » أي انتظر حكمه لك على الكافرين .
ملاحظات
1 . عرَّف الراغب الصبر بتعريفين : الإمساك في ضيق ، وحبس النفس على مقتضى الشرع ، وجعله ضد الجزع . وعَرَّفَه الخليل بأنه : نقيض الجزع . ومع أن تعريف الخليل بالنقيض ، لكنه لا يرد عليه إشكال كما يرد على تعريفي الراغب ، فهما من جهة متفاوتان بينهما عموم من وجه ، ومن جهة كلاهما أخص من الصبر ، فعلى الأول لا يكون الصابر برضاً بدون ضيق صابراً ، وعلى الثاني لا صبر لغير الملتزم بالشرع ، وقد قال الله تعالى : فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ .
2 . لم يستوف استعمال القرآن للصبر ، وجعل صَابِرُوا مثل إصْبِرُوا ، مع أنها تصبير الآخرين . وفسر آية : فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ، بالحثٌّ على الصبر ، وفسرها الأئمة عليهم السلام بصبر لاشكوى معه . الخ .
3 . استعمل القرآن هذه المادة نحو مائة مرة ، وأمر بالصبر ، واعتبره قيمة عليا ضرورية للإيمان ، وقال النبي صلى الله عليه وآله إن الصبر من الإيمان بمنزلته الرأس من الجسد !
وشملت استعمالاته : صبر الأنبياء : ، والصبر أمام المشاكل والأمراض والمعارك ، في البأساء والضراء وحين البأس ، والقدوات من الصابرين ، وحب الله لهم ،
--------------------------- 440 ---------------------------
ومكانتهم عنده وإعفاؤهم من الحساب في الآخرة .
صَبَغَ
الصَّبْغُ : مصدر صَبَغْتُ . والصِّبْغُ : الْمَصْبُوغُ . وقوله تعالى : صِبْغَةَ الله « البقرة : 138 » إشارة إلى ما أوجده الله تعالى في الناس من العقل المتميز به عن البهائم كالفطرة .
وكانت النصارى إذا ولد لهم ولد غمسوه بعد السابع في ماء معمودية يزعمون أن ذلك صِبْغَةٌ فقال تعالى له ذلك ، وقال : وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً « البقرة : 138 » .
وقال : وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ « المؤمنون : 20 » أي أَدَم ٌلهم ، وذلك من قولهم : اصْطَبَغْتُ بالخلّ .
صَبَا
الصَّبِيُّ : من لم يبلغ الحلم ، ورجل مُصْبٍ : ذو صِبْيَانٍ . قال تعالى : قالُوا كَيْفَ نُكلمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا « مريم : 29 » .
وصَبَا فلان ، يَصْبُو صَبْواً وصَبْوَةً : إذا نزع واشتاق ، وفعل فعل الصِّبْيَانِ . قال : أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ « يوسف : 33 » وأَصْبَانِي فصبوت .
والصَّبَا : الرّيح المستقبل للقبلة . وصَابَيْتُ السَّيف : أغمدته مقلوباً ، وصَابَيْتُ الرمح : أملته ، وهيّأته للطعن .
والصَّابِئُونَ : قوم كانوا على دين نوح ، وقيل لكل خارج من الدين إلى دين آخر : صَابِئٌ ، من قولهم : صَبَأَ نابُ البعير : إذا طلع ، ومن قرأ : صَابِينَ فقد قيل : على تخفيف الهمز كقوله : لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ « الحاقة : 37 » .
وقد قيل : بل هو من قولهم : صَبَا يَصْبُو ، قال تعالى : وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى « الحج : 17 » وقال أيضاً : وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ « البقرة : 62 » .
صَحِبَ
الصَّاحِبُ : الملازم ، إنساناً كان أو حيواناً ، أو مكاناً ، أو زماناً . ولا فرق بين أن تكون مُصَاحَبَتُهُ بالبدن ، وهو الأصل والأكثر ، أو بالعناية والهمة ، وعلى هذا قال :
لئِنْ غِبْتَ عَنْ عَيني لمَا غِبْتَ عن قَلبي
ولا يقال في العرف إلّا لمن كثرت ملازمته ، ويقال للمالك للشئ : هو صاحبه ، وكذلك لمن يملك التصرف فيه . قال تعالى : إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لاتَحْزَنْ « التوبة : 40 » قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ « الكهف : 34 » أَمْ حَسِبْتَ أن أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ « الكهف : 9 » وَأَصْحابِ مَدْيَنَ « الحج : 44 » أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ « البقرة : 82 » أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ « البقرة : 217 » مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ « فاطر : 6 » .
وأما قوله : وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً « المدثر : 31 » أي الموكَّلين بها لا المعذَّبين بها كما تقدّم .
وقد يضاف الصَّاحِبُ إلى مسوسه نحو : صاحب الجيش . وإلى سائسه نحو : صاحب الأمير .
والمُصَاحَبَةُ والِاصْطِحَابُ : أبلغ من الاجتماع لأجل أن المصاحبة تقتضي طول لبثه ، فكل اصْطِحَابٍ اجتماع وليس كل اجتماع اصطحاباً .
وقوله : وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ « القلم : 48 » وقوله : ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ « سبأ : 46 » وقد سمِّيَ النبي عليه السلام صاحبهم تنبيهاً [ على ] أنكم صحبتموه وجربتموه وعرفتموه ظاهره وباطنه ، ولم تجدوا به خبلاً وجُنَّةً . وكذلك قوله : وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ « التكوير : 22 » .
والْإِصحَابُ للشئ : الانقياد له ، وأصله أن يصير له صاحباً ، ويقال : أَصْحَبَ فلان : إذا كَبُرَ ابنه فصار صاحبه . وأَصْحَبَ فلان فلاناً : جعل صاحباً له . قال : وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ « الأنبياء : 43 » أي لا يكون لهم من جهتنا ما يَصْحَبُهُمْ من سكينة ورَوْحٍ وترفيق ، ونحو ذلك مما يصحبه أولياءه .
وأديم مُصْحَب : أُصْحِبَ الشَّعْرَ الذي عليه ولم يُجَزَّ عنه .
--------------------------- 441 ---------------------------
صَحَفَ
الصَّحِيفَةُ : المبسوط من الشئ كصحيفة الوجه . والصَّحِيفَةُ : التي يكتب فيها وجمعها صَحَائِفُ وصُحُفٌ . قال تعالى : صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى « الأعلى : 19 » . يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ « البينة : 2 » قيل : أريد بها القرآن ، وجعله صحفاً فيها كتب ، من أجل تضمنه لزيادة ما في كتب الله المتقدمة .
والمُصْحَفُ : ما جعل جامعاً لِلصُّحُفِ المكتوبة وجمعه مَصَاحِفُ . والتصْحِيفُ : قراءة المصحف وروايته على غير ما هو لاشتباه حروفه . والصَّحْفَةُ : مثل قصعة عريضة .
صَخَّ
الصَّاخَّةُ : شدة صوت ذي النطق ، يقال صَخَّ يَصِخُّ صَخّاً فهو صَاخٌّ . قال تعالى : فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ « عبس : 33 » وهي عبارة عن القيامة حسب المشار إليه بقوله : يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ « الأنعام : 73 » وقد قلب عنه : أَصَاخَ يُصِيخُ .
ملاحظات
تفرد الراغب بأن الصاخة صوت الإنسان أو الملك ، ولم يذكروا فيها صوت ناطق ! قال الخليل « 4 / 135 » : « الصاخَّة : صيحة تصخ الآذان فتصمها » . وقال ابن فارس « 3 / 281 » : « ضربت الصخرة بحجر فسمعت لها صخّاً » .
صَخَرَ
الصَّخْرُ : الحجر الصلب . قال تعالى : فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ « لقمان : 16 » وقال : وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ « الفجر : 9 » .
ملاحظات
لا يصح تقييد الصخر بالصلب فالصخور صلبة وهشة .
صَدَدَ
الصُّدُودُ والصَّدُّ : قد يكون انصرافاً عن الشئ وامتناعاً ، نحو : يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً « النساء : 61 » وقد يكون صرفاً ومنعاً نحو : وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ « النمل : 24 » الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله « محمد : 1 » وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله « الحج : 25 » قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ الله « البقرة : 217 » وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ الله بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ « القصص : 87 » إلى غير ذلك من الآيات . وقيل : صَدَّ يَصُدُّ صُدُوداً ، وصَدَّ يَصُدُّ صَدّاً . والصَّدُّ من الجبل : ما يحول .
والصَّدِيدُ : ما حال بين اللحم والجلد من القيح ، وضرب مثلاً لمطعم أهل النار . قال تعالى : وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ « إبراهيم : 16 » .
ملاحظات
الصحيح تعريف الفقهاء وابن فارس « 3 / 282 » : « الصديد : الدم المختلط بالقيح ، يقال منه أَصَدَ الجرح » .
صَدَرَ
الصَّدْرُ : الجارحة . قال تعالى : رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي « طه : 25 » وجمعه : صُدُورٌ . قال : وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ « العاديات : 10 » وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ « الحج : 46 » .
ثم استعير لمقدم الشئ كَصَدْرِ القناة ، وصَدْرِ المجلس والكتاب والكلام .
وصَدَرَهُ : أَصَابَ صَدْرَهُ ، أو قَصَدَ قَصْدَهُ نحو : ظَهَرَهُ ، وكَتَفَهُ . ومنه قيل : رجل مَصْدُورٌ : يشكو صَدْرَهُ .
وإذا عُدِّيَ صَدَرَ بعن اقتضى الانصراف تقول : صَدَرَتِ الإبل عن الماء صَدَراً ، وقيل : الصَّدْرُ . قال : يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً « الزلزلة : 6 » .
والْمَصْدَرُ : في الحقيقة صَدَرٌ عن الماء ، ولموضع المصدر ، ولزمانه ، وقد يقال في تعارف النحويين للفظ الذي روعي فيه صدور الفعل الماضي والمستقبل عنه .
والصِّدَارُ : ثوب يغطي به الصَّدْرُ ، على بناء دثار ولباس ، ويقال له الصُّدْرَةُ ، ويقال ذلك لسمة على صَدْرِ البعير .
--------------------------- 442 ---------------------------
وصَدَّرَ الفرس : جاء سابقاً بصدره .
قال بعض الحكماء : حيثما ذكر الله تعالى القلب فإشارة إلى العقل والعلم ، نحو : إن فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ « ق : 37 » . وحيثما ذكر الصَّدْرُ فإشارة إلى ذلك وإلى سائر القوى من الشهوة والهوى والغضب ونحوها ، وقوله : رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي « طه : 25 » فسؤالٌ لإصلاح قواه ، وكذلك قوله : وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ « التوبة : 14 » إشارة إلى اشتفائهم ، وقوله : فإنها لاتَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ « الحج : 46 » أي العقول التي هي مندرسة فيما بين سائر القوى وليست بمهتدية . والله أعلم بذلك وبوجه الصواب فيه .
صَدَعَ
الصَّدْعُ : الشق في الأجسام الصلبة كالزجاج والحديد ونحوهما . يقال : صَدَعْتُهُ فَانْصَدَعَ ، وصَدَّعْتُهُ فَتَصَدَّعَ . قال تعالى : يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ « الروم : 43 » وعنه استعير : صَدَعَ الأمرَ ، أي فَصَلَهُ . قال : فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ « الحجر : 94 » .
وكذا استعير منه الصُّدَاع ُ ، وهو شبه الإشتقاق في الرأس من الوجع قال : لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ « الواقعة : 19 » . ومنه الصَّدِيعُ للفجر ، وصَدَعْتُ الفلاة : قطعتها ، وتَصَدَّعَ القومُ أي تفرقوا .
ملاحظات
يقصد بالإشتقاق في الرأس : الشقيقة .
قال الخليل في تفسير الصَّدْع « 1 / 291 » : « نباتُ الأرض لأنه يصدع الأرض ، والأرض تتصدع عنه . وإذا تغيب الرجل فاراً في الأرض يقال : تصدع به الأرض . اشتقاقه من الصدع ، وهو الشق والفعل اللازم : انصدع انصداعاً » .
صَدَفَ
صَدَفَ عنه : أعرض إعراضاً شديداً يجري مجرى الصَّدَفِ ، أي الميل في أرجل البعير ، أو في الصلابة كَصَدَفِ الجبل أي جانبه ، أو الصَّدَفِ الذي يخرج من البحر . قال تعالى : فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ الله وَصَدَفَ عَنْها « الأنعام : 157 » سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ . . الآية . إلى بِما كانُوا يَصْدِفُونَ « الأنعام : 157 » .
ملاحظات
صدف عنه : شبيه زلق عنه ، فهو ميل فرارٍ عن الشئ .
صَدَقَ
الصِّدْقُ والكذب : أصلهما في القول ، ماضياً كان أو مستقبلاً ، وعداً كان أو غيره .
ولا يكونان بالقصد الأول إلا في القول ، ولا يكونان في القول إلا في الخبر دون غيره من أصناف الكلام ، ولذلك قال : وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلًا « النساء : 122 » وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً « النساء : 87 » وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إنهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ « مريم : 54 » .
وقد يكونان بالعرض في غيره من أنواع الكلام كالإستفهام والأمر والدعاء ، وذلك نحو قول القائل : أزيد في الدار ؟ فإن في ضمنه إخباراً بكونه جاهلاً بحال زيد . وكذا إذا قال : واسني ، في ضمنه أنه محتاج إلى المواساة ، وإذا قال : لا تؤذني ففي ضمنه أنه يؤذيه .
والصِّدْقُ : مطابقة القول الضمير والمخبر عنه معاً ، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صِدْقاً تاماً ، بل إما أن لا يوصف بالصدق ، وإما أن يوصف تارة بالصدق ، وتارة بالكذب على نظرين مختلفين ، كقول كافر إذا قال من غير اعتقاد : محمد رسول الله ، فإن هذا يصح أن يقال صِدْقٌ ، لكون المخبر عنه كذلك ، ويصح أن يقال كذبٌ ، لمخالفة قوله ضميره .
وبالوجه الثاني إكذاب الله تعالى المنافقين حيث قالوا : نَشْهَدُ إنكَ لَرَسُولُ الله . . الآية . « المنافقون : 1 » .
--------------------------- 443 ---------------------------
والصِّدِّيقُ : من كثر منه الصدق ، وقيل : بل يقال لمن لا يكذب قط ، وقيل : بل لمن لا يتأتى منه الكذب لتعوده الصدق . وقيل : بل لمن صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله ، قال : وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إنهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا « مريم : 41 » وقال : وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إنهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا « مريم : 56 » وقال : وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ « المائدة : 75 » وقال : فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ « النساء : 69 » فَالصِّدِّيقُونَ هم قوم دُوَيْنَ الأنبياء في الفضيلة على ما بينت في الذريعة إلى مكارم الشريعة .
وقد يستعمل الصدق والكذب في كل ما يحق ويحصل في الإعتقاد نحو : صدق ظني وكذب ، ويستعملان في أفعال الجوارح ، فيقال : صَدَقَ في القتال : إذا وفى حقه ، وفعل ما يجب وكما يجب ، وكذب في القتال : إذا كان بخلاف ذلك . قال : رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا الله عَلَيْهِ « الأحزاب : 23 » أي حققوا العهد بما أظهروه من أفعالهم .
وقوله : لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ « الأحزاب : 8 » أي يسأل من صدق بلسانه عن صدق فعله تنبيهاً [ على ] أنه لا يكفي الاعتراف بالحق دون تحريه بالفعل .
وقوله تعالى : لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ « الفتح : 27 » فهذا صِدْقٌ بالفعل وهو التحقق ، أي حقق رؤيته ، وعلى ذلك قوله : وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ « الزمر : 33 » أي حقق ما أورده قولاً بما تحرَّاه فعلاً .
ويعبر عن كل فعل فاضل ظاهراً وباطناً بالصدق ، فيضاف إليه ذلك الفعل الذي يوصف به نحو قوله : فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ « القمر : 55 » . وعلى هذا : إن لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ « يونس : 2 » .
وقوله : أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ « الإسراء : 80 » وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ « الشعراء : 84 » فإن ذلك سؤال أن يجعله الله تعالى صالحاً ، بحيث إذا أثنى عليه من بعده لم يكن ذلك الثناء كذباً ، بل يكون كما قال الشاعر : إذا نحنُ أثنينا عليكَ بِصَالِحٍ
فأنتَ الذي نُثني وفوقَ الذي نُثني
وصَدَقَ : قد يتعدى إلى مفعولين نحو : وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ « آل عمران : 152 » .
وصَدَّقْتُ فلاناً : نسبته إلى الصدق . وأَصْدَقْتُهُ : وجدته صادقاً ، وقيل هما واحد ويقالان فيهما جميعاً . قال : وَلما جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ الله مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ « البقرة : 101 » وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ « المائدة : 46 » .
ويستعمل التصْدِيقُ في كل ما فيه تحقيق ، يقال : صدقني فعله وكتابه . قال تعالى : وَلما جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ الله مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ « البقرة : 89 » نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحق مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ « آل عمران : 3 » وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا « الأحقاف : 12 » أي مصدق ما تقدم ، وقوله : لساناً منتصب على الحال . وفي المثل : صدقني سنُّ بكره .
والصَّدَاقَةُ : صدق الإعتقاد في المودة ، وذلك مختصٌّ بالإنسان دون غيره ، قال : فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ « الشعراء : 100 » وذلك إشارة إلى نحو قوله : الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ « الزخرف : 67 » .
والصَّدَقَةُ : ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة كالزكاة ، لكن الصدقة في الأصل تقال للمتطوع به ، والزكاة للواجب ، وقد يسمى الواجب صدقة إذا تحرى صاحبها الصدق في فعله . قال : خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً « التوبة : 103 » وقال : إنمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ « التوبة : 60 » .
يقال : صَدَّقَ وتَصَدَّقَ قال : فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى « القيامة : 31 » إن الله يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ « يوسف : 88 » إن الْمُصَّدِّقِينَ
--------------------------- 444 ---------------------------
وَالْمُصَّدِّقاتِ « الحديد : 18 » في آي كثيرة .
ويقال لما تجافى عنه الإنسان من حقه : تَصَدَّقَ به ، نحو قوله : وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ « المائدة : 45 » أي من تجافى عنه ، وقوله : وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ، وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ « البقرة : 280 » فإنه أجرى ما يسامح به المعسر مجرى الصّدقة .
وعلى هذا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله : ما تأكله العافية فهو صدقة ، وعلى هذا قوله تعالى : وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا « النساء : 92 » فسمى إعفاءه صَدَقَةً .
وقوله : فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً « المجادلة : 12 » أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ « المجادلة : 13 »
فإنهم كانوا قد أمروا بأن يتصدق من يناجي الرسول بصدقة ما غير مقدرة .
وقوله : رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ « المنافقون : 10 » فمن الصدق أو من الصدقة .
وصَداقُ المرأة وصِدَاقُهَا وصُدْقَتُهَا : ما تعطى من مهرها ، وقد أَصْدَقْتُهَا . قال تعالى : وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً « النساء : 4 » .
ملاحظات
قال الراغب : والصِّدِّيقُ : من كثر منه الصِّدق . بل هو من كثر تصديقه وإيمانه لأنه من صدَّق بالتشديد .
وقال : فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ . فمن الصدق أو من الصدقة . بل هو من الصدقة ، لأن أصله : أَتَصَدَّق .
وقال : أمروا بأن يتصدق من يناجي الرسول بصدقة ما غير مقدرة . وذلك لما أكثروا على النبي صلى الله عليه وآله وشقوا عليه ، ففرض الله عليهم الصدقة قبل مناجاته ، فبخلوا إلا علي عليه السلام كان عنده دينار فباعه بعشرة دراهم ، وكان يتصدق بالدرهم ويناجي النبي صلى الله عليه وآله حتى أكمل العشرة ، ولم يسأل أحد غيره رسول الله صلى الله عليه وآله أي سؤال ، حتى عفا الله عنهم ونزل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ . ءَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَآتُوا الزَّكَوةَ وَأَطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ . « المجادلة : 13 » الحاكم « 2 / 482 » بشرط الشيخين .
والمقام الذي أعطاه الراغب للصديقين دُوَيْنَ الأنبياء عليهم السلام فيه مبالغة ، وهو على مشرب الصوفية الذين يعدون أنفسهم من الصديقين .
صَدَى
الصَّدَى : صوت يرجع إليك من كل مكان صقيل ، والتصْدِيَةُ : كل صوت يجري مجرى الصَّدَى في أن لا غناء فيه ، وقوله : وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً « الأنفال : 35 » أي غناء ما يوردونه غناء الصدى ومكاء الطير .
والتصَدِّي : أن يقابل الشئ مقابلة الصَّدَى ، أي الصوت الراجع من الجبل ، قال : أما مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى « عبس : 5 » .
والصَّدَى : يقال لذكر البوم وللدماغ لكون الدماغ متصوراً بصورة الصدى ، ولهذا يسمى هامَة .
وقولهم : أصمَّ الله صَدَاهُ فدعاءٌ عليه بالخرس ، والمعنى : لا جعل الله له صوتاً حتى لا يكون له صدى يرجع إليه بصوته .
وقد يقال للعطش : صَدَى ، يقال : رجل صَدْيَانٌ ، وامرأة صَدْيَا ، وصَادِيَة ٌ .
صَرَّ
الْإِصْرَارُ : التعقد في الذنب والتشدد فيه والامتناع من الإقلاع عنه . وأصله من الصَّرِّ أي الشد . والصُّرَّةُ : ما تعقد فيه الدراهم . والصِّرَارُ : خرقة تشد على أطباء الناقة لئلا تُرضع .
--------------------------- 445 ---------------------------
قال الله تعالى : وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا « آل عمران : 135 » ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً « الجاثية : 8 » وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً « نوح : 7 » وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ « الواقعة : 46 » .
والْإِصْرَارُ : كل عزم شددت عليه ، يقال : هذا مني صِرِّي ، وأَصِرِّي ، وصِرَّى ، وأَصِرَّى ، وصُرِّي ، وصُرَّى ، أي جدٌّ وعزيمة .
والصَّرُورَةُ : من الرّجال والنساء : الذي لم يحج والذي لا يريد التزوج .
وقوله : رِيحاً صَرْصَراً « فصلت : 16 » لفظه من الصَّرِّ ، وذلك يرجع إلى الشد لما في البرودة من التعقد .
والصَّرَّةُ : الجماعة المنضم بعضهم إلى بعض كأنهم صُرُّوا ، أي جُمِعُوا في وعاء . قال تعالى : فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ « الذاريات : 29 » ( ! ) وقيل : الصَّرَّةُ الصيحةُ .
صَرَحَ
الصَّرْحُ : بيت عال مزوَّق ، سمي بذلك اعتباراً بكونه صَرْحاً عن الشَّوْب أي خالصاً . قال الله تعالى : صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ « النمل : 44 » قيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ « النمل : 44 » ولبن صَرِيحٌ بَيِّنُ الصَّرَاحَةِ ، والصَّرُوحَةِ .
وصَرِيحُ الحق : خلص عن محضه . وصَرَّحَ فلان بما في نفسه ، وقيل : عاد تعريضك تَصْرِيحاً ، وجاء صُرَاحاً جهاراً .
ملاحظات
قال ابن فارس « 3 / 347 » : « صَرَحَ : يدل على ظهور الشئ وبروزه . من ذلك الشئ الصريح . والصريح : المحض الحسب وجمعه صُرَحَاء ، قال الخليل : ويجمع الخيل على الصرائح . ولقيت فلاناً مصارحة وصراحاً ، أي كفاحاً . ويقال : صرح الحق عن محضه أي انكشف الأمر بعد غيوبه .
والصَّرْح : بيت واحد ، يبنى منفرداً ضخماً طويلاً في السماء . وكل بناء عال فهو صرح » . وكلامه أقوى من كلام الراغب .
صَرَفَ
الصَّرْفُ : رد الشئ من حالة إلى حالة ، أو إبداله بغيره يقال : صَرَفْتُهُ فَانْصَرَفَ . قال تعالى : ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ « آل عمران : 152 » وقال : أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ « هود : 8 » وقوله : ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ الله قُلُوبَهُمْ « التوبة : 127 » فيجوز أن يكون دعاء عليهم ، وأن يكون ذلك إشارة إلى ما فعله بهم ، وقوله تعالى : فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً « الفرقان : 19 » أي لا يقدرون أن يَصْرِفُوا عن أنفسهم العذاب ، أو أن يصرفوا أنفسهم عن النار . وقيل : أن يصرفوا الأمر من حالة إلى حالة في التغيير ، ومنه قول العرب : لا يقبل منه صَرْفٌ ولا عدل .
وقوله : وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ « الأحقاف : 29 » أي أقبلنا بهم إليك وإلى الاستماع منك .
والتصْرِيفُ : كالصرف إلا في التكثير ، وأكثر ما يقال في صرف الشئ من حالة إلى حالة ، ومن أمر إلى أمر .
وتَصْرِيفُ الرياح : هو صرفها من حال إلى حال . قال تعالى : وَصَرَّفْنَا الْآياتِ « الأحقاف : 27 » وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ « طه : 113 » . ومنه تصريف الكلام ، وتَصْرِيفُ الدراهم ، وتصريف الناب ، يقال : لِنَابِهِ صَرِيفٌ .
والصَّرِيفُ : اللبن إذا سكنت رغوته كأنه صُرِفَ عن الرّغوة ، أو صُرِفَتْ عنه الرغوة .
ورجلٌ صَيْرَفٌ ، وصَيْرَفِيٌّ ، وصَرَّافٌ . وعنز صَارِفٌ كأنها تَصْرِفُ الفحلَ إلى نفسها .
والصِّرْفُ : صِبغٌ أحمر خالص ، وقيل لكل خالص عن غيره صِرْفٌ ، كأنه صُرِفَ عنه ما يشوبه . والصَّرَفَانُ : الرصاص ، كأنه صُرِفَ عن أن يبلغ منزلة الفضة .
--------------------------- 446 ---------------------------
ملاحظات
قال الخليل « 7 / 110 » : « الصرف : أن تصرف إنساناً على وجه يريده إلى مصرف غير ذلك » . فخص الصرف بالإنسان .
وقال ابن فارس « 3 / 342 » : « يدل على رجع الشئ » . فعممه لكل شئ . وأخذه الراغب فقال : « الصَّرْفُ : رد الشئ من حالة إلى حالة » . والظاهر أن أصل صَرَفه عن أمر ، للعاقل ، فقد استعمله القرآن في الله تعالى ، وفي الإنسان .
صَرَمَ
الصَّرْمُ : القطيعة . والصَّرِيمَةُ : إحكام الأمر وإبرامه ، والصَّرِيمُ : قطعةٌ مُنْصَرِمَةٌ عن الرمل . قال تعالى : فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ « القلم : 20 » قيل أصبحت كالأشجار الصَّرِيمَةِ ، أي الْمَصْرُومِ حملُهَا . وقيل كالليل لأن الليل يقال له : الصَّرِيمُ أي صارت سوداء كالليل لاحتراقها ، قال : إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ « القلم : 17 » أي يجتنونها ويتناولونها . فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ « القلم : 21 » .
والصَّارِمُ : الماضي . وناقةٌ مَصْرُومَةٌ : كأنها قطع ثديها فلا يخرج لبنها حتى يقوى . وتَصَرَّمَتِ السَّنَةُ . وانْصَرَمَ الشئ : انقطع ، وأَصْرَمَ : ساءت حاله .
ملاحظات
قال ابن فارس « 3 / 344 » : « صَرَمَ : أصلٌ واحد صحيحٌ مطردٌ ، وهو القطع . من ذلك صَرْمُ الهجران . والصريمة العزيمة على الشئ ، وهو قطع كل علقة دونه » .
فالصريمة : عزم قطعي على أمر يتعلق بالنية والقرار . لكن الراغب جعلها إحكام الأمر وإبرامه ، فابتعد عن العزم ، ولعله قصد إحكام النية ، وهو خلاف الظاهر .
صَرَطَ
الصِّرَاطُ : الطريقُ المستقيمُ . قال تعالى : وَإن هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً « الأنعام : 153 » ويقال له : سِرَاطٌ ، وقد تقدم . « وتقدم أنه لفظ غير عربي » .
صَطَرَ
صَطَرَ وسَطَرَ : واحدٌ . قال تعالى : أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ « الطور : 37 » وهو مفيعل من السَّطْرِ ، والتسْطِيرُ : أي الكتابة ، أي أهم الذين تولوا كتابة ما قدر لهم قبل أن خلق ، إشارة إلى قوله : إن ذلِكَ فِي كِتابٍ إن ذلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ « الحج : 70 » .
وقوله : فِي إِمامٍ مُبِينٍ « يس : 12 » وقوله : لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ « الغاشية : 22 » أي متولٍّ أن تكتب عليهم وتثبت ما يتولونه .
وسَيْطَرْتُ وبَيْطَرْتُ لا ثالث لهما في الأبنية ، وقد تقدم ذلك في السين . « وتقدم أن سيطر لا علاقة لها بالسطر » .
صَرَعَ
الصَّرْعُ : الطرح . يقال : صَرَعْتُهُ صَرْعاً . والصَّرْعَةُ : حالة المَصْرُوعِ . والصَّرَاعَةُ : حرفة المُصَارِعُ . ورجلٌ صَرِيعٌ ، أي مَصْرُوعٌ ، وقومٌ صَرْعَى . قال تعالى : فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى « الحاقة : 7 » . وهما صِرْعَانِ ، كقولهم قِرْنَانِ . والْمِصْرَاعَانِ من الأبواب ، وبه شبه المِصْرَاعَانِ في الشِّعْر .
ملاحظات
وردت هذه المادة في آية واحدة في قوم عاد ، ذكرها الراغب . وقد أخذ الراغب تعريف الصَّرْع من قول ابن فارس « 3 / 342 » : « أصلٌ واحد يدل على سقوط شئ إلى الأرض ، عن مراس اثنين » . والصحيح أنه مطلق سقوط الإنسان إلى الأرض ، حتى لو وقع من نفسه صريعاً .
وقد اتفق اللغويون على أن مصراعي الباب ومصراعي بيت الشعر ، مأخوذان من الصَّرَع !
ولعلهما مأخوذان من مصراعي الباب .
--------------------------- 447 ---------------------------
صَعَد
الصُّعُودُ : الذهاب في المكان العالي . والصَّعُودُ والحَدُورُ : لمكان الصُّعُودِ والإنحدار وهما بالذات واحد ، وإنما يختلفان بحسب الاعتبار بمن يمر فيهما ، فمتى كان المار صَاعِداً يقال لمكانه صَعُودٌ ، وإذا كان منحدراً يقال لمكانه حَدُور .
والصَّعَدُ والصَّعِيدُ والصَّعُودُ : في الأصل واحدٌ ، لكنِ الصَّعُودُ والصَّعَدُ يقال للعَقَبَةِ ، ويستعار لكل شاقٍّ . قال تعالى : وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً « الجن : 17 » أي شاقاً ، وقال : سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً « المدثر : 17 » أي عقبة شاقة .
والصَّعِيدُ : يقال لوجه الأرض ، قال : فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً « النساء : 43 » وقال بعضهم : الصَّعِيدُ يقال للغبار الذي يَصْعَدُ من الصُّعُودِ ، ولهذا لا بد للمتيمم أن يعلق بيده غبار .
وقوله : كَأنما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ « الأنعام : 125 » أي يَتَصَعَّدُ .
وأما الْإِصْعَادُ : فقد قيل هو الإبعاد في الأرض ، سواء كان ذلك في صُعُودٍ أو حدور . وأصله من الصُّعُودُ ، وهو الذهاب إلى الأمكنة المرتفعة ، كالخروج من البصرة إلى نجد ، وإلى الحجاز ، ثم استعمل في الإبعاد وإن لم يكن فيه اعتبار الصُّعُودِ ، كقولهم : تعالَ ، فإنه في الأصل دعاء إلى العلو صار أمراً بالمجئ سواء كان إلى أعلى ، أو إلى أسفل . قال تعالى : إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ « آل عمران : 153 » وقيل : لم يقصد بقوله إِذْ تُصْعِدُونَ إلى الإبعاد في الأرض وإنما أشار به إلى علوهم فيما تحروه وأتوه ، كقولك : أبعدت في كذاوارتقيت فيه كل مرتقى ، وكأنه قال : إذ بعدتم في استشعار الخوف والاستمرار على الهزيمة !
واستعير الصُّعُودُ لما يصل من العبد إلى الله ، كما استعير النزول لما يصل من الله إلى العبد ، فقال سبحانه : إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطيِّبُ « فاطر : 10 » . وقوله : يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً « الجن : 17 » أي شاقاً ، يقال : تَصَعَّدَنِي كذا ، أي شَقَّ علَيَّ . قال عُمَرُ : ما تَصَعَّدَنِي أمرٌ ما تَصَعَّدَنِي خِطبةُ النّكاحِ .
صَعَرَ
الصَّعَرُ : ميل في العنق . والتصْعِيرُ : إمالته عن النظر كبراً ، قال تعالى : وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ « لقمان : 18 » وكل صعب يقال له : مُصْعَرٌ ، والظَّليم أَصْعَرُ خلقةً .
صَعَق
الصَّاعِقَةُ : والصاقعة يتقاربان ، وهما الهدة الكبيرة ، إلا أن الصقع يقال في الأجسام الأرضية ، والصَّعْقَ في الأجسام العُلويَّةِ . قال بعض أهل اللّغة : الصَّاعِقَةُ على ثلاثة أوجه : الموت : كقوله : فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ « الزمر : 68 » وقوله : فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ « النساء : 153 » . والعذاب : كقوله : أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ « فصلت : 13 » . والنار : كقوله : وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ « الرعد : 13 » .
وما ذكره فهو أشياء حاصلة من الصَّاعِقَةِ ، فإن الصَّاعِقَةَ هي الصوت الشديد من الجوّ ، ثم يكون منها نار فقط أو عذاب أو موت ، وهي في ذاتها شئ واحد ، وهذه الأشياء تأثيرات منها .
صَغَرَ
الصِّغَرُ والكِبَر : من الأسماء المتضادة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض . فالشئ قد يكون صَغِيراً في جنب الشئ وكبيراً في جنب آخر .
وقد تقال تارةً باعتبار الزمان فيقال : فلان صَغِيرٌ وفلان كبير ، إذا كان ما له من السنين أقل مما للآخر ، وتارةً تقال باعتبار الجثة ، وتارةً باعتبار القدر والمنزلة .
وقوله : وَكل صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ « القمر : 53 » وقوله : لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها « الكهف : 49 » وقوله : وَلا
--------------------------- 448 ---------------------------
أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ « يونس : 61 » كل ذلك بالقدر والمنزلة من الخير والشر ، باعتبار بعضها ببعض . يقال : صَغُرَ صِغَراً في ضد الكبير ، وصَغِرَ صَغَراً وصَغَاراً في الذِّلَّة .
والصَّاغِرُ : الراضي بالمنزلة الدنيَّة ، قال تعالى : حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ . « التوبة : 29 » .
ملاحظات
أورد الراغب الصغير والكبير المستطر ، وكأنهما من الأشخاص ، وهما المستطر من الأعمال !
كما قيد الصاغر بالراضي بالذل ، وقد يكون رافضاً له وإن كان خاضعاً .
صَغَا
الصَّغْوُ : الميل . يقال : صَغَتِ النجومُ والشمس صَغْواً : مالت للغروب ، وصَغَيْتُ الإناءَ وأَصْغَيْتُهُ ، وأَصْغَيْتُ إلى فلان : ملت بسمعي نحوه . قال تعالى : وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ « الأنعام : 113 » .
وحكي : صَغَوْتُ إليه أَصْغُو ، وأَصْغَى ، صَغْواً وصُغِيّاً . وقيل : صَغَيْتُ أَصْغَى ، وأَصْغَيْتُ أُصْغِي .
وصَاغِيَةُ الرجل : الذين يميلون إليه ، وفلانٌ مُصْغًى إناؤُهُ ، أي منقوص حظه ، وقد يكنى به عن الهلاك .
وعينه صَغْوَاءُ إلى كذا . والصَّغْيُ : ميل في الحنك والعين .
ملاحظات
قَلَّد الراغب ابن فارس فاختصر المادة ، وركز على جانب من معناها ليس هو المتبادر منها ، فالمتبادر من صغى وأصغى والإصغاء : استمع اليه بميل . ثم يقال صغا بقلبه ، وصغا لضغنه ، وصغا برأسه . . الخ .
قال أبو هلال في الفروق / 284 : « السمع : هو إدراك المسموع . والإصغاء : هو طلب إدراك المسموع بإمالة السمع إليه ، يقال صغا يصغو إذا مال وأصغى إلى غيره » .
وقال الصدوق في الإعتقادات / 109 : « قال عليه السلام : من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس » .
وما ذكروه من الميل والانحراف في معنى صغى فصحيح ، لكنه بعد الميل اليه بالسمع . قال الله تعالى : وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ . « الأنعام : 113 » .
وقال تعالى لعائشة وحفصة : إِنْ تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا « التحريم : 4 » . وفي تفسير الطبري « 28 / 205 » : عن ابن عباس وسفيان الثوري قالا : « فقد صغت قلوبكما ، قال : زاغت قلوبكما » .
صَفَّ
الصَّفُّ : أن تجعل الشئ على خط مستوٍ ، كالناس والأشجار ونحو ذلك ، وقد يجعل فيما قاله أبو عبيدة بمعنى الصَّافِّ . قال تعالى : إن الله يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا « الصف : 4 » ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا « طه : 64 » يحتمل أن يكون مصدراً ، وأن يكون بمعنى الصَّافِّينَ ، وقال تعالى : وَإنا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ « الصافات : 165 » وَالصَّافَّاتِ صَفًّا « الصافات : 1 » يعني به الملائكة . وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا « الفجر : 22 » وَالطيْرُ صَافَّاتٍ « النور : 41 » فَاذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَيْها صَوافَ « الحج : 36 » أي مُصْطَفَّةً ، وصَفَفْتُ كذا : جعلته على صَفٍّ . قال : عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ « الطور : 20 » .
وصَفَفْتُ اللّحمَ : قدّدته ، وألقيته صفاً صفاً . والصَّفِيفُ : اللّحمُ المَصْفُوفُ .
والصَّفْصَفُ : المستوي من الأرض كأنه على صفٍّ واحدٍ ، قال : فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً « طه : 106 » .
والصُّفَّةُ من البنيان ، وصُفَّةُ السَّرج تشبيهاً بها في الهيئة . والصَّفُوفُ : ناقةٌ تُصَفُّ بين مَحْلَبَيْنِ فصاعداً لغزارتها ، والتي تَصُفُّ رجلَيْها . والصَّفْصَافُ : شجرُ الخلاف .
--------------------------- 449 ---------------------------
صَفَحَ
صَفْحُ الشئ : عرضه وجانبه ، كَصَفْحَةِ الوجهِ ، وصَفْحَةِ السّيفِ ، وصَفْحَةِ الحَجَرِ .
والصَّفْحُ : تركُ التثريب ، وهو أبلغ من العفو ولذلك قال : فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ « البقرة : 109 » . وقد يعفو الإنسان ولا يَصْفَحُ . قال : فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ « الزخرف : 89 » فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ « الحجر : 85 » أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً « الزخرف : 5 » وصَفَحْتُ عنه : أوليته مني صَفْحَةً جميلةً معرضاً عن ذنبه ، أو لقيت صَفْحَتَهُ متجافياً عنه ، أو تجاوزت الصَّفْحَةَ التي أثبت فيها ذنبه من الكتاب إلى غيرها ، من قولك : تَصَفَّحْتُ الكتابَ .
وقوله : إن السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ « الحجر : 85 » فَأَمْرٌ له عليه السلام أن يخفّف كفر من كفر كما قال : وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ « النحل : 127 » . والمُصَافَحَةُ : الإفضاء بِصَفْحَةِ اليدِ .
صَفَدَ
الصَّفَدُ والصِّفَادُ : الغلُّ ، وجمعه أَصْفَادٌ . والأَصْفَادُ : الأغلالُ . قال تعالى : مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ « إبراهيم : 49 » والصَّفَدُ [ والصَّفْد ] : العطية .
صَفَرَ
الصُّفْرَةُ : لونٌ من الألوان التي بين السواد والبياض ، وهي إلى السواد أقرب ، ولذلك قد يعبر بها عن السواد .
قال الحسن في قوله تعالى : بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها « البقرة : 69 » أي سوداء . وقال بعضهم : لا يقال في السواد فاقع ، وإنما يقال فيها حالكة .
قال تعالى : ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا « الزمر : 21 » كأنه جِمَالَاتٌ صُفْرٌ « المرسلات : 33 » قيل : هي جمع أَصْفَرَ ، وقيل : بل أراد الصُّفْرَ المُخْرَجَ من المعادن ، ومنه قيل للنحاس : صُفْرٌ ، ولِيَبِيسِ البُهْمَى : صُفَارٌ .
وقد يقال الصَّفِيرُ للصوت حكاية لما يسمع ، ومن هذا : صَفِرَ الإناءُ : إذا خلا حتى يُسْمَعَ منه صَفِيرٌ لخلوه ، ثم صار متعارفاً في كل حال من الآنية وغيرها . وسمي خلوُّ الجوف والعروق من الغذاء صَفَراً . ولما كانت العروق الممتدة من الكبد إلى المعدة إذا لم تجد غذاء امتصت أجزاء المعدة ، اعتقدت جهلة العرب إن ذلك حية في البطن تعض بعض الشراسف حتى نفى النبي صلى الله عليه وآله فقال : لا صَفَرَ ، أي ليس في البطن ما يعتقدون أنه فيه من الحية ، وعلى هذا قول الشاعر : ولا يَعَضُّ على شِرْسُوفهِ الصَّفَرُ .
والشهر يسمّى صَفَراً : لخلو بيوتهم فيه من الزاد . والصَّفَرِيُّ من النِّتَاجِ : ما يكون في ذلك الوقت .
ملاحظات
1 . عرف الراغب الصفرة بنفس تعريفه للخضرة ، قال : والخُضْرَة : أحد الألوان بين البياض والسواد ، وهو إلى السواد أقرب ! ولا يصح قوله في الصفرة : قد يعبر بها عن السواد . ويصح ذلك في الخضرة ، فقد سمى العرب العراق أرض السواد لخضرته .
وقوله في آخر المادة : والشهر يسمى صفراً ، تعبير ركيك يقصد به أن صفر إسمٌ لأحد الشهور .
وقد أغربَ الحسن البصري ففسر البقرة في الآية بأنها سوداء !
2 . لم يُرجع الراغب مفردات المادة إلى أصل واحد لصعوبة ذلك . أما ابن فارس فجعل أصولها ستة وهو رأي قوي ، قال « 3 / 294 » : « فالأول الصفرة في الألوان ، وبنو الأصفر ملوك الروم . والأصل الثاني : الشئ الخالي ، يقال : هو صِفْر . والأصل الثالث : الصِّفْر من جواهر الأرض ، يقال إنه النحاس . وأما الرابع : فالصفير للطائر وقولهم ما
--------------------------- 450 ---------------------------
بها صَافِر . وأما الزمان : فصَفَر اسم هذا الشهر . وأما النبات فالصُّفَار ، وهو نبتٌ » .
صَفَنَ
الصَّفْنُ : الجمعُ بين الشيئين ضاماً بعضهما إلى بعض . يقال : صَفَنَ الفرسُ قوائمَهُ ، قال تعالى : الصَّافِناتُ الْجِيادُ « ص : 31 » وقرئ : فاذكروا اسم الله عليها صَوَافِنَ . والصَّافِنُ : عِرْقٌ في باطن الصلب يجمع نياط القلب . والصَّفْنُ : وعاءٌ يجمع الخصية . والصُّفْنُ : دلوٌ مجموع بحَلَقَة .
صَفَوَ
أصل الصَّفَاءِ : خلوصُ الشئ من الشَّوْب . ومنه الصَّفَا ، للحجارة الصَّافِيَةِ . قال تعالى : إِنَّ الصَّفا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ الله « البقرة : 158 » وذلك اسم لموضع مخصوص . والإصْطِفَاءُ : تناولُ صَفْوِ الشئِ ، كما أن الاختيار تناول خيره ، والإجتباء : تناول جبايته .
واصْطِفَاءُ الله : بعضَ عباده قد يكون بإيجاده تعالى إياه صَافِياً عن الشوب الموجود في غيره ، وقد يكون باختياره [ وبحكمه ] وإن لم يتعرَّ ذلك من الأول .
قال تعالى : الله يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا ومِنَ النَّاسِ « الحج : 75 » إِنَّ الله اصْطَفى آدَمَ ونُوحاً « آل عمران : 33 » اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ « آل عمران : 42 » اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ « الأعراف : 144 » وإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيارِ « ص : 7 » .
واصْطَفَيْتُ كذا على كذا : أي اخترت . أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ « الصافات : 153 » وسَلامٌ عَلى عِبادِه الَّذِينَ اصْطَفى « النمل : 59 » ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا « فاطر : 32 » .
والصَّفِيُّ والصَّفِيَّةُ : ما يَصْطَفِيه الرّئيسُ لنفسه ، قال الشاعر : لك المِرْبَاعُ منها والصَّفَايَا
[ وحُكمُك والنشيطةُ والفضولُ ] وقد يقالان للناقة الكثيرة اللَّبن ، والنخلة الكثيرة الحمل . وأَصْفَتِ الدجاجةُ : إذا انقطع بيضها كأنها صَفَتْ منه .
وأَصْفَى الشاعرُ : إذا انقطع شعره تشبيهاً بذلك .
ومن قولهم : أَصْفَى الحافرُ : إذا بلغ صَفىً ، أي صخراً منعه من الحفر ، كقولهم : أكدى وأحجر .
والصَّفْوَانُ : كالصَّفَا ، الواحدةُ : صَفْوَانَةٌ ، قال تعالى : كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْه تُرابٌ « البقرة : 264 » ويقال يوم صَفْوَانٌ : صَافِي الشمسِ شديد البرد .
ملاحظات
1 . تقدم في مادة جَبَيَ أن الاصطفاء غير الاجتباء ، ونقلوا عن اللغوي ابن الأعرابي ، قوله : « اقترحْتُه ، واجتَبيْته ، وخَوَّصته ، وخدَّمْته ، واخْتَلَمْته ، واستَخْلَصْته واسْتَمَيْتُه ، كلُّه بمعنَى اخترْته » . « تاج العروس : 4 / 171 » .
لكن يظهر الفرق بينهما من تفاوت تعديتهما ، فتقول اصطفاه مجرداً كقوله تعالى : وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى . أو اصطفاءً من أجل أحد : اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ . أو اصطفاءً من أحد : الله يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ . أو اصطفاءً على أحد : اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ . أو على العالمين : إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ . أو اصطفاء بالرسالة والتكليم : اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِى وَبِكَلامِى .
وقد يكون اصطفاء لأنبياء عليهم السلام : وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِى وَالأَبْصَارِ . . وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ . وقد يكون اصطفاءً بدرجات : اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ .
أو اصطفاء في الدنيا غير شامل للآخرة : وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا .
أو اصطفاء لجماعة كبيرة فيهم الظالم لنفسه : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ .
--------------------------- 451 ---------------------------
2 . وقع البحث في تحديد المصطفيْن في قوله تعالى : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِكَ هُوَالْفَضْلُ الْكَبِيرُ . جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا . . « فاطر : 32 » .
وقال عمر بن الخطاب إن المصطفَيْن ورثة الكتاب كل المسلمين إنهم جميعاً يدخلون الجنة : « كان إذا نزع بهذه الآية قال : ألا إن سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له » . « الدر المنثور « 5 / 252 » . ووافقه كعب الأحبار فقال إ نه قرأ ذلك في كتب اليهود ! وإنهم نجوا كلهم . ووافقه عثمان « 5 / 252 » وعائشة « الحاكم : 2 / 426 » قالت : أما السبَّاق فمن مضى في حياة رسول الله فشهد له بالحياة والرزق . وأما المقتصد فمن اتبع آثارهم فعمل بأعمالهم حتى يلحق بهم . وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلك ومن اتبعنا ، وكل في الجنة » .
وقال أهل البيت عليهم السلام إن المصطفَين الذين أورثهم الله الكتاب هم الأئمة من ذرية فاطمة عليها السلام ، وهم السابقون بالخيرات . روى ابن شعبة الحراني في تحف العقول / 425 قول المأمون : « أخبروني عن معنى هذه الآية : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا . . الآية ؟ فقالت العلماء : أراد الله الأمة كلها . فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال الرضا عليه السلام : لا أقول كما قالوا ولكن أقول : أراد الله تبارك وتعالى بذلك العترة الطاهرة . فقال المأمون : وكيف عنى العترة دون الأمة ؟
فقال الرضا لنفسه : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ، ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير .
ثم جعلهم كلهم في الجنة فقال عز وجل : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم .
ثم قال الرضا عليه السلام : هم الذين وصفهم الله في كتابه فقال : إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً . وهم الذين قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، يا أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم .
قالت العلماء : هل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب ؟
فقال الرضا عليه السلام : فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعاً . فأول ذلك قول الله : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين . « الشعراء : 214 » إلى آخر الحديث » .
صَلَلَ
أصل الصَّلْصَالِ : تردُّدُ الصوتِ من الشئ اليابس ، ومنه قيل : صَلَّ المسمارُ . وسمي الطين الجاف صَلْصَالاً ، قال تعالى : مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ « الرحمن : 14 » مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ « الحجر : 26 » .
والصُّلْصَلَةُ : بقيةُ ماءٍ ، سميت بذلك لحكاية صوت تحركه في المزادة ، وقيل الصَّلْصَالُ المنتن من الطين من قولهم : صَلَّ اللحمُ ، قال : وكان أصله صَلَّالٌ فقلبت إحدى اللامين ، وقرئ : أئذا صَلَلْنَا ، أي أنتنا وتغيرنا ، من قولهم : صَلَّ اللّحمُ وأَصَلَّ .
صَلَبَ
الصُّلْبُ : الشّديدُ ، وباعتبار الصَّلَابَة والشدة سمي الظَّهْر صُلْباً . قال تعالى : يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالترائِبِ « الطارق : 7 » . وقوله : وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ « النساء : 23 » تنبيهٌ [ على ] أن الولد جزء من الأب ، وعلى نحوه نبه قول الشاعر :
وإنما أولادُنا بَيْنَنَا * تمَشي على الأرضِ
وقال الشاعر : في صَلَبٍ مثلِ العنانِ المُؤَدَّمِ
--------------------------- 452 ---------------------------
والصَّلَبُ والإصْطِلَابُ : استخراج الودك من العظم . والصَّلْبُ : الذي هو تعليق الإنسان للقتل ، قيل هو شد صُلْبِهِ على خشب ، وقيل إنما هو من صَلْبِ الوَدَكِ .
قال تعالى : وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ « النساء : 157 » وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ « الشعراء : 49 » وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ « طه : 71 » أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا « المائدة : 33 » .
والصَّلِيبُ : أصله الخشب الذي يُصْلَبُ عليه .
والصَّلِيبُ : الذي يتقرب به النصارى ، هو لكونه على هيئة الخشب الذي زعموا أنه صُلِبَ عليه عيسى عليه السلام .
وثوب مُصَلَّبٌ ، أي عليه آثار الصَّلِيبِ .
والصَّالِبُ من الحمى : ما يكسر الصُّلْبَ ، أو ما يُخْرِجُ الودَكَ بالعرق .
وصَلَّبْتُ السِّنَانَ : حَدَدْتُه . والصُّلْبِيَّةُ : حجارة المِسَنّ .
صَلَحَ
الصَّلَاحُ : ضد الفساد ، وهما مختصان في أكثر الاستعمال بالأفعال ، وقوبل في القرآن تارةً بالفساد وتارةً بالسيئة ، قال تعالى : خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً « التوبة : 102 » وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها « الأعراف : 56 » وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ « البقرة : 82 » في مواضع كثيرة .
والصُّلْحُ : يختص بإزالة النفار بين الناس ، يقال منه : اصْطَلَحُوا وتَصَالَحُوا ، قال : أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ « النساء : 128 » وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا « النساء : 129 » فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما « الحجرات : 9 » فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ « الحجرات : 10 » .
وإِصْلَاحُ الله تعالى الإنسانَ : يكون تارة بخلقه إياه صَالِحاً ، وتارة بإزالة ما فيه من فساد بعد وجوده ، وتارة يكون بالحكم له بالصَّلَاحِ . قال تعالى : وَأَصْلَحَ بالَهُمْ « محمد : 2 » يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ « الأحزاب : 71 » وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي « الأحقاف : 15 » إن الله لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ « يونس : 81 » أي المفسد يضاد الله في فعله فإنه يفسد والله تعالى يتحرى في جميع أفعاله الصَّلَاحَ ، فهو إذاً لا يُصْلِحُ عملَه .
وصَالِحٌ : اسم للنّبي عليه السلام ، قال تعالى : يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا « هود : 62 » .
ملاحظات
تقدم في قوله تعالى في الشهداء : سَيَهْديهم ويُصْلح بالَهم ، أنه لا يصح أن يكون في الآخرة ، فهو يدل على إحيائهم مرة أخرى !
صَلَدَ
قال تعالى : فَتَرَكَهُ صَلْداً « البقرة : 264 » أي حجراً صلباً وهو لا ينبت ، ومنه قيل : رأس صَلْدٌ : لا ينبت شعراً . وناقة صَلُودٌ ومِصْلَادٌ : قليلة اللبن . وفرس صَلُودٌ : لا يعرق .
وصَلَدَ الزَّنْدُ : لا يخرج ناره .
صَلَا
أصل الصَّلْيُ الإيقادُ بالنار ، ويقال : صَلِيَ بالنار وبكذا ، أي بلي بها واصْطَلَى بها ، وصَلَيْتُ الشاةَ : شويتها ، وهي مَصْلِيَّةٌ . قال تعالى : إصْلَوْهَا الْيَوْمَ « يس : 64 » وقال : يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى « الأعلى : 12 » تَصْلى ناراً حامِيَةً « الغاشية : 4 » وَيَصْلى سَعِيراً « الانشقاق : 12 » وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً « النساء : 10 » قرئ : سَيُصْلَوْنَ بضم الياء وفتحها ، حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها « المجادلة : 8 » سَأُصْلِيهِ سَقَرَ « المدثر : 26 » وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ « الواقعة : 94 » . وقوله : لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى « الليل : 15 » فقد قيل : معناه لا يَصْطَلِي بها إلّا الأشقى الذي .
قال الخليل : صَلِيَ الكافرُ النار : قاسى حرها ، يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ « المجادلة : 8 » وقيل : صَلَى النارَ : دخل فيها ، وأَصْلَاهَا غيرَهُ . قال : فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً « النساء : 30 » ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا « مريم : 70 » قيل : جمع
--------------------------- 453 ---------------------------
صَالٍ . والصَّلَاءُ : يقال للوقود وللشواء .
والصَّلاةُ : قال كثير من أهل اللغة : هي الدعاء والتبريك والتمجيد ، يقال : صَلَّيْتُ عليه أي دعوت له وزكيت ، وقال عليه السلام : إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، وإن كان صائما فَلْيُصَلِّ ، أي ليدع لأهله . وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إن صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ « التوبة : 103 » يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ « الأحزاب : 56 » وَصَلَواتِ الرَّسُولِ « التوبة : 99 » .
وصَلَاةُ الله للمسلمين هو في التحقيق تزكيته إياهم . وقال : أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ « البقرة : 157 » . ومن الملائكة هي الدعاء والاستغفار ، كما هي من الناس . قال تعالى : إن الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ « الأحزاب : 56 » .
والصَّلَاةُ : التي هي العبادة المخصوصة ، أصلها الدعاء ، وسميت هذه العبادة بها كتسمية الشئ باسم بعض ما يتضمنه . والصَّلَاةُ : من العبادات التي لم تنفك شريعة منها ، وإن اختلفت صورها بحسب شرعٍ فشرع ، ولذلك قال : إن الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً « النساء : 103 » .
وقال بعضهم : أصلُ الصَّلَاةِ من الصَّلَى ، قال : ومعنى صَلَّى الرجل ، أي أنه ذاد وأزال عن نفسه بهذه العبادة الصَّلَى ، الذي هو نار الله الموقدة .
وبناء صَلَّى كبناء مَرَّضَ لإزالة المرض ، ويسمى موضع العبادة الصَّلَاةَ ، ولذلك سميت الكنائس صَلَوَاتٌ ، كقوله : لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ « الحج : 40 » وكل موضع مدح الله تعالى بفعل الصَّلَاةِ أو حثَّ عليه ، ذكر بلفظ الإقامة ، نحو : وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ « النساء : 162 » وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ « البقرة : 43 » وَأَقامُوا الصَّلاةَ « البقرة : 277 » ولم يقل : المُصَلِّينَ إلّا في المنافقين ، نحو قوله : فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ « الماعون : 4 » وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى « التوبة : 54 » .
وإنما خص لفظ الإقامة تنبيهاً [ على ] أن المقصود من فعلها توفيةُ حقوقها وشرائطها لا الإتيان بهيئتها فقط ، ولهذا روي أن المُصَلِّينَ كثير والمقيمين لها قليل .
وقوله تعالى : لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ « المدثر : 43 » أي من أتباع النبيين ، وقوله : فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى « القيامة : 31 » تنبيهاً [ على ] أنه لم يكن ممن يُصَلِّي ، أي يأتي بهيئتها فضلاً عمن يقيمها .
وقوله : وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً « الأنفال : 35 » فتسمية صَلَاتِهِمْ مكاءً وتصديةٌ تنبيهٌ على إبطال صلاتهم وأن فعلهم ذلك لااعتداد به ، بل هم في ذلك كطيور تمكو وتصدي .
وفائدة تكرار الصلاة في قوله : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ « المؤمنون : 1 » إلى آخر القصة حيث قال : وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ « المؤمنون : 9 » فإنا نذكره فيما بعد هذا الكتاب إن شاء الله .
ملاحظات
اكتفى الراغب في أصل اشتقاق الصلاة بقول بعضهم إنها من الصلى أي صَلْيِ النار ! فنقل أقل القولين سوءً ، وتهرب من إعطاء رأيٍ في مصدرها ! وسببه أن غاية ما عند اللغويين في اشتقاق الصلاة قولان غير معقولين :
أحدهما : أنها مشتقة من الصَّلَى ، أي اصطلاء النار . فمعناها أن المصلي يصطلي النار ، لكنهم غيروه وقالوا معناه : يتقي النار !
والثاني : أنها مشتقة من الصَّلَوَيْن وهما عظما ورك الفرس أو عرقان في مؤخريه ! فيكون معنى صلى : ظهر صَلَوَاهُ أو وركاه أو عرقهما كالحصان !
قال الرعيني في مواهب الجليل « 2 / 5 » : « فالأظهر الأشهر أنها من الصَّلَوَيْن ، وهما عرقان من جانبي الذنب ،
--------------------------- 454 ---------------------------
وعظمان ينحنيان في الركوع والسجود » .
فقد افترضوا أن الصلاة عربية كما فعلوا في الصراط ، وأخذوا يبحثون عما يمكن أن يكون أصلها ومصدرها ، فوجدوا صِلِيَّ النار ، ووركي الحصان ! فتشبثوا بهما ليجعلوا أصلها عربياً !
وكان يجب أن يقولوا لا أصل لها في العربية . ومما يؤيد ذلك أن الصلاة والزكاة وكلمات أخرى ، تكتب في العربية بالواو ، وقد تعلم القرشيون الكتابة في الحيرة ، وهو يدل على أن ألفها مضخمة بين الألف والواو ، وهو ما يوجد في اللغة الفارسية وربما السريانية .
ونلاحظ أن الخليل وهو إمام اللغويين وأعقلهم ، اكتفى بذكر الصلاة وفروعها ولم يذكر اشتقاقها من اصطلى النار أو وركي الفرس ، قال « 7 / 153 » : « الصلاة ألفها واو ، لأن جماعتها الصلوات ، ولأن التثنية صلوان . وكل أنثى إذا ولدت انفرج صلاها . وصليت اللحم صلياً : شويته . . فالصلاء الشواء » .
وأقرب ما يكون لها صلوات اليهود بمعنى كنائسهم ، وكأنها سميت بذلك لأنها محل صلواتهم ، فتكون الصلاة كلمة سريانية وهي لغة إبراهيم عليه السلام ، ثم استعملت في العبرية .
ولا يصح قول الراغب : ولم يقل المصلين الا في المنافقين ، لقوله تعالى : إلا المصلين « المعارج : 22 » .
صَمَمَ
الصَّمَمُ : فقدانُ حاسة السمع ، وبه يوصف من لا يُصغِي إلى الحق ولا يقبله . قال تعالى : صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ « البقرة : 18 » وقال : صُمًّا وَعُمْياناً « الفرقان : 73 » وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ « هود : 24 » وقال : وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ الله عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا « المائدة : 71 » .
وشُبِّهَ ما لا صوت له به ولذلك قيل : صَمَّتْ حَصَاةٌ بِدَمٍ ، أي كثر الدم حتى لو ألقي فيه حصاة لم تسمع لها حركة . وضربة صِمَّاءُ . ومنه الصِّمَّةُ : للشجاع الذي يُصِمُّ بالضربة .
وصَمَمْتُ القارورةَ : شددت فاها ، تشبيهاً بالأَصَمِّ الذي شد أذنه . وصَمَّمَ في الأمر : مضى فيه غير مصغٍ إلى من يردعه ، كأنه أَصَمُّ . والصَّمَّانُ : أرض غليظة .
واشتمالُ الصَّمَّاءِ : ما لا يبدو منه شئ .
صَمَدَ
الصَّمَدُ : السَّيِّدُ الذي يُصْمَدُ إليه في الأمر . وصَمَدَهُ : قصد معتمداً عليه قصده . وقيل : الصَّمَدُ الذي ليس بأجوف ، والذي ليس بأجوف شيئان : أحدهما لكونه أدون من الإنسان كالجمادات ، والثاني أعلى منه ، وهو الباري والملائكة .
والقصد بقوله : الله الصَّمَدُ « الإخلاص : 2 » تنبيهاً [ على ] أنه بخلاف من أثبتوا له الإلهية ، وإلى نحو هذا أشار بقوله : وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطعامَ « المائدة : 75 » .
صَمَعَ
الصَّوْمَعَةُ : كل بناء مُتَصَمِّع الرأسِ ، أي متلاصقُهُ ، وجمعها صَوَامِعُ . قال تعالى : لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ « الحج : 40 » .
والأَصْمَعُ : اللاصق أذنه برأسه . وقلبٌ أَصْمَعُ : جرئ كأنه بخلاف من قال الله فيهم : وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ « إبراهيم : 43 » . والصَّمْعَاءُ : البُهْمَى « الظلمة » قبل أن تتفقأ .
وكلابٌ صُمُعُ الكُعُوبِ : ليسوا بأجوافها .
ملاحظات
وردت هذه المادة في آية واحدة هي : وَلَوْلا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ الله كَثِيرًا .
وقال ابن فارس « 3 / 310 » : « صمع : أصل واحد يدل على
--------------------------- 455 ---------------------------
لطافة في الشئ وتَضَامٌّ ، قال الخليل وغيره : كل منضم فهو مُتَصَمِّعٌ . قال : ومن ذلك اشتقاق الصومعة ، ومنه الصمع في الأذنين . ويقال : قلبٌ أصمعُ أي لطيف ذكي » . ومعنى كلابٌ صمع الكعوب : قوائمها نحيفة حسنة ، ليست مجوفة ولا غليظة .
صَنَعَ
الصُّنْعُ : إجادةُ الفعل ، فكل صُنْعٍ فِعْلٌ وليس كل فعل صُنْعاً ، ولا ينسب إلى الحيوانات والجمادات كما ينسب إليها الفعل . قال تعالى : صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كل شَئ « سورة النمل : 88 » وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ « هود : 38 » وَاصْنَعِ الْفُلْكَ « هود : 37 » إنهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً « الكهف : 104 » صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ « الأنبياء : 80 » تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ « الشعراء : 129 » لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ « المائدة : 63 » حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها « هود : 16 » تَلْقَفْ ما صَنَعُوا ، إنما صَنَعُوا « طه : 69 » والله يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ « العنكبوت : 45 » وللإجادة يقال للحاذق المُجِيدِ : صَنَعٌ ، وللحاذقة المُجِيدَةِ : صَنَاعٌ .
والصَّنِيعَةُ : ما اصْطَنَعْتُهُ من خيرٍ ، وفرسٌ صَنِيعٌ : أُحْسِنَ القيامُ عليه . وعُبِّرَ عن الأمكنة الشريفة بِالْمَصَانِعِ . قال تعالى : وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ « الشعراء : 129 » وكُنِّي بالرشوة عن المُصَانَعَةِ .
والإصْطِنَاعُ : المبالغة في إصلاح الشئ ، وقوله : وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي « طه : 41 » وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي « طه : 39 » إشارة إلى نحو ما قال بعض الحكماء : إن الله تعالى إذا أحب عبداً تفقده ، كما يتفقد الصديق صديقه .
صَنَمَ
الصَّنَمُ : جُثَّةٌ متخذة من فضة أو نحاس أو خشب ، كانوا يعبدونها متقربين به إلى الله تعالى ، وجمعه أَصْنَامٌ . قال الله تعالى : أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً « الأنعام : 74 » لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ « الأنبياء : 57 » .
قال بعض الحكماء : كل ما عبد من دون الله ، بل كل ما يشغل عن الله تعالى يقال له : صَنَمٌ ، وعلى هذا الوجه قال إبراهيم صلوات الله عليه : اجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ « إبراهيم : 35 » فمعلوم إن إبراهيم مع تحققه بمعرفة الله تعالى ، واطلاعه على حكمته ، لم يكن ممن يخاف أن يعود إلى عبادة تلك الجثث التي كانوا يعبدونها ، فكأنه قال : اجنبني عن الاشتغال بما يصرفني عنك .
صَنَوَ
الصِّنْوُ : الغصنُ الخارج عن أصل الشجرة ، يقال : هُمَا صِنْوَا نخلةٍ ، وفلانٌ صِنْوُ أبيه ، والتثنية صِنْوَانِ وجمعه صِنْوَانٌ . قال تعالى : صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ « الرعد : 4 » .
ملاحظات
أخذه الراغب من كلام الخليل ، وصاغه بعبارة ركيكة فعَرَّفَ الصنو بالغصن الخارج عن أصل الشجرة ، ولو كان غصناً لها ، فليس بصنو !
قال الخليل « 7 / 158 » : « صِنْوُ فلان : أي أخوه لأبويه وشقيقه ، وعم الرجل صنو أبيه . والصنو من النخل : نخلتان أو ثلاث أو أكثر أصلهن واحد ، كل واحدة على حيالها صنو ، وجمعه صنوانٌ ، والتثنية صنوان » .
صَهَرَ
الصِّهْرُ : الختنُ ، وأهل بيت المرأة يقال لهم الأَصْهَارُ ، كذا قال الخليل . قال ابن الإعرابي : الإِصْهَارُ : التحَرُّمُ بجوارٍ أو نسب أو تزوُّج ، يقال : رجلٌ مُصْهِرٌ : إذا كان له تحرُّمٌ من ذلك . قال تعالى : فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً « الفرقان : 54 » .
والصَّهْرُ : إذابةُ الشحم . قال تعالى : يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ « الحج : 20 » . والصُّهَارَةُ : ما ذاب منه ، وقال أعرابيّ : لَأَصْهَرَنَّكَ بيمينٍ مُرَّةٍ ، أي لأُذِيبَنَّكَ .
--------------------------- 456 ---------------------------
صَوًبَ
الصَّوَابُ : يقال على وجهين ، أحدهما : باعتبار الشئ في نفسه ، فيقال : هذا صَوَابٌ ، إذا كان في نفسه محموداً ومرضيّاً بحسب مقتضى العقل والشرع ، نحو قولك : تَحَرِّي العدلِ صَوَابٌ ، والكَرَمُ صَوَابٌ .
والثاني : يقال باعتبار القاصد إذا أدرك المقصود بحسب ما يقصده فيقال : أَصَابَ كذا ، أي وجد ما طلب ، كقولك : أَصَابَهُ السهمُ ، وذلك على أضرب .
الأول : أن يقصد مايحسن قصده فيفعله ، وذلك هو الصَّوَابُ التامُّ المحمودُ به الإنسان .
والثاني : أن يقصد ما يحسن فعله ، فيتأتى منه غيره لتقديره بعد اجتهاده إنه صَوَابٌ ، وذلك هو المراد بقوله عليه السلام : كل مجتهد مُصِيبٌ . وروي : المجتهد مُصِيبٌ وإن أخطأ فهذا له أجر . كما روي : من اجتهد فَأَصَابَ فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر .
والثالث : أن يقصد صَوَاباً ، فيتأتّى منه خطأ لعارض من خارج ، نحو من يقصد رمي صيد فَأَصَابَ إنساناً ، فهذا معذور .
والرابع : أن يقصد ما يقبح فعله ، ولكن يقع منه خلاف ما يقصده ، فيقال : أخطأ في قصده وأَصَابَ الذي قصده أي وجده .
والصَّوْبُ : الإِصَابَةُ . يقال صَابَهُ وأَصَابَهُ . وجُعِلَ الصَّوْبُ لنزول المطر إذا كان بقدر ما ينفع ، وإلى هذا القدر من المطر أشار بقوله : وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ « المؤمنون : 18 » قال الشاعر : فسقى ديارَك غيرَ مُفْسِدِهَا
صَوْبُ الرَّبيعِ وَدِيمَةٌ تَهْمِي
والصَّيِّبُ : السحابُ المختص بالصَّوْبِ ، وهو فيعل من : صَابَ يَصُوبُ . قال الشاعر : فكأنما صَابَتْ عليه سحابةٌ
وقوله : أَوْ كَصَيِّبٍ « البقرة : 19 » قيل هو السحاب وقيل هو المطر وتسميته به كتسميته بالسحاب .
وأَصَابَ السهم : إذا وصل إلى المرمى بالصَّوَابِ .
والمُصِيبَةُ : أصلها في الرمية ، ثم اختصت بالنائبة نحو : أَوَلما أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها « آل عمران : 165 » فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ « النساء : 62 » وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ « آل عمران : 166 » وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ « الشورى : 30 » .
وأصاب : جاء في الخير والشر ، قال تعالى : إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ « التوبة : 50 » وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله « النساء : 73 » فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ « النور : 43 » فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ « الروم : 48 »
قال : الإِصَابَةُ في الخير اعتباراً بالصَّوْبِ ، أي بالمطر ، وفي الشر اعتباراً بِإِصَابَةِ السهمِ . وكلاهما يرجعان إلى أصل .
صَوْت
الصَّوْتُ : هو الهواء المنضغط عن قرع جسمين وذلك ضربان : صَوْتٌ مجردٌ عن تنفس بشئ كالصَّوْتِ الممتد وتنفس بِصَوْتٍ ما . والمتنفس ضربان : غير اختياري كما يكون من الجمادات ومن الحيوانات . واختياري : كما يكون من الإنسان ، وذلك ضربان : ضرب باليد كصَوْتِ العود وما يجري مجراه ، وضرب بالفم . والذي بالفم ضربان : نطق وغير نطق ، وغير النطق كصَوْتِ الناي ، والنطق منه إما مفرد من الكلام ، وإما مركب ، كأحد الأنواع من الكلام .
قال تعالى : وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً « طه : 108 » وقال : إن أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ « لقمان : 19 » لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ « الحجرات : 2 » وتخصيص الصَّوْتِ بالنهي لكونه أعم من النطق
--------------------------- 457 ---------------------------
والكلام . ويجوز أنه خصه لأن المكروه رفع الصَّوْتِ فوقه ، لا رفع الكلام .
ورجلٌ صَيِّتٌ : شديد الصَّوْتِ . وصَائِتٌ : صائح ، والصِّيتُ خُصَّ بالذكر الحسن وإن كان في الأصل انتشار الصَّوْتِ .
والإِنْصَاتُ : هوالإستماع إليه مع ترك الكلام ، قال تعالى : وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا « الأعراف : 204 »
وقال بعضهم : يقال للإجابة إِنْصَاتٌ ، وليس ذلك بشئ ، فإن الإجابة تكون بعد الإِنْصَاتِ ، وإن استعمل فيه فذلك حثٌّ على الاستماع لتُمْكن الإجابة .
ملاحظات
جعل الراغب الصوت من الإنصات ! وهو من : صَوَتَ . وعَرَّفَ الصوت من عالم الموسيقى والغناء لكن القرآن استعمله بالمعنى المتعارف في بضعة موارد :
منها : صوت الشيطان : وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ .
ومنها : النهي عن رفع الصوت أمام النبي صلى الله عليه وآله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ .
ومنها : موعظة لقمان عليه السلام لابنه : وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ .
ومنها : خشوع أصوات أهل المحشر : وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا .
صَاحَ
الصَّيْحَةُ : رفع الصوت . قال تعالى : إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً « يس : 29 » يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِ « ق : 42 » أي النفخ في الصور . وأصله تشقيق الصوت من قولهم انْصَاحَ الخشبُ أو الثوب إذا انشق فسمع منه صوت ، وصِيحَ الثوبُ إذا انشق ، كذلك .
ويقال : بأرض فلان شجر قد صَاحَ : إذا طال فتبين للناظر لطوله ، ودل على نفسه دلالة الصَّائِحِ على نفسه بصوته .
ولما كانت الصَّيْحَةُ قد تُفزع ، عُبِّرَ بها عن الفزع في قوله : فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ « الحجر : 73 » .
والصَّائِحَةُ : صَيْحَةُ المناحة . ويقال : ما ينتظرون إلا مثل صَيْحَةِ الحبلى ، أي شراً يعاجلهم .
والصَّيْحَانِيُّ : ضربٌ من التمر .
ملاحظات
جعل الراغب صاح والصيحة مأخوذين من انصاح الخشب ، وهو بعيد ، لأن صوت الإنسان ألصق به من تَصَوُّحِ الخشب ، فيترجح قول ابن فارس « 3 / 324 » : « صَيَحَ : أصل صحيح وهو الصوت العالي ، منه الصياح والواحدة منه صيحة . ومما يستعار من هذا قولهم : صاحت الشجرة وصاح النبت ، إذا طال كأنه لما طال وارتفع جعل طوله كالصياح الذي يدل على الصائح . وأما التصيُّح وهو تشقق الخشب فالأصل فيه الواو » .
صَيَدَ
الصَّيْدُ : مصدرُ صَادَ ، وهو تناول ما يظفر به مما كان ممتنعاً . وفي الشرع : تناول الحيوانات الممتنعة ما لم يكن مملوكاً ، والمتناول منه ما كان حلالاً . وقد يسمى المَصِيدُ صَيْداً بقوله : أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ « المائدة : 96 » أي اصْطِيَادُ ما في البحر ، وأما قوله : لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ « المائدة : 95 » وقوله : وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا « المائدة : 2 » وقوله : غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ « المائدة : 1 »
فإن الصَّيْدَ في هذه المواضع مختصٌّ بما يؤكل لحمه فيما قال بدلالة ما روي : خمسة يقتلهن المحرم في الحل والحرم : الحية والعقرب والفأرة والذئب والكلب العقور .
--------------------------- 458 ---------------------------
والأَصْيَدُ : من في عنقه مَيْلٌ ، وجعل مثلاً للمتكبر .
والصِّيدَانُ : بُرَامُ الأحجارِ « قدور » قال :
وَسُودٌ من الصِّيدَانِ فيها مَذانِبُ .
وقيل له : صَادٌ ، قال : رأيت قدورَ الصَّادِ حول بيوتنا .
وقيل في قوله تعالى : ص وَالْقُرْآنِ : هو الحروف .
وقيل : تَلَقَّهْ بالقبول ، من صَادَيْتُ كذا ، والله أعلم .
صُوَر
الصُّورَةُ : ما ينتقش به الأعيان ، ويتميز بها غيرها ، وذلك ضربان : أحدهما ، محسوس يدركه الخاصة والعامة ، بل يدركه الإنسان وكثير من الحيوان ، كَصُورَةِ الإنسانِ والفرس والحمار بالمعاينة .
والثاني : معقول يدركه الخاصة دون العامة ، كالصُّورَةِ التي اختص الإنسان بها من العقل والروية ، والمعاني التي خص بها شئ بشئ . وإلى الصُّورَتَيْنِ أشار بقوله تعالى : ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ « الأعراف : 11 » وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ « غافر : 64 » وقال : فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ « الانفطار : 8 » يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ « آل عمران : 6 » .
وقال عليه السلام : إن الله خلق آدم على صُورَتِهِ . فَالصُّورَةُ أراد بها ما خص الإنسان بها من الهيئة المدركة بالبصر والبصيرة ، وبها فضله على كثير من خلقه . وإضافته إلى الله سبحانه على سبيل الملك ، لا على سبيل البعضية والتشبيه ، تعالى عن ذلك . وذلك على سبيل التشريف له كقوله : بيت الله ، وناقة الله ، ونحو ذلك . قال تعالى : وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي « الحجر : 29 » وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ « النمل : 87 » فقد قيل : هو مثل قرن ينفخ فيه ، فيجعل الله سبحانه ذلك سبباً لعود الصُّوَرِ والأرواح إلى أجسامها ، وروي في الخبر : إن الصُّورَ فيه صُورَةُ الناس كلهم ، وقوله تعالى : فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطيْرِ فَصُرْهُنَ ، أي أَمِلْهُنَّ من الصَّوْرِ ، أي الميل ، وقيل : قَطعْهُنَّ صُورَةً صورة ، وقرئ : صُرَّهُنَّ ، وقيل ذلك لغتان ، يقال : صِرْتُهُ وصُرْتُهُ . وقال بعضهم : صُرْهُنَّ ، أي صِحْ بِهِنَّ .
وذكر الخليل أنه يقال : عصفور صَوَّارٌ ، وهو المجيب إذا دعي ، وذكر أبو بكر النقاش أنه قرئ : فَصُرَّهُنَّ ، بضم الصاد وتشديد الراء وفتحها من الصَّرِّ أي الشد . وقرئ : فَصُرَّهُنَّ ، من الصَّرِيرِ ، أي الصوت ، ومعناه : صِحْ بهن .
والصَّوَارُ : القطيع من الغنم اعتباراً بالقطع ، نحو : الصَّرْمة والقطيع والفرقة وسائر الجماعة المعتبر فيها معنى القطع .
صَيَرَ
الصِّيرُ : الشِّقُّ ، وهو المصدرُ ، ومنه قرئ : فَصُرْهُنَّ ، وصَارَ إلى كذا : انتهى إليه . ومنه : صِيرُ البابِ لِمَصِيرِهِ الذي ينتهي إليه في تنقله وتحركه ، قال : وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ « الشورى : 15 » .
وصَارَ ، عبارةٌ عن التنقل من حال إلى حال .
صَاعَ
صُوَاعُ الملكِ : كان إناء يشرب به ويكال به ، ويقال له : الصَّاعُ ، ويذكر ويؤنث . قال تعالى : نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ « يوسف : 72 » ثم قال : ثُمَّ اسْتَخْرَجَها « يوسف : 76 » . ويُعبَّر عن المكيل باسم ما يكال به في قوله : صَاعٌ من بُرٍّ أو صَاعٌ من شعير . وقيل : الصَّاعُ بطنُ الأرض ، قال :
ذكروا بِكَفَّيْ لاعبٍ في صَاعٍ
وقيل : بل الصَّاعُ هنا هو الصَّاعُ يلعب به مع كرة .
وتَصَوَّعَ النبتُ والشَّعَر : هاج وتفرّق ، والكميُّ يَصُوعُ أقرانَهُ ، أي يفرِّقُهم .
صَوَغَ
قرئ : صَوْغَ الملكِ . يذهب به إلى أنه كان مَصُوغاً من الذهب ( ! ) .
--------------------------- 459 ---------------------------
صَوَفَ
قال تعالى : وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ « النحل : 80 » وأخذ بِصُوفَةِ قفاه ، أي بشعره النابت . وكبش صَافٍ ، وأَصْوَفُ ، وصَائِفٌ : كثيرُ الصُّوفِ .
والصُّوفَةُ : قومٌ كانوا يخدمون الكعبة ، فقيل سموا بذلك لأنهم تشبكوا بها كتشبك الصُّوفِ بما نبت عليه ، والصُّوفَانُ : نبت أزغب .
والصُّوفِيُّ قيل : منسوب إلى لبسه الصُّوفَ . وقيل : منسوب إلى الصُّوفَةِ الذين كانوا يخدمون الكعبة لاشتغالهم بالعبادة . وقيل : منسوب إلى الصُّوفَانِ الذي هو نبت ، لاقتصادهم واقتصارهم في الطعم على ما يجري مجرى الصُّوفَانِ في قلة الغناء في الغذاء .
صَيَفَ
الصَّيْفُ : الفصل المقابل للشتاء . قال تعالى : رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ « قريش : 2 » وسمي المطر الآتي في الصَّيْفِ صَيْفاً ، كما سمي المطر الآتي في الربيع ربيعاً .
وصَافُوا : حصلوا في الصَّيْفِ ، وأَصَافُوا : دخلوا فيه .
صَوَمَ
الصَّوْمُ : في الأصل الإمساك عن الفعل مطعماً كان أو كلاماً أو مشياً ، ولذلك قيل للفرس الممسك عن السير أو العلف : صَائِمٌ . قال الشاعر : خَيْلٌ صِيَامٌ وأخرى غَيْرُ صَائِمَةٍ .
وقيل للريح الراكدة : صَوْمٌ ، ولاستواء النهار : صَوْمٌ . تصوراً لوقوف الشمس في كبد السماء ، ولذلك قيل : قام قائم الظهيرة . ومَصَامُ الفرسِ ومَصَامَتُهُ : موقفُهُ .
والصَّوْمُ في الشرع : إمساك المكلف بالنية من الخيط الأبيض إلى الخيط الأسود عن تناول الأطيبين والإستمناء والإستقاء . وقوله : إني نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً « مريم : 26 » فقد قيل : عنى به الإمساك عن الكلام بدلالة قوله تعالى : فَلَنْ أُكلمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا « مريم : 26 » .
صَيَصَ
قوله تعالى : وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ « الأحزاب : 26 » أي حصونهم ، وكل ما يتحصن به يقال له : صِيصَةٌ . وبهذا النظر قيل لقرن البقر : صِيصَةٌ ، وللشوكة التي يقاتل بها الديك : صِيصَةٌ .
والله أعلم بمراده وأسرار كتابه .
تمَّ كتاب الصاد بتوفيق الله تعالى
--------------------------- 460 ---------------------------
كتاب الضاد وما يتصل بها
ضَبَحَ
قال تعالى : وَالْعادِياتِ ضَبْحاً « العاديات : 1 » قيل : الضَّبْحُ : صوتُ أنفاس الفرس تشبيهاً بالضِّبَاحِ وهو صوت الثعلب . وقيل : هو الخفيف العَدْو وقد يقال ذلك للعدو . وقيل : الضَّبْحُ كالضبع وهو مدُّ الضَّبع في العَدْو .
وقيل : أصله إحراق العود ، شبَّه عَدْوَهُ به كتشبيهه بالنار في كثرة حركتها .
ملاحظات
ليته أخذ تعريف الخليل للضبح ، قال « 3 / 109 » : « والخيل تضبح في عدوها ضبحاً : تسمع من أفواهها صوتاً ليس بصهيل ولا حمحمة » .
وقال ابن فارس « 3 / 358 » « والحجارة المضبوحة : هي قَدَّاحَةُ النار التي كأنها محترقة » .
ضَحِكَ
الضَّحِكُ : انبساطُ الوجه وتكشُّر الأسنان من سرور النفس . ولظهور الأسنان عنده سميت مقدمات الأسنان الضَّوَاحِكِ . واستعير الضَّحِكُ للسخرية فقيل ضَحِكْتُ منه . ورجلٌ ضُحَكَةٌ : يَضْحَكُ من الناس ، وضُحْكةٌ : لمن يُضْحَكُ منه . قال تعالى : وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ « المؤمنون : 110 » إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ « الزخرف : 47 » تَعْجَبُونَ . وَتَضْحَكُونَ « النجم : 59 » ويستعمل في السرور المجرد نحو : مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ « عبس : 38 » فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً « التوبة : 82 » فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً « النمل : 19 » قال الشاعر :
تضحكُ الضَّبْعُ لقتلى هُذَيْلٍ
وترى الذئبَ لها يَسْتَهِلْ
واستعمل للتعجب المجرد تارة ، وهذا المعنى قَصَدَ مَن قال : الضَّحِكُ يَختصُّ بالإنسان ، وليس يوجد في غيره
--------------------------- 461 ---------------------------
من الحيوان . قال : ولهذا المعنى قال تعالى : وَإنهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى « النجم : 43 » وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ « هود : 71 » وضَحِكُهَا كان للتعجب بدلالة قوله : أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله « هود : 73 » . ويدلّ على ذلك أيضاً قوله : أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ . إلى قوله : عَجِيبٌ « هود : 72 » .
وقول من قال : حاضت ، فليس ذلك تفسيراً لقوله : فَضَحِكَتْ كما تصوره بعض المفسرين ، فقال : ضَحِكَتْ بمعنى حاضت ، وإنما ذكر ذلك تنصيصاً لحالها ، وأن الله تعالى جعل ذلك أمارة لما بشرت به ، فحاضت في الوقت ليعلم أن حملها ليس بمنكر ، إذ كانت المرأة ما دامت تحيض فإنها تحبل . وقول الشاعر في صفة روضة :
يُضَاحِكُ الشمسَ منها كوكبُ شرِقٌ
فإنه شبه تلألؤها بِالضَّحِكِ ، ولذلك سمي البرق العارض : ضَاحِكاً ، والحجر يبرق ضَاحِكاً ، وسمي البلح حين يتفتَّقُ ضَاحِكاً ، وطريقٌ ضَحُوكٌ : واضحٌ .
وضَحِكَ الغديرُ : تلألأ من امتلائه . وقد أَضْحَكْتُهُ .
ضُحَى
الضُّحَى : انبساطُ الشمس وامتداد النهار ، وسمِّي الوقت به ، قال الله عز وجل : وَالشَّمْسِ وَضُحاها « الشمس : 1 » إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها « النازعات : 46 » وَالضُّحى وَاللَّيْلِ . وَأَخْرَجَ ضُحاها « النازعات : 29 » وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى « طه : 59 » وضَحَى يَضْحَى : تَعَرَّضَ للشمس . قال : وَإنكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى « طه : 119 » أي لك أن تتصوَّن من حر الشمس . وتَضَحَّى : أَكَلَ ضُحًى ، كقولك تغدى ، والضَّحَاءُ والغداءُ لطعامهما . وضَاحِيَةُ كل شئ : ناحيتُهُ البارزةُ . وقيل للسماء : الضَّوَاحِي . وليلة إِضْحِيَانَةٌ ، وضَحْيَاءُ : مُضيئةٌ إضاءةَ الضُّحَى .
والأُضْحِيَّةُ : جمعُها أَضَاحِي ، وقيل ضَحِيَّةٌ وضَحَايَا وأَضْحَاةٌ وأَضْحًى . وتسميتها بذلك في الشرع لقوله عليه السلام : من ذبح قبل صلاتنا هذه فليُعِدْ .
ملاحظات
قال الخليل « 3 / 245 » : « الضَّحْوُ : ارتفاع النهار والضحى : فُوَيْقَ ذلك » .
ضَدَّ
قال قوم : الضِّدَّانِ : الشيئان اللذان تحت جنس واحدٍ ، وينافي كل واحد منهما الآخر في أوصافه الخاصة ، وبينهما أبعد البعد كالسواد والبياض ، والشر والخير ، وما لم يكونا تحت جنس واحد لا يقال لهما ضِدَّانِ ، كالحلاوة والحركة .
قالوا : والضِّدُّ هو أحد المتقابلات ، فإن المتقابلين هما الشيئان المختلفان ، اللذان كل واحد قبالة الآخر ، ولا يجتمعان في شئ واحد في وقت واحد ، وذلك أربعة أشياء : الضِّدَّانِ كالبياض والسواد .
والمتناقضان : كالضِّعْف والنِّصْف ، والوجود والعدم ، كالبصر والعمى . والموجبة والسالبة في الأخبار ، نحو : كل إنسان هاهنا وليس كل إنسان هاهنا .
وكثير من المتكلمين وأهل اللغة يجعلون كل ذلك من المُتَضَادَّاتِ ، ويقولون : الضِّدَّانِ : ما لا يصح اجتماعهما في محل واحد .
وقيل : الله تعالى لا ند له ولا ضِدَّ ، لأن النِّدَّ هو الاشتراك في الجوهر ، والضِّدَّ هو أن يعتقب الشيئان المتنافيان على جنس واحد ، والله تعالى منزه عن أن يكون جوهراً ، فإذاً لاضِدَّ له ولاند وقوله : وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا « مريم : 82 » أي منافين لهم .
ضَرَّ
الضُّرُّ : سوءُ الحال ، إما في نفسه لقلة العلم والفضل والعفة ، وإما في بدنه لعدم جارحة ونقص ، وإما في
--------------------------- 462 ---------------------------
حالة ظاهرة ، من قلة مال وجاه . وقوله : فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ « الأنبياء : 84 » فهو محتمل لثلاثتها . وقوله : وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ « يونس : 12 » وقوله : فَلما كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأن لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ « يونس : 12 » يقال : ضَرَّهُ ضُرّاً : جلب إليه ضُرّاً . وقوله : لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً « آل عمران : 111 » ينبههم على قلة ما ينالهم من جهتهم ، ويؤمنهم من ضَرَرٍ يلحقهم نحو : لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً « آل عمران : 120 » وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً « المجادلة : 10 » وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله « البقرة : 102 » .
وقال تعالى : وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ « البقرة : 102 » وقال : يَدْعُوا مِنْ دُونِ الله ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ « الحج : 12 » وقوله : يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ « الحج : 13 » .
فالأول : يعني به الضُّرُّ والنفع اللذين بالقصد والإرادة ، تنبيهاً [ على ] أنه لا يقصد في ذلك ضَرّاً ولا نفعاً لكونه جماداً . وفي الثاني : يريد ما يتولد من الاستعانة به ومن عبادته ، لا ما يكون منه بقصده .
والضَّرَّاءُ : يقابل بالسَّرَّاء والنعماء ، والضَّر بالنفع . قال تعالى : وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ « هود : 10 » وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً « الفرقان : 3 » .
ورجلٌ ضَرِيرٌ : كناية عن فقد بصره . وضَرِيرُ الوادي : شاطئه الذي ضَرَّهُ الماءُ .
والضَّرِيرُ : المَضَارُّ ، وقد ضَارَرْتُهُ . قال تعالى : وَلا تُضآرُّوهُنَ « الطلاق : 6 » وقال : وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ « البقرة : 282 » يجوز أن يكون مسنداً إلى الفاعل ، كأنه قال : لا يُضَارِرْ ، وأن يكون مفعولاً ، أي لا يُضَارَرْ ، بأن يُشغَل عن صنعته ومعاشه باستدعاء شهادته . وقال : لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها « البقرة : 233 » فإذا قرئ بالرفع فلفظه خبر ومعناه أمر ، وإذا فتح فأمر . قال تعالى : ضِراراً لِتَعْتَدُوا « البقرة : 231 » .
والضَّرَّةُ : أصلُها الفَعْلة التي تَضُرُّ ، وسُمِّيَ المرأتان تحت رجل واحد كل واحدة منهما ضَرَّةٌ لاعتقادهم إنها تَضُرُّ بالمرأة الأخرى ، ولأجل هذا النظر منهم قال النبي صلى الله عليه وآله : لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في صحفتها .
والضَّرَّاءُ : التزويج بِضَرَّةٍ . ورجلٌ مُضِرٌّ : ذو زوجين فصاعداً . وامرأةٌ مُضِرٌّ : لها ضَرَّةٌ .
والإضْطِرَارُ : حمل الإنسان على ما يَضُرُّه ُ ، وهو في التعارف حمله على أمر يكرهه ، وذلك على ضربين ، أحدهما : اضطرار بسبب خارج كمن يُضرب أو يُهدد ، حتى يفعل منقاداً ويؤخذ قهراً ، فيحمل على ذلك ، كما قال : ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ « البقرة : 126 » ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ « لقمان : 24 » .
والثاني : بسبب داخل وذلك إما بقهر قوة له لا يناله بدفعها هلاك ، كمن غلب عليه شهوة خمر أو قمار ، وإما بقهر قوة يناله بدفعها الهلاك ، كمن اشتد به الجوع فَاضْطُرَّ إلى أكل ميتة ، وعلى هذا قوله : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ « البقرة : 173 » فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ « المائدة : 3 » وقال : أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ « النمل : 62 » فهو عامٌّ في كل ذلك .
والضَّرُورِيُّ : يقال على ثلاثة أضرب ، أحدها : إما يكون على طريق القهر والقسرلا على الاختيار كالشجر إذا حركته الريح الشديدة .
والثاني : ما لا يحصل وجوده إلا به ، نحو الغذاء الضَّرُورِيِّ للإنسان في حفظ البدن .
والثالث : يقال فيما لا يمكن أن يكون على خلافه ، نحو أن يقال : الجسم الواحد لا يصح حصوله في مكانين في حالة واحدة بالضَّرُورَةِ .
وقيل : الضَّرَّةُ أصلُ الأنملة وأصلُ الضرع ، والشحمةُ المتدليةُ من الإلية .
--------------------------- 463 ---------------------------
ملاحظات
فسرالراغب الضُّرَّ بسوء الحال مطلقاً ، واعتبر منه قلة العلم وقلة المال ! وهذا التوسيع يجعل كل الناس أو جلهم أهل ضُرٍّ ، ولا يساعد عليه استعماله في العربية .
كما خلط بين بعض مفردات المادة ، وأطال فيما لا طائل فيه ، ولا نطيل في مناقشته . بل نذكر خلاصة كلام الخليل الذي تركه !
قال الخليل « 7 / 6 » : « الضُّر والضَّر لغتان ، فإذا جمعت بين الضر والنفع فتحتَ الضاد ، وإذا أفردت الضر ضممت الضاد ، إذا لم تجعله مصدراً كقولك ضررت ضُرّاً ، هكذا يستعمله العرب . وقال الله تعالى : وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه . والضرر : النقصان يدخل في الشئ ، تقول : دخل عليه ضرر في ماله . والضرورة : اسم لمصدر الاضطرار . والضرر : الزمانة ، ومنه قوله تعالى : غير أولي الضرر » .
ضَرَبَ
الضَّرْبُ : إيقاعُ شئ على شئ . ولتصور اختلاف الضرب ، خولف بين تفاسيرها ، كَضَرْبِ الشئ باليد والعصا والسيف ونحوها . قال : فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كل بَنانٍ « الأنفال : 12 » فَضَرْبَ الرِّقابِ « محمد : 4 » فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها « البقرة : 73 » أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ « الأعراف : 160 » فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ « الصافات : 93 » يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ « محمد : 27 » .
وضَرْبُ الأرضِ بالمطر . وضَرْبُ الدراهمِ اعتباراً بِضَرْبِ المطرقةِ ، وقيل له : الطبع اعتباراً بتأثير السمة فيه ، وبذلك شبه السجية وقيل لها الضَّرِيبَةُ والطبِيعَةُ .
والضَّرْبُ في الأَرْضِ : الذهاب فيها وضَرْبُهَا بالأرجلِ . قال تعالى : وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ « النساء : 101 » وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ « آل عمران : 156 » وقال : لايَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ « البقرة : 273 » ومنه : فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ « طه : 77 » .
وضَرْبُ الفحلِ الناقةَ : تشبيهاً بالضَّرْبِ بالمطرقة كقولك طَرَقَهَا ، تشبيهاً بالطرق بالمطرقة .
وضَرْبُ الخيمةِ بضرب أوتادها بالمطرقة ، وتشبيهاً بالخيمة قال : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ « آل عمران : 112 » أي التحفتهم الذلة التحاف الخيمة بمن ضُرِبَتْ عليه . وعلى هذا : وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ « آل عمران : 112 » ومنه استعير : فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً « الكهف : 11 » وقوله : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ « الحديد : 13 » .
وضَرْبُ العودِ والناي والبوق ، يكون بالأنفاس ، وضَرْبُ اللَّبِنِ بعضِهِ على بعض بالخلط ، وضَرْبُ المَثلِ هو من ضَرْبِ الدراهمِ وهو ذكر شئ أثره يظهر في غيره . قال تعالى : ضَرَبَ الله مَثَلًا « الزمر : 29 » وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا « الكهف : 32 » ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ « الروم : 28 » وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ « الروم : 58 » وَلما ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا « الزخرف : 57 » ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا « الزخرف : 58 » وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا « الكهف : 45 » أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً « الزخرف : 5 » .
والمُضَارَبَةُ : ضَرْبٌ من الشَّرِكَةِ . والمُضَرَّبَةُ : ما أُكْثِرَ ضربُهُ بالخياطة . والتضْرِيبُ : التحريضُ ، كأنه حثٌّ على الضَّرْبِ الذي هو بعد في الأرض . والإضْطِرَابُ : كثرةُ الذهاب في الجهات من الضرب في الأرض .
واسْتِضَرابُ الناقةِ : استدعاء ضرب الفحل إياها .
ملاحظات
عرَّف الضرب بأنه : « إيقاعُ شئ على شئ » ! ولو فسره بلفظه فقال : ضرب شئ بشئ ، لكان أهون ، لأن إيقاع شئ على شئ يجعل الكتابة ضرباً للورق بالقلم ،
--------------------------- 464 ---------------------------
وسقوط الثمر ضرباً للأرض ! ولو اتبع الخليل لكان خيراً له ، فالضرب يُعرف بتقسيمه . قال الخليل « 7 / 30 » : « الضرب يقع على جميع الأعمال : ضرب في التجارة ، وفي الأرض ، وفي سبيل الله . وضرب يده إلى كذا . وضرب فلان على يد فلان : حبس عليه أمراً أخذ فيه وأراده ، ومعناه حجر عليه . والطير الضوارب : المخترقات الأرض الطالبات الرزق . وضرب الدهر من ضرباته ، أي كان كذا وكذا . والفحل من الإبل يضرب الشول ضراباً ، وصاحبها أضْرََبهَا الفحل . وأضرب الريح والبرد النبات إضراباً ، هكذا تقول العرب . وضرب النبات ضرباً ، فهو ضرب إذا أضر به البرد . وأضرب فلان عن كذا أي كفَّ .
والضرب : النحو والصنف ، يقال : هذا ضرب ذاك وضريب ذاك ، أي مثله .
والضريبة : الطبيعة يقال : إنه لكريم الضرائب . والضريبة : مضرب السيف .
والضرائب : ضرائب الأرضين في وظائف الخراج عليها » .
ومعنى قول الخليل إن الضرب يقع على جميع الأعمال : أن فروعه تستعمل أفعالاً مساعدة مع كل أفعال الأعمال . ومعناه أنه استقرأها في العربية فوجد الضرب يستعمل فيها جميعاً !
وبهذا تكون مادة ضرب أوسع مادة مساعدة في العربية على الإطلاق !
ضَرَعَ
الضَّرْعُ : ضَرْعُ الناقةِ ، والشاة ، وغيرهما . وأَضْرَعَتِ الشاةُ : نزل اللبن في ضَرْعِهَا لقرب نتاجها ، وذلك نحو : أَتْمَرَ وأَلْبَنَ : إذا كثر تمره ولبنه . وشاةٌ ضَرِيعٌ : عظيمةُ الضَّرْعِ .
وأما قوله : لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ « الغاشية : 6 » فقيل : هو يَبِيسُ الشِّبْرُقِ . وقيل : نباتٌ أحمرُ منتنُ الريحِ يرمي به البحر ، وكيفما كان فإشارة إلى شئ منكر .
وضَرَعَ إليهم : تناول ضَرْعَ أُمِّهِ ، وقيل منه : ضَرَعَ الرجل ضَرَاعَةً : ضَعُفَ وذَلَّ ، فهو ضَارِعٌ وضَرِعٌ .
وتَضَرّعَ : أظهر الضَّرَاعَةَ ، قال تعالى : تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً « الأنعام : 63 » لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ « الأنعام : 42 » لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ « الأعراف : 94 » أي يَتَضرعون فأدغم . فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا « الأنعام : 43 » .
والمُضَارَعَةُ : أصلُها التشارك في الضَّرَاعَةِ ، ثم جرد للمشاركة ، ومنه استعار النحويون لفظَ الفعلِ المُضَارِعِ .
ملاحظات
قال الخليل « 1 / 270 » : « ضرع الرجل يضرع فهو ضَرعٌ ، أي غَمْرٌ ضعيف . والضرْع أيضاً : النحيف الدقيق ، يقال : جسدك ضارع ، وأنت ضارع ، وجنبك ضارع .
وتقول : أضرعته ، أي ذللته . وتضرع : تذلل ، وكذلك التضرع إلى الله : التخشع .
والمضارع : الذي يضارع الشئ كأنه مثله وشبهه . والضريع في كتاب الله يبيس الشبرق » .
وقال ابن فارس « 3 / 395 » : « أصل صحيح يدل على لين في الشئ . ومن الباب ضَرْعُ الشاة وغيرها ، سميَ بذلك لما فيه من لين . فأما المضارعة ، فهي التشابه بين الشيئين ، قال بعض أهل العلم : اشتقاق ذلك من الضرع كأنهما ارتضعا من ضرع واحد . ويقال لِنَاحِلِ الجسم ضارع ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله في ابني جعفر : مالي أراهما ضارعين ؟ ومما شذ عن هذا الباب الضريع ، وهو نبت ، وممكن أن يحمل على الباب فيقال ذلك لضعفه إذْ كان لا يسمن ولا يغني من جوع » .
--------------------------- 465 ---------------------------
ضَعُفَ
الضَّعْفُ : خلافُ القوة . وقد ضَعُفَ فهو ضَعِيفٌ . قال عز وجل : ضَعُفَ الطالِبُ وَالْمَطْلُوبُ « الحج : 73 » . والضَّعْفُ : قد يكون في النفس وفي البدن وفي الحال . وقيل : الضَّعْفُ والضُّعْفُ لغتان . قال تعالى : وَعَلِمَ أن فِيكُمْ ضَعْفاً « الأنفال : 66 » قال : وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا « القصص : 5 » .
قال الخليل رحمه الله : الضُّعْفُ بالضم في البدن ، والضَّعْفُ في العقل والرأي ، ومنه قوله تعالى : فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً « البقرة : 282 » . وجمع الضَّعِيفِ : ضِعَافٌ وضُعَفَاءُ . قال تعالى : لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ « التوبة : 91 » .
واسْتَضْعَفْتُهُ : وجدتُهُ ضَعِيفاً ، قال : وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ « النساء : 75 » قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ « النساء : 97 » إن الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي « الأعراف : 150 » .
وقوبل بالاستكبار في قوله : قالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا « سبأ : 33 » . وقوله : الله الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً « الروم : 54 » . الثاني غير الأول وكذا الثالث ، فإن قوله : خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ « الروم : 54 » أي من نطفة أو من تراب . والثاني هو الضَّعْفُ الموجودُ في الجنين والطفل . والثالث الذي بعد الشيخوخة وهو المشار إليه بأرذل العمر .
والقوَّتان : الأولى هي التي تجعل للطفل من التحرك ، وهدايته واستدعاء اللبن ، ودفع الأذى عن نفسه بالبكاء ، والقوة الثانية هي التي بعد البلوغ ، ويدل على أن كل واحد من قوله : ضَعْفٍ إشارةٌ إلى حالة غير الحالة الأولى ذكره منكَّراً ، والمنكَّر متى أعيد ذكره وأريد به ما تقدم عرف كقولك : رأيت رجلاً ، فقال لي الرجل : كذا . ومتى ذكر ثانياً مُنَكَّراً أريد به غير الأول ، ولذلك قال ابن عباس في قوله : فَإن مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إن مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً « الشرح : 5 » لن يغلب عسر يسرين .
وقوله : وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً « النساء : 28 » فَضَعْفُهُ : كثرةُ حاجاته التي يستغني عنها الملأ الأعلى .
وقوله : إن كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً « النساء : 76 » فَضَعْفُ كيدِهِ إنما هو مع من صار من عباد الله المذكورين في قوله : إن عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ « الإسراء : 65 » .
والضِّعْفُ : هو من الألفاظ المتضايفة التي يقتضي وجود أحدهما وجود الآخر ، كالنصف والزوج ، وهو تركُّب قدرين متساويين ، ويختصُّ بالعدد ، فإذا قيل : أَضْعَفْتُ الشئ وضَعَّفْتُهُ وضَاعَفْتُهُ : ضممت إليه مثله فصاعداً .
قال بعضهم : ضَاعَفْتُ أبلغ من ضَعَّفْتُ ، ولهذا قرأ أكثرهم : يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ « الأحزاب : 30 » وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها « النساء : 40 » وقال : مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها « الأنعام : 160 » .
والمُضَاعَفَةُ : على قضية هذا القول تقتضي أن يكون عشر أمثالها . وقيل : ضَعَفْتُهُ بالتخفيف ضَعْفاً ، فهو مَضْعُوفٌ .
فَالضَّعْفُ مصدرٌ والضِّعْفُ إسمٌ ، كالثَّنْيِ والثِّنْيِ ، فَضِعْفُ الشئ هو الّذي يُثَنِّيهِ ومتى أضيف إلى عدد اقتضى ذلك العدد ومثله ، نحو أن يقال : ضِعْفُ العشرةِ وضِعْفُ المائةِ ، فذلك عشرون ومائتان بلا خلاف ، وعلى هذا قول الشاعر : جَزَيْتُكَ ضِعْفَ الوُدِّ لما اشتكيتَهُ
وَمَا إنْ جَزَاكَ الضِّعْفَ منْ أَحَدٍ قَبْلِي
وإذا قيل : أعطه ضِعْفَيْ واحدٍ ، فإن ذلك اقتضى الواحد ومثليه وذلك ثلاثة ، لأن معناه الواحد واللذان يزاوجانه وذلك ثلاثة .
هذا إذا كان الضِّعْفُ مضافاً ، فأما إذا لم يكن مضافاً
--------------------------- 466 ---------------------------
فقلت : الضِّعْفَيْنِ ، فإن ذلك يجري مجرى الزوجين في أن كل واحد منهما يزاوج الآخر فيقتضي ذلك اثنين ، لأن كل واحد منهما يُضَاعِفُ الآخرَ ، فلا يخرجان عن الاثنين بخلاف ما إذا أضيف الضِّعْفَانِ إلى واحد فيثلثهما نحو : ضِعْفَيِ الواحدِ .
وقوله : فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ « سبأ : 37 » وقوله : لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً « آل عمران : 130 » فقد قيل : أتى باللّفظين على التأكيد . وقيل : بل المُضَاعَفَةُ من الضَّعْفِ لامن الضِّعْفِ ، والمعنى : ما يعدونه ضِعْفاً فهو ضَعْفٌ ، أي نقص كقوله : وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ الله « الروم : 39 » وكقوله : يَمْحَقُ الله الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ « البقرة : 276 » وهذا المعنى أخذه الشاعر فقال : زيادة شيبٍ وهي نَقْصُ زِيَادَتِي
وقوله : فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ « الأعراف : 38 » فإنهم سألوه أن يعذبهم عذاباً بضلالهم ، وعذاباً بإضلالهم كما أشار إليه بقوله : لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ « النحل : 25 » .
وقوله : لِكل ضِعْفٌ وَلكِنْ لاتَعْلَمُونَ الأعراف : 38 » أي لكل منهم ضِعْفُ ما لكم من العذاب .
وقيل : أي لكل منهم ومنكم ضِعْفُ ما يرى الآخر ، فإن من العذاب ظاهراً وباطناً ، وكل يدرك من الآخر الظاهر دون الباطن فيقدر أن ليس له العذاب الباطن .
ملاحظات
فروع هذه المادة واضحة ، وإن خلط الراغب بين عدد منها . وقد أخطأ في قوله : « واسْتَضْعَفْتُهُ : وجدتُهُ ضَعِيفاً » لأن معناها أعم من : ظلمته لأنه ضعيف ، أو حسبته ضعيفاً .
ضَغَثَ
الضِّغْثُ : قبضةُ ريحانٍ ، أو حشيشٍ أو قُضْبَانٍ وجمعه : أَضْغَاثٌ . قال تعالى : وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً « ص : 44 » وبه شُبِّهَ الأحلام المختلطة التي لايتبين حقائقها ، قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ « يوسف : 44 » : حزم أخلاط من الأحلام .
ضَغَنَ
الضِّغْنُ والضَّغْنُ : الحِقْدُ الشديدُ وجمعه أَضْغَانٌ . قال تعالى : أَنْ لَنْ يُخْرِجَ الله أَضْغانَهُمْ « محمد : 29 » وبه شُبِّهَ الناقة ، فقالوا : ذاتُ ضِغْنٍ ، وقناةٌ ضَغِنَةٌ : عوجاءُ .
والإِضْغَانُ : الإشتمالُ بالثوب وبالسلاح ، ونحوهما .
ضَلَّ
الضَّلَالُ : العدولُ عن الطريق المستقيم ويضادُّه الهداية ، قال تعالى : فَمَنِ اهْتَدى فَإنما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإنما يَضِلُّ عَلَيْها « الإسراء : 15 » .
ويقال الضَّلَالُ لكل عدولٍ عن المنهج ، عمداً كان أو سهواً ، يسيراً كان أو كثيراً ، فإن الطريق المستقيم الذي هو المرتضى صعب جداً .
قال النبي صلى الله عليه وآله : إستقيموا ولن تُحْصُوا ، وقال بعض الحكماء : كونُنَا مصيبين من وجه كونُنَا ضَالِّينَ من وجوه كثيرة ، فإن الإستقامة والصواب يجري مجرى المقرطس من المرمي وما عداه من الجوانب كلها ضَلَالٌ .
ولمِا قلنا روي عن بعض الصالحين أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله في منامه فقال : يا رسول الله يُروى لنا أنك قلت : شيبتني سورة هود وأخواتها فما الذي شيبك منها ؟ فقال : قوله : فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ .
وإذا كان الضَّلَالُ تركَ الطريق المستقيم عمداً كان أو سهواً ، قليلاً كان أو كثيراً ، صح أن يستعمل لفظ الضَّلَالِ ممن يكون منه خطأ ما ، ولذلك نسب الضَّلَالُ إلى الأنبياء
--------------------------- 467 ---------------------------
وإلى الكفار وإن كان بين الضَّلَالَيْنِ بون بعيد ، ألا ترى أنه قال في النبي صلى الله عليه وآله : وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى « الضحى : 7 » أي غير مهتد لما سيق إليك من النبوة . وقال في يعقوب : إنكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ « يوسف : 95 » وقال أولاده : إن أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ « يوسف : 8 » إشارة إلى شغفه بيوسف وشوقه إليه ، وكذلك : قَدْ شَغَفَها حُبًّا إنا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ « يوسف : 30 » وقال عن موسى عليه السلام : فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ « الشعراء : 20 » تنبيهٌ [ على ] أن ذلك منه سهوٌ . وقوله : أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما « البقرة : 282 » أي تنسى ، وذلك من النسيان الموضوع عن الإنسان .
والضَّلَالُ : من وجه آخر ، ضربان : ضَلَالٌ في العلوم النظرية ، كالضَّلَالِ في معرفة الله ووحدانيته ، ومعرفة النبوة ، ونحوهما المشار إليهما بقوله : وَمَنْ يَكْفُرْ بِالله وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً « النساء : 136 » . وضَلَالٌ في العلوم العملية ، كمعرفة الأحكام الشرعية التي هي العبادات .
والضَّلَالُ البعيدُ : إشارةٌ إلى ما هو كفر كقوله على ما تقدم من قوله : وَمَنْ يَكْفُرْ بِالله « النساء : 136 » وقوله : إن الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً « النساء : 167 » وكقوله : فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ « سبأ : 8 » أي في عقوبة الضَّلَالِ البعيدِ ، وعلى ذلك قوله : إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ « الملك : 9 » قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ « المائدة : 77 » .
وقوله : أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ « السجدة : 10 » كناية عن الموت واستحالة البدن .
وقوله : وَلَا الضَّالِّينَ « الفاتحة : 7 » فقد قيل : عني بِالضَّالِّينَ النصارى . وقوله : فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبي وَلا يَنْسى « طه : 52 » أي لا يَضِلُّ عن ربي ، ولا يَضِلُّ ربي عنه : أي لا يغفله . وقوله : أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ « الفيل : 2 » أي في باطل وإِضْلَالٍ لأنفسهم .
والإِضْلَالُ ضربان ، أحدهما : أن يكون سببه الضَّلَالُ ، وذلك على وجهين : إما بأن يَضِلَّ عنك الشئ كقولك : أَضْلَلْتُ البعيرَ ، أي ضَلَّ عني ، وإما أن تحكم بِضَلَالِهِ . والضَّلَالُ في هذين سبب الإِضْلَالِ .
والضرب الثاني : أن يكون الإِضْلَالُ سبباً لِلضَّلَالِ ، وهو أن يزين للإنسان الباطل ليَضِلَّ كقوله : لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ « النساء : 113 » أي يتحرون أفعالاً يقصدون بها أن تَضِلَّ ، فلا يحصل من فعلهم ذلك إلا ما فيه ضَلَالُ أنفسِهِم . وقال عن الشيطان : وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ « النساء : 119 » وقال في الشيطان : وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً « يس : 62 » وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً « النساء : 60 » وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الله « ص : 26 » .
وإِضْلَالُ الله تعالى للإنسان على أحد وجهين :
أحدهما : أن يكون سببُهُ الضَّلَالَ ، وهو أن يَضِلَّ الإنسانُ فيحكم الله عليه بذلك في الدنيا ويعدل به عن طريق الجنة إلى النار في الآخرة ، وذلك إِضْلَالٌ هو حق وعدلٌ ، فالحكم على الضَّالِّ بضَلَالِهِ والعدول به عن طريق الجنة إلى النار عدل وحق .
والثاني من إِضْلَالِ الله : هو أن الله تعالى وضع جبلة الإنسان على هيئة إذا راعى طريقاً محموداً كان أو مذموماً ، ألفه واستطابه ولزمه ، وتعذر صرفه وانصرافه عنه ، ويصير ذلك كالطبع الذي يأبى على الناقل ، ولذلك قيل : العادة طبع ثان . وهذه القوة في الإنسان فعل إلهيّ .
وإذا كان كذلك ، وقد ذكر في غير هذا الموضع أن كل شئ يكون سبباً في وقوع فعل ، صح نسبة ذلك الفعل إليه ،
--------------------------- 468 ---------------------------
فصح أن ينسب ضلال العبد إلى الله من هذا الوجه ، فيقال : أَضَلَّهُ الله ، لا على الوجه الذي يتصوره الجهلة .
ولما قلناه جَعَلَ الإِضْلَالَ المنسوب إلى نفسه للكافر والفاسق دون المؤمن ، بل نفى عن نفسه إِضْلَالَ المؤمنِ فقال : وَما كانَ الله لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ « التوبة : 115 » فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ « محمد : 4 » .
وقال في الكافر والفاسق : فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ « محمد : 8 » وما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ « البقرة : 26 » كَذلِكَ يُضِلُّ الله الْكافِرِينَ « غافر : 74 » وَيُضِلُّ الله الظَّالِمِينَ « إبراهيم : 27 » .
وعلى هذا النحو تقليب الأفئدة في قوله : وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ « الأنعام : 110 » والختم على القلب في قوله : خَتَمَ الله عَلى قُلُوبِهِمْ « البقرة : 7 » وزيادة المرض في قوله : فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ الله مَرَضاً « البقرة : 10 » .
ملاحظات
1 . لا يصح تعريفه للضلال بأنه العدولُ عن الطريق المستقيم ، لأنه قد يكون عدولاً عن الهدى ، أو ضياعاً عن الهدى ، أو ضياعاً داخل الهدى .
ثم حاول إصلاح تعريفه فعمم الضلال للعمد والسهو . والصحيح أن الضلال ضياعٌ ودرجاته متفاوتة ، وأنواعه وأسبابه متعددة .
2 . كلامه عن صعوبة الهدى صحيح بشكل عام ، لكن الخطر فيه محاولة جره إلى النبي صلى الله عليه وآله وكأنه كبعض الحكماء الذين ذكر اعترافهم بأن المهتدي منهم من جانب ضال من جوانب ! وأنه كالسهم المقرطس أي المصيب في السهام المخطئة !
وحديث : إستقيموا ولن تحصوا . رواه مرسلاً في الموطأ « 1 / 34 » وحديث : شيبتني هود وأخواتها ، رواه الحاكم « 2 / 343 » وصححه ، بلفظ : « شيبتني هود والواقعة وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت » .
لكن لم يُرْوَ هذان عن أهل البيت عليهم السلام . ولو صحا فلا دليل فيهما على صعوبة الثبات على الهدى على النبي صلى الله عليه وآله ، وقد يكون الذي شيبه العصاة والمنافقون ، وما فعلوه معه وما سيفعلون بعده !
3 . أطال الراغب في تفسير إضلال الله تعالى لبعض الناس ، وحاول جعل نسبة الفعل اليه تعالى مجازاً أو شبيهاً به ، لكنه فعل حقيقي وهو حكمةٌ وعدلٌ ، لأنه لا يكون إلا باستحقاق الشخص للإضلال .
( راجع بحثنا عن الضلال والهداية في أول كتاب جواهر التاريخ ) .
ضَمَّ
الضَّمُّ : الجمعُ بين الشيئين فصاعداً . قال تعالى : وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ « طه : 22 » وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ « القصص : 32 » . والإِضْمَامَةُ : جماعةُ من الناس أو من الكتب أو الريحان أو نحو ذلك . وأسد ضَمْضَمٌ وضُمَاضِمٌ : يَضُمُّ الشّئ إلى نفسه . وقيل : بل هو المجتمع الخلق . وفرس سبّاقُ الأَضَامِيمِ : إذا سبق جماعة من الأفراس دفعة واحدة .
ضَمَرَ
الضَّامِرُ : من الفرس الخفيف اللحم من الأعمال لا من الهزال . قال تعالى : وَعَلى كل ضامِرٍ « الحج : 27 »
يقال : ضَمَرَ ضُمُوراً ، واضْطَمَرَ فهو مُضْطَمِرٌ ، وضَمَّرْتُهُ أنا . والمِضْمَارُ : الموضع الذي يُضْمَرُ فيه .
والضَّمِيرُ : ما ينطوي عليه القلب ، ويدقُّ على الوقوف عليه . وقد تُسَمَّى القوة الحافظة لذلك ضَمِيراً .
ضَنَّ
قال تعالى : وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ « التكوير : 24 » أي ما هو ببخيل ، والضَّنَّةُ هو البخل بالشئ النفيس ، ولهذا قيل : عِلْقُ مَضَنَّةٍ ومَضِنَّةٍ .
--------------------------- 469 ---------------------------
وفلانٌ ضِنِّي بين أصحابي : أي هو النفيس الذي أَضِنُّ به ، يقال : ضَنَنْتُ بالشئ ضَناً وضَنَانَةً ، وقيل : ضَنِنْتُ .
ضَنَكَ
قال تعالى : وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإن لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً « طه : 124 » أي ضيقاً . وقد ضَنُكَ عيشُهُ . وامرأة ضِنَاكٌ : مُكْتَنِزَةٌ . والضُّنَاكُ : الزُّكَامُ ، والمَضْنُوكُ : المزكوم .
ضَاَهى
قال تعالى : يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا « التوبة : 30 » أي يشاكلون ، وقيل أصله الهمز ، وقد قرئ به . والضَّهْيَاءُ : المرأةُ التي لا تحيض ، وجمعه : ضُهًى .
ضَيْر
الضَّيْرُ : المَضَرَّةُ ، يقال : ضارَّه وضرَّه . قال تعالى : لا ضَيْرَ إنا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ « الشعراء : 50 » وقوله : لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً « آل عمران : 120 » .
ملاحظات
الضَّيْر : اسم مصدر من الضرر ، تقول : ضَرَّهُ يضره ضرراً ومضرة وضيراً . ولا ضَيْرَ فيه ، أي لا حرج . « العين : 7 / 54 » .
ضَيَزَ
قال تعالى : تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى « النجم : 22 » أي ناقصة . أصله : فُعْلَى فكسرت الضاد للياء وقيل ليس في كلامهم فِعلَى .
ملاحظات
هكذا فسرها الخليل وابن فارس ، وفسرها الجوهري بالقسمة الجائرة « 3 / 883 » وهو قول قوي لأنها المتبادر .
ضَيَعَ
ضَاعَ الشئ يَضِيعُ ضَيَاعاً ، وأَضَعْتُهُ وضَيَّعْتُهُ . قال تعالى : لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ « آل عمران : 195 » إنا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا « الكهف : 30 » وَما كانَ الله لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ « البقرة : 143 » لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ « التوبة : 120 » .
وضَيْعَةُ الرجلِ : عقاره الذي يَضِيعُ ما لم يُتفقد . وجمعه : ضِيَاعٌ . وتَضَيَّعَ الريحُ : إذا هبَّت هبوباً يُضَيِّعُ ما هبَّت عليه .
ضَيَفَ
أصلُ الضَّيْفِ : الميلُ . يقال : ضِفْتُ إلى كذا وأَضَفْتُ كذا إلى كذا ، وضَافَتِ الشمسُ للغروب وتَضَيَّفَتْ . وضَافَ السهمُ عن الهدف ، وتَضَيَّفَ .
والضَّيْفُ : من مال إليك نازلاً بك ، وصارت الضِّيَافَةُ متعارفة في القرى ، وأصل الضَّيْفِ مصدرٌ ، ولذلك استوى فيه الواحد والجمع في عامة كلامهم ، وقد يجمع فيقال أَضْيَافٌ وضُيُوفٌ وضِيفَانٌ .
قال تعالى : ضَيْفِ إِبْراهِيمَ « الحجر : 51 » وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي « هود : 78 » إن هؤُلاءِ ضَيْفِي « الحجر : 68 » . ويقال : اسْتَضَفْتُ فلاناً فَأَضَافَنِي ، وقد ضِفْتُهُ ضَيْفاً ، فأنا ضَائِفٌ وضَيْفٌ . وتستعمل الإِضَافَةُ في كلام النحويين في اسم مجرور يُضم إليه اسم قبله ، وفي كلام بعضهم في كل شئ يثبت بثبوته آخر ، كالأب والابن ، والأخ والصديق ، فإن كل ذلك يقتضي وجوده وجود آخر ، فيقال لهذه : الأسماء المُتَضَايِفَةُ .
ملاحظات
الصحيح أن الضيافة أصلٌ ومعناها الميل إلى المُضَيِّف . ومعنى تضيفت الشمس للغروب في كلام النبي صلى الله عليه وآله : تأهبت لتكون ضيفة الغروب كما يتأهب الضيف للضيافة ، أو يميل إلى مضيفه . يقال : جنحت الشمس للغروب ، وطفلت ، ودنقت ، ومالت ، وتدلت ، وضافت ، حسب قربها منه .
وقد أجاد الخليل فجعل الضيافة أصلاً ، والميل متفرعاً عنها ، قال « 7 / 66 » : « تضيفت فلاناً : سألته أن يضيفني . وضفت فلاناً أي نزلت به للضيافة ، وأضفته : أنزلته . وتقول : أنا أضيفه إذا أملته إليك ، ومنه يقال : هو مضافٌ
--------------------------- 470 ---------------------------
إلى كذا ، أي ممالٌ إليه » .
ضَيَقَ
الضِّيقُ : ضد السعة ، ويقال : الضَّيْقُ أيضاً ، والضَّيْقَةُ يستعمل في الفقر والبخل والغم ونحو ذلك . قال تعالى : وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً « هود : 77 » أي عجز عنهم ، وقال : وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ « هود : 12 » وَيَضِيقُ صَدْرِي « الشعراء : 13 » ضَيِّقاً حَرَجاً « الأنعام : 125 » وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ « التوبة : 25 » وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ « التوبة : 118 » وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ « النحل : 127 » . كل ذلك عبارة عن الحزن .
وقوله : وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ « الطلاق : 6 » ينطوي على تَضْيِيقِ النفقة وتَضْيِيقِ الصدر .
ويقال في الفقر : ضَاقَ ، وأَضَاقَ فهو مُضِيقٌ . واستعمال ذلك فيه كاستعمال الوسع في ضده .
ضَأَنَ
الضَّأْنُ : معروفٌ . قال تعالى : مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ « الأنعام : 143 » وأَضْأَنَ الرجل إذا كثر ضَأْنُهُ . وقيل الضَّائِنَةُ واحد الضَّأْنِ .
ضَوَأَ
الضَّوْءُ : ما انتشر من الأجسام النيرة ، ويقال : ضَاءَتِ النارُ ، وأَضَاءَتْ ، وأَضَاءَهَا غيرُها . قال تعالى : فَلما أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ « البقرة : 17 » كلما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ « البقرة : 20 » يَكادُ زَيْتُها يُضِئ « النور : 35 » يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ « القصص : 71 » .
وسَمَّى كُتُبَهُ المُهْتَدَى بها ضِيَاءً في نحو قوله : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ « الأنبياء : 48 » .
تم كتاب الضَّاد
--------------------------- 471 ---------------------------
--------------------------- 472 ---------------------------
كتاب الطاء وما يتصل بها
طَبَعَ
الطبْعُ : أن تصور الشئ بصورة ما ، كَطَبْعِ السكَّةِ وطَبْعِ الدَّراهمِ . وهو أعم من الخَتْم وأخص من النَّقْش .
والطابَعُ والخاتم : ما يُطْبَعُ ويَخْتِمُ . والطابِعُ : فاعل ذلك ، وقيل للطابَعِ طَابِعٌ ، وذلك كتسمية الفعل إلى الآلة ، نحو : سيف قاطع . قال تعالى : فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ « المنافقون : 3 » كَذلِكَ يَطْبَعُ الله عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ « الروم : 59 » كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ « يونس : 74 » وقد تقدم الكلام في قوله : خَتَمَ الله عَلى قُلُوبِهِمْ « البقرة : 7 » .
وبه اعتبر الطبْعُ والطبِيعَةُ التي هي السجية ، فإن ذلك هو نقش النفس بصورة ما ، إما من حيث الخلقة ، وإما من حيث العادة . وهو فيما ينقش به من حيث الخلقة أغلب ، ولهذا قيل : وتأبَى الطِّبَاعُ على الناقلِ
وطَبِيعَةُ النارِ ، وطَبِيعَةُ الدواءِ : ما سخر الله له من مزاجه . وطِبْعُ السَّيْفِ ، صدؤه ودنسه ، وقيل : رجلٌ طَبْعٌ .
وقد حمل بعضهم : طَبَعَ الله عَلى قُلُوبِهِمْ « محمد : 16 » وكَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ « يونس : 74 » على ذلك ومعناه : دنسه ، كقوله : بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ « المطففين : 14 » وقوله : أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ الله أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ « المائدة : 41 » .
وقيل : طَبَعْتُ المكيالَ : إذا ملأته ، وذلك لكون الملء كالعلامة المانعة من تناول بعض ما فيه . والطبْعُ : المَطْبُوعُ ، أي المملوء : قال الشاعر : كَرَوَايَا الطَّبْعِ هَمَّتْ بِالوَحَل .
ملاحظات
جعل الراغب وابن فارس طبع الشئ وختمه أصلاً ، وفرعوا منه الطبيعة . لكن من البعيد أن يسبق وضع لفظ للختم على وضع لفظ للطبيعة حتى تكون مشتقة منه . ويعبر عن الطبيعة أيضاً بالسجية ، والخليقة ،
--------------------------- 473 ---------------------------
والغريزة ، والسليقة ، والمزاج ، والضريبة ، والطريقة ، والعريكة ، والدسيعة ، والتوس ، والتوز ، والخِيم ، والنَّحِيتة ، والشنشنة ، وغيرها من الألفاظ ، وهو دليل على أن استعمالها أكثر من طباعة الشئ وختمه ، وأنها قبله . « الجوهري : 1 / 170 » .
ولم يستعمل القرآن من هذه المادة إلا الطبع على القلب والسمع والبصر ، وقد وردت في أحد عشر مورداً .
قال ابن فارس « 3 / 438 » : « طبع الله على قلب الكافر : كأنه ختم عليه حتى لا يصل إليه هدى ولا نور ، فلا يوفق لخير » . أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ الله عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ . « النحل : 108 » . وقال تعالى : كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ . « يونس : 74 » . كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ . « غافر : 35 » .
طَبَق
المُطَابَقَةُ من الأسماء المتضايفة ، وهو أن تجعل الشئ فوق آخر بقدره ، ومنه طَابَقْتُ النعل قال :
إذا لاوَذَ الظِّلَّ القَصِيرُ بِخُفِّهِ
وكان طِبَاقَ الخُفِّ أو قَلَّ زائدا
ثم يستعمل الطبَاقُ في الشئ الذي يكون فوق الآخر تارة ، وفيما يوافق غيره تارة ، كسائر الأشياء الموضوعة لمعنيين ، ثم يستعمل في أحدهما دون الآخركالكأس والراوية ونحوهما قال تعالى : الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً « الملك : 3 » أي بعضها فوق بعض .
وقوله : لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ « الانشقاق : 19 » أي يترقى منزلاً عن منزل ، وذلك إشارة إلى أحوال الإنسان من ترقيه في أحوال شتى في الدنيا ، نحو ما أشار إليه بقوله : خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ « الروم : 20 » وأحوال شتى في الآخرة من النشور والبعث والحساب ، وجواز الصراط إلى حين المستقر في إحدى الدارين .
وقيل لكل جماعة مُتَطَابِقَةٍ : هم في أُمِّ طَبَقٍ ، وقيل : الناس طَبَقَاتٌ ، وطَابَقْتُهُ على كذا ، وتَطَابَقُوا وأَطْبَقُوا عليه . ومنه : جوابٌ يُطَابِقُ السّؤالَ . والمُطَابَقَةُ في المشي كمشي المقيد .
ويقال لما يوضع عليه الفواكهُ ، ولما يوضع على رأس الشئ : طَبَقٌ . ولكل فقرة من فقار الظّهر : طَبَقٌ لِتَطَابُقِهَا .
وطَبَّقْتُهُ بالسيف : اعتباراً بِمُطَابَقَةِ النعلِ . وطِبْقُ اللَّيلِ والنهارِ : ساعاته المُطَابِقَةُ . وأَطْبَقْتُ عليه البابَ .
ورجل عياياءُ طَبَاقَاءُ : لمن انغلق عليه الكلام ، من قولهم : أَطْبَقْتُ البابَ . وفحلٌ طَبَاقَاءُ : انْطَبَقَ عليه الضِّرابُ فعجز عنه وعُبِّرَ عن الداهية بِبِنْتِ الطبَقِ .
وقولهم : وَافَقَ شِنٌّ طَبَقَةً ، وهما قبيلتان .
ملاحظات
أطال الراغب في أمثلة نادرة الاستعمال ، وبعضها مشكوك . وقد استعمل القرآن : طبقاً عن طبق لحياة الإنسان ، وسبع طباقاً للسموات .
قال الخليل « 5 / 108 » : « والسماوات طباق بعضها فوق بعض ، الواحدة طبقة ، ويذكَّر فيقال : طبق واحد . والطبقة : الحال ، ويقال : كان فلان على طبقات شتى من الدنيا ، أي حالات . وقوله تعالى : لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ، أي حالاً عن حال يوم القيامة .
وفي المثل : وافق شن طبقة ، وشِنٌّ قبيلة من عبد القيس أبرُّوا « أغاروا » على من حولهم فصادفوا قوماً قهروهم ، فقيل ذلك » .
طَحَا
الطحْوُ : كالدَّحو ، وهو بسط الشئ والذَّهاب به . قال تعالى : وَالْأَرْضِ وَما طَحاها « الشمس : 6 » قال الشاعر :
طَحَا بكَ قلبٌ في الحسانِ طَرُوبُ أي ذهب
--------------------------- 474 ---------------------------
ملاحظات
تقدم في دحى أنه يشير إلى كروية الأرض ، لأن الدحية بيضة النعامة أو مكانها في الرمل . أما الطحو فيشير إلى البسط أكثر من الكروية .
قال ابن فارس « 3 / 445 » : « وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ، أي بسطها . وقال تعالى في موضع آخر : وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا . ويقال طحا بك همك يطحو » .
طَرَحَ
الطرْحُ : إلقاء الشئ وإبعاده . والطَّرُوحُ : المكان البعيد ، ورأيته من طَرْحٍ ، أي بُعْدٍ .
والطرْحُ : المَطْرُوحُ لقلة الاعتداد به . قال تعالى : أقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً . « يوسف : 9 » .
طَرَدَ
الطرْدُ : هو الإزعاج والإبعاد على سبيل الاستخفاف ، يقال : طَرَدْتُهُ ، قال تعالى : وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ الله إِنْ طَرَدْتُهُمْ « هود : 30 » وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ « الأنعام : 52 » وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ « الشعراء : 114 » فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ « الأنعام : 52 » . ويقال : أَطْرَدَهُ السلطانُ وطَرَدَهُ : إذا أخرجه عن بلده ، وأمر أن يَطْرُدَ من مكان حِلِّه . وسمّي ما يثار من الصيد : طَرْداً وطَرِيدَةً .
ومُطَارَدَةُ الأقرانِ : مدافعةُ بعضِهِمْ بعضاً ، والمِطْرَدُ : ما يُطْرَدُ به . واطرَادُ الشئ : متابعة بعضه بعضاً .
طَرَفَ
طَرَفُ الشئ : جانبُهُ ، ويستعمل في الأجسام والأوقات وغيرهما . قال تعالى : فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ « طه : 130 » أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ « هود : 114 »
ومنه استعير : هو كريمُ الطرَفَيْنِ ، أي الأب والأم . وقيل : الذَّكَرُ واللِّسَانُ إشارة إلى العفة .
وطَرْفُ العينِ : جَفْنُهُ . والطرْفُ : تحريك الجفن ، وعُبر به عن النظر إذ كان تحريك الجفن لازمه النظر . وقوله : قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ « النمل : 40 » فِيهِنَّ قاصِراتُ الطرْفِ « الرحمن : 56 » عبارة عن إغضائهن لعفتهن .
وطُرِفَ فلانٌ : أصيب طَرْفُهُ . وقوله : لِيَقْطَعَ طَرَفاً « آل عمران : 127 » فتخصيصُ قطعِ الطرَفِ من حيث أن تنقيصَ طَرَفِ الشئ يُتَوَصَّلُ به إلى توهينه وإزالته ، ولذلك قال : نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها « الرعد : 41 » .
والطرَافُ : بيتُ أَدَمٍ يؤخذ طَرَفُهُ . ومِطْرَفُ الخزِّ ومُطْرَفٌ : ما يجعل له طَرَفٌ ، وقد أَطْرَفْتُ مالًا ، وناقة طَرِفَةٌ ومُسْتَطْرِفَةٌ : ترعى أطرافَ المرعى كالبعير .
والطرِيفُ : ما يتناوله ، ومنه قيل : مالٌ طَرِيفٌ . ورَجُلٌ طَرِيفٌ : لا يثبت على امرأة . والطرْفُ : الفرسُ الكريمُ ، وهو الذي يُطْرَفُ من حسنه . فالطرْفُ في الأصل هو المَطْرُوفُ أي المنظور إليه ، كالنقض في معنى المنقوض . وبهذا النظر قيل : هو قيد النواظر ، فيما يحسن حتى يثبت عليه النظر .
طَرَقَ
الطرِيقُ : السبيل الذي يُطْرَقُ بالأَرْجُلِ ، أي يضرب . قال تعالى : طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ « طه : 77 » وعنه استعير كل مسلك يسلكه الإنسان في فِعْلٍ ، محموداً كان أو مذموماً . قال : وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى « طه : 63 » وقيل : طَرِيقَةٌ من النخل ، تشبيهاً بالطرِيقِ في الامتداد .
والطرْقُ : في الأصل كالضَّرْبِ ، إلا أنه أخص لأنه ضَرْبُ تَوَقُّعٍ كَطَرْقِ الحديدِ بالمِطْرَقَةِ ، ويُتَوَسَّعُ فيه تَوَسُّعَهُم في الضّرب . وعنه استعير : طَرْقُ الحَصَى للتكَهُّنِ .
وطَرْقُ الدوابِّ الماءَ : بالأرجل حتى تكدره حتى سمي الماء الدنق طَرْقاً . وطَارَقْتُ النعلَ وطَرَقْتُهَا ، وتشبيهاً بِطَرْقِ النَّعْلِ في الهيئة .
--------------------------- 475 ---------------------------
قيل : طَارَقَ بين الدِّرْعَيْنِ . وطَرْقُ الخوافي : أن يركب بعضها بعضاً .
والطارِقُ : السالك للطرِيقِ ، لكن خص في التعارف بالآتي ليلاً فقيل : طَرَقَ أهلَهُ طُرُوقاً ، وعبر عن النجم بالطارِقِ لاختصاص ظهوره بالليل . قال تعالى : وَالسَّماءِ وَالطارِقِ « الطارق : 1 » قال الشاعر : نحنُ بَنَاتُ طَارِقِ .
وعن الحوادث التي تأتي ليلاً بالطوَارِقِ ، وطُرِقَ فلانٌ : قُصِدَ ليلًا . قال الشاعر :
كأني أنا المَطْرُوقُ دونَكَ بالذي
طُرِقْتَ به دوني وعَيْنَيَّ تَهْمِلُ
وباعتبار الضرب قيل : طَرَقَ الفحلُ الناقةَ وأَطْرَقْتُهَا واسْتَطْرَقْتُ فلاناً فحلًا ، كقولك : ضربها الفحل ، وأضربتها ، واستضربته فحلاً . ويقال للناقة : طَرُوقَةٌ . وكُنِّيَ بالطرُوقَةِ عن المرأة . وأَطْرَقَ فلانٌ : أغضى كأنه صار عينه طَارِقاً للأرض ، أي ضارباً له كالضرب بالمِطْرَقَةِ .
وباعتبارِ الطرِيقِ ، قيل : جاءت الإبلُ مَطَارِيقَ ، أي جاءت على طَرِيقٍ واحدٍ . وتَطَرَّقَ إلى كذا نحو توسَّلَ ، وطَرَّقْتُ له : جعلت له طَرِيقاً .
وجمعُ الطرِيقِ طُرُقٌ ، وجمعُ طَرِيقَةٍ طرَائِقُ . قال تعالى : كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً « الجن : 11 » إشارة إلى اختلافهم في درجاتهم ، كقوله : هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ الله « آل عمران : 163 » وأطباق السماء يقال لها طَرَائِقُ . قال الله تعالى : وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ « المؤمنون : 17 » .
ورجلٌ مَطْرُوقٌ : فيه لين واسترخاء ، من قولهم : هو مَطْرُوقٌ ، أي أصابته حادثةٌ لَيَّنَتْهُ ، أو لأنه مضروب ، كقولك مقروع ، أو مدوخ . أو لقولهم : ناقة مَطْرُوقَةٌ تشبيهاً بها في الذِّلَّةِ .
طَرَى
قال تعالى : لَحْماً طَرِيًّا « النحل : 14 » أي غضاً جديداً من الطرَاءِ والطرَاوَةِ . يقال : طَرَّيْتُ كذا فطَرِيَ ، ومنه : المُطَرَّاةُ من الثياب . والإِطْرَاءُ : مدحٌ يُجَدَّدُ ذِكْرُهُ . وطَرَأَ بالهمز : طلع .
طَس
طس : هما حرفان ، وليس من قولهم : طسّ وطَسُوس في شئ .
طَعَمَ
الطعْمُ : تناول الغذاء ، ويسمى ما يتناول منه طَعْمٌ وطَعَامٌ . قال تعالى : وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ « المائدة : 96 » قال : وقد اختص بالبر فيما روى أبو سعيد : إن النبي صلى الله عليه وآله أمر بصدقة الفطر صاعاً من طَعَامٍ أو صاعاً من شعير .
قال تعالى : وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ « الحاقة : 36 » طَعاماً ذا غُصَّةٍ « المزمل : 13 » طَعامُ الْأَثِيمِ « الدخان : 44 » وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ « الماعون : 3 » أي إِطْعَامِهِ الطعَامَ ، فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا « الأحزاب : 53 » . وقال تعالى : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا « المائدة : 93 » .
قيل : وقد يستعمل طَعِمْتُ في الشراب كقوله : فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإنهُ مِنِّي « البقرة : 249 » وقال بعضهم : إنما قال : وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ تنبيهاً [ على ] أنه محظور أن يتناول إلا غرفة مع طَعَامٍ ، كما أنه محظور عليه أن يشربه إلّا غرفة ، فإن الماء قد يُطْعَمُ إذا كان مع شئ يمضغ ، ولو قال : ومن لم يشربه لكان يقتضي أن يجوز تناوله إذا كان في طَعَام . فلما قال : وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ ، بَيَّنَ أنه لا يجوز تناوله على كل حال إلّا قدر المستثنى ، وهو الغرفة باليد .
وقول النبي صلى الله عليه وآله في زمزم : إنه طَعَامُ طُعْمٍ وشِفَاءُ سُقْمٍ ، فتنبيهٌ منه [ على ] أنه يغذي بخلاف سائر المياه .
واسْتَطْعَمَهُ فَأْطْعَمَهُ ، قال تعالى : اسْتَطْعَما أَهْلَها
--------------------------- 476 ---------------------------
« الكهف : 77 » وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ « الحج : 36 » وَيُطْعِمُونَ الطعامَ « الإنسان : 8 » أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ الله أَطْعَمَهُ « يس : 47 » الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ « قريش : 4 » وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ « الأنعام : 14 » وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ « الذاريات : 57 » .
وقال عليه الصلاة والسلام : إذا اسْتَطْعَمَكُمُ الإمامُ فَأَطْعِمُوهُ ، أي إذا استفتحكم عند الإرتياج فلقِّنوه . ورجلٌ طَاعِمٌ : حَسَنُ الحالِ ، ومُطْعَمٌ : مرزوقٌ ، ومِطْعَامٌ : كثيرُ الإِطْعَامِ ، ومِطْعَمٌ : كثيرُ الطعْمِ ، والطعْمَةُ : ما يُطْعَمُ .
طَعَنَ
الطعْنُ : الضّربُ بالرمح وبالقرن وما يجري مجراهما . وتَطَاعَنُوا واطَّعَنُوا ، واستعير للوقيعة . قال تعالى : وَطَعْناً فِي الدِّينِ « النساء : 46 » وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ « التوبة : 12 » .
طَغَيَ
طَغَوْتُ وطَغَيْتُ طَغَوَاناً وطُغْيَاناً . وأَطْغَاهُ كذا : حمله على الطغْيَانِ ، وذلك تجاوز الحد في العصيان . قال تعالى : اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إنهُ طَغى « النازعات : 17 » إن الْإِنْسانَ لَيَطْغى « العلق : 6 » وقال : قالا رَبَّنا إننا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى « طه : 45 » وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي « طه : 81 » وقال تعالى : فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً « الكهف : 80 » فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ « البقرة : 15 » إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً « الإسراء : 60 » وَإن لِلطاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ « ص : 55 » قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ « ق : 27 » .
والطغْوَى : الاسم منه . قال تعالى : كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها « الشمس : 11 » تنبيهاً [ على ] أنهم لم يصدقوا إذْ خوفوا بعقوبة طُغْيَانِهِمْ . وقوله : هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى « النجم : 52 » تنبيهاً [ على ] أن الطغْيَان لا يخلص الإنسان ، فقد كان قوم نوح أَطْغَى منهم فأهلكوا .
وقوله : إنا لما طَغَى الْماءُ « الحاقة : 11 » فاستعير الطغْيَانُ فيه لتجاوز الماء الحد .
وقوله : فَأُهْلِكُوا بِالطاغِيَةِ « الحاقة : 5 » فإشارة إلى الطوفان المعبر عنه بقوله : إنا لما طَغَى الْماءُ « الحاقة : 11 » .
والطاغُوتُ : عبارةٌ عن كل متعدٍّ ، وكل معبود من دون الله ، ويستعمل في الواحد والجمع . قال تعالى : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطاغُوتِ « البقرة : 256 » وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطاغُوتَ « الزمر : 17 » أَوْلِياؤُهُمُ الطاغُوتُ « البقرة : 257 » يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطاغُوتِ « النساء : 60 » فعبارة عن كل متعد ، ولما تقدم سمي الساحر والكاهن والمارد من الجن ، والصارف عن طريق الخير طاغوتاً ، ووزنه فيما قيل : فعلوت ، نحو جبروت وملكوت .
وقيل أصله : طَغَوُوتُ ، ولكن قُلب لام الفعل نحو صاعقة وصاقعة ، ثم قلب الواو ألفاً لتحركه وانفتاح ما قبله .
ملاحظات
قلنا في مادة جَبَتَ : الطاغوت : الذي يطغى ويتزعم ويعبده الناس ، أي يطيعونه من دون الله تعالى . والجبت : الرجل الضعيف المنحط الذي ينصبونه مكان الطاغوت ، ويطيعونه لأنه يمثل رمز طغيانهم . وفي المخصص « 1 / 98 » أن الجبت : الضعيف في عقله ورأيه .
وقد ورد الطاغوت في القرآن بمعنى المعبودين أو المطاعين من دون الله تعالى ، أو من دون أنبيائه وأوصيائهم عليهم السلام ، والظاهر أن تسميته طاغوتاً لأنه طغى على الله تعالى ونصب نفسه مقابله ، وأخذ حق الله على عباده بالطاعة . قال تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا الله وَاجْتَنِبُوا الطاغُوتَ . « النحل : 36 » .
فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِالله فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى . . الله وَلِي الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ . « البقرة : 206 » .
يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا
--------------------------- 477 ---------------------------
بِهِ . « النساء : 60 » . وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى الله . « الزمر : 17 » .
طَفَّ
الطفِيفُ : الشئ النَّزْرُ ، ومنه الطفَافَةُ لما لا يعتدُّ به .
وطَفَّفَ الكيلَ : قلل نصيب المكيل له في إيفائه واستيفائه .
قال تعالى : وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ « المطففين : 1 » .
ملاحظات
أخذ الراغب معنى التطفيف من ابن فارس ، قال « 3 / 405 » : « طفَّ : يدل على قلة الشئ . والتطفيف : نقص المكيال والميزان » . وقول الخليل أدق « 7 / 406 » : « الطِّفَاف : ما فوق المكيال . والتطفيف : أن يؤخذ أعلاه فلا يتم كيله فهو طَفَّانٌ ، والتَّجْميم والتطفيف واحد » .
فالتطفيف أخذ طَفَاف الكيل وجعله جَمَاماً . ناقصاً ، وهذا تقليل .
طَفِقَ
يقال : طَفِقَ يفعل كذا ، كقولك : أخذ يفعل كذا ، ويستعمل في الإيجاب دون النفي ، لا يقال : ما طَفِقَ . قال تعالى : فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأعناقِ « ص : 33 » وَطَفِقا يَخْصِفانِ « الأعراف : 22 » .
طَفَلَ
الطفْلُ : الولدُ ما دام ناعماً ، وقد يقع على الجمع ، قال تعالى : ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا « غافر : 67 » أَوِ الطفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا « النور : 31 » وقد يجمع على أَطْفَالٍ . قال : وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ « النور : 59 » .
وباعتبار النعومة قيل : امرأة طِفْلَةٌ ، وقد طَفِلَتْ طُفُولَةً وطَفَالَةً ، والمُطْفِلُ من الظبية : التي معها طِفْلُهَا .
وطَفَلَتِ الشمسُ : إذا همَّت بالدَّوْرِ ، ولما يستمكن الضَّحُّ من الأرضِ قال : وعلى الأرض غَيَايَاتُ الطَّفَلْ .
وأما طَفَّلَ : إذا أتى طعاماً لم يُدع إليه ، فقيل إنما هو من طَفَلَ النهارُ ، وهو إتيانه في ذلك الوقت .
وقيل هو أن يفعل فِعْلَ طُفَيْلِ العرائسِ وكان رجلاً معروفاً بحضور الدعوات يسمَّى طُفَيْلاً .
ملاحظات
لا يصح تعريف الراغب للطفل بأنه الولد ما دام ناعماً . وقال الخليل « 7 / 428 » : « غلامٌ طفلٌ ، إذا كان رخص القدمين واليدين . وامرأة طفلة الأنامل أي رخصتها في بياض ، بينة الطفولة » . والمقابيس « 3 / 413 » والصحاح « 5 / 1751 » وليس في كلامهم تعريفٌ للطفل ولا حدٌّ للنعومة والخشونة . وأفضل تعريف له قوله تعالى : الطفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ . فجعل الأطفال قسمين ، والميزان بينهما تمييز الطفل للأمور الجنسية .
طَلَلَ
الطلُّ : أضعف المطر ، وهو ماله أثر قليل . قال تعالى : فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ « البقرة : 265 » وطَلَّ الأرضَ فهي مَطْلُولَةٌ . ومنه طُلَّ دمُ فلانٍ إذا قلَّ الاعتداد به ، ويصير أثره كأنه طَلٌّ .
ولما بينهما من المناسبة قيل لأثر الدار : طَلَلٌ ، ولشخص الرجل المترائي : طَلَلٌ ، وأَطَلَّ فلانٌ : أشرف طَلَلُهُ .
طَفَى
طَفِئَتِ النارُ وأَطْفَأْتُهَا . قال تعالى : يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ الله « التوبة : 32 » يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ الله « الصف : 8 » .
والفرق بين الموضعين أنه في قوله : يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا ، يقصدون إِطْفَاءَ نورِ الله . وفي قوله : لِيُطْفِؤُا ، يقصدون أمراً يتوصلون به إلى إِطْفَاءِ نور الله .
ملاحظات
جعل الراغب طَفِئَت النار مبنياً للمعلوم ، لكنها طُفِئَتْ بالمبني للمجهول ، لأن النار تُطفأ ، وتَنْطفئ ، ولا تُطفئ نفسها .
--------------------------- 478 ---------------------------
أما تفريقه بين : أن يطفؤوا وليطفؤوا ، بأنَّ أنْ لقصد الإطفاء المباشر واللام للإطفاء بواسطة ، فهو صحيح .
وقد فسرته أحاديث أهل البيت عليهم السلام بأن المنافقين قصدوا إطفاءه بقتل علي عليه السلام لأنه جزء من نور رسوله صلى الله عليه وآله الذي قال عنه الله : في بيوت أذن الله أن ترفع . كما فسرت قوله تعالى : يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ والله مُتِمُّ نُورِهِ ، بأنهم يريدون إطفاء نور العترة النبوية ، وأن الله متمها بالمهدي عليهم السلام .
لكن تفريق الراغب بين أن واللام ، ليس مطرداً ، فقد يكون اللام لإرادة الفعل المباشر كقوله تعالى : يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ .
وقد استعمل القرآن أن واللام في موضوع واحد مرتين ، لفرق آخر بينهما ، كقوله تعالى : وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ الله أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا .
ثم قال تعالى : فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .
والإفاضة في هذا البحث خارجة عن غرضنا .
طَلَبَ
الطلَبُ : الفحص عن وجود الشئ ، عيناً كان أو معنى . قال تعالى : أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً « الكهف : 41 » وقال : ضَعُفَ الطالِبُ وَالْمَطْلُوبُ « الحج : 73 » وأَطْلَبْتُ فلاناً : إذا أسعفته لما طَلَبَ ، وإذا أحوجته إلى الطلَبِ . وأَطْلَبَ الكلأُ إذا تباعد حتى احتاج أن يُطْلَبَ .
طَلَتَ
طَالُوتٌ : إسمٌ أعجمي .
طَلَحَ
الطلْحُ شجرٌ ، الواحدةُ طَلْحَةٌ . قال تعالى : وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ « الواقعة : 29 » وإبل طِلَاحِيٌّ : منسوبٌ إليه ، وطَلِحَةٌ : مشتكية من أكله .
والطلْحُ والطلِيحُ : المهزولُ المجهود ، ومنه : ناقة طَلِيحُ أسفارٍ ، والطلَاحُ منه ، وقد يُقَابَلُ به الصلاح .
ملاحظات
قال الخليل : « 3 / 169 » : « طلح : شجر أم غيلان ، شوكه أحْجَن « معقوف » من أعظم العظاة شوكاً وأصلبه عوداً وأجوده صمغاً ، الواحدة طلحة . والطلح في القرآن : الموز » .
يعني أن الطلح في العربية شجر العظاة ، لكنه قصد به في القرآن الموز ، بقرينة منضود . « قال ابن عباس ومجاهد وعطاء وقتادة وابن زيد : الطلح شجر الموز » . « التبيان : 9 / 496 » .
طَلَعَ
طَلَعَ الشمسُ طُلُوعاً ومَطْلَعاً . قال تعالى : وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ « طه : 130 » حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ « القدر : 5 » . والمَطْلِعُ : موضعُ الطلُوعِ ، حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ « الكهف : 90 »
وعنه استعير : طَلَعَ علينا فلانٌ واطلَعَ . قال تعالى : هَلْ أَنْتُمْ مُطلِعُونَ « الصافات : 54 » فَاطَّلَعَ « الصافات : 55 » قال : فَأَطلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى « غافر : 37 » وقال : أَطَّلَعَ الْغَيْبَ « مريم : 78 » لَعَلِّي أَطلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى « القصص : 38 » واسْتَطْلَعْتُ رأيَهُ ، وأَطْلَعْتُكَ على كذا ، وطَلَعْتُ عنه : غبتُ .
والطلاعُ : ما طَلَعَتْ عليه الشمسُ والإنسان . وطَلِيعَةُ الجيشِ : أول من يَطْلُعُ ، وامرأةٌ طُلَعَةٌ قُبَعَةٌ : تُظْهِرُ رأسَها مرّةً وتستر أخرى .
وتشبيهاً بالطلُوعِ قيل : طَلْعُ النَّخْلِ . لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ « ق : 10 » طَلْعُها كَأنهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ « الصافات : 65 » أي ما طَلَعَ منها . وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ « الشعراء : 148 » وقد أَطْلَعَتِ النخلُ .
وقوسٌ طِلَاعُ الكفِّ : ملءُ الكفِّ .
--------------------------- 479 ---------------------------
طَلَقَ
أصل الطلَاقِ : التخليةُ من الوثاق ، يقال : أَطْلَقْتُ البعيرَ من عقاله وطَلَّقْتُهُ ، وهو طَالِقٌ وطَلِقٌ بلا قيدٍ .
ومنه استعير : طَلَّقْتُ المرأةَ ، نحو : خلَّيتها فهي طَالِقٌ ، أي مُخَلَّاةٌ عن حبالة النكاح . قال تعالى : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ « الطلاق : 1 » الطلاقُ مَرَّتانِ « البقرة : 229 » وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ « البقرة : 228 » فهذا عامٌّ في الرجعية وغير الرجعية . وقوله : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحق بِرَدِّهِنَّ « البقرة : 228 » خاص في الرجعية .
وقوله : فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ « البقرة : 230 » أي بعد البَيْن . فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا « البقرة : 230 » يعني الزوج الثاني .
وَانْطَلَقَ فلانٌ : إذا مرَّ متخلفاً ، وقال تعالى : فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ « القلم : 23 » انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ « المرسلات : 29 » .
وقيل للحلال : طَلْقٌ ، أي مُطْلَقٌ لا حَظْرَ عليه . وعدا الفرس طَلْقاً أو طَلْقَيْنِ اعتباراً بتخلية سبيله .
والمُطْلَقُ في الأحكام : ما لا يقع منه استثناء .
وطَلَقَ يَدَهُ ، وأَطْلَقَهَا عبارةٌ عن الجود . وطَلْقُ الوجهِ وطَلِيقُ الوجهِ : إذا لم يكن كالحاً . وطَلَقَ السليمُ : خَلَّاهُ الوجعُ ، قال الشاعر : تُطَلِّقُهُ طَوْراً وطَوْراً تُراجعُ
وليلة طَلْقَةٌ : لتخلية الإبل للماء ، وقد أَطْلَقَهَا .
طَمَّ
الطمُّ : البحرُ المَطْمُومُ ، يقال له : الطمُّ والرَّمُّ ، وطَمَّ على كذا ، وسمِّيَت القيامةُ طَامَّةً لذلك . قال تعالى : فَإِذا جاءَتِ الطامَّةُ الْكُبْرى « النازعات : 34 » .
ملاحظات
طَمَّ الشئ طمّاً : غطاه بالتراب . وطَمَّهُ السيل فهو مَطْمُومٌ . ويقال للبحر الطَّم ، كما ذكر الراغب ، لكنه بمعنى الطام والطامي .
والطامَّة : الداهية التي تطم الناس .
قال الخليل « 7 / 408 » : « الطمُّ : طمُّ الشئ بالتراب ، والطامة : التي تطم على ما سواها ، أي : تزيد وتغلب . وطم البحر : إذا زاد على مجراه » .
طَمَثَ
الطمْثُ : دم الحيض والإفتضاض . والطامِثُ : الحائض ، وطَمِثَ المرأةَ : إذا افتضَّها . قال تعالى : لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاجَانٌ « الرحمن : 56 » ومنه استعير : ما طَمِثَ هذه الروضةَ أحدٌ قبلنا ، أي ما افتضَّها . وما طَمِثَ الناقةَ جَمَلٌ .
طَمَسَ
الطمْسُ : إزالةُ الأثرِ بالمحو . قال تعالى : فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ « المرسلات : 8 » رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ « يونس : 88 » أي أزل صورتها . وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ « يس : 66 » أي أزلنا ضوأها وصورتها ، كما يُطْمَسُ الأثرُ .
وقوله : مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً « النساء : 47 » منهم من قال : عنى ذلك في الدنيا ، وهو أن يصير على وجوههم الشعر ، فتصير صورهم كصورة القردة والكلاب . ومنهم من قال : ذلك هو في الآخرة إشارة إلى ما قال : وأما مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ « الانشقاق : 10 » وهو أن تصير عيونهم في قفاهم .
وقيل : معناه يردهم عن الهداية إلى الضلالة كقوله : وَأَضَلَّهُ الله عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ « الجاثية : 23 » وقيل : عنى بالوجوه الأعيان والرؤساء ، ومعناه : نجعل رؤساءهم أذناباً ، وذلك أعظم سبب البوار .
ملاحظات
الطمس : إزالة المعالم وليس إزالة الأثر . وقوله تعالى : مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا . يدل على وقوع ذلك لا محالة وقد ورد أنه سيقع في جيش الخسف الذي يقصد
--------------------------- 480 ---------------------------
المهدي عليه السلام وهم المقصودون بقوله تعالى : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ .
طَمِعَ
الطمَعُ : نزوعُ النفس إلى الشئ شهوةً له ، طَمِعْتُ أَطْمَعُ طَمَعاً وطُمَاعِيَةً ، فهو طَمِعٌ وطَامِعٌ . قال تعالى : إنا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا « الشعراء : 51 » أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ « البقرة : 75 » خَوْفاً وَطَمَعاً « الأعراف : 56 » .
ولما كان أكثر الطمَعِ من أجل الهوى قيل : الطمَعُ طَبْعٌ ، والطمَعُ يُدَنِّسُ الإهابَ .
طَمِنَ
الطمَأْنِينَةُ والاطْمِئْنَانُ : السكونُ بعد الإنزعاج قال تعالى : وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ « الأنفال : 10 » وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي « البقرة : 260 » يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ « الفجر : 27 » وهي أن لا تصير أمَّارة بالسوء . وقال تعالى : أَلا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ « الرعد : 28 » تنبيهاً أن [ على أنه ] بمعرفته تعالى والإكثار من عبادته يُكتسب اطْمِئْنَانَ النفسِ ، المسؤول بقوله : وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي « البقرة : 260 » وقوله : وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ « النحل : 106 » . وقال : فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ « النساء : 103 » وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأنوا بِها « يونس : 7 » .
واطْمَأن وتَطَامَنَ : يتقاربان لفظاً ومعنى .
طَهُرَ
يقال : طَهُرَتِ المرأةُ طُهْراً وطَهَارَةً وطَهَرَتْ ، والفتح أقيس ، لأنها خلاف طمثت ، ولأنه يقال : طَاهِرَةٌ وطَاهِرٌ ، مثل قائمة وقائم ، وقاعدة وقاعد .
والطهَارَةُ ضربان : طَهَارَةُ جسمٍ وطَهَارَةُ نفسٍ وحمل عليهما عامة الآيات . يقال : طَهَّرْتُهُ فَطَهُرَ . وتَطَهَّرَ وَاطهَّرَ فهو طَاهِرٌ ومُتَطَهِّرٌ . قال تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطهَّرُوا « المائدة : 6 » أي استعملوا الماء ، أو ما يقوم مقامه . قال : وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ « البقرة : 222 » فدل باللفظين على أنه لا يجوز وطؤهن إلا بعد الطهَارَةِ والتطْهِيرِ .
ويؤكد قراءة من قرأ : حَتَّى يَطْهُرْنَ ، أي يفعلن الطهَارَةَ التي هي الغسل . قال تعالى : وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ « البقرة : 222 » أي التاركين للذنب والعاملين للصلاح .
وقال : فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا « التوبة : 108 » أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إنهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ « الأعراف : 82 » والله يُحِبُّ الْمُطهِّرِينَ « التوبة : 108 » فإنه يعني تَطْهِيرَ النفس . وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا « آل عمران : 55 » أي مخرجك من جملتهم ومنزهك أن تفعل فعلهم . وعلى هذا : وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً « الأحزاب : 33 » وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ « آل عمران : 42 » ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ « البقرة : 232 » أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ « الأحزاب : 53 » لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ « الواقعة : 79 » أي أنه لا يبلغ حقائق معرفته إلا من طَهَّرَ نفسه وتَنَقَّى من دَرَن الفساد .
وقوله : إنهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ « الأعراف : 82 » فإنهم قالوا ذلك على سبيل التهكم حيث قال لهم : هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ « هود : 78 » .
وقوله تعالى : لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ « النساء : 57 » أي مُطَهَّرَاتٌ من درن الدنيا وأنجاسها . وقيل : من الأخلاق السيئة بدلالة قوله : عُرُباً أَتْراباً « الواقعة : 37 » وقوله في صفة القرآن : مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ « عبس : 14 » وقوله : وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ « المدثر : 4 » قيل : معناه نفسك فَنَقِّهَا من المعايب .
وقوله : وَطَهِّرْ بَيْتِيَ « الحج : 26 » وقوله : وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ « البقرة : 125 » فحثٌّ على تَطْهِيرِ الكعبة من نجاسة الأوثان . وقال بعضهم : في ذلك حثٌّ على تَطْهِيرِ القلبِ لدخول السكينة فيه المذكورة في قوله : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ « الفتح : 4 » .
والطهُورُ : قد يكون مصدراً فيما حكى سيبويه في قولهم : تَطَهَّرْتُ طَهُوراً ، وتَوَضَّأْتُ وَضُوءاً ، فهذا مصدر على
--------------------------- 481 ---------------------------
فَعُولٍ ، ومثله وَقَدْتُ وَقُوداً .
ويكون إسماً غير مصدر كالفَطُورِ في كونه إسماً لما يفطر به ، ونحو ذلك : الوَجُور والسَّعُوط والذَّرُور . ويكون صفةً كالرسول ونحو ذلك من الصفات . وعلى هذا : وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً « الإنسان : 21 » تنبيهاً [ على ] أنه بخلاف ما ذكره في قوله : وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ « إبراهيم : 16 » وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً « الفرقان : 48 » .
قال أصحاب الشافعي رضي الله عنه : الطهُورُ بمعنى المُطَهِّرِ ، وذلك لا يصح من حيث اللفظ لأن فَعُولاً لا يُبْنَى من أَفْعَلَ وفَعَّلَ ، وإنما يبنى ذلك من فَعُلَ . وقيل : إن ذلك اقتضى التطْهِيرَ من حيث المعنى ، وذلك أن الطاهِرَ ضربان : ضربٌ لا يتعداه الطهَارَةُ كطَهَارَةِ الثوبِ فإنه طَاهِرٌ غيرُ مُطَهَّرٍ به ، وضربٌ يتعداه فيجعل غيره طَاهِراً به ، فوصف الله تعالى الماء بأنه طهورٌ تنبيهاً على هذا المعنى .
طَيَبَ
يقال : طَابَ الشئ يَطِيبُ طَيْباً ، فهو طَيِّبٌ . قال تعالى : فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ « النساء : 3 » فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ « النساء : 4 » .
وأصل الطيِّبِ : ما تستلذه الحواس وما تستلذه النفس . والطعامُ الطيِّبُ في الشرع : ما كان متناولاً من حيث ما يجوز ، ومن المكان الذي يجوز ، فإنه متى كان كذلك كان طَيِّباً عاجلاً وآجلاً لا يُسْتَوْخم ، وإلا فإنه وإن كان طَيِّباً عاجلاً لم يَطِبْ آجلاً .
وعلى ذلك قوله : كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ « البقرة : 172 » فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حَلالًا طَيِّباً « النحل : 114 » لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ الله لَكُمْ « المائدة : 87 » كُلُوا مِنَ الطيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً « المؤمنون : 51 » . وهذا هو المراد بقوله : وَالطيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ « الأعراف : 32 » وقوله : الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطيِّباتُ « المائدة : 5 » قيل : عنى بها الذبائح . وقوله : وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطيِّباتِ « غافر : 64 » إشارةٌ إلى الغنيمة .
والطيِّبُ من الإنسان : من تعرى من نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال ، وتحلى بالعلم والإيمان ومحاسن الأعمال . وإياهم قصد بقوله : الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ « النحل : 32 » وقال : طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ « الزمر : 73 » وقال تعالى : هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً « آل عمران : 38 » وقال تعالى : لِيَمِيزَ الله الْخَبِيثَ مِنَ الطيِّبِ « الأنفال : 37 » . وقوله : وَالطيِّباتُ لِلطيِّبِينَ « النور : 26 » تنبيه [ على ] أن الأعمال الطيِّبَةَ تكون من الطيِّبِينَ ، كما روي : المؤمن أَطْيَبُ من عمله ، والكافر أخبث من عمله .
قال تعالى : وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطيِّبِ « النساء : 2 » أي الأعمال السيئة بالأعمال الصالحة ، وعلى هذا قوله تعالى : مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ « إبراهيم : 24 » .
وقوله : إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطيِّبُ « فاطر : 10 » وَمَساكِنَ طَيِّبَةً « التوبة : 72 » أي طاهرة ذكية مستلذة .
وقوله : بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ « سبأ : 15 » وقيل أشار إلى الجنة وإلى جوار رب العزة . وأما قوله : وَالْبَلَدُ الطيِّبُ « الأعراف : 58 » إشارة إلى الأرض الزكية . وقوله : صَعِيداً طَيِّباً « المائدة : 6 » أي تراباً لا نجاسة به .
وسمي الاستنجاء اسْتِطَابةً لما فيه من التطَيُّبِ والتطَهُّرِ . وقيل الأَطْيَبَانِ : الأكلُ والنكاحُ ، وطعامُ مَطْيَبَةٍ للنَّفسِ : إذا طَابَتْ به النفسُ . ويقال لِلطيِّبِ : طَابٌ ، وبالمدينة تمرٌ يقال له : طَابٌ ، وسُمِّيَت المدينةُ طَيْبَةً .
وقوله : طُوبى لَهُمْ « الرعد : 29 » قيل : هو اسم شجرة في الجنة . وقيل : بل إشارة إلى كل مُسْتَطَابٍ في الجنة من بقاءٍ بلا فناءٍ ، وعِزٍّ بلا زوالٍ ، وغنى بلا فقرٍ .
طَوْد
قال تعالى : كَالطوْدِ الْعَظِيمِ « الشعراء : 63 » الطوْدُ : هو الجبلُ
--------------------------- 482 ---------------------------
العظيمُ ، ووصفه بالعِظَم لكونه فيما بين الأَطْوَادِ عظيماً ، لا لكونه عظيماً فيما بين سائر الجبال .
ملاحظات
ذكر اللغويون أن الطَّوْدَ : الجبل العظيم ، ووصفه بالعظيم يدل على وجود طود غير عظيم . فالصحيح أنه مطلق الجبل . وقد ورد صفةً للرابية ولسنام الجمل .
طَوْر
طَوَارُ الدارِ وطِوَارُهُ : ما امتد منها من البناء ، يقال : عدا فلانٌ طَوْرَهُ ، أي تجاوز حدَّهُ . ولا أَطُورُ به : أي لا أقرب فناءه .
يقال : فعل كذا طَوْراً بعد طَوْرٍ ، أي تارةً بعد تارة ، وقوله : وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً « نوح : 14 » قيل : هو إشارة إلى نحو قوله تعالى : خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ « الحج : 5 » وقيل : إشارة إلى نحو قوله : وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ « الروم : 22 » أي مختلفين في الخَلْقِ والخُلُقِ .
والطُّورُ : إسمُ جبلٍ مخصوصٍ .
وقيل إسمٌ لكل جبلٍ ، وقيل هو جبل محيط بالأرض .
قال تعالى : وَالطورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ « الطور : 1 » وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطورِ « القصص : 46 » وَطُورِ سِينِينَ « التين : 2 » وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطورِ الْأَيْمَنِ « مريم : 52 » وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطورَ « النساء : 154 » .
ملاحظات
أدق تعريف للطور ، ما كتبه الخليل « 7 / 446 » : « والطور : التارة ، يقال : طَوْرَا ًبعدَ طَوْر ، أي تارة بعد تارة . والناس أطوار ، أي أصناف على حالات شتى .
والطوار : ما كان على حذو الشئ أو بحذائه . هذه الدار على طوار هذه الدار ، أي حائطها متصل بحائطها على نسق واحد . ومعه حبل بطوار هذا الحائط أي بطوله . وطار فلان يطور طورا ً ، أي كأنه يحوم حواليه ويدنو منه » .
وقال الجوهري « 5 / 2141 » : « طور سيناء : جبل بالشام ، وهو طورٌ أضيف إلى سيناء وهو شجر . وكذلك طور سينين . قال الأخفش : السينين : شجر ، واحدتها سينينة » .
والظاهر أن جبل الطور كان مكاناً مقدساً في بابل فسمى به إبراهيم وأبناؤه عليهم السلام جبل طور سيناء . وهذا معنى ما ورد أنه طور النجف .
طَيْر
الطائِرُ : كل ذي جناحٍ يسبح في الهواء ، يقال : طَارَ يَطِيرُ طَيَرَاناً ، وجمعُ الطائِرِ : طَيْرٌ ، كرَاكِبٍ ورَكْبٍ . قال تعالى : وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ « الأنعام : 38 » وَالطيْرَ مَحْشُورَةً « ص : 19 » وَالطيْرُ صَافَّاتٍ « النور : 41 » وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطيْرِ « النمل : 17 » وَتَفَقَّدَ الطيْرَ « النمل : 20 » .
وتَطيَّرَ فلانٌ واطيَّرَ : أصله التفاؤل بالطيْرِ ، ثم يستعمل في كل ما يتفاءل به ويتشاءم ، قالُوا : إنا تَطَيَّرْنا بِكُمْ « يس : 18 » ولذلك قيل : لا طَيْرَ إلا طَيْرُكَ . وقال تعالى : إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطيَّرُوا ، أي يتشاءموا به ، أَلا إنما طائِرُهُمْ عِنْدَ الله « الأعراف : 131 » أي شؤمهم : ما قد أعد الله لهم بسوء أعمالهم . وعلى ذلك قوله : قالُوا اطيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ الله « النمل : 47 » قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ « يس : 19 » وَكل إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ « الإسراء : 13 » أي عمله الذي طَارَ عنه من خيرٍ وشرٍّ . ويقال : تَطَايَرُوا : إذا أسرعوا ، ويقال : إذا تفرّقوا ، قال الشاعر : طَارُوا إليه زَرَافَاتٍ ووُحْدَاناً
وفجرٌ مُسْتَطِيرٌ ، أي فاشٍ . قال تعالى : وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً « الإنسان : 7 » وغبارٌ مُسْتَطَارٌ . خولف بين بنائهما ، فتُصُوِّر الفجر بصورة الفاعل فقيل : مُسْتَطِيرٌ ، والغبارُ بصورة المفعول ، فقيل : مُسْتَطَارٌ .
وفرسٌ مُطَارٌ : للسريع ولحديد الفؤاد . وخذ ما طَارَ من شَعْر رأسك ، أي ما انتشر حتى كأنه طَارَ .
--------------------------- 483 ---------------------------
طَوَعَ
الطوْعُ : الإنقيادُ ويضادُّه الكره . قال عز وجل : ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً « فصلت : 11 » . وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً « آل عمران : 83 » .
والطاعَةُ : مثله ، لكن أكثر ما تقال في الإئتمار لما أمر ، والإرتسام فيما رسم . قال تعالى : وَيَقُولُونَ طاعَةٌ « النساء : 81 » طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ « محمد : 21 » أي أَطِيعُوا .
وقد طَاعَ له يَطُوعُ ، وأَطَاعَهُ يُطِيعُهُ . قال تعالى : وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ « التغابن : 12 » مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله « النساء : 80 » وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ « الأحزاب : 48 » وقوله في صفة جبريل عليه السلام : مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ « التكوير : 21 » .
والتطَوُّعُ : في الأصل تكلفُ الطاعَةِ ، وهو في التعارف التبرع بما لا يلزم كالتنفُّل ، قال : فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ « البقرة : 184 » وقرئ : ومن يَطَّوَّعْ خيراً .
وَالاسْتِطَاعَةُ : استفعالة من الطوْعِ ، وذلك وجود ما يصير به الفعل متأتياً . وهي عند المحققين : اسم للمعاني التي بها يتمكن الإنسان مما يريده من إحداث الفعل ، وهي أربعة أشياء : بنية مخصوصة للفاعل . وتصور للفعل ، ومادة قابلة لتأثيره ، وآلة إن كان الفعل آلياً كالكتابة ، فإن الكاتب يحتاج إلى هذه الأربعة في إيجاده للكتابة . وكذلك يقال : فلان غير مستطيع للكتابة : إذا فقد واحداً من هذه الأربعة فصاعداً .
ويضادُّه العجز ، وهو أن لا يجد أحد هذه الأربعة فصاعداً ، ومتى وجد هذه الأربعة كلها فَمُسْتَطِيعٌ مطلقاً ، ومتى فقدها فعاجز مطلقاً ، ومتى وجد بعضها دون بعض فَمُسْتَطِيعٌ من وجه عاجز من وجه ، ولأن يوصف بالعجز أولى .
والإسْتِطَاعَةُ أخص من القدرة . قال تعالى : لايَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ « الأنبياء : 43 » فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ « الذاريات : 45 » مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا « آل عمران : 97 » فإنه يحتاج إلى هذه الأربعة . وقوله عليه السلام : الإسْتِطَاعَةُ الزادُ والراحلة ، فإنه بيان ما يحتاج إليه من الآلة ، وخصه بالذكر دون الأُخَر إذ كان معلوماً من حيث العقل . ومقتضى الشرع أن التكليف من دون تلك الأُخَر لا يصح .
وقوله : لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ « التوبة : 42 » فإشارة بالإسْتِطَاعَةِ هاهنا إلى عدم الآلة من المال والظهر والنحو « ونحوه » .
وكذلك قوله : وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا « النساء : 25 » وقوله : لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً « النساء : 98 » وقد يقال : فلانٌ لا يَسْتَطِيعُ كذا : لما يصعب عليه فعله لعدم الرياضة ، وذلك يرجع إلى افتقاد الآلة ، أو عدم التصور ، وقد يصح معه التكليف ، ولا يصير الإنسان به معذوراً .
وعلى هذا الوجه قال تعالى : لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً « الكهف : 67 » ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَماكانُوا يُبْصِرُونَ « هود : 20 » وقال : وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً « الكهف : 101 » .
وقد حمل على ذلك قوله : وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا « النساء : 129 » . وقوله تعالى : هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا « المائدة : 112 » فقيل : إنهم قالوا ذلك قبل أن قويت معرفتهم بالله . وقيل : إنهم لم يقصدوا قصد القدرة ، وإنما قصدوا أنه هل تقتضي الحكمة أن يفعل ذلك .
وقيل : يَسْتَطِيعُ ويُطيعُ بمعنى واحدٍ . ومعناه : يجيب ، كقوله : ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ « غافر : 18 » أي يجاب ، وقرئ : هل تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ أي سؤالَ رَبِّكَ ، كقولك : هل يَسْتَطِيعُ الأَمِيرُ أن يفعل كذا .
وقوله : فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ « المائدة : 30 » نحو : أسمحت له قرينته وانقادت له وسولت . وطَوَّعَتْ أبلغُ من أَطَاعَتْ ،
--------------------------- 484 ---------------------------
وطَوَّعَتْ له نفسُهُ بإزاء قولهم : تأبَّتْ عن كذا نفسُهُ ، وتَطوَّعَ كذا : تحمَّله طَوْعاً . قال تعالى : وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإن الله شاكِرٌ عَلِيمٌ « البقرة : 158 » الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ « التوبة : 79 » وقيل : طَاعَتْ وتَطَوَّعَتْ بمعنًى ، ويقال : اسْتَطَاعَ واسْطَاعَ بمعنى ( ! ) قال تعالى : فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ ، وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً « الكهف : 97 » .
طَوَفَ
الطَّوْفُ : المشيُ حولَ الشئ ، ومنه الطائِفُ لمن يدور حول البيوت حافظاً . يقال : طَافَ به يَطُوفُ . قال تعالى : يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ « الواقعة : 17 » قال : فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطوَّفَ بِهِما « البقرة : 158 » .
ومنه استعير الطائِفُ من الجن والخيال والحادثة وغيرها . قال : إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ « الأعراف : 201 » وهو الذي يدور على الإنسان من الشيطان يريد اقتناصه .
وقد قرئ : طَيْفٌ ، وهو خَيالُ الشئ وصورته المترائي له في المنام أو اليقظة . ومنه قيل للخيال : طَيْفٌ . قال تعالى : فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ « القلم : 19 » تعريضاً بما نالهم من النائبة .
وقوله : أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطائِفِينَ « البقرة : 125 » أي لقصاده الذين يَطُوفُونَ به .
والطوَّافُونَ في قوله : طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ « النور : 58 » عبارة عن الخدم ، وعلى هذا الوجه قال عليه السلام في الهرة : إنها من الطوَّافِينَ عليكم والطوَّافَاتِ .
وَالطائِفَةُ من الناس : جماعة منهم . ومن الشئ : القطعة منه . وقوله تعالى : فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كل فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ « التوبة : 122 » قال بعضهم : قد يقع ذلك على واحد فصاعداً ، وعلى ذلك قوله : وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ « الحجرات : 9 » إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ « آل عمران : 122 » والطائِفَةُ إذا أريد بها الجمع فجمع طَائِفٍ ، وإذا أريد بها الواحد فيصح أن يكون جمعاً ويكنى به عن الواحد ، ويصح أن يجعل كراوية وعلامة ونحو ذلك .
والطوفَانُ : كل حادثة تحيط بالإنسان ، وعلى ذلك قوله : فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطوفانَ « الأعراف : 133 » وصار متعارفاً في الماء المتناهي في الكثرة ، لأجل أن الحادثة التي نالت قوم نوح كانت ماء . قال تعالى : فَأَخَذَهُمُ الطوفانُ « العنكبوت : 14 » وطَائِفُ القوسِ : ما يلي أبهرها ، والطوْفُ : كُنِّيَ به عن العَذْرَةِ .
طَوْق
أصل الطوْقِ : ما يجعل في العنق ، خِلْقةً كَطَوْقِ الحمامِ ، أو صنعةً كطَوْقِ الذهب والفضة ، ويتوسع فيه فيقال : طَوَّقْتُهُ كذا كقولك : قلدته . قال تعالى : سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ « آل عمران : 180 » وذلك على التشبيه . كما روي في الخبر : يأتي أحدكم يوم القيامة شجاع أقرع له زبيبتان فَيَتَطَوَّقُ به فيقول أنا الزكاة التي منعتني .
وَالطاقَةُ : إسمٌ لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقة ، وذلك تشبيه بالطوْقِ المحيطِ بالشئ . فقوله : وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ « البقرة : 286 » أي ما يصعب علينا مزاولته ، وليس معناه : لا تحملنا ما لا قدرة لنا به ، وذلك لأنه تعالى قد يحمل الإنسان ما يصعب عليه ، كما قال : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ « الأعراف : 157 » . وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ « الشرح : 2 » أي خففنا عنك العبادات الصعبة التي في تركها الوزر ، وعلى هذا الوجه : قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ « البقرة : 249 » وقد يعبَّر بنفي الطاقة عن نفي القدرة .
وقوله : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ « البقرة : 184 » ظاهره يقتضي أن المُطِيقَ له يلزمه فدية أفطر أو لم يفطر ، لكن أجمعوا أنه لا يلزمه إلا مع شرط آخر . وروي : وعلى الذين يُطَوَّقُونَهُ ، أي يُحَمَّلُونَ أن يَتَطَوَّقُوا .
--------------------------- 485 ---------------------------
طَوَل
الطولُ والقِصَرُ : من الأسماء المتضايفة كما تقدم . ويستعمل في الأعيان والأعراض كالزمان وغيره قال تعالى : فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ « الحديد : 16 » سَبْحاً طَوِيلًا « المزمل : 7 »
ويقال : طَوِيلٌ وطُوَالٌ وعريض وعُرَاضٌ ، وللجمع : طِوَالٌ وقيل طِيَالٌ . وباعتبار الطولِ قيل للحبل المَرخيِّ على الدابة : طِوَلٌ . وطَوِّلْ فرسَكَ أي أَرْخِ طِوَلَهُ .
وقيل : طِوَالُ الدهرِ لمدته الطوِيلَةِ . وَتَطَاوَلَ فلانٌ : إذا أظهر الطولَ أو الطوْلَ . قال تعالى : فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ « القصص : 45 » .
وَالطوْلُ : خُصَّ به الفضلُ والمنُّ ، قال : شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطوْلِ « غافر : 3 » وقوله تعالى : اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطوْلِ مِنْهُمْ « التوبة : 86 » وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا « النساء : 25 » كناية عما يصرف إلى المهر والنفقة .
وطَالُوتُ : إسمُ عَلَمٍ وهو أعجمي .
طِين
الطينُ : التراب والماء المختلط ، وقد يسمى بذلك وإن زال عنه قوة الماء . قال تعالى : مِنْ طِينٍ لازِبٍ « الصافات : 11 » يقال : طِنْتُ كذا وطَيَّنْتُهُ . قال تعالى : خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ « ص : 76 » وقوله تعالى : فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطينِ « القصص : 38 » .
طَوَى
طَوَيْتُ الشئ طَيّاً ، وذلك كَطَيِّ الدَّرَجِ . وعلى ذلك قوله : يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِ « الأنبياء : 104 » ومنه : طَوَيْتُ الفلاةَ . ويعبر بِالطيِّ عن مُضِيِّ العمر ، يقال : طَوَى الله عُمرَهُ ، قال الشاعر : طَوَتْكَ خطوبُ دهرك بعد نشر .
وقوله تعالى : وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ « الزمر : 67 » يصحُّ أن يكون من الأول ، وأن يكون من الثاني ، والمعنى : مهلكات . وقوله : إنكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً « طه : 12 » قيل : هو اسم الوادي الذي حصل فيه . وقيل : إن ذلك جعل إشارة إلى حالة حصلت له على طريق الاجتباء ، فكأنه طَوَى عليه مسافةً لو احتاج أن ينالها في الإجتهاد لبعد عليه .
وقوله : إنكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً « طه : 12 » قيل : هو اسم أرض ، فمنهم من يصرفه ، ومنهم من لا يصرفه . وقيل : هو مصدر طَوَيْتُ ، فيصرف ويفتح أوله ويكسر ، نحو : ثنى وثنى ، ومعناه : ناديته مرتين . والله أعلم .
تمَّ كتاب الطاء
--------------------------- 486 ---------------------------
كتاب الظاء وما يتصل بها
ظَعَنَ
يقال : ظَعَنَ يَظْعَنُ ظَعْناً إذا شخص . قال تعالى : يَوْمَ ظَعْنِكُمْ « النحل : 80 » . والظَّعِينَةُ : الهودج إذا كان فيه المرأة ، وقد يكنَّى به عن المرأة وإن لم تكن في الهودج .
ظفَرَ
الظُّفْرُ : يقال في الإنسان وفي غيره ، قال تعالى : وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كل ذِي ظُفُرٍ « الأنعام : 146 » أي ذي مخالب . ويعبر عن السلاح به تشبيهاً بِظُفُرِ الطائرِ إذ هو له بمنزلة السلاح ، ويقال : فلان كَلِيلُ الظُّفُرِ .
وظَفَرَهُ فلانٌ : نشب ظُفُرَهُ فيه . وهو أَظْفَرُ : طويلُ الظُّفُرِ .
والظَّفَرَةُ : جُلَيْدَةٌ يُغَشَّى البصرُ بها ، تشبيهاً بِالظُّفُرِ في الصلابة ، يقال : ظَفِرَتْ عينُهُ .
والظَّفَرُ : الفوزُ ، وأصله من ظَفِرَ عليه ، أي نشب ظُفْرُهُ فيه . قال تعالى : مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ . « الفتح : 24 » .
ظَلَلَ
الظِّلُّ : ضدُّ الضَّحِّ وهو أعمُّ من الفيئ ، فإنه يقال : ظِلُّ الليلِ وظِلُّ الجنة ، ويقال لكل موضع لم تصل إليه الشمس : ظِلٌّ ، ولا يقال الفيئ إلا لما زال عنه الشمس . ويُعبر بِالظِّلِّ عن العزة والمنعة ، وعن الرفاهة ، قال تعالى : إن المُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ « المرسلات : 41 » أي في عزة ومناع .
قال : أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها « الرعد : 35 » هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ « يس : 56 » يقال : ظَلَّلَنِي الشّجر ُوأَظَلَّنِي .
قال تعالى : وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ « البقرة : 57 » .
وأَظَلَّنِي فلانٌ : حرسني ، وجعلني في ظِلِّهِ وعزه ومناعته .
وقوله : يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ « النحل : 48 » أي إنشاؤه يدل على وحدانية الله وينبئ عن حكمته .
وقوله : وَلِلَّهِ يَسْجُدُ إلى قوله وَظِلالُهُمْ . قال الحسن : أما
--------------------------- 487 ---------------------------
ظِلُّكَ فيسجدلله ، وأما أنت فتكفر به .
وظِلٌّ ظَلِيلٌ : فائض . وقوله : وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا « النساء : 57 » كناية عن غضارة العيش ، وَالظُّلَّةُ : سحابةٌ تُظِلُّ ، وأكثر ما يقال فيما يستوخم ويكره . قال تعالى : كَأنهُ ظُلَّةٌ « الأعراف : 171 » عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ « الشعراء : 189 » أَنْ يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ « البقرة : 210 » أي عذابه يأتيهم .
والظُّلَلُ : جمعُ ظُلَّةٍ ، كغُرْفَةٍ وغُرَفٍ ، وقُرْبَةٍ وقُرَبٍ . وقرئ : في ظِلَالٍ ، وذلك إما جمع ظُلَّةٍ نحو : غُلْبَةٍ وغِلَابٍ ، وحُفْرَةٍ وحِفَارٍ ، وإما جمعُ ظِلّ نحو : يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ « النحل : 48 » .
وقال بعض أهل اللغة : يقال للشاخص ظِلٌّ . قال : ويدل على ذلك قول الشاعر : لما نزلنا رفعنا ظِلَّ أخبيةٍ
وقال : ليس ينصبون الظِّلَّ الذي هو الفيئ ، إنما ينصبون الأخبية . وقال آخر : يَتَبَّعُ أفياءَ الظِّلَالِ عشيّةً
أي أفياء الشخوص ، وليس في هذا دلالة فإن قوله رفعنا ظِلَّ أخبيةٍ معناه رفعنا الأخبية فرفعنا به ظِلَّهَا ، فكأنه رفع الظِّلَّ .
وقوله : أفياءُ الظِّلَالِ : فَالظِّلَالُ عامٌّ والفيئ خاص . وقوله : أفياءُ الظِّلَالِ : هو من إضافة الشئ إلى جنسه .
والظُّلَّةُ أيضاً : شئ كهيئة الصُّفَّة ، وعليه حُمِلَ قوله تعالى : وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ « لقمان : 32 » أي كقطع السحاب . وقوله تعالى : لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ « الزمر : 16 » .
وقد يقال : ظِلٌّ لكل ساتر ، محموداً كان أو مذموماً ، فمن المحمود قوله : وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ « فاطر : 21 » وقوله : وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها « الإنسان : 14 » ومن المذموم قوله : وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ « الواقعة : 43 » وقوله : إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ « المرسلات : 30 » الظِّلُّ هاهنا كالظُّلَّةِ لقوله : ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ « الزمر : 16 » وقوله : لاظَلِيلٍ « المرسلات : 31 » لا يفيد فائدة الظِّلِّ في كونه واقياً عن الحر . وروي : أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا مشى لم يكن له ظِلٌّ ، ولهذا تأويل يختصُّ بغير هذا الموضع .
ظَلْتُ
ظَلْتُ : بحذف إحدى اللامين : يعبر به عما يفعل بالنهار ويجري مجرى صرتُ ، فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ « الواقعة : 65 » لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ « الروم : 51 » ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً « طه : 97 » .
ظَلَمَ
الظُّلْمَةُ : عدمُ النور ، وجمعها ظُلُمَاتٌ . قال تعالى : أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ « النور : 40 » ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ « النور : 40 » وقال تعالى : أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ « النمل : 63 » وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ « الأنعام : 1 » .
ويعبر بها عن الجهل والشرك والفسق ، كما يعبر بالنور عن أضدادها . قال الله تعالى : يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ « البقرة : 257 » أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ « إبراهيم : 5 » فَنادى فِي الظُّلُماتِ « الأنبياء : 87 » كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ « الأنعام : 122 » هو كقوله : كَمَنْ هُوَ أَعْمى « الرعد : 19 » .
وقوله في سورة الأنعام : وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ « الأنعام : 39 » فقوله : فِي الظُّلُماتِ هاهنا موضوع موضع العمى في قوله : صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ « البقرة : 18 » .
وقوله : فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ « الزمر : 6 » أي البطن والرحم والمشيمة . وَأَظْلَمَ فلانُ : حصل في ظُلْمَة . قال تعالى : فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ « يس : 37 » .
وَالظُّلْمُ : عند أهل اللغة وكثير من العلماء وضع الشئ في غير موضعه المختص به ، إما بنقصان أو بزيادة ، وإما بعدول عن وقته أو مكانه ، ومن هذا يقال : ظَلَمْتُ السِّقَاءَ : إذا تناولته في غير وقته ويسمى ذلك اللبن الظَّلِيمَ .
وظَلَمْتُ الأرضَ : حَفَرْتُها ولم تكن موضعاً للحفر ، وتلك الأرض يقال لها : المَظْلُومَةُ ، والتراب الذي يخرج منها :
--------------------------- 488 ---------------------------
ظَلِيمٌ . والظُّلْمُ : يقال في مجاوزة الحق الذي يجري مجرى نقطة الدائرة ، ويقال فيما يكثر وفيما يقل من التجاوز ، ولهذا يستعمل في الذنب الكبير وفي الذنب الصغير ، ولذلك قيل لآدم في تعديه ظالم ، وفي إبليس ظالم ، وإن كان بين الظُّلْمَيْنِ بون بعيد .
قال بعض الحكماء : الظُّلْمُ ثلاثةٌ ، الأول : ظُلْمٌ بين الإنسان وبين الله تعالى ، وأعظمه الكفر والشرك والنفاق ، ولذلك قال : إن الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ « لقمان : 13 » وإياه قصد بقوله : أَلا لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ « هود : 18 » وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً « الإنسان : 31 » في آي كثيرة . وقال : فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى الله « الزمر : 32 » وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى الله كذباً « الأنعام : 93 » .
والثاني : ظُلْمٌ بينه وبين الناس ، وإياه قصد بقوله : وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ إلى قوله : إنهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وبقوله : إنمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ « الشورى : 42 » وبقوله : وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً « الإسراء : 33 » .
والثالث : ظُلْمٌ بينه وبين نفسه ، وإياه قصد بقوله : فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ « فاطر : 32 » وقوله : ظَلَمْتُ نَفْسِي « النمل : 44 » إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ « النساء : 64 » فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ « البقرة : 35 » أي من الظَّالِمِينَ أنفسهم ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ « البقرة : 231 » .
وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظُلْمٌ للنفس ، فإن الإنسان في أول ما يهم بالظُّلْمِ فقد ظَلَمَ نفسه .
فإذاً ، الظَّالِمُ أبداً مبتدئ في الظُّلْمِ ، ولهذا قال تعالى في غير موضع : ما ظَلَمَهُمُ الله وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ « النحل : 33 » وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ « البقرة : 57 » .
وقوله : وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ « الأنعام : 82 » فقد قيل : هو الشرك ، بدلالة أنه لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب النبي عليه السلام وقال لهم : ألم تروا إلى قوله : إن الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .
وقوله : وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً « الكهف : 33 » أي لم تنقص . وقوله : وَلَوْ إن لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً « الزمر : 47 » فإنه يتناول الأنواع الثلاثة من الظُّلْمِ ، فما أحد كان منه ظُلْمٌ مَّا في الدنيا ، إلا ولو حصل له ما في الأرض ومثله معه لكان يفتدي به . وقوله : هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى « النجم : 52 » تنبيهاً [ على ] أن الظُّلْمَ لا يغني ولا يُجدي ولا يُخلص ، بل يُردي بدلالة قوم نوح .
وقوله : وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ « غافر : 31 » وفي موضع : وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ « ق : 29 » . وتخصيص أحدهما بالإرادة مع لفظ العباد ، والآخر بلفظ الظَّلَّامِ للعبيد يختصّ بما بعد هذا الكتاب .
والظَّلِيمُ : ذَكَرُ النعامِ ، وقيل : إنما سمي بذلك لاعتقادهم أنه مَظْلُومٌ ، للمعنى الذي أشار إليه الشاعر :
فصِرتُ كالهِيقِ عَدَا يَبْتَغِي
قَرْناً فَلَمْ يَرْجِعْ بأُذْنَيْنِ
والظَّلْم : ماء الأسنان . قال الخليل : لقيته أول ذي ظُلْمَةٍ ، أو ذي ظُلْمَةٍ أي أول شئ سد بصرك ، قال : ولا يُشتق منه فعل ، ولقيته أدنى ظَلَمٍ ، كذلك .
ظَمَأَ
الظِّمْأُ : ما بين الشَّرْبتين ، والظَّمَأُ : العطش الذي يعرض من ذلك . يقال : ظَمِئَ يَظْمَأُ فهو ظَمْآنُ . قال تعالى : لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى « طه : 119 » وقال : يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً « النور : 39 » .
ظَنَّ
الظَّنُّ : اسم لما يحصل عن أمارة ، ومتى قويت أدت إلى العلم ، ومتى ضعفت جداً لم يتجاوز حد التوهم . ومتى قوي أو تُصور تَصور القوي ، استعمل معه إنَّ المشددة ،
--------------------------- 489 ---------------------------
وإن المخففة منها . ومتى ضعف استعمل أن المختصة بالمعدومين من القول والفعل ، فقوله : الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ « البقرة : 46 » وكذا : يَظُنُّونَ أنهُمْ مُلاقُوا الله « البقرة : 249 » فمن اليقين .
وَظَنَّ أنهُ الْفِراقُ « القيامة : 28 » وقوله : أَلايَظُنُّ أُولئِكَ « المطففين : 4 » وهو نهاية في ذمهم ، ومعناه ألا يكون منهم ظَنٌّ لذلك ، تنبيهاً [ على ] أن أمارات البعث ظاهرة .
وقوله : وَظَنَّ أَهْلُها أنهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها « يونس : 24 » تنبيهاً [ على ] أنهم صاروا في حكم العالمين لفرط طمعهم وأملهم .
وقوله : وَظَنَّ داوُدُ إنما فَتَنَّاهُ « ص : 24 » أي علم ، والفتنة هاهنا كقوله : وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً « طه : 40 » .
وقوله : وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ « الأنبياء : 87 » فقد قيل : الأولى أن يكون من الظَّنِّ الذي هو التوهم ، أي ظَنَّ أن لن نضيق عليه .
وقوله : وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحق وَظَنُّوا أنهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ « القصص : 39 » فإنه استعمل فيه إن المستعمل مع الظَّنِّ الذي هو للعلم ، تنبيهاً [ على ] أنهم اعتقدوا ذلك اعتقادهم للشئ المتيقن ، وإن لم يكن ذلك متيقناً .
وقوله : يَظُنُّونَ بِالله غَيْرَ الْحق ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ « آل عمران : 154 » أي يَظُنُّونَ أن النبي لم يَصْدُقْهُمْ فيما أخبرهم به كما ظَنَّ الجاهلية ، تنبيهاً [ على ] أن هؤلاء المنافقين هم في حَيِّز الكفار .
وقوله : وَظَنُّوا أنهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ « الحشر : 2 » أي اعتقدوا اعتقاداً كانوا منه في حكم المتيقنين وعلى هذا قوله : وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أن الله لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ « فصلت : 22 »
وقوله : الظَّانينَ بِالله ظَنَّ السَّوْءِ « الفتح : 6 » هو مفسرٌ بما بعده وهو قوله : بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ « الفتح : 12 » إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا « الجاثية : 32 » .
والظَّنُّ في كثير من الأمور مذموم ، ولذلك قال تعالى : وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا « يونس : 36 » وَإن الظَّنَ « النجم : 28 » وَأنهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ « الجن : 7 » .
وقرئ : وما هو على الغيب بِظَنِينٍ ، أي بمتَّهم .
ملاحظات
عرَّفَ الراغب الظن بأنه ما يحصل عن أمارة . وقد يحصل العلم أو الشك عن أمارة !
وجعل ميزان قوة الظن وضعفه الأمارة . وقد تكون عوامل ذهنية أو نفسية وغيرها .
ثم وضع ميزاناً للتمييز بين ظن العلم وظن الشك ، فقال : « ومتى قوي أو تُصُوِّرَ تَصَوُّرَ القوي استعمل معه أن المشددة . ومتى ضعف استعمل أن المختصة بالمعدومين من القول والفعل » .
ونقل عنه الزركشي في البرهان « 4 / 157 » قوله في تفسيره : « الظن أعم ألفاظ الشك واليقين ، وهو اسم لما حصل عن أمارة ، فمتى قويت أدت إلى العلم ، ومتى ضعفت جداً لم تتجاوز حد الوهم ، وأنه متى قوى استعمل فيه أن المشددة وأن المخففة منها ، ومتى ضعف استعمل معه أن المختصة بالمعدومين من الفعل ، نحو ظننت أن أخرج وأن يخرج ، فالظن إذا كان بالمعنى الأول محمود ، وإذا كان بالمعنى الثاني فمذموم » .
لكنه كلامٌ منقوض لأن « أن » المستعملة بعد الظن فيها خلاف هل تُفتح أو تكسر ، وهل تُثَقَّلُ أو تخفف .
وقصده بأن المعدومة : أن ما بعدها لا يقع ، وذكر لها مثالاً في تفسيره : ظننت أن أخرج . وكأن معناه فلم
--------------------------- 490 ---------------------------
يخرج . ثم لم يذكر هذا المثال في مفرداته وهو آخر مؤلفاته ، لأنه أحس بضعفه أو بطلانه ، لأن ظننت أن أخرج لا يدل على عدم وقوع الخروج ولا على وقوعه . ويصح أن تستعمل فيه أن المشددة فتقول ظننت أني أخرج ، ثم خرجت . والنتيجة أنه لم يخرج بنتيجة !
ولا شك أن الظن يستعمل أحياناً بمعنى العلم ، فقد روى الصدوق رحمه الله في التوحيد / 267 ، عن أمير المؤمنين عليه السلام في جواب من تخيل تناقض القرآن ، قال عليه السلام : « وأما قوله : وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا ، يعني أيقنوا أنهم داخلوها ، وكذلك قوله : إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ، يقول إني أيقنت أني أبعث فأحاسب ، وكذلك قوله : يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ الله دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الله هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ . وأما قوله للمنافقين : وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا ، فهذا الظن ظن شك وليس ظن يقين ، والظن ظنان : ظن شك وظن يقين ، فما كان من أمر معادٍ من الظن فهو ظن يقين ، وما كان من أمر الدنيا : فهو ظن شك ، فافهم ما فسرت لك . قال : فَرَّجْت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك » .
ومعناه : أن الظن في القرآن إذا كان متعلقاً بأمر المعاد فهو يقين ، كظن المؤمنين في قوله تعالى : ظَنَنْتُ أَنِّى مُلاقٍ حِسَابِيَهْ . وإذا كان متعلقاً بأمر الدنيا فهو شك .
ظَهَرَ
الظَّهْرُ : الجارحةُ وجمعه ظُهُورٌ . قال عز وجل : وأما مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ « الانشقاق : 10 » مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ « الأعراف : 172 » أَنْقَضَ ظَهْرَكَ « الشرح : 3 » والظَّهْرُ هاهنا استعارة تشبيهاً للذنوب بالحمل الذي ينوء بحامله . واستعير لِظَاهِرِ الأرضِ فقيل : ظَهْرُ الأرضِ وبطنها ، قال تعالى : ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ « فاطر : 45 » .
ورجلٌ مُظَهَّرٌ : شديدُ الظَّهْرِ . وظَهِرٌ : يشتكي ظَهْرَهُ . ويعبر عن المركوب بِالظَّهْرِ ، ويستعار لمن يتقوى به . وبعيرٌ ظَهِيرٌ : قوي بين الظَّهَارَةِ . وظِهْرِيٌّ : معد للركوب .
والظِّهْرِيُّ أيضاً : ما تجعله بِظَهْرِكَ فتنساه . قال تعالى : وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا « هود : 92 » .
وَظَهَرَ عليه : غلبه . وقال : إنهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ « الكهف : 20 » . وظاهَرْتُهُ : عاونته . قال تعالى : وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ « الممتحنة : 9 » وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ « التحريم : 4 » أي تعاونا ، تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ « البقرة : 85 » وقرئ : تَظَّاهَرَا . الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ « الأحزاب : 26 » وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ « سبأ : 22 » أي معين . فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ « القصص : 86 » وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ « التحريم : 4 » وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً « الفرقان : 55 » أي معيناً للشيطان على الرحمن .
وقال أبو عبيدة : الظَّهِيرُ هو المَظْهُورُ به . أي هيناً على ربه كالشئ الذي خلفته ، من قولك : ظَهَرْتُ بكذا ، أي خلفته ولم ألتفت إليه .
والظِّهَارُ : أن يقول الرجل لامرأته : أنت عليَّ كَظَهْرِ أمي ، يقال : ظَاهَرَ من امرأته . قال تعالى : وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ « المجادلة : 3 » وقرئ : يَظَّاهرون أي يَتَظَاهَرُونَ ، فأدغم . ويَظْهَرُونَ .
وظَهَرَ الشئ : أصله أن يحصل شئ على ظَهْرِ الأرضِ فلا يخفى ، وبَطَنَ إذا حصل في بطنان الأرض فيخفى ، ثم صار مستعملاً في كل بارز مبصر بالبصر والبصيرة . قال تعالى : أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ « غافر : 26 » ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ « الأعراف : 33 » إِلَّا مِراءً ظاهِراً « الكهف : 22 » .
يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا « الروم : 7 » أي يعلمون الأمور الدنيوية دون الأخروية .
والعلمُ الظَّاهِرُ والباطن : تارةً يشارُ بهما إلى المعارف الجلية
--------------------------- 491 ---------------------------
والمعارف الخفية ، وتارة إلى العلوم الدنيوية ، والعلوم الأخروية .
وقوله : باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ « الحديد : 13 » . وقوله : ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ « الروم : 41 » أي كثر وشاع . وقوله : نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً « لقمان : 20 » يعني بالظَّاهِرَةِ ما نقف عليها ، وبالباطنة ما لا نعرفها ، وإليه أشار بقوله : وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لا تُحْصُوها « النحل : 18 » . وقوله : قُرىً ظاهِرَةً « سبأ : 18 » فقد حمل ذلك على ظَاهِرِهِ . وقيل : هو مثل لأحوال تختص بما بعد هذا الكتاب إن شاء الله .
وقوله : فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً « الجن : 26 » أي لا يطلع عليه . وقوله : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كلهِ « التوبة : 33 » يصح أن يكون من البروز ، وأن يكون من المعاونة والغلبة ، أي ليغلبه على الدين كله .
وعلى هذا قوله : إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ « الكهف : 20 » وقوله تعالى : يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ « غافر : 29 » فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ « الكهف : 97 » وصلاة الظُّهْرِ معروفةٌ .
والظَّهِيرَةُ : وقتُ الظُّهْرِ ، وأَظْهَرَ فلانٌ : حصل في ذلك الوقت ، على بناء أصبح وأمسى .
قال تعالى : وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ . « الروم : 18 » .
ملاحظات
روى في الكافي « 1 / 91 » : « عن عاصم بنِ حُمَيْد قَالَ : قَالَ سُئِلَ عَلِيُّ بن الحسين عليه السلام عن التوحيد فقال : إِن الله عز وجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوامٌ مُتَعَمِّقُونَ فأنزل الله تعالى : قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ ، والآيَاتِ مِنْ سُورَةِ الْحَدِيدِ : هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ . . إِلَى قَوْلِه وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . فمن رام وراء ذلك فقد هلك » .
أما علم الظاهر والباطن ، فهو بحث غير لغوي .
تمّ كتاب الظاء
--------------------------- 492 ---------------------------
كتاب العين وما يتصل بها
عَبَدَ
العُبُودِيَّةُ : إظهار التذلل . والعِبَادَةُ : أبلغُ منها لأنها غاية التذلل ، ولايستحقها إلا من له غاية الإفضال وهو الله تعالى . ولهذا قال : أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ « الإسراء : 23 » . والعِبَادَةُ ضربان : عِبَادَةٌ بالتسخير وهو كما ذكرناه في السجود . وعِبَادَةٌ بالاختيار ، وهي لذوي النطق ، وهي المأمور بها في نحو قوله : اعْبُدُوا رَبَّكُمُ « البقرة : 21 » وَاعْبُدُوا الله « النساء : 36 » .
والعَبْدُ : يقال على أربعة أضرب :
الأول : عَبْدٌ بحكم الشرع ، وهو الإنسان الذي يصح بيعه وابتياعه ، نحو : الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ « البقرة : 178 » وعَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَئ « النحل : 75 » .
الثاني : عَبْدٌ بالإيجاد ، وذلك ليس إلا لله ، وإياه قصد بقوله : إِنْ كل مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً « مريم : 93 » .
والثالث : عَبْدٌ بالعِبَادَةِ والخدمة ، والناس في هذا ضربان : عبدلله مخلص ، وهو المقصود بقوله : وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ « ص : 41 » إنهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً « الإسراء : 3 » نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ « الفرقان : 1 » عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ « الكهف : 1 » إن عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ « الحجر : 42 » كُونُوا عِباداً لِي « آل عمران : 79 » إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ « الحجر : 40 » وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ « مريم : 61 » وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً « الفرقان : 63 » فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا « الدخان : 23 » فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا « الكهف : 65 » .
وعَبْدٌ للدنيا وأعراضها : وهو المعتكف على خدمتها ومراعاتها ، وإياه قصد النبي عليه الصلاة والسلام بقوله : تعس عَبْدُ الدرهمِ ، تعس عَبْدُ الدينار .
وعلى هذا النحو يصح أن يقال : ليس كل إنسان عَبْد الله ، فإن العَبْدَ على هذا بمعنى العَابِدِ ، لكن العَبْدَ أبلغ من
--------------------------- 493 ---------------------------
العَابِدِ . والناس كلهم عِبَادُ الله ، بل الأشياء كلها كذلك ، لكن بعضها بالتسخير وبعضها بالاختيار .
وجمع العَبْدِ الذي هو مُسترَقٌّ : عَبِيدٌ ، وقيل : عِبِدَّى . وجمع العَبْدِ الذي هو العَابِدُ عِبَادٌ ، فالعَبِيدُ إذا أضيف إلى الله أعم من العِبَادِ . ولهذا قال : وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ « ق : 29 » فنبه [ على ] أنه لا يظلم من يختص بِعِبَادَتِهِ ، ومن انتسب إلى غيره من الذين تسموا بِعَبْدِ الشمس وعَبْدِ اللات ونحو ذلك .
ويقال : طريق مُعَبَّدٌ أي مذلل بالوطأ . وبعيرٌ مُعَبَّدٌ : مذلل بالقطران . وعَبَّدتُ فلاناً : إذا ذللته وإذا اتخذته عَبْداً . قال تعالى : أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ . « الشعراء : 22 » .
ملاحظات
قال الخليل « 2 / 48 » : « الإنسان ، حراً أو رقيقاً هو عبد الله ، ويجمع على عباد وعَبْدِين . والعبد المملوك ، وجمعه عَبِيد ، وثلاثة أعْبُد ، وهم العِباد أيضاً . إلا أن العامة اجتمعوا على تفرقة ما بين عباد الله ، والعبيد المملوكين . وأما عَبَدَ يَعْبُدُ عِبَادةً ، فلا يقال إلا لمن يعبد الله . وتعبد تعبداً ، أي تفرد بالعبادة » .
ولا بد أن يكون مراد الخليل الأغلب ، لقوله تعالى : وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ . وهم أعم من المملوكين .
وقال الخليل « 2 / 29 » : « وتُقرأ هذه الآية على سبعة أوجه : فالعامة تقرأ : وعَبَد الطاغوت ، أي عَبَد الطاغوت من دون الله . وعَبْد الطاغوت كما تقول : ضَرْبَ عبد الله . وعَبدَِ الطاغوت ، أي صار الطاغوت يعبد كما تقول : فقه الرجل وظَرُفَ . وعُبَّدُ الطاغوت ، معناه عباد الطاغوت جمع كما تقول : رُكعٌ وسُجَّد .
وعَبَدَ الطاغوت ، أرادوا : عبدة الطاغوت مثل فَجَرة وكَفَرة ، فطرح الهاء والمعنى في الهاء . وعابد الطاغوت كما تقول : ضارب الرجل . ويقال للمشركين : عَبَدَةَ الطاغوت والأوثان ، وللمسلمين : عِبَادٌ ، يعبدون الله » .
عَبَثَ
العَبَثُ : أن يَخْلُطَ بعمله لعباً ، من قولهم : عَبَثْتُ الأُقْطَ والعَبَثُ : طعامٌ مخلوط بشئ ، ومنه قيل العَوْبَثَانِيُّ لتمرٍ وسمن وسويق مختلط .
قال تعالى : أَتَبْنُونَ بِكل رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ « الشعراء : 128 » ويقال لما ليس له غرض صحيح : عَبَثٌ . قال : أَفَحَسِبْتُمْ إنما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً « المؤمنون : 115 » .
ملاحظات
وردت المادة في آيتين ، في قوله تعالى : أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ . « المؤمنون : 115 » . ومعناه خلقناكم بدون هدف ، لأن الأهداف غير الحساب والجزاء ليست أهدافاً مبررة لخلق الناس .
وفي قوله تعالى من خطاب هود عليه السلام لقومه : أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ . وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ . « الشعراء : 128 » . أي : تبنون في المناطق المهمة آيات معمارية لآلهتكم ، إسرافاً وتبذيراً بدون هدف معقول . فالعبث هو الفعل بدون هدف منطقي ، واستعير للعمل العشوائي غير المنظم ، حتى لو كان له هدف ، مثل خلط الأقط وهو اللبن المجفف يابسه برطبه .
والعبيثة : المخلوطة ، فهو يُستعار لكل خلط .
عَبَرَ
أصل العَبْرِ : تجاوزٌ من حال إلى حال ، فأما العُبُورُ فيختص بتجاوز الماء ، إما بسباحة أو في سفينة أو على بعير أو قنطرة . ومنه : عَبَرَ النهر : لجانبه حيث يَعْبُرُ إليه أو منه . واشتق منه : عَبَرَ العينُ للدمع ، والعَبْرَةُ كالدمعة .
وقيل : عَابِرُ سبيلٍ . قال تعالى : إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ « النساء : 43 » وناقةٌ عُبْرُ أسفارٍ . وعَبَرَ القومُ : إذا ماتوا ، كأنهم عَبَرُوا
--------------------------- 494 ---------------------------
قنطرةَ الدنيا .
وأما العِبَارَةُ : فهي مختصة بالكلام العَابِرِ الهواءِ من لسان المتكلم إلى سمع السامع .
وَالإعتبَارُ والعِبْرَةُ : الحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد . قال تعالى : إن فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً « آل عمران : 13 » فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ « الحشر : 2 » .
وَالتعْبِيرُ : مختصٌّ بِتَعْبِيرِ الرُّؤيا ، وهو العَابِرُ من ظاهرها إلى باطنها ، نحو : إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ « يوسف : 43 » وهو أخص من التأويل فإن التأويل يقال فيه وفي غيره .
والشِّعْرَى العَبُورُ : سميت بذلك لكونها عَابِرَة .
والعَبْرِيُّ : ما ينبت على عَبْرِ النهرِ .
وشط مُعْبَرٌ : تُرِكَ عليه العَبْرِيُّ .
ملاحظات
هذه المادة قديمة ، ويظهر أنها سريانية ، لأنه سُمِّيَ بها نبي الله إبراهيم عليه السلام ومن عَبَرَ معه الفرات إلى سورية ، فسماهم السوريون أو سموا أنفسهم العِبْرِيين .
لهذا لا يصح جعل أصلها تعبير الرؤيا ، ولا أخذ العبرة ، كما فعل بعض اللغويين .
وقد وردت في القرآن في العبور من المسجد : إِلاعَابِرِى سَبِيلٍ . وفي تعبير الرؤيا : إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ .
ووردت سبع مرات لأخذ العبرة من خيانة اليهود ورعبهم : يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ .
وفي غلبة القلة للكثرة : إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ .
وفي قصص الأنبياء عليهم السلام : لَقَدْ كَأن فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ . وفي نعمة الأنعام : وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً . وفي نظام الليل والنهار : يُقَلِّبُ الله اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ .
وفي إهلاك فرعون : إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى .
عَبَسَ
العُبُوسُ : قُطُوبُ الوجهِ من ضيق الصدر . قال تعالى : عَبَسَ وَتَوَلَّى « عبس : 1 » ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ « المدثر : 22 » ومنه قيل : يوم عَبُوسٌ . قال تعالى : يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً « الإنسان : 10 » . وباعتبار ذلك قيل العَبَسُ : لِمَا يَبِسَ على هُلْبِ الذَّنَبِ من البعر والبول . وعَبِسَ الوسخُ على وجهه .
ملاحظات
أجاد الخليل بقوله : « 1 / 343 » : « عَبَسَ يَعْبِسُ عُبوساً فهو عابس الوجه : غضبان . فإن أبدى عن أسنانه في عبوسه قلت : كَلَح . وإن اهتمَّ لذلك وفكر فيه قلت : بَسَرَ ، وهكذا قول الله عز وجل : عَبَسَ وبَسَرَ . وإن رأيته مع ذلك مغضباً قلت : بَسَلَ . وإن رأيته مع ذلك قد زوى بين عينيه قلت : قَطبَ » .
وقد وردت هذه المادة في ثلاث آيات :
في سورة عبس ، قال تعالى : عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى . ورووا أن العابس هو النبي صلى الله عليه وآله وروينا عن أهل البيت عليهم السلام أنه رجل من بني أمية كان جالساً عند النبي صلى الله عليه وآله فلما جاء الأعمى عبس وقام وتولى .
والآية الثانية : في الوليد ، والد خالد : ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ . ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ .
والثالثة : في مدح أهل الكساء عليهم السلام : إِنَّانَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا .
عَبْقَرَ
عَبْقَرٌ : قيل هو موضعٌ للجن ينسب إليه كل نادر من إنسان وحيوان وثوب ، ولهذا قيل في عمر : لم أر عَبْقَرِيّاً مثله ، قال تعالى : وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ « الرحمن : 76 » وهو ضرب من الفَرْش فيما قيل ، جعله الله مثلاً لفَرْش الجنة .
--------------------------- 495 ---------------------------
ملاحظات
قال ابن سلام « 1 / 87 » : « نسب إلى عبقر ، وهي أرض يسكنها الجن ، فصار مثلاً لكل منسوب إلى شئ رفيع » .
وقال ابن منظور « 4 / 534 » : « ضربٌ من البُسُط الواحدة عَبْقَرِيّة . وعَبْقَر قرية باليمن تُوَشَّى فيها الثياب والبسط ، فثيابها أَجود الثياب فصارت مثلاً لكل منسوب إِلى شئ رفيع ، فكلما بالغوا في نعت شئ مُتَناه نسبوه إِليه . وقيل : إِنما يُنْسَب إِلى عَبْقَر الذي هو موضع الجن . وقال أَبو عبيد : ما وجدنا أَحداً يدري أَين هذه البلاد ولا متى كانت » !
عَبَأ
ما عَبَأْتُ به أي لم أبال به ، وأصله من العَبْءِ أي الثقل ، كأنه قال : ما أرى له وزناً وقدراً . قال تعالى : قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِي « الفرقان : 77 » . وقيل أصله من عَبَأْتُ الطيبَ ، كأنه قيل : ما يبقيكم لولا دعاؤكم .
وقيل : عَبَأْتُ الجيشُ وعَبَّأْتُهُ : هيأته ، وعَبْأَةُ الجاهلية : ما هي مدخرة في أنفسهم من حميتهم المذكورة في قوله : فِي قُلُوبِهِمُ الْحَميةَ حَميةَ الْجاهِلِيَّةِ « الفتح : 26 » .
عَتِبَ
العَتَبُ : كل مكان نابٍ بنازله ، ومنه قيل للمرقاة ولأُسْكُفَّةِ البابِ : عَتَبَةٌ ، وكُنِّيَ بها عن المرأة فيما روي : إن إبراهيم قال لامرأة إسماعيل عليهما السلام : قولي لزوجك غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ .
واستعير العَتْبُ والمَعْتَبَةُ لغِلْظَةٍ يجدها الإنسان في نفسه على غيره ، وأصله من العَتبِ .
وبحسبه قيل : خَشُنْتُ بصدر فلان ، ووجدت في صدره غلظة ، ومنه قيل : حمل فلان على عَتَبَةٍ صعبةٍ ، أي حالة شاقة كقول الشاعر : وَحَمَلْنَاهُمُ عَلى صَعْبَةٍ زَوْ
رَاءَ يَعْلُونَهَا بِغَيْرِ وِطَاءِ
وقولهم أَعْتَبْتُ فلاناً ، أي أبرزت له الغلظة التي وُجِدَتْ له في الصدر . وأَعْتَبْتُ فلاناً : حملته على العَتْبِ . ويقال : أَعْتَبْتُهُ ، أي أزلت عَتْبَهُ عنه ، نحو : أشكيته . قال تعالى : فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ « فصلت : 24 » .
والإسْتِعْتَابُ : أن يطلب من الإنسان أن يذكر عَتْبَهُ لِيُعْتَبَ ، يقال : اسْتَعْتَبَ فلانٌ . قال تعالى : وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ « النحل : 84 » يقال : لك العُتْبَى ، وهو إزالة ما لأجله يُعْتَبُ ، وبينهم أُعْتُوبَةٌ ، أي ما يَتَعَاتَبُونَ به .
ويقال : عَتبَ عَتْباً : إذا مشى على رجل مشي المرتقي في درجة .
ملاحظات
يظهر أن الخليل جعل المادة أصلين « 2 / 75 » : عتبة الباب ، والمَوْجَدة . قال : « العتبة : أُسكُفَّة الباب وجعلها إبراهيم عليه السلام كناية عن امرأة إسماعيل إذ أمره بإبدال عتبته . وعتبات الدرجة وما يشبهها من عتبات الجبال وأشراف الأرض . وكل مرقاة من الدرج عتبة ، والجميع العَتَب . وعتيبة وعتابة من أسماء النساء ، وعُتبة وعَتاب ومَعتب من أسماء الرجال » .
وحاول ابن فارس وتبعه الراغب ، أن يُوَحِّدَ الأصلين فقال « 4 / 225 » : « أصل صحيح يرجع كله إلى الأمر فيه بعض الصعوبة ، من كلام أو غيره » .
وأي صعوبة عرفية في الدرجة والعَتَب !
عَتَدَ
العَتَادُ : ادخار الشئ قبل الحاجة إليه كالإعداد . والعَتِيدُ : المُعِدُّ والمُعَدُّ . قال تعالى : هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ « ق : 23 » رَقِيبٌ عَتِيدٌ « ق : 18 » أي مُعْتَدٌّ أعمالَ العباد . وقوله : أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً « النساء : 18 » قيل : هو أفْعَلْنَا من العَتَادِ ، وقيل أصله أعددنا ، فأبدل من إحدى الدالين تاء .
--------------------------- 496 ---------------------------
وفرس عَتِيدٌ وعَتِدٌ : حاضر العدو .
والعَتُودُ من أولاد المعز ، جمعه : أَعْتِدَةٌ وعِدَّانٌ على الإدغام .
ملاحظات
فسر الراغب العَتَاد بالإعداد ، وهو خطأ فقد فسره اللغويون بالعُدَّة « الصحاح : 2 / 505 » . وقال ابن منظور « 3 / 279 » : « العُدَّةُ ، والجمع أَعْتِدَةٌ وعُتُدٌ . الشئ الذي تُعِدُّه لأَمْرٍ ما » .
وقال الجوهري « 2 / 505 » : « عَتَّدَهُ تَعْتِيدَاً ، وأعتده إعتاداً ، أي أعده ليوم . ومنه قوله تعالى : وأعتدت لهن متكئاً . والعتاد : العدة ، يقال : أخذ للأمر عدته وعتاده ، أي أهبته » .
وكذا تفسيره عتيد بأنه مُعْتَدٌّ أعمالَ العباد . بل معناه : هذا قريني وعمله حاضران مُعَدَّان للجزاء .
وقد استعمل القرآن هذه المادة ست عشرة مرة : فكلمة عتيد مرتين صفةً للملك الرقيب وصفةً للمقرون . وفعلَ أعْتَدْنَا ثلاث عشرة مرة بمعنى أعددنا العذاب لمستحقيه ، ومرة للرزق الكريم في الآخرة .
وأعْتَدَتْ مرة ، في إعداد زليخا مجلساً للنسوة .
عَتَقَ
العَتِيقُ : المتقدم في الزمان أو المكان أو الرُّتبة ، ولذلك قيل للقديم : عَتِيقٌ ، وللكريم عَتِيقٌ ، ولمن خلا عن الرق : عَتِيقٌ . قال تعالى : وَلْيَطوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ « الحج : 29 » قيل : وصفه بذلك لأنه لم يزل مُعْتَقاً أن تسومه الجبابرة صَغَاراً .
والعَاتِقَانِ : ما بين المنكبين ، وذلك لكونه مرتفعاً عن سائر الجسد . والعَاتِقُ : الجارية التي عُتِقَتْ عن الزوج ، لأن المتزوجة مملوكة . وعَتَقَ الفرسُ : تقدم بسبقه . وعَتَقَ مني يمينٌ : تقدمت ، قال الشاعر :
عليَّ أَلِيَّةٌ عَتُقَتْ قديماً فليس لها وإن طُلِبَتْ مَرَامُ
عَتَلَ
العَتْلُ : الأخذ بمجامع الشئ وجره بقهر ، كَعَتْلِ البعيرِ . قال تعالى : فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ « الدخان : 47 » .
والعُتُلُّ : الأَكُولُ المَنُوع الذي يَعْتِلُ الشئ عَتْلًا .
قال : عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ . « القلم : 13 » .
ملاحظات
قال الخليل « 2 / 70 » : « العَتَلَةُ : حديدة كحدِّ فأس عريضة ، ليست بمتعقفة الرأس كالفأس . والعَتْل : أن تأخذ بتلبيب رجل فتعتله ، أي تجره إليك وتذهب به إلى حبس أو عذاب . وتقول : لا أنْعَتِل معك : أي لا أنقاد معك . وقال بعضهم : العتلة عصى من حديد ضخمة طويلة لها رأس مفلطح مثل قبيعة السيف مع البناة ، يهدمون بها الحيطان » .
وقد استعمل القرآن من هذه المادة : إعتلوه ، وعُتُلّ . وأصل عَتَلَ حمل عَتْلاً فهو عَتَّال ، وما يحمله عَتْلة ، وشُغله العِتَالة . والعَتَلة : تسمى المُخْل أيضاً . ولا علاقة لذلك بعَتْل البعير .
أما قوله تعالى في الوليد : عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ ، ففسره الخليل وابن منظور « 11 / 424 » بالأكول البخيل ، والجافي اللئيم الطبيعة السريع إلى الشر ، ولا علاقة له بالعَتْل كما تصور الراغب . والزنيم : الدعي المنسوب إلى غير أبيه .
عَتَوَ
العُتُوُّ : النَّبْوُ عن الطاعة ، يقال : عَتَا يَعْتُو عُتُوّاً وعِتِيّاً . قال تعالى : وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً « الفرقان : 21 » فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ « الذاريات : 44 » عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها « الطلاق : 8 » بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ « الملك : 21 » مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا « مريم : 8 » أي حالة لا سبيل إلى إصلاحها ومداواتها ، وقيل إلى رياضة ، وهي الحالة المشار إليها بقول الشاعر : ومن العَنَاءِ ريَاضَةُ الهَرَمِ
--------------------------- 497 ---------------------------
وقوله تعالى : أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا « مريم : 69 » قيل : العِتِيُّ هاهنا مصدرٌ ، وقيل هو جمعُ عَاتٍ . وقيل : العَاتِي : الجاسي .
عَثَرَ
عَثَرَ الرجل يَعْثُرُ عِثَاراً وعُثُوراً : إذا سقط ، ويتجوز به فيمن يطلع على أمر من غير طلبه . قال تعالى : فَإِنْ عُثِرَ عَلى أنهُمَا اسْتَحقا إِثْماً « المائدة : 107 » يقال : عَثَرْتُ على كذا .
قال : وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ « الكهف : 21 » أي وقفناهم عليهم من غير أن طلبوا .
ملاحظات
عَثَرَ : سقط على الأرض أو زلَّ . وعثر عليه : وجده ، وجعلهما الراغب أصلاً واحداً وجعل العثور عليه مشتقاً من العثار ، مع أنه لا علاقة بينهما وكل منهما أصل مستقل ، كما نص عليه ابن فارس « 4 / 228 » .
كما فسر الراغب : أعثرنا عليهم ، بوقفناهم عليهم ، والصحيح أوقفناهم عليهم .
عَثَى
العَيْثُ والعِثِيُّ يتقاربان ، نحو : جَذَبَ وجَبَذَ ، إلّا أن العَيْثَ أكثر ما يقال في الفساد الذي يدرك حساً ، والعِثِيَّ فيما يدرك حكماً . يقال : عَثِيَ يَعْثَى عِثِيّاً .
وعلى هذا : وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ « البقرة : 60 » وعَثَا يَعْثُو عُثُوّاً . والأَعْثَى : لونٌ إلى السواد . وقيل للأحمق الثقيل : أَعْثَى .
ملاحظات
قال الخليل « 2 / 232 » : « عاث يعيث عيثاً .
أي أسرع في الفساد . تقول : إنك لأعْيَثُ في المال من السوس في الصيف » .
لكن لا يبعد أن يكون عَثَيَ وعَثَوَ وعَيَثَ واحداً لوحدة استعمالهما ، وقَلْبُ الحروف كثيرٌ في العربية .
ولا يبعد أن يكون أصل معناها الحركة بحمق وفوضى ، ولا تدل على فساد إلا بقرينة .
ويدل عليه أن الإفساد ورد في القرآن حالةً للعثو : وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ . ومعناه أنهما قد يفترقان ، فهما اثنان ، عَثْوٌ بدون فساد ، وفساد بدون عَثْو .
قال الحربي « 2 / 731 » : « رجل أعثى وامرأة عثواء ، وقد عثى شعره عثواً . الكثير الشعر المنتفش » .
عَجَبَ
العَجَبُ والتعَجُّبُ : حالةٌ تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشئ ، ولهذا قال بعض الحكماء : العَجَبُ ما لا يُعرف سببه ، ولهذا قيل : لا يصح على الله التعَجُّبُ ، إذ هو علام الغيوب لا تخفى عليه خافية .
يقال : عَجِبْتُ عَجَباً ، ويقال للشئ الذي يُتَعَجَّبُ منه : عَجَبٌ ولما لم يعهد مثله عَجِيبٌ .
قال تعالى : أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا « يونس : 2 » تنبيهاً [ على ] أنهم قد عهدوا مثل ذلك قبله . وقوله : بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ « ق : 2 » وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ « الرعد : 5 » كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً « الكهف : 9 » أي ليس ذلك في نهاية العَجَبِ بل في أمورنا أعظم وأَعْجَبُ منه . قُرْآناً عَجَباً « الجن : 1 » أي لم يعهد مثله ، ولم يعرف سببه .
ويستعار مرةً للمونق فيقال : أَعْجَبَنِي كذا ، أي راقني . قال تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ « البقرة : 204 » وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ « التوبة : 85 » وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ « التوبة : 25 » أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ « الحديد : 20 » .
وقال : بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ « الصافات : 12 » أي عَجِبْتَ من إنكارهم للبعث لشدة تحققك معرفته ، ويسخرون لجهلهم . وقيل : عَجِبْتَ من إنكارهم الوحيَ .
وقرأ بعضهم : بَلْ عَجِبْتُ بضمِّ التاء ، وليس ذلك إضافة
--------------------------- 498 ---------------------------
المُتَعَجِّبِ إلى نفسه في الحقيقة بل معناه : أنه مما يقال عنده : عَجِبْتُ ، أو يكون عَجِبْتُ مستعاراً بمعنى أنكرتُ ، نحو : أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله « هود : 73 » إن هذا لَشَئ عُجابٌ « ص : 5 » .
ويقال لمن يروقه نفسه : فلانٌ مُعْجَبٌ بنفسه .
والعُجْبُ من كل دابة : ما ضَمرَ وَرِكُهُ .
ملاحظات
1 . لا يصح تعريف الراغب للتعجب بأنه : « حالةٌ تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشئ » لأن بعض التعجب لا جهالة فيه .
ثم قال الراغب : ويستعار مرةً للمونق فيقال : أَعْجَبَنِي كذا ، أي راقني . فجعل الإعجاب في مثل قوله تعالى : فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ، مستعاراً من التعجب ! ولا تصح الاستعارة ، لأن فعل هذا : أعْجَبَ وليس تَعَجَّبَ .
2 . ميَّز الخليل بين الأمر العجيب والعجاب ، قال « 1 / 235 » : « أما العجيب فالعَجَب ، وأما العُجَاب فالذي جاوز حد العَجَب ، مثل الطويل والطوال . وهو مستعجِب ومُتَعَجِّب مما يرى . وشئ مُعْجِبٌ أي حسن . وفلان مُعْجَبٌ بنفسه إذا دخله العُجْب » .
3 . ورد التعجب في القرآن بضعاً وعشرين مرة ، ومعناه معروف . وله معنى عند النحاة كقوله تعالى : وما أدراك !
عَجِزَ
عَجُزُ الإنسانِ : مُؤَخَّرُهُ ، وبه شُبِّهَ مُؤَخَّرُ غيرِهِ . قال تعالى : كَأنهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ « القمر : 20 »
والعَجْزُ : أصلُهُ التأَخُّرُ عن الشئ ، وحصوله عند عَجُزِ الأمرِ ، أي مؤخره ، كما ذكر في الدبر . وصار في التعارف إسماً للقصور عن فعل الشئ ، وهو ضد القدرة .
قال تعالى : أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ « المائدة : 31 » وأَعْجَزْتُ فلاناً وعَجَّزْتُهُ وعَاجَزْتُهُ : جعلته عَاجِزاً . قال : وَاعْلَمُوا أنكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله « التوبة : 2 » وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ « الشورى : 31 » وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ « الحج : 51 »
وقرئ : معجزين ، فَمُعَاجِزِينَ قيل : معناه ظانين ومقدِّرين أنهم يُعْجِزُونَنَا ، لأنهم حسبوا أن لا بعث ولا نشور فيكون ثوابٌ وعقاب ، وهذا في المعنى كقوله : أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا « العنكبوت : 4 » .
ومُعَجِّزِينَ : يَنسُبُون إلى العَجْزِ : مَن تَبَعِ النبيَّ وذلك نحو : جَهَّلْتُهُ وفسقته أي نسبته إلى ذلك .
وقيل معناه مثبِّطين أي يثبِّطون الناس عن النبي كقوله : الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله « الأعراف : 45 » .
وَالعَجُوزُ : سميت لِعَجْزِهَا في كثير من الأمور .
قال تعالى : إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ « الصافات : 135 » وقال : أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ « هود : 72 » .
ملاحظات
جعل ابن فارس العجز أصلين ، وهو الصحيح ، قال « 4 / 232 » : « أصلان صحيحان ، يدل أحدهما على الضعف ، والآخر على مؤخر الشئ . فالأول : عجز عن الشئ يعجز عجزاً فهو عاجز ، أي ضعيف ، وقولهم : إن العجز نقيض الحزم فمن هذا ، لأنه يضعف رأيه . ويقال : أعجزني فلان ، إذا عجزت عن طلبه وإدراكه . ولن يعجز الله تعالى شئ ، أي لا يعجز الله تعالى عنه متى شاء . وفي القرآن : لَّن نُّعْجِزَ الله فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا . وقال تعالى : وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ . ويقولون : عَجَزَ ، بفتح الجيم » .
عَجَفَ
قال تعالى : سَبْعٌ عِجافٌ « يوسف : 43 » جمعُ أَعْجَفَ ، وعَجْفَاءَ ، أي الدقيق من الهُزال ، من قولهم : نصلٌ أَعْجَفُ : دقيق ، وأَعْجَفَ الرجل : صارت مواشيه عِجَافاً ، وعَجَفَتْ
--------------------------- 499 ---------------------------
نفسي عن الطعام ، وعن فلان ، أي نَبَتْ عنهما .
عَجَلَ
العَجَلَةُ : طلب الشئ وتحريه قبل أوانه ، وهو من مقتضى الشهوة ، فلذلك صارت مذمومة في عامة القرآن حتى قيل : العَجَلَةُ من الشيطان .
قال تعالى : سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ « الأنبياء : 37 » وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ « طه : 114 » وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ « طه : 83 » وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ « طه : 84 » فذكر أن عَجَلَتَهُ وإن كانت مذمومة فالذي دعا إليها أمر محمود وهو طلب رضا الله تعالى .
قال تعالى : أَتى أَمْرُ الله فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ « النحل : 1 » وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ « الرعد : 6 » لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ « النمل : 46 » وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ « الحج : 47 » وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ « يونس : 11 » .
خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ « الأنبياء : 37 » قال بعضهم : من حمأ ، وليس بشئ ، بل تنبيهٌ على أنه لا يتعرى من ذلك ، وأن ذلك أحد الأخلاق التي ركب عليها . وعلى ذلك قال : وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا « الإسراء : 11 » وقوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ « الإسراء : 18 » أي الأعراض الدنيوية ، وهبنا ما نشاء لمن نريد أن نعطيه ذلك . عَجِّلْ لَنا قِطنا « ص : 16 » فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ « الفتح : 20 » .
والعُجَالَةُ : ما يُعَجَّلُ أكله كاللُّهْنَةِ ، وقد عَجَّلْتُهُمْ ولهَنْتُهم .
والعِجْلَةُ : الإداوةُ الصغيرةُ التي يُعَجَّلُ بها عند الحَاجة . والعَجَلَةُ : خشبة معترضة على نعامة البئر ، وما يحمل على الثيران وذلك لسرعة مَرِّها .
وَالعِجْلُ : ولد البقرة لتصور عَجَلَتِهَا التي تعدم منه إذا صار ثوراً . قال : عِجْلًا جَسَداً « الأعراف : 148 » وبقرةٌ مُعْجِلٌ : لها عِجْلٌ .
ملاحظات
لا ينحصر سبب العَجَلة بالشهوة ، فقد يكون الغضب ، أو التسرع في الفعل أو رد الفعل . فهي من طبع الإنسان ، وقد خُلِقَ عَجُولاً ، كما قال الله تعالى .
عَجَمَ
العُجْمَةُ : خلافُ الإبانة ، والإعجَامُ : الإبهام ، واسْتَعْجَمْتُ الدَّارَ : إذا بان أهلها ولم يبق فيها عريب ، أي من يبين جواباً ، ولذلك قال بعض العرب : خرجت عن بلاد تنطق ، كناية عن عمارتها وكون السكان فيها .
والعَجَمُ : خلاف العَرَبِ ، والعَجَمي منسوبٌ إليهم . والأعجَمُ : مَن في لسانه عُجْمَةٌ ، عربيّاً كان أو غير عربي ، اعتباراً بقلّة فهمهم عن العجم . ومنه قيل للبهيمة : عَجْمَاءُ . والأعجَمي منسوبٌ إليه . قال : وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الأعجَمِينَ « الشعراء : 198 » على حذف الياءات . قال تعالى : وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمياً لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمي وَعَرَبِي « فصلت : 44 » يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمي « النحل : 103 » وسمّيت البهيمة عَجْمَاءَ من حيث إنها لا تبين عن نفسها بالعبارة إبانة الناطق . وقيل : صلاة النهار عَجْمَاءُ ، أي لا يجهر فيها بالقراءة ، وجُرْحُ العَجْمَاءِ جُبَارٌ .
وأَعْجَمْتُ الكلامَ : ضد أَعْرَبْتُ . وأَعْجَمْتُ الكتابةَ : أزلت عُجْمَتَهَا ، نحو : أشكيته : إذا أزلت شكايته .
وحروف المُعْجَمُ : روي عن الخليل أنها هي الحروف المقطعة لأنها أَعْجَميةٌ . قال بعضهم : معنى قوله أَعْجَميةٌ : أن الحروف المتجردة لا تدل على ما تدل عليه الحروف الموصولة .
وبابٌ مُعْجَمٌ : مُبْهَمٌ . والعَجَمُ : النوى ، الواحدة عَجَمَةٌ ، إما لاستتارها في ثَنْيِ ما فيه ، وإما بما أخفي من أجزائه بضغط المضغ ، أو لأنه أدخل في الفم في حال ما عض عليه فأخفي . والعَجْمُ : العَضُّ عليه ، وفلانٌ صَلْبُ المَعْجَمِ ،
--------------------------- 500 ---------------------------
أي شديدٌ عند المختبر .
ملاحظات
قال الخليل « 1 / 237 » : « الأعجم : الذي لا يفصح . والعجماء : كل صلاة لا يقرأ فيها . والأعجم : كل كلام ليس عربيةً ، إذا لم ترد بها النسبة .
وقال ابن فارس « 4 / 239 » : « عجم : ثلاثة أصول : ، أحدها : يدل على سكوت وصمت . والآخر : على صلابة وشدة . والآخر : على عضٍّ ومَذَاقةٍ . فالأول : الرجل الذي لايفصح هو أعجم . ويقال للصبي ما دام لا يتكلم ولا يفصح صبي أعجم . وأظن أن الخليل أراد بالأعجمية أنها ما دامت مقطعة غير مؤلفة تأليف الكلام المفهوم فهي أعجمية ، لأنها لا تدل على شئ ، فإن كان هذا أراد فله وجه ، وإلا فما أدري أي شئ أراد بالأعجمية .
والذي عندنا في ذلك أنه أريد بحروف المعجم حروف الخط المعجم ، وهو الخط العربي لأنا لا نعلم خطاً من الخطوط يعجم هذا الإعجام حتى يدل على المعاني الكثيرة » .
وقد ورد استعمال هذه المادة في القرآن في ثلاث آيات ، ذكرها الراغب .
عَدَّ
العَدَدُ : آحاد مركبة ، وقيل : تركيب الآحاد ، وهما واحد . قال تعالى : عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ « يونس : 5 » وقوله تعالى : فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً « الكهف : 11 » فَذِكْرُهُ للعَدَدِ تنبيهٌ على كثرتها .
والعَدُّ : ضمُّ الأعدَادِ بعضها إلى بعض . قال تعالى : لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا « مريم : 94 » فَسْئَلِ الْعادِّينَ « المؤمنون : 113 » أي أصحاب العَدَدِ والحساب . وقال تعالى : كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ « المؤمنون : 112 » وَإن يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ « الحج : 47 »
ويُتجوز بِالعَدِّ على أوجه يقال : شئ مَعْدُودٌ ومحصور ، للقليل مقابلة لما لا يحصى كثرة ، نحو المشار إليه بقوله : بِغَيْرِ حِسابٍ « البقرة : 212 » وعلى ذلك : إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً « البقرة : 80 » أي قليلة ، لأنهم قالوا : نعذب الأيامَ التي فيها عبدنا العجل .
ويقال على الضد من ذلك نحو : جيشٌ عَدِيدٌ : كثيرٌ ، وإنهم لذو عَدَدٍ ، أي هم بحيث يجب أن يُعَدُّوا كثرةً ، فيقال في القليل : هو شئ غير مَعْدُودٍ ، وقوله : فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً « الكهف : 11 » يحتمل الأمرين .
ومنه قولهم : هذا غير مُعْتَدٍّ به ، وله عُدَّةٌ ، أي شئ كثير يُعَدُّ من مال وسلاح وغيرهما . قال : لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً « التوبة : 46 » وماءٌ عِدٌّ .
وَالعِدَّةُ : هي الشئ المَعْدُودُ . قال تعالى : وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ « المدثر : 31 » أي عَدَدَهُمْ . وقوله : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ « البقرة : 184 » أي عليه أيام بِعَدَدِ ما فاته من زمان آخر غير زمان شهر رمضان . إن عِدَّةَ الشُّهُورِ « التوبة : 36 » .
والعِدَّةُ : عِدَّةُ المرأةِ ، وهي الأيام التي بانقضائها يحل لها التزوج . قال تعالى : فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها « الأحزاب : 49 » فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ « الطلاق : 1 »
والإعدادُ : مِنَ العَدِّ كالإسقاء من السَّقْيِ ، فإذا قيل أَعْدَدْتُ هذا لك ، أي جعلته بحيث تَعُدُّهُ وتتناوله بحسب حاجتك إليه . قال تعالى : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ « الأنفال : 60 » . وقوله : أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً « النساء : 18 » وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ « الفرقان : 11 » وقوله : وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً « يوسف : 31 » قيل : هو منه .
وقوله : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ « البقرة : 184 » أي عدد ما قد فاته . وقوله : وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ « البقرة : 185 » أي عِدَّةَ الشّهر . وقوله :
--------------------------- 501 ---------------------------
أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ « البقرة : 184 » فإشارة إلى شهر رمضان .
وقوله : وَاذْكُرُوا الله فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ « البقرة : 203 » فهي ثلاثة أيام بعد النحر ، والمعلومات عشر ذي الحجة . وعند بعض الفقهاء : المَعْدُودَاتُ يومُ النحر ويومان بعده . فعلى هذا يوم النحر يكون من المَعْدُودَاتِ والمعلومات .
والعِدَادُ : الوقت الذي يُعَدُّ لمعاودة الوجع ، وقال عليه الصلاة والسلام : ما زالت أكلة خيبر تُعَادُّنِي .
وعِدَّانُ الشئ : عهده وزمانه .
ملاحظات
أجاد في تدوين المادة وإن كرر آية : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ . ولم ينبه على أن اعتدنا ليست من أعددنا .
عَدَس
العَدَسُ : الحبُّ المعروف . قال تعالى : وَعَدَسِها وَبَصَلِها « البقرة : 61 » . والعَدَسَةُ : بَثْرَةٌ على هيئته . وعَدَسْ : زجرٌ للبغل ونحوه ، ومنه : عَدَسَ في الأرض وهي عَدُوسٌ .
عَدَلَ
العَدَالَةُ والمُعَادَلَةُ : لفظٌ يقتضي معنى المساواة ويستعمل باعتبار المضايفة . والعَدْلُ والعِدْلُ يتقاربان ، لكن العَدْلُ يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام ، وعلى ذلك قوله : أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً « المائدة : 95 » . والعِدْلُ والعَدِيلُ : فيما يدرك بالحاسة كالموزونات والمعدودات والمكيلات ، فالعَدْلُ هو التقسيط على سواء .
وعلى هذا روي : بالعَدْلِ قامت السماوات والأرض ، تنبيهاً [ على ] أنه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائداً على الآخر أو ناقصاً عنه على مقتضى الحكمة ، لم يكن العالم منتظماً .
والعَدْلُ ضربان ، مطلقٌ : يقتضي العقل حسنه ولا يكون في شئ من الأزمنة منسوخاً ، ولا يوصف بالاعتداء بوجه ، نحو : الإحسان إلى من أحسن إليك ، وكفُّ الأذيَّة عمن كف أذاه عنك .
وعَدْلٌ يُعرَف كونه عَدْلًا بالشرع ، ويمكن أن يكون منسوخاً في بعض الأزمنة ، كالقصاص وأروش الجنايات ، وأصل مال المرتد . ولذلك قال : فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ « البقرة : 194 » وقال : وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها « الشورى : 40 » فسمي اعتداء وسيئة ، وهذا النحو هو المعني بقوله : إن الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ « النحل : 90 » فإن العَدْلَ هو المساواة في المكافأة إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، والإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه والشر بأقل منه .
ورجلٌ عَدْلٌ عَادِلٌ ورجالٌ عَدْلٌ ، يقال في الواحد والجمع ، قال الشاعر : فهُمُ رضاً وهُمُ عَدْلُ
وأصله مصدر كقوله : وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ « الطلاق : 2 » أي عَدَالَةٍ . قال تعالى : وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ « الشورى : 15 » وقوله : وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ « النساء : 129 » فإشارة إلى ما عليه جبلة الناس من الميل ، فالإنسان لا يقدر على أن يسوي بينهن في المحبة .
وقوله : فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً « النساء : 3 » فإشارة إلى العَدْلِ الذي هو القسم والنفقة . وقال : لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا « المائدة : 8 » وقوله : أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً « المائدة : 95 » أي ما يُعَادِلُ من الصيام الطعام ، فيقال للغذاء : عَدْلٌ إذا اعتبر فيه معنى المساواة . وقولهم : لا يقبل منه صرف ولا عَدْلٌ ، فالعَدْلُ قيل : هو كناية عن الفريضة ، وحقيقته ما تقدم . والصَّرْف : النافلة وهو الزيادة على ذلك ، فهما كالعَدْلِ والإحسان . ومعنى أنه لا يقبل منه أنه لا يكون له خير يقبل منه .
وقوله : بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ « الأنعام : 1 » أي يجعلون له عَدِيلًا فصار كقوله : هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ « النحل : 100 » وقيل : يَعْدِلُونَ
--------------------------- 502 ---------------------------
بأفعاله عنه وينسبونها إلى غيره ، وقيل : يَعْدِلُونَ بعبادتهم عنه تعالى . وقوله : بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ « النمل : 60 » يصح أن يكون من قولهم : عَدَلَ عن الحق : إذا جار عُدُولًا .
وأيام مُعْتَدِلَاتٌ : طيبات لِاعْتِدَالِهَا . وعَادَلَ بين الأمرين : إذا نظر أيّهما أرجح ، وعَادَلَ الأمرَ : ارتبك فيه فلا يميل برأيه إلى أحد طرفيه .
وقولهم : وُضع على يدي عَدْلٍ ، فمثلٌ مشهور .
عَدَنَ
قال تعالى : جَنَّاتِ عَدْنٍ « النحل : 31 » أي استقرار وثبات ، وعَدَنَ بمكان كذا : استقر ، ومنه المَعْدِنُ : لمستقر الجواهر ، وقال عليه الصلاة والسلام : المَعْدِنُ جُبَارٌ .
ملاحظات
قال اللغويون : عَدَنَ في المكان : أقامَ فيه ، وقالوا معنى جنات عَدْنٍ : جنات الإقامة . كما جعلوا المعدن مشتقاً من عَدَنَ . لكن ذلك مجرد احتمال ، فقد ذكر الخليل أن عدن في المكان بمعنى أقام ، خاصٌّ بالإبل ! قال « 2 / 42 » : « والعدن : إقامة الإبل على الحمض خاصة . عدنت الإبل تعدن عدوناً » .
أما جنة عدن ، فقد وردت فيها روايات مستفيضة ، وأنها تقع في وسط الجنة ، وأنها منزل النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل بيته عليهم السلام . والمرجح أن يكون اسمها منقولاً من السريانية أو لغات الأنبياء عليهم السلام ، فقد ورد ذكرها في التوراة .
قال في قاموس الكتاب المقدس / 613 : « عَدَن : اسم عبري معناه بَهْجَة ، حيث غرس الله في الأرض شجراً شهياً للنظر وجيداً للأكل ، وعمل حديقة سميت بجنة عدن ، من أجل آدم ليسكن فيها قبل الخطيئة . وكان يسقيها نهر يشق مجراه لنفسه في عدن ، ويتفرع إلى أربعة رؤوس : فيشون وجيحون وحداقل والفرات « تك ص 2 » . أما موقع جنة عدن فلا يزال غير مجمع عليه حالياً كما قال غالبية الجغرافيين واللاهوتيين . وبعض منهم يعتبرون أرمينيا أنها عدن ، لأن الفرات والدجلة ينبعان في أرمينيا . كما أن سهل بابل كان معروفاً منذ القدم باسم عدنو ، وموقع الحويلة هو جزء من جزيرة العرب الذي يجاور العراق إلى الجنوب الغربي منه .
وقد ذكرت جنة عدن في الكتاب بعد سفر التكوين في : اش 51 : 3 وحز 28 : 13 و 31 » .
وبهذا يظهر أن اسم جنة عدن قديم ، معناه البهجة أو الإقامة والخلود ، وقد تكون سميت به منطقة سهل بابل ، وعدن اليمن .
عَدَا
العَدْوُ : التجاوز ومنافاة الإلتئام ، فتارةً يعتبر بالقلب فيقال له : العَدَاوَةُ والمُعَادَاةُ ، وتارة بالمشي فيقال له : العَدْوُ ، وتارة في الإخلال بالعدالة في المعاملة فيقال له : العُدْوَانُ والعَدْوُ . قال تعالى : فَيَسُبُّوا الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ « الأنعام : 108 » وتارة بأجزاء المقَرّ ، فيقال له : العَدْوَاءُ . يقال : مكان ذو عَدْوَاءَ ، أي غير متلائم الأجزاء .
فمن المُعَادَاةِ يقال : رجلٌ عَدُوٌّ ، وقومٌ عَدُوٌّ . قال تعالى : بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ « طه : 123 » وقد يجمع على عِدًى وأَعْدَاءٍ قال تعالى : وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ الله « فصلت : 19 » . والعَدُوُّ ضربان ، أحدهما : بقصدٍ من المُعَادِي نحو : فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ « النساء : 92 » جَعَلْنا لِكل نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ « الفرقان : 31 » وفي أخرى : عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ « الأنعام : 112 » .
والثاني : لابقصده ، بل تعرض له حالة يتأذى بها كما يتأذى مما يكون من العِدَى ، نحو قوله : فَإنهُمْ عَدُوٌّ لِي
--------------------------- 503 ---------------------------
إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ « الشعراء : 77 » وقوله في الأولاد : عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ « التغابن : 14 » .
ومن العَدْوِ يقال : فَعَادَى عِدَاءً بين ثورٍ ونعجةٍ ، أي أَعْدَى أحدهما إثر الآخر ، وتَعَادَتِ المواشي بعضها في إثر بعض ، ورأيت عِدَاءَ القوم الذين يَعْدُونَ من الرَّجَّالَةِ .
والإعتِدَاءُ : مجاوزة الحق . قال تعالى : وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا « البقرة : 231 » وقال : وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ « النساء : 14 » اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ « البقرة : 65 » فذلك بأخذهم الحيتان على جهة الاستحلال . قال : تِلْكَ حُدُودُ الله فَلا تَعْتَدُوها « البقرة : 229 » وقال : فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ « المؤمنون : 7 » فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ « البقرة : 178 » بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ « الشعراء : 166 » أي مُعْتَدُونَ ، أو مُعَادُونَ ، أو متجاوزون الطوْر ، من قولهم : عَدَا طوره .
وَلا تَعْتَدُوا إن الله لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ « البقرة : 190 » . فهذا هو الإعتِدَاءُ على سبيل الابتداء لا على سبيل المجازاة ، لأنه قال : فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ « البقرة : 194 » أي قابلوه بحسب اعْتِدَائِهِ وتجاوزوا إليه بحسب تجاوزه .
ومن العُدْوَانِ المحظور ابتداءً قوله : وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ « المائدة : 2 » .
ومن العُدْوَانِ الذي هو على سبيل المجازاة ، ويصح أن يتعاطى مع من ابتدأ قوله : فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ « البقرة : 193 » وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً « النساء : 30 » وقوله تعالى : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ « البقرة : 173 » أي غير باغ لتناول لذة ، وَلا عادٍ أي متجاوز سَدَّ الجَوْعَة . وقيل : غير باغ على الإمام ، ولا عَادٍ في المعصية طريقَ المخبتين .
وقد عَدَا طورَهُ : تجاوزه وتَعَدَّى إلى غيره .
ومنه : التعَدِّي في الفعل . وتَعْدِيَةُ الفعلِ في النحو هو تجاوز معنى الفعل من الفاعل إلى المفعول .
وما عَدَا كذا : يستعمل في الاستثناء ، وقوله : إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى « الأنفال : 42 » أي الجانب المتجاوز للقرب .
ملاحظات
اتفق اللغويون على أن عدا بمعنى ركض وبمعنى اعتدى أصلٌ واحد ، معناهُ تجاوزُ الحد في فعله . وهو ظنٌّ منهم لكنه أقرب الاحتمالات .
قال الخليل « 2 / 213 » : « عدا يعدو عَدْواً وعَدُوَّاً ، مثقلة . وهو التعدي في الأمر وتجاوزٌ ما ينبغي له أن يقتصر عليه ، ويقرأ : فيسبوا الله عَدُواً ، على فعول في زنة قعود . وما رأيت أحداً ما عدا زيداً ، أي ما جاوز زيداً ، فإن حذفت ما خفضته على معنى سوى تقول : ما رأيت أحداً عدا زيدٍ .
وعدا طوره وعدا قدره ، أي جاوز ما ليس له . والعُدْوان والاعتداء والعِدَاء والعَدْوى والتعدي : الظلم البُراح .
والعَدْوي : ما يقال إنه يُعدي من جَرَبٍ أو داء وفي الحديث : لا عدوى ولا هامَةَ ولا صَفَرَ ولا غَوَلَ ولا طَيَرَة ، أي لا يُعدي شئٌ شيئاً . وتقول : كُفَّ عني يا فلان عَادِيَتَك ، وَعَادِيَة شرَِّك . والعَادِيَة : الخيل المغيرة .
والعَدُوُّ : اسم جامع للواحد والجميع والتثنية والتأنيث والتذكير ، تقول : هو لك عدوٌّ ، وهي وهما وهم وهن لك عدو . فإذا جعلته نعتاً قلت : الرجلان عدواك ، والرجال أعداؤك .
ثم قال الراغب : والعَدُوُّ ضربان ، أحدهما : بقصدٍ من المُعَادِي . والثاني : لابقصده بل تعرض له حالة يتأذى بها .
وقصده بذلك أن فعل العداوة قد يكون من الإنسان
--------------------------- 504 ---------------------------
ابتداء ، أو يكون نتيجة وضع . وهذا التقسيم في نفسه قد يصح ، لكن كلمة عدو تدل على حالة العداوة فقط ، وقد تشير بعض صيغها إلى أسبابها ومناشئها .
عَذَبَ
ماءٌ عَذْبٌ طيب بارد . قال تعالى : هذا عَذْبٌ فُراتٌ « الفرقان : 53 » وأَعْذَبَ القومُ : صار لهم ماءٌ عَذْبٌ .
والعَذَابُ : هو الإيجاع الشديد ، وقد عَذَّبَهُ تَعْذِيباً : أكثر حبسه في العَذَابِ . قال : لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً « النمل : 21 » وَما كانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ « الأنفال : 33 » أي ما كان يُعَذِّبُهُمْ عَذَابَ الإستئصالِ ، وقوله : وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ الله « الأنفال : 34 » لا يُعَذِّبُهُمْ بالسّيف . وقال : وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ « الإسراء : 15 » وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ « الشعراء : 138 » وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ « الصافات : 9 » وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ « البقرة : 10 » وَإن عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ « الحجر : 50 » .
واختلف في أصله فقال بعضهم : هو من قولهم : عَذَبَ الرجلُ : إذا ترك المأكل والنوم ، فهو عَاذِبٌ وعَذُوبٌ . فَالتعْذِيبُ في الأصل هو حمل الإنسان أن يُعَذَّبَ أي يجوع ويسهر . وقيل : أصله من العَذْبِ ، فَعَذَّبْتُهُ أي أزلت عَذْبَ حياته ، على بناء مرضته وقذيته .
وقيل : أصل التعْذِيبِ إكثارُ الضرب بِعَذَبَةِ السوطِ ، أي طرفها ، وقد قال بعض أهل اللغة : التعْذِيبُ هو الضَّربُ .
وقيل : هو من قولهم : ماءٌ عَذَبٌ إذا كان فيه قذى وكدر ، فيكون عَذَّبْتُهُ كقولك : كدرت عيشه وزلقت حياته . وعَذَبَةُ السّوطِ واللسانِ والشجرِ : أطرافُها .
ملاحظات
1 . حاولوا إرجاع التعذيب إلى عذوبة الماء أو عذبة السوط ، وما شابه ، وهو رأيٌ ضعيف . وقد اعترف ابن فارس « 4 / 259 » بأن توحيد فروع المادة غير ممكن ، قال : « عذب : أصل صحيح ، لكن كلماته لا تكاد تنقاس ولا يمكن جمعها إلى شئ واحد . وهذا يدل على أن اللغة كلها ليست قياساً ، لكن جلها ومعظمها . فمن الباب : عَذُبَ الماء يَعْذُبُ عُذُوبَةً ، فهو عَذْبٌ طيب ، وأعذب القوم إذا عذب ماؤهم واستعذبوا إذا استقوا وشربوا عذباً .
وباب آخر ، لا يشبه الذي قبله يقال عذب الحمار يعذب عذباً وعذوباً فهو عاذب وعذوب ، لا يأكل من شدة العطش ! ويقال أعذب عن الشئ إذا لهى عنه وتركه . وفي الحديث : أعذبوا عن ذكر النساء .
وباب آخرُ ، لا يشبه الذي قبله : العَذُوب الذي ليس بينه وبين السماء ستر ، وكذلك العاذب .
وباب آخر ، لا يشبه الذي قبله : العذاب يقال منه عَذَّبَ تعذيباً وناس يقولون أصل العذاب الضرب .
وباب آخر ، لا يشبه الذي قبله يقال لطرف السوط : عَذْبَة والجمع عُذَب » .
وهذا اعتراف من إمامٍ في اللغة ، بأن أغلب كلام اللغويين في الإشتقاق ظنون فلا نبني إلا على ما تيقنا منه .
2 . استعمل القرآن هذه المادة بشكل واسع ، لأنها من قواعد قانون الثواب والعقاب ، فقد ورد لفظ العذاب أكثر من 300 مرة ، وَوَصَفَ العذاب بصفات تدل على تفاوت درجاته تفاوتاً كبيراً ، كما أن مستحقيه متفاوتون أيضاً ، فمنهم المعاندون المتكبرون المخلدون في العذاب ، ومنهم من يضرب أسواطاً قليلة .
عَذَرَ
العُذْرُ : تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه . ويقال : عُذْرٌ وعُذُرٌ ، وذلك على ثلاثة أضرب : إما أن يقول لم أفعل ، أو
--------------------------- 505 ---------------------------
يقول فعلت لأجل كذا فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنباً ، أو يقول : فعلتُ ولا أعودُ ، ونحو ذلك من المقال . وهذا الثالث هو التوبة ، فكل توبة عُذْرٌ ، وليس كل عُذْرٍ توبةً .
واعْتذَرْتُ إليه : أتيت بِعُذْرٍ . وعَذَرْتُهُ : قَبِلْتُ عُذْرَهُ .
قال تعالى : يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا « التوبة : 94 » .
والمُعَذِّرُ : من يرى أن له عُذْراً ولا عُذْرَ له . قال تعالى : وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ « التوبة : 90 » وقرئ : المُعْذِرُونَ ، أي الذين يأتون بالعُذْرِ . قال ابن عباس : لعن الله المُعَذِّرِينَ ، ورحم المُعْذِرِينَ .
وقوله : قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ « الأعراف : 164 » فهو مصدر عَذَرْتُ ، كأنه قيل : أطلب منه أن يَعْذُرَنِي .
وأَعْذَرَ : أتى بما صار به مَعْذُوراً ، وقيل : أَعْذَرَ من أنذر : أتى بما صار به مَعْذُوراً .
قال بعضهم : أصل العُذْرِ من العَذَرَةِ وهو الشئ النجس ، ومنه سمي القُلْفَةُ العُذْرَةُ ، فقيل عَذَرْتُ الصّبيَّ : إذا طهرته وأزلت عُذْرَتَهُ وكذا عَذَرْتُ فلاناً : أزلت نجاسة ذنبه بالعفو عنه ، كقولك : غفرت له : أي سترت ذنبه .
وسمي جِلْدَةُ البكارة : عُذْرَةً ، تشبيهاً بِعُذْرَتِهَا التي هي القُلْفَةُ فقيل : عَذَرْتُهَا أي افْتَضَضْتُهَا ، وقيل للعارض في حلق الصبي عُذْرَةً ، فقيل : عُذِرَ الصّبيُّ إذا أصابه ذلك ، قال الشاعر : غَمْزُ الطبيبِ نَغَانِغَ المَعْذُورِ
ويقال : اعْتَذَرَتِ المياهُ : انقطعت . واعْتَذَرَتِ المنازلُ : دُرِسَت ، على طريق التشبيه بِالمُعْتَذِرِ الذي يندرس ذنبه لوضوح عُذْرِهِ .
والعَاذِرَةُ : قيل المستحاضة . والعَذَوَّرُ : السيئُ الخُلُقِ اعتباراً بِالعَذَرَةِ أي النجاسة .
وأصل العَذَرَةِ : فناءُ الدارِ ، وسميَ ما يلقى فيه باسمها .
ملاحظات
اختار الراغب أن أصل العُذْر من العَذَرَةِ أي النجس . ولا يمكن إرجاع فروعه إليه ، كما تقدم في عَذَبَ .
عَرَّ
قال تعالى : أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ « الحج : 36 » وهو المعترض للسؤال ، يقال : عَرَّهُ يَعُرُّهُ واعْتَرَرْتُ بك حاجتي .
وَالعَرُّ والعُرُّ : الجرب الذي يَعُرُّ البدنَ أي يعترضه ، ومنه قيل للمضرة : مَعَرَّةٌ ، تشبيهاً بالعُرِّ الذي هو الجرب .
قال تعالى : فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ « الفتح : 25 » .
والعِرَارُ : حكايةُ حفيفِ الريحِ ، ومنه العِرَارُ لصوت الظليم حكاية لصوتها ، وقد عَارَّ الظليم .
والعَرْعَرُ : شجرٌ سُمِّيَ به لحكاية صوت حفيفها . وعَرْعَار : لُعبةٌ لهم حكاية لصوتها .
ملاحظات
أجاد ابن فارس فجعل هذه المادة أربعة أصول ، قال « 4 / 32 » : « العين والراء : أصول صحيحة أربعة ، فالأول يدل على لطخ شئ بغير طيب وما أشبه ذلك . والثاني يدل على صوت . والثالث يدل على سمو وارتفاع . والرابع يدل على معالجة شئ . وذلك بشرط أنا لا نعد النبات ولا الأماكن فيما ينقاس من كلام العرب .
فالأول : العَر والعُر ، قال الخليل : هما لغتان يقال هو الجرب ، وكذلك العرة ، وإنما سمي بذلك لأنه كأنه لطخ بالجسد . قال الخليل : المعرة ما يصيب الإنسان من إثم ، قال الله سبحانه : فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ .
والأصل الثاني : الصوت ، فالعرار عرار الظليم وهو صوته . والأصل الثالث : الدال على سمو وارتفاع ، قال الخليل : عُرعُرة كل شئ أعلاه . والأصل الرابع : معالجة الشئ تقول : عَرْعَرْتُ اللحم عن العظم وشَرْشَرْتُهُ بمعنى . قالوا :
--------------------------- 506 ---------------------------
والعرعرة المعالجة للشئ بعجلة » .
عَرَبَ
العَرَبُ : وُلْدُ إسماعيلَ ، والأعرَابُ جمعه في الأصل ، وصار ذلك إسماً لسكان البادية . قالَتِ الأعرابُ آمَنَّا « الحجرات : 14 » الأعرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً « التوبة : 97 » وَمِنَ الأعرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ « التوبة : 99 » . وقيل في جمع الأعرَابِ أَعَارِيبُ ، قال الشاعر :
أَعَارِيبٌ ذَوُوا فَخْرٍ بِإفْكٍ وأَلْسِنَةٍ لِطَافٍ في المقالِ
وحُسْنُ القولِ من حُسْنِ الفعالِ
وشطره الأول في عمدة الحفاظ : عَرَبٌ .
والأعرَابِيُّ : في التعارف صار إسماً للمنسوبين إلى سكان البادية . والعَرَبِيُّ : المفصح .
والإعرَابُ : البيانُ ، يقال : أَعْرَبَ عن نفسه . وفي الحديث : الثيِّبُ تُعْرِبُ عن نفسها أي تُبِين .
وإِعْرَابُ الكلامِ : إيضاح فصاحته ، وخُصَّ الإعرَابُ في تعارف النحويين بالحركات والسكنات المتعاقبة على أواخر الكلم .
والعَرَبيُّ : الفصيح البيِّن من الكلام ، قال تعالى : قُرْآناً عَرَبِيًّا « يوسف : 2 » وقوله : بِلِسانٍ عَرَبِي مُبِينٍ « الشعراء : 195 » فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا « فصلت : 3 » حُكْماً عَرَبِيًّا « الرعد : 37 » .
وما بالدار عَرِيبٌ : أي أحدٌ يُعْرِبُ عن نفسه . وامرأةٌ عَرُوبَةٌ : مُعْرِبَةٌ بحالها عن عفتها ومحبة زوجها ، وجمعها عُرُبٌ . قال تعالى : عُرُباً أَتْراباً « الواقعة : 37 » .
وعَرَّبْتُ عليه : إذا رددت من حيث الإعراب . وفي الحديث : عَرِّبُوا على الإمام . والمُعْرِبُ : صاحب الفرس العَرَبِيِّ ، كقولك : المُجْرِب لصاحب الجرب .
وقوله : حُكْماً عَرَبِيًّا « الرعد : 37 » قيل : معناه : مفصحاً يُحق الحق ويُبطل الباطل ، وقيل : معناه شريفاً كريماً ، من قولهم : عُرُبٌ أتراب ، أو وصفه بذلك كوصفه بكريم في قوله : كِتابٌ كَرِيمٌ « النمل : 29 » .
وقيل : معناه : مُعْرِباً من قولهم : عَرِّبُوا على الإمام ، ومعناه ناسخاً لما فيه من الأحكام ، وقيل : منسوب إلى النبي العربي ، والعَرَبِيُّ إذا نسب إليه قيل عَرَبِيٌّ ، فيكون لفظه كلفظ المنسوب إليه .
ويَعْرُبُ : قيل هو أول من نقل السريانية إلى العَرَبِيَّةِ ، فسمي باسم فعله .
ملاحظات
يسمى وُلد إسماعيل عليه السلام : العرب المستعربة . ويسمى غيرهم العرب العاربة . فالعرب قسمان : أبناء يعرب وأبناء إسماعيل . لكن النبي صلى الله عليه وآله جعل العروبة اللغة العربية وليست النسب . قال ابن فارس « 4 / 299 » : « فأما الأمة التي تُسمى العرب ، فليس ببعيد أن يكون سميت عرباً من هذا القياس ، لأن لسانها أعرب الألسنة ، وبيانها أجود البيان .
ومما يوضح ذلك الحديث النبوي : إن العربية ليست بأب وأم ، لكنها لسان ناطق .
والأصل الآخر : المرأة العَرُوب الضحاكة الطيبة النفس ، وهُنَّ العُرُبُ ، قال الله تعالى فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا . عُرُباً أتراباً ، قال أهل التفسير هن المتحببات إلى أزواجهن » .
عَرَجَ
العُرُوجُ : ذهابٌ في صعود . قال تعالى : تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ « المعارج : 4 » فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ « الحجر : 14 » والمَعَارِجُ : المصاعد . قال : ذِي الْمَعارِجِ « المعارج : 3 » . وليلة المِعْرَاجُ سميت لصعود الدعاء فيها إشارة إلى قوله : إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطيِّبُ « فاطر : 10 » .
وعَرَجَ عُرُوجاً وعَرَجَاناً : مشى مشي العَارِجِ ، أي الذاهب
--------------------------- 507 ---------------------------
في صعود ، كما يقال درج إذا مشى مشي الصاعد في درجه .
وعَرِجَ : صار ذلك خلقة له ، وقيل للضبع : عَرْجَاءُ ، لكونها في خلقتها ذات عَرَجٍ . وتَعَارَجَ : نحو تضالع ، ومنه استعير : عَرِّجْ قليلاً عن مَدَى غَلْوَائِكَا
أي إحبسه عن التصعد . والعَرْجُ : قطيعٌ ضخم من الإبل ، كأنه قد عَرَجَ كثرةً ، أي صعد .
ملاحظات
لم يذكر الراغب قوله تعالى : لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ . وهو من عرج بمعنى مالَ ، أو انعرج بمعنى انعطف ، أو من العرجون المائل .
ويظهر أنه جعل العَرَجَ في المشي والعروج بمعنى الصعود ، من أصل واحد .
ويقصد بليلة المعراج ليلة السابع والعشرين من رجب ، فقد روي أنه كان فيها معراج النبي صلى الله عليه وآله ، ورويَ عن الإمام الصادق عليه السلام أن المعراج كان مائة وعشرين مرة .
وجعل ابن فارس عرج ثلاثة أصول قال « 4 / 302 » : « الأول : يدل على مَيْلٍ ومَيْل والآخر : على عدد . والآخر : على سمو وارتقاء . والأصل الآخر : من الإبل ، قال قوم ثمانون إلى تسعين . ويقال العرج مائة وخمسون . والأصل الثالث : العروج : الارتقاء يقال عرج يعرج عروجاً ومعرجاً . والمعرج : المصعد قال الله تعالى : من الله ذي المعارج » .
قال الخليل « 1 / 222 » : « المعرج : المصعد ، والمعرج : الطريق الذي تصعد فيه الملائكة . والمعراج : شبه سلم أو درجة ، تعرج الأرواح فيه إذا قبضت . يقال ليس شئ أحسن منه ، إذا رآه الروح لم يتمالك أن يخرج » .
أقول : تدل آيات المعارج على أن عروج الملائكة والأرواح والعمل الصالح إلى السماء يكون من طرق خاصة . بل يدل قوله تعالى : وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ . لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ . « الحجر : 14 » . على أن عروج الإنسان ممكن إذا فتحت له طريق ، وأن طريق العروج يسحب الإنسان إلى أعلى . فقوله تعالى : فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ يشير إلى ما رواه الخليل من جمال طريق العروج وجذبه .
عَرْجَنَ
قال تعالى : حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ « يس : 39 » أي ألفافه من أغصانه .
ملاحظات
قال الخليل « 2 / 320 » : « العُرْجُون : أصل العذق وهو أصفر عريض يشبه الهلال إذا انمحق » .
أما الضغث فهو العرجون بغصونه اليابسة وبه فُسِّرَ قوله تعالى لأيوب عليه السلام : وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ .
وفي مجمع البحرين « 2 / 316 » : « هو بالضم فالسكون عود أصفر فيه شماريخ العذق ، فإذا قَدِم واستقوس شُبِّهَ به الهلال ، وجمعه عراجين وكأنه من انعرج الشئ انعطف » .
عَرَشَ
العَرْشُ في الأصل : شئ مُسَقَّفٌ وجمعه عُرُوشٌ . قال تعالى : وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها « البقرة : 259 » ومنه قيل : عَرَشْتُ الكرمَ وعَرَّشْتُهُ : إذا جعلت له كهيئة سقف ، وقد يقال لذلك المُعَرَّشُ .
قال تعالى : مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ « الأنعام : 141 » وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ « النحل : 68 » وَما كانُوا يَعْرِشُونَ « الأعراف : 137 » . قال أبو عبيدة : يبنون ، واعْتَرَشَ العنبَ : رَكَّبَ عَرْشَهُ .
والعَرْشُ : شبهُ هودجٍ للمرأة شبيهاً في الهيئة بِعَرْشِ الكرمِ . وعَرَّشْتُ البئرَ : جعلت له عَرِيشاً . وسُمِّيَ مجلس
--------------------------- 508 ---------------------------
السلطان عَرْشاً اعتباراً بعلوه . قال : وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ « يوسف : 100 » أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها « النمل : 38 » نَكِّرُوا لَها عَرْشَها « النمل : 41 » أَهكَذا عَرْشُكِ « النمل : 42 » .
وكُنِّيَ به عن العز والسلطان والمملكة ، قيل : فلان ثُلَّ عَرْشُهُ . وروي أن عمر رضي الله عنه رؤي في المنام فقيل : ما فعل بك ربك ؟ فقال : لولا أن تداركني برحمته لَثُلَّ عَرْشِي .
وعَرْشُ الله : ما لا يعلمه البشر على الحقيقة إلا بالاسم ، وليس كما تذهب إليه أوهام العامة ، فإنه لو كان كذلك لكان حاملاً له تعالى عن ذلك لا محمولاً ، والله تعالى يقول : إن الله يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ « فاطر : 41 » .
وقال قوم : هو الفلك الأعلى والكرسي فلك الكواكب ، واستدل بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله : ما السماوات السبع والأرضون السبع في جنب الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة ، والكرسي عند العَرْشِ كذلك .
وقوله تعالى : وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ « هود : 7 » تنبيه [ على ] أن العَرْشَ لم يزل منذ أوجد مستعلياً على الماء ، وقوله : ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ « البروج : 15 » رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ « غافر : 15 » وما يجري مجراه ، قيل : هو إشارة إلى مملكته وسلطانه لا إلى مقر له يتعالى عن ذلك .
ملاحظات
أجاد الراغب في رفض التجسيم في قول من زعم أن الله تعالى يجلس على العرش ، وردِّة رواياتهم الموضوعة في تشبيه الله تعالى . لكنه لم يذكر الآيات التي تدل على أن العرش مكان مادي محمول كأنه مركز إدارة الكون .
قال تعالى : الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ . وقال تعالى : وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ .
وقال ابن فارس « 4 / 264 » : « عَرَشَ : أصل صحيح واحد ، يدل على ارتفاع في شئ مبني . ثم يستعار في غير ذلك . قال الخليل : العرش سرير الملك ، وهذا صحيح ، قال الله تعالى : وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ . وكل بناء يستظل به عرش وعريش ، ويقال لسقف البيت عرش ، قال الله تعالى : فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ، والمعنى أن السقف يسقط ثم تتهافت عليه الجدران ساقطةً » .
عَرَضَ
العَرْضُ : خلافُ الطولِ ، وأصله أن يقال في الأجسام ، ثم يستعمل في غيرها كما قال : فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ « فصلت : 51 » .
والعُرْضُ : خُصَّ بالجانب . وأَعْرَضَ الشئ : بدا عَرْضُهُ ، وعَرَضْتُ العودَ على الإناء ، واعْتَرَضَ الشئ في حلقه : وقف فيه بِالْعَرْضِ . واعْتَرَضَ الفرسُ في مشيه ، وفيه عُرْضِيَّةٌ ، أي اعْتِرَاضٌ في مشيه من الصعوبة .
وعَرَضْتُ الشئ على البيع ، وعلى فلان ، ولفلان نحو : ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ « البقرة : 31 » عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا « الكهف : 48 » إنا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ « الأحزاب : 72 » وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً « الكهف : 100 » وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ « الأحقاف : 20 » وعَرَضْتُ الجندَ .
والعَارِضُ : البادي عَرْضُهُ ، فتارةً يُخَصُّ بالسحاب نحو : هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا « الأحقاف : 24 » وبما يَعْرِضُ من السَّقَمِ فيقال : به عَارِضٌ من سُقْمٍ ، وتارة بالخدِّ نحو : أَخَذَ من عَارِضَيْهِ ، وتارة بالسِّنِّ ، ومنه قيل : العَوَارِضُ للثنايا التي تظهر عند الضحك .
وقيل : فلانٌ شديدُ العَارِضَةِ ، كناية عن جودة البيان . وبعيرٌ عَرُوضٌ : يأكل الشّوك بِعَارِضَيْهِ .
والعُرْضَةُ : ما يُجْعَلُ مُعَرَّضاً للشئ . قال تعالى : وَلا تَجْعَلُوا الله عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ « البقرة : 224 » وبعيرٌ عُرْضَةٌ للسفر ، أي
--------------------------- 509 ---------------------------
يجعل مُعَرَّضاً له .
وأَعْرَضَ : أظهر عَرْضَهُ أي ناحيته . فإذا قيل : أَعْرَضَ لي كذا ، أي بَدَا عَرْضُهُ فأمكن تناولُهُ . وإذا قيل : أَعْرَضَ عني فمعناه : ولى مُبدياً عَرْضَهُ . قال : ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها « السجدة : 22 » فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ « النساء : 63 » وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ « الأعراف : 199 » وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي « طه : 124 » وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ « الأنبياء : 32 » وربما حذف عنه استغناء عنه نحو : إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ « النور : 48 » ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ « آل عمران : 23 » . فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ « سبأ : 16 » .
وقوله : وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ « آل عمران : 133 » فقد قيل : هو العَرْضُ الذي خلاف الطول ، وتصوُّرُ ذلك على أحد وجوه : إما أن يريد به أن يكون عَرْضُهَا في النشأة الآخرة كَعَرْضِ السماوات والأرض في النشأة الأولى ، وذلك أنه قد قال : يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ « إبراهيم : 48 » . ولا يمتنع أن تكون السماوات والأرض في النشأة الآخرة أكبر مما هي الآن . وروي أن يهوديّاً سأل عمر رضي الله عنه عن هذه الآية فقال : فأين النار ؟ فقال عمر : إذا جاء الليل فأين النهار .
وقيل : يعني بِعَرْضِهَا سَعَتَهَا لا من حيث المساحة ، ولكن من حيث المسرّة ، كما يقال في ضده : الدنيا على فلان حلقة خاتم ، وكفة حابل ، وسعة هذه الدار كسعة الأرض . وقيل : العَرْضُ هاهنا من عَرْضِ البيعِ ، من قولهم : بيع كذا بِعَرْضٍ : إذا بيع بسلعة ، فمعنى عَرْضُهَا أي بدلها وعوضها ، كقولك : عَرْضُ هذا الثوب كذا وكذا .
والعَرَضُ : ما لا يكون له ثباتٌ ، ومنه استعار المتكلمون العَرَضَ لما لاثبات له إلا بالجوهر كاللون والطعم . وقيل : الدنيا عَرَضٌ حاضرٌ ، تنبيهاً [ على ] أن لا ثبات لها ، قال تعالى : تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا والله يُرِيدُ الْآخِرَةَ « الأنفال : 67 »
وقال : يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ « الأعراف : 169 » وقوله : لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً « التوبة : 42 » أي مطلباً سهلاً .
والتعْرِيضُ : كلامٌ له وجهان من صدق وكذب أو ظاهر وباطن . قال : وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ « البقرة : 235 » قيل : هو أن يقول لها : أنت جميلةٌ ، ومرغوب فيك ونحو ذلك .
عَرَفَ
المَعْرِفَةُ والعِرْفَانُ : إدراك الشئ بتفكر وتدبر لأثره . وهو أخص من العلم . ويضاده الإنكار . ويقال : فلان يَعْرِفُ الله ولا يقال : يعلم الله ، متعدياً إلى مفعول واحد ، لما كان مَعْرِفَةُ البشرِلله هي بتدبر آثاره دون إدراك ذاته .
ويقال : الله يعلم كذا ، ولا يقال : يَعْرِفُ كذا ، لما كانت المَعْرِفَةُ تستعمل في العلم القاصر المتوصل به بتفكر . وأصله من عَرَفْتُ ، أي أصبت عَرْفَهُ ، أي رائحتَهُ . أو من أصبت عَرْفَهُ أي خده . يقال : عَرَفْتُ كذا .
قال تعالى : فَلما جاءَهُمْ ما عَرَفُوا « البقرة : 89 » فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ « يوسف : 58 » فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ « محمد : 30 » يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ « البقرة : 146 » .
ويضاد المَعْرِفَةُ الإنكار والعلم الجهل . قال : يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ الله ثُمَّ يُنْكِرُونَها « النحل : 83 » .
والعَارِفُ في تَعَارُفِ قومٍ : هو المختص بمعرفة الله ، ومعرفة ملكوته ، وحسن معاملته تعالى .
يقال : عَرَّفَهُ كذا . قال تعالى : عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ « التحريم : 3 »
وتَعَارَفُوا : عَرَفَ بعضهم بعضاً . قال : لِتَعارَفُوا « الحجرات : 13 » وقال : يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ « يونس : 45 » .
--------------------------- 510 ---------------------------
وعَرَّفَهُ : جعل له عَرْفاً أي ريحا طيّباً . قال في الجنة : عَرَّفَها لَهُمْ « محمد : 6 » أي طيَّبَها وزَيَّنَها لهم ، وقيل : عَرَّفَهَا لهم بأن وصفها لهم وشوقهم إليها وهداهم .
وقوله : فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ « البقرة : 198 » فاسم لبقعة مخصوصة ، وقيل : سميت بذلك لوقوع المعرفة فيها بين آدم وحواء . وقيل : بل لِتَعَرُّفِ العباد إلى الله تعالى بالعبادات والأدعية .
والمَعْرُوفُ : إسمٌ لكل فعل يُعْرَفُ بالعقل أو الشرع حسنه ، والمنكر : ما ينكر بهما . قال : يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ « آل عمران : 104 » وقال تعالى : وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ « لقمان : 17 » وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً « الأحزاب : 32 » .
ولهذا قيل للاقتصاد في الجود : مَعْرُوفٌ ، لما كان ذلك مستحسناً في العقول وبالشرع ، نحو : وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ « النساء : 6 » إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ « النساء : 114 » وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ « البقرة : 241 » أي بالإقتصاد والإحسان .
وقوله : فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ « الطلاق : 2 » وقوله : قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ « البقرة : 263 » أي ردٌّ بالجميل ودعاء خير من صدقة كذلك .
والعُرْفُ : المَعْرُوفُ من الإحسان ، وقال : وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ « الأعراف : 199 » .
وعُرْفُ الفرسِ والديك : مَعْرُوفٌ ، وجاء القطا عُرْفاً ، أي متتابعة . قال تعالى : وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً « المرسلات : 1 » .
والعَرَّافُ : كالكاهن إلا إن العَرَّافَ يختص بمن يخبر بالأحوال المستقبلة ، والكاهن بمن يخبر بالأحوال الماضية ، والعَرِيفُ بمن يَعْرِفُ النّاسَ ويُعَرِّفُهُمْ ، قال الشاعر : بَعَثُوا إليَّ عَرِيفَهُمْ يتوسَّمُ .
وقد عَرُفَ فلانٌ عَرَافَةً : إذا صار مختصّاً بذلك ، فالعَرِيفُ : السيد المعروفُ قال الشاعر :
بل كلُّ قومٍ وإن عَزُّوا وإن كَثُرُوا
عَرِيفُهُمْ بأثَافي الشرَِّّ مَرْجُومُ
ويومُ عَرَفَةَ : يومُ الوقوفِ بها . وقوله : وَعَلَى الأعراف رِجالٌ « الأعراف : 46 » فإنه سور بين الجنة والنار .
والإعتِرَافُ : الإقرارُ ، وأصله إظهار مَعْرِفَةِ الذنبِ ، وذلك ضد الجحود . قال تعالى : فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ « الملك : 11 » فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا « غافر : 11 » .
عَرَمَ
العَرَامَةُ : شراسةٌ وصعوبةٌ في الخُلُقِ ، وتَظْهَرُ بالفعل ، يقال : عَرَمَ فلانٌ فهو عَارِمٌ ، وعَرَمَ : تَخَلَّقَ بذلك ، ومنه : عُرَامُ الجيشِ .
وقوله تعالى : فأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ « سبأ : 16 » قيل : أراد سيلَ الأمرِ العَرِمِ .
وقيل : العَرِمُ المَسْنَاةُ . وقيل : العَرِمُ الجُرَذُ الذَّكَرُ ، ونسب إليه السيلُ من حيث إنه نَقَبَ المسناةَ .
ملاحظات
جعل الراغب العرامة صفة ذم ، وعَرَّفها الخليل بمصاديقها ، وعرفها ابن فارس بالشدة والحدة .
وليس في أصل معناها شر بل حدة . ولعل الراغب أخذها من قول الجوهري « 5 / 1983 » : « وصبي عارم بَيِّن العُرام بالضم ، أي شرس » . فالعَرَم : المِرَّة والحِدَّة . قال الخليل « 2 / 136 » : « العرمرم : الجيش الكثير . وجبل عرمرم أي ضخم . والعرمرم الشديد العجمة الذي لايفصح » .
وقال ابن فارس « 4 / 292 » : « قلنا إنهم إذا أرادوا تفخيم أمر زادوا في حروفه ، والعرمرم من عرم وعرر » .
عَرَى
يقال : عَرِيَ من ثوبه يَعْرَى ، فهو عَارٍ وعُرْيَانٌ . قال تعالى :
--------------------------- 511 ---------------------------
إن لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى « طه : 118 » وهو عَرْوٌ من الذنب . أي عَارٍ . وأَخَذَهُ عُرَوَاءُ ، أي رِعْدَةٌ تعرض من العُرْيِ . ومَعَارِي الإنسانِ : الأعضاءُ التي من شأنها أن تُعْرَى كالوجه واليد والرجل . وفلانٌ حَسَنُ المَعْرَى ، كقولك : حسن المَحْسَر والمَجْرَد .
وَالعَرَاءُ : مكان لا سترة به ، قال : فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ « الصافات : 145 » والعَرَا مقصورٌ : الناحيةُ . وعَرَاهُ وَاعْتَرَاهُ : قصد عُرَاهُ . قال تعالى : إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ « هود : 54 » .
والعُرْوَةُ : ما يتعلّق به من عُرَاهُ . أي ناحيته . قال تعالى : فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى « البقرة : 256 » وذلك على سبيل التمثيل . والعُرْوَةُ أيضاً : شجرةٌ يتعلّق بها الإبل ، ويقال لها : عُرْوَةٌ وعَلْقَةٌ .
والعَرِيُّ والعَرِيَّةُ : ما يَعْرُو من الريح الباردة . والنخلةُ العَرِيَّةُ : ما يُعْرَى عن البيع ويعزل . وقيل هي التي يُعْرِيهَا صاحبها محتاجاً ، فجعل ثمرتها له ، ورخص أن يبتاع بتمر لموضع الحاجة .
وقيل : هي النخلة للرجل وسط نخيل كثيرة لغيره ، فيتأذى به صاحب الكثير ، فرخص له أن يبتاع ثمرته بتمر ، والجميع العَرَايَا . ورخَّص رسول الله صلى الله عليه وآله في بيع العَرَايَا .
عَزَّ
العزةُ : حالةٌ مانعة للإنسان من أن يغلب . من قولهم : أرضٌ عَزَازٌ ، أي صَلْبةٌ . قال تعالى : أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعزةَ فَإن الْعزةَ لِلَّهِ جَمِيعاً « النساء : 139 » . وتَعزَّزَ اللحمُ : اشتد وعزَّ ، كأنه حصل في عَزَازٍ يصعب الوصول إليه ، كقولهم : تظلف أي حصل في ظلف من الأرض .
وَالعَزيزُ : الذي يَقهر ولا يُقهر . قال تعالى : إنهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ « العنكبوت : 26 » يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا « يوسف : 88 » قال : وَلِلَّهِ الْعزةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ « المنافقون : 8 » سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعزةِ « الصافات : 180 » فقد يمدح بالعزةِ تارة كما ترى ، ويذم بها تارة كَعزةِ الكفارِ . قال : بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عزةٍ وَشِقاقٍ « ص : 2 » . ووجه ذلك أن العزةَ التيلله ولرسوله وللمؤمنين هي الدائمة الباقية التي هي العزةُ الحقيقية ، والعزةُ التي هي للكافرين هي التعززُ ، وهو في الحقيقة ذل كما قال عليه الصلاة والسلام : كل عز ليس ب الله فهو ذُلٌّ .
وعلى هذا قوله : وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ الله آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عزا « مريم : 81 » أي ليتمنعوا به من العذاب . وقوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعزةَ فَلِلَّهِ الْعزةُ جَمِيعاً « فاطر : 10 » معناه : من كان يريد أن يَعز يحتاج أن يكتسب منه تعالى العزةَ فإنها له .
وقد تستعار العزةُ للحمية والأنفة المذمومة ، وذلك في قوله : أَخَذَتْهُ الْعزةُ بِالْإِثْمِ « البقرة : 206 » وقال : تُعز مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ « آل عمران : 26 » . يقال : عز عَلَيَّ كذا : صَعُبَ ، قال : عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ « التوبة : 128 » أي صَعُبَ .
وعَزَّهُ كذا : غلبه ، وقيل : من عزَّ بَزَّ ، أي من غلب سلب . قال تعالى : وَعزَّنِي فِي الْخِطابِ « ص : 23 » أي غلبني . وقيل : معناه صار أَعز مني في المخاطبة والمخاصمة .
وعزَّ المطرُ الأرضَ : غلبها ، وشاة عَزُوزٌ : قَلَّ دَرُّهَا .
وعزَّ الشئ : قَلَّ اعتباراً بما قيل : كل موجود مملول ، وكل مفقود مطلوب . وقوله : إنهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ « فصلت : 41 » أي يصعب مناله ووجود مثله .
والعُزَّى : صَنَمٌ ، قال : أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعزى « النجم : 19 » . واسْتَعز بفلان : إذا غلب بمرض أو بموت .
عَزَبَ
العَازِبُ : المتباعد في طلب الكلأ عن أهله ، يقال : عَزَبَ يَعْزُبُ ويَعْزِبُ . قال تعالى : وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ
--------------------------- 512 ---------------------------
ذَرَّةٍ « يونس : 61 » لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ « سبأ : 3 » . يقال : رجلٌ عَزَبٌ وامرأةٌ عَزَبَةٌ . وعَزَبَ عنه حِلْمُهُ ، وعَزَبَ طُهْرُهَا : إذا غاب عنها زوجها .
وقومٌ مُعزبُونَ : عَزَبَتْ إبلُهُم . وروي : من قرأ القرآن في أربعين يوماً فقد عَزَبَ . أي بَعُدَ عَهْدُهُ بالخَتْمَةِ .
ملاحظات
جعل الراغب أصل عَزَب من الذهاب بعيداً في طلب الكلأ . والصحيح أن عَزُبَ بمعنى صار بعيد المنال ، ذهب أو لم يذهب .
قال الخليل « 1 / 361 » : « وأعزب فلان حلمه وعقله أي أذهبه . وعزب عنه حلمه أي ذهب . وكل شئ يفوتك حتى لا تقدر عليه فقد عزب عنك ، ولا يعزب عن الله شئ » .
عَزَرَ
التعْزِيرُ : النصرة مع التعظيم . قال تعالى : وَتُعزرُوهُ « الفتح : 9 » وقال عز وجل : وَعزرْتُمُوهُمْ « المائدة : 12 » .
والتعْزِيرُ : ضربٌ دون الحد وذلك يرجع إلى الأول ، فإن ذلك تأديب والتأديب نصرةٌ مَّا ، لكن الأول نصرهُ بقمع ما يضره عنه ، والثاني نصرهُ بقمعه عما يضره . فمن قمعته عما يضره فقد نصرته . وعلى هذا الوجه قال عليه السلام : أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، قال : أنصره مظلوماً ، فكيف أنصره ظالماً . فقال : كفه عن الظلم .
وعُزَيْرٌ في قوله : وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله « التوبة : 30 » إسمُ نبيٍّ .
ملاحظات
التعزير : التعظيم والاحترام ، وقد وردت النصرة في القرآن معطوفةً عليه فهي غيره ، قال تعالى : فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ . فالصحيح قول ابن فارس « 4 / 311 » إن التعزير بمعنى التوقير ، وبمعنى التأديب بالضرب .
عَزَلَ
الإعتِزَالُ : تجنب الشئ عمالةً كانت أو براءة ، أو غيرهما ، بالبدن كان ذلك أو بالقلب ، يقال : عَزَلْتُهُ واعْتَزَلْتُهُ وتَعزلْتُهُ فَاعْتَزَل . قال تعالى : وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا الله « الكهف : 16 » فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ « النساء : 90 » وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله « مريم : 48 » فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ « البقرة : 222 » وقال الشاعر : يا بيتَ عَاتِكَةَ التي أَتَعَزَّلُ
وقوله : إنهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ « الشعراء : 212 » أي ممنوعون بعد أن كانوا يُمَكَّنون .
والأعزَلُ : الذي لارمح معه . ومن الدواب ما يميل ذنبه . ومن السحاب : ما لا مطر فيه . والسِّماك الأعزَلُ : نجمٌ سمي به لتصوره بخلاف السماك الرامح الذي معه نجم لتصوره بصورة رمحه .
عَزَمَ
العَزْمُ والعَزِيمَةُ : عقد القلب على إمضاء الأمر يقال : عَزَمْتُ الأمرَ وعَزَمْتُ عليه واعْتَزَمْتُ . قال : فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله « آل عمران : 159 » وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ « البقرة : 235 » وَإِنْ عَزَمُوا الطلاقَ « البقرة : 227 » إن ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ « الشورى : 43 » وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً « طه : 115 » أي محافظة على ما أمر به وعَزِيمَةً على القيام .
والعَزِيمَةُ : تعويذٌ ، كأنه تُصُوِّر أنك قد عقدت بها على الشيطان أن يمضي إرادته فيك . وجمعها : العَزَائِمُ .
ملاحظات
العزم : أعم مما ذكره الراغب ، فقد يكون على فعل أو ترك أو عقيدة ، ولذلك قال الخليل « 1 / 363 » : « العزم : ما عقد عليه القلب أنك فاعله ، أو من أمر تيقنته » .
وقال ابن فارس « 4 / 309 » : « يدل على الصريمة والقطع . يقال : عزمت أعزم عزماً . ويقولون : عزمت عليك إلا
--------------------------- 513 ---------------------------
فعلت كذا ، أي جعلته أمراً عزماً أي لامثنوية فيه . ويقال : كانوا يرون لعزمة الخلفاء طاعة .
وأولو العزم من الرسل عليهم السلام : الذين قطعوا العلائق بينهم وبين من لم يؤمن ، من الذين بعثوا إليهم .
ومن الباب قولهم : عزمتُ على الجِنِّي ، وذلك أن تقرأ عليه من عزائم القرآن ، وهي الآيات التي يرجى بها قطع الآفة عن المؤوف » .
عَزَا
عِزِينَ : أي جماعات في تفرقة واحدتها عِزَةٌ ، وأصله من : عَزَوْتُهُ فَاعْتَزَى : أي نسبته فانتسب فكأنهم الجماعة المنتسب بعضهم إلى بعض إما في الولادة أو في المصاهرة .
ومنه : الإعتِزَاءُ في الحرب : وهو أن يقول : أنا ابن فلان ، وصاحب فلان . وروي : من تَعزى بِعَزَاءِ الجاهليّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أبيه !
وقيل : عِزِينَ ، من عَزِيَ عَزَاءً فهو عَزٍ : إذا تَصَبَّر وتَعَزَّى . أي تصبر وتأسى فكأنها اسم للجماعة التي يتأسى بعضهم ببعض .
ملاحظات
قال الله تعالى : فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ . عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ . أي : مالهم جالسين حولك عن يمينك وشمالك ، مجموعات متفرقة ، معرضة عنك !
ومعنى عِزيِن : متفرقون ، ولا يصح جعل عزين بمعنى انتسب واجتمع . كما لا يصح جعلها من تعزى بمعنى تَصَبَّر ، لأنه لا رابط بين معناهما . بل هي كلمة مستقلة مثل أخواتها التي ألحقوها في الإعراب بجمع المذكر السالم ، وهي : عِضة وعِضون ، وثُبَة وثُبُون ، وقُلَة وقُلُون .
وروت بعض المصادر أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا » !
أي من نادى بنخوة العشيرة وانتسب إليها كما يغعلون في الجاهلية ، فردُّوه وقولوا له : عَضَّ بآلة أبيك بلفظ صريح ، ولا تُكَنُّوا بالكنية !
ومعاذ الله أن يَتَفَوَّهَ رسول الله صلى الله عليه وآله بهذا الكلام !
عَسْعَسَ
قال تعالى : وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ « التكوير : 17 » أي أقبل وأدبر ، وذلك في مبدأ الليل ومنتهاه ، فالعَسْعَسَةُ والعِسَاسُ : رقّةُ الظلامِ ، وذلك في طرفي الليل .
والعَسُّ والعَسَسُ : نفض الليل عن أهل الريبة . ورجلٌ عَاسٌّ وعَسَّاسٌ ، والجميع العَسَسُ . وقيل : كلبٌ عَسَّ خيرٌ من أسد رَبَضَ ، أي طلب الصيد بالليل .
والعَسُوسُ من النساء : المتعاطية للريبة بالليل .
والعُسُّ : القدح الضخم ، والجمع عَسَاسٌ .
ملاحظات
أقسم الله تعالى بالليل إذا عسعس ، أي أظلم واستحكم ظلامه . ويقابله : الصبح إذا تنفس ، أي بزغ وأضاء . فهو تقابلٌ كامل .
لكن بعضهم زعم أن عسعسة الليل في آخره أيضاً ، فأخذه الراغب وفسر عسعس بأقبل وأدبر . وتبعه بعض المفسرين !
قال الخليل « 1 / 74 » : « عسعس الليل : أقبل ودنا ظلامه من الأرض . والعسعاس : من أسماء الذئب . ويقع على كل سبع إذا تعسعس وطلب الصيد بالليل » .
وقال ابن منظور « 6 / 139 » : « وعَسْعَسَ الليلُ عَسْعَسَة : أَقبل بظلامه ، وقيل عَسعَسَتُه قبل السَّحَر . وعَسْعَس فلان الأَمر إِذا لبَّسَه وعَمَّاه ، وأَصله من عَسْعَسَة الليل » .
عَسَرَ
العُسْرُ : نقيض اليسر . قال تعالى : فَإن مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إن مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً « الشرح : 5 » .
--------------------------- 514 ---------------------------
والعُسْرَةُ : تَعَسُّرُ وجودِ المالِ ، قال : فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ « التوبة : 117 » وقال : وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ « البقرة : 280 » .
وأَعْسَرَ فلانٌ : نحو أضاق . وتَعَاسَرَ القومُ : طلبوا تَعْسِيرَ الأمرِ . وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى « الطلاق : 6 » .
ويَوْمٌ عَسِيرٌ : يتصعب فيه الأمر قال : وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً « الفرقان : 26 » يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ « المدثر : 9 » . وعَسَّرَنِي الرجل : طالبني بشئ حين العُسْرَةِ .
عَسَلَ
العَسَلُ : لُعَابُ النحل . قال تعالى : مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى « محمد : 15 » وكُنِّيَ عن الجماع بِالْعُسَيْلَةِ . قال عليه السلام : حتى تذوقي عُسَيْلَتَهُ ويَذُوقُ عُسَيْلَتَكَ .
والعَسَلَانُ : اهتزاز الرمح ، واهتزاز الأعضاء في العَدْوِ ، وأكثر ما يستعمل في الذئب ، يقال : مَرَّ يَعْسِلُ ويَنْسِلُ .
عَسَى
عَسَى : طَمَعٌ وتَرَجٍّ ، وكثير من المفسرين فسّروا لعل وعَسَى في القرآن باللازم ، وقالوا : إن الطمع والرجاء لا يصح من الله ، وفي هذا منهم قصورُ نظرٍ ، وذاك أن الله تعالى إذا ذكر ذلك يذكره ليكون الإنسان منه راجياً ، لا لأن يكون هو تع « إلى يرجو ، فقوله : عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ « الأعراف : 129 » أي كونوا راجين في ذلك . فَعَسَى الله أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ « المائدة : 52 » عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ « التحريم : 5 » وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ « البقرة : 216 » فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ « محمد : 22 » هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ « البقرة : 246 » فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً « النساء : 19 » .
والمُعْسِيَاتُ من الإبل : ما انقطع لبنه فيرجى أن يعود لبنها ، فيقال : عَسِيَ الشئ يَعْسُو : إذا صَلُبَ ، وعَسِيَ الليلُ يَعْسَى ، أي أَظْلَمَ .
عَشَرَ
العَشْرَةُ والعُشْرُ والعِشْرُونَ والعِشْرُ معروفةٌ . قال تعالى : تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ « البقرة : 196 » عِشْرُونَ صابِرُونَ « الأنفال : 65 » تِسْعَةَ عَشَرَ « المدثر : 30 » وعَشَرْتُهُمْ أَعْشِرُهُمْ : صِرْتُ عَاشِرَهُمْ . وعَشَرَهُمْ : أَخَذَ عُشْرَ مالِهِمْ . وعَشَرْتُهُمْ : صيرتُ مالهم عَشَرَةً ، وذلك أن تجعل التسْعَ عَشَرَةً . ومِعْشَارُ الشّئ : عُشْرُهُ ، قال تعالى : وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ « سبأ : 45 »
وناقة عُشَرَاءُ : مرّت من حملها عَشَرَةُ أشهرٍ ، وجمعها عِشَارٌ . قال تعالى : وَإِذَا الْعِشارُ عُطلَتْ « التكوير : 4 » .
وجاءوا عُشَارَى : عَشَرَةً عَشَرَةً . والعُشَارِيُّ : ما طوله عَشَرَةُ أذرع . والعِشْرُ في الإظماء ، وإبل عَوَاشِرُ .
وقَدَحٌ أَعْشَارٌ : منكسرٌ ، وأصله أن يكون على عَشَرَةِ أقطاعٍ ، وعنه استعير قول الشاعر :
بِسَهْمَيْكَ في أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ
والعُشُورُ في المصاحف : علامةُ العَشْرِ الآياتِ .
والتعْشِيرُ : نُهَاقُ الحميرِ لكونه عَشَرَةَ أصواتٍ .
والعَشِيرَةُ : أهل الرجل الذين يتكثر بهم ، أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل ، وذلك إن العَشَرَةَ هو العدد الكامل . قال تعالى : وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ « التوبة : 24 » فصار العَشِيرَةُ إسماً لكل جماعة من أقارب الرجل الذين يتكثر بهم . وَعاشَرْتُهُ : صرت له كَعَشَرَةٍ في المصاهرة ، وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ « النساء : 19 » .
والعَشِيرُ : المُعَاشِرُ ، قريباً كان أو معارف .
عَشَا
العَشِيُّ : من زوال الشمس إلى الصباح . قال تعالى : إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها « النازعات : 46 » والعِشَاءُ : من صلاة المغرب إلى العتمة ، والعِشَاءَانِ : المغرب والعتمة .
--------------------------- 515 ---------------------------
والعَشَا : ظلمةٌ تعترض في العين ، يقال : رجلٌ أَعْشَى وامرأةٌ عَشْوَاءُ . وقيل : يخبط خبط عَشْوَاءَ .
وعَشَوْتُ النارَ : قصدتها ليلاً ، وسمي النار التي تبدو بالليل عَشْوَةً وعُشْوَةً كالشُّعْلَةِ .
عَشِيَ عن كذا : نحو عَمِيَ عنه ، قال تعالى : وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ « الزخرف : 36 » .
والعَوَاشِي : الإبلُ التي ترعى ليلاً ، الواحدة عَاشِيَةٌ ، ومنه قيل : العَاشِيَةُ تُهَيِّج الآبية . والعَشَاءُ : طعامُ العِشَاءِ ، وبالكسر صلاة العِشَاءِ . وقد عَشِيتُ وعَشَّيْتُهُ . وقيل : عَشِّ ولا تغترَّ . « عَشِّ إبلك ولا تغتر بأنك ستجد مرعى أمامك » .
عَصَبَ
العَصَبُ : أطنابُ المفاصلِ ، ولحمٌ عَصِبٌ : كثيرُ العَصَبِ . والمَعْصُوبُ : المشدودُ بالعَصَبِ المنزوع من الحيوان ، ثم يقال لكل شد : عَصْبٌ نحو قولهم : لَأُعَصِّبَنَّكُمْ عَصْبَ السَّلِمَةِ « يشد أغصانها بالحبل » وفلانٌ شديدُ العَصْبِ . ومَعْصُوبُ الخَلْقِ : أي مُدْمَجُ الخِلْقَةِ .
ويَوْمٌ عَصِيبٌ « هود : 77 » شديدٌ ، يصح أن يكون بمعنى فاعل ، وأن يكون بمعنى مفعول . أي يوم مجموع الأطراف ، كقولهم : يوم كَكَفَّةِ حابل ، وحَلْقَة خاتَم .
والعُصْبَةُ : جماعةٌ مُتَعَصِّبَةٌ متعاضدة . قال تعالى : لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ « القصص : 76 » وَنَحْنُ عُصْبَةٌ « يوسف : 14 » أي مجتمعة الكلام متعاضدة .
واعْصَوْصَبَ القومُ : صاروا عَصَباً ، وعَصَبُوا به أمراً . وعَصَبَ الرّيقُ بفمه : يبس حتى صار كالعَصَبِ أو كالمَعْصُوبِ به .
والعَصْبُ : ضربٌ من برود اليمن قد عُصِبَ به نقوشٌ . والعِصَابَةُ : ما يُعْصَبُ به الرأسُ ، والعمامةُ .
وقد اعْتَصَبَ فلانٌ نحو : تعمم . والمَعْصُوبُ : الناقةُ التي لا تدر حتى تُعْصَبَ ، والعَصِيبُ : في بطن الحيوان لكونه مَعْصُوباً . أي مطويّاً .
ملاحظات
في نهج البلاغة « 2 / 150 » : « فإنكم تتعصبون لأمر لا يعرف له سبب ولا علة . أما إبليس فتعصب على آدم عليه السلام لأصله ، وطعن عليه في خلقته فقال : أنا ناري وأنت طيني . وأما الأغنياء من مترفة الأمم فتعصبوا لآثار مواقع النعم ، فقالوا : نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ . فإن كان لا بد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال ، ومحامد الأفعال ، ومحاسن الأمور ، التي تفاضلت فيها المجداء والنجداء ، من بيوتات العرب ويعاسيب القبائل ، بالأخلاق الرغيبة ، والأحلام العظيمة ، والأخطار الجليلة ، والآثار المحمودة .
فتعصبوا لخلال الحَمْد من الحفظ للجوار ، والوفاء بالذمام ، والطاعة للبر ، والمعصية للكبر ، والأخذ بالفضل ، والكف عن البغي ، والإعظام للقتل ، والإنصاف للخلق ، والكظم للغيظ ، واجتناب الفساد » .
عَصَرَ
العَصْرُ : مصدرُ عَصَرْتُ . والمَعْصُورُ : الشئ العَصِيرُ . والعُصَارَةُ : نفاية ما يُعْصَرُ . قال تعالى : إني أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً « يوسف : 36 » وقال : وَفِيهِ يَعْصِرُونَ « يوسف : 49 » أي يستنبطون منه الخير ، وقرئ : يُعْصَرُونَ ، أي يمطرون .
واعْتَصَرْتُ من كذا : أخذت ما يجري مجرى العُصَارَةِ ، قال الشاعر : وإنما العيشُ برُبَّانهِ « شبابه »
وأنتَ من أفْنَانِهِ مُعْتَصِرْ
وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً « عم : 14 » أي السحائب التي تَعْتَصِرُ بالمطر ، أي تصب ، وقيل : التي تأتي بالإعصَارِ .
والإعصَارُ : ريحٌ تثير الغبار . قال تعالى : فَأَصابَها إِعْصارٌ « البقرة : 266 » . والإعتِصَارُ : أن يغصَّ فَيُعْتَصَرَ بالماء ، ومنه :
--------------------------- 516 ---------------------------
العَصْرُ ، والعَصَرُ : الملجأُ .
والعَصْرُ والعِصْرُ : الدَّهرُ ، والجميع العُصُورُ . قال : وَالْعَصْرِ إن الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ « العصر : 1 » والعَصْرُ : العشيُّ ، ومنه : صلاة العَصْرِ . وإذا قيل : العَصْرَانِ فقيل : الغداة والعشيّ ، وقيل : الليل والنهار ، وذلك كالقمرين للشمس والقمر .
والمُعْصِرُ : المرأةُ التي حاضت ودخلت في عَصْرِ شبابِهَا .
عَصَفَ
العَصْفُ والعَصِيفَةُ : الذي يُعْصَفُ من الزّرعِ ، ويقال لحطام النبت المتكسر : عَصْفٌ . قال تعالى : وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ « الرحمن : 12 » كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ « الفيل : 5 » ورِيحٌ عاصِفٌ « يونس : 22 »
وعَاصِفَةٌ ومُعْصِفَةٌ : تَكْسِرُ الشئ فتجعله كَعَصْفٍ ، وعَصَفَتْ بهم الريحُ تشبيهاً بذلك .
عَصَمَ
العَصْمُ : الإمساكُ . والإعتِصَامُ : الإستمساك . قال تعالى : لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ الله « هود : 43 » أي لا شئ يَعْصِمُ منه .
ومن قال معناه : لامَعْصُومَ فليس يعني أن العَاصِمَ بمعنى المَعْصُومِ ، وإنما ذلك تنبيه منه على المعنى المقصود بذلك ، وذلك أن العَاصِمَ والمَعْصُومَ يتلازمان ، فأيهما حصل حصل معه الآخر . قال : ما لَكُمْ مِنَ الله مِنْ عاصِمٍ « غافر : 33 » . والإعتِصَامُ : التمسك بالشئ ، قال : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً « آل عمران : 103 » وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِالله « آل عمران : 101 » .
واسْتَعْصَمَ : استمسك ، كأنه طلب ما يَعْتَصِمُ به من ركوب الفاحشة ، قال : فَاسْتَعْصَمَ « يوسف : 32 » أي تحرَّى ما يَعْصِمُهُ . وقوله : وَلاتُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ « الممتحنة : 10 » .
والعِصَامُ : ما يُعْصَمُ به ، أي يُشد . وعِصْمَةُ الأنبياءِ : حِفْظُهُ إياهم أولاً بما خصهم به من صفاء الجوهر ، ثم بما أولاهم من الفضائل الجسمية ، ثم بالنصرة وبتثبيت أقدامهم ، ثم بإنزال السكينة عليهم ، وبحفظ قلوبهم ، وبالتوفيق ، قال تعالى : والله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ « المائدة : 67 » .
والعِصْمَةُ : شِبْهُ السِّوَارِ ، والمِعْصَمُ : موضعها من اليد . وقيل للبياض بالرسغ : عِصْمَةٌ تشبيهاً بالسوار وذلك كتسمية البياض بالرجل تحجيلاً ، وعلى هذا قيل : غراب أَعْصَمُ .
ملاحظات
لا يصح قول الراغب : « العَصْمُ : الإمساكُ ، والإعتِصَامُ : الإستمساك » . لأن العَصْم : المنع والاعتصام الامتناع .
ولا يصح استشهاده على عصمة الأنبياء : من الذنوب بقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله : والله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ . لأنها في العصمة من الناس لا من الذنوب والخطأ . ولا يصح تفسيرها بالعصمة من أذى الناس لأنها نزلت قبيل وفاته صلى الله عليه وآله وكان الأذى له مستمراً . ولا بعصمته من القتل ، لأنه استمر في حراسة نفسه حتى توفي صلى الله عليه وآله .
بل يتعين تفسيرها بعصمته صلى الله عليه وآله من أن ترتد أمته إذا بلغهم ما أمره الله به من ولاية عترته من بعده عليهم السلام .
وهو المناسب لسياق الآية : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ والله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ . « المائدة : 67 » .
عَصَا
العَصَا : أصله من الواو ، لقولهم في تثنيته : عَصَوَانِ ، ويقال في جمعه : عِصِيٌّ . وعَصَوْتُهُ : ضربته بالعَصَا ، وقيل عَصَيْتُه بالسيف . قال تعالى : وَأَلْقِ عَصاكَ « النمل : 10 » فَأَلْقى عَصاهُ « الأعراف : 107 » قالَ هِيَ عَصايَ « طه : 18 » فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ « الشعراء : 44 » . ويقال : ألقى فلانٌ عَصَاهُ : إذا نزل ، تصوراً بحال من عاد من سفره قال الشاعر :
فألقَتْ عَصَاهَا واستقرتْ بها النَّوَى
--------------------------- 517 ---------------------------
وعَصَى عِصْيَاناً : إذا خرج عن الطاعة ، وأصله أن يتمنع بِعَصَاهُ . قال تعالى : وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ « طه : 121 » وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ « النساء : 14 » آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ « يونس : 91 » .
ويقال فيمن فارق الجماعة : فلانٌ شقَّ العَصَا .
عَضَّ
العَضُّ : أَزْمٌ بالأسنان . قال تعالى : عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ « آل عمران : 119 » وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ « الفرقان : 27 » وذلك عبارة عن الندم لما جرى به عادة الناس أن يفعلوه عند ذلك .
والعُضُّ : للنوى ، والذي يَعَضُّ عليه الإبلُ .
والعِضَاضُ : مُعَاضَّةُ الدوابِّ بعضها بعضاً .
ورجلٌ مُعِضٌّ : مبالغٌ في أمره كأنه يَعَضُّ عليه ، ويقال ذلك في المدح تارة ، وفي الذم تارة بحسب ما يبالغ فيه ، يقال : هو عِضُّ سفرٍ ، وعِضٌّ في الخصومة . وزمنٌ عَضُوضٌ : فيه جدب . والتعْضُوضُ : ضربٌ من التمر يصعُبُ مَضْغُهُ .
عَضَدَ
العَضُد : ما بين المرفق إلى الكتف ، وعَضَدْتُهُ : أصبت عضده . وعنه استعير : عَضَدْتُ الشجر بالمِعْضَد ، وجمل عاضد : يأخذ عضد الناقة فيتنوخها . ويقال عَضَدْتُهُ : أخذت عضده وقويته ، ويستعار العضد للمعين كاليد قال تعالى : وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً « الكهف : 51 » .
ورجل أَعْضَدُ : دقيق العضد ، وعَضِدٌ : مشتك من العضد ، وهو داء يناله في عضده . ومُعَضَّدٌ : موسوم في عضده ، ويقال لسمته عِضَادٌ . والمِعْضَد : دملجة . وأَعْضَاد الحوض : جوانبه ، تشبيهاً بالعضد .
عَضَلَ
العَضَلَة : كل لحم صلب في عصب . ورجل عَضِلٌ : مكتنز اللحم . وعَضَلْتُهُ : شددته بالعضل المتناول من الحيوان نحوعصبته ، وتُجُوِّزَ به في كل منع شديد . قال : فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ « البقرة : 232 » قيل : خطاب للأزواج ، وقيل للأولياء . وعَضَّلَتِ الدجاجةُ ببيضها ، والمرأة بولدها : إذا تعسر خروجهما تشبيهاً بها . قال الشاعر : ترى الأرض منَّا بالفضاء مريضةً
مُعَضَّلَةً منَّا بجمعٍ عرمرمِ
وداء عُضَال : صعب البرء . والعُضْلَة : الداهية المنكرة .
عِضَهْ
قال تعالى : جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ « الحجر : 91 » أي مفرقاً ، فقالوا كهانة ، وقالوا أساطير الأولين إلى غير ذلك مما وصفوه به . وقيل : معنى عِضِينَ : ما قال تعالى : أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ « البقرة : 85 » خلاف من قال فيه وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كلهِ « آل عمران : 119 » .
وعضون : جمع ، كقولهم : ثبون وظبون ، في جمع ثُبَة وظُبَة . ومن هذا الأصل العضو والعضو . والتعضية : تجزئة الأعضاء ، وقد عضيته . قال الكسائي : هو من العضو أو من العَضْهِ ، وهي شجر . وأصل عِضَة في لغة : عضهة ، لقولهم عُضَيْهَة ، وعضوة في لغة ، لقولهم عضوان . وروي : لا تَعْضِيَةَ في الميراث أي لايفرّق ما يكون تفريقه ضرراً على الورثة كسيف يكسر بنصفين ، ونحو ذلك .
ملاحظات
1 . يفهم معنى عضين من المقتسمين والمستهزئين الذين قال فيهم الله تعالى : كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ . أَلَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ . فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . عَمَّا كَأنوا يَعْمَلُونَ . فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ . « الحجر : 89 » . وهم فراعنة قريش ورؤساؤها الذين تقاسموا مداخل مكة ، فبعثوا أناساً في موسم الحج يحذرون قبائل العرب من النبي صلى الله عليه وآله . وهم : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن
--------------------------- 518 ---------------------------
المطلب ، والأسود بن عبد يغوث ، والحرث بن طلاطلة الخزاعي . وهم المستهزئون الخمسة الذين قتلهم الله في يوم واحد ، وأمر رسوله صلى الله عليه وآله أن يصدع بدعوته . « السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام : 1 / 183 » .
2 . قال الصدوق « معاني الأخبار / 281 » : « قال صلى الله عليه وآله : لاتَعْضِيَةَ في ميراث . ومعناه أن يموت الرجل ويدع شيئاً إن قسم بين ورثته إذا أراد بعضهم القسمة كان في ذلك ضرر عليهم أو على بعضهم . يقول : فلا يقسم ذلك . وتلك التعضية وهي التفريق ، وهي مأخوذ من الأعضاء . يقال : عضيت اللحم إذا فرقته ، وقال الله عز وجل : الذين جعلوا القرآن عضين ، أي آمنوا ببعضه وكفروا ببعض . وهذا من التعضية أيضاً أنهم فرقوه . والشئ الذي لا يحتمل القسمة مثل الحبة من الجوهر ، لأنها إن فرقت لم ينتفع بها » .
عَطَفَ
العَطْفُ : يقال في الشئ إذا ثنيَ أحد طرفيه إلى الآخر ، كعطف الغصن والوسادة والحبل ، ومنه قيل للرداء المثني : عِطَاف .
وعِطْفَا الإنسان : جانباه من لدن رأسه إلى وركه ، وهو الذي يمكنه أن يثْنِيهِ من بدنه .
ويقال : ثنى عِطْفَهُ : إذا أعرض وجفا ، نحو : نَأى بِجانِبِهِ « الإسراء : 83 » وصَعَّرَ بخده ، ونحو ذلك من الألفاظ . ويستعار للميل والشفقة إذا عُدِّيَ بعلى ، يقال : عَطَفَ عليه وثناه .
عَاطِفَةُ رَحِم : وظبية عاطفةٌ على ولدها ، وناقة عَطُوفٌ على بوِّها . وإذا عُدِّيَ بعن يكون على الضد ، نحو : عَطَفْتُ عن فلان .
عَطَلَ
العَطَلُ : فقدان الزينة والشغل ، يقال : عَطِلَتِ المرأةُ فهي عُطُلٌ وعَاطِلٌ ، ومنه : قوس عُطُلٌ : لاوتر عليه ، وعَطلْتُهُ من الحلي ومن العمل فَتَعَطلَ . قال تعالى : وَبِئْرٍ مُعَطلَةٍ « الحج : 45 » .
ويقال لمن يجعل العالم بزعمه فارغاً عن صانع أتقنه وزينه : مُعَطل . وعَطَلُ الدار عن ساكنها ، والإبل عن راعيها .
عَطَا
العَطْوُ : التناول . والمعاطاة : المناولة . والإعطاء : الإنالة . قال تعالى : حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ « التوبة : 29 » واختص العطية والعطاء بالصلة . قال : هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ « ص : 39 » يعطي من يشاء . فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ « التوبة : 58 » .
وأَعْطَى البعيرُ : انقاد ، وأصله : أن يعطي رأسه فلا يتأبى . وظبي عُطْوٌ وعَاطٍ : رفع رأسه لتناول الأوراق .
عَظُمَ
العَظْمُ : جمعه عِظَام . قال تعالى : عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً « المؤمنون : 14 » وقرئ : عظاماً فيهما ، ومنه قيل : عَظْمَة الذراع لمستغلظها ، وعَظْمُ الرحل : خشبة بلا أنساع .
وعَظُمَ الشئ أصله : كبر عظمه ، ثم استعير لكل كبير ، فأجري مجراه محسوساً كان أو معقولاً ، عيناً كان أو معنى . قال : عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ « الزمر : 13 » قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ « ص : 67 » عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ « عمّ : 1 » مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ « الزخرف : 31 » . والعظيم إذا استعمل في الأعيان ، فأصله أن يقال في الأجزاء المتصلة ، والكثير يقال في المنفصلة . ثم قد يقال في المنفصل عظيم ، نحو جيش عظيم ومال عظيم ، وذلك في معنى الكثير . والعظيمة : النازلة . والإعظامة والعِظَامَة : شبه وسادة تعظم بها المرأة عجيزتها .
--------------------------- 519 ---------------------------
ملاحظات
1 . جعل الراغب فعل عَظُم ومشتقاته مأخوذاً من العَظْم . وقال ابن فارس « 4 / 355 » : « عَظُمَ : يدل على كِبَرٍ وقوة . فالعِظَم مصدر الشئ العظيم ، تقول : عَظُم يعظم عِظَماً ، وعظمته أنا . فإذا عظم في عينيك قلت أعظمته واستعظمته . ومعظم الشئ أكثره . ومن الباب العَظْم معروف ، وهو سُمِّيَ بذلك لقوته وشدته » .
2 . لم أجد العظيم وصفاً لإنسان في القرآن والحديث ، إلا في قول المشركين : وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ . وقد استعمللله تعالى كأنه صفة مختصة به دون المخلوقات الحية . واستُعمل للأمور المعنوية كثيراً : للعذاب ، والثواب ، والبلاء ، والكرب ، والظلم ، والقسم ، والفضل ، والخلق ، والنبأ . . وغيره . واستعمل في الأشياء لعرش الله تعالى ، واستعمل على لسان الهدهد لعرش بلقيس .
عَفَّ
العِفَّةُ : حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة . والمُتَعَفِّفُ : المتعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر .
وأصله : الاقتصار على تناول الشئ القليل الجاري مجرى العُفَافَة والعُفَّة ، أي البقية من الشئ ، أو مجرى العَفْعَفْ ، وهو ثمر الأراك . والإستعفاف : طلب العفة .
قال تعالى : وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ « النساء : 6 » وقال : وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً « النور : 33 » .
عَفَرَ
قال تعالى : قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِ « النمل : 39 » العفريت من الجن : هو العارم الخبيث ، ويستعار ذلك للإنسان استعارة الشيطان له ، يقال : عِفْريتٌ نِفْريت .
قال ابن قتيبة : العفريت الموثق الخلق ، وأصله من العفر ، أي التراب .
وعَافَرَهُ : صارعه فألقاه في العَفَرِ ، ورجل عِفْرٌ نحو : شر وشمر . وليثُ عِفِرِّين : دابةٌ تشبه الحرباء تتعرض للراكب .
وقيل : عِفْرِيَة الديك والحبارى : للشعر الذي على رأسهما .
عَفَا
العَفْوُ : القصد لتناول الشئ ، يقال عَفَاه واعتفاه ، أي قصده متناولاً ما عنده ، وعَفَتِ الرّيحُ الدار قصدَتْهَا متناولة آثارها . وبهذا النظر قال الشاعر : أخذَ البِلَى أبْلَادَهَا .
وعَفَتِ الدار : كأنها قصدت هي البِلَى .
وعَفَا النبت والشجر : قصد تناول الزيادة ، كقولك : أخذ النبت في الزيادة .
وعَفَوْتُ عنه : قصدت إزالة ذنبه صارفاً عنه ، فالمفعول في الحقيقة متروك ، وعن متعلق بمضمر .
فالعَفْوُ : هو التجافي عن الذنب ، قال تعالى : فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ « الشورى : 40 » وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتقْوى « البقرة : 237 » ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ « البقرة : 52 » إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ « التوبة : 66 » فَاعْفُ عَنْهُمْ « آل عمران : 159 » .
وقوله : خُذِ الْعَفْوَ « الأعراف : 199 » أي مايسهل قصده وتناوله ، وقيل معناه : تعاطَ العفو عن الناس .
وقوله : وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ « البقرة : 219 » أي ما يسهل إنفاقه .
وقولهم : أعطى عفواً ، فعفواً مصدر في موضع الحال ، أي أعطى وحاله حال العافي ، أي القاصد للتناول ، إشارة إلى المعنى الذي عد بديعاً ، وهو قول الشاعر :
كأنكَ تعطيهِ الذي أنتَ سائلُه
وقولهم في الدعاء : أسألك العفو والعافية ، أي ترك العقوبة والسلامة . وقال في وصفه تعالى : إن الله كانَ عَفُوًّا غَفُوراً « النساء : 43 » وقوله : وما أكلت العافية فصدقة ، أي
--------------------------- 520 ---------------------------
طلاب الرزق من طير ووحش وإنسان .
وأعفيت كذا : أي تركته يعفو ويكثر ، ومنه قيل : أعفوا اللحى . والعَفَاء : ما كثر من الوبر والريش . والعافي : ما يرده مستعير القدر من المرق في قدره .
ملاحظات
1 . معنى عفى عنه أو سامحه : ترك مؤاخذته ، وفيه صنع معروف معه لأنه تنازل عن حقه ، فهو يقبل التفسير بالترك وبالفعل . ولهذا جعله ابن فارس أصلين بمعنى الترك والفعل . أما الخليل فلا يتقيد بإرجاع الكلمة إلى جذرها ، ولكن الراغب تمسك ببعض كلماته وجعل أصله الفعل مع أن الخليل قال « 2 / 258 » : « العفو : تركك إنساناً استوجب عقوبة فعفوت عنه » .
وقال الراغب : « العَفْوُ : القصد لتناول الشئ » ولو عايش اللغة لأدرك أن الترك والتنازل عن المؤاخذة هو الأصل فيه ، وأن وصفه بأنه فعل المعروف وصف لفعل الترك . وقوله تعالى : خذ العفو : أمرٌ بالعفو بأخذ نتيجته وثوابه ، وليس قصداً لتناول شئ كما قال الراغب .
2 . استعمل القرآن مادة العفو بضعاً وثلاثين مرة ، أكثرها لعفو الله تعالى ، وكثير منها لأمر نبيه صلى الله عليه وآله بالعفو عن الناس ، وأمرهم بالعفو عن بعضهم . وقال تعالى : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَنْ كَثِيرٍ . « الشورى : 30 » . فاستعمله للسبب الموجب للمصيبة .
وقال : ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ ، ثم عبر بعفونا عنكم : ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُم مِّنْ بَعْدِ ذََلِكَ . كما استعمل العفو لك عن شخص آخر : فَمَنْ عُفِي لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَئٌ .
عَقَبَ
العَقِبُ : مؤخر الرِّجل ، وقيل : عَقْبٌ ، وجمعه أعقاب . وروي : ويلٌ للأعقاب من النار . واستعير العَقِبُ للولد وولد الولد . قال تعالى : وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ « الزخرف : 28 » . وعَقِبَ الشهر ، من قولهم : جاء في عقب الشهر أي آخره ، وجاء في عَقِبِه ، إذا بقيت منه بقية .
ورجع على عَقِبِه : إذا انثنى راجعاً . وانقلب على عقبيه ، نحو رجع على حافرته ، ونحو : فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً « الكهف : 64 » وقولهم : رجع عوده على بدئه . قال : وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا « الأنعام : 71 » انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ « آل عمران : 144 » وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ « آل عمران : 144 » ونَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ « الأنفال : 48 » فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ « المؤمنون : 66 » . وعَقَبَهُ : إذا تلاه عَقَباً ، نحو دَبَرَهُ ، وقَفَاهَ .
والعُقْبُ والعُقْبَى : يختصان بالثواب نحو : خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً « الكهف : 44 » وقال تعالى : أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ « الرعد : 22 » . والعاقِبةُ : إطلاقها يختص بالثواب نحو : وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ « القصص : 83 » وبالإضافة قد تستعمل في العقوبة نحو : ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا « الروم : 10 » .
وقوله تعالى : فَكانَ عاقِبَتَهُما أنهُما فِي النَّارِ « الحشر : 17 » يصح أن يكون ذلك استعارةً من ضده ، كقوله : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ « آل عمران : 21 » .
والعُقُوبَةُ والمعاقبة والعِقَاب : يختص بالعذاب قال : فَحق عِقابِ « ص : 14 » شَدِيدُ الْعِقابِ « الحشر : 4 » وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ « النحل : 126 » وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ « الحج : 60 » .
والتعْقيبُ : أن يأتي بشئ بعد آخر ، يقال : عَقَّبَ الفرسُ في عَدْوِه . قال : لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ « الرعد : 11 » أي ملائكة يتعاقبون عليه حافظين له .
وقوله : لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ « الرعد : 41 » أي لا أحد يتعقبه ويبحث عن فعله ، من قولهم عَقَّبَ الحاكم على حكم من قبله ، إذا تتبعه . قال الشاعر : وما بَعْدَ حُكْمِ الله تعقيبُ .
--------------------------- 521 ---------------------------
ويجوز أن يكون ذلك نهياً للناس أن يخوضوا في البحث عن حكمه وحكمته إذا خفيت عليهم ، ويكون ذلك من نحو النهي عن الخوض في سر القدر . وقوله تعالى : وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ « النمل : 10 » أي لم يلتفت وراءه .
والإعتقاب : أن يتعاقب شئ بعد آخر كاعتقاب الليل والنهار ، ومنه : العُقْبَة : أن يتعاقب اثنان على ركوب ظهر . وعُقْبَة الطائر : صعوده وانحداره . وأَعقبه كذا : إذا أورثه ذلك ، قال : فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً « التوبة : 77 » قال الشاعر :
لهُ طائفٌ من جِنَّةٍ غَيْرُ مُعْقِبِ
أي لا يعقب الإفاقة . وفلانٌ لم يُعْقِبْ ، أي لم يترك ولداً ، وأعقاب الرجل : أولاده . قال أهل اللغة : لا يدخل فيه أولاد البنت ، لأنهم لم يعقبوه بالنسب ، قال : وإذا كان له ذرية فإنهم يدخلون فيها ، وامرأة مِعْقَابٌ : تلد مرة ذكراً ومرة أنثى . وعَقَبْتُ الرمح : شددته بالعَقَبِ ، نحو : عصبته : شددته بالعصب .
والعَقَبَةُ : طريق وَعِرٌ في الجبل ، والجمع عُقُب وعِقَاب .
والعُقَاب : سمي لتعاقب جريه في الصيد ، وبه شبه في الهيئة الراية ، والحجر الذي على حافتي البئر ، والخيط الذي في القرط .
واليَعْقُوب : ذكر الحجل لما له من عقب الجري .
ملاحظات
1 . معنى قوله تعالى : لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ : أي لا يحق ولا يمكن لأحد أن يتعقب حكمه فينقضه أو يشكل عليه ، لاتكويناً ، ولا تشريعاً .
2 . الحديث الذي رووه : ويلٌ للأعقاب من النار . واستدلوا به على وجوب غسل الرجلين في الوضوء ، لم نَرْوِه وهو عندنا موضوع غير معقول ، وبعضهم رواه بلفظ : ويل للأعقاب من البول . أمراً بغسل عقب القدم .
3 . العاقبة والعقبى بمعنى الجزاء خيراً أو شراً ، لكن غلب استعمالها في الخير . وتخيل الراغب أنها مختصة بالثواب والخير وفاته قوله تعالى : أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ .
ويدل قوله تعالى : ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السوء ، على أنها مستعارة من عاقبة الخير .
عَقَدَ
العَقْدُ : الجمع بين أطراف الشئ . ويستعمل ذلك في الأجسام الصلبة كعقد الحبل وعقد البناء ، ثم يستعار ذلك للمعاني نحو : عَقْدِ البيع والعهد وغيرهما ، فيقال : عاقدته وعَقَدْتُهُ وتَعَاقَدْنَا وعَقَدْتُ يمينه . قال تعالى : عاقدت أيمانكم وقرئ : عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ ، وقال : بِما عَقَدْتُمُ الْأَيْمانَ « المائدة : 89 » . وقرئ : بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ . ومنه قيل : لفلان عقيدة ، وقيل للقلادة : عِقْدٌ .
والعَقْدُ : مصدر استعمل إسماً فجمع ، نحو : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ « المائدة : 1 » .
والعُقْدَةُ : اسم لما يعقد من نكاح أو يمين أو غيرهما ، قال : وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ « البقرة : 235 » .
وعُقِدَ لسانه : احتبس ، وبلسانه عقدة ، أي في كلامه حبسة ، قال : وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي « طه : 27 » . النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ « الفلق : 4 » : جمع عقدة ، وهي ما تعقده الساحرة ، وأصله من العزيمة ، ولذلك يقال لها : عزيمة ، كما يقال لها : عُقْدَة ، ومنه قيل للساحر : مُعْقِدٌ ، وله عُقدة مَلِك .
وقيل : ناقة عاقدة وعاقد : عقدت بذنبها للقاحها ، وتيس وكلب أَعْقَدُ : ملتوي الذنب ، وتَعَاقَدَتِ الكلاب : تعاظلت .
ملاحظات
لا يصح تعريفه للعقد بأنه الجمع بين أطراف الشئ ، بل هو ربط محكم بين شيئين . ولا يصح تقييده النَّفَّاثاتِ
--------------------------- 522 ---------------------------
فِي الْعُقَدِ بالساحرات ، لأنه يشمل كل أنواع النفث في عُقد ، وتشمل ما قد يَنْفُثُ في عُقَدِ الإنسان ومفاصله .
عَقَرَ
عُقْرُ الحوض والدار وغيرهما : أصلها ، ويقال له عَقْرٌ ، وقيل ما غزي قوم في عَقر دارهم قط إلا ذلوا . وقيل للقصرعُقْرَة . وعَقَرْتُهُ : أصبت عُقْرَهُ ، أي أصله نحو رَأَسْتُه .
ومنه عَقَرْتُ النخل : قطعته من أصله . وعَقَرْتُ البعير : نحرته ، وعقرت ظهر البعير فانعقر ، قال : فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ « هود : 65 » وقال تعالى : فَتَعاطى فَعَقَرَ « القمر : 29 » .
ومنه استعير : سرج مُعْقَر ، وكلب عَقُور .
ورجل عاقِرٌ وامرأة عاقر : لا تلد ، كأنها تعقر ماء الفحل . قال : وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً « مريم : 5 » وَامْرَأَتِي عاقِرٌ « آل عمران : 40 » وقد عَقِرَتْ . والعُقْرُ : آخر الولد . وبيضة العقر كذلك .
والعُقَار : الخمر لكونه كالعاقر للعقل ، والمُعَاقَرَةُ : إدمان شربه . وقولهم للقطعة من الغنم عُقْرٌ : فتشبيهٌ بالقصر .
فقولهم : رفع فلان عقيرته ، أي صوته فذلك لما روي أن رجلاً عُقِرَ رِجْلُهُ فرفع صوته ، فصار ذلك مستعاراً للصوت . والعقاقير : أخلاط الأدوية ، الواحد : عَقَّار .
عَقَلَ
العَقْل : يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم ، ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك القوة : عَقْلٌ ولهذا قال أمير المؤمنين رضي الله عنه :
رأيتُ العقلَ عقلينِ ومسموعُ
ولا ينفع مسموعٌ إذا لم يكُ مطبوعُ
كما لا تنفع الشَّمْسُ وَضَوْءُ العينِ ممنوعُ
وإلى الأول أشار صلى الله عليه وآله بقوله : ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من العقل . وإلى الثاني أشار بقوله : ما كسب أحد شيئاً أفضل من عقل يهديه إلى هدى أو يرده عن ردى . وهذا العقل هو المعني بقوله : وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ « العنكبوت : 43 » . وكل موضع ذم الله فيه الكفار بعدم العقل ، فإشارة إلى الثاني دون الأول نحو : وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ . إلى قوله : صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ . « البقرة : 171 » ونحو ذلك من الآيات . وكل موضع رفع فيه التكليف عن العبد لعدم العقل ، فإشارة إلى الأول .
وأصل العَقْل : الإمساك والاستمساك ، كعقل البعير بالعِقَال ، وعَقْل الدواء البطن ، وعَقَلَتِ المرأة شعرها ، وعَقَلَ لسانه : كفه ، ومنه قيل للحصن : مَعْقِلٌ ، وجمعه مَعَاقِل .
وباعتبار عقل البعير قيل عَقَلْتُ المقتول : أعطيت ديته ، وقيل : أصله أن تعقل الإبل بفناء ولي الدم ، وقيل بل بعقل الدم أن يسفك ثم سميت الدية بأيِّ شئ كان عَقْلًا ، وسمِّي الملتزمون له عاقلة . وعَقَلْتُ عنه : نُبْتُ عنه في إعطاء الدية . ودية مَعْقُلَة على قومه : إذا صاروا بدونه .
واعْتَقَلَهُ بالشَّغْزبية « الحيلة » : إذا صرعه واعْتَقَلَ رمحه بين ركابه وساقه .
وقيل : العِقَال صدقةُ عامٍ ، لقول أبي بكر رضي الله عنه : لو منعوني عقالاً لقاتلتهم . ولقولهم : أخذ النقد ولم يأخذ العِقَالَ ، وذلك كناية عن الإبل بما تشد به ، أو بالمصدر ، فإنه يقال : عَقَلْتُهُ عَقْلًا وعِقَالًا ، كما يقال : كتبت كتاباً . ويسمى المكتوب كتاباً ، كذلك يسمى المَعْقُولُ عِقَالًا .
والعَقِيلَةُ من النساء والدَّرِّ وغيرهما : التي تُعْقَلُ ، أي تُحرس وتمنع ، كقولهم : عَلَقُ مَضَنَّةٍ ، لما يُتعلق به .
والمَعْقِلُ : جبل أو حصن يُعْتَقَلُ به . والعُقَالُ : داء يعرض في قوائم الخيل . والعَقَلُ : اصطكاك فيها .
ملاحظات
تعريفه للعقل ضعيف ، ولم تثبت نسبة الشعر الذي نسبه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وليته أخذ بتعريف الخليل
--------------------------- 523 ---------------------------
أو ابن فارس ، قال « 4 / 69 » : « عَقَلَ : أصلٌ واحد منقاس مطرد يدل عِظَمُه على حَبْسَةٍ في الشئ أو ما يقارب الحبسة .
من ذلك العقل ، وهو الحابس عن ذميم القول والفعل . قال الخليل : العقل نقيض الجهل يقال : عَقَلَ يعقلُ عَقْلاً ، إذا عرف ما كان يجهله قبلُ أو انزجر عما كان يفعله ، وجمعه عقول . ورجل عاقل وقوم عقلاء وعاقلون . ورجل عَقُول : إذا كان حسن الفهم وافر العقل . وما له معقول ، أي عقل » .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : « إن العقلَ عقالٌ من الجهل » . « تحف العقول / 15 » . وقال صلى الله عليه وآله : « خلق الله العقل فقال له : أدبرفأدبر ، ثم قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال : ما خلقت خلقاً أحب إليَّ منك » .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « بالعقل استخرج غَوْر الحكمة ، وبالحكمة استخرج غور العقل ، وبحسن السياسة يكون الأدب الصالح » . « الكافي : 1 / 28 » .
وقال الإمام الصادق عليه السلام : « أول الأمور ومبدؤها وقوتها وعمارتها التي لا ينتفع شئ إلا به : العقل الذي جعله الله زينة لخلقه ، ونوراً لهم ، فبالعقل عرف العباد خالقهم ، وأنهم مخلوقون وأنه المدبر لهم » . « الكافي : 1 / 29 » .
وقال الإمام الرضا عليه السلام : « العقل حَبَاءٌ من الله والأدب كلفة ، فمن تكلف الأدب قدر عليه ، ومن تكلف العقل لم يزدد بذلك إلا جهلاً » . « الكافي : 1 / 23 » .
عَقُمَ
أصل الْعُقْمِ : اليبس المانع من قبول الأثر ، يقال : عَقُمَتْ مفاصله . وداء عُقَامٌ : لا يقبل البرء .
والعَقِيمُ من النساء : التي لا تقبل ماء الفحل ، يقال : عَقِمَتِ المرأة والرحم . قال تعالى : فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ « الذاريات : 29 » .
وريح عَقِيمٌ : يصح أن يكون بمعنى الفاعل ، وهي التي لا تلقح سحاباً ولا شجراً . ويصح أن يكون بمعنى المفعول كالعجوز العَقِيمِ ، وهي التي لا تقبل أثر الخير ، وإذا لم تقبل ولم تتأثر لم تعط ولم تؤثر ، قال تعالى : إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ « الذاريات : 41 » . ويوم عَقِيمٌ : لا فرح فيه .
عَكَفَ
العُكُوفُ : الإقبال على الشئ وملازمته على سبيل التعظيم له ، والإعتِكَافُ في الشرع : هو الإحتباس في المسجد على سبيل القربة ويقال : عَكَفْتُهُ على كذا ، أي حبسته عليه . لذلك قال : سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ « الحج : 25 » وَالْعاكِفِينَ « البقرة : 125 » فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ « الشعراء : 71 » يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ « الأعراف : 138 » ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً « طه : 97 » وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ « البقرة : 187 » وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً « الفتح : 25 » أي محبوساً ممنوعاً .
ملاحظات
قال الخليل « 1 / 205 » : « عكف يعكِف ويعكُف عكفاً وعكوفاً . وهو إقبالك على الشئ لا تصرف عنه وجهك » .
لكن الراغب على عادته في التكلف قال : « الإقبال على الشئ وملازمته على سبيل التعظيم له » فأضاف الملازمة والتعظيم . ومعناه إذا انتفى أحدهما فلا اعتكاف . والصحيح أن العكوف على الشئ أمر عرفي ، ولا يشترط فيه الملازمة ، لقوله تعالى : اَنْظُرْ إِلَى إِلَاهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا . فلو كان للملازمة لما قال : وَظَلْت .
كما لا يشترط فيه التعظيم ، فقد يكون عكوفاً على ما يكره ، كشارب الخمر الذي يكرهها .
عَلَقَ
العَلَقُ : التشبث بالشئ ، يقال : عَلِقَ الصيد في الحبالة . وأَعْلَقَ الصائد : إذا علق الصيد في حبالته .
--------------------------- 524 ---------------------------
والمِعْلَقُ والمِعْلَاقُ : ما يُعَلَّقُ به ، وعِلَاقَةُ السوط كذلك ، وعَلَقُ القربة كذلك ، وعَلَقُ البكرة : آلاتها التي تَتَعَلَّقُ بها . ومنه : العُلْقَةُ لما يتمسك به . وعَلِقَ دَمَ فلان بزيد : إذا كان زيد قاتله .
والعَلَقُ : دودٌ يتعلق بالحلق . والعَلَقُ : الدم الجامد ، ومنه : العَلَقَةُ التي يكون منها الولد . قال تعالى : خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ « العلق : 2 » وقال : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ إلى قوله : فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً .
والعِلْقُ : الشّئ النفيس الذي يتعلق به صاحبه فلا يفرج عنه . والعَلِيقُ : ما عُلِّقَ على الدابة من القضيم . والعَلِيقَةُ : مركوب يبعثها الإنسان مع غيره فيغلق أمره . قال الشاعر :
أرسلها عَلِيقَةً وقد عَلِمْ
أن العَلِيقَات يُلَاقِينَ الرَّقَمْ
والعَلُوقُ : الناقة التي ترأم ولدها فتعلق به ، وقيل للمنية : عَلُوقٌ . والعَلْقَى : شجر يتعلق به « العُلَّيْق » .
وعَلِقَتِ المرأة : حبلت . ورجل مِعْلَاقٌ : يتعلق بخصمه .
عَلِمَ
العِلْمُ : إدراك الشئ بحقيقته . وذلك ضربان أحدهما : إدراك ذات الشئ . والثاني : الحكم على الشئ بوجود شئ هو موجود له ، أو نفي شئ هو منفي عنه .
فالأول : هو المتعدي إلى مفعول واحد نحو : لا تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ « الأنفال : 60 » . والثاني : المتعدي إلى مفعولين ، نحو قوله : فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ « الممتحنة : 10 » وقوله : يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرُّسُلَ إلى قوله : لاعِلْمَ لَنا ، فإشارة إلى أن عقولهم طاشت .
والعِلْمُ : من وجهٍ ضربان ، نظري وعملي : فالنظري : ما إذا علم فقد كمل ، نحو : العلم بموجودات العالَم . والعملي : ما لا يتم إلا بأن يعمل كالعلم بالعبادات .
ومن وجهٍ آخر ضربان ، عقلي وسمعي ، وأَعْلَمْتُهُ وعَلَّمْتُهُ في الأصل واحد ، إلا أن الإعلام اختص بما كان بإخبار سريع ، والتعْلِيمُ . اختص بما يكون بتكرير وتكثير حتى يحصل منه أثر في نفس المُتَعَلِّمِ .
قال بعضهم : التعْلِيمُ : تنبيهُ النفس لتصور المعاني . والتعَلُّمُ : تنبهُ النفس لتصور ذلك ، وربما استعمل في معنى الإعلامِ إذا كان فيه تكرير ، نحو : أَتُعَلِّمُونَ الله بِدِينِكُمْ « الحجرات : 16 » فمن التعْلِيم قوله : الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ « الرحمن : 1 » عَلَّمَ بِالْقَلَمِ « العلق : 4 » وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا « الأنعام : 91 » عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطيْرِ « النمل : 16 » وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ « البقرة : 129 » ونحو ذلك .
وقوله : وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا « البقرة : 31 » فتَعْلِيمُهُ الأسماء : هو أن جعل له قوة بها نطق ووضع أسماء الأشياء وذلك بإلقائه في روعه ، وكَتعلِيمِهِ الحيوانات كل واحد منها فعلاً يتعاطاه ، وصوتاً يتحراه .
قال : وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً « الكهف : 65 » قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً « الكهف : 66 » قيل : عنى به العِلْمَ الخاص الخفي على البشر الذي يرونه ما لم يعرفهم الله منكراً ، بدلالة ما رآه موسى منه لما تبعه فأنكره حتى عرفه سببه . قيل : وعلى هذا العلم في قوله : قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ « النمل : 40 » .
وقوله تعالى : وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ « المجادلة : 11 » فتنبيهٌ منه تعالى على تفاوت منازل العلوم وتفاوت أربابها .
وأما قوله : وَفَوْقَ كل ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ « يوسف : 76 » فَعَلِيمٌ يصح أن يكون إشارة إلى الإنسان الذي فوق آخر ، ويكون تخصيص لفظ العليم الذي هو للمبالغة تنبيهاً [ على ] أنه بالإضافة إلى الأول عليم وإن لم يكن بالإضافة إلى من فوقه كذلك . ويجوز أن يكون قوله : عَلِيمٌ عبارة عن الله
--------------------------- 525 ---------------------------
تعالى وإن جاء لفظه منكراً ، إذ كان الموصوف في الحقيقة بالعليم هو تبارك وتعالى ، فيكون قوله : وَفَوْقَ كل ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ « يوسف : 76 » إشارة إلى الجماعة بأسرهم لا إلى كل واحد بانفراده ، وعلى الأول يكون إشارة إلى كل واحد بانفراده .
وقوله : عَلَّامُ الْغُيُوبِ « المائدة : 109 » فيه إشارة إلى أنه لا يخفى عليه خافية . وقوله : عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ « الجن : 26 » فيه إشارة إنلله تعالى علماً يخص به أولياءه ، والعَالِمُ في وصف الله هو الذي لا يخفى عليه شئ كما قال : لاتَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ « الحاقة : 18 » وذلك لا يصح إلا في وصفه تعالى .
والعَلَمُ : الأثر الذي يُعْلَمُ به الشئ ، كعَلَم الطريق ، وعَلَم الجيش ، وسمِّيَ الجبل علماً لذلك ، وجمعه أَعْلَامٌ ، وقرئ : وإنه لَعَلَمٌ للسّاعة . وقال : وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالأعلامِ « الشورى : 32 » وفي أخرى : وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعلامِ « الرحمن : 24 » والشق في الشفة العليا عَلَمٌ ، وعَلَمُ الثوب .
ويقال : فلان عَلَمٌ ، أي مشهور يشبَّه بعلم الجيش . وأَعْلَمْتُ كذا : جعلت له علماً .
ومَعَالِمُ الطريق والدين ، الواحد مَعْلَمٌ ، وفلان معلم للخير . والعُلَّامُ : الحِنَّاء وهو منه .
والعالَمُ : اسم للفلك وما يحويه من الجواهر والأعراض ، وهو في الأصل اسم لما يعلم به كالطابع والخاتم لما يطبع به ويختم به ، وجعل بناؤه على هذه الصيغة لكونه كالآلة .
والعَالَمُ : آلةٌ في الدلالة على صانعه ، ولهذا أحالنا تعالى عليه في معرفة وحدانيته ، فقال : أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « الأعراف : 185 » وأما جمعه فلأن كل نوع من هذه قد يسمى عالماً ، فيقال : عالم الإنسان ، وعالم الماء ، وعالم النار . وأيضاً قد روي : إنلله بضعة عشر ألف عالم . وأما جمعه جمع السلامة فلكون الناس في جملتهم ، والإنسان إذا شارك غيره في اللفظ غلب حكمه . وقيل : إنما جمع هذا الجمع لأنه عنى به أصناف الخلائق من الملائكة والجن والإنس دون غيرها .
وقد روي هذا عن ابن عباس . وقال جعفر بن محمد : عَنَى به الناس وجعل كل واحد منهم عالَماً . وقال : العَالَمُ عالمان الكبير وهو الفلك بما فيه ، والصغير وهو الإنسان لأنه مخلوق على هيئة العالم ، وقد أوجد الله تعالى فيه كل ما هو موجود في العالم الكبير ، قال تعالى : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ .
وقوله تعالى : وَأني فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ « البقرة : 47 » قيل : أراد عالمي زمانهم . وقيل : أراد فضلاء زمانهم الذين يجري كل واحد منهم مجرى كل عالم لما أعطاهم ومكنهم منه ، وتسميتهم بذلك كتسمية إبراهيم عليه السلام بأمة في قوله : إن إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً « النحل : 120 » وقوله : أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ « الحجر : 70 » .
ملاحظات
1 . فسر الراغب العلم والتعلم بتقسيم ناقص ، وطبق عليه بعض الآيات . وأقسام العلم أوسع مما ذكر وأكثر تفصيلاً .
2 . وفسر تعليم الله تعالى لآدم عليه السلام الأسماء بأنه ألهمه النطق بها ووضع الكلمات لمسمياتها ، أو كما ألهم الحيوانات غرائزها ، فلو كان هذا ما علمه لآدم عليه السلام لما تعجبت الملائكة وخضعت وقالت : سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا .
فلا هي أسماء كالتي نعرف ، لأنه عبر عنها بضمير العاقل . ولا تعليمه عز وجل له كالتعليم الذي نعرفه ، لأن آدم استطاع أن يستوعبها فكان بذلك أعلم من الملائكة ، وكان بذلك أعلى منهم درجة ، فاعترفوا له .
وقد تقدم للراغب في : سما ، كلام أعمق مما ذكره هنا .
3 . نلاحظ ضعف تفسيره لعلم الخضر اللَّدُنِّي ، الذي
--------------------------- 526 ---------------------------
لم يتحمله نبي الله موسى عليهما السلام ، وتفسيره : من عنده علمٌ من الكتاب ، ومن عنده علمُ الكتاب . وقد قال الله تعالى : قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ . وقال عز وجل : قُلْ كَفَى بِالله شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ . وقال : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَئٍْ .
4 . كذلك تفسيره عِلْم الغيب والعلماء والعَالَم والعالمَين في القرآن . ولكنها بحوث غير لغوية مباشرة ، فهي خارجة عن غرض الكتاب .
عَلَنَ
العَلَانِيَةُ : ضد السر ، وأكثر ما يقال ذلك في المعاني دون الأعيان ، يقال : عَلَنَ كذا وأَعْلَنْتُهُ أنا . قال تعالى : أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً « نوح : 9 » أي سرّاً وعلانية . وقال : ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ « القصص : 69 » .
وعِلْوَانُ الكتابِ : يصح أن يكون من عَلَنَ اعتباراً بظهور المعنى الذي فيه لا بظهور ذاته .
ملاحظات
قال الخليل « 2 / 247 » : « ويقال : علوان الكتاب وأظنه غلطاً وإنما هو عنوان » . وحاول ابن فارس والراغب تصحيحه باللام . لكن ظن الخليل أقوى من علم بعضهم .
عَلَا
العُلْوُ : ضد السُّفْل ، والعُلْوِيُّ والسُّفْليُّ المنسوب إليهما . والعُلُوُّ : الإرتفاعُ ، وقد عَلَا يَعْلُو عُلُوّاً وهو عَالٍ ، وعَلِيَ يَعْلَى عَلَاءً فهو عَلِيٌّ . فَعَلَى بالفتح في الأمكنة والأجسام أكثر . قال تعالى : عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ « الإنسان : 21 » .
وقيل : إن عَلَا يقال في المحمود والمذموم ، وعَلِيَ لا يقال إلا في المحمود .
قال : إن فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ « القصص : 4 » لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإنهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ « يونس : 83 » وقال تعالى : فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ « المؤمنون : 46 » وقال لإبليس : أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ « ص : 75 » لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ « القصص : 83 » وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ « المؤمنون : 91 » وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً « الإسراء : 4 » وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا « النمل : 14 » .
والعَليُّ : هو الرفيع القدر من : عَلِيَ ، وإذا وصف الله تعالى به في قوله : إن الله هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ « الحج : 62 » إن الله كانَ عَلِيًّا كَبِيراً « النساء : 34 » فمعناه : يعلو أن يحيط به وصف الواصفين بل علم العارفين . وعلى ذلك يقال : تَعَالَى ، نحو : تَعالَى الله عما يُشْرِكُونَ « النمل : 63 » .
وتخصيص لفظ التفاعل لمبالغة ذلك منه ، لا على سبيل التكلف كما يكون من البشر . وقال عز وجل : تَعالى عما يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً « الإسراء : 43 » فقوله : علواً ليس بمصدر تعالى ، كما إن قوله نباتاً في قوله : أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً « نوح : 17 » وتبتيلاً في قوله : وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً « المزمل : 8 » كذلك .
والأعلى : الأشرف . قال تعالى : أَنَا رَبُّكُمُ الأعلى « النازعات : 24 » . والإسْتِعْلاءُ : قد يكون طلب العلو المذموم ، وقد يكون طلب العلاء ، أي الرفعة ، وقوله : وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى « طه : 64 » يحتمل الأمرين جميعاً .
وأما قوله : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى « الأعلى : 1 » فمعناه : أعلى من أن يقاس به ، أو يعتبر بغيره ، وقوله : وَالسَّماواتِ الْعُلى « طه : 4 » فجمع تأنيث الأعلى ، والمعنى : هي الأشرف والأفضل بالإضافة إلى هذا العالم ، كما قال : أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها « النازعات : 27 » .
وقوله : لَفِي عِلِّيِّينَ « المطففين : 18 » فقد قيل هو اسم أشرف الجنان ، كما إن سِجِّيناً اسم شر النيران . وقيل : بل ذلك في
--------------------------- 527 ---------------------------
الحقيقة اسم سكانها ، وهذا أقرب في العربية ، إذ كان هذا الجمع يختص بالناطقين . قال : والواحد عَلِّيٌ نحو بطيخ . ومعناه : إن الأبرار في جملة هؤلاء فيكون ذلك كقوله : فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ « النساء : 69 » .
وباعتبار العلو قيل للمكان المشرف وللشرف : العَلْيَاءُ . والعُلِّيَّة : تصغير عَالِيَةٍ فصار في التعارف إسماً للغرفة .
وتَعَالَى النهار : ارتفع . وعَالِيَةُ الرمحِ : ما دون السنان ، جمعها عَوَالٍ . وعَالِيَةُ المدينةِ ، ومنه قيل : بعث إلى أهل العَوَالِي ونسب إلى العَالِيَة فقيل عُلْوِيٌّ .
والعَلَاةُ : السندان حديداً كان أو حجراً .
ويقال : العُلِّيَّةُ للغرفة وجمعها عَلَالِي ، وهي فعاليل .
والعِلْيَانُ : البعيرالضخم . وعِلَاوَةُ الشئ : أعلاه ، ولذلك قيل للرأس والعنق : عِلَاوَةٌ ، ولما يحمل فوق الأحمال : عِلَاوَةٌ . وقيل : عِلَاوَةُ الريح وسفالته .
والمُعَلَّى : أشرف القداح ، وهو السابع .
واعْلُ عني : أي ارتفع . وتَعالَ : قيل أصله أن يُدعى الإنسان إلى مكان مرتفع ، ثم جعل للدعاء إلى كل مكان ، قال بعضهم : أصله من العلو ، وهو ارتفاع المنزلة ، فكأنه دعا إلى ما فيه رفعة ، كقولك : إفعل كذا غير صاغر تشريفاً للمقول له .
وعلى ذلك قال : فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا « آل عمران : 61 » تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ « آل عمران : 64 » تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ الله « النساء : 61 » أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ « النمل : 31 » تَعالَوْا أَتْلُ « الأنعام : 151 » . وتَعَلَّى : ذهب صعداً . يقال : عَلَيْتُهُ فتَعَلَّى .
وعَلَى : حَرْفُ جرٍّ ، وقد يوضع موضع الاسم في قولهم : غدت من عَلَيه .
ملاحظات
1 . اعتبر الراغب قوله تعالى : مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ . ذماً للعالين ، مع أنه مدحٌ لهم ، لأن الله تعالى يقول لإبليس : هل عصيت أمري أم تزعم أنك غير مشمول بالأمر كعبادي العالين المستثنين من أمري !
فالعالون في الآية أناسٌ غير مكلفين بالسجود لآدم عليه السلام لأنهم عالون عن مجتمع الملائكة والجن . ولا يمكن أن يكونوا إلا أشرف الخلق : محمداً وعترته صلى الله عليه وآله .
2 . قال تعالى : وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا . « مريم : 50 » وفسروا علياً بأنه صفة للسان ، لكن لم يرد في العربية وصف اللسان بأنه علي . فيترجح أن يكون عَلَماً كما وردت الرواية ، لأن إبراهيم عليه السلام طلب أن يكون له لسان صدق في الأمة الآخرة بقوله : وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ . « الشعراء : 83 » . فاستجاب له الله تعالى بقوله : وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا .
3 . العِلِّيَّةُ بكسر العين وضمها الغرفة العليا . وليست تصغير عالية كما تصور الراغب . راجع : العين « 2 / 246 » .
عَمَّ
العَمُّ : أخو الأب ، والعَمَّةُ أخته . قال تعالى : أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عماتِكُمْ « النور : 61 » ورجل مُعِمٌّ مُخْوِلٌ . واسْتَعَمَّ عَمّاً وتَعَمَّمَهُ ، أي اتّخذه عماً ، وأصل ذلك من العُمُومِ ، وهو الشمول وذلك باعتبار الكثرة . ويقال : عَمَّهُمْ كذا وعَمَّهُمْ بكذا ، عماً وعُمُوماً .
والعَامَّةُ : سُمُّوا بذلك لكثرتهم وعُمُومِهِمْ في البلد . وباعتبار الشمول سُمِّيَ المِشْوَذُ العِمَامَةَ ، فقيل : تَعَمَّمَ نحو : تقنَّع وتقمص وعَمَّمْتُهُ . وكُني بذلك عن السيادة .
وشاة مُعَمَّمَةٌ : مُبْيَضَّةُ الرأس كأن عليها عِمَامَةً نحو : مقنعة ومخمرة . قال الشاعر : يا عامرَ بن مالكٍ يا عَمَّا
أفنيتَ عماً وجَبَرْتَ عَمَّا
--------------------------- 528 ---------------------------
أي : يا عماه سلبت قوماً وأعطيت قوماً . وقوله : عَمَّ يَتَساءَلُونَ ، أي عن ما ، وليس من هذا الباب .
ملاحظات
جعل الراغب العم مشتقاً من العموم ، وجعله ابن فارس مشتقاً من الطول والشمول قال « 4 / 15 » : « عَمَّ : أصل صحيح واحد يدل على الطول والكثرة والعلو . قال الخليل : العميم : الطويل من النبات ، يقال نخلة عميمة والجمع عمّ . ويقولون : استوى النبات على عَمَمِه ، أي على تمامه . ويقال جارية عميمة ، أي طويلة . وجسم عَمَمٌ » .
لكن لماذا لم يجعلوا العم أصلاً بنفسه ، وما هو المرجح لفرض أن غيره وُضع لفظُه قبله ؟
عَمَدَ
العَمْدُ : قصد الشئ والإستناد إليه ، والعِمَادُ : ما يُعْتَمَدُ . قال تعالى : إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ « الفجر : 7 » أي الذي كانوا يَعْتَمِدُونَهُ ، يقال : عَمَّدْتُ الشئ : إذا أسندته ، وعَمَّدْتُ الحائِطَ مثلُهُ .
والعَمُودُ : خشب تَعْتَمِدُ عليه الخيمة ، وجمعه : عُمُدٌ وعَمَدٌ . قال : فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ « الهمزة : 9 » وقرئ : فِي عُمُدٍ ، وقال : بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها « الرعد : 2 » وكذلك ما يأخذه الإنسان بيده مُعْتَمِداً عليه من حديد أو خشب .
وعَمُودُ الصبحِ : ابتداء ضوئه تشبيهاً بالعمود في الهيئة . والعَمْدُ والتعَمُّدُ : في التعارف خلاف السهو ، وهو المقصود بالنية ، قال : وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً « النساء : 93 » وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ « الأحزاب : 5 » .
وقيل : فلان رفيع العِمَادِ : أي هو رفيع عند الإعتِمَادِ عليه . والعُمْدَةُ : كل ما يعتمد عليه من مال وغيره ، وجمعها : عُمُدٌ . وقرئ : فِي عُمُدٍ .
والْعَمِيدُ : السَّيِّدُ الذي يَعْمُدُهُ الناسُ ، والقلب الذي يَعْمُدُهُ الحزن ، والسقيم الذي يعمده السُّقْم .
وقد عَمَدَ : توجع من حزن أو غضب أو سقم ، وعَمِدَ البعيرُ : توجع من عقر ظهره .
عَمَرَ
العِمَارَةُ : نقيض الخراب : يقال : عَمَرَ أرضَهُ : يَعْمُرُهَا عِمَارَةً . قال تعالى : وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ « التوبة : 19 » يقال : عَمَّرْتُهُ فَعَمَرَ فهو مَعْمُورٌ . قال : وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها « الروم : 9 » وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ « الطور : 4 »
وأَعْمَرْتُهُ الأرضَ واسْتَعْمَرْتُهُ : إذا فوّضت إليه العِمَارَةُ ، قال : وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها « هود : 61 » .
والْعَمْرُ والْعُمُرُ : اسم لمدة عمارة البدن بالحياة فهو دون البقاء ، فإذا قيل : طال عُمُرُهُ ، فمعناه : عِمَارَةُ بدنِهِ بروحه ، وإذا قيل : بقاؤه فليس يقتضي ذلك ، فإن البقاء ضد الفناء ، ولفضل البقاء على العمر وصف الله به ، وقلما وصف بالعمر .
والتعْمِيرُ : إعطاء العمر بالفعل ، أو بالقول على سبيل الدعاء . قال : أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ « فاطر : 37 » وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ « فاطر : 11 » وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ « البقرة : 96 » وقوله تعالى : وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ « يس : 68 » قال تعالى : فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ « القصص : 45 » وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ « الشعراء : 18 » .
والعُمُرُ والْعَمْرُ واحد : لكن خُصَّ القَسَمُ بِالْعَمْرِ دون العُمُرِ ، نحو : لَعَمْرُكَ إنهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ « الحجر : 72 » وعَمْرَكَ الله ، أي سألت الله عمرك ، وخُصَّ هاهنا لفظ عَمْر لما قصد به قصد القسم .
والإعتِمَارُ والْعُمْرَةُ : الزيارة التي فيها عِمَارَةُ الود ، وجعل في الشريعة للقصد المخصوص . وقوله : إنما يَعْمُرُ مَساجِدَ
--------------------------- 529 ---------------------------
الله « التوبة : 18 » إما من العِمَارَةِ التي هي حفظ البناء ، أو من العُمْرَةِ التي هي الزيارة ، أو من قولهم : عَمَرْتُ بمكان كذا ، أي أقمت به لأنه يقال : عَمَرْتُ المكانَ وعَمَرْتُ بالمكانِ .
والعِمَارَةُ أخصُّ من القبيلة ، وهي اسم لجماعة بهم عِمَارَةُ المكانِ ، قال الشاعر : لكل أناسٍ من مَعَدٍّ عمارة ٌ
والعَمارُ : ما يضعه الرئيس على رأسه عِمَارَةً لرئاسته وحفظاً له ، ريحاناً كان أو عمامة . وإذا سمي الرَّيْحان من دون ذلك عَمَاراً فاستعارةٌ منه واعتبارٌ به .
والْمَعْمَرُ : المَسْكَنُ ما دام عَامِراً بسكانه . والْعَوْمَرَةُ : صَخَبٌ يدل على عمارة الموضع بأربابه . والعُمْرَى في العطية : أن تجعل له شيئاً مدة عمرك أو عمره كالرقبى . وفي تخصيص لفظه تنبيهٌ [ على ] أن ذلك شئ معار .
والعَمْرُ : اللحم الذي يُعْمَرُ به ما بين الأسنان ، وجمعه عُمُورٌ . ويقال للضبع : أم عَامِر ، وللإفلاس : أبو عُمْرَةَ .
عَمَقَ
قال تعالى : مِنْ كل فَجٍّ عَمِيقٍ « الحج : 27 » أي بعيد .
وأصل العُمْقِ : البعد سُفْلاً ، يقال : بئر عَمِيقٌ ومَعِيقٌ : إذا كانت بعيدة القعر .
عَمِلَ
العَمَلُ : كل فعل يكون من الحيوان بقصد ، فهو أخصُّ من الفعل ، لأن الفعل قد ينسب إلى الحيوانات التي يقع منها فعل بغير قصد ، وقد ينسب إلى الجمادات ، والعَمَلُ قلما ينسب إلى ذلك . ولم يستعمل العَمَلُ في الحيوانات إلا في قولهم : البقر العَوَامِلُ .
والعَمَلُ : يستعمل في الأعمَالِ الصالحة والسيئة قال : إن الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ « البقرة : 277 » وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ « النساء : 124 » مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ « النساء : 123 » وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ « التحريم : 11 » .
وأشباه ذلك : إنهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ « هود : 46 » وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ .
وقوله تعالى : وَالْعامِلِينَ عَلَيْها « التوبة : 60 » : هم المتولون على الصدقة ، والعَمَالَةُ : أجرته . وعَامِلُ الرُّمْحِ : ما يلي السنان ، والْيَعْمُلَةُ : مشتقة من الْعَمَلِ .
ملاحظات
استعمل القرآن لفعل الإنسان : صَنَعَ ، بضع عشرة مرة . وفَعَلَ عشرات المرات ، وعَمِلَ وَكَسَبَ أكثر منهما .
وحاول اللغويون التمييز بينها ، فجعل الراغب العَمَل : فعل الحيوان بقصد ، ووسعه إلى الحيوان لوصفهم البقر بالعَوَامِلُ ، وقالوا : اليعملة للناقة التي تحسن العمل . والصحيح أن نسبة العمل إلى الحيوان لأنه وسيلة لعمل الإنسان ، فالعمل للحيوان مجاز .
ويبدو أن فَعَلَ إسمٌ لما يصدر عن الإنسان بإرادة ، ويشمل الخطأ بنحو من المجاز .
وأن العمل فعل مركب من أفعال .
أما الصنع فهو عمل يبرز فيه عنصرالخطة والابتكار . فالفعل أعم من العمل كما قال الراغب ، والصنع أخص منهما ، والكسب هو النتيجة النهائية ، لكن الجزاء الإلهي ذكر على العمل والكسب بالدرجة الأولى . وبحث ذلك خارج عن غرض الكتاب .
عَمَهَ
الْعَمَهُ : التردُّدُ في الأمر من التحير . يقال : عَمَهَ فهو عَمِهٌ وعَامِهٌ ، وجمعه عُمْهٌ . قال تعالى : فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ « الأعراف : 186 » فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ « البقرة : 15 » وقال تعالى : زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ « النمل : 4 » .
عَمِيَ
العَمَى : يقال في افتقاد البصر والبصيرة ، ويقال في الأول
--------------------------- 530 ---------------------------
أَعْمَى ، وفي الثاني أَعْمَى وعَمٍ .
وعلى الأول قوله : أَنْ جاءَهُ الأعمى « عبس : 2 » وعلى الثاني ما ورد من ذم العَمَى في القرآن نحو قوله : صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ « البقرة : 18 » وقوله : فَعَمُوا وَصَمُّوا « المائدة : 71 » بل لم يَعُدَّ افتقاد البصر في جنب افتقاد البصيرة عَمًى حتى قال : فَإنها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ « الحج : 46 » وعلى هذا قوله : الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي « الكهف : 101 » وقال : لَيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ « الفتح : 17 » .
وجمع أَعْمَى عُمْيٌ وعُمْيَانٌ ، قال تعالى : بُكْمٌ عُمْيٌ « البقرة : 171 » صُمًّا وَعُمْياناً « الفرقان : 73 » .
وقوله : وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا « الإسراء : 72 » فالأول اسم الفاعل ، والثاني قيل هو مثله ، وقيل هو أفعل من كذا ، الذي للتفضيل لأن ذلك من فقدان البصيرة . ويصح أن يقال فيه : ما أفعله ، وهو أفعل من كذا .
ومنهم من حمل قوله تعالى : وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى « الإسراء : 72 » على عمى البصيرة ، والثاني على عمى البصر . وإلى هذا ذهب أبو عمرو ، فأمال الأولى لما كان من عمى القلب ، وترك الإمالة في الثاني لما كان إسماً ، والاسم أبعد من الإمالة ، قال تعالى : قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى « فصلت : 44 » إنهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ « الأعراف : 64 » وقوله : وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى « طه : 124 » وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا « الإسراء : 97 » فيحتمل لعمى البصر والبصيرة جميعاً . وَعَمِيَ عليه : أي اشتبه حتى صار بالإضافة إليه كالأعمى قال : فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ « القصص : 66 » وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ « هود : 28 » .
والعَمَاءُ : السحاب ، والعَمَاءُ : الجهالة ، وعلى الثاني حمل بعضهم ما روي أنه قيل : أين كان ربنا قبل أن خلق السماء والأرض ؟ قال : في عماء تحته عماء وفوقه عماء . قال : إن ذلك إشارة إلى أن تلك حالة تُجهل ، ولا يمكن الوقوف عليها . والعَميةُ : الجهل . والْمَعَامِي : الأغفال من الأرض التي لا أثر بها .
ملاحظات
كأن الراغب صحح الحديث الموضوع المعروف بحديث العَمَاء ، وراويه أعرابيٌّ غير موثق هو أبو رزين العقيلي ، وقد استند اليه المجسمة كابن تيمية لإثبات أن الله تعالى موجود في مكان وجهة !
قال أبو رزين : « قلت يا رسول الله أين كان ربنا عز وجل قبل أن يخلق خلقه ؟ قال : كان في عماء ، ما تحته هواء وما فوقه هواء ، ثم خلق عرشه على الماء » . « مسندأحمد : 4 / 11 » .
وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجة / 17 - 181 » . وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث / 206 : « ونحن نقول إن حديث أبي رزين هذا مختلف فيه ، وقد جاء من غير ذا الوجه بألفاظ تستشنع أيضاً ، والنقلة له أعراب » ! « راجع ألف سؤال وإشكال : 1 / 31 » .
عَنْ
عَنْ : يقتضي مجاوزة ما أضيف إليه ، تقول : حدثتك عن فلان ، وأطعمته عن جوع .
قال أبو محمد البصري : عَنْ : يستعمل أعم من على لأنه يستعمل في الجهات الست ، ولذلك وقع موقع على في قول الشاعر : إذا رَضِيَتْ عليَّ بَنُو قُشَيْرٍ
قال : ولو قلت أطعمته على جوع وكسوته على عري لصح .
عِنَب
العِنَبُ : يقال لثمرة الكرم ، وللكرم نفسه ، الواحدة عِنَبَةٌ ،
--------------------------- 531 ---------------------------
وجمعه أَعْنَابٌ . قال تعالى : وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالأعنابِ « النحل : 67 » وقال تعالى : جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ « الإسراء : 91 » وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ « الرعد : 4 » حَدائِقَ وَأَعْناباً « النبأ : 32 » وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً « عبس : 28 » جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ « الكهف : 32 » .
والْعِنَبَةُ : بَثْرَةٌ على هيئته .
عَنَتَ
المُعَانَتَةُ : كالمعاندة لكن المُعَانَتَةُ أبلغ لأنها معاندة فيها خوف وهلاك ( ! ) ولهذا يقال : عَنَتَ فلان : إذا وقع في أمر يخاف منه التلف ، يَعْنُتُ عَنَتاً . قال تعالى : لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ « النساء : 25 » وَدُّوا ما عَنِتُّمْ « آل عمران : 118 » عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ « التوبة : 128 » وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ أي ذلت وخضعت ، ويقال : أَعْنَتَهُ غيرُهُ . وَلَوْ شاءَ الله لَأَعْنَتَكُمْ « البقرة : 220 » . ويقال للعظم المجبور إذا أصابه ألم فَهَاضَهُ : قد أَعْنَتَهُ .
ملاحظات
فسر العَنَتَ في القرآن بالعناد ، لأن عَنَتَ في ذهنه مثل عَنَدَ ، فالمعانتة معاندة ! ثم جعل العناد مأخوذاً من كلمة عِنْدَ الظرفية كما يأتي !
والصحيح أن العنت المشقة لا العناد ، قال الخليل « 2 / 72 » : « العنت : إدخال المشقة على إنسان . . وتعنته تعنتاً ، أي سألته عن شئ أردت به اللبس عليه والمشقة . والعظم المجبور يصيبه شئ فيعنته إعناتاً » ونحوه ابن فارس « 4 / 150 » . ولم يذكرأحد من اللغويين المعانتة ، بل لم أجد استعمالها عند العرب فلو قلت لهم عانته ، لما فهموا منها عانده بل فهموا منها العانة !
فقول الراغب : المعانتة كالمعاندة لكنها أشد منها لأنها معاندة مع خوف وهلاك ، من اختراعاته التي لا تليق بعالم !
عَنَدَ
عِنْدَ : لفظ موضوع للقرب ، فتارة يستعمل في المكان ، وتارة في الإعتقاد ، نحو أن يقال : عِنْدِي كذا ، وتارة في الزلفى والمنزلة ، وعلى ذلك قوله : بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ « آل عمران : 169 » إن الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ « الأعراف : 206 » فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ « فصلت : 38 » قالَتْ : رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ « التحريم : 11 » وعلى هذا النحو قيل : الملائكة المقربون عِنْدَ الله ، قال : وَما عِنْدَ الله خَيْرٌ وَأَبْقى « الشورى : 36 » وقوله : وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ « الزخرف : 85 » وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ « الرعد : 43 » أي في حكمه ، وقوله : فَأُولئِكَ عِنْدَ الله هُمُ الْكاذِبُونَ « النور : 13 » وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ الله عَظِيمٌ « النور : 15 » وقوله تعالى : إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحق مِنْ عِنْدِكَ « الأنفال : 32 » فمعناه في حكمه .
والعَنِيدُ : المعجب بما عنده ، والمُعَانِدُ : المباهي بما عنده . قال : كل كَفَّارٍ عَنِيدٍ « ق : 24 » إنهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً « المدثر : 16 » .
والْعَنُودُ : قيل مثله ، قال : لكن بينهما فرق ، لأن العَنِيدَ الذي يُعَانِدُ ويخالف ، والْعَنُودُ الذي يَعْنُدُ عن القصد ، قال : ويقال : بعير عَنُودٌ ولا يقال عَنِيدٌ .
وأما العُنَّدُ : فجمعُ عَانِدٍ . وجمع الْعَنُودِ : عَنَدَةٌ وجمعُ الْعَنِيدِ : عِنَدٌ . وقال بعضهم : العُنُودُ : هو العدول عن الطريق لكن العَنُودُ خُصَّ بالعادل عن الطريق المحسوس ، والعَنِيدُ بالعادل عن الطريق في الحكم ، وعَنَدَ عن الطريق : عدل عنه .
وقيل : عَانَدَ لَازَمَ ، وعَانَدَ فارَقَ ، وكلاهما من عَنَدَ ، لكن باعتبارين مختلفين كقولهم : البين في الوصل والهجر باعتبارين مختلفين .
ملاحظات
1 . جعل الراغب عِنْدَ التي هي ظرف مكان وزمان ، أصلاً اشتُقَّ منه العناد وفروعه ! قال : « والعَنِيدُ : المعجب بما عنده ، والمُعَانِدُ : المباهي بما عنده » .
--------------------------- 532 ---------------------------
وهذا يدل على ضعف حسه اللغوي . فالعناد أصل مستقل لا علاقة له بعِنْدَ الظرفية .
قال الخليل « 2 / 42 » : « عَنَدَ الرجل يَعْنَد عَنْداَ وعُنُوداً فهو عَانِدٌ وعَنِيدٌ : إذا طغى وعتى وجاوز قدره . ومنه المعاندة وهو أن يعرف الشئ ويأبى أن يقبله أو يقر به » .
2 . استعمل القرآن كلمة عنيد أربع مرات ، فقال تعالى في جَبَّاري قوم عاد : وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ .
وفي جَبَّاري قوم نوح وعاد وثمود : وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ .
وفي الوليد بن المغيرة والد خالد بن الوليد : كَلا إِنَّهُ كَأن لآيَاتِنَا عَنِيدًا .
وفي أمره للنبي صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام في المحشر أن يلقيا الجبارين في النار : أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ .
عَنَقَ
العُنُقُ : الجارحة ، وجمعه أَعْنَاقٌ . قال تعالى : وَكل إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ « الإسراء : 13 » مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأعناقِ « ص : 33 » إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ « غافر : 71 » وقوله تعالى : فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعناقِ « الأنفال : 12 » أي رؤوسهم .
ومنه : رجل أَعْنَقُ : طويل العُنُقِ ، وامرأة عَنْقَاءُ . وكلب أَعْنَقُ : في عنقه بياض ، وأَعْنَقْتُهُ كذا : جعلته في عنقه .
ومنه استعير : اعْتَنَقَ الأمرَ ، وقيل لأشراف القوم : أَعْنَاقٌ . وعلى هذا قوله : فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ « الشعراء : 4 » .
وتَعَنَّقَ الأرنب : رفع عنقه . والعَنَاقُ : الأنثى من المعز . وعَنْقَاءُ مغربٍ ، قيل هو طائر متوهم لا وجود له في العالم .
عَنَى
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ « طه : 111 » أي خضعت مستأسرة بعناء ، يقال : عَنَيْتُهُ بكذا ، أي أنصبته . وعَنِيَ : نَصِبَ واستأسر ، ومنه العَانِي للأسير . وقال عليه الصلاة والسلام : إستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عَوَانٍ .
وعُنِيَ بحاجته : فهو مَعْنِيٌّ بها . وقيل عُنِيَ فهو عَانٍ ، وقرئ : لكل امرئ منهم يومئذ شأن يُعْنِيهِ .
والعَنِيَّةُ : شئ يطلى به البعير الأجرب ، وفي الأمثال : عَنِيَّةٌ تشفي الجرب .
والمَعْنَى : إظهار ما تضمنه اللفظ ، من قولهم : عَنَتِ الأرض بالنبات : أنبتته حسناً . وعَنَتِ القربة : أظهرت ماءها ، ومنه : عِنْوَانُ الكتابِ في قول من يجعله من : عُنِيَ . والمَعْنَى يقارن التفسير ، وإن كان بينهما فرق .
عَهَدَ
العَهْدُ : حفظ الشئ ومراعاته حالاً بعد حال . وسميَ المَوْثِق الذي يلزم مراعاته عَهْداً ، قال : وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إن الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا « الإسراء : 34 » أي أوفوا بحفظ الأيمان ، قال : لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ « البقرة : 124 » أي لا أجعل عهدي لمن كان ظالماً ، قال : وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله « التوبة : 111 » .
وعَهِدَ فلان إلى فلان يَعْهَدُ : أي ألقى إليه العهد وأوصاه بحفظه . قال : وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ « طه : 115 » أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ « يس : 60 » الَّذِينَ قالُوا إن الله عَهِدَ إِلَيْنا « آل عمران : 183 » وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ « البقرة : 125 » .
وعَهْدُ الله : تارةً يكون بما ركزه في عقولنا ، وتارةً يكون بما أمرنا به بالكتاب وبألْسِنَة رسله . وتارةً بما نلتزمه وليس بلازم في أصل الشرع كالنذور وما يجري مجراها .
وعلى هذا قوله : وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ الله « التوبة : 75 » أَوَكلما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ « البقرة : 100 » وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا الله مِنْ قَبْلُ « الأحزاب : 15 » .
والمُعَاهَدُ : في عرف الشرع يختص بمن يدخل من الكفار في عَهْدِ المسلمين ، وكذلك ذو الْعَهْدِ . قال عليه السلام : لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عَهْدٍ في عَهْدِهِ .
--------------------------- 533 ---------------------------
وباعتبار الحفظ قيل للوثيقة بين المتعاقدين : عُهْدَةٌ ، وقولهم : في هذا الأمر عُهْدَةٌ لما أمر به أن يستوثق منه ، وللتفقد قيل للمطر : عَهْدٌ ، وعِهَادٌ . وروضة مَعْهُودَةٌ : أصابها العِهَادُ .
ملاحظات
عَرَّفَ الراغب العهد بأنه : حفظ الشئ ومراعاته حالاً بعد حال . وهو خطأٌ لأن الحفظ والرعاية يشملان غير العهد ، بل هو كما قال الخليل « 1 / 102 » : « الوصية والتقدم إلى صاحبك بشئ ، ومنه اشتق العهد الذي يُكتب للولاة ، ويجمع على عهود . والعهد : الالتقاء والإلمام يقال : ما لي عهد بكذا وإنه لقريب العهد به .
والعهد : المنزل الذي لا يكاد القوم إذا انتأوا عنه رجعوا إليه . والمعهد : الموضع الذي كنت عهدته أو عهدت فيه هوى لك . والعهد من المطر .
والعُهْدة : كتاب الشراء وجمعه عُهَد . والتعاهد : الاحتفاظ بالشئ وإحداث العهد به » .
عَهَنَ
العِهْنُ : الصوف المصبوغ . قال تعالى : كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ « القارعة : 5 » وتخصيص العِهْنِ لما فيه من اللون كما ذكر في قوله : فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ « الرحمن : 37 » . ورمى بالكلام على عَوَاهِنِهِ : أي أورده من غير فكر وروية ، وذلك كقولهم : أورد كلامه غير مفسر .
عَابَ
العَيْبُ والعَابُ : الأمر الذي يصير به الشئ عَيْبَةً . أي مقرّاً للنقص . وعِبْتُهُ : جعلته مَعِيباً إما بالفعل كما قال : فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها « الكهف : 79 » وإما بالقول ، وذلك إذا ذممته نحو قولك : عِبْتُ فلاناً .
والْعَيْبَةُ : ما يستر فيه الشئ ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : الأنصار كرشي وعَيْبَتِي . أي موضع سري .
عَوَجَ
الْعَوْجُ : العطف عن حال الانتصاب ، يقال : عُجْتُ البعير بزمامه ، وفلان ما يَعُوجُ عن شئ يهم به ، أي ما يرجع .
والعَوَجُ : يقال فيما يدرك بالبصر سهلاً ، كالخشب المنتصب ونحوه .
والعِوَجُ : يقال فيما يدرك بالفكر والبصيرة ، كما يكون في أرض بسيط يعرف تفاوته بالبصيرة ، والدين ، والمعاش ، قال تعالى : قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ « الزمر : 28 » وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً « الكهف : 1 » والَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَها عِوَجاً « الأعراف : 45 » . والأعوَجُ : يكنى به عن سيئ الخلق .
والأعوَجِيَّةُ : منسوبة إلى أَعْوَجَ وهو فحلٌ معروف .
ملاحظات
1 . أخذ الراغب تفسير العوج من ابن السكيت ، لكنه تصرف في عبارته فعوجها !
قال الجوهري « 1 / 331 » : « قال ابن السكيت : وكل ما كان ينتصب كالحائط والعود قيل : فيه عَوَجٌ بالفتح ، والعِوَجُ بالكسر ما كان في أرضٍ أو دِينٍ أو معاش ، يقال : في دِينه عِوَجٌ » .
وقال الخليل « 2 / 184 » : « عِوج كل شئ : تعطفُه من قضيب وغير ذلك . وتقول : عُجْتُهُ أعُوجه عِوَجاً فانعاج » .
وقال ابن فارس « 4 / 179 » : « فالعَوج مفتوح في كل ما كان منتصباً كالحائط والعود . والعِوَج : ما كان في بساط أو أمر نحو دين ومعاش » .
وقال ابن منظور « 2 / 331 » : « وهو بفتح العين مختص بكل شخص مَرْئيٍّ كالأَجسام . والعِوَجُ بكسر العين في الدِّين ، تقول : في دينه عِوَجٌ . وفي التنزيل : الحمد لله الذي أَنزل على عبده الكتاب لم يجعل له عِوَجاً قَيِّماً » .
--------------------------- 534 ---------------------------
2 . وقد استُعملَ العِوج في القرآن تسع مرات : خمسة منها في الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً . واثنتان في يوم المحشر حيث يزيل الله الجبال من الأرض : فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا . لاتَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا . يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِىَ لا عِوَجَ لَهُ .
واثنتان في نفي العوج عن القرآن : وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا . . قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍ .
عَوَدَ
الْعَوْدُ : الرجوع إلى الشئ بعد الانصراف عنه ، إما انصرافاً بالذات ، أو بالقول والعزيمة . قال تعالى : رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإنا ظالِمُونَ « المؤمنون : 107 » وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ « الأنعام : 28 » وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ « المائدة : 95 » وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ « الروم : 27 » وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ « البقرة : 275 » وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا « الإسراء : 8 » وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ « الأنفال : 19 » أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا « الأعراف : 88 » فَإِنْ عُدْنا فَإنا ظالِمُونَ « المؤمنون : 107 » إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها « الأعراف : 89 » .
وقوله : وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا « المجادلة : 3 » فعند أهل الظاهر هو أن يقول للمرأة ذلك ثانياً ، فحينئذ يلزمه الكفارة . وقوله : ثُمَّ يَعُودُونَ كقوله : فَإِنْ فاؤُا « البقرة : 226 » .
وعند أبي حنيفة : العَوْدُ في الظِّهار هو أن يجامعها بعد أن يظاهر منها . وعند الشافعي : هو إمساكها بعد وقوع الظهار عليها مدة يمكنه أن يطلق فيها فلم يفعل ، وقال بعض المتأخرين : المظاهرة هي يمين نحو أن يقال : امرأتي عليَّ كظهر أمي إن فعلت كذا . فمتى فعل ذلك وحنث يلزمه من الكفارة ، ما بَيَّنَهُ تعالى في هذا المكان .
وقوله : ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا « المجادلة : 3 » يحمل على فعل ما حلف له أن لا يفعل ، وذلك كقولك : فلان حلف ثم عَادَ : إذا فعل ما حلف عليه . قال الأخفش : قوله لِما قالُوا متعلقٌ بقوله : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ، وهذا يقوي القول الأخير .
قال : ولزوم هذه الكفارة إذا حنث كلزوم الكفارة المبينة في الحلف بالله ، والحنث في قوله فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ « المائدة : 89 »
وإعَادَةُ الشئ كالحديث وغيره تكريره . قال تعالى : سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الأولى « طه : 21 » أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ « الكهف : 20 » .
والعَادَةُ : اسم لتكرير الفعل والإنفعال حتى يصير ذلك سهلاً تعاطيه كالطبع ، ولذلك قيل : العَادَةُ طبيعة ثانية .
والعِيدُ : ما يُعَاوِدُ مرة بعد أخرى ، وخص في الشريعة بيوم الفطر ويوم النحر ، ولما كان ذلك اليوم مجعولاً للسّرور في الشريعة ، كما نبه النبي صلى الله عليه وآله بقوله : أيام أكلٍ وشربٍ وبِعَالٍ ، صار يستعمل العِيدُ في كل يوم فيه مسرة ، وعلى ذلك قوله تعالى : أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً « المائدة : 114 » .
والعِيدُ : كل حالة تُعَاوِدُ الإنسان . والعَائِدَةُ : كل نفع يرجع إلى الإنسان من شئ ما .
والمَعادُ : يقال للعود وللزمان الذي يَعُودُ فيه ، وقد يكون للمكان الذي يَعُودُ إليه ، قال تعالى : إن الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ « القصص : 85 » قيل : أراد به مكة ، والصحيح ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام وذكره ابن عباس أن ذلك إشارة إلى الجنة التي خلقه فيها بالقوة في ظهر آدم ، وأظهر منه حيث قال : وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ . . الآية « الأعراف : 172 » .
والعَوْدُ : البعير المسن اعتباراً بِمُعَاوَدَتِهِ السير والعمل ، أو بِمُعَاوَدَةِ السنين إياه وعَوْدِ سنة بعد سنة عليه ، فعلى الأول يكون بمعنى الفاعل ، وعلى الثاني بمعنى المفعول .
--------------------------- 535 ---------------------------
والعَوْدُ : الطريق القديم الذي يَعُودُ إليه السفر .
ومن العَوْدِ : عِيَادَةُ المريض .
والعِيدِيَّةُ : إبل منسوبة إلى فحل يقال له : عِيدٌ .
والْعُودُ : قيل هو في الأصل الخشب الذي من شأنه أن يَعُودُ إذا قطع ، وقد خص بالمزهر المعروف وبالذي يتبخر به .
ملاحظات
فسر الراغب قوله تعالى : إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ، بأنه وعد من الله تعالى أن يردَّ نبيه صلى الله عليه وآله إلى الجنة التي كان فيها عندما كان في ظهر أبيه آدم عليه السلام .
وهو تفسير بعيد بل غريب ! وقد ورد تفسيرها بأنه وعده برده إلى مكة التي أخرج منها ، وأنه وعدهُ برده صلى الله عليه وآله إلى الدنيا في الرجعة . ولا مانع من الجمع بينهما .
عَوَذَ
العَوْذُ : الالتجاء إلى الغير والتعلق به . يقال : عَاذَ فلان بفلان ، ومنه قوله تعالى : أَعُوذُ بِالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ « البقرة : 67 » وَإني عُذْتُ بِرَبي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ « الدخان : 20 » قُلْ أَعُوذُ بِرَبِ « الفلق : 1 » إني أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ « مريم : 18 » .
وأَعَذْتُهُ ب الله أُعِيذُهُ : قال : إني أُعِيذُها بِكَ « آل عمران : 36 » وقوله : مَعاذَ الله « يوسف : 79 » أي نلتجئ إليه ونستنصر به أن نفعل ذلك ، فإن ذلك سوء نتحاشى من تعاطيه .
والْعُوذَةُ : ما يُعَاذُ به من الشئ ، ومنه قيل للتميمة والرقية : عُوذَةٌ . وعَوَّذَهُ : إذا وقاه ، وكل أنثى وضعت فهي عَائِذٌ إلى سبعة أيام .
عَوَرَ
العَوْرَةُ : سوأة الإنسان ، وذلك كناية ، وأصلها من العَارِ وذلك لما يلحق في ظهوره من العار أي المذمة ، ولذلك سمي النساء عَوْرَةً . ومن ذلك : العَوْرَاءُ للكلمة القبيحة . وعَوِرَتْ عينه عَوَراً ، وعَارَتْ عينه عَوَراً ، وعَوَّرَتْهَا . وعنه اسْتُعِيرَ : عَوَّرْتُ البئر .
وقيل للغراب : الأعوَرُ ، لحدة نظره ، وذلك على عكس المعنى ، ولذلك قال الشاعر : وَصِحَاحُ العُيُونِ يُدْعَوْنَ عُوراً
والعَوارُ والعَوْرَةُ : شَقٌّ في الشئ كالثوب والبيت ونحوه . قال تعالى : إن بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ « الأحزاب : 13 » أي متخرقة ممكنة لمن أرادها ، ومنه قيل : فلان يحفظ عَوْرَتَهُ أي خلله . وقوله : ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ « النور : 58 » أي نصف النهار وآخر الليل ، وبعد العشاء الآخرة . وقوله : الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ « النور : 31 » أي لم يبلغوا الحلم .
وسهم عَائِرٌ : لا يدرى من أين جاء . ولفلان عَائِرَةُ عين من المال ، أي ما يعور العين ويحيرها لكثرته .
والمُعَاوَرَةُ : قيل في معنى الاستعارة . والعَارِيَّةُ : فِعْلِيَّة من ذلك ، ولهذا يقال : تَعَاوَرَهُ العواري . وقال بعضهم هو من العَارِ ، لأن دفعها يورث المذمة والعَار َ ، كما قيل في المثل : إنه قيل لِلْعَارِيَّةِ أين تذهبين . فقالت : أجلب إلى أهلي مذمة وعَاراً ، وقيل : هذا لا يصح من حيث الإشتقاق ، فإن العَارِيَةَ من الواو بدلالة : تَعَاوَرْنَا ، والعار من الياء لقولهم : عيرته بكذا .
ملاحظات
1 . الظاهر أن عَوَرَ الأشياء مأخوذ من عور العين وعوارها .
وقول الراغب إنه من العار بعيد . وهو معتل بالياء لا بالواو .
2 . وردت المادة في القرآن ، في وصف الأطفال : والطفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ .
وفي أدبهم مع آبائهم وأمهاتهم : لِيَسْتَئْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَوةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَوةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ .
وفي الفارين في غزوة الخندق بحجة الخوف على
--------------------------- 536 ---------------------------
بيوتهم من بني قريظة : وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا .
قال الخليل « 2 / 237 » : « والعورة في الثغور والحروب والمساكن : خلل يتخوف منه القتل . وقوله عز وجل : إنَّ بيوتَنَا عَوْرة ، أي ليست بحريزة » .
وفي تفسير العياشي « 2 / 103 » عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « وكانت بيوتهم في أطراف البيوت حيث يتفرد الناس ، فأكذبهم الله وقال : وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ، إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا . وهي رفيعة السمك حصينة » .
عَيَرَ
العِيرُ : القوم الذين معهم أحمال الميرة ، وذلك اسم للرجال والجمال الحاملة للميرة ، وإن كان قد يستعمل في كل واحد من دون الآخر . قال تعالى : وَلما فَصَلَتِ الْعِيرُ « يوسف : 94 » أَيَّتُهَا الْعِيرُ إنكُمْ لَسارِقُونَ « يوسف : 70 » وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها « يوسف : 82 » .
والْعَيْرُ : يقال للحمار الوحشي ، وللناشز على ظهر القدم ، ولإنسان العين ، ولما تحت غضروف الأذن ، ولما يعلو الماء من الغثاء ، وللوتد ، ولحرف النصل في وسطه ، فإن يكن استعماله في كل ذلك صحيحاً ، ففي مناسبة بعضها لبعض منه تعسف .
والْعِيَارُ : تقدير المكيال والميزان ، ومنه قيل : عَيَّرْتُ الدنانير . وعَيَّرْتُهُ : ذممته ، من العَارِ ، وقولهم : تَعَايَرَ بنو فلان ، قيل : معناه تذاكروا العَارَ . وقيل : تعاطوا الْعِيَارَةَ ، أي فِعْلَ العَيْرِ في الإنفلات والتخلية . ومنه : عَارَتِ الدابة تَعِيرُ إذا انفلتت ، وقيل : فلان عَيَّارٌ .
عَيَسَ
عِيسَى : اسم علم ، وإذا جعل عربيّاً أمكن أن يكون من قولهم : بعير أَعْيَسُ ، وناقة عَيْسَاءُ ، وجمعها عِيسٌ ، وهي إبل بيض يعتري بياضها ظلمة ، أو من الْعَيْسِ وهو ماء الفحل يقال : عَاسَهَا يَعِيسُهَا .
ملاحظات
لا يصح جعل الأسماء العجمية عربية ! فعيسى اسم معرب ، وقد يكون أصله من البابلية التي هي جدة العربية والعبرية . وقد سمي به عيسو بن إبراهيم الخليل عليه السلام لأنه كان كثير شعر الرأس . قال في قاموس الكتاب المقدس / 649 : « عيسو : اسم عبري معناه : شعر . ابن إسحاق ورفقة ، وتوأم يعقوب « تك 25 : 21 » وسمي كذلك لأنه ولد أحمر كفروة شعر « تك 25 : 25 » .
عَيَشَ
العَيْشُ : الحياة المختصة بالحيوان ، وهو أخص من الحياة ، لأن الحياة تقال في الحيوان وفي الباري تعالى وفي الملَك ، ويشتق منه المَعِيشَةُ لما يُتَعَيَّشُ منه . قال تعالى : نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا « الزخرف : 32 » مَعِيشَةً ضَنْكاً « طه : 124 » لَكُمْ فِيها مَعايِشَ « الأعراف : 10 » وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ « الحجر : 20 » .
وقال في أهل الجنة : فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ « القارعة : 7 » وقال عليه السلام : لاعَيْشَ إلّا عَيْشُ الآخرة .
عَوَقَ
العَائِقُ : الصارف عما يراد من خير ، ومنه : عَوَائِقُ الدهر ، يقال : عَاقَهُ وعَوَّقَهُ واعْتَاقَهُ . قال تعالى : قَدْ يَعْلَمُ الله الْمُعَوِّقِينَ « الأحزاب : 18 » أي المثبطين الصارفين عن طريق الخير . ورجل عَوْقٌ وعَوْقَةٌ : يَعُوقُ الناسَ عن الخير ، ويَعُوقُ : اسم صنم .
ملاحظات
التعويق : الصرف والتثبيط عن الشئ سواء كان فعلاً أو تركاً خيراً أو شراً . فلا وجه لتخصيص الراغب له بأنه تعويق عن الخير . ولعل اشتباهه لأنه قرأ تفسير الخليل
--------------------------- 537 ---------------------------
للشخص العُوقَة ، قال « 2 / 173 » : « ورجل عُوقَة : ذو تعويق وتربيث للناس عن الخير » .
قال الجوهري « 4 / 1534 » : « عاقه عن كذا يعوقه واعتاقه ، أي حبسه وصرفه عنه . وعوائق الدهر : الشواغل من أحداثه . والتعوق : التثبط والتعويق : التثبيط » .
عَوَلَ
عَالَهُ وغاله يتقاربان . العَوْلُ : يقال فيما يُهلك ، والعَوْلُ فيما يَثقل ، يقال : ما عَالَكَ فهو عَائِلٌ لي . ومنه : الْعَوْلُ ، وهو ترك النَّصَفَة بأخذ الزيادة . قال تعالى : ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا « النساء : 3 » . ومنه : عَالَتِ الفريضة : إذا زادت في القسمة المسماة لأصحابها بالنص .
والتعْوِيلُ : الاعتماد على الغير فيما يثقل ، ومنه : العَوْلُ وهو ما يثقل من المصيبة ، فيقال : ويله وعَوْلَهُ .
ومنه : العِيَالُ ، الواحد عَيِّلٌ لما فيه من الثقل . وعَالَهُ : تحمل ثقل مؤنته ، ومنه قوله صلى الله عليه وآله : إبدأ بنفسك ثمّ بمن تَعُولُ . وأَعَالَ : إذا كثر عِيَالُهُ .
ملاحظات
قال الخليل « 2 / 248 » : « العَوْلُ : ارتفاع الحساب في الفرائض . والعالة : الفريضة . تعول عولاً . ويقال للفارض : أَعِلِ الفريضة . والعول : الميل في الحكم ، أي : الجور .
والعَوْلُ : كل أمر عالك . والعَوْلَةُ : من العويل : وهو البكاء . أعولت المرأة إعوالاً . وَعَوَّلْتُ عَليه : استعنت به ، ومعناه : صيرت أمري إليه .
والعَوْل : قوت العيال . هو يعولهم عولاً . والمِعْوَل : حديدة ينقر بها الجبال . ورجل مُعِيل ومُعْيِل : كثير العيال » .
عَيَلَ
قال تعالى : وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً « التوبة : 28 » أي فقراً . يقال : عَالَ الرجل : إذا افتقر يَعِيلُ عَيْلَةً فهو عَائِلٌ ، وأما أَعَالَ : إذا كثر عِيَالُهُ فمن بنات الواو ، وقوله : وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى ، أي أزال عنك فقر النفس وجعل لك الغنى الأكبر المعني بقوله عليه السلام : الغنى غنى النفس . وقيل : ما عَالَ مقتصد . وقيل : ووجدك فقيراً إلى رحمة الله وعفوه ، فأغناك بمغفرته لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر .
عَوَمَ
العَامُ كالسنة ، لكن كثيراً ما تستعمل السنة في الحول الذي يكون فيه الشدة أو الجدب . ولهذا يعبر عن الجدب بالسنة ، والْعَامُ بما فيه الرخاء والخصب ، قال : عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ « يوسف : 49 » وقوله : فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً « العنكبوت : 14 » ففي كون المستثنى منه بالسنة والمستثنى بِالْعَامِ لطيفةموضعها فيما بعد هذا الكتاب إن شاء الله .
والْعَوْمُ : السباحة ، وقيل : سمي السنة عَاماً لِعَوْمِ الشمس في جميع بروجها ، ويدل على معنى الْعَوْمِ قوله : وَكل فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ « الأنبياء : 33 » .
ملاحظات
السَّنَة : مأخوذة من سَنَوَ بمعنى تغير ، فهي تلحظ سير الزمن . والعامُ : من عَوَمَ بمعنى المطر والشتاء ، فهو يلحظ الفصول .
قال البغدادي في خزانة الأدب « 5 / 130 » : « السنة من أي يوم عددته إلى مثله . والعام لا يكون إلا شتاء وصيفاً » .
وقال الخليل « 2 / 268 » : « والعام : حول يأتي على شتوة وصيفة ، ألفها واو ويجمع على الأعوام . ورسم عامي أو حولي : أتى عليه عام » .
لكن ذلك غير منضبط في استعمالهم ، فقد استعملوا العام بمعنى الجدب .
وقال ابن منظور « 12 / 433 » : « أَعامنا بَنُو فلان أَي أَخذوا حَلائِبَنا
--------------------------- 538 ---------------------------
حتى بقينا عَيَامَى نشتهي اللبن ، وأَصابتنا سَنةٌ أَعامَتْنَا ، ومنه قالوا : عامٌ مُعِيمٌ شديد العَيْمةِ » .
والمدة المستثناة في قوله تعالى : فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً . مئة شَتْوَة وصَيْفَة ، فهي خمسون عاماً ، لكنها لا تبلغ خمسين سنة كاملة .
عَوَنَ
الْعَوْنُ : المُعَاوَنَةُ والمظاهرة ، يقال : فلان عَوْنِي أي مُعِينِي ، وقد أَعَنْتُهُ . قال تعالى : فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ « الكهف : 95 » وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ « الفرقان : 4 » .
والتعَاوُنُ : التظاهر ، قال تعالى : وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ « المائدة : 2 » والْاستِعَانَةُ : طلب العَوْنِ . قال : إسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ « البقرة : 45 » .
والعَوَانُ : المتوسط بين السنين ، وجعل كناية عن المسنة من النساء اعتباراً بنحو قول الشاعر :
فإن أتوكَ فقالوا : إنها نَصَفٌ فإنَّ أَمْثَلَ نِصْفَيْهَا الذي ذَهَبَا
قال : عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ « البقرة : 68 » واستعير للحرب التي قد تكررت وقَدِمَت . وقيل العَوَانَةُ للنخلة القديمة .
والعَانَةُ : قطيع من حمر الوحش ، وجمع على عَانَاتٍ وعُونٍ . وعَانَةُ الرجل : شعره النابت على فرجه ، وتصغيره : عُوَيْنَةٌ .
عَيَنَ
العَيْنُ : الجارحة . قال تعالى : وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ « المائدة : 45 » لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ « يس : 66 » وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ « التوبة : 92 » قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ « القصص : 9 » كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها « طه : 40 » .
ويقال لذي العَيْنِ : عَيْنٌ ، وللمراعي للشئ عَيْنٌ . وفلان بِعَيْنِي ، أي أحفظه وأراعيه ، كقولك : هو بمرأى مني ومسمع ، قال : فَإنكَ بِأَعْيُنِنا « الطور : 48 » وقال : تَجْرِي بِأَعْيُنِنا « القمر : 14 » وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا « هود : 37 » أي بحيث نرى ونحفظ . وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي « طه : 39 » أي بكلاءتي وحفظي .
ومنه : عَيْنُ الله عليك أي كنت في حفظ الله ورعايته ، وقيل : جعل ذلك حفظته وجنوده الذين يحفظونه ، وجمعه : أَعْيُنٌ وعُيُونٌ . قال تعالى : وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ « هود : 31 » رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ « الفرقان : 74 » .
ويستعار الْعَيْنُ لمعانٍ هي موجودة في الجارحة بنظرات مختلفة . واستعير للثقب في المزادة تشبيهاً بها في الهيئة ، وفي سيلان الماء منها فاشتق منها : سقاء عَيِّنٌ ومُتَعَيِّنٌ إذا سال منها الماء . وقولهم : عَيِّنْ قربتك أي صُبَّ فيها ما ينسد بسيلانه آثار خرزه .
وقيل للمتجسِّس عَيْنٌ : تشبيهاً بها في نظرها ، وذلك كما تسمى المرأة فرجاً ، والمركوب ظهراً ، فيقال : فلانٌ يملك كذا فرجاً وكذا ظهراً ، لما كان المقصود منهما العضوين .
وقيل للذهب : عَيْنٌ تشبيهاً بها في كونها أفضل الجواهر ، كما أن هذه الجارحة أفضل الجوارح ، ومنه قيل : أَعْيَانُ القوم لأفاضلهم ، وأَعْيَانُ الإخوة لبني أب وأم .
قال بعضهم : الْعَيْنُ إذا استعمل في معنى ذات الشئ فيقال : كل ماله عَيْنٌ ، فكاستعمال الرقبة في المماليك ، وتسمية النساء بالفرج من حيث إنه هو المقصود منهن .
ويقال لمنبع الماء : عَيْنٌ تشبيهاً بها لما فيها من الماء .
ومن عَيْنِ الماء اشتق ماء مَعِينٌ أي ظاهر للعيون ، وعَيِّنٌ أي سائل ، قال تعالى : عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا « الإنسان : 18 » وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً « القمر : 12 » فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ « الرحمن : 50 » عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ « الرحمن : 66 » وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ « سبأ : 12 » فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ « الحجر : 45 » مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ « الشعراء : 57 » وجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ « الدخان : 25 » .
وعِنْتُ الرجل : أصبت عَيْنَهُ ، نحو رأسْتُه وفأدته .
--------------------------- 539 ---------------------------
وعِنْتُهُ : أصبته بعيني ، نحو سِفْتُهُ : أصبته بسيفي ، وذلك أنه يجعل تارة من الجارحة المضروبة نحو رأسْتُه وفَأَدْتُه ، وتارة من الجارحة التي هي آلة في الضرب فيجري مجرى سِفْتُهُ ورَمَحْتُه ، وعلى نحوه في المعنيين قولهم : يَدَيْتُ ، فإنه يقال إذا أصبت يده ، وإذا أصبته بيدك .
وتقول : عِنْتُ البئر : أثرت عَيْنَ مائها . قال : إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ « المؤمنون : 50 » فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ « الملك : 30 » . وقيل : الميم فيه أصلية ، وإنما هو من مَعَنْتُ . وتستعار العَيْنُ للميل في الميزان .
ويقال لبقر الوحش : أَعْيَنُ وعَيْنَاءُ لحسن عينه ، وجمعها : عِينٌ ، وبها شبه النساء ، قال تعالى : قاصِراتُ الطرْفِ عِينٌ « الصافات : 48 » وَحُورٌ عِينٌ « الواقعة : 22 » .
عَيِيَ
الإعيَاءُ : عجز يلحق البدن من المشي . والْعِيُّ : عجز يلحق من تولى الأمر والكلام . قال : أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الأول « ق : 15 » وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ « الأحقاف : 33 » .
ومنه : عَيَّ في منطقه عَيّاً فهو عَيِيٌّ ، ورجل عَيَايَاءُ طباقاء : إذا عَيِيَ بالكلام والأمر . وداء عَيَاءٌ : لا دواء له . والله أعلم .
تم كتاب العين
--------------------------- 540 ---------------------------
كتاب الغين وما يتصل بها
غَبَرَ
الْغَابِرُ : الماكث بعد مضيِّ ما هو معه . قال : إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ « الشعراء : 171 » يعني فيمن طال أعمارهم ، وقيل : فيمن بقي ولم يسر مع لوط . وقيل : فيمن بقي بعد في العذاب . وفي آخر : إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ « العنكبوت : 33 » وفي آخر : قَدَّرْنا إنها لَمِنَ الْغابِرِينَ « الحجر : 60 » .
ومنه الْغُبْرَةُ : البقية في الضرع من اللبن ، وجمعه : أَغْبَارٌ . وغُبْرُ الحيض ، وغُبْرُ الليل .
والْغُبَارُ : ما يبقى من التراب المثار ، وجعل على بناء الدخان والعثار ونحوهما من البقايا . وقد غَبَرَ الغُبَارُ أي ارتفع .
وقيل : يقال للماضي غَابِرٌ ، وللباقي غَابِرٌ ، فإن يك ذلك صحيحاً ، فإنما قيل للماضي غابر تصوراً بمضي الغُبَارِ عن الأرض ، وقيل للباقي غَابِرٌ تصوراً بتخلف الغُبَارِ عن الذي يعدو فيخلفه .
ومن الغُبَارِ اشتق الغَبَرَةُ : وهو ما يعلق بالشئ من الغُبَارِ وما كان على لونه ، قال : وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ « عبس : 40 » كناية عن تغيُّر الوجه للغم ، كقوله : ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا « النحل : 58 » يقال : غَبَرَ غَبْرَةً ، واغْبَرَّ ، واغْبَارَّ ، قال طرفة : رأيت بني غَبْرَاءَ لا ينكرونني . أي بني المفازة المُغْبَرَّةِ ، وذلك كقولهم : بنو السبيل .
وداهية غَبْرَاءُ : إما من قولهم غَبَرَ الشئ : وقع في الْغُبَارِ كأنها تُغَبِّرُ الإنسان ، أو من الغُبْرِ أي البقية . والمعنى داهية باقية لا تنقضي . أو من غُبْرَةِ اللون فهو كقولهم : داهية زبَّاء . أو من غُبْرَةِ اللبن فكلها الداهية التي إذا انقضت بقي لها أثر . أو من قولهم : عِرْقٌ غَبِرٌ ، أي ينتفض مرة بعد أخرى . وقد غَبِرَ العرق .
والغُبَيْرَاءُ : نبت معروف ، وثمر على هيئته ولونه .
--------------------------- 541 ---------------------------
ملاحظات
وردت هذه المادة في القرآن : وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ . وفي سبع آيات وصفاً لزوجة لوط بأنها كانت من الغابِرِينَ ، أي من الباقين في العذاب النازل .
والغُبْرَةَ والغُبْر : بقية الحليب في الضرع . قال ابن منظور « 5 / 3 » : « وغُبْرُ كل شئ بقيَّته والجمع أَغبارٌ ، وهو الغُبَّرُ أَيضاً ، وقد غلب ذلك على بقيّة اللبن في الضرع » .
ويستعمل الغابر بمعنى الماضي وبمعنى المستقبل . قال الإمام الكاظم عليه السلام في رسالته لعلي بن سويد « الكافي : 8 / 125 » : « وسألت عن مبلغ علمنا وهو على ثلاثة وجوه : ماضٍ وغابرٌ وحادث . فأما الماضي فمفسر ، وأما الغابر فمزبور ، وأما الحادث فقذفٌ في القلوب ونقرٌ في الأسماع ، وهو أفضل علمنا ، ولا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وآله » .
وقد أطال الراغب في تفسير الداهية الغبراء بدون طائل ! قال ابن فارس « 4 / 409 » : « غَبْرَاءُ أي مظلمة مُشَبِّهَة ، لا يُرى وجهُ المأْتَى لها » .
غَبَنَ
الغَبْنُ : أن تبخس صاحبك في معاملة بينك وبينه بضرب من الإخفاء ، فإن كان ذلك في مال يقال : غَبَنَ فلانٌ ، وإن كان في رأي يقال : غَبِنَ ، وغَبِنْتُ كذا غَبَناً : إذا غفلت عنه فعددت ذلك غَبَناً .
ويوم التغَابُنِ : يوم القيامة لظهور الغَبْنِ في المبايعة ، المشار إليها بقوله : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ الله « البقرة : 207 » وبقوله : إن الله اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . . الآية . « التوبة : 111 » وبقوله : الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا « آل عمران : 77 » فعلموا أنهم غُبِنُوا فيما تركوا من المبايعة ، وفيما تعاطوه من ذلك جميعاً .
وسئل بعضهم عن يوم التغَابُنِ فقال : تبدوا الأشياء لهم بخلاف مقاديرهم في الدنيا . قال بعض المفسرين : أصل الْغُبْنِ إخفاء الشئ ، والْغَبَنُ بالفتح : الموضع الذي يخفى فيه الشئ ، وأنشد :
ولم أر مثل الفتيان في غَبَن الأيام ينسون ما عواقبها
وسُمِّي كل منثنٍ من الأعضاء كأصول الفخذين والمرافق مَغَابِنَ لاستتاره ، ويقال للمرأة : إنها طيبة المَغَابِنِ .
ملاحظات
فسر الراغب : يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التغَابُنِ . بالغِبْن ، لكن صيغة التفاعل تعني غِبْن طرفٍ لآخر .
فلا بد أن يكون معناه غبن المؤمنين لأخصامهم في الدنيا ، أو غبن أهل الجنة لأهل النار ، كما ورد .
غَثَا
الغُثَاءُ : غُثَاءُ السيل والقِدْر ، وهو ما يطفح ويتفرق من النبات اليابس ، وزَبَد القدر ، ويضرب به المثل فيما يضيع ويذهب غير معتدٍّ به . ويقال : غَثَا الوادي غَثْواً ، وغَثَتْ نفسُه تَغْثِي غَثَيَاناً : خبثت .
ملاحظات
غثاء السيل كما قال ابن منظور « 15 / 16 » : « ما يجئ فوقَ السيلِ مما يَحْمِلُه من الزَّبَدِوالوَسَخِ وغيره » .
ومعنى الغَثَيَان وغَثَتْ نفسه : اضطربت حتى كاد يتقيأ تشبيهاً بغثاء الوادي ، ثم استعير لخباثة النفس على آخرين . « لسان العرب : 15 / 116 » .
غَدَرَ
الغَدْرُ : الإخلال بالشئ وتركه ، والْغَدْرُ : يقال لترك العهد ، ومنه قيل : فلان غَادِرٌ ، وجمعه : غَدَرَة ٌ . وغَدَّارٌ : كثير الْغَدْرِ . والْأَغْدَرُ والْغَدِيرُ : الماء الذي يُغَادِرُهُ السيل في مستنقع ينتهي إليه ، وجمعه غُدُرٌ وغُدْرَانٌ ، واسْتَغْدَرَ الْغَدِيرُ : صار فيه الماء .
--------------------------- 542 ---------------------------
والْغَدِيرَةُ : الشعر الذي ترك حتى طال وجمعها غَدَائِرُ . وغَادَرَهُ : تركه ، قال تعالى : لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها « الكهف : 49 » وقال : فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً « الكهف : 47 » .
وغَدِرَتِ الشاة : تخلفت فهي غَدِرَةٌ ، وقيل للجحرة واللخافيق التي يُغَادِرُهَا البعير والفرس غائراً : غَدَرٌ . ومنه قيل : ما أثبت غَدَرَ هذا الفرس ، ثم جعل مثلاً لمن له ثبات ، فقيل : ما أثبت غَدَرَهُ .
ملاحظات
جعل الراغب الغَدْر أصل المادة وعَرَّفه بأنه : « الإخلال بالشئ وتركه ، يقال لترك العهد » . وهو تعريف يخفف من معنى الغدر ، لأن الغدر يتضمن الخيانة وأذى المغدور ، فهو نقض عملي لعهد متفق عليه مع المغدور ، أو متفق عليه في الشرع أو في العرف . فلا يكفي تعريفه بالإخلال بالشئ وتركه .
على أن المذكور في القرآن غَادَرَ وهو بمعنى ترك وذهب ، وقولهم إنه مشتق من الغدر لأنه تركٌ للشئ أو المكان ، غير مقنع . والأرجح أنه أصل لا صلة له بالغَدْر .
غَدَقَ
قال تعالى : لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً « الجن : 16 » أي غزيراً ، ومنه : غَدِقَتْ عينه تَغْدَقُ . والغَيْدَاقُ : يقال فيما يغزر من ماء ، وعدو ، ونطق .
ملاحظات
الماء الغَدَق : الكثير الغزير العذب ، ويكنى به عن النعمة والمعيشة المرفهة ، لكن الراغب فسره بالغزير فقط ، وهو جزء معناه .
قال الخليل « 4 / 353 » : « وقوله تعالى : لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا ، أي فتحنا عليهم أبواب المعيشة لنختبرهم بالشكر . ومطر مُغْدَوْدق أي كثير » .
وقال ابن فارس « 4 / 415 » : « غَدَقَ : يدل على غزر وكثرة ونعمة . والغدق والغيداق : الناعم » .
غَدَا
الْغُدْوَةُ والغَدَاةُ : من أول النهار ، وقوبل في القرآن الغُدُوُّ بالآصال نحو قوله : بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ « الأعراف : 205 » وقوبل الغَدَاةُ بالعشيّ ، قال : بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ « الأنعام : 52 » غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ « سبأ : 12 » . والْغَادِيَةُ : السحاب ينشأ غُدْوَةً .
والغَدَاءُ : طعام يتناول في ذلك الوقت ، وقد غَدَوْتُ أَغْدُو ، قال : أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ « القلم : 22 » .
وغَدٌ : يقال لليوم الذي يلي يومك الذي أنت فيه ، قال : سَيَعْلَمُونَ غَداً « القمر : 26 » ونحوه .
غَرَرَ
يقال : غَررْتُ فلاناً : أصبت غِرَّتَهُ ونلت منه ما أريده . والغِرَّةُ : غفلة في اليقظة . والْغِرَارُ : غفلة مع غفوة ، وأصل ذلك من الْغُرِّ وهو الأثر الظاهر من الشئ ، ومنه غُرَّةُ الفرس . وغِرَارُ السيف : أي حده . وغَرُّ الثوب : أثر كسره ، وقيل : إطوه على غَرِّهِ . وغَرَّهُ كذا غُرُوراً كأنما طواه على غَرِّهِ .
قال تعالى : ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ « الانفطار : 6 » لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ « آل عمران : 196 » وقال : وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً « النساء : 120 » وقال : بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً « فاطر : 40 » وقال : يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً « الأنعام : 112 » وقال : وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ « آل عمران : 185 » وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا « الأنعام : 70 » ما وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً « الأحزاب : 12 » وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الْغَرُورُ « لقمان : 33 » . فَالْغَرُورُ : كل ما يَغُرُّ الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان . وقد فسر بالشيطان إذ هو أخبث الْغَارِّينَ ، وبالدنيا لما قيل : الدنيا تَغُرُّ وَتَضُرُّ وَتَمُرّ .
--------------------------- 543 ---------------------------
والْغَرَرُ : الخطر ، وهو من الْغَرِّ . ونهى عن بيع الْغَرَرِ . والْغَرِيرُ : الخلق الحسن اعتباراً بأنه يَغُرُّ . وقيل : فلان أدبر غَرِيرُهُ وأقبل هريرُه ، فباعتبار غُرَّةِ الفرس وشهرته بها قيل : فلان أَغَرُّ إذا كان مشهوراً كريماً .
وقيل : الْغُرَرُ لثلاث ليال من أول الشهر ، لكون ذلك منه كالْغُرَّةِ من الفرس .
وغِرَارُ السّيفِ : حده . والْغِرَارُ : لَبَنٌ قليل . وغَارَتِ الناقةُ : قَلَّ لبنها بعد أن ظُنَّ أن لا يقل فكأنها غَرَّتْ صاحبها .
ملاحظات
في تفسيره لمفردات هذه المادة عدة أخطاء ، منها تفسيره الغرر بالخطر ، وتعليله اسم الغرير لحسن الخلق بأنه يغرُّ غيره ، وتفسيره غارت الناقة وقلَّ لبنها بغَرَّت صاحبها . مع أنه من غار الماء أي نَضُب ، وليس من غَرَّ .
غَرَبَ
الْغَرْبُ : غيبوبة الشمس ، يقال : غَرَبَتْ تَغْرُبُ غَرْباً وغُرُوباً . ومَغْرِبُ الشمس ومُغَيْرِبَانُهَا . قال تعالى : رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ « الشعراء : 28 » رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ « الرحمن : 17 » بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ « المعارج : 40 » .
وقد تقدم الكلام في ذكرهما مثنيين ومجموعين . وقال : لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ « النور : 35 » وقال : حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ « الكهف : 86 » .
وقيل لكل متباعد غَرِيبٌ ، ولكل شئ فيما بين جنسه عديم النظير : غَرِيبٌ . وعلى هذا قوله عليه الصلاة والسلام : بدأ الإسلام غَرِيباً وسيعود كما بدأ . وقيل : العلماء غُرَبَاءُ ، لقلتهم فيما بين الجهال .
والغُرَابُ : سمي لكونه مبعداً في الذهاب . قال تعالى : فَبَعَثَ الله غُراباً يَبْحَثُ « المائدة : 31 » . وغَارِبُ السنام : لبعده عن المنال . وغَرْبُ السّيف : لِغُرُوبِهِ في الضريبة ، وهو مصدر في معنى الفاعل ، وشبه به حد اللسان كتشبيه اللسان بالسيف فقيل : فلان غَرْبُ اللسان . وسمي الدلو غَرْباً لتصور بعدها في البئر .
وأَغْرَبَ الساقي : تناول الْغَرْبَ .
والْغَرْبُ : الذهب لكونه غَرِيباً فيما بين الجواهر الأرضية ، ومنه : سهم غَرْبٌ : لا يدرى من رماه . ومنه نظر غَرْبٌ : ليس بقاصد .
والْغَرَبُ : شجر لا يثمر لتباعده من الثمرات ، وعنقاء مُغْرِبٌ ، وصف بذلك لأنه يقال : كان طيراً تناول جارية فَأَغْرَبَ بها . يقال عنقاءُ مُغْرِبٌ وعنقاء مُغْرِبٍ بالإضافة .
والْغُرَابَانِ : نقرتان عند صلوي العجز ، تشبيهاً بِالْغُرَابِ في الهيئة . والمُغْرِبُ : الأبيض الأشفار ، كأنما أَغْرَبَتْ عينُهُ في ذلك البياض .
وَغَرابِيبُ سُودٌ « فاطر : 27 » قيل جَمْعُ غِرْبِيبٍ ، وهو المُشْبِهُ لِلْغُرَابِ في السواد كقولك : أسود كحلك الْغُرَابِ .
غَرَضَ
الغَرَضُ : الهدف المقصود بالرمي ، ثم جُعل إسماً لكل غاية يتحرى إدراكها ، وجمعه أَغْرَاضٌ . فَالْغَرَضُ ضربان : غَرَضٌ ناقص وهو الذي يُتَشَوَّقُ بعده شئ آخر كاليسار والرئاسة ونحو ذلك مما يكون من أَغْرَاضِ الناس ، وتامٌّ وهو الذي لا يُتَشَوَّقُ بعده شئ آخر كالجنة .
غَرَفَ
الْغَرْفُ : رفع الشئ وتناوله ، يقال : غَرَفْتُ الماء والمرق . والْغُرْفَةُ : ما يُغْتَرَفُ ، والْغَرْفَةُ : للمرة . والْمِغْرَفَةُ : لما يتناول به . قال تعالى : إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ « البقرة : 249 » .
ومنه استعير : غَرَفْتُ عرف الفرس : إذا جززته . وغَرَفْتُ الشجرةَ . والْغَرْفُ : شجر معروف . وغَرَفَتِ الإبل :
--------------------------- 544 ---------------------------
اشتكت من أكله .
والْغُرْفَةُ : عِلِّيَةٌ من البناء ، وسمي منازل الجنة غُرَفاً . قال تعالى : أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا « الفرقان : 75 » وقال : لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً « العنكبوت : 58 » وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ « سبأ : 37 » .
ملاحظات
تعريف الراغب للغَرْف ضعيف ، ولا يقال الغَرْفُ لغير ما يغرف باليد أو بمغرفة ، كالماء والمرق . وقوله : غَرَفَت الشجرة ، لم أجده في أي مصدر ، فلا بد أن يكون معناه صارت شجرة غَرْف ، أو ذات غَرْف . أما غَرفَت الإبل ، فهو مستعمل ومعناه ، أكَلَتْ ورق شجر الغرف أو أرادته ، أو عافته وشكت منه ، كما قال الجوهري . « 4 / 1409 » .
غَرَقَ
الغَرَقُ : الرسوب في الماء وفي البلاء . وغَرِقَ فلانٌ يَغْرَقُ غَرَقاً ، وأَغْرَقَهُ . قال تعالى : حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ « يونس : 90 » وفلان غَرِقَ في نعمة فلان تشبيهاً بذلك .
قال تعالى : وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ « البقرة : 50 » فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً « الإسراء : 103 » ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ « الشعراء : 66 » ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ « الشعراء : 120 » وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ « يس : 43 » أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً « نوح : 25 » فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ « هود : 43 » .
غَرَمَ
الغُرْمُ : ماينوب الإنسان في ماله من ضرر لغير جناية منه أو خيانة ، يقال : غَرِمَ كذا غُرْماً ومَغْرَماً ، وأُغْرِمَ فلان غَرَامَةً . قال تعالى : إنا لَمُغْرَمُونَ « الواقعة : 66 » فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ « القلم : 46 » يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً « التوبة : 98 » .
والغَرِيمُ : يقال لمن له الدَّيْن ولمن عليه الدين . قال تعالى : وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله « التوبة : 60 » .
والغَرَامُ : ما ينوب الإنسان من شدة ومصيبة ، قال : إن عَذابَها كانَ غَراماً « الفرقان : 65 » من قولهم : هو مُغْرَمٌ بالنساء أي يلازمهن ملازمة الْغَرِيمِ . قال الحسن : كل غَرِيمٍ مفارق غَرِيمَهُ إلا النار . وقيل : معناه : مشغوفاً بإهلاكه .
ملاحظات
أخطأ الراغب وأصاب الخليل ، فقال « 4 / 418 » : « الغُرْم : أداء شئ لزم من قبل كفالة أو لزوم نائبة في ماله من غير جناية ، غَرِمْتُهُ أَغْرَمُه . والتغريم : مجاوز « متعدٍّ » والغريم : الملزوم ذلك . والغريمان سواء : الغارم والمغرم .
والغرام : العذاب أو العشق أو الشر ، وحُبٌّ غرام ، أي لازم . وقوله تعالى : إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ، أي لازماً . والمَغْرم : الغُرْم ، قال تعالى : فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ، أي من غُرْمٍ » .
غَرَا
غَرِيَ بكذا : أي لهج به ولصق ، وأصل ذلك من الغِرَاءِ وهو ما يلصق به ، وقد أَغْرَيْتُ فلاناً بكذا : نحو ألهجت به . قال تعالى : فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ « المائدة : 14 » لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ « الأحزاب : 60 » .
غَزَلَ
قال تعالى : وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها « النحل : 92 » وقد غَزَلَتْ غَزْلَهَا .
والْغَزَالُ : ولد الظبية . والْغَزَالَةُ : قرصة الشمس .
وكُنِّيَ بالغَزْلِ والمُغَازَلَةِ عن مشافنة المرأة التي كأنها غَزَالٌ .
وغَزِلَ الكلب غَزَلًا : إذا أدرك الْغَزَالَ فَلَهِيَ عنه بعد إدراكه .
ملاحظات
مشافنة المرأة : النظر إليها بآخر العين ، والغَزَلَ أعم منه .
قال الخليل « 4 / 383 » : « الغَزَل : حديث الفتيان مع الجواري ، يقال : غازلها مغازلة » .
وقال الجوهري « 5 / 1781 » : « ومغازلة النساء : محادثتهن ومراودتهن » .
غَزَا
--------------------------- 545 ---------------------------
الْغَزْوُ : الخروج إلى محاربة العدو ، وقد غَزَا يَغْزُو غَزْواً ، فهو غَازٍ ، وجمعه غُزَاةٌ وغُزًّى .
قال تعالى : أَوْ كانُوا غُزًّى « آل عمران : 156 » .
غَسَقَ
غَسَقُ الليل : شدة ظلمته . قال تعالى : إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ « الإسراء : 78 » والْغَاسِقُ : الليل المظلم . قال : وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ « الفلق : 3 » وذلك عبارة عن النائبة بالليل كالطارق ، وقيل : القمر إذا كُسف فاسْوَدّ .
والْغَسَّاقُ : ما يقطر من جلود أهل النار ، قال : إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً « عمّ : 25 » .
ملاحظات
قال الله تعالى : أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَأن مَشْهُودًا . « الإسراء : 78 » . فهي خمس فرائض لها ثلاثة أوقات . ودلوك الشمس زوالها ، وقرآن الفجر بعد طلوعه . وغَسَقُ الليل ظلامه .
وفسره أهل البيت عليه السلام بمنتصف الليل فيكون آخر وقت صلاة العشاء . وفي حديث الهجرة : « حتى إذا غسق الليل وغَوَّر ، بيِّتُوا بابن أبي كبيشة بياتاً ، فيذهب دمه في قبائل قريش » . « أمالي الطوسي / 465 » .
وفسره أكثر فقهاء المذاهب بأول الليل ، فيكون أول صلاة المغرب . وفسر الراغب الغاسق بالليل ، وهو خطأ فالغسق : هو الليل ، والغاسق : ما يغسق فيه .
غَسَلَ
غَسَلْتُ الشئ غَسْلاً : أَسَلْتُ عليه الماءَ فأَزَلْتُ دَرَنَهُ . والْغَسْلُ الاسم ، والْغِسْلُ : ما يُغْسَلُ به . قال تعالى : فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ . . الآية . « المائدة : 6 »
والِاغْتِسَالُ : غَسْلُ البدنِ ، قال : حَتَّى تَغْتَسِلُوا « النساء : 43 » .
والمُغْتَسَلُ : الموضعُ الذي يُغْتَسَلُ منه ، والماء الذي يُغْتَسَلُ به ، قال : هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ « ص : 42 » .
والْغِسْلِينُ : غُسَالَةُ أبدانِ الكفار في النار . قال تعالى : وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ « الحاقة : 36 » .
غَشِيَ
غَشِيَهُ غِشَاوَةً وغِشَاءً : أتاه إتيان ما قد غَشِيَهُ ، أي ستره . والْغِشَاوَةُ : ما يغطى به الشئ ، قال : وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً « الجاثية : 23 » وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ « البقرة : 7 » يقال : غَشِيَهُ وتَغَشَّاهُ ، وغَشَّيْتُهُ كذا .
قال : وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ « لقمان : 32 » فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ « طه : 78 » وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ « إبراهيم : 50 » إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى « النجم : 16 » وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى « الليل : 1 » إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ « الأنفال : 11 » .
وغَشِيْتُ موضع كذا : أتيته ، وكني بذلك عن الجماع ، يقال : غَشَّاهَا وتَغَشَّاهَا . فَلما تَغَشَّاها حَمَلَتْ « الأعراف : 189 » . وكذا الْغِشْيَانُ .
والْغَاشِيَةُ : كل ما يُغَطي الشئ كَغَاشِيَةِ السرج . وقوله : أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ « يوسف : 107 » أي نائبة تَغْشَاهُمْ وتجللهم .
وقيل : الْغَاشِيَةُ في الأصل محمودة وإنما استعير لفظها هاهنا على نحو قوله : لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ « الأعراف : 41 » . وقوله : هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ « الغاشية : 1 » كناية عن القيامة ، وجمعها : غَوَاشٍ . وغُشِيَ على فلان : إذا نابه ما غَشِيَ فهمه . قال تعالى : كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ « الأحزاب : 19 » نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ « محمد : 20 » فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ « يس : 9 » وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ « البقرة : 7 » كَأنما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ « يونس : 27 » وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ « نوح : 7 » أي جعلوها غِشَاوَةً على أسماعهم ، وذلك عبارة عن الامتناع من الإصغاء .
--------------------------- 546 ---------------------------
وقيل : اسْتَغْشَوْا ثيابهم : كناية عن العدو كقولهم : شمر ذيلاً وألقى ثوبه . ويقال : غَشَيْتُهُ سوطاً أو سيفاً ، ككسوته وعممته .
غَصَّ
الغُصَّةُ : الشجاة التي يُغَصُّ بها الحلق . قال تعالى : وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ « المزمل : 13 » .
غَضَّ
الغَضُّ : النقصان من الطرْف والصوتِ وما في الإناء . يقال : غَضَّ وأَغَضَّ . قال تعالى : قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ « النور : 30 » وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ « النور : 31 » وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ « لقمان : 19 » . وقول الشاعر :
فَغُضَّ الطرفَ إنكَ مِنْ نَمِيرٍ
فعلى سبيل التهكم . وغَضَضْتُ السقاء : نقصت مما فيه . والْغَضُّ : الطري الذي لم يطل مكثه .
ملاحظات
قال ابن فارس « 4 / 383 » : « غَضْغَضْتُ السقاء : نقصته » . وجعله الراغب غضضت ، ولا تقوله العرب .
غَضِبَ
الغَضَبُ : ثوران دم القلب إرادة الانتقام ، ولذلك قال عليه السلام : اتقوا الغَضَبَ فإنه جَمْرَةٌ تُوقد في قلب ابن آدم ، ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه !
وإذا وصف الله تعالى به فالمراد به الانتقام دون غيره : قال فَباؤُا بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ « البقرة : 90 » وَباؤُا بِغَضَبٍ مِنَ الله « آل عمران : 112 » وقال : وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي « طه : 81 » غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ « المجادلة : 14 »
وقوله : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ « الفاتحة : 7 » قيل : هم اليهود . والغَضْبَةُ كالصخرة . والغَضُوبُ : الكثير الغضب . وتوصف به الحية والناقة الضجور . وقيل : فلان غُضُبَّةٌ : سريع الغضب . وحكي أنه يقال : غَضِبْتُ لفلان : إذا كان حياً ، وغَضِبْتُ به إذا كان ميتاً .
غَطَشَ
قال تعالى : أَغْطَشَ لَيْلَها « النازعات : 29 » أي جعله مظلماً ، وأصله من الْأَغْطَشُ وهو الذي في عينه شبه عمش .
ومنه قيل : فلاةٌ غَطْشَى : لا يهتدى فيها .
والتغَاطُشُ : التعامي عن الشئ .
غَطَا
الغِطَاءُ : ما يجعل فوق الشئ من طبق ونحوه ، كما أن الغشاء ما يجعل فوق الشئ من لباس ونحوه .
وقد استعير للجهالة . قال تعالى : فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ « ق : 22 » .
ملاحظات
الفرق بين الغطاء والغشاء : أن الغطاء يغطي الشئ فلا يظهر ، والغشاء يغشاه وقد يظهر وهو مُغَشَّى .
قال الخليل « 4 / 435 » : « الغطاء : ما غطيت به أو تغطيت به ، ويجمع أغطية » . لكن الراغب حصره بالطبق ونحوه !
غَفَرَ
الغَفْرُ : إلباس ما يصونه عن الدنس ، ومنه قيل : إغْفِرْ ثوبك في الوعاء ، واصبغ ثوبك فإنه أَغْفَرُ للوسخ .
والغُفْرَانُ والْمَغْفِرَةُ : من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب . قال تعالى : غُفْرانَكَ رَبَّنا « البقرة : 285 » ومَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ « آل عمران : 133 » وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا الله « آل عمران : 135 » وقد يقال : غَفَرَ لَهُ إذا تجافى عنه في الظاهر وإن لم يتجاف عنه في الباطن ، نحو : قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ الله « الجاثية : 14 » .
والإسْتِغْفَارُ : طلب ذلك بالمقال والفعال ، وقوله : اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنهُ كانَ غَفَّاراً « نوح : 10 » لم يؤمروا بأن يسألوه ذلك باللسان فقط بل باللسان وبالفعال ، فقد
--------------------------- 547 ---------------------------
قيل : الِاسْتِغْفَارُ باللسان من دون ذلك بالفعال فعل الكذابين ، وهذا معنى : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ « غافر : 60 » . وقال : اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ « التوبة : 80 » وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا « غافر : 7 » .
والغَافِرُ والْغَفُورُ : في وصف الله نحو : غافِرِ الذَّنْبِ « غافر : 3 » إنهُ غَفُورٌ شَكُورٌ « فاطر : 30 » هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ « الزمر : 53 » .
والْغَفِيرَةُ : الْغُفْرَانُ ، ومنه قوله : اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ « نوح : 28 » أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي « الشعراء : 82 » وَاغْفِرْ لَنا « البقرة : 286 » .
وقيل : اغْفِرُوا هذا الأمر بِغَفْرَتِهِ ، أي : أستروه بما يجب أن يستر به .
والْمِغْفَرُ : بيضةُ الحديد . والغِفَارَةُ : خرقة تستر الخمار أن يمسه دهن الرأس ، ورقعة يغشى بها مَحَزَّ الوتر ، وسحابة فوق سحابة .
ملاحظات
قال اللغويون إن المغفرة بمعنى الستر . قال الخليل « 4 / 406 » : « المغفر : وقاية للرأس . وأصل الغفر التغطية . والغفارة : الربابة التي تغفر الغمام أي تغطيه ، لأنها تَحْتَ الغَيْثِ ، فهي تستره عنك » .
لكن غفران الذنب بمعنى ستره ومحو آثاره ، ومنها المجازاة به . فقد جعله الله تعالى مقابل العذاب فقال : أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ . ويؤيد ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام : « الحذر الحذر ، فوالله لقد ستر ، حتى كأنه قد غفر » . « نهج البلاغة : 4 / 7 » .
فمغفرة الذنب أبلغ من ستره وتغطيته .
غَفَلَ
الغَفْلَةُ : سَهْوٌ يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ ، يقال : غَفَلَ فهو غَافِلٌ . قال تعالى : لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا « ق : 22 » وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ « الأنبياء : 1 » . وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها « القصص : 15 » وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ « الأحقاف : 5 » لَمِنَ الْغافِلِينَ « يوسف : 3 » هُمْ غافِلُونَ « الروم : 7 » بِغافِلٍ عما يَعْمَلُونَ « البقرة : 144 » لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ « النساء : 102 » فَهُمْ غافِلُونَ « يس : 6 » عَنْها غافِلِينَ « الأعراف : 146 » .
وأرض غُفْلٌ : لامنار بها . ورجل غُفْلٌ : لم تَسُمْهُ التجارب . وإغْفَالُ الكتاب : تركه غير معجم . وقوله : مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا « الكهف : 28 » أي تركناه غير مكتوب فيه الإيمان ، كما قال : أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ « المجادلة : 22 » وقيل : معناه من جعلناه غَافِلًا عن الحقائق .
غَلَّ
الغَلَلُ : أصله تَدَرُّعُ الشئ وتوسطه ، ومنه الغَلَلُ للماء الجاري بين الشجر ، وقد يقال له الغيل .
وانْغَلَّ فيما بين الشجر : دخل فيه . فَالْغُلُّ مختص بما يُقيد به فيجعل الأعضاء وسطه ، وجمعه أَغْلَالٌ .
وغُلَّ فلان : قُيِّدَ به قال تعالى : خُذُوهُ فَغُلُّوهُ « الحاقة : 30 » وقال : إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ « غافر : 71 » وقيل للبخيل : هو مَغْلُولُ اليد . قال : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ « الأعراف : 157 » وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ « الإسراء : 29 » وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ « المائدة : 64 » أي ذموه بالبخل . وقيل إنهم لما سمعوا أن الله قد قضى كل شئ قالوا : إذاً يدُ الله مَغْلُولَةٌ ، أي في حكم المقيد لكونها فارغة ، فقال الله تعالى ذلك .
وقوله : إنا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا « يس : 8 » أي مَنَعَهُم فعل الخير ، وذلك نحو وصفهم بالطبع والختم على قلوبهم وعلى سمعهم وأبصارهم . وقيل : بل ذلك وإن كان لفظه ماضياً فهو إشارة إلى ما يفعل بهم في الآخرة كقوله : وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا « سبأ : 33 » .
والْغُلَالَةُ : ما يلبس بين الثوبين ، فالشعار لما يلبس تحت
--------------------------- 548 ---------------------------
الثوب ، والدثار لما يلبس فوقه ، والْغُلَالَةُ : لما يلبس بينهما . وقد تستعار الْغُلَالَةُ للدرع كما يستعار الدرع لها .
والْغُلُولُ : تدرُّع الخيانة . والغِلُّ : العداوة . قال تعالى : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ « الأعراف : 43 » وَلاتَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا « الحشر : 10 » .
وغَلَّ يَغِلُّ : إذا صار ذا غِلٍّ أي ضِغْن ، وأَغَلَّ : أي صار ذا إِغْلَالٍ أي خيانة .
وغَلَّ يَغُلُّ : إذا خان . وأَغْلَلْتُ فلاناً : نسبته إلى الغُلُولِ . قال : وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ « آل عمران : 161 » وقرئ : أَنْ يَغُلَّ أي ينسب إلى الخيانة من أَغْلَلْتُهُ . قال : وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ « آل عمران : 161 » وروي : لا إِغْلَالَ ولا إسلال ، أي لا خيانة ولا سرقة . وقوله عليه الصلاة والسلام : ثلاث لا يَغِلُّ عليهنّ قلب المؤمن . أي لايَضْطَغِنُ . وروي : لا يُغِلُّ أي لا يصير ذا خيانة .
وأَغَلَّ الجازر والسالخ : إذا ترك في الإهاب من اللحم شيئاً ، وهو من الْإِغْلَالِ أي الخيانة ، فكأنه خان في اللحم وتركه في الجلد الذي يحمله .
والغُلَّةُ والغَلِيلُ : ما يتدرعه الإنسان في داخله من العطش ، ومن شدة الوجد والغيظ . يقال : شفا فلان غَلِيلَهُ ، أي غيظه .
والغَلَّةُ : ما يتناوله الإنسان من دخل أرضه ، وقد أَغَلَّتْ ضيعته . والمُغَلْغَلَةُ : الرسالة التي تَتَغَلْغَلُ بين القوم الذين تَتَغَلْغَلُ نفوسُهُمْ كما قال الشاعر :
تَغَلْغَلُ حيثُ لم يَبْلُغْ شَرَابٌ * حُزْنٌ ولم يَبْلُغْ سُرُورُ
ملاحظات
لم يستعمل القرآن هذه المادة إلا في آية واحدة وهي آية خطيرة رد فيها الله تعالى على بعض ( الصحابة البدريين ) الذين اتهموا النبي صلى الله عليه وآله بأنه غل قطيفة من غنائم بدر ! قال تعالى : وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ . « آل عمران : 161 » .
غَلَبَ
الغَلَبَةُ : القهر ، يقال : غَلَبْتُهُ غَلْباً وغَلَبَةً وغَلَباً ، فأنا غَالِبٌ . قال تعالى : ألم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ « الروم : 1 » كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً « البقرة : 249 » يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ « الأنفال : 65 » يَغْلِبُوا أَلْفاً « الأنفال : 65 » لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي « المجادلة : 21 » لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ « الأنفال : 48 » إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ « الأعراف : 113 » إنا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ « الشعراء : 44 » فَغُلِبُوا هُنالِكَ « الأعراف : 119 » أَفَهُمُ الْغالِبُونَ « الأنبياء : 44 » سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ « آل عمران : 12 » ثُمَّ يُغْلَبُونَ « الأنفال : 36 » وغَلَبَ عليه كذا أي استولى . غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا « المؤمنون : 106 » .
قيل : وأصل غَلَبَتْ أن تناول وتصيب غَلَبَ رقبته . والْأَغْلَبُ : الغليظ الرقبة ، يقال : رجل أَغْلَبُ وامرأة غَلْبَاءُ وهضبة غَلْبَاءُ ، كقولك : هضبة عنقاء ورقباء ، أي عظيمة العنق والرقبة ، والجمع : غُلْبٌ ، قال وَحَدائِقَ غُلْباً « عبس : 30 » .
غَلَظَ
الغِلْظَةُ : ضد الرَّقَّة ، ويقال : غِلْظَةٌ وغُلْظَةٌ ، وأصله أن يستعمل في الأجسام ، لكن قد يستعار للمعاني كالكبير والكثير . قال تعالى : وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً « التوبة : 123 » أي خشونة . وقال : ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ « لقمان : 24 » مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ « هود : 58 » وجاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ « التوبة : 73 » .
واسْتَغْلَظَ : تهيّأ لذلك ، وقد يقال إذا غَلُظَ . قال : فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ « الفتح : 29 » .
--------------------------- 549 ---------------------------
غَلَفَ
قوله تعالى : قُلُوبُنا غُلْفٌ « البقرة : 88 » قيل : هو جمع أَغْلَفَ ، كقولهم : سيف أَغْلَفُ . أي هو في غِلَافٍ ، ويكون ذلك كقوله : وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ « فصلت : 5 » فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا « ق : 22 » وقيل : معناه قلوبنا أوعية للعلم . وقيل : معناه قلوبنا مغطاة . وغلام أَغْلَفُ كناية عن الأقلف ، والغُلْفَةُ كالقُلْفَة . وغَلَّفْتُ السيف والقارورة والرَّحْل والسَّرْج : جعلت لها غِلَافاً .
وغَلَّفْتُ لحيته بالحناء ، وتَغَلَّفَ نحو تخضب . وقيل : قُلُوبُنا غُلْفٌ « البقرة : 88 » هي جمع غِلَافٍ . والأصل : غُلُفٌ بضم اللام ، وقد قرئ به ، نحو كُتُب ، أي هي أوعية للعلم تنبيهاً [ على ] أنا لا نحتاج أن نتعلم منك ، فلنا غُنْيَةٌ بما عندنا .
غَلَقَ
الْغَلَقُ والْمِغْلَاقُ : ما يُغْلَقُ به ، وقيل : ما يفتح به لكن إذا اعتبر بِالْإِغْلَاقِ يقال له : مِغْلَقٌ ومِغْلَاقٌ وإذا اعتبر بالفتح يقال له : مفتح ومفتاح .
وأَغْلَقْتُ الباب وغَلَّقْتُهُ على التكثير ، وذلك إذا أَغْلَقْتَ أبواباً كثيرة ، أو أَغْلَقْتَ باباً واحداً مراراً ، أو أحكمت إِغْلَاقَ باب ، وعلى هذا : وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ « يوسف : 23 » وللتشبيه به قيل : غَلِقَ الرهن غُلُوقاً ، وغَلِقَ ظهره دَبَراً .
والمِغْلَقُ : السهم السابع لِاسْتِغْلَاقِهِ ما بقي من أجزاء الميسر . ونخلة غَلِقَةٌ : ذَوِيَتْ « ذَوَت » أصولها فَأُغْلِقَتْ عن الإثمار . والغَلْقَةُ : شجرة مرة كالسم .
غَلَمَ
الْغُلَامُ : الطارُّ الشارب . يقال : غُلَامٌ بيِّن الغُلُومَةِ والغُلُوميةِ . قال تعالى : أنى يَكُونُ لِي غُلامٌ « آل عمران : 40 » وأما الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ « الكهف : 80 » وقال : وأما الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ « الكهف : 82 » وقال في قصة يوسف : هذا غُلامٌ « يوسف : 19 » والجمع : غِلْمَةٌ وغِلْمَانٌ .
واغْتَلَمَ الْغُلَامُ : إذا بلغ حد الغلومة ، ولما كان من بلغ هذا الحد كثيراً ما يغلب عليه الشبق قيل للشبق غِلْمَةٌ ، واغْتَلَمَ الفحلُ .
ملاحظات
قال الخليل « 4 / 422 » : « وغلامٌ بَيِّنُ الغلوم والغلامية ، وهو الطارُّ الشارب » . فأخذ الراغب كلمته ووقع فيها ، وقال الْغُلَامُ : الطارُّ الشارب ! ولعله اغتر بقول ابن فارس « 4 / 387 » : « غَلِمِ : أصل صحيح يدل على حداثة وهَيْج شهوة . من ذلك الغلام هو الطارُّ الشارب وهو بَيِّنُ الغلومية والغلومة » .
لكن كلام الخليل وابن فارس عن الغلام الشاب وليس عن كل غلام كما تخيل الراغب !
وقد نسي آية بشارة زكريا عليه السلام بغلام ، وقوله تعالى عن يوسف عليه السلام : هذا غلام ! فالذي طرَّ شاربه هو الغلام الذي تمت غلوميته وتهيأ ليصير رجلاً . لكنه يسمى غلاماً من يوم ولادته ، كما تسمى البنت جارية .
غَلَا
الغُلُوُّ : تجاوز الحد ، يقال ذلك إذا كان في السعر غَلَاءٌ ، وإذا كان في القَدْرِ والمنزلة غُلُوٌّ ، وفي السهم : غَلْوٌ ، وأفعالها جميعاً : غَلَا يَغْلُو . قال تعالى : لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ « النساء : 171 » .
وَالغَلْيُ والغَلَيَانُ : يقال في القدر إذا طفحت ، ومنه استعير قوله : طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ « الدخان : 44 » وبه شبِّهَ غليان الغضب والحرب . وتَغَالَى النبتُ : يصح أن يكون من الغَلْي ، وأن يكون من الغَلْو . والغَلْوَاءُ : تجاوز الحد في الجماح ، وبه شبه غَلْوَاءُ الشباب .
--------------------------- 550 ---------------------------
غَمَّ
الغَمُّ : ستر الشئ ، ومنه : الغَمَامُ لكونه ساتراً لضوء الشمس . قال تعالى : يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ « البقرة : 210 » والغَمَّى : مثله ومنه : غُمَّ الهلالُ ، ويوم غَمٌّ ، وليلة غَمَّةٌ وغُمَّى ، قال : ليلةٌ غُمَّى طَامِسٌ هِلَالُهَا .
وغُمَّةُ الأمر : قال : ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً « يونس : 71 » أي كربة . يقال : غَمٌّ وغُمَّةٌ أي كرب وكربة . والغَمَامَةُ : خرقة تشد على أنف الناقة وعينها . وناصية غَمَّاءُ : تستر الوجه .
ملاحظات
لا يصح تفسير الغَم بالستر ، بل هو إطباق الأمر على صاحبه وحيرته . قال الخليل « 4 / 350 » : « يوم غمّ ، وليلة غَمَّةٌ ، وأمر غامّ . ورجل مغموم ومُغتم : ذو غَم . وإنه لفي غُمة من أمره ، إذا لم يهتد له . والغَمَّاء : الشديدة من شدائد الدهر » . وقال ابن فارس « 4 / 377 » : « يدل على تغطية وإطباق » .
وقد أعجبت التغطية الراغب فجعلها الأصل وقال : الغَمُّ : ستر الشئ ! والإطباق يتضمن الستر لكنه أعم منه وأشد .
غَمَرَ
أصل الغَمْرِ : إزالة أثر الشئ ، ومنه قيل للماء الكثير الذي يزيل أثر سيله ، غَمْرٌ وغَامِرٌ ، قال الشاعر :
والماءُ غَامِرٌ جَدَّادُها
وبه شُبِّهَ الرجل السخي ، والفرس الشديد العَدْو ، فقيل لهما : غَمْرٌ ، كما شبها بالبحر .
والغَمْرَةُ : معظم الماء الساترة لمقرها ، وجعل مثلاً للجهالة التي تَغْمُرُ صاحبها ، وإلى نحوه أشار بقوله : فَأَغْشَيْناهُمْ « يس : 9 » ونحو ذلك من الألفاظ قال : فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ « المؤمنون : 54 » الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ « الذاريات : 11 » وقيل للشَّدائِد : غَمَرَاتٌ . قال تعالى : فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ « الأنعام : 93 » ورجل غَمْرٌ ، وجمعه : أَغْمَارٌ .
والغِمْرُ : الحقد المكنون ، وجمعه غُمُورٌ . والْغَمَرُ : ما يَغْمَرُ من رائحة الدسم سائر الروائح ، وغَمِرَتْ يده ، وغَمِرَ عِرْضُهُ : دَنِسَ . ودخل في غُمَارِ الناس وخمارهم ، أي الذين يَغْمُرُونَ .
والْغُمْرَةُ : ما يطلى به من الزعفران ، وقد تَغَمَّرْتُ بالطيب ، وباعتبار الماء قيل للقدح الذي يتناول به الماء : غُمَرٌ ، ومنه اشتق تَغَمَّرْتُ إذا شربت ماء قليلاً .
وقولهم : فلان مُغَامِرٌ ، إذا رمى بنفسه في الحرب ، إما لتوغله وخوضه فيه كقولهم يخوض الحرب ، وإما لتصور الغَمَارَةِ منه ، فيكون وصفه بذلك كوصفه بالهوج ونحوه .
ملاحظات
المتبادر من كلمة الغَمْر : غَمْرُ الماء لشئٍ . وسمي ما يعلق باليد من دسمٍ وغيره غَمْراً كأنه يغمرها ، ويقال غسل يديه من الغمر ، وأزال عن يده الغمر ، فهذه هي إزالة الغمر التي جعلها الراغب أصل المادة !
كما جعل الراغب غَمَرَ في القرآن إشارة إلى غَشِيَ ! وَتَحيَّرَ في معنى رجل مغامر ، وهو تشبيهٌ له بمن يلقي نفسه في غمرة الماء ، وكذلك قولهم : دخل في غمار الناس .
غَمَزَ
أصل الغَمْزِ : الإشارة بالجفن أو اليد طلباً إلى ما فيه معاب ، ومنه قيل : ما في فلان غَمِيزَةٌ ، أي نقيصة يشار بها إليه ، وجمعها : غَمَائِزُ .
قال تعالى : وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ « المطففين : 30 » وأصله من : غَمَزْتُ الكبش : إذا لمسته هل به طِرْقَهُ ، نحو : غبطته .
--------------------------- 551 ---------------------------
ملاحظات
قال الراغب : أصل الغمز الإشارة . ثم قال : وأصله من غمزت الكبش . فصار له أصلان : الغمز المعروف ، وجسُّ الكبش لتعرف طِرْقَه أي سمنته . « الجوهري : 4 / 1514 » .
فالغمز : يستعمل للغمز بالعين والغمز باليد ، وللغمز المادي ، والغمز بمعنى السخرية . ومن أين نعلم أيها الأصل وأيها الفرع . « راجع : العين : 4 / 386 ، ومقاييس اللغة : 4 / 394 » .
غَمَضَ
الغَمْضُ : النوم العارض ، تقول : ما ذقت غَمْضاً ولا غِمَاضاً . وباعتباره قيل : أرض غَامِضَةٌ ، وغَمْضَةٌ ، ودار غَامِضَةٌ . وغَمَضَ عينه وأَغْمَضَهَا : وضع إحدى جفنتيه على الأخرى ثم يستعار للتغافل والتساهل ، قال : وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ « البقرة : 267 » .
ملاحظات
نسي الراغب تأثير حرف التعدية في الآية وهي الوحيدة من المادة : إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ . ومعنى أغمض فيه : طَعَنَ فيه وذَمَّه .
أما تقسيمه النوم إلى عارض وغيره ، فهو من تكلفاته التي لا يفهمها أحد !
وتعبيره عن إطباق الجفنين بوضع إحدى جفنتيه على الأخرى ، مضحك ، ومعناه وضع طبق الطعام على الآخر !
غَنَمَ
الغَنَمُ : معروف . قال تعالى : وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما « الأنعام : 146 » .
والغُنْمُ : إصابته والظفر به ، ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدى وغيرهم . قال تعالى : وَاعْلَمُوا إنما غَنِمْتُمْ مِنْ شَئ « الأنفال : 41 » فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً « الأنفال : 69 » .
والمغْنَمُ : ما يُغْنَمُ ، وجمعه مَغَانِمُ . قال : فَعِنْدَ الله مَغانِمُ كَثِيرَةٌ « النساء : 94 » .
ملاحظات
تفسير الراغب للغنم بأنه كل ما يغنم ، تأييد لمذهبنا ، وجوابٌ لفقهاء المذاهب الأخرى الذين حصروا آية الخمس في غنائم الحرب . قال تعالى : وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَئٍْ فَأَنَّللهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى .
ولذا أفتى فقهاؤنا بأن الزكاة في مواد معينة ، والخمس في كل ما يستفيده المرء ، فيما زاد عن مؤونة سنته .
غَنِيَ
الغِنَى : يقال على ضروب ، أحدها :
عدم الحاجات ، وليس ذلك إل الله تعالى ، وهو المذكور في قوله : إن الله لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ « الحج : 64 » أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى الله والله هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ « فاطر : 15 » .
الثاني : قلة الحاجات ، وهو المشار إليه بقوله : وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى « الضحى : 8 » وذلك هو المذكور في قوله عليه السلام : الغِنَى غِنَى النفس .
والثالث : كثرة القِنْيَات بحسب ضروب الناس كقوله : وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ « النساء : 6 » الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ « التوبة : 93 » لَقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إن الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ « آل عمران : 181 » . قالوا ذلك حيث سمعوا : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً .
وقوله : يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التعَفُّفِ « البقرة : 273 » أي لهم غنى النفس ، ويحسبهم الجاهل أن لهم القنيات لما يرون فيهم من التعفف والتلطف .
وعلى هذا قوله عليه السلام لمعاذ : خذ من أغنيائهم ورد في فقرائهم ، وهذا المعنى هو المعني بقول الشاعر :
قد يكثرُ المالُ والإنسانُ مُفْتَقِرُ
يقال : غَنَيْتُ بكذا غِنْيَاناً وغِنَاءً ، واسْتَغْنَيْتُ وتَغَنَّيْتُ
--------------------------- 552 ---------------------------
وتَغَانَيْتُ ، قال تعالى : وَاسْتَغْنَى الله والله غَنِيٌّ حَمِيدٌ « التغابن : 6 » ويقال : أَغْنَانِي كذا ، وأغْنَى عنه كذا : إذا كفاه . قال تعالى : ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ « الحاقة : 28 » ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ « المسد : 2 » لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ الله شَيْئاً « آل عمران : 10 » ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ « الشعراء : 207 » لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ « يس : 23 » وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ « المرسلات : 31 » .
والْغَانِيَةُ : المُسْتَغْنِيَةُ بزوجها عن الزينة ، وقيل : المُسْتَغْنِيَةُ بحسنها عن التزين .
وغَنِيَ في مكان كذا : إذا طال مقامه فيه مستغنياً به عن غيره بغنى ، قال : كَأن لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا « الأعراف : 92 » . والْمَغْنَى : يقال للمصدر وللمكان . وغَنَّى أُغْنِيَةً وغِنَاءً ، وقيل : تَغَنَّى بمعنى استغنى . وحمل قوله عليه السلام : من لم يَتَغَنَّ بالقرآن . على ذلك .
غَيَبَ
الغَيْبُ : مصدر غَابَتِ الشمسُ وغيرها : إذا استترت عن العين ، يقال : غَابَ عني كذا . قال تعالى : أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ « النمل : 20 » . واستعمل في كل غَائِبٍ عن الحاسة ، وعما يَغِيبُ عن علم الإنسان بمعنى الغَائِبِ ، قال : وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ « النمل : 75 » ويقال للشئ : غَيْبٌ وغَائِبٌ باعتباره بالناس لا ب الله تعالى ، فإنه لا يغيب عنه شئ كما لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض . وقوله : عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ « الأنعام : 73 » أي ما يغيب عنكم وما تشهدونه .
والْغَيْب في قوله : يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ « البقرة : 3 » ما لا يقع تحت الحواس ولاتقتضيه بداية العقول ، وإنما يُعلم بخبر الأنبياء عليهم السلام ، وبدفعه يقع على الإنسان اسم الإلحاد .
ومن قال : الغَيْبُ هو القرآن ، ومن قال : هو القدر ، فإشارة منهم إلى بعض ما يقتضيه لفظه .
وقال بعضهم : معناه يؤمنون إذا غَابُوا عنكم ، وليسوا كالمنافقين الذين قيل فيهم : وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إنا مَعَكُمْ إنما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ « البقرة : 14 »
وعلى هذا قوله : الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ « فاطر : 18 » مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ « ق : 33 » وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « النحل : 77 » أَطلَعَ الْغَيْبَ « مريم : 78 » فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً « الجن : 26 » لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا الله « النمل : 65 » ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ « آل عمران : 44 » وَما كانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ « آل عمران : 179 » إنكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ « المائدة : 109 » إن رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحق عَلَّامُ الْغُيُوبِ « سبأ : 48 » . وأَغابَتِ المرأة : غاب زوجها . وقوله في صفة النساء : حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ الله « النساء : 34 » أي لا يفعلن في غيبة الزوج ما يكرهه الزوج .
والْغِيبَةُ : أن يذكر الإنسان غيره بما فيه من عيب ، من غير أن أُحْوِجَ إلى ذكره ، قال تعالى : وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً « الحجرات : 12 » .
والغَيَابَةُ : منهبط من الأرض ، ومنه : الغَابَةُ للأجمة ، قال : فِي غَيابَتِ الْجُبِّ « يوسف : 10 » ويقال : هم يشهدون أحياناً ويَتَغَايَبُونَ أحياناً .
وقوله : وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ « سبأ : 53 » أي من حيث لا يدركونه ببصرهم وبصيرتهم .
ملاحظات
جعل الراغب الغيب مصدر غابت الشمس ، وكان ينبغي أن يجعله مصدرَ غياب الشئ عن حواس الإنسان أو عن علمه ، ومنه غياب الشمس .
وقد فسره بعد ذلك بهذا ، وأطال في احتمالات معنى يؤمنون بالغيب ، وأغرب في بعضها ، وكلها تقييد
--------------------------- 553 ---------------------------
لمعنى أعم ، فيجب إبقاء الغيب على إطلاقه !
غَوَثَ
الغَوْثُ : يقال في النصرة ، والغَيْثُ في المطر . واسْتَغَثْتُهُ : طلبت الغوث أو الغيث فَأَغَاثَنِي من الغوث . وغَاثَنِي : من الغيث ، وغَوَّثت من الغوث ، قال تعالى : إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ « الأنفال : 9 » وقال : فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ « القصص : 15 » .
وقوله : وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ « الكهف : 29 » فإنه يصح أن يكون من الغيث ، ويصح أن يكون من الغوث ، وكذا يُغَاثُوا ، يصح فيه المعنيان .
والغيْثُ : المطر في قوله : كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ « الحديد : 20 » قال الشاعر :
سمعتُ الناسَ يَنْتَجِعُونَ غَيْثاً
فقلتُ لِصَيْدَحَ انْتَجِعِي بَلَالَا
غَوَرَ
الغَوْرُ : المُنْهَبِطُ من الأرض ، يقال : غَارَ الرجل وأَغَارَ . وغَارَتْ عينه غَوْراً وغُئُوراً . وقوله تعالى : ماؤُكُمْ غَوْراً « الملك : 30 » أي غَائِراً . وقال : أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً « الكهف : 41 » .
والغارُ : في الجبل ، قال : إِذْ هُما فِي الْغارِ « التوبة : 40 » .
وكُنِّيَ عن الفرج والبطن بِالْغَارَيْنِ .
والْمَغَارُ : من المكان كالغور ، قال : لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا « التوبة : 57 »
وغَارَتِ الشمس غِيَاراً ، قال الشاعر :
هل الدَّهرُ إلّا لُيْلَةٌ ونهارُهَا
وإلا طلوعُ الشمسِ ثُمَّ غِيَارُهَا
وغَوَّرَ : نزل غوراً . وأَغَارَ على العدو إِغَارَةً وغَارَةً . قال تعالى : فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً « العاديات : 3 » عبارة عن الخيل .
غَيَرَ
غَيْرُ : يقال على أوجه ، الأول : أن تكون للنفي المجرد من غير إثبات معنى به ، نحو : مررت برجل غير قائم ، أي لا قائم ، قال : وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ الله « القصص : 50 » وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ « الزخرف : 18 » .
الثاني : بمعنى إلا ، فيستثنى به وتوصف به النكرة نحو : مررت بقوم غير زيد . أي إلا زيداً وقال : ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي « القصص : 38 » وقال : ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ « الأعراف : 59 » هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ الله « فاطر : 3 » .
الثالث : لنفي صورة من غير مادتها . نحو : الماء إذا كان حاراً غيره إذا كان بارداً ، وقوله : كلما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها « النساء : 56 » .
الرابع : أن يكون ذلك متناولاً لذات نحو : الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى الله غَيْرَ الْحق « الأنعام : 93 » أي الباطل .
وقوله : وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحق « القصص : 39 » أَغَيْرَ الله أَبْغِي رَبًّا « الأنعام : 164 » وَيَسْتَخْلِفُ رَبِي قَوْماً غَيْرَكُمْ « هود : 57 » ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا « يونس : 15 » .
والتغْيِيرُ : يقال على وجهين ، أحدهما : لتغيير صورة الشئ دون ذاته . يقال : غَيَّرْتُ داري : إذا بنيتها بناء غير الذي كان . والثاني : لتبديله بغيره نحو : غَيَّرْتُ غلامي ودابتي : إذا أبدلتهما بغيرهما . نحو : إن الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ « الرعد : 11 » .
والفرق بين غَيْرَين ومختلفين : أن الغَيْرَيْن أعم فإن الغيرين قد يكونان متفقين في الجواهر بخلاف المختلفين ، فالجوهران المتحيزان هما غيران وليسا مختلفين ، فكل خلافين غيران ، وليس كل غيرين خلافين .
ملاحظات
1 . تقول : هذا غير هذا ، وهذا خلاف هذا ، بمعنى واحد .
--------------------------- 554 ---------------------------
ولا علاقة لغير بالتغيير وفروعه كما تصور الراغب .
2 . الصحيح أن غير لا تثنى ولا تجمع ، فلا تقول غَيْرَان وأغيار ، تقصد تثنية غير وجمعها .
بل معنى غَيْرَان غيور ، وغِيران بكسر الغين جمع غار . وقول بعضهم عن تغاير الشيئين : هما غَيْران خطأ جاء من توسع الفرس في الجمع في لغتهم . قال ابن هشام في المغني : ( 2 / 517 ) : ( قولهم غَيْرَان وأغْيَار ، ليس بعربي ) .
3 . التغيير في القرآن دائماً إلى الأسوأ : إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ . أي يغيروا إلى الأسوأ .
نعم يفهم منه ما يقابله وهو التغيير إلى الأحسن .
غَوَصَ
الغَوْصُ : الدخول تحت الماء وإخراج شئ منه ويقال لكل من انهجم ( ! ) على غامض فأخرجه له : غَائِصٌ ، عيناً كان أو علماً .
والغَوَّاصُ : الذي يكثر منه ذلك قال تعالى : وَالشَّياطِينَ كل بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ « ص : 37 » وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ « الأنبياء : 82 » أي يستخرجون له الأعمال الغريبة والأفعال البديعة ، وليس يعني استنباط الدر من الماء فقط .
غَيَضَ
غَاضَ الشئ وغَاضَهُ غيره : نحو نقص ونقصه غيره . قال تعالى : وَغِيضَ الْماءُ « هود : 44 » وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ « الرعد : 8 » أي تفسده الأرحام ، فتجعله كالماء الذي تبتلعه الأرض .
والغَيْضَةُ : المكان الذي يقف فيه الماء فيبتلعه .
وليلة غَائِضَةٌ ، أي مظلمة .
ملاحظات
الغيضة : بمعنى الأجمة والواحة ، وهي عادة منخفضٌ يجتمع فيها الماء وفيها نبات وأشجار . وسميت الغيضة باعتبار أنها مجمع ماء قبل أن يغيض ويقلَّ وينضب . « الصحاح : 3 / 1096 » .
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام وجهٌ آخر في تفسير قوله تعالى : ما تغيض الأرحام وما تزداد فقال : « الغيض ما كان أقل من الحمل . وما تزداد : ما زاد على الحمل ، فهو مكان ما رأت من الدم في حملها » . « تفسير العياشي : 2 / 204 » .
غَيَظَ
الغَيْظُ : أشد غضب ، وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فوران دم قلبه ، قال : قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ « آل عمران : 119 » لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ « الفتح : 29 » . وقد دعا الله الناس إلى إمساك النفس عند اعتراء الغيظ ، قال : وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ « آل عمران : 134 » . قال : وإذا وُصف الله سبحانه به فإنه يراد به الانتقام ، قال : وَإنهُمْ لَنا لَغائِظُونَ « الشعراء : 55 » أي داعون بفعلهم إلى الانتقام منهم .
والتغَيُّظُ : هو إظهار الغيظ ، وقد يكون ذلك مع صوت مسموع كما قال : سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً . « الفرقان : 12 » .
غَوَلَ
الغَوْلُ : إهلاك الشئ من حيث لا يُحس به ، يقال : غَالَ يَغُولُ غَوْلاً ، واغْتَالَهُ اغْتِيَالاً . ومنه سمي السعلاة غُولاً .
قال في صفة خمر الجنة : لافِيها غَوْلٌ « الصافات : 47 » نفياً لكل ما نبه عليه بقوله : وإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما « البقرة : 219 » ، وبقوله : رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوه . « المائدة : 90 » .
ملاحظات
قال الشيخ الطوسي في التبيان « 8 / 496 » : « وقوله : لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ، معناه : لا يكون في ذلك الشراب غَوْلٌ ، أي فساد يلحق العقل خفياً ، يقال : اغتاله اغتيالاً ، إذا أفسد عليه أمره . ومنه الغيلة وهي القتل سراً » .
غَوَى
الغَيُّ : جهل من اعتقاد فاسد ، وذلك أن الجهل قد يكون
--------------------------- 555 ---------------------------
من كون الإنسان غير معتقد اعتقاداً لا صالحاً ولا فاسداً ، وقد يكون من اعتقاد شئ فاسد ، وهذا النحو الثاني يقال له غَيٌّ . قال تعالى : ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى « النجم : 2 » وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ « الأعراف : 102 » . وقوله : فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا « مريم : 59 » أي عذاباً فسماه الغي لما كان الغي هو سببه وذلك كتسمية الشئ بما هو سببه ، كقولهم للنبات ندى . وقيل معناه : فسوف يلقون أثر الغي وثمرته .
قال : وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ « الشعراء : 91 » وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ « الشعراء : 224 » إنكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ « القصص : 18 »
وقوله : وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى « طه : 121 » أي جهل . وقيل : معناه خاب نحو قول الشاعر :
ومن يَغْوِ لايُعْدَمْ عَلى الغَيِّ لائِماً
وقيل : معنى غَوَى فسد عيشُه من قولهم : غَوِيَ الفصيلُ وغَوَى ، نحو هَوِيَ وهوى .
وقوله : إِنْ كانَ الله يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ « هود : 34 » فقد قيل : معناه أن يعاقبكم على غيكم ، وقيل : معناه يحكم عليكم بغيكم . وقوله تعالى : قالَ الَّذِينَ حق عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ « القصص : 63 » إعلاماً منهم أنا قد فعلنا بهم غاية ما كان في وسع الإنسان أن يفعل بصديقه ، فإن حق الإنسان أن يريد بصديقه ما يريد بنفسه ، فيقول : قد أفدناهم ما كان لنا وجعلناهم أسوة أنفسنا .
وعلى هذا قوله تعالى : فَأَغْوَيْناكُمْ إنا كُنَّا غاوِينَ « الصافات : 32 » فَبِما أَغْوَيْتَنِي « الأعراف : 16 » وقال : رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ « الحجر : 39 » .
تم كتاب الغين بتوفيق الله
--------------------------- 556 ---------------------------
كتاب الفاء وما يتصل بها
فَتَحَ
الفَتْحُ : إزالة الأغلاق والإشكال ، وذلك ضروب ، أحدها : يدرك بالبصر كفتح الباب ونحوه ، وكفتح القفل والغلق والمتاع ، نحو قوله : وَلما فَتَحُوا مَتاعَهُمْ « يوسف : 65 » وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ « الحجر : 14 » .
والثاني : يدرك بالبصيرة كفتح الهم وهو إزالة الغم ، وذلك ضربان ، أحدها : في الأمور الدنيوية كغمٍّ يُفرج ، وفَقْرٍ يُزال بإعطاء المال ونحوه ، نحو : فَلما نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كل شَئ « الأنعام : 44 » أي وسَّعنا . وقال : لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ « الأعراف : 96 » أي أقبل عليهم الخيرات .
والثاني : فتح المستغلق من العلوم ، نحو قولك : فلان فَتَحَ من العلم باباً مغلقاً .
وقوله : إنا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً « الفتح : 1 » قيل : عنى فتح مكة ، وقيل : بل عنى ما فتح على النبي من العلوم والهدايات ، التي هي ذريعة إلى الثواب والمقامات المحمودة ، التي صارت سبباً لغفران ذنوبه .
وفَاتِحَةُ كل شئ : مبدؤه الذي يفتح به ما بعده ، وبه سمي فاتحة الكتاب . وقيل : افْتَتَحَ فلان كذا : إذا ابتدأ به . وفَتَحَ عليه كذا : إذا أعلمه ووقفه عليه ، قال : أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ « البقرة : 76 » ما يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ « فاطر : 2 » .
وفَتَحَ الْقَضِيَّةَ فِتَاحاً : فَصَلَ الأمر فيها وأزال الأغلاق عنها . قال تعالى : رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحق وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ « الأعراف : 89 » . ومنه الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ « سبأ : 26 » قال الشاعر : بأني عن فَتَاحَتِكُمْ غنيُّ .
وقيل : الفتَاحةُ بالضم والفتح .
وقوله : إِذا جاءَ نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ « النصر : 1 » فإنه يحتمل النصرة
--------------------------- 557 ---------------------------
والظفر والحكم ، وما يفتح الله تعالى من المعارف .
وعلى ذلك قوله : نَصْرٌ مِنَ الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ « الصف : 13 » فَعَسَى الله أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ « المائدة : 52 » وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ « السجدة : 28 » قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ « السجدة : 29 » أي يوم الحكم . وقيل : يوم إزالة الشبهة بإقامة القيامة . وقيل ما كانوا يَسْتَفْتِحُونَ من العذاب ويطلبونه .
والِاسْتِفْتَاحُ : طلب الفتح أو الفتاح . قال : إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ « الأنفال : 19 » أي إن طلبتم الظفر أو طلبتم الفتاح أي الحكم ، أو طلبتم مبدأ الخيرات ، فقد جاءكم ذلك بمجئ النبي . وقوله : وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا « البقرة : 89 » أي يستنصرون الله ببعثة محمد عليه الصلاة والسلام .
وقيل : يستعلمون خبره من الناس مرة ، ويستنبطونه من الكتب مرة . وقيل : يطلبون من الله بذكره الظفر . وقيل : كانوا يقولون إنا لننصر بمحمد على عبدة الأوثان .
والمِفْتَحُ وَالمِفْتَاحُ : ما يفتح به ، وجمعه : مَفَاتِيحُ ومَفَاتِحُ . وقوله : وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ « الأنعام : 59 » يعني ما يتوصل به إلى غيبه المذكور في قوله : فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ « الجن : 26 » .
وقوله : ما إن مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ « القصص : 76 » قيل : عنى مفاتح خزائنه ، وقيل : بل عنى بالمفاتح الخزائن أنفسها .
وبابٌ فَتْحٌ : مَفْتُوحٌ في عامة الأحوال ، وغَلْقٌ خلافه . وروي : من وجد باباً غَلْقاً وجد إلى جنبه باباً فَتْحاً . وقيل : فَتْحٌ : واسع .
ملاحظات
أجاد الخليل في هذه المادة فقال « 3 / 194 » : « الفتح : نقيض الإغلاق . والفتح : افتتاح دار الحرب . والفتح : أن تفتح على من يستقرؤك . والفتح : أن تحكم بين قوم يختصمون إليك ، قال تعالى : رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ . والفتح : النصرة ، قال تعالى : إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ . واستفتحت الله على فلان أي : سألته النصر عليه ، ونحو ذلك .
والمِفْتَح : الخزانة ، ولكل شئ مفتح ، ومفتح بالفتح والكسر من صنوف الأشياء .
والفتاح : الحاكم . وقوله تعالى : مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ، يعني الكنوز وصنوف أمواله .
فأما المفاتيح فجمع المفتاح الذي يفتح به المغلاق . والفتحة : تفتح الإنسان بما عنده من أموال أو أدب يتطاول به ، يقال : ما هذه الفتحة التي أظهرتها وتفتحت بها علينا . وفواتح القرآن : أوائل السور . وافتتاح الصلاة : التكبيرة الأولى . وباب فَتْحٌ : أي واسعٌ » .
فَتَرَ
الفُتُورُ : سكونٌ بعد حدة ، ولين بعد شدة ، وضعفٌ بعد قوة . قال تعالى : يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ « المائدة : 19 » أي سكون حال عن مجئ رسل الله .
وقوله : لايَفْتُرُونَ « الأنبياء : 20 » أي لا يسكنون عن نشاطهم في العبادة . وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : لكل عالم شِرَّة ولكل شرَِّة فَتْرَةٌ ، فمن فَتَرَ إلى سنتي فقد نجا وإلا فقد هلك . فقوله : لكل شِرَّةٍ فترةٌ ، فإشارة إلى ما قيل : للباطل جولة ثم يضمحل ، وللحق دولة لا تذل ولا تقل . وقوله : من فَتَرَ إلى سنتي أي سكن إليها . والطرف الفَاتِرُ : فيه ضعف مستحسن .
والفِتْرُ : ما بين طرف الإبهام وطرف السبابة يقال : فَتَرْتُهُ بِفِتْرِي ، وشبرته بشبري .
فَتَقَ
--------------------------- 558 ---------------------------
الفَتْقُ : الفصل بين المتصلين ، وهو ضد الرتق قال تعالى : أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أن السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما « الأنبياء : 30 » . والفَتْقُ والفَتِيقُ : الصبح ، وأَفْتَقَ القمر : صادف فتقاً فطلع منه .
ونَصْلٌ فَتِيقُ الشَّفْرَتين : إذا كان له شعبتان كأن إحداهما فُتِقَتْ من الأخرى . وجملٌ فَتِيقٌ : تَفَتَّقَ سمناً ، وقد فَتِقَ فَتْقاً .
ملاحظات
1 . استعمل القرآن مادة فتق في آية واحدة فقط : أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَأنتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَئٍْ حَىٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ .
والمشهور في تفسيرها أن السماوات والأرض كانتا قطعة واحدة ففصَّلها الله تعالى . والصحيح قول الإمام الباقر عليه السلام « الكافي : 8 / 95 » : « كانت السماء رتقاً لا تنزل المطر ، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت الحب ، فلما خلق الله تبارك وتعالى الخلق وبث فيها من كل دابة ، فتق السماء بالمطر ، والأرض بنبات الحب » .
2 . تعريف الخليل للفتق أدقُّ من تعريف الراغب قال « 5 / 131 » : « كل شئ متصلٌ مستوٍ هو رتق ، فإذا انفصل فهو فتق . وتقول : فتقته فانفتق . والفتق يصيب الإنسان في مراق بطنه فينفتق الصفاق الداخل .
والفتق : انشقاق عصا المسلمين بعد اجتماع الكلمة . والفتق : الصبح نفسه . والفتق : انفلاق الصبح » .
فَتَلَ
فَتَلْتُ الحبل فَتْلًا ، والْفَتِيلُ : الْمَفْتُولُ . وسمي ما يكون في شق النواة فتيلاً ، لكونه على هيئته . قال تعالى : وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا « النساء : 49 » وهو ما تَفْتِلُهُ بين أصابعك من خيط أو وسخ ، ويضرب به المثل في الشئ الحقير .
وناقة فَتْلَاءُ الذراعين : محكمة .
ملاحظات
قال الخليل « 4 / 472 » : « الفتيل ما يكون في شق النواة كأنه قد فُتِل » . وفي التبيان « 6 / 505 » : « الفتيل في بطن النواة ، والنقير في ظهرها ، والقطمير قشر النواة » .
فَتَنَ
أصل الفَتْنِ : إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته ، واستعمل في إدخال الإنسان النار . قال تعالى : يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ « الذاريات : 13 » ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ « الذاريات : 14 » أي عذابكم . وذلك نحو قوله : كلما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ « النساء : 56 » . وقوله : النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها . . الآية « غافر : 46 » .
وتارةً ، يُسمون ما يحصل عنه العذاب فيستعمل فيه . نحو قوله : أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا « التوبة : 49 » وتارةً في الاختبار نحو : وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً « طه : 40 » .
وجعلت الفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء ، وهما في الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالاً ، وقد قال فيهما : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً « الأنبياء : 35 » . وقال في الشدة : إنما نَحْنُ فِتْنَةٌ « البقرة : 102 » وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ « البقرة : 191 » وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ « البقرة : 193 » وقال : وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا « التوبة : 49 » أي يقول لا تُبلني ولا تعذبني ، وهم بقولهم ذلك وقعوا في البلية والعذاب .
وقال : فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ « يونس : 83 » أي يبتليهم ويعذبهم ، وقال : وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ « المائدة : 49 » وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ « الإسراء : 73 » أي يوقعونك في بلية وشدة في صرفهم إياك عما أوحي إليك ، وقوله : فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ « الحديد : 14 »
--------------------------- 559 ---------------------------
أي أوقعتموها في بلية وعذاب ، وعلى هذا قوله : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً « الأنفال : 25 » .
وقوله : وَاعْلَمُوا إنما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ « التغابن : 15 » فقد سماهم هاهنا فتنة اعتباراً بما ينال الإنسان من الاختبار بهم . وسماهم عدواً في قوله : إن مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ « التغابن : 14 » اعتباراً بما يتولد منهم .
وجعلهم زينة في قوله : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ . الآية . « آل عمران : 14 » اعتباراً بأحوال الناس في تزينهم بهم .
وقوله : ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ « العنكبوت : 1 » أي لا يختبرون فيميز خبيثهم من طيبهم ، كما قال : لِيَمِيزَ الله الْخَبِيثَ مِنَ الطيِّبِ « الأنفال : 37 » .
وقوله : أَوَلا يَرَوْنَ إنهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كل عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ « التوبة : 126 » فإشارة إلى ما قال : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَئ مِنَ الْخَوْفِ . الآية . « البقرة : 155 » وعلى هذا قوله : وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ « المائدة : 71 » .
والْفِتْنَةُ : من الأفعال التي تكون من الله تعالى ومن العبد ، كالبلية والمصيبة والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال الكريهة ، ومتى كان من الله يكون على وجه الحكمة ، ومتى كان من الإنسان بغير أمر الله يكون بضد ذلك .
ولهذا يذم الله الإنسان بأنواع الفتنة في كل مكان نحو قوله : وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ « البقرة : 191 » إن الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ « البروج : 10 » ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ « الصافات : 162 » أي بمضلين .
وقوله : بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ « القلم : 6 » قال الأخفش : الْمَفْتُونُ : الفتنة ، كقولك : ليس له معقول ، وخذ ميسوره ودع معسوره ، فتقديره بأيكم الفتون . وقال غيره : أيكم المفتون ، والباء زائدة كقوله : كَفى بِالله شَهِيداً « الفتح : 28 » .
وقوله : وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ الله إِلَيْكَ « المائدة : 49 » فقد عُدِّيَ ذلك بعن ، تعديةَ خدعوك ، لما أشار بمعناه إليه .
فَتَى
الفَتَى : الطرِيُّ من الشباب ، والأنثى فَتَاةٌ ، والمصدر فَتَاءٌ . ويكنى بهما عن العبد والأمة . قال تعالى : تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ « يوسف : 30 » . والفَتِيُّ من الإبل : كالفتى من الناس .
وجمع الفتى فِتْيَةٌ وفِتْيَانٌ ، وجمع الفتاة فَتَيَاتٌ ، وذلك قوله : مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ « النساء : 25 » أي إمائكم ، وقال : وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ « النور : 33 » أي إماءكم . وَقالَ لِفِتْيانِهِ « يوسف : 62 » أي لمملوكيه وقال : إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ « الكهف : 10 » إنهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ « الكهف : 13 » .
والفُتْيَا والفَتْوَى : الجواب عما يشكل من الأحكام ، ويقال : اسْتَفْتَيْتُهُ فَأَفْتَانِي بكذا . قال : وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ « النساء : 127 » فَاسْتَفْتِهِمْ « الصافات : 11 » أَفْتُونِي فِي أَمْرِي « النمل : 32 » .
ملاحظات
لم يذكر الراغب أصل فتى وهو من الفتوة ، وفسرها بالطراوة ولم يذكر فيها معنى الشجاعة والشهامة والفروسية . ثم ألحق بها الفتوى وهي من الفتيا ، ولا علاقة بين : فَتِيَ فهو فَتًى ، وأفتى فهو مُفْتٍ .
فَتِئَ
يقال : ما فَتِئْتُ أفعل كذا ، وما فَتَأْتُ ، كقولك : ما زلت . قال تعالى : تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ « يوسف : 85 » .
فَجَجَ
الفَجُّ : شُقَّةٌ يكتنفها جبلان ، ويستعمل في الطريق الواسع ، وجمعه فِجَاجٌ . قال : مِنْ كل فَجٍّ عَمِيقٍ « الحج : 27 » فِيها فِجاجاً سُبُلًا « الأنبياء : 31 » والفَجَجُ : تباعد الركبتين ، وهو أَفَجُّ بيِّن
--------------------------- 560 ---------------------------
الفجج ومنه : حافر مُفَجَّجٌ . وجرح فَجٌّ : لم ينضج .
فَجَرَ
الْفَجْرُ : شقَّ الشئ شقاً واسعاً كَفَجَرَ الإنسان السِّكرَ « سِكْرَ الماء » يقال : فَجَرْتُهُ فَانْفَجَرَ وفَجَّرْتُهُ فَتَفَجَّرَ .
قال تعالى : وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً « القمر : 12 » وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً « الكهف : 33 » فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ « الإسراء : 91 » تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً « الإسراء : 90 » وقرئ تَفْجُرَ . وقال : فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً « البقرة : 60 » .
ومنه قيل للصبح : فَجْرٌ ، لكونه فجر الليل . قال تعالى : وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ « الفجر : 1 » إن قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً « الإسراء : 78 » . وقيل : الفَجْرُ فجران : الكاذب ، وهو كذَنَبِ السَّرْحان ، والصادق ، وبه يتعلق حكم الصوم والصلاة ، قال : حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ « البقرة : 187 » .
والفُجُورُ : شق ستر الديانة ، يقال : فَجَرَ فُجُوراً فهو فَاجِرٌ ، وجمعه : فُجَّارٌ وفَجَرَةٌ . قال : كلا إن كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ « المطففين : 7 » وَإن الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ « الانفطار : 14 » أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ « عبس : 42 »
وقوله : بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ « القيامة : 5 » أي يريد الحياة ليتعاطى الفجور فيها . وقيل : معناه ليذنب فيها . وقيل : معناه يذنب ويقول غداً أتوب ، ثم لا يفعل فيكون ذلك فجوراً لبذله عهداً لا يفي به . وسمي الكاذب فاجراً لكون الكذب بعض الفجور . وقولهم : ونخلع ونترك من يَفْجُرُكَ ، أي من يكذبك . وقيل : من يتباعد عنك ، وأيام الفِجَارِ : وقائع اشتدت بين العرب .
ملاحظات
الفجور : فيه معنى غير التكذيب والمعصية ، وهو المباهتة وعدم الحياء ، وهو مفهوم من قوله تعالى : بَلْ يُرِيدُ الآنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ . يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ . فهذا الفاجر يقول بوقاحة : أين الآخرة ، إني لا أراها ، ولا أرى دليلاً عليها !
فَجَا
قال تعالى : وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ « الكهف : 17 » أي ساحة واسعة ، ومنه : قوس فِجَاءٌ وفَجْوَاءٌ : بان وتراها عن كبدها ، ورجل أَفْجَى بيِّن الفجا : أي متباعد ما بين العرقوبين .
فَحَشَ
الفُحْشُ والفَحْشَاءُ والفَاحِشَةُ : ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال ، وقال : إن الله لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ « الأعراف : 28 » وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ « النحل : 90 » مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ « الأحزاب : 30 » إن الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ « النور : 19 » إنما حَرَّمَ رَبِي الْفَواحِشَ « الأعراف : 33 » إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ « النساء : 19 » كناية عن الزنا ، وكذلك قوله : وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ « النساء : 15 » .
وفَحُشَ فلان : صار فاحشاً ومنه قول الشاعر :
عقيلةُ مَالِ الفَاحِشِ المتَشَدِّدِ
يعني به : العظيم القبح في البخل .
والمُتَفَحِّشُ : الذي يأتي بالفحش .
فَخَرَ
الفَخْرُ : المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه ، ويقال : له الفَخَرُ ، ورجل فَاخِرٌ ، وفَخُورٌ ، وفَخِيرٌ ، على التكثير . قال تعالى : إن الله لا يُحِبُّ كل مُخْتالٍ فَخُورٍ « لقمان : 18 » ويقال : فَخَرْتُ فلاناً على صاحبه أَفْخَرُهُ فَخْراً : حكمت له بفضل عليه ، ويعبر عن كل نفيس بِالْفَاخِرِ . يقال : ثوب فَاخِرٌ .
وناقة فَخُورٌ : عظيمة الضرع كثيرة الدر .
--------------------------- 561 ---------------------------
والفَخَّارُ : الجِرار ، وذلك لصوته إذا نقر كأنما تصور بصورة من يكثر التفَاخُرَ . قال تعالى : مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ « الرحمن : 14 » .
ملاحظات
جعل الفُخَّار من الفخر ، ومعناه أن العرب تصوروا الفخر من صوت الفخار ، فسموه فِخَاراً ، وكأنهم لم يعرفوا الفخر قبله . وهذا تصورٌ مضحك لنشوء اللغة .
فَدَى
الفِدَى والفِدَاءُ : حفظ الإنسان عن النائبة بما يبذله عنه ، قال تعالى : فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وإما فِداءً « محمد : 4 » يقال : فَدَيْتُهُ بمال وفديته بنفسي وفَادَيْتُهُ بكذا ، قال تعالى : إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ « البقرة : 85 » وتَفَادَى فلان من فلان ، أي تحامى من شئ بذله . وقال : وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ « الصافات : 107 » .
وافْتَدى : إذا بذل ذلك عن نفسه ، قال تعالى : فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ « البقرة : 229 » وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ « البقرة : 85 » . والمُفَادَاةُ : هو أن يرد أسر العدى ويسترجع منهم من في أيديهم ، قال : وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ « الرعد : 18 » لَافْتَدَتْ بِهِ « يونس : 54 » ولِيَفْتَدُوا بِهِ « المائدة : 36 » وَلَوِ افْتَدى بِهِ « آل عمران : 91 » لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ « المعارج : 11 » .
وما يقي به الإنسان نفسه من مال يبذله في عبادة قصر فيها ، يقال له فِدْيَةٌ ، ككفارة اليمين وكفارة الصوم ، نحو قوله : فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ « البقرة : 196 » فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ « البقرة : 184 » .
فَرَّ
أصل الفَرِّ : الكشف عن سن الدابة . يقال : فَرَرْتُ فِرَاراً ، ومنه فَرَّ الدهرُ جذعاً ، ومنه : الِافْتِرَارُ ، وهو ظهور السن من الضحك .
وفَرَّ عن الحرب فِرَاراً : قال تعالى : فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ « الشعراء : 21 » وقال : فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ « المدثر : 51 » فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً « نوح : 6 » لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ « الأحزاب : 16 » فَفِرُّوا إِلَى الله « الذاريات : 50 » وأَفْرَرْتُهُ : جعلته فَاراً ، ورجل فَرٌّ وفَارٌّ ، والمَفَرُّ : موضع الفرار ووقته والفرار نفسه . وقوله : أَيْنَ الْمَفَرُّ « القيامة : 10 » يحتمل ثلاثتها .
ملاحظات
1 . العجب من تعريفه للفَرّ بأنه الكشف عن سن الدابة ، وقد أخذه من قول الخليل : فررت عن أسنان الدابة أي كشفت عنها . فأعجبه ذلك وأفتى بأن الفرَّ : الكشف ! وليته سأل نفسه عن مضارع فرًّ بمعنى كشف ! أو انتبه إلى اللازم والمتعدي فيهما .
ولو سأل عربياً عن المتبادر من كلمة : فرَّ ، لأحابه : هرب .
ولو قال له معناه : فرَّ عن سن الفرس ، لضحك !
قال الخليل « 8 / 255 » : « فَرَّ : الفرار والمفر لغتان ، وقيل بل المفر المهرب ، وهو الموضع الذي يهرب إليه . ورجل فرور وفرورة من الفرار .
والفر : مصدر فررت عن أسنان الدابة ، أي كشفت عنها . وافتر عن ثغره إذا تبسم وفر فلان عما في نفسه » .
وقال ابن فارس « 4 / 438 » : « فَرَّ : أصول ثلاثة ، فالأول الانكشاف وما يقاربه من الكشف عن الشئ ، والثاني جنس من الحيوان ، والثالث دال على خفة وطيش » .
وقال ابن منظور « 5 / 50 » : « الفَرّ والفِرارُ : الرَّوَغان والهَرَب . فَرَّ يَفِرُّ فراراً : هرب . ورجل فَرورٌ وفَرورةٌ وفَرَّار ، غير كَرَّارٍ .
ثم ذكر معان للفر ، منها : افْتَرَّ الإِنسان ضاحكاً : أَي أَبدى أَسنانه . والحديث في صفة النبي صلى الله عليه وآله : ويَفْتَرُّ عن مثل حَبِّ الغَمام » .
2 . لم يستوف الراغب موارد المادة في القرآن ، وقد وردت في عشر آيات : أولها في فرار المشركين من كلام النبي صلى الله عليه وآله : كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ . فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ .
--------------------------- 562 ---------------------------
وفرار قوم نوح عليه السلام من كلامه : فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا .
وفرار اليهود من الموت : قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ .
وفرار أكثر الصحابة من الحرب : إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا . قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ .
وفرار الإنسان في الآخرة : يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ . . يَقُولُ الآنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ .
والفرار من أهل الكهف : لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا .
وفرار موسى عليه السلام من قومه : فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ
والفرار إلى الله : فَفِرُّوا إِلَى الله إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ .
فَرَتَ
الْفُرَاتُ : الماء العذب . يقال للواحد والجمع ، قال تعالى : وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً « المرسلات : 27 » .
وقال : هذا عَذْبٌ فُراتٌ « الفرقان : 53 » .
فَرَثَ
قال تعالى : مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً « النحل : 66 » أي ما في الكرش ، يقال : فَرَثْتُ كبده أي فتنتها ، وأَفْرَثَ فلان أصحابه : أوقعهم في بلية جارية مجرى الفرث .
فَرَجَ
الفَرْجُ والفُرْجَةُ : الشق بين الشيئين كفرجة الحائط ، والفَرْجُ : ما بين الرِّجْلَين ، وكني به عن السوأة ، وكثر حتى صار كالصريح فيه . قال تعالى : وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها « الأنبياء : 91 » لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ « المؤمنون : 5 » وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ « النور : 31 » .
واستعير الفَرْجُ للثغر وكل موضع مخافة . وقيل : الفَرْجَانِ في الإسلام : الترك والسودان ، وقوله : وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ « ق : 6 » أي شقوق وفتوق ، قال : وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ « المرسلات : 9 » أي انشقت .
والفَرَجُ : انكشاف الغم ، يقال : فَرَّجَ الله عنك .
وقوسٌ فَرْجٌ : انفرجت سيتاها . ورجل فَرْجٌ : لا يكتم سره ، وفَرَجٌ : لا يزال ينكشف فرجه . وفَرَارِيجُ الدجاج : لانفراج البيض عنها . ودجاجة مُفْرِجٌ : ذات فراريج . والمُفْرَجُ : القتيل الذي انكشف عنه القوم ، فلا يدرى من قتله .
فَرِحَ
الْفَرَحُ : انشراح الصدر بلذة عاجلة ، وأكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية الدنيوية ، فلهذا قال تعالى : لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ « الحديد : 23 » وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا « الرعد : 26 » ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ « غافر : 75 » حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا « الأنعام : 44 » فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ « غافر : 83 » إن الله لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ « القصص : 76 » .
ولم يرخص في الفرح إلا في قوله : فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا « يونس : 58 » وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ « الروم : 4 » والمِفْرَاحُ : الكثير الفرح ، قال الشاعر : وَلَسْتُ بِمِفْرَاحٍ إذا الخيرُ مَسَّنِي
ولا جازعٌ من صَرْفِهِ المُتَقَلِّبِ
وما يسرني بهذا الأمر مُفْرِحٌ ومَفْرُوحٌ به . ورجل مُفْرَحٌ : أثقله الدين . وفي الحديث : لا يترك في الإسلام مفرح ، فكأن الإِفْرَاحُ يستعمل في جلب الفرح وفي إزالة الفرح ، كما أن الإشكاء يستعمل في جلب الشكوى وفي إزالتها ، فالمدان قد أزيل فرحه ، فلهذا قيل : لا غمَّ إلا غم الدين .
فَرَدَ
الفَرْدُ : الذي لا يختلط به غيره ، فهو أعمُّ من الوتر وأخص من الواحد ، وجمعه : فُرَادَى . قال تعالى : لا تَذَرْنِي فَرْداً « الأنبياء : 89 » أي وحيداً .
ويقال في الله : فرد ، تنبيهاً [ على ] أنه بخلاف الأشياء كلها في الازدواج المنبه عليه بقوله : وَمِنْ كل شَئ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ « الذاريات : 49 » . وقيل : معناه المستغني عما عداه ، كما نبه عليه
--------------------------- 563 ---------------------------
بقوله : غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ « آل عمران : 97 » . وإذا قيل : هو مُنْفَرِدٌ بوحدانيته ، فمعناه : هو مستغن عن كل تركيب وازدواج تنبيهاً [ على ] أنه مخالف للموجودات كلها .
وفَرِيدٌ : واحد ، وجمعه فُرَادَى ، نحو أسير وأسارى . قال : وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى « الأنعام : 94 » .
فَرَشَ
الفَرْشُ : بُسُط الثياب ، ويقال لِلْمَفْرُوشِ : فَرْشٌ وفِرَاشٌ . قال تعالى : الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً « البقرة : 22 » أي ذللها ولم يجعلها ناتئة لا يمكن الاستقرار عليها .
والفِرَاشُ : جمعه فُرُشٌ . قال : وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ « الواقعة : 34 » فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ « الرحمن : 54 » . والفَرْشُ : ما يُفْرَشُ من الأنعام أي يركب ، قال تعالى : حَمُولَةً وَفَرْشاً « الأنعام : 142 » .
وكُنِّيَ بِالْفِرَاشِ عن كل واحد من الزوجين فقال النبي صلى الله عليه وآله : الولد للفراش . وفلان كريم المَفَارِشِ ، أي النساء .
وأَفْرَشَ الرجل صاحبه ، أي اغتابه وأساء القول فيه . وأَفْرَشَ عنه : أقلع .
والفَرَاشُ : طير معروف ، قال : كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ « القارعة : 4 » وبه شبِّه فَرَاشَةُ القفل . والْفَرَاشَةُ : الماء القليل في الإناء .
فَرَضَ
الفَرْضُ : قطع الشئ الصَّلْب والتأثير فيه ، كفرض الحديد ، وفرض الزند والقوس . والمِفْرَاضُ والمِفْرَضُ : ما يقطع به الحديد .
وفُرْضَةُ الماء : مُقْسَمُه ، قال تعالى : لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً « النساء : 118 » أي معلوماً ، وقيل : مقطوعاً عنهم .
والفَرْضُ كالإيجاب لكن الإيجاب يقال اعتباراً بوقوعه وثباته . والفرض بقطع الحكم فيه . قال تعالى : سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها « النور : 1 » أي أوجبنا العمل بها عليك ، وقال : إن الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ « القصص : 85 » أي أوجب عليك العمل به ، ومنه يقال لما ألزم الحاكم من النفقة : فَرْضٌ . وكل موضع ورد فرض الله عليه ففي الإيجاب الذي أدخله الله فيه ، وما ورد من فرض الله له فهو في أن لا يحظره على نفسه ، نحو : ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ الله لَهُ « الأحزاب : 38 » وقوله : قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ « التحريم : 2 » وقوله : وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً « البقرة : 237 » أي سمَّيتم لهنَّ مهراً وأوجبتم على أنفسكم بذلك ، وعلى هذا يقال : فَرَضَ له في العطاء . وبهذا النظر ومن هذا الغرض قيل للعطية : فَرْضٌ ، وللدَّيْن : فَرْضٌ .
وفَرَائِضُ الله تعالى : ما فرض لأربابها ، ورجل فَارِضٌ وفَرْضِيٌّ : بصير بحكم الفرائض . قال تعالى : فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ إلى قوله : فِي الْحَجِّ أي من عَيَّنَ على نفسه إقامة الحج ، وإضافة فرض الحج إلى الإنسان دلالة أنه هو معين الوقت .
ويقال لما أخذ في الصدقة فرِيضَةٌ ، قال : إنمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ إلى قوله : فَرِيضَةً مِنَ الله . وعلى هذا ما روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب إلى بعض عماله كتاباً وكتب فيه : هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله عليه السلام على المسلمين .
والفَارِضُ : المسنُّ من البقر . قال تعالى : لافارِضٌ وَلا بِكْرٌ « البقرة : 68 » وقيل إنما سمي فَارِضاً لكونه فارضاً للأرض ، أي قاطعاً ، أو فارضاً لما يحمل من الأعمال الشاقة .
وقيل : بل لأن فَرِيضَةُ البقر اثنان : تبيع ومسنة فالتبيع يجوز في حال دون حال ، والمسنة يصح بذلها في كل حال ، فسميت المسنة فَارِضَةً لذلك ، فعلى هذا يكون الفَارِضُ اسما إسلامياً .
--------------------------- 564 ---------------------------
ملاحظات
أخذ هذه المادة من ابن فارس حيث قال « 4 / 488 » : « أصل صحيح يدل على تأثير في شئ من حَزٍّ أو غيره . ومن الباب اشتقاق الفرض الذي أوجبه الله تعالى وسمي بذلك لأن له معالم وحدوداً . ومن الباب الفُرْضَة وهي المشرعة في النهر وغيره ، وسميت بذلك تشبيهاً بالحز في الشئ ، لأنها كالحز في طرف النهر وغيره » .
لكن أكثر هذه الفروع لا يمكن إرجاعها إلى الحزِّ والتأثير الذي ذكره . وقد أجاد الخليل في قوله « 7 / 28 » : « الفرض : جند يفترضون ، ويجمع فروضاً . والفرض : ما أعطيت من غير فرض . والفرض : الترس .
والفرض : الإيجاب تفرض على نفسك فرضاً ، والفريضة : الاسم . والفرض : الحز للفرضة في سية القوس والخشبة . والفارض : في قوله تعالى : لا فارض ولا بكر ، أي لامسنة . ولحية فارضة ، أي ضخمة . وفرائض الله : حدوده .
والفرضة : ما يقرب الماء من النهر . ومرفأ السفينة حيث يركب . والفرض : جنس من التمر . والفرياض : الواسع » .
وقول الراغب : والمِفْرَاضُ والمِفْرَضُ : ما يقطع به الحديد . خطأ ، فقد ذكره اللغويون بالقاف ، ويسمى المقص والجَلَم . ويظهر أنه خلط بين فرض وقرض ! « راجع العين : 5 / 49 ووالصحاح : 3 / 1052 » .
فَرَطَ
فَرَطَ : إذا تقدم تقدماً بالقصد ، يَفْرُطُ ، ومنه : الفَارِطُ إلى الماء ، أي المتقدم لإصلاح الدلو ، يقال : فَارِطٌ وفَرَطٌ ، ومنه قوله عليه السلام : أنا فرطكم على الحوض . وقيل في الولد الصغير إذا مات : اللهم اجعله لنا فَرَطاً . وقوله : أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا « طه : 45 » أي يتقدم . وفرس فُرُطٌ : يسبق الخيل .
والْإِفْرَاطُ : أن يسرف في التقدم ، والتفْرِيطُ : أن يقصر في الفَرَط ، يقال : ما فَرَّطْتُ في كذا ، أي ما قصرت .
قال تعالى : ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ « الأنعام : 38 » ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ الله « الزمر : 56 » ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ « يوسف : 80 » .
وأَفْرَطْتُ القربةَ : ملأتها . وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً « الكهف : 28 » أي إسرافاً وتضييعاً .
ملاحظات
عرف الراغب الفَرَطَ بأنه التقدم تقدماً بالقصد ، وليس له معنى معقول !
وقال ابن فارس « 4 / 490 » : « يدل على إزالة شئ عن مكانه وتنحيته عنه ، يقال : فرطت عنه ما كرهه أي نحيته » .
فَحَصَره في نوعٍ وجعل الباقي استعارة ، لكنه أوسع من ذلك ، فتعريفه بالأمثلة أصح .
فَرَعَ
فَرْعُ الشجر : غصنه ، وجمعه : فُرُوعٌ . قال تعالى : أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ « إبراهيم : 24 » واعتبر ذلك على وجهين : أحدهما : بالطول فقيل : فَرَعَ كذا إذا طال ، وسمي شعر الرأس فَرْعاً لعلوه ، وقيل : رجل أَفْرَعُ وامرأة فَرْعَاءُ ، وفَرَّعْتُ الجبل ، وفَرَّعْتُ رأسَهُ بالسيف ، وتَفَرَّعْتُ في بني فلان : تزوجت في أعاليهم وأشرافهم .
والثاني : اعتبر بالعرض ، فقيل : تَفَرَّعَ كذا ، وفُرُوعُ المسألة ، وفُرُوعُ الرجل : أولاده .
وفِرْعَوْنُ : اسم أعجمي ، وقد اعتبر عرامته ، فقيل : تَفَرْعَنَ فلان : إذا تعاطى فعل فرعون ، كما يقال : أَبْلَسَ وتَبَلَّسَ ، ومنه قيل للطغاة : الفَرَاعِنَةُ والأبالسة .
ملاحظات
جعل الراغب فَرَعَ نوعين : نُمُوٌّ بالطول ونُمُوٌّ بالعرض ، ولا يصح كلامه ولا تفسيره لأكثر موادها ، فالمرأة الفرعاء ليس معناها الطويلة كما قال بل تامة الشعر ،
--------------------------- 565 ---------------------------
مقابل القرعاء . ولا نطيل في المادة ، لأنها وردت في آية واحدة ، وعبرت عن علو الفرع بشموخه في السماء : ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . « إبراهيم : 24 » .
كما أورد الراغب اسم فرعون هنا ، وقد ورد ذكره في القرآن أربعاًوسبعين مرة ، وهو يدل على سعة ابتلاء البشر بالفرعنة !
فَرَغَ
الفَرَاغُ : خلاف الشغل ، وقد فَرَغَ فَرَاغاً وفُرُوغاً ، وهو فَارِغٌ . قال تعالى : سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ « الرحمن : 31 » . وقوله تعالى : وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً « القصص : 10 » أي كأنما فَرَغَ من لبها لما تداخلها من الخوف وذلك كما قال الشاعر : كأنَّ جُؤْجُؤَهُ هَوَاءُ
وقيل : فَارِغاً من ذكره أي أنسيناها ذكره حتى سكنت واحتملت أن تلقيه في اليم ، وقيل فَارِغاً أي خالياً إلا من ذكره ، لأنه قال : إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها « القصص : 10 » ومنه قوله تعالى : فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ « الشرح : 7 » .
وأَفْرَغْتُ الدلو : صببت ما فيه ، ومنه استعير : أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً « الأعراف : 126 » .
وذهب دمه فِرْغاً ، أي مصبوباً ، ومعناه : باطلاً لم يُطلب به . وفرس فَرِيغٌ : واسع العَدْو كأنما يُفْرِغُ العَدْوَ إِفْرَاغاً .
وضربةٌ فَرِيغَةٌ : واسعةٌ ينصبُّ منها الدم .
فَرَقَ
الفَرْقُ : يقارب الفَلْق ، لكن الفلق يقال اعتباراً بالإنشقاق ، والفرق يقال اعتباراً بالإنفصال . قال تعالى : وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ « البقرة : 50 » .
والفِرْقُ : القطعة المنفصلة ، ومنه : الفِرْقَةُ للجماعة المتفردة من الناس ، وقيل : فَرَقُ الصبح وفَلَقُ الصبح . قال : فَانْفَلَقَ فَكانَ كل فِرْقٍ كَالطوْدِ الْعَظِيمِ « الشعراء : 63 » .
والفَرِيقُ : الجماعة المتفرقة عن آخرين ، قال : وَإن مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ « آل عمران : 78 » فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ « البقرة : 87 » فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ « الشورى : 7 » إنهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي « المؤمنون : 109 » أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ « مريم : 73 » وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ « البقرة : 85 » وَإن فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحق « البقرة : 146 » .
وفَرَقْتُ بين الشيئين : فصلت بينهما ، سواء كان ذلك بفصل يدركه البصرأو بفصل تدركه البصيرة . قال تعالى : فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ « المائدة : 25 » .
وقوله تعالى : فَالْفارِقاتِ فَرْقاً « المرسلات : 4 » يعني الملائكة الذين يفصلون بين الأشياء حسب ما أمرهم الله ، وعلى هذا قوله : فِيها يُفْرَقُ كل أَمْرٍ حَكِيمٍ « الدخان : 4 » . وقيل : عمر الفَارُوقُ رضي الله عنه لكونه فارقاً بين الحق والباطل . وقوله : وَقُرْآناً فَرَقْناهُ « الإسراء : 106 » أي بينا فيه الأحكام وفصلناه . وقيل : فَرَقْنَاهُ أي أنزلناه مُفَرَّقاً .
والتفْرِيقُ : أصله للتكثير ، ويقال ذلك في تشتيت الشمل والكلمة . نحو : يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ « البقرة : 102 » فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ « طه : 94 » وقوله : لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ « البقرة : 285 » وقوله : لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ « البقرة : 136 » .
إنما جاز أن يجعل التفريق منسوباً إلى أحد من حيث أن لفظ أحد يفيد في النفي ( ! ) وقال : إن الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ « الأنعام : 159 » وقرئ : فَارَقُوا .
والفِراقُ والمُفَارَقَةُ : تكون بالأبدان أكثر . قال : هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ « الكهف : 78 » وقوله : وَظَنَّ أنهُ الْفِراقُ « القيامة : 28 » أي غلب على قلبه أنه حين مفارقته الدنيا بالموت . وقوله : وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الله وَرُسُلِهِ « النساء : 150 » أي يظهرون
--------------------------- 566 ---------------------------
الإيمان بالله ويكفرون بالرسل ، خلاف ما أمرهم الله به . وقوله : وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ « النساء : 152 » أي آمنوا برسل الله جميعاً .
والفُرْقَانُ : أبلغ من الفرق ، لأنه يستعمل في الفرق بين الحق والباطل ، وتقديره كتقدير رجل قنعان ، يقنع به في الحكم ، وهو اسم لا مصدر فيما قيل . والفرق : يستعمل في ذلك وفي غيره .
وقوله : يَوْمَ الْفُرْقانِ « الأنفال : 41 » أي اليوم الذي يفرق فيه بين الحق والباطل ، والحجة والشبهة . وقوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً « الأنفال : 29 » أي نوراً وتوفيقاً على قلوبكم يفرق به بين الحق والباطل ، فكان الفرقان هاهنا كالسكينة والروح في غيره .
وقوله : وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ « الأنفال : 41 » قيل : أريد به يوم بدر ، فإنه أول يوم فُرِقَ فيه بين الحق والباطل .
والفُرْقَانُ : كلام الله تعالى ، لفرقه بين الحق والباطل في الإعتقاد ، والصدق والكذب في المقال ، والصالح والطالح في الأعمال ، وذلك في القرآن والتوراة والإنجيل ، قال : وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ « البقرة : 53 » وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ « الأنبياء : 48 » تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ « الفرقان : 1 » شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ « البقرة : 185 » .
والفَرَقُ : تَفَرُّقُ القلب من الخوف ، واستعمال الفرق فيه كاستعمال الصدع والشق فيه ، قال تعالى : وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ « التوبة : 56 » ويقال : رجل فَرُوقٌ وفَرُوقَةٌ ، وامرأة كذلك .
ومنه قيل للناقة التي تذهب في الأرض نَادَّةٌ من وجع المخاض : فَارِقٌ وفَارِقَةٌ ، وبها شُبِّهَ السحابة المنفردة فقيل : فَارِقٌ .
والْأَفْرَقُ : من الديك ما عُرْفُهُ مَفْرُوقٌ . ومن الخيل : ما أحد وركيه أرفع من الآخر .
والفَرِيقَةُ : تمرٌ يطبخ بحلبة . والفَرُوقَةُ : شحم الكليتين .
فَرِهَ
الفَرِهُ : الأَشِرُ ، وناقة مُفْرِهٌ ومُفْرِهَةٌ : تنتج الفُرَّهَ . وقوله : وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ « الشعراء : 149 » أي حاذقين ، وجمعه فُرَّهٌ ، ويقال ذلك في الإنسان وفي غيره ، وقرئ : فَرِهِينَ في معناه . وقيل : معناهما أشرين .
ملاحظات
لا يصح حصر الفَرِح بالأشِر ولا بالحاذق . فالفراهة توصف بها الجارية ، يقال : جارية فارهةٌ ويقصدون بها الكاملة البدن الجميلة ، والدابة الفارهة كذلك . ويوصف بها البال فيقال : فاره البال ، بمعنى أنه مُرَفَّهٌ مرتاح ، لا مشكلة تزعجه . فقوله تعالى : وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ ، وصفٌ لحالتهم النفسية وليس لأجسامهم ، أي وأنتم فارهوا البال .
فَرَى
الفَرْيُ : قطع الجلد للخرز والإصلاح ، والْإِفْرَاءُ للإفساد ، والِافْتِرَاءُ فيهما ، وفي الإفساد أكثر ، وكذلك استعمل في القرآن في الكذب والشرك والظلم نحو : وَمَنْ يُشْرِكْ بِالله فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً « النساء : 48 » انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ « النساء : 50 » وفي الكذب نحو : افْتِراءً عَلَى الله قَدْ ضَلُّوا « الأنعام : 140 » وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ « المائدة : 103 » أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ « السجدة : 3 » وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ « يونس : 60 » أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ الله « يونس : 37 » إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ « هود : 50 » وقوله : لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا « مريم : 27 » .
قيل : معناه عظيماً ، وقيل عجيباً ، وقيل مصنوعاً . وكل ذلك إشارة إلى معنى واحد .
--------------------------- 567 ---------------------------
ملاحظات
تقدم أن الراغب خلط بين فرَّ وافْتَرَّ فجعلهما واحداً ، وقد كرر ذلك هنا فجعل الفري والافتراء واحداً ، ثم ميز بينهما في الاستعمال ، قال : الفَرْيُ : قطع الجلد للخرز والإصلاح ، والْإِفْرَاءُ للإفساد ، والِافْتِرَاءُ فيهما وفي الإفساد أكثر .
وقوله بوحدتهما خطأ ، وتمييزه بين الفري للإفساد والإصلاح خطأ أيضاً .
فافترى بمعنى كذب ، وفرى بمعنى شق . ولا علاقة بينهما وإن التقيا في بعض الكلمات .
ويبدو أنه استند في التفريق إلى ما حكاه الجوهري « 6 / 2454 » عن الكسائي : « أَفْرَيْتُ الأديم : قطعته على جهة الإفساد ، وفريته : قطعته على جهة الإصلاح » .
لكن ابن منظور رده فقال « 15 / 153 » : « والمتقنون من أَهل اللغة يقولون فَرَى للإِفساد وأَفْرَى للإِصلاح ، ومعناهما الشق » .
فالفريُ : بمعنى حَزِّ الجلد أو الأوداج وما شابه لغرض الإصلاح أو التخريب .
وافترى : اخترع كذباً ، ولم يرد بمعنى فرى بل معنى : افترى فرواً : لبسه . « أساس البلاغة / 713 » .
قال الخليل « 8 / 280 » : « الفري : الشق . وفريت الشئ بالسيف وبالشفرة : قطعته وشققته . وفريته : أصلحته . والفرية : الكذب والقذف » .
فَزَّ
قال تعالى : وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ « الإسراء : 64 » أي أزعج . وقال تعالى : فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ « الإسراء : 103 » أي يزعجهم . وفَزَّنِي فلان أي أزعجني . والْفَزُّ : ولد البقرة ، وسمي بذلك لما تُصُوِّرَ فيه من الخفة ، كما يسمى عجلاً لما تصور فيه من العجلة .
ملاحظات
يستعمل أهل بلادنا فزَّ بمعنى نهض مذعوراً أو خائفاً ، وهو الصحيح ، فيكون معنى استفزه : أخافه ليفز .
قال الجوهري « 3 / 890 » : « واستفزه الخوف ، أي استخفه . وقعد مستفزاً ، أي غير مطمئن . وأفززته : أفزعته وأزعجته وطيرت فؤاده . ورجل فَزٌّ ، أي خفيف » .
وقال الخليل « 7 / 352 » : « أَفَزَّهُ يُفزه : أفزعه . واستفزوه : ختلوه حتى ألقوه في مهلكة » .
فَزِعَ
الفَزَعُ : انقباض ونفارٌ يعتري الإنسان من الشئ المخيف ، وهو من جنس الجزع ، ولا يقال : فَزِعْتُ من الله ، كما يقال : خفت منه . وقوله تعالى : لايَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ « الأنبياء : 103 » فهو الفزع من دخول النار .
فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ « النمل : 87 » وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ « النمل : 89 » .
وقوله تعالى : حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ « سبأ : 23 » أي أزيل عنها الفزع ، ويقال : فَزِعَ إليه : إذا استغاث به عند الفزع ، وفَزِعَ له : أغاثه . وقول الشاعر : كُنَّا إذَا مَا أتَانَا صَارِخٌ فَزِعٌ
أي صارخ أصابه فزع . ومن فسره بأن معناه المستغيث ، فإن ذلك تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ الفزع .
ملاحظات
عَرَّفَ اللغويون الفزع بأنه الذعر والخوف ، ولم يذكر أحد فيه معنى الإنقباض ، ولا أنه من جنس الجزع ، فهذا من جيب الراغب ، كعادته في تخصيص العام وتعميم الخاص ، وتقييد المطلق ، وإطلاق المقيد !
وذكر ابن فارس أن أفزعتُه تستعمل بمعنيين قال « 4 / 502 » : « أفزعتُه : إذا أرعبته ، وأفزعته إذا أغثته ، وفزعت
--------------------------- 568 ---------------------------
إليه فأفزعني : أي لجأت إليه فزعاً فأغاثني » .
فَسَحَ
الفُسْحُ والْفَسِيحُ : الواسع من المكان . والتفَسُّحُ : التوسع ، يقال : فَسَّحْتُ مجلسه فَتَفَسَّحَ فيه . قال تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ الله لَكُمْ « المجادلة : 11 » ومنه قيل : فَسَّحْتُ لفلان أن يفعل كذا ، كقولك : وسعت له ، وهو في فُسْحَةٍ من هذا الأمر .
فَسَدَ
الفَسَادُ : خروج الشئ عن الإعتدال ، قليلاً كان الخروج عنه أو كثيراً ، ويضاده الصلاح ، ويستعمل ذلك في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الإستقامة . يقال : فَسَدَ فَسَاداً وفُسُوداً ، وأَفْسَدَهُ غيره .
قال تعالى : لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ « المؤمنون : 71 » لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا « الأنبياء : 22 » ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ « الروم : 41 » والله لا يُحِبُّ الْفَسادَ « البقرة : 205 » وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ « البقرة : 11 » أَلا إنهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ « البقرة : 12 » لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ « البقرة : 205 » إن الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها « النمل : 34 » إن الله لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ « يونس : 81 » والله يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ « البقرة : 220 » .
فَسَّرَ
الفَسْرُ : إظهار المعنى المعقول ، ومنه قيل لما ينبئ عنه البول : تَفْسِرَةٌ وسمي بها قارورة الماء . « يؤخذ بها البول لتفسيره » والتفْسِيرُ : في المبالغة كالفَسْر .
والتفْسِيرُ : قد يقال فيما يختص بمفردات الألفاظ وغريبها ، وفيما يختص بالتأويل .
ولهذا يقال : تَفْسِيرُ الرؤيا وتأويلها . قال تعالى : وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً « الفرقان : 33 » .
فَسَقَ
فَسَقَ فلان : خرج عن حجر الشرع ، وذلك من قولهم : فَسَقَ الرُّطَبُ ، إذا خرج عن قشره ، وهو أعم من الكفر .
والفِسْقُ : يقع بالقليل من الذنوب وبالكثير ، لكن تعورف فيما كان كثيراً ، وأكثر ما يقال الفَاسِقُ لمن التزم حكم الشرع وأقرَّ به ، ثم أخل بجميع أحكامه أو ببعضه .
وإذا قيل للكافر الأصلي فَاسِقٌ ، فلأنه أخل بحكم ما ألزمه العقل واقتضته الفطرة ، قال الله تعالى : فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ « الكهف : 50 » فَفَسَقُوا فِيها « الإسراء : 16 » وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ « آل عمران : 110 » وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ « النور : 4 » أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً « السجدة : 18 » وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ « النور : 55 » أي من يستر نعمة الله فقد خرج عن طاعته . وأمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ « السجدة : 20 » وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ « الأنعام : 49 » والله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ « المائدة : 108 » إن الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ « التوبة : 67 » كَذلِكَ حقتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا « يونس : 33 » أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً « السجدة : 18 » فقابل به الإيمان .
فالفاسق أعم من الكافر ، والظالم أعم من الفاسق . وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ إلى قوله : وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ .
وسميت الفأرة فُوَيْسِقَة ، لما اعتقد فيها من الخبث والفسق . وقيل : لخروجها من بيتها مرة بعد أخرى . وقال عليه الصلاة والسلام : أقتلوا الفويسقة فإنها توهي السقاء وتضرم البيت على أهله .
قال ابن الإعرابي : لم يسمع الفاسق في وصف الإنسان في كلام العرب ، وإنما قالوا : فسقت الرطبة عن قشرها .
فَشِلَ
الفَشَلُ : ضعف مع جبن ( ! ) قال تعالى : حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ
--------------------------- 569 ---------------------------
« آل عمران : 152 » فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ « الأنفال : 46 » لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ « الأنفال : 43 » . وتَفَشَّلَ الماء : سَالَ .
فَصَحَ
الفَصْحُ : خلوص الشئ مما يشوبه . وأصله في اللبن ، يقال : فَصَّحَ اللَّبن وأَفْصَحَ ، فهو مُفْصِحٌ وفَصِيحٌ : إذا تعرى من الرغوة . وقد روي : وتحت الرَّغْوَة الَّلبَنُ الفصيحُ .
ومنه استعير : فَصُحَ الرجل : جادت لغته .
وأَفْصَحَ : تكلم بالعربية . وقيل بالعكس ، والأول أصح . وقيل : الفَصِيحُ الذي ينطق والأعجمي الذي لا ينطق ، قال : وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً « القصص : 34 » . وعن هذا استعير : أَفْصَحَ الصبحُ : إذا بدا ضوؤه .
وأَفْصَحَ النصارى : جاء فِصْحُهُمْ ، أي عيدهم .
فَصَلَ
الفَصْلُ : إبانة أحد الشيئين من الآخر : حتى يكون بينهما فُرْجَة ، ومنه قيل : المَفَاصِلُ ، الواحد مَفْصِلٌ . وفَصَّلْتُ الشاة : قطعت مفاصلها .
وفَصَلَ القوم عن مكان كذا وانْفَصَلُوا : فارقوه . قال تعالى : وَلما فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ « يوسف : 94 » .
ويستعمل ذلك في الأفعال والأقوال نحو قوله : إن يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ « الدخان : 40 » هذا يَوْمُ الْفَصْلِ « الصافات : 21 » أي يوم يَبِينُ الحق من الباطل ، ويَفْصِلُ بين الناس بالحكم . وعلى ذلك قوله : يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ « الحج : 17 » وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ « الأنعام : 57 » .
وفَصْلُ الخطاب : ما فيه قطع الحكم . وحكم فَيْصَلٌ ، ولسان مِفْصَلٌ . قال : وَكل شَئ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا « الإسراء : 12 » الر . كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ « هود : 1 » إشارةٌ إلى ما قال : تِبْياناً لِكل شَئ وَهُدىً وَرَحْمَةً « النحل : 89 » . وفَصِيلَةُ الرجل : عشيرته المُنْفَصِلَةُ عنه . قال : وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ « المعارج : 13 » .
والفِصالُ : التفريق بين الصبي والرضاع ، قال : فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما « البقرة : 233 » وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ « لقمان : 14 » . ومنه : الفَصِيلُ لكن اختص بالحُوَارِ .
والمُفَصَّلُ من القرآن : السبع الأخير ، وذلك للفصل بين القصص بالسور القصار . والفَوَاصِلُ : أواخر الآي . وفَوَاصِلُ القلادة : شذر يفصل به بينها . وقيل : الفَصِيلُ حائط دون سور المدينة .
وفي الحديث : من أنفق نفقة فَاصِلَةً فله من الأجر كذا ، أي نفقة تَفْصِلُ بين الكفر والإيمان .
فَضَّ
الفَضُّ : كسرالشئ والتفريق بين بعضه وبعضه كفَضِّ ختم الكتاب . وعنه استعير : انْفَضَّ القومُ . قال الله تعالى : وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها « الجمعة : 11 » لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ « آل عمران : 159 » والفِضَّةُ : اختصت بأدون المتعامل بها من الجواهر . ودرع فَضْفَاضَةٌ وفَضْفَاضٌ : واسعة .
فَضُلَ
الفَضْلُ : الزيادة عن الإقتصاد ، وذلك ضربان : محمود كفضل العلم والحلم ، ومذموم كفضل الغضب على ما يجب أن يكون عليه . والفَضْلُ في المحمود أكثر استعمالاً ، والفُضُولُ في المذموم .
والفَضْلُ إذا استعمل لزيادة أحد الشيئين على الآخر فعلى ثلاثة أضرب : فضلٌ من حيث الجنس ، كفضل جنس الحيوان على جنس النبات . وفضلٌ من حيث النوع ، كفضل الإنسان على غيره من الحيوان ، وعلى هذا النحو قوله : وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ إلى قوله : تَفْضِيلاً « الإسراء : 70 » . وفضلٌ من حيث الذات ، كفضل رجل على آخر .
فالأولان جوهريان لا سبيل للناقص فيهما أن يزيل
--------------------------- 570 ---------------------------
نقصه ، وأن يستفيد الفضل ، كالفرس والحمار لا يمكنهما أن يكتسبا الفضيلة التي خُصَّ بها الإنسان .
والفضل الثالث ، قد يكون عرضياً فيوجد السبيل على اكتسابه . ومن هذا النوع التفضيل المذكور في قوله : والله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ « النحل : 71 » لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ « الإسراء : 12 » يعني : المال وما يكتسب .
وقوله : الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ « النساء : 34 » فإنه يعني بما خُصَّ به الرجل من الفضيلة الذاتية له ، والفضل الذي أعطيه من المكنة والمال والجاه والقوة . وقال : وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ « الإسراء : 55 » فَضَّلَ الله الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ « النساء : 95 » .
وكل عطية لا تلزم من يعطي يقال لها : فَضْلٌ . نحو قوله : وَسْئَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ « النساء : 32 » ذلِكَ فَضْلُ الله « المائدة : 54 » ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ « آل عمران : 74 » وعلى هذا قوله : قُلْ بِفَضْلِ الله « يونس : 58 » وَلَوْلا فَضْلُ الله « النساء : 83 » .
ملاحظات
الفضل : يستعمل بمعنى عطاء الله الإضافي ، مقابل عطائه المقرر المحتوم . قال ابن فارس « 4 / 508 » : « الفضل : الزيادة والخير . والإفضال : الإحسان » .
وفي قرب الإسناد / 117 ، عن الإمام الباقر عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « إن الرزق لينزل من السماء إلى الأرض على عدد قطر المطر ، إلى كل نفس بما قدر لها ، ولكنلله فضولٌ ، فاسألوا الله من فضله » .
وقال الخليل « 7 / 44 » : « الفضالة : ما فضل من كل شئ . والفضلة : البقية من كل شئ . وقال الله جل وعز : يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ، معناه : يريد أن يكون له الفضل عليكم في القدر والمنزلة ، وليس من التفضل الذي هو بمعنى الإفضال والتطول » .
فَضَا
الفَضَاءُ : المكان الواسع ، ومنه : أَفْضَى بيده إلى كذا ، وأَفْضَى إلى امرأته : في الكناية أبلغ وأقرب إلى التصريح من قولهم : خلا بها . قال تعالى : وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ « النساء : 21 » وقول الشاعر :
طعامُهُمُ فَوْضَى فَضاً في رِحَالِهِمْ
أي مباح كأنه موضوع في فضاء يَفِيضُ فيه من يريده .
فَطَرَ
أصل الفَطْرِ : الشّقُّ طولاً ، يقال : فَطَرَ فلان كذا فَطْراً ، وأَفْطَرَ هو فُطُوراً ، وانْفَطَرَ انْفِطَاراً . قال تعالى : هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ « الملك : 3 » أي اختلالٌ وَوَهْيٌ فيه . وذلك قد يكون على سبيل الفساد وقد يكون على سبيل الصلاح ، قال : السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا « المزمل : 18 » .
وفَطَرْتُ الشاة : حلبتها بإصبعين . وفَطَرْتُ العجين : إذا عجنته فخبزته من وقته .
ومنه الفِطْرَةُ ، وفَطْرُ الله الخلق : وهو إيجاده الشئ وإبداعه على هيئة مترشحة لفعل من الأفعال ، فقوله : فِطْرَتَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها « الروم : 30 » فإشارةٌ منه تعالى إلى ما فَطَرَ ، أي أبدع وركز في الناس من معرفته تعالى .
وفِطْرَةُ الله : هي ما ركز فيه من قوته على معرفة الإيمان ، وهو المشار إليه بقوله : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله « الزخرف : 87 » وقال : الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « فاطر : 1 » وقال : الَّذِي فَطَرَهُنَّ « الأنبياء : 56 » وَالَّذِي فَطَرَنا « طه : 72 » أي أبدعنا وأوجدنا .
ويصح أن يكون الانفطار في قوله : السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ « المزمل : 18 » إشارة إلى قبول ما أبدعها وأفاضه علينا منه . والفِطْرُ : ترك الصوم . يقال : فَطَرْتُهُ ، وأَفْطَرْتُهُ ، وأَفْطَرَ هو . وقيل للكمأة : فُطْرٌ ، من حيث إنها تَفْطِرُ الأرض فتخرج منها .
--------------------------- 571 ---------------------------
ملاحظات
قال تعالى عن يوم القيامة : فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا . السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا . « المزمل : 18 » والفَطْرُ مفهوم ، وتفسير الراغب له غير مفهوم .
فَظَّ
الفَظُّ : الكريه الخلق ، مستعار من الفَظِّ ، أي ماء الكرش ، وذلك مكروه شربه لا يتناول إلا في أشد ضرورة .
قال تعالى : وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ « آل عمران : 159 » .
ملاحظات
أخذ هذه المادة من ابن فارس ، قال « 4 / 441 » : « الفاء والظاء : كلمة تدل على كراهة وتكره . . يقال : رجل فظ كريه الخلق وهو من فظ الكرش لأنه لايُتناول إلا ضرورة على كراهة » .
والصحيح أنه لفظ مشترك بين الرجل الفظ وماء الكرش . قال الخليل « 8 / 153 » : « رجل فظ : ذو فظاظة ، أي فيه غلظ في منطقه وتجهم . والفظ : ماء الكرش . والعرب إذا اضطرت شقوا الكرش وشربوا منها الماء ، ويقال : افتظ ماءها ، وافتظوا ماءها » !
فَعَلَ
الفِعْلُ : التأثير من جهة مؤثر ، وهو عام لما كان بإجادة أو غير إجادة ، ولما كان بعلم أو غير علم ، وقصد أو غير قصد ، ولما كان من الإنسان والحيوان والجمادات .
والعمل مثله ، والصنع أخص منهما ، كما تقدم ذكرهما .
قال : وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله « البقرة : 197 » وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً « النساء : 30 » يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ « المائدة : 67 » أي إن لم تبلغ هذا الأمرفأنت في حكم من لم يبلغ شيئاً بوجه .
والذي من جهة الفَاعِلِ يقال له : مَفْعُولٌ ومُنْفَعِلٌ ، وقد فصل بعضهم بين المفعول والمنفعل فقال : المَفْعُولُ يقال إذا اعتبر بفعل الفاعل ، والمُنْفَعِلُ إذا اعتبر قبول الفعل في نفسه قال : فَالْمَفْعُولُ أعم من المنفعل ، لأن المُنْفَعِلُ يقال لما لا يقصد الفَاعِلُ إلى إيجاده وإن تولد منه ، كحمرة اللون من خجل يعتري من رؤية إنسان ، والطرب الحاصل عن الغناء ، وتحرُّك العاشق لرؤية معشوقه .
وقيل لكل فِعْلٍ انْفِعَالٌ ، إلّا للإبداع الذي هو من الله تعالى ، فذلك هو إيجاد عن عدم لا في عرض وفي جوهر ، بل ذلك هو إيجاد الجوهر .
ملاحظات
تفاوت كلام الراغب في تفسير قوله تعالى : وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ . ففسرها هنا بأنها في حكم من لم يبلغ ، وفسرها في : بلغ ، بأن تبليغه يكون ناقصاً . والصحيح أن الآية ظاهرة في نفي التبليغ مطلقاً ، إذا لم يبلغ الرسالة الخاصةالتي أمر بتبليغها .
فَقَدَ
الفَقْدُ : عدم الشئ بعد وجوده ، فهو أخص من العدم ، لأن العدم يقال فيه وفيما لم يوجد بعد . قال تعالى : ماذا تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ « يوسف : 71 » .
والتفَقُّدُ : التعهد لكن حقيقة التفقد : تعرف فُقْدَانِ الشئ ، والتعهد : تعرف العهد المتقدم ، قال : وَتَفَقَّدَ الطيْرَ « النمل : 20 » . والفَاقِدُ : المرأة التي تَفْقِدُ ولدَهَا ، أو بعلَهَا .
فَقَرَ
الفَقْرُ : يستعمل على أربعة أوجه : الأول : وجود الحاجة الضرورية ، وذلك عامٌّ للإنسان ما دام في دار الدنيا ، بل عامٌّ للموجودات كلها ، وعلى هذا قوله تعالى : يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى الله « فاطر : 15 » .
--------------------------- 572 ---------------------------
وإلى هذا الفَقْرِ أشار بقوله في وصف الإنسان : وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطعامَ « الأنبياء : 8 » .
والثاني : عدم المقتنيات ، وهو المذكور في قوله : لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا « البقرة : 273 » إلى قوله : مِنَ التعَفُّفِ « البقرة : 273 » إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ الله مِنْ فَضْلِهِ « النور : 32 » . وقوله : إنمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ « التوبة : 60 » .
الثالث : فَقْرُ النفس ، وهو الشَّرَهُ المعني بقوله عليه السلام : كاد الفَقْرُ أن يكون كفراً . وهو المقابل بقوله : الغنى غنى النفس ، والمعنيُّ بقولهم : مَنْ عُدِم القناعة لم يَفِدْه المال غنى .
الرابع : الفَقْرُ إلى الله المشار إليه بقوله عليه السلام : اللهم أغنني بِالإفْتِقَارِ إليك ولا تُفْقِرْنِي بالاستغناء عنك . وإيّاه عني بقوله تعالى : رَبِّ إني لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ « القصص : 24 » وبهذا ألمَّ الشاعر فقال :
ويُعجبني فقرِي إليكَ ولم يكنْ
لِيُعْجِبُنِي لولَا محَبَّتِكَ الفَقْرُ
ويقال : افْتَقَرَ فهو مُفْتَقِرٌ وفَقِيرٌ ، ولا يكاد يقال : فَقَرَ ، وإن كان القياس يقتضيه . وأصل الفَقِيرِ : هو المكسورُ الْفِقَارِ ، يقال : فَقَرَتْهُ فَاقِرَةٌ ، أي داهية تكسر الفِقَارَ ، وأَفْقَرَكَ الصيدُ فارمه ، أي أمكنك من فِقَارِهِ . وقيل : هو من الْفُقْرَةِ أي الحفرة ، ومنه قيل لكل حفيرة يجتمع فيها الماء : فَقِيرٌ .
وفَقَّرْتُ للفسيل : حفرت له حفيرة غرسته فيها ، قال الشاعر : ما ليلة الفقير إلا شيطان . فقيل : هو اسم بئر . وفَقَرْتُ الخَرَزَ : ثقبته ، وأَفْقَرْتُ البعير : ثقبت خطمه .
فَقَعَ
يقال : أصفر فَاقِعٌ : إذا كان صادق الصفرة ، كقولهم : أسود حالك . قال تعالى : صَفْراءُ فاقِعٌ « البقرة : 69 » .
والْفَقْعُ : ضرب من الكمأة ، وبه يشبه الذليل فيقال : أذل من فَقْعٍ بقاع .
قال الخليل : سمي الفُقَّاعُ لما يرتفع من زبده . وفَقَاقِيعُ الماء : تشبيهاً به .
فَقِهَ
الفِقْهُ : هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم . قال تعالى : فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً « النساء : 78 » وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ « المنافقون : 7 » إلى غير ذلك من الآيات .
والفِقْهُ : العلم بأحكام الشريعة ، يقال : فَقُهَ الرجل فَقَاهَةً : إذا صار فَقِيهاً ، وفَقِهَ أي فهم فَقَهاً ، وفَقِهَهُ أي فهمه ، وتَفَقَّهَ إذا طلبه فتخصص به . قال تعالى : لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ « التوبة : 122 » .
ملاحظات
الصحيح في تعريف الفقه أنه الفهم « العين : 3 / 370 » ثم صار مصطلحاً لعلم الشريعة .
فَكَكَ
الفَكَكُ : التفريج . وفَكُّ الرهن : تخليصه . وفَكُّ الرقبة : عتقها . وقوله : فَكُّ رَقَبَةٍ « البلد : 13 » قيل : هو عتق المملوك . وقيل : بل هو عتق الإنسان نفسه من عذاب الله بالكلم الطيب والعمل الصالح ، وفكُّ غيره بما يفيده من ذلك . والثاني يحصل للإنسان بعد حصول الأول ، فإن من لم يهتد فليس في قوته أن يهدي كما بينت في مكارم الشريعة .
والفَكَكُ : انفراج المنكب عن مفصله ضعفاً . والْفَكَّانِ : ملتقى الشِّدقين . وقوله : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ « البينة : 1 » أي لم يكونوا متفرقين بل كانوا كلهم على الضلال ، كقوله : كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً . . الآية « البقرة : 213 » وما انْفَكَّ يفعل كذا ، نحو : ما زال يفعل كذا .
ملاحظات
--------------------------- 573 ---------------------------
معنى مُنْفَكِّينَ في الآية : أنهم لم يكونوا منتهين عن عقائدهم حتى تأتيهم البينة على يد رسول .
قال في الكشاف « 4 / 274 » : « كان الكفار من الفريقين أهل الكتاب وعبدة الأصنام يقولون قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله : لا ننفك عما نحن عليه من ديننا ولا نتركه ، حتى يبعث النبي الموعود الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل » .
فَكَرَ
الْفِكْرَةُ : قوةٌ مَطْرِقة للعلم إلى المعلوم . والتفَكُّرُ : جَوَلان تلك القوة بحسب نظر العقل ، وذلك للإنسان دون الحيوان . ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب ، ولهذا روي : تَفَكَّرُوا في آلاء الله ولا تَفَكَّرُوا في الله ، إذ كان الله منزهاً أن يوصف بصورة .
قال تعالى : أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ الله السَّماواتِ « الروم : 8 » أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ « الأعراف : 184 » إن فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ « الرعد : 3 » يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ « البقرة : 219 » .
ورجل فَكِيرٌ : كثير الْفِكْرَة ، قال بعض الأدباء : الْفِكْرُ مقلوب عن الفرك لكن يستعمل الفكر في المعاني ، وهو فرك الأمور وبحثها طلباً للوصول إلى حقيقتها !
ملاحظات
عرَّف الراغب الفكرة والتفكر بعبارة مبهمة ، بينما قال الجوهري « 2 / 783 » : « التفكر : التأمل ، والاسم الفِكْر والفْكْرة ، والمصدر الفَكْر بالفتح . قال يعقوب : يقال ليس لي في هذا الأمر فكر ، أي ليس لي فيه حاجة » .
وقال ابن فارس « 4 / 446 » : « تردد القلب في الشئ ، يقال تفكر : إذا ردد قلبه معتبراً » .
فَكِهَ
الفَاكِهَةُ : قيل هي الثمار كلها ، وقيل : بل هي الثمار ما عدا العنب والرمان ، وقائلُ هذا كأنه نظر إلى اختصاصهما بالذكر وعطفهما على الفاكهة . قال تعالى : وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ « الواقعة : 20 » وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ « الواقعة : 32 » وَفاكِهَةً وَأَبًّا « عبس : 31 » فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ « الصافات : 42 » وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ « المرسلات : 42 » .
والفُكَاهَةُ : حديث ذوي الأنس ، وقوله : فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ . قيل : تتعاطون الفُكَاهَةَ ، وقيل : تتناولون الْفَاكِهَةَ .
وكذلك قوله : فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ « الطور : 18 » .
ملاحظات
قال الخليل « 3 / 381 » : « تفكهنا من كذا : أي تعجبنا ، ومنه قوله تعالى : فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ، أي تعجبون . وقوله عز وجل : فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ . أي ناعمين معجبين بما هم فيه .
ومن قرأ فكهين فمعناه فرحين ، ويختار ما كان لأهل الجنة فاكهين ، وما كان لأهل النار فكهين ، أي أشرين بطرين . والفكاهة : المزاح ، والفاكه المازح . ويقال في قوله تعالى : فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ : تندمون » .
وقال ابن فارس « 4 / 446 » : « الرجل الفَكِه : الطيب النفس ، ومن الباب الفاكهة ، لأنها تستطاب وتستطرف ، ومن الباب المفاكهة وهي المُزَاحَة وما يُستحلى من كلام » .
فَلَحَ
الفَلْحُ : الشق ، وقيل : الحديد بالحديد يُفْلَحُ أي يشق . والفَلَّاحُ : الأكار لذلك .
والفَلَاحُ : الظَّفَرُ وإدراك بغية ، وذلك ضربان : دنيوي وأخروي ، فالدنيوي : الظفر بالسعادات التي تطيب بها حياة الدنيا ، وهو البقاء والغنى والعز ، وإياه قصد الشاعر بقوله :
أَفْلِحْ بما شئتَ فقد يُدْرَكُ * بالضَّعْفِ وقد يُخْدَعُ الأريبُ
--------------------------- 574 ---------------------------
وفَلَاحٌ أخروي وذلك أربعة أشياء : بقاء بلا فناء ، وغنى بلا فقر ، وعز بلا ذل ، وعلم بلا جهل . ولذلك قيل : لاعيش إلا عيش الآخرة .
وقال تعالى : وَإن الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ « العنكبوت : 64 » أَلا إن حِزْبَ الله هُمُ الْمُفْلِحُونَ « المجادلة : 22 » قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى « الأعلى : 14 » قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها « الشمس : 9 » قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ « المؤمنون : 1 » لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ « البقرة : 189 » إنهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ « المؤمنون : 117 » فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ « الحشر : 9 » وقوله : وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى « طه : 64 » فيصح أنهم قصدوا به الفلاح الدنيوي ، وهو الأقرب .
وسُمِّيَ السُّحُور الفَلَاحَ ، ويقال إنه سمي بذلك لقولهم عنده : حي على الفلاح . وقولهم في الأذان : حي على الفَلَاحِ ، أي على الظفر الذي جعله الله لنا بالصلاة .
وعلى هذا قوله : حتى خفنا أن يفوتنا الفلاح . أي الظفر الذي جعل لنا بصلاة العتمة .
ملاحظات
فسر اللغويون الفلاح بالفوز ، وفسره الراغب بالظَّفَرُ وإدراك بُغية ، وهو نوع من الفوز ، فيه صراع وغَلَبَة . والفوز : النجاح بغلبةٍ أو عفواً . قال الجوهري « 1 / 392 » : « الفلاح : الفوز ، والنجاة ، والبقاء ، والسحور . وحيَّ على الفلاح ، أي أقبل على النجاة » .
فَلَقَ
الفَلْقُ : شقُّ الشئ وإبانة بعضه عن بعض . يقال : فَلَقْتُهُ فَانْفَلَقَ . قال تعالى : فالِقُ الْإِصْباحِ « الأنعام : 96 » إن الله فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى « الأنعام : 95 » فَانْفَلَقَ فَكانَ كل فِرْقٍ كَالطوْدِ الْعَظِيمِ « الشعراء : 63 » وقيل للمطمئن من الأرض بين ربوتين : فَلَقٌ . وقوله : قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ « الفلق : 1 » أي الصبح ، وقيل : الأنهار المذكورة في قوله : أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً « النمل : 61 » وقيل : هو الكلمة التي علم الله تعالى موسى فَفَلَقَ بها البحر .
والْفِلْقُ : المَفْلُوقُ ، كالنقض والنكث للمنقوض والمنكوث . وقيل الْفِلْقُ : العجب والْفَيْلَقُ كذلك . والْفَلِيقُ والْفَالِقُ : ما بين الجبلين ، وما بين السنامين من ظهر البعير .
ملاحظات
لا يصح تعريف الراغب للفَلْق بشق الشئ وإبانة بعضه عن بعض ، لأنه يحصره بالفلْق إلى جزءين أو أكثر ، ولا يشمل مثل شق الأرض عن النبات ، وشق العدم عن وجود . ونلاحظ أن اللغويين حصروا الفلق ببعض مصاديقه ، فقال إمامهم الخليل رحمه الله « 5 / 164 » : « الفلق : الفجر ، وقوله تعالى : قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، هو الصبح ، والله فلقه أي أوضحه وأبداه فانفلق . والله يفلق الحب فينفلق عن نباته . وسمعته من فَلْق فيه . وضربته على فَلْق مِفرقه . وفلقت الفستقة فانفلقت » .
فهو يشمل ما ذكروه من أمثلة ، ويشمل فلق العدم عن وجود ، أو فلق الوجود عن وجود آخر ، فيجب المحافظة على إطلاقه . قال الجوهري : 4 / 1544 : « وأما قوله تعالى : قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فيقال هو الصبح ويقال الخلق كله » .
فَلَكَ
الْفُلْكُ : السفينة ، ويستعمل ذلك للواحد والجمع ، وتقديراهما مختلفان ، فإن الفُلْكَ إن كان واحداً كان كبناء قُفْل ، وإن كان جمعاً فكبناء حُمْر . قال تعالى : حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ « يونس : 22 » وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ « البقرة : 164 » وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ « فاطر : 12 » وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ « الزخرف : 12 » .
والفَلَكُ : مجرى الكواكب ، وتسميته بذلك لكونه كالفلك ، قال : وَكلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ « يس : 40 » . وفَلْكَةُ
--------------------------- 575 ---------------------------
المِغْزَلِ ، ومنه اشتق : فَلَّكَ ثديُ المرأة . وفَلَكْتُ الجديَ : إذا جعلت في لسانه مثل فَلْكَةٍ يمنعه عن الرضاع .
ملاحظات
قال الجوهري « 4 / 1604 » : « فَلَكَةُ المغزل ، سميت لاستدارتها . والفلكة قطعة من الأرض أو الرمل تستدير وترتفع على ما حولها ، والجمع فَلَك . والفلك واحد أفلاك : النجوم » . وقال الخليل « 5 / 374 » : « الفلك : دوران السماء ، إسمٌ للدوران خاصة » .
« وأما السفينة فتسمى فُلْكاً ، ويقال إن الواحد والجمع في هذا الاسم سواء ، ولعلها تسمى فَلَكَاً لأنها تدار في الماء » . « ابن فارس : 4 / 453 » .
فَلَنَ
فُلَانٌ وفُلَانَةُ : كنايتان عن الإنسان . والفُلَانُ والفُلَانَةُ : كنايتان عن الحيوانات ، قال : يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا « الفرقان : 28 » تنبيهاً [ على ] أن كل إنسان يندم على من خالَّه وصاحَبَهُ في تحري باطل ، فيقول : ليتني لم أُخَالَّهُ ، وذلك إشارة إلى ما قال : الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ . « الزخرف : 67 » .
ملاحظات
قال الخليل « 8 / 226 » : « وفلان وفلانة : كناية عن أسماء الناس ، معرفة ، لا يحسن فيه الألف واللام . ولكن العرب إذا سموا به الإبل قالوا : هذا الفلان ، وهذه الفلانة » .
ومعناه : أنهما معرفة عندما يُستعملان كناية عن الإنسان ، ونكرة عندما يُستعملان كناية عن الحيوان ، وقد اشتبه الراغب في فهم عبارة الخليل .
فَنَنَ
الْفَنَنُ : الغصن الغضُّ الورق وجمعه أَفْنَانٌ ، ويقال ذلك للنوع من الشئ ، وجمعه فُنُونٌ ، وقوله : ذَواتا أَفْنانٍ « الرحمن : 48 » أي ذواتا غصون ، وقيل : ذواتا ألوان مختلفة .
فَنَدَ
التفْنِيدُ : نسبة الإنسان إلى الْفَنَدِ وهو ضعف الرأي . قال تعالى : لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ « يوسف : 94 » قيل : أن تلوموني وحقيقته ما ذكرت . والْأِفْنَادُ : أن يظهر من الإنسان ذلك . والْفَنَدُ : شمراخ الجبل ، وبه سمي الرجل فِنْداً .
ملاحظات
قال الجوهري « 2 / 520 » : « الفَنَد بالتحريك الكذب . والفَنَد ضعف الرأي من هرم . والتفنيد : اللوم وتضعيف الرأي . والفِنْدُ بالكسر : قطعة من الجبل طولاً » .
وقال ابن منظور « 2 / 339 » : « وفي حديث عليٍّ : لو كان جبلاً لكان فِنْداً ، وقيل : هو المنفرد من الجبال » .
فَهِمَ
الْفَهْمُ : هيئة للإنسان بها يتحقق معاني ما يحسن ، يقال : فَهِمْتُ كذا ، وقوله : فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ « الأنبياء : 79 » وذلك إما بأن جعل الله له من فضل قوة الفهم ما أدرك به ذلك ، وإما بأن ألقى ذلك في روعه ، أو بأن أوحى إليه وخصه به . وأَفْهَمْتُهُ : إذا قلت له حتى تصوره . والاستفهام : أن يطلب من غيره أن يُفَهِّمَهُ .
ملاحظات
تعريف الراغب للفهم غير قابل للفهم ! وليته أخذه من أحد اللغويين قبله . قال الخليل « 4 / 61 » : « فهمتُ الشئ : عرفته وعقلته ، وفَهَّمْتُ فلاناً وأفهمته : عرفته ، ورجل فَهِمٌ : سريع الفهم » . وقال الجوهري « 5 / 2005 » : « وتفهم الكلام ، إذا فهمه شيئاً بعد شئ » .
فَوَتَ
الْفَوْتُ : بُعْدُ الشئ عن الإنسان بحيث يتعذر إدراكه ، قال : وَإِنْ فاتَكُمْ شَئ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ « الممتحنة : 11 »
--------------------------- 576 ---------------------------
وقال : لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ « الحديد : 23 » وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ « سبأ : 51 » أي لا يَفُوتُونَ ما فزعوا منه ، ويقال : هو مني فَوْتَ الرمح ، أي حيث لا يدركه الرمح ، وجعل الله رزقه فَوْتَ فمه أي حيث يراه ولا يصل إليه فمه .
والِافْتِيَاتُ : افتعال منه ، وهو أن يفعل الإنسان الشئ من دون ائتمار من حقه أن يؤتمر فيه .
والتفَاوُتُ : الاختلاف في الأوصاف ، كأنه يُفَوِّتُ وصف أحدهما الآخر ، أو وصف كل واحد منهما الآخر . قال تعالى : ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ « الملك : 3 » أي ليس فيها ما يخرج عن مقتضى الحكمة .
فَوَجَ
الفَوْجُ : الجماعة المارة المسرعة ، وجمعه أَفْوَاجٌ . قال تعالى : كلما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ « الملك : 8 » هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ « ص : 59 » فِي دِينِ الله أَفْواجاً « النصر : 2 » .
ملاحظات
أضاف الراغب من عنده إلى معنى الفوج : المرور والسرعة ، ولم يذكر ذلك اللغويون ، بل قالوا إنه الجماعة من الناس . « العين : 6 / 190 » .
فَأَدَ
الْفُؤَادُ كالقلب لكن يقال له : فُؤَادٌ إذا اعتبر فيه معنى التفَؤُّدِ ، أي التوقد ، يقال فَأَدْتُ اللحمَ : شَوَيْتُهُ ، ولحم فَئِيدٌ : مشويٌّ . قال تعالى : ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى « النجم : 11 » إن السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ « الإسراء : 36 » .
وجمع الفؤاد : أَفْئِدَةٌ ، قال : فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ « إبراهيم : 37 » وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ « الملك : 23 » وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ « إبراهيم : 43 » نارُ الله الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ « الهمزة : 6 » .
وتخصيص الأفئدة تنبيه على فرط تأثير له ، وما بعد هذا الكتاب من الكتب في علم القرآن موضع ذكره .
ملاحظات
أجاد الراغب في تفسير الفؤاد بالتفؤد أي التوقد ، وقد أخذه من إمام اللغويين الخليل ، قال « 8 / 80 » : « وسمي الفؤاد لتفؤده أي لتوقده . وفئد الرجل فهو مفؤود أي أصابه داء في فؤاده . وافتأد القوم : أوقدوا ناراً وَلَهْجُوا عليها لحماً . وفأدت النار : سجرت خشبها ، والمفأد : المسجر . والمفتأد : موضع النار في الأرض . وفأدت لحماً : شويته » .
فَوَرَ
الفَوْرُ : شِدَّةُ الغَلَيَانِ ، ويقال ذلك في النار نفسها إذا هاجت ، وفي القدر ، وفي الغضب نحو : وَهِيَ تَفُورُ « الملك : 7 » وَفارَ التنُّورُ « هود : 40 » قال الشاعر : ولا العِرْقُ فَارَا . ويقال : فَارَ فلان من الحمّى يَفُورُ .
والْفَوَّارَةُ : ما تقذف به القدر من فَوَرَانِهِ . وفَوَّارَةُ الماء : سميت تشبيهاً بغليان القدر ، ويقال : فعلت كذا من فَوْرِي أي غليان الحال . وقيل : سكون الأمر . قال تعالى : وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا « آل عمران : 125 » .
والفَارُ جمعه فِيرَانٌ . وفأرة المسك : تشبيهاً بها في الهيئة . ومكان فَئِر : فيه الفأر .
ملاحظات
جعل الراغب معنى الفوران شدة الغليان ، فأضاف اليه الشدة من عنده ، مع أنه مطلق الغليان من أوله . راجع العين : 8 / 279 والصحاح : 2 / 783 ، والمقاييس : 4 / 458 .
فَوَزَ
الْفَوْزُ : الظفر بالخير مع حصول السلامة . قال تعالى : ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ « البروج : 11 » فازَ فَوْزاً عَظِيماً « الأحزاب : 71 » ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ « الجاثية : 30 » وفي أخرى الْعَظِيمُ أُولئِكَ هُمُ
--------------------------- 577 ---------------------------
الْفائِزُونَ « التوبة : 20 » .
والمَفَازَةُ : قيل سميت تفاؤلاً لِلْفَوْزِ ، وسميت بذلك إذا وصل بها إلى الْفَوْزِ ، فإن الفقر كما يكون سبباًللهلاك فقد يكون سبباً للفوز ، فيسمى بكل واحد منهما حسبما يتصور منه ويعرض فيه . وقال بعضهم : سميت مَفَازَةً من قولهم : فَوَّزَ الرجل : إذا هلك ، فإن يكن فوَّز بمعنى هلك صحيحاَ فذلك راجع إلى الفوز تصوراَ لمن مات بأنه نجا من حبالة الدنيا ، فالموت وإن كان من وجه هُلكاً فمن وجه فَوْزٌ ، ولذلك قيل : ما أحد إلا والموت خير له .
هذا إذا اعتبر بحال الدنيا ، فأما إذا اعتبر بحال الآخرة فيما يصل إليه من النعيم فهو الفوز الكبير : فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ « آل عمران : 185 » وقوله : فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ « آل عمران : 188 » فهي مصدر فَازَ ، والاسم الفَوْزُ ، أي لاتحسبنهم يَفُوزُونَ ويتخلصون من العذاب . وقوله : إن لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً « النبأ : 31 » أي فَوْزاً ، أي مكان فوز ثم فَسَّرَ فقال : حَدائِقَ وَأَعْناباً . الآية . « النبأ : 32 » وقوله : وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ إلى قوله فَوْزاً عَظِيماً ، أي يحرصون على أغراض الدنيا ، ويعدون ما ينالونه من الغنيمة فوزاً عظيماً .
ملاحظات
جعل الراغب واضعي اللغة صوفيين ، حيث قصدوا بفَوَّزَ الرجل أنه فاز بالموت والجنة !
أما ابن فارس فجعل الفوز بمعنيين قال « 4 / 459 » : « فَوَزَ : كلمتان متضادتان ، فالأولى النجاة ، والأخرى الهلكة . فالأولى قولهم فاز يَفُوزُ إذا نجا . والكلمة الأخرى قولهم : فَوَّزَ الرجل إذا مات » .
وقد سمى العرب الصحراء المُهلكة المفازة ، تفاؤلاً بنجاة سالكها ، كما سموا الملدوغ سليماً .
ثم استعملوا فعل فَوَّز لمن هلك في المفازة . فالفعل واحد ، لكنهم استعاروه .
فَوَضَ
قال تعالى : وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى الله « غافر : 44 » أردُّهُ إليه ، وأصله من قولهم : مالهم فَوْضَى بينهم ، قال الشاعر :
طعامهمُ فُوضَى فَضَا في رِحَالِهم
ومنه شركة المُفَاوَضَةِ .
ملاحظات
اتفق اللغويون على أن التفويض هو التوكيل ، ومنه شركة المفاوضة ، لأن كل شريك فوض إلى الآخر التصرف .
وجعل الراغب وابن فارس « 4 / 460 » الفوضى من المفاوضة ولا يصح ذلك ، لأن الفوضى بمعنى الشئ المادي أو المعنوي الذي يكون بدون نظم ولا قاعدة ، فليس فيه توكيل ولا تساوٍ حتى يكون من التفويض . فهو أصل برأسه .
فَيَضَ
فَاضَ الماء : إذا سال منصباً . قال تعالى : تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ « المائدة : 83 » وأَفَاضَ إناءه : إذا ملأه حتى أساله .
وأَفَضْتُهُ : قال : أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ « الأعراف : 50 »
ومنه : فَاضَ صدرُهُ بالسر ، أي سال . ورجل فَيَّاضٌ أي سخي ، ومنه استعير : أَفَاضُوا في الحديث : إذا خاضوا فيه . قال : لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ « النور : 14 » هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ « الأحقاف : 8 » إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ « يونس : 61 » . وحديث مُسْتَفِيضٌ : منتشر .
والْفَيْضُ : الماء الكثير ، يقال : إنه أعطاه غيضاً من فيض أي قليلاً من كثير . وقوله : فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ « البقرة : 198 » وقوله : ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ « البقرة : 199 » أي دفعتم منها بكثرة تشبيهاً بِفَيْضِ الماء .
وأَفَاضَ بالقداح : ضرب بها . وأَفَاضَ البعير بجرته : رمى
--------------------------- 578 ---------------------------
بها . ودرعٌ مَفَاضَةٌ : أُفِيضَتْ على لابسها كقولهم : درع مسنونة ، من سننتُ أي صببتُ .
ملاحظات
على عادته في تخصيص العام ، حصر الفيض بالماء واشترط فيه الإنصباب ، ولا أصل لهذين الشرطين . قال الخليل « 7 / 65 » : « فاض الماء والدمع والمطر والخير ، يفيض فيضاً ، أي كثر . وفاضت عينه تفيض فيضاً ، أي سالت . وأفاض دمعه يفيضه إفاضة . وأفاض البعير جرته إفاضة أي دفعة . وفاض صدر فلان بسره إذا امتلأ فأظهره » . إلى آخر ما ذكره .
وقال ابن فارس « 4 / 465 » : « يدل على جريان الشئ بسهولة ثم يقاس عليه »
فَوْقَ
فَوْقُ : يستعمل في المكان ، والزمان ، والجسم ، والعدد ، والمنزلة ، وذلك أضرب : الأول : باعتبار العلو نحو : وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطورَ « البقرة : 63 » مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ « الزمر : 16 » وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها « فصلت : 10 » . ويقابله تحت ، قال : قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ . « الأنعام : 65 » .
الثاني : باعتبار الصعود والحدور نحو قوله : إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ « الأحزاب : 10 » .
الثالث : يقال في العدد نحو قوله : فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ « النساء : 11 » .
الرابع : في الكبر والصغر : مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها « البقرة : 26 » قيل أشار بقوله فَما فَوْقَها إلى العنكبوت المذكور في الآية ، وقيل : معناه ما فوقها في الصغر . ومن قال : أراد ما دونها فإنما قصد هذا المعنى . وتصور بعض أهل اللغة أنه يعني أن فَوْقَ يستعمل بمعنى دون فأخرج ذلك في جملة ما صنفه من الأضداد ، وهذا توهم منه .
الخامس : باعتبار الفضيلة الدنيوية نحو : وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ « الزخرف : 32 » أو الأخروية : وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ « البقرة : 212 » فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا « آل عمران : 55 » .
السادس : باعتبار القهر والغلبة . نحو قوله : وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ « الأنعام : 18 » وقوله عن فرعون : وَإنا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ « الأعراف : 127 » .
ومن فَوْقَ : قيل فَاقَ فلان غيره يَفُوقُ : إذا علاه ، وذلك من فَوْق المستعمل في الفضيلة .
ومن فَوْقَ : يشتق فُوقُ السهم ، وسهم أَفْوَقُ : انكسر فُوقُهُ .
والْإِفَاقَةُ : رجوع الفهم إلى الإنسان بعد السكر أو الجنون والقوة بعد المرض . والْإِفَاقَةُ في الحلب : رجوع الدَّرِّ ، وكل درِّةٍ بعد الرجوع يقال لها : فِيقَةٌ .
والْفُوَاقُ : ما بين الحلبتين . وقوله : ما لَها مِنْ فَواقٍ « ص : 15 » أي من راحة ترجع إليها ، وقيل : ما لها من رجوع إلى الدنيا . قال أبو عبيدة : من قرأ : مِنْ فُواقٍ بالضم فهو من فُوَاقِ الناقة ، أي ما بين الحلبتين . وقيل هما واحد نحو جمام وجمام . وقيل : إسْتَفِقْ ناقتَكَ ، أي أتركها حتى يَفُوقَ لبنها . وفَوِّقْ فصيلَكَ : أي إسقهِ ساعة بعد ساعة . وظلَّ يَتَفَوَّقُ المخض ، قال الشاعر :
حتى إذا فِيقَةٌ في ضَرْعِهَا اجْتَمَعَتْ
فَيَلَ
الفِيلُ : معروف ، جمعه فِيلَةٌ وفُيُولٌ . قال : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ « الفيل : 1 » ورجل فَيْلُ الرأي وفَالُ الرأيِ : أي ضعيفه . والمُفَايَلَةُ : لعبة ، يخبئون شيئاً في التراب ويقسمونه ، ويقولون في أيها هو . والْفَائِلُ : عرق
--------------------------- 579 ---------------------------
في خربة الورك « ثقب عظم الورك » أو لحمٌ عليها .
فَوَمَ
الفُومُ : الحنطة ، وقيل هي الثوم ، يقال : ثوم وفُومٌ ، كقولهم جدث وجدف . قال تعالى : وَفُومِها وَعَدَسِها « البقرة : 61 » .
ملاحظات
قال الجوهري « 5 / 2004 » : « قال بعضهم : الفُوم الحمص ، لغة شامية ، وبائعه فامي . والفوم : الخبز أيضاً ، ويقال فَوِّمُوا لنا ، أي اختبزوا . وقال الفراء : هي لغة قديمة » .
وفي تفسير التبيان « 1 / 276 » : « فلا خلاف أن الفوم هو الطعام ، وإن كان كل حَبٍّ يُخْبَزُ منه يقال له : فوم » .
فَوَهَ
أَفْوَاهُ : جمع فَمٍ ، وأصل فَمٍ فَوَهٌ ، وكل موضع علق الله تعالى حكم القول بِالْفَمِ فإشارة إلى الكذب ، وتنبيهٌ [ على ] أن الإعتقاد لا يطابقه نحو : ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ « الأحزاب : 4 » وقوله : كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ « الكهف : 5 » يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ « التوبة : 8 » فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ « إبراهيم : 9 » مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ « المائدة : 41 » يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ « آل عمران : 167 » . ومن ذلك : فَوْهَةُ النهر كقولهم : فم النهر ، وأَفْوَاهُ الطيب « توابل الطعام » الواحد : فُوهٌ .
فَيَأَ
الفَيْئ والْفَيْئَةُ : الرجوع إلى حالة محمودة . قال تعالى : حَتَّى تَفِئ إِلى أَمْرِ الله فَإِنْ فاءَتْ « الحجرات : 9 » وقال : فَإِنْ فاؤُا « البقرة : 226 » . ومنه : فَاءَ الظّلُّ . والفَيئ لا يقال إلا للراجع منه . قال تعالى : يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ « النحل : 48 » .
وقيل للغنيمة التي لا يلحق فيها مشقة : فَئ ، قال : ما أَفاءَ الله عَلى رَسُولِهِ « الحشر : 7 » وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ الله عَلَيْكَ « الأحزاب : 50 » . قال بعضهم : سمي ذلك بِالْفَيئ الذي هو الظل تنبيهاً [ على ] أن أشرف أعراض الدنيا يجري مجرى ظل زائل ، قال الشاعر :
أرى المال أَفْيَاءَ الظلال عشية
وكما قال : إنما الدنيا كظلٍّ زائل
والفِئَةُ : الجماعة المتظاهرة التي يرجع بعضهم إلى بعض في التعاضد . قال تعالى : إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا « الأنفال : 45 » كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً « البقرة : 249 » فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا « آل عمران : 13 » فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ « النساء : 88 » مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ « القصص : 81 » فَلما تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ « الأنفال : 48 » .
ملاحظات
أضاف الراغب إلى تعريف الفيئ أن يكون رجوعه إلى « حالة محمودة » مع أنه مطلق الرجوع !
كما اشترط في تسمية الغنيمة بالفيئ أن لا يكون في أخذها مشقة ، فقال : « وقيل للغنيمة التي لا يلحق فيها مشقة : فَئ » .
والصحيح أن الغنيمة كلها فيئٌ ، سواء حصلت بمشقة أو سهولة . قال الخليل « 8 / 406 » : « والفيئ : الغنيمة ، والفعل منه أفاء ، قال عز وجل : مَّا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ . والفيئ : الرجوع ، تقول : إن فلاناً لسريع الفيئ عن غضبه . وإذا آلى الرجل من امرأته ثم كفر يمينه ورجع إليها قيل : فاءَ » . وقال ابن فارس « 4 / 435 » : « وكل رجوع فئ » .
تمّ كتاب الفاء بتوفيق الله ،
ولله الحمد والمنة
--------------------------- 580 ---------------------------
كتاب القاف وما يتصل بها
قَبَحَ
الْقَبِيحُ : ما ينبو عنه البصر من الأعيان ، وماتنبو عنه النفس من الأعمال والأحوال . وقد قَبُحَ قَبَاحَةً فهو قَبِيحٌ .
وقوله تعالى : مِنَ الْمَقْبُوحِينَ « القصص : 42 » أي من الموسومين بحالة منكرة ، وذلك إشارة إلى ما وصف الله تعالى به الكفار من الرجاسة والنجاسة إلى غير ذلك من الصفات ، وما وصفهم به يوم القيامة من سواد الوجوه وزرقة العيون ، وسحبهم بالأغلال والسلاسل ونحو ذلك .
يقال : قَبَحَهُ الله عن الخير أي نحاه . ويقال لعظم الساعد مما يلي النصف منه إلى المرفق : قَبِيحٌ .
ملاحظات
ذكر اللغويون نحو قول الراغب ، لكن ابن فارس قال « 5 / 47 » : « وزعم ناسٌ أن المعنى في قبحه نحاه وأبعده . ومنه قوله تعالى : وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ . ومما شذ عن الأصل وأحسبه من الكلام الذي ذهب من كان يحسنه قولهم : كسرٌ قبيحٌ ، وهو عظم الساعد النصف الذي يلي المرفق » .
يقصد أنهم وصفوا كسر عظم الساعد بالقبيح ، وليس نفس العظم ، وأنها كلمةٌ اندثرت .
قبر
القَبْرُ : مقر الميت ، ومصدر قَبَرْتُهُ : جعلته في القَبْرِ . وأَقْبَرْتُهُ : جعلت له مكاناً يُقْبَرُ فيه ، نحو أسقيته : جعلت له ما يسقى منه . قال تعالى : ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ « عبس : 21 » قيل : معناه ألهم كيف يدفن .
والمَقَبَرَةُ والْمِقْبَرَةُ : موضع الْقُبُورِ ، وجمعها : مَقَابِرُ . قال : حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ « التكاثر : 2 » كناية عن الموت .
وقوله : إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ « العاديات : 9 » إشارة إلى حال
--------------------------- 581 ---------------------------
البعث . وقيل : إشارة إلى حين كشف السَّرائر ، فإن أحوال الإنسان ما دام في الدنيا مستورة كأنها مَقْبُورَةٌ ، فتكون القبور على طريق الاستعارة ، وقيل : معناه إذا زالت الجهالة بالموت ، فكأن الكافر والجاهل ما دام في الدنيا فهو مَقْبُورٌ ، فإذا مات فقد أنشر وأخرج من قبره ، أي من جهالته ، وذلك حسبما روي : الإنسان نائم فإذا مات انتبه . وإلى هذا المعنى أشار بقوله : وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ « فاطر : 22 » أي الذين هم في حكم الأموات .
ملاحظات
قال ابن فارس « 5 / 47 » : « قَبْرٌ : يدل على غموضٍ « انخفاض » في شئ وتطامن . فإن جعلت له مكاناً يقبر فيه قلت : أقبرتُه . وقال ناسٌ من أهل التفسير في قوله تعالى : ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ : أُلْهِمَ كيف يُدفن » .
وقال الجوهري « 2 / 784 » : « أي جعله ممن يقبر ولم يجعله يلقى للكلاب ! وكأن القبر مما أكرم به بنو آدم » .
قَبَسَ
القَبَسُ : المتناول من الشعلة ، قال : أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ « النمل : 7 » والْقَبَسُ والإقتِبَاسُ : طلب ذلك .
ثم يستعار لطلب العلم والهداية ، قال : انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ « الحديد : 13 » وأَقْبَسْتُهُ ناراً أو علماً : أعطيته .
والْقَبِيسُ : فحل سريع الإلقاح ، تشبيهاً بالنار في السرعة .
ملاحظات
تقدم خطأ تعريفه للجذوة ، ومثلها القبس . قال ابن منظور « 6 / 167 » : « القَبَس : الجَذْوَة ، وهي النار التي تأْخذها في طَرَف عُود . وفي حديث عليّ رِضوان الله عليه : حتى أَوْرى قَبَساً لِقابِس . أَي أَظهر نُوراً من الحق لطالبه . والقابِس : طالِب النار . قال الكِسائي : واقْتَبَسْتُ منه عِلماً وناراً ، سواء » .
قَبَصَ
القَبْصُ : التناول بأطراف الأصابع ، والمتناول بها يقال له : الْقَبْصُ والْقَبِيصَةُ ، ويعبر عن القليل بِالْقَبِيصِ وقرئ : فَقَبَصْتُ قَبْصَةً .
والقَبُوصُ : الفرس الذي لا يمس في عدوه الأرض إلا بسنابكه ، وذلك استعارة كاستعارة القَبْصِ له في العدو .
ملاحظات
دَوَّنَ الراغب هذه المادة ومثلها مما لم يرد في القرآن ، وترك مواد وردت في آياته !
قَبَضَ
القَبْضُ : تناول الشئ بجميع الكف . نحو قَبَضَ السيف وغيره . قال تعالى : فَقَبَضْتُ قَبْضَةً « طه : 96 » فَقَبْضُ اليد على الشئ جمعها بعد تناوله ، وقَبْضُهَا عن الشئ جمعها قبل تناوله ، وذلك إمساك عنه .
ومنه قيل لإمساك اليد عن البذل : قَبْضٌ . قال : يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ « التوبة : 67 » أي يمتنعون من الإنفاق .
ويستعار الْقَبْضُ لتحصيل الشئ وإن لم يكن فيه مراعاة الكف ، كقولك : قَبَضْتُ الدار من فلان ، أي حزتها . قال : تعالى : وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ « الزمر : 67 » أي في حوزه حيث لا تمليك لأحد . وقوله : ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً « الفرقان : 46 » فإشارة إلى نسخ الظل الشمس .
ويستعار القَبْضُ للعَدْو لتصور الذي يعدو بصورة المتناول من الأرض شيئاً .
وقوله : يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ « البقرة : 245 » أي يسلب تارة ويعطي تارة ، أو يسلب قوماً ويعطي قوماً ، أو يجمع مرة ويفرق أخرى ، أو يميت ويحيي .
وقد يكنى بِالْقَبْضِ عن الموت ، فيقال : قَبَضَهُ الله ، وعلى هذا النحو قوله عليه الصلاة والسلام : ما من آدمي إلا
--------------------------- 582 ---------------------------
وقلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن . أي الله قادر على تصريف أشرف جزء منه ، فكيف ما دونه .
وقيل : راعٍ قُبَضَةٌ : يجمع الإبلَ . والِانْقِبَاضُ : جمع الأطراف ، ويستعمل في ترك التبسط .
ملاحظات
القبض : في الفقه بمعنى الأخذ ووضع اليد ، وسمي قبضاً لأن أصله الأخذ بالقبضة وهي جميع الكف . ويتحقق أحياناً بالأخذ ، أو بالكتابة ، والتوقيع ، أو بالتخلية بين القابض والمقبوض . وفيه تفصيل تجده في مصادر الفقه .
قَبْلُ
قَبْلُ : يستعمل في التقدم المتصل والمنفصل ، ويضادُّه بَعْدُ . وقيل : يستعملان في التقدم المتصل ، ويضادُّهما دُبْر ودِبر .
هذا في الأصل ، وإن كان قد يُتجوز في كل واحد منهما . فَقَبْلُ يستعمل على أوجه :
الأول : في المكان بحسب الإضافة ، فيقول الخارج من أصبهان إلى مكة : بغداد قبل الكوفة . ويقول الخارج من مكة إلى أصبهان : الكوفة قبل بغداد .
الثاني : في الزمان نحو : زمان عبد الملك قبل المنصور ، قال : فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ الله مِنْ قَبْلُ « البقرة : 91 » .
الثالث : في المنزلة نحو : عبد الملك قبل الحجاج .
الرابع : في الترتيب الصناعي نحو : تعلم الهجاء قبل تعلم الخط ، وقوله : ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ « الأنبياء : 6 » وقوله : قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها « طه : 130 » قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ « النمل : 39 » أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ « الحديد : 16 » فكلٌّ إشارة إلى التقدم الزماني .
والقُبُلُ والدُّبُر : يكنى بهما عن السوأتين . والإقبَالُ : التوجه نحو الْقُبُلِ كَالاسْتِقْبَالِ ، قال تعالى : فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ « الصافات : 50 » وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ « يوسف : 71 » فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ « الذاريات : 29 » والقَابِلُ : الذي يَسْتَقْبِلُ الدلو من البئر فيأخذه . والْقَابِلَةُ : التي تَقْبَلُ الولد عند الولادة .
وقَبِلْتُ عذره وتوبته وغيره ، وتَقَبَّلْتُهُ كذلك . قال : وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ « البقرة : 123 » وَقابِلِ التوْبِ « غافر : 3 » وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ « الشورى 1 : 25 » .
والتَّقَبُّلُ : قَبُولُ الشئ على وجه يقتضي ثواباً كالهدية ونحوها . قال تعالى : أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا « الأحقاف : 16 » وقوله : إنما يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ « المائدة : 27 » تنبيهٌ [ على ] أن ليس كل عبادة مُتَقَبَّلَةً ، بل إنما يتقبل إذا كان على وجه مخصوص . قال تعالى : إني نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي « آل عمران : 35 » .
وقيل للكفالة قُبَالَةٌ فإن الكفالة هي أوكد تَقَبُّلٍ ، وقوله : فَتَقَبَّلْ مِنِّي « آل عمران : 35 » فباعتبار معنى الكفالة ، وسمّي العهد المكتوب : قُبَالَةً . وقوله : فَتَقَبَّلَها « آل عمران : 37 » قيل : معناه قبلها ، وقيل : معناه تكفل بها ويقول الله تعالى : كلفتني أعظم كفالة في الحقيقة . وإنما قيل : فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ « آل عمران : 37 » ولم يقل بتقبل للجمع بين الأمرين : التقَبُّلِ الذي هو الترقي في القَبُولِ ، والقَبُولِ الذي يقتضي الرضا والإثابة . وقيل : القَبُولُ هو من قولهم : فلان عليه قبول : إذا أحبه من رآه .
وقوله : كل شَئ قُبُلًا « الأنعام : 111 » قيل : هو جمع قَابِلٍ ، ومعناه مُقَابِلٌ لحواسهم ، وكذلك قال مجاهد : جماعة جماعة ، فيكون جمع قَبِيلٍ ، وكذلك قوله : أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا « الكهف : 55 » ومن قرأ قبلاً فمعناه : عياناً .
والقَبِيلُ : جمع قَبِيلَةٍ ، وهي الجماعة المجتمعة التي يقبل بعضها على بعض . قال تعالى : وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ « الحجرات : 13 » وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا « الإسراء : 92 » أي
--------------------------- 583 ---------------------------
جماعة جماعة . وقيل : معناه كفيلاً ، من قولهم : قَبلْتُ فلانا وتَقَبَّلْتُ به ، أي تكفلت به ، وقيل مُقَابَلَةً أي معاينة ، ويقال : فلان لا يعرف قَبِيلًا من دبير ، أي ما أَقْبَلَتْ به المرأة من غزلها وما أدبرت به .
والمُقَابَلَةُ والتقَابُلُ : أن يُقْبِلَ بعضهم على بعض ، إما بالذات ، وإما بالعناية والتوفر والمودة . قال تعالى : مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ « الواقعة : 16 » إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ « الحجر : 47 » ولي قِبَلَ فلانٍ كذا كقولك : عنده .
قال تعالى : وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ « الحاقة : 9 » فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ « المعارج : 36 » ويستعار ذلك للقوة والقدرة على المُقَابَلَةِ ، أي المجازاة ، فيقال : لا قِبَلَ لي بكذا ، أي لا يمكنني أن أُقَابِلَهُ ، قال : فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها « النمل : 37 » أي لا طاقة لهم على اسْتِقْبَالِهَا ودفاعها .
والقِبْلةُ : في الأصل اسم للحالة التي عليها المُقَابِلُ نحو : الجلسة والقعدة ، وفي التعارف صار إسماً للمكان المُقَابَلِ المتوجه إليه للصلاة ، نحو : فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها « البقرة : 144 » .
والقَبُولُ : ريح الصبا ، وتسميتها بذلك لِاسْتِقْبَالِهَا القِبْلَةَ . وقَبِيلَةُ الرأس : موصل الشؤون . وشاة مُقَابلَةٌ : قطع من قِبَلِ أذنها . وقِبَالُ النّعلِ : زمامها ، وقد قَابَلْتُهَا : جعلت لها قِبالاً . والقَبَلُ : الفحج . والقُبْلَةُ : خرزة يزعم الساحر أنه يُقْبِلُ بالإنسان على وجه الآخر .
ومنه : القُبْلَةُ ، وجمعها قُبَلٌ ، وقَبَّلْتُهُ تَقْبِيلاً .
ملاحظات
وجد الراغب أنه لا يمكن إرجاع هذه المادة إلى أصل واحد ، فجعل قُبُل المرأة أصلاً لكثير من فروعها ، قال : والإقبَالُ : التوجه نحو الْقُبُلِ كَالاسْتِقْبَالِ !
فلزم أن يفسر أقبل عليه ، وتقبل منه ، وجهة القبلة ، بالتوجه نحو قُبُل الشئ . ومن العجيب أنه أخرج القابلة من قاعدته !
وعلى كلامه في الكفالة وتفسير آية مريم عليها السلام إشكالات ، ولا نطيل فيها .
قَتَرَ
القَتْرُ : تقليل النفقة ، وهو بإزاء الإسراف ، وكلاهما مذمومان ، قال تعالى : وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً « الفرقان : 67 » . ورجل قَتُورٌ ومُقْتِرٌ .
وقوله : وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً « الإسراء : 100 » تنبيهٌ على ما جبل عليه الإنسان من البخل ، كقوله : وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ « النساء : 128 » وقد قَتَرْتُ الشئ وأَقْتَرْتُهُ وقَتَّرْتُهُ ، أي قلّلته .
ومُقْتِرٌ : فقير ، قال : وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ « البقرة : 236 » وأصل ذلك من القُتَارِ والْقَتَرِ ، وهو الدخان الساطع من الشِّواء والعود ونحوهما ، فكأن المُقْتِرَ والمُقَتِّرَ يتناول من الشئ قُتاره . وقوله : تَرْهَقُها قَتَرَةٌ « عبس : 41 » نحو : غَبَرَةٌ ، وذلك شبه دخان يغشى الوجه من الكذب .
والقُتْرَةُ : ناموس الصائد الحافظ لقُتار الإنسان أي الريح ، لأن الصائد يجتهد أن يخفي ريحه عن الصيد لئلا يَنِدَّ .
ورجل قَاتِرٌ : ضعيف كأنه قَتَرٌ في الخفة كقوله هو هباء . وابن قِتْرَةَ : حية صغيرة خفيفة .
والقَتِيرُ : رؤوس مسامير الدرع .
ملاحظات
جعل الراغب أصل قَتَرَ من القَتَر أي الغبار ، والصحيح أنه من الضيق وأنه استعير للغبار ، وبه قال ابن فارس ، وهومطابق لتفسير أهل البيت عليهم السلام أفصح من نطق بالضاد وأعلمهم بالعربية .
قال ابن فارس « 5 / 55 » : « أصل صحيح يدل على تجميع وتضييق . . والإقتار التضييق . ومن الباب القتر ما يغشى الوجه من كرب . . والقتر الغبار . فالأصل عندنا أن صياد الأسد كان يَقْتُر في قَتْرَته بلحم يجد الأسد ريحه ، فيقبل إلى
--------------------------- 584 ---------------------------
الزبية ، ثم سميت ريح اللحم المشوي كيف كان قتاراً » .
ويظهر أن التقتير بمعنى التقليل المحض بدون مدح وذم ، فقد قال الإمام الصادق عليه السلام « الكافي : 6 / 442 » : « كان رسول الله صلى الله عليه وآله في زمان قَتِرٍ مُقْتِر ، وكان يأخذ لقتره واقتداره . وإن الدنيا بعد ذلك أرخت عَزَاليها ، فأحق أهلها بها أبرارها » .
كما يظهر أن التقتير أمر نسبي ، قال الصادق عليه السلام : « الكافي : 6 / 280 » : « إنما نتدبر بأمر الله عز وجل فإذا وسع علينا وسعنا ، وإذا قَتَّرَ علينا قتَّرنا » .
قَتَلَ
أصل القَتْلِ : إزالة ( ! ) الروح عن الجسد كالموت ، لكن إذا اعتبر بفعل المتولي لذلك يقال : قَتْلٌ ، وإذا اعتبر بفوت الحياة يقال : موت . قال تعالى : أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ « آل عمران : 144 » وقوله : فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ الله قَتَلَهُمْ « الأنفال : 17 » قُتِلَ الْإِنْسانُ « عبس : 17 » . وقيل قوله : قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ « الذاريات : 10 » لفظ قتل دعاء عليهم ، وهو من الله تعالى : إيجاد ذلك .
وقوله : فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ « البقرة : 54 » قيل معناه ليقتل بعضكم بعضاً ، وقيل عني بقتل النفس إماطة الشهوات . وعنه استعير على سبيل المبالغة : قَتَلْتُ الخمرَ بالماء إذا مزجته ، وقَتَلْتُ فلاناً وقَتَّلْتُهُ إذا : ذَلَّلْتَهُ ، قال الشاعر :
كأنَّ عينيَ في غَرْبِي مُقَتَّلةٍ
[ من النواضحِ تَسْقِي جَنَّةً سُحُقَا ] وقَتَلْتُ كذا عِلْماً . قال تعالى : وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً « النساء : 157 » أي ما علموا كونه مصلوباً علماً يقيناً . والمُقاتَلَةُ : المحاربة وتحري القتل . قال : وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ « البقرة : 193 » وَلَئِنْ قُوتِلُوا « الحشر : 12 » قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ « التوبة : 123 » وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ الله فَيُقْتَلْ « النساء : 74 » .
وقيل : القِتْلُ : العَدُوُّ والقَرن ، وأصله المُقَاتِلُ . وقوله : قاتَلَهُمُ الله « التوبة : 30 » قيل معناه لعنهم الله ، وقيل معناه قَتَلَهُمْ . والصحيح أن ذلك هو المفاعلة ، والمعنى : صار بحيث يتصدى لمحاربة الله ، فإن من قَاتَلَ الله فَمَقْتُولٌ ومن غالبه فهو مغلوب ، كما قال : إن جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ « الصافات : 173 »
وقوله : وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ « الأنعام : 151 » فقد قيل إن ذلك نهي عن وأد البنات ، وقال بعضهم : بل نهي عن تضييع البذر بالعزلة ووضعه في غير موضعه . وقيل : إن ذلك نهي عن شغل الأولاد بما يصدهم عن العلم ، وتحري ما يقتضي الحياة الأبدية ، إذ كان الجاهل والغافل عن الآخرة في حكم الأموات ، ألا ترى أنه وصفهم بذلك في قوله : أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ « النحل : 21 » . وعلى هذا : وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ « النساء : 29 » ألا ترى أنه قال : وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ « النساء : 30 »
وقوله : لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ « المائدة : 95 » فإنه ذكر لفظ القتل دون الذبح والذكاة ، إذ كان القَتْلُ أعم هذه الألفاظ تنبيهاً [ على ] أن تفويت روحه على جميع الوجوه محظور ، يقال : أَقْتَلْتُ فلانا : عرضته للقتل ، واقْتَتَلَهُ العشقُ والجنُّ ، ولا يقال ذلك في غيرهما .
والإقتِتَالُ : كالمقاتلة . قال تعالى : وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما « الحجرات : 9 » .
قَحَمَ
الإقتِحَامُ : توسط شدة مخيفة . قال تعالى : فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ « البلد : 11 » هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ « ص : 59 » .
وقَحَّمَ الفرسُ فارسَهُ : توَغَّلَ به ما يخاف عليه ، وقَحَمَ فلان نفسه في كذا من غير روية .
والمَقَاحِيمُ : الذين يَقْتَحِمُون في الأمر ، قال الشاعر :
--------------------------- 585 ---------------------------
مَقَاحِيمُ في الأمْرِ الذي يُتَجَنَّبُ
ويروى : يُتَهَيَّبُ .
قَدَدَ
القَدُّ : قطع الشئ طولاً . قال تعالى : إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ « يوسف : 26 » وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ « يوسف : 27 » . والْقِدُّ : الْمَقْدُودُ ، ومنه قيل لقامة الإنسان : قَدٌّ كقولك : تقطيعه . وقَدَّدْتُ اللحم فهو قَدِيدٌ .
والقِدَدُ : الطرائق ، قال : طَرائِقَ قِدَداً « الجن : 11 » الواحدة قِدَّةٌ . والْقِدَّةُ : الفِرقة من الناس . والْقِدَّةُ كالقطعة .
واقْتَدَّ الأمر : دَبَّرَهُ ، كقولك : فصله وصرمه .
وقَدْ : حرف يختص بالفعل ، والنحويون يقولون : هو للتوقع . وحقيقته أنه إذا دخل على فعل ماض فإنما يدخل على كل فعل متجدد ، نحو قوله : قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنا « يوسف : 90 » قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ « آل عمران : 13 » قَدْ سَمِعَ الله « المجادلة : 1 » لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ « الفتح : 18 » لَقَدْ تابَ الله عَلَى النَّبِيِّ « التوبة : 117 » وغير ذلك .
ولمِا قلتُ لا يصح أن يستعمل في أوصاف الله تعالى الذاتية ، فيقال : قد كان الله عليماً حكيماً ، وأما قوله : عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى « المزمل : 20 » فإن ذلك متناول للمرض في المعنى . كما أن النفي في قولك : ما علم الله زيداً يخرج ، هو للخروج ، وتقدير ذلك : قد يمرضون فيما علم الله ، وما يخرج زيد فيما علم الله .
وإذا دخل قَدْ على المستقبَل من الفعل فذلك الفعل يكون في حالة دون حالة نحو : قَدْ يَعْلَمُ الله الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً « النور : 63 » أي قد يتسلّلون أحياناً فيما علم الله .
وقَدْ وقَطْ : يكونان إسماً للفعل بمعنى حسب يقال : قَدْنِي كذا ، وقطني كذا ، وحكي : قَدِي .
وحكى الفراء : قَدْ زيداً ، وجعل ذلك مقيساً على ما سمع من قولهم : قَدْنِي وقَدْكَ ، والصحيح أن ذلك لا يستعمل مع الظاهر ، وإنما جاء عنهم في المضمر .
ملاحظات
قال الراغب : « إذا دخل على فعل ماض فإنما يدخل على كل فعل متجدد . . ولما قلت لا يصح أن يستعمل في أوصاف الله تعالى الذاتية فيقال : قد كان الله عليماً حكيما » .
ومعناه أن قد تفيد تجدد الفعل الماضي بعدها ، فمعنى قد كان عليماً : أن علمه يتجدد ، ولذا لا يصح أن تقول : قد كان الله عليماً ، لأن علمه ذاتي لا يحتاج إلى تجدد . وهذا من تخيلات الراغب في قد ، ولم يقل به أحد ، ويرده استعمالها في القرآن والسنة . والصحيح ما قاله ابن هشام في « مغني اللبيب : 1 / 170 » أنها حرف تحقيق كقوله تعالى : قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا . وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ . إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ .
وتأتي مع المضارع للتقليل كقولك : قد يصدق الكذوب . ولتقليل متعلق الفعل كقوله تعالى : قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ . أو للتكثير كقوله تعالى : قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ .
قَدَرَ
الْقُدْرَةُ : إذا وصف بها الإنسان فاسم لهيئة له بها يتمكن من فعل شئ ما . وإذا وصف الله تعالى بها ، فهي نفي العجز عنه ، ومحالٌ أن يوصف غير الله بالقدرة المطلقة معنىً وإن أطلق عليه لفظاً ، بل حقه أن يقال : قَادِرٌ على كذا ، ومتى قيل هو قادر ، فعلى سبيل معنى التقييد .
ولهذا لا أحد غير الله يوصف بالقدرة من وجه إلا ويصح أن يوصف بالعجز من وجه ، والله تعالى هو الذي ينتفي عنه العجز من كل وجه .
والقَدِيرُ : هو الفاعل لما يشاء على قَدْرِ ما تقتضي الحكمة ، لا زائداً عليه ولا ناقصاً عنه ، ولذلك لا يصح أن يوصف
--------------------------- 586 ---------------------------
به إلا الله تعالى ، قال : إن الله عَلى كل شَئ قَدِيرٌ « البقرة : 20 » .
والمُقْتَدِرُ : يقاربه نحو : عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ « القمر : 55 » لكن قد يوصف به البشر ، وإذا استعمل في الله تعالى فمعناه القَدِيرُ ، وإذا استعمل في البشر فمعناه المتكلف والمكتسب للقدرة ، يقال : قَدَرْتُ على كذا قُدْرَةً . قال تعالى : لا يَقْدِرُونَ عَلى شَئ مِمَّا كَسَبُوا « البقرة : 264 » .
والقَدْرُ والتقْدِيرُ : تبيين كمية الشئ . يقال : قَدَرْتُهُ وقَدَّرْتُهُ ، وقَدَّرَهُ بالتشديد : أعطاه الْقُدْرَةَ . يقال : قَدَّرَنِي الله على كذا وقواني عليه . فَتَقْدِيرُ الله الأشياء على وجهين :
أحدهما : بإعطاء القدرة . والثاني : بأن يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص ، حسبما اقتضت الحكمة . وذلك أن فعل الله تعالى ضربان : ضرب أوجده بالفعل ، ومعنى إيجاده بالفعل أن أبدعه كاملاً دفعة لا تعتريه الزيادة والنقصان إلى أن يشاء أن يفنيه أو يبدله كالسماوات وما فيها .
ومنها ما جعل أصوله موجودة بالفعل وأجزاءه بالقوة ، وقدَّرَهُ على وجه لا يتأتى منه غير ما قدره فيه ، كتقديره في النواة أن ينبت منها النخل دون التفاح والزيتون ، وتقدير منيِّ الإنسان أن يكون منه الإنسان دون سائر الحيوانات .
فَتَقْدِيرُ الله على وجهين : أحدهما بالحكم منه أن يكون كذا ، أو لا يكون كذا ، إما على سبيل الوجوب ، وإما على سبيل الإمكان . وعلى ذلك قوله : قَدْ جَعَلَ الله لِكل شَئ قَدْراً « الطلاق : 3 » . والثاني : بإعطاء الْقُدْرَةِ عليه .
وقوله : فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ « المرسلات : 23 » تنبيهاً [ على ] أن كل ما يحكم به فهو محمود في حكمه ، أو يكون من قوله : قَدْ جَعَلَ الله لِكل شَئ قَدْراً « الطلاق : 3 » وقرئ : فَقَدَّرْنا بالتشديد ، وذلك منه أو من إعطاء القدرة .
وقوله : نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ « الواقعة : 60 » فإنه تنبيهٌ [ على ] أن ذلك حكمة من حيث إنه هو المُقَدِّرُ ، وتنبيهٌ [ على ] أن ذلك ليس كما زعم المجوس أن الله يخلق وإبليس يقتل . وقوله : إنا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ « القدر : 1 » إلى آخرها ، أي ليلة قيضها لأمور مخصوصة .
وقوله : إنا كل شَئ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ « القمر : 49 » وقوله : والله يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ « المزمل : 20 » إشارة إلى ما أجري من تكوير الليل على النهار ، وتكوير النهار على الليل ، وأن ليس أحد يمكنه معرفة ساعاتهما وتوفية حق العبادة منهما في وقت معلوم . وقوله : مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ « عبس : 19 » فإشارة إلى ما أوجده فيه بالقوة ، فيظهر حالاً فحالاً إلى الوجود بالصورة .
وقوله : وَكانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَقْدُوراً « الأحزاب : 38 » فَقَدَرٌ إشارةٌ إلى ما سبق به القضاء والكتابة في اللوح المحفوظ ، والمشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام : فرغ ربكم من الخلق والأجل والرزق .
والْمَقْدُورُ : إشارة إلى ما يحدث عنه حالاً فحالاً مما قدر ، وهو المشار إليه بقوله : كل يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ « الرحمن : 29 » .
وعلى ذلك قوله : وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ « الحجر : 21 » قال أبو الحسن : خذه بقدر كذا وبقدر كذا ، وفلان يخاصم بقَدَرِ وقَدْرِ .
وقوله : عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ « البقرة : 236 » أي ما يليق بحاله مقدراً عليه .
وقوله : وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى « الأعلى : 3 » أي أعطى كل شئ ما فيه مصلحته ، وهداه لما فيه خلاصه ، إما بالتسخير ، وإما بالتعليم ، كما قال : أَعْطى كل شَئ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى « طه : 50 » .
والتقْدِيرُ من الإنسان على وجهين ، أحدهما : التفكر في الأمر بحسب نظر العقل ، وبناء الأمر عليه ، وذلك محمود . والثاني : أن يكون بحسب التمني والشهوة ، وذلك مذموم كقوله : فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ « المدثر : 18 » .
--------------------------- 587 ---------------------------
وتستعار الْقُدْرَةُ والْمَقْدُورُ : للحال والسعة في المال . والقَدَرُ : وقت الشئ المقدر له ، والمكان المقدر له ، قال : إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ « المرسلات : 22 » وقال : فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها « الرعد : 17 » أي بقدر المكان المقدر لأن يسعها ، وقرئ : بِقَدْرِهَا ، أي تقديرها .
وقوله : وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ « القلم : 25 » قاصدين ، أي معينين لوقت قَدَّرُوهُ ، وكذلك قوله : فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ « القمر : 12 » .
وقَدَرْتُ عليه الشئ : ضيقته ، كأنما جعلته بقدر بخلاف ما وصف بغير حساب . قال تعالى : وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ « الطلاق : 7 » أي ضيق عليه ، وقال : يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ « الروم : 37 » وقال : فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ « الأنبياء : 87 » أي لن نضيق عليه وقرئ : لن نُقَدِّرَ عليه ، ومن هذا المعنى اشتق الأقدَرُ ، أي القصيرُ العنق .
وفرسٌ أَقْدَرُ : يضع حافر رجله موضع حافر يده . وقوله : وَما قَدَرُوا الله حق قَدْرِهِ « الأنعام : 91 » أي ما عرفوا كنهه تنبيهاً [ على ] أنه كيف يمكنهم أن يدركوا كنهه ، وهذا وصفه ، وهو قوله : وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ « الزمر : 67 » .
وقوله : أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ « سبأ : 11 » أي أحكمه . وقوله : فَإنا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ « الزخرف : 42 »
ومِقْدَارُ الشئ : للشئ المقدر له وبه ، وقتاً كان أو زماناً أو غيرهما ، قال : فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ « المعارج : 4 » .
وقوله : لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَئ مِنْ فَضْلِ الله « الحديد : 29 » فالكلام فيه مختصٌّ بالتأويل .
والقِدْرُ : إسمٌ لما يطبخ فيه اللحم ، قال تعالى : وَقُدُورٍ راسِياتٍ « سبأ : 13 » . وقَدَرْتُ اللحم : طبخته في الْقِدْرِ ، والْقَدِيرُ : المطبوخ فيها ، والْقُدَارُ : الذي ينحر ويُقْدَرُ ، قال الشاعر : ضَرَبَ القُدَاُر نقيعةَ القُدَّام .
ملاحظات
1 . خرج الراغب عن التزامه بتجذير المادة ، وخرج عن التفسير اللغوي إلى البحث الكلامي ، فقسم القدرة إلى قدرة محدودة للمخلوق ، وقدرة مطلقة لله عز وجل .
ثم فسر عدداً من الآيات بتفسيرات فيها الصواب والخطأ ، ولا نطيل في مناقشتها .
2 . قال : « القَدِيرُ : هو الفاعل لما يشاء على قَدْرِ ما تقتضي الحكمة ، لا زائداً عليه ولا ناقصاً عنه ، ولذلك لا يصح أن يوصف به إلا الله تعالى » .
والقدير صفة مشبهة ، تقول : فلان أستاذٌ قدير ومعمار قدير ومقتدر . وليس معناه أن قدرته مطلقة بل نسبية ، ولا ذاتية بل معطاة من الله .
3 . قال : « والقَدْرُ والتقْدِيرُ : تبيين كمية الشئ » .
وليس فيه تبيين ، بل هو من الله تعالى هندسة وتقدير في أصل الخلق ، أو في مسار المخلوق .
4 . قال : « فَتَقْدِيرُ الله على وجهين : أحدهما بالحكم منه أن يكون كذا . والثاني : بإعطاء الْقُدْرَةِ عليه » .
وتقدير الله تعالى وفاعلياته في الكون أوسع من هذا .
5 . قال : « وقوله : وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ ، قاصدين ، أي معينين لوقت » . وتقدم في حَرَدَ أن معناه : ذهبوا لقطافها على غضب ، وهم قادرون عليها بتصورهم .
6 . قال : « والقِدْرُ : إسمٌ لما يطبخ فيه اللحم » . ولا ينحصر الطبخ فيها باللحم . . إلى آخر الملاحظات .
وننصح بقراءة أحاديث أهل البيت عليهم السلام في فاعلية الله تعالى وتقديره ، وتقدم منها قول الإمام الكاظم عليه السلام : « لا يكون شئ في السماوات ولا في الأرض إلا بسبع : بقضاء ، وقدر ، وإرادة ، ومشية ، وكتاب ، وأجل ، وإذْن .
--------------------------- 588 ---------------------------
فمن زعم غير هذا فقد كذب على الله ، أو رد على الله » . « الكافي : 1 / 149 » .
قَدَسَ
التقْدِيسُ : التطهير الإلهي المذكور في قوله : وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً « الأحزاب : 33 » دون التطهير الذي هو إزالة النجاسة المحسوسة .
وقوله : وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ « البقرة : 30 » أي نطهر الأشياء ارتساماً لك . وقيل : نُقَدِّسُكَ ، أي نَصِفُكَ بالتقديس .
وقوله : قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ « النحل : 102 » يعني به جبريل من حيث إنه ينزل بِالْقُدْسِ من الله ، أي بما يطهر به نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهيّ .
والبيتُ المُقَدَّسُ هو المطهر من النجاسة ، أي الشرك ، وكذلك الأرض المُقَدَّسَةُ . قال تعالى : يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ الله لَكُمْ « المائدة : 21 » .
وحظيرة القُدْسِ : قيل الجنة ، وقيل الشريعة ، وكلاهما صحيح ، فالشريعة حظيرة منها يستفاد القُدْسُ ، أي الطهارة .
ملاحظات
الفرق كبير بين تقديس الله تعالى بمعنى تنزيهه عن الشبه بمخلوقاته ، وبين الروح القُدُس بمعنى الملك المخلوق من روح الله المقدسة . وبين الأرض المقدسة بأعمال أهلها .
والتطهير الإلهي لأهل البيت عليهم السلام هو تقديسٌ لهم وتنزيه عن كل ما يشين وهو فوق التطهير المادي كما قال الراغب .
وتفسيره حظيرة القدس بالشريعة على مذاقه الصوفي ، لكن أحاديث النبي وآله صلى الله عليه وآله تنص على أن حظيرة القدس مكان مميز في الجنة وهو مسكنه صلى الله عليه وآله ومسكن أهل بيته عليهم السلام .
قَدِمَ
القَدَمُ : قَدَمُ الرِّجل ، وجمعه أَقْدَامٌ ، قال تعالى : وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقدامَ « الأنفال : 11 » وبه اعتبر التقدم والتأخر .
والتقَدُّمُ على أربعة أوجه كما ذكرنا في قبل ، ويقال : حديث وقَدِيمٌ ، وذلك إما باعتبار الزمانين ، وإما بالشرف نحو : فلان مُتَقَدِّمٌ على فلان أي أشرف منه ، وإما لما لا يصح وجود غيره إلا بوجوده ، كقولك : الواحد مُتَقَدِّمٌ على العدد بمعنى أنه لو تُوُهِّمَ ارتفاعه لارتفعت الأعداد .
والقِدَمُ : وجود فيما مضى ، والبقاء : وجود فيما يستقبل ، وقد ورد في وصف الله : يا قَدِيمَ الإحسان ، ولم يرد في شئ من القرآن والآثار الصحيحة : القَدِيمُ في وصف الله تعالى ، والمتكلمون يستعملونه ويصفونه به .
وأكثر ما يستعمل القديم باعتبار الزمان ، نحو : كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ « يس : 39 » .
وقوله : قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ « يونس : 2 » أي سابقة فضيلة ، وهو اسم مصدر .
وقَدَّمْتُ كذا ، قال : أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ « المجادلة : 13 » وقال : لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ « المائدة : 80 » .
وقَدَّمْتُ فلاناً أَقْدُمُهُ : إذا تَقَدَّمْتَهُ . قال : يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ « هود : 98 » بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ « البقرة : 95 » .
وقوله : لاتُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ « الحجرات : 1 » قيل : معناه لا تَتَقَدَّمُوهُ . وتحقيقه : لا تسبقوه بالقول والحكم بل افعلوا ما يرسمه لكم كما يفعله العباد المكرمون ، وهم الملائكة حيث قال : لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ « الأنبياء : 27 » .
وقوله : لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ « الأعراف : 34 » أي لا يريدون تأخراً ولا تقدماً . وقوله : وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ « يس : 12 » أي ما فعلوه .
--------------------------- 589 ---------------------------
قيل : وقَدَّمْتُ إليه بكذا : إذا أمرته قبل وقت الحاجة إلى فعله ، وقبل أن يدهمه الأمر والناس .
وقَدَّمْتُ به : أعلمته قبل وقت الحاجة إلى أن يعمله ، ومنه : وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ .
وقُدَّامُ : بإزاء خَلْفُ ، وتصغيره قُدَيْدِمَةٌ ، وركب فلان مَقَادِيمَهُ ، إذا مرَّ على وجهه . وقَادِمَةُ الرحل ، وقادمة الأطباء ، وقادمة الجناح ، ومُقَدِّمَةُ الجيش ، والْقَدُومُ .
كل ذلك يعتبر فيه معنى التقدم .
قَذَفَ
الْقَذْفُ : الرمي البعيد ، ولاعتبار البعد فيه قيل : منزل قَذَفٌ وقَذِيفٌ ، وبلدة قَذُوفٌ : بعيدة . وقوله : فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِ « طه : 39 » أي إطرحيه فيه . وقال : وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ « الأحزاب : 26 » بَلْ نَقْذِفُ بِالْحق عَلَى الْباطِلِ « الأنبياء : 18 » يَقْذِفُ بِالْحق عَلَّامُ الْغُيُوبِ « سبأ : 48 » وَيُقْذَفُونَ مِنْ كل جانِبٍ دُحُوراً « الصافات : 8 » .
واستعير القَذْفُ للشتم والعيب ، كما استعير الرمي .
ملاحظات
لا يدل القذف على البعد بالضرورة ، بل على دفع المقذوف . وقد يكون إلى مكان بعيد أو قريب .
قَرَّ
قَرَّ في مكانه يَقِرُّ قَرَاراً : إذا ثبت ثبوتاً جامداً ، وأصله من القُرِّ وهو البرد ، وهو يقتضي السكون ، والحر يقتضي الحركة . وقرئ : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ « الأحزاب : 33 » قيل : أصله أَقْرِرْنَ فحذف إحدى الراءين تخفيفاً نحو : فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ « الواقعة : 65 » أي ظللتم .
قال تعالى : جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً « غافر : 64 » أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً « النمل : 61 » أي مستقراً . وقال في صفة الجنة : ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ ، وفي صفة النار قال : فَبِئْسَ الْقَرارُ « ص : 60 » . وقوله : اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ « إبراهيم : 26 » أي ثبات ، وقال الشاعر :
ولا قَرَارَ عَلَى زَأْرٍ منَ الأَسَدِ
أي أمن واسْتِقْرَارٍ .
ويوم الْقَرِّ : بعد يوم النحر لاستقرار الناس فيه بمنى . واسْتَقَرَّ فلان : إذا تحرى الْقَرَارَ . وقد يستعمل في معنى قر كاستجاب وأجاب . قال في الجنة : خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا « الفرقان : 24 » وفي النار : ساءَتْ مُسْتَقَرًّا « الفرقان : 66 » .
وقوله : فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ « الأنعام : 98 » قال ابن مسعود : مُسْتَقَرٌّ في الأرض ومستودع في القبور . وقال ابن عباس : مستقر في الأرض ومستودع في الأصلاب . وقال الحسن : مستقرٌّ في الآخرة ومستودعٌ في الدُّنيا . وجملة الأمر : أن كل حال ينقل عنها الإنسان فليس بالمستقر التام .
والإقرَارُ : إثبات الشيء ، قال : وَنُفِرُّ فِي الأَرحامِ ما نَشاءُ إِلى أجَلٍ « الحج : 5 » وقد يكون ذلك إثباتاً ، إما بالقلب ، وإما باللسان ، وإما بهما .
والإقرار بالتوحيد : وما يجري مجراه لا يغني باللسان ما لم يضَامَّهُ الإقرار بالقلب ويضاد الإقرار الإنكار .
وأما الجحود : فإنما يقال فيما ينكر باللسان دون القلب ، وقد تقدم ذكره ، قال : ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ « البقرة : 84 » ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا « آل عمران : 81 » .
وقيل : قَرَّتْ ليلتنا تَقِرُّ ، ويوم قَرٌّ ، وليلة قَرَّةٌ ، وقُرَّ فلان فهو مَقْرُورٌ : أصابه الْقُرُّ ، وقيل : حَرَّةٌ تحت قِرَّةٍ . وقَرَرْتُ القدر أَقُرُّهَا : صببت فيها ماء قَارّاً ، أي بارداً ، واسم ذلك الماء الْقَرَارَةُ والْقَرِرَةُ . واقْتَرَّ فلان اقْتِرَاراً : نحو تبرَّد .
وقَرَّتْ عينه تَقَرُّ : سُرَّت ، قال : كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها « طه : 40 » وقيل لمن يُسَرُّ به : قُرَّةُ عين ، قال : قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ « القصص : 9 »
--------------------------- 590 ---------------------------
وقوله : هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ « الفرقان : 74 » قيل : أصله من القُرِّ ، أي البرد ، فَقَرَّتْ عينه قيل معناه بردت فصحت وقيل : بل لأن للسرور دمعة باردة قَارَّةً ، وللحزن دمعة حارة ، ولذلك يقال فيمن يدعى عليه : أَسْخَنَ الله عينه ، وقيل هو من الْقَرَارِ ، والمعنى : أعطاه الله ما تسكن به عينه فلا يطمح إلى غيره .
وأَقَرَّ بالحق : اعترف به وأثبته على نفسه .
وتَقَرَّرَ الأمرُ على كذا : أي حصل .
والقارُورَةُ : معروفة ، وجمعها قَوَارِيرُ ، قال : قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ « الإنسان : 16 » وقال : صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ « النمل : 44 » أي من زجاج .
قَرُبَ
الْقُرْبُ والبعد يتقابلان . يقال : قَرُبْتُ منه أَقْرُبُ ، وقَرَّبْتُهُ أُقَرِّبُهُ قُرْباً وقُرْبَاناً ، ويستعمل ذلك في المكان ، وفي الزمان ، وفي النسبة ، وفي الحظوة ، والرّعاية ، والقدرة .
فمن الأول نحو : وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ « البقرة : 35 » وَلاتَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ « الأنعام : 152 » وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى « الإسراء : 32 » فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا « التوبة : 28 » . وقوله : وَلا تَقْرَبُوهُنَ « البقرة : 222 » كناية عن الجماع كقوله : فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ « التوبة : 28 » وقوله : فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ « الذاريات : 27 » .
وفي الزمان نحو : اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ « الأنبياء : 1 » وقوله : وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ « الأنبياء : 109 » .
وفي النسبة نحو : وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى « النساء : 8 » وقال : الْوالِدانِ وَالأقرَبُونَ « النساء : 7 » وقال : وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى « فاطر : 18 » وَلِذِي الْقُرْبى « الأنفال : 41 » وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى « النساء : 36 » يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ « البلد : 15 » .
وفي الحظوة : لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ « النساء : 172 » وقال في عيسى : وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ « آل عمران : 45 » عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ « المطففين : 28 » فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ « الواقعة : 88 » قالَ نَعَمْ وَإنكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ « الأعراف : 114 » وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا « مريم : 52 » .
ويقال للحظوة : القُرْبَةُ ، كقوله : قُرُباتٍ عِنْدَ الله وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إنها قُرْبَةٌ لَهُمْ « التوبة : 99 » تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى « سبأ : 37 » .
وفي الرعاية نحو : إن رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ « الأعراف : 56 » وقوله : فَإني قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ « البقرة : 186 » .
وفي القدرة نحو : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ « ق : 16 » .
قوله : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ « الواقعة : 85 » يحتمل أن يكون من حيث القدرة .
والقُرْبَانُ : ما يُتَقَرَّبُ به إلى الله ، وصار في التعارف إسماً للنسيكة التي هي الذبيحة ، وجمعه : قَرَابِينُ . قال تعالى : إِذْ قَرَّبا قُرْباناً « المائدة : 27 » حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ « آل عمران : 183 » . وقوله : قُرْباناً آلِهَةً « الأحقاف : 28 » فمن قولهم : قُرْبَانُ الملك : لِمَن يَتَقَرَّبُ بخدمته إلى الملك ، ويستعمل ذلك للواحد والجمع ، ولكونه في هذا الموضع جمعاً قال : آلهة .
والتقَرُّبُ : التحدي بما يقتضي حظوة . وقُرْبُ الله تعالى من العبد هو بالإفضال عليه والفيض لا بالمكان ، ولهذا روي أن موسى عليه السلام قال : إلهي أقريب أنت فأناجيك ، أم بعيد فأناديك ؟ فقال : لو قدرت لك البعد لما انتهيت إليه ، ولو قدرت لك القرب لما اقتدرت عليه .
وقال : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ « ق : 16 » . وقُرْبُ العبد من الله في الحقيقة : التخصص بكثير من الصفات التي يصح أن يوصف الله تعالى بها ، وإن لم يكن وصف الإنسان بها على الحد الذي يوصف تعالى به نحو : الحكمة والعلم والحلم والرحمة والغنى ، وذلك يكون بإزالة الأوساخ من الجهل والطيش والغضب والحاجات
--------------------------- 591 ---------------------------
البدنية ، بقدر طاقة البشر ، وذلك قرب روحانيٌّ لا بدني ، وعلى هذا الْقُرْبِ نبَّهَ عليه الصلاة والسلام فيما ذكر عن الله تعالى : من تَقَرَّبَ إليَّ شبراً تَقَرَّبْتُ إليه ذراعاً . وقوله عنه : ما تقرب إليّ عبد بمثل أداء ما افترضت عليه وإنه لَيَتَقَرَّبُ إليَّ بعد ذلك بالنوافل حتى أحبَّه . . الخبر . وقوله : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ « الأنعام : 152 » هو أبلغ من النهي عن تناوله ، لأن النهي عن قربه أبلغ من النهي عن أخذه ، وعلى هذا قوله : وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ « البقرة : 35 » .
وقوله : وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ « البقرة : 222 » كناية عن الجماع ، وقال : وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى « الإسراء : 32 » .
والقِرَابُ : المُقَارَبَةُ ، قال الشاعر :
فإن قِرَابَ البَطْنِ يَكْفِيكَ مِلْؤُهُ
وقَدَحٌ قَرْبَانُ : قَرِيبٌ من الملء . وقُرْبَانُ المرأة : غشيانها ، وتَقْرِيبُ الفرس : سير يقرُبُ من عدوه . والْقُرَابُ : القريب ، وفرس لاحق الإقرَابِ ، أي الخواصر .
والْقِرَابُ : وعاء السيف ، وقيل هو جلد فوق الغمد لا الغمد نفسه وجمعه : قُرُبٌ . وقَرَبْتُ السيف وأَقْرَبْتُهُ . ورجل قَارِبٌ : قرب من الماء ، وليلة القُرْبِ ، وأَقْرَبُوا إبلهم .
والمُقْرِبُ : الحامل التي قرُبت ولادتُها .
قَرَحَ
القَرْحُ : الأثر من الجراحة من شئ يصيبه من خارج . والقُرْحُ : أثرها من داخل كالبثرة ونحوها ، يقال : قَرَحْتُهُ نحو : جرحته . وقَرِحَ : خرج به قرح . وقَرَحَ قلبُهُ وأَقْرَحَهُ الله .
وقد يقال القَرْحُ للجراحة ، والقُرْحُ للألم ، قال تعالى : مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ « آل عمران : 172 » إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ « آل عمران : 140 » وقرئ : بالضم .
والقُرْحَانُ : الذي لم يصبه الجُدْرِيُّ . وفرس قَارِحٌ : إذا ظهر به أثر من طلوع نابه ، والأنثى قَارِحَةٌ .
وأَقْرَحَ : به أثرٌ من الغرَّة . وروضة قَرْحَاءُ : وسطها نَوَر ، وذلك لتشبيهها بالفرس القرحاء . واقْتَرَحْتُ الجَمَل : ابتدعت ركوبه . واقْتَرَحْتُ كذا على فلان : ابتدعت التمني عليه . واقْتَرَحْتُ بئراً : استخرجت منه ماء قَرَاحاً ، ونحوه : أرض قَرَاحٌ ، أي خالصة .
والقَرِيحَةُ : حيث يستقر فيه الماء المستنبط ، ومنه استعير قَرِيحَةُ الإنسان .
ملاحظات
في تفسير الراغب لعدد من الكلمات إشكال ، ولا نطيل في نقدها ، لأن القرآن لم يستعمل منها إلا كلمة القرح ، في آيتين من آل عمران . وقد ميز الراغب بين القرح بالفتح فجعله ما يصيب البدن من داخل ، وبالضم ما يصيبه من خارج . والعرب تقول : خرج به قَرْحٌ ، بالفتح . فالصحيح قول ابن منظور « 2 / 557 » إنهما واحد .
قَرَدَ
القِرْدُ : جمعه قِرَدَةٌ . قال تعالى : كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ « البقرة : 65 » وقال : وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ « المائدة : 60 »
قيل : جعل صورهم المشاهدة كصور القردة . وقيل بل جعل أخلاقهم كأخلاقها وإن لم تكن صورتهم كصورتها .
والقُرَادُ : جمعه قِرْدَانٌ ، والصوف القَرِدُ : المتداخل بعضه في بعض ، ومنه قيل سحاب قَرِدٌ ، أي متلبد .
وأَقْرَدَ ، أي لصق بالأرض لصوق القراد ، وقَرَدَ : سكن سكونه . وقَرَّدْتُ البعير : أزلت قراده ، نحو : قذيت ومرضت ، ويستعار ذلك للمداراة المتوصل بها إلى خديعة ، فيقال : فلان يُقَرِّدُ فلاناً . وسمي حلمة الثدي قراداً ، كما تسمى حلمة تشبيهاً بها في الهيئة .
قَرْطَسَ
--------------------------- 592 ---------------------------
القِرْطَاسُ : ما يكتب فيه ، قال الله تعالى : وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ « الأنعام : 7 » قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ « الأنعام : 91 » .
قَرَضَ
القَرْضُ : ضرب من القطع ، وسمي قطع المكان وتَجَاوُزُهُ قَرْضاً كما سمي قطعاً . قال : وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ « الكهف : 17 » أي تجوزهم وتدعهم إلى أحد الجانبين .
وسُمِّيَ ما يدفع إلى الإنسان من المال بشرط رد بدله قَرْضاً ، قال : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً « البقرة : 245 » وسمي المفاوضة في الشعر مُقَارَضَةً . والقَرِيضُ للشِّعْر ، مستعارٌ استعارة النسج والحَوْك .
ملاحظات
قوله تعالى : وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَاغَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ، معناه : أن الشمس تميل عنهم عند شروقها ، وتقرضهم بأشعتها قبيل غروبها . فهو استعارة من القرض بمعنى القطع ، كما أن قرض المال استعارة منه .
قَرَعَ
القَرْعُ : ضرب شئ على شئ ، ومنه : قَرَعْتُهُ بِالْمِقْرَعَةِ . قال تعالى : كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ « الحاقة : 4 » الْقارِعَةُ مَاالْقارِعَةُ « القارعة : 1 » .
قَرَفَ
أصل القَرْفِ والإقتِرَافِ : قشر اللحاء عن الشجر ، والجلدة عن الجرح . وما يؤخذ منه : قِرْفٌ .
واستعير الإقتِرَافُ للإكتساب حسناً كان أو سوءاً . قال تعالى : سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ « الأنعام : 120 » وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ « الأنعام : 113 » وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها « التوبة : 24 » .
والإقتِرَافُ في الإساءة أكثر استعمالاً ، ولهذا يقال : الاعتراف يزيل الإقتراف ، وقَرَفْتُ فلاناً بكذا : إذا عبته به أو اتهمته ، وقد حمل على ذلك قوله : وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ « الأنعام : 113 » وفلان قَرَفَنِي . ورجل مُقْرِفٌ : هجين ، وقَارَفَ فلان أمراً : إذا تعاطى ما يعاب به .
قَرَنَ
الإقتِرَانُ : كالإزدواج في كونه اجتماع شيئين أو أشياء في معنى من المعاني . قال تعالى : أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ « الزخرف : 53 » يقال : قَرَنْتُ البعير بالبعير : جمعت بينهما ، ويسمى الحبل الذي يشد به قَرَناً ، وقَرَّنْتُهُ على التكثير . قال : وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ « ص : 38 » وفلان قِرْنُ فلان في الولادة ، وقَرِينُهُ وقِرْنُهُ في الجلادة ، وفي القوة ، وفي غيرها من الأحوال .
قال تعالى : إني كانَ لِي قَرِينٌ « الصافات : 51 » وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ « ق : 23 » إشارة إلى شهيده . قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ « ق : 27 » فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ « الزخرف : 36 » وجمعه قُرَنَاءُ . قال : وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ « فصلت : 25 » .
والقَرْنُ : القوم المُقْتَرِنُونَ في زمن واحد ، وجمعه قُرُونٌ . قال تعالى : وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ « يونس : 13 » وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ « الإسراء : 17 » وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ « مريم : 98 » وقال : وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً « الفرقان : 38 » ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ « المؤمنون : 31 » قُرُوناً آخَرِينَ « المؤمنون : 42 » .
والقَرُونُ : النفس لكونها مقترنة بالجسم . والقَرُونُ من البعير : الذي يضع رجله موضع يده ، كأنه يَقْرِنُهَا بها . والقَرَنُ : الجعبة ، ولا يقال لها قرن إلا إذا قرنت بالقوس .
وناقة قَرُونٌ : إذا دنا أحد خلفيها من الآخر .
والقِرَانُ : الجمع بين الحج والعمرة ، ويستعمل في الجمع
--------------------------- 593 ---------------------------
بين الشيئين . وقَرْنُ الشاة والبقرة ، والقَرْنُ : عِظَمُ القرن ، وكبشٌ أَقْرَنُ ، وشاة قَرْنَاءُ .
وسمي عَفَلُ المرأة قَرْناً تشبيهاً بالقرن في الهيئة ، وتأذي عضو الرجل عند مباضعتها به ، كالتأذي بالقرن .
وقَرْنُ الجبل : الناتئ منه . وقَرْنُ المرأة : ذؤابتها . وقَرْنُ المرآة : حافتها . وقَرْنُ الفلاة : حرفها . وقَرْنُ الشمس ، وقَرْنُ الشيطان ، كل ذلك تشبيهاً بالقرن .
وذو الْقَرْنَيْنِ : معروف ، وقوله عليه الصلاة والسلام لعليّ رضي الله عنه : إن لك بيتاً في الجنة وإنك لذو قرنيها ، يعني : ذو قرني الأمة . أي أنت فيهم كذي القرنين .
ملاحظات
روى الجميع حديث تشبيه النبي صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام بذي القرنين ، كالإيقاظ / 145 ، والدر المنثور : 4 / 241 ، وفتح القدير : 3 / 309 ، وغريب الحديث لابن سلام : 3 / 80 ، ومعناه : أنك مثله تدعوهم وتجاهدهم على تنزيل القرآن ، فيضربونك على قرنك ، وهي ضربة عمرو بن ود . ثم تجاهدهم على تأويله فيضربونك على قرنك ، وهي ضربة ابن ملجم .
قَرَأَ
قَرَأَتِ المرأة : رأت الدم ، وأَقْرَأَتْ : صارت ذات قُرْءٍ ، وقَرَأْتُ الجاريةَ : استبرأتُها بالقُرء . والقُرْءُ في الحقيقة : اسم للدخول في الحيض عن طهر . ولما كان إسماً جامعاً للأمرين الطهر والحيض المتعقب له ، أطلق على كل واحد منهما ، لأن كل اسم موضوع لمعنيين معاً يطلق على كل واحد منهما إذا انفرد ، كالمائدة للخوان وللطعام . ثم قد يسمى كل واحد منهما بانفراده به . وليس القُرْءُ إسماً للطهر مجرداً ، ولا للحيض مجرداً ، بدلالة أن الطاهر التي لم تَرَ أثَرَ الدم لا يقال لها : ذات قُرء ، وكذا الحائض التي استمر بها الدم والنفساء لا يقال لها ذلك .
وقوله : يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ « البقرة : 228 » أي ثلاثة دخول من الطهر في الحيض . وقوله عليه الصلاة والسلام : أقعدي عن الصلاة أيام أَقْرَائِكَ ، أي أيام حيضك ، فإنما هو كقول القائل : إفعل كذا أيام ورود فلان ، ووروده إنما يكون في ساعة وإن كان ينسب إلى الأيام .
وقول أهل اللغة : إن القُرْءَ من قَرَأَ ، أي جَمَعَ ، فإنهم اعتبروا الجمع بين زمن الطهر وزمن الحيض حسبما ذكرت لاجتماع الدم في الرحم .
والقِرَاءَةُ : ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل ، وليس يقال ذلك لكل جمع . لا يقال قرأت القوم إذا جمعتهم . ويدل على ذلك أنه لا يقال للحرف الواحد إذا تفوه به قراءة .
والْقُرْآنُ : في الأصل مصدر ، نحو : كفرقان ورُجحان ، قال تعالى : إن عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ « القيامة : 17 » قال ابن عباس : إذا جمعناه وأثبتناه في صدرك فاعمل به .
وقد خُصَّ بالكتاب المنزل على محمد عليه السلام فصار له كالعلم ، كما أن التوراة لما أنزل على موسى ، والإنجيل على عيسى صلى الله عليهما وسلم .
قال بعض العلماء : تسمية هذا الكتاب قُرْآناً من بين كتب الله ، لكونه جامعاً لثمرة كتبه ، بل لجمعه ثمرة جميع العلوم ، كما أشار تعالى إليه بقوله : وَتَفْصِيلَ كل شَئ « يوسف : 111 » وقوله : تِبْياناً لِكل شَئ « النحل : 89 » قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ « الزمر : 28 » وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ « الإسراء : 106 » فِي هذَا الْقُرْآنِ « الروم : 58 » . وَقُرْآنَ الْفَجْرِ « الإسراء : 78 » أي قراءته ، لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ « الواقعة : 77 » وأقرأت فلاناً كذا . قال : سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى « الأعلى : 6 » وتَقَرَّأْتُ : تفهمت ، وقَارَأْتُهُ : دارسته .
ملاحظات
معنى القرآن : أنه الكتاب الذي قرأه جبرئيل على
--------------------------- 594 ---------------------------
رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومعناه : قرأه الرسول صلى الله عليه وآله على الناس ، ومعناه الذي يستحق أن يقرأه الناس .
قرى
الْقَرْيَةُ : اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس ، وللناس جميعاً ، ويستعمل في كل واحد منهما . قال تعالى : وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ « يوسف : 82 » قال كثير من المفسرين معناه أهل القرية . وقال بعضهم : بل الْقَرْيَةُ هاهنا القوم أنفسهم ، وعلى هذا قوله : وَضَرَبَ الله مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً « النحل : 112 » وقال : وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ « محمد : 13 » .
وقوله : وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى « هود : 117 » فإنها اسم للمدينة ، وكذا قوله : وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى « يوسف : 109 » رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها « النساء : 75 » .
وحكي أن بعض القضاة دخل على علي بن الحسين رضي الله عنهما فقال : أخبرني عن قول الله تعالى : وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً « سبأ : 18 » ما يقول فيه علماؤكم ؟ قال : يقولون إنها مكة ، فقال : وهل رأيت ؟ فقلت : ما هي ؟ قال : إنما عنى الرجال ، فقال فقلت : فأين ذلك في كتاب الله ؟ فقال : ألم تسمع قوله تعالى : وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ . الآية . « الطلاق : 8 » . وقال : وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لما ظَلَمُوا « الكهف : 59 » وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ « البقرة : 58 » .
وقَرَيْتُ الماء في الحوض ، وقَرَيْتُ الضيف قِرًى ، وقَرَى الشئ في فمه جَمعه . وقَرَيَانُ الماء : مُجتمعه .
ملاحظات
القِرَى : الإطعام والضيافة وهو أمرٌ أساسي في حياة الناس في الصحاري . وقد عُرف العرب بقَرْيِ الضيف ، وسميت القرية لأنها مكان يقرون فيه الضيف .
لكن الراغب جعلها إسماً للمكان وأهله معاً ، واستدل بقوله تعالى : وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ . ولا يصح ذلك لأن المعنى : واسأل أهل القرية . ويكثر في العربية إقامة المضاف اليه مقام المضاف .
أما حديث الإمام زين العابدين عليه السلام الذي ذكره ، فهو ما رواه في مناقب آل أبي طالب « 2 / 42 » : « عن أبي حمزة الثمالي قال : دخل قاض من قضاة أهل الكوفة على علي بن الحسين عليه السلام فقال له : جعلني الله فداك ، أخبرني عن قول الله عز وجل : وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ . قال له : ما يقول الناس فيها قبلكم ؟ قال : يقولون إنها مكة . فقال : وهل رأيت السرق في موضع أكثر منه بمكة . قال : فما هو ؟ قال : إنما عنى الرجال . قال : وأين ذلك في كتاب الله ؟ فقال : أو ما تسمع إلى قوله عز وجل : وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ . وقال : وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ . وقال : وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ، أفيسأل القرية أو الرجال أو العير ؟ قال : وتلا عليه آيات في هذا المعنى . قال : جعلت فداك ! فمن هم ؟ قال : نحن هم . فقال : أو ما تسمع إلى قوله : سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ؟ قال : آمنين من الزيغ » .
وليس فيه دليل للراغب ، بل عليه ، لأن الإمام عليه السلام سأل القاضي : أفيسأل القرية أو الرجال أو العير ؟ ومعناه أن القرية لا تسأل فهي غير رجالها .
وقد بَتَرَ الراغب الرواية ومعناها : أن القرى التي بارك الله فيها هم أئمة العترة عليهم السلام جعلهم محطات لِقَرْيِ المسلمين بالعلم والهداية . هذا ، وتستعمل القرية بمعنى الضيافة كقولهم للذاهب إلى ما وراء النهر : ما وراء عبادان قرية ، أي ضيافة .
--------------------------- 595 ---------------------------
قَسَسَ
القِسُّ والْقِسِّيسُ : العالم العابد من رؤوس النصارى . قال تعالى : ذلِكَ بأن مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً « المائدة : 82 »
وأصل القَسِّ : تتبع الشئ وطلبه بالليل ، يقال : تَقَسَّسْتُ أصواتهم بالليل ، أي تتبعتها ، والْقَسْقَاسُ والْقَسْقَسُ : الدليل بالليل .
ملاحظات
الشماس ، والقس ، والبطريق ، والحاخام ، والراهب ، والكاهن : أسماء لرُتب رجال الدين اليهود والنصارى ، وهي معربة عن العبرية والسريانية . ولا يصح جعلها من أصل عربي وإن وجد شبيه لفظه في العربية ، أو سَمَّوا بها أبناءهم كقس بن ساعدة . إلا الراهب والكاهن ، فإن مادتهما عربية : رهب وكهن .
وقد أجاد الخليل حيث لم يذكر أن القسيس من أصل عربي ، قال « 5 / 12 » : « والقس : رأس من رؤس النصارى ، وكذلك القسيس ، ومصدره القسوسة والقسيسة . ويجمع على قسيسين ، ويقال : يجمع على قساوسة » .
قَسَرَ
القَسْرُ : الغلبة والقهر . يقال : قَسَرْتُهُ واقْتَسَرْتُهُ ومنه : الْقَسْوَرَةُ . قال تعالى : فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ « المدثر : 51 » قيل : هو الأسد ، وقيل : الرامي ، وقيل : الصائد .
قَسَطَ
الْقِسْطُ : هو النصيب بالعدل كالنَّصف والنَّصَفة . قال تعالى : لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ « يونس : 4 » وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ « الرحمن : 9 » .
والقِسْطُ : هو أن يأخذ قسط غيره ، وذلك جَوْر .
والإقسَاطُ : أن يعطي قسط غيره ، وذلك إنصاف ، ولذلك قيل : قَسَطَ الرجل : إذا جار ، وأَقْسَطَ : إذا عدل . قال : أما الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً « الجن : 15 » وقال : وَأَقْسِطُوا إن الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ « الحجرات : 9 » وتَقَسَّطْنَا بيننا ، أي اقتسمنا . والْقَسْطُ : اعوجاج في الرجلين بخلاف الفحج .
والقِسْطَاسُ : الميزان ، ويعبر به عن العدالة ، كما يعبر عنها بالميزان ، قال : وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ « الإسراء : 35 » .
قَسَمَ
الْقَسْمُ : إفراز النصيب ، يقال : قَسَمْتُ كذا قَسْماً وقِسْمَةً . وقِسْمَةُ الميراث وقِسْمَةُ الغنيمة : تفريقهما على أربابهما ، قال : لِكل بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ « الحجر : 44 » وَنَبِّئْهُمْ أن الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ « القمر : 28 » . واسْتَقْسَمْتُهُ : سألته أن يَقْسِمَ ، ثم قد يستعمل في معنى قسم ، قال تعالى : وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ « المائدة : 3 » .
ورجل مُنْقَسِمُ القلب : أي اقْتَسَمَهُ الهم ، نحو متوزع الخاطر ، ومشترك الُّلبّ .
وأَقْسَمَ : حلف ، وأصله من الْقَسَامَةُ ، وهي أيمان تُقْسَمُ على أولياء المقتول ، ثم صار إسماً لكل حلف . قال : وَأَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمانِهِمْ « الأنعام : 109 » أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ « الأعراف : 49 » وقال : لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ « القيامة : 1 » فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ « المعارج : 40 » إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ « القلم : 17 » فَيُقْسِمانِ بِالله « المائدة : 106 » وقَاسَمَهُ ، وتَقَاسَمَا ، قال تعالى : وَقاسَمَهُما إني لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ « الأعراف : 21 » قالُوا تَقاسَمُوا بِالله « النمل : 49 » .
وفلان مُقْسِمُ الوجه وقَسِيمُ الوجه : أي صبيحهُ .
والْقَسَامَةُ : الحسن ، وأصله من القسمة كأنما آتى كل موضع نصيبه من الحسن فلم يتفاوت . وقيل : إنما قيل مُقَسَّمٌ لأنه يقسم بحسنه الطرف ، فلا يثبت في موضع دون موضع . وقوله : كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ « الحجر : 90 » أي
--------------------------- 596 ---------------------------
الذين تَقَاسَمُوا شِعب مكة ليصدوا من يريد رسول الله ، وقيل : الذين تحالفوا على كيده عليه الصلاة والسلام .
قَسَوَ
القَسْوَةُ : غلظ القلب ، وأصله من : حجر قَاسٍ .
والمُقَاسَاةُ : معالجة ذلك . قال تعالى : ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ « البقرة : 74 » فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله « الزمر : 22 » وقال : وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ « الحج : 53 » وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً « المائدة : 13 » .
وقرئ : قَسِيَّةً أي ليست قلوبهم بخالصة ، من قولهم درهم قَسِّيٌّ وهو جنس من الفضة المغشوشة ، فيه قَسَاوَةٌ أي صلابة ، قال الشاعر : صاحَ القَسِيَّاتُ في أيدي الصَّيَاريف
قَشْعَرَ
قال الله تعالى : تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ « الزمر : 23 » أي يعلوها قَشْعَرِيرَةٌ .
ملاحظات
كأن اقْشَعَرَّ : مأخوذ من قولهم : وقف شعر رأسه أو شعر جلده ، من الخوف أو الخشوع . ونقل اللغويون تسمية بعض أهل اليمن للقثاء قَشْعَر ، ولعله بسبب وَبْره .
قَصَصَ
الْقَصُّ : تتبع الأثر ، يقال : قَصَصْتُ أثره . والْقَصَصُ : الأثر . قال تعالى : فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً « الكهف : 64 » وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ « القصص : 11 » ومنه قيل لما يبقى من الكلإ فيتتبع أثره : قَصِيصٌ ، وقَصَصْتُ ظُفْرَهُ .
والْقَصَصُ : الأخبار المتتبعة ، قال : إن هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحق « آل عمران : 62 » لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ « يوسف : 111 » وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ « القصص : 25 » نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ « يوسف : 3 » فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ « الأعراف : 7 » يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ « النمل : 76 » فَاقْصُصِ الْقَصَصَ « الأعراف : 176 » .
والقِصاصُ : تتبع الدم بالقود . قال تعالى : وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ « البقرة : 179 » وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ « المائدة : 45 » ويقال : قَصَّ فلان فلاناً ، وضربه ضرباً فَأَقَصَّهُ ، أي أدناه من الموت . والْقَصُّ : الجُصّ ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن تَقْصِيصِ القبور .
ملاحظات
استعمل القرآن القَصّ بمعنى القِصَّة 26 مرة . وبمعنى تتبع الأثر مرتين . والقِصَاص بمعنى القَوَد أربع مرات .
ولا يصح قول الراغب : « الْقَصَصُ : الأثر » : لأنهما متغايران لقوله تعالى : فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً .
قَصَدَ
القَصْدُ : استقامة الطريق ، يقال : قَصَدْتُ قَصْدَهُ : أي نحوت نحوه ، ومنه : الإقتِصَادُ .
والإقتِصَادُ على ضربين ، أحدهما : محمود على الإطلاق ، وذلك فيما له طرفان : إفراط وتفريط كالجود ، فإنه بين الإسراف والبخل ، وكالشجاعة فإنها بين التهور والجبن ونحو ذلك ، وعلى هذا قوله : وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ « لقمان : 19 » وإلى هذا النحو من الإقتصاد أشار بقوله : وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا « الفرقان : 67 » .
والثاني : يكنى به عما يتردد بين المحمود والمذموم ، وهو فيما يقع بين محمود ومذموم ، كالواقع بين العدل والجور ، والقريب والبعيد ، وعلى ذلك قوله : فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ « فاطر : 32 » وقوله : وَسَفَراً قاصِداً « التوبة : 42 » أي سفراً متوسط غير متناهي البعد ، وربما فسر بقريب ، والحقيقة ما ذكرت .
وأَقْصَدَ السهمُ : أصاب وقتل مكانه ، كأنه وجد قَصْدَهُ قال : فأصاب قلبَك غيرَ أنْ لم تَقْصِد .
وانْقَصَدَ الرمحُ : انكسر ، وتَقَصَّدَ : تكسر . وقَصَدَ الرمحَ : كسره . وناقة قَصِيدٌ : مكتنزة ممتلئة من اللحم . والقَصِيدُ
--------------------------- 597 ---------------------------
من الشعر : ما تمَّ شطر أبنيته .
ملاحظات
أخذ الراغب تعريف القصد من الخليل حيث قال « 5 / 54 » : « القصد استقامة الطريقة » فبدَّل الراغب الطريقة بالطريق ، وليته أخذها من ابن فارس فقد أجاد في تدوينها ، واستشهد على أصولها بشعر العرب ، قال « 5 / 95 » : « قَصَدَ : أصول ثلاثة : يدل أحدها على إتيان شئ وأَمِّه ، والآخر على كسر وانكسار . والآخر على اكتناز في الشئ . فالأصل الأول : قصدته قصداً ومقصداً . ومن الباب أقصده السهم إذا أصابه فقتل مكانه ، وكأنه قيل ذلك لأنه لم يحد عنه .
والأصل الآخر : قصدت الشئ : كسرته ، والقَصْدَة القطعة من الشئ إذا تكسر والجمع قُصَد . ومنه قصد الرماح ، ورمح قَصِد وقد انقصد .
والأصل الثالث : الناقة القصيد المكتنزة الممتلئة لحماً . ولذلك سميت القصيدة من الشعر قصيدة ، لتقصيد أبياتها ، ولا تكون أبياتها إلا تامة الأبنية » .
فلا يصح حصر القصد باستقامة الطريق كما فعل الراغب ، لأنه لا يمكن إرجاع فروعه اليه .
قَصَرَ
القِصَرُ : خلاف الطول ، وهما من الأسماء المتضايفة التي تعتبر بغيرها . وقَصَرْتُ كذا : جعلته قَصِيراً .
والتقْصِيرُ : اسم للتضجيع . وقَصَرْتُ كذا : ضممتُ بعضه إلى بعض ، ومنه سُمِّيَ الْقَصْرُ وجمعه : قُصُورٌ . قال تعالى : وَقَصْرٍ مَشِيدٍ « الحج : 45 » وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً « الفرقان : 10 » إنها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ « المرسلات : 32 » .
وقيل : الْقَصْرُ أصول الشجر ، الواحدة قَصْرَةٌ مثل : جمرة وجمر ، وتشبيهها بالقصر كتشبيه ذلك في قوله : كأنه جمالاتٌ صفر « المرسلات : 33 » .
وقَصَرْتُه : جعلته في قصر ومنه قوله تعالى : حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ « الرحمن : 72 » . وقَصَرَ الصلاةَ : جعلها قَصِيرَةً بترك بعض أركانها ترخيصاً . قال : فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ « النساء : 101 » .
وقَصَرْتُ اللقحة على فرسي : حبست درَّها عليه ، وقَصَرَ السهمُ عن الهدف أي لم يبلغه .
وامرأة قاصِرَةُ الطرْفِ : لا تمد طرفها إلى ما لا يجوز . قال تعالى : فِيهِنَّ قاصِراتُ الطرْفِ « الرحمن : 56 » .
وقَصَّرَ شعره : جَزَّ بعضه ، قال : مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ « الفتح : 27 » .
وقَصَّرَ في كذا : أي توانى ، وقَصَّرَ عنه لم ينله . وأَقْصَرَ عنه : كفَّ مع القدرة عليه واقْتَصَرَ على كذا : اكتفى بالشئ الْقَصِيرِ منه أي القليل .
وأَقْصَرَتِ الشاة : أسنَّت حتى قَصَرَ أطراف أسنانها ، وأَقْصَرَتِ المرأة : ولدت أولادا قِصَاراً .
والتقْصَارُ : قلادة قَصِيرَةٌ . والْقَوْصَرَةُ معروفة .
قَصَفَ
قال الله تعالى : فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ « الإسراء : 69 » وهي التي تَقْصِفُ ما مرت عليه من الشجر والبناء .
ورعد قَاصِفٌ : في صوته تكسر ، ومنه قيل لصوت المعازف قَصْفٌ ، ويُتَجَوَّزُ به في كل لهو .
ملاحظات
يستعمل الناس المقصوف بمعنى المكسور ، وقصف الله عمره بمعنى كسره وأنهاه ، وهو استعمال صحيح .
ثم استعملوه بمعنى قذف القنابل وما شابهها ، لأنها تكسر ما تصيبه . واستعمل العرب : الرجل الأقصف ، بمعنى مكسور الثنية . « العين : 5 / 66 » .
--------------------------- 598 ---------------------------
قَصَمَ
قال تعالى : وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً « الأنبياء : 11 » أي حطمناها وهشمناها ، وذلك عبارة عن الهلاك .
ويسمى الهلاك قَاصِمَةَ الظهر . وقال في آخر : وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى « القصص : 59 » . والْقُصَمُ : الرجل الذي يَقْصِمُ مَنْ قاومه .
قَصَى
القَصَا : البعد ، والْقَصِيُّ : البعيد . يقال : قَصَوْتُ عنه وأَقْصَيْتُ : أبعدت ، والمكان الأقصَى والناحية الْقُصْوَى ، ومنه قوله : وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى « القصص : 20 » . وقوله : إِلَى الْمَسْجِدِ الأقصَى « الإسراء : 1 » يعني بيت المقدس ، فسماه الأقصَى اعتباراً بمكان المخاطبين به من النبي وأصحابه ، وقال : إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى « الأنفال : 42 » .
وقَصَوْتُ البعير : قطعت أذنه . وناقة قَصْوَاءُ . وحكوا أنه يقال : بعيرٌ أَقْصَى . والْقَصِيَّةُ من الإبلِ : البعيدةُ عن الاستعمال .
ملاحظات
الأقصى هو البعيد نسبياً ، فقوله تعالى : فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا . أي عن محل إقامتها .
أما المسجد الأقصى ، فلا يمكن أن يكون البعد فيه مكانياً ، لأن الله وصف أرض الشام وفلسطين بأنها أدنى الأرض ، فمسجدها مثلها أدنى مكاناً ، فلا بد أن يكون أقصى بمعنى آخر ، ولم أصل إلى معنى قطعي فيه .
قَضَّ
قَضَضْتُهُ فَانْقَضَّ ، وانْقَضَّ الحائط : وقع . قال تعالى : يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ « الكهف : 77 » . وأَقَضَّ عليه مضجعه : صار فيه قَضَضٌ ، أي حجارةٌ صغار .
قَضَبَ
قال الله تعالى : فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً « عبس : 27 » أي رَطِبَة . والْمَقَاضِبُ : الأرض التي تنبتها . والْقَضِيبُ نحو الْقَضْبِ لكن الْقَضِيبُ يستعمل في فروع الشجر ، والقَضْبُ يستعمل في البقل . والقضب : قطع القضب والقضيب .
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا رأى في ثوب تصليباً قَضَبَهُ .
وسيف قَاضِبٌ وقَضِيبٌ ، أي قاطع . فَالْقَضِيبُ هاهنا بمعنى الفاعل وفي الأول بمعنى المفعول .
وكذا قولهم : ناقة قَضِيبٌ : مُقْتَضَبَةٌ من بين الإبل ولمَّا تُرَضْ . ويقال لكل ما لم يهذب : مُقْتَضَبٌ . ومنه اقْتَضَبَ حديثاً إذا أورده قبل أن راضه وهذبه في نفسه .
ملاحظات
لم يفصح الراغب عن أصل قَضَبَ ، وجعله ابن فارس : بمعنى قطع « 5 / 100 » لكن القطع لا يستوعب فروعه .
وقد ذكر الخليل « 5 / 52 » له معاني لم يذكرها الراغب
وابن فارس ، واستشهد عليها بشعر العرب ، منها : القضب : كل شجرة سبطت أغصانها . والإقتضاب : ركوبك دابة صعبة لم ترض . والإقتضاب : أن تقترح من ذات نفسك كلاماً أو شعراً فاضلاً .
قَضَى
الْقَضَاءُ : فصل الأمر ، قولاً كان ذلك أو فعلاً ، وكل واحد منهما على وجهين : إلهي وبشري ، فمن القول الإلهيّ قوله تعالى : وَقَضى رَبُّكَ أَلَّاتَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ « الإسراء : 23 » أي أمر بذلك ، وقال : وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ « الإسراء : 4 » فهذا قَضَاءٌ بالإعلام والفصل في الحكم ، أي أعلمناهم وأوحينا إليهم وحياً جزماً . وعلى هذا : وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ إن دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ « الحجر : 66 » .
--------------------------- 599 ---------------------------
ومن الفعل الإلهي قوله : والله يَقْضِي بِالْحق وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَئ « غافر : 20 » وقوله : فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ « فصلت : 12 » إشارةٌ إلى إيجاده الإبداعيّ والفراغ منه نحو : بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « البقرة : 117 » .
وقوله : وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ « الشورى : 14 » أي لفُصِلَ .
ومن القول البشري نحو : قضى الحاكم بكذا ، فإن حكم الحاكم يكون بالقول .
ومن الفعل البشري : فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ « البقرة : 200 » ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ « الحج : 29 » وقال تعالى : قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ « القصص : 28 » وقال : فَلما قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً « الأحزاب : 37 » وقال : ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ « يونس : 71 » أي إفرغوا من أمركم . وقوله : فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ « طه : 72 » إنما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا « طه : 72 » وقول الشاعر :
قَضَيْتُ أموراً ثمّ غادرتُ بعدَهَا
يحتمل القَضَاءَ بالقول والفعل جميعاً . ويعبر عن الموت بالقضاء ، فيقال : فلان قَضَى نحبه ، كأنه فصل أمره المختص به من دنياه . وقوله : فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ « الأحزاب : 23 » قيل : قَضَى نذره ، لأنه كان قد ألزم نفسه أن لا ينكل عن العدى أو يقتل ، وقيل : معناه منهم من مات ، وقال تعالى : ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ « الأنعام : 2 » قيل : عني بالأول أجل الحياة وبالثاني أجل البعث . وقال : يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ « الحاقة : 27 » وقال : وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ « الزخرف : 77 » وذلك كناية عن الموت . وقال : فَلما قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ « سبأ : 14 » وقَضَى الدَّيْن : فصل الأمر فيه برده .
والإقتِضَاءُ : المطالبة بقضائه ، ومنه قولهم : هذا يَقْضِي كذا ، وقوله : لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ « يونس : 11 » أي فرغ من أجلهم ومدتهم المضروبة للحياة .
والقَضَاءُ من الله تعالى أخص من القَدَر لأنه الفصل بين التقدير ، فالقَدَر هو التقدير ، والقضاء هو الفصل والقطع .
وقد ذكر بعض العلماء أن القدَر بمنزلة المُعَد للكيل ، والقضاء بمنزلة الكيل ، وهذا كما قال أبو عبيدة لعمر رضي الله عنهما لما أراد الفرار من الطاعون بالشام : أتفرُّ من القضاء ؟ قال : أفرُّ من قضاء الله إلى قدر الله ، تنبيهاً [ على ] أن القدر ما لم يكن قضاء فمرجو أن يدفعه الله ، فإذا قضى فلا مدفع له . ويشهد لذلك قوله : وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا « مريم : 21 » وقوله : كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا « مريم : 71 » وَقُضِيَ الْأَمْرُ « البقرة : 210 » أي فُصِل ، تنبيهاً [ على ] أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه .
وقوله : إِذا قَضى أَمْراً « آل عمران : 47 » .
وكل قول مقطوع به من قولك : هو كذا أوليس بكذا يقال له : قَضِيَّةٌ ، ومن هذا يقال : قضية صادقة وقضية كاذبة . وإياها عنى من قال : التجربة خطر ، والقَضَاءُ عسر ، أي الحكم بالشئ أنه كذا وليس بكذا أمر صعب ، وقال عليه الصلاة والسلام : عليٌّ أَقْضَاكُمْ .
ملاحظات
1 . كلام الراغب في قضاء الله تعالى بقوله أو فعله ضعيفٌ ، وتقسيماته عليها إشكالات . وهو بحث كلامي وليس لغوياً .
ولا بد من الرجوع في معنى القضاء والقدر والفعاليات الإلهية في الكون ، إلى الكتاب والسنة ، وتقدم في القدر قول الإمام الكاظم عليه السلام : « لا يكون شئ في السماوات ولا
--------------------------- 600 ---------------------------
في الأرض إلا بسبع : بقضاء ، وقدر ، وإرادة ، ومشية ، وكتاب ، وأجل ، وإذن . فمن زعم غير هذا فقد كذب على الله أو رد على الله » . « الكافي : 1 / 149 » .
فالعلم بمعاني القضاء اللغوية والكلامية ، في أمثال هذا الحديث وليس في تقسيمات الراغب .
2 . لم أجد ما نسبه الراغب إلى عمر في أيٍّ من المصادر ، والموجود أنه من كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام كما في التوحيد للصدوق / 369 : « عَدَلَ من عند حائط مائل إلى حائط آخر ، فقيل له : يا أمير المؤمنين أتفر من قضاءالله ؟ فقال : أفر من قضاء الله إلى قدر الله عز وجل » .
ونقل البخاري « 7 / 21 » قول عمر : « نَفِرُّ من قدر الله إلى قدر الله » وهو غير ما نسبه اليه الراغب .
قَطْ
قال تعالى : وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ « ص : 16 » الْقِطُّ : الصحيفة وهو اسم للمكتوب والمكتوب فيه . ثم قد يسمى المكتوب بذلك ، كما يسمى الكلام كتاباً وإن لم يكن مكتوباً . وأصل الْقِط : الشئ المقطوع عرضاً ، كما أن القَدَّ هو المقطوع طولاً .
والْقِط : النصيب المفروز كأنه قُطَّ أي أُفْرِزَ . وقد فسر ابن عباس رضي الله عنه الآية به . وقَط السعر : أي علا ، وما رأيته قَطْ : عبارة عن مدة الزمان المقطوع به . وقَطْنِي : حسبي .
ملاحظات
تبع الراغب ابن فارس في هذه المادة ، وترك قول الخليل . قال ابن فارس « 5 / 12 » : « أصل صحيح يدل على قطع الشئ بسرعة عرضاً ، يقال : قَطَطْتُ الشئَ أَقُطُّهُ قَطّاً . ومن الباب : الشَّعْر القَطَط ، وهو الذي ينزوي خلاف السبط ، كأنه قُطَّ قطاً .
وأما القِطُّ فيقال إنه الصك بالجائزة . وعلى هذا يفسر قوله تعالى : وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ ، كأنهم أرادوا كتبهم التي يعطونها من الأجر في الآخرة .
فأما قَطْ بمعنى حسب فليس من هذا الباب ، إنما ذاك من الإبدال والأصل قد » .
وقال الخليل « 5 / 14 » : « قط ، خفيفة هي بمنزلة حسب ، يقال : قطك هذا الشئ أي حسبكه ، قال :
امتلأَ الحَوْضُ وقالَ قَطْنِي
والقِط : النصيب لقوله تعالى : رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ . ورجل قَطَطٌ ، وشعر قَطَط ، وامرأة قَطَط ، والجميع قَطَطُون وقططات » .
وقول الخليل مقدمٌ على غيره ، إلا بدليل واضح .
قَطْرٌ
القُطْرُ : الجانب وجمعه أَقْطَارٌ . قال تعالى : إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « الرحمن : 33 » وقال : وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها « الأحزاب : 14 » .
وقَطَرْتُهُ : ألقيته على قُطْرِهِ . وتَقَطَّرَ : وقع على قُطْره . ومنه قَطَرَ المطر ، أي سقط وسمي لذلك قَطْراً .
وتَقَاطَرَ القوم : جاؤوا أرسالاً كالقَطْر ، ومنه قِطَارُ الإبل ، وقيل : الإنفاض يُقَطرُ الجلب ، أي إذا انفضَّ القوم فقلَّ زادهم قطروا الإبل وجلبوها للبيع .
والقَطِرَانُ : ما يَتَقَطرُ من الهناء . قال تعالى : سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ « إبراهيم : 50 » وقرئ : من قِطْرٍ آنٍ أي من نحاس مذاب قد أَنِيَ حرُّها . وقال : آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً « الكهف : 96 » أي نحاساً مذاباً . وقال : وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ « آل عمران : 75 » وقوله : وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً « النساء : 20 » والْقَنَاطِيرُ جمع القَنْطَرَةِ .
والقَنْطَرَةُ [ من المال ] ما فيه عبور الحياة ، تشبيهاً بالقنطرة ، وذلك غير محدود القدر في نفسه ، وإنما هو بحسب
--------------------------- 601 ---------------------------
الإضافة كالغنى ، فرب إنسان يستغني بالقليل ، وآخر لا يستغني بالكثير ، ولما قلنا اختلفوا في حده فقيل : أربعون أوِقَّة . وقال الحسن : ألف ومائتا دينار ، وقيل : ملء مسك ثور ذهباً إلى غير ذلك ، وذلك كاختلافهم في حد الغنى .
وقوله : وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ « آل عمران : 14 » أي المجموعة قنطاراً قنطاراً ، كقولك : دراهم مدرهمة ، ودنانير مدنَّرة .
ملاحظات
جعل الراغب أصل المادة القُطْر بالضم بمعنى الجانب ، وحاول أن يُرجع اليه بقية الفروع ، ولا يمكن ذلك . ثم ذكر القنطرة والقنطار وكأنهما من فروعه ، ولا علاقة لهما به .
أما الخليل فجعل الأصل قَطْر الماء ، قال « 5 / 95 » : « القطر والقطران مصدر قَطَرَ الماء . والقِطَار : قطار الإبل بعضها إلى بعض على نسق واحد . والقطار : جماعة القطر . والقطر : النحاس الذائب » . ونحوه الجوهري : 2 / 795 .
أما ابن فارس فاعترف بأنه لا يمكن توحيد أصل المادة فقال « 5 / 105 » : « هذا باب غير موضوع على قياس ، وكلمةٌ متباينة الأصول . فالقطر الناحية . والأقطار الجوانب . ويقال طعنه فقطره ، أي ألقاه على أحد قطريه وهما جانباه . والقطر قطر الماء وغيره . وهذا باب ينقاس في هذا الموضع لأن معناه التتابع » .
قَطَعَ
القَطْعُ : فصل الشئ مدركاً بالبصركالأجسام ، أو مدركاً بالبصيرة كالأشياء المعقولة . فمن ذلك قَطْعُ الأعضاء نحو قوله : لَأُقَطعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ « الأعراف : 124 » وقوله : وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما « المائدة : 38 » وقوله : وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطعَ أَمْعاءَهُمْ « محمد : 15 » وقَطْعُ الثوب وذلك قوله تعالى : فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ « الحج : 19 » .
وقَطْعُ الطريقِ : يقال على وجهين ، أحدهما : يراد به السير والسلوك . والثاني : يراد به الغصب من المارة والسالكين للطريق نحو قوله : أَإنكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ « العنكبوت : 29 » وذلك إشارة إلى قوله : الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله « الأعراف : 45 » وقوله : فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ « النمل : 24 » . وإنما سمي ذلك قطع الطريق لأنه يؤدي إلى انْقطاع الناس عن الطريق ، فجعل ذلك قطعاً للطريق .
وقَطْعُ الماء بالسباحة عبوره ، وقَطْعُ الوصل هو الهجران ، وقَطْعُ الرَّحِمِ يكون بالهجران ومنع البر .
قال تعالى : وَتُقَطعُوا أَرْحامَكُمْ « محمد : 22 » وقال : وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ الله بِهِ أَنْ يُوصَلَ « البقرة : 27 » .
ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ « الحج : 15 » وقد قيل : ليقطع حبله حتى يقع ، وقد قيل : ليقطع أجله بالإختناق ، وهو معنى قول ابن عباس : ثم ليختنق .
وقَطْعُ الأمرِ : فصله ، ومنه قوله : ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً « النمل : 32 » . وقوله : لِيَقْطَعَ طَرَفاً « آل عمران : 127 » أي يهلك جماعة منهم . وقطْعُ دابرِ الإنسان : هو إفناء نوعه . قال : فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا « الأنعام : 45 » وإن دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ « الحجر : 66 » . وقوله : إِلَّا أَنْ تَقَطعَ قُلُوبُهُمْ « التوبة : 110 » أي إلا أن يموتوا ، وقيل : إلا أن يتوبوا توبة بها تَنْقَطِعُ قلوبهم ندماً على تفريطهم .
وقِطْعٌ مِنَ الليْل : قطعة منه . قال تعالى : فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ « هود : 81 » .
والقَطِيعُ : من الغنم جمعه قُطْعَانٌ ، وذلك كالصرمة والفرقة ، وغير ذلك من أسماء الجماعة المشتقة من معنى القطع .
والْقَطِيعُ : السوط . وأصاب بئرهم قُطْعٌ : أي انقطع ماؤها . ومَقَاطِعُ الأودية : مآخيرها .
--------------------------- 602 ---------------------------
ملاحظات
1 . فَسَّرَ : فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ، بإفناء نوعهم . ومعناه إهلاكهم . « الحدائق : 18 / 121 » .
2 . فَسَّرَ : إِلَّا أَنْ تَقَطعَ قُلُوبُهُمْ ، بأن يموتوا أو يتوبوا . لكن معناه : أن ريبة الخائنين تصير كالجزء الذاتي من قلوبهم ، إلا أن تتقطع قلوبهم ، ويفهم منه موتهم .
4 . من الآيات المشكلة قوله تعالى : مَنْ كَان يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ الله فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ . « الحج : 15 » .
لأن المفسرين أجمعوا على أن النصر المقصود نصر رسول الله صلى الله عليه وآله ، فهل هو نصرٌ في حياته أو بعد وفاته ، ومن هو الذي يظن أن الله لن ينصر رسوله ، وما معنى غيظه من هذا النصر ، وأن يمدَّ بسبب ثم يقطع ؟ !
لم أجد عند المفسرين ما يقنع ، وخير من فسر معناها العام ابن منظور قال « 1 / 458 » : « معناه : من كان يَظُنّ أَن لن يَنْصُرَ الله سبحانه محمداً صلى الله عليه وآله حتى يُظْهِرَه على الدين كلِّه ، فلْيَمُتْ غَيظاً ، وهو معنى قوله تعالى : فلْيَمدُدْ بسَبَب إِلى السماءِ . والسَّبَبُ : الحَبْل ، والسماءُ : السَّقْف ، أَي فلْيَمْدُدْ حَبْلاً في سَقفِه ثم ليَقْطَعْ ، أَي ليَمُدَّ الحَبْل حتى ينْقَطِع فيَموتَ مختَنِقاً . وقال أَبو عبيدة : السَّببُ كلُّ حَبْل حَدَرْتَه من فوق » . فمعنى : فليمدد : فليُدْلِ الحبل الذي جعله في عنقه وشده في السماء !
لكن لماذا كل هذا الاهتمام باعتقاد المنافقين أو المشركين بنصر الله لرسوله صلى الله عليه وآله ؟
يجيب عليه الحديث التالي « البرهان : 3 / 859 » : « قال الإمام موسى بن جعفر : حدثني أبي ، عن أبيه أبي جعفر عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال ذات يوم : إن ربي وعدني نصرته وأن يمدني بملائكته ، وأنه ناصري بهم وبعلي أخي خاصة من بين أهلي ، فاشتد ذلك على القوم أن خص علياً بالنصرة وأغاظهم ذلك ، فأنزل الله عز وجل : مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَه الله فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ . . قال : ليضع حبلاً في عنقه إلى سماء بيته يمده حتى يختنق فيموت فينظر هل يذهبن كيده غيظه » . ولم أجد للآية تفسيراً أفضل من هذا .
قَطَفَ
يقال : قَطَفْتُ الثمرة قَطْفاً . والْقِطَفُ : الْمَقْطُوفُ منه ، وجمعه قُطُوفٌ . قال تعالى : قُطُوفُها دانِيَةٌ « الحاقة : 23 » .
وقَطَفَتِ الدابةُ قَطْفاً فهي قَطُوفٌ . واستعمال ذلك فيه استعارة ، وتشبيه بِقَاطِفِ شئ كما يوصف بالنقض على ما تقدم ذكره .
وأَقْطَفَ الكَرْم : دنا قِطَافُهُ . والْقِطَافَةُ : ما يسقط منه كالنفاية .
ملاحظات
أخذ الراغب هذه المادة من ابن فارس ، وتصرف فيها . قال ابن فارس « 5 / 103 » : « قطف : يدل على أخذ ثمرة من شجرة . والقِطف : العنقود . ويقال أقطفَ الكرمُ : دنا قطافة . والقطافة : ما يسقط من القطوف . . الخ . » .
قَطْمَرَ
قال تعالى : وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ « فاطر : 13 » أي الأثر في ظهر النواة ، وذلك مثلٌ للشئ الطفيف .
قَطَنَ
قال تعالى : وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ « الصافات : 146 » والقُطْنُ ، وقَطَنُ الحيوانِ ، معروفان .
ملاحظات
ورد تفسير اليقطين في الآية بالدِّبَاء والقَرْع . ففي تفسير
--------------------------- 603 ---------------------------
القمي « 1 / 319 » : « فلفظتهُ على ساحل البحر وقد ذهب جلده ولحمه ، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين وهي الدِّبَاء ، فأظلته من الشمس . وهو القَرْعُ ، فكان يمصه ويستظل به وبورقه ، وكان تساقط شعره ورقَّ جلده » .
قَعَدَ
القُعُودُ : يقابل به القيام ، والْقَعْدَةُ للمرة ، والقِعْدَةُ للحال التي يكون عليها الْقَاعِدُ ، والقُعُودُ قد يكون جمع قاعد . قال : فَاذْكُرُوا الله قِياماً وَقُعُوداً « النساء : 103 » الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِياماً وَقُعُوداً « آل عمران : 191 » .
والمَقْعَدُ : مكان القعود وجمعه : مَقَاعِدُ . قال تعالى : فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ « القمر : 55 » أي في مكان هُدُوّ .
وقوله : مَقاعِدَ لِلْقِتالِ « آل عمران : 121 » كناية عن المعركة التي بها المستقر . ويعبر عن المتكاسل في الشئ بِالْقَاعدِ نحو قوله : لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ « النساء : 95 » ومنه : رجل قُعَدَةٌ وضَجْعَة . وقوله : وَفَضَّلَ الله الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً « النساء : 95 » .
وعن الترصد للشئ بالقعود له نحو قوله : لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ « الأعراف : 16 »
وقوله : إنا هاهُنا قاعِدُونَ « المائدة : 24 » يعني متوقفون . وقوله : عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ « ق : 17 » أي ملك يترصده ويكتب له وعليه ويقال ذلك للواحد والجمع .
والقَعِيدُ من الوحش : خلاف النطيح . وقَعِيدَكَ الله وقِعْدَكَ الله : أي أسأل الله الذي يلزمك حفظك . والقاعِدَةُ : لمن قعدت عن الحيض والتزوج ، والقَوَاعِدُ جمعها . قال : وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ « النور : 60 » .
والمُقْعَدُ : من قَعَدَ عن الديون ، ولمن يعجز عن النهوض لزمانةٍ به ، وبه شبه الضفدع فقيل له : مُقْعَدٌ ، وجمعه : مُقْعَدَاتٌ . وثدي مُقْعَدٌ للكاعب : ناتئ مصور بصورته . والمُقْعَدُ كناية عن اللئيم المُتَقَاعِدِ عن المكارم .
وقَوَاعدُ البِنَاءِ : أساسه . قال تعالى : وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ « البقرة : 127 » وقَوَاعِدُ الهودج : خشباته الجارية مجرى قواعد البناء .
ملاحظات
قال الخليل « 1 / 145 » : « وقعدة الرجل : مقدار ما أخذ من الأرض ، يقال : أتانا بثريدة مثل قعدة الرجل . وقعيدتك : امرأتك . وقعيدك : جليسك . وقعيدا كل حي : حافظاه الموكلان به عن يمينه وشماله .
وورثت فلاناً بالقعود : أي لم يوجد في أهل بيته أقعد نسباً مني إلى أجداده » .
أما قوله تعالى : فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ فمعناه كما في البرهان « 5 / 224 » أنهم يكونون في الجنة مع النبي وأهل بيته عليهم السلام .
قَعَرَ
قَعْرُ الشئ : نهاية أسفله . وقوله : كَأنهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ « القمر : 20 » أي ذاهب في قعر الأرض . وقال بعضهم : انْقَعَرَتِ الشجرة : انقلعت من قعرها . وقيل : معنى انْقَعَرَتْ : ذهبت في قعر الأرض ، وإنما أراد تعالى إن هؤلاء اجتثوا كما اجتث النخل الذاهب في قعر الأرض ، فلم يبق لهم رسم ولا أثر . وقصعة قَعِيرَةٌ : لها قعر .
وقَعَّرَ فلان في كلامه : إذا أخرج الكلام من قعر حلقه ، وهذا كما يقال : شَدَّقَ في كلامه : إذا أخرجه من شدقه .
ملاحظات
تصور الراغب أن التشبيه في الآية بالنخل المنقعر الذاهب في قعر الأرض ، أو المنقلع من قعره ، بينما هو تشبيهٌ بالنخل المقلوع ، ثم المنقعر بتجوفه ، كقوله تعالى : كَأنهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ .
--------------------------- 604 ---------------------------
قَفَلَ
الْقُفْلُ : جمعه أَقْفَالٌ ، يقال : أَقْفَلْتُ الباب ، وقد جعل ذلك مثلاً لكل مانع للإنسان من تعاطي فعل ، فيقال : فلان مُقْفَلٌ عن كذا . قال تعالى : أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها « محمد : 24 » . وقيل للبخيل : مُقْفَلُ اليدين ، كما يقال : مغلول اليدين .
والقُفُولُ : الرجوع من السفر ، والْقَافِلَةُ : الراجعة من السفر . والْقَفِيلُ : اليابس من الشئ ، إما لكون بعضه راجعاً إلى بعض في اليبوسة ، وإما لكونه كالمقفل لصلابته ، يقال : قَفَلَ النباتُ . وقَفَلَ الفحل : وذلك إذا اشتد هياجه فيبس من ذلك وهزل .
ملاحظات
ذكر اللغويون أن القافلة : الرفقة الراجعة من السفر ، وأن الناس يغلطون ويطلقونها على الرفقة قبل رجوعهم ! وهذا خطأ لأن العرب تستعمل القافلة للذاهبين والقافلين إما تغليباً ، أو تفاؤلاً بقفولها . وقد وجدت في حديث بحيرا الراهب : « فلما قربنا منه نظر إلى الغمامة تسير بسيرنا على رؤوسنا فقال : في هذه القافلة نبي مرسل » . وكانت القافلة ذاهبة إلى الشام !
وفي حديث حماد بن حبيب : « خرجنا سنة حجاجاً فرحلنا من زبالة فاستقبلتنا ريح سوداء مظلمة فتقطعت القافلة » . وكانوا ذاهبين إلى الحج . « الخرائج : 1 / 138 و 265 »
قَفَا
القَفَا : معروف ، يقال : قَفَوْتُهُ : أصبت قَفَاهُ ، وقَفَوْتُ أثره واقْتَفَيْتُهُ : تبعت قَفَاهُ . والإقتِفَاءُ : اتِّباع القفا ، كما أن الإرتداف اتِّباع الرِّدف . ويكنَّى بذلك عن الإغتياب وتتبع المعايب .
وقوله تعالى : وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ « الإسراء : 36 » أي لاتحكم بالقِيَافَةِ والظن . والقِيَافَةُ مقلوبة عن الإقتفاء فيما قيل نحو جذب وجبذ وهي صناعة . وقَفَّيْتُهُ : جعلته خلفه . قال : وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ « البقرة : 87 » .
والقَافِيَةُ : اسم للجزء الأخير من البيت الذي حقه أن يراعى لفظه فيكرّر في كل بيت .
والقَفَاوَةُ : الطعام الذي يتفقد به من يعنى به فيتبع .
قَلَّ
القِلَّةُ والكثرة : يستعملان في الأعداد ، كما أن العِظَم والصِّغَر يستعملان في الأجسام ، ثم يستعار كل واحد من الكثرة والعِظَم ومن القلة والصغر ، للآخر . وقوله تعالى : ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا « الأحزاب : 60 » أي وقتاً ، وكذا قوله : قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا « المزمل : 2 » وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا « الأحزاب : 16 » وقوله : نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا « لقمان : 24 » وقوله : ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا « الأحزاب : 20 » أي قتالاً قليلاً .
وقوله : وَلاتَزالُ تَطلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا « المائدة : 13 » أي جماعة قَلِيلَةً ، وكذلك قوله : إِذْ يُرِيكَهُمُ الله فِي مَنامِكَ قَلِيلًا « الأنفال : 43 » وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ « الأنفال : 44 » ويكنّى بِالْقِلَّةِ عن الذلة اعتباراً بما قال الشاعر :
ولستَ بالأكثرِ مِنْهُمْ حَصاً * وإنما العِزَّةُ للكاثِرِ
وعلى ذلك قوله : وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ « الأعراف : 86 » ويكنى بها تارةً عن العزة اعتباراً بقوله : وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ « سبأ : 13 » وَقَلِيلٌ ما هُمْ « ص : 24 » وذاك إن كل ما يعز يَقِلُّ وجوده .
وقوله : وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا « الإسراء : 85 » يجوز أن يكون استثناء من قوله : وَما أُوتِيتُمْ أي ما أوتيتم العلم إلّا قليلاً منكم . ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف ، أي علماً قليلاً .
وقوله : وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا « البقرة : 41 » يعني بِالْقَلِيلِ هاهنا : أعراض الدنيا كائناً ما كان وجعلها قليلاً في جنب
--------------------------- 605 ---------------------------
ما أعد الله للمتقين في القيامة . وعلى ذلك قوله : قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ « النساء : 77 » .
وقليل : يُعبر به عن النفي ، نحو : قَلَّمَا يفعل فلان كذا ، ولهذا يصح أن يستثنى منه على حد ما يستثنى من النفي فيقال : قلما يفعل كذا إلا قاعداً أو قائماً ، وما يجري مجراه .
وعلى ذلك حمل قوله : قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ « الحاقة : 41 » وقيل : معناه تؤمنون إيماناً قليلاً ، والإيمان الْقَلِيلُ هو الإقرار والمعرفة العامية المشار إليها بقوله : وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ « يوسف : 106 » .
وأَقْلَلْتُ كذا : وجدته قَلِيلَ المحمل أي خفيفاً ، إما في الحكم أو بالإضافة إلى قوته ، فالأول نحو : أَقْلَلْتَ ما أعطيتني . والثاني قوله : أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا « الأعراف : 57 » أي احتملته فوجدته قليلاً باعتبار قوتها .
واسْتَقْلَلْتُهُ : رأيته قليلاً . نحو : استخففته : رأيته خفيفاً ، والقُلَّةُ : ما أَقَلَّهُ الإنسان من جَرَّةٍ وحِبٍّ . وقُلَّةُ الجبل : شَعَفُهُ اعتباراً بقلته إلى ما عداه من أجزائه .
فأمّا تَقَلْقَلَ الشئ : إذا اضطرب ، وتَقَلْقَلَ المسمار ، فمشتقٌّ من القَلْقَلَةِ ، وهي حكاية صوت الحركة .
قَلَبَ
قَلْبُ الشئ : تصريفه وصرفه عن وجه إلى وجه ، كقلب الثوب وقلب الإنسان ، أي صرفه عن طريقته . قال تعالى : وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ « العنكبوت : 21 » .
والِانْقِلابُ : الانصراف ، قال : انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ « آل عمران : 144 » وقال : إنا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ « الأعراف : 125 » وقال : أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ « الشعراء : 227 » وقال : وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ « المطففين : 31 » .
وقَلْبُ الإِنْسان : قيل سُمي به لكثرة تَقَلُّبِهِ . ويعبر بالقلب عن المعاني التي تختصُّ به من الروح والعلم والشجاعة وغير ذلك .
وقوله : وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ « الأحزاب : 10 » أي الأرواح . وقال : إن فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ « ق : 37 » أي علم وفهم ، وكذلك : وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ « الأنعام : 25 » وقوله : وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ « التوبة : 87 » .
وقوله : وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ « الأنفال : 10 » أي تثبت به شجاعتكم ويزول خوفكم وعلى عكسه : وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ « الحشر : 2 » .
وقوله : ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ « الأحزاب : 53 » أي أجلب للعفة ، وقوله : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ « الفتح : 4 » وقوله : وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى « الحشر : 14 » أي متفرقة ، وقوله : وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ « الحج : 46 » قيل العقل ، وقيل الروح ، فأما العقل فلا يصح عليه ذلك . قال : ومجازه مجاز قوله : تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ « البقرة : 25 » والأنهار لا تجري وإنما تجري المياه التي فيها .
وتَقْلِيبُ الشئ : تغييره من حال إلى حال نحو : يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ « الأحزاب : 66 » وتَقْلِيبُ الأمور : تدبيرها والنظر فيها ، قال : وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ « التوبة : 48 » وتَقْلِيبُ الله القلوب والبصائر : صرفها من رأي إلى رأي ، قال : وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ « الأنعام : 110 » .
وتَقْلِيبُ اليد : عبارة عن الندم ذكراً لحال ما يوجد عليه النادم . قال : فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ « الكهف : 42 » أي يصفق ندامة . قال الشاعر :
كمغبونٍ يعضُّ على يديهِ تبيَّنَ غِبْنَهُ بعدَ البَيَاعِ
والتقَلُّبُ : التصرف ، قال تعالى : وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ « الشعراء : 219 » وقال : أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ « النحل : 46 » . ورجل قُلَّبٌ حُوَّلٌ : كثير التقلب
--------------------------- 606 ---------------------------
والحيلة . والْقُلَابُ : داء يصيب القلب . وما به قَلَبَةٌ : علّة يُقَلِّبُ لأجلها . والْقَلِيبُ : البئر التي لم تُطو .
والقُلْبُ : الْمَقْلُوبُ من الأسورة .
ملاحظات
معنى الانقلاب على الأعقاب : الإرتداد ، ولعل الراغب رأى قول الخليل بأنه تحويل الشئ عن وجهه ، فجعله الانصراف من وجه إلى وجه ، لكن الخليل يقصد إلى قفاه .
قال « 5 / 170 » : « والقَلْبُ : تحويلك الشئ عن وجهه . وقلبت فلاناً عن وجهه أي صرفته . والقُلَّبُ الحُوَّل : الذي يقلب الأمور . والحُوَّل : صاحب حيل » .
قَلَّدَ
الْقَلْدُ : الفَتْل ، يقال : قَلَدْتُ الحبل فهو قَلِيدٌ ومَقْلُودٌ . والْقِلَادَةُ : المفتولة التي تجعل في العنق من خيط وفضة وغيرهما ، وبها شبه كل ما يتطوق ، وكل ما يحيط بشئ ، يقال : تَقَلَّدَ سيفه تشبيهاً بالقِلادة ، كقوله : توشح به تشبيهاً بالوشاح .
وقَلَّدْتُهُ سيفاً : يقال تارةً إذا وشحته به ، وتارة إذا ضربت عنقه . وقَلَّدْتُهُ عملاً : ألزمته . وقَلَّدْتُهُ هجاءً : ألزمته .
وقوله : لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « الزمر : 63 » أي ما يحيط بها ، وقيل خزائنها ، وقيل مفاتحها . والإشارة بكلها إلى معنى واحد وهو قدرته تعالى عليها وحفظه لها .
قَلَمَ
أصل القَلْمِ : القص من الشئ الصلب كالظِّفر وكعب الرمح والقصب . ويقال لِلْمَقْلُومِ : قِلْمٌ ، كما يقال للمنقوض : نِقْض . وخُصَّ ذلك بما يكتب به ، وبالقدح الذي يضرب به ، وجمعه : أَقْلَامٌ . قال تعالى : ن . وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ « القلم : 1 » وقال : وَلَوْ أنما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ « لقمان : 27 » وقوله : إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ « آل عمران : 44 » أي أقداحهم .
وقوله تعالى : عَلَّمَ بِالْقَلَمِ « العلق : 4 » تنبيهٌ لنعمته على الإنسان بما أفاده من الكتابة .
وما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ الوحي عن جبريل ، وجبريل عن ميكائيل ، وميكائيل عن إسرافيل ، وإسرافيل عن اللوح المحفوظ ، واللوح عن القَلَمِ ، فإشارة إلى معنى إلهيٍّ ، وليس هذا موضع تحقيقه . والإقلِيمُ : واحد الأقالِيمِ السبعة . وذلك أن الدنيا مقسومة على سبعة أسهم ، على تقدير أصحاب الهيئة .
قَلَى
القِلَى : شدة البغض ، يقال : قَلَاهُ يَقْلِيهِ ويَقْلُوهُ . قال تعالى : ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى « الضحى : 3 » وقال : إني لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ « الشعراء : 168 » . فمن جعله من الواو فهو من القُلُو أي الرَّمي ، من قولهم : قَلَتِ الناقةُ براكبها قَلْواً .
وقلوتُ بالقلَّة ، فكأن المقلوَّ هو الذي يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله . ومن جعله من الياء فمن : قَلَيْتُ البُسْرَ والسَّوِيق على المِقْلَاةِ .
قَمَحَ
قال الخليل : الْقَمْحُ : البُرُّ إذا جرى في السُّنبل من لدن الإنضاج إلى حين الإكتناز ، ويسمى السويق المتخذ منه قَمِيحَةً .
والقَمْحُ : رفع الرأس لِسَفِّ الشئ ، ثم يقال لرفع الرأس كيفما كان : قَمْحٌ . وقَمَحَ البعير : رفع رأسه ، وأَقْمَحْتُ البعير : شددت رأسه إلى خلف . وقوله : مُقْمَحُونَ « يس : 8 » تشبيهٌ بذلك ومثلٌ لهم ، وقصدٌ إلى وصفهم بالتأبي عن الانقياد للحق ، وعن الإذعان لقبول الرشد ، والتأبي عن الإنفاق في سبيل الله ، وقيل : إشارة إلى حالهم في القيامة إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ « غافر : 71 » .
--------------------------- 607 ---------------------------
ملاحظات
قال الجوهري « 1 / 397 » : « الإقماح : رفع الرأس وغض البصر . يقال : أقمحه الغل ، إذا ترك رأسه مرفوعاً من ضيقه » . وقال الخليل « 3 / 56 » : « فهم مقمحون : أي خاشعون ، لا يرفعون أبصارهم » .
قَمَرَ
القَمَرُ : قَمَرُ السماء . يقال عند الامتلاء وذلك بعد الثالثة ، قيل وسمي بذلك لأنه يَقْمُرُ ضوء الكواكب ويفوز به . قال : هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً « يونس : 5 » وقال : وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ « يس : 39 » وَانْشَقَّ الْقَمَرُ « القمر : 1 » وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها « الشمس : 2 » وقال : كلا وَالْقَمَرِ « المدثر : 32 » .
والقَمْرَاءُ : ضوؤه ، وتَقَمَّرْتُ فلاناً : أتيته في القمراء . وقَمَرَتِ القربة : فسدت بالقمراء ، وقيل : حمار أَقْمَرُ : إذا كان على لون القمراء ، وقَمَرْتُ فلاناً كذا : خدعته عنه .
ملاحظات
تكلف في هذه المادة ، وأخطأ في الحمار الأقمر وقمرتُ . والصحيح ما قاله الخليل « 5 / 161 » : « القمراء : ضوء القمر . والقُمرة : لون الحمار الأقمر ، وهو لون يضرب إلى الخضرة . وقامرته فقمرته : من القِمار . والقُمري : طائر كالفاختة مسكنه الحجاز » .
وقد استعمل القرآن من هذه المادة ، القمر فقط ، ستاً وعشرين مرة .
قَمَصَ
الْقَمِيصُ : معروف ، وجمعه قُمُصٌ وأَقْمِصَةٌ وقُمْصَانٌ . قال تعالى : إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ « يوسف : 26 » وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ « يوسف : 27 » . وتَقَمَّصَهُ : لبسه ، وقَمَصَ البعير يَقْمُصُ ويَقْمِصُ : إذا نزا . والقُمَاصُ : داءٌ يأخذه فلا يستقر به موضعه ، ومنه القَامِصَةُ في الحديث . « ضَرْبة » .
قَمْطَرَ
قوله تعالى : عَبُوساً قَمْطَرِيراً « الإنسان : 10 » أي شديداً . يقال : قَمْطَرِيرٌ وقَمَاطِيرٌ .
قَمَعَ
قال تعالى : وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ « الحج : 21 » جمع مِقْمَعٍ ، وهو ما يضرب به ويُذَلَّلُ ولذلك يقال : قَمَعْتُهُ فَانْقَمَعَ أي كففته فكف .
والْقِمْعُ والقِمَعُ : ما يصب به الشئ فيمنع من أن يسيل . وفي الحديث : ويل لِأَقْمَاعِ القول ، أي الذين يجعلون آذانهم كالأقماع فيتبعون أحاديث الناس .
والقَمَعُ : الذباب الأزرق لكونه مَقْمُوعاً .
وتَقَمَّعَ الحمار : إذا ذب القَمَعَةَ عن نفسه .
ملاحظات
عبارة الراغب قاصرة ، والقِمْع إناءٌ صغير يملأ به إناء أكبر . « العين : 1 / 188 » . ولم يذكر أصل المادة ، وقال ابن فارس « 5 / 27 » : « أصول ثلاثة : نزول شئ مائع في أداة تعمل له . والآخر : إذلال وقهر . والثالث : الذباب الأزرق العظيم » .
قَمَلَ
القُمَّلُ : صغار الذباب . قال تعالى : وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ « الأعراف : 133 » . والْقَمْلُ : معروف . ورجل قَمِلٌ : وقع فيه القَمْلُ ، ومنه قيل : رجل قَمِلٌ ، وامرأة قَمِلَةٌ : صغيرة قبيحة ، كأنها قَمْلَةٌ أو قُمَّلَةٌ .
قَنَتَ
القُنُوتُ : لزوم الطاعة مع الخضوع . وفُسِّر بكل واحد منهما في قوله تعالى : وَقُومُوا لِله قانِتِينَ « البقرة : 238 » .
وقوله تعالى : كل لَهُ قانِتُونَ « الروم : 26 » قيل خاضعون ، وقيل طائعون ، وقيل ساكتون ولم يعن به كل السكوت ، وإنما عني به ما قال عليه الصلاة والسلام إن هذه الصلاة لا
--------------------------- 608 ---------------------------
يصح فيها شئ من كلام الآدميين ، إنما هي قرآن وتسبيح . وعلى هذا قيل : أيُّ الصلاة أفضل ؟ فقال : طول القُنُوتِ ، أي الاشتغال بالعبادة ورفض كل ما سواه .
وقال تعالى : إن إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً « النحل : 120 » وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ « التحريم : 12 » أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً « الزمر : 9 » اقْنُتِي لِرَبِّكِ « آل عمران : 43 » وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِله وَرَسُولِهِ « الأحزاب : 31 » وقال : وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ « الأحزاب : 35 » فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ « النساء : 34 » .
ملاحظات
جعل القانت : الملازمَ للقنوت ، لكن يصح وصف الشخص بالقانت لقنوته مرةً .
قَنَطَ
القُنُوطُ : اليأس من الخير . يقال : قَنَطَ يَقْنِطُ قُنُوطاً ، وقَنِطَ يَقْنَطُ . قال تعالى : فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ « الحجر : 55 » قال : وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ « الحجر : 56 »
وقال : يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله « الزمر : 53 » وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ « فصلت : 49 » إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ « الروم : 36 » .
قَنَعَ
القَنَاعَةُ : الإجتزاء باليسير من الأعراض المحتاج إليها . يقال : قَنِعَ يَقْنَعُ قَنَاعَةً وقَنَعَاناً : إذا رضي . وقَنَعَ يَقْنَعُ قُنُوعاً : إذا سأل . قال تعالى : وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ « الحج : 36 » .
قال بعضهم : الْقَانِعُ هو السائل الذي لا يُلح في السؤال ، ويرضى بما يأتيه عفواً ، قال الشاعر :
لمَالُ المرءِ يُصلحُهُ فيُغْنِي
مَفَاقِرَه أعفُّ من الْقَنُوعِ
وأَقْنَعَ رأسه : رفعه . قال تعالى : مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ « إبراهيم : 43 » وقال بعضهم : أصل هذه الكلمة من الْقِنَاعِ ، وهو ما يغطى به الرأس ، فَقَنِعَ ، أي لبس القِنَاعَ ساتراً لفقره كقولهم : خفي ، أي لبس الخفاء . وقَنَعَ : إذا رفع قِنَاعَهُ كاشفاً رأسه بالسؤال نحو خفي إذا رفع الخفاء .
ومن الْقَنَاعَةِ قولهم : رجل مَقْنَعٌ يُقْنَعُ به وجمعه مَقَانِعُ قال الشاعر : شهودي على ليلى عُدُولٌ مَقَانِعُ
ومن القِنَاعِ قيل : تَقَنَّعَتِ المرأة ، وتَقَنَّعَ الرجل : إذا لبس المغفر تشبيهاً بِتَقَنُّعِ المرأة ، وقَنَّعْتُ رأسه بالسيف والسوط .
ملاحظات
استعمل القرآن هذه المادة مرتين : في قوله تعالى : فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ . وفسرها الإمام الصادق عليه السلام بقوله : « القانع : الذي يقنع بما أعطيته ، والمُعْتَرُّ الذي يعتريك . والسائل : الذي يسألك في يديه . والبائس : هو الفقير » . « الكافي 4 / 500 » .
وقوله تعالى : مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ .
والمُهْطِعُ : الذي يُحَدِّقُ في شئ ولا يحُول بصره عنه ، قال تعالى : فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ . مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ . أي مهطعين إلى الداعي صوبوا أنظارهم اليه . أما مقنعي رؤوسهم ، ففسرها الأكثر برافعي رؤوسهم ، ولا يصح ذلك ، لأنه لا يتناسب مع مهطعين ، ولأن تقنيع الرأس : لَفُّهُ بقناع وليس رفعه . فالمقصود به الذل والخوف .
قال الخليل « 1 / 101 » : « المهطع : المقبل ببصره على الشئ لا يرفعه عنه » . فالمعنى : فهم محدقون بأنظارهم أذلاء ، وأعينهم مشدودة إلى الأمام ، وقد تبخرت أفئدتهم فصارت هواء .
قَنَيَ
قوله تعالى : أَغْنى وَأَقْنى « النجم : 48 » أي أعطى ما فيه الغنى
--------------------------- 609 ---------------------------
وما فيه الْقِنْيَةُ ، أي المال المدخر ، وقيل : أَقْنَى : أرضى . وتحقيق ذلك أنه جعل له قِنْيَةً من الرضا والطاعة ، وذلك أعظم الغناءين . وجمع القِنْيَةِ : قِنْيَاتٌ ، وقَنَيْتُ كذا واقْتَنَيْتُهُ ، ومنه : قَنِيتُ حيائي عفةً وتكرُّما .
قَنَوَ
القِنْوُ : العذق ، وتثنيته : قِنْوَانِ ، وجمعه قِنْوَانٌ . قال تعالى : قِنْوانٌ دانِيَةٌ « الأنعام : 99 » .
والقَنَاةُ تشبه الْقِنْوَ في كونهما غصنين ، وأما الْقَنَاةُ التي يجري فيها الماء فإنما قيل ذلك تشبيهاً بِالْقَنَاةِ في الخط والإمتداد ، وقيل : أصله من قنيت الشئ : ادخرته ، لأن القَنَاةَ مدخرة للماء . وقيل : هو من قولهم قَانَاهُ ، أي خالطه ، قال الشاعر :
كَبِكْرِ المُقَانَاةِ البَيَاضِ بِصُفْرَةٍ
وأما القَنَا الذي هو الإحديداب في الأنف ، فتشبيه في الهيئة بالقنا . يقال : رجل أَقْنَى ، وامرأة قَنْوَاءُ .
ملاحظات
وردت المادة في آية واحدة عن عذق نخل الجنة بأنه قنوانٌ : وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ . أي مقوسة تدنو من مجتنيها . والقَنَى : صفة جميلةٌ في الأنف بمعنى احديدابه ، وقد وصف النبي صلى الله عليه وآله الإمام المهدي عليه السلام بأنه أجلى الجبهة أقنى الأنف .
قَهَرَ
القَهْرُ : الغلبة والتذليل معاً ويستعمل في كل واحد منهما . قال تعالى : وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ « الأنعام : 18 » وقال : وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ « الرعد : 16 » فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ « الأعراف : 127 » فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ « الضحى : 9 » أي لاتذلل .
وأَقْهَرَهُ : سلط عليه من يقهره . والْقَهْقَرَى المشي إلى خلف .
ملاحظات
استعمل الراغب التذليل بمعنى الإذلال ، وهو غلط ، كما جعل القهقرى مشياً ، وهي مطلق الرجوع إلى الخلف مادياً أو معنوياً .
قال الخليل « 3 / 365 » : « الله القاهر القهار . يقال : أخذهم قهراً ، أي من غير رضاهم . والقهر : الغلبة والأخذ من فوق » .
وقال الجوهري « 2 / 801 » : « القهقرى : الرجوع إلى خلف . . » .
وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله عن أصحابه « البخاري : 7 / 208 » : « فأقول يا رب أصحابي ! فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى » .
واستعمل القرآن : القاهر فوق عباده صفة لله تعالى في آيتين ، والواحد القهار ، في ست آيات .
وأورد قول فرعون : سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِى نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ .
ونهى عن قهر اليتيم في آية واحدة : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ، ومعناها : « لا تقهره بظلمه بأخذ ماله فكذلك من لا ناصر له لا تغلظ في أمره ، والخطاب متوجه إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو نهي لجميع المكلفين » . « تفسير التبيان : 10 / 370 » .
قَابَ
القَابُ : ما بين المقبض والسِّيَةِ من القوس . قال تعالى : فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى « النجم : 9 » .
قَوَتَ
القُوتُ : ما يمسك الرَّمق ، وجمعه أَقْوَاتٌ . قال تعالى : وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها « فصلت : 10 » وقَاتَهُ يَقُوتُهُ قُوتاً : أطعمه قوته . وأَقَاتَهُ يُقِيتُهُ : جعل له ما يَقُوتُهُ . وفي الحديث : إن أكبر الكبائر أن يُضَيِّعَ الرجل من يقوت ، ويروى : من يقيت .
قال تعالى : وَكانَ الله عَلى كل شَئ مُقِيتاً « النساء : 85 » قيل مقتدراً ، وقيل حافظاً ، وقيل شاهداً . وحقيقته : قائماً عليه يحفظه ويقيته . ويقال : ما له قُوتُ ليلة ، وقِيتُ ليلة ، وقِيتَةُ ليلة ، نحو الطعم والطعمة ، قال الشاعر في صفة نار :
--------------------------- 610 ---------------------------
فقلتُ لهُ ارفعها إليكَ وأحْيِهَا
بِرُوحِكَ واقْتَتْهُ لهَا قِيتَةً قَدَرَا
ملاحظات
استعمل القرآن كلمة أقواتها في آية ، ومعناها واضح ، وكلمة مُقيتاً في قوله تعالى : وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ الله عَلَى كُلِّ شَئٍْ مُقِيتًا . « النساء : 85 » .
وذكر الراغب فيها عدة احتمالات ، ثم ترك تفسيرها المباشر ولجأ إلى معناها العام !
وهي مشتقة من أقاته بمعنى أعطاه القوت ، ومتعدية بعلى أي : أقات على كل شئ . وأقرب ما وجدت في تفسيرها قول الزمخشري في الفائق « 3 / 133 » : « وأقات عليه إقاتةً فهو مُقيت إذا حافظ عليه وهيمن ، ومنه قوله تعالى : وَكَانَ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا » .
لكن سياق الآية يدل على المجازاة ، على هذا النوع من الشفاعة ، أو على كل شئ . فمعنى الجزاء فيه مباشر ، ومعنى القدرة والهيمنة والحفظ فيه غير مباشر . ومعناه : يجزي على كل عمل ويُقيت صاحبه بالزاد الذي يناسبه ، وبالتغذية التي يوجبها عمله . وهو حقيقة جديدة عن قوانين الجزاء .
قَوَسَ
القَوْسُ : ما يرمى عنه . قال تعالى : فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى « النجم : 9 » . وتُصُوِّر منها هيئتها فقيل للإنحناء : التقَوُّسُ . وقَوَّسَ الشّيخ وتَقَوَّسَ : إذا انحنى ، وقَوَّسْتُ الخط فهو مُقَوَّسٌ .
والْمِقْوَسُ : المكان الذي يجري منه القوس ، وأصله : الحبل الذي يمد على هيئة قوس ، فيرسل الخيل من خلفه .
قَيَضَ
قال تعالى : وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ « فصلت : 25 » وقوله : وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً « الزخرف : 36 » أي نُتِحْ ، ليستولي عليه استيلاء القَيْض على البيض وهو القشر الأعلى .
ملاحظات
تقييض القرين : تعبير قرآني خاص بفعله ومفعوله . فالقرين كأنه نسخة من الإنسان ، وجزاءٌ بالمثل لصاحبه . وهو يقيض له تقييضاً كما يخرج القيض من البيض ، أي الفرخ من قشر البيضة .
وهو خاص بأعداء الله كما نصت الآيتان اللتان ورد ذكره فيهما . قال تعالى : وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ الله إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ . . وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ « فُصِّلَتْ : 19 و 25 » .
وقال تعالى : وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ . حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ . « الزخرف : 36 و 38 » .
قال الخليل « 5 / 185 » : « القيض : البيض قد خرج فرخه وماؤه كله . وقاضها الطائر والفرخ إذا شدها عن الفرخ فانقاضت أي انشقت . وبئر مقيضة : كثيرة الماء . وأعطيته فرساً بفرسين قيضين . وقايضني وقايضته . وقيَّضَ له قرين سوء كما قيض الشياطين للكفار » .
ونحوه الجوهري « 3 / 1104 » : أما ابن فارس فلم يذكر المادة أبداً .
والقرين : عمله تزيين الشر لصاحبه ، وهو يلازمه في الدنيا والآخرة ! وقد تصور بعضهم أنه في الآخرة لقول صاحبه يوم القيامة : يَا لَيْتَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ ، لكنها تدل على أنه كان معه من الدنيا وأغواه ، ولهذا تمنى لو كان بعيداً عنه . قال ابن منظور « 7 / 225 » : « وقَيَّضْنا لهم قُرنَاء ، قال الزجاج : أَي نُسَبِّبْ له شيطاناً يجعل الله ذلك جَزاءه . وقيضنا لهم قُرناء أَي سبَّبْنا لهم من حيث لم يَحْتَسِبوه » .
لكن التقييض غير التسبيب فكأنه بمعنى تفعيل
--------------------------- 611 ---------------------------
السبب الكامن ، والسماح بانفلاق الإنسان عن قرينه ، كما تنفلق البيضة عن قشرها !
قَيَعَ
قوله تعالى : كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ « النور : 39 » . والقِيعُ والْقَاعُ : المستوي من الأرض ، جمعه قِيعَانٌ وتصغيره قُوَيْعٌ . واستعير منه : قَاعَ الفحل الناقة : إذا ضربها .
قَوَلَ
القَوْلُ والقِيلُ : واحد . قال تعالى : وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلًا « النساء : 122 » . والقَوْلُ : يستعمل على أوجه ، أظهرها : أن يكون للمركب من الحروف المبرز بالنطق ، مفرداً كان أو جملة ، فالمفرد : كقولك زيد ، وخرج ، والمركب : زيد منطلق ، وهل خرج عمرو ، ونحو ذلك .
وقد يستعمل الجزء الواحد من الأنواع الثلاثة أعني الاسم والفعل والأداة قَوْلًا ، كما قد تسمى القصيدة والخطبة ونحوهما قَوْلاً .
الثاني : يقال للمتصور في النفس قبل الإبراز باللفظ : قَوْلٌ ، فيقال : في نفسي قولٌ لم أظهره . قال تعالى : وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا الله « المجادلة : 8 » فجعل ما في اعتقادهم قولاً .
الثالث : للاعتقاد نحو فلان يقول بقول أبي حنيفة .
الرابع : يقال للدلالة على الشئ نحو قول الشاعر :
امتلأ الحوضُ وقَالَ قَطْنِي
الخامس : يقال للعناية الصادقة بالشئ ، كقولك : فلان يَقُولُ بكذا .
السادس : يستعمله المنطقيون دون غيرهم في معنى الحد ، فيقولون : قَوْلُ الجوهر كذا ، وقَوْلُ العرض كذا ، أي حدهما .
السابع : في الإلهام نحو : قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إما أَنْ تُعَذِّبَ « الكهف : 86 » فإن ذلك لم يكن بخطاب ورد عليه فيما روي وذكر ، بل كان ذلك إلهاماً ، فسماه قولاً .
وقيل في قوله : قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ « فصلت : 11 » إن ذلك كان بتسخير من الله تعالى لا بخطاب ظاهر ورد عليهما .
وكذا قوله تعالى : قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً « الأنبياء : 69 »
وقوله : يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ « آل عمران : 167 »
فذكر أفواههم تنبيهاً على أن ذلك كذب مقول لا عن صحة اعتقاد . كما ذكر في الكتابة باليد ، فقال تعالى : فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ الله « البقرة : 79 » وقوله : لَقَدْ حق الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ « يس : 7 » أي علم الله تعالى بهم وكلمته عليهم كما قال تعالى : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ « الأعراف : 137 » وقوله : إن الَّذِينَ حقتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ « يونس : 96 »
وقوله : ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحق الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ « مريم : 34 » فإنما سماه قول الحق تنبيهاً على ما قال : إن مَثَلَ عِيسى عِنْدَ الله « آل عمران : 59 » إلى قوله : ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . وتسميته قولاً كتسميته كلمة في قوله : وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ « النساء : 171 » .
وقوله : إنكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ « الذاريات : 8 » أي لفي أمر من البعث ، فسماه قولاً ، فإن الْمَقُولَ فيه يسمى قولاً ، كما أن المذكور يسمى ذكراً .
وقوله : إنهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ماتُؤْمِنُونَ « الحاقة : 40 » فقد نسب القول إلى الرسول ، وذلك أن القول الصادر إليك عن الرسول يبلغه إليك عن مرسل له ، فيصح أن تنسبه تارة إلى الرسول ، وتارة إلى المرسل ، وكلاهما صحيح .
فإن قيل : فهل يصح على هذا أن ينسب الشعر والخطبة إلى راويهما كما تنسبهما إلى صانعهما ؟
قيل : يصح أن يقال للشعر : هو قَوْلُ الراوي . ولا يصح
--------------------------- 612 ---------------------------
أن يقال هو : شعره وخطبته ، لأن الشعر يقع على القول إذا كان على صورة مخصوصة ، وتلك الصورة ليس للراوي فيها شئ ، والقول هو قول الراوي كما هو قول المروي عنه .
وقوله تعالى : إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إنا لِلَّهِ وَإنا إِلَيْهِ راجِعُونَ « البقرة : 156 » لم يُرِدْ به القول المنطقي فقط ، بل أراد ذلك إذا كان معه اعتقاد وعمل .
ويقال للسان : الْمِقْوَلُ ، ورجل مِقْوَلٌ : منطيق ، وقَوَّالٌ وقَوَّالَةٌ كذلك .
والْقَيْلُ : الملك من ملوك حمير ، سموه بذلك لكونه معتمداً على قوله ومقتدى به ، ولكونه مُتَقَيِّلًا لأبيه ، ويقال : تَقَيَّلَ فلان أباه ، وعلى هذا النحو سموا الملك بعد الملك تُبَّعاً .
وأصله من الواو لقولهم في جمعه : أَقْوَالٌ نحو مَيْت وأموات ، والأصل قَيِّلٌ نحو : مَيْت ، أصله : مَيِّت فخُفِّف . وإذا قيل : أَقْيَالٌ فذلك نحو أعياد ، وتقيَّل أباه نحو : تعبّد .
واقْتَالَ قَوْلاً : قال ما اجتر به إلى نفسه خيراً أو شراً .
ويقال ذلك في معنى احتكم ، قال الشاعر :
تأبى حكومةَ الْمُقْتَالِ
والقالُ والقَالَةُ : ما ينشر من القول . قال الخليل : يوضع القَالُ موضع القَائِلِ فيقال : أنا قَالُ كذا ، أي قَائِلُهُ .
ملاحظات
في كلام الراغب فوائد ونقاط ضعف في تقسيماته وتفسيره للكلمات . وليته استوفى آيات القرآن ، وذكر الذين حق عليهم القول ، وهم أقسام منهم الأمم التي أهلكها الله تعالى فحق عليهم الإهلاك والعذاب : فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا . « الإسراء : 16 » . وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالآنْسِ . « فُصِّلَتْ : 25 » .
ومنهم معاصرون للنبي صلى الله عليه وآله ومن أصحابه ، فحق عليهم القول ومُنعوا من الهداية : لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ . لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ . « يس : 6 » . أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ . « الزمر : 19 » .
ولهم أقسام أخرى ، ولهم إخوانٌ حقت عليهم كلمة الله ، وحقت عليهم الضلالة ، وحق عليهم العقاب والعذاب ، وكلمة العذاب .
كما أن في مادة قَوَلَ بحوثاً عديدة يرتبط بعضها باللغة ، وبعضها بعلم الكلام .
قَيَلَ
قوله تعالى : أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا « الفرقان : 24 » مصدر : قِلْتُ قَيْلُولَةً : نمت نصف النهار ، أو موضع القيلولة . وقد يقال : قِلْتُهُ في البيع قِيلًا وأَقَلْتُهُ . وتَقَايَلَا بعد ما تبايعا .
ملاحظات
خلط الراغب بين قَالَ من القيلولة ، وبين أقال في البيع ، وهما أصلان مستقلان .
قَوَمَ
يقال : قَامَ يَقُومُ قِياماً فهو قَائِمٌ ، وجمعه : قِيامٌ ، وأَقَامَهُ غيره . وأَقَامَ بالمكان إِقَامَةً .
والْقِيَامُ على أضرُب : قيام بالشخص ، إما بتسخير أو اختيار ، وقيام للشئ هو المراعاة للشئ والحفظ له ، وقيام هو على العزم على الشئ . فمن القِيَامِ بالتسخير قوله تعالى : مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ « هود : 100 » وقوله : ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها « الحشر : 5 » .
ومن القِيَامِ الذي هو بالاختيار قوله تعالى : أَمَّنْ هُوَ
--------------------------- 613 ---------------------------
قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً « الزمر : 9 » . وقوله : الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ « آل عمران : 191 » وقوله : الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ « النساء : 34 » وقوله : وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً « الفرقان : 64 » . والقِيَامُ في الآيتين جمع قائم .
ومن المراعاة للشئ قوله : كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ « المائدة : 8 » قائِماً بِالْقِسْطِ « آل عمران : 18 » وقوله : أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كل نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ « الرعد : 33 » أي حافظ لها . وقوله تعالى : لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ « آل عمران : 113 » وقوله : إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً « آل عمران : 75 » أي ثابتاً على طلبه .
ومن القِيَامِ الذي هو العزم قوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ « المائدة : 6 » وقوله : يُقِيمُونَ الصَّلاةَ « المائدة : 55 » أي يديمون فعلها ويحافظون عليها .
والقِيَامُ والقِوَامُ : إسمٌ لما يقوم به الشئ أي يثبت ، كالعماد والسناد لما يعمد ويسند به ، كقوله : وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ الله لَكُمْ قِياماً « النساء : 5 » أي جعلها مما يمسككم .
وقوله : جَعَلَ الله الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ « المائدة : 97 » أي قِوَاماً لهم يقوم به معاشهم ومعادهم . قال الأصم : قائماً لا ينسخ ، وقرئ : قيماً بمعنى قياماً ، وليس قول من قال : جمع قيمة بشئ .
ويقال : قَامَ كذا وثبت ورَكَزَ ، بمعنى . وقوله : وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى « البقرة : 125 » وقَامَ فلان مَقَامَ فلان : إذا ناب عنه . قال : فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحق عَلَيْهِمُ الأوليانِ « المائدة : 107 » .
وقوله : دِيناً قِيَماً « الأنعام : 161 » أي ثابتا مُقَوِّماً لأمور معاشهم ومعادهم وقرئ : قِيَماً مخففاً من قيام .
وقيل هو وصف نحو قومٌ عِدَى ، ومكانٌ سُوَى ، ولحمٌ زِيَم « متفرق ومتعضل » وماءٌ رُوَى .
وعلى هذا قوله تعالى : ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ « يوسف : 40 » وقوله : وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً « الكهف : 1 » وقوله : وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ « البينة : 5 » فَالْقَيِّمَةُ هاهنا اسم للأمة القائمة بالقسط المشار إليهم بقوله : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ « آل عمران : 110 » .
وقوله : كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ « النساء : 135 » يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ « البينة : 2 » فقد أشار بقوله : صُحُفاً مُطَهَّرَةً إلى القرآن ، وبقوله : كُتُبٌ قَيِّمَةٌ إلى ما فيه من معاني كتب الله تعالى ، فإن القرآن مَجمع ثمرة كتب الله تعالى المتقدمة .
وقوله : الله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ « البقرة : 255 » أي القائم الحافظ لكل شئ ، والمعطى له ما به قِوَامُهُ ، وذلك هو المعنى المذكور في قوله : الَّذِي أَعْطى كل شَئ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى « طه : 50 » وفي قوله : أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كل نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ « الرعد : 33 » .
وبناء قَيُّومٍ : فيعول ، وقَيَّامٌ : فيعال نحو : ديُّون وديَّان ، والقِيامَةُ : عبارة عن قيام الساعة المذكور في قوله : وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ « الروم : 12 » يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ « المطففين : 6 » وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً « الكهف : 36 » .
والْقِيَامَةُ : أصلها ما يكون من الإنسان من القيام دُفْعَةً واحدة ، أدخل فيها الهاء تنبيهاً على وقوعها دُفْعَة .
والمَقامُ : يكون مصدراً واسم مكان القيام وزمانه . نحو : إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي « يونس : 71 » ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ « إبراهيم : 14 » وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ « الرحمن : 46 » وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى « البقرة : 125 » فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ « آل عمران : 97 » وقوله : وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ « الدخان : 26 » إن الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ
--------------------------- 614 ---------------------------
« الدخان : 51 » خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا « مريم : 73 » وقال : وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ « الصافات : 164 » .
وقال : أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ « النمل : 39 » قال الأخفش : في قوله قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ : إن المَقَامَ المقعد ، فهذا إن أراد إن المقام والمقعد بالذات شئ واحد ، وإنما يختلفان بنسبته إلى الفاعل كالصعود والحدور ، فصحيح . وإن أراد أن معنى المقام معنى المقعد فذلك بعيد ، فإنه يسمى المكان الواحد مرة مقاماً إذا اعتبر بقيامه ، ومقعداً إذا اعتبر بقعوده .
وقيل : المَقَامَةُ الجماعة ، قال الشاعر :
وفيهمْ مَقَامَاتٌ حِسَانٌ وُجُوهُهُمْ
وإنما ذلك في الحقيقة اسم للمكان وإن جعل إسماً لأصحابه . نحو قول الشاعر :
وَاسْتَبَّ بَعْدَكَ يَا كُلَيْبُ المَجْلِسُ
فسمّى المستبّين المجلس .
والإسْتِقَامَةُ : يقال في الطريق الذي يكون على خط مستو ، وبه شبه طريق المحق . نحو : إهْدِنَا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ « الفاتحة : 6 » وَأن هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً « الأنعام : 153 » إن رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ « هود : 56 » .
واسْتِقَامَةُ الإنسان : لزومه المنهج المستقيم . نحو قوله : إن الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقامُوا « فصلت : 30 » وقال : فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ « هود : 112 » فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ « فصلت : 6 » .
والإقامَةُ في المكان : الثبات . وإِقَامَةُ الشئ : توفية حقه ، وقال : قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَئ حَتَّى تُقِيمُوا التوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ « المائدة : 68 » أي توفون حقوقهما بالعلم والعمل ، وكذلك قوله : وَلَوْ إنهُمْ أَقامُوا التوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ « المائدة : 66 » .
ولم يأمر تعالى بالصلاة حيثما أمر ، ولا مدح بها حيثما مدح إلا بلفظ الإقامة ، تنبيهاً [ على ] أن المقصود منها توفية شرائطها لا الإتيان بهيئاتها نحو : أَقِيمُوا الصَّلاةَ « البقرة : 43 » في غير موضع وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ « النساء : 162 » .
وقوله : وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى « النساء : 142 » فإن هذا من القيام لا من الإقامة . وأما قوله : رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ « إبراهيم : 40 » أي وفقني لتوفية شرائطها ، وقوله : فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ « التوبة : 11 » فقد قيل : عنى به إقامتها بالإقرار بوجوبها لا بأدائها .
والمُقَامُ يقال للمصدر ، والمكان ، والزمان ، والمفعول ، لكن الوارد في القرآن هو المصدر نحو قوله : إنها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً « الفرقان : 66 »
والمُقَامةُ : الإقامة ، قال : الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ « فاطر : 35 » نحو : دارُ الْخُلْدِ « فصلت : 28 » وجَنَّاتِ عَدْنٍ « التوبة : 72 » .
وقوله : لامُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا « الأحزاب : 13 » من قام ، أي لامستقرَّ لكم ، وقد قرئ : لامُقامَ لَكُمْ من أَقَامَ .
ويعبر بالإقامة عن الدوام نحو : عَذابٌ مُقِيمٌ « هود : 39 » وقرئ : إن الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ « الدخان : 51 » أي في مكان تدوم إقامتهم فيه ، وتَقْوِيمُ الشئ : تثقيفه ، قال : لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ « التين : 4 » وذلك إشارة إلى ما خص به الإنسان من بين الحيوان من العقل والفهم وانتصاب القامة الدالة على استيلائه على كل ما في هذا العالم . وتَقْوِيمُ السّلعة : بيان قيمتها .
والقَوْمُ : جماعة الرجال في الأصل دون النساء ولذلك قال : لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ الآية « الحجرات : 11 » قال الشاعر :
أقومٌ آلُ حِصْنٍ أمْ نِسَاءُ
وفي عامة القرآن أريدوا به والنساء جميعاً ، وحقيقته للرجال لما نبه عليه قوله : الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ . الآية . « النساء : 34 » .
--------------------------- 615 ---------------------------
قَوِيَ
القُوَّةُ تستعمل تارةً في معنى القدرة ، نحو قوله تعالى : خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ « البقرة : 63 » .
وتارةً للتهيُّؤ الموجود في الشئ ، نحو أن يقال : النوى بالْقُوَّةِ نخل ، أي متهئٌ ومترشحٌ أن يكون منه ذلك .
ويستعمل ذلك في البدن تارة ، وفي القلب أخرى ، وفي المعاون من خارج تارة ، وفي القدرة الإلهية تارة .
ففي البدن نحو قوله : وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً « فصلت : 15 » فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ « الكهف : 95 » فالقوة هاهنا قوة البدن بدلالة أنه رغب عن القوة الخارجة فقال : ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبي خَيْرٌ « الكهف : 95 » .
وفي القلب نحو قوله : يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ « مريم : 12 » أي بقوّة قلب . وفي المعاون من خارج نحو قوله : لَوْأن لِي بِكُمْ قُوَّةً « هود : 80 » قيل : معناه : من أَتَقَوَّى به من الجند ، وما أتقوى به من المال ، ونحو قوله : قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ « النمل : 33 » .
وفي القدرة الإلهية نحو قوله : إن الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ « المجادلة : 21 » وَكانَ الله قَوِيًّا عَزِيزاً « الأحزاب : 25 » وقوله : إن الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ « الذاريات : 58 » فعامٌّ فيما اختص الله تعالى به من القدرة وما جعله للخلق .
وقوله : وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ « هود : 52 » فقد ضمن تعالى أن يعطي كل واحد منهم من أنواع الْقُوَى قدر ما يستحقه .
وقوله : ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ « التكوير : 20 » يعني به جبريل عليه السلام ووصفه بالقوة عند ذي العرش ، وأفرد اللفظ ونَكَّرَهُ فقال : ذِي قُوَّةٍ تنبيهاً [ على ] أنه إذا اعتبر بالملإ الأعلى فقوته إلى حد ما . وقوله فيه : عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى « النجم : 5 » فإنه وصف القوة بلفظ الجمع ، وعرفها تعريف الجنس تنبيهاً [ على ] أنه إذا اعتبر بهذا العالم ، وبالذين يعلمهم ويفيدهم هو كثير القوى عظيم القدرة .
والْقُوَّةُ التي تستعمل للتهيّؤ ، أكثر من يستعملها الفلاسفة ، ويقولونها على وجهين ، أحدهما : أن يقال لما كان موجوداً ولكن ليس يستعمل ، فيقال : فلان كاتب بالقوة ، أي معه المعرفة بالكتابة لكنه ليس يستعمل .
والثاني : يقال فلان كاتب بالقوة ، وليس يعني به إن معه العلم بالكتابة ، ولكن معناه يمكنه أن يتعلم الكتابة .
وسميت المفازة قِوَاءً . وأَقْوَى الرجل : صار في قِوَاءٍ ، أي قفر . وتُصُوِّرَ من حال الحاصل في القفر الفقر ، فقيل : أَقْوَى فلان ، أي افتقر ، كقولهم : أَرْمَلَ وأتْرب . قال الله تعالى : وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ « الواقعة : 73 » .
تمّ كتاب القاف
--------------------------- 616 ---------------------------
كتاب الكاف وما يتصل بها
كَبَّ
الْكَبُّ : إسقاط الشئ على وجهه . قال عز وجل : فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ « النمل : 90 » . والإِكْبَابُ : جعل وجهه مَكْبُوباً على العمل ، قال تعالى : أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى « الملك : 22 » .
والكَبْكَبَةُ : تدهور الشئ في هُوَّة ، قال : فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ « الشعراء : 94 » . يقال كَبَّ وكَبْكَبَ ، نحو كفَّ وكفكف ، وصرَّ الريحُ وصرصر .
والكَوَاكِبُ : النجوم البادية ، ولا يقال لها كواكب إلا إذا بدت . قال تعالى : فَلما جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً « الأنعام : 76 » وقال : كَأنها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ « النور : 35 » إنا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ « الصافات : 6 » وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ « الانفطار : 2 » .
ويقال : ذهبوا تحت كل كوكب ، إذا تفرقوا .
وكَوْكَبُ العسكرِ : ما يلمع فيها من الحديد .
ملاحظات
قَيَّدَ الراغب الكبَّ بالسقوط ، وليس شرطاً . وقيد الكوكب بالمشاهد ، وليس شرطاً .
وفسره الخليل بصرع الشئ لوجهه « 5 / 342 » وابن منظور بصرع الشئ « 2 / 76 » وابن فارس « 5 / 152 » والجوهري « 1 / 622 » بالإذلال والصرف عن الشئ .
وكلها أدق من تعريف الراغب .
[ كَبَتَ ] الْكَبْتُ : الرد بعنف وتذليل . قال تعالى : كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ « المجادلة : 5 » وقال : لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ . « آل عمران : 127 » .
ملاحظات
الكبتٌ : يعني أن تمنع العدو والخصم من تحقيق
--------------------------- 617 ---------------------------
غيظه وغرضه ، فكأنك أصبته في كبده فكبدته .
قال ابن منظور « 2 / 76 » : « وفي التنزيل العزيز : كُبِتُوا كما كُبِتَ الذين من قبلهم . وفيه : أَو يَكْبِتَهُمْ فيَنْقَلِبُوا خائبين . أَصلُ الكَبْتِ الكَبْدُ ، فقلبت الدال تاء ، أُخذ من الكَبِدِ وهو معدن الغيظ والأحقاد .
كَبَدَ
الْكَبِدُ : معروفة ، والْكَبَدُ والْكُبَادُ : توجعها ، والْكَبْدُ : إصابتها ، ويقال : كَبِدْتُ الرجل : إذا أصبتَ كَبِدَه ُ ، وكَبِدُ السماء : وسطها تشبيهاً بكبد الإنسان لكونها في وسط البدن . وقيل : تَكَبَّدَتِ الشمس : صارت في كبد السماء .
والْكَبَدُ : المشقة ، قال تعالى : لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ « البلد : 4 » تنبيهاً [ على ] أن الإنسان خلقه الله تعالى على حالة لا ينفك من المشاق ما لم يقتحم العقبة ويستقر به القرار ، كما قال : لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ « الانشقاق : 19 » .
كَبُرَ
الْكَبِيرُ والصغير : من الأسماء المتضايفة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض ، فالشئ قد يكون صغيراً في جنب شئ ، وكبيراً في جنب غيره . ويستعملان في الكمية المتصلة كالأجسام ، وذلك كالكثير والقليل ، وفي الكمية المنفصلة كالعدد ، وربما يتعاقب الكثير والكبير على شئ واحد بنظرين مختلفين نحو : قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ « البقرة : 219 » وكثير . قرئ بهما .
وأصل ذلك أن يستعمل في الأعيان ، ثم استعير للمعاني نحو قوله : لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلاكَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها « الكهف : 49 » وقوله : وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ « سبأ : 3 »
وقوله : يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ « التوبة : 3 » إنما وصفه بالأكبر تنبيهاً [ على ] أن العمرة هي الحجة الصغرى كما قال عليه السلام : العمرة هي الحج الأصغر .
فمن ذلك ما اعتبر فيه الزمان فيقال : فلان كَبِيرٌ ، أي مسن ، نحو قوله : إما يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما « الإسراء : 23 » وقال : وَأَصابَهُ الْكِبَرُ « البقرة : 266 » وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ « آل عمران : 40 » .
ومنه ما اعتبر فيه المنزلة والرفعة نحو : قُلْ أَيُّ شَئ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ الله شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ « الأنعام : 19 » ونحو : الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ « الرعد : 9 » .
وقوله : فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ « الأنبياء : 58 » فسماه كبيراً بحسب اعتقادهم فيه لا لقدر ورفعة له على الحقيقة ، وعلى ذلك قوله : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا « الأنبياء : 63 » وقوله : وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كل قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها « الأنعام : 123 » أي رؤساءها . وقوله : إنهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ « طه : 71 » أي رئيسكم .
ومن هذا النحو يقال : ورثه كَابِراً عن كابر ، أي أباً كبير القدر عن أب مثله .
والْكَبِيرَةُ : متعارفة في كل ذنب تعظم عقوبته والجمع الْكَبَائِرُ ، قال : الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ « النجم : 32 » وقال : إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ « النساء : 31 » قيل : أريد به الشرك لقوله : إن الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ « لقمان : 13 » وقيل : هي الشرك وسائر المعاصي الموبقة كالزنا وقتل النفس المحرمة ، ولذلك قال : إن قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً « الإسراء : 31 » وقال : قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما « البقرة : 219 » .
وتستعمل الكبيرة فيما يشقُّ ويصعب ، نحو : وَإنها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ « البقرة : 45 » وقال : كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ « الشورى : 13 » وقال : وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ « الأنعام : 35 » وقوله : كَبُرَتْ كَلِمَةً « الكهف : 5 » ففيه تنبيهٌ على عظم ذلك من بين الذنوب وعظم عقوبته ،
--------------------------- 618 ---------------------------
ولذلك قال : كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ الله « الصف : 3 » .
وقوله : وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ « النور : 11 » إشارة إلى من أوقع حديث الإفك . وتنبيهاً [ على ] أن كل من سن سنة قبيحة يصير مقتدى به ، فذنبه أكبر .
وقوله : إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ « غافر : 56 » أي تكبر . وقيل : أمر كَبِيرٌ من السن ، كقوله : وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ « النور : 11 » .
والْكِبْرُ والتكَبُّرُ والِاسْتِكْبَارُ : تتقارب ، فالكبر الحالة التي يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه ، وذلك أن يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره . وأعظم التكبُّر التكبر على الله بالامتناع من قبول الحق والإذعان له بالعبادة .
والإسْتِكْبارُ : يقال على وجهين ، أحدهما : أن يتحرى الإنسان ويطلب أن يصير كبيراً ، وذلك متى كان على ما يجب ، وفي المكان الذي يجب ، وفي الوقت الذي يجب ، فمحمود .
والثاني : أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له ، وهذا هو المذموم ، وعلى هذا ما ورد في القرآن وهو ما قال تعالى : أَبى وَاسْتَكْبَرَ « البقرة : 34 » وقال تعالى : أَفَكلما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ « البقرة : 87 » وقال : وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً « نوح : 7 » اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ « فاطر : 43 » فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ « فصلت : 15 » تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ « الأحقاف : 20 » وقال : إن الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ « الأعراف : 40 » قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ « الأعراف : 48 » .
وقوله : فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا « غافر : 47 » قابل المستكبرين بالضعفاء تنبيهاً [ على ] أن استكبارهم كان بما لهم من القوة من البدن والمال . وقال تعالى : قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا « الأعراف : 75 » فقابل المستكبرين بالمستضعفين فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ « الأعراف : 133 » نبه بقوله : فَاسْتَكْبَرُوا على تكبرهم وإعجابهم بأنفسهم وتعظمهم عن الإصغاء إليه .
ونبه بقوله : وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ « الأعراف : 133 » [ على ] أن الذي حملهم على ذلك هو ما تقدم من جرمهم ، وإن ذلك لم يكن شيئاً حدث منهم بل كان ذلك دأبهم قبل . وقال تعالى : فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ « النحل : 22 » وقال بعده : إنهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ « النحل : 23 » .
والتكَبُّرُ : يقال على وجهين ، أحدهما : أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدة على محاسن غيره ، وعلى هذا وصف الله تعالى بالتكبر . قال : الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ « الحشر : 23 » . والثاني : أن يكون متكلفاً لذلك متشبعاً ، وذلك في وصف عامة الناس نحو قوله : فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ « الزمر : 72 » وقوله : كَذلِكَ يَطْبَعُ الله عَلى كل قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ « غافر : 35 » ومن وصف بالتكبر على الوجه الأول فمحمود ، ومن وصف به على الوجه الثاني فمذموم ، ويدل على أنه قد يصح أن يوصف الإنسان بذلك ولا يكون مذموماً ، وقوله : سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحق « الأعراف : 146 » فجعل متكبرين بغير الحق ، وقال : عَلى كل قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ « غافر : 35 » بإضافة القلب إلى المتكبر . ومن قرأ : بالتنوين جعل المتكبر صفة للقلب .
والْكِبْريَاءُ : الترفع عن الانقياد ، وذلك لا يستحقه غير الله ، فقال : وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « الجاثية : 37 » ولما قلنا روي عنه صلى الله عليه وآله يقول عن الله تعالى : الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ، فمن نازعني في واحد منهما قصمته . وقال تعالى : قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ « يونس : 87 » .
وأكْبَرْتُ الشئ : رأيته كَبِيراً . قال تعالى : فَلما رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ « يوسف : 31 » .
--------------------------- 619 ---------------------------
والتكْبِيرُ : يقال لذلك ، ولتعظيم الله تعالى بقولهم : الله أَكْبَرُ ، ولعبادته واستشعار تعظيمه ، وعلى ذلك : وَلِتُكَبِّرُوا الله عَلى ما هَداكُمْ « البقرة : 185 » وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً « الإسراء : 111 » وقوله : لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ « غافر : 57 » فهي إشارة إلى ما خصهما الله تعالى به من عجائب صنعه ، وحكمته التي لا يعلمها إلا قليل ممن وصفهم بقوله : وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « آل عمران : 191 » فأما عظم جثتهما فأكثرهم يعلمونه .
وقوله : يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى « الدخان : 16 » فتنبيه [ على ] أن كل ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك في الدنيا وفي البرزخ صغير في جنب عذاب ذلك اليوم . والْكُبَارُ : أبلغ من الْكَبِيرُ . والْكُبَّارُ : أبلغ من ذلك . قال تعالى : وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً « نوح : 22 » .
كَتَبَ
الْكَتْبُ : ضمُّ أديم إلى أديم بالخياطة ، يقال : كَتَبْتُ السقاء ، وكَتَبْتُ البَغْلةَ : جمعت بين شفريها بحلقة . وفي التعارف ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط ، وقد يقال ذلك للمضموم بعضها إلى بعض باللفظ .
فالأصل في الْكِتَابَةِ : النظم بالخط لكن يستعار كل واحد للآخر ، ولهذا سمي كلام الله وإن لم يُكْتَبْ كِتَاباً كقوله : ألم ذلِكَ الْكِتابُ « البقرة : 1 » وقوله : قالَ إني عَبْدُ الله آتانِيَ الْكِتابَ « مريم : 30 » .
والكِتاب : في الأصل مصدر ، ثم سمي المكتوب فيه كتاباً .
والْكِتَابُ : في الأصل اسم للصحيفة مع المكتوب فيه ، وفي قوله : يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ « النساء : 153 » فإنه يعني صحيفة فيها كِتَابَةٌ ، ولهذا قال : وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ . الآية . « الأنعام : 7 » .
ويعبر عن الإثبات والتقدير والإيجاب والفرض والعزم ، بِالْكِتَابَةِ ، ووجه ذلك أن الشئ يراد ، ثم يقال ، ثم يُكْتَبُ . فالإرادة مبدأ والكِتَابَةُ منتهى . ثم يعبر عن المراد الذي هو المبدأ إذا أريد توكيده بالكتابة التي هي المنتهى ، قال : كَتَبَ الله لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي « المجادلة : 21 » وقال تعالى : قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ الله لَنا « التوبة : 51 » لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ « آل عمران : 154 » .
وقال : وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ الله « الأنفال : 75 » أي في حكمه .
وقوله : وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها إن النَّفْسَ بِالنَّفْسِ « المائدة : 45 » أي أوجبنا وفرضنا . وكذلك قوله : كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ « البقرة : 180 » .
وقوله : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ « البقرة : 183 » لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ « النساء : 77 » ماكَتَبْناها عَلَيْهِمْ « الحديد : 27 » لَوْلا أَنْ كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ « الحشر : 3 » أي لولا أن أوجب الله عليهم الإخلاء لديارهم .
ويُعَبَّر بالكتابة عن القضاء الممضى ، وما يصير في حكم الممضى ، وعلى هذا حمل قوله : بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ « الزخرف : 80 » قيل ذلك مثل قوله : يَمْحُوا الله ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ « الرعد : 39 » وقوله : أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ « المجادلة : 22 » فإشارة منه إلى أنهم بخلاف من وصفهم بقوله : وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا « الكهف : 28 » لأن معنى أغفلنا من قولهم : أغفلت الكتاب : إذا جعلته خالياً من الكتابة ومن الإعجام .
وقوله : فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإنا لَهُ كاتِبُونَ « الأنبياء : 94 » فإشارة إلى أن ذلك مثبتٌ له ومجازىً به . وقوله : فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ « آل عمران : 53 » أي اجعلنا في زمرتهم إشارة إلى قوله : فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ . . الآية « النساء : 69 » .
--------------------------- 620 ---------------------------
وقوله : مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها « الكهف : 49 » فقيل إشارة إلى ما أثبت فيه أعمال العباد .
وقوله : إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها « الحديد : 22 » قيل : إشارة إلى اللوح المحفوظ ، وكذا قوله : إن ذلِكَ فِي كِتابٍ إن ذلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ « الحج : 70 » .
وقوله : وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ « الأنعام : 59 » فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً « الإسراء : 58 » لَوْلا كِتابٌ مِنَ الله سَبَقَ « الأنفال : 68 » يعني به ما قدره من الحكمة ، وذلك إشارة إلى قوله : كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ « الأنعام : 54 » وقيل : إشارة إلى قوله : وَما كانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ « الأنفال : 33 » .
وقوله : لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ الله لَنا « التوبة : 51 » يعني ما قدره وقضاه ، وذكر لنا ولم يقل علينا تنبيهاً [ على ] أن كل ما يصيبنا نعده نعمةً لنا ، ولا نعده نقمةً علينا .
وقوله : ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ الله لَكُمْ « المائدة : 21 »
قيل : معنى ذلك وهبها الله لكم ، ثم حرمها عليكم بامتناعكم من دخولها وقبولها ، وقيل : كتب لكم بشرط أن تدخلوها ، وقيل أوجبها عليكم ، وإنما قال لكم ولم يقل عليكم لأن دخولهم إياها يعود عليهم بنفع عاجل وآجل ، فيكون ذلك لهم لا عليهم ، وذلك كقولك لمن يرى تأذياً بشئ لا يعرف نفع مآله : هذا الكلام لك لا عليك ، وقوله : وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيا « التوبة : 40 » جعل حكمهم وتقديرهم ساقطاً مضمحلّاً ، وحكم الله عالياً لا دافع له ولا مانع .
وقال تعالى : وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ الله إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ « الروم : 56 » أي في علمه وإيجابه وحكمه .
وعلى ذلك قوله : لِكل أَجَلٍ كِتابٌ « الرعد : 38 » وقوله : إن عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ الله اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ الله « التوبة : 36 » أي في حكمه .
ويعبر بالكِتَابِ عن الحجة الثابتة من جهة الله نحو : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ « الحج : 8 » أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ « الزخرف : 21 » فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ « الصافات : 157 » أُوتُوا الْكِتابَ « البقرة : 144 » ، كِتابَ الله « النساء : 24 » أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً « فاطر : 40 » فَهُمْ يَكْتُبُونَ « الطور : 41 » فذلك إشارة إلى العلم والتحقق والاعتقاد .
وقوله : وَابْتَغُوا ما كَتَبَ الله لَكُمْ « البقرة : 187 » إشارة في تحري النكاح إلى لطيفة وهي أن الله جعل لنا شهوة النكاح لنتحرى طلب النسل الذي يكون سبباً لبقاء نوع الإنسان إلى غاية قدرها ، فيجب للإنسان أن يتحرى بالنكاح ما جعل الله له على حسب مقتضى العقل والديانة ومن تحرى بالنكاح حفظ النسل وحصانة النفس على الوجه المشروع فقد ابتغى ما كتب الله له ، وإلى هذا أشار من قال : عنى بما كتب الله لكم الولد ، ويعبر عن الإيجاد بالكتابة ، وعن الإزالة والإفناء بالمحو ، قال : لِكل أَجَلٍ كِتابٌ « الرعد : 38 » يَمْحُوا الله ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ « الرعد : 39 » نبه [ على ] أن لكل وقت إيجاداً وهو يوجد ما تقتضي الحكمة إيجاده ، ويزيل ما تقتضي الحكمة إزالته . ودل قوله : لِكل أَجَلٍ كِتابٌ « الرعد : 38 » على نحو ما دل عليه قوله : كل يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ « الرحمن : 29 » وقوله : وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ « الرعد : 39 » .
وقوله : وَإن مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ « آل عمران : 78 » فَالْكِتَابُ الأول : ما كتبوه بأيديهم المذكور في قوله : فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ « البقرة : 79 » والْكِتَابُ الثاني : التوراة ، والثالث : لجنس كتب الله أي ما هو من شئ من كتب الله سبحانه وتعالى وكلامه . وقوله : وَإِذْ آتَيْنا
--------------------------- 621 ---------------------------
مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ « البقرة : 53 » فقد قيل : هما عبارتان عن التوراة ، وتسميتها كتاباً اعتباراً بما أثبت فيها من الأحكام ، وتسميتها فرقاناً اعتباراً بما فيها من الفرق بين الحق والباطل .
وقوله : وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ الله كِتاباً مُؤَجَّلًا « آل عمران : 145 » أي حكماً . لَوْلا كِتابٌ مِنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ « الأنفال : 68 » وقوله : إن عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ الله اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ الله « التوبة : 36 » كل ذلك حكم منه .
وأما قوله : فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ « البقرة : 79 » فتنبيهٌ [ على ] أنهم يختلقونه ويفتعلونه ، وكما نسب الكتاب المختلق إلى أيديهم نسب المقال المختلق إلى أفواههم ، فقال : ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ « التوبة : 30 » .
والاكْتِتَابُ : متعارفٌ في المختلق نحو قوله : أَساطِيرُ الأولينَ اكْتَتَبَها « الفرقان : 5 » .
وحيثما ذكر الله تعالى أهل الكتاب فإنما أراد بالكتاب التوراة والإنجيل ، أو إياهما جميعاً ، وقوله : وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى إلى قوله : وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ « يونس : 37 » فإنما أراد بالكتاب هاهنا ما تقدم من كتب الله دون القرآن ، ألا ترى أنه جعل القرآن مصدقاً له .
وقوله : وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا « الأنعام : 114 » فمنهم من قال : هو القرآن ، ومنهم من قال : هو القرآن وغيره من الحجج والعلم والعقل . وكذلك قوله : فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ « العنكبوت : 47 » وقوله : قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ « النمل : 40 » فقد قيل : أريد به علم الكتاب ، وقيل علم من العلوم التي آتاها الله سليمان في كتابه المخصوص به ، وبه سخر له كل شئ .
وقوله : وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كلهِ « آل عمران : 119 » أي بِالْكُتُبِ المنزلة ، فوضع ذلك موضع الجمع إما لكونه جنساً كقولك : كثر الدرهم في أيدي الناس ، أو لكونه في الأصل مصدراً نحو عدل ، وذلك كقوله : يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ « البقرة : 4 » وقيل : يعني إنهم ليسوا كمن قيل فيهم : وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ « النساء : 150 » .
وكِتابَةُ العَبْدِ : ابتياع نفسه من سيده بما يؤديه من كسبه ، قال : وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ . « النور : 33 » واشتقاقها يصح أن يكون من الكتابة التي هي الإيجاب ، وأن يكون من الكَتْب الذي هو النظم ، والإنسان يفعل ذلك .
ملاحظات
أجاد الراغب في تفسير جملة من مفردات كَتَبَ ، وهي تعطي تصوراً عن استعمال الكتابة وفروعها في القرآن . وفي تفسيره لبعضها إشكال .
وفسر الكتْب بضم أديم إلى أديم بالخياطة ، بينما قال الخليل « 5 / 341 » : « الكَتْبُ : خَرْزُ الشئ بِسِيرٍ . والكُتْبَة : الخَرَزَة التي ضَمَّ السيرُ كلا وجهيها » .
وقال ابن فارس « 5 / 158 » : « أصل صحيح واحد يدل على جمع شئ إلى شئ . من ذلك الكتاب والكتابة » .
والمرجح أن الكتابة أصلٌ مستقلٌّ بمعناها المعروف ، كما قال الجوهري « 1 / 208 » ولم يستعيروها من كَتْب الخرَز ، لأنها كانت معروفة عند الشعوب والعرب . بل يصح القول إن كتب الخرز مأخوذ منها .
كَتَمَ
الْكِتْمَانُ : ستر الحديث « أوالشئ » يقال : كَتَمْتُهُ كَتْماً وكِتْمَاناً . قال تعالى : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ الله « البقرة : 140 » وقال : وَإن فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ « البقرة : 146 » وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ « البقرة : 283 » وَتَكْتُمُونَ الْحق وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ « آل عمران : 71 »
--------------------------- 622 ---------------------------
وقوله : الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ « النساء : 37 » فَكِتْمَانُ الفضل : هو كفران النعمة ، ولذلك قال بعده : وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً « النساء : 37 »
وقوله : وَلا يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً « النساء : 42 » قال ابن عباس : إن المشركين إذا رأوا أهل القيامة لا يدخل الجنة إلا من لم يكن مشركاً ، قالوا : والله رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ « الأنعام : 23 » فتشهد عليهم جوارحهم ، فحينئذ يودُّون أن لم يكتموا الله حديثاً . وقال الحسن : في الآخرة مواقف في بعضها يكتمون ، وفي بعضها لا يكتمون ، وعن بعضهم : لا يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً « النساء : 42 » هو أن تنطق جوارحهم .
كَثَبَ
قال تعالى : وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا « المزمل : 14 » أي رملاً متراكماً وجمعه : أَكْثِبَةٌ وكُثُبٌ وكُثْبَانٌ .
والْكَثِيبَةُ : القليل من اللبن ، والقطعة من التمر ، سميت بذلك لاجتماعها . وكَثَبَ : إذا اجتمع . والْكَاثِبُ : الجامع . والتكْثِيبُ : الصيد إذا أمكن من نفسه . والعرب تقول : أَكْثَبَكَ الصيدُ فارمه وهو من الْكَثْبِ أي القُرْبِ .
كَثُرَ
قد تقدم أن الْكَثْرَةَ والقلة يستعملان في الكمية المنفصلة كالأعداد . قال تعالى : وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً « المائدة : 64 » وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحق كارِهُونَ « المؤمنون : 70 » بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحق « الأنبياء : 24 » قال : كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً « البقرة : 249 » وقال : وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً « النساء : 1 » وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ « البقرة : 109 » إلى آيات كثيرة ، وقوله : بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ « ص : 51 » فإنه جعلها كثيرة اعتباراً بمطاعم الدنيا .
وليست الْكَثْرَةُ إشارة إلى العدد فقط ، بل إلى الفضل . ويقال : عدد كَثِيرٌ وكُثَارٌ .
وكَاثِرٌ : زائد ، ورجل كَاثِرٌ : إذا كان كَثِيرَ المال ، قال الشاعر : ولَسْتَ بالأكثرِ منهمْ حَصًى * وإنما العِزَّةُ للكاثرِ
والمُكَاثَرَةُ والتكَاثُرُ : التباري في كثرة المال والعز . قال تعالى : أَلْهاكُمُ التكاثُرُ « التكاثر : 1 » . وفلان مَكْثُورٌ ، أي مغلوب في الكثرة ، والمِكْثَارُ متعارف في كثرة الكلام .
والكَثَرُ : الجمار الكثير وقد حكي بتسكين الثاء وروي : لا قطع في ثمر ولا كَثْرٍ .
وقوله : إنا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ، قيل : هو نهر في الجنة يتشعب عنه الأنهار ، وقيل : بل هو الخير العظيم الذي أعطاه النبيَّ صلى الله عليه وآله . وقد يقال للرجل السخي : كَوْثَرٌ ، ويقال : تَكَوْثَرَ الشئ : كَثُرَ كَثْرَةً متناهية ، قال الشاعر :
وقد ثارَ نقعُ الموت حتى تَكَوْثَرا
ملاحظات
الكوثر : كثرة ذرية النبي صلى الله عليه وآله بمفهوم سورة الكوثر لأنه مقابل الأبتر . وهو مضافاً إلى ذلك حوض الكوثر في المحشر ، ونهر الكوثر في الجنة .
كَدَحَ
الكَدْحُ : السعي والعناء . قال تعالى : إنكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً « الانشقاق : 6 » . وقد يستعمل استعمال الكدم في الأسنان . قال الخليل : الكَدْحُ دون الكدم .
ملاحظات
أنقص الراغب من معنى الكدح العناء والشدة ، وهما من أصل معناه . قال الخليل « 3 / 59 » : « الكدح : عمل الإنسان من الخير والشر . وقوله تعالى : إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا ، أي ناصب ، وكَدْحاً : أي نَصَباً . والكدح : دون الكدم بالأسنان . والكدح : بالحجر والحافر » .
ومعنى كلامه الأخير أن الكدح يستعمل لقضم الشئ
--------------------------- 623 ---------------------------
بطرف الأسنان ، كما يكدم الحمار . ويقال كدحه بحجر ، وكدح الحمارُ بحافره . ولا علاقة لها بالكدح في الآية .
كَدَرَ
الكَدَرُ : ضد الصفاء ، يقال : عيش كَدِرٌ . والكُدْرَةُ في اللون خاصة ، والْكُدُورَةُ في الماء وفي العيش .
والِانْكِدَارُ : تغيُّرٌ من انتثار الشئ . قال تعالى : وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ « التكوير : 2 » وانْكَدَرَ القوم على كذا : إذا قصدوا متناثرين عليه .
ملاحظات
أضاف الراغب الإنتثار إلى معنى الإنكدار ، وقد أخذه من قوله تعالى : وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ . فتخيل علاقةً بين انتثرت وانكدرت ! وقد نص اللغويون على أن الإنكدار هنا الكدورة في اللون . راجع : الخليل « 5 / 325 » والجوهري « 2 / 803 » وابن فارس « 5 / 164 » .
كَدَيَ
الكُدْيَةُ : صلابة في الأرض . يقال : حفر فَأَكْدَى : إذا وصل إلى كُدْيَةٍ ، واستعير ذلك للطالب المخفق ، والمعطي المقل . قال تعالى : أَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى « النجم : 34 » .
كَذِبَ
قد تقدم القول في الكذب مع الصدق ، وأنه يقال في المقال والفعال ، قال تعالى : إنما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ « النحل : 105 » وقوله : والله يَشْهَدُ إن الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ « المنافقون : 1 » وقد تقدم أنه كذبهم في اعتقادهم لا في مقالهم ، ومقالهم كان صدقاً ، وقوله : لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ « الواقعة : 2 » فقد نُسِبَ الكَذِبُ إلى نفس الفعل ، كقولهم : فعلة صادقة وفعلة كاذبة .
قوله : ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ « العلق : 16 » يقال : رجل كَذَّابٌ وكَذُوبٌ وكُذُبْذُبٌ وكَيْذَبَانُ . كل ذلك للمبالغة .
ويقال : لا مَكْذُوبَةً ، أي لا أكذبك ، وكذبتك حديثاً . قال تعالى : الَّذِينَ كَذَبُوا الله وَرَسُولَهُ « التوبة : 90 »
ويتعدى إلى مفعولين نحو : صدق في قوله : لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحق « الفتح : 27 » . يقال : كَذَبَهُ كذباً وكِذَّاباً . وأَكْذَبْتُهُ : وجدته كاذباً . وكَذّبْتُه : نسبته إلى الكذب صادقاً كان أو كاذباً .
وما جاء في القرآن ففي تَكْذِيبِ الصادق نحو : كَذَّبُوا بِآياتِنا « آل عمران : 11 » رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ « المؤمنون : 26 » بَلْ كَذَّبُوا بِالْحق « ق : 5 » كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا « القمر : 9 » كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ « الحاقة : 4 » وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ « الحج : 42 » وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ « فاطر : 25 » وقال : فَإنهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ « الأنعام : 33 » قرئ بالتخفيف والتشديد ، ومعناه : لا يجدونك كاذباً ، ولا يستطيعون أن يثبتوا كذبك .
وقوله : حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أنهُمْ قَدْ كُذِبُوا « يوسف : 110 » أي علموا أنهم تلقوا من جهة الذين أرسلوا إليهم بالكذب ، فكُذِبُوا نحو : فُسِّقُوا وُزنُّوْا وخُطِّؤُوا : إذا نسبوا إلى شئ من ذلك ، وذلك قوله : فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ « فاطر : 4 » وقوله : فَكَذَّبُوا رُسُلِي « سبأ : 45 » وقوله : إِنْ كل إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ « ص : 14 » .
وقرئ كُذِبُوا بالتخفيف من قولهم : كَذَبْتُكَ حديثاً ، أي ظن المرسل إليهم أن المرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به أنهم إن لم يؤمنوا بهم نزل بهم العذاب ، وإنما ظنوا ذلك من إمهال الله تعالى إياهم وإملائه لهم . وقوله : لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً « عمّ : 35 » الْكِذَّابُ : التكذيب ، والمعنى : لا يُكَذِّبُونَ فَيُكَذِّبُ بعضهم بعضاً ، ونفي التكذيب عن الجنة يقتضي نفي الكذب عنها .
وقرئ : كُذَاباً من المُكَاذَبَة ، أي لايَتَكَاذَبُونَ تَكَاذُبَ الناس في الدنيا ، يقال : حمل فلان على قرنه ، فكذب ، كما يقال في ضده :
--------------------------- 624 ---------------------------
صِدق . وكَذَبَ لبنُ الناقة : إذا ظن أن يدوم مدة فلم يدم .
وقولهم : كَذَبَ عليك الحجُّ . قيل : معناه وجب فعليك به ، وحقيقته أنه في حكم الغائب البطئ وقته ، كقولك : قد فات الحج فبادر ، أي كاد يفوت .
وكَذَبَ عليك العسلَ : بالنصب ، أي عليك بالعسل ، وذلك إغراء ، وقيل : العسل هاهنا العسلان ، وهو ضرب من العَدْو . والْكَذَّابَةُ : ثَوْبٌ يُنْقَشُ بلونِ صِبْغٍ كأنه مُوَشَّى ، وذلك لأنه يُكَذِّبُ بحاله .
كَرَّ
الْكَرُّ : العطف على الشئ بالذات أو بالفعل ، ويقال للحبل المفتول : كَرٌّ ، وهو في الأصل مصدر وصار إسماً وجمعه : كُرُورٌ .
قال تعالى : ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ « الإسراء : 6 » فَلَوْأن لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ « الشعراء : 102 » وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أن لَنا كَرَّةً « البقرة : 167 » لَوْ إن لِي كَرَّةً « الزمر : 58 » .
والْكِرْكِرَةُ : رحى زَوْرِ البعير ، ويعبر بها عن الجماعة المجتمعة . والْكَرْكَرَةُ : تصريف الريح السحابَ ، وذلك مُكَرَّرٌ من كَرَّ .
كَرَبَ
الكَرْبُ : الغمُّ الشديد . قال تعالى : فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ « الأنبياء : 76 » .
والكُرْبَةُ : كالغمة ، وأصل ذلك من : كَرْبِ الأرض ، وهو قَلْبُها بالحفر ، فالغمُّ يثير النفس إثارة ذلك .
وقيل في مَثَلٍ : الكِرَابُ على البقر ، وليس ذلك من قولهم : الكِلابُ على البقر في شئ .
ويصح أن يكون الكَرْبُ من : كَرَبَتِ الشمس إذا دنت للمغيب .
وقولهم : إناء كَرْبَانُ أي قريب نحو قَرْبانَ ، أي قريب من الملء أو من الكَرَبِ وهو عقد غليظ في رشا الدلو . وقد يوصف الغم بأنه عقدة على القلب . يقال : أَكْرَبْتُ الدلوَ .
كَرَسَ
الكُرْسِيُّ : في تعارف العامة : إسمٌ لما يقعد عليه . قال تعالى : وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ « ص : 34 » وهو في الأصل منسوب إلى الْكِرْسِ ، أي المتلبد ، أي المجتمع . ومنه : الْكُرَّاسَةُ لِلْمُتَكَرِّسِ من الأوراق ، وكَرَسْتُ البناءَ فَتَكَرَّسَ ، قال العجاج :
يا صاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْماً مُكْرَسَا
قال نَعَمْ أعرفُهُ وَأبْلَسَا
والكِرْسُ : أصل الشئ ، يقال : هو قديم الكِرْسِ . وكل مجتمع من الشئ كِرْسٌ ، والْكَرُّوسُ : المتركب بعض أجزاء رأسه إلى بعضه لكبره .
وقوله عز وجل : وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ « البقرة : 255 » فقد روي عن ابن عباس إن الكُرْسِيَّ العلم . وقيل : كُرْسِيُّهُ ملكه ، وقال بعضهم : هو اسم الفلك المحيط بالأفلاك ، قال : ويشهد لذلك ما روي : ما السماوات السبع في الكرسيِّ إلّاكحلقة ملقاة بأرض فلاة .
ملاحظات
روى الصدوق في التوحيد / 327 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « السماوات والأرض وما بينهما في الكرسي . والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره » .
وفي التوحيد / 108 : « عن عاصم بن حميد قال : ذاكرت أبا عبد الله عليه السلام فيما يروون من الرؤية فقال : الشمس جزء من سبعين جزءً من نور الكرسي ، والكرسي جزء من سبعين جزءً من نور العرش ، والعرش جزء من سبعين جزءً من نور الحجاب ، والحجاب جزء من سبعين جزءً من نور الستر ، فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب » !
--------------------------- 625 ---------------------------
كَرَمَ
الكَرَمُ : إذا وصف الله تعالى به فهو اسم لإحسانه وإنعامه المتظاهر ، نحو قوله : فَإن رَبِي غَنِيٌّ كَرِيمٌ « النمل : 40 » .
وإذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر منه . ولا يقال هو كريم حتى يظهر ذلك منه .
قال بعض العلماء : الكَرَمُ كالحرية إلا أن الحرية قد تقال في المحاسن الصغيرة والكبيرة ، والكَرَمُ لا يقال إلا في المحاسن الكبيرة ، كمن ينفق مالاً في تجهيز جيش في سبيل الله ، وتحمل حمالة ترقئ دماء قوم .
وقوله تعالى : إن أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ « الحجرات : 13 » فإنما كان كذلك لأن الْكَرَمَ الأفعال المحمودة ، وأكرمها وأشرفها ما يقصد به وجه الله تعالى ، فمن قصد ذلك بمحاسن فعله فهو التقيُّ ، فإذاً أكرم الناس أتقاهم ، وكل شئ شرف في بابه فإنه يوصف بالكرم .
قال تعالى : فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كل زَوْجٍ كَرِيمٍ « لقمان : 10 » وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ « الدخان : 26 » إنهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ « الواقعة : 77 » وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً « الإسراء : 23 » .
والإِكْرَامُ والتكْرِيمُ : أن يوصل إلى الإنسان إكرام ، أي نفع لا يلحقه فيه غضاضة ، أو أن يجعل ما يوصل إليه شيئاً كَرِيماً أي شريفاً . قال : هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ « الذاريات : 24 » . وقوله : بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ « الأنبياء : 26 » أي جعلهم كراماً . قال : كِراماً كاتِبِينَ « الانفطار : 11 » وقال : بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ « عبس : 15 16 » وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ « يس : 27 »
وقوله : ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ « الرحمن : 27 » منطوٍ على المعنيين .
ملاحظات
كأن الراغب ارتضى ما نقله عن بعضهم من أن الذي يفعل المحاسن الصغيرة يوصف بأنه حر ، لكن لا يوصف بالكَرَمُ ، إلا إذا فعل المحاسن الكبيرة كتجهيز جيش . ولعل هذا المعنى كان معروفاً في أوساطٍ في عصره ، لكنه لا يصح ، لأن الكرم أمر عرفي نسبي ، يصدق على القليل والكثير .
كَرِهَ
قيل : الْكَرْهُ والْكُرْهُ واحد ، نحو الضَّعْف والضُّعْف وقيل : الكَرْهُ المشقة التي تنال الإنسان من خارج فيما يحمل عليه بِإِكْرَاهٍ ، والكُرْهُ ما يناله من ذاته وهو يعافه ، وذلك على ضربين ، أحدهما ، ما يعاف من حيث الطبع . والثاني ، ما يعاف من حيث العقل أو الشرع ، ولهذا يصح أن يقول الإنسان في الشئ الواحد : إني أريده وأَكْرَهُهُ ، بمعنى أني أريده من حيث الطبع ، وأكرهه من حيث العقل أو الشرع ، أو أريده من حيث العقل أو الشرع ، وأَكْرَهُهُ من حيث الطبع .
وقوله : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ « البقرة : 216 » أي تَكْرَهُونَهُ من حيث الطبع ، ثم بين ذلك بقوله : وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ « البقرة : 216 » أنه لا يجب للإنسان أن يعتبر كَرَاهِيَتَهُ للشئ أو محبته له حتى يعلم حاله .
وكَرِهْتُ : يقال فيهما جميعاً إلا أن استعماله في الكُره أكثر . قال تعالى : وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ « التوبة : 32 » وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ « التوبة : 33 » وَإن فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ « الأنفال : 5 » وقوله : أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ « الحجرات : 12 » تنبيهٌ [ على ] أن أكل لحم الأخ شئ قد جبلت النفس على كَرَاهَتِهَا له ، وإن تحراه الإنسان . وقوله : لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً « النساء : 19 » وقرئ : كُرْهاً .
--------------------------- 626 ---------------------------
والإِكْرَاهُ : يقال في حمل الإنسان على ما يكرهه . وقوله : وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ « النور : 33 » فنهي عن حملهن على ما فيه كَرْهٌ وكُرْهٌ .
وقوله : لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ « البقرة : 256 » فقد قيل : كان ذلك في ابتداء الإسلام ، فإنه كان يعرض على الإنسان الإسلام فإن أجاب وإلا ترك .
والثاني : إن ذلك في أهل الكتاب فإنهم إن أرادوا الجزية والتزموا الشرائط تُركوا .
والثالث : أنه لاحكم لمن أكره على دين باطل فاعترف به ودخل فيه ، كما قال تعالى : إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ « النحل : 106 » .
الرابع : لا اعتداد في الآخرة بما يفعل الإنسان في الدنيا من الطاعة كرهاً ، فإن الله تعالى يعتبر السرائر ولا يرضى إلا الإخلاص ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام الأعمال بالنيات ، وقال : أخلص يكفك القليل من العمل .
الخامس : معناه لا يحمل الإنسان على أمر مَكْرُوهٍ في الحقيقة مما يكلفهم الله بل يحملون على نعيم الأبد ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : عجب ربكم من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل .
السادس : إن الدين الجزاء ، معناه : إن الله ليس بِمُكْرَهٍ على الجزاء ، بل يفعل ما يشاء بمن يشاء كما يشاء .
وقوله : أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ إلى قوله : طَوْعاً وَكَرْهاً « آل عمران : 83 » . قيل معناه : أسلم من في السماوات طوعاً ومن في الأرض كرهاً ، أي الحجة أكرهتهم وألجأتهم كقولك : الدلالة أكرهتني على القول بهذه المسألة ، وليس هذا من الكره المذموم .
الثاني : أسلم المؤمنون طوعاً ، والكافرون كرهاً إذ لم يقدروا أن يمتنعوا عليه بما يريد بهم ويقضيه عليهم .
الثالث : عن قتادة : أسلم المؤمنون طوعاً والكافرون كرهاً ، عند الموت حيث قال : فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لما رَأَوْا بَأْسَنا . الآية . « غافر : 85 » .
الرابع : عنى بالكره من قوتل ، وألجئ إلى أن يؤمن . الخامس : عن أبي العالية ومجاهد ، إن كلاً أقر بخلقه إياهم وإن أشركوا معه ، كقوله : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله « الزخرف : 87 » .
السادس : عن ابن عباس : أسلموا بأحوالهم المنبئة عنهم ، وإن كفر بعضهم بمقالهم ، وذلك هو الإسلام في الذر الأول حيث قال : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى « الأعراف : 172 » وذلك هو دلائلهم التي فطروا عليها من العقل المقتضي لأن يسلموا ، وإلى هذا أشار بقوله : وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ « الرعد : 15 » .
السابع : عن بعض الصوفية : إن من أسلم طوعاً هو من طالعَ المُثِيبَ والمُعاقِبَ لا الثواب والعقاب فأسلم له ، ومن أسلم كرهاً هو من طالع الثواب والعقاب فأسلم رغبة ورهبة . ونحو هذه الآية قوله : وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً « الرعد : 15 » .
ملاحظات
أطال الراغب في تفسير آية : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ . وآية : وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهاً ، باحتمالات مطولة بدون حاصل ، وترد عليها إشكالات .
وينبغي الالتفات إلى أن الإكراه المنفي في الآية : الإكراه في الدين وليس على الدين ، فهو نفي إمكان الإكراه على الإعتقاد وتدين الإنسان بينه وبين ربه . فهو كقوله تعالى : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ .
--------------------------- 627 ---------------------------
وقد فسره بعضهم بتحريم إجبار أحد على الإسلام ، ويصح ذلك بالنسبة إلى أهل الكتاب ولا يصح مطلقاً .
ولذلك قال في التبيان « 2 / 311 » : « المراد بذلك لا إكراه فيما هو دين في الحقيقة ، لأن ذلك من أفعال القلوب إذا فُعل لوجه بوجوبه . فأما ما يكره عليه من إظهار الشهادتين فليس بدين ، كما أن من أكره على كلمة الكفر لم يكن كافراً » .
فالإكراه المنفي إكراه الإعتقاد تكويناً ، ومنه إكراه الله للإنسان على الإيمان ، أما إكراهه على الشهادتين فيصح أحياناً . وأما إسلام المخلوقات ، فهي مسلمة تكويناً بخضوعها لقوانين الله عز وجل ، وبعضها أعطي القدرة على المعصية ، فهو غير مسلم طوعاً ، كالكفار .
كَسَبَ
الكَسْبُ : ما يتحرَّاه الإنسان مما فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظ ، كَكَسْبِ المال . وقد يستعمل فيما يظن الإنسان أنه يجلب منفعة ثم استجلب به مضرة .
والكَسْبُ : يقال فيما أخذه لنفسه ولغيره ، ولهذا قد يتعدى إلى مفعولين فيقال : كَسَبْتُ فلاناً كذا .
والِاكْتِسَابُ : لا يقال إلا فيما استفدته لنفسك ، فكل اكْتِسَاب كسب ، وليس كل كَسْبٍ اكتساباً ، وذلك نحو : خَبَزَ واخْتَبَزَ ، وشَوَى واشْتَوَى ، وطبخ واطَّبَخَ .
وقوله تعالى : أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ « البقرة : 267 » روي أنه قيل للنبي : أيُّ الكسب أطيب ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : عمل الرجل بيده ، وقال : إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كَسْبِهِ . وقال تعالى : لا يَقْدِرُونَ عَلى شَئ مِمَّا كَسَبُوا « البقرة : 264 » .
وقد ورد في القرآن في فعل الصالحات والسيئات ، فمما استعمل في الصالحات قوله : أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً « الأنعام : 158 » وقوله : وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً إلى قوله : مِمَّا كَسَبُوا . « البقرة : 201 » .
ومما يستعمل في السيئات : أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ « الأنعام : 70 » أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا « الأنعام : 70 » إن الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِماكانُوا يَقْتَرِفُونَ « الأنعام : 120 » فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ « البقرة : 79 » وقال : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ « التوبة : 82 » وَلَوْ يُؤاخِذُ الله النَّاسَ بِما كَسَبُوا « فاطر : 45 » وَلا تَكْسِبُ كل نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها « الأنعام : 164 » وقوله : ثُمَّ تُوَفَّى كل نَفْسٍ ما كَسَبَتْ « آل عمران : 161 » فمتناول لهما .
والِاكْتِسَابُ : قد ورد فيهما ، قال في الصالحات : لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ . « النساء : 32 » . وقوله : لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ « البقرة : 286 » فقد قيل خَصَّ الكَسْبَ هاهنا بالصالح والِاكْتِسَابَ بالسَّيِّئ . وقيل : عنى بالكسب ما يتحراه من المَكَاسِبِ الأخروية ، وبالإكتساب ما يتحراه من المكاسب الدنيوية . وقيل : عنى بِالْكَسْب ما يفعله الإنسان من فعل خير وجلب نفع إلى غيره من حيثما يجوز ، وبِالإكْتِسَابِ ما يحصله لنفسه من نفع يجوز تناوله ، فنبه على أن ما يفعله الإنسان لغيره من نفع يوصله إليه فله الثواب ، وأن ما يحصله لنفسه وإن كان متناولاً من حيثما يجوز على الوجه فقلما ينفكُّ من أن يكون عليه ، إشارة إلى ما قيل : من أراد الدنيا فليوطن نفسه على المصائب ، وقوله تعالى : إنما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ « التغابن : 15 » ونحو ذلك .
ملاحظات
فِعْلُ كَسَبَ : أحد أربعة أفعال عبر فيها القرآن عن عمل الإنسان ، وهي : فَعَلَ ، وَصَنَعَ ، وَعَمِلَ ، وَكَسَبَ .
ويدل قوله تعالى : لَهَا مَاكَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ
--------------------------- 628 ---------------------------
على أن الكسب يطلق على ما يحوزه الإنسان من خير بنوع من الجهد والاستحقاق .
والاكتساب : يطلق على الذنب الذي يكتسبه . وهذا مصطلح قرآني في الكسب ، يُضاف إلى معناهما اللغوي .
كَسَفَ
كُسُوفُ الشمس والقمر : استتارهما بعارض مخصوص ، وبه شُبِّهَ كُسُوفُ الوجه والحال فقيل : كَاسِفُ الوجه ، وكَاسِفُ الحال .
والكِسْفَةُ : قطعة من السحاب والقطن ونحو ذلك من الأجسام المتخلخلة الحائلة ، وجمعها كِسَفٌ ، قال : وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً « الروم : 48 » فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ « الشعراء : 187 » أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً « الإسراء : 92 » . وكِسْفاً : بالسكون . فَكِسَفٌ جمع كِسْفَةٍ ، نحو : سدْرَةٌ وسِدَرٌ . وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ « الطور : 44 » . قال أبو زيد : كَسَفْتُ الثّوب أَكْسِفُهُ كِسْفاً : إذا قطعته قطعاً ، وقيل : كَسَفْتُ عرقوب الإبل ، قال بعضهم : هو كَسَحْتُ لا غيرُ .
كَسَلَ
الْكَسَلُ : التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه ، ولأجل ذلك صار مذموماً ، يقال : كَسِلَ فهو كَسِلٌ وكَسْلَانُ ، وجمعه : كُسَالَى وكَسَالَى ، قال تعالى : وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى « التوبة : 54 » وقيل : فلان لا يَكْسَلُهُ الْمَكَاسِلُ .
وفحل كَسِلٌ : يَكْسَلُ عن الضراب ، وامرأة مِكْسَالٌ : فاترة عن التحرك .
كَسَا
الكِسَاءُ والْكِسْوَةُ : اللباس . قال تعالى : أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ « المائدة : 89 » وقد كَسَوْتُهُ واكْتَسَى . قال : وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ « النساء : 5 » فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً « المؤمنون : 14 » .
واكْتَسَتِ الأرض بالنبات ، وقول الشاعر :
فباتَ لهُ دونَ الصِّبَا وَهْيَ قَرٌَّة
لحِاَفٌ وَمَصْقُولُ الكِسَاءِ رَقِيقُ
فقد قيل : هو كناية عن اللبن إذا علته الدواية . وقول الآخر : حتى أرى فارسَ الصَّمُوتِ عَلى
أَكْسَاءِ خيلٍ كأنَّها الإبِلُ
قيل معناه على أعقابها ، وأصله أن تعدى الإبل فتثير الغبار ، ويعلوها فيكسوها ، فكأنه تولى إِكْسَاءَ الإبل ، أي ملابسها من الغبار .
ملاحظات
أهل الكساء : اسم للنبي وعترته أهل بيته علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، لأنه أدخلهم تحت كساء ، وذات مرة أدار عليهم كساء وقال إنهم أهل بيته دون غيرهم عليهم السلام .
قال ابن حجر في الصواعق / 145 : « فغدا محتضناً الحسن آخذاً بيد الحسين وفاطمة تمشي خلفه وعليٌّ خلفها ، وهؤلاء هم أهل الكساء ، فهم المراد في آية المباهلة » .
وقال ابن تيمية في مجموعة الفتاوى « 17 / 506 » : « وَكَذَلِكَ قوله عن أهل الكساء : هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي » .
كَشَفَ
كَشَفْتُ الثوب عن الوجه وغيره ، ويقال : كَشَفَ غمَّه ، قال تعالى : وَإِنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ « الأنعام : 17 » فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ « الأنعام : 41 » لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ « ق : 22 » أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ « النمل : 62 » .
وقوله : يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ « القلم : 42 » قيل أصله من قامت الحرب على ساق ، أي ظهرت الشدة ، وقال بعضهم : أصله من تذمير الناقة ، وهو أنه إذا أخرج رجل
--------------------------- 629 ---------------------------
الفصيل من بطن أمه ، فيقال : كُشِفَ عن الساق .
كَشَطَ
قال عز وجل : وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ « التكوير : 11 » وهو من : كَشْطِ الناقة ، أي تنحية الجلد عنها « سلخها » ومنه استعير : انْكَشَطَ روعه ، أي زال .
كَظَمَ
الْكَظْمُ : مخرج النَّفَس ، يقال : أخذ بِكَظْمِهِ . والْكُظُومُ : احتباس النفس ، ويعبر به عن السكوت كقولهم : فلان لا يتنفس : إذا وصف بالمبالغة في السكوت .
وكَظَمَ فلان : حبس نفسه ، قال تعالى : إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ « القلم : 48 » وكَظْمُ الغَيْظِ : حبسه ، قال : وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ « آل عمران : 134 » . ومنه : كَظَمَ البعيرُ : إذا ترك الاجترار .
وكَظْمُ السقاء : شده بعد ملئه مانعاً لنَفَسه .
والكِظَامَةُ : حلقة تجمع فيها الخيوط في طرف حديدة الميزان ، والسِّيرُ الذي يوصل بوتر القوس .
والكَظَائِمُ : خروق بين البئرين يجري فيها الماء .
كل ذلك تشبيه بمجرى النفَس وتردُّدِهِ فيه .
كَعَبَ
كَعْبُ الرِّجْلِ : العظم الذي عند ملتقى القدم والساق . قال : وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ « المائدة : 6 » والكَعْبَةُ : كل بيت على هيئته في التربيع ، وبها سميت الكَعْبَةُ . قال تعالى : جَعَلَ الله الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ « المائدة : 97 » .
وذو الكَعْبَاتِ : بيت كان في الجاهلية لبني ربيعة . وفلان جالس في كَعْبَتِهِ : أي غرفته وبيته على تلك الهيئة .
وامرأة كاعِبٌ : تَكَعَّبَ ثدياها ، وقد كَعبَتْ كِعَابَةً . والجمع كَوَاعِبُ ، قال : وَكَواعِبَ أَتْراباً « النبأ : 33 » وقد يقال : كَعَبَ الثدي كَعْباً ، وكَعَّبَ تَكْعِيباً .
وثوب مُكَعَّبٌ : مطويٌّ شديد الإدراج . وكل ما بين العقدتين من القصب .
والرمح يقال له : كَعْبٌ ، تشبيهاً بالكعب في الفصل بين العقدتين ، كفصل الكعب بين الساق والقدم .
كَفَّ
الْكَفُّ : كَفُّ الإنسان وهي ما بها يقبض ويبسط . وكَفَفْتُهُ : أصبت كَفَّهُ . وكَفَفْتُهُ : أصبته بالكف ودفعته بها . وتُعُورِفَ الكفُّ بالدفع على أي وجه كان ، بالكف كان أو غيرها حتى قيل رجل مَكْفُوفٌ لمن قبض بصره .
وقوله تعالى : وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ « سبأ : 28 » أي كافاً لهم عن المعاصي ، والهاء فيه للمبالغة كقولهم : راوية وعلامة ونسابة .
وقوله : وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً « التوبة : 36 » قيل معناه : كَافِّينَ لهم كما يقاتلونكم كافين ، وقيل : معناه جماعة كما يقاتلونكم جماعة ، وذلك أن الجماعة يقال لهم الكافة ، كما يقال لهم الوازعة لقوتهم باجتماعهم . وعلى هذا قوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً « البقرة : 208 » .
وقوله : فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها « الكهف : 42 » فإشارة إلى حال النادم وما يتعاطاه في حال ندمه .
وتَكَفَّفَ الرجل : إذا مد يده سائلاً . واسْتَكَفَّ : إذا مد كفه سائلاً أو دافعاً . واسْتَكَفَّ الشمس : دفعها بكفه ، وهو أن يضع كفه على حاجبه مستظلاً من الشمس ليرى ما يطلبه .
وكَفَّةُ الميزان : تشبيه بالكف في كفها ما يوزن بها . وكذا كِفَّةُ الحبالة .
وكَفَفْتُ الثوب : إذا خطت نواحيه بعد الخياطة الأولى .
ملاحظات
خلط الراغب بين كافة التي هي أداة عموم ، فضمنها معنى فعل كفَّ . وفسر قوله تعالى : أدْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ،
--------------------------- 630 ---------------------------
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ، أي كافاً لهم عن المعاصي .
لكن كافة أداة عموم متمحضة في ذلك ، ولا علاقة لها بفعل كفَّ . فأين معنى الكف في قولك : أُحِبُّكُمْ كافَّة ، وكتب إليهم كافَّة ، وخلق الله الناس كافَّة . بل لا يقصد بها إلا تعميم الخبر والحكم .
نعم ، قد يكون المقصود من تقديم لفظها في قوله تعالى : إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ، أن تشير إلى الفعل ، لكنه معنى إضافي إلى معناها الأصلي .
كَفَتَ
الكَفْتُ : القبض والجمع . قال تعالى : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً « المرسلات : 25 » أي تجمع الناس أحياءهم وأمواتهم . وقيل : معناه تضم الأحياء التي هي الإنسان والحيوانات والنبات ، والأموات التي هي الجمادات من الأرض والماء وغير ذلك .
والكِفَاتُ : قيل هو الطيران السريع وحقيقته قبض الجناح للطيران كما قال : أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ « الملك : 19 » فالقبض هاهناكالكفات هناك .
والكَفْتُ : السَّوْق الشديد . واستعمال الكفت في سوْق الإبل كاستعمال القبض فيه ، كقولهم : قبض الراعي الإبل ، وراعي قبضة ، وكَفَتَ الله فلاناً إلى نفسه ، كقولهم : قبضه . وفي الحديث : إكْفِتُوا صبيانكم بالليل .
ملاحظات
1 . لم ترد مادة كَفَتَ إلا في هذه الآية ، وكفاتاً اسم مصدر ، صفةٌ للأرض التي أعدت موضعاً لهذه العملية ، من خلق آدم وحواء من ترابها ، وتنسيلهما فيها ، والموت والدفن والبعث والنشور منها .
وتجد عناصر الكفات هذه في استعمال المادة في العربية ، قال الخليل « 5 / 340 » : « تكفته فينكفت ، أي يرجع راجعاً . وكفات الأرض : ظهرها للأحياء وبطنها للأموات » .
وقال الجوهري « 1 / 263 » : « كفتُّ الشئ أكفتُه كَفتاً ، إذا ضممته إلى نفسك . والكفات : الموضع الذي يكفت فيه شئ ، أي يضم . ومنه قوله تعالى : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا ، أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا » . ونحوه ابن فارس : 5 / 190 .
وقال ابن منظور « 2 / 78 » : « الكَفِيتُ : القُوتُ من العَيْش ، وقيل ما يُقِيمُ العَيْشَ . والكِفاتُ : الموضعُ الذي يُضَمُّ فيه الشئُ ويُقْبَضُ . يُريد تَكْفِتُهم أَحياءً على ظَهْرها في دُورهم ومَنازلهم وتَكْفِتُهم أَمواتاً في بَطْنها أَي تَحْفَظُهم وتُحْرِزهم ، ونَصَبَ أَحياءً وأَمواتاً بوُقُوع الكِفاتِ عليه ، كأَنك قلت : أَلم نجعل الأَرضَ كِفاتَ أَحياءٍ وأَمواتٍ . فإِذا نَوَّنْتَ ، نَصَبْتَ . وفي الحديث : يقول الله عز وجل للكرام الكاتبين : إِذا مَرِضَ عَبْدي فاكْتُبوا له مِثْل ما كان يَعْمَلُ في صِحَّته ، حتى أُعافِيَه أَو أَكْفِتَه ، أَي أَضُمَّه إِلى القبر .
وهذا جِرابٌ كَفِيتٌ إِذا كان لا يُضَيِّعُ شيئاً مما يُجْعَل فيه . وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله أَنه قال : إكْفِتُوا صبيانَكم فإِن للشيطان خَطْفةً . قال أَبو عبيد : يعني ضُمُّوهم إِليكم ، واحْبِسُوهم في البيوت ، يريد عند انْتِشار الظلام » .
2 . أعرب المفسرون أحياءً وأمواتاً ، بالنصب على الحال أو التمييز ، ولا يصح ، لأن الحال والتمييز يعنيان أن الفعل مسلط على حالة أو نوع فقط ، كما تقول جاء راكباً أو رأيت خمسة عشر رجلاً أو ديناراً .
والكفت هنا شامل لكل الحالات .
كما أن نصبه على المفعول ضعيف ، لأن المعنى ليس كَفَتَ الأحياء والأموات ، بل المعنى أن الأرض كفات للناس في كل حالاتهم أحياءً أو أمواتاً ، فهو من نوع قولك : ائتني بكل ما تجده صغيراً أو كبيراً . وأجدر بهذا النوع أن يكون منصوباً مستقلاً لم يستقرؤه النحاة ،
--------------------------- 631 ---------------------------
ويمكن تسميته منصوب سَوَاء أو منصوبَ المساواة .
وقد فات النحاة غيره كفِعْل : بَقِيَ ، فهو من أخوات كان بدون فرق ، لكنهم لم يعدوه معها .
3 . اشتهر في بعض الأوساط أن آية : جعل الأرض كفاتاً ، تدل على قانون جاذبية الأرض ، واعتبرها بعضهم من الآيات العلمية المعجزة . وهي تتضمن معنى الجمع والقبض لكن دلالتها على الجاذبية ليست صريحة ، فلا يمكن عدها مثل آية : وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ .
كتب الدكتور محمد راتب النابلسي : « كفاتاً : مأخوذةٌ من فعل كَفَتَ ، وكَفَتَ يَكْفِتُ كَفْتاً ، أي جذبه وقبضه وضمَّه ، فالأرض من صفاتها أنها كَفْتٌ ، أي تجذب وتضم وتقبض ، وهذه الآية فيها إشارةٌ واضحةٌ جليَّة إلى الجاذبية ، فكلُّ شئٍ على سطح الأرض ينجذب إليها ، وما وزن الأشياء في حقيقة الأمر إلا قوة انجذابها نحو الأرض ، ووزن الشئ يتناسب مع حجم الأرض » .
وقال بعضهم : « لولا أن الأرض تجذب الهواء لأصبح الهواء ثابتاً والأرض متحركة ، ومع حركة الأرض وسكون الهواء ، تنشأ تياراتٌ من الأعاصير ، تزيد سرعتها عن ألفٍ وست مئة من الكيلو مترات في الساعة ، وهذه السرعة كافيةٌ لتدمير كل شئٍ على سطح الأرض ، من جعل الهواء مرتبطاً بالأرض ؟ إن ذلك بفعل الجاذبية ، من جعل البحار مرتبطةً بالأرض ؟ إنه بفعل الجاذبية ، من جعل كلَّ شئ على سطح الأرض ، وفي جوِّ الأرض ينجذب إليها ؟ إنه بفعل الجاذبية ، وينعدم الوزن إذا انعدمت الجاذبية ، وانعدام الوزن حالة يعرفها رواد الفضاء فيما بين الأرض والقمر ، إنَّ انعدام الوزن حالةٌ لا تطاق ، قال تعالى : أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارا . . أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً » .
لكن ذكرنا أن كَفَتَ ليست صريحة في الجذب ، فتكون دلالتها على الجاذبية ظنية .
كَفَرَ
الكُفْرُ : في اللغة ستر الشئ ، ووصف الليل بِالْكَافِرِ لستره الأشخاص ، والزَّرَّاعَ لستره البذر في الأرض ، وليس ذلك باسم لهما كما قال بعض أهل اللغة لما سَمع :
ألقتْ ذُكَاءُ يَمِينَهَا في كافرٍ
والْكَافُورُ : اسم أكمام الثمرة التي تَكْفُرُهَا ، قال الشاعر :
كالكرمِ إذ نَادَى منَ الكَافُورِ
وكُفْرُ النعمة وكُفْرَانُهَا : سترها بترك أداء شكرها ، قال تعالى : فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ « الأنبياء : 94 » .
وأعظم الكُفْرِ : جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة . والكُفْرَانُ : في جحود النعمة أكثر استعمالاً ، والكُفْرُ في الدين أكثر ، والكُفُورُ فيهما جميعاً ، قال : فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً « الإسراء : 99 » فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً « الفرقان : 50 » .
ويقال منهما : كَفَرَ فهو كَافِرٌ . قال في الكفران : لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإنما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإن رَبِي غَنِيٌّ كَرِيمٌ « النمل : 40 » وقال : وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ « البقرة : 152 » .
وقوله : وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ « الشعراء : 19 » أي تحريت كفران نعمتي ، وقال : لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إن عَذابِي لَشَدِيدٌ « إبراهيم : 7 » .
ولما كان الكفران يقتضي جحود النعمة صار يستعمل في الجحود ، قال : وَلا تَكُونُوا أول كافِرٍ بِهِ « البقرة : 41 » أي جاحد له وساتر . والكَافِرُ : على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية ، أو النبوة ، أو الشريعة ، أو ثلاثتها .
وقد يقال : كَفَرَ لمن أخل بالشريعة وترك ما لزمه من
--------------------------- 632 ---------------------------
شكر الله عليه . قال : مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ « الروم : 44 » يدل على ذلك مقابلته بقوله : وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ « الروم : 44 » وقال : وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ « النحل : 83 » وقوله : وَلا تَكُونُوا أول كافِرٍ بِهِ « البقرة : 41 » أي لا تكونوا أئمة في الكفر فيقتدى بكم .
وقوله : وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ « النور : 55 » عني بالكافر الساتر للحق ، فلذلك جعله فاسقاً ، ومعلوم أن الكفر المطلق هو أعم من الفسق ، ومعناه : من جحد حق الله فقد فسق عن أمر ربه بظلمه . ولما جعل كل فعل محمودٍ من الإيمان جعل كل فعل مذمومٍ من الكفر .
وقال في السحر : وَمَا كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ « البقرة : 102 » . وقوله : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا ، إلى قوله : كل كَفَّارٍ أَثِيمٍ « البقرة : 275 » . وقال : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ إلى قوله : وَمَنْ كَفَرَ فَإن الله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ « آل عمران : 97 » .
والكَفُورُ : المبالغ في كفران النعمة ، وقوله : إن الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ « الزخرف : 15 » وقال : ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ « سبأ : 17 » .
إن قيل : كيف وصف الإنسان هاهنا بالكفور ، ولم يرض بذلك حتى أدخل عليه إن واللام ، وكل ذلك تأكيد ، وقال في موضع وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ « الحجرات : 7 » فقوله : إن الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ « الزخرف : 15 » تنبيهٌ على ما ينطوي عليه الإنسان من كفران النعمة ، وقلة ما يقوم بأداء الشكر ، وعلى هذا قوله : قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ « عبس : 17 » ولذلك قال : وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ « سبأ : 13 » . وقوله : إنا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إما شاكِراً وإما كَفُوراً « الإنسان : 3 » تنبيه [ على ] أنه عرفه الطريقين كما قال : وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ « البلد : 10 » فمن سالك سبيل الشكر ، ومن سالك سبيل الكفر ، وقوله : وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً « الإسراء : 27 » فمن الكفر ، ونبَّهَ بقوله : كانَ [ على ] أنه لم يزل منذ وجد منطوياً على الكفر .
والْكَفَّارُ : أبلغ من الكفور لقوله : كل كَفَّارٍ عَنِيدٍ « ق : 24 » وقال : والله لا يُحِبُّ كل كَفَّارٍ أَثِيمٍ « البقرة : 276 » إن الله لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ « الزمر : 3 » إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً « نوح : 27 » .
وقد أجري الكفار مجرى الكفور في قوله : إن الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ « إبراهيم : 34 » .
والكُفَّارُ : في جمع الكافر المضاد للإيمان أكثر استعمالاً كقوله : أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ « الفتح : 29 » وقوله : لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ « الفتح : 29 » .
والكَفَرَةُ : في جمع كافر النعمة أشد استعمالاً ، وفي قوله : أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ « عبس : 42 » ألا ترى أنه وصف الكفرة بالفجرة . والفجرة قد يقال للفساق من المسلمين .
وقوله : جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ « القمر : 14 » أي من الأنبياء ومن يجري مجراهم ممن بذلوا النصح في أمر الله فلم يقبل منهم .
وقوله : إن الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا « النساء : 137 » قيل عنى بقوله إنهم آمنوا بموسى ثم كفروا بمن بعده ، والنصارى آمنوا بعيسى ثم كفروا بمن بعده . وقيل : آمنوا بموسى ثم كفروا بموسى إذ لم يؤمنوا بغيره . وقيل : هو ما قال : وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي إلى قوله : وَاكْفُرُوا آخِرَهُ « آل عمران : 72 » ولم يرد أنهم آمنوا مرتين وكفروا مرتين بل ذلك إشارة إلى أحوال كثيرة . وقيل : كما يصعد الإنسان في الفضائل في ثلاث درجات ينعكس في الرّذائل في ثلاث درجات . والآية إشارة إلى ذلك ، وقد بينته في كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة .
ويقال : كَفَرَ فلانٌ : إذا اعتقد الكفر ، ويقال ذلك إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد ، ولذلك قال : مَنْ كَفَرَ بِالله مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ « النحل : 106 » .
--------------------------- 633 ---------------------------
ويقال : كَفَرَ فلان بالشيطان : إذا كفر بسببه ، وقد يقال ذلك إذا آمن وخالف الشيطان ، كقوله : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِالله « البقرة : 256 » .
وأَكْفَرَهُ إِكْفَاراً : حكم بكفره ، وقد يعبر عن التبري بالكفر نحو : ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ . . الآية « العنكبوت : 25 » .
وقوله تعالى : إني كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ « إبراهيم : 22 » وقوله : كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ « الحديد : 20 » قيل : عنى بالكفار الزراع ، لأنهم يغطون البذر في التراب ستر الكفار حق الله تعالى بدلالة قوله : يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ « الفتح : 29 » ولأن الكافر لا اختصاص له بذلك . وقيل : بل عنى الكفار وخصهم بكونهم معجبين بالدنيا وزخارفها وراكنين إليها .
والْكَفَّارَةُ : ما يغطي الإثم ، ومنه : كَفَّارَةُ اليمين نحو قوله : ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ « المائدة : 89 » وكذلك كفارة غيره من الآثام ككفارة القتل والظهار . قال : فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ « المائدة : 89 » .
والتكْفِيرُ : ستره وتغطيته حتى يصير بمنزلة ما لم يعمل ، ويصح أن يكون أصله إزالة الكفر والكفران ، نحو : التمريض في كونه إزالة للمرض ، وتقذية العين في إزالة القذى عنه .
قال : وَلَوْ أن أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ « المائدة : 65 » نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ « النساء : 31 » وإلى هذا المعنى أشار بقوله : إن الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ « هود : 114 » وقيل : صغار الحسنات لا تكفر كبار السيئات .
وقال : لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ « آل عمران : 195 » لِيُكَفِّرَ الله عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا « الزمر : 35 » ويقال : كَفَرَتِ الشمس النجومَ : سترتها ، ويقال الْكَافِرُ للسحاب الذي يغطي الشمس والليل قال الشاعر : أَلْقَتْ ذُكَاءُ يَمِينَها في كافرٍ
وتَكَفَّرَ في السلاح : أي تغطي فيه .
والْكَافُورُ : أكمام الثمرة ، أي التي تكفُرُ الثمرةَ ، قال الشاعر : كالكَرْمِ إذْ نَادَى مِنَ الكَافُورِ
والْكَافُورُ : الذي هو من الطيب . قال تعالى : كانَ مِزاجُها كافُوراً « الإنسان : 5 » .
ملاحظات
أطال الراغب في تفسير مفردات المادة وأجاد في عدد منها . ولا يصح قوله إن الْكَفَّار أبلغ من الكَفور لأنه وصف بالعنيد ، فالكافر قد يوصف بالعنيد أيضاً .
وكذا قوله إن الكَفَرَةَ أشد من الكافرين لوصفهم بالفجرة . فقد يوصف الكافرون بالفجرة أيضاً .
ولا قوله : كفرت بالشيطان أي بسبه .
هذا ، وينبغي التنَبُّهُ إلى أن اسم الكافر ومشتقاته من مبتكرات الإسلام ومصطلحاته ، وقد استعمله القرآن على نطاق واسع ، وكذلك مصطلح المشرك ، والفاسق .
ويقابله مصطلح المسلم والمؤمن ، في منظومة واسعة من المصطلحات ، كان لها دورٌ أساسي في تكوين الشخصية الإسلامية ، والمجتمع والأمة الإسلامية ، وتحديد علاقاتها بالمجتمعات الأخرى .
وليس هذا مجال بحثه .
كَفَلَ
الْكَفَالَةُ : الضمان تقول : تَكَفَّلَتْ بكذا وكَفَّلْتُهُ فلاناً . وقرئ : وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا « آل عمران : 37 » أي كفَّلها الله تعالى ، ومن خفف جعل الفعل لزكريا ، المعنى : تضمنها . قال تعالى : وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلًا « النحل : 91 » .
والكِفْلُ : الحظ الذي فيه الكفاية ، كأنه تُكُفِّلَ بأمره نحو قوله تعالى : فَقالَ أَكْفِلْنِيها « ص : 23 » أي اجعلني كِفْلاً لها .
--------------------------- 634 ---------------------------
والكِفْلُ : الكفيل ، قال : يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ « الحديد : 28 » أي كفيلين من نعمته في الدنيا والآخرة ، وهما المرغوب إلى الله تعالى فيهما بقوله : رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً « البقرة : 201 » .
وقيل : لم يعن بقوله : كِفْلَيْنِ أي نعمتين اثنتين بل أراد النعمة المتوالية المتكفلة بكفايته ، ويكون تثنيته على حد ما ذكرنا في قولهم : لبيك وسعديك .
وأما قوله : مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً إلى قوله : يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها « النساء : 85 » فإن الكِفْلَ هاهنا ليس بمعنى الأول ، بل هو مستعار من الْكِفْلِ وهو الشئ الردئ ، واشتقاقه من الكِفْل وهو أن الكفل لما كان مركباً ينبو براكبه صار متعارفاً في كل شدة كالسِّيسَاء : وهو العظم الناتئ من ظهر الحمار ، فيقال : لأحملنك على الكفل ، وعلى السِّيساء ، ولأركبنك الحسرى الرذايا ، قال الشاعر :
وحملناهمْ على صَعْبَةٍ زَوْرَاءَ يعلونها بغيرِ وِطَاءِ
ومعنى الآية : من ينضم إلى غيره معيناً له في فعلة حسنة ، يكون له منها نصيب ، ومن ينضم إلى غيره معيناً له في فعلة سيئة يناله منها شدة .
وقيل الْكِفْلُ : الْكَفِيلُ ، ونبه [ على ] أن من تحرى شراً فله من فعله كفيل يسأله ، كما قيل : من ظلم فقد أقام كفيلاً بظلمه ، تنبيهاً [ على ] أنه لا يمكنه التخلص من عقوبته .
ملاحظات
1 . يستعمل الكِفْل لكِفْل الدابة وهو جانبا عجزها ، وللكفيل بمعنى الضامن . وهما معنيان مختلفان لا ربط بينهما . وجعل الراغب كفل الدابة أصلاً لقوله تعالى : كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ، وهو خطأ ، واستعمل تضمن بمعنى ضمن ، وهو خطأ .
وقد استعمل القرآن الكفالة للضمان في ثمان آيات ، واسم ذي الكفل النبي عليه السلام مرتين .
2 . قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ . « الحديد : 28 » .
ومعنى كفلين : ضِعفين ، وفي تفسير القمي « 2 / 352 » : « نصيبين من رحمته ، أحدهما أن لا يدخله النار ، والثانية أن يدخله الجنة » .
وفي المحاسن للبرقي « 1 / 56 » : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من قَمَّ مسجداً كتب الله له عتق رقبة ، ومن أخرج منه ما يقذى عيناً كتب الله له كفلين من رحمته » .
3 . أغرب الراغب في تفسير قوله تعالى : وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا . فقال إن الكفل هنا مشتق من كفل الدابة ، ومعناه فقرات ظهرها القريبة من عجزها ، حيث يصعب الركوب عليها . وهو خطأ ، لأن كفل الدابة جانبا فخذيها من خارج ، وقد سمعت رجلاً يقول : ضع يدك على كِفلها ، أي ظاهر فخذها ، يقصد اكتناز لحمها . ولعله لاكتنازه سمي كِفلاً . أما فقرات الظهر فتسمى في العربية : السِّيساء . « الصحاح : 3 / 939 » .
نعم ، قد يربط العرب ثوباً بسنام البعير ويسدلونه على كفله ليتمكن الرجل الثاني من الركوب على عجزه ، ويسمى ذلك الثوب الكفل لا نسداله على الكفل .
ولا علاقة لكفل الدابة بكفل الكفيل الضامن .
4 . قال الخليل « 5 / 373 » : « الكِفْل : رِدف العجز ، وإنها لعجزاء الكفل ، والجميع أكفال ، لايشتق منه فعل ولا نعت ، لا يقال : كفلاء ، كما يقال : عجزاء .
والكفل : النصيب ، والكفل : شئ مستدير يتخذ من خرق أو غير ذلك ، يوضع على سنام البعير ، تقول : اكتفل الرجل بكفل من كذا ، أو من ثوبه .
والكفل من الأجر ومن الإثم : الضِّعف ، قال الله عز وجل :
--------------------------- 635 ---------------------------
يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ .
والكفيل : الضامن للشئ ، كفل به يكفل به كفالة . والكافل : الذي يكفل إنساناً يعوله وينفق عليه ، وفي الحديث : لِربيب كافل ، وهو زوج أم اليتيم . وقوله عز اسمه : وكَفِلَهَا زكريا . هو كَفِلَ مريم لينفق عليها ، حيث ساهموا على نفقتها حين مات أبواها فبقيت بلا كافل . ومن قرأ بالتثقيل فمعناه : كفَّلَهَا الله زكريا » .
ومن الخليل أخذ سيبويه والجوهري وابن فارس ، لكن الراغب رغب عنه ، فتخبط !
كُفْؤٌ
الكُفْءُ : في المنزلة والقدر ، ومنه : الْكِفَاءُ لشقة تنصح « تتصل » بالأخرى ، فيجلل بها مؤخر البيت . يقال : فلان كفءٌ لفلان في المناكحة أو في المحاربة ، ونحو ذلك . قال تعالى : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ « الإخلاص : 4 » .
ومنه : المُكَافَأَةُ ، أي المساواة والمقابلة في الفعل ، وفلان كُفْؤٌ لك في المضادة .
والْإِكْفَاءُ : قلب الشئ كأنه إزالة المساواة ، ومنه : الْإِكْفَاءُ في الشعر . ومُكْفَأُ الوجه : أي كاسد اللون وكَفِيئُهُ .
ويقال لنتاج الإبل ليست تامةً : كَفْأَةٌ ، وجعل فلان إبله كَفْأَتَيْنِ : إذا لقح كل سنة قطعة منها .
ملاحظات
الإكفاء في الشِّعْر : أن تختلف قوافيه في الإعراب كقول ابن الزبعرى في هاشم رضي الله عنه :
عمرُو العُلا هَشَمَ الثَّريدَ لقومهِ
ورجالُ مكةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ
وهو الذي سنَّ الرحيلَ لقومه
رِحْلَ الشتاء ورِحْلَةَ الأضيافِ
« أمالي المرتضى : 4 / 180 »
كَفَى
الكِفَايَةُ : ما فيه سدُّ الخَلَّة وبلوغ المراد في الأمر . قال تعالى : وَكَفَى الله الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ « الأحزاب : 25 » إنا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ « الحجر : 95 » .
وقوله : وَكَفى بِالله شَهِيداً « النساء : 79 » قيل معناه : كفى الله شهيداً ، والباء زائدة . وقيل : معناه : إكْتَفِ ب الله شهيداً .
والكُفْيَةُ : من القوت ، ما فيه كِفَايَةٌ ، والجمع كُفًى .
ويقال : كَافِيكَ فلانٌ من رجل ، كقولك : حسبك من رجل .
كُلّ
لفظ كُل : هو لضم أجزاء الشئ ، وذلك ضربان ، أحدهما : الضامُّ لذات الشئ وأحواله المختصة به ، ويفيد معنى التمام نحو قوله تعالى : وَلا تَبْسُطْها كلَّ الْبَسْطِ « الإسراء : 29 » .
أي بسطاً تامّاً ، قال الشاعر :
ليس الفتى كلُّ الفتى إلا الفتى في أدبِهْ
أي التام الفتوة . والثاني : الضامُّ للذوات ، وذلك يضاف تارة إلى جمع معرف بالألف واللام نحو قولك : كل القوم ، وتارة إلى ضمير ذلك نحو : فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كلهُمْ أَجْمَعُونَ « الحجر : 30 » وقوله : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كلهِ « التوبة : 33 » . أو إلى نكرة مفردة نحو : وَكل إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ « الإسراء : 13 » وَهُوَ بِكل شَئ عَلِيمٌ « البقرة : 29 » إلى غيرها من الآيات ، وربما عَرِيَ عن الإضافة ، ويقدر ذلك فيه نحو : وَكلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ « يس : 40 » وَكلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ « النمل : 87 » وَكلهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً « مريم : 95 » وَكلاً جَعَلْنا صالِحِينَ « الأنبياء : 72 » وكلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ « الأنبياء : 85 » وَكلاً ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ « الفرقان : 39 » إلى غير ذلك في القرآن ممّا يكثر تعداده .
ولم يرد في شئ من القرآن ولا في شئ من كلام الفصحاء الكُل بالألف واللام ، وإنما ذلك شئ يجري في كلام المتكلمين والفقهاء ومن نحا نحوهم .
--------------------------- 636 ---------------------------
والكلالَةُ : اسم لما عدا الولد والوالد من الورثة ، وقال ابن عباس : هو اسم لمن عدا الولد ، وروي إن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن الكَلَالَةِ فقال : من مات وليس له ولد ولا والد فجعله إسماً للميت ، وكلا القولين صحيح ، فإن الكَلَالَةَ مصدر يجمع الوارث والموروث جميعاً . وتسميتها بذلك إما لأن النسب كل عن اللحوق به ، أو لأنه قد لحق به بالعرض من أحد طرفيه . وذلك لأن الانتساب ضربان ، أحدهما : بالعمق كنسبة الأب والابن .
والثاني : بالعرض كنسبة الأخ والعم ، قال قطرب : الكَلَالَةُ : اسم لما عدا الأبوين والأخ ، وليس بشئ ، وقال بعضهم : هو اسم لكل وارث ، كقول الشاعر :
والمرءُ يبخل في الحقوقِ وللكلالةِ ما يُسِيمُ
من أسام الإبل إذا أخرجها للمرعى ، ولم يقصد الشاعر ما ظنه هذا ، وإنما خص الكلالة ليزهد الإنسان في جمع المال ، لأن ترك المال لهم أشد من تركه للأولاد ، وتنبيهاً [ على ] أن من خلفت له المال فجار مجرى الكلالة ، وذلك كقولك : ما تجمعه فهو للعدو ، وتقول العرب : لم يرث فلان كذا كَلَالَةً ، لمن تخصص بشئ قد كان لأبيه ، قال الشاعر : ورثتم قناةَ الملك غَيْرَ كلالةٍ
عن ابنيْ مُنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمِ
والإِكْلِيلُ : سمي بذلك لإطافته بالرأس ، يقال : كَلَّ الرجل في مشيته كَلَالا ، والسيف عن ضريبته كُلُولاً وكلةً ، واللسان عن الكلام كذلك .
وأَكَلَّ فلان : كَلَّتْ راحلتُهُ . والْكَلْكَلُ : الصدر .
ملاحظات
يُضرب المثل بمن يَرث كلالةً ، أي لقرابته البعيدة مقابل من يرث عن نسب قريب . وقد ذكر الله الكلالة في القرآن مرتين ، قال تعالى : يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌا هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ . وقال تعالى : وَإِنْ كَأن رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ .
وقيل إن الكلالة ما عدا الأبوين والأولاد ، وتحير فيها عمر بن الخطاب كل عمره وألَّفَ فيها كتاباً ثم مزقه ، وخطب في المسلمين قبل وفاته وأوصاهم أن يحلوها !
قال في مجمع البحرين « 5 / 464 » : « الكلالة : قيل هم الوارثون الذين ليس فيهم ولد ولا والد ، فهو واقع على الميت وعلى الوارث بهذا الشرط . وهي في الأصل مصدر بمعنى الكَلّ وهو الإعياء في التكلم ونقصان القوة ، واستعيرت للقرابة من غير جهة الولد والوالد لضعفها بالنسبة إلى القرابة من جهتهما .
وقال الشهيد الثاني رحمه الله : سميَ الإخوة كلالة من الكَل وهو الثقل ، لكونهم ثقلاً على الرجل لقيامه بمصالحهم مع عدم التولد الذي يوجب مزيد الإقبال والخفة على النفس . قوله تعالى : كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ ، أي ثقلٌ على وليه وقرابته . وفي الحديث ملعون من ألقى كله على الناس » .
كَلَبَ
الكَلْبُ : الحيوان النبَّاح ، والأنثى كَلْبَةٌ ، والجمع أَكْلُبٌ وكِلَابٌ ، وقد يقال للجمع كَلِيبٌ . قال تعالى : كَمَثَلِ الْكَلْبِ « الأعراف : 176 » قال : وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ « الكهف : 18 » .
وعنه اشتق الكَلَب للحرص ، ومنه يقال : هو أحرص من كلب . ورجلٌ كِلبٌ : شديد الحرص . وكَلْبٌ كَلِبٌ ، أي مجنون يَكْلَبُ بلحوم الناس فيأخذه شبه جنون ، ومن عَقْرِهِ كُلِبَ . أي يأخذه داء ، فيقال : رجل كَلِبٌ ، وقوم كَلْبَى . قال الشاعر : دِمَاؤُهُمُ منَ الكَلَبِ الشِّفَاءُ
وقد يصيب الكَلَبُ البعيرَ ، ويقال : أَكْلَبَ الرجل : أصاب
--------------------------- 637 ---------------------------
إبله ذلك . وكَلِبَ الشتاءُ : اشتد برده وحدته تشبيهاً بِالْكَلْبِ الْكَلِبِ . ودهر كَلِبٌ . ويقال أرض كَلِبَةٌ : إذا لم ترو فتيبس تشبيهاً بالرجل الكلب ، لأنه لا يشرب فييبس .
والكَلَّابُ وَالمُكْلِبُ : الذي يعلم الكلب ، قال تعالى : وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكلبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَ « المائدة : 4 » . وأرض مَكْلَبَةٌ : كثيرة الكلاب . والْكَلْبُ : المسمار في قائم السيف . والْكَلْبَةُ : سِيرٌ يدخل تحت السيرالذي تشد به المزادة فيخرز به وذلك لتصوره بصورة الكلب في الإصطياد به .
وقد كَلَبْتُ الأديم : خرزته بذلك ، قال الشاعر :
سَيْرُ صَنَّاعٍ في أديمٍ تَكْلُبُهُ
والْكَلْبُ : نجم في السماء مشبه بالكلب لكونه تابعاً لنجم يقال له الراعي .
والْكَلَبَتَانِ : آلة مع الحدادين سميا بذلك تشبيهاً بكلبين في اصطيادهما ، وثُنِّيَ اللفظ لكونهما اثنين .
والكلوبُ : شئ يمسك به . وكَلَالِيبُ البازي : مخالبه . اشتق من الكلب لإمساكه ما يعلق عليه إمساك الكلب .
ملاحظات
أطال الراغب في هذه المادة بدون طائل . وقد استعمل القرآن منها كَلْب أهل الكهف ، والكلب المعلم للصيد ، وضرب مثلاً بالكلب الذي يلهث دائماً ، لمن انسلخ عن آياتاللهتعالى .
كَلَفَ
الْكَلَفُ : الإيلاع بالشئ ، يقال : كَلِفَ فلان بكذا ، وأَكْلَفْتُهُ به : جعلته كَلِفاً ، والْكَلَفُ في الوجه سمي لتصور كُلْفَةٍ به .
وتَكلفُ الشئ : ما يفعله الإنسان بإظهار كَلَفٍ مع مشقة تناله في تعاطيه . وصارت الْكُلْفَةُ في التعارف إسماً للمشقة . والتكلفُ : اسم لما يفعل بمشقة أو تصنع أو تشبع .
ولذلك صار التكلفُ على ضربين : محمود ، وهو ما يتحراه الإنسان ليتوصل به إلى أن يصير الفعل الذي يتعاطاه سهلاً عليه ، ويصير كَلِفاً به ومحباً له ، وبهذا النظر يستعمل التكْلِيفُ في تكلف العبادات .
والثاني مذموم ، وهو ما يتحراه الإنسان مراءاة ، وإياه عني بقوله تعالى : قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكلفِينَ « ص : 86 » وقول النبي : أنا وأتقياء أمّتي برآء من التكلف .
وقوله : لا يُكلفُ الله نَفْساً إِلَّا وُسْعَها « البقرة : 286 » أي ما يعدونه مشقة فهو سعة في المآل ، نحو قوله : وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ « الحج : 78 » وقوله : فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً . الآية « النساء : 19 » .
كَلَمَ
الكَلْمُ : التأثير المدرك بإحدى الحاستين ، فَالْكَلَامُ : مدرك بحاسة السمع ، والْكَلْمُ : بحاسة البصر ، وكَلَمْتُهُ : جرحته جراحة بَانَ تأثيرُها . ولاجتماعهما في ذلك قال الشاعر :
والْكَلِمُ الأصيل كأرعَبِ الْكَلْمِ
الْكَلِمُ الأول جمع كَلِمَةٍ ، والثاني جراحات ، والأرعَب الأوسع . وقال آخر : وجُرْحُ الِّلسَانِ كَجُرْحِ اليَدِ
فَالْكَلَامُ : يقع على الألفاظ المنظومة ، وعلى المعاني التي تحتها مجموعة ، وعند النحويين يقع على الجزء منه ، إسماً كان أو فعلاً أو أداة .
وعند كثير من المتكلمين لا يقع إلا على الجملة المركبة المفيدة ، وهو أخص من القول ، فإن القول يقع عندهم على المفردات . والكَلمةُ : تقع عندهم على كل واحد من الأنواع الثلاثة ، وقد قيل بخلاف ذلك .
قال تعالى : كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ « الكهف : 5 » وقوله : فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ « البقرة : 37 » قيل : هي قوله : رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا « الأعراف : 23 » . وقال الحسن : هي قوله : ألم تخلقني بيدك ، ألم تُسكنِّي جنتك ، ألم تُسجد لي ملائكتك ،
--------------------------- 638 ---------------------------
ألم تسبق رحمتك غضبك ، أرأيت إن تبت أكنت معيدي إلى الجنة ؟ قال : نعم . وقيل : هي الأمانة المعروضة على السماوات والأرض والجبال في قوله : إنا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ . الآية . « الأحزاب : 72 » .
وقوله : وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ « البقرة : 124 » قيل : هي الأشياء التي امتحن الله إبراهيم بها من ذبح ولده ، والختان ، وغيرهما .
وقوله لزكريا : إن الله يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ الله « آل عمران : 39 » قيل : هي كَلِمَةُ التوحيد . وقيل : كتاب الله . وقيل يعني به عيسى ، وتسمية عيسى بكلمة في هذه الآية ، وفي قوله : وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ « النساء : 171 » لكونه موجداً بكُنْ المذكور في قوله : إن مَثَلَ عِيسى « آل عمران : 59 » وقيل : لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام الله تعالى . وقيل : سُمِّي به لما خصَّه الله تعالى به في صغره حيث قال وهو في مهده : إني عَبْدُ الله آتانِيَ الْكِتابَ . . الآية « مريم : 30 » وقيل : سُمي كَلِمَةَ الله تعالى من حيث إنه صار نبياً كما سُمي النبيّ : ذِكْراً رَسُولًا « الطلاق : 10 » .
وقوله : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الآية « الأنعام : 115 » . فَالْكَلِمَةُ هاهنا القضية ، فكل قضية تسمى كلمة ، سواء كان ذلك مقالاً أو فعالاً ، ووصفها بالصدق لأنه يقال : قول صدق وفعل صدق . وقوله : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ « الأنعام : 115 » إشارة إلى نحو قوله : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الآية « المائدة : 3 » ونبه بذلك أنه لا تنسخ الشريعة بعد هذا . وقيل : إشارة إلى ما قال عليه الصلاة والسلام : أول ما خلق الله تعالى القلم فقال له : إجْرِ بما هو كائن إلى يوم القيامة .
وقيل : الكَلِمَةُ هي القرآن ، وتسميته بكلمة كتسميتهم القصيدة كَلِمَةً ، فذكر أنها تتم وتبقى بحفظ الله تعالى إياها ، فعبر عن ذلك بلفظ الماضي تنبيهاً [ على ] أن ذلك في حكم الكائن ، وإلى هذا المعنى من حفظ القرآن أشار بقوله : فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ . . الآية . « الأنعام : 89 » .
وقيل : عنى به ما وعد من الثواب والعقاب ، وعلى ذلك قوله تعالى : بَلى وَلكِنْ حقتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ « الزمر : 71 » . وقوله : كَذلِكَ حقتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا . الآية . « يونس : 33 » .
وقيل : عنى بالكلمات الآيات المعجزات التي اقترحوها ، فنبه [ على ] أن ما أرسل من الآيات تام وفيه بلاغ ، وقوله : لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ « الأنعام : 115 » ردٌّ لقولهم : ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا . الآية « يونس : 15 » . وقيل : أراد بِكَلِمَةِ ربك أحكامه التي حكم بها وبين أنه شَرَعَ لعباده ما فيه بلاغ .
وقوله : وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا « الأعراف : 137 » وهذه الْكَلِمَةُ فيما قيل هي قوله تعالى : وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ . . الآية « القصص : 5 » وقوله : وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً « طه : 129 » وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ « الشورى : 14 » فإشارةٌ إلى ما سبق من حكمه الذي اقتضاه حكمته ، وأنه لا تبديل لكلماته .
وقوله تعالى : وَيُحق الله الْحق بِكَلِماتِهِ « يونس : 82 » أي بحججه التي جعلها الله تعالى لكم عليهم سلطاناً مبيناً ، أي حجة قوية .
وقوله : يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ الله « الفتح : 15 » هو إشارة إلى ما قال : فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ الآية « التوبة : 83 » وذلك إن الله تعالى جعل قول هؤلاء المنافقين : ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ « الفتح : 15 » تبديلاً لكلام الله تعالى ، فنبه [ على ] أن هؤلاء لا يفعلون وكيف يفعلون ، وقد علم الله تعالى منهم أن لا يتأتى ذلك منهم ، وقد سبق بذلك حكمه .
ومُكالَمَةُ الله تعالى العبد : على ضربين ، أحدهما : في الدنيا .
--------------------------- 639 ---------------------------
والثاني : في الآخرة . فما في الدنيا فعلى ما نبه عليه بقوله : ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكلمَهُ الله الآية « الشورى : 51 » . وما في الآخرة ثوابٌ للمؤمنين وكرامة لهم ، تخفى علينا كيفيته : [ وَلا يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ] ونبه [ على ] أنه يحرم ذلك على الكافرين بقوله : إن الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله « آل عمران : 77 » .
وقوله : يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ « النساء : 46 » جمع الكلمة ، وقيل : إنهم كانوا يبدلون الألفاظ ويغيرونها ، وقيل : إنه كان من جهة المعنى ، وهو حمله على غير ما قصد به واقتضاه ، وهذا أمثل القولين فإن اللفظ إذا تداولته الألسنة واشتهر يصعب تبديله .
وقوله : وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكلمُنَا الله أَوْ تَأْتِينا . آيَةٌ « البقرة : 118 » أي لولا يكلمنا الله مواجهة وذلك نحو قوله : يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ إلى قوله : أَرِنَا الله جَهْرَةً . « النساء : 153 » .
ملاحظات
فسر الراغب عدداً من آيات هذه المادة ، فذكر فيها أقوى الاحتمالات برأيه ، وبعض كلامه عليه إشكالات لا يتسع لها الكتاب . لكن لا بد من القول إن الكلمة في المصطلح القرآني تعني مشروعاً ربانياً له هدف ومجرى في حياة الناس . فقد استعملت في القرآن مقابل كلمة الذين كفروا ، التي هي مشروع طغيان وضلالٍ له هدف ومجرى في حياة الناس .
قال تعالى : وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا .
كما أن كلمة الله تعالى متنوعة ، فمنها خطط ، ومنها قوانين ، ومنها أشخاص ، وأمور . وقد وردت في بضع وعشرين آية ، وورد جمَعْهُاَ كلمات في بضع عشرة آية . وكلمته مضافةً إلى ضمير الغائب مرة ، وكلمتنا مضافة إلى ضمير الجمع مرة .
وبهذا يسهل فهم قوله تعالى : فَتَلَقَّىءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ . وقد ذكر فيها الراغب احتمالين وكلاهما دعاء ، والدعاء لا يصح أن يكون كلمة الله .
على أن الدعاء الذي نقله عن الحسن البصري حذف بقيته ! فقد رواه السيوطي في الدر المنثور « 1 / 60 » قال : « أخرج ابن النجار عن ابن عباس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه . قال سأل بحق محمدٍ وعليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحسينِ إلا تبت عليَّ فتاب عليه » .
وروى نحوه عن مسند الفردوس ، وفيه شبيه بدعاء الحسن البصري ! والنبي وآله صلى الله عليه وآله يصح أن يكونوا كلمات تُتلقى ويدعى بحقها ، أو يكون تلقيها والإيمان بها موجباً للتوبة . فهم خير الخلق وأعظم كلمات الله على الإطلاق .
كَلَّا
كَلَّا : ردعٌ وزجر وإبطال لقول القائل ، وذلك نقيض إي في الإثبات . قال تعالى : أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ . إلى قوله كلا « مريم : 77 » .
وقال تعالى : لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كلا « المؤمنون : 100 » إلى غير ذلك من الآيات . وقال : كلا لما يَقْضِ ما أَمَرَهُ . « عبس : 23 » .
ملاحظات
أصل كَلَّا في العربية للردع وإبطال قول موجود أو مقدر . لكنها استعملت في القرآن بأوسع من ذلك ، قال تعالى : كَلاسَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ . قُلْ أَرُونِىَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلا بَلْ هُوَ الله . . كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ . كَلا سَيَعْلَمُونَ . كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ . كَلا إِنَّ الآنْسَانَ لَيَطْغَى .
فهي أشبه بالإستناف مع رد التصور المخالف .
كَلَأ
الْكَلَاءَةُ : حفظ الشئ وتبقيته ، يقال : كَلَأَكَ الله ، وبلغ
--------------------------- 640 ---------------------------
بك أَكْلَأَ العُمرِ ، واكْتَلَأْتُ بعيني كذا . قال : قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ . . الآية . « الأنبياء : 43 » .
والمُكلأُ : موضع تحفظ فيه السُّفُنُ ، والْكلاءُ : موضع بالبَصْرَةِ ، سمي بذلك لأنهم يَكْلَؤونَ سفنهم هناك ، وعبر عن النسيئة بِالْكَالِئِ . وروي أنه عليه الصلاة والسلام : نهى عن الْكَالِئِ بالكالئ .
والْكَلأُ : العُشْبُ الذي يحفظ . ومكان مُكْلَأٌ وكَالِئٌ : يكثر كَلَؤُهُ .
كِلَا
كِلَا : في التثنية ككل في الجمع ، وهو مفرد اللفظ مثنى المعنى ، عبر عنه بلفظ الواحد مرة اعتباراً بلفظه ، وبلفظ الاثنين مرة اعتباراً بمعناه . قال : إما يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما « الإسراء : 23 » ويقال في المؤنث : كِلْتَا .
ومتى أضيف إلى اسم ظاهر بقي ألفه على حالته في النصب والجر والرفع ، وإذا أضيف إلى مضمر قلبت في النصب والجرِّ ياءً ، فيقال : رأيت كِلَيْهِمَا ، ومررت بكليهما . قال : كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها « الكهف : 33 » وتقول في الرفع : جاءني كِلَاهُمَا .
كَمْ
كَمْ : عبارة عن العدد ، ويستعمل في باب الاستفهام ، وينصب بعده الاسم الذي يميز به نحو : كَمْ رجلاً ضربت . ويستعمل في باب الخبر ، ويُجر بعده الاسم الذي يميز به نحو : كَمْ رجلٍ . ويقتضي معنى الكثرة .
وقد يدخل من في الاسم الذي يميز بعده ، نحو : وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها « الأعراف : 4 » وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً « الأنبياء : 11 » .
والكُمُّ : ما يغطي اليد من القميص . والْكِمُّ : ما يغطي الثمرةَ وجمعه : أَكْمَامٌ . قال : وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ « الرحمن : 11 » . والْكُمَّةُ : مايغطي الرأس كالقلنسوة .
كَمُلَ
كَمَالُ الشئ : حصول ما فيه الغرض منه . فإذا قيل كَمُلَ ذلك فمعناه : حصل ما هو الغرض منه .
وقوله تعالى : وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ « البقرة : 233 » تنبيهاً [ على ] أن ذلك غاية ما يتعلق به صلاح الولد . وقوله : لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ « النحل : 25 » تنبيهاً [ على ] أنه يحصل لهم كمال العقوبة .
وقوله : تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ « البقرة : 196 » قيل : إنما ذكر العشرة ووصفها بالكاملة لا ليعلمنا أن السبعة والثلاثة عشرة ، بل ليُبَيِّنَ أنه بحصول صيام العشرة يحصل كَمَالُ الصوم القائم مقام الهدي .
وقيل : إن وصفه العشرة بالكاملة استطرادٌ في الكلام وتنبيهٌ على فضيلة له فيما بين علم العدد ، وأن العشرة أول عقد ينتهي إليه العدد فيكمل ، وما بعده يكون مكرراً مما قبله . فالعشرة هي العدد الكامل .
ملاحظات
1 . قلنا في تَمَّ إن التمام والنقص أمران نسبيان متفاوتان في الأشياء والأشخاص والأمور ، ولا فرق فيهما بين المعدود والممسوح وغيرهما . وقد أوضح معناهما قوله تعالى : وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ . « البقرة : 233 » . وقوله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الآسْلامَ دِينًا . « المائدة : 3 »
فالكمال وصفٌ للمركب الذي ينتفي وجوده بانتفاء جزئه ، كتبليغ الرسالة الذي ينتفي بعدم تبليغ رسالة واحدة : وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ . « المائدة : 67 » . فالدين لايكتمل بدون ركنه الأخير الذي أمر الله
--------------------------- 641 ---------------------------
رسوله صلى الله عليه وآله بإبلاغه .
أما التمام فيوصف به المركب الذي لا ينتفي وجوده بانتفاء جزئه بل يكون وجوداً ناقصاً ، كالرضاعة ، فالتام منها حولان ، فإن نقصت يوماً لم تتم لكنها تكون رضاعة غير تامة .
فقوله تعالى : أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، معناه : إكماله بتنزيل جزئه المكمل لمركبه ، وبدونه يبقى ناقصاً بمثابة غير الموجود .
وهو نفس المعنى الذي ذكره الراغب في مادة تَمَّ ، قال : « وقوله : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ، إشارة إلى نحو قوله : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ . الآية ، ونبه بذلك أنه لا تنسخ الشريعة بعد هذا » .
ومعناه أن النسخ كان باقياً حتى نزلت الإمامة فانتهى النسخ وكمل الدين ، وتمت بها النعمة .
ولا يرد عليه الإشكال بقوله تعالى : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ . وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ . « البقرة : 184 » لأن المركب هنا هو عِدَّةُ الشهر وهي تنتفي بعدم قضاء ما فات منها بسفر أو مرض ، لكن الصيام أقل من العدة لاينتفي .
2 . استعمل القرآن التمام لكلمة الله عز وجل : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً « الأنعام : 115 » وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ « هود : 119 » وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ . « الأعراف : 137 » .
كما وعدَ عز وجل أن يتم نوره في الأرض : وَيَأْبَى الله إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ . « التوبة : 32 » . والله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . « الصف : 8 » . وعبَّر بإتمام نعمته على الناس : كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ . « النحل : 81 » .
وذكر امتحان إبراهيم عليه السلام بكلمات : وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ . « البقرة : 124 » .
ودعاء المؤمنين أن يتم الله نورهم : يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا . « التحريم : 8 » .
وإتمام النعمة على يوسف عليه السلام : وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ . « يوسف : 6 » .
وإتمام ميقات موسى عليه السلام : وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً . « الأعراف : 152 » .
وإتمام موسى العقد مع شعيب عليهما السلام : فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ . « القصص : 27 » .
وإيتاء موسى الكتاب : ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ . « الأنعام : 154 » .
وإتمام النعمة على المسلمين : وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى . وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ . « المائدة : 3 و 9 » . وَلأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ . « البقرة : 150 » .
وإتمام النعمة على النبي صلى الله عليه وآله : وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ . « الفتح : 2 » .
وإتمام الرضاعة : حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ . « البقرة : 233 » .
وإتمام الصيام والحج والعهد : ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ . وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمَرَةَ للهِ . « البقرة : 187 ز 196 » . فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ . « التوبة : 4 » .
3 . قال الخليل « 8 / 111 » : « تتمة كل شئ ما يكون تماماً لغايته كقولك : هذه الدراهم تمام هذه المائة وتتمة هذه المائة . والتَّمُّ : الشئ التام يقال : جعلته تَماً ، أي بتمامه . والتميمة : قلادة من سيور ، وربما جعلت العوذة التي تعلق في أعناق الصبيان . وأتممته إتماماً : علقت عليه التميمة .
والتمتمة : في الكلام ألا يبين اللسان ، يخطئ موضع
--------------------------- 642 ---------------------------
الحرف فيرجع إلى لفظ كأنه التاء والميم ، ورجل تمتام » .
كَمَهَ
الْأَكْمَهُ : هو الذي يولد مطموس العين ، وقد يقال لمن تذهب عينه ، قال : كَمِهَتْ عيناه حتى ابيضتا .
كَنَّ
الْكِنُّ : ما يحفظ فيه الشئ . يقال : كَنَنْتُ الشئ كَنّاً : جعلته في كِنٍّ . وخُصَّ كَنَنْتُ بما يستر ببيت أو ثوب ، وغير ذلك من الأجسام ، قال تعالى : كَأنهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ « الصافات : 49 » كَأنهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ « الطور : 24 » وأَكْنَنْتُ : بما يُستَر في النفس . قال تعالى : أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ « البقرة : 235 » .
وجمع الكِنِّ أَكْنَانٌ ، قال تعالى : وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً « النحل : 81 » .
والكِنَانُ : الغطاء الذي يكنُّ فيه الشئ ، والجمع أَكِنَّةٌ نحو : غطاء وأغطية ، قال : وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ « الأنعام : 25 » وقوله تعالى : وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ « فصلت : 5 » .
قيل : معناه في غطاء عن تفهم ما تورده علينا ، كما قالوا : يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ . الآية . « هود : 91 » .
وقوله : إنهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ « الواقعة : 77 » قيل : عنى بالكتاب الْمَكْنُونِ اللَّوح المحفوظ ، وقيل : هو قلوب المؤمنين ، وقيل : ذلك إشارة إلى كونه محفوظاً عند الله تعالى ، كما قال : وَإنا لَهُ لَحافِظُونَ « الحجر : 9 » .
وسميت المرأة المتزوجة : كِنَّةً ، لكونها في كن من حفظ زوجها ، كما سميت محصَنة لكونها في حصن من حفظ زوجها . والْكِنَانَةُ : جُعْبة غير مشقوقة .
ملاحظات
جعل الراغب كَنَنْتُ للأجسام وأكننت لما يخفى في النفس ، ولا يصح ذلك ، بل ذكر اللغويون أن كَنَّ وأَكَنَّ بمعنى واحد ، والفرق بينهما في شدة الكنِّ وليس في نوع المكنون .
وقال الجوهري « 6 / 2189 » : « كننت العلم وأكننته » .
وقال ابن فارس « 5 / 123 » : « يقال كننتُ الشئ في كنه إذا جعلته فيه وصنته . وأكننت الشئ أخفيته » .
كَنَدَ
قوله تعالى : إن الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ « العاديات : 6 » أي كفور لنعمته ، كقولهم : أرض كَنُودٌ : إذا لم تنبت شيئاً .
كَنَزَ
الْكَنْزُ : جعل المال بعضه على بعض وحفظه . وأصله من كَنَزْتُ التمرَ في الوعاء . وزمن الْكِنَاز : وقت ما يُكْنَزُ فيه التمر . وناقة كِنَازٌ مُكْتَنِزَةُ اللّحم .
وقوله تعالى : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ « التوبة : 34 » أي يَدَّخرونها . وقوله : فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ « التوبة : 35 » وقوله : لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ « هود : 12 » أي مال عظيم .
وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما « الكهف : 82 » قيل : كان صحيفة علم .
كَهَفَ
الْكَهْفُ : الغار في الجبل ، وجمعه كُهُوفٌ . قال تعالى : أن أَصْحابَ الْكَهْفِ . . الآية .
كَهَلَ
الْكَهْلُ : من وَخَطَهُ الشَّيْبُ ، قال : وَيُكلمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ « آل عمران : 46 »
واكْتَهَلَ النَّبَاتُ : إذا شارف اليبوسة مشارفة الْكَهْلِ الشَّيْبَ ، قال : مؤزَرٌّ بهشيم النَّبْتِ مُكْتَهِلٌ .
كَهَنَ
الْكَاهِنُ : هو الذين يخبر بالأخبار الماضية الخفية بضرب من الظن . والعرَّاف : الذي يخبر بالأخبار المستقبلة على نحو ذلك . ولكون هاتين الصَّناعتين مبنيتين على الظن الذي يخطئ ويصيب قال عليه الصلاة والسلام : من أتى عَرَّافاً
--------------------------- 643 ---------------------------
أو كَاهِناً فصدقه بما قال ، فقد كفر بما أنزل على أبي القاسم .
ويقال : كَهُنَ فلان كهَانَةً إذا تعاطى ذلك . وكَهَنَ : إذا تخصص بذلك ، وتَكَهَّنَ : تكلف ذلك ، قال تعالى : وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ « الحاقة : 42 » .
ملاحظات
أخطأ الراغب في تعريفه ، فالكاهن يخبر غالباً عن المستقبل ، والعراف عن الماضي . قال ابن الأثير في النهاية « 4 / 214 » : « الكاهن : الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار . وقد كان في العرب كهنة ، كشِقّ ، وسَطِيح ، وغيرهما ، فمنهم من كان يزعم أن له تابعاً من الجن ورِئِيَّاً يُلقي إليه الأخبار . ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله ، وهذا يخصونه باسم العراف ، كالذي يدعى معرفة الشئ المسروق ، ومكان الضالة » .
وقال ابن منظور « 13 / 362 » : « كَهَنَ له يَكْهَنُ ويكهُنُ وكَهُنَ كَهانةً وتكَهَّنَ تكَهُّناً وتَكْهِيناً ، الأَخير نادر : قَضى له بالغيب . قال الأَزهري : وكانت الكَهانةُ في العرب قبل مبعث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله فلما بُعث نَبِيّاً وحُرِسَت السماء بالشُّهُب ومُنِعت الجنُّ والشياطينُ من استراق السمع وإِلقائه إِلى الكَهَنةِ ، بطل علم الكَهانة ، وأَزهق الله أَباطيلَ الكُهَّان بالفُرْقان الذي فَرَقَ الله عز وجل به بين الحق والباطل ، وأَطلع الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله ، بالوَحْيِ على ما شاءَ من علم الغُيوب التي عَجَزت الكَهنةُ عن الإِحاطة به ، فلا كَهانةَ اليوم بحمد الله ومَنِّه ، وإِغنائه بالتنزيل عنها » .
وفي المفصل في تاريخ العرب « 12 / 332 » : « والكهانة في اللغة العربية تعاطي الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ومعرفة المغيبات والأسرار ، وتقابل هذا التعريف في العربية كلمة : Soothsayer في الإنكليزية . وتقابل كلمة : كاهن لفظة كوهين : kohen في العبرانية وكهنا : kahna في لغة بني إرم ، وكلها من الأصل السامي القديم » .
وفي قاموس الكتاب المقدس / 761 : « كاهن : تعني الشيخ » .
كَوَبَ
الكُوبُ : قدح لا عروة له ، وجمعه أَكْوَابٌ . قال : بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ « الواقعة : 18 » .
والْكُوبَةُ : الطبل الذي يُلْعَبُ به .
ملاحظات
في جواهر الكلام « 41 / 51 » : « عن النبي صلى الله عليه وآله : إن الله حرم على أمتي الخمر ، والميسر ، والنرد ، والمرز ، والكوبة ، والقنين . والكوبة : الطبل » .
وقال الخليل « 5 / 417 » : « الكوبة : الشطرنجة . والكوبة : قصبات تجمع في قطعة أديم ثم يخرز بها ويُزَمَّرُ فيها ، وسميت كوبة لأن بعضها كُوِّبَ على بعض ، أي ألزق » .
فالظاهر أن الكوبة في العربية بمعنى الشطرنج والطبل والمزمار . وهي معربة عن الفارسية ، وفي القاموس الفارسي دهخدا ، أنها النرد والشطرنج والمدقة ، مشتقة من كوبيدن بمعنى دقَّ ، فهي اسم لأشياء تتصل بالدق .
كَيَدَ
الْكَيْدُ : ضرب من الاحتيال ، وقد يكون مذموماً وممدوحاً ، وإن كان يستعمل في المذموم أكثر ، وكذلك الإستدراج والمكر ، ويكون بعض ذلك محموداً ، قال : كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ « يوسف : 76 » وقوله : وَأُمْلِي لَهُمْ إن كَيْدِي مَتِينٌ « الأعراف : 183 » . قال بعضهم : أراد بالكيد العذاب ، والصحيح أنه هو الإملاء والإمهال المؤدي إلى
--------------------------- 644 ---------------------------
العقاب كقوله : إنما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً « آل عمران : 178 » وَإن الله لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ « يوسف : 52 » فخص الخائنين تنبيهاً [ على ] أنه قد يهدي كيد من لم يقصد بكيده خيانة ، ككيد يوسف بأخيه .
وقوله : لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ « الأنبياء : 57 » أي لأريدن بها سوءً . وقال : فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ « الصافات : 98 » وقوله : فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ « المرسلات : 39 » وقال : كَيْدُ ساحِرٍ « طه : 69 » فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ « طه : 64 » . ويقال : فلان يَكِيدُ بنفسه أي يجود بها . وكَادَ الزندُ ، إذا تباطأ بإخراج ناره .
ووُضِعَ كَادَ لمقاربة الفعل ، يقال : كَادَ يفعل إذا لم يكن قد فعل ، وإذا كان معه حرف نفي يكون لما قد وقع . ويكون قريباً من أن [ لا ] يكون ، نحو قوله تعالى : لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا « الإسراء : 74 » وَإِنْ كادُوا « الإسراء : 73 » تَكادُ السَّماواتُ « مريم : 90 » يَكادُ الْبَرْقُ « البقرة : 20 » يَكادُونَ يَسْطُونَ « الحج : 72 » إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ « الصافات : 56 » ولا فرق بين أن يكون حرف النفي متقدماً عليه أو متأخراً عنه . نحو : وَما كادُوا يَفْعَلُونَ « البقرة : 71 » لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ « النساء : 78 » .
وقلما يستعمل في كاد أن إلا في ضرورة الشعر قال :
قد كَادَ من طُول البِلَى أن يَمْصَحَا
أي : يمضي ويدرس .
ملاحظات
لم يستعمل القرآن الكريم كادَ ومشتقاتها مع أنْ أبداً ، وكذلك الخليل في كتابه العين ، إلا قول شاعر « 5 / 380 » :
كَادَ العَرُوسُ أن يكونَ مَلِكَا
لكن قال رسول الله صلى الله عليه وآله « الكافي : 2 / 53 و 307 » : « كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء كاد الفقر أن يكون كفراً »
وقال الإمام زين العابدين عليه السلام : « كَادَ أَنْ يَحُلَّ بِي لَوْلَا رَحْمَتُكَ » « الصحيفة / 244 » وفي البخاري « 6 / 46 » : « كاد الخيِّران أن يهلكا » ولم أصل إلى فرق مقنع بين استعمالها مع أنْ وعدمه إلا أن يُقصد بطؤ الفعل بعدها
كَوَرَ
كَوْرُ الشئ : إدارته وضم بعضه إلى بعض كَكَوْرِ العمامةِ . وقوله تعالى : يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ « الزمر : 5 » فإشارةٌ إلى جريان الشمس في مطالعها ، وانتقاص الليل والنهار وازديادهما .
وطعنه فَكَوَّرَهُ : إذا ألقاه مجتمعاً . واكْتَارَ الفَرَسُ : إذا أدار ذنبه في عدوه ، وقيل لإبل كثيرة : كَوْرٌ .
وكَوَّارَةُ النحل : معروفة .
والْكُورُ : الرحلُ ، وقيل لكل مصركُورَةٌ ، وهي البقعة التي يجتمع فيها قرى ومحال .
كَأْس
قال تعالى : مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً « الإنسان : 5 » كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا « الإنسان : 17 » .
والْكَأْسُ : الإناء بما فيه من الشراب ، وسمي كل واحد منهما بانفراده كأساً ، يقال : شربت كَأْساً ، وكَأْسٌ طيبة يعني بها الشَّرَابَ . قال تعالى : وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ « الواقعة : 18 » وكَاسَتِ الناقة تَكُوسُ : إذا مشت على ثلاثة قوائم .
والكيْسُ : جودة القريحة ، وأَكْأَسَ الرجل وأكيس : إذا ولد أولاداً أكياساً .
وسمي الغدر كَيْسَان تصوُّراً أنه ضربٌ من استعمال الكيس ، أو لأن كيسان كان رجلاً عرف بالغدر ثم سمي كل غادر به . كما أن الهالكي كان حداداً عرف بالحدادة ، ثم سمي كل حداد هالكياً .
كَيْفَ
كَيْفَ : لفظ يسأل به عما يصح أن يقال فيه شبيه وغير
--------------------------- 645 ---------------------------
شبيه ، كالأبيض والأسود ، والصحيح والسقيم ، ولهذا لا يصح أن يقال في الله عز وجل : كيف .
وقد يعبر بكَيْفَ عن المسؤول عنه كالأسود والأبيض فإنا نسميه كيف .
وكل ما أخبر الله تعالى بلفظة كَيْفَ عن نفسه ، فهو استخبار على طريق التنبيه للمخاطب .
أو توبيخٌ نحو : كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِالله « البقرة : 28 » كَيْفَ يَهْدِي الله « آل عمران : 86 » كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ « التوبة : 7 » انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ « الإسراء : 48 » فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ « العنكبوت : 20 » أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ الله الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ « العنكبوت : 19 » .
كَيَلَ
الْكَيْلُ : كيل الطعام يقال : كِلْتُ له الطعام ، إذا توليت ذلك له ، وكِلْتُهُ الطعام : إذا أعطيته كَيْلاً ، واكْتَلْتُ عليه : أخذت منه كيلاً . قال الله تعالى : وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ « المطففين : 1 » .
وذلك إن كان مخصوصاً بالكيل فحثٌّ على تحري العدل في كل ما وقع فيه أخذ ودفع . وقوله : فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ « يوسف : 88 » فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ « يوسف : 63 » كَيْلَ بَعِيرٍ « يوسف : 65 » مقدار حمل بعير .
كانَ
كَان : عبارةٌ عما مضى من الزمان ، وفي كثير من وصف الله تعالى تنبئ عن معنى الأزلية ، قال : وَكانَ الله بِكل شَئ عَلِيماً « الأحزاب : 40 » وَكانَ الله عَلى كل شَئ قَدِيراً « الأحزاب : 27 » .
وما استعمل منه في جنس الشئ متعلقاً بوصف له هو موجود فيه ، فتنبيهٌ على أن ذلك الوصف لازمٌ له ، قليلُ الإنفكاك منه ، نحو قوله في الإنسان : وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً « الإسراء : 67 » وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً « الإسراء : 100 » وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَئ جَدَلًا « الكهف : 54 » فذلك تنبيهٌ على أن ذلك الوصف لازم له قليل الإنفكاك منه . وقوله في وصف الشيطان : وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا « الفرقان : 29 » وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً « الإسراء : 27 » .
وإذا استعمل في الزمان الماضي فقد يجوز أن يكون المستعمل فيه بقي على حالته كما تقدم ذكره آنفاً ، ويجوز أن يكون قد تغير نحو : كَانَ فلانٌ كذا ثم صار كذا .
ولا فرق بين أن يكون الزمان المستعمل فيه كان قد تقدم تقدماً كثيراً ، نحو أن تقول : كان في أول ما أوجد الله تعالى ، وبين أن يكون في زمان قد تقدم بآن واحد عن الوقت الذي استعملت فيه كان ، نحو أن تقول : كان آدم كذا ، وبين أن يقال : كان زيد هاهنا ، ويكون بينك وبين ذلك الزمان أدنى وقت ، ولهذا صح أن يقال : كَيْفَ نُكلمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا « مريم : 29 » فأشار بكان « إلى » أن عيسى وحالته التي شاهده عليها قُبَيْلَ . وليس قول من قال هذا إشارة إلى الحال بشئ ، لأن ذلك إشارة إلى ما تقدم ، لكن إلى زمان يقرب من زمان قولهم هذا .
وقوله : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ « آل عمران : 110 » فقد قيل : معنى كُنْتُمْ معنى الحال ، وليس ذلك بشئ ، بل إنما ذلك إشارة إلى أنكم كنتم كذلك في تقدير الله تعالى وحكمه .
وقوله : وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ « البقرة : 280 » فقد قيل : معناه حصل ووقع .
والْكَوْنُ : يستعمله بعض الناس في استحالة جوهر إلى ما هو دونه ، وكثير من المتكلمين يستعملونه في معنى الإبداع .
وكَيْنُونَةٌ : عند بعض النحويين فعلولة ، وأصله كَوْنُونَةٌ ، وكرهوا الضمة والواو فقلبوا . وعند سيبويه كَيْوِنُونَةٌ على وزن فيعلولة ، ثم أدغم فصار كَيِّنُونَةً ، ثم حذف فصار كَيْنُونَةً ، كقولهم في مَيِّتٍ : مَيْت . وأصل مَيِّت : ميوت ، ولم
--------------------------- 646 ---------------------------
يقولوا كيّنونة على الأصل ، كما قالوا : ميت لثقل لفظها .
والْمَكَانُ : قيل أصله من كَانَ يَكُونُ ، فلما كثر في كلامهم تُوُهِّمت الميم أصلية ، فقيل تمكن كما قيل في المسكين : تمسكن .
واسْتَكانَ فلان : تضرّع ، وكأنه سكن وترك الدعة لضراعته . قال تعالى : فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ « المؤمنون : 76 » .
كَوَى
كَوَيْتُ الدابة : بالنار كَيّاً . قال : فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ « التوبة : 35 » . وكَيْ : علة لفعل الشئ .
وكَيْلَا : لانتفائه ، نحو كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً « الحشر : 7 » .
كاف
الكَافُ : للتشبيه والتمثيل ، قال تعالى : فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ « البقرة : 264 » معناه : وصفهم كوصفه .
وقوله : كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ الآية « البقرة : 264 » . فإن ذلك ليس بتشبيه وإنما هو تمثيل كما يقول النحويون مثلاً ، فالاسم كقولك : زيد ، أي مثاله قولك : زيد . والتمثيل أكثر من التشبيه ، لأن كل تمثيل تشبيه ، وليس كل تشبيه تمثيلاً .
تم كتاب الكاف
بحمد الله وعونه وحسن توفيقه
--------------------------- 647 ---------------------------
--------------------------- 648 ---------------------------
كتاب اللام وما يتصل بها
لَبَّ
اللُّبُّ : العقل الخالص من الشوائب ، وسمي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من معانيه ، كَاللُّبَابِ واللُّبِّ من الشئ . وقيل : هو ما زكى من العقل ، فكل لبٍّ عقلٌ وليس كل عقلٍ لُبّاً ، ولهذا علق الله تعالى الأحكام التي لا يدركها إلا العقول الزكية بأولي الْألباب ، نحو قوله : وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً . إلى قوله : أُولُوا الْأَلْبابِ « البقرة : 269 » ونحو ذلك من الآيات .
ولَبَّ فُلَانٌ يَلَبُّ : صار ذا لب ، وقالت امرأة في ابنها : إضربه كي يُلَبّ ، ويقودَ الجيشَ ذا الَّلجَبْ . ورجل أَلْبَبُ من قوم أَلِبَّاءَ . ومَلْبُوبٌ : معروف باللب . وأَلَبَّ بالمكان : أقام وأصله في البعير وهو أن يلقي لَبَّتَهُ فيه أي صدره .
وتَلَبَّبَ : إذا تحزم ، وأصله أن يشد لبته . ولَبَّبْتُهُ : ضربت لبته ، وسمي اللَّبَّةَ لكونه موضع اللب ، وفلان في لَبَبٍ رخي ، أي في سعة .
وقولهم : لَبَّيْكَ . قيل أصله من لَبَّ بالمكان وألب : أقام به ، وثُنِّيَ لأنه أراد إجابةً بعد إجابة . وقيل : أصله لَبَبَ فأبدل من أحد الباءات ياء ، نحو تظنيت ، وأصله تظننت . وقيل : هو من قولهم امرأة لَبَّةٌ ، أي محبة لولدها . وقيل معناه : إخلاص لك بعد إخلاص ، من قولهم : لُبُّ الطعام أي خالصه . ومنه : حَسَبٌ لُبَابٌ .
ملاحظات
أصل اللُّب لُبُّ الثمرة في مقابل القشر ، وأولوا الألباب تعبيرٌ قرآني مبتكر يعني نوعاً خاصاً من العقلاء ، فهم الناس الذين لهم لب في مقابل الناس الفارغين .
قال الخليل « 8 / 317 » : « ولُبُّ الرجل : ما جُعل في قلبه من العقل ، وجمع اللب ألباب » .
--------------------------- 649 ---------------------------
وقال الإمام الحسن عليه السلام : « إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها ، قيل : يا ابن رسول الله ومن أهلها ؟ قال : الذين قص الله في كتابه وذكرهم فقال : إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ . قال : هم أولو العقول » . « الكافي : 1 / 19 »
وقال الإمام الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم : « يا هشام ، ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر ، وحلَّاهم بأحسن الحلية ، فقال : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ، وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ . وقال : أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ، إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ . . يا هشام ، إن الله تعالى يقول في كتابه : إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ . يعني عقل . وقال : وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ، قال : الفهم والعقل » « الكافي : 1 / 15 » .
وفسر أهل البيت عليه السلام قوله تعالى : هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ، إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ، بشيعتهم ، لأنهم الوحيدون الذين يميزون بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون . أما بقية الأمة فقالوا يجوز تقديم غير الأعلم على الأعلم ، وفعلوا ذلك !
قال الإمام الباقر عليه السلام « البصائر / 74 » : « نحن الذين نعلم ، وعدونا الذين لا يعلمون ، وشيعتنا أولو الألباب » .
لَبِثَ
لَبِثَ بالمكان : أقام به ملازماً له . قال تعالى : فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ « العنكبوت : 14 » فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ « طه : 40 » قال : كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ « الكهف : 19 » لمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً « النازعات : 46 » لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ « الأحقاف : 35 » ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ « سبأ : 14 » .
ملاحظات
الإقامة في المكان أمرٌ عرفي ، ولا يشترط فيها الملازمة ، ولا الرضا بها ، قال تعالى : فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ .
لَبَدَ
قال تعالى : يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً « الجن : 19 » أي مجتمعة ، الواحدة : لُبْدَةٌ ، كَاللُّبْدِ المُتَلَبِّدِ أي المجتمع ، وقيل معناه : كانوا يسقطون عليه سقوط اللبد ، وقرئ : لِبْدا أي متلبداً ملتصقاً بعضها ببعض للتزاحم عليه .
وجمع اللُّبْدِ : أَلْبَادٌ ولُبُودٌ . وقد أَلْبَدْتُ السرجَ : جعلت له لبداً ، وأَلْبَدْتُ الفرسَ : ألقيت عليه اللبد . نحو أسرجته وألجمته وألببته . واللِّبْدَةُ : القطعة منها . وقيل : هو أمنع من لبدة الأسد ، أي من صدره .
ولَبَّدَ الشَّعر ، وأَلْبَدَ بالمكان : لزمه لزوم لبده ، ولَبِدَتِ الإبل لَبَداً : أكثرت من الكلإ حتى أتعبها . وقوله : مالاً لُبَداً « البلد : 6 » أي كثيراً متلبِّداً ، وقيل : ما له سَبَدٌ ولا لَبَد .
ولُبَدُ : طائر من شأنه أن يلصق بالأرض ، وآخر نسور لقمان كان يقال له لُبَدُ .
وأَلْبَدَ البعيرُ : صار ذا لَبَد من الثلط « رجيعه » وقد يكنى بذلك عن حسنه لدلالة ذلك منه على خصبه وسمنه .
وأَلْبَدْتُ القِرْبَةَ : جعلتها في لَبِيدٍ ، أي في جوالق صغير .
ملاحظات
قال الخليل « 8 / 44 » : « وكل شعر وصوفٍ تَلَبَّدَ فهو لِبَد . ولُبدة الأسد : شعر كثير تلبد على زبرته ، وقد يكون مثل ذلك على سنام البعير . واللَّبَّادة : لباس من لبود » .
وقال الخليل « 4 / 126 » : « لَبَدُ الزمان : الشيب » .
وقد ورد في القرآن في آيتين : في وصف أحد زعماء المشركين للمال الكثير الذي أنفقه في عداوة النبي صلى الله عليه وآله : يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا .
لَبِسَ
لَبِسَ الثوب : استتر به ، وأَلْبَسَهُ غيره ، ومنه : يَلْبَسُونَ ثِياباً
--------------------------- 650 ---------------------------
خُضْراً « الكهف : 31 » .
واللِّبَاسُ واللَّبُوسُ واللَّبْسُ : ما يلبس . قال تعالى : قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ « الأعراف : 26 » وجعل اللباس لكل ما يغطي من الإنسان عن قبيح ، فجعل الزوج لزوجه لباساً من حيث إنه يمنعها ويصدها عن تعاطي قبيح قال تعالى : هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ « البقرة : 187 » فسماهن لباساً كما سماها الشاعر إزاراً في قوله :
فدى لك من أخي ثقة إزاري
وجَعَلَ التقوى لِبَاساً على طريق التمثيل والتشبيه ، قال تعالى : وَلِباسُ التقْوى ذلِكَ خَيْرٌ « الأعراف : 26 » وقوله : صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ « الأنبياء : 80 » يعني به الدِّرْعَ . وقوله : فَأَذاقَهَا الله لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ « النحل : 112 » وجَعَلَ الجوع والخوف لباساً على التجسيم والتشبيه تصويراً له ، وذلك بحسب ما يقولون : تدرَّع فلان الفقر ولَبِسَ الجوعَ ونحو ذلك . قال الشاعر : كَسَوْتُهُمْ منْ حَبْرِ بَزٍّ مُتَحَّمِ
نوع من برود اليمن يعني به شَعراً . وقرأ بعضهم : وَلَبَاسُ التقْوى ، من اللِّبس أي الستر .
وأصل اللَّبْسِ : ستر الشئ ، ويقال ذلك في المعاني ، يقال : لَبَسْتُ عليه أمره . قال : وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ « الأنعام : 9 » وقال : وَلا تَلْبِسُوا الْحق بِالْباطِلِ « البقرة : 42 » لِمَ تَلْبِسُونَ الْحق بِالْباطِلِ « آل عمران : 71 » الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ « الأنعام : 82 » ويقال : في الأمر لُبْسَةٌ ، أي الْتِبَاسٌ ، ولَابَسْتُ الأمر ، إذا زاولته ، ولَابَسْتُ فلاناً : خالطته ، وفي فلان مَلْبَسٌ ، أي مستمتع . قال الشاعر :
[ ألَا إن بعدَ العُدْمِ للمرءِ قُنْوَةً ] وبعد المشيبِ طُولُ عُمْرٍ ومَلْبسَا
ملاحظات
لم يميز الراغب بين لَبِس الثوب ولَبَس الأمر . فلَبِس بكسر الباء للثوب ، ولَبَس الأمر بفتحها ولَبَّس بتشديدها . أما المصدر فلَبِسَ الثوب لُبْساً ولِبْساً بضم اللام وكسرها ، ولبَسَ الأمر لَبْساً بفتحها فقط ، ولَبَّس الأمرَ ولَبَّسه عليه تلبيساً .
والمضارع واحد ، قال تعالى : وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ . واللبوس واحد لكليهما ، قال تعالى : وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ، يعني الدروع . وتقول : في الأمر لُبْسَةٌ ، أي شبهة . « راجع / العين : 7 / 262 ، والصحاح : 3 / 973 ، والمقاييس : 5 / 230 » .
لَبَنَ
اللَّبَنُ : جمعه أَلْبَانٌ . قال تعالى : وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ « محمد : 15 » وقال : مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً « النحل : 66 » .
ولَابِنٌ : كثر عنده لبن . ولَبَنْتُهُ : سقيته إياه . وفرس مَلْبُونٌ ، وأَلْبَنَ فلان : كثر لبنه ، فهو مُلْبِنٌ . وأَلْبَنَتِ الناقة فهي مُلْبِنٌ : إذا كثر لبنها ، إما خلقةً ، وإما أن يترك في ضرعها حتى يكثر .
والْمَلْبَنُ : ما يجعل فيه اللبن . وأخوه بِلِبَانِ أمه ، قيل : ولا يقال : بلبن أمه ، أي لم يسمع ذلك من العرب . وكم لَبَنُ غنمك : أي ذوات الدَّرِّ منها .
واللُّبَانُ : الصدر ، واللُّبَانَةُ أصلها الحاجة إلى اللبن ، ثم استعمل في كل حاجة .
وأما اللِّبْنُ : الذي يبنى به فليس من ذلك في شئ ، الواحدة لَبِنَةٌ ، يقال : لَبَّنَه يُلَبِّنُهُ . واللَّبَّانُ : ضاربه .
لَجَّ
اللَّجَاجُ : التمادي والعناد في تعاطي الفعل المزجور عنه ، وقد لَجَّ في الأمر يَلجُّ لَجَاجاً ، قال تعالى : وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا مابِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ « المؤمنون : 75 » بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ « الملك : 21 »
ومنه : لَجَّةُ الصوت بفتح اللام ، أي تردده . ولُجَّةُ البحر
--------------------------- 651 ---------------------------
بالضم : تردد أمواجه . ولُجَّةُ الليل : تردد ظلامه ، ويقال في كل واحد لَجَّ والْتَجَّ . قال : فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ « النور : 40 » منسوب إلى لُجَّة البحر .
وما روي : وَضَعَ اللَّجَّ على قَفَيَّ ، أصله : قفايَ فقلب الألف ياء وهو لغة . فعبارة عن السيف المتموج ماؤه .
واللَّجْلَجَةُ : التردد في الكلام وفي ابتلاع الطعام ، قال الشاعر : يُلَجْلِجَ مُضْغَةً فيها أنِيضُ . أي غير منضج .
ورجل لَجْلَجٌ ولَجْلَاجٌ : في كلامه تردد . وقيل : الحق أبلج والباطل لَجْلَجٌ ، أي لا يستقيم في قول قائله وفي فعل فاعله ، بل يتردد فيه .
ملاحظات
قال الراغب : « ولُجَّةُ البحر بالضم : تردد أمواجه » . ولو صح لكان الساحل أولى بالاسم ، لأن تردد الأمواج فيه أكثر من اللجة ! قال ابن فارس « 5 / 201 » : « لُجُّ البحر وهو قاموسه وكذلك لجُته » .
وهو من قول ضماد الأزدي لرسول الله صلى الله عليه وآله لما سمع القرآن : « لقد سمعت الشعر والعيافة والكهانة ، فما سمعت مثل هذه الكلمات ! لقد بلغن قاموس البحر ، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فأسلم » . « مسند أحمد : 1 / 302 » .
قال الخليل في تفسيرها « 5 / 88 » : « قوله قاموس البحر أي قعره الأقصى » . ووافقه ابن منظور « 12 / 322 » : « والشَّرْمُ : لُجَّة البحر وقيل : هو أَبْعَدُ قَعْره » .
لحَدَ َ
اللَّحْدُ : حفرة مائلة عن الوسط ، وقد لَحَدَ القبرَ : حفره كذلك وأَلْحَدَهُ . وقد لَحَدْتُ الميت وأَلْحَدْتُهُ : جعلته في اللَّحد ، ويسمى اللَّحْدُ مَلْحَداً ، وذلك اسم موضع من ألحدته . ولَحَدَ بلسانه إلى كذا : مال . قال تعالى : لِسَانُ الَّذِي يَلْحَدُونَ إِلَيْهِ « النحل : 103 » من لحد ، وقرئ : يُلْحِدُون من : ألحد .
وأَلْحَدَ فلان : مال عن الحق .
والْإِلْحَادُ ضربان : إلحاد إلى الشرك بالله ، وإلحاد إلى الشرك بالأسباب . فالأول ينافي الإيمان ويبطله ، والثاني : يوهن عراه ولا يبطله .
ومن هذا النحو قوله : وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ « الحج : 25 » وقوله : وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ « الأعراف : 180 » .
والْإِلْحَادُ في أسمائه على وجهين ، أحدهما : أن يوصف بما لا يصح وصفه به . والثاني : أن يتأول أوصافه على ما لا يليق به .
والْتَحدَ إلى كذا : مال إليه ، قال تعالى : وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً « الكهف : 27 » أي التجاءً أو موضع التجاء .
وأَلْحَدَ السهم الهدف : مال في أحد جانبيه .
لَحَفَ
قال تعالى : لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً « البقرة : 273 » أي إلحاحاً ، ومنه استعير : أَلْحَفَ شاربه إذا بالغ في تناوله وجزه . وأصله من اللِّحَافِ ، وهو ما يتغطى به ، يقال : أَلْحَفْتُهُ فَالْتَحَفَ .
لَحِقَ
لَحِقْتُهُ ولَحِقْتُ به : أدركته . قال تعالى : بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ « آل عمران : 170 » وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لما يَلْحَقُوا بِهِمْ « الجمعة : 3 » . ويقال : أَلْحَقْتُ كذا . قال بعضهم : يقال : ألحقه بمعنى لحقه ، وعلى هذا قوله : إن عذابك بالكفار مُلْحِقٌ . وقيل هو من ألحقت به كذا ، فنسب الفعل إلى العذاب تعظيماً له ، وكني عن الدعي بالمُلحق .
لَحَنَ
اللَّحْنُ : صرف الكلام عن سَنَنه الجاري عليه ، إما بإزالة الإعراب أو التصحيف وهو المذموم ، وذلك أكثر
--------------------------- 652 ---------------------------
استعمالاً . وإما بإزالته عن التصريح وصرفه بمعناه إلى تعريض وفحوى ، وهو محمود عند أكثر الأدباء من حيث البلاغة . وإياه قصد الشاعر بقوله :
وخير الحديث ما كان لحنا
وإياه قصد بقوله تعالى : وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ « محمد : 30 » ومنه قيل للفطن بما يقتضي فحوى الكلام : لَحِنٌ . وفي الحديث : لعل بعضكم ألحن بحجته من بعض . أي ألسن وأفصح ، وأبين كلاماً ، وأقدر على الحجة .
ملاحظات
أجاد ابن فارس في قوله « 5 / 239 » : « لحن : له بناءان ، يدل أحدهما على إمالة شئ عن جهته ، ويدل الآخر على الفطنة والذكاء . فأما اللحْن بسكون الحاء فإمالة الكلام عن جهته الصحيحة في العربية يقال : لَحَنَ لَحْناً .
والأصل الآخر : الَّلحْن ، وهي الفِطنة يقال : لحِنَ يلحِنُ لحناً ، وهو لحِن ولاحن » .
لَدَدَ
الْأَلَدُّ : الخصيم الشديد التأبي وجمعه : لُدٌّ . قال تعالى : وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ « البقرة : 204 » وقال : وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا « مريم : 97 » .
وأصل الألد : الشديد اللَّدَد ، أي صفحة العنق وذلك إذا لم يمكن صرفه عما يريده ، وفلان يَتَلَدَّدُ ، أي يتلفَّت . واللُّدُودُ : ما سقي الإنسان من دواء في أحد شقي فمه ، وقد الْتَدَدْتُ ذلك .
ملاحظات
روى البخاري وغيره « 7 / 17 » أن النبي صلى الله عليه وآله أحسَّ في مرضه أنهم يحضرون له دواءً ليسقوه إياه إذا أغمي عليه ، فزجرهم ونهاهم ، لكنهم سقوه إياه فغضب عليهم . ومات في اليوم التالي .
لَدُنْ
لَدُنْ : أخص من عند ، لأنه يدل على ابتداء نهاية ، نحوأقمت عنده من لَدُنْ طلوع الشمس إلى غروبها ، فيوضع لدُن موضع نهاية الفعل . وقد يوضع موضع عندَ فيما حكي ، يقال : أصبت عنده مالاً ، ولدنه مالاً .
قال بعضهم : لَدُنْ أبلغ من عند وأخص . قال تعالى : فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً « الكهف : 76 » رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً « الكهف : 10 » فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا « مريم : 5 » وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً « الإسراء : 80 » عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً « الكهف : 65 » لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ « الكهف : 2 » . ويقال في لَدُنْ : لَدُ ، ولُدُ ، ولَدَى . واللَّدْنُ : اللَّيِّن .
لَدَى
لَدَى : يقارب لَدُن . قال تعالى : وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ « يوسف : 25 » .
لَزَبَ
اللَّازِبُ : الثابت الشديد الثبوت . قال تعالى : مِنْ طِينٍ لازِبٍ « الصافات : 11 » ويعبر باللازب عن الواجب ، فيقال : ضربة لازب .
واللَّزْبَةُ السنة الجدبة الشديدة وجمعها اللَّزَبَاتُ .
ملاحظات
تَبِعَ الراغب ابن فارس « 5 / 245 » : في تفسير اللازب بالثابت ، وأضاف له الشدة ، وأهمل اللصوق .
والصحيح قول الخليل « 7 / 369 » : « لزب لزوباً أي لزق ، والطين اللازب منه » . وفسره الجوهري « 1 / 219 » باللاصق والثابت . والظاهر أن معنى اللصوق أصل فيه ، وقصدهم من الثبات : شدة اللصوق .
لَزِمَ
لُزُومُ الشئ : طول مكثه ، ومنه يقال : لَزِمَهُ يَلْزَمُهُ لُزُوماً .
--------------------------- 653 ---------------------------
والْإِلْزَامُ ضربان : إلزام بالتسخير من الله تعالى أو من الإنسان . وإلزام بالحكم والأمر ، نحو قوله : أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ « هود : 28 » وقوله : وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقْوى « الفتح : 26 » وقوله : فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً « الفرقان : 77 » أي لازماً . وقوله : وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى . « طه : 129 » .
ملاحظات
اللازم : شئ يَلْزَم شيئاً ، فلا يصح تفسيره بالثبات كالمكوث مثلاً . وقد أفسد الراغب معناه لأنه أغفل فيه المصاحبة والطرف الملزوم .
قال ابن فارس « 5 / 245 » : « يدل على مصاحبة الشئ بالشئ دائماً ، يقال لزمه الشئ يلزمه .
واللزام : العذاب الملازم للكفار » . وقال الجوهري « 5 / 2029 » : « الالتزام : الإعتناق » .
لَسَنَ
اللِّسَانُ : الجارحة وقُوَّتها . وقوله : وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي « طه : 27 » يعني به من قوة لسانه ، فإن العقدة لم تكن في الجارحة ، وإنما كانت في قوته التي هي النطق به .
ويقال : لكل قوم لِسَانٌ ولِسْنٌ بكسر اللام ، أي لغة .
قال تعالى : فَإنما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ « الدخان : 58 » وقال : بِلِسانٍ عَرَبِي مُبِينٍ « الشعراء : 195 » وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ « الروم : 22 » فاختلاف الْأَلْسِنَةِ إشارة إلى اختلاف اللغات ، وإلى اختلاف النغمات فإن لكل إنسان نغمة مخصوصة يميزها السمع ، كما أن له صورة مخصوصة يميزها البصر .
ملاحظات
استعمل اللسان في القرآن بمعنى اللسان الجارحة ، قال تعالى : وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ . وبمعنى اللغة ، قال تعالى : وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا . وقال : لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُبِينٌ . وقال : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ . وقال : فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ .
وبمعنى النطق والبيان ، قال تعالى : وَأَخِى هَارُونُ هُوَأَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا .
وبمعنى الإنسان الرباني المصدق لآبائه : رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِى بِأَلصَّالِحِينَ . وَأَجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ . . وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا .
ووضع القرآن مصطلح : الملعونين على لسان الأنبياء عليهم السلام : لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ .
وذكر اللسان الجارح : فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ . . وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ .
والقول الكاذب : يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ .
ولَيَّ اللسانَ سخريةً : لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًافِي الدِّينِ .
لَطُفَ
اللَّطِيفُ : إذا وصف به الجسم فضد الجَثِل وهو الثقيل ، يقال : شَعْرٌ جَثِلٌ ، أي كثير .
ويعبر باللَّطَافَةِ واللُّطْفِ عن الحركة الخفيفة وعن تعاطي الأمور الدقيقة ، وقد يعبر باللَّطَائِفِ عما لا تدركه الحاسة . ويصح أن يكون وصف الله تعالى به على هذا الوجه ، وأن يكون لمعرفته بدقائق الأمور ، وأن يكون لرفقه بالعباد في هدايتهم .
قال تعالى : الله لَطِيفٌ بِعِبادِهِ « الشورى : 19 » إن رَبِي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ « يوسف : 100 » أي يحسن الإستخراج تنبيهاً على ما أوصل إليه يوسف حيث ألقاه إخوته في الجب . وقد يعبر عن التحف المتوصل بها إلى المودة باللُّطْفِ ، ولهذا قال : تهادوا تحابوا . وقد أَلْطَفَ فلان أخاه بكذا .
ملاحظات
اتفق اللغويون على أن اللطف ضد الجفاء ، والقطيعة ،
--------------------------- 654 ---------------------------
والخشونة ، والضخامة .
قال الخليل « 7 / 429 » : « اللطف : البِرُّ والتكرمة . وأمٌّ لطيفة بولدها . واللطف من طرف التحف : ما ألطفت به أخاك ليعرف به برك . وأنا لطيف بهذا الأمر ، أي رفيق بمداراته . واللطيف : الشئ الذي لا يتجافى ، من الكلام وغيره » .
وقال ابن فارس « 5 / 250 » : « يدل على صغر في الشئ » .
لَظَى
اللَّظَى : اللهب الخالص ، وقد لَظِيَتِ النارُ وتَلَظَّتْ . قال تعالى : ناراً تَلَظَّى « الليل : 14 » أي تَتَلَظَّى . ولَظَى غير مصروفة : اسم لجهنم . قال تعالى : إنها لَظى « المعارج : 15 » .
لَعِبَ
أصل الكلمة اللُّعَابُ ، وهو البزاق السائل ، وقد لَعَبَ يَلْعَبُ لَعْباً : سال لُعَابُهُ ، ولَعِبَ فلان : إذا كان فعله غير قاصد به مقصداً صحيحاً ، يَلْعَبُ لَعِباً . قال : وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ « العنكبوت : 64 » وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً « الأنعام : 70 » وقال : أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ « الأعراف : 98 » قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحق أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ « الأنبياء : 55 » وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ « الدخان : 38 » .
واللُّعْبَةُ : للمرة الواحدة . واللِّعْبَةُ : الحالة التي عليها اللاعب . ورجل تَلْعَابَةٌ : ذو تَلَعُّبٍ . واللُّعْبَةُ : ما يلعب به .
والْمَلْعَبُ : موضع اللعب . وقيل : لُعَابُ النحل للعسل ، ولُعَابُ الشمس : ما يرى في الجو كنسج العنكبوت . ومُلَاعِبُ ظله : طائر كأنه يلعب بالظل .
ملاحظات
رغم نفي اللغويين ، جعل الراغب لُعاب الطفل أصلَ المادة ، استحساناً منه لذلك ! واستعمل القرآن اللعب في معانٍ :
1 . في خوض الكفار والمنافقين ولعبهم في الطعن في الدين ، وتحليل الأمور وتقريرها ، كقوله تعالى : إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِ الله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ .
واللعب حالة عدم جد في الشخصية تتضمن الميوعة والخباثة ، قال تعالى : مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ . لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى . فهم في شك يلعبون وفي خوض يلعبون .
وقد اتخذوا دين المسلمين وصلاتهم لعباً ولهواً واتخذوا دينهم هم لعباً ولهواً : وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا .
2 . نفى الله تعالى في آيتين صفة اللعب عن فعله فقال : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ .
3 . وصف القرآن الحياة الدنيا في أربع آيات بأنها لهو ولعب لاغير : اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا .
ولم يذكراللغويون تفريقاً مقنعاً بيناللهو واللعب . والظاهر أناللهو : العمل المقصود بنفسه كالشهوات وحفلات الرقص والغناء . واللعب : ما كان مقصوداً بنفسه وله هدف ونتيجة ، كلعب القمار وكل لعبة فيها غالب ومغلوب ، أو نتيجة ما ، لكنها نتيجةُ لَعب .
لَعَنَ
اللَّعْنُ : الطرد والإبعاد على سبيل السخط ، وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة ، وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه . ومن الإنسان دعاءٌ على غيره . قال تعالى : أَلا لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ « هود : 18 » وَالْخامِسَةُ إن لَعْنَتَ الله عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ « النور : 7 » لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ « المائدة : 78 » وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ « البقرة : 159 » .
--------------------------- 655 ---------------------------
واللُّعْنَةُ : الذي يلتعن كثيراً . واللُّعَنَةُ : الذي يلعن كثيراً . والْتَعَنَ فلان : لعن نفسه . والتلَاعُنُ والمُلَاعَنَةُ : أن يلعن كل واحد منهما نفسه أو صاحبه .
ملاحظات
أجاد في تعريفه الَّلعن بالطرد من رحمة الله تعالى ، فاللعن منا دعاءٌ أن يطرد الله فلاناً من رحمته ، أو إعلانُ قبولنا لعنَ من لعنه الله تعالى . وكان عرب الجاهلية يتخيلون أن لعنة اللاعن تؤثر تكويناً في الأشخاص والأشياء ، وبقيت رواسبهم في أذهان بعض المسلمين ، ووضعوا أحاديث ( نبوية ) لتأييدها !
لَعَلَّ
لَعَلَّ : طمعٌ وإشفاق . وذكر بعض المفسرين أن لَعَلَّ من الله واجب ، وفُسِّرَ في كثير من المواضع بكي ، وقالوا إن الطمع والإشفاق لا يصح على الله تعالى .
ولعلَّ : وإن كان طمعاً ، فإن ذلك يقتضي في كلامهم تارة طمع المخاطب ، وتارة طمع غيره ، فقوله تعالى فيما ذكر عن قوم فرعون : لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ « الشعراء : 40 » فذلك طمع منهم . وقوله في فرعون : لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى « طه : 44 » فإطماع لموسى عليه السلام مع هارون ومعناه : فقولا له قولا ليِّناً راجين أن يتذكر أو يخشى . وقوله تعالى : فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ « هود : 12 » أي يظن بك الناس ذلك .
وعلى ذلك قوله : فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ « الكهف : 6 » .
وقال : وَاذْكُرُوا الله كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ « الأنفال : 45 » أي أذكروا الله راجين الفلاح ، كما قال في صفة المؤمنين : يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ « الإسراء : 57 » .
لَغَبَ
اللُّغُوبُ : التعب والنصب . يقال : أتانا ساغباً لَاغِباً ، أي جائعاً تعباً . قال : وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ « ق : 38 » . وسهم لَغِبٌ : إذا كان قذذه ضعيفة ، ورجل لَغِبٌ : ضعيف بَيِّنُ اللَّغَابَةِ .
وقال أعرابي : فلان لَغُوبٌ أحمق ، جاءته كتابي فاحتقرها . أي ضعيف الرأي ، فقيل له في ذلك : لم أنثت الكتاب وهو مذكر ؟ فقال : أوليس صحيفة .
لَغَا
اللَّغْوُ من الكلام : ما لا يعتدُّ به ، وهو الذي يورد لا عن روية وفكر ، فيجري مجرى اللَّغَا ، وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور ، قال أبو عبيدة : لَغْوٌ ولَغًا نحو : عيب وعاب ، وأنشدهم : عن اللَّغا ورفث التكلم .
يقال : لَغِيتُ تَلْغَى ، نحو : لقيت تلقى .
وقد يسمى كل كلام قبيح لغواً ، قال : لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً « النبأ : 35 » وقال : وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ « القصص : 55 » لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً « الواقعة : 25 » وقال : وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ « المؤمنون : 3 » وقوله : وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً « الفرقان : 72 » أي كَنُّوا عن القبيح ولم يصرحوا . وقيل : معناه إذا صادفوا أهل اللغو لم يخوضوا معهم .
ويستعمل اللغو فيما لا يعتد به ، ومنه اللَّغْوُ في الأيْمان ، أي ما لا عقد عليه ، وذلك ما يجري وصلاً للكلام بضرب من العادة . قال : لا يُؤاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ « البقرة : 225 » ومن هذا أخذ الشاعر فقال :
ولستَ بمأخوذٍ بلغوٍ تقوله
إذا لم تَعَمَّدْ عاقداتُ العَزَائِمِ
وقوله : لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً « الغاشية : 11 » أي لغواً ، فجعل اسم الفاعل وصفاً للكلام نحو كاذبة . وقيل لما لا يعتد به في الدية من الإبل : لغو ، وقال الشاعر :
كما أَلْغَيْتَ في الدية الحِوارا
ولَغَا بكذا : أي لهج به لهج العصفور بِلَغَاه ، أي بصوته . ومنه قيل للكلام الذي يلهج به فرقة فرقة : لُغَةٌ .
--------------------------- 656 ---------------------------
لَفَفَ
قال تعالى : فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً « الإسراء : 104 » أي منضمّاً بعضكم إلى بعض . يقال : لَفَفْتُ الشئ لَفاً ، وجاءوا ومن لَفَّ لِفَّهُمْ أي من انضم إليهم . وقوله : وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً « النبأ : 16 » أي التفَّ بعضها ببعض لكثرة الشجر . قال : وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ « القيامة : 29 » .
والْأَلَفُّ : الذي يتدانى فخذاه من سمنه . والْأَلَفُّ : أيضاً السمين الثقيل البطئ من الناس . ولَفَّ رأسه في ثيابه ، والطائر رأسه تحت جناحه .
واللَّفِيفُ من الناس : المجتمعون من قبائل شتى ، وسمى الخليل كل كلمة اعتل منها حرفان أصليان لفيفاً .
لَفَتَ
يقال : لَفَتَهُ عن كذا : صرفه عنه . قال تعالى : قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا « يونس : 87 » أي تصرفنا . ومنه : الْتَفَتَ فلان : إذا عدل عن قِبَله بوجهه . وامرأة لَفُوتٌ : تَلْفِتُ من زوجها إلى ولدها من غيره . واللَّفِيتَةُ : ما يغلظ من العصيدة .
لَفَحَ
يقال : لَفَحَتْهُ الشمس والسَّموم . قال تعالى : تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ « المؤمنون : 104 » وعنه استعير : لَفَحَتْهُ بالسَّيف .
لَفَظَ
اللَّفْظُ بالكلام مستعار من : لَفْظِ الشئ من الفم . ولَفَظَ الرحى الدقيق . ومنه سُمِّيَ الديك اللَّافِظَةَ لطرحه بعض ما يلتقطه للدجاج .
قال تعالى : ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ « ق : 18 » .
لَفَى
أَلْفَيْتُ : وجدت . قال الله : قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا « البقرة : 170 » وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ « يوسف : 25 » .
لَقَبَ
اللَّقَبُ : اسم يسمى به الإنسان سوى اسمه الأول ، ويراعى فيه المعنى بخلاف الأعلام ، ولمراعاة المعنى فيه قال الشاعر : وقَلَّما أبْصَرَتْ عيناك ذا لقبٍ
إلّا ومعناهُ إن فتشتَ في لقبِهْ
واللَّقَبُ ضربان : ضرب على سبيل التشريف كَأَلْقَابِ السلاطين ، وضرب على سبيل النبز . وإياه قصد بقوله : وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ « الحجرات : 11 » .
لَقَحَ
يقال : لَقِحَتِ الناقة تَلْقَحُ لَقْحاً ولَقَاحاً ، وكذلك الشجرة . وأَلْقَحَ الفحل الناقة ، والريح السحاب . قال تعالى : وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ « الحجر : 22 » أي ذوات لقاح ، وأَلْقَحَ فلان النخل ولَقَّحَهَا ، واسْتَلْقَحْتُ النخلة .
وحرب لَاقِحٌ : تشبيهاً بالناقة اللاقح .
وقيل : اللَّقْحَةُ : الناقة التي لها لبن ، وجمعها لِقَاحٌ ولُقَّحٌ . والْمَلَاقِيحُ : النوق التي في بطنها أولادها ويقال ذلك أيضاً للأولاد ، ونُهِيَ عن بيع الملاقيح والمضامين ، فَالْمَلَاقِيحُ هي ما في بطون الأمهات ، والمضامين ما في أصلاب الفحول . واللِّقَاحُ : ماء الفحل . واللَّقَاحُ : الحي الذي لا يدين لأحد من الملوك كأنه يريد أن يكون حاملاً لا محمولاً .
لَقَفَ
لَقِفْتُ الشئ أَلْقَفُهُ وتَلَقَّفْتُهُ : تناولته بالحذق ، سواء في ذلك تناوله بالفم أو اليد .
قال : فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ « الأعراف : 117 » .
ملاحظات
قال الخليل « 5 / 164 » : « اللَّقْفُ : تناول شئ يرمى به إليك . ورجل لَقِفٌ ثَقِفٌ : أي سريع الفهم لما يرمى إليه من كلام ، أو رمي باليد » .
--------------------------- 657 ---------------------------
لَقَمَ
لُقْمَانُ : اسم الحكيم المعروف ، واشتقاقه يجوز أن يكون من : لَقِمْتُ الطعام أَلْقَمُهُ وتَلَقَّمْتُهُ ، ورجل تَلْقَامٌ : كثير اللُّقَمِ . واللَّقَمُ : أصله الملتقم ، ويقال لطرف الطريق : اللَّقَمُ .
ملاحظات
لا معنى لاشتقاق لقمان من اللقمة ! والصحيح ما قاله أبو البقاء العكبري في التبيان / 307 : « لُقْمانَ اسم أعجمي وإن وافق العربي ، فإن لقماناً فعلاناً من اللَّقم » .
لَقِيَ
اللِّقَاءُ : مقابلة الشئ ومصادفته معاً ، وقد يعبر به عن كل واحد منهما ، يقال : لَقِيَهُ يَلْقَاهُ لِقَاءً ولُقِيّاً ولُقْيَةً . ويقال ذلك في الإدراك بالحس وبالبصر وبالبصيرة . قال : لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ « آل عمران : 143 » . وقال : لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً « الكهف : 62 » .
ومُلَاقَاةُ الله عز وجل عبارة عن القيامة ، وعن المصير إليه . قال تعالى : وَاعْلَمُوا أنكُمْ مُلاقُوهُ « البقرة : 223 » وقالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنهُمْ مُلاقُوا الله « البقرة : 249 » .
واللِّقاءُ : الملاقاة . قال : وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا « يونس : 15 » إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ « الانشقاق : 6 » فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا « السجدة : 14 » أي نسيتم القيامة والبعث والنشور . وقوله : يَوْمَ التلاقِ « غافر : 15 » أي يوم القيامة ، وتخصيصه بذلك لالْتِقَاءِ من تقدم ومن تأخر ، والْتِقَاءِ أهل السماء والأرض ، وملاقاة كل أحد بعمله الذي قدمه . ويقال لَقِيَ فلان خيراً وشرّاً قال الشاعر :
فمن يَلْقَ خيراً يَحْمَدُ الناسُ أمرَه
وقال آخر : تلقى السَّماحةَ منه والنَّدى خُلُقاً .
ويقال : لَقِيتُه بكذا إذا استقبلته به ، قال تعالى : وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً « الفرقان : 75 » وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً « الإنسان : 11 » وتَلَقَّاهُ كذا ، أي لقيه . قال : وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ « الأنبياء : 103 » وقال : وَإنكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ « النمل : 6 »
والإِلْقَاءُ : طرح الشئ حيث تلقاه ، أي تراه . ثم صار في التعارف إسماً لكل طرح . قال : فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ « طه : 87 » قالُوا يا مُوسى إما أَنْ تُلْقِيَ وإما أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ « الأعراف : 115 » وقال تعالى : قالَ أَلْقُوا « الأعراف : 116 » قالَ أَلْقِها يا مُوسى فَأَلْقاها « طه : 19 » وقال : فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ « طه : 39 » وَإِذا أُلْقُوا مِنْها « الفرقان : 13 » كلما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ « الملك : 8 » وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ « الانشقاق : 4 » وهو نحو قوله : وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ « الانفطار : 4 » .
ويقال : ألقيت إليك قولاًوسلاماً وكلاماً ومودَّة .
قال تعالى : تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ « الممتحنة : 1 » فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ « النحل : 86 » وَأَلْقَوْا إِلَى الله يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ « النحل : 87 »
وقوله : إنا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا « المزمل : 5 » فإشارة إلى ما حُمِّل من النبوة والوحي .
وقوله : أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ « ق : 37 » فعبارة عن الإصغاء إليه . وقوله : فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً « طه : 70 » فإنما قال : أُلْقِيَ تنبيهاً على أنه دهمهم وجعلهم في حكم غير المختارين .
لمَِ
تقول : لَمَمْتُ الشئ : جمعته وأصلحته ، ومنه : لَمَمْتُ شعثه . قال تعالى : وَتَأْكُلُونَ التراثَ أَكْلًا لمَّا « الفجر : 19 » .
واللَّمَمُ : مقاربة المعصية . ويعبر به عن الصغيرة ويقال : فلان يفعل كذا لَمَماً ، أي حيناً بعد حين ، وكذلك قوله : الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ « النجم : 32 » وهو من قولك : أَلْمَمْتُ بكذا ، أي نزلت به وقاربته من غير مواقعة . ويقال : زيارته إِلْمَامٌ ، أي قليلة .
--------------------------- 658 ---------------------------
ولَمْ : نفي للماضي وإن كان يدخل على الفعل المستقبل ، ويدخل عليه ألف الاستفهام للتقرير . نحو : أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً « الشعراء : 18 » أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى « الضحى : 6 » .
لمَا
يستعمل على وجهين ، أحدهما : لنفي الماضي وتقريب الفعل ، نحو : وَلما يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جاهَدُوا « آل عمران : 142 »
والثاني : عَلَماً للظرف نحو : فَلما أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ « يوسف : 96 » أي في وقت مجيئه . وأمثلتها تكثر .
لمَحَ
اللَّمْحُ : لمعان البرق ، ورأيته لَمْحَةَ البرق . قال تعالى : كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ « القمر : 50 » ويقال : لأرينك لَمحاً باصراً ، أي أمراً واضحاً .
لمَزَ
اللَّمْزُ : الإغتياب وتتبع المعاب . يقال : لَمَزَهُ يَلْمِزُهُ ويَلْمُزُهُ . قال تعالى : وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ « التوبة : 58 » الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعِينَ « التوبة : 79 » وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ « الحجرات : 11 » أي لا تلمزوا الناس فيلمزونكم ، فتكونوا في حكم من لمز نفسه . ورجل لَمَّازٌ ولُمَزَةٌ : كثير اللمز ، قال تعالى : وَيْلٌ لِكل هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ « الهمزة : 1 » .
لمَسَ
اللَّمْسُ : إدراك بظاهر البشرة ، كالمس . ويعبر به عن الطلب كقول الشاعر : وأَلْمِسُهُ فلا أجده .
وقال تعالى : وَإنا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً « الجن : 8 » .
ويكنى به وبالملامسة عن الجماع ، وقرئ : لامَسْتُمُ « المائدة : 6 » ولَمَسْتُمُ النساء ، حملاً على المسِّ وعلى الجماع . ونهى عليه الصلاة والسلام عن بيع الملامسة ، وهو أن يقول : إذا لَمَسْتَ ثوبي ، أو لَمَسْتُ ثوبك فقد وجب البيع بيننا . واللُّمَاسَةُ : الحاجة المقاربة .
لَهَبَ
اللَّهَبُ : اضطرام النار . قال تعالى : لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ « المرسلات : 31 » سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ « المسد : 3 »
واللهيبُ : ما يبدو من اشتعال النار ، ويقال للدخان وللغبار : لَهَبٌ .
وقوله : تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ « المسد : 1 » فقد قال بعض المفسرين : إنه لم يقصد بذلك مقصد كنيته التي اشتهر بها ، وإنما قصد إلى إثبات النار له وأنه من أهلها ، وسماه بذلك كما يسمى المثير للحرب والمباشر لها : أبا الحرب ، وأخا الحرب .
وفرس مُلْهِبٌ : شديد العدو تشبيهاً بالنار المُلْتَهِبَةِ . والْأُلْهُوبُ من ذلك ، وهو العَدْوُ الشديد ، ويستعمل اللُّهَابُ في الحر الذي ينال العطشان .
لَهَثَ
لَهِثَ يَلْهَثُ لَهَثاً . قال الله تعالى : فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ « الأعراف : 176 » وهو أن يدلع لسانه من العطش .
قال ابن دريد : اللَّهْثُ يقال للإعياء وللعطش جميعاً .
ملاحظات
لهاث الكلب من فعله ، ولا يقال لعطشه أو تعبه ، وليس لهاثه من العطش ولا التعب ، بل يلهث شربَ أم لم يشرب ، وتعب أم لم يتعب .
لَهَمَ
الْإِلْهَامُ : إلقاء الشئ في الروع ، ويختصُّ ذلك بما كان من جهة الله تعالى وجهة الملإ الأعلى . قال تعالى : فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها « الشمس : 8 » وذلك نحو ما عبر عنه بِلَمَّةِ المَلَك ، وبالنَّفْث في الرَّوْع ، كقوله عليه الصلاة والسلام : إن للملك لُمَّة وللشيطان لمة . وكقوله : إن روح القدس
--------------------------- 659 ---------------------------
نفث في روعي .
وأصله من الْتِهَامِ الشئ وهو ابتلاعه . والْتَهَمَ الفصيل ما في الضرع . وفرس لَهِمٌ : كأنه يَلْتَهِمُ الأرض لشدة عَدْوِه .
لهَى
اللَّهْوُ : ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه . يقال : لَهَوْتُ بكذا ، ولهيتُ عن كذا : اشتغلت عنه بِلَهْوٍ .
قال تعالى : إنمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ « محمد : 36 » ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ « العنكبوت : 64 » ويعبر عن كل ما به استمتاع باللهو . قال تعالى : لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً « الأنبياء : 17 » . ومن قال : أراد باللهو المرأة والولد فتخصيصٌ لبعض ما هو من زينة الحياة الدنيا التي جعل لهواً ولعباً .
ويقال : أَلْهاهُ كذا ، أي شغله عما هو أهم إليه . قال تعالى : أَلْهاكُمُ التكاثُرُ « التكاثر : 1 » رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله « النور : 37 » وليس ذلك نهياً عن التجارة وكراهيةً لها ، بل هو نهي عن التهافت فيها والاشتغال عن الصلوات والعبادات بها ، ألا ترى إلى قوله : لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ « الحج : 28 » لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ « البقرة : 198 » . وقوله تعالى : لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ « الأنبياء : 3 » أي ساهية مشتغلة بما لا يعنيها .
واللَّهْوَةُ : ما يشغل به الرحى مما يطرح فيه ، وجمعها لُهًى ، وسميت العطية لُهْوَةً تشبيهاً بها .
واللَّهَاةُ : اللحمة المشرفة على الحلق ، وقيل : بل هو أقصى الفم .
لَاتَ
اللَّاتُ والعزى صنمان ، وأصل اللات اللاه ، فحذفوا منه الهاء ، وأدخلوا التاء فيه ، وأنَّثُوهُ تنبيهاً على قصوره عن الله تعالى ، وجعلوه مختصاً بما يتقرب به إلى الله تعالى في زعمهم ، وقوله تعالى : وَلاتَ حِينَ مَناصٍ « ص : 3 »
قال الفراء : تقديره : لاحين ، والتاء زائدة فيه كما زيدت في ثَمَّتَ ورُبَّتَ . وقال بعض البصريين : معناه ليس .
وقال أبو بكر العلاف : أصله ليس ، فقلبت الياء ألفاً وأبدل من السين تاء ، كما قالوا : نأت في ناس . وقال بعضهم : أصله لا ، وزيد فيه تاء التأنيث تنبيهاً على الساعة أو المدة ، كأنه قيل : ليست الساعة أو المدة حين مناص .
ملاحظات
استعمل النبي صلى الله عليه وآله اللات والعزى : اسمين لرجلين ، وأخبر أنهما سيعبدان من بعده .
ففي صحيح مسلم « 8 / 182 » : لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى ! فقلت يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، أن ذلك تاماً . قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله » !
لَيْتَ
يقال : لَاتَهُ عن كذا يَلِيتُهُ : صرفه عنه ، ونقصه حقاً له ، لَيْتاً . قال تعالى : لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً « الحجرات : 14 » أي لاينقصكم من أعمالكم ، لات وأَلَاتَ بمعنى نقص ، وأصله : رد اللَّيْتِ ، أي صفحة العنق .
ولَيْتَ : طمعٌ وتمنٍّ . قال تعالى : لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا « الفرقان : 28 » يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً « النبأ : 40 » يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا « الفرقان : 27 » وقول الشاعر :
وليلةٍ ذاتِ دُجَىً سَرَيْتُ * يَلِتْنِي عن سُرَاها لَيْتُ
معناه : لم يصرفني عنه قولي : ليته كان كذا . وأعرب ليت هاهنا فجعله إسماً كقول الآخر : إنَّ ليتاً وإنَّ لوَّاً عناءُ . وقيل معناه : لم يلتني عن هواها لَائِتٌ ، أي صارف ، فوضع المصدر موضع اسم الفاعل .
--------------------------- 660 ---------------------------
ملاحظات
اتفق اللغويون والمفسرون والمحدثون على أن معنى قوله تعالى : لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً : لا ينقصكم شيئاً . وفعله لَاتَ يَلِتُ أو يليتُ . وقرأ بعضهم يألتكم بالهمزة ، من أَلَت . وقد عنون الراغب المادة بليت ، وجعلها إسماً من لات . والصحيح أنها حرف تَمَنٍّ ، من أخوات إنَّ .
لَوَحَ
اللَّوْحُ : واحد أَلْوَاحِ السفينة ، قال تعالى : وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ « القمر : 13 » وما يكتب فيه من الخشب ونحوه . وقوله تعالى : فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ « البروج : 22 » فكيفيته تخفى علينا إلا بقدر ما روي لنا في الأخبار ، وهو المعبر عنه بالكتاب في قوله : إن ذلِكَ فِي كِتابٍ إن ذلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ « الحج : 70 » .
واللُّوحُ : العَطَشُ . ودابة مِلْوَاحٌ : سريع العطش .
واللُّوحُ : أيضاً بضم اللام : الهواء بين السماء والأرض . والأكثرون على فتح اللام إذا أريد به العطش ، وبضمه إذا كان بمعنى الهواء ولا يجوز فيه غير الضم .
ولَوَّحَهُ الحرُّ : غَيَّرَهُ . ولَاحَ الحرُّ لَوْحاً : حصل في اللوح ، وقيل : هو مثل لمح . ولَاحَ البرق وأَلَاحَ : إذا أومض ، وأَلَاحَ بسيفه : أشار به .
لَوَذَ
قال تعالى : قَدْ يَعْلَمُ الله الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً « النور : 63 » هو من قولهم : لَاوَذَ بكذا يُلَاوِذُ لِوَاذاً ومُلَاوَذَةً : إذا استتر به ، أي يستترون فيلتجئون بغيرهم فيمضون واحداً بعد واحد ، ولو كان من : لَاذَ يَلُوذُ لقيل : لِيَاذاً إلا أن اللِّوَاذَ هو فعال من : لاوذ . واللِّيَاذُ من فعل .
واللَّوْذُ : ما يطيف بالجبل منه .
ملاحظات
قال ابن فارس « 5 / 220 » : « أصل صحيح يدل على إطافة الإنسان بالشئ مستعيذاً به ومتستراً ، يقال لاذ به يلوذ لوْذاً ، ولاذ لياذاً ، وذلك إذا عاذ به من خوف أو طمع .
ولَاوَذَ لواذاً : قال الله تعالى : قَدْ يَعْلَمُ الله الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا ، وكان المنافقون إذا أراد الواحد منهم مفارقة مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله لاذ بغيره متستراً ثم نهض .
وإنما قال لواذاً لأنه من لاوذ ، وجعل مصدره صحيحاً ، ولو كان من لاذ لقال لياذاً » .
فأخذ الراغب ذلك وأبقى لَاذَ بمعنى التجأ ، وجرد لاوذ من معنى التجأ وجعله بمعنى استتر لائذاً .
والصحيح أن لواذاً في الآية بمعنى التجأ أيضاً ، نعم يفهم منها نوع من الاستتار . ويدل عليه قول الإمام زين العابدين عليه السلام « الصحيفة / 271 » : « وإذا أردت بقوم فتنةً أو سوءً ، فنجني منها لواذاً بك » .
فلاوَذَ معنىً من الالتجاء ، وليس فيها معنى الاستتار مباشرة . فيكون معنى الآية : فليحذر الذين يتسللون ملتجئين إلى الخارجين ليتستروا بهم . وليس معناه يتسللون مستترين فيلتجؤون ، كما قال الراغب .
لَوَطَ
لُوطٌ : اسم علم ، واشتقاقه من لَاطَ الشئ بقلبي يَلُوطُ لَوْطاً ولَيْطاً ، وفي الحديث : الولد أَلْوَطُ ، أي ألصق بالكبد ، وهذا أمر لا يَلْتَاطُ بصفري ، أي لا يلصق بقلبي ، ولُطْتُ الحوض بالطين لَوْطاً : ملطته به .
وقولهم : لَوَّطَ فلان : إذا تعاطى فعل قوم لوط فمن طريق الإشتقاق ، فإنه اشتق من لفظ لوط الناهي عن ذلك ، لا من لفظ المتعاطين له .
--------------------------- 661 ---------------------------
ملاحظات
لوط النبي عليه السلام اسم بابلي سرياني ، وقد اشتهر بقومه قوم لوط ، الذين خسف الله بهم لأنهم كفروا ، وأصروا على فعل الفاحشة . واشتق العرب من اسمه لاط يلوط ، كناية عن فعل الفاحشة ، وليتهم وضعوا لها إسماً آخر .
لَوَمَ
اللَّوْمُ : عذل الإنسان بنسبته إلى ما فيه لوم ، يقال : لُمْتُهُ فهو مَلُومٌ . قال تعالى : فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ « إبراهيم : 22 » فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ « يوسف : 32 » وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ « المائدة : 54 » فَإنهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ « المؤمنون : 6 » فإنه ذكر اللوم تنبيهاً على أنه إذا لم يُلَامُوا لم يفعل بهم ما فوق اللوم .
وأَلَامَ : استحق اللوم ، قال تعالى : بَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ « الذاريات : 40 » .
والتلاوُمُ : أن يلوم بعضهم بعضاً . قال تعالى : فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ « القلم : 30 » .
وقوله : وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ « القيامة : 2 » قيل : هي النفس التي اكتسبت بعض الفضيلة ، فتلوم صاحبها إذا ارتكب مكروهاً ، فهي دون النفس المطمئنة . وقيل : بل هي النفس التي قد اطمأنت في ذاتها ، وترشحت لتأديب غيرها ، فهي فوق النفس المطمئنة .
ويقال : رجل لُوَمَةٌ : يَلُومُ الناسَ . ولُومَةٌ : يَلُومُهُ الناسُ ، نحو سُخَرة وسُخْرة ، وهُزَأة وهُزْأة . واللَّوْمَةُ : الْمَلَامَةُ . واللَّائِمَةُ : الأمر الذي يُلَامُ عليه الإنسان .
لَيَلَ
يقال : لَيْلٌ ولَيْلَةٌ ، وجمعها : لَيَالٍ ولَيَائِلُ ولَيْلَاتٌ . وقيل : لَيْلٌ أَلْيَلُ ، وليلة لَيْلَاءُ . وقيل أصل ليلة لَيْلَاةٌ بدليل تصغيرها على لُيَيْلَةٍ ، وجمعها على ليال .
قال الله تعالى : وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ « إبراهيم : 33 » وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى « الليل : 1 » وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً « الأعراف : 142 » إنا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ « القدر : 1 » وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ « الفجر : 1 » ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا « مريم : 10 » .
لَوَنَ
اللَّوْنُ : معروف ، وينطوي على الأبيض والأسود وما يُرَكَّبُ منهما ، ويقال : تَلَوَّنَ : إذا اكتسى لوناً غير اللون الذي كان له . قال تعالى : وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها « فاطر : 27 » وقوله : وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ « الروم : 22 » فإشارة إلى أنواع الألوان واختلاف الصور التي يختص كل واحد بهيئة غير هيئة صاحبه ، وسحناء غير سحنائه مع كثرة عددهم ، وذلك تنبيه على سعة قدرته .
ويعبّر بِالْأَلْوَانِ عن الأجناس والأنواع . يقال : فلان أتى بالألوان من الأحاديث ، وتناول كذا ألواناً من الطعام .
لَيَنَ
اللِّينُ : ضد الخشونة ، ويستعمل ذلك في الأجسام ، ثم يستعار للخُلُق وغيره من المعاني فيقال : فلان لَيِّنٌ وفلان خشن ، وكل واحد منهما يمدح به طوراً ، ويذم به طوراً بحسب اختلاف المواقع . قال تعالى : فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْ « آل عمران : 159 » وقوله : ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ الله « الزمر : 23 » فإشارةٌ إلى إذعانهم للحق وقبولهم له بعد تَأَبِّيهم منه وإنكارهم إياه . وقوله : ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ « الحشر : 5 » أي من نخلة ناعمة ، ومخرجه مخرج فِعْلة نحو : حِنْطة ، ولا يختص بنوع منه دون نوع .
لُؤْلُؤْ
قال تعالى : يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ « الرحمن : 22 » وقال : كَأنهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ « الطور : 24 » جمعه : لَآلِئٌ .
وتَلَأْلَأَ الشئ : لَمَعَ لَمَعان اللؤلؤ ، وقيل : لا أفعل ذلك ما لَأْلَأَتِ الظِّبَاءُ بأذنابها .
--------------------------- 662 ---------------------------
لَوَى
اللَّيُّ : فَتْلُ الحبل . يقال : لَوَيْتُهُ أَلْوِيهِ لَيّاً ، ولَوَى يدَهُ . قال :
لَوَى يَدَهُ الله الذي هُوَ غَالِبُهْ
ولَوَى رأسَهُ وبرأسه : أَمَاله ، قال تعالى : لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ « المنافقون : 5 » : أمالوها .
ولَوَى لسانه بكذا : كناية عن الكذب وتخرُّص الحديث ، قال تعالى : يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ « آل عمران : 78 » وقال : لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ « النساء : 46 » . ويقال : فلان لا يلْوِي على أحد : إذا أمعن في الهزيمة . قال تعالى : إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ « آل عمران : 153 » وذلك كما قال الشاعر :
تركَ الأحبَّة أن يُقَاتِلَ دونَهُمْ
وَنَجَا بِرَأْسِ طِمِرَّةٍ وثَّابِ
واللِّوَاءُ : الراية سميت لِالْتِوَائِهَا بالريح .
واللَّوِيَّةُ : ما يلوى فيدخر من الطعام . ولَوَى مَدِينَهُ : أي ماطله . وأَلْوَى : بلغ لوى الرمل ، وهو منعطفه .
لَوْ
لَوْ : قيل هو امتناع الشئ لامتناع غيره ، ويتضمن معنى الشرط ، نحو قوله تعالى : قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ « الإسراء : 100 » .
لَوْلَا
يجئ على وجهين ، أحدهما : بمعنى امتناع الشئ لوقوع غيره ويلزم خبره الحذف ، ويستغنى بجوابه عن الخبر . نحو : لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ « سبأ : 31 » .
والثاني : بمعنى هَلَّا ، ويتعقَّبه الفعل نحو : لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا « طه : 134 » أي هَلَّا . وأمثلتهما تكثر في القرآن .
لَا
يستعمل للعدم المحض . نحو : زيد لا عالم ، وذلك يدل على كونه جاهلاً ، وذلك يكون للنفي . ويستعمل في الأزمنة الثلاثة ، ومع الاسم والفعل ، غير أنه إذا نفي به الماضي فإما أن لا يؤتى بعده بالفعل ، نحو أن يقال لك : هل خرجت ؟ فتقول : لَا ، وتقديره : لاخرجتُ .
ويكون قلما يذكر بعده الفعل الماضي إلا إذا فصل بينهما بشئ ، نحو : لارجلاً ضربت ولا امرأة ، أو يكون عطفاً نحو : لا خرجتُ ولَا ركبتُ . أو عند تكريره نحو : فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى « القيامة : 31 » أو عند الدعاء . نحو قولهم : لا كان ، ولا أفلح ، ونحو ذلك .
فمما نفي به المستقبل قوله : لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ « سبأ : 3 » وفي أخرى : وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ « يونس : 61 » .
وقد يجئ لَا داخلاً على كلام مثبت ، ويكون هو نافياً لكلام محذوف . وقد حمل على ذلك قوله : لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ « القيامة : 1 » فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ « المعارج : 40 » فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ « الواقعة : 75 » فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ « النساء : 65 » وعلى ذلك قول الشاعر : لا وأبيكِ ابنةَ العَامِرِيِّ
وقد حمل على ذلك قول عمر رضي الله عنه وقد أفطر يوماً في رمضان فظن أن الشمس قد غربت ثم طلعت : لا ، نقضيه ما تجانفنا لإثم فيه ، وذلك إن قائلاً قال له قد أثمنا فقال : لا ، نقضيه ، فقوله : لَا ردٌّ لكلامه قد أثمنا ، ثم استأنف فقال : نقضيه .
وقد يكون لَا للنهي نحو : لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ « الحجرات : 11 » وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ « الحجرات : 11 » وعلى هذا النحو : يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ « الأعراف : 27 »
وعلى ذلك : لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ « النمل : 18 » وقوله : وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا الله « البقرة : 83 » فنفي ، قيل تقديره : إنهم لا يعبدون .
وعلى هذا : وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ « البقرة : 84 » . وقوله : ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ « النساء : 75 » يصح أن
--------------------------- 663 ---------------------------
يكون لا تقاتلون في موضع الحال : ما لكم غير مقاتلين .
ويجعل لَا مبنيّاً مع النكرة بعده فيقصد به النفي ، نحو : فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ « البقرة : 197 » . وقد يكرر الكلام في المتضادين ويراد إثبات الأمر فيهما جميعاً نحو أن يقال : ليس زيد بمقيم ولا ظاعن . أي يكون تارةً كذا وتارةً كذا . وقد يقال ذلك ويراد إثبات حالة بينهما ، نحو أن يقال : ليس بأبيض ولا أسود ، وإنما يراد إثبات حالة أخرى له .
وقوله : لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ « النور : 35 » فقد قيل معناه : إنها شرقية وغربية . وقيل معناه : مصونة عن الإفراط والتفريط .
وقد يذكرلَاويراد به سلب المعنى دون إثبات شئ ، ويقال له الاسم غير المحصل ، نحو : لا إنسان ، إذا قصدت سلب الإنسانية ، وعلى هذا قول العامة : لا حدّْ ، أي لا أحد .
ملاحظات
يظهر أن الراغب لم يفهم أداة النفي : لا . وما كتبه فيها النحاة والبيانيون قبله ، مع أنه كان في القرن السادس . فقد جعلها للعدم المحض ، وهي أوسع من ذلك . قال ابن هشام في المغني « 1 / 237 » : « لا : على ثلاثة أوجه : أحدها : أن تكون نافية ، وهذه على خمسة أوجه .
( لا ) : على ثلاثة أوجه : أحدها : أن تكون نافية ، وهذه على خمسة أوجه :
أحدها : أن تكون عاملة عمل إن ، وذلك إن أريد بها نفى الجنس على سبيل التنصيص . .
الثاني : لطلب الترك ، وتختص بالدخول على المضارع ، وتقتضي جزمه واستقباله . .
الثالث : أن تكون عاطفة ، ولها ثلاثة شروط . .
الرابع : أن تكون جواباً مناقضاً لنعم ، وهذه تحذف الجمل بعدها كثيراً . .
والخامس : أن تكون على غير ذلك . . » .
إلى آخر ما كتبه ، وتفصيله يخرجنا عن غرض الكتاب .
لَامٌ
اللَّامُ : التي هي للأداة على أوجه ، الأول : الجارة ، وذلك أضرب : ضربٌ لتعدية الفعل ولا يجوز حذفه نحو : وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ « الصافات : 103 »
وضربٌ للتعدية لكن قد يحذف كقوله : يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ « النساء : 26 » فَمَنْ يُرِدِ الله أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً « الأنعام : 125 » فأثبت في موضع وحذف في موضع .
الثاني : للملك والاستحقاق ، وليس نعني بالملك ملك العين بل قد يكون ملكاً لبعض المنافع ، أو لضرب من التصرف . فملك العين نحو : وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « المائدة : 18 » وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « الفتح : 7 »
وملك التصرُّف كقولك لمن يأخذ معك خشباً : خذ طرفك لآخذ طرفي ، وقولهم : لله كذا نحو : لله درُّك ، فقد قيل : إن القصد أن هذا الشئ لشرفه لا يستحق ملكه غير الله ، وقيل : القصد به أن ينسب إليه إيجاده ، أي هو الذي أوجده إبداعاً ، لأن الموجودات ضربان : ضرب أوجده بسبب طبيعي أو صنعة آدمي . وضرب أوجده إبداعاً كالفلك والسماء ونحو ذلك ، وهذا الضرب أشرف وأعلى فيما قيل .
ولَامُ الاستحقاق : نحو قوله : لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ « الرعد : 25 » وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ « المطففين : 1 » وهذا كالأول لكن الأول لما قد حصل في الملك وثبت ، وهذا لما لم يحصل بعد ولكن هو في حكم الحاصل من حيثما قد استحق .
وقال بعض النحويين : اللَّامُ في قوله : لَهُمُ اللَّعْنَةُ ، بمعنى على ، أي عليهم اللعنة ، وفي قوله : لِكل امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا
--------------------------- 664 ---------------------------
اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ « النور : 11 » وليس ذلك بشئ .
وقيل قد تكون اللَّامُ بمعنى إلى في قوله : بِأن رَبَّكَ أَوْحى لَها « الزلزلة : 5 » وليس كذلك ، لأن الوحي للنحل جعل ذلك له بالتسخير والإلهام ، وليس ذلك كالوحي الموحى إلى الأنبياء ، فنبه باللام على جعل ذلك الشئ له بالتسخير .
وقوله : وَلاتَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً « النساء : 105 » معناه : لا تخاصم الناس لأجل الخائنين ، ومعناه كمعنى قوله : وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ « النساء : 107 » وليست اللام هاهنا كاللام في قولك : لا تكن لله خصيماً ، لأن اللام هاهنا داخل على المفعول ومعناه : لا تكن خصيم الله .
الثالث : لَامُ الابتداء نحو : لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التقْوى « التوبة : 108 » لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا « يوسف : 8 » لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً « الحشر : 13 » .
الرابع : الداخل في باب إن ، إما في اسمه إذا تأخر نحو : إن فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً « آل عمران : 13 » أو في خبره نحو : إن رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ « الفجر : 14 » إن إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ « هود : 75 » أو فيما يتّصل بالخبر إذا تقدم على الخبر نحو : لَعَمْرُكَ إنهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ « الحجر : 72 » فإن تقديره : ليعمهون في سكرتهم .
الخامس : الداخل في إن المخففة فرقاً بينه وبين إن النافية نحو : وَإِنْ كل ذلِكَ لما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا « الزخرف : 35 » .
السادس : لَامُ القسم وذلك يدخل على الاسم نحو قوله : يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ « الحج : 13 » ويدخل على الفعل الماضي نحو : لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ « يوسف : 111 » وفي المستقبل يلزمه إحدى النونين نحو : لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ « آل عمران : 81 » .
وقوله : وَإن كلا لما لَيُوَفِّيَنَّهُمْ « هود : 111 » فَاللَّامُ في لمّا جواب إن ، وفي ليوفينهم للقسم .
السابع : اللَّامُ في خبر لو ، نحو : وَلَوْأنهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ « البقرة : 103 » لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ « الفتح : 25 » وَلَوْ إنهُمْ قالُوا إلى قوله لَكانَ خَيْراً لَهُمْ « النساء : 46 » ، وربما حذفت هذه اللام نحو : لو جئتني أكرمتك أي لأكرمتك . الثامن : لَامُ المدعو ويكون مفتوحاً ، نحو : يا لزيد ولام المدعو إليه يكون مكسوراً ، نحو يا لزيد .
التاسع : لَامُ الأمر ، وتكون مكسورة إذا ابتدئ به نحو : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ « النور : 58 » لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ « الزخرف : 77 » ويسكّن إذا دخله واو أو فاء نحو : وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ « العنكبوت : 66 » وفَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ « الكهف : 29 » وقوله : فَلْيَفْرَحُوا « يونس : 58 » وقرئ : « فلتفرحوا » وإذا دخله ثم ، فقد يسكَّن ويحرَّك نحو : ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ « الحج : 29 » .
ملاحظات
توسع الراغب في اللام المفردة أكثر من : لا ، ومع ذلك فهي أوسع مما ذكره ، وقد استوفاها ابن هشام في مغني اللبيب في نحو ثلاثين صفحة ، ومما قاله ملخصاً « 1 / 207 » : « اللام المفردة ثلاثة أقسام : عاملة للجر ، وعاملة للجزم ، وغير عاملة . والجارة اثنان وعشرون معنى :
1 . الاستحقاق ، نحو : الحمد لله . .
2 . الإختصاص نحو : المنبر للخطيب .
3 . الملك ، نحو : لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ .
4 . التمليك ، نحو : وهبت لزيد ديناراً .
5 . شبه التمليك : جَعَلَ لَكُمُ . . أزواجاً .
6 . التعليل . . لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ .
7 . توكيد النفي : لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ .
8 . موافقة إلى : بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا .
--------------------------- 665 ---------------------------
9 . موافقة على في الإستعلاء : يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ .
10 . موافقة في : الموازين . . لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ .
11 . بمعنى عند : كتبته لخمس خلون .
12 . موافقة بعدُ : أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ .
13 . موافقة مع ، قاله بعضهم ، وأنشد عليه . .
14 . موافقة من ، نحو سمعت له صراخاً .
15 . التبليغ . . نحو : قلت له . .
16 . موافقة عن : الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا .
17 . الصيرورة ، وتسمى لام العاقبة ولام المآل ، نحو : فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا .
18 . القسم والتعجب معاً ، وتختص باسم الله .
19 . التعجب المجرد عن القسم .
20 . التعدية ، ذكره ابن مالك في الكافية .
21 . التوكيد ، وهي أنواع . .
22 . التبيين : وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ .
وأما اللام غير العاملة ، فسبع . . إلى آخره » .
وهي مطالب يغلب فيها النحو والتفسير على اللغة .
تمَّ كتاب اللام
--------------------------- 666 ---------------------------
كتاب الميم وما يتصل بها
مَتَعَ
المُتُوعُ : الامتداد والإرتفاع . يقال : مَتَعَ النهار ومَتَعَ النبات : إذا ارتفع في أول النبات .
والمتَاعُ : انتفاعٌ ممتدُّ الوقت ، يقال : مَتَّعَهُ الله بكذا وأَمْتَعَهُ وتَمَتَّعَ به . قال تعالى : وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ « يونس : 98 » نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا « لقمان : 24 » فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا « البقرة : 126 » سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ « هود : 48 » . وكل موضع ذكر فيه : تمتعوا في الدنيا ، فعلى طريق التهديد ، وذلك لما فيه من معنى التوسع .
واسْتَمْتَعَ : طلب التمتع . رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ « الأنعام : 128 » فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ « التوبة : 69 » فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ « التوبة : 69 »
وقوله : وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ « البقرة : 36 » تنبيهاً [ على ] أن لكل إنسان في الدنيا تَمَتُّعاً مدة معلومة .
وقوله : قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ « النساء : 77 » تنبيهاً [ على ] أن ذلك في جنب الآخرة غير معتد به ، وعلى ذلك : فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ « التوبة : 38 » أي في جنب الآخرة ، وقال تعالى : وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ « الرعد : 26 » .
ويقال لما ينتفع به في البيت : متاع . قال : ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ « الرعد : 17 » . وكل ما ينتفع به على وجه ما فهو مَتَاعٌ ومُتْعَةٌ ، وعلى هذا قوله : وَلما فَتَحُوا مَتاعَهُمْ « يوسف : 65 » أي طعامهم فسماه مَتَاعاً ، وقيل وعاءهم ، وكلاهما متاع وهما متلازمان ، فإن الطعام كان في الوعاء .
وقوله تعالى : وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ « البقرة : 241 » فَالمتَاعُ والمُتْعَةُ : ما يعطى المطلقة لتنتفع به مدة عدتها ، يقال : أَمْتَعْتُهَا ومَتَّعْتُهَا ، والقرآن ورد بالثاني نحو : فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَ « الأحزاب : 49 » وقال : وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى
--------------------------- 667 ---------------------------
الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ « البقرة : 236 » .
ومُتْعَةُ النكاح هي : أن الرجل كان يشارط المرأة بمال معلوم يعطيها إلى أجل معلوم ، فإذا انقضى الأجل فارقها من غير طلاق .
ومُتْعَةُ الْحَجِّ : ضم العمرة إليه . قال تعالى : فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ « البقرة : 196 » .
وشراب مَاتِعٌ : قيل : أحمر ، وإنما هو الذي يمتع بجودته ، وليست الحُمْرة بخاصية للماتع وإن كانت أحد أوصاف جودته . وجمل مَاتِعٌ : قوي . قيل :
وميزانه في سورة البر مَاتِعٌ
أي راجح زائد .
مَتَنَ
المَتْنَانِ : مكتنفا الصُّلْب ، وبه شبه المَتْنُ من الأرض . ومَتَنْتُهُ : ضربت متنه ، ومَتُنَ : قَوِيَ متنُهُ فصار متيناً ، ومنه قيل حبل مَتِينٌ . وقوله تعالى : إن الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ « الذاريات : 58 » .
ملاحظات
كان ينبغي له أن يذكر قول الخليل « 8 / 131 » : « والمتين : القوي من كل شئ » ليتضح به معنى الآية . وأن يذكر قوله تعالى : وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ . وهي تصف كيد الله تعالى بأنه متين ، أي عمله لإحباط كيد الأشرار .
مَتَى
مَتَى : سؤال عن الوقت . قال تعالى : مَتى هذَا الْوَعْدُ « يونس : 48 » ومَتى هذَا الْفَتْحُ « السجدة : 28 » وحكي أن هذيلاً جعلت مَتَى كمِنْ ، وأنشدوا لأبي ذؤيب :
شربنَ بماء البحر ثم تَرَفَّعَتْ
متى لججٍ خضرٍ لهنَّ نَئِيجُ
ملاحظات
في نسخ الراغب : إن هذيلاً جعلت متى كُمِّي أي وسط كمي . وهو تصحيف مَنْ ، ويظهر أن بعضهم حاول إصلاحه فزاده ، ولا علاقة للكُم بالموضوع !
مَثَلَ
أصل المُثُولِ : الانتصاب . والمُمَثَّلُ : المصوَّر على مثال غيره ، يقال : مَثُلَ الشئ ، أي انتصب وتصور ، ومنه قوله صلى الله عليه وآله : من أحب أن يُمَثَّلَ له الرجال فليتبوأ مقعده من النار . والتمْثَالُ : الشئ المصور . وتَمَثَّلَ كذا : تصور ، قال تعالى : فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا « مريم : 17 »
والمَثَلُ عبارة عن قول في شئ يشبه قولاً في شئ آخر بينهما مشابهة ، ليبين أحدهما الآخر ويصوره ، نحو قولهم : الصيفَ ضيعت اللبن ، فإن هذا القول يشبه قولك : أهملتِ وقتَ الإمكان أمرَك . وعلى هذا الوجه ما ضرب الله تعالى من الأمثال ، فقال : وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ « الحشر : 21 » وفي أخرى : وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ « العنكبوت : 43 » .
والمَثَلُ : يقال على وجهين ، أحدهما : بمعنى المثل نحو : شبه وشبه ، ونقض ونقض . قال بعضهم : وقد يعبر بهما عن وصف الشئ . نحو قوله : مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ « الرعد : 35 » .
والثاني : عبارة عن المشابهة لغيره في معنى من المعاني أي معنى كان ، وهو أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة ، وذلك أن النِّدَّ يقال فيما يشارك في الجوهر فقط والشبه يقال فيما يشارك في الكيفية فقط ، والمساوي يقال فيما يشارك في الكمية فقط ، والشكل يقال فيما يشاركه في القدر والمساحة فقط .
والمِثْلُ : عامٌّ في جميع ذلك ، ولهذا لما أراد الله تعالى نفي
--------------------------- 668 ---------------------------
التشبيه من كل وجه خصه بالذكر فقال : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئ « الشورى : 11 » .
وأما الجمع بين الكاف والمثل فقد قيل : ذلك لتأكيد النفي تنبيهاً على أنه لا يصح استعمال المثل ولا الكاف ، فنفى بليس الأمرين جميعاً . وقيل : المِثْلُ هاهنا هو بمعنى الصفة ، ومعناه : ليس كصفته صفة ، تنبيهاً على أنه وإن وصف بكثير مما يوصف به البشر فليس تلك الصفات له على حسب ما يستعمل في البشر ، وقوله تعالى : لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعلى « النحل : 60 » أي لهم الصفات الذميمة وله الصفات العلى .
وقد منع الله تعالى عن ضرب الأمثال بقوله : فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ « النحل : 74 » ثم نبه [ على ] أنه قد يضرب لنفسه المثل ولا يجوز لنا أن نقتدي ( ! ) به فقال : إن الله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ « النحل : 74 » ثم ضرب لنفسه مثلاً فقال : ضَرَبَ الله مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً الآية « النحل : 75 » وفي هذا تنبيه [ على ] أنه لا يجوز أن نصفه بصفة مما يوصف به البشر إلا بما وصف به نفسه . وقوله : مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التوْراةَ الآية « الجمعة : 5 » أي هم في جهلهم بمضمون حقائق التوراة كالحمار في جهله بما على ظهره من الأسفار .
وقوله : وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ « الأعراف : 176 » فإنه شبهه بملازمته واتباعه هواه وقلة مزايلته له بالكلب الذي لايزايلاللهث على جميع الأحوال .
وقوله : مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً « البقرة : 17 » فإنه شبّه من آتاه الله تعالى ضرباً من الهداية والمعارف ، فأضاعه ولم يتوصل به إلى ما رشح له من نعيم الأبد ، بمن استوقد ناراً في ظلمة ، فلما أضاءت له ضيعها ونكس فعاد في الظلمة .
وقوله تعالى : وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً « البقرة : 171 » فإنه قصد تشبيه المدعُوِّ بالغَنَم ، فأجمل وراعى مقابلة المعنى دون مقابلة الألفاظ ، وبسط الكلام : مثل راعي الذين كفروا كمثل الذي ينعق بالغنم ، ومثل الغنم التي لا تسمع إلا دعاء ونداء .
وعلى هذا النحو قوله : مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كل سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ « البقرة : 261 » ومثله قوله : مثلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ « آل عمران : 117 » . وعلى هذا النحو ما جاء من أمثاله . والمِثَالُ : مقابلة شئ بشئ هو نظيره ، أو وضع شئ ما ليحتذى به فيما يفعل .
والمُثْلَةُ : نقمة تنزل بالإنسان فيجعل مثالاً يرتدع به غيره ، وذلك كالنكال ، وجمعه مُثُلَاتٌ ومَثُلَاتٌ ، وقد قرئ : مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ « الرعد : 6 » والْمَثْلَاتُ بإسكان الثاء على التخفيف . نحو : عَضُدٍ وعَضْدٍ ، وقد أَمْثَلَ السّلطان فلاناً : إذا نكل به ، والأَمْثلُ يعبر به عن الأشبه بالأفاضل والأقرب إلى الخير .
وأَمَاثِلُ القومِ : كناية عن خيارهم ، وعلى هذا قوله تعالى : إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً « طه : 104 » وقال : وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى « طه : 63 » أي الأشبه بالفضيلة ، وهي تأنيث الأمثل .
ملاحظات
جعل الراغب أصل المادة المُثُول ، بمعنى الوقوف . لكن لا يمكن إرجاع الفروع اليه . وجعله ابن فارس « 5 / 296 » : « مناظرة الشئ للشئ » .
وهو شامل يمكن إرجاع الفروع اليه .
كما خلط الراغب في مطلع كلامه بين المثول والمثال والتمثال ! فمَثُلَ بمعنى وقف ، وأكثر ما تستعمل في
--------------------------- 669 ---------------------------
الوقوف أمام شئ أو بين يديه . تقول مَثُلَ يَمثُلَ مُثُولاً . وتَمثَّلَ : مشترك بين ضرب مثالاً ، وتصور في ذهنه ، وصوَّرَ مثالاً . تقول : تمثل بقول الشاعر ، وتمثل في خاطره ، أو صَوَّره بالرسم أو النحت .
فقول الراغب : أصل المُثُولِ : الانتصاب بمعنى الوقوف ، صحيح . لكن الخلل في قوله : « المُمَثَّلُ : المصور على مثال غيره . ومنه قوله عليه السلام : من أحب أن يُمَثَّلَ له الرجال فليتبوأ مقعده من النار » . فالمُمَثَّل أعم من المُصَوَّر . والحديث قد يكون نصه : من أحب أن يَمْثُلَ له الرجال . أي يقفوا بين يديه . ويحتمل أن يكون : يُمْثَلوا ، فيكون بمعنى يُوقفوا بين يديه كالتماثيل . كما هو حال الملوك .
كما أن ضرب المثل المنهي عنه هو المثلُ لله تعالى ، لا مطلقاً ، كما قال الراغب .
مَجَدَ
الْمَجْدُ : السعة في الكرم والجلال ، وقد تقدم الكلام في الكرم . يقال : مَجَدَ يَمْجُدُ مَجْداً ومَجَادَةً وأصل المجد من قولهم : مَجَدَتِ الإبلُ : إذا حَصَلَتْ في مرعًى كثيرٍ واسعٍ ، وقد أَمْجَدَهَا الراعي ، وتقول العرب :
في كلِّ شجرٍ نَارٌ واسْتَمْجَدَ المرْخُ والعَفَارُ
وقولهم في صفة الله تعالى : الْمَجِيدُ ، أي يجري السعة في بذل الفضل المختص به .
وقوله في صفة القرآن : ق . وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ « ق : 1 » فوصفه بذلك لكثرة ما يتضمن من المكارم الدنيوية والأخروية ، وعلى هذا وصفه بالكريم بقوله : إنهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ « الواقعة : 77 » وعلى نحوه : بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ « البروج : 21 » وقوله : ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ « البروج : 15 » فوصفه بذلك لسعة فيضه وكثرة جوده . وقرئ : المجيد بالكسر فلجلالته وعظم قدره ، وما أشار إليه النبي عليه السلام بقوله : ما الكرسي في جنب العرش إلّا كحلقة ملقاة في أرض فلاة ، وعلى هذا قوله : لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ « النمل : 26 » .
والتمْجِيدُ : من العبد لله بالقول وذكر الصفات الحسنة ، ومن الله للعبد بإعطائه الفضل .
ملاحظات
ليت الراغب استكمل أخذ المادة من ابن فارس ، فقد أجاد فيها ، قال « 5 / 297 » : « مَجَدَ : يدل على بلوغ النهاية ولا يكون إلا في محمود . ومنه المجد بلوغ النهاية في الكرم . والله الماجد والمجيد لا كرمَ فوق كرمه .
وتقول العرب : مَاجَدَ فلان فلاناً : فاخَرَهُ ، ويقولون مثلاً : في كلِّ شَجَرٍ نار واستمجد المَرْخُ والعِفَار ، أي استكثرا من النار وأخذا منها ما هو حسبهما ، فهما قد تناهيا في ذلك حتى إنه يُقْبَسُ منهما » .
فالمجد اسم لاكتساب الشرف ، وللشرف المكتسب معاً . ومعنى مَثَل المرخ والعفار : أنَّ في كل شجر ناراً ، لكن فاز بالمجد المَرْخُ وهو شجر رقيق يقتدح به لأنه سريع الإشتعال ، والعَفَار شجر يتخذ منه الزناد الذي يشتعل بالقدح .
مَحَصَ
أصل المَحْصِ : تخليص الشئ مما فيه من عيب كالفحص ، لكن الفحص يقال في إبراز شئ من أثناء ما يختلط به ، وهو منفصل عنه ، والمَحْصُ : يقال في إبرازه عما هو متصل به ، يقال : مَحَصْتُ الذهب ومَحَّصْتُهُ : إذا أزلت عنه ما يشوبه من خبث .
قال تعالى : وَلِيُمَحِّصَ الله الَّذِينَ آمَنُوا « آل عمران : 141 » وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ « آل عمران : 154 » فَالتمْحِيصُ هاهنا كالتزكية والتطهير ونحو ذلك من الألفاظ .
--------------------------- 670 ---------------------------
ويقال في الدعاء : اللهمّ مَحِّصْ عنا ذنوبنا ، أي أزل ما علق بنا من الذنوب . ومَحَصَ الثوبُ : إذا ذهب زِئبِرُهُ .
ومَحَصَ الحبل يَمْحَصُ : أخلق حتى يذهب عنه وبره . ومَحَصَ الصبيُّ : إذا عدا .
ملاحظات
الفحص : بمعنى البحث والاختبار ، تقول : فحص عنه ، أي بحث عنه وفتش . وتقول : فحصه ، أي اختبره . ولم يستعمل العرب فحص بمعنى محص كما زعم الراغب . ثم اخترع تمحيص المتصل والمنفصل ولم يأت عليه بشاهد أيضاً !
مَحَقَ
المَحْقُ : النقصان ، ومنه المِحَاقُ لآخر الشهر إذا انْمَحَقَ الهلالُ وامْتَحَقَ . يقال : مَحَقَهُ : إذا نقصه وأذهب بركته . قال الله تعالى : يَمْحَقُ الله الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ « البقرة : 276 » .
وقال : وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ « آل عمران : 141 » .
ملاحظات
أخذ الراغب بقول الخليل وابن فارس بأن محق بمعنى نَقَصَ ، وكأنه مأخوذ من محاق الشهر . لكن المرجح أنه يستعمل بمعنى نقصان الشئ ، وبمعنى إبطاله ومحوه . قال الجوهري « 4 / 1553 » : « محقه يمحقه محقاً ، أي أبطله ومحاه . وتمحق الشئ وامتحق . والمحاق من الشهر : ثلاث ليال من آخره » .
مَحَلَ
قوله تعالى : وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ « الرعد : 13 » أي الأخذ بالعقوبة ، قال بعضهم : هو من قولهم مَحَلَ به مَحْلًا ومِحَالًا : إذا أراده بسوء ، قال أبو زيد : مَحَلَ الزمانُ : قحط ، ومكان ماحل ومتماحل ، وأمحلت الأرض . والمَحَالة : فقارة الظهر ، والجمع المحال . ولَبَنٌ مُمَحَّلٌ : قد فسد .
ويقال : مَاحَلَ عنه ، أي جادل عنه . ومَحَلَ به إلى السلطانِ : إذا سعى به . وفي الحديث : لا تجعل القرآن مَاحِلًا بنا ، أي يظهر عندك معايبنا . وقيل : بل المِحَال من الحول والحيلة ، والميم فيه زائدة .
ملاحظات
لا يصح تفسير الراغب قوله تعالى : وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ . بأنه الأخذ بالعقوبة ، بل هو بقرينة يجادلون ، أقرب إلى معنى : شديد الحجة والمجادلة .
وقد ذكر الراغب أن ماحَلَ عنه بمعنى جادل عنه ، فكان ينبغي أن يفسرها بشديد الجدل . أي أنه عز وجل ذو المحال الشديد ، قال الشاعر :
كيف يخلو وعندهُ كاتباهُ شاهداهُ وربُّه ذو المحالِ
« الزاهر لابن الأنباري / 13 »
وروى ابن عقدة في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام / 128 : « وهو شديد المحال . قال : يريد المكر ، فقلت : وما الماحل ؟ قال : يريد المكار » . فهو عز وجل يماحل عدوه ويكايده ، فيوقعه في المحل أو المَحَال .
وقال ابن منظور « 11 / 186 » : « كلامٌ مُسْتَحيل : مُحال . ويقال : أَحَلْت الكلام أُحِيله إِحالة : إِذا أَفسدته .
والمُماحَلة : المُماكَرة والمُكايَدة ، ومنه قوله تعالى : شدِيد المِحال » .
ولما وصل أصحاب الفيل ، أخذ عبد المطلب رضي الله عنه بحلقة الكعبة وقال :
لا همَّ إن المرءَ يَمْنَعُ أهْلَهُ فامْنَعْ حَلَالَكْ
لَا يَغْلِبّنَّ صَلِيبُهُمْ ومِحالُهم أبَداً مِحَالَك
إنْ كُنْتَ تاركَهُمْ وَكَعْبَتَنَا فَأَمْرٌ مَا بَدا لَك »
« الكشاف : 4 / 286 » .
--------------------------- 671 ---------------------------
مَحَنَ
المَحْن والامتحان : نحو الابتلاء ، نحو قوله تعالى : فَامْتَحِنُوهُنَ « الممتحنة : 10 » وقد تقدم الكلام في الابتلاء ، قال تعالى : أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ الله قُلُوبَهُمْ لِلتقْوى . « الحجرات : 3 » وذلك نحو : وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً . « الأنفال : 17 » . وذلك نحو قوله : إنما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ . . الآية . « الأحزاب : 33 » .
ملاحظات
لعل مقصود الراغب من عبارته الغامضة أن هدف الامتحان هو الابتلاء ، وهدف الابتلاء التطهير .
لكن آية التطهير إخبار بإذهاب الرجس عن أهل البيت عليهم السلام ، جزاءً على نجاحهم في الابتلاء .
والامتحان والاختبار والابتلاء : متقاربة . وقد جعل ابن فارس « 5 / 302 » المحنة بثلاثة معان : « الأولى : المَحْن : الاختبار ، مَحَنَهُ وامتحنه . والثانية : أتيته فما مَحَنَنِي شيئاً ، أي ما أعطانيه . والثالثة : مَحَنَهُ سوطاً : ضربه » .
وقال الخليل « 3 / 352 » : « المحنة : معنى الكلام الذي يمتحن به ، فيعرف بكلامه ضمير قلبه . وامتحنته وامتحنت الكلمة ، أي نظرت إلى ما يصير صيرها » .
وقال الخليل « 8 / 340 » : « بُلِيَ الإنسان وابتُلي إذا امتُحن . والبلوى : التجربة ، بلوته أبلوه بلواً » .
وقال ابن منظور « 13 / 401 » : « المِحْنة : الخِبْرة . وامتَحن القولَ : نظر فيه ودَبَّره . امتَحنَ الله قلوبهم صَفَّاها وهَذَّبها . وامتَحَنتُ الذهب والفضة إِذا أَذبتهما لتختبرهما حتى خَلَّصْتَ الذهب والفضة . والمُمْتحَن والمُمَحَّص واحد » .
مَحَوَ
المَحْو : إزالة الأثر ، ومنه قيل للشمال : مَحْوَةٌ ، لأنها تَمْحُو السحاب والأثر .
قال تعالى : يَمْحُوا الله ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ « الرعد : 39 » .
مَخَرَ
مَخْرُ الماءِ للأرض : استقبالها بالدور فيها . يقال : مَخَرَتِ السّفينةُ مَخْراً ومُخُوراً : إذا شقت الماء بجؤجئها مستقبلة له ، وسفينة مَاخِرة ، والجمع : المَوَاخِر . قال : وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ « النحل : 14 » ويقال : استمخرت الريحَ وامتخرتها : إذا استقبلتها بأنفك ، وفي الحديث : استمخروا الرِّيحَ وأعدوا النبل ، أي في الاستنجاء . والماخور : الموضع الذي يباع فيه الخمر . وبناتُ مَخْرٍ : سحائب تنشأ صيفاً .
مَدَّ
أصل المَدّ : الجَرّ ، ومنه : المُدة للوقت الممتد ، ومِدَّةُ الجَرْحِ « قيحه » ومَدُّ النهرِ ، ومَدَّهُ نهرٌ آخر ، ومَدَدْتُ عيني إلى كذا . قال تعالى : وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ . الآية . « طه : 131 » .
ومَدَدْتُهُ في غيه . ومَدَدْتُ الإبلَ : سقيتها المَدِيدَ وهو بزر ودقيق يخلطان بماء . وأَمْدَدْتُ الجيشَ بِمَدَدٍ ، والإنسانَ بطعامٍ . قال تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ « الفرقان : 45 » . وأكثر ما جاء الإمْدَادُ في المحبوب والمدُّ في المكروه نحو : وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ « الطور : 22 » أَيَحْسَبُونَ إنما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ « المؤمنون : 55 » وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ « نوح : 12 » يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ . الآية « آل عمران : 125 » أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ « النمل : 36 » وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا « مريم : 79 » وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ « البقرة : 15 » وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ « الأعراف : 202 »
وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ « لقمان : 27 » فمن قولهم : مَدَّهُ نهرٌ آخرُ ، وليس هو مما ذكرناه من الإمدادِ والمدِّ المحبوبِ والمكروهِ ، وإنما هو من قولهم : مَدَدْتُ الدواةَ أَمُدُّهَا ، وقوله : وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً « الكهف : 109 »
والمُدُّ من المكاييل معروف .
--------------------------- 672 ---------------------------
ملاحظات
تعريف الراغب للمَدِّ بالجرِّ تعريفٌ بالأخفى ! فالمد : تطويل الشئ أو الأجل . والإمداد أن ترفده بشئ آخر ، ولذا احتاج إلى تعدية تقول : مده بنفسه أو ما يتعلق به . وأمده بكذا . وأكثر الأمثلة التي ذكرها لا تستعمل عادةً .
مَدَنَ
المَدينة : فَعِيلَةٌ عند قوم ، وجمعها مُدُن ، وقد مَدَنْتُ مَدِينةً ، وناس يجعلون الميم زائدة ، قال تعالى : وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ « التوبة : 101 » قال : وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى « يس : 20 » وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها « القصص : 15 » .
ملاحظات
استعمل القرآن المدينة بمعناها المعروف وبمعنى مدينة يثرب . واستعمل البلد بمعنى القرية ، والبلدة ، والمدينة ، والدولة . واستعمل القرية بمعناها المعروف ، وبمعنى المدينة ، والدولة ، والحضارة ، وأهلها .
مَرَرَ
المُرُورُ : المضيُّ والإجتياز بالشئ . قال تعالى : وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ « المطففين : 30 » وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً « الفرقان : 72 » تنبيهاً [ على ] أنهم إذا دفعوا إلى التفوُّه باللغو كنَّوْا عنه ، وإذا سمعوه تصامموا عنه ، وإذا شاهدوه أعرضوا عنه . وقوله : فَلما كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأن لَمْ يَدْعُنا « يونس : 12 » فقوله : مَرَّ هاهنا كقوله : وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ . « الإسراء : 83 » .
وأمْرَرْتُ الحبلَ : إذا فتلته ، والمَرِيرُ والمُمَرُّ المفتولُ ، ومنه : فلان ذو مِرَّةٍ ، كأنه محكم الفتل . قال : ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى « النجم : 6 » . ويقال : مَرَّ الشئ ، وأَمَرَّ : إذا صار مُرّاً ، ومنه يقال : فلان ما يُمِرُّ وما يحلي .
وقوله تعالى : حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ « الأعراف : 189 » قيل : استمرت .
وقولهم : مَرَّةً ومرتين ، كفَعْلَة وفَعْلَتين ، وذلك لجزء من الزمان . قال : يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كل مَرَّةٍ « الأنفال : 56 » وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أول مَرَّةٍ « التوبة : 13 » إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً « التوبة : 80 » إنكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أول مَرَّةٍ « التوبة : 83 » سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ « التوبة : 101 » وقوله : ثَلاثَ مَرَّاتٍ « النور : 58 » .
مَرَجَ
أصل المَرْج : الخلط . والمَرَج : الاختلاط ، يقال : مَرِجَ أمرُهم : اختلط . ومَرِجَ : الخاتَمُ في أصبعي فهو مارجٌ .
ويقال : أمرٌ مَرِيجٌ ، أي مختلط ، ومنه غصنٌ مَرِيجٌ مختلط . قال تعالى : فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ « ق : 5 » .
والمَرْجان : صغار اللؤلؤ . قال : كَأنهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ « الرحمن : 19 » من قولهم : مَرَجَ . ويقال للأرض التي يكثر فيها النبات فتمرح فيه الدواب : مَرْجٌ .
وقوله : مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ « الرحمن : 15 » أي لهيب مختلط . وأمرجت الدابة في المرعى : أرسلتها فيه فَمَرَجَتْ .
مَرَحَ
المَرَحُ : شدة الفرح والتوسع فيه ، قال تعالى : وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً « الإسراء : 37 » وقرئ : مَرِحاً ، أي فَرِحاً . ومَرْحَى : كلمة تعجب .
مَرَدَ
قال الله تعالى : وَحِفْظاً مِنْ كل شَيْطانٍ مارِدٍ « الصافات : 7 »
والمارد والمَرِيد من شياطين الجن والإنس : المتعري من الخيرات ، من قولهم : شجرٌ أَمْرَدُ : إذا تعرى من الورق . ومنه قيل : رملةٌ مَرْدَاءُ : لم تنبت شيئاً . ومنه : الأمرد لتجرده عن الشعر . وروي : أهل الجنة مُرْدٌ ، فقيل : حمل على ظاهره ، وقيل معناه : مُعَرَّوْنَ من الشوائب والقبائح ،
--------------------------- 673 ---------------------------
ومنه قيل : مَرَدَ فلانٌ عن القبائح ، ومَرَدَ عن المحاسن وعن الطاعة . قال تعالى : وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ « التوبة : 101 » أي ارتكسوا عن الخير وهم على النفاق . وقوله : مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ « النمل : 44 » أي مملس . من قولهم شجرةٌ مَرْدَاءُ إذا لم يكن عليها ورق ، وكأن المُمَرَّدَ إشارة إلى قول الشاعر : في مَجْدَلٍ شُيِّدَ بنيانُهُ * يَزِلُّ عنهُ ظَفَرُ الظَّافِرِ
ومَارِدٌ : حصن معروف . وفي الأمثال : تَمرَّدَ ماردٌ وعَزَّ الأبلقُ ، قاله مَلِكٌ امتنع عليه هذان الحصنان .
مَرَضَ
الْمَرَضُ : الخروج عن الإعتدال الخاص بالإنسان ، وذلك ضربان : الأول : مَرَضٌ جسمي وهو المذكور في قوله تعالى : وَلاعَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ « النور : 61 » وَلا عَلَى الْمَرْضى « التوبة : 91 » .
والثاني : عبارة عن الرذائل كالجهل ، والجبن ، والبخل ، والنفاق ، وغيرها من الرذائل الخلقية ، نحو قوله : فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ الله مَرَضاً « البقرة : 10 » أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا « النور : 50 » وأما الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ « التوبة : 125 » وذلك نحو قوله : وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً « المائدة : 64 »
ويُشّبَّه النفاق والكفر ونحوهما من الرذائل بالمرض ، إما لكونها مانعة عن إدراك الفضائل كالمرض المانع للبدن عن التصرف الكامل ، وإما لكونها مانعة عن تحصيل الحياة الأخروية المذكورة في قوله : وَإن الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ « العنكبوت : 64 » وإما لميل النفس بها إلى الإعتقادات الرديئة ميل البدن المريض إلى الأشياء المضرة . ولكون هذه الأشياء متصوَّرة بصورة المرض قيل : دَوِيَ صدر فلان ، ونغل قلبه . وقال عليه الصلاة والسلام : وأي داء أدوأ من البخل !
ويقال : شمسٌ مريضةٌ : إذا لم تكن مضيئة لعارض عرض لها . وأمرض فلان في قوله : إذا عَرَّضَ .
والتمريض : القيام على المريض ، وتحقيقه : إزالة المرض عن المريض ، كالتقذية في إزالة القذى عن العين .
مَرَأَ
يقال : مَرْءٌ ، ومَرْأَةٌ ، وامْرُؤٌ ، وامْرَأَةٌ . قال تعالى : إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ « النساء : 176 » وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً « مريم : 5 » .
والمُرُوءَةُ : كمال المرء ، كما أن الرُّجُولية كمال الرَّجل . والمَرِئ : رأس المعدة والكرش اللاصق بالحلقوم .
ومَرُؤَ الطعامُ وأَمْرَأَ : إذا تخصص بالمرئ لموافقة الطبع ، قال تعالى : فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً « النساء : 4 » .
مَرَى
المِرْيَةُ : التردد في الأمر وهو أخص من الشك . قال تعالى : وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ « الحج : 55 » فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ « هود : 109 » فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ « السجدة : 23 » أَلا إنهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ « فصلت : 54 » .
والإمتراء والمُمَارَاة : المحاجة فيما فيه مرية .
قال تعالى : قَوْلَ الْحق الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ « مريم : 34 » بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ « الحجر : 63 » أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى « النجم : 12 » فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً « الكهف : 22 » .
وأصله من : مَرَيْتُ الناقةَ : إذا مسحت ضرعها للحلب .
مَرْيَم
مريم : اسم أعجمي ، اسم أم عيسى عليه السلام .
مَزَنَ
المُزْن : السحاب المضيئ ، والقطعة منه مُزْنَةٌ . قال تعالى : أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ « الواقعة : 69 » ويقال للهلال الذي يظهر من خلال السحاب : ابن مزنة ، وفلان يتمزن ، أي يتسخى ويتشبه بالمزن .
ومزنت فلاناً : شبهته بالمزن . وقيل : المازن : بَيْضُ النمل .
--------------------------- 674 ---------------------------
مَزَجَ
مَزَجَ الشراب : خلطه ، والمِزَاجُ : ما يمزج به . قال تعالى : كانَ مِزاجُها كافُوراً « الإنسان : 5 » وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ « المطففين : 27 » كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا « الإنسان : 17 » .
مَسَسَ
المَسُّ : كاللمس ، لكن اللمس قد يقال لطلب الشئ وإن لم يوجد كما قال الشاعر : وألمِسُهُ فَلَا أَجِدُهْ . والمسُّ يقال فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس . وكنيَ به عن النكاح فقيل مَسَّهَا وَمَاسَّهَا ، قال تعالى : وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ « البقرة : 237 » وقال : لاجُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ « البقرة : 236 » وقرئ : ما لم تماسوهن ، وقال : أنى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ « آل عمران : 47 »
والمسيس : كناية عن النكاح .
وكُنِّيَ بالمس عن الجنون ، قال تعالى : الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ « البقرة : 275 » .
والمسُّ : يقال في كل ما ينال الإنسان من أذى ، نحو قوله : وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً « البقرة : 80 » وقال : مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ « البقرة : 214 » وقال : ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ « القمر : 48 » مَسَّنِيَ الضُّرُّ « الأنبياء : 83 » مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ « ص : 41 » مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا « يونس : 21 » وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ « الإسراء : 67 » .
ملاحظات
المعنى المشهور للمس : مس الجن للإنسان ، يقال : فيه مسٌّ وهو ممسوس ، ويستعمل صفة مدح أيضاً ، قال النبي صلى الله عليه وآله : لا تسبوا علياً فإنه ممسوس في ذات الله « الطبراني الأوسط : 9 / 142 » . وهو تعبير مبتكر للنبي صلى الله عليه وآله معناه أن إيمانه بلغ حداً كأن الله تعالى لمسه فهو يستحضره ولا يعصيه . ومثله : صبرتم في ذات الله ، الوارد في زيارة أئمة البقيع عليهم السلام . « الكافي : 4 / 559 » .
مَسَحَ
المَسْحُ : إمرار اليد على الشئ وإزالة الأثر عنه . وقد يستعمل في كل واحد منهما ، يقال : مسحت يدي بالمنديل ، وقيل للدرهم الأطلس : مسيح وللمكان الأملس : أمْسَحُ .
وَمَسَحَ الأرضَ : ذَرَعَهَا ، وعبر عن السير بالمسح كما عبر عنه بالذرع فقيل : مسح البعيرُ المفازةَ وذرعها .
والمسح : في تعارف الشرع : إمرار الماء على الأعضاء ( ! ) يقال : مسحت للصلاة وتمسحت ، قال تعالى : وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ « المائدة : 6 » .
ومسحته بالسيف : كناية عن الضرب ، كما يقال مسست ، قال تعالى : فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأعناقِ « ص : 33 » . وقيل سمي الدجال مَسِيحاً ، لأنه ممسوح أحد شقي وجهه ، وهو أنه روي أنه لا عين له ولا حاجب .
وقيل : سمي عيسى عليه السلام مسيحاً لكونه ماسحاً في الأرض ، أي ذاهباً فيها ، وذلك أنه كان في زمانه قوم يسمون المشاءين والسَّيَّاحين لسيرهم في الأرض . وقيل : سمي به لأنه كان يمسح ذا العاهة فيبرأ . وقيل سمي بذلك لأنه خرج من بطن أمه ممسوحاً بالدهن .
وقال بعضهم : إنما كان مَشُوحَا بالعبرانية ، فعرب فقيل المسيح . وكذا موسى كان موشى . وقال بعضهم : المسيح هو الذي مسحت إحدى عينيه ، وقد روي أن الدجال ممسوح اليمنى ، وعيسى ممسوح اليسرى . قال : ويعني بأن الدجال قد مسحت عنه القوة المحمودة من العلم والعقل والحلم والأخلاق الجميلة ، وأن عيسى مسحت عنه القوة الذميمة من الجهل والشره والحرص وسائر الأخلاق الذميمة .
--------------------------- 675 ---------------------------
وكُنِّيَ عن الجماع بالمسح ، كما كني عنه بالمس واللمس ، وسمي العرق القليل مسيحاً .
والمِسْحُ : البِلَاسُ . جمعه مُسُوح وأَمساح .
والتمْسَاح : معروف ، وبه شبه المارد من الإنسان .
ملاحظات
الصحيح أن المسيح عليه السلام سمي بذلك لأنه كان يمسح على الناس ويشفيهم . أما ما روي من تسمية الدجال بالمسيح ، فهو من افتراء اليهود قاتلهم الله ، وقد تسرب إلى مصادر المسلمين من كعب الأحبار وتلاميذه . ولذلك لا تجد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام وصف الدجال بالمسيح ، أو العكس .
مَسَخَ
المسخ : تشويه الخلق والخلق وتحويلهما من صورة إلى صورة . قال بعض الحكماء : المسخ ضربان : مسخٌ خاصٌّ يحصل في الفينة بعد الفينة وهو مسخ الخَلْقِ .
ومَسْخٌ قد يحصل في كل زمان وهو مسخ الخُلُقِ ، وذلك أن يصير الإنسان متخلقاً بخلق ذميم من أخلاق بعض الحيوانات ، نحو أن يصير في شدة الحرص كالكلب ، وفي الشَّرَه كالخنزير ، وفي الغمارة كالثور .
قال : وعلى هذا أحد الوجهين في قوله تعالى : وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ « المائدة : 60 » وقوله : لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ « يس : 67 » يتضمن الأمرين وإن كان في الأول أظهر .
والمسيخ من الطعام : ما لا طعم له . قال الشاعر :
وأنت مسيخٌ كَلَحْمِ الحِوَار
ومسختُ الناقة : أنضيتها وأزلتها ، حتى أزلت خلقتها عن حالها . والماسخي : القواس ، وأصله كان قواسٌ منسوباً إلى ماسخة وهي قبيلة ، فسمي كل قواس به ، كما سُمِّيَ كل حداد بالهالكي .
مَسَدَ
المَسَدُ : ليف يُتَّخَذُ من جريد النخل ، أي من غصنه فيُمْسَدُ ، أي يُفتل . قال تعالى : حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ « المسد : 5 » .
وامرأةٌ مَمْسُودَةٌ : مطوية الخلق كالحبل الممسود .
مَسَكَ
إمساك الشئ : التعلق به وحفظه . قال تعالى : فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ « البقرة : 229 » وقال : وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ « الحج : 65 » أي يحفظها .
واستمسَكْتُ بالشئ : إذا تحريت الإمساك ، قال تعالى : فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ « الزخرف : 43 » وقال : أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ « الزخرف : 21 » .
ويقال : تمَسَّكْتُ به ومسكت به . قال تعالى : وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ « الممتحنة : 10 » . يقال : أَمْسَكْتُ عنه كذا ، أي منعته ، قال : هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ « الزمر : 38 » .
وكني عن البخل بالإمساك .
والمُسْكَةُ من الطعام والشراب : ما يُمْسِكُ الرمقَ . والمَسَكُ : الذَّبْلُ المشدود على المعصم .
والمَسْكُ : الجِلْدُ المُمْسِكُ للبدن .
مَشَجَ
قال تعالى : مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ « الإنسان : 2 » أي أخلاط من الدم ، وذلك عبارة عما جعله الله تعالى بالنطفة من القوى المختلفة المشار إليها بقوله : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ إلى قوله خَلْقاً آخَرَ « المؤمنون : 12 » .
ملاحظات
قال الخليل « 6 / 41 » : « والمشيج : كل لون مستنكر خَلَطَهُ غيره » . وقال ابن منظور « 2 / 367 » : « وفي التنزيل العزيز : إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ . قال ابن السكيت : الأَمشاجُ : الأَخلاطُ ، يريد أَخْلاطَ النطفةَ
--------------------------- 676 ---------------------------
لأَنها مُمْتَزِجةٌ من أَنواعٍ ، ولذلك يولد الإِنسان ذا طَبائعَ مُخْتَلِفةٍ » .
مَشَى
المشي : الإنتقال من مكان إلى مكان بإرادة . قال الله تعالى : كلما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ « البقرة : 20 » وقال : فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ . إلى آخر الآية « النحل : 14 » . يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً « الفرقان : 63 » فَامْشُوا فِي مَناكِبِها « الملك : 15 » .
ويكنى بالمشي عن النميمة ، قال تعالى : هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ « القلم : 11 » . ويكنَّى به عن شرب المسهل ، فقيل : شربت مِشْياً ومَشْواً . والماشية : الأغنام . وقيل : امرأة ماشية : كثر أولادها .
مَصَرَ
المِصْرُ : اسم لكل بلد ممصور ، أي محدود ، يقال : مَصَرْتُ مَصْراً ، أي بنيته . والمِصْرُ : الحدُّ ، وكان من شروط هَجَر : اشترى فلان الدار بِمُصُورِهَا ، أي حدودها . قال الشاعر :
وجاعلُ الشَّمْسِ مِصْراً لا خَفَاءَ بِه
بينِ النَّهارِ وبَيْنَ اللَّيْلِ قَدْ فَصَلَا
وقوله تعالى : اهْبِطُوا مِصْراً « البقرة : 61 » فهو البلد المعروف ، وصرفه لخفته ، وقيل بل عنى بلداً من البلدان .
والماصر : الحاجز بين الماءين . ومَصَرْتُ الناقةَ : إذا جمعتَ أطراف الأصابع على ضرعها فحلبتها ، ومنه قيل : لهم غلة يمتصرونها ، أي يحتلبون منها قليلاً قليلاً .
وثوب ممصَّر : مُشَبَّع الصَّبْغ . وناقة مَصُورٌ : مانع للبن لا تسمح به . وقال الحسن : لا بأس بكسب التياس ما لم يَمْصُرْ ولم يَبْسُر ، أي يحتلب بإصبعيه ويبسر على الشاة قبل وقتها .
والمَصِيرُ : المَعِيُّ وجمعه مُصْرَانُ ، وقيل : بل هو مفعل من صار ، لأنه مستقر الطعام .
ملاحظات
قال الخليل « 7 / 123 » : « المصر : كل كورة تقام فيها الحدود وتغزى منها الثغور . وقوله تعالى : اهْبِطُوا مِصْرًا ، من الأمصار ولذلك نونه ، ولو أراد مصر الكورة بعينها لما نُوِّنَ ، لأن الاسم المؤنث في المعرفة لا يجرى » .
وبذلك يتضح اشتباه الراغب في تعريف المصر .
مَضَغَ
المُضْغَةُ : القطعة من اللحم قدر ما يُمْضَغُ ولم ينضج . قال الشاعر : يُلَجْلِجُ مُضْغَةً فِيهَا أَنِيضُ . أي غير منضج .
وجعل إسماً للحالة التي ينتهي إليها الجنين بعد العلقة . قال تعالى : فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً « المؤمنون : 14 » وقال : مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ « الحج : 5 » .
والمُضَاغة : ما يبقى عن المَضْغ في الفم .
والمَاضِغان : الشدقان لمضغهما الطعام . والمَضَائِغ : العقبات اللواتي على طرفي هيئة القوس ، الواحدة مَضِيغَة .
ملاحظات
ذكر اللغويين أن المضغة قطعة لحم ، ولم يزيدوا ما زاده الراغب على تعريفها ! قال الخليل « 4 / 370 » ومثله الجوهري « 4 / 1326 » : « والمضغة : قطعة لحم . وقلب الانسان مضغة من جسده . والمضغة : كل لحم يخلق من علقة » . وقال ابن فارس « 5 / 330 » : « المضغة قطعة لحم لأنها كالقطعة التي تؤخذ فتمضغ » .
مَضَى
المُضِيُّ والمَضَاءُ : النفاذ ، ويقال ذلك في الأعيان والأحداث . قال تعالى : وَمَضى مَثَلُ الأولينَ « الزخرف : 8 » فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأولينَ « الأنفال : 38 » .
ملاحظات
تستعمل مضى بمعنى ذهب تقول : مضى شهر .
--------------------------- 677 ---------------------------
وبمعنى مواصلة عمل : سأمضي في الأمر . وبمعنى نفاذ أمر : مضى فيه حكم القاضي .
وحصره الراغب بمعنى النفاذ ، وقد يصح ذلك في الآيتين اللتين ذكرهما ، لكنه لا يصح في الآيات الثلاث الباقية : لاأَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُبًا . وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ . فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ .
قال الجوهري « 6 / 2493 » : « مضى الشئ مضياً : ذهب . ومضى في الأمر مضاء : نَفَذَ » .
وقال ابن فارس « 5 / 331 » : « يدل على نفاذ ومرور » .
مَطَرَ
المَطَر : الماء المنسكب ، ويومٌ مَطِيرٌ وماطرٌ ، ومُمْطِرٌ ، ووادٍ مَطِيرٌ ، أي مَمْطُورٌ . يقال : مَطَرَتْنَا السماءُ وأَمْطَرَتْنَا ، وما مُطِرْتُ منه بخير .
وقيل : إن مطرَ يقال في الخير ، وأمطر في العذاب ، قال تعالى : وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ « الشعراء : 173 » وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ « الأعراف : 84 » وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً « الحجر : 74 » فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ « الأنفال : 32 » .
ومَطرَ وتَمَطَّرَ : ذهب في الأرض ذهاب المطر ، وفرسٌ مُتَمَطِّرٌ ، أي سريع كالمطر .
والمستمطر : طالب المطر ، والمكان الظاهر للمطر ، ويعبَّر به عن طالب الخير ، قال الشاعر : فوادٍ خَطَاءٌ وَوَادٍ مَطِرْ .
ملاحظات
تعريف الراغب للمطر بأنه الماء المنسكب ، يجعل الماء الذي تسكبه في كأسك مطراً ! وسبب اشتباهه أنه رأى تعريف الخليل وأراد أن يختصره .
قال الخليل : « 7 / 425 » : « وهو الماء المنسكب من السحاب » . فحذف القيد وجعله كل منسكب !
مَطَيَ
قال تعالى : ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطى « القيامة : 33 » أي يمد مَطَاهُ ، أي ظهرَه ، والمَطِيَّة : ما يركب مطاه من البعير ، وقد امتطيته ركبت مطاه . والمِطْوُ : الصاحبُ المعتمد عليه ، وتسميته بذلك كتسميته بالظهر .
ملاحظات
لا يصح قول الراغب : ويمد ظهره . وفي بعض المصادر يلوي ظهره . والصحيح ما قاله ابن سلام في غريب الحديث « 1 / 223 » : « المطيطاء : التبختر ومد اليدين في المشي . والتمطي من ذلك ، لأنه إذا تمطى مد يديه » .
وقال ابن فارس « 5 / 273 » : « مَطَّهُ : مده . قال الله تعالى : ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى . قالوا أصله يتمطط فجعلت الطاء الثالثة ياء للتخفيف . ومطَّ حاجبيه : تكبر ، وهو منه » .
وقال الخليل « 7 / 463 » : « وكل شئ مددته فقد مَطَوْتَه . ومنه المَطْوُ في السير » .
مَعْ
مَعْ : يقتضي الاجتماع إما في المكان نحو : هما معاً في الدار ، أو في الزمان نحو : ولدا معاً ، أو في المعنى كالمتضايفين نحو الأخ والأب ، فإن أحدهما صار أخاً للآخر في حال ما صار الآخر أخاه . وإما في الشَّرَف والرتبة نحو : هما معاً في العلو . ويقتضي معنى النصرة ، وإن المضاف إليه لفظ مع هو المنصور ، نحو قوله تعالى : لا تَحْزَنْ إن الله مَعَنا « التوبة : 40 » أي الذي مع يضاف إليه في قوله : الله معنا هو منصور ، أي ناصرنا . وقوله : إن الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا « النحل : 128 » وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ « الحديد : 4 » وإن الله مَعَ الصَّابِرِينَ « البقرة : 153 » وإن الله مَعَ الْمُتَّقِينَ « البقرة : 194 » وقوله عن موسى : إن مَعِي رَبِّي « الشعراء : 62 » .
ورجلٌ إِمَّعَةٌ : من شأنه أن يقول لكل واحد : أنا معك .
--------------------------- 678 ---------------------------
والْمَعْمَعَةُ : صوت الحريق والشجعان في الحرب . والْمَعْمَعَانُ : شدة الحرب .
مَعَزَ
قال تعالى : وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ « الأنعام : 143 » والْمَعِيزُ : جماعة المعز ، كما يقال : ضئين لجماعة الضأن .
ورجل ماعز : معصوب الخلق . والأَمْعَز والمِعْزَاء : المكان الغليظ . واسْتَمْعَزَ في أمره : جَدَّ .
مَعَنَ
مَاءٌ مَعِينٌ : هو من قولهم مَعَنَ الماءُ : جرى فهو معين ، ومجاري الماء مُعْنَانٌ .
وأمعن الفرسُ : تباعد في عدوه . وأمعن بحقي : ذهب . وفلان مَعَنَ في حاجته .
وقيل : ماء معين هو من العين ، والميم زائدة فيه .
مَقَتَ
المَقْتُ : البغض الشديد لمن تراه تعاطى القبيح . يقال : مَقَتَ مَقاتَةً فهو مَقِيتٌ ، ومقَّتَه فهو مَقِيتٌ ومَمْقُوتٌ .
قال تعالى : إنهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا « النساء : 22 » وكان يسمى تزوُّج الرجل امرأة أبيه : نكاح المقت .
وأما المَقيت : فمَفْعل من القوت ، وقد تقدم .
مَكَكَ
اشتقاق مكّة من : تمككتُ العظم : أخرجت مُخَّهُ ، وامتكَّ الفصيل ما في ضرع أمه . وعبر عن الاستقصاء بالتمكك . وروي أنه قال عليه الصلاة والسلام : لا تمكُّوا على غرمائكم . وتسميتها بذلك لأنها كانت تَمُكُّ من ظلم بها . أي تدقه وتهلكه . قال الخليل : سميت بذلك لأنها وسط الأرض كالمخّ الذي هو أصل ما في العظم .
والمَكُّوك : طاس يشرب به ويكال ، كالصواع .
ملاحظات
تقدم في بكَّ أن أكثر اللغويين قالوا إن بكَّة مرادفة لمكَّة ، وقيل بكة اسم موضع البيت ، ومكة اسم البلد .
مَكَثَ
المكث : ثباتٌ مع انتظار ، يقال : مَكَثَ مكثاً . قال تعالى : فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ « النمل : 22 » وقرئ : مَكُثَ ، قال : إنكُمْ ماكِثُونَ « الزخرف : 77 » قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا « القصص : 29 » .
ملاحظات
يستعمل المكث بمعنى الانتظار وبمعنى التوقف . فقوله تعالى : وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ . وقوله : لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ . وقوله : مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا . ليس فيه معنى انتظار . وقد يكون بمعنى التوقف والإنتظار معاً ، كقوله تعالى : فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا .
وبذلك فسر الراغب آية الهدهد : فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ، لكنه عممه لكل مكث !
وانفرد الخليل عن اللغويين فلم يذكر في المكث معنى التوقف ، قال « 5 / 353 » : « المكث : الانتظار . والماكث : المنتظر . وقد مكثَ مَكاثةً فهو مكيث ، أي رزينٌ لا يعجل . وقوم مكيثون ومكثاء » .
وهو الرأي الصحيح ، لأن التوقف المفهوم من المكث هو التوقف الذي يقتضيه الانتظار ، وليس الوقوف مقابل القعود ، ولا الوقوف مقابل الحركة .
وقوله تعالى عن الهدهد : فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ، يفهم توقفه من : غير بعيد ، والمعنى : فمكث منتظراً أمر سليمان ، ووقف في مكان قريب .
مَكَرَ
المَكْرُ : صرف الغير عما يقصده بحيلة ، وذلك ضربان : مكر محمود ، وذلك أن يُتَحَرَّى بذلك فعلٌ جميلٌ ، وعلى
--------------------------- 679 ---------------------------
ذلك قال : والله خَيْرُ الْماكِرِينَ « آل عمران : 54 » .
ومذموم : وهو أن يُتحرى به فعل قبيحٌ ، قال تعالى : وَلايَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ « فاطر : 43 » وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا « الأنفال : 30 » فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ « النمل : 51 » .
وقال في الأمرين : وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً « النمل : 50 » .
وقال بعضهم : من مكر الله إمهال العبد وتمكينه من أعراض الدنيا . ولذلك قال أمير المؤمنين رضي الله عنه : من وُسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مُكِرَ به فهو مخدوع عن عقله .
ملاحظات
قال الخليل « 5 / 370 » : « المكر : احتيالٌ بغير ما يضمر . والاحتيال بغير ما يبدي هو الكيد » .
وقال ابن منظور « 5 / 183 » : « الليث : المَكْرُ احتيال في خُفية ، قال : وسمعنا أن الكيد في الحروب حلال ، والمكر في كل حلال حرام » .
وعن علي عليه السلام « الإعتقادات / 26 » : « وفي القرآن : وَمَكَرُوا وَمَكَرَ الله ، والله خَيْرُ الْمَاكِرِينَ . وفي القرآن : يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ . وفي القرآن : الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ . وفي القرآن : سَخِرَ الله مِنْهُمْ . وفي القرآن : الله فَنَسِيَهُمْ . ومعنى ذلك كله : أنه عز وجل يجازيهم جزاء المكر ، وجزاء المخادعة ، وجزاء الاستهزاء ، وجزاء السخرية ، وجزاء النسيان ، وهو أن ينسيهم أنفسهم كما قال عز وجل : وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ، لأنه عز وجل في الحقيقة لا يمكر ولا يخادع ولا يستهزئ ولا يسخر ولا ينسى . تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً » .
مَكَنَ
ا لمَكَان : عند أهل اللغة : الموضع الحاوي للشئ ، وعند بعض المتكلمين إنه عرض ، وهو اجتماع جسمين حاوٍ ومحوي ، وذلك أن يكون سطح الجسم الحاوي محيطاً بالمحوي ، فالمكان عندهم هو المناسبة بين هذين الجسمين .
قال : مَكاناً سُوىً « طه : 58 » وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً « الفرقان : 13 » ويقال : مَكَّنْتُه ومكنت له فتمكن ، قال : وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ « الأعراف : 10 » وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ « الأحقاف : 26 » أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ « القصص : 57 » وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ « القصص : 6 » وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ « النور : 55 » وقال : فِي قَرارٍ مَكِينٍ « المؤمنون : 13 » . وأمكنت فلاناً من فلان .
ويقال : مكان ومكانة ، قال تعالى : اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ « هود : 93 » وقرئ : على مكاناتكم . وقوله : ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ « التكوير : 20 » أي متمكن ذي قدر ومنزلة .
ومَكِنَات الطيرِ ومَكُنَاتها : مقارُّه . والمَكْن : بيض الضب ، وبَيْضٌ مَكْنُونٌ « الصافات : 49 » .
قال الخليل : المكان مَفعل من الكوْن ، ولكثرته في الكلام أجري مجرى فعال ، فقيل : تمكن وتمسكن ، نحو : تمنزل .
ملاحظات
جعل الراغب المكان من : مَكَنَ ، وهو من : كَوَنَ ، كما نقل في آخر كلامه عن الخليل . فكان الأحرى أن يذكرها في : كَوَنَ . قال الخليل « 5 / 410 » : « والمكان : اشتقاقه من كان يكون ، فلما كثرت صارت الميم كأنها أصلية فجمع على أمكنة ، ويقال أيضاً : تمكن ، كما يقال من المسكين : تمسكن » .
مَكَا
مَكَا الطيرُ : يَمْكُو مُكَاءً ، صَفَرَ . قال تعالى : وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً « الأنفال : 35 » تنبيهاً [ على ] أن ذلك منهم جارٍ مجرى مُكاء الطير في قلة الغناء .
والمَكَّاء : طائر . ومَكَتْ إسْتُه : صوَّتت .
--------------------------- 680 ---------------------------
ملاحظات
انفرد الراغب فجعل مُكاء الطائر وصفيره أصل المادة ، أما اللغويون فقالوا في تفسيرها : « مكا يمكو مَكْواً ومُكاء ، إذا جمع يديه ثم صفر فيهما » « المنطق لابن السكيت / 362 » .
وقال الخليل « 5 / 419 » : « فالتصدية : التصفيق باليدين ، كانوا يطوفون بالبيت عراة يصفرون بأفواههم ويصفقون بأيديهم . وقد مَكَا الإنسان يمكو مكاء ، أي صَفَّر بفيه » .
وقال اللغويون : المَكَّاءُ طائرٌ يصفر ، فجعله الراغب أصل المادة ، مع أنه سمي المكاء لأنه يصفر ، قال ابن فارس « 5 / 344 » : « والمكاء طائر سمي لأنه يمكو » .
مَلَلَ
المِلَّة : كالدين ، وهو اسم لما شرع الله تعالى لعباده على لسان الأنبياء ليتوصلوا به إلى جوار الله . والفرق بينها وبين الدِّين أن الملَّة لا تضاف إلا إلى النبي عليه الصلاة والسلام الذي تسند إليه . نحو : فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ « آل عمران : 95 » وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي « يوسف : 38 » ولا تكاد توجد مضافة إلى الله ، ولا إلى آحاد أمة النبي ، ولا تستعمل إلا في حملة الشرائع دون آحادها ، لا يقال : ملة الله ، ولا يقال : ملتي وملّة زيد ، كما يقال : دين الله ودين زيد . ولا يقال : الصلاة ملة الله .
وأصل الملة : من أَمْلَلْتُ الكتاب ، قال تعالى : وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ « البقرة : 282 » فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ « البقرة : 282 » وتقال المِلَّة اعتباراً بالشئ الذي شرعه الله . والدين : يقال اعتباراً بمن يقيمه ، إذ كان معناه الطاعة .
ويقال : خبزُ مَلَّةٍ ، ومَلَّ خبزَه يَمَلُّهُ مَلًّا . والمليل : ما طرح في النار . والمَلِيلَةُ : حرارة يجدها الإنسان .
ومَلَلْتُ الشئ أَمَلُّهُ : أعرضت عنه ، أي ضجرت . وأَمْلَلْتُهُ من كذا : حملته على أن مَلَّ . من قوله عليه الصلاة والسلام : تكلفوا من الأعمال ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا ، فإنه لم يثبت لله مَلَالًا ، بل القصد إنكم تملون والله لا يمل .
ملاحظات
ملَّ الشئ : سئمه ، من المَلَل . ومَلَّ الخبز : وضعه في المَلَّة أي الرماد الحار أو الجمر ، لينضج فهو مليل ومملول .
وأملى عليه إملاءً ، وأملل إملالاً : قال له فكتب وتستعمل بمعنى أمره ففعل . وملَّ : أي كتب ووقع .
وأملى له : أعطاه مهلة ووضع خطة لضربه .
والمِلة بمعنى الدين ، مأخوذة من الإملال والكتابة ، لأنها تعاليم مكتوبة .
قال الخليل « 8 / 324 » : « إمْتَلَّ الرجل : أخذ في ملة الإسلام ، أي قصد ما أُمِلَّ منه . والإملال : إملال الكتاب ليكتب » .
وقال ابن منظور « 11 / 631 » : « أَمَلَّ الشئَ : قاله فكُتِب . وأَمْلاه كأَمَلَّه . وفي التنزيل : فليُمْلِلْ وَلِيُّه بالعدْل . وهذا من أَمَلَّ . وفي التنزيل أَيضاً : فهي تُمْلى عليه بُكْرةً وأَصِيلاً » .
فاتضح بذلك تعدد أصول ملَّ ، وأن الملة اتباع الشريعة المكتوبة . والدين إقامة الطاعة لتلك الملة .
مَلَحَ
المِلْحُ : الماء الذي تغير طعمه التغير المعروف وتجمد ، ويقال له مِلْحٌ إذا تغير طعمه . وإن لم يتجمد فيقال : ماءٌ مِلْحٌ . وقلما تقول العرب : ماءٌ مالحٌ . قال الله تعالى : وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ « الفرقان : 53 » ومَلَّحْتُ القدرَ : ألقيت فيها الملح .
وأَمْلَحْتُهَا : أفسدتها بالملح ، وسمكٌ مَلِيحٌ .
ثم استعير من لفظ الملح : المَلَاحَةُ ، فقيل : رجل مليح ، وذلك راجع إلى حسن يَغْمُضُ إدراكه .
--------------------------- 681 ---------------------------
ملاحظات
كأن الراغب لا يعرف الملح ، فقد جعله كله ماء بحر مجفف ، مع أن الملح البري كثير .
وقد أجاد الخليل فقال ملخصاً « 3 / 243 » : « مَلُحَ : قد يقال من المِلاحة مَلُحَ . والممالحة : المؤاكلة . وإذا وصفت الشئ بما فيه من الملوحة قلت : سمكٌ مالح وبقلةٌ مالحة . والملح : معروف .
ومَلَحْتُ الشئ ومَلَّحْتُه فهو مملوح مليح مملح . والمِلاح من نبات الحمض . والمَلَّاحة : منبت الملح . والمَلَّاح : صاحب السفينة ، وصنعتُه المِلاحة . ويقال : أمَلَحْتَ يا فلان في معنيين : أي جئت بكلمة مليحة ، أو أكثرت مِلح القِدْر . والمِلْحة : الكلمة المليحة » .
مَلَكَ
المَلِكُ : هو المتصرف بالأمر والنهي في الجمهور وذلك يختص بسياسة الناطقين ولهذا يقال : مَلِكُ الناسِ ولا يقال مَلِك الأشياءِ . وقوله : مَلِكِ يومِ الدين « الفاتحة : 3 » فتقديره : الملك في يوم الدين ، وذلك لقوله : لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ « غافر : 16 » .
وَالمُلْكُ ضربان : مُلْك هو التملك والتولي ، ومُلْك هو القوة على ذلك ، تولى أو لم يتول . فمن الأول قوله : إن الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها « النمل : 34 » ومن الثاني قوله : إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً « المائدة : 20 » فجعل النبوة مخصوصة والمُلْكَ عاماً ، فإن معنى المُلك هاهنا هو القوة التي بها يترشح للسياسة لا أنه جعلهم كلهم متولين للأمر ، فذلك مناف للحكمة كما قيل : لا خير في كثرة الرؤساء . قال بعضهم : المَلِك اسم لكل من يملك السياسة ، إما في نفسه وذلك بالتمكين من زمام قواه وصرفها عن هواها ، وإما في غيره سواء تولى ذلك أو لم يتول على ما تقدم ، وقوله : فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً « النساء : 54 » .
والمُلْكُ : الحق الدائم لله ، فلذلك قال : لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ « التغابن : 1 » وقال : قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ « آل عمران : 26 » .
فالمُلْك : ضبط الشئ المتصرف فيه بالحكم .
والمِلْكُ : كالجنس للمُلْكِ ، فكل مُلْك مِلْك وليس كل مِلْك مُلْكاً . قال : قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ « آل عمران : 26 » وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً « الفرقان : 3 » وقال : أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ « يونس : 31 » قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا « الأعراف : 188 » وفي غيرها من الآيات .
والمَلَكُوتُ : مختصٌّ بملك الله تعالى ، وهو مصدر مَلَكَ أدخلت فيه التاء . نحو : رحموت ورهبوت ، قال : وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « الأنعام : 75 » وقال : أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « الأعراف : 185 » .
والمَمْلَكة : سلطان المَلِك وبقاعه التي يتملكها . والمَمْلُوكُ : يختص في التعارف بالرقيق من الأملاك ، قال : عَبْداً مَمْلُوكاً « النحل : 75 » وقد يقال : فلان جواد بمملوكه ، أي بما يتملكه .
والمِلْكَة : تختصّ بمِلْك العبيد ، ويقال : فلان حسن الملكة ، أي الصنع إلى مماليكه ، وخصَّ ملك العبيد في القرآن باليمين ، فقال : لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ « النور : 58 » وقوله : أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ « النساء : 3 » أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ « النور : 31 » .
ومملوك : مقرٌّ بالمُلُوكَةِ والمِلْكَةِ والمِلْكِ .
ومِلَاكُ الأمرِ : ما يعتمد عليه منه . وقيل : القلب ملاك الجسد .
والمِلَاكُ : التزويج ، وأملكوه : زوجوه ، شُبِّهَ الزّوج بِمَلِكٍ
--------------------------- 682 ---------------------------
عليها في سياستها ، وبهذا النظر قيل : كاد العروس أن يكون مَلِكاً .
ومَلِكُ الإبل والشاء : ما يتقدم ويتبعه سائره تشبيهاً بالملك . ويقال : ما لأحد في هذا مَلْكٌ ومِلْكٌ غيري . قال تعالى : ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا « طه : 87 » وقرئ بكسر الميم . ومَلَكْتُ العجينَ : شددت عجنه . وحائط ليس له مِلَاكٌ ، أي تماسك .
وأما المَلَكُ : فالنحويون جعلوه من لفظ الملائكة ، وجعل الميم فيه زائدة . وقال بعض المحققين : هو من المِلك ، قال : والمتولي من الملائكة شيئاً من السياسات يقال له مَلَكٌ بالفتح ، ومن البشر يقال له : مَلِكٌ بالكسر ، فكل مَلَكٍ ملائكة وليس كل ملائكة ملكاً ، بل الملَك هو المشتار إليه بقوله : فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً « النازعات : 5 » فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً « الذاريات : 4 » وَالنَّازِعاتِ « النازعات : 1 » ونحو ذلك . ومنه : ملك الموت . قال : وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها « الحاقة : 17 » عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ « البقرة : 102 » قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ « السجدة : 11 » .
ملاحظات
فسر الراغب في هذه المادة آيات ، وفي بعض تفسيره إشكال . ومن ذلك أنه خالف عامة المفسرين ففهم من : وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً ، أي كلكم ! والمقصود بعضهم ، كما تقول جعل البابليين ملوكاً ، والعرب ملوكاً ، وتقصد بعضهم .
وكذا تفسيره للمَلَك بأنه قسم من الملائكة لاكلهم ، قال : « فكل مَلَكٍ ملائكة وليس كل ملائكة ملكاً ، بل الملَك هو المشار إليه بقوله : فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً » .
فتصور أن بعض الملائكة لا يسمى ملكاً وكأنه بدون عمل ! ولم يذكر دليله على ذلك .
مَلَأ
المَلَأُ : جماعة يجتمعون على رأي ، فيملؤون العيون رواء ومنظراً والنفوس بهاء وجلالاً . قال تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ « البقرة : 246 » وقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ « الأعراف : 60 » إن الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ « القصص : 20 » قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إني أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ « النمل : 29 » وغير ذلك من الآيات . يقال : فلان مِلْءُ العيونِ ، أي معظمٌ عند من رآه كأنه ملأ عينه من رؤيته ، ومنه : قيل شابٌّ مَالِئُ العينِ . والملأ : الخلق المملوء جمالاً ، قال الشاعر :
فقلنا أَحْسِنِي مَلَأً جُهَيْنَا
ومَالَأْتُهُ : عاونته وصرت من مَلَئِه ، أي جمعه ، نحو شايعته أي صرت من شيعته ، ويقال : هو مَلِئ بكذا .
والمَلَاءَةُ : الزكام الذي يملأ الدماغ ، يقال : مُلِئَ فلانٌ وأُمْلِئَ . والمِلْءُ : مقدار ما يأخذه الإناء الممتلئ ، يقال : أعطني ملأه ومِلْأَيْهِ وثلاثة أَمْلَائِهِ .
ملاحظات
كرر الراغب تعريف الملأ وأبدى إعجابه بهم ! وتصور أن سبب تسميتهم به أنهم يملؤون العين حسناً وجمالاً وجلالاً ! بينما الملأ في العربية اسم لجماعة بيدهم الأمر ، ولا يدل على مدح لهم أو ذم ، ولا على شكل حسن أو قبيح !
« الملأ : جماعة من الناس يجتمعون ليتشاوروا ويتحادثوا » . « العين : 8 / 346 » .
وقال ابن فارس « 5 / 346 » : « ومنه الملأ الأشراف من الناس لأنهم ملئوا كرماً » .
وقال ابن منظور « 1 / 159 » : « والمَلأُ : الرُّؤَساءُ ، سُمُّوا بذلك لأَنهم مِلاءٌ بما يُحتاج إليه . وفي الحديث : هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتصِمُ الملأُ الأعلى ؟ يريد الملائكةَ المُقَرَّبين » .
--------------------------- 683 ---------------------------
ويروى أَن النبي صلى الله عليه وآله سَمِعَ رَجُلاً من الأَنصار وقد رَجَعُوا مَن غَزْوةِ بَدْر يقول : ما قَتَلْنا إلا عجائزَ صُلْعاً ، فقال عليه السلام : أُولئِكَ المَلأُ مِنْ قُرَيْشِ ، لَوْ حَضَرْتَ فِعالَهم لاحْتَقَرْتَ فِعْلَكَ ، أَي أَشْرافُ قريش ، والجمع أَمْلاء .
وكذلك المَلأُ إنما هم القَوْم ذَوُوا الشارة والتَّجَمُّع للإِدارة . يقال للقوم إذا تَتابَعُوا برَأْيِهم على أَمر قد تَمالَؤُوا عليه » . وقد رأيت أن عبارة ابن فارس تشعر بمدحهم والحديث النبوي كذلك ، لكنه مدح لكفاءاتهم في الزعامة والقيادة ، وليس في الصفات الانسانية أو الدينية .
مَلَا
الْإِمْلَاءُ : الإمداد ، ومنه قيل للمدة الطويلة مَلَاوَةٌ من الدهر ، ومَلِيٌّ من الدهر ، قال تعالى : وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا « مريم : 46 » وتملَّيْت دهراً : أبقيت ، وتملَّيْتُ الثَّوبَ : تمتعت به طويلاً ، وتملَّى بكذا : تمتع به بملاوة من الدهر . ومَلَاكَ الله ، غير مهموز : عَمَّرك . ويقال : عشت ملياً ، أي طويلاً .
والملا : مقصور ، المفازة الممتدة . والمَلَوَانِ : قيل الليل والنهار ، وحقيقة ذلك تكررهما وامتدادهما ، بدلالة أنهما أضيفا إليهما في قول الشاعر :
نهارٌ وليلٌ دَائمٌ مَلَوَاهُمَا على كلِّ حالِ المرءِ يختلفانِ
فلو كانا الليل والنهار لما أضيفا إليهما .
قال تعالى : وَأُمْلِي لَهُمْ إن كَيْدِي مَتِينٌ « الأعراف : 183 » أي أمهلهم ، وقوله : الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ « محمد : 25 » أي أمهل ، ومن قرأ : أملي لهم ، فمن قولهم : أَمْلَيْتُ الكتابَ أُمْلِيهِ إملاءً . قال تعالى : إنما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ « آل عمران : 178 » . وأصل أمليت : أمللت ، فقلب تخفيفاً قال تعالى : فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا « الفرقان : 5 » وفي موضع آخر : فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ « البقرة : 282 » .
ملاحظات
ليس في قول الشاعر إضافة النهار والليل إلى الملوان ، ليقتضي ذلك تغايرهما كما تصور الراغب ، بل وصفهما بأن ملؤهما دائم التتابع ، فهما مَلَوَان .
مَنَنَ
المَنُّ : ما يوزن به ، يقال : مَنٌّ ، ومنَّان ، وأَمْنَانٌ ، وربما أبدل من إحدى النونين ألف فقيل : مَناً وأَمْنَاءٌ ، ويقال لما يقدر : ممنون كما يقال : موزون .
والمِنَّةُ : النعمة الثقيلة . ويقال ذلك على وجهين ، أحدهما : أن يكون ذلك بالفعل ، فيقال : منَّ فلان على فلان : إذا أثقله بالنعمة ، وعلى ذلك قوله : لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى الْمُؤْمِنِينَ « آل عمران : 164 » كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ الله عَلَيْكُمْ « النساء : 94 » وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ « الصافات : 114 » يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ « إبراهيم : 11 » وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا « القصص : 5 » وذلك على الحقيقة لا يكون إلا لله تعالى .
والثاني : أن يكون ذلك بالقول ، وذلك مستقبح فيما بين الناس إلا عند كُفران النعمة ، ولقبح ذلك قيل : المِنَّةُ تهدم الصنيعة ، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل : إذا كفرت النعمة حسنت المنة . وقوله : يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ « الحجرات : 17 » فالمنة منهم بالقول ، ومنة الله عليهم بالفعل ، وهو هدايته إيّاهم كما ذكر .
وقوله : فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وإما فِداءً « محمد : 4 » فالمن إشارة إلى الإطلاق بلا عوض .
وقوله : هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ « ص : 39 » أي أنفقه . وقوله : وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ « المدثر : 6 » فقد قيل : هو المنة بالقول ، وذلك أن يمتن به ويستكثره ، وقيل معناه : لا تعط مبتغياً به أكثر منه .
وقوله : لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ « الانشقاق : 25 » قيل : غير معدود
--------------------------- 684 ---------------------------
كما قال : بِغَيْرِ حِسابٍ « الزمر : 10 » .
وقيل : غير مقطوع ولا منقوص . ومنه قيل : المَنُون للمَنِيَّة ، لأنها تنقص العدد وتقطع المدد .
وقيل : إن المنة التي بالقول هي من هذا ، لأنها تقطع النعمة وتقتضي قطع الشكر .
وأما المنُّ في قوله : وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى « البقرة : 57 » فقد قيل : المن شئ كالطل فيه حلاوة يسقط على الشجر ، والسلوى : طائر . وقيل : المن والسلوى كلاهما إشارة إلى ما أنعم الله به عليهم ، وهما بالذات شئ واحد لكن سماه مناً بحيث إنه امتن به عليهم ، وسماه سلوى من حيث إنه كان لهم به التسلي .
ومَنْ : عبارة عن الناطقين ، ولا يعبر به عن غير الناطقين إلا إذا جمع بينهم وبين غيرهم ، كقولك : رأيت مَنْ في الدار من الناس والبهائم أو يكون تفصيلاً لجملة يدخل فيهم الناطقون كقوله تعالى : فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي الآية « النور : 45 » .
ولا يعبر به عن غير الناطقين إذا انفرد ، ولهذا قال بعض المحدثين في صفة أغتام نفى عنهم الإنسانية : تخطئ إذا جئت في استفهامه بمن تنبيهاً [ على ] أنهم حيوان أو دون الحيوان .
ويعبر به عن الواحد والجمع والمذكر والمؤنث قال تعالى : وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ « الأنعام : 25 » وفي أخرى : مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ « يونس : 42 » وقال : وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً « الأحزاب : 31 » .
ومِنْ : لابتداء الغاية وللتبعيض وللتبيين ، وتكون لاستغراق الجنس في النفي والاستفهام ، نحو : فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ « الحاقة : 47 » وللبدل نحو : خذ هذا من ذلك . أي بدله ، قال تعالى : رَبَّنا إني أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ « إبراهيم : 37 » من اقتضى التبعيض ، فإنه كان نزل فيه بعض ذريته .
وقوله : مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ « النور : 43 » قال : تقديره أنه ينزل من السماء جبالاً ، فمن الأولى ظرف ، والثانية في موضع المفعول . والثالثة للتبيين كقولك : عنده جبال من مال . وقيل : يحتمل أن يكون قوله : من جبال نصباً على الظرف على أنه ينزل منه ، وقوله : مِنْ بَرَدٍ نصب ، أي ينزل من السماء من جبال فيها ، برداً . وقيل : يصح أن يكون موضع من في قوله : مِنْ بَرَدٍ رفعاً ، ومِنْ جِبالٍ نصباً على أنه مفعول به كأنه في التقدير : وينزل من السماء جبالاً فيها برد ، ويكون الجبال على هذا تعظيماً وتكثيراً لما نزل من السماء .
وقوله تعالى : فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ « المائدة : 4 » قال أبو الحسن : من زائدة ، والصحيح أن تلك ليست بزائدة لأن بعض ما يمسكن لا يجوز أكله ، كالدم والغدد ، وما فيها من القاذورات المنهي عن تناولها .
ملاحظات
1 . نهى الله تعالى عن المنِّ على الذين نعطيهم ، فمعنى قوله تعالى : لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ، أجرٌ لا مِنَّةَ فيه . وهو يشير إلى أنه غير منقوص ولا مقطوع .
2 . المعروف أن الموت سمي المنية والمنون من المنِّ ، لأن المنَّ نقصٌ ، والموت نقصُ العمر . وشذَّ الراغب فجعله من المنيّ ، كما يأتي في مادته .
قال الخليل « 8 / 375 » : « المنون : الموت وهو مؤنث لأنها تمنُّ الأشياء ، أي تُنقصها » .
لكن قد تكون تسمية الموت بالمنية من باب التفاؤل . قال الخليل « 5 / 389 » : « والمُنَى : جماعة المُنْيَة ، وهي ما يتمناه الرجل » . فلعل المَنِيَّة مأخوذة من المُنْيَة ، تفاؤلاً ببلوغ الميت منيته كما تفاءلوا بالصحراء المهلكة فسموها المفازة ، والذاهب فيها فائزاً .
3 . قال علي بن إبراهيم في تفسيره « 1 / 48 » : « لما عبر بهم
--------------------------- 685 ---------------------------
موسى البحر نزلوا في مفازة فقالوا : يا موسى أهلكتنا وقتلتنا وأخرجتنا من العمران إلى مفازة لا ظل ولا شجر ولا ماء ! وكانت تجئ بالنهار غمامة تظلهم من الشمس وينزل عليهم بالليل المن فيقع على النبات والشجر والحجر فيأكلونه ، وبالعشي يأتيهم طائر مشوي فيقع على موايدهم فإذا أكلوا وشبعوا ، طار » .
وقال الإمام الصادق عليه السلام « الفقيه : 1 / 503 » : « نوم الغداة شؤم يحرم الرزق ويُصْفِرُ اللون ، وكان المنُّ والسلوى ينزل على بني إسرائيل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فمن نام تلك الساعة لم ينزل نصيبه ، فكان إذا انتبه فلا يرى نصيبه ، احتاج إلى السؤال والطلب » .
مَنَعَ
المَنْعُ : يقال في ضد العطية ، يقال : رجل مانع ومَنَّاع . أي بخيل . قال الله تعالى : وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ « الماعون : 7 » وقال : مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ « ق : 25 » . ويقال في الحماية ومنه : مكان منيع ، وقد مُنِعَ . وفلان ذو مَنَعَة : أي عزيز ممتنع على من يرومه . قال تعالى : أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ « النساء : 141 » وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ الله « البقرة : 114 » ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ « الأعراف : 12 » أي ما حملك . وقيل : ما الذي صدك وحملك على ترك ذلك ؟
يقال : امرأة منيعة كناية عن العفيفة .
وقيل مَنَاعِ : أي إمنع ، كقولهم : نَزَالِ : أي إنْزِلْ .
مَنَى
المَنَى : التقدير . يقال : مَنَى لك الماني ، أي قدر لك المقدر . ومنه : المَنَا الذي يوزن به فيما قيل .
والمَنِيُّ : للذي قدر به الحيوانات ، قال تعالى : أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى « القيامة : 37 » مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى « النجم : 46 » أي تقدر بالعزة الإلهية ما لم يكن منه .
ومنه : المَنِيَّة ، وهو الأجل المقدر للحيوان وجمعه : مَنَايا .
والتمَنِّي : تقدير شئ في النفس وتصويره فيها ، وذلك قد يكون عن تخمين وظن ويكون عن روية وبناء على أصل ، لكن لما كان أكثره عن تخمين صار الكذب له أملك ، فأكثر التمني تَصور ما لا حقيقة له .
قال تعالى : أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى « النجم : 24 » فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ « البقرة : 94 » وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً « الجمعة : 7 » .
والأُمْنِيَّةُ : الصورة الحاصلة في النفس من تمني الشئ ، ولما كان الكذب تَصَوُّّرُ ما لا حقيقة له وإيراده باللفظ صار التمني كالمبدإ للكذب ، فصح أن يعبر عن الكذب بالتمني ، وعلى ذلك ما روي عن عثمان رضي الله عنه : ما تغنيت ولا تَمَنَّيْتُ منذ أسلمت .
وقوله تعالى : وَمِنْهُمْ أُميونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ « البقرة : 78 » قال مجاهد : معناه : إلا كذباً ، وقال غيره إلا تلاوة مجردة عن المعرفة ، من حيث إن التلاوة بلا معرفة المعنى تجري عند صاحبها مجرى أمنية تمنيتَها على التخمين .
وقوله : وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ « الحج : 52 » أي في تلاوته ، فقد تقدم أن التمني كما يكون عن تخمين وظن فقد يكون عن روية وبناء على أصل ، ولما كان النبي صلى الله عليه وآله كثيراً ما كان يبادر إلى ما نزل به الروح الأمين على قلبه حتى قيل له : لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ « طه : 114 » ولا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ « القيامة : 16 » سمى تلاوته على ذلك تمنِّياً ، ونبَّه [ على ] أن للشيطان تسلطاً على مثله في أمنيته وذلك من حيث بين أن العجلة من الشيطان .
وَمَنَّيْتَني كذا : جعلت لي أُمْنِيَّةً بما شبَّهت لي . قال تعالى مخبراً عنه : وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ « النساء : 119 » .
--------------------------- 686 ---------------------------
ملاحظات
فَسَّرَ مخالفونا قوله تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِىٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ الله مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ الله آيَاتِهِ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ . لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ . وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الله لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . « الحج : 52 » . بأن الله تعالى سمح للشيطان أن يُلقي في قراءة النبي صلى الله عليه وآله آيات الغرانيق وفيها إيمانٌ بأصنام قريش !
وأجاب أئمتنا عليه السلام بأن يستحيل أن يُمكِّن الله الشيطان ويسلطه على فعل النبي صلى الله عليه وآله صغيراً أو كبيراً ، بل معنى الآية : أن الله تعالى سمح الله له أن يلقي في تصور النبي صلى الله عليه وآله وخياله صورة أو فكرة ، كما يلقي الصور في أذهاننا ، ولم يستجب النبي صلى الله عليه وآله لتلك الصورة ، ثم أزالها الله تعالى ونسخها .
وقد بحثنا المسألة في كتاب : « ألف سؤال وإشكال : 1 / 136 »
مَهَدَ
المَهْدُ : ما يُهَيَّأُ للصَّبيِّ . قال تعالى : كَيْفَ نُكلمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا « مريم : 29 » والمَهْد والمِهَاد : المكان المُمَهَّد الموطَّأ . قال تعالى : الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً « طه : 53 » ومِهاداً « النبأ : 6 » وذلك مثل قوله : الْأَرْضَ فِراشاً « البقرة : 22 » .
ومَهَّدْتُ لك كذا : هيأته وسويته ، قال تعالى : وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً « المدثر : 14 »
وامتهد السَّنامُ : أي تَسَوَّى ، فصار كمِهَادٍ أو مَهْدٍ .
ملاحظات
جعل الراغب كل ما يهيأ للصبي مهداً ، فدخل فيه الحليب ! وقد أخذه من الخليل وأساء اختصاره .
قال الخليل « 4 / 32 » : « المهد : الموضع يهيأ لينام فيه الصبي . والمهاد : اسم جمع من المهد ، كالأرض جعلها الله مهاداً للعباد . وجمع المهاد : مُهُد ، وثلاثة أَمْهِدَة » .
مَهَلَ
المَهْل : التؤَدَةُ والسُّكونُ ، يقال : مَهَلَ في فعله ، وعمل في مُهْلة ، ويقال : مَهْلًا ، نحو رفقاً ، وقد مَهَّلْتَه : إذا قُلْتَ له مَهْلًا . وأَمْهَلْتُهُ : رَفَقْتُ به ، قال : فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً « الطارق : 17 » .
والمُهْلُ : دُرْدِيُّ الزَّيْت ، قال : كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ « الدخان : 45 » .
مَوَتَ
أنواع الموت بحسب أنواع الحياة : فالأول : ما هو بإزاء القوَّة النامية الموجودة في الإنسان والحيوانات والنبات ، نحو قوله تعالى : يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها « الروم : 19 » وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً « ق : 11 » .
الثاني : زوال القوة الحاسَّة ، قال : يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا « مريم : 23 » أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا « مريم : 66 » .
الثالث : زوال القوَّة العاقلة ، وهي الجهالة ، نحو : أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ « الأنعام : 122 » وإياه قصد بقوله : إنكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى « النمل : 80 » .
الرابع : الحزن المكدِّر للحياة ، وإياه قصد بقوله : وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كل مَكانٍ وَما هُوَ بِميتٍ « إبراهيم : 17 » .
الخامس : المنامُ ، فقيل : النوم مَوْتٌ خفيف ، والموت نوم ثقيل ، وعلى هذا النحو سماهما الله تعالى تَوَفِّياً فقال : وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ « الأنعام : 60 » الله يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها « الزمر : 42 » .
وقوله : وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ « آل عمران : 169 » فقد قيل : نفي الموت هو عن أرواحهم فإنه
--------------------------- 687 ---------------------------
نبه على تَنَعُّمِهم . وقيل : نفى عنهم الحزن المذكور في قوله : وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كل مَكانٍ « إبراهيم : 17 » .
وقوله : كل نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ « آل عمران : 185 » فعبارة عن زوال القوة الحيوانيَّة وإبانة الرُّوح عن الجسد .
وقوله : إنكَ ميتٌ وَإنهُمْ ميتُونَ « الزمر : 30 » فقد قيل : معناه : ستموت ، تنبيهاً [ على ] أن لا بد لأحد « لكل أحد » من الموت كما قيل : والموتُ حَتْمٌ في رِقَابِ العِبَاد
وقيل : بل الميت هاهنا ليس بإشارة إلى إبانة الرُّوح عن الجسد ، بل هو إشارة إلى ما يعتري الإنسان في كل حال من التحلُّل والنَّقص ، فإن البشر ما دام في الدنيا يموت جزءً فجزءً ، كما قال الشاعر : يموت جزءً فجزءً
وقد عَبَّرَ قوم عن هذا المعنى بِالمائِتِ ، وفصلوا بين الميت والمائت فقالوا : المائت هو المتحلل ، قال القاضي عليّ بن عبد العزيز : ليس في لغتنا مائت على حسب ما قالوه .
والْمَيْتُ : مخفَّف عن الميت ، وإنما يقال : موتٌ مائتٌ ، كقولك : شِعْرٌ شَاعِرٌ ، وسَيْلٌ سَائِلٌ .
ويقال : بَلَدٌ مَيِّتٌ ومَيْتٌ ، قال تعالى : فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ ميتٍ « فاطر : 9 » بَلْدَةً مَيْتاً « الزخرف : 11 » .
وَالمَيْتةُ من الحَيوان : ما زال روحه بغير تذكية ، قال : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ « المائدة : 3 » إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً « الأنعام : 145 » والْمَوَتَانُ بإزاء الحيوان ، وهي الأرض التي لم تَحْيَ للزَّرع ، وأرض مَوات . ووقع في الإبل مَوَتَانٌ كثير . وناقة مُميتةٌ ومُميتٌ : مات ولدها . وإِمَاتَةُ الخمر : كناية عن طَبْخها .
والمُسْتَمِيتُ المتعرِّض للموت ، قال الشاعر :
فأعطيتُ الجعالةَ مُسْتَمِيتَا
والمَوْتَةُ : شِبه الجنون ، كأنه من موْتِ العلم والعقل ، ومنه : رجل مَوْتَانُ القلب ، وامرأة مَوْتانةٌ .
ملاحظات
ذكر الراغب معاني للموت ، وافترض له أقساماً ، وفيها مناقشات ، فقد فسر قوله تعالى : يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا ، بأنه موت الحواس ، وظاهره أن مريم ÷ تمنت الموت الكامل . وفسر آية : أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ، بزوال القوَّة العاقلة وهي الجهالة ، والإيمان أوسع من إزالة الجهالة .
وكذا قوله تعالى : إنكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى ، لا يقصد بهم الجهلاء ، بل المعاندين الذين استحقوا أن يختم الله على قلوبهم .
وكذا تفسيره آية : إنكَ ميتٌ وَإنهُمْ ميتُونَ ، وتفصيله بين الميِّت والمائت ، والميْت بالتخفيف والتشديد . بدون شاهد من كلام العرب .
ولا نطيل فيها ، لأن الغالب عليها التفسير .
مَوَجَ
المَوْج في البحر : ما يعلو من غَوارب الماء . قال تعالى : فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ « هود : 42 » يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ « النور : 40 » .
ومَاجَ كذا يَمُوجُ ، وتَمَوَّجَ تَمَوُّجاً : اضطرب اضطرابَ الموج . قال تعالى : وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ « الكهف : 99 » .
ملاحظات
غوارب الماء والموج : أعاليه « لسان العرب : 13 / 283 » فجعلها الراغب تعريفاً للموج !
مَيَدَ
المَيْدُ : اضطرابُ الشئ العظيم كاضطراب الأرض . قال تعالى : أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ « النحل : 15 » أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ « الأنبياء : 31 » .
ومَادَتِ الأغصان تميد . وقيل المَيَدانُ في قول الشاعر :
نعيماً ومَيَدَاناً من العَيْشِ أخْضَرَا
وقيل هو الممتدُّ من العيش ، وميَدان الدَّابة منه .
والمائدَةُ : الطبَق الذي عليه الطعام ، ويقال لكل واحدة
--------------------------- 688 ---------------------------
منها مائدة ، ويقال : مَادَنِي يَمِيدُنِي ، أي أَطْعَمِني . وقيل : يُعَشِّينى . وقوله تعالى : أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ « المائدة : 114 » قيل : استدعوا طعاماً ، وقيل : استدعوا علماً ، وسماه مائدة من حيث أن العلم غذاء القلوب كما أن الطعام غذاء الأبدان .
ملاحظات
استشهد الراغب بقول الشاعر :
نعيماً ومَيْدَاناً من العيش أخضرا
على أن الميَدان من مادت الأغصان . وهذا لا يصح لأن الميدان في البيت بسكون الياء ، وبفتحها يختلُّ الوزن . وهو يدل على أن الراغب لا يعرف أوزان الشعر !
قال ابن فارس « 5 / 288 » : « والميْدان على فَعْلَان : العيش الناعم الريان . قال ابن أحمر : نعيماً ومَيْداناً من العيش أخضرا » .
مَوَرَ
المَوْر : الجَرَيان السَّريع . يقال : مَارَ يَمُورُ مَوْراً . قال تعالى : يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً « الطور : 9 » ومَارَ الدم على وجهه ، والمَوْرُ : التراب المتردِّد به الريح ، وناقة تَمُورُ في سيرها ، فهي مَوَّارَةٌ .
ملاحظات
تعريفه للمَوْرِ بالجريان السريع خطأ ، فالمَوْرُ هو الموج ، سريعاً كان أو بطيئاً ، قال الخليل « 8 / 292 » : « المَوْرُ : الموج . وهو الشئ يتردد في عرض كالداغصة في الركبة . والبعير يمور عضداه : إذا ترددا في عرض جنبيه .
والطعنة تمور : إذا مالت يميناً أو شمالاً . والدماء تمور في وجه الأرض : إذا انصبت فترددت » .
وذكر نحوه الجوهري « 2 / 820 » وجعله ابن فارس « 5 / 284 » أصلاً بمعنى التردد أي التموج .
مَيَرَ
المِيرَة : الطعام يَمْتَارُهُ الإنسان ، يقال : مَارَ أهلَهُ يَمِيرُهُمْ . قال تعالى : وَنَمِيرُ أَهْلَنا « يوسف : 65 » والغِيرَة والمِيرَة يتقاربان .
مَيَزَ
المَيْزُ والتمْيِيزُ : الفصل بين المتشابهات ، يقال : مَازَهُ يَمِيزُهُ مَيْزاً ، ومَيَّزَهُ تَمْيِيزاً ، قال تعالى : لِيَمِيزَ الله « الأنفال : 37 » وقرئ : لِيُمَيِّزَ الله الْخَبِيثَ مِنَ الطيِّبِ . والتمْيِيزُ يقال تارة للفصل ، وتارة للقوة التي في الدماغ ، وبها تستنبط المعاني ، ومنه يقال : فلان لا تمييز له .
ويقال : انْمَازَ وامْتَازَ ، قال : وَامْتازُوا الْيَوْمَ « يس : 59 » .
وتَميَّزَ كذا مطاوعُ مَازَ . أي انْفَصَلَ وانْقَطَعَ ، قال تعالى : تَكادُ تَميزُ مِنَ الْغَيْظِ « الملك : 8 » .
مَيَلَ
المَيْلُ : العدول عن الوسَط إلى أَحَد الجانبين ، ويُستعمَلُ في الجَوْر ، وإذا استُعمِلَ في الأجسام فإنه يقال فيما كان خِلْقَةً مَيَلٌ ، وفيما كان عَرَضاً مَيْلٌ ، يقال : مِلْتُ إلى فلان : إذا عاوَنْتُهُ . قال تعالى : فَلا تَمِيلُوا كل الْمَيْلِ « النساء : 129 » .
وَمِلْتُ عليهِ : تحاملْتُ عليه . قال تعالى : فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً « النساء : 102 » .
والمَالُ : سُمِّي بذلك لكونه مائِلًا أبداً وزَائلاً ، ولذلك سُمِّي عَرَضاً ، وعلى هذا دلَّ قولُ مَنْ قال : المَالُ قَحْبَةٌ تكون يوماً في بيت عطار ، ويوماً في بيت بَيْطَارٌ .
ملاحظات
كلام الراغب عن المال جميلٌ ، لكنه غير علمي ، وقد جعله الراغب فعلاً ، لكنَّ فعله تَمَوَّلَ .
قال الخليل « 8 / 344 » : « المال : معروف ، وجمعه أموال . والفعل تمول » .
وقال ابن منظور « 11 / 636 » : « ويقال : تَمَوَّل فلان مالاً إِذا اتَّخذ قُنْيَةً ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله : فليأْكُلْ منه غير مُتَمَوِّل مالاً وغير مُتَأَثِّل مالاً ، والمعنيان مُتقارِبان .
--------------------------- 689 ---------------------------
ومالَ الرجل يَمُول ويَمَالُ مَوْلاً ومُؤولاً إِذا صار ذا مالٍ ، وتصغيره مُوَيْل . والعامة تقول مُوَيِّل بتشديد الياء ، وهو رجلٌ مالٌ ، وتَمَوَّلَ مثله ومَوَّلَه غيره » .
ففعله الأصلي تموَّل ، وقد استعمل منه مَالَ فعلاً ماضياً وأصله مَوَلَ ، أو تمول .
مِائَة
المِائَة : الثالثةُ من أصول الأعداد ، وذلك أن أصول الأعداد أربعةٌ : آحادٌ وعَشَرَاتٌ ومِئَاتٌ وأُلُوفٌ . قال تعالى : فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ « الأنفال : 66 » وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا « الأنفال : 65 » .
ومائة آخِرُها محذوفٌ ، يقال : أَمْأَيْتُ الدَّراهِمَ فَأَمَّأَتْ هي ، أي صارتْ ذاتَ مِائَةٍ .
مَاءٌ
قال تعالى : وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كل شَئ حَيٍ « الأنبياء : 30 » وقال : وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً « الفرقان : 48 » ويقال مَاهُ بني فلان . وأصل ماء مَوَهٌ بدلالة قولهم في جمعه : أَمْوَاهٌ ومِيَاهٌ ، وفي تصغيره مُوَيْهٌ ، فحذف الهاء وقلب الواو .
ورجل مَاهِيُ القلب : كثُر ماءُ قلبه ، فماهٍ هو مقلوب من مَوَهٍ أي فيه ماء ، وقيل : هو نحو رجل قَاهٍ .
ومَاهَتِ الرَّكِيَّةُ تَمِيهُ وتَمَاهُ ، وبئر ميهَةٌ ومَاهَةٌ ، وقيل : مَيْهَةٌ ، وأَمَاهَ الرجل ، وأَمْهَى : بَلَغَ المَاءَ .
مَا
ومَا : في كلامهم عشرةٌ : خمسة أسماء وخمسة حروف . فإذا كان إسماً فيقال للواحد والجمع والمؤنَّث على حد واحد ، ويصح أن يعتبر في الضمير لفظُه مفرداً ، وأن يُعتبر معناه للجمع .
فالأول من الأسماء : بمعنى الذي نحو : وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله ما لا يَضُرُّهُمْ « يونس : 18 » ثم قال : هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ الله « يونس : 18 » لما أراد الجمع ، وقوله : وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً . الآية « النحل : 73 » فجمع أيضاً ، وقوله : بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ « البقرة : 93 » .
الثاني : نكرة ، نحو : نِعما يَعِظُكُمْ بِهِ « النساء : 58 » أي نعم شيئاً يعظكم به ، وقوله : فَنِعما هِيَ « البقرة : 271 » فقد أجيز أن يكون ما نكرة في قوله : ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها « البقرة : 26 » وقد أجيز أن يكون صلة ، فما بعده يكون مفعولاً ، تقديره : أن يضرب مثلاً بعوضة .
الثالث : الاستفهام ، ويسأل به عن جنس ذات الشئ ونوعه ، وعن جنس صفات الشئ ونوعه . وقد يسأل به عن الأشخاص والأعيان في غير الناطقين . وقال بعض النحويين : وقد يعبر به عن الأشخاص الناطقين ، كقوله تعالى : إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ « المؤمنون : 6 » إن الله يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَئ « العنكبوت : 42 » .
وقال الخليل : ما : استفهام ، أيْ : شئ تدعون من دون الله ، وإنما جعله كذلك لأن ما هذه لا تدخل إلا في المبتدأ والاستفهام الواقع آخراً .
الرابع : الجزاء نحو : ما يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها ، وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ . . الآية « فاطر : 2 » ونحو : ما تضرب أضرب .
الخامس : التعجب نحو : فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ « البقرة : 175 » .
وأما الحروف : فالأول : أن يكون ما بعده بمنزلة المصدر كأن الناصبة للفعل المستقبَل . نحو : وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ « البقرة : 3 » فإن ما مع رَزَقَ في تقدير الرِّزْق ، والدلالة على أنه مثل أن أنه لا يعود إليه ضمير لا ملفوظ به ولا مقدر فيه ، وعلى هذا حمل قوله : بِما كانُوا يَكْذِبُونَ « البقرة : 10 » وعلى هذا قولهم : أتاني القوم ما عدا زيداً ، وعلى هذا إذا كان في تقدير ظرف نحو : كلما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ « البقرة : 20 » كلما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله « المائدة : 64 » كلما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً « الإسراء : 97 » .
--------------------------- 690 ---------------------------
وأما قوله : فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ « الحجر : 94 » فيصح أن يكون مصدراً ، وأن يكون بمعنى الذي . واعلم أن ما إذا كان مع ما بعدها في تقدير المصدر لم يكن إلا حرفاً ، لأنه لو كان إسماً لعاد إليه ضمير ، وكذلك قولك : أريد أن أخرج ، فإنه لاعائد من الضمير إلى أن ، ولا ضمير لها بعده .
الثاني : للنفي وأهل الحجاز يعملونه بشرط نحو : ما هذا بَشَراً « يوسف : 31 » .
الثالث : الكافَّة ، وهي الداخلة على إن وأخواتها وربَّ ونحو ذلك . والفعل نحو : إنما يَخْشَى الله مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ « فاطر : 28 » إنما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً « آل عمران : 178 » كَأنما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ « الأنفال : 6 »
وعلى ذلك ما في قوله : رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا « الحجر : 2 » وعلى ذلك : قَلَّمَا وطَالَمَا فيما حكي .
الرابع : المُسَلِّطَة ، وهي التي تجعل اللفظ متسلِّطاً بالعمل ، بعد أن لم يكن عاملاً . نحو : ما في إِذْمَا وحَيْثُمَا ، لأنك تقول : إذما تفعل أفعل ، وحيثما تقعد أقعد ، فإذ وحيث لا يعملان بمجرَّدهما في الشرط ، ويعملان عند دخول ما عليهما .
الخامس : الزائدة لتوكيد اللفظ في قولهم : إذا مَا فعلت كذا ، وقولهم : إما تخرج أخرج . قال : فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً « مريم : 26 » وقوله : إما يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما « الإسراء : 23 » .
ملاحظات
مَا : أوسع استعمالاً ومعاني مما ذكره الراغب ، وفي كلامه مواضع للمناقشة ، وتجد تفصيل بحثها في مثل كتاب المغني لابن هشام .
ولا نطيل فيها ، لأن أهم معانيها وردت في تفسير آياتها .
تم كتاب الميم
--------------------------- 691 ---------------------------
--------------------------- 692 ---------------------------
كتاب النون وما يتصل بها
نَبَتَ
النَّبْتُ والنَّبَاتُ : ما يخرج من الأرض من النَّامِيات ، سواء كان له ساق كالشجر ، أو لم يكن له ساق كالنَّجْم .
لكن اختَصَّ في التعارُف بما لا ساقَ له ، بل قد اختص عند العامَّة بما يأكله الحيوان ، وعلى هذا قوله تعالى : لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً « النبأ : 15 » . ومتى اعتبرت الحقائق فإنه يستعمل في كل نام نباتاً كان ، أو حيواناً ، أو إنساناً .
والإِنْبَاتُ : يستعمل في كل ذلك ، قال تعالى : فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا « عبس : 27 » فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها « النمل : 60 » يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ « النحل : 11 » .
وقوله : والله أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً « نوح : 17 » فقال النحويون : قوله : نباتاً موضوع موضع الإنبات وهو مصدر . وقال غيرهم : قوله نباتاً حالٌ لا مصدر ، ونبه بذلك [ على ] أن الإنسان هو من وجهٍ نباتٌ من حيث أن بدأه ونشأه من التراب وأنه ينمو نموه ، وإن كان له وصف زائد على النبات .
وعلى هذا نبه بقوله : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ « غافر : 67 » .
وعلى ذلك قوله : وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً « آل عمران : 37 » .
وقوله : تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ « المؤمنون : 20 » الباء للحال لا للتعدية ، لأن نبت متعدٍّ تقديره : تَنْبُتُ حاملةً للدُّهْن ، أي تنبت والدهن موجود فيها بالقوة . ويقال : إن بني فلان لَنَابِتَةُ شَرّ ، ونبتت فيهم نَابِتَةٌ ، أي نشأ فيهم نشأٌ صغار .
ملاحظات
معنى قوله تعالى : والله أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا . ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا : خلقكم من ترابها ،
--------------------------- 693 ---------------------------
وغذاكم ونماكم من محصولها ، ثم يعيدكم فيها بالموت ، ثم ينبتكم ويخرجكم منها يوم القيامة .
ففي أمالي الصدوق / 243 ، عن الإمام الصادق عليه السلام : « إذا أراد الله عز وجل أن يبعث الخلق ، أمطر السماء على الأرض أربعين صباحاً فاجتمعت الأوصال ، ونبتت اللحوم » . قال الخليل « 8 / 129 » : « النبت : الحشيش والنبات فعله ، ويجرى مجرى اسمه » .
نَبَذَ
النَّبْذُ : إلقاء الشئ وطرحه لقلة الاعتداد به ، ولذلك يقال : نَبَذْتُهُ نَبْذَ النَّعْل الخَلِق . قال تعالى : لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ « الهمزة : 4 » فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ « آل عمران : 187 » لقلة اعتدادهم به ، وقال : نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ « البقرة : 100 » أي طرحوه لقلة اعتدادهم به .
وقال : فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ « القصص : 40 » فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ « الصافات : 145 » لَنُبِذَ بِالْعَراءِ « القلم : 49 » وقوله : فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ « الأنفال : 58 » فمعناه : ألق إليهم السلم . واستعمال النبذ في ذلك كاستعمال الإلقاء كقوله : فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إنكُمْ لَكاذِبُونَ « النحل : 86 » وَأَلْقَوْا إِلَى الله يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ « النحل : 87 » تنبيهاً [ على ] أن لا يؤكد العقد معهم ، بل حقهم أن يطرح ذلك إليهم طرحاً مستحثّاً به على سبيل المجاملة ، وأن يراعيهم حسب مراعاتهم له ، ويعاهدهم على قدر ما عاهدوه .
وَانْتَبَذَ فلان : اعتزل اعتزال من لا يقل مبالاته بنفسه فيما بين الناس . قال تعالى : فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا « مريم : 22 » . وقعد نَبْذَةً ونُبْذَةً ، أي ناحية معتزلة . وصبيّ مَنْبُوذٌ ونَبِيذٌ كقولك : ملقوط ولقيط ، لكن يقال : منبوذ اعتباراً بمن طرحه ، وملقوطٌ ولقيط اعتباراً بمن تناوله .
والنَّبِيذُ : التمرُ والزّبيبُ الملقَى مع الماء في الإناء ثم صار إسماً للشراب المخصوص .
ملاحظات
النَّبْذُ : طرح الشئ مطلقاً ، ولعل الراغب بقوله : وطرحه لقلة الاعتداد به ، تأثر بقوله تعالى : لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ . لكن قولك : نبذتُ كفَّ زبيب في الماء ، وقوله : فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا . ليس فيه ذم لأن النبذ بذاته لا يدل على ذم ، لكن قد يوحي به .
قال الخليل « 8 / 191 » : « النبذ : طرحك الشئ من يدك أمامك أو خلفك » . وقال ابن فارس « 5 / 380 » : « يدل على طرح وإلقاء . وفي رأسه نَبْذٌ من الشيب ، أي يسيرٌ كأنه الذي ينبذ لقلته وصغره » .
نَبَزَ
النَّبْزُ : التلْقِيب . قال الله تعالى : وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ « الحجرات : 11 » .
ملاحظات
ذكر اللغويون أن النبز : التلقيب ، لكن النهي عن النبز باللقب في قوله تعالى : وَلاتَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ ، يدل على أن النبز يكون بغير اللقب وإن كان أبرز أفراده .
وقد روي أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وآله : يا نَبِيئَ الله ، فقال له : لاتَنْبِر باسْمي ، فإنما أَنا نَبِيُّ الله . وفي رواية لا تنبز باسمي . « تاج العروس : 1 / 257 » .
نَبَطَ
قال تعالى : وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ « النساء : 83 » أي يستخرجونه منهم ، وهو استفعال من : أَنْبَطْتُ كذا . والنَّبْطُ : الماء المُسْتَنْبَطُ ، وفرس أَنْبَطُ : أبيض تحت الإبط ، ومنه النِّبْطُ المعروفون .
ملاحظات
مادة نَبَطَ : قديمة عند الشعوب المختلفة ، وتعني
--------------------------- 694 ---------------------------
المزارعين الذين يستنبطون الماء أو يزرعون بالماء . ومنها سمي المزارعون النبط ، في مقابل البدو الذين لا يمتهنون الزراعة . قال أمير المؤمنين في إبراهيم وأبنائه عليهم السلام : « نحن قوم من النبط من كوثى رَبَى » . « لسان العرب : 2 / 181 » . وكوثا رَبَى بلدة في بابل ، يعني أن جدهم إبراهيم عليه السلام من المزارعين ، وليس من البدو والقبائل المتنقلة .
قال الخليل « 7 / 439 » : « وسموا به ، لأنهم أول من استنبط الأرض ، والنسبة إليهم : نِبْطِي ، وهم قوم ينزلون سواد العراق ، والجميع : الأنباط » .
وقال الجوهري « 5 / 1886 » : « ويقال : الجراجمة نِبْط الشام » .
نَبَعَ
النَّبْعُ : خروج الماء من العين . يقال : نَبَعَ الماءُ يَنْبَعُ نُبُوعاً ونَبْعاً . واليَنْبُوعُ : العينُ الذي يَخْرُجُ منه الماءُ ، وجمعه : يَنَابِيعُ . قال تعالى : أَلَمْ تَرَ إن الله أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ . « الزمر : 21 » .
والنَّبْعُ : شجر يُتَّخَذُ منه القِسِيُّ .
نَبَأَ
النَّبَأُ : خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غَلَبَة ظن ، ولا يقال للخبر في الأصل نَبَأٌ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة ، وحق الخبر الذي يقال فيه نَبَأٌ أن يتعرى عن الكذب ، كالتواتر ، وخبر الله تعالى ، وخبر النبي عليه الصلاة والسلام . ولتضمُّن النَّبَإِ معنى الخبر يقال : أَنْبَأْتُهُ بكذا كقولك : أخبرته بكذا .
ولتضمنه معنى العلم قيل : أَنْبَأْتُهُ كذا ، كقولك : أعلمته كذا . قال الله تعالى : قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ « ص : 67 » وقال : عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ « النبأ : 1 » أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ « التغابن : 5 » وقال : تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ « هود : 49 » وقال : تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها « الأعراف : 101 » وقال : ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ « هود : 100 » .
وقوله : إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا « الحجرات : 6 » فتنبيهٌ [ على ] أنه إذا كان الخبر شيئاً عظيماً له قدر فحقه أن يتوقف فيه ، وإن علم وغلب صحته على الظن حتى يعاد النظر فيه ، ويتبين فضل تبين ، يقال : نَبَّأْتُهُ وأَنْبَأْتُهُ . قال تعالى : أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ « البقرة : 31 » وقال : أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلما أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ « البقرة : 33 » وقال : نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ « يوسف : 37 » وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ « الحجر : 51 » وقال : أَتُنَبِّئُونَ الله بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ « يونس : 18 » قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ « الرعد : 33 » وقال : نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ « الأنعام : 143 » قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبارِكُمْ « التوبة : 94 » .
ونَبَّأْتُهُ أبلغ من أَنْبَأْتُهُ ، فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا « فصلت : 50 » يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ « القيامة : 13 » ويدلّ على ذلك قوله : فَلما نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ « التحريم : 3 » ولم يقل : أَنْبَأَنِي ، بل عَدَلَ إلى نَبَّأَ الّذي هو أبلغُ تنبيهاً على تحقيقه وكونه من قِبَلِ الله . وكذا قوله : قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبارِكُمْ « التوبة : 94 » فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ « المائدة : 105 » .
والنُّبُوَّةُ : سِفَارَةٌ بين الله وبين ذوي العقول من عباده لإزاحة عللهم في أمر مَعادِهم ومَعاشِهم .
والنَّبِيُّ : لكونه منبِّئاً بما تسكن إليه العقول الذَّكيَّة ، وهو يصحُّ أن يكون فعيلاً بمعنى فاعل لقوله تعالى : نَبِّئْ عِبادِي « الحجر : 49 » قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ « آل عمران : 15 » وأن يكون بمعنى المفعول لقوله : نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ « التحريم : 3 » .
وتَنَبَّأَ فلان : ادَّعى النُّبوَّة ، وكان من حق لفظه في وضع
--------------------------- 695 ---------------------------
اللغة أن يصح استعماله في النبيِّ إذ هو مُطاوِعُ نَبَّأَ ، كقوله : زَيَّنَهُ فَتَزَيَّنَ ، وحَلَّاهُ فَتَحَلَّى ، وجَمَّلَهُ فَتَجَمَّلَ ، لكن لما تُعُورِفَ فيمن يدَّعِي النُّبوَّةَ كذباً جُنِّبَ استعمالُه في المُحق ، ولم يُستعمَل إلّا في المُتقوِّل في دَعْواه كقولك : تَنَبَّأَ مُسَيْلِمَةُ . ويقال في تصغير نَبئ : مُسَيْلِمَة نُبَيِّئُ سَوْءٍ ، تنبيهاً [ على ] أن أخباره ليست من أخبار الله تعالى ، كما قال رجل سمع كلامه : والله ما خرج هذا الكلام من إلٍّ ، أي الله .
والنَّبْأَة : الصَّوْتُ الخَفِيُّ .
النبيُّ بغير همْز : فقد قال النحويُّون : أصله الهمْزُ فتُرِكَ همزُه ، واستدلُّوا بقولهم : مُسَيْلِمَةُ نُبَيِّئُ سَوْءٍ . وقال بعضُ العلماء : هو من النَّبْوَة أي الرِّفعة ، وسمي نَبِيّاً لرِفْعة محلِّه عن سائر الناس المدلول عليه بقوله : وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا « مريم : 57 » فالنَّبِيُّ بغير الهمْز أبلغُ من النَّبِئ بالهمْز لأنه ليس كل مُنَبَّأ رفيعَ القَدْر والمحلِّ ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لمن قال : يا نَبِئ الله فقال : لَسْتُ بِنَبِئ الله ولكنْ نَبِيُّ الله ، لما رأى أن الرجل خاطبه بالهمز ليَغُضَّ منه .
والنَّبْوَة والنَّبَاوَة : الارتفاع ، ومنه قيل : نَبَا بفلان مكانُهُ ، كقولهم : قَضَّ عليه مضجعه ، ونَبَا السيفُ عن الضَّرِيبة : إذا ارتدَّ عنه ولم يمض فيه . ونَبَا بصرُهُ عن كذا : تشبيهاً بذلك .
ملاحظات
1 . نص اللغويون على أن النبأ هو الخبر ، وكلاهما قد يكون عظيماً أو غير عظيم ، لكن الراغب رأى قوله تعالى : عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ . وقوله تعالى : قُلْ هُوَ نَبَؤٌاْ عَظِيمٌ . فتخيل أن النبأ هو الخبر العظيم ، وبنى على تصوره شروطاً اشترطها في صدق اسم النبأ ، قال : « النَّبَأُ : خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غَلَبَة ظن ، ولا يقال للخبر في الأصل نَبَأٌ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة » .
لكن تصوره خاطئ وشروطه لا تصح ، فإن صفة العظيم لم تأت من كونه نبأ ، بدليل أنه وصف بها . كما جاء مطلقاً : إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا . فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ . لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ . . لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ . . فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ .
وقد عممه اللغويون ولم يذكروا فيه شروطاً . قال الخليل « 8 / 382 » : « النبأ ، مهموز : الخبر ، وإن لفلان نبأٍ أي خبراً . والفعل : نبأته وأنبأته واستنبأته ، والجميع : الأنباء » .
وقال الجوهري « 1 / 74 » : « والنبأ : الخبر ، تقول نبأ ونبأ ، أي أخبر ، ومنه أخذ النبي لأنه أنبأ عن الله تعالى ، وهو فعيل ، بمعنى فاعل » .
وقد تأثر أبو هلال العسكري بالراغب ، فقال في الفروق اللغوية / 529 : « النبأ : الخبر الذي له شأن عظيم ، ومنه اشتقاق النبوة ، لأن النبي مخبر عن الله تعالى » .
ثم استشهد بكلام الراغب وبوصفه بالعظيم في الآية ! مع أن وصفه بالعظيم يدل على وجود نبأ غير عظيم !
2 . النبي : اسم فاعل من أنبأ ، ويلفظ النبيئ والنبي .
قال ابن منظور « 1 / 162 » : « قال سيبويه : ليس أَحد من العرب إلَّا ويقول تَنَبَّأَ مُسَيْلِمة بالهمز ، غير أَنهم تركوا الهمز في النبيِّ كما تركوه في الذُرِّيَّةِ والبَرِيَّةِ والخابِيةِ ، إلَّا أَهلَ مكة ، فإنهم يهمزون هذه الأَحرف ولايهمزون غيرها ، ويُخالِفون العرب في ذلك . قال : والهمز في النَّبِئِ لغة رديئة يعني لقلة استعمالها » .
نَتَقَ
نَتَقَ الشئ : جَذَبَهُ ونَزَعَهُ حتى يسترخِيَ ، كنَتْقِ عُرَى الحِمْل . قال تعالى : وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ « الأعراف : 171 » ومنه استعير : امرأة نَاتِقٌ : إذا كثُر ولدُها ، وقيل : زِنْدٌ نَاتِقٌ :
--------------------------- 696 ---------------------------
وَارٍ ، تشبيهاً بالمرأة النَّاتِق .
ملاحظات
أضاف الراغب إلى النتق : معنى الإسترخاء ! ولا يوجد في معناه في الآية وكلمات اللغويين .
قال الخليل « 5 / 129 » : « النتق : الجذب ، ونتقت الغرب من البئر إذا اجتذبته بمرة جذباً . ونتقت الملائكة جبل الطور ، أي اقتلعوه من أصله حتى أطلعوه على عسكر بني إسرائيل فقال موسى عليه السلام : خذوا التوراة بما فيها وإلا ألقي عليكم هذا الجبل ، فأخذوها ، فقال تعالى : وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ » .
نَثَرَ
نَثْرُ الشئ : نشره وتفريقه . يقال : نَثَرْتُهُ فَانْتَثَرَ . قال تعالى : وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ « الانفطار : 2 » ويسمَّى الدِّرْع إذا لُبِسَ نَثْرَةً . ونَثَرَتِ الشاةُ : طَرَحَتْ من أنفها الأَذَى ، والنَّثْرَة : ما يَسِيلُ من الأنف ، وقد تسمَّى الأنفُ نَثْرَةً .
ومنه : النَّثْرَة لنجم يقال له أنْفُ الأسد . وطَعَنَهُ فَأَنْثَرَهُ : أَلْقَاه على أنفه . والإسْتِنْثَارُ : جعل الماء في النَّثْرة .
نَجَدَ
النَّجْد : المكانُ الغليظُ الرفيعُ ، وقوله تعالى : وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ « البلد : 10 » فذلك مثلٌ لطريقَيِ الحق والباطلِ في الإعتقاد ، والصدق والكذب في المقال ، والجميل والقبيح في الفعال . وبيَّن أنه عرَّفهما كقوله : إنا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ الآية « الإنسان : 3 » . والنَّجْدُ : اسم صقع ، وأَنْجَدَهُ : قَصَدَهُ ، ورجل نَجِدٌ ونَجِيدٌ ونَجْدٌ : أي قويٌّ شديدٌ بَيِّنُ النَّجدة .
واسْتَنْجَدْتُهُ : طلبت نَجْدَتَهُ فَأَنْجَدَنِي ، أي أعانني بنَجْدَتِهِ ، أي شَجَاعته وقوته .
وربما قيل اسْتَنْجَدَ فلانٌ ، أي قَوِيَ .
وقيل للمكروب والمغلوب : مَنْجُودٌ ، كأنه ناله نَجْدَة ، أي شِدَّة .
والنَّجْدُ : العَرَق ، ونَجَدَهُ الدَّهر ، أي قَوَّاه وشدَّده ، وذلك بما رأى فيه من التجرِبَة ، ومنه قيل : فلان ابنُ نَجْدَةِ كَذَا .
والنِّجَادُ : ما يُرْفَعُ به البيت . والنَّجَّادُ : مُتَّخِذُهُ . ونِجَادُ السَّيْف : ما يُرْفَع به من السَّيْر .
والنَّاجُودُ : الرَّاوُوقُ ، وهو شئ يُعَلَّقُ فيُصَفَّى به الشَّرَابُ .
ملاحظات
قوله : ابن نجدة . فيه تصحيف أو خطأ ، تقول العرب : ابن بجدتها وابن بجدة الأمر ، أي الخبير به .
نَجَسَ
النَّجاسة : القَذَارة ، وذلك ضرْبان ، ضرْب يُدْرَك بالحاسة ، وضرْب يُدْرَك بالبصيرة . والثاني وصف الله تعالى به المشركين فقال : إنمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ « التوبة : 28 » ويقال نَجَّسَهُ ، أي جعله نَجِساً ، ونَجَّسَهُ أيضاً : أَزَالَ نَجَسَهُ .
ومنه تَنْجِيسُ العَرَب ، وهو شئ كانوا يفعلونه من تعليق عَوَذَةٍ على الصَّبيِّ ليدفعوا عنه نجاسةَ الشَّيطان .
والنَّاجِسُ والنَّجِيسُ : داءٌ خبيثٌ لا دواءَ له .
نَجَمَ
أصل النَّجْم : الكوكب الطالع ، وجمعه نُجُومٌ .
ونَجَمَ : طَلَعَ ، نُجُوماً ونَجْماً . فصار النَّجْمُ مرةً إسماً ومرة مصدراً . فَالنُّجُوم مرةً إسماً كالقُلُوب والجُيُوب ، ومرة مصدراً كالطلوع والغُروب .
ومنه شُبِّهَ به طلوعُ النبات والرَّأي ، فقيل : نَجَمَ النَّبْت والقَرْن ، ونَجَمَ لي رأي نَجْماً ونُجُوماً .
ونَجَمَ فلانٌ على السلطان : صار عاصياً . ونَجَّمْتُ المالَ عليه : إذا وَزَّعْتُهُ ، كأنك فرضت أن يدفع عند طلوع كل نَجْمٍ نصيباً ، ثم صار متعارفاً في تقدير دفعه بأي شئ قَدَّرْتَ ذلك .
--------------------------- 697 ---------------------------
قال تعالى : وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ « النحل : 16 » وقال : فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ « الصافات : 88 » أي في علم النُّجُوم .
وقوله : وَالنَّجْمِ إِذا هَوى « النجم : 1 » قيل : أراد به الكوكب وإنما خص الهُوِيُّ دون الطلوع ، فإن لفظة النَّجْم تدل على طلوعه . وقيل : أراد بِالنَّجْم الثُّرَيَّا ، والعرب إذا أطلقتْ لفظَ النَّجم قصدتْ به الثُّرَيَّا . نحو :
طلع النَّجْمُ غُدَيَّهْ * وابْتَغَى الرَّاعِي شُكَيَّهْ
وقيل : أراد بذلك القرآن المُنَجَّم المنزَّل قَدْراً فَقَدْراً ، ويعني بقوله هَوى : نزولَهُ ، وعلى هذا قوله : فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ « الواقعة : 75 » فقد فُسِّرَ على الوجهين .
والتنَجُّم : الحكم بالنجوم . وقوله تعالى : وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ « الرحمن : 6 » .
فَالنَّجْمُ : ما لا ساقَ له من النبات ، وقيل : أراد الكواكبَ .
نَجَوَ
أصل النَّجَاء : الإنفصالُ من الشئ ، ومنه : نَجَا فلان من فلان وأَنْجَيْتُهُ ونَجَّيْتُهُ . قال تعالى : وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا « النمل : 53 » وقال : إنا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ « العنكبوت : 33 » وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ « البقرة : 49 » فَلما أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ « يونس : 23 » فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ « الأعراف : 83 » فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا « الأعراف : 72 » وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما « الصافات : 115 » نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ نِعْمَةً « القمر : 34 » وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا « فصلت : 18 » وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ « هود : 58 » ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا « مريم : 72 » ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا « يونس : 103 » .
والنَّجْوَةُ والنَّجَاةُ : المكان المُرتفِع المنفصل بارتفاعه عما حوله ، وقيل سمي لكونه نَاجِياً من السَّيْل .
وَنَجَّيْتُهُ : تركته بنَجْوة وعلى هذا : فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ « يونس : 92 » ونَجَوْتُ قِشْرَ الشجرةِ ، وجِلْدَ الشاةِ ، ولاشتراكهما في ذلك ، قال الشاعر :
فقلت انْجُوَا عنها نَجَا الجِلْدِ إنهُ
سيرضيكما منها سَنَامٌ وغَارِبُهْ
ونَاجَيْتُهُ : أي سارَرْتُه ، وأصله أن تخلو به في نَجْوة من الأرض . وقيل : أصله من النجاة ، وهو أن تعاونه على ما فيه خلاصه ، أو أن تَنْجُوَ بسرِّك من أن يطلع عليك .
وتَنَاجَى القومُ ، قال : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتقْوى « المجادلة : 9 » إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً « المجادلة : 12 » والنَّجْوَى أصله المصدر ، قال : إنمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ « المجادلة : 10 » وقال : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى « المجادلة : 8 » وقوله : وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا « الأنبياء : 3 » تنبيهاً [ على ] أنهم لم يظهروا بوجه ، لأن النجوى ربما تظهر بعد .
وقال : ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ « المجادلة : 7 » وقد يوصف بالنجوى ، فيقال : هو نَجْوَى وهم نَجْوَى . قال تعالى : وَإِذْ هُمْ نَجْوى « الإسراء : 47 » .
والنَّجِيُّ : المُنَاجِي ويقال للواحد والجمع . قال تعالى : وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا « مريم : 52 » وقال : فَلما اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا « يوسف : 80 » .
وانْتَجَيْتُ فلاناً : استخلصته لسرِّي . وأَنْجَى فُلانٌ : أتى نَجْوَةً ، وهم في أرض نَجَاةٍ ، أي في أرض يُسْتَنْجَى من شَجَرِها العِصِيُّ والقِسِيّ أي يتخذ ويستخلص .
والنَّجا : عِيدانٌ قد قُشِرَتْ . قال بعضهم : يقال نجوْتُ فلاناً : استنكهته واحتجَّ بقول الشاعر :
نَجَوْتُ مجالداً فوجدتُ منهُ
كريحِ الكلبِ ماتَ حَدِيثَ عَهْدِ
--------------------------- 698 ---------------------------
فإن يكن حملَ نجوتُ على هذا المعنى من أجل هذا البيت ، فليس في البيت حجة له ، وإنما أراد إني سارَرْتُهُ فَوَجَدْتُ من بَخَره ريحَ الكلب الميت . وكُنِّي عما يخرج من الإنسان بِالنَّجْوِ . وقيل : شرب دواءً فما أَنْجَاهُ أي ما أقامه . والإسْتِنْجَاءُ : تحرِّي إزالةِ النَّجْوِ ، أو طلب نَجْوَةٍ لإلقاء الأَذَى ، كقولهم تَغَوَّطَ : إذا طلب غائطاً من الأرض ، أو طلب نجوةً ، أي قِطْعَةَ مَدَرٍ لإزالة الأذى . كقولهم : اسْتَجْمَرَ إذا طلب جِمَاراً أي حجراً .
والنَّجأة بالهمز : الإصابة بالعين . وفي الحديث : إدْفَعُوا نَجْأَةَ السَّائِلِ بِاللُّقْمَة .
ملاحظات
فسر الراغب نجا بانفصل من الشئ ، وهذا خطأ ، والصحيح أنها بمعنى الخلاص من شر كما قال الخليل « 6 / 186 » . ثم فسر الراغب عدداً من مفرداتها ، وفي بعضها إشكال ، ولم يصرح برجوعها إلى الانفصال .
وجعلها ابن فارس أصلين « 5 / 397 » : « أحدهما على كشط وكشف ، والآخر على ستر وإخفاء » .
لكن لا يمكن حصر فروعها بأصلين وثلاثة ، فهي أوسع من ذلك ، وتستعمل في معان متضادة .
نَحَبَ
النَّحْبُ : النَّذْر المحكوم بوجوبه يقال : قضى فلان نَحْبَهُ أي وَفَى بنذره . قال تعالى : فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ « الأحزاب : 23 » ويعبر بذلك عمن مات ، كقولهم : قضى أجله واستوفى أكله وقضى من الدنيا حاجته . والنَّحِيبُ : البكاء الذي معه صوت . والنُّحَابُ : السُّعَال .
ملاحظات
فسر الراغب وغيره النَّحْبَ بالنَّذْر ، وفي تفسير أهل البيت عليهم السلام يشمل الميثاق الذي أخذه الله على الناس ، فمن وفى به فقد قضى نحبه أي وفى بعهده ، وكأن النحب بمعنى السهم والواجب الذي عليه .
ففي الكافي « 8 / 306 » : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي ، من أحبك ثم مات فقد قضى نحبه ، ومن أحبك ولم يمت فهو ينتظر » .
ويشمل التعاهد على أمر كما في تفسير قوله تعالى : مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً . أن علياً عليه السلام وعمه حمزة وأخاه جعفراً عليهم السلام ، تعاهدوا على بذل مهجهم دون رسول الله صلى الله عليه وآله فلما قتل حمزة وجعفر ، أنزل الله هذه الآية .
نَحَتَ
نَحَتَ الخَشَبَ والحَجَرَ ونحوهما من الأجسام الصَّلْبَة . قال تعالى : وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ « الشعراء : 149 » والنُّحَاتَةُ : ما يسقط من المَنْحُوتِ .
والنَّحِيتَة : الطبيعة التي نُحِتَ عليها الإنسان ، كما أن الغريزة ما غُرِزَ عليها الإنسانُ .
نَحَرَ
النَّحْرُ : موضِع القِلَادةِ من الصَّدر . ونَحَرْتُهُ : أَصَبْتُ نَحْرَهُ ، ومنه : نَحْرُ البعير . وقيل في حرف عبد الله : فَنَحَرُوهَا وما كادوا يفعلون .
وانْتَحَرُوا على كذا : تَقَاتَلُوا تشبيهاً بنَحْر البعير .
ونَحْرَة الشَّهر ونَحِيرُهُ : أوله ، وقيل : آخر يوم من الشَّهر ، كأنه ينحر الذي قبله .
وقوله : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ « الكوثر : 2 » هو حثٌّ على مراعاة هذين الرُّكْنين ، وهما الصلاة ، ونَحْرُ الهَدْي ، وأنه لا بد من تعاطيهما ، فذلك واجب في كل دِين وفي كل مِلَّة .
وقيل : أَمْرٌ بوَضْع اليد على النَّحْر . وقيل : حثٌّ على قتل النَّفس بقَمْع الشَّهوة . والنِّحْرِير : العالِمُ بالشئ والحاذِقُ به .
--------------------------- 699 ---------------------------
ملاحظات
فسر قوله تعالى : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ . بأن الله أمر النبي صلى الله عليه وآله بالصلاة ورفع اليدين إلى النحر في التكبير . وقد رويَ ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام ، وهو المعنى الظاهر للآية . وبمقتضى فاء التفريع فإن الأمر بالصلاة والنحر متفرع على نعمة الكوثر وهي حوض الكوثر ، ونهر الكوثر ، وكوثر الذرية المطهرة . وروي أنه صلى الله عليه وآله نحر كبشين عن الحسن والحسين عليهما السلام ، فيكون الأمر بالنحر مشتركاً بين النحر في الصلاة ونحر الضحية ، لنعمة الذرية .
نَحَسَ
قوله تعالى : يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ « الرحمن : 35 » فَالنُّحَاس : اللهيبُ بلا دُخانٍ ، وذلك تشبيه في اللَّون بالنُّحاس .
والنَّحْسُ : ضد السَّعْد ، قال الله تعالى : فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ « القمر : 19 » فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ « فصلت : 16 » . وقُرئ : نَحَسَات بالفتح ، قيل : مشؤوماتٍ ، وقيل : شديداتِ البَرْد .
وأصل النَّحْس : أن يحمرَّ الأفق فيصير كالنُّحاس ، أي لَهَبٍ بلا دُخان ، فصار ذلك مثلا للشُّؤْم .
نَحَلَ
النَّحْل : الحَيَوانُ المخصوصُ . قال تعالى : وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ « النحل : 68 » .
والنَّحْلَةُ والنِّحْلَةُ : عَطِيَّة على سبيل التبرُّع ، وهو أخصُّ من الهِبَة ، إذ كل هِبَةٍ نِحْلَةٌ وليس كل نِحْلَةٍ هِبَةً .
واشتقاقه فيما أرى أنه من النَّحْل نظراً منه إلى فعله ، فكأن نَحَلْتُهُ : أعطيته عطيّةَ النَّحْلِ ، وذلك ما نبه عليه قوله : وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ الآية « النحل : 68 » .
وبيَّن الحكماء أن النَّحل يقع على الأشياء كلها فلا يضرها بوجه ، وينفع أعظْمَ نفعٍ ، فإنه يعطي ما فيه الشِّفاء كما وصفه الله تعالى .
وسُمِّيَ الصَّدَاقُ بها من حيثُ أنه لا يجب في مقابلته أكثرُ من تمتُّع دون عِوَضِ ماليٍّ ، وكذلك عطيَّةُ الرجل ابْنَهُ ، يقال : نَحَلَ ابنَه كذا وأَنْحَلَهُ ، ومنه : نَحَلْتُ المرأةَ ، قال تعالى : وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً « النساء : 4 » .
والانْتِحَالُ : ادِّعَاءُ الشئ وتناوُلُه ، ومنه يقال : فلان يَنْتَحِلُ الشِّعْرَ .
ونَحِلَ جِسْمُهُ نُحُولاً : صار في الدقة كالنَّحْل .
ومنه : النَّوَاحِلُ للسُّيُوف ، أي الرِّقَاق الظُّبَات تصوُّراً لنُحُولِهَا ، ويصحُّ أن يُجْعَل النِّحْلَة أصلاً ، فيُسَمَّى النَّحْل بذلك اعتباراً بفعله . والله أعلم .
نَحْنُ
نَحْنُ : عبارة عن المتكلم إذا أَخْبَرَ عن نفسه مع غيره ، وما وَرَدَ في القرآن من إِخبار الله تعالى عن نفسه بقوله : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ « يوسف : 3 » فقد قيل هو إخبار عن نفسه وحده ، لكن يُخَرَّجُ ذلك مَخْرَجَ الإِخبار المُلوكي . وقال بعضُ العلماء : إن الله تعالى يذكر مثلَ هذه الألفاظ إذا كان الفعل المذكور بعده يفعله بواسطة بعضِ ملائكته ، أو بعض أوليائه ، فيكون نحن عبارة عنه تعالى وعنهم ، وذلك كالوحي ، ونُصْرة المؤمنين ، وإِهلاك الكافرين ، ونحو ذلك مما يتولَّاه الملائكةُ المذكورونَ بقوله : فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً « النازعات : 5 » .
وعلى هذا قوله : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ « الواقعة : 85 » يعني : وَقْتَ المُحْتَضَرِ حين يَشْهَدُهُ الرُّسُلُ المذكورون في قوله : تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ « النحل : 28 » وقوله : إنا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ « الحجر : 9 » لما كان بوِساطة القلم واللَّوح وجبريل .
--------------------------- 700 ---------------------------
ملاحظات
أسند الله عزَّ وجلَّ بعض الأفعال إلى نفسه بصيغة المفرد المتكلم ، وبعضها بصيغة جمع المتكلم ، وبعضها بصيغة المفرد الغائب ، مثل : أوحيت ، أوحينا ، نوحي ، أوحى .
وأسند بعضها بصيغتين ، مثل جمع المتكلم والغائب ، دون صيغة المفرد مثل : بَشَّرْنا ، أرسلنا ، صوَّرنا ، رزقنا ، بيَّنَّا . فلم يقل بشَّرت أو رزقت . . الخ .
ولا شك أن لذلك قاعدة ، فإن كلمات القرآن وحروفه موضوعة في مواضعها بحسابات دقيقة ، كما وضعت النجوم في مواضعها ومداراتها في الكون ، وكما قال عنها عز وجل : فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ . وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ . إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ .
وما ذكره الراغب عن بعض العلماء من أن نسبة الفعل الإلهي بصيغة جمع المتكلم عندما يكون فعل الملائكة والأولياء عليهم السلام ، كلامٌ قوي ، يؤيده ما رويناه عن أهل البيت عليهم السلام في قوله تعالى : إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ . وأن إياب الخلق إلى أهل البيت عليهم السلام وحسابهم عليهم ، لأنهم المسؤولون من قبل الله تعالى عن المحشر .
نَخَرَ
قال تعالى : أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً « النازعات : 11 » من قولهم : نَخِرَتِ الشَّجْرةُ ، أي بَلِيَتْ ، فهَبَّتْ بها نُخْرَةُ الرِّيح أي هُبُوبُهَا . والنَّخِيرُ : صوْتٌ من الأَنْف ، ويسمَّى حرْفا الأَنْف اللذان يخرج منهما النَّخِيرُ نُخْرَتَاهُ ومِنْخَرَاهُ .
والنَّخُورُ : الناقَةُ التي لا تَدِرُّ أو يُدْخَل الأصبعُ في مِنْخَرِهَا . والنَّاخِرُ : من يَخْرُجُ منه النَّخِيرُ ، ومنه : ما بِالدَّارِ نَاخِرٌ .
نَخَلَ
النَّخْلُ : معروف ، وقد يُستعمَل في الواحد والجمع . قال تعالى : كَأنهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ « القمر : 20 » وقال : كَأنهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ « الحاقة : 7 » وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ « الشعراء : 148 » وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ « ق : 10 » . وجمعه : نَخِيلٌ ، قال : وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ « النحل : 67 » .
والنَّخْلُ : نَخْل الدّقيق بِالمُنْخُل . وانْتَخَلْتُ الشئ : انتقيتُه فأخذْتُ خِيارَهُ .
نَدَدَ
نَدِيدُ الشئ : مُشارِكُه في جَوْهَره ، وذلك ضربٌ من المُماثلة فإن المِثْل يقال في أيِّ مشاركةٍ كانتْ . فكل نِدٍّ مثلٌ وليس كل مثلٍ نِدّاً . ويقال : نِدُّهُ ونَدِيدُهُ ونَدِيدَتُهُ ، قال تعالى : فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً « البقرة : 22 » وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ الله أَنْداداً « البقرة : 165 » وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً « فصلت : 9 » وقرئ : يوم التنَادِّ « غافر : 32 » أي يَنِدُّ بعضُهم من بعض . نحو : يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ « عبس : 34 » .
نَدِمَ
النَّدْمُ والنَّدَامَةُ : التحَسُّر من تغيُّر رأي في أمر فَائِتٍ . قال تعالى : فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ « المائدة : 31 » وقال : عما قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ « المؤمنون : 40 » وأصله من مُنَادَمَةِ الحزن له .
والنَّدِيمُ والنَّدْمَانُ والمُنَادِمُ ، يَتَقَارَبُ . قال بعضهم : المُنْدَامَةُ والمُدَاوَمَةُ يتقاربان . وقال بعضهم : الشَّرِيبَانِ سُمِّيَا نَدِيمَيْنِ لما يتعقبُ أحوالَهما من النَّدَامَةِ على فعليهما .
ندَِا
النِّدَاءُ : رفْعُ الصَّوت وظُهُورُهُ ، وقد يقال ذلك للصَّوْت المجرَّد ، وإياه قَصَدَ بقوله : وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً « البقرة : 171 » أي لا يعرف إلا الصَّوْت المجرَّد دون المعنى الذي يقتضيه تركيبُ الكلام .
--------------------------- 701 ---------------------------
ويقال للمركَّب الذي يُفْهَم منه المعنى ذلك ، قال تعالى : وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى « الشعراء : 10 » وقوله : وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ « المائدة : 58 » أي دَعَوْتُمْ ، وكذلك : إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ « الجمعة : 9 » ونِدَاءُ الصلاة مخصوصٌ في الشَّرع بالألفاظ المعروفة .
وقوله : أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ « فصلت : 44 » فاستعمال النداء فيهم تنبيهاً على بُعْدهم عن الحق في قوله : وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ « ق : 41 » وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطورِ الْأَيْمَنِ « مريم : 52 » وقال : فَلما جاءَها نُودِيَ « النمل : 8 » وقوله : إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا « مريم : 3 » فإنه أشار بِالنِّدَاء إلى الله تعالى ، لأنه تَصَوَّرَ نفسَهُ بعيداً منه بذنوبه ، وأحواله السَّيِّئة كما يكون حال من يَخاف عذابَه .
وقوله : رَبَّنا إننا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ « آل عمران : 193 » فالإشارة بالمنادي إلى العقل ، والكتاب المنزَّل ، والرَّسول المُرْسَل ، وسائر الآيات الدَّالَّة على وجوب الإيمان ب الله تعالى . وجعله منادياً إلى الإيمان لظهوره ظهورَ النداء وحثِّه على ذلك كحث المنادي .
وأصل النِّداء : من النَّدَى ، أي الرُّطُوبة ، يقال : صوت نَدِيٌّ رفيع ، واستعارة النِّداء للصَّوْت من حيث إن من يَكْثُرُ رطوبةُ فَمِهِ حَسُنَ كلامُه ، ولهذا يُوصَفُ الفصيح بكثرة الرِّيق ، ويقال : نَدًى وأَنْدَاءٌ وأَنْدِيَةٌ .
ويسمى الشَّجَر نَدًى لكونه منه ، وذلك لتسمية المسبَّب باسم سببِهِ وقول الشاعر :
كَالْكَرْمِ إذ نَادَى مِنَ الكَافُورِ
أي ظهر ظهورَ صوتِ المُنادي
وعُبِّرَ عن المجالسة بالنِّدَاء حتى قيل للمجلس النَّادِي ، والمُنْتَدَى ، والنَّدِيُّ ، وقيل ذلك للجليس ، قال تعالى : فَلْيَدْعُ نادِيَهُ « العلق : 17 » . ومنه سميت دار النَّدْوَة بمكَّةَ ، وهو المكان الذي كانوا يجتمعون فيه .
ويُعَبَّر عن السَّخاء بالنَّدَى ، فيقال : فلان أَنْدَى كفّاً من فلان ، وهو يَتَنَدَّى على أصحابه ، أي يَتَسَخَّى ، وما نَدِيتُ بشئ من فلان أي ما نِلْتُ منه نَدًى .
ومُنْدِيَاتُ الكَلِم : المُخْزِيَات التي تُعْرَف .
نَذَرَ
النذر : أن تُوجِب على نفسك ما ليس بواجب لحدوثِ أمر ، يقال : نَذَرْتُ لله أمراً قال تعالى : إني نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً « مريم : 26 » وقال : وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ « البقرة : 270 » .
وَالإِنْذارُ : إخبارٌ فيه تخويف كما أن التبشير إخبار فيه سرور . قال تعالى : فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى « الليل : 14 » أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ « فصلت : 13 » وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ « الأحقاف : 21 » وَالَّذِينَ كَفَرُوا عما أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ « الأحقاف : 3 » لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ « الشورى : 7 » لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ « يس : 6 » .
والنَّذِيرُ : المنذر ، ويقع على كل شئ فيه إنذار إنساناً كان أو غيره . إني لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ « نوح : 2 » إني أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ « الحجر : 89 » وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ « الأحقاف : 9 » وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ « فاطر : 37 » نَذِيراً لِلْبَشَرِ « المدثر : 36 » .
والنُّذُرُ : جمعه ، قال تعالى : هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأولى « النجم : 56 » أي من جنس ما أُنْذِرَ به الذين تقدَّموا . قال تعالى : كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ « القمر : 23 » وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ « القمر : 41 » فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ « القمر : 18 » .
وقد نَذِرْتُ : أي عَلِمْتُ ذلك وحَذِرْتُ .
نَزَعَ
نَزَعَ الشئ : جَذَبَهُ من مقرِّه كنَزْعِ القَوْس عن كبده ، ويُستعمَل ذلك في الأعراض ، ومنه نَزْعُ العَداوة والمَحبة
--------------------------- 702 ---------------------------
من القلب ، قال تعالى : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ « الأعراف : 43 » وَانْتَزَعْتُ آيةً من القرآن في كذا .
ونَزَعَ فلان كذا : أي سَلَبَ . قال تعالى : تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ « آل عمران : 26 » وقوله : وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً « النازعات : 1 » قيل : هي الملائكة التي تَنْزِعُ الأرواح عن الأَشْباح ، وقوله : إنا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ « القمر : 19 » وقوله : تَنْزِعُ النَّاسَ « القمر : 20 » قيل : تقلع الناس من مقرّهم لشدَّة هبوبها ، وقيل : تنزع أرواحهم من أبدانهم .
والتنَازُعُ والمُنَازَعَةُ : المُجَاذَبَة ، ويُعَبَّرُ بهما عن المُخاصَمة والمُجادَلة ، قال : فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَئ فَرُدُّوهُ « النساء : 59 » فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ « طه : 62 » .
والنَّزْعُ عن الشئ : الكَفُّ عنه . والنُّزُوعُ : الإشتياق الشديد ، وذلك هو المُعَبَّر عنه بإِمحَال النَّفْس مع الحبيب ، ونَازَعَتْنِي نفسي إلى كذا .
وأَنْزَعَ القومُ : نَزَعَتْ إِبِلُهم إلى مَوَاطِنِهِمْ ، أي حَنَّتْ . ورجل أَنْزَعُ : زَالَ عنه شَعَرُ رَأْسِهِ كأنه نُزِعَ عنه ففارَقَ .
والنَّزْعَة : المَوْضِعُ من رأسِ الأَنْزَعِ ، ويقال : امرَأَةٌ زَعْرَاء ، ولا يقال نَزْعَاء . وبئر نَزُوعٌ : قريبةُ القَعْرِ يُنْزَعُ منها باليد . وشرابٌ طَيِّبُ المَنْزَعَةِ : أي المقطَع إذا شُرِبَ كما قال تعالى : خِتامُهُ مِسْكٌ « المطففين : 26 » .
نَزَغَ
النَّزْغُ : دخولٌ في أمرٍ لإفساده . قال تعالى : مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي « يوسف : 100 » .
نَزَفَ
نَزَفَ الماء : نَزَحَهُ كله من البئر شيئاً بعدَ شئ ، وبئر نَزُوفٌ : نُزِفَ ماؤه . والنُّزْفَة : الغَرْفة والجمع النُّزَف .
ونُزِفَ دَمُهُ أو دَمْعُهُ : أي نُزِعَ كله ، ومنه قيل : سَكْران نَزِيفٌ : نُزِفَ فَهْمُهُ بسُكْره . قال تعالى : لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ « الواقعة : 19 » وقرئ : ينزفون من قولهم : أَنْزَفُوا : إذا نَزَفَ شرابُهم ، أو نُزِعَتْ عقولُهم ، وأصله من قولهم أَنْزَفُوا ، أي نَزَفَ ماءُ بئرهم .
وأَنْزَفْتُ الشئ أبلغُ من نَزَفْتُهُ . ونَزَفَ الرجلُ في الخصومةِ : انقطعت حُجَّتُه ، وفي مَثَلٍ : هو أَجْبَنُ مِنَ المَنْزُوفِ ضَرِطاً .
ملاحظات
قال الخليل « 7 / 373 » : « نزف دم فلان : فهو نزيف منزوف ، أي انقطع عنه ، قال الله عز وجل : وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ، أي لا تنزف الخمر عقولهم . والسكران نزيفٌ ، أي منزوفٌ عقله . والنزْف : نزح الماء من البئر أو النهر شيئاً بعد شئ . والفعل ينزف والقليل منه نَزِفَةٌ . وأنزف القوم : نزف ماء بئرهم . والنزف : الدمع » .
نَزَلَ
النُّزُولُ : في الأصل هو انحِطَاطٌ من عُلْوّ ، يقال : نَزَلَ عن دابَّته . ونَزَلَ في مكان كذا : حَط رَحْلَهُ فيه ، وأَنْزَلَهُ غيرُهُ . قال تعالى : أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ « المؤمنون : 29 » ونَزَلَ بكذا وأَنْزَلَهُ بمعنًى .
وإِنْزَالُ الله تعالى نِعَمَهُ ونِقَمَهُ على الخَلْق وإعطاؤُهُم إياها . وذلك إما بإنزال الشئ نفسه كإنزال القرآن ، وإما بإنزال أسبابه والهداية إليه ، كإنزال الحديد واللباس ونحو ذلك .
قال تعالى : الْحَمْدُ لِله الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ « الكهف : 1 » الله الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ « الشورى : 17 » وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ « الحديد : 25 » وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ « الحديد : 25 » وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ « الزمر : 6 » وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً « الفرقان : 48 » وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً « النبأ : 14 » وأَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ « الأعراف : 26 » أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ « المائدة : 114 » أَنْ يُنَزِّلَ الله مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ « البقرة : 90 » ومن
--------------------------- 703 ---------------------------
إنزال العذاب قوله : إنا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ « العنكبوت : 34 » .
والفَرْقُ بَيْنَ الإِنْزَالِ والتنْزِيلِ : في وَصْفِ القُرآنِ والملائكةِ : أن التنزيل يختصُّ بالموضع الذي يُشِيرُ إليه إنزالُهُ مفرَّقاً ومرَّةً بعد أُخْرَى ، والإنزالُ عَامٌّ .
فممَّا ذُكِرَ فيه التنزيلُ قولُه : نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ « الشعراء : 193 » وقرئ : نزل وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا « الإسراء : 106 » إنا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ « الحجر : 9 » لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ « الزخرف : 31 » وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الإعجَمِينَ « الشعراء : 198 » ثُمَّ أَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ « التوبة : 26 » وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها « التوبة : 26 » لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ « محمد : 20 » فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ « محمد : 20 » .
فإنما ذَكَرَ في الأول نُزِّلَ ، وفي الثاني أُنْزِلَ تنبيهاً [ على ] أن المنافقين يَقْتَرِحُونَ أن يَنْزِلَ شَئ فَشَئ من الحثِّ على القِتَال لِيَتَوَلَّوْهُ ، وإذا أُمِرُوا بذلك مَرَّةً واحدةً تَحَاشَوْا منه فلم يفعلوه ، فهم يَقْتَرِحُونَ الكثيرَ ولا يَفُونَ منه بالقليل .
وقوله : إنا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ « الدخان : 3 » شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ « البقرة : 185 » إنا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ « القدر : 1 » وإنما خُصَّ لفظُ الإنزالِ دُونَ التنزيلِ ، لما رُوِيَ أن القرآن نَزَلَ دفعةً واحدةً إلى سماءِ الدُّنيا ، ثمّ نَزَلَ نَجْماً فَنَجْماً .
وقوله تعالى : الأعرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ الله عَلى رَسُولِهِ « التوبة : 97 » فَخَصَّ لفظَ الإنزالِ ليكونَ أعمَّ ، فقد تقدَّم أن الإنزال أعمُّ من التنزيلِ ، قال تعالى : لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ « الحشر : 21 » ولم يقل : لو نَزَّلْنَا ، تنبيهاً [ على ] أنا لو خَوَّلْنَاهُ مَرَّةً ما خَوَّلْنَاكَ مِرَاراً لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً « الحشر : 21 » .
وقوله : قَدْ أَنْزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ الله « الطلاق : 10 » فقد قيل : أراد بإنزالِ الذِّكْرِ هاهنا بِعْثَةَ النبيِّ عليه الصلاة والسلام ، وسمَّاه ذكراً كما سُمِّيَ عيسى عليه السلام كلمةً . فعَلَى هذا يكون قوله : رَسُولًا بدلاً من قوله ذِكْراً . وقيل : بل أراد إنزالَ ذِكْرِهِ فيكونُ رسولًا مفعولًا لقوله : ذِكْراً ، أي ذِكْراً رَسُولًا .
وأما التنَزُّلُ : فهو كالنُّزُولِ به ، يقال : نَزَلَ المَلَكُ بكذاوتَنَزَّلَ ، ولا يقال : نَزَلَ الله بكذا ولا تَنَزَّلَ ، قال : نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ « الشعراء : 193 » وقال : تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ « القدر : 4 » وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ « مريم : 64 » يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ « الطلاق : 12 » .
ولا يقال في المفتَرَى والكَذِبِ وما كان من الشَّيطان إلَّا التنَزُّلُ : وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ « الشعراء : 210 » عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ الآية « الشعراء : 221 » .
والنُّزُلُ : ما يُعَدُّ للنَّازل من الزَّاد ، قال : فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا « السجدة : 19 » وقال : نُزُلًا مِنْ عِنْدِ الله « آل عمران : 198 » .
وقال في صفة أهل النار : لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ إلى قوله : هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ . فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ « الواقعة : 93 » .
وأَنْزَلْتُ فلاناً : أَضَفْتُهُ . ويُعَبَّرُ بِالنَّازِلَةِ عن الشدة ، وجَمْعُهَا نَوَازِلُ .
والنِّزَالُ في الحرْبِ : المُنَازَلة . ونَزَلَ فلانٌ : إذا أتى مِنًى ، قال الشاعر : أَنَازِلَةٌ أَسْمَاءُ أَمْ غَيْرُ نَازِلَةٍ .
والنُّزَالَةُ والنُّزْلُ : يُكَنَّى بهما عن ماءِ الرجل إذا خَرَجَ عنه .
وطعامٌ نُزُلٌ ، وذو نُزُلٍ : له رَيْعٌ . وَحَظٌّ نَزِلٌ : مُجْتَمَعٌ ، تشبيهاً بالطعامِ النُّزُلِ .
نَسَبَ
النَّسَب والنِّسْبَة : اشتراك من جهة أحد الأبوين وذلك ضربان : نَسَبٌ بالطول كالاشتراك من الآباء والأبناء . ونَسَبٌ بالعَرْض كالنِّسْبة بين بني الإِخْوة وبني الأعمام . قال تعالى : فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً « الفرقان : 54 » .
--------------------------- 704 ---------------------------
وقيل : فلان نَسِيبُ فلان ، أي قريبهُ . وتُستعمَل النسبةُ في مقدارَيْنِ مُتجانِسَيْنِ بَعْضَ التجَانُسِ يختصُّ كل واحد منهما بالآخر .
ومنه النَّسِيبُ : وهو الانْتِسَابُ في الشِّعْر إلى المرأة بذِكْر العشق ، يقال : نَسَبَ الشاعر بالمرأة نَسَباً ونَسِيباً .
نَسَخَ
النَّسْخُ : إزالةُ شَئ بِشَئ يَتَعَقَّبُهُ ، كنَسْخِ الشَّمْسِ الظِّلَّ ، والظِّلِّ الشمسَ ، والشَّيْبِ الشَّبَابَ . فَتَارَةً يُفْهَمُ منه الإزالة ، وتَارَةً يُفْهَمُ منه الإثباتُ ، وتَارَةً يُفْهَم منه الأَمْرَانِ .
ونَسْخُ الكتاب : إزالة الحُكْمِ بحكم يَتَعَقَّبُهُ ، قال تعالى : ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها « البقرة : 106 » قيل : معناه ما نُزيل العملَ بها ، أو نحْذِفها عن قلوبِ العباد ، وقيل معناه ما نُوجِده وننزِّله ، من قولهم نَسَخْتُ الكتابَ .
وأما نَنْسأُه : أي نُؤَخِّرُهُ فلَمْ نُنَزِّلْهُ ، فَيَنْسَخُ الله ما يُلْقِي الشَّيْطانُ « الحج : 52 » .
وَنَسْخُ الكتابِ : نَقْلُ صُورته المجرَّدة إلى كتابٍ آخرَ ، وذلك لا يقتضي إزالةَ الصُّورَةِ الأولى بل يقتضي إثباتَ مثلها في مادَّةٍ أُخْرَى ، كاتِّخَاذِ نَقْشِ الخَاتم في شُمُوعٍ كثيرة .
والإسْتِنْسَاخُ : التقَدُّمُ بنَسْخِ الشئ والترَشُّح للنَّسْخ .
وقد يُعَبَّر بالنَّسْخِ عن الإستنساخِ . قال تعالى : إنا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ « الجاثية : 29 » .
والمُنَاسَخَةُ في الميراث : هو أن يموت ورثةٌ بعد ورثةٍ والميراثُ قائمٌ لم يُقْسَمْ .
وتَنَاسُخُ الأزمنةِ والقرونِ : مُضِيُ قَوْمٍ بعدَ قَوْمٍ يَخْلُفُهُمْ . والقائلون بالتناسُخ قومٌ يُنْكِرُونَ البعثَ على ما أَثْبَتَتْهُ الشَّرِيعةُ ، ويزعُمون أن الأرواحَ تنتقلُ إلى الأجسام عَلَى التأبِيدِ .
ملاحظات
لا يصح تعريف النسخ بجعل شئ مكان شئ ، لأن القرآن استعمله في أربع آيات ليس فيها شئ مكان شئ !
أولاها : بمعنى نسخة الكتاب حتى لو لم تكن من آخر ، قال تعالى : أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى . فليس فيها إزالةٌ ولا استنساخٌ من نسخة ، بل هي النسخة الوحيدة التي نزلت من عند الله تعالى ، وقد سميت نسخة بمعنى : الكتاب المحدد النص .
وثانيها : قوله تعالى عن عمل الملائكة : إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . وهو استنساخ شئ وليس إزالة شئ بشئ .
وثالثها : قوله تعالى : فَيَنْسَخُ الله مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ الله آيَاتِهِ . وفيه إزالة شئ لكنها لا تستلزم وضع شئ بدله ، لأن إحكام الآيات في ذهن النبي صلى الله عليه وآله يدل على أنها كانت موجودة ، فأزال الله الصورة التي شوش بها الشيطان عليها .
ورابعها : قوله تعالى : مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا . وهي التي فهم منها الراغب وغيره إزالة شئ بشئ ، لكن الإتيان بخير منها أو مثلها لم يفهم من نسخها بل من النص عليه ، لأنه يصح أن يقول عز وجل : ننسخها ولا نأتي بشئ بدلها .
وقد تحفظ ابن فارس على تعريفهم للنسخ فقال « 5 / 424 » : « أصل واحد ، إلا أنه مختلف في قياسه . قال قوم قياسه رفع شئ وإثبات غيره مكانه ، وقال آخرون قياسه تحويل شئ إلى شئ . » الخ .
وقال الخليل « 4 / 201 » : « النسخ والإنتساخ : اكتتابك في كتاب عن معارضة . والنسخ : إزالتك أمراً كان يعمل به ، ثم تنسخه بحادث غيره ، كالآية تنزل في أمر ، ثم يخفف فتنسخ بأخرى ، فالأولى منسوخة والثانية ناسخة » .
--------------------------- 705 ---------------------------
وقال الجوهري « 1 / 433 » : « نسخت الشمس الظل وانتسخته : أزالته . ونسخت الريح آثار الدار : غيرتها . ونسخت الكتاب وانتسخته واستنسخته ، كله بمعنى » .
نَسَرَ
نَسْرٌ : إسمُ صَنَمٍ في قوله تعالى : وَنَسْراً « نوح : 23 » والنَّسْرُ طائر ومصدر .
نَسَرَ الطائرُ الشئ بِمِنْسَرِهِ : أي نَقَرَهُ . ونَسْرُ الحافر : لحمةٌ ناتِئَةٌ تشبيهاً به . والنَّسْرَانِ : نَجْمَانِ طائرٌ وواقعٌ . ونَسَرْتُ كذا : تَنَاوَلْتُهُ قليلًا قليلًا ، تَنَاوُلَ الطائرِ الشئ بمِنْسَرِهِ .
نَسَفَ
نَسَفَتِ الرِّيحُ الشَّئ : اقتلعتْه وأزالَتْهُ ، يقال : نَسَفْتَهُ وانْتَسَفْتَهُ . قال تعالى : يَنْسِفُها رَبي نَسْفاً « طه : 105 » ونَسَفَ البعيرُ الأرضَ بمُقَدَّمِ رِجْلِهِ : إذا رَمَى بترابه ، يقال : ناقة نَسُوفٌ . قال تعالى : ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً « طه : 97 » أي نطرحه فيه طَرْحَ النُّسَافَة ، وهي ما يثُورُ من غُبارِ الأَرْض . وتسمى الرُّغْوة نُسَافَةً تشبيهاً بذلك ، وإناء نَسْفَانٌ : امْتَلأ فعَلَاهُ نُسَافَةٌ .
وانْتُسِفَ لَوْنُهُ : أي تغيَّر عما كان عليه نسافُه ، كما يقال : اغبرَّ وجهُه . والنَّسْفَة : حجارة يُنْسَفُ بها الوسخُ عن القدَم . وكلام نَسِيفٌ ، أي متغيِّر ضَئِيلٌ .
ملاحظات
قال الله تعالى : وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ . وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ . قال ابن فارس « 5 / 419 » : « ونَسْفُ البناء : استئصاله قطعاً » . وقال الخليل « 7 / 270 » : « الخطاطيف تنتسف الشئ من الهواء ، سميت النساسيف ، الواحد : نَسَّاف » .
نَسَكَ
النُّسُكُ : العبادةُ . والنَّاسِكُ : العابدُ . واختَصَّ بأَعمالِ الحجِّ . والمَنَاسِكُ : مواقفُ النُّسُك وأعمالُها .
والنَّسِيكَةُ : مُخْتَصَّةٌ بِالذَّبِيحَةِ ، قال : فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ « البقرة : 196 » فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ « البقرة : 200 » مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ « الحج : 67 » .
ملاحظات
النسك : في اللغة أوسع مما ذكره الراغب ، فهو يشمل كل ما يتعبد به لله تعالى .
قال الجوهري « 4 / 1612 » : « نسكتُ الشئ : غسلته بالماء وطهرته ، فهو منسوك » .
وقال ابن منظور « 10 / 498 » : « النُّسْكُ والنُّسُك : العبادة والطاعة وكل ما تُقُرب به إِلى الله تعالى ، وقيل لثعلب : هل يسمى الصوم نُسُكاً ، فقال : كل حق لله عزَّ وجل يسمى نُسُكاً . قرئ : لكل أُمة جعلنا مَنْسَكاً ومَنْسِكاً . والنَّسْكُ في هذا الموضع يدل على معنى النَّحْر كأَنه قال : جعلنا لكل أُمة أَن تَتَقربَ بأَن تذبح الذبائح لله . . ثم سميت أُمور الحج كلها مَناسك .
ونَسَك الثوب : غسله بالماء وطهره .
وسئل ثعلب عن الناسك ما هو فقال : هو مأْخوذ من النَّسِيكة وهو سَبِيكة الفِضة المُصَفَّاة كأَنه خَلَّص نفسه وصفاها لله عز وجل » .
نَسَلَ
النَّسْلُ : الإنفصالُ عن الشئ . يقال : نَسَلَ الوَبَرُ عن البَعيرِ ، والقَمِيصُ عن الإنسان ، قال الشاعر :
فَسُلِّي ثِيَابِي عَنْ ثِيَابِكِ تَنْسِلي
والنُّسَالَةُ : ما سَقَط من الشَّعر ، وما يتحاتُّ من الريش ، وقد أَنْسَلَتِ الإبلُ : حَانَ أن يَنْسِلَ وَبَرُهَا .
ومنه : نَسَلَ : إذا عَدَا ، يَنْسِلُ نَسَلَاناً : إذا أسْرَعَ . قال تعالى : وَهُمْ مِنْ كل حَدَبٍ يَنْسِلُونَ « الأنبياء : 96 » .
والنَّسْلُ : الولدُ ، لكونه نَاسِلًا عن أبيه . قال تعالى : وَيُهْلِكَ
--------------------------- 706 ---------------------------
الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ « البقرة : 205 » وتَنَاسَلُوا : تَوَالَدُوا ، ويقال أيضا إذا طَلَبْتَ فَضْلَ إنسانٍ : فَخُذْ ما نَسَلَ لك منه عفواً .
نَسِيَ
النِّسْيَانُ : تَرْكُ الإنسانِ ضبطَ ما استُودِعَ ، إما لضَعْفِ قلبِهِ ، وإما عن غفْلةٍ ، وإما عن قصْدٍ حتى يَنْحَذِفَ عن القلبِ ذِكْرُهُ ، يقال : نَسِيتُهُ نِسْيَاناً . قال تعالى : وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً « طه : 115 » فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ « السجدة : 14 » فَإني نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ « الكهف : 63 » لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ « الكهف : 73 » فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ « المائدة : 14 » ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ « الزمر : 8 » سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى « الأعلى : 6 » إِخبارٌ وضَمَانٌ من الله تعالى أنه يجعله بحيث لا يَنْسَى ما يسمعه من الحق .
وكل نسْيانٍ من الإنسان ذَمَّه الله تعالى به فهو ما كان أصلُه عن تعمُّدٍ . وما عُذِرَ فيه نحو ما رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وآله : رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ ، فهو ما لم يكنْ سَبَبُهُ منه .
وقوله تعالى : فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إنا نَسِيناكُمْ « السجدة : 14 » هو ما كان سببُهُ عن تَعَمُّدٍ منهم ، وترْكُهُ على طريقِ الإِهَانةِ ، وإذا نُسِبَ ذلك إلى الله فهو تَرْكُهُ إيّاهم استِهَانَةً بهم ومُجازاة لِما تركوه ، قال تعالى : فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا « الأعراف : 51 » نَسُوا الله فَنَسِيَهُمْ « التوبة : 67 » وقوله : وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ « الحشر : 19 » فتنبيهٌ [ على ] أن الإنسان بمعرفته بنفسه يعرف الله ، فنسيانُهُ لله هو من نسيانه نَفْسَهُ .
وقوله تعالى : وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ « الكهف : 24 » قال ابن عباس : إذا قلتَ شيئاً ولم تقل إن شاء الله فَقُلْهُ إذا تذكَّرْتَه ، وبهذا أجاز الإستثناءَ بعد مُدَّة . قال عكرمة : معنى نَسِيتَ : ارْتَكَبْتَ ذَنْباً ، ومعناه : أذْكُرِ الله إذا أردتَ وقصدتَ ارتكابَ ذَنْبٍ يكنْ ذلك دافعاً لك .
فالنِّسْيُ أصله ما يُنْسَى كالنِّقْضِ لما يُنْقَض . وصار في التعارف إسماً لما يَقِلُ الإعتِدَادُ به ، ومن هذا تقول العرب : إحفظوا أنساءكم ، أي ما من شأنه أن يُنْسَى ، قال الشاعر :
كَأن لَهَا فِي الأَرْضِ نِسْياً تَقُصُّهُ
وقوله تعالى : نَسْياً مَنْسِيًّا « مريم : 23 » أي جارياً مَجْرَى النِّسْيِ القليلِ الإعتِدَاد به وإن لم يُنْسَ ، ولهذا عقبه بقوله : مَنْسِيّاً ، لأن النِّسْيَ قد يقال لما يَقِلُّ الإعتِدادُ به وإن لم يُنْسَ ، وقرئ نِسِياً ، وهو مصدرٌ موضوعٌ مَوْضِعَ المفعولِ نحو عَصَى عِصِيّاً وعِصْيَاناً .
وقوله تعالى : ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها « البقرة : 106 » فَإِنْسَاؤُهَا حَذْفُ ذِكْرِهَا عَنِ القلوبِ بقُوَّةٍ إلهيَّةٍ .
والنِّسَاءُ والنِّسْوَان والنِّسْوَة : جمعُ المرأةِ من غير لفظها ، كالقومِ في جمعِ المَرْءِ ، قال تعالى : لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ إلى قوله : وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ « الحجرات : 11 » نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ « البقرة : 223 » يا نِساءَ النَّبِيِّ « الأحزاب : 32 » .
وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ « يوسف : 30 » ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطعْنَ أَيْدِيَهُنَّ « يوسف : 50 » .
والنَّسَا : عِرْقٌ ، وتَثْنِيَتُهُ نَسَيَان ، وجمعه أَنْسَاءٌ .
نَسَأَ
النَّسْأُُ : تأخيرٌ في الوقتِ ، ومنه : نُسِئَتْ المرأةُ : إذا تأخَّرَ وقتُ حَيْضِهَا فرُجِيَ حَمْلُهَا ، وهي نسُوءٌ . يقال : نَسَأَ الله في أَجَلِكَ ، ونَسَأَ الله أَجَلَكَ .
والنَّسِيئَةُ : بَيْعُ الشئ بالتأْخيرِ ، ومنها النَّسِئ الذي كانت العَرَبُ تفعلُهُ ، وهو تأخير بعض الأشهر الحُرُم إلى شهرٍ آخَرَ . قال تعالى : إنمَا النَّسِئ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ « التوبة : 37 » . وقرئ : ما ننسخ من آية أو نَنْسَأْهَا . أي نُؤَخِّرْهَا إما بإنْسَائِهَا وإما بإبْطالِ حُكْمِهَا .
--------------------------- 707 ---------------------------
وَالمِنْسَأُ : عصًا يُنْسَأُ به الشئ ، أي يُؤَخَّرُ . قال تعالى : تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ « سبأ : 14 » .
ونَسَأَتِ الإبلُ : في ظَمَئِهَا يوماً أو يومين ، أي أَخَّرَتْ ، قال الشاعر : أَمُونٍ كَأَلْوَاحِ الْإِرَانِ نَسَأْتُهَا
عَلَى لَاحِبٍ [ كَا أنهُ ] ظَهْرُ بُرْجُدٍ
والنَّسُوءُ : الحَلِيبُ إذا أُخِّرَ تَنَاوُلُه فَحَمِضَ فَمُدَّ بِمَاءٍ .
نَشَرَ
النَّشْرُ : نَشَرَالثوبَ والصَّحِيفَةَ والسَّحَابَ والنِّعْمَةَ والحَدِيثَ : بَسَطَهَا . قال تعالى : وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ « التكوير : 10 » وقال : وهو الّذي يرسل الرّياح نُشْراً بين يدي رحمته « الأعراف : 57 » وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ « الشورى : 28 » .
وقوله : وَالنَّاشِراتِ نَشْراً « المرسلات : 3 » أي الملائكة التي تَنْشُرُ الرياح ، أو الرياح التي تنشر السَّحابَ .
ويقال في جمع النَّاشِرِ : نُشُرٌ ، وقرئ : نَشْراً ، فيكون كقوله والناشرات ، ومنه : سمعت نَشْراً حَسَناً ، أي حَدِيثاً يُنْشَرُ مِنْ مَدْحٍ وغيره .
ونَشِرَ الميتُ نُشُوراً ، قال تعالى : وَإِلَيْهِ النُّشُورُ « الملك : 15 » بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً « الفرقان : 40 » وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً « الفرقان : 3 » .
وأَنْشَرَ الله الميتَ فَنُشِرَ ، قال تعالى : ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ « عبس : 22 » فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً « الزخرف : 11 » وقيل : نَشَرَ الله الميتَ وأَنْشَرَهُ بمعنًى ، والحقيقة إن نَشَرَ الله الميت مستعارٌ من نَشْرِ الثَّوْبِ . كما قال الشاعر :
طَوَتْكَ خُطُوبُ دَهْرِكَ بَعْدَ نَشْرٍ
كَذَاكَ خُطُوبُهُ طَيّاً وَنَشْرا
وقوله تعالى : وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً « الفرقان : 47 » أي جعل فيه الإنتشارَ وابتغاء الرزقِ كما قال : وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ . الآية . « القصص : 73 » .
وانْتِشَارُ الناس : تصرُّفهم في الحاجاتِ . قال تعالى : ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ « الروم : 20 » فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا « الأحزاب : 53 » فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ « الجمعة : 10 » . وقيل : نَشَرُوا في معنى انْتَشَرُوا . وقرئ : وإذا قيل انْشُرُوا فَانْشُرُوا « المجادلة : 11 » أي تفرقوا .
والانْتِشَارُ : انتفاخُ عَصَبِ الدَّابَّةِ . والنَّوَاشِرُ : عُرُوقُ باطِنِ الذِّرَاعِ وذلك لانتشارها .
والنَّشَرُ : الغَنَم المُنْتَشِر . وهو للمَنْشُورِ كالنِّقْضِ للمَنْقوض ، ومنه قيل : اكتسى البازي ريشا نَشْراً ، أي مُنْتَشِراً واسعاً طويلًا .
والنَّشْرُ : الكَلَأ اليابسُ ، إذا أصابه مطرٌ فَيُنْشَرُ ، أي يَحْيَا فيخرج منه شئ كهيئة الحَلَمَةِ ، وذلك داءٌ للغَنَم ، يقال منه : نَشَرَتِ الأرضُ فهي نَاشِرَةٌ .
ونَشَرْتُ الخَشَبَ بالمِنْشَارِ نَشْراً : اعتباراً بما يُنْشَرُ منه عند النَّحْتِ . والنُّشْرَةُ : رُقْيَةٌ يُعَالَجُ المريضُ بها .
ملاحظات
كتب الراغب الآية : نشراً بين يدي رحمته ، وهي في القرآن : بُشْراً . ولعلها قراءة كانت سائدة عند علماء السنة ، وهي قراءة ابن كثير القارئ ، وأثبتها البخاري في صحيحه وغيره ، ولم ترو عن أئمتنا عليهم السلام .
نَشَزَ
النَّشْزُ : المُرْتَفِعُ من الأرضِ ، ونَشَزَ فلانٌ : إذا قصد نَشْزاً ، ومنه : نَشَزَ فلان عن مقرِّه : نَبا . وكل نابٍ نَاشِزٌ . قال تعالى : وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا « المجادلة : 11 » ويعبر عن الإحياء بِالنَّشْزِ والإِنْشَازِ ، لكونه ارتفاعاً بعد اتِّضاع .
قال تعالى : وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها « البقرة : 259 » وقُرِئَ بضَمِّ النون وفَتْحِهَا . وقوله تعالى : وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ « النساء : 34 »
--------------------------- 708 ---------------------------
ونُشُوزُ المرأة : بُغْضُها لزَوْجها ورفْعُ نفسِها عن طاعتِه ، وعَيْنِها عنه إلى غيره ، وبهذا النَّظر قال الشاعر :
إِذَا جَلَسَتْ عِنْدَ الإمامِ كَأنهَا
تَرَى رُفْقَةً من سَاعةٍ تَسْتَحِيلُهَا
وعِرْقٌ نَاشِزٌ : أي نَاتِئٌ .
نَشَطَ
قال الله تعالى : وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً « النازعات : 2 » قيل : أراد بها النجوم الخارجات من الشَّرْق إلى الغَرْب بسَيْرِ الفَلَك ، أو السائِرَاتِ من المغرب إلى المشرق بسَيْرِ أنفسها . من قولهم : ثور نَاشِطٌ : خارجٌ من أرض إلى أرض .
وقيل : الملائكة التي تَنْشِطُ أرواحَ النَّاسِ ، أي تَنْزِعُ . وقيل : الملائكةُ التي تَعْقِدُ الأمورَ ، من قولهم : نَشَطْتُ العُقْدَة َ .
وتَخْصِيصُ النَّشْطِ وهو العَقْدُ الذي يَسْهُلُ حَلُّه تنبيهاً على سهولةِ الأَمْر عليهم .
وبئر أَنْشَاطٌ : قريبةُ القَعْرِ يخرُجُ دَلْوُهَا بجَذْبةٍ واحدةٍ . والنَّشِيطَةُ : ما يَنْشَطُ الرئيسُ لِأَخْذِهِ قبلَ القِسْمَة . وقيل : النَّشِيطَةُ مِن الإبلِ : أن يَجِدَها الجيشُ فتساقُ من غير أن يُحْدَى لها . ويقال : نَشَطَتْهُ الحَيَّةُ : نَهَشَتْهُ .
ملاحظات
لا يمكن تفسير الناشطات من لفظها ، وكذا المرسلات والنازعات والمدبرات ، وأمثالها من القوى التي ذكرها الله تعالى . بل يحتاج تفسيرها إلى وحي وحديث ، لأن ألفاظها لا تدل على أكثر من فعلها العام وبعض صفاتها ، وبعضها مجمل جداً .
وقد استعمل لها الله تعالى لفظ غير العاقل ومع ذلك أقسم بها ، ونسب إليها دحو الأرض وبناء النفس فقال تعالى : وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا . وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا . وَنَفْسٍ وَمَا سَوَاهَا . فلا يمكن أن نفسرها بأكثر من قوى وقوانين خلقها الله تعالى ، وخلق بها .
نَشَأَ
النَّشْأُُ والنَّشْأَةُ : إِحداثُ الشئ وتربيتُهُ . قال تعالى : وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأولى « الواقعة : 62 » يقال : نَشَأَ فلان . والنَّاشِئُ يراد به الشَّابُّ . وقوله : إن ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً « المزمل : 6 » يريد القيامَ والإنتصابَ للصلاة ، ومنه : نَشَأَ السَّحابُ لحدوثه في الهواء ، وتربيته شيئاً فشيئاً . قال تعالى : وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ « الرعد : 12 » .
والإنْشَاءُ : إيجادُ الشئ وتربيتُهُ ، وأكثرُ ما يقال ذلك في الحَيَوانِ . قال تعالى : قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ « الملك : 23 » وقال : هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ « النجم : 32 » وقال : ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ « المؤمنون : 31 » وقال : ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ « المؤمنون : 14 » وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ « الواقعة : 61 » ويُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ « العنكبوت : 20 » . فهذه كلها في الإيجاد المختصِّ بالله .
وقوله تعالى : أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ « الواقعة : 71 » فَلِتشبيه إيجادِ النَّارِ المستخرَجة بإيجادِ الإنسانِ . وقوله : أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ « الزخرف : 18 » أي يُرَبَّى تربيةً كتربيةِ النِّسَاء . وقرئ : يَنْشَأُ أي يَتَرَبَّى .
ملاحظات
الإنشاء : خلق الشئ وتربيته . قال الخليل « 6 / 287 » : « النشأ : إحداث الناس الصغار . يقال للواحد : هو نَشْأُ سُوء . والناشئ : الشاب . والناشئة : أول الليل . ونشيئة الحوض بوزن فعيلة : أعضاده » .
وقال الجوهري « 1 / 77 » : « أنشأ يفعل كذا ، أي ابتدأ . والناشئ : الحدث الذي قد جاوز حد الصغر . والنشأ أيضاً : أول ما ينشأ من السحاب . ونشأ وأنشأ بمعنى ،
--------------------------- 709 ---------------------------
قرئ : أو من يُنْشَأ في الحلية .
وناشئة الليل : أول ساعاته ، ويقال : ما ينشأ في الليل من الطاعات . وقوله تعالى : وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ، قال مجاهد : هي السفن التي رفع قلعها » .
2 . قول اللغويين : ناشئة الليل أول ساعاته ، لا ينافي تسمية صلاة الليل في السحر : بناشئة الليل ، لأن قصد اللغويين نشوء الليل نفسه . والمقصود بقوله تعالى : إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ الصلاة المنشأة في الليل وأهمها صلاة الليل في السحر ، ففي الكافي « 3 / 446 » عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « يعني بقوله : وأقوم قيلاً : قيام الرجل عن فراشه يريد به الله لا يريد به غيره » .
وإن كانت تشمل كل صلاة منشأة فيه ، فقد ورد وصف نافلة المغرب بناشئة الليل ، وهو وصف صحيح ، ففي تفسير الكشاف « 4 / 176 » : « عن علي بن الحسين رضي الله عنهما أنه كان يصلى بين المغرب والعشاء ويقول : أما سمعتم قول الله تعالى : إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ . هذه ناشئة الليل » .
نَصَبَ
نَصْبُ الشئ : وَضْعُهُ وضعاً ناتئاً كنَصْبِ الرُّمْحِ والبِنَاء والحَجَرِ . والنَّصِيبُ : الحجارة تُنْصَبُ على الشئ ، وجمْعُه نَصَائِبُ ونُصُبٌ ، وكان للعَرَبِ حِجَارةٌ تعْبُدُها وتَذْبَحُ عليها . قال تعالى : كَأنهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ « المعارج : 43 » قال : وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ « المائدة : 3 » وقد يقال في جمعه أَنْصَابٌ ، قال : وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ « المائدة : 90 » .
والنُّصْبُ والنَّصَبُ : التعَبُ ، وقرئ : بِنُصْبٍ وَعَذابٍ « ص : 41 » ونَصَبٍ ، وذلك مثل : بُخْلٍ وبَخَلٍ . قال تعالى : لايَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ « فاطر : 35 » .
وأَنْصَبَنِي كذا ، أي أَتْعَبَنِي وأَزْعَجَنِي ، قال الشاعرُ :
تَأَوَّبَنِي هَمٌّ مَعَ اللَّيْلِ مُنْصِبٌ
وهَمٌّ نَاصِبٌ : قيل هو مثل : عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ .
والنَّصَبُ : التعَبُ ، قال تعالى : لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً « الكهف : 62 » . وقد نَصِبَ فهو نَصِبٌ ونَاصِبٌ ، قال تعالى : عامِلَةٌ ناصِبَةٌ « الغاشية : 3 » .
والنَّصِيبُ : الحَظُّ المَنْصُوبُ ، أي المُعَيَّنُ . قال تعالى : أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ « النساء : 53 » أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ « آل عمران : 23 » فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ « الشرح : 7 » .
ويقال : نَاصَبَهُ الحربَ والعَداوةَ ، ونَصَبَ له ، وإن لم يُذْكَر الحربُ جَازَ .
وتَيْسٌ أَنْصَبُ ، وشَاةٌ أو عَنْزَةٌ نَصْبَاءُ : مُنْتَصِبُ القَرْنِ . وناقةٌ نَصْبَاءُ : مُنْتَصِبَةُ الصَّدْرِ . ونِصَابُ السِّكِّين ونَصَبُهُ ، ومنه : نِصَابُ الشئ : أَصْلُه . ورَجَعَ فلانٌ إلى مَنْصِبِهِ : أي أَصْلِه . وتَنَصَّبَ الغُبارُ : ارتَفَع . ونَصَبَ السِّتْرَ : رَفَعَهُ . والنَّصْبُ في الإعراب معروفٌ . وفي الغِنَاءِ ضَرْبٌ منه .
ملاحظات
قال الطريحي في مجمع البحرين « 2 / 173 » : « النصب أيضاً : المعاداة ، يقال نصبت لفلان نصباً إذا عاديته ، ومنه الناصب ، وهو الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت : أو لمواليهم لأجل متابعتهم لهم . وفي القاموس : النواصب والناصبة وأهل النصب : المتدينون ببغض علي عليه السلام لأنهم نصبوا له ، أي عادوه .
قال بعض الفضلاء : اختلف في تحقيق الناصبي فزعم البعض أن المراد من نصب العداوة لأهل البيت عليه السلام ، وزعم آخرون أنه من نصب العداوة لشيعتهم ، وفي الأحاديث ما يصرح بالثاني ، فعن الصادق عليه السلام أنه ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت ، لأنك لا تجد رجلاً يقول أنا أبغض محمداً وآل محمد ، ولكن الناصب من
--------------------------- 710 ---------------------------
نصب لكم ، وهو يعلم أنكم توالونا ، وأنكم من شيعتنا » .
وفي شرح الشفا للملا على القاري « 1 / 81 » : « الناصبة : بالموحدة الذين يتدينون ببغض علي رضي الله تعالى عنه ، وقد نصبوا له الحرب » .
وفي المؤتلف للدارقطني « 3 / 1376 » : قال جابر بن عبد الله الأنصاري : « ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا ببغض علي » .
ويلفظها بعضهم في بلادنا : النُّصب لأهل البيت عليهم السلام بضم النون المشددة .
نَصَحَ
النُّصْحُ : تَحَرِّي فِعْلٍ أو قَوْلٍ فيه صلاحُ صاحبِهِ قال تعالى : لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ « الأعراف : 79 » وقال : وَقاسَمَهُما إني لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ « الأعراف : 21 » وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ « هود : 34 » وهو من قولهم : نَصَحْتُ له الوُدَّ ، أي أَخْلَصْتُهُ .
ونَاصِحُ العَسَلِ : خَالِصُهُ ، أو من قولهم : نَصَحْتُ الجِلْدَ : خِطْتُه . والنَّاصِحُ : الخَيَّاطُ ، والنِّصَاحُ : الخَيْطُ . وقوله : تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَةً نَصُوحاً « التحريم : 8 » فمِنْ أَحَدِ هذين ، إما الإخلاصُ ، وإما الإِحكامُ .
ويقال : نَصُوحٌ ونَصَاحٌ نحو ذَهُوب وذَهَاب ، قال : أَحْبَبْتُ حُبّاً خَالَطَتْهُ نَصَاحَةٌ .
نَصَرَ
النَّصْرُ والنُّصْرَةُ : العَوْنُ . قال تعالى : نَصْرٌ مِنَ الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ « الصف : 13 » إِذا جاءَ نَصْرُ الله « النصر : 1 » وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ « الأنبياء : 68 » إِنْ يَنْصُرْكُمُ الله فَلا غالِبَ لَكُمْ « آل عمران : 160 » وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ « البقرة : 250 » كانَ حقا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ « الروم : 47 » إنا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا « غافر : 51 » وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ « التوبة : 74 » وَكَفى بِالله وَلِيًّا وَكَفى بِالله نَصِيراً « النساء : 45 » ما لَكُمْ مِنْ دُونِ الله مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ « التوبة : 116 » فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ الله « الأحقاف : 28 » . إلى غير ذلك من الآيات .
ونُصْرَةُ الله للعبد : ظاهرة ، ونُصْرَةُ العبد لله هو نصرته لعباده ، والقيام بحفظ حدوده ، ورعاية عهوده ، واعتناق أحكامه ، واجتناب نهيه . قال : وَلِيَعْلَمَ الله مَنْ يَنْصُرُهُ « الحديد : 25 » إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ « محمد : 7 » كُونُوا أَنْصارَ الله « الصف : 14 » .
وَالإنْتِصَارُ والإسْتِنْصَارُ : طلب النُّصْرَة . وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ « الشورى : 39 » وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ « الأنفال : 72 » وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ « الشوري : 41 » فَدَعا رَبَّهُ إني مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ « القمر : 10 » وإنما قال : فَانْتَصِرْ ولم يقل انْصُرْتنبيهاً [ على ] أن ما يلحقني يلحقك من حيث إني جئتهم بأمرك ، فإذا نَصَرْتَنِي فقد انْتَصَرْتَ لنفسك . وَالتنَاصُرُ : التعاوُن . قال تعالى : ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ « الصافات : 25 » .
وَالنَّصَارَى قيل سُمُّوا بذلك لقوله : كُونُوا أَنْصارَ الله كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى الله قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ الله « الصف : 14 » وقيل : سُمُّوا بذلك انتسابا إلى قرية يقال لها : نَصْرَانَةُ ، فيقال : نَصْرَانِيٌّ ، وجمْعُه نَصَارَى ، قال : وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى . . الآية . « البقرة : 113 » .
ونُصِرَ أرضُ بني فلان ، أي مُطِرَ ، وذلك أن المطَرَ هو نصرةُ الأرضِ .
ونَصَرْتُ فلاناً : أعطيتُه ، إما مُسْتعارٌ من نَصْرِ الأرض ، أو من العَوْن .
نَصَفَ
نِصْفُ الشئ : شطْرُه . قال تعالى : وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ
--------------------------- 711 ---------------------------
أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ « النساء : 12 » وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ « النساء : 11 » فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ « النساء : 176 »
وإِنَاءٌ نَصْفَانُ : بلغ ما فيه نِصْفَهُ .
ونَصَفَ النهارُ وانْتَصَفَ : بلغ نصْفَهُ . ونَصَفُ الإزارُ : ساقُهُ . والنَّصِيفُ : مِكْيالٌ كأنه نِصْفُ المكيالِ الأكبرِ ، ومِقْنَعَةُ النِّساء كأنها نِصْفٌ من المِقْنَعَةِ الكبيرةِ ، قال الشاعر : سَقَطَ النَّصِيفُ وَلَمْ تُرِدْ إِسْقَاطَهُ
فَتَنَاوَلَتْهُ وَاتَّقَتْنا بِالْيَدِ
وبلغْنا مَنْصَفَ الطريقِ . والنَّصَفُ : المرأةُ التي بيْنَ الصغيرةِ والكبيرةِ . والمُنَصَّفُ من الشراب : ما طُبِخَ فذهب منه نِصْفُهُ . والإِنْصَافُ في المُعامَلة : العدالةُ ، وذلك أن لا يأخُذَ من صاحبه من المنافع إِلَّا مثْلَ ما يعطيه ، ولا يُنِيلُهُ من المَضارِّ إلَّا مثْلَ ما يَنالُهُ منه ، واستُعْمِل النَّصَفَةُ في الخدمة ، فقيل للخادم : نَاصِفٌ وجمعه نُصُفٌ ، وهو أن يعطي صاحبَه ما عليه بإِزاء ما يأخذ من النَّفع .
والإنْتِصَافُ والإسْتِنْصَافُ : طَلَبُ النَّصَفَةِ .
نَصَى
النَّاصِيَةُ : قُصَاصُ الشَّعْر ، ونَصَوْتُ فُلاناً وانْتَصَيْتُهُ ونَاصَيْتُهُ : أخذْتُ بِنَاصِيَتِهِ . وقوله تعالى : ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها « هود : 56 » أي متمكِّنٌ منها . قال تعالى : لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ « العلق : 15 » . وحديثُ عائشة رضي الله عنها : ما لكم تَنْصُونَ ميتكم ، أي تَمُدُّونَ ناصيته . وفلان نَاصِيَةُ قومه ، كقولهم : رأسُهُمْ وعَيْنُهُمْ . وانْتَصَى الشَّعْرُ : طَالَ . والنَّصْيُ : مَرْعًى مِنْ أفضل المَرَاعِي . وفلانٌ نَصْيَةُ قومٍ ، أي خِيارُهُمْ تشبيهاً بذلك المَرْعَى .
نَضَجَ
يقال : نَضَجَ اللَّحْمُ نُضْجاً ونَضْجاً : إذا أدْرَكَ شَيُّهُ . قال تعالى : كلما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها « النساء : 56 » ومنه قيل : ناقة مُنَضِّجَةٌ : إذا جاوزتْ بحَمْلها وقتَ وِلادَتِهَا ، وقد نَضَّجَتْ . وفلان نَضِيجُ الرَّأْي : مُحْكَمُهُ .
ملاحظات
استعمل القرآن النضج في آية واحدة ، لعذابٍ نوع خاص من الناس ، فقال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ الله كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا . « النساء : 56 »
والمقصود بنضج جلودهم : أنها تفقد الحس بالتعذيب . ثم تُبَدَّل لأنهم لم يستوفوا حقهم من العذاب ، فهو نضجٌ مجازي ، وليس كنضج اللحم المشوي كما يتصور !
نَضَدَ
يقال : نَضَدْتُ المتاعَ بعضه على بعض : أَلْقَيْتُهُ فهو مَنْضُودٌ ونَضِيدٌ . والنَّضَدُ : السَّريرُ الذي يُنَضِّدُ عليه المتاعُ ، ومنه اسْتُعِيرَ : طَلْعٌ نَضِيدٌ « ق : 10 » وقال تعالى : وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ « الواقعة : 29 » وبه شُبِّهَ السَّحابُ المتراكم فقيل له : النَّضَدُ .
وأَنْضَادُ القومِ : جماعاتُهْم ، ونَضَدُ الرجل : مَنْ يَتَقَوَّى به من أَعْمامِهِ وأَخْوالِهِ .
ملاحظات
النضد : يشبه النظم ، قال ابن فارس « 5 / 439 » : « يدل على ضم شئ إلى شئ في اتساق وجمع ، منتصباً أو عريضاً . ونضدت الشئ بعضه إلى بعض ، متسقاً أو من فوق » .
وقد ورد في ثلاث آيات :
في ثمر النخل النضيد : وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ . وفي الطلح ، وفسر بالموز : فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ .
وفي عذاب مدينة لوط : وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ .
نَضَرَ
النَّضْرَةُ : الحُسْنُ كالنَّضَارَة ، قال تعالى : نَضْرَةَ النَّعِيمِ «
--------------------------- 712 ---------------------------
المطففين : 24 » أي رَوْنَقَهُ . قال تعالى : وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً « الإنسان : 11 » . ونَضَرَ وجْهُه يَنْضُرُ فهو نَاضِرٌ ، وقيل : نَضِرَ يَنْضَرُ . قال تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ « القيامة : 22 » .
ونَضَّرَ الله وَجْهَهُ . وأَخْضَرُ نَاضِرٌ : غُصْنٌ حَسَنٌ . والنَّضَرُ والنَّضِيرُ : الذَّهَبُ لِنَضَارَتِهِ . وقَدَحٌ نُضَارٌ : خَالِصٌ كالتبْرِ ، وقَدَحُ نُضَارٍ بِالإِضَافَةِ : مُتَّخَذٌ مِنَ الشَّجَرِ .
ملاحظات
النُّضْرَةُ : جمالٌ وحيويةٌ ، قال الله تعالى : عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ . تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ .
قال الجوهري « 2 / 829 » : « النَّضَر : الذهب ، ويجمع على أنضُر . والنِّضَار : الذهب وكذلك النضير . ويقال : النضار الخالص من كل شئ . والنُّضْرة : الحسن والرونق . وقد نضر وجهه ينضر نُضْرةً ، أي حَسُنَ » .
نَطَحَ
النَّطِيحَةُ : ما نُطِحَ من الأَغْنام فماتَ ، قال تعالى : وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ « المائدة : 3 » .
والنَّطِيحُ والنَّاطِحُ : الظّبْيُ والطائرُ الذي يَسْتَقْبِلُكَ بوجهه ، كأنه يَنْطَحُك ويُتَشَاءَمُ به .
ورجلٌ نَطِيحٌ : مشْؤُومٌ ، ومنه نَوَاطِحُ الدَّهْر . أي شدائِدُهُ . وفرسٌ نَطِيحٌ : يأخُذ فَوْدَى رأسِهِ بَياضٌ .
ملاحظات
قد تكون كلمة الأغنام في كلام الراغب مصحفة عن الأنعام ، لكن النطيحة أعم من الأنعام أيضاً .
وقال الجوهري « 1 / 412 » : « وقولهم : ماله ناطح ولا خابط ، فالناطح : الكبش والتيس والعنز . والخابط : البعير » .
وفي كتاب الفقيه « 3 / 344 » عن الإمام الجواد عليه السلام : « قال : المنخنقة التي انخنقت بأخناقها حتى تموت . والموقوذة التي مرضت وقذفها المرض حتى لم يكن بها حركة . والمتردية التي تتردى من مكان مرتفع إلى أسفل ، أو تتردى من جبل أو في بئر فتموت . والنطيحة التي تنطحها بهيمة أخرى فتموت . وما أكل السبع منه فمات . وما ذبح على النصب على حجر أو صنم . إلا ما أدرك ذكاته فيذكى » .
نَطَفَ
النُّطْفَةُ : الماءُ الصافي ، ويُعَبَّرُ بها عن ماء الرجل . قال تعالى : ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ « المؤمنون : 13 » وقال : مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ « الإنسان : 2 » أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى « القيامة : 37 » ويُكَنَّى عن اللُّؤْلُؤَةِ بالنُّطْفَة ، ومنه : صَبِيٌّ مُنَطَّفٌ : إذا كان في أُذُنِهِ لُؤْلُؤَةٌ . والنَّطَفُ : اللُّؤْلُؤ ، الواحدةُ : نُطْفَةٌ .
وليلة نَطُوفٌ : يجئ فيها المطرُ حتى الصباح .
والنَّاطِفُ : السائلُ من المائعات ، ومنه : النَّاطِفُ المعروفُ ، وفلانٌ مَنْطِفُ المعروف ، وفلان يَنْطِفُ بسُوء كذلك ، كقولك : يُنَدِّي به .
نَطَقَ
النُّطْقُ : في التعارُف ، الأصواتُ المُقَطعة التي يُظْهِرُها اللسانُ وتَعِيهَا الآذَانُ . قال تعالى : ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ « الصافات : 92 » ولا يكاد يقال إلا للإنسان ، ولا يقال لغيره إلا على سبيل التبع نحو : النَّاطِقُ والصَّامِتُ ، فيراد بالناطق ما له صوت وبالصامت ما ليس له صوت ، ولا يقال للحيوانات ناطق إلا مقيَّداً ، وعلى طريق التشبيه ، كقول الشاعر : عَجِبْتُ لَهَا أنى يَكُونُ غِنَاؤُهَا
فَصِيحاً وَلَمْ تَفْغَرْ لِمَنْطِقِهَا فَماً
والمنطقيُّون يُسَمُّون القوَّةَ التي منها النّطقُ نُطْقاً ، وإِيَّاهَا عَنَوْا حيث حَدُّوا الإنسانَ فقالوا : هُوَ الحيُّ الناطقُ
--------------------------- 713 ---------------------------
المَائِتُ ، فالنطقُ لفظٌ مشتركٌ عندهم بين القوَّة الإنسانيَّة التي يكون بها الكلامُ وبين الكلامِ المُبْرَزِ بالصَّوْت .
وقد يقال النَّاطِقُ لما يدلُّ على شئ ، وعلى هذا قيل لحكيم : ما الناطقُ الصامتُ ؟ فقال : الدَّلائلُ المُخْبِرَةُ والعِبَرُ الواعظةُ . وقوله تعالى : لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ « الأنبياء : 65 » إشارة إلى أنهم ليسوا من جِنْس النَّاطِقِينَ ذوي العقول .
وقوله : قالُوا أَنْطَقَنَا الله الَّذِي أَنْطَقَ كل شَئ « فصلت : 21 » فقد قيل : أراد الاعتبار ، فمعلومٌ أن الأشياءَ كلها ليستْ تَنْطِقُ إلامن حيثُ العِبْرَةُ .
وقوله : عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطيْرِ « النمل : 16 » فإنه سَمَّى أصواتَ الطيْر نُطْقاً اعتباراً بسليمان الذي كان يَفْهَمُهُ ، فمن فَهِمَ من شئ معنًى ، فذلك الشئ بالإضافة إليه : نَاطِقٌ وإن كان صامتاً ، وبالإضافة إلى من لا يَفْهَمُ عنه : صامتٌ وإن كان ناطقاً .
وقوله : هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ « الجاثية : 29 » فإن الكتابَ ناطقٌ لكن نُطْقُهُ تُدْرِكُهُ العَيْنُ ، كما أن الكلام كتابٌ لكن يُدْرِكُهُ السَّمْعُ . وقوله : وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا الله الَّذِي أَنْطَقَ كل شَئ « فصلت : 21 » فقد قيل : إن ذلك يكونُ بالصَّوْت المسموعِ وقيل يكونُ بالاعتبار . والله أعلمُ بما يكون في النَّشْأَةِ الآخرةِ .
وقيل : حقيقةُ النُّطْقِ اللَّفْظُ الّذي هو كَالنِّطَاقِ للمعنى في ضَمِّهِ وحصْرِهِ .
وَالمِنْطَقُ والمِنْطَقَةُ : ما يُشَدُّ به الوَسَطُ وقول الشاعر :
وَأَبْرَحُ مَا أَدَامَ الله قَوْمِي * بِحَمْدِ الله مُنْتَطِقاً مُجِيداً
فقد قيل : مُنْتَطِقاً جَانِباً ، أي قَائِداً فَرَساً لم يَرْكَبْهُ ، فإن لم يكن في هذا المعنى غيرُ هذا البيت فإنه يحتمل أن يكون أراد بِالمُنْتَطِقِ الذي شَدَّ النِّطَاقَ كقوله : مَنْ يَطُلْ ذَيْلُ أَبِيهِ يَنْتَطِقْ بِهِ . وقيل : معنى المُنْتَطِقِ المُجِيدِ : هو الذي يقول قولاً فَيُجِيدُ فيه .
نَظَرَ
النَّظَرُ : تَقْلِيبُ البَصَرِ والبصيرةِ لإدرَاكِ الشئ ورؤيَتِهِ ، وقد يُرادُ به التأَمُّلُ والفَحْصُ ، وقد يراد به المعرفةُ الحاصلةُ بعد الفَحْصِ وهو الرَّوِيَّةُ ، يقال : نَظَرْتَ فلم تَنْظُرْ . أي لم تَتَأَمَّلْ ولم تَتَرَوَّ . وقوله تعالى : قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ « يونس : 101 » أي تَأَمَّلُوا .
واستعمال النَّظَرِ في البَصَرِ أكثرُ عند العامَّةِ ، وفي البصيرةِ أكثرُ عند الخاصَّةِ ، قال تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ « القيامة : 22 » ويقال : نَظَرْتُ إلى كذا : إذا مَدَدْتَ طَرْفَكَ إليه رَأَيْتَهُ أو لم تَرَهُ ، ونَظَرْتُ فِيهِ : إذا رَأَيْتَهُ وتَدَبَّرْتَهُ ، قال : أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ « الغاشية : 17 » نَظَرْتَ في كذا : تَأَمَّلْتَهُ ، قال تعالى : فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إني سَقِيمٌ « الصافات : 88 » وقوله : تعالى : أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « الأعراف : 185 » فذلك حَثٌّ على تَأَمُّلِ حِكْمَتِهِ في خَلْقِهَا .
ونَظَرُ الله تعالى إلى عِبَادِهِ : هو إحسانُهُ إليهم وإفاضَةُ نِعَمِهِ عليهم . قال تعالى : وَلا يُكلمُهُمُ الله وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ « آل عمران : 77 » وعلى ذلك قوله : كلا إنهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ « المطففين : 15 » .
والنَّظَرُ : الانتظار ، يقال : نَظَرْتُهُ وانْتَظَرْتُهُ وأَنْظَرْتُهُ ، أي أَخَّرْتُهُ . قال تعالى : وَانْتَظِرُوا إنا مُنْتَظِرُونَ « هود : 122 » وقال : فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إني مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ « يونس : 102 » وقال : انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ « الحديد : 13 » وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ « الحجر : 8 » قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ إنكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ « الأعراف : 15 » وقال : فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ « هود : 55 » وقال : لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ « السجدة : 29 » وقال : فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ
--------------------------- 714 ---------------------------
وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ « الدخان : 29 »
فنفيُ الإِنْظارَ عنهم إشارةٌ إلى ما نبَّه عليه بقوله : فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ « الأعراف : 34 » وقال : إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ « الأحزاب : 53 » أي منتظرين .
وقال : فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ « النمل : 35 » هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ « البقرة : 210 » وقال : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ « الزخرف : 66 » وقال : ما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً « ص : 15 » . وأما قوله : رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ « الأعراف : 143 » فَشَرْحُهُ وبَحْثُ حَقَائِقِهِ يَخْتَصُّ بغير هذا الكتابِ .
ويُستعمَل النَّظَرُ في التحَيُّرِ في الأمور نحو قوله : فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ « البقرة : 55 » وقال : وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ « الأعراف : 198 » وقال : وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ « الشورى : 45 » وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ « يونس : 43 » فكل ذلك نظر عن تحيُّر دالٍّ على قِلَّة الغِنَاءِ . وقوله : وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ « البقرة : 50 » قيل : مُشَاهِدُونَ وقيل : تَعْتَبِرُونَ . وقول الشاعر :
نَظَرَ الدَّهْرُ إِلَيْهِمْ فَابْتَهَل
فتنبيهٌ [ على ] أنه خانَهُمْ فَأَهْلَكَهُمْ .
وحَيٌّ نَظَرٌ : أي مُتَجَاوِرُونَ يَرَى بعضُهم بعضاً كقولِ النبي : لَايَتَرَاءَى نَارَاهُمَا .
والنَّظِيرُ : المَثِيلُ وأصلُه المُنَاظِرُ ، وكأنه يَنْظُرُ كل واحدٍ منهما إلى صاحبِهِ فيُبَارِيهِ .
وبه نَظْرَةٌ : إشارةٌ إلى قول الشاعر :
وقَالُوا بِهِ مِنْ أَعْيُنِ الْجِنِّ نَظْرَةٌ
والمُنَاظَرَةُ : المُبَاحَثَةُ والمُبَارَاةُ فِي النَّظَرِ ، واسْتِحْضَارُ كل ما يَرَاهُ بِبَصِيرَتِهِ .
والنَّظَرُ : البَحْثُ ، وهو أَعَمُّ مِنَ القِيَاسِ ، لأن كل قياسٍ نَظَرٌ ولَيْسَ كل نَظَرٍ قِيَاساً .
ملاحظات
عَرَّفَ الراغب النَّظَرُ بأنه تَقْلِيبُ البَصَرِ والبصيرةِ . ثم عممه لحالات أخرى . كما فسَّر النظر في بعض آيات ، وفيها إشكالات لا يتسع المجال لبسطها .
وبما أن النظر ورد في القرآن بشكل واسع ، نورد أهم ما قيل فيه . قال الخليل « 8 / 154 » : « تقول : نظرت إلى كذا وكذا من نظر العين ونظر القلب . وقوله تعالى : وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أي لا يرحمهم . وقد تقول العرب : نظرت لك أي عطفت عليك بما عندي . وقال الله عز وجل : لَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ ، ولم يقل : لا ينظر لهم . فيكون بمعنى التعطف .
والمَنْظر : مصدر كالنظر ، وإن فلاناً لفي منظر ومسمع ، أي فيما أحب النظر إليه والاستماع . والمَنْظر : الشئ الذي يعجب الناظر .
والنَّظْرة : من الجن تصيب الإنسان مثل الخطفة ، ونظر فلان : أصابته نظرة فهو منظور . وتقول : أنظُرني يا فلان ، أي إستمع إليَّ ، وكذلك قوله تعالى : وَقُولُوا انظُرْنَا . وقوله جل وعز : فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ، أي إنظار » .
وقال ابن فارس « 5 / 444 » : « ترجع فروعه إلى معنى واحد وهو تأمل الشئ ومعاينته ، ثم يستعار ويتسع فيه . ومنه نظر الدهر إلى بني فلان فأهلكهم . وهذا نظير هذا ، من هذا القياس ، أي إنه إذا نظر إليه وإلى نظيره كانا سواء . وبه نَظْرَة : أي شحوب كأنه شئ نظر إليه فشحب لونه » .
نَعَجَ
النَّعْجَةُ : الأُنْثَى من الضَّأْنِ ، والبَقَر الوَحْش ، والشَّاةِ الجَبَلِيِّ ، وجمْعها : نِعَاجٌ . قال تعالى : إن هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ
--------------------------- 715 ---------------------------
وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ « ص : 23 » .
ونَعَجَ الرجل : إذا أَكَلَ لَحْمَ ضَأْنٍ فَأَتْخَمَ منه .
وأَنْعَجَ الرجل : سَمِنَتْ نِعَاجُهُ .
والنَّعْجُ : الإبْيِضَاضُ . وأَرْضٌ نَاعِجَةٌ : سَهْلَةٌ .
نَعِسَ
النُّعَاسُ : النَّوْمُ القليلُ . قال تعالى : إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً « الأنفال : 11 » نُعاساً « آل عمران : 154 » وقيل : النُّعَاسُ هاهنا عبارةٌ عن السُّكُونِ والهُدُوِّ ، وإشارةٌ إلى قول النبي صلى الله عليه وآله : طُوبَى لِكل عَبْدٍ نُوَمَةٍ .
ملاحظات
ليس النعاس النوم القليل ، بل الرغبة في النوم ، ويسمى الوَسَن . قال الخليل « 1 / 338 » : « يقولون : نَعْسَان وَنَعْسَى ، حملوه على وَسْنان وَوَسْنَى » .
وقال الجوهري « 3 / 983 » : « نَعَسْتُ بالفتح أنعس نعاساً ، ونعست نعسة واحدة ، وأنا ناعس » .
نَعَقَ
نَعَقَ الرَّاعي بصَوْتِهِ . قال تعالى : كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً « البقرة : 171 » .
ملاحظات
قال الله تعالى : وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ . « البقرة : 171 » . والمعنى : أن مثل الكفار في عدم فهمهم وتعقلهم لما تدعوهم اليه أيها الرسول ، مثل حيوانات يصيح بها شخص وهي لا تفهم مما يقوله إلا صوت النداء والزجر .
ونلاحظ أنه عز وجل لم يقل كالراعي الصائح بغنمه أو إبله ، لأنها تفهم من راعيها شيئاً ما .
قال سيبويه في كتابه « 1 / 212 » : « فلم يشبَّهوا بما يَنْعِقُ وإنَّما شُبِّهوا بالمنعوق به ، وإنَّما المعنى مَثَلُكم ومَثَلُ الذين كفروا كمثل الناعِق والمنعوقِ به الذي لاُ يَسمع » .
نَعَلَ
النَّعْلُ : معروفةٌ ، قال تعالى : فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ « طه : 12 » وبه شُبِّهَ نَعْلُ الفَرَس ، ونَعْلُ السَّيْف . وفَرَسٌ مُنْعَلٌ : في أسفَلِ رُسْغِهِ بَيَاضٌ عَلَى شَعَرِهِ . ورجل نَاعِلٌ ومُنْعَلٌ ، ويُعَبَّرُ به عن الغَنِيِّ ، كما يُعَبَّرُ بِالحَافِي عَنِ الفَقِيرِ .
نَعَمَ
النِّعْمَةُ : الحالةُ الحسنةُ . وبِنَاء النِّعْمَة بِناء الحالة التي يكون عليها الإنسان كالجِلْسَة والرِّكْبَة .
والنَّعْمَةُ : التنَعُّمُ ، وبِنَاؤُها بِنَاءُ المَرَّة من الفِعْلِ كالضَّرْبَة والشَّتْمَة . والنِّعْمَةُ للجِنْسِ تقال للقليلِ والكثيرِ . قال تعالى : وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لا تُحْصُوها « النحل : 18 » اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ « البقرة : 40 » وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي « المائدة : 3 » فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ الله « آل عمران : 174 » إلى غير ذلك من الآيات .
والإِنْعَامُ : إيصالُ الإحسانِ إلى الغَيْرِ ، ولا يقال إلا إذا كان المُوصَلُ إليه من جِنْسِ النَّاطِقِينَ ، فإنه لا يقال أَنْعَمَ فلانٌ على فَرَسِهِ . قال تعالى : أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ « الفاتحة : 7 » وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ الله عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ « الأحزاب : 37 » .
والنَّعْمَاءُ : بإِزَاءِ الضَّرَّاءِ ، قال تعالى : وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ « هود : 10 » .
والنُّعْمَى : نقيضُ البُؤْسَى ، قال : إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ « الزخرف : 59 » .
والنَّعِيمُ : النِّعْمَةُ الكثيرةُ ، قال : فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ « يونس : 9 » وقال : جَنَّاتِ النَّعِيمِ « لقمان : 8 » . وَتَنَعَّمَ : تَنَاوَلَ ما فيه النِّعْمَةُ وطِيبُ العَيْشِ ، يقال : نَعَّمَهُ تَنْعِيماً فَتَنَعَّمَ ، أي جَعَلَهُ في نِعْمَةٍ ، أي لِينِ عَيْشٍ وخَصْبٍ ، قال : فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ «
--------------------------- 716 ---------------------------
الفجر : 15 » وطعامٌ نَاعِمٌ ، وجارية نَاعِمَةٌ .
والنَّعَمُ : مختصٌّ بالإبل وجمْعُه أَنْعَامٌ ، وتسميتُهُ بذلك لكون الإبل عندهم أَعْظَمَ نِعْمةٍ ، لكِنِ الأَنْعَامُ تقال للإبل والبقر والغنم ، ولا يقال لها أَنْعَامٌ حتى يكون في جملتها الإبل . قال : وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ « الزخرف : 12 » وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً « الأنعام : 142 » وقوله : فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ « يونس : 24 » فَالْأَنْعَامُ هاهنا عامٌّ في الإبل وغيرها .
والنُّعَامَى : الرِّيحُ الجَنُوبُ النَّاعِمَةُ الهبُوبِ .
والنَّعَامَةُ : سُمِّيَتْ تشبيهاً بِالنَّعَمِ في الخِلْقة .
والنَّعَامَةُ : المَظَلَّةُ في الجَبَلِ ، وعلى رأس البئر تشبيهاً بالنَّعَامَةِ في الهَيْئَة مِنَ البُعْدِ . والنَّعَائِمُ : من مَنَازِلِ القَمَرِ تشبيهاً بِالنَّعَامَةِ .
وقول الشاعر : وابْنُ النَّعَامَةِ عِنْدَ ذَلِكَ مَرْكَبِي .
فقد قيل : أراد رِجْلَهُ ، وجعلها ابنَ النَّعَامَةِ تشبيهاً بها في السُّرْعَة . وقيل : النَّعَامَةُ بَاطِنُ القَدَمِ ، وما أرَى قال ذلك من قال إلامن قولهم : ابْنُ النَّعَامَةِ .
وقولهم تَنَعَّمَ فُلَانٌ : إذا مَشَى مشياً خَفِيفاً ، فَمِنَ النِّعْمَةِ .
ونِعْمَ : كلمةٌ تُسْتَعْمَلُ في المَدْحِ بإِزَاءِ بِئْسَ في الذَّم ، قال تعالى : نِعْمَ الْعَبْدُ إنهُ أَوَّابٌ « ص : 44 » فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ « الزمر : 74 » نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ « الأنفال : 40 » وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ « الذاريات : 48 » إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعما هِيَ « البقرة : 271 » .
وتقول : إن فَعَلْتَ كَذَا فَبِهَا وَنِعْمَتْ ، أي نِعْمَتِ الخَصْلَةُ هِيَ . وغَسَّلْتُهُ غَسْلاً نِعماً .
يقال : فَعَلَ كذا وأَنْعَمَ أي زَادَ ، وأصله من الإِنْعَامِ . ونَعَّمَ الله بِكَ عَيْناً .
ونَعَمْ : كلمةٌ للإيجابِ من لفظ النِّعْمَة ، تقول : نَعَمْ ونُعْمَةُ عَيْنٍ ونُعْمَى عَيْنٍ ونُعَامُ عَيْنٍ ، ويصحُّ أن يكون من لفظ أَنْعَمَ منه ، أي أَلْيَنَ وأَسْهَلَ .
نَغَضَ
الإِنْغَاضُ : تَحْرِيكُ الرَّأْسِ نَحْوَ الغَيْر كالمتعجِّب منه . قال تعالى : فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ « الإسراء : 51 » يقال : نَغَضَ نَغَضاناً إذا حَرَّكَ رأسَه ، ونَغَضَ أسنانَهُ في ارْتِجَافٍ .
والنَّغْضُ : الظَّلِيمُ الّذي يَنْغِضُ رأسَه كثيراً . والنَّغْضُ : غُضْرُوفُ الكَتِفِ .
نَفَثَ
النَّفْثُ : قَذْفُ الرِّيقِ القليلِ ، وهو أَقَلُّ من التفْلِ .
ونَفْثُ الرَّاقِي والساحرِ : أن يَنْفُثَ في عُقَدِهِ ، قال تعالى : وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ « الفلق : 4 » ومنه الحيَّةُ تَنْفُثُ السّمَّ .
وقيل : لو سَأَلْتَهُ نُفَاثَةَ سواكٍ ما أعْطَاكَ ، أي ما بَقِيَ في أَسنانك فنَفَثْتَ به . ودمٌ نَفِيثٌ : نَفَثَهُ الجُرْحُ ، وفي المثل : لَا بُدَّ لِلْمَصْدُورِ أَنْ يَنْفُثَ .
ملاحظات
لا يشترط في النَّفْثِ قَذْفُ الرِّيقِ ، كما ذكر ، بل هو نفخ النَّفَس من الفم ، وقد يصاحبه ذرات صغيرة من الريق ، وقد لايصاحبه .
ولعل اشتباهه بسبب ما قاله الجوهري « 1 / 295 » : « النفث : شبيه بالنفخ ، وهو أقل من التفل . وقد نفث الراقي ينفث وينفث . والنفاثات في العقد : السواحر » .
نَفَحَ
نَفَحَ الرِّيحُ يَنْفُحُ نَفْحاً . وله نَفْحَةٌ طَيِّبة ، أي هُبُوبٌ مِنَ الخير . وقد يُسْتَعارُ ذلك للشرِّ .
قال تعالى : وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ « الأنبياء : 46 » . ونَفَحَتِ الدَّابَّةُ : رَمَتْ بحافرها . ونَفَحَهُ بالسَّيْفِ : ضَرَبَهُ به . والنَّفُوحُ من النُّوق : التي يخرُج لَبَنُهَا من غير حَلْبٍ . وقَوْسٌ
--------------------------- 717 ---------------------------
نَفُوحٌ : بعيدةُ الدَّفْعِ للسَّهْم . وأَنْفِحَةُ الجَدْيِ : معروفةٌ .
نَفَخَ
النَّفْخُ : نَفْخُ الرِّيحِ في الشئ . قال تعالى : يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ « طه : 102 » وَنُفِخَ فِي الصُّورِ « الكهف : 99 » ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى « الزمر : 68 » وذلك نحو قوله : فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ « المدثر : 8 » .
ومنه : نَفْخُ الرُّوح في النَّشْأَة الأولى ، قال : وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي « الحجر : 29 » .
يقال : انْتَفَخَ بطْنُه ، ومنه استُعِيرَ : انْتَفَخَ النهارُ إذا ارتْفَعَ ، ونَفْخَةُ الرَّبيع حِينَ أَعْشَبَ ، ورجل مَنْفُوخٌ : أي سَمِينٌ .
ملاحظات
لم يستوف الراغب استعمال مادة النفخ في القرآن ، وقد وردت بضع عشرة مرة ، ثلاث منها في نفخ الروح في آدم عليه السلام كقوله تعالى : فَإِذَا سَوَيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِى . . ثُمَّ سَوَاهُ وَنَفَخَ فِيهِ من رُوحِهِ .
واثنتان في النفخ في مريم ÷ : وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا .
وعشرٌ في نفخ الصور : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ الله . ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ .
واثنتان لنفخ عيسى عليه السلام في هيئة الطير : فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ الله . وواحدة لنفخ ذي القرنين بين الجبلين : قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا .
ومعاني النفخ فيها متفاوتة ، وبعضها حقيقة من النفخ بالفم أو بالمنفخ ، وبعضها مجاز .
نَفَدَ
النَّفَادُ : الفَناءُ . قال تعالى : إن هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ « ص : 54 » يقال : نَفِدَ يَنْفَدُ .
قال تعالى : قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ « الكهف : 109 » ما نَفِدَتْ كَلِماتُ الله « لقمان : 27 » . وأَنْفَدُوا : فَنِيَ زادُهم . وخَصْمٌ مُنَافِدٌ : إذا خَاصَمَ لِيُنْفِدَ حُجَّةَ صاحبِهِ يقال : نَافَدْتُهُ فَنَفَدْتُهُ .
نَفَذَ
نَفَذَ السَّهْمُ في الرَّمية نُفُوذاً ونَفَاذاً . والمِثْقَبُ في الخَشَبِ : إذا خَرِقَ إلى الجهة الأُخرى .
ونَفَذَ فلانٌ في الأمرِ نَفَاذاً وأَنْفَذْتُهُ . قال تعالى : إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ « الرحمن : 33 » .
ونَفَّذْتُ الأمرَ تَنْفِيذاً ، والجيش في غَزْوِهِ . وفي الحديث : نَفِّذُوا جَيْشَ أُسَامَةَ . والمَنْفَذُ : المَمَرُّ النَّافِذُ .
نَفَرَ
النَّفْرُ : الانْزِعَاجُ عن الشئ ، وإلى الشئ ، كالفَزَعِ إلى الشئ وعن الشئ . يقال : نَفَرَ عن الشئ نُفُوراً . قال تعالى : مازادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً « فاطر : 42 » وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً « الإسراء : 41 » ونَفَرَ إلى الحربِ يَنْفُرُ ويَنْفِرُ نَفْراً .
ومنه : يَوْمُ النَّفْرِ ، قال تعالى : إنْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا « التوبة : 41 » إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً « التوبة : 39 » ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ الله « التوبة : 38 » وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كل فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ « التوبة : 122 » .
والإسْتِنْفَارُ : حَثُّ القومِ على النَّفْرِ إلى الحربِ . والإسْتِنْفَارُ : حَمْلُ القومِ على أن يَنْفِرُوا . أي من الحربِ . والإسْتِنْفَارُ أيضاً : طَلَبُ النِّفَارِ .
وقوله تعالى : كَأنهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ « المدثر : 50 » قُرِئَ بفَتْحِ الفاء وكسرِها ، فإذا كُسِرَ الفاءُ فمعناه نَافِرَةٌ ، وإذا فُتِحَ فمعناه مُنَفَّرَةٌ . والنَّفَرُ والنَّفِيرُ والنَّفَرَةُ : عِدَّةُ رجالٍ يُمْكِنُهُم النَّفْرُ .
والمُنَافَرَةُ : المُحَاكَمَةُ في المُفَاخَرَةِ ، وقد أُنْفِرَ فلانٌ : إذا فُضِّلَ في المُنافرةِ ، وتقول العَرَبُ : نُفِّرَ فلانٌ إذا سُمِّيَ باسمٍ
--------------------------- 718 ---------------------------
يَزْعُمُون أن الشيطانَ يَنْفِرُ عنه ، قال أعرابيٌّ : قيل لأبي لما وُلِدْتُ : نَفِّرْ عنه ، فسَمَّانِي قُنْفُذاً وكَنَّانِي أبا العَدَّاء .
ونَفَرَ الجِلْدُ : وَرِمَ . قال أبو عبيدة : هو من نِفَارِ الشئ عن الشئ ، أي تَبَاعُدِهِ عنه وتَجَافِيهِ .
ملاحظات
لا يصح تعريف النفر بالإنزعاج لأن النفر حركة ، والإنزعاج حالة تأثر كالغضب . والنفر قد يكون حركة إلى القتال كالنفر إلى الحرب ، أو نفراً إلى بلده كالنفر بعد مناسك الحج ، أو إعراضاً عن شئ كما تقول نفر عنه ، وهذا قد يكون فيه معنى الفزع أو الغضب أو الإنزعاج أو الخوف . وقد يكون وثوباً ، كقولك نفرت الدابة . . الخ . وقد استوفت المصادر المادة بأفضل من الراغب : الصحاح : 2 / 833 ، ولسان العرب : 5 / 225 .
نَفَسَ
النَّفْسُ : الرُّوحُ في قوله تعالى : أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ « الأنعام : 93 » قال : وَاعْلَمُوا أن الله يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ « البقرة : 235 » وقوله : تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ « المائدة : 116 » وقوله : وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ « آل عمران : 30 » .
فَنَفْسُهُ : ذَاتُهُ ، وهذا وإن كان قد حَصَلَ من حَيْثُ اللَّفْظُ مضافٌ ومضافٌ إليه يقتضي المغايرةَ وإثباتَ شيئين من حيث العبارةُ ، فلا شئ من حيث المعنى سِوَاهُ . تعالى عن الإثْنَوِيَّة من كل وجهٍ . وقال بعض الناس : إن إضافَةَ النَّفْسِ إليه تعالى إضافةُ المِلْك ، ويعني بنفسه نُفُوسَنا الأَمَّارَةَ بالسُّوء ، وأضاف إليه على سبيل المِلْك .
والمُنَافَسَةُ : مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ للتشبه بالأفاضلِ ، واللُّحُوقِ بهم من غير إِدْخال ضَرَرٍ على غيرِه . قال تعالى : وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ « المطففين : 26 » وهذا كقوله : سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ « الحديد : 21 »
والنَّفَسُ : الرِّيحُ الداخلُ والخارجُ في البدن من الفَمِ والمِنْخَر ، وهو كالغِذاء للنَّفْسِ ، وبانْقِطَاعِهِ بُطْلانُها .
ويقال للفَرَجِ : نَفَسٌ ومنه ما رُوِيَ : إني لَأَجِدُ نَفَسَ رَبِّكُمْ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ . وقوله عليه الصلاة والسلام : لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ فَإنهَا مِنْ نَفَسِ الرَّحْمَنِ ، أي ممَّا يُفَرَّجُ بها الكَرْبُ ، يقال : اللَّهُمَّ نَفِّسْ عَنِّي ، أي فَرِّجْ عَنِّي .
وتَنَفَّسَتِ الرِّيحُ : إذا هَبَّتْ طيِّبةً ، قال الشاعر :
فَإن الصَّبَا رِيحٌ إِذَا مَا تَنَفَّسَتْ
عَلَى نَفْسِ مَحْزُونٍ تَجَلَّتْ هُمُومُهَا
والنِّفَاسُ : وِلَادَةُ المَرْأَةِ ، تقول : هي نُفَسَاءُ ، وجمْعُها نُفَاسٌ ، وصَبَّيٌّ مَنْفُوسٌ .
وتَنَفُّسُ النهار : عبارةٌ عن توسُّعِه . قال تعالى : وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ « التكوير : 18 » ونَفِسْتُ بِكَذَا : ضَنَّتْ نَفْسِي بِهِ . وشَئ نَفِيسٌ ، ومَنْفُوسٌ بِهِ ، ومُنْفِسٌ .
ملاحظات
لم يستوف الراغب المادة في القرآن ، وقد وردت عشرات المرات . ولها أقسام وفيها بحوث ، لكنها بشكل عام بحوثٌ غير لغوية .
وقد ميَّزَ القرآن بين النفس والروح فأخبر أن النائم نفسه متوفاة وروحه في بدنه ، فالنفس هي قوى الإحساس والتعقل . قال تعالى : الله يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الآخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى . « الزمر : 42 » .
نَفَشَ
النَّفْشُ : نَشْرُ الصُّوفِ « وغيره » قال تعالى : كالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ « القارعة : 5 » ونَفْشُ الغَنَمِ : انْتِشَارُهَا . والنَّفَشُ بالفتح : الغَنَمُ المُنْتَشِرَةُ . قال تعالى : إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ « الأنبياء : 78 » والإِبِلُ النَّوَافِشُ : المُتَرَدِّدَةُ لَيْلًا فِي المَرْعَى بِلَا رَاعٍ .
--------------------------- 719 ---------------------------
نَفَعَ
النَّفْعُ : ما يُسْتَعَانُ به في الوُصُولِ إلى الخَيْرَاتِ وما يُتَوَصَّلُ به إلى الخَيْرِ فهو خَيْرٌ فَالنَّفْعُ خَيْرٌ ، وضِدُّهُ الضُّرّ .
قال تعالى : وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً « الفرقان : 3 » وقال : قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا « الأعراف : 188 » .
وقال : لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ « الممتحنة : 3 » وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ « سبأ : 23 » وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي « هود : 34 » إلى غير ذلك من الآيات .
ملاحظات
معنى النفع كله إيجابي ، لكن مفهوم النفع والضر في الدين ، قد يختلف عما يفهمه الناس ، وقد يوافقه .
نَفَقَ
نَفَقَ الشَّئ : مَضَى ونَفِدَ ، يَنْفُقُ ، إما بالبيع نحو نَفَقَ البَيْعُ نَفَاقاً . ومنه نَفَاقُ الأَيِّم ، ونَفَقَ القَوْمُ : إذا نَفَقَ سُوقُهُمْ .
وإما بالمَوْتِ نحو : نَفَقَتِ الدَّابَّةُ نُفُوقاً . وإما بالفَنَاءِ نحو : نَفِقَتِ الدَّرَاهِمُ تُنْفَقُ وأَنْفَقْتُهَا .
والإِنْفَاقُ : قد يكون في المَالِ ، وفي غَيْرِهِ ، وقد يكون واجباً وتطوُّعاً ، قال تعالى : وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ الله « البقرة : 195 » وأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ « البقرة : 254 » وقال : لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَئ فَإن الله بِهِ عَلِيمٌ « آل عمران : 92 » وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَئ فَهُوَ يُخْلِفُهُ « سبأ : 39 » لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ « الحديد : 10 » إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله : قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ « الإسراء : 100 » أي خَشْيَةَ الإقتَارِ ، يقال : أَنْفَقَ فلانٌ : إذا نَفِقَ مالُهُ فافْتَقَرَ ، فالإِنْفَاقُ هاهنا كالإِمْلَاقِ في قوله : وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ « الإسراء : 31 » .
والنَّفَقَةُ : إسمٌ لما يُنْفَقُ ، قال : وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ « البقرة : 270 » وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً « التوبة : 121 » .
والنَّفَقُ : الطريقُ النَّافِذُ ، والسَّرَبُ في الأَرْض النَّافِذُ فيه . قال : فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ « الأنعام : 35 » . ومنه : نَافِقَاءُ اليَرْبُوعِ ، وقد نَافَقَ اليَرْبُوعُ ، ونَفَقَ .
ومنه النِّفَاقُ : وهو الدخولُ في الشَّرْعِ من بابٍ والخروجُ عنه من بابٍ . وعلى ذلك نبَّه بقوله : إن الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ « التوبة : 67 » أي الخارجون من الشَّرْعِ . وجعل الله المنافقين شرّاً من الكافرين فقال : إن الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ « النساء : 145 » . ونَيْفَقُ السَّرَاوِيلِ : معروفٌ .
نَفَلَ
النَّفَلُ : قيل هو الغَنِيمَةُ بعَيْنِهَا لكن اختلفتِ العبارةُ عنه لاختلافِ الإعتِبَارِ ، فإنه إذا اعتُبِر بكونه مظفوراً به يقال له : غَنِيمَةٌ ، وإذا اعْتُبِرَ بكونه مِنْحَةً من الله ابتداءً من غير وجوبٍ يقال له : نَفَلٌ .
ومنهم من فَرَقَ بينهما من حيثُ العمومُ والخصوصُ فقال : الغَنِيمَةُ ما حَصَلَ مسْتَغْنَماً بِتَعَبٍ كان أو غَيْرِ تَعَبٍ ، وباستحقاقٍ كان أو غيرِ استحقاقٍ ، وقبل الظَّفَرِ كان أو بَعْدَهُ . والنَّفَلُ : ما يَحْصُلُ للإنسانِ قبْلَ القِسْمَةِ من جُمْلَةِ الغَنِيمَةِ . وقيل : هو ما يَحْصُلُ للمسلمين بغير قتالٍ ، وهو الفَيئ . وقيل هو ما يُفْصَلُ من المَتَاعِ ونحوه بَعْدَ ما تُقْسَمُ الغنائمُ ، وعلى ذلك حُمِلَ قولُه تعالى : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ . . الآية « الأنفال : 1 »
وأصل ذلك من النَّفْلِ ، أي الزيادةِ على الواجبِ ، ويقال له : النَّافِلَةُ ، قال تعالى : وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ « الإسراء : 79 » وعلى هذا قوله : وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً « الأنبياء : 72 » وهو وَلَدُ الوَلَدِ .
ويقال : نَفَلْتُهُ كذا . أي أعطيْتُهُ نَفْلًا ، ونَفَلَهُ السلطانُ :
--------------------------- 720 ---------------------------
أعطاه سَلَبَ قَتيله نَفْلًا ، أي تَفَضُّلًا وتبرُّعاً . والنَّوْفَلُ : الكثيرُ العَطَاءِ . وانْتَفَلْتُ من كذا : انْتَقَيْتُ منه .
نَقَبَ
النَّقْبُ : في الحائِطِ والجِلْدِ كالثَّقْبِ في الخَشَبِ يقال : نَقَبَ البَيْطَارُ سُرَّةَ الدَّابَّةِ بالمِنْقَبِ ، وهو الذي يُنْقَبُ به . والمَنْقَبُ : المكانُ الذي يُنْقَبُ ، ونَقْبُ الحائط .
ونَقَّبَ القومُ : سَارُوا . قال تعالى : فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ « ق : 36 » .
وكلب نَقِيبٌ : نُقِبَتْ غَلْصَمَتُهُ لِيَضْعُفَ صَوْتُه . والنَّقْبَة : أول الجَرَبِ يَبْدُو وجمْعُها نُقَبٌ . والنَّاقِبَةُ : قُرْحَةٌ .
والنُّقْبَةُ : ثَوْبٌ كالإِزَارِ سُمِّيَ بذلك لِنُقْبَةٍ تُجْعَلُ فيها تِكَّةٌ .
والمَنْقَبَةُ : طريقٌ مُنْفِذٌ في الجِبَالِ ، واستُعِيرَ لفعل الكريمِ ، إما لكونه تأثيراً له ، أو لكونه مَنْهَجاً في رَفْعِهِ .
والنَّقِيبُ : الباحثُ عن القوم وعن أحوالهم ، وجمْعه : نُقَبَاءُ . قال : وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً « المائدة : 12 » .
نَقَذَ
الإِنْقَاذُ : التخْلِيصُ من وَرْطَةٍ . قال تعالى : وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها « آل عمران : 103 » .
والنَّقْذُ : ما أَنْقَذْتَهُ . وفَرَسٌ نَقِيذٌ : مأخوذٌ من قومٍ آخرين كأنه أُنْقِذَ منهم ، وجمْعُه نَقَائِذُ .
ملاحظات
ذكر عامة اللغويين أن الإنقاذ تخليص الشئ من أحد أو وضعٍ . ولم يذكر أحد شرط الوُرطة الذي شرطه الراغب ، ولعله فهمه من قوله تعالى : وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ منها ، لكن الورطة مفهومة من الحفرة وليس من الإنقاذ . وإلا لوجب أن يكون المال المدفون من الأرض في ورطة ، والشئ الذي يسلبه الذباب في ورطة ، ليصح فيهما الإنقاذ !
نَقَرَ
النَّقْرُ : قَرْعُ الشَّئ المُفْضِي إِلَى النَّقْبِ . والمِنْقَارُ : ما يُنْقَرُ به كمِنْقَارِ الطائرِ ، والحَدِيدَةِ التي يُنْقَرُ بها الرَّحَى ، وعُبِّرَ به عن البَحْثِ فقيل : نَقَرْتُ عَنِ الأَمْرِ . واستُعِيرَ للاغْتِيَابِ فقيل : نَقَرْتُهُ . وقالتْ امرأةٌ لِزَوْجِهَا : مُرَّ بِي عَلَى بَنِي نَظَرِي ولا تَمُرَّ بي على بنات نَقَرِي . أي على الرجال الذين ينظُرون إليَّ لا على النِّساء اللَّواتِي يَغْتَبْنَنِي .
والنُّقْرَةُ : وَقْبَةٌ يبقى فيها ماء السيل . ونُقْرَةُ القَفَا : وَقْبَتُه ُ .
والنَّقِيرُ : وقبة في ظَهْرِ النواة ويُضْرَبُ به المثل في الشئ الطفِيفِ قال تعالى : وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً « النساء : 124 » .
والنَّقِيرُ أيضاً : خَشَبٌ يُنْقَرُ ويُنْبَذُ فيه .
وهو كَرِيمُ النَّقِيرِ : أي كَرِيمٌ إذا نُقِرَ عنه أي بُحِثَ . والنَّاقُورُ : الصُّورُ ، قال تعالى : فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ « المدثر : 8 » ونَقَرْتُ الرجل : إذا صَوَّتَّ له بلسانِكَ ، وذلك بأن تُلْصِقَ لسانَك بنُقْرَةِ حَنَكِكَ .
ونَقَرْتُ الرجل : إذا خَصَصْتَهُ بالدَّعْوَةِ كأنك نَقَّرْتَ له بلسانِكَ مُشِيراً إليه ، ويقال لتلك الدَّعْوَةِ : النَّقْرَى .
ملاحظات
عرف الراغب النَّقْر بأنه قرعٌ يؤدي إلى الثقب ، قال : النَّقْرُ : قَرْعُ الشَّئ المُفْضِي إِلَى النَّقْبِ .
وهذا تكلفٌ منه يقتضي أن يُثقب كل ما ينقر فيه أو عليه ، حتى صُور الكون في قوله تعالى : فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ، لا بد أن يثقب بالنقر عليه !
نَقَصَ
النَّقْصُ : الخُسْرَانُ في الحَظِّ ، والنُّقْصَانُ المَصْدَرُ . ونَقَصْتُهُ فهو مَنْقُوصٌ . قال تعالى : وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ « البقرة : 155 » وقال : وَإنا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ « هود : 109 » ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً « التوبة : 4 » .
--------------------------- 721 ---------------------------
نَقَضَ
النَّقْضُ : انْتِثَارُ العَقْدِ مِنَ البِنَاءِ والحَبْلِ والعِقْدِ . وهو ضِدُّ الإِبْرَامِ ، يقال : نَقَضْتُ البِنَاءَ والحَبْلَ والعِقْدَ ، وقد انْتَقَضَ انْتِقَاضاً . والنِّقْضُ : المَنْقُوضُ ، وذلك في الشِّعْر أكثرُ . والنَّقْضُ كَذَلِكَ ، وذلك في البِنَاء أكثرُ ، ومنه قيل للبعير المهزول : نِقْضٌ . ومُنْتَقِض الأَرْضِ من الكَمْأَةِ : نِقْضٌ .
ومن نَقْضِ الحَبْل والعِقْد استُعِيرَ نَقْضُ العَهْدِ ، قال تعالى : الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ « الأنفال : 56 » الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله « البقرة : 27 » وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها « النحل : 91 » . ومنه المُنَاقَضَةُ في الكلام وفي الشِّعْرِ ، كنَقَائِضِ جَرِيرٍ والفرزدقِ .
والنَّقِيضَانِ مِنَ الكلامِ : ما لا يصحُّ أحدُهما مَعَ الآخَرِ ، نحو : هو كذا ، وليس بكذا في شئ واحدٍ وحالٍ واحدةٍ . ومنه : انْتَقَضَتِ القُرْحَةُ . وانْتَقَضَتِ الدَّجَاجَةُ : صَوَّتَتْ عند وَقْتِ البَيْضِ . وحقيقةُ الانْتِقَاض ليس الصوت ، إنما هو انْتِقَاضُهَا في نفسها لكي يكون منها الصَّوْتُ في ذلك الوَقْتِ فَعُبِّرَ عن الصَّوْتِ به .
وقوله : الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ « الشرح : 3 » أي كَسَرَهُ حتى صار له نَقِيضٌ . والإِنْقَاضُ : صَوْتٌ لزَجْرِ القَعُودِ ، قال الشاعر :
أَعْلَمْتُهَا الإِنْقَاضَ بَعْدَ القَرْقَرَة
ونَقِيضُ المَفَاصِلِ : صَوْتُهَا .
ملاحظات
عرَّف الخليل النقض بأنه : إفسادُ ما أبرمتَ من حبل أو بناء . وعرفه ابن فارس بأنه نكث الشئ . وعرفه الراغب بأنه : انْتِثَارُ العَقْدِ مِنَ البِنَاءِ والحَبْلِ .
وبذلك يتضح قلة معرفة الراغب بالأبعاد الدلالية لألفاظ العربية ، لأنه اختار الإنتثار ، فصار معنى النقض انتثار الأجزاء المنقوضة في الهواء أو على الأرض ! ويبدو أنه سكن في ذهنه انتثار العقد !
ومن جهة أخرى ، عبَّر عن الفعل بنتيجته أو عن المصدر باسم المصدر ، فقال : النَّقْضُ : انْتِثَارُ العَقْدِ ، وكان عليه أن يقول : النقض نثر العقد لأن الإنتثار الانتقاض ، وليس فعل النقض .
على أن خطأه الأكبر في تفسيره آية : وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ . فقد فسره عامة اللغويين : وضعنا عنك حملك الذي أثقل ظهرك . قال الجوهري « 3 / 1111 » : « وأنقض الحمل ظهره أي أثقله . وأصله الصوت ومنه قوله تعالى : الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ . والنقيض : صوت المحامل والرحال » .
لكن الراغب تكلف فأضاف اليه الكسر ! قال : أي كَسَرَهُ حتى صار له نَقِيضٌ .
كما تكلف السدي في تفسير الوزر فجعله المعصية ، ونسب الشرك إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : « قال وزره : الشرك فإنه كان على دين قومه أربعين سنة » ! « دلائل الصدق : 4 / 34 » .
أما عقيدتنا فهي أن النبي كان مسلماً على ملة إبراهيم عليهما السلام ولم يسجد لصنم قط ، وأنه معصومٌ عن المعاصي ، وعما يشين الشخصية ، قبل البعثة وبعدها .
قال الرضي في تلخيص البيان / 368 : « المراد هاهنا بوضع الوزر ليس على ما يظنه المخالفون من كونه كناية عن الذنب ، وإنما المراد به ما كان يعانيه النبي صلى الله عليه وآله من الأمور المستصعبة ، والمواقف المخطرة في أداء الرسالة ، وتبليغ النذارة من مضار قومه . وكل ذلك حَرُجَ في صدره ، وثَقُلَ على ظهره .
فقرره الله سبحانه بأنه أزال عنه تلك المخاوف كلها ، وحطَّ عن ظهره تلك الأعباء بأسرها ، وأداله من أعدائه ، وفضله على أكفائه ، وقدم ذكره على كل ذكر ، ورفع قدره على كل قدر » .
--------------------------- 722 ---------------------------
نَقَمَ
نَقِمْتُ الشَّئ ونَقَمْتُهُ : إذا أَنْكَرْتُهُ ، إما باللِّسانِ وإما بالعُقُوبةِ . قال تعالى : وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ الله « التوبة : 74 » وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِالله « البروج : 8 » هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا الآية « المائدة : 59 » .
والنِّقْمَةُ : العقوبةُ ، قال : فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِ « الأعراف : 136 » فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا « الروم : 47 » فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ « الزخرف : 25 » .
ملاحظات
في الفروق اللغوية / 83 : « نَقِمَ منه : يفيد أنه أنكر عليه إنكار من يريد عقابه ، ومنه قوله تعالى : وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِالله . وذلك أنهم أنكروا منهم التوحيد ، وعذبوهم عليه في الأخدود . وقال تعالى : وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ . ولهذا المعنى سمي العقاب انتقاماً » .
نَكَبَ
نَكَبَ عن كذا : أي مَالَ ، قال تعالى : عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ « المؤمنون : 74 » . والمَنْكِبُ : مُجْتَمَعُ ما بين العَضُدِ والكَتِفِ ، وجمْعُه مَنَاكِبُ ، ومنه استُعِيرَ للأَرْضِ . قال تعالى : فَامْشُوا فِي مَناكِبِها « الملك : 15 » واسْتِعَارَةُ المَنْكِبِ لها كاسْتِعَارَةُ الظَّهْرِ لها في قوله : ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ « فاطر : 45 » .
ومَنْكِبُ القومِ : رَأْسُ العُرَفَاءِ ، مُسْتَعَارٌ مِنَ الجَارِحَةِ اسْتِعَارَةَ الرَّأْسِ للرَّئِيسِ ، والْيَدِ لِلنَّاصِرِ . ولِفُلَانٍ النِّكَابَةُ في قَوْمِهِ ، كقولهم : النِّقَابَةُ . والأَنْكَبُ : المَائِلُ المَنْكِبِ ، ومن الإبل : الذي يَمْشِي في شِقٍّ . والنَّكَبُ : داءٌ يأْخُذُ في المَنْكِبِ .
والنَّكْبَاءُ : رِيحٌ نَاكِبَةٌ عَنِ المَهَبِّ . ونَكَبَتْهُ حَوَادِثُ الدَّهْرِ : أي هَبَّتْ عليه هُبُوبَ النَّكْبَاءِ .
ملاحظات
أخذ الراغب تعريف النَّكْب بالمَيْل من ابن فارس ، وهو يُستعمل في الميل لكنه أوسع منه ، فأهل العراق يستعملون : أُنْكُبِي الطعام ، بمعنى صُبِّيهِ من القدر .
قال الخليل « 5 / 385 » : « النكب : شِبْهُ مَيلٍ . والنكب : اجتنابك الشئ تنتكب عنه وتنكب عنه . والمنكب : كل ناحية من الجبال أو الأرض . والمنكب : مجمع عظم العضد والكتف وحبل العاتق .
نَكَثَ
النَّكْثُ : نَكْثُ الأَكْسِيَةِ والغَزْل . قريبٌ من النقض . واستُعِيرَ لِنَقْضِ العهد قال تعالى : وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ « التوبة : 12 » إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ « الأعراف : 135 » والنِّكْثُ كالنِّقْضِ والنَّكِيثَةُ كالنَّقِيضَةُ ، وكل خَصْلة يَنْكُثُ فيها القومُ يقال لها : نَكِيثَةٌ . قال الشاعر : مَتَى يَكُ أَمْرٌ لِلنَّكِيثَةِ أَشْهَد .
نَكَحَ
أصل النِّكاح : للعَقْدِ ، ثم استُعِيرَ للجِماع . ومُحالٌ أن يكونَ في الأصلِ للجِمَاعِ ثم استعير للعَقْد ، لأن أسماءَ الجِمَاعِ كلهَا كِنَايَاتٌ لاسْتِقْبَاحِهِمْ ذكرَهُ كاسْتِقْبَاحِ تَعَاطِيهِ .
ومحالٌ أن يَسْتَعِيرَ منَ لا يَقْصِدُ فحْشاً إسمَ ما يَسْتَفْظِعُونَهُ لما يَسْتَحْسِنُونَهُ . قال تعالى : وَأَنْكِحُوا الْأَيامى « النور : 32 » إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ « الأحزاب : 49 » فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ « النساء : 25 » إلى غير ذلك من الآيات .
نَكَدَ
النَكَدُ : كل شئ خَرَجَ إلى طالبِهِ بتعسُّر ، يقال : رَجُلٌ نَكَدٌ ونَكِدٌ . ونَاقَةٌ نَكْدَاءُ : طَفِيفَةُ الدَّرِّ صَعْبَةُ الحَلْبِ . قال تعالى : وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً . « الأعراف : 58 » .
ملاحظات
أخذ الراغب تعريف النكد بالعسر من ابن فارس وقد
--------------------------- 723 ---------------------------
تفردا به ، وأخطآ ، لأنهما عرفاه بمورد واحد من موارد استعماله العديدة . وأصاب معناه جمهرة اللغويين .
قال الخليل « 5 / 331 » : « النكد : اللؤم والشؤم ، وكل شئ جَرَّ على صاحبه شراً فهو نَكَدٌ ، وصاحبه : أنكدُ نكِدٌ ، ورجالٌ نَكْدَى ونُكْدٌ . والنكد : قلة العطاء وألا يُهَنِّأه من يعطاه » .
وقال الجوهري « 2 / 545 » : « ورجل نَكِدٌ ، أي عسر . وقوم أنكاد ومناكيد . وناكده فلان ، وهما يتناكدان إذا تعاسرا . والأنكد : المشؤوم » .
2 . ورد استعمال النكد في القرآن في قوله تعالى : وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ . « الأعراف : 57 » .
وفسرها عامة المفسرين بأنها مقابلة بين الأرض العذبة والأرض السبخة . وهي مقابلة بين البلد الطيب الأرض ، والشئ الخبيث .
ثم فسروا خروج النبات فيهما بالنبات في الدنيا ، مع أنه خروج الناس من الأرض في الحشر ، بقرينة أنه جاء بعد قوله تعالى : كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى . وفي الموضوع آيات وتفصيل تعرضنا لها في كتاب : الولادات الثلاث .
ومعنى الآية : أن الله هو الذي أنزل ماء المطر على الأرض فأخرجت أنواع الثمار ، فكذلك يرسل ماء المطر عليها قبل الحشر فتنمو فيها أجسادكم . فأما المجموعات المؤمنة « البلد الطيب » فتخرج من قبورها إلى المحشر طيبة بإذن ربها . وأما الشخص الخبيث فلا يمكن أن يخرج إلى المحشر إلا نكداً مشؤوماً .
نَكَرَ
الإِنْكَارُ : ضِدُّ العِرْفَانِ . يقال : أَنْكَرْتُ كذا ونَكَرْتُ ، وأصلُه أن يَرِدَ على القَلْبِ ما لا يتصوَّره وذلك ضَرْبٌ من الجَهْلِ . قال تعالى : فَلما رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ « هود : 70 » فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ « يوسف : 58 » .
وقد يُستعمَلُ ذلك فيما يُنْكَرُ باللسانِ ، وسَبَبُ الإِنْكَارِ باللسانِ هو الإِنْكَارُ بالقلبِ ، لكن ربما يُنْكِرُ اللسانُ الشئ وصورتُه في القلب حاصلةٌ ويكون في ذلك كاذباً . وعلى ذلك قوله تعالى : يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ الله ثُمَّ يُنْكِرُونَها « النحل : 83 » فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ « المؤمنون : 69 » أَيَّ آياتِ الله تُنْكِرُونَ « غافر : 81 » .
والمُنْكَرُ : كل فِعْلٍ تحكُم العقولُ الصحيحةُ بقُبْحِهِ ، أو تتوقَّفُ في استقباحِهِ واستحسانه العقولُ فتحكم بقبحه الشريعة . وإلى ذلك قصد بقوله : الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ « التوبة : 112 » كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ « المائدة : 79 » وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ « آل عمران : 104 » وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ « العنكبوت : 29 » .
وتَنْكِيرُ الشَّئ : من حيثُ المعنى جعْلُه بحيث لا يُعْرَفُ ، قال تعالى : نَكِّرُوا لَها عَرْشَها « النمل : 41 » وتعريفُه : جعْلُه بحيث يُعْرَفُ . واستعمال ذلك في عبارة النحويِّين هو أن يُجْعَلَ الاسم على صِيغَةٍ مخصوصةٍ .
ونَكَرْتُ على فُلَانٍ وأَنْكَرْتُ : إذا فَعَلْتُ به فِعْلًا يَرْدَعُهُ . قال تعالى : فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ « الملك : 18 » أي إِنْكَارِي .
والنُّكْرُ : الدهاءُ والأمْرُ الصَّعْبُ الذي لا يُعْرَفُ ، وقد نَكَرَ نَكَارَةً ، قال تعالى : يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَئ نُكُرٍ « القمر : 6 » . وفي الحديث : إِذَا وُضِعَ الميتُ فِي القَبْرِأَتَاهُ مَلَكَانِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ ، واستُعِيرَتِ المُنَاكَرَةُ للمُحَارَبَةِ .
ملاحظات
تعريف الراغب للإنكار بأنه غير العرفان ، مبهم ، وقد عرفه اللغويون بأنه ضد المعرفة ، فمعنى نكره وأنكره : لم يعرفه . لكن العامة يفهمون من أنكره : جحده !
--------------------------- 724 ---------------------------
أما الجُحود : فيقال لمن أنكر الأمر بلسانه وعرفه بقلبه فيسمى جاحداً ، وإنكاره جحوداً .
نَكَسَ
النَّكْسُ : قَلْبُ الشئ عَلَى رَأْسِهِ ، ومنه نُكِسَ الوَلَدُ : إذا خَرَجَ رِجْلُهُ قَبْلَ رَأْسِهِ ، قال تعالى : ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ « الأنبياء : 65 » . والنُّكْسُ في المَرَضِ أن يَعُودَ في مَرَضِهِ بعد إِفَاقَتِهِ . ومن النَّكْسِ في العُمُرِ قال تعالى : وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ « يس : 68 » وذلك مثل قوله : وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ « النحل : 70 » وقرئ : ننكسه . قال الأخفش : لا يكاد يقال نَكَّسْتُهُ بالتشْدِيدِ إلّا لما يُقْلَبُ فيُجْعَلُ رأسُهُ أسْفَلَهُ . والنِّكْسُ : السَّهْمُ الذي انكَسَرَ فوقُه ، فجُعِلَ أَعْلَاهُ أسْفَلَه فيكون رديئاً ، ولِرَدَاءَتِهِ يُشَبَّهُ به الرجل الدَّنِئ .
نَكَصَ
النُّكُوصُ : الإِحْجَامُ عن الشئ . قال تعالى : نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ . « الأنفال : 48 » .
نَكَفَ
يقال : نَكَفْتُ من كذا واسْتَنْكَفْتُ منه : أَنِفْتُ . قال تعالى : لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ « النساء : 172 » وأما الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا « النساء : 173 » . وأصله من : نَكَفْتُ الشئ : نَحَّيْتُهُ ، ومن النَّكْفِ وهو تَنْحِيَةُ الدَّمْعِ عن الخَدِّ بِالإِصْبَعِ ، وبَحْرٌ لا يُنْكَفُ ، أي لا يُنْزَحُ .
والانْتِكَافُ : الخُرُوجُ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ .
ملاحظات
قال الخليل « 5 / 383 » : « الاستنكاف عند العامة : الأنَفَ ، وإنما هو الامتناع والانقباض عن الشئ حمية وعزة » .
« والأنَفُ من هذا كأنه شمخ بأنفه دونه » . « ابن فارس : 5 / 478 » .
نَكَلَ
يقال : نَكَلَ عَنِ الشَّئ : ضَعُفَ وعَجَزَ ، ونَكَلْتُهُ : قَيَّدْتُهُ ،
والنِّكْلُ : قَيْدُ الدَّابَّةِ ، وحديدةُ اللِّجَامِ ، لكونهما مانِعَيْنِ ،
والجمْعُ : الأَنْكَالُ . قال تعالى : إن لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً « المزمل : 12 »
ونَكَّلْتُ به : إذا فَعَلْتُ به ما يُنَكَّلُ به غيرُه ، واسم ذلك الفعل نَكَالٌ ، قال تعالى : فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها « البقرة : 66 » . وقال : جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ الله « المائدة : 38 » . وفي الحديث : إن الله يُحِبُّ النَّكَلَ عَلَى النَّكَلِ ، أي الرجل القَوِيَّ عَلَى الفَرَسِ القَوِيِّ .
ملاحظات
قال الخليل « 5 / 372 » : « النكول عن اليمين : الامتناع منها . والنَّكال : إسمٌ لما جعلته نكالاً لغيره ، إذا بلغه أو رآه ، خاف أن يعمل عمله » .
نَمَّ
النَّمُّ : إِظْهَارُ الحَدِيثِ بِالوِشَايَةِ . والنَّمِيمَةُ : الوِشَايَةُ ، ورَجُلٌ نَمَّامٌ ، قال تعالى : هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ « القلم : 11 » .
وأصل النَّمِيمَةِ : الهَمْسُ والحَرَكَةُ الخَفِيفَةُ ، ومنه : أَسْكَتَ الله نَامَّتَهُ ، أي ما يَنِمُّ عليه مِنْ حَرَكَتِهِ .
والنَّمَّامُ : نَبْتٌ يَنِمُّ عليه رَائِحَتُهُ . والنَّمْنَمَةُ : خُطُوطٌ مُتَقَارِبَةٌ ، وذلك لقِلَّةِ الحَرَكَةِ من كاتِبِهَا في كِتَابَتِهِ .
نَمَلَ
قال تعالى : قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ « النمل : 18 » وطَعَامٌ مَنْمُولٌ : فيه النَّمْلُ ، والنَّمْلَةُ : قُرْحَةٌ تَخْرُجُ بالجَنْبِ تشبيهاً بالنَّمْلِ في الهَيْئَةِ . وشَقٌّ في الحافِر ، ومنه : فَرَسٌ نَمِلُ القَوَائِمِ : خَفِيفُهَا . ويُستعارُ النَّمْلُ للنَّمِيمَةِ تَصَوُّراً لدَبِيبِهِ ، فيقال : هو نَمِلٌ ، وذُو نَمْلَةٍ ، ونَمَّالٌ ، أي نَمَّامٌ .
وتَنَمَّلَ القَوْمُ : تَفَرَّقُوا للجَمْعِ تَفَرُّقَ النَّمْلِ ، ولذلك يقال : هُوَ أَجْمَعُ مِنْ نَمْلَةٍ . والأُنْمُلَةُ : طَرَفُ الأَصَابِعِ ، وجمْعُه : أَنَامِلُ .
نَهَجَ
النَّهْجُ : الطريقُ الوَاضِحُ ، ونَهَجَ الأمْرُ وأَنْهَجَ : وَضَحَ .
--------------------------- 725 ---------------------------
ومَنْهَجُ الطرِيقِ ومِنْهَاجُهُ . قال تعالى : لِكل جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً « المائدة : 48 » ومنه قولهم : نَهَجَ الثَّوْبُ وأَنْهَجَ : بَانَ فِيهِ أَثَرُ البِلَى ، وقد أَنْهَجَهُ البِلَى .
نَهَرَ
النَّهْرُ : مَجْرَى الماءِ الفَائِضِ ، وجمْعُه أَنْهَارٌ ، قال تعالى : وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً « الكهف : 33 » وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلًا « النحل : 15 » وجعل الله تعالى ذلك مثلاً لما يَدِرُّ من فَيْضِهِ وفَضْلِهِ في الجنَّة على الناس . قال تعالى : إن الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ « القمر : 54 » وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً « نوح : 12 » جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ « المائدة : 119 » .
والنهر : السعة تشبيهاً بنهر الماء ، ومنه : أَنْهَرْتُ الدَّمَ ، أي أسلته إسالة ، وأَنْهَرَ الماءُ : جرى . ونَهْرٌ نَهِرٌ : كثير الماء ، قال أبو ذؤيب : أقامتْ به فابْتَنَتْ خيمةً . على قَصَبٍ وفُرَاتٍ نَهِر
والنهارُ : الوقت الذي ينتشر فيه الضوء ، وهو في الشرع : ما بين طلوع الفجر إلى وقت غروب الشمس ، وفي الأصل ما بين طلوع الشمس إلى غروبها . قال تعالى : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً « الفرقان : 62 » وقال : أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً « يونس : 24 » . وقابل به البيات في قوله : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً « يونس : 50 » .
ورجل نَهِرٌ : صاحب نهار . والنهار : فرخ الحبارى . والمنهرة : فضاء بين البيوت كالموضع الذي تلقى فيه الكناسة . والنَّهْرُ والإنتهارُ : الزجر بمغالظة ، يقال : نَهَرَهُ وانتهره ، قال : فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما « الإسراء : 23 » وأما السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ « الضحى : 10 » .
ملاحظات
قال الراغب : « النَّهْرُ : مَجْرَى الماءِ الفَائِضِ . قال تعالى : وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً » ! فنقض كلامه بالآية لأنها في تفجير الماء في مجراه وليس تفجير مجراه .
فالنهر : الماء في المجرى وليس المجرى . قال ابن فارس « 5 / 362 » : « وسمي النهر لأنه ينهر الأرض أي يشقها . واستنهر النهر : أخذ مجراه ، وأنهر الماء : جرى » .
نَهَى
النهي : الزجر عن الشئ ، قال تعالى : أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى « العلق : 9 » وهو من حيث المعنى لا فرق بين أن يكون بالقول أو بغيره ، وما كان بالقول فلا فرق بين أن يكون بلفظة إفعل نحو : إجتنب كذا ، أو بلفظة لا تفعل . ومن حيث اللفظ هو قولهم : لا تفعل كذا ، فإذا قيل لا تفعل كذا فنهيٌ من حيث اللفظ والمعنى جميعاً ، نحو قوله تعالى : وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ « البقرة : 35 » ولهذا قال : ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ « الأعراف : 20 » .
وقوله : وإما مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى « النازعات : 40 » فإنه لم يَعْنِ أن يقول لنفسه : لا تفعلي كذا ، بل أراد قمعها عن شهوتها ودفعها عما نزعت إليه وهمت به .
وكذا النهي عن المنكر : يكون تارةً باليد وتارةً باللسان وتارةً بالقلب . قال تعالى : أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا « هود : 62 » وقوله : إن الله يَأْمُرُ إلى قوله : وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ « النحل : 90 » أي يحث على فعل الخير ويزجر عن الشر ، وذلك بعضه بالعقل الذي ركبه فينا ، وبعضه بالشرع الذي شرعه لنا .
والإنتهَاءُ : الانزجار عما نهى عنه ، قال تعالى : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ « الأنفال : 38 » وقال : لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا « مريم : 46 » . وقال : لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ « الشعراء : 116 » فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ « المائدة : 91 » فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ « البقرة : 275 » أي بلغ به نهايته .
--------------------------- 726 ---------------------------
والإنهاء : في الأصل إبلاغ النهي ، ثم صار متعارفاً في كل إبلاغ فقيل : أنهيت إلى فلان خبر كذا ، أي بلغت إليه النهاية .
وناهيك من رجل كقولك : حسبك ، ومعناه : أنه غاية فيما تطلبه ، وينهاك عن تطلب غيره . وناقة نِهْيَة : تناهت سمناً .
والنُّهيَةُ : العقل الناهي عن القبائح ، جمعها نُهًى . قال تعالى : إن فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى « طه : 54 » . وتَنْهِيَةُ الوادي حيث ينتهي إليه السيل . ونَهَاءُ النهار : ارتفاعه .
وطلب الحاجة حتى نُهِيَ عنها ، أي انتهى عن طلبها ، ظفر بها أو لم يظفر .
نَوَبَ
النَّوْب : رجوع الشئ مرة بعد أخرى ، يقال : نَابَ نَوْباً ونَوْبَة . وسمي النحل نُوباً لرجوعها إلى مقارها .
نَابَتْهُ نائبة ، أي حادثة من شأنها أن تنوب دائباً .
والإنابة إلى الله تعالى : الرجوع إليه بالتوبة وإخلاص العمل ، قال تعالى : وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ « ص : 24 » وَإِلَيْكَ أَنَبْنا « الممتحنة : 4 » وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ « الزمر : 54 » مُنِيبِينَ إِلَيْهِ « الروم : 31 » . وفلان ينتاب فلاناً ، أي يقصده مرة بعد أخرى .
ملاحظات
1 . فسرت مصادرنا العبد المنيب بالراجع إلى الله تعالى ، المتفكر في بدائع صنعه .
وفسر اللغويون الإنابة بالرجوع إلى الله ، وزاد بعضهم أنها الرجوع مرة بعد أخرى . قال الخليل « 8 / 379 » : « النَّوْبُ : القُرب خلاف البعد ، هذلية » أي لغة هذيل .
وقال ابن فارس « 5 / 367 » : « نَوْب : تدل على اعتياد مكان ورجوع إليه » .
وقال الجوهري « 1 / 228 » : « أناب إلى الله ، أي أقبل وتاب » .
2 . استعمل القرآن هذه المادة في بضع عشرة آية ، فوصف بها رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله : ذَلِكُمُ الله رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ .
ووصف بها إبراهيم عليه السلام بقوله : إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَاهٌ مُنِيبٌ .
وشعيباً عليه السلام بقوله : إِنْ أُرِيدُ إِلا الآصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلا بِالله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ .
وداود عليه السلام بقوله : وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ .
وسليمان عليه السلام بقوله : وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ .
وقال إنها سبيل الأنبياء عليهم السلام والمؤمنين : وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ .
وأمر المسلمين بالإنابة : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله . . مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ .
وجعلها شرطاً للهداية : وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلا مَنْ يُنِيبُ . الله يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ .
3 . الإنابة في القرآن والسنة رجوع خاص ، عن الكفر إلى الإيمان ، وعن المعصية إلى الطاعة وهو غير التوبة ، لكنه مقدمةٌ لها . فقد وردت التوبة والأوبة بعد الإنابة .
قال الإمام زين العابدين عليه السلام « الصحيفة / 164 » : « فَأَمَّا الْعَاصِي أَمْرَكَ والْمُوَاقِعُ نَهْيَكَ ، فَلَمْ تُعَاجِلْه بِنَقِمَتِكَ لِكَيْ يَسْتَبْدِلَ بِحَالِه فِي مَعْصِيَتِكَ حَالَ الإِنَابَةِ إِلَى طَاعَتِكَ » .
وقال في الصحيفة / 66 ، و 84 : « وارْزُقْنِي حُسْنَ الإِنَابَةِ ، وطَهِّرْنِي بِالتَّوْبَةِ » . فالإنابة حالةُ عقلانيةٍ وتقوىً ، متفاوتة في الحُسْن : « أسألك في هذه الليلة الإجابة وحسن الإنابة والتوبة والأوبة » . « مصباح المتهجد / 834 » .
نَوَحَ
نُوحٌ : اسم نبي . والنَّوْح : مصدر ناح أي صاح بعويل ،
--------------------------- 727 ---------------------------
يقال : ناحت الحمامة نَوْحاً .
وأصل النَّوْح : اجتماع النساء في المَنَاحَة ، وهو من التناوح أي التقابل ، يقال : جبلان يتناوحان ، وريحان يتناوحان ، وهذه الرّيح نَيْحَة تلك ، أي مقابلتها ، والنَّوَائِح : النساء ، والمَنُوح : المجلس .
ملاحظات
اسم نوح عليه السلام سرياني ، ولغته عليه السلام السريانية . فالقول باشتقاقه من النَّوْح يتوقف على إثبات أن النَّوْح في العربية نفسه في السريانية .
نَوَرَ
النور : الضوء المنتشر الذي يعين على الإبصار وذلك ضربان دنيوي وأخروي ، فالدنيوي ضربان : ضرب معقول بعين البصيرة ، وهو ما انتشر من الأمور الإلهية كنور العقل ونور القرآن . ومحسوس بعين البصر وهو ما انتشر من الأجسام النيرة كالقمرين والنجوم والنيرات .
فمن النور الإلهي قوله تعالى : قَدْ جاءَكُمْ مِنَ الله نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ « المائدة : 15 » وقال : وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها « الأنعام : 122 » وقال : ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا « الشورى : 52 » .
وقال : أَفَمَنْ شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ « الزمر : 22 » وقال : نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ « النور : 35 » ومن المحسوس الذي بعين البصر نحو قوله : هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً « يونس : 5 » .
وتخصيص الشمس بالضوء والقمر بالنور من حيث أن الضوء أخص من النور ، قال : وَقَمَراً مُنِيراً « الفرقان : 61 » أي ذا نور .
ومما هو عامٌّ فيهما قوله : وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ « الأنعام : 1 » وقوله : وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ « الحديد : 28 » وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها « الزمر : 69 » .
ومن النور الأخروي قوله : يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ « الحديد : 12 » وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا « التحريم : 8 » انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ « الحديد : 13 » فَالْتَمِسُوا نُوراً « الحديد : 13 » .
ويقال : أنار الله كذا ونَوَّرَه .
وسمى الله تعالى نفسه نوراً من حيث إنه هو المُنَوِّر ، قال : الله نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « النور : 35 » وتسميته تعالى بذلك لمبالغة فعله .
والنَّارُ : تقال للهيب الذي يبدو للحاسة ، قال : أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ « الواقعة : 71 » وقال : مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً « البقرة : 17 » .
وللحرارة المجردة ، ولنار جهنم المذكورة في قوله : النَّارُ وَعَدَهَا الله الَّذِينَ كَفَرُوا « الحج : 72 » وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ « البقرة : 24 » نارُ الله الْمُوقَدَةُ « الهمزة : 6 » وقد ذكر ذلك في غير موضع . ولنار الحرب المذكورة في قوله : كلما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ « المائدة : 64 » .
وقال بعضهم : النار والنور من أصل واحد ، وكثيراً ما يتلازمان ، لكن النار متاع للمقوين في الدنيا ، والنور متاع لهم في الآخرة ، ولأجل ذلك استعمل في النور الإقتباس فقال : نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ « الحديد : 13 » . وتنوَّرْتُ ناراً : أبصرتها ، والمَنَارَة : مفعلة من النور ، أو من النار كمنارة السراج ، أو ما يُؤَذَّنُ عليه . ومَنَارُ الأرض : أعلامها .
والنَّوَار : النفور من الريبة ، وقد نَارَتِ المرأة تَنُور نَوْراً ونَوَاراً ، ونَوْرُ الشجر ونُوَّارُهُ تشبيهاً بالنور . والنَّوْرُ : ما يتّخذ للوشم يقال : نَوَّرَت المرأة يدها ، وتسميته بذلك لكونه مظهراً لنور العضو .
--------------------------- 728 ---------------------------
نَوَسَ
النَّاس : قيل أصله أُنَاس ، فحذف فاؤه لما أدخل عليه الألف واللام . وقيل : قُلِبَ من نسي ، وأصله إنسيان على إفعلان . وقيل : أصله من نَاسَ يَنُوس إذا اضطرب .
ونِسْتُ الإبل : سقتها . وقيل ذو نواس : ملك كان ينوس على ظهره ذؤابة فسمي بذلك ، وتصغيره على هذا نويس .
قال تعالى : قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . والناس قد يذكر ويراد به الفضلاء دون من يتناوله اسم الناس تجوزاً ، وذلك إذا اعتبر معنى الإنسانية ، وهو وجود العقل والذكر وسائر الأخلاق الحميدة ، والمعاني المختصة به ، فإن كل شئ عدم فعله المختص به لا يكاد يستحق اسمه كاليد ، فإنها إذا عدمت فعلها الخاص بها فإطلاق اليد عليها كإطلاقها على يد السرير ورجله . فقوله : آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ « البقرة : 13 » أي كما يفعل من وجد فيه معنى الإنسانية ، ولم يقصد بالإنسان عيناً واحداً بل قصد المعنى ، وكذا قوله : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ « النساء : 54 » أي من وجد فيه معنى الإنسانية أيَّ إنسان كان ، وربما قصد به النوع كما هو . وعلى هذا قوله : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ .
نَوَشَ
النَّوْش : التناول ، قال الشاعر :
تَنُوشُ البُرَيْرَ حيثُ طابَ اهتصارُها
البرير : ثمر الطلح . والإهتصار الإمالة ، يقال هصرت الغصن إذا أملته ، وتناوش القوم كذا : تناولوه .
قال تعالى : وَأنى لَهُمُ التناوُشُ « سبأ : 52 » أي كيف يتناولون الإيمان من مكان بعيد ولم يكونوا يتناولونه عن قريب في حين الاختيار والانتفاع بالإيمان ، إشارة إلى قوله : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها . الآية « الأنعام : 158 » ومن هَمَزَ فإما أنه أبدل من الواو همزة نحو : أقتت في وُقِّتَت ، وأدؤر في أدور ، وإما أن يكون من النأش ، وهو الطلب .
ملاحظات
المتبادر من التناوش : تناول الشئ بصعوبة .
قال الخليل « 6 / 286 » : « ناشت الظبية الأراك تنوشه وتنتاشه : أي تناولته » .
نَوَصَ
نَاصَ إلى كذا : التجأ إليه ، وناصَ عنه : ارتد ، يَنُوصُ نَوْصاً . والمناص : الملجأ . قال تعالى : وَلاتَ حِينَ مَناصٍ « ص : 3 » .
ملاحظات
أصل المناص : أن الفرس تنوص عند الكبح والتحريك . قال الجوهري « 3 / 1060 » : « وقال الله تعالى : ولات حين مناص أي ليس وقت تأخر وفرار » .
نَيْل
النَّيْلُ : ما يناله الإنسان بيده ، نِلْتُهُ أَنَالُهُ نَيْلاً . قال تعالى : لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ « آل عمران : 92 » وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا « التوبة : 120 » لَمْ يَنالُوا خَيْراً « الأحزاب : 25 » .
والنَّوْلُ : التناول ، يقال : نِلْتُ كذا أَنُولُ نَوْلاً ، وأَنَلْتُهُ : أوليته ، وذلك مثل : عطوت كذا : تناولت . وأعطيته : أنلته . ونِلْتُ : أصله نَوِلْتُ على فَعِلْتُ ، ثم نقل إلى فُلْتُ .
ويقال : ما كان نَوْلُكَ أن تفعل كذا . أي ما فيه نَوَال صلاحك ، قال الشاعر : جزعتُ وليسَ ذلكَ بِالنَّوَالِ
قيل معناه بصواب . وحقيقة النوال : ما يناله الإنسان من الصلة ، وتحقيقه : ليس ذلك مما تنال منه مراداً ، وقال تعالى : لَنْ يَنالَ الله لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التقْوى مِنْكُمْ « الحج : 37 » .
نَوْم
النَّوْم : فُسِّرَ على أوجه كلها صحيح بنظرات مختلفة .
--------------------------- 729 ---------------------------
قيل : هو استرخاء أعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد إليه . وقيل : هو أن يتوفى الله النفس من غير موت ، قال تعالى : الله يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ الآية « الزمر : 42 » .
وقيل : النوم موت خفيف ، والموت نوم ثقيل .
ورجل نؤوم ونُوَمَة : كثير النوم . والمَنَام : النوم قال تعالى : وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ « الروم : 23 » وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً « النبأ : 9 » لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ « البقرة : 255 » .
والنُّوَمَة أيضاً : خامل الذكر . واستنام فلان إلى كذا : اطمأن إليه . والمنامة : الثوب الذي ينام فيه .
ونامت السوق : كسدت . ونام الثوب : أخلق أو خلق معاً ، واستعمال النوم فيهما على التشبيه .
نُون
النون : الحرف المعروف ، قال تعالى : ن . وَالْقَلَمِ .
والنون : الحوت العظيم ، وسمي يونس ذا النون في قوله : وَذَا النُّونِ « الأنبياء : 87 » لأن النون كان قد التقمه . وسمي سيف الحارث بن ظالم ذا النون .
نَاءَ
يقال : ناء بجانبه ينوءُ ويُناء . قال أبو عبيدة : ناء مثل ناعَ ، أي نهض ، وأَنَأْتُهُ : أنهضته . قال تعالى : ما إن مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ « القصص : 76 » .
ملاحظات
أخذ الراغب هذه المادة من الخليل وخرب عبارتها ففسرها بالنهوض ، والفرق كبير بين نهض وناءَ ، أي ترنَّحَ في نُهوضه ! قال الخليل « 8 / 391 » : « والشئ إذا مال إلى السقوط تقول : ناء ينوء نَوْءً بوزن نَاعَ . وإذا نهض في تثاقل يقال : ناء ينوء به نوءً إذا أطاقه . وقوله تعالى : مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ، أي بأربعين رجلاً ، تكاد تعجز بحمله » . وقال ابن فارس « 5 / 366 » : « وكل ناهض بثقل فقد ناء . وناء البعير بحمله » .
نَأَى
يقال : نأى بجانبه ، قال أبو عمرو : نأى يَنْأَى نَأْياً ، مثل نعى : أعرض . وقال أبو عبيدة : تباعد . وقرئ : نَأى بِجانِبِهِ « الإسراء : 83 » مثل نعى ، أي نهض به ، عبارة عن التكبر كقولك : شمخ بأنفه ، وازْوَرَّ بجانبه .
وانتأى : افتعل منه ، والمنتأى : الموضع البعيد ، وقرئ : وَنَأَى بِجَانِبِهِ « الإسراء : 83 » أي تباعد . ومنه : النُّؤي : لحفيرة حول الخباء تباعد الماء عنه .
والنية : تكون مصدراً وإسماً من نويت ، وهي توجه القلب نحو العمل وليس من ذلك بشئ .
تم كتاب النون
--------------------------- 730 ---------------------------
كتاب الهاء وما يتصل بها
هَبَطَ
الهُبُوط : الإنحدار على سبيل القهر كهبوط الحجر . والهَبُوط بالفتح : المنحدر . يقال : هَبَطْتُ أنا ، وهَبَطْتُ غيري ، يكون اللازم والمتعدي على لفظ واحد . قال تعالى : وَإن مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله « البقرة : 74 » .
يقال : هَبَطْتُ وهَبَطْتُهُ هَبْطاً . وإذا استعمل في الإنسان الهُبُوط فعلى سبيل الاستخفاف بخلاف الإنزال ، فإن الإنزال ذكره تعالى في الأشياء التي نبه على شرفها ، كإنزال الملائكة والقرآن والمطر وغير ذلك .
والهَبُوطُ : ذكر حيث نبه على الغض نحو : وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ « البقرة : 36 » فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها « الأعراف : 13 » اهْبِطُوا مِصْراً فَإن لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ « البقرة : 61 » . وليس في قوله : فَإن لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ . تعظيم وتشريف ، ألا ترى أنه تعالى قال : وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ الله « البقرة : 61 » وقال جل ذكره : قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً « البقرة : 38 » .
ويقال : هَبَطَ المَرَضُ لحمَ العليل : حَطَّهُ عنه . والهَبِيط : الضامر من النوق وغيرها ، إذا كان ضمره من سوء غذاء وقلة تفقد .
ملاحظات
أدخلَ الراغب من عنده عنصري الإجبار والذم في الهبوط ، وذلك من فهمه آيات هبوط آدم وإبليس ! لكن الله تعالى قال : قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ . وهي مدح لا ذم . وقال : إهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ . وكان مطلبهم ذلك وليس فيها إجبار .
وقد أجاد الخليل في قوله « 4 / 21 » : « هبط الإنسان يهبط : إذا انحدر في هبوط من صعود . والهَبْطَة : ما تطامن من الأرض . وقد هبطنا أرض كذا وكذا ، أي نزلناها » .
--------------------------- 731 ---------------------------
وقال الجوهري « 3 / 1169 » : « وهبطه هبطاً ، أي أنزله ، يتعدى ولا يتعدى » .
هَبَا
هَبَا الغبار يَهْبُو : ثار وسطع ، والهَبْوَة كالغَبَرَة .
والهَبَاءُ : دِقَاقُ التراب وما نبت في الهواء فلا يبدو إلا في أثناء ضوء الشمس في الكوة . قال تعالى : فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً « الفرقان : 23 » فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا . « الواقعة : 6 » .
هَجَدَ
الهُجُود : النوم ، والهَاجِد : النائم ، وهجدته فتهجد : أزلت هجوده نحو مرَّضته . ومعناه : أيقظته فتيقظ .
وقوله : وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ « الإسراء : 79 » أي تيقظ بالقرآن ، وذلك حثٌّ على إقامة الصلاة في الليل المذكور في قوله : قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ « المزمل : 2 » .
والمتهجد : المصلي ليلاً .
وأهجد البعير : ألقى جرانه على الأرض متحرِّياً للهجود .
ملاحظات
عبر الراغب بتيقظ بدل استيقظ ، وجعل التهجد مشروطاً بشرط إيقاظِ آخَرٍ لهُ ! وليته أخذ عبارة الخليل البليغة حيث قال « 3 / 385 » : « هجد القوم هجوداً ، أي ناموا . وتهجدوا أي استيقظوا لصلاة أو لأمر . وقوله تعالى : وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ ، أي بالقرآن في الصلاة ، أي انْتَبَهَ بعد النوم » .
فقد فرق الخيل بين هجد وتهجد ، وهو الصحيح ، وجعلهما الجوهري واحداً ، ولوكانا واحداً لصح استعمال هجد للسهر والتعبد ، ولم أجده في استعمال العرب .
هَجَرَ
الهَجْرُ والهِجْرَان : مفارقة الإنسان غيره ، إما بالبدن أو باللسان أو بالقلب . قال تعالى : وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ « النساء : 34 » كناية عن عدم قربهن . وقوله تعالى : إن قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً « الفرقان : 30 » فهذا هَجْر بالقلب أو بالقلب واللسان .
وقوله : وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا « المزمل : 10 » يحتمل الثلاثة ، ومدعوٌّ إلى أن يتحرى أي الثلاثة إن أمكنه مع تحري المجاملة . وكذا قوله تعالى : وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا « مريم : 46 » .
وقوله تعالى : وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ « المدثر : 5 » فحثٌّ على المفارقة بالوجوه كلها .
والمُهاجَرَةُ في الأصل : مصارمة الغير ومتاركته من قوله عز وجل : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا « الأنفال : 74 » وقوله : لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ « الحشر : 8 » . وقوله : وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى الله « النساء : 100 » فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ الله « النساء : 89 » .
فالظاهر منه الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان كمن هاجر من مكة إلى المدينة ، وقيل : مقتضى ذلك هجران الشهوات والأخلاق الذميمة والخطايا وتركها ورفضها .
وقوله : إني مُهاجِرٌ إِلى رَبِي « العنكبوت : 26 » أي تارك لقومي وذاهب إليه . وقوله : أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها « النساء : 97 » وكذا المجاهدة تقتضي مع العدى مجاهدة النفس كما روي في الخبر : رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، وهومجاهدة النفس .
وروي : هاجروا ولا تهجِّروا ، أي كونوا من المهاجرين ، ولا تتشبهوا بهم في القول دون الفعل .
والهُجْرُ : الكلام القبيح المهجور لقبحه . وفي الحديث : ولا تقولوا هُجْراً .
وأَهْجَرَ فلان : إذا أتى بهجر من الكلام عن قصد .
وهَجَرَ المريض : إذا أتى ذلك من غير قصد ، وقرئ :
--------------------------- 732 ---------------------------
مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ « المؤمنون : 67 » ، وقد يشبه المبالغ في الهجر بالمُهْجِر ، فيقال : أَهْجَرَ ؟ إذا قصد ذلك ، قال الشاعر : كما جِدَّةِ الأَعْرَاقِ قالَ ابنُ ضُرَّةٍ
عَلَيها كَلَاماً جَارَ فِيهِ وأَهْجَرَا
ورماه بهاجرات فمه ، أي فضائح كلامه .
وقوله : فلان هِجِّيراه كذا : إذا أولع بذكره وهذى به هذيان المريض المهجر ، ولا يكاد يستعمل الهِجِّير إلا في العادة الذميمة ، اللهم إلا أن يستعمله في ضده من لايراعي مورد هذه الكلمة عن العرب .
والهَجِيرُ والهاجرة : الساعة التي يمتنع فيها من السير كالحر ، كأنها هجرت الناس وهجرت لذلك .
والهِجَار : حبل يشد به الفحل فيصير سبباً لهجرانه الإبل ، وجعل على بناء العقال والزمام . وفحل مهجور ، أي مشدود به .
وهِجَار القوس : وترها ، وذلك تشبيه بهجار الفحل .
هَجَعَ
الهُجُوع : النوم ليلاً ، قال تعالى : كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ « الذاريات : 17 » وذلك يصح أن يكون معناه : كان هُجُوعهم قليلاً من أوقات الليل ، ويجوز أن يكون معناه : لم يكونوا يهجعون . والقليل يعبر به عن النفي ، والمُشارف لنفيه لقلته . ولقيته بعد هَجْعَةٍ ، أي بعد نومة . وقولهم : رجل هُجَعٌ كقولك نُوَم : للمستنيم إلى كل شئ .
هَدَدَ
الهَدُّ : هَدْمٌ له وَقْع ، وسقوط شئ ثقيل . والهَدَّة : صوت وقعه . قال تعالى : وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا « مريم : 90 » وهَدَدْتُ البقرة : إذا أوقعتَها للذبح .
والهِدُّ : المهدود كالذبح للمذبوح ، ويعبر به عن الضعيف والجبان . وقيل : مررت برجل هَدَّكَ من رجل ، كقولك : حسبك ، وتحقيقه : يَهُدُّكَ ويزعجك وجودُ مثله .
وهَدَّدْتُ فلاناً وتَهَدَّدْتُهُ : إذا زعزعته بالوعيد .
والهَدْهَدَة : تحريك الصبي لينام . والهُدْهُدُ : طائر معروف . قال تعالى : ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ « النمل : 20 » وجمعه : هَدَاهِد ، والهُدَاهِد بالضم واحد ، قال الشاعر :
كهَدَاهِدٍ كَسَرَ الرُّمَاةُ جَنَاحَهُ
يَدْعُو بِقَارِعَةِ الطَّرِيقِ هَدِيلَا
هَدَمَ
الهدم : إسقاط البناء . يقال : هَدَمْتُهُ هَدْماً . والهَدَمُ : ما يهدم ، ومنه استعير : دم هَدْمٌ ، أي هدر .
والهِدْمُ بالكسر كذلك لكن اختص بالثوب البالي ، وجمعه أهدام . وهَدَّمْتُ البناء على التكثير : قال تعالى : لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ « الحج : 40 » .
هَدَيَ
الهداية : دلالة بلطف ، ومنه الهدية وهوادي الوحش ، أي متقدماتها الهادية لغيرها . وخُص ما كان دلالةً بهديت ، وما كان إعطاءً بأهديت ، نحو : أهديت الهدية ، وهديت إلى البيت .
إن قيل : كيف جعلت الهداية دلالة بلطف وقد قال الله تعالى : فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ « الصافات : 23 » وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ « الحج : 4 » ؟
قيل : ذلك استعمل فيه استعمال اللفظ على التهكم مبالغة في المعنى كقوله : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ « آل عمران : 21 » وقول الشاعر : تحيّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ
وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أوجه :
الأول : الهداية التي عم بجنسها كل مكلف ، من العقل ، والفطنة ، والمعارف الضرورية ، التي أعم منها كل شئ بقدر فيه ، حسب احتماله ، كما قال : رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كل شَئ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى « طه : 50 » .
--------------------------- 733 ---------------------------
الثاني : الهداية التي جعل للناس بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء ، وإنزال القرآن ونحو ذلك ، وهو المقصود بقوله تعالى : وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا « الأنبياء : 73 » .
الثالث : التوفيق الذي يختص به من اهتدى ، وهو المعني بقوله تعالى : وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً « محمد : 17 » وقوله : وَمَنْ يُؤْمِنْ بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ « التغابن : 11 » وقوله : إن الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ « يونس : 9 » . وقوله : وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا « العنكبوت : 69 » وَيَزِيدُ الله الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً « مريم : 76 » فَهَدَى الله الَّذِينَ آمَنُوا « البقرة : 213 » والله يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ « البقرة : 213 » .
الرابع : الهداية في الآخرة إلى الجنة المعني بقوله : سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ « محمد : 5 » وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ « الأعراف : 43 » إلى قوله : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا .
وهذه الهدايات الأربع مترتبة ، فإن من لم تحصل له الأولى لا تحصل له الثانية ، بل لا يصح تكليفه . ومن لم تحصل له الثانية لا تحصل له الثالثة والرابعة . ومن حصل له الرابعة فقد حصل له الثلاث التي قبلها ، ومن حصل له الثالث فقد حصل له اللذان قبله . ثم ينعكس ، فقد تحصل الأولى ولا يحصل له الثاني ولا يحصل الثالث .
والإنسان لا يقدر أن يهدي أحداً إلا بالدعاء وتعريف الطرق دون سائر أنواع الهدايات ، وإلى الأول أشار بقوله : وَإنكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ « الشورى : 52 » يَهْدُونَ بِأَمْرِنا « السجدة : 24 » وَلِكل قَوْمٍ هادٍ « الرعد : 7 » أي داع .
وإلى سائر الهدايات أشار بقوله تعالى : إنكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ « القصص : 56 » . وكل هداية ذكر الله عز وجل أنه منع الظالمين والكافرين فهي الهداية الثالثة ، وهي التوفيق الذي يختص به المهتدون . والرابعة : التي هي الثواب في الآخرة وإدخال الجنة ، نحو قوله عز وجل : كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْماً إلى قوله : والله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ « آل عمران : 86 » وكقوله : ذلِكَ بِإنهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَإن الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ « النحل : 107 » .
وكل هداية نفاها الله عن النبي وعن البشر ، وذكر أنهم غير قادرين عليها فهي ما عدا المختص من الدعاء وتعريف الطريق ، وذلك كإعطاء العقل ، والتوفيق وإدخال الجنة ، كقوله عز ذكره : لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ الله يَهْدِي مَنْ يَشاءُ « البقرة : 272 » وَلَوْ شاءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى « الأنعام : 35 » وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ « النمل : 81 » إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإن الله لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ « النحل : 37 » وَمَنْ يُضْلِلِ الله فَما لَهُ مِنْ هادٍ « الزمر : 36 » وَمَنْ يَهْدِ الله فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ « الزمر : 37 » إنكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ الله يَهْدِي مَنْ يَشاءُ « القصص : 56 » .
وإلى هذا المعنى أشار بقوله تعالى : أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ « يونس : 99 » .
وقوله : مَنْ يَهْدِ الله فَهُوَ الْمُهْتَدِ « الإسراء : 97 » أي طالب الهدى ومتحريه هو الذي يوفقه ويَهْدِيهِ إلى طريق الجنة لا من ضاده ، فيتحرى طريق الضلال والكفر كقوله : والله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ « التوبة : 37 » وفي أخرى الظَّالِمِينَ « التوبة : 109 » .
وقوله : إن الله لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ « الزمر : 3 »
الكاذب الكفّار : هو الذي لا يقبل هدايته ، فإن ذلك راجع إلى هذا وإن لم يكن لفظه موضوعاً لذلك . ومن لم يقبل هِدَايَتَهُ لم يهده ، كقولك : من لم يقبل هَدِيَّتِي لم أهد له ، ومن لم يقبل عطيتي لم أعطه ، ومن رغب عني لم أرغب فيه . وعلى هذا النحو : والله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ « التوبة : 109 » وفي أخرى : الْفاسِقِينَ « التوبة : 80 » وقوله : أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحق أَحق أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى « يونس : 35 » وقد قرئ : يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى أي لا يهدي غيره
--------------------------- 734 ---------------------------
ولكن يهدى . أي لا يعلم شيئاً ولا يعرف ، أي لا هداية له ، ولو هدي أيضاً لم يهتد ، لأنها موات من حجارة ونحوها ، وظاهر اللفظ أنه إذا هدي اهْتَدَى لإخراج الكلام أنها أمثالكم كما قال تعالى : إن الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله عِبادٌ أَمْثالُكُمْ « الأعراف : 194 » وإنما هي أموات ، وقال في موضع آخر : وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ « النحل : 73 » .
وقوله عز وجل : إنا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ « الإنسان : 3 » وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ « البلد : 10 » وَهَدَيْنا هُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ « الصافات : 118 » فذلك إشارة إلى ما عَرَّفَ من طريق الخير والشر ، وطريق الثواب والعقاب بالعقل والشرع .
وكذا قوله : فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حق عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ « الأعراف : 30 » إنكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ الله يَهْدِي مَنْ يَشاءُ « القصص : 56 » . وَمَنْ يُؤْمِنْ بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ « التغابن : 11 » فهو إشارة إلى التوفيق الملقى في الرّوع فيما يتحراه الإنسان وإياه عنى بقوله عز وجل : وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً « محمد : 17 » .
وعُدِّيَ الهِدَايَةُ في مواضع بنفسه ، وفي مواضع باللام ، وفي مواضع بإلى ، قال تعالى : وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِالله فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ « آل عمران : 101 » وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ « الأنعام : 87 » وقال : أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحق أَحق أَنْ يُتَّبَعَ « يونس : 35 » وقال : هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى « النازعات : 18 » .
وما عُدِّيَ بنفسه نحو : وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً « النساء : 68 » وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ « الصافات : 118 » اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ « الفاتحة : 6 » أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ الله « النساء : 88 » وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً « النساء : 168 » أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ « يونس : 43 » وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً « النساء : 175 » .
ولما كانت الهِدَايَةُ والتعليم يقتضي شيئين : تعريفاً من المعرف وتعرفاً من المعرَّف ، وبهما تم الهداية والتعليم ، فإنه متى حصل البذل من الهَادِي والمعلم ولم يحصل القبول صح أن يقال : لم يَهْدِ ولم يعلم اعتباراً بعدم القبول ، وصح أن يقال : هَدَى وعلم اعتباراً ببذله .
فإذا كان كذلك صح أن يقال : إن الله تعالى لم يهد الكافرين والفاسقين من حيث إنه لم يحصل القبول الذي هو تمام الهداية والتعليم ، وصح أن يقال : هَدَاهُمْ وعلمهم من حيث إنه حصل البذل الذي هو مبدأ الْهِدَايَةِ .
فعلى الاعتبار بالأول يصح أن يحمل قوله تعالى : والله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ « التوبة : 109 » وَالْكافِرِينَ « التوبة : 37 » .
وعلى الثاني قوله عز وجل : وإما ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى « فصلت : 17 » والأولى حيث لم يحصل القبول المفيد فيقال : هداه الله فلم يهتد ، كقوله : وأما ثَمُودُ ؟ الآية ، وقوله : لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إلى قوله : وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى الله « البقرة : 142 » فهم الذين قبلوا هداه واهتدوا به .
وقوله تعالى : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ « الفاتحة : 6 » وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً « النساء : 68 » فقد قيل : عني به الهِدَايَةُ العامة التي هي العقل وسنة الأنبياء ، وأمرنا أن نقول ذلك بألسنتنا وإن كان قد فعل ، ليعطينا بذلك ثواباً ، كما أمرنا أن نقول : اللهم صل على محمد وإن كان قد صلى عليه بقوله : إن الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ « الأحزاب : 56 » .
وقيل : إن ذلك دعاء بحفظنا عن استغواء الغواة واستهواء الشهوات .
وقيل : هو سؤال للتوفيق الموعود به في قوله : وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً « محمد : 17 » .
وقيل : سؤال للهداية إلى الجنة في الآخرة ، وقوله عز وجل : وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى الله
--------------------------- 735 ---------------------------
« البقرة : 143 » فإنه يعني به من هداه بالتوفيق المذكور في قوله عز وجل : وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً .
والهُدَى والهِدَايَةُ : في موضوع اللغة واحد لكن قد خص الله عز وجل لفظة الهدى بما تولاه وأعطاه ، واختص هو به دون ما هو إلى الإنسان نحو : هُدىً لِلْمُتَّقِينَ « البقرة : 2 » أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ « البقرة : 5 » هُدىً لِلنَّاسِ « البقرة : 185 » فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ « البقرة : 38 » قُلْ إن هُدَى الله هُوَ الْهُدى « الأنعام : 71 » وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ « آل عمران : 138 » وَلَوْ شاءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى « الأنعام : 35 » إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإن الله لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ « النحل : 37 » أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى « البقرة : 16 » .
والإهْتِدَاءُ : يختص بما يتحراه الإنسان على طريق الاختيار ، إما في الأمور الدنيوية أو الأخروية ، قال تعالى : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها « الأنعام : 97 » وقال : إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا « النساء : 98 » ويقال ذلك لطلب الهداية نحو : وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ « البقرة : 53 » وقال : فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ « البقرة : 150 » فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا « آل عمران : 20 » فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا « البقرة : 137 » .
ويقال المُهْتَدِي : لمن يقتدي بعالم نحو : أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ « المائدة : 104 » تنبيهاً [ على ] أنهم لا يعلمون بأنفسهم ولا يقتدون بعالم . وقوله : فَمَنِ اهْتَدى فَإنما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إنما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ « النمل : 92 » فإن الِاهْتِدَاءَ هاهنا يتناول وجوه الاهتداء من طلب الهداية ، ومن الاقتداء ، ومن تحريها ، وكذا قوله : وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ « النمل : 24 » وقوله : وَإني لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى « طه : 82 » فمعناه : ثم أدام طلب الهداية ، ولم يفتر عن تحريه ، ولم يرجع إلى المعصية . وقوله : الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ، إلى قوله : وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ « البقرة : 157 » أي الذين تحروا هدايته وقبلوها وعملوا بها . وقال مخبراً عنهم : وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إننا لَمُهْتَدُونَ « الزخرف : 49 » .
والهَدْيُ : مختصٌّ بما يُهْدَى إلى البيت ، قال الأخفش : والواحدة هَدْيَةٌ ، قال : ويقال للأنثى هَدْيٌ كأنه مصدر وصف به ، قال الله تعالى : فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ « البقرة : 196 » هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ « المائدة : 95 » وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ « المائدة : 2 » وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً « الفتح : 25 » .
والهَدِيَّةُ : مختصّة باللُّطَف الذي يُهْدِي بعضنا إلى بعضٍ . قال تعالى : وَإني مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ « النمل : 35 » بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ « النمل : 36 » والمِهْدَى : الطبق الذي يهدى عليه . والْمِهْدَاءُ : من يكثر إِهْدَاءَ الهدية ، قال الشاعر :
وإنكَ مِهْدَاءُ الخَنَا نُطَفَ الحَشَا
والْهَدِيُّ : يقال في الهدي ، وفي العروس يقال : هَدَيْتُ العروسَ إلى زوجها ، وما أحسن هَدِيَّةَ فلان وهَدْيَهُ ، أي طريقته ، وفلان يُهَادِي بين اثنين : إذا مشى بينهما معتمداً عليهما ، وتَهَادَتِ المرأة : إذا مشت مشي الهدي .
ملاحظات
رسم الراغب من ذهنه خريطةً لمعاني الهداية والضلال ، وقسمها إلى أقسام ، وفسر بعضها .
وفيها مباحث ومناقشات ، لكن الغالب عليها الكلام والتفسير ، والجانب اللغوي فيها قليل .
لذا نُحِيلُ من أراد التوسع على بحثنا : قانون الهداية والضلال في أول كتاب : جواهر التاريخ .
--------------------------- 736 ---------------------------
هَرَعَ
يقال : هَرِعَ وأَهْرَعَ : ساقه سوقاً بعنف وتخويف ، قال الله تعالى : وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ « هود : 78 » .
وهَرَعَ برمحه فَتَهَرَّعَ : إذا أشرعه سريعاً .
والهَرِعُ : السريع المشي والبكاء . قيل : والْهَرِيعُ والْهَرْعَةُ : القملة الصغيرة .
ملاحظات
قال الخليل « 1 / 105 » : « يُهرعون : يساقون ويعجلون » .
وقال الجوهري « 3 / 1306 » : « أي يستحثون إليه ، كأنه يحث بعضهم بعضاً » .
هَرَتَ
قال تعالى : وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ « البقرة : 102 » قيل : هما الملكان . وقال بعض المفسرين : هما اسما شيطانين من الإنس أو الجن ، وجعلهما نصباً بدلاًمن قوله تعالى : وَلكِنَّ الشَّياطِينَ ، بدل البعض من الكل ، كقولك : القوم قالوا إن كذا زيد وعمرو .
والْهَرْتُ : سعة الشِّدْق ، يقال : فرس هَرِيتُ الشِّدْق ، وأصله من : هَرِتَ ثوبه : إذا مزقه ، ويقال : الْهَرِيتُ : المرأة المفضاة .
ملاحظات
تتعجب عندما تجد أن الله تعالى يقول عن هاروت وماروت إنهما ملكان ، ويزعم بعض المفسرين أنهما شيطانان !
وإسمهما سرياني ، وهي اللغة البابلية الأولى . ولا تستعمل مادة هرت في العربية إلا نادراً ، ومنها : « الهرت : شَقُّكَ شيئاً تُوَسِّعُهُ بذلك » . « العين : 4 / 33 » . ولا علاقة له بهاروت وماروت . وهما ممنوعان من الصرف للعالمية والعجمة ، ومجروران بالفتحة بأنهما بدلٌ من الملكين ، لا كما تصور الراغب .
هَرَنَ
هَارُونُ : اسم أعجمي ، ولم يرد في شئ من كلام العرب .
هَزَزَ
الْهَزُّ : التحريك الشديد ، يقال : هَزَزْتُ الرمح فَاهْتَزَّ . وهَزَزْتُ فلاناً للعطاء . قال تعالى : وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ « مريم : 25 » فَلما رَآها تَهْتَزُّ « النمل : 10 » .
واهْتَزَّ النبات : إذا تحرك لنضارته ، قال تعالى : فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ « الحج : 5 » .
واهْتَزَّ الكوكب في انقضاضه . وسيف هَزْهَازٌ وماء هُزَهِزٌ ورجل هُزَهِزٌ : خفيف .
ملاحظات
الهَزُّ : تحريك الشئ خفيفاً كان أو شديداً ، لكن الراغب قيده بالشديد ، دون شاهد من كلام العرب !
هَزَلَ
قال تعالى : إنهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَما هُوَ بِالْهَزْلِ « الطارق : 13 » .
الْهَزْلُ : كل كلام لا تحصيل له ولا ريع ، تشبيهاً بِالهُزَالِ .
ملاحظات
الهَزْل : مقابل الجد ، وجعله الراغب مشتقاً من الشاة الهزيلة ! وهو مشتق من هَزَلَ الرجل في كلامه بمعنى أبطل . كما قال الخليل والجوهري وابن منظور : 11 / 56 ، وابن سيده في المخصص : 4 - 1 / 20 .
هُزْؤٌ
الهُزْءُ : مَزْحٌ في خُفية ، وقد يقال لما هو كالمزح ، فمما قصد به المزح قوله : اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً « المائدة : 58 » وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً « الجاثية : 9 » وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً « الفرقان : 41 » وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً « الأنبياء : 36 » أَتَتَّخِذُنا هُزُواً « البقرة : 67 » وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ الله هُزُواً « البقرة : 231 » فقد عظَّمَ تبكيتهم ، ونبَّه على خبثهم من
--------------------------- 737 ---------------------------
حيث إنه وصفهم بعد العلم بها ، والوقوف على صحتها بأنهم يَهْزَؤُونَ بها ، يقال : هَزِئْتُ به واسْتَهْزَأْتُ .
والإسْتِهْزَاءُ : ارتياد الْهُزُؤِ وإن كان قد يعبر به عن تعاطي الهزؤ ، كالإستجابة في كونها ارتياداً للإجابة ، وإن كان قد يجري مجرى الإجابة . قال تعالى : قُلْ أَبِ الله وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ « التوبة : 65 » وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ « هود : 8 » ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ « الحجر : 11 » إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ الله يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها « النساء : 140 » وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ « الأنعام : 10 » .
والِاسْتِهْزَاءُ من الله : في الحقيقة لا يصح ، كما لا يصح من الله اللهو واللعب ، تعالى الله عنه . وقوله : الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ « البقرة : 15 » أي يجازيهم جزاء الهزؤ . ومعناه : أنه أمهلهم مدة ثم أخذهم مغافصة ، فسمى إمهاله إياهم استهزاء من حيث إنهم اغتروا به اغترارهم بالهزؤ ، فيكون ذلك كالإستدراج من حيث لا يعلمون ، أو لأنهم استهزؤوا فعرف ذلك منهم ، فصار كأنه يهزأ بهم كما قيل : من خدعك وفطنت له ولم تعرفه فاحترزت منه فقد خدعته . وقد روي : إن المُسْتَهْزِئِينَ في الدنيا يفتح لهم باب من الجنة فيسرعون نحوه فإذا انتهوا إليه سد عليهم فذلك قوله : فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ « المطففين : 34 » وعلى هذه الوجوه قوله عز وجل : سَخِرَ الله مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ « التوبة : 79 » .
ملاحظات
العجبُ من الراغب ، فقد رأى آيات القرآن في الهزء والمستهزئين ، ورأى عامة اللغويين يُعَرِّفُونه بالسخرية ، ومع ذلك عرفه بالمزح وشبه المزح وقيده بالخُفية ، فقال : « الهُزْءُ مزحٌ في خفية ، وقد يقال لما هو كالمزح » !
والصحيح أن الاستهزاء والهزء بمعنى السخرية ، ويكون بالقول والفعل ، في المزح والجد ، خفيةً أو علناً . والظاهرأن الفرق بينهما أن السخرية أكثر ما تستعمل لذات الشخص ، والاستهزاء للعمل أو العقيدة والفكر . لقوله تعالى : وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ .
هَزَمَ
أصل الهَزْمِ : غمز الشئ اليابس حتى ينحطم كَهَزْمِ الشن ، وهَزْمِ القِثَّاء والبطيخ ، ومنه الهَزِيمَةُ لأنه كما يعبر عنه بذلك يعبر عنه بالحطم والكسر . قال تعالى : فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ الله « البقرة : 251 » جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ « ص : 11 » وأصابته هَازِمَةُ الدهر ، أي كاسرة كقولهم : فاقرة . وهَزَمَ الرعد : تكسر صوته . والْمِهْزَامُ : عود يجعل الصبيان في رأسه ناراً فيلعبون به ، كأنهم يَهْزِمُونَ به الصبيان . ويقولون للرجل الطبع : هَزَمَ واهْتَزَمَ .
ملاحظات
ذكر كبار أئمة اللغة كالخليل والجوهري وابن فارس ، أن الَهزْمَ : أن تغمز شيئاً فينهزم في جوفه كما تغمز الشن أي القِربة فتنغمز ، أو البطيخ فينغمز ، فهذه الخسفة التي تحدث فيه تسمى الهَزْمَة .
قال الخليل « 4 / 16 » : « الهزم : غمزك الشئ تهزمه بيدك فينهزم في جوفه . والهزمة : ما تطامن من الأرض » . أي ما انخفض كالحفرة . وقال ابن منظور « 12 / 608 » : « والهَزْمةُ : ما تَطامَن من الأَرض . وفي الحديث : إذا عَرَّسْتُمْ فاجتنبوا هَزْمَ الأَرضِ فإنها مأوَى الهوامِّ . . وجاء في الحديث في زمزم : إنها هَزْمةُ جبريلَ عليه السلام أَي ضربَ برجلِه فانخفض المكان فنبَعَ الماءُ » .
وقصدهم بذلك الهزيمة أخذت من ذلك ، فكأن الهازم خسف المهزوم فانخسف بذلك .
--------------------------- 738 ---------------------------
وقد فهم ذلك الراغب خطأ ، فجعل الهزم غمز الشئ اليابس حتى ينكسر ، ومثَّلَ له بغمز الشِّنِّ وهو القِربة ، ثم قال : ومنه الهزيمة ! والشن لا ينكسر عادة ، ولا ذكر ذلك أحدٌ من اللغويين ، ولكنها تصورات الراغب !
هَشَشَ
الْهَشُّ : يقارب الهز في التحريك ، ويقع على الشئ اللين كَهَشِّ الورق ، أي خبطه بالعصا . قال تعالى : وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي « طه : 18 » وهَشَّ الرغيف في التنور يَهِشُّ ، وناقة هَشُوشٌ : لينة غزيرة اللبن ، وفرس هَشُوشٌ : ضد الصلود والصلود : الذي لا يكاد يعرق .
ورجل هَشُّ الوجه : طلق المحيا . وقد هَشَشْتُ وهَشَّ للمعروف يَهِشُّ ، وفلان ذو هَشَاشٍ .
هَشَمَ
الْهَشْمُ : كسر الشئ الرخو كالنبات . قال تعالى : فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ « الكهف : 45 » فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ « القمر : 31 » . يقال : هَشَمَ عظمه ، ومنه : هَشَمْتُ الخبز ، قال الشاعر : عمرو العلا هَشَمَ الثَّريدَ لقومِهِ
وَرِجَالُ مكةَ مُسْنِتُونَ عجافُ
والْهَاشِمَةُ : الشجة تَهْشِمُ عظم الرأس .
واهْتَشَمَ كل ما في ضرع الناقة إذا احتلبه . ويقال : تَهَشَّمَ فلان على فلان : تعطف .
ملاحظات
قال أبو هلال في الفروق / 149 : « في الحديث : أول من ثرد الثريد إبراهيم ، وأول من هشم الثريد هاشم . وكأن الفرق بينهما أن الثرد في غير اليابس ، والهشيم في اليابس .
قال الجوهري : الهشم كسر اليابس ، يقال هشم الثريد ، وبه سمي هاشم » .
وهاشم : جد النبي صلى الله عليه وآله وقد منَّ الله على قريش برحلتي الشتاء والصيف ، اللتين أسسهما هو وابنه عبد المطلب رضي الله عنهما .
هَضَمَ
الْهَضْمُ : شَدْخُ ما فيه رَخاوة ، يقال : هَضَمْتُهُ فَانْهَضَمَ ، وذلك كالقصبة الْمَهْضُومَةِ التي يزمر بها ، ومزمار مُهْضَمٌ . قال تعالى : وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ « الشعراء : 148 » أي داخل بعضه في بعض كأنما شدخ .
والْهَاضُومُ : ما يَهْضِمُ الطعام ، وبطن هَضُومٌ ، وكشح مِهْضَمٌ وامرأة هَضِيمَةٌ الكشحين ، واستعير الْهَضْمُ للظلم . قال تعالى : فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً « طه : 112 » .
ملاحظات
معنى الشَّدْخ عند العامة : الجرح أو الكسر ، وهو في اللغة كالهَشْم : كسر الشئ الأجوف ، وقد يستعمل في الشئ الهين الرَّخْص . قال الخليل « 4 / 166 » : « الشدخ : كسر الشئ الأجوف كالرأس ونحوه ، وكذلك كل شئ رَخْصٍ كالعرفج وما أشبهه » . وقال « 3 / 409 » : « الهاضم : الشادخ لما فيه من رخاوة ولين ، تقول : هضمته فانهضم » .
فاتضح أن تعريف الراغب للهضم بالشدخ مطلقاً غير دقيق ، فالهضم : الجَرْش والتَّنْعِيم والطَّحْن .
هَطَعَ
هَطَعَ الرجل ببصره : إذا صَوَّبَهُ . وبعيرٌ مُهْطِعٌ إذا صَوَّبَ عنقه . قال تعالى : مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لايَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ « إبراهيم : 43 » مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ « القمر : 8 » .
ملاحظات
المُهْطِع : الذي يُحَدِّقُ في شئ ولا يحُول بصره عنه . راجع مادة : قنع .
هَلَلَ
الْهِلَالُ : القمر في أول ليلة والثانية ، ثم يقال له القمر ولا
--------------------------- 739 ---------------------------
يقال له هِلَالٌ ، وجمعه : أَهِلَّةٌ ، قال الله تعالى : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ « البقرة : 189 » وقد كانوا سألوه عن علة تَهَلُّلِهِ وتغيره .
وشُبِّهَ به في الهيئة السنان الذي يصاد به وله شعبتان كرمي الهلال . وضربٌ من الحيات . والماء المستدير القليل في أسفل الركي . وطرف الرحى . فيقال لكل واحد منهما : هِلَالٌ . وأَهَلَّ الهلال : رؤي . واسْتَهَلَّ : طُلب رؤيته . ثم قد يعبر عن الْإِهْلَالِ بِالإستِهْلَالِ نحو : الإجابة والاستجابة .
والإهْلالُ : رفع الصوت عند رؤية الهلال ، ثم استعمل لكل صوت ، وبه شبِّه إِهْلَالُ الصبي .
وقوله : وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله « البقرة : 173 » أي ما ذكر عليه غير اسم الله ، وهو ما كان يذبح لأجل الأصنام .
وقيل : الْإِهْلَالُ والتهَلُّلُ : أن يقول لا إله إلّا الله ، ومن هذه الجملة ركبت هذه اللفظة كقولهم التبسمل والبسملة والتحولق والحوقلة إذا قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . ومنه الْإِهْلَالُ بالحجّ .
وتَهَلَّلَ السّحاب ببرقه : تلألأ ، ويشبه في ذلك بالهلال . وثوب مُهَلَّلٌ : سخيف النسج ، ومنه شَعْرٌ مُهَلْهَلٌ .
ملاحظات
أخذ الراغب أكثر هذه المادة من الجوهري « 5 / 1851 » وعبارة الجوهري أبلغ ، ولم يقل إنه لا يسمى هلالاً بعد ثلاث ليال بل يسمى قمراً ، لأنه قول ضعيف ذكره اللغويون بقيل . والصحيح أنه يسمى هلالاً إلى نهايته . قال الخليل « 2 / 320 و 3 / 51 و 56 و 7 / 187 » : « العرجون : يشبه الهلال إذا انمحق . قال العجاج :
سماوَةُ الهلالِ حتَّى احْقَوْقَفَا
والمحاق : آخر الشهر إذا انمحق الهلال فلم يُرَ .
والسرار : يوم يستسر فيه الهلال آخر يوم من الشهر أو قبله ، وربما استسر ليلتين » .
نعم تسمى لياليه الأولى غرر الشهر وغرته . قال الخليل « 4 / 346 » : « والغرر ثلاثة أيام من أول الشهر » .
راجع الأقوال في لسان العرب : 11 / 706 .
هَلْ
هَلْ : حرف استخبار إما على سبيل الاستفهام ، وذلك لا يكون من الله عز وجل : قال تعالى : قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا « الأنعام : 148 » .
وإما على التقرير تنبيهاً أو تبكيتاً أو نفياً . نحو : هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً « مريم : 98 » وقوله : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَميا « مريم : 65 » فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ « الملك : 3 » كل ذلك تنبيهٌ على النفي .
وقوله تعالى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ « البقرة : 210 » هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ « النحل : 33 » هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ « الزخرف : 66 » هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ « سبأ : 33 » هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ « الأنبياء : 3 » .
قيل : ذلك تنبيهٌ على قدرة الله ، وتخويفٌ من سطوته .
هَلَكَ
الْهَلَاكُ : على ثلاثة أوجه : افتقاد الشئ عنك ، وهو عند غيرك موجود كقوله تعالى : هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ « الحاقة : 29 » وهَلَاكُ الشئ باستحالة وفساد كقوله : وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ « البقرة : 205 » ويقال : هَلَكَ الطعام .
والثالث : الموت كقوله : إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ « النساء : 176 » وقال تعالى مخبراً عن الكفار : وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ « الجاثية : 24 » ولم يذكر الله الموت بلفظ الهلاك حيث لم يقصد الذم إلا في هذا الموضع ، وفي قوله : وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ
--------------------------- 740 ---------------------------
يَبْعَثَ الله مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا « غافر : 34 » وذلك لفائدة يختص ذكرها بما بعد هذا الكتاب .
والرابع : بطلان الشئ من العالم وعدمه رأساً ، وذلك المسمى فناءً ، المشار إليه بقوله : كل شَئ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ « القصص : 88 » .
ويقال للعذاب والخوف والفقر : الهَلَاكُ ، وعلى هذا قوله : وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ « الأنعام : 26 » وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ « مريم : 74 » وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها « الأعراف : 4 » فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها « الحج : 45 » أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ « الأعراف : 173 » أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا « الأعراف : 155 » .
وقوله : فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ « الأحقاف : 35 » هو الهلاك الأكبر الذي دل النبي بقوله : لا شر كشر بعده النار ، وقوله تعالى : ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ « النمل : 49 » .
والْهُلْكُ بالضم : الْإِهْلَاكُ . وَالتهْلُكَةُ : ما يؤدي إلى الهلاك ، قال تعالى : وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهْلُكَةِ « البقرة : 195 » . وامرأة هَلُوكٌ : كأنها تَتَهَالَكُ في مشيها ، كما قال الشاعر :
مَرِيضَاتُ أوْبَاتِ التَّهَادِي كَأَنَّما
تخافُ على أحشائِهَا أن تَقَطَّعَا
وكُنِّيَ بِالْهَلُوكِ عن الفاجرة لتمايلها .
والهَالِكِيُّ : كان حداداً من قبيلة هَالِكٍ ، فسمي كل حداد هالكياً . والْهُلْكُ : الشئ الهالك .
ملاحظات
1 . تستعمل هلك بدل مات أو تُوفي ، وتدل في الفارسية على الذم . أما في العربية فلا تدل على ذم ، كقوله تعالى عن يوسف عليه السلام : حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ الله مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً . فليس فيها ذمٌّ من الله تعالى ليوسف عليه السلام !
وقد استعمل الأئمة هلك بمعنى مات ، بدون ذم ، وهم أفصح من نطق بالضاد عليهم السلام . قال الإمام الباقر عليه السلام : « إن العلم الذي لم يزل مع آدم لم يرفع ، والعلم يتوارث . وكان على عالم هذه الأمة ، وإنه لن يهلك منا عالم إلا خلفه من أهله من يعلم مثل علمه » . « بصائر الدرجات / 135 »
2 . وافقنا الراغب في تفسير قوله تعالى : كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ، وَرَدَّ تفسير الحشْوية والوهابية بأن الله تعالى يَهلك إلا وجهه . فقد روينا عن الإمام الصادق عليه السلام « بصائر الدرجات / 85 » : « سأله رجل عن قول الله تعالى : كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ، فقال : ما يقولون ؟ قلت : يقولون هلك كل شئ إلا وجهه . فقال : سبحان الله لقد قالوا عظيماً . إنما عنى كل شئ هالك إلا وجهه الذي يؤتى منه ، ونحن وجهه الذي يؤتى منه » .
هَلُمَّ
هَلُمَّ : دعاءٌ إلى الشئ ، وفيه قولان ، أحدهما : أن أصله هَالُمَّ ، من قولهم : لَممْتُ الشئ أي أصلحته ، فحذف ألفها فقيل : هلمَّ . وقيل أصله : هل أمَّ ، كأنه قيل هل لك في كذا .
أَمَّهُ ، أي قصده ، فرُكِّبَا . قال عز وجل : وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا « الأحزاب : 18 » .
فمنهم من تركه على حالته في التثنية والجمع ، وبه ورد القرآن ، ومنهم من قال : هَلُمَّا ، وهَلُمُّوا ، وهَلُمِّي ، وهَلْمُمْنَ .
هَمَمَ
الهَمُّ : الحَزَنُ الذي يذيب الإنسان ، يقال : هَمَمْتُ الشّحم فَانْهَمَّ . والهَمُّ : ما هممتَ به في نفسك ، وهو الأصل ، ولذا قال الشاعر : وهمَّك ما لم تمُضهِ لكَ مُنْصِبُ
قال الله تعالى : إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا « المائدة : 11 » وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها « يوسف : 24 » إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ « آل عمران : 122 » . لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ « النساء : 113 » وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا « التوبة : 74 » وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ « التوبة : 13 » وَهَمَّتْ
--------------------------- 741 ---------------------------
كل أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ « غافر : 5 » .
وأَهَمَّنِي كذا : أي حملني على أن أَهِمَّ به . قال الله تعالى : وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ « آل عمران : 154 » ويقال : هذا رجل هَمُّكَ من رجل ، وهِمَّتُكَ من رجل ، كما تقول : ناهيك من رجل .
والْهَوَامُّ : حشرات الأرض .
ورجل هِمٌّ ، وامرأة هِمَّةٌ ، أي كبير قد هَمَّهُ العمر ، أي أذابه .
ملاحظات
1 . الهم : الحزن ، وقد يكون خفيفاً أو شديداً ، لكن ابن فارس اشتبه ففسره بالحزن الشديد الذي يذيب البدن ، وتبعه الراغب !
قال ابن فارس « 6 / 13 » : « هَمَّ : يدل على ذوب وجريان ودبيب ، وما أشبه ذلك ، ثم يقاس عليه . منه قول العرب : همني الشئ : أذابني وانهمَّ الشحم : ذاب » .
وهذا نوع من الهم لا يصح تعريف الكل به ، بل هو كما قال الخليل « 3 / 357 » : « الهم : ما هممت به في نفسك . تقول : أهمني هذا الأمر . والهم : الحزن . والهِمَّة : ما هممت به من أمر لتفعله . يقال إنه لعظيم الهمة ، وإنه لصغير الهمة . ويقال : أهمني الشئ ، أي : أحزنني . وهمني : أذابني [ أرابني ] » .
وقد كتبنا أرابني بين معقوفين لأنها في بعض نسخ العين ، وهي الصحيح ، ويكثر استعمال الهم بهذا المعنى في تاريخ الحكام ، فتقرأ قول الحاكم : رابني ويريبني ، وهمني ويهمني .
والظاهر أن هذه الذال أوقعت ابن فارس في الخطأ ، وأنه لا شحم ولا ذوبان في معنى الهم .
2 . يغفل الكثيرون ، خاصة من كانت لغته الأم غير العربية ، عن تأثير حروف التعدية على معنى الفعل ، ومنها فعل هَمَّ . فقولك : همَّ في أمر معيشته ، يعني فكَّر وحملَ هماً . وقولك : همَّ بزيد ، يعني أراد أن يبطش به ، إلا إذا وجدت قرينة تصرفه إلى معنى آخر ، مثل همِّ زليخا بيوسف ، فهو يدل بقرينة نيتها على أنها همت بإجباره على الفاحشة .
أما همَّ يوسف بها فيبقى على أصله ، بمعنى أراد أن يضربها ، لولا أن رأى برهان ربه ، فأمره بأن يهرب منها ، فهرب ففاجأه زوجها .
هَمَدَ
يقال هَمَدَتِ النارُ : طُفئت ، ومنه : أرض هَامِدَةٌ : لا نبات فيها . ونبات هَامِدٌ : يابس . قال تعالى : وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً . « الحج : 5 » .
والإِهْمَادُ : الإقامة بالمكان كأنه صار ذا هَمَدٍ ، وقيل الإِهْمَادُ السّرعة ، فإن يكن ذلك صحيحاً فهو كالإشكاء في كونه تارة لإزالة الشكوى ، وتارة لإثبات الشكوى .
ملاحظات
تقدم في خَمَدَ : أن الخمود السكون ، والهمود الموت ، وقد نص على ذلك الخليل قال « 4 / 31 » : « رمادٌ هامدٌ إذا تغير وتلبد . وثمرةٌ هامدة ، إذا اسودت وعفنت . وأرض هامدة : مقشعرة لا نبات فيها إلا يبيس متحطم . والإهماد : السرعة . والإهماد : الإقامة بالمكان » .
فالهمود ليس انطفاء النار بل موتها بعد انطفائها .
كما وصفت السرعة والإقامة بالهمود ، لمناسبةٍ بينهما .
هَمَرَ
الهَمْرُ : صبُّ الدمع ، والماء ، يقال : هَمَرَهُ فَانْهَمَرَ . قال تعالى : فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ « القمر : 11 » . وهَمَرَ ما في الضرع : حلبه كله .
وهَمَرَ الرجل في الكلام وفلان يُهَامِرُ الشئ أي يجرفه ، ومنه
--------------------------- 742 ---------------------------
هَمَرَ له من ماله : أعطاه . والهَمِيرَةُ : العجوز .
هَمَزَ
الْهَمْزُ : كالعصر ، يقال : هَمَزْتُ الشئ في كفي ، ومنه : الْهَمْزُ في الحرف . وهَمْزُ الإنسان : اغتيابه . قال تعالى : هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ « القلم : 11 » . يقال : رجل هَامِزٌ وهَمَّازٌ وهُمَزَةٌ .
قال تعالى : وَيْلٌ لِكل هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ . وقال الشاعر :
وإن اغتيبَ فأنتَ الْهَامِزُ اللُّمَزَهْ
وقال تعالى : وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ « المؤمنون : 97 » .
هَمَسَ
الْهَمْسُ : الصوت الخفي ، وهَمْسُ الأقدام : أخفى ما يكون من صوتها . قال تعالى : فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً « طه : 108 » .
هُنَا
هُنَا : يقع إشارة إلى الزمان ، والمكان القريب ، والمكان أملك به ، يقال : هُنَا وهُنَاكَ وهُنَالِكَ ، كقولك : ذا وذاك وذلك . قال الله تعالى : جُنْدٌ ما هُنالِكَ « ص : 11 » إنا هاهُنا قاعِدُونَ « المائدة : 24 » هُنالِكَ تَبْلُوا كل نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ « يونس : 30 » هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ « الأحزاب : 11 » هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحق « الكهف : 44 » فَغُلِبُوا هُنالِكَ « الأعراف : 119 » . [ وقال تعالى : إنا هاهُنا قاعِدُونَ « المائدة : 24 » ] .
هَنٌ : كناية عن الفرج وغيره مما يستقبح ذكره وفي فلان هَنَاتٌ ، أي خصال سوء ، وعلى هذا ما روي : سيكون هَنَاتٌ .
هَنَأَ
الْهَنِيئ : كل ما لا يلحق فيه مشقة ولا يَعْقُبُ وَخَامَةً . وأصله في الطعام يقال : هَنِئَ الطعامُ فهو هَنِيئ .
قال عز وجل : فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً « النساء : 4 » كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ « الحاقة : 24 » كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ « المرسلات : 43 » .
والهِنَاءُ : ضرب من القطران ، يقال : هَنَأْتُ الإبلَ ، فهي مَهْنُوءَةٌ .
هَوَدَ
الْهَوْدُ : الرجوع برفق ، ومنه : التهْوِيدُ ، وهو مشي كالدبيب ، وصار الْهَوْدُ في التعارف التوبة . قال تعالى : إنا هُدْنا إِلَيْكَ « الأعراف : 156 » أي تُبْنَا . قال بعضهم : يَهُودُ في الأصل من قولهم : هُدْنَا إليك ، وكان اسم مدح ، ثم صار بعد نسخ شريعتهم لازماً لهم وإن لم يكن فيه معنى المدح كما أن النصارى في الأصل من قوله : مَنْ أَنْصارِي إِلَى الله « الصف : 14 » ثم صار لازماً لهم بعد نسخ شريعتهم .
ويقال : هَادَ فلان : إذا تحرى طريقة الْيَهُودِ في الدين ، قال الله عز وجل : إن الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا « البقرة : 62 » .
والاسم العلم قد يتصور منه معنى ما يتعاطاه المسمى به ، أي المنسوب إليه ، ثم يشتق منه ، نحو : قولهم تَفَرْعَنَ فلان ، وتطفل : إذا فعل فعل فرعون في الجور ، وفعل طفيل في إتيان الدعوات من غير استدعاء .
وتَهَوَّدَ في مشيه : إذا مشى مشياً رفيقاً تشبيهاً باليهود في حركتهم عند القراءة . وكذا : هَوَّدَ الرائض الدابة : سيرها برفق . وهُودٌ : في الأصل جمع هَائِدٍ . أي تائب ، وهو اسم نبي عليه السلام .
ملاحظات
1 . تقول العرب : هَوَّدَ الليل بمعنى خَيَّمَ وسكن . وقد أجاد ابن فارس في تدوين المادة ، فقال « 6 / 17 » : « هَوَدَ : أصل يدل على إرواد وسكون ، يقولون : التهويد : المشي الرويد . ويقولون : هود إذا نام . وهَوَّدَ الشراب نفس الشارب إذا خثرت له نفسه .
والهوادة : الحال ترجى معها السلامة بين القوم . والمهاودة : الموادعة .
فأما اليهود فمن هاد يهود ، إذا تاب ، وسموا به لأنهم
--------------------------- 743 ---------------------------
تابوا عن عبادة العجل . وفي القرآن : إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ . وفي التوبة هوادة حال وسلامة » .
2 . ابتكر النبي صلى الله عليه وآله فعل : تَهَوَّكَ ، واسم المتهوكين ، لجماعة من الصحابة كانوا يحضرون دروس اليهود ويكتبون عنهم ، فنهاهم فلم ينتهوا ، فسماهم المتهوكين وحذر المسلمين منهم .
قال النووي في المجموع « 15 / 328 » : « غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر صحيفة فيها شئ من التوراة وقال : أفي شك أنت يا ابن الخطاب ! وفي رواية : أمتهوكون أنتم ، لو كان موسى أخي حياً ما وسعه إلا اتباعي . وفى رواية : ألم آتِ بها بيضاء نقية ، لو كان موسى أخي حياً ما وسعه إلا اتباعي » !
وفي مصنف ابن أبي شيبة « 7 / 440 » : « إني بعثت خاتماً وفاتحاً ، فاختصر لي الحديث اختصاراً ، فلا يهلكنكم المتهوكون » . وفي غريب ابن سلام « 4 / 48 » : « وكيف يهدونكم وقد أضلوا أنفسهم » !
هَارَ
يقال : هَارَ البناء وتَهَوَّرَ : إذا سقط نحو : انْهَارَ . قال تعالى : عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ « التوبة : 109 » وقرئ : [ هَائِرٌ ] . يقال : بئر هَائِرٌ وهَارٌ وهَارٍ ومُهَارٌ . ويقال : انْهَارَ فلان إذا سقط من مكان عال .
ورجل هَارٍ وهَائِرٌ : ضعيف في أمره ، تشبيهاً بالبئر الهَائِرِ .
وتَهَوَّرَ الليل : اشتد ظلامه . وتَهَوَّرَ الشتاءُ : ذهب أكثره . وقيل : تَهَيَّرَ ، وقيل : تَهَيَّرَهُ فهذا من الياء ، ولو كان من الواو لقيل تهوره .
هَيْتَ
هَيْتَ : قريب من هَلُمَّ . وقرئ هَيْتَ لَكَ : أي تهيأت لك . ويقال : هَيْتَ به وتَهَيَّتْ : إذا قالت : هَيْتَ لك . قال الله تعالى : وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ « يوسف : 23 » .
يقال : هَاتِ وهَاتِيَا وهَاتُوا . قال تعالى : قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ « البقرة : 111 » قال الفراء : ليس في كلامهم هاتيت وإنما ذلك في ألسن الحيرة ، قال : ولا يقال لا تهات .
وقال الخليل : المُهَاتَاةُ والهتاءُ : مصدر هاتَ .
هَيْهَاتَ
هَيْهَاتَ : كلمة تستعمل لتبعيد الشئ ، يقال : هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ وهَيْهَاتاً ، ومنه قوله عز وجل : هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ « المؤمنون : 36 » قال الزجاج : البعد لما توعدون . وقال غيره : غلط الزجاج واستهواه اللام ، فإن تقديره بعد الأمر والوعد لما توعدون ، أي لأجله .
وفي ذلك لغات : هَيْهَاتَ وهَيْهَاتِ وهَيْهَاتاً وهَيْهَاً . وقال الفسوي : هَيْهَاتِ بالكسرجمع هَيْهَاتَ بالفتح .
هَاجَ
يقال : هَاجَ البقل يَهِيجُ : اصفرَّ وطال ، قال عز وجل : ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا « الزمر : 21 » .
وأَهْيَجَتِ الأرضُ : صار فيها كذلك . وهَاجَ الدم والفحل هَيْجاً وهَيَاجاً ، وهَيَّجَتِ الشر والحرب .
والْهَيْجَاءُ : الحرب وقد يقصر ، وهَيَّجْتُ البعيرَ : أَثَرْتُهُ .
ملاحظات
في نسخة الراغب : إذا اصفرَّ وطاب ، وقد أخذها من الخليل فصححناها من عبارته .
هَيَمَ
يقال : رجل هَيْمَانُ وهَائِمٌ : شديد العطش ، وهَامَ على وجهه : ذهب ، وجمعه : هِيمٌ ، قال تعالى : فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ « الواقعة : 55 » .
والْهُيَامُ : داء يأخذ الإبل من العطش ، ويضرب به المثل فيمن اشتد به العشق ، قال : أَلَمْ تَرَ إنهُمْ فِي كل وادٍ يَهِيمُونَ « الشعراء : 225 » أي في كل نوع من الكلام يَغْلُونَ في المدح
--------------------------- 744 ---------------------------
والذم ، وسائر الأنواع المختلفات . ومنه : الْهَائِمُ على وجهه المخالف للقصد الذاهب على وجهه .
وهَامَ : ذهب في الأرض ، واشتد عشقه ، وعطش .
والْهِيمُ : الإبل العطاش ، وكذلك الرمال تبتلع الماء .
والْهِيَامُ من الرمل : اليابس كأنَّ به عطشاً .
ملاحظات
في بعض ما ذكره مناقشة ، لكنها لا تتعلق بمفردات القرآن . فنكتفي بذكر ما قاله الخليل « 4 / 101 » : « الهَيْمَان : العطشان ، والهائم : المتحير . والهيام : كالجنون من العشق ، وهو مهيوم . قال : ظَلَّ كَأنَّ الهِيَامَ خَالَطَهْ » .
هَانَ
الْهَوَانُ : على وجهين ، أحدهما : تذلل الإنسان في نفسه لما لا يلحق به غضاضة ، فيمدح به نحو قوله : وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً « الفرقان : 63 » ونحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله : المؤمن هَيِّنٌ ليِّن .
الثاني : أن يكون من جهة متسلط مستخف به فيذم به . وعلى الثاني قوله تعالى : الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ « الأنعام : 93 » فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ « فصلت : 17 » وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ « البقرة : 90 » وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ « آل عمران : 178 » فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ « الحج : 57 » وَمَنْ يُهِنِ الله فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ « الحج : 18 » . ويقال : هانَ الأمْرُ على فلان : سَهُلَ . قال الله تعالى : هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ « مريم : 21 » وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ « الروم : 27 » وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً « النور : 15 » .
والْهَاوُونَ : فاعول من الهون ، ولا يقال هاوِن ، لأنه ليس في كلامهم فاعل .
ملاحظات
هانَ : فعلٌ مشترك من أصلين : هَانَ من الَهيْن ، وهو السهل الرفيق . ومن ذلك قوله تعالى : وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا . يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ . وهانَ : من الهَوَان وهو الذل ، ومنه أهان مقابل أكرم ، ومنه قوله تعالى : فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّى أَهَانَنِ . تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ .
ولا يمكن جعلهما أصلاً واحداً ، كما حاول الراغب وابن فارس . قال ابن السكيت / 411 : « والهَوْن : يقال هو يمشي هَوْناً ، أي على هينته . والهُون : الهوان » .
وقال ابن قتيبة في غريب الحديث « 1 / 213 » : « الهَون بفتح الهاء الرفق ، قال الله جل وعز : وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا . فإذا ضممت الهاء فهو الهوان » .
هَوَى
الْهَوَى : ميل النفس إلى الشهوة ، ويقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة ، وقيل : سمي بذلك لأنه يَهْوِي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية ، وفي الآخرة إلى الهَاوِيَةِ .
وَالْهُوِيُّ : سقوط من علو إلى سفل ، وقوله عز وجل : فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ « القارعة : 9 » قيل : هو مثل قولهم : هَوَتْ أمّه أي ثكلت . وقيل : معناه مقره النار .
والْهَاوِيَةُ : هي النار ، وقيل : وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ « إبراهيم : 43 » أي خالية كقوله : وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً « القصص : 10 » .
وقد عظم الله تعالى ذم اتباع الهوى ، فقال تعالى : أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ « الجاثية : 23 » وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى « ص : 26 » وَاتَّبَعَ هَواهُ « الأعراف : 176 » .
وقوله : وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ « البقرة : 120 » فإنما قاله بلفظ الجمع تنبيهاً على أن لكل واحد هوى غير هوى الآخر ، ثم هوى كل واحد لا يتناهى ، فإذا اتباع أهوائهم نهاية الضلال والحيرة . وقال عز وجل : وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ « الجاثية : 18 » كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ « الأنعام : 71 » أي حملته على اتباع الهوى . وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا
--------------------------- 745 ---------------------------
« المائدة : 77 » قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ « الأنعام : 56 » وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ الله « الشورى : 15 » وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ الله « القصص : 50 » .
والهُوِيُّ : ذهاب في انحدار . والْهَوِيُّ : ذهاب في ارتفاع قال الشاعر : يَهْوِي مَحَارِمُهَا هَوِيَّ الْأَجْدَلِ
والْهَوَاءُ : ما بين الأرض والسماء ، وقد حمل على ذلك قوله : وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ « إبراهيم : 43 » إذ هي بمنزلة الهواء في الخلاء . ورأيتهم يتهاوَوْن في المَهْوَاةِ : أي يتساقطون بعضهم في أثر بعض . وَأَهْواهُ : أي رفعه في الهواء وأسقطه ، قال تعالى : وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى « النجم : 53 » .
ملاحظات
الهواء : بالمد والقصر معروف . والهوى بالقصر فقط : العشق ، وهوى النفس . ويجمعان على أهواء .
وجعلهما ابن فارس أصلاً واحداً فقال « 6 / 15 » : « وأما الهوى هوى النفس : فمن المعنيين جميعاً ، لأنه خال من كل خير ، ويهوى بصاحبه فيما لا ينبغي » .
وقد ورد الهوى في القرآن بضعاً وثلاثين مرة ، والهواء بضع مرات . وفسر الراغب قوله تعالى : أمه هاوية بأن أمه ثكلى به ، وتقدم في أم أن معناها أم رأسه هاوية في النار ، يقال هوت به أمه ، وهوت أم رأسه ، فيكون الضمير في مَاهِيَهْ راجعاً إلى النار المهوي إليها ، وليس إلى أمه .
هَيَأ
الْهَيْأَةُ : الحالة التي يكون عليها الشئ محسوسةً كانت أو معقولة ، لكن في المحسوس أكثر . قال تعالى : إني أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطينِ كَهَيْئَةِ الطيْرِ « آل عمران : 49 » .
وَالمُهايأَةُ : ما يَتَهَيَّأُ القوم له فيتراضون عليه على وجه التخمين ، قال تعالى : وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً « الكهف : 10 » وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً « الكهف : 16 » وقيل : هَيَّاكَ أن تفعل كذا . بمعنى : إيّاك ، قال الشاعر :
هَيَّاكَ هياكَ وحَنْوَاءُ العُنُقْ
هَا
هَا : للتنبيه في قولهم : هذا وهذه ، وقد رُكِّبَ مع ذا وذه وأولاء ، حتى صار معها بمنزلة حرف منها .
وها في قوله تعالى : ها أَنْتُمْ « آل عمران : 66 » استفهام ، قال تعالى : ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ « آل عمران : 66 » ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ « آل عمران : 119 » هؤُلاءِ جادَلْتُمْ « النساء : 109 » ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ « البقرة : 85 » لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ « النساء : 143 » .
وهَا : كلمة في معنى الأخذ وهو نقيض : هات أي أعط ، يقال : هَاؤُمُ ، وهَاؤُمَا ، وهَاؤُمُوا . وفيه لغة أخرى : هَاءِ ، وهَاءَا ، وهَاءُوا ، وهَائِي ، وهَأْنَ ، نحو : خَفْنَ .
وقيل : هَاكَ ، ثم يثنى الكاف ويجمع ويؤنث قال تعالى : هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ « الحاقة : 19 » وقيل : هذه أسماء الأفعال . يقال : هَاءَ يَهَاءُ نحو : خاف يخاف . وقيل : هَاءَى يُهَائِي ، مثل : نادى ينادي ، وقيل : إِهَاءُ نحو : إخالُ .
هُوَ : كناية عن اسم مذكر ، والأصل الهاء والواو زائدة صلة للضمير وتقوية له ، لأنها الهاء التي في : ضربته .
ومنهم من يقول : هُوَّ مثقَّل . ومن العرب من يخفف ويسكن ، فيقال : هُوَ .
تم كتاب الهاء
--------------------------- 746 ---------------------------
كتاب الواو وما يتصل بها
وَبَلَ
الوَبْلُ والْوَابِلُ : المطر الثقيل القطار . قال تعالى : فَأَصابَهُ وابِلٌ « البقرة : 264 » كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ « البقرة : 265 » .
ولمراعاة الثقل قيل للأمر الذي يخاف ضرره : وَبَالٌ . قال تعالى : فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ « التغابن : 5 » .
ويقال طعام وَبِيلٌ ، وكلأٌ وَبِيلٌ : يُخافُ وباله ، قال تعالى : فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا « المزمل : 16 » .
ملاحظات
وردت هذه المادة في القرآن بمعنى المطر الغزير في قوله تعالى : كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ . . كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ . .
ووردت بمعنى العذاب والهلاك في قوله تعالى : فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلاً . . فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وهما معنيان مستقلان ، لاوجه لاشتقاق أحدهما من الآخر .
لكن الراغب جعل الوبال مشتقاً من الوابل ! فقد أخذ عبارة الخليل « 8 / 338 » : « الوابل : المطر الغليظ القطر » وترجمها إلى لغته الضعيفة فقال : المطر الثقيل القطار . فبدَّل الغليظ بالثقيل ، والقطر بالقطار !
كما قال الجوهري « 5 / 1839 » : « الوَبَلَة بالتحريك : الثقل والوخامة مثل الأَبَلَة . وقد وَبِلَ المرتع بالضم وبلاً ووبالاً فهو وبيل ، أي وخيم . واستوبلت البلد أي استوخمته ، وذلك إذا لم يوافقك في بدنك وإن كنت تحبه » .
فاجتهد الراغب فيه وحذف الوخامة وأبقى الثقل ، وجعله مأخوذاً من ثقل حبات المطر ، وهذا نموذج من تكلفه الركيك .
--------------------------- 747 ---------------------------
كما ارتكب نقص الأمانة لأنه أضاف إلى الوابل ثقل المطر ليصح اشتقاق الوبيل منه ! وحذف من الوبيل الوخامة وهي عمدة معناه !
وكان الأحرى به أن يقول : الوابل هو المطر الغزير والوبيل هو المرعى الوخيم ، ولا يصر على أن أحدهما مأخوذٌ من الآخر ، كما فعل الخليل ، أو يتوقف عن الريط بينهما .
وَبَرَ
الوَبَرُ : معروف ، وجمعه : أَوْبَارٌ . قال تعالى : وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها « النحل : 80 » وقيل : سكَّان الوبر لمن بيوتهم من الوبر ، وبنات أَوْبَرَ للكُمْأِ الصغار التي عليها مثل الوبر .
ووَبَّرَتِ الأرنبُ : غطت بالوبر الذي على زمعاتها أثرها . ووَبَّرَ الرجل في منزله : أقام فيه تشبيهاً بالوبر الملقى نحو تلبد بمكان كذا : ثبت فيه ثبوت اللبد .
ووبار قيل : أرض كانت لعاد .
وَبَقَ
وَبَقَ : إذا تثبط فهلك ، وَبَقاً ومَوْبِقاً . قال تعالى : وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً « الكهف : 52 » .
وأَوْبَقَهُ كذا : قال تعالى : أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا « الشورى : 34 » .
ملاحظات
أضاف الراغب من عنده إلى وَبَقَ معنى تثبط ، فلم أجد أحداً ذكر ذلك ! قال الجوهري « 4 / 1562 » : « وبق يبق وبوقاً : هلك . والمَوْبِق مفعل منه كالموعد مفعل من وعد يعد . ومنه قوله تعالى : وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا . وفيه لغة أخرى : وبق يوبق وبقاً » .
وقال ابن فارس « 6 / 82 » : « وَبَقَ : كلمتان ، يقال لكل شئ حال بين شيئين مَوْبِق . والكلمة الأخرى وَبَق : هلكوأوبقه الله » .
وَتَنَ
الوَتِينُ : عِرْقٌ يسقي الكبد ، وإذا انقطع مات صاحبه .
قال تعالى : ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ « الحاقة : 46 » والْمَوْتُونُ : المقطوع الوتين .
والمُوَاتَنَةُ : أن يقرب منه قرباً كقرب الوتين ، وكأنه أشار إلى نحو ما دل عليه قوله تعالى : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ « ق : 16 » .
واسْتَوْتَنَ الإبلُ : إذا غلُظ وتينُها من السِّمن .
ملاحظات
أخذ الراغب هذه المادة من الخليل « 8 / 136 » لكنه أضاف : « وقيل : الوتين عرق القلب » .
وجزم به ابن فارس « 6 / 84 » وذكر عامة المفسرين أنه الوريد .
وَتَدَ
الوَتِدُ والوَتَدُ ، وقد وَتَدْتُهُ أَتِدُهُ وَتْداً . قال تعالى : وَالْجِبالَ أَوْتاداً « النبأ : 7 » وكيفية كون الجبال أوتاداً يختص بما بعد هذا الباب . وقد يسكَّن التاء ويدغم في الدال فيصير وداً .
والوَتِدَان من الأذن تشبيهاً بالوتد للنُّتُو فيهما .
وَتَرَ
الوَتْرُ : في العدد خلاف الشفع ، وقد تقدم الكلام فيه في قوله : وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ « الفجر : 3 » وأَوْتَرَ في الصلاة .
والوِتْرُ والوَتَرُ والترَةُ : الذَّحل ، وقد وَتَرْتُهُ : إذا أصبته بمكروه . قال تعالى : وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ « محمد : 35 » .
والتواتُرُ : تتابع الشئ وتراً وفرادى ، وجاؤوا تَتْرَى قال تعالى : ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا « المؤمنون : 44 » ولاوتيرة في كذا ولا غميزة ولا غِيَر .
والوَتِيرَة : السجية من التواتر ، وقيل للحلقة التي يتعلم عليها الرمي : الوَتِيرَة ، وكذلك للأرض المنقادة .
--------------------------- 748 ---------------------------
والوَتِيرَة : الحاجز بين المنخرين .
وَثِقَ
وَثِقْتُ به أَثِقُ ثِقَةً : سكنت إليه واعتمدت عليه .
وأَوْثَقْتُهُ : شددته . والوَثَاقُ والوِثَاقُ : إسمان لما يُوثَقُ به الشئ . والوُثْقَى : تأنيث الأَوْثَق . قال تعالى : وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ « الفجر : 26 » حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ « محمد : 4 » .
والمِيثاقُ : عقد مؤكد بيمين وعهد ، قال : وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثاقَ النَّبِيِّينَ « آل عمران : 81 » وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ « الأحزاب : 7 » وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً « النساء : 154 » .
والمَوْثِقُ : الاسم منه . قال : حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ الله إلى قوله : مَوْثِقَهُمْ « يوسف : 66 » .
والوُثْقَى : قريبة من الموثق ، قال : فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى « البقرة : 256 » وقالوا رجل ثِقَةٌ وقوم ثِقَةٌ ، ويستعار للموثوق به . وناقة مُوثَقَة الخلق : محكمته .
وَثَنَ
الوَثَن : واحد الأوثان ، وهو حجارة كانت تعبد .
قال تعالى : إنمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ الله أَوْثاناً « العنكبوت : 25 » .
وقيل : أَوْثَنْتُ فلاناً : أجزلت عطيته ، وأَوْثَنْتُ من كذا : أكثرت منه .
وَجَبَ
الوجوب : الثبوت ، والواجب يقال على أوجه ، الأول : في مقابلة الممكن ، وهو الحاصل الذي إذا قدر كونه مرتفعاً حصل منه محال نحو : وجود الواحد مع وجود الاثنين ، فإنه محال أن يرتفع الواحد مع حصول الاثنين .
الثاني : يقال في الذي إذا لم يفعل يستحق به اللوم ، وذلك ضربان : واجب من جهة العقل ، كوجوب معرفة الوحدانية ومعرفة النبوة . وواجب من جهة الشرع كوجوب العبادات الموظفة .
ووَجَبَتِ الشمس : إذا غابت كقولهم : سقطت ووقعت ، ومنه قوله تعالى : فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها « الحج : 36 » .
ووَجَبَ القلب وَجِيباً . كل ذلك اعتبار بتصور الوقوع فيه ، ويقال في كله : أَوْجَب .
وعبر بالمُوجِبَات عن الكبائر التي أوجب الله عليها النار .
وقال بعضهم : الواجب يقال على وجهين : أحدهما : أن يراد به اللازم الوجوب ، فإنه لا يصح أن لا يكون موجوداً ، كقولنا في الله جل جلاله : واجب وجوده .
والثاني : الواجب بمعنى أن حقه أن يوجد .
وقول الفقهاء : الواجب ما إذا لم يفعله يستحق العقاب ، وذلك وصف له بشئ عارض له لا بصفة لازمة له ، ويجري مجرى من يقول : الإنسان الذي إذا مشى مشى برجلين منتصب القامة .
ملاحظات
يستعمل الواجب في الفقه بمعنى المفروض ، وفي الفلسفة والكلام بمعنى لازم الوجود . لكن لم ترد مادته في القرآن إلا في آية : وجبت جنوبها . وهي بمعنى تمت تذكيتها . قال الخليل « 6 / 192 » : « وجبت الشمس وجباً : غابت . وقوله جل وعز : فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا . يقال : معناه : خرجت أنفسها ، ويقال : سقطت لجنوبها . والموجبات : الكبائر من الذنوب التي يوجب الله بها النار . ووجَبَ الرجلُ على نفسه الطعام ، إذا جعل لنفسه أكلةً واحدة في اليوم وهي الوجبة . ووجب البعير توجيباً ، أي : برك وسقط » .
وقال الجوهري « 1 / 231 » : « وجب الشئ ، أي لزم ، يجب وجوباً . وأوجبه الله ، واستوجبه أي استحقه . ووجب البيع يجب جِبَةً . قال الله تعالى : فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا . ومنه قولهم : خرج القوم إلى مواجبهم ، أي مصارعهم » .
--------------------------- 749 ---------------------------
وَجَدَ
الوجود أضرُبٌ : وجود بإحدى الحواس الخمس نحو : وَجَدْتُ زيداً ، ووَجَدْتُ طعمه ، ووجدت صوته ، ووجدت خشونته .
ووجود بقوة الشهوة نحو : وَجَدْتُ الشبع . ووجود بقوة الغضب ، كوجود الحزن والسخط . ووجود بالعقل ، أو بواسطة العقل كمعرفة الله تعالى ، ومعرفة النبوة .
وما ينسب إلى الله تعالى من الوجود فبمعنى العلم المجرد ، إذْ كان الله منزهاً عن الوصف بالجوارح والآلات نحو : وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ « الأعراف : 102 » . وكذلك المعدوم ، يقال على هذه الأوجه . فأما وجود الله تعالى للأشياء فبوجه أعلى من كل هذا .
ويعبر عن التمكن من الشئ بالوجود . نحو : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ « التوبة : 5 » أي حيث رأيتموهم .
وقوله تعالى : فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ « القصص : 15 » أي تمكن منهما ، وكانا يقتتلان .
وقوله : وَجَدْتُ امْرَأَةً إلى قوله : يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ « النمل : 23 » فوجود بالبصر والبصيرة ، فقد كان منه مشاهدة بالبصر واعتبار لحالها بالبصيرة ، ولولا ذلك لم يكن له أن يحكم بقوله : وَجَدْتُها وَقَوْمَها . . الآية .
وقوله : فَلَمْ تَجِدُوا ماءً « النساء : 43 » فمعناه : فلم تقدروا على الماء . وقوله : مِنْ وُجْدِكُمْ « الطلاق : 6 » أي تمكنكم وقدر غناكم ، وقد يعبر عن الغنى بالوجدان والجدة . وقد حكي فيه الوَجْد والوِجْد والوُجْد .
ويعبر عن الحزن والحب بالوَجْد ، وعن الغضب بالمَوْجِدَة ، وعن الضالة بالوُجُود .
وقال بعضهم : الموجودات ثلاثة أضرب : موجود لا مبدأ له ولا منتهى ، وليس ذلك إلا الباري تعالى . وموجودٌ له مبدأٌ ومنتهى كالناس في النشأة الأولى وكالجواهر الدنيوية . وموجودٌ له مبدأ وليس له منتهى كالناس في النشأة الآخرة .
ملاحظات
ظاهر كلام الخليل أنه جعل وجد أصلين ، قال « 6 / 169 » : « الوَجْد : من الحزن . والمَوْجَدَة من الغضب . والوُجدان والجِدة من قولك : وجدت الشئ ، أي أصبته » .
أما ابن فارس « 6 / 86 » فقال : « أصل واحد وهو الشئ يُلفيه . ووجدت الضالة وجداناً . وحكي بعضهم : وجدت في الغضب وجداناً » .
وقول الخليل أقوى لأنه لا يمكن جعل وجد عليه بمعنى حزن أو الموجدة بمعنى الغضب ، من وجده بمعنى أصابه .
أما الراغب فلم يذكر وحدة أصل المادة أو تعدده ، وأطال في تقسيمات عادية ذكرها بعض المناطقة أو الفلاسفة للموجود ، وأجاد في تمييز معناه بالنسبة إلى الله تعالى عن معناه بالنسبة للمخلوقين .
وقد وردت مادة وجد في القرآن بمعناها المتعارف ، وجاءت في السنة بمعنى الغضب ، قال البخاري ( 5 / 82 ) : ( فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته ، فلم تكلمه حتى توفيت ) .
وَجَسَ
الوَجْس : الصوت الخفي . والتوَجُّس : التسمع . والإيجاس : وجود ذلك في النفس . قال تعالى : فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً « الذاريات : 28 » .
فالوَجْس قالوا : هو حالة تحصل من النفس بعد الهاجس ، لأن الهاجس مبتدأ التفكير ، ثم يكون الواجس الخاطر .
--------------------------- 750 ---------------------------
ملاحظات
الوجس والتوجس : الفزع في القلب ، ولا يشترط فيه التسمع ، نعم قد يتبع التوجس الانتباه بالحواس لمعرفة شئ . ولذا سمي الصوت الخفي وَجَساً .
قال الخليل « 6 / 161 » : « الوَجْسُ : فزعةُ القلب ، يقال : أوجس القلب فزعاً . وتوجست الأذن إذا سمعت فزعاً . والوَجْسُ : الفزع يقع في القلب ، أو في السمع من صوت وغيره ، والوَجْسُ : الصوت الخفي » .
وَجِلَ
الوَجَل : استشعار الخوف . يقال : وَجِلَ يَوْجَلُ وَجَلاً ، فهو وَجِلٌ . قال تعالى : إنمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ « الأنفال : 2 » إنا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قالُوا لا تَوْجَلْ « الحجر : 52 » وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ « المؤمنون : 60 » .
وَجَهَ
أصل الوجه : الجارحة ، قال تعالى : فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ « المائدة : 6 » وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ « إبراهيم : 50 » .
ولما كان الوجه أول ما يستقبلك وأشرف ما في ظاهر البدن ، استعمل في مستقبل كل شئ ، وفي أشرفه ومبدئه فقيل : وجه كذا ، ووجه النهار .
وربما عبر عن الذات بالوجه في قول الله : وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ « الرحمن : 27 » قيل : ذاته ، وقيل : أراد بالوجه هاهنا التوجه إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة . وقال : فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله « البقرة : 115 » كل شَئ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ « القصص : 88 » يُرِيدُونَ وَجْهَ الله « الروم : 38 » إنما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله « الإنسان : 9 » .
قيل : إن الوجه في كل هذا زائد ويعني بذلك : كل شئ هالك إلا هو ، وكذا في أخواته . وروي أنه قيل ذلك لأبي عبد الله بن الرضا فقال : سبحانالله ! لقد قالوا قولاً عظيماً ، إنما عنى الوجه الذي يؤتى منه . ومعناه : كل شئ من أعمال العباد هالك وباطل ، إلا ما أريد به الله .
وعلى هذا الآيات الأخر ، وعلى هذا قوله : يُرِيدُونَ وَجْهَهُ « الكهف : 28 » تُرِيدُونَ وَجْهَ الله « الروم : 39 » وقوله : وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كل مَسْجِدٍ « الأعراف : 29 » فقد قيل : أراد به الجارحة واستعارها كقولك : فعلت كذا بيدي ، وقيل : أراد بالإقامة تحري الإستقامة وبالوجه التوجه ، والمعنى : أخلصوا العبادة لله في الصلاة .
وعلى هذا النحو قوله تعالى : فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ « آل عمران : 20 » وقوله : وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى « لقمان : 22 » وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ « النساء : 125 » وقوله : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً « الروم : 30 » .
فالوجه في كل هذا كما تقدم ، أو على الاستعارة للمذهب والطريق . وفلان وجه القوم كقولهم : عينهم ورأسهم ونحو ذلك .
وقال : وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى « الأعلى : 19 » وقوله : آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ « آل عمران : 72 » أي صدر النهار .
ويقال : واجهت فلاناً : جعلت وجهي تلقاء وجهه .
ويقال للقصد : وجْهٌ ، وللمقصد جهة ووِجْهَةٌ وهي حيثما نتوجه للشئ . قال : لِكل وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها « البقرة : 148 » إشارة إلى الشريعة ، كقوله : شِرْعَةً « المائدة : 48 » .
وقال بعضهم : الجاه مقلوب عن الوجه لكن الوجه يقال في العضو والحظوة ، والجاه لا يقال إلا في الحظوة . ووجهت الشئ : أرسلته في جهة واحدة فتوجه .
وفلان وجِيهٌ : ذو جاه . قال تعالى : وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ « آل عمران : 45 » . وأحمق ما يُتوجه به : كناية عن الجهل
--------------------------- 751 ---------------------------
بالتفرط ، وأحمق ما يَتوجه ، بفتح الياء وحذف به عنه ، أي لا يستقيم في أمر من الأمور لحمقه .
والتوجيه في الشعر : الحرف الذي بين ألف التأسيس وحرف الرَّوْي .
ملاحظات
تقدم تفسير آية : كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ، في مادة هلك وبقي ، وقد بتر الراغب الرواية عن أهل البيت عليهم السلام وهي عن الإمام الصادق عليه السلام قال : سبحان الله لقد قالوا عظيماً ، إنما عنى كل شئ هالك إلا وجهه الذي يؤتى منه ، ونحن وجهه الذي يؤتى منه » .
وَجَفَ
الوَجِيف : سرعة السير . وأوجفت البعير : أسرعته . قال تعالى : فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ « الحشر : 6 » وقيل : أدلَّ فأمَّل وأوجف فأعجف ، أي حمل الفرس على الإسراع فهزله بذلك .
قال تعالى : قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ « النازعات : 8 » أي مضطربة كقولك : طائرة وخافقة ونحو ذلك من الإستعارات لها .
ملاحظات
فسر بعضهم وَجَفَ بأسرعَ ، وأجاد الجوهري بقوله « 4 / 1437 » : « وَجَفَ الشئ أي اضطرب ، وقلبٌ واجفٌ . والوجيف : ضرب من سير الإبل والخيل . وقد وجف البعير يَجِفُ وجْفاً ووجيفاً ، وأوجفته أنا . يقال : أوجف فأعجفَ . وقال تعالى : مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ . أي ما أعملتم . قال العجاج :
ناجٍ طواهُ الأيْنُ مما وَجَفَا »
فالوجيف : نوع من السرعة في السير ، ومعنى الآية : إنكم لم تتعبوا في فتح هذه المناطق ، ولم تسيروا إليها قاصدين موجفين بخيلكم وإبلكم ، بل أعطاها الله لرسوله صلى الله عليه وآله بإلقائه الرعب في قلوب أعدائه .
وَحَدَ
الوَحْدَة : الانفراد ، والواحد في الحقيقة هو الشئ الذي لا جزء له البتة ، ثم يطلق على كل موجود ، حتى إنه ما من عدد إلا ويصح أن يوصف به فيقال : عشرة واحدة ، ومائة واحدة وألف واحد .
فالواحد لفظ مشترك يستعمل على ستة أوجه :
الأول : ما كان واحداً في الجنس ، أو في النوع كقولنا : الإنسان والفرس واحد في الجنس ، وزيد وعمرو واحد في النوع .
الثاني : ما كان واحداً بالاتصال ، إما من حيث الخلقة كقولك : شخص واحد ، وإما من حيث الصناعة ، كقولك : حرفة واحدة .
الثالث : ما كان واحداً لعدم نظيره ، إما في الخلقة كقولك : الشمس واحدة ، وإما في دعوى الفضيلة كقولك : فلان واحد دهره ، وكقولك : نسيج وحده .
الرابع : ما كان واحداً لامتناع التجزي فيه ، إما لصغره كالهباء ، وإما لصلابته كالألماس .
الخامس : للمبدأ ، إما لمبدإ العدد كقولك : واحد اثنان ، وإما لمبدإ الخط كقولك : النقطة الواحدة . والوحدة في كلها عارضة . وإذا وصف الله تعالى بالواحد فمعناه : هو الذي لا يصح عليه التجزي ولا التكثر ، ولصعوبة هذه الوحدة قال تعالى : وَإِذا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ « الزمر : 45 » .
والوَحْد : المفرد ، ويوصف به غير الله تعالى ، كقول الشاعر : على مستأنس وَحْدٍ .
وأحَدٌ : مطلقاً لا يوصف به غير الله تعالى ، وقد تقدم فيما مضى . ويقال : فلان لا واحد له كقولك : هو نسيج
--------------------------- 752 ---------------------------
وحده . وفي الذم يقال : هو عُيَيْرُ وحدِه ، وجُحَيشُ وحدِه ، وإذا أريد ذمٌّ أقل من ذلك قيل : رُجَيْلُ وحدِه .
وَحَشَ
الوَحْش : خلاف الإنس . وتسمى الحيوانات التي لا أنس لها بالإنس وحشاً ، وجمعه وُحُوش . قال تعالى : وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ « التكوير : 5 » .
والمكان الذي لا أنس فيه : وَحِشٌ ، يقال : لقيته بوَحِشٍ أَصْمَت ، أي ببلد قفر . وبات فلان وَحِشَاً : إذا لم يكن في جوفه طعام ، وجمعه أوحاش .
وأرض مُوحِشَة : من الوحش . ويسمى المنسوب إلى المكان الوَحِش وحشيّاً ، وعبر بالوحشي عن الجانب الذي يضاد الإنسي والإنسي هو ما يقبل منهما على الإنسان . وعلى هذا : وحشيُّ القوس وإنسيُّه .
وَحَيَ
أصل الوحي : الإشارة السريعة ، ولتضمن السرعة قيل أمر وَحْيٌ ، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب ، وبإشارة ببعض الجوارح وبالكتابة ، وقد حمل على ذلك قوله تعالى عن زكريا : فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا « مريم : 11 » . فقد قيل رَمَزَ ، وقيل أشارَ ، وقيل كَتَب .
وعلى هذه الوجوه قوله : وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكل نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً « الأنعام : 112 » .
وقوله : وَإن الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ « الأنعام : 121 » فذلك بالوسواس المشار إليه بقوله : مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ « الناس : 4 » وبقوله عليه السلام : وإن للشيطان لمُة .
ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى إلى أنبيائه وأوليائه : وَحْيٌ ، وذلك أضرُبٌ حسبما دل عليه قوله تعالى : وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكلمَهُ الله إِلَّا وَحْياً . إلى قوله بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ « الشورى : 51 » وذلك إما برسول مشاهد ترى ذاته ويسمع كلامه ، كتبليغ جبريل عليه السلام للنبي في صورة معينة .
وإما بسماع كلام من غير معاينة كسماع موسى كلام الله .
وإما بإلقاء في الروع كما ذكر عليه السلام : إن روح القدس نفث في روعي . وإما بإلهام نحو : وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ « القصص : 7 » .
وإما بتسخير نحو قوله : وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ « النحل : 68 » .
أو بمنام كما قال عليه السلام : انقطع الوحي ، وبقيت المبشرات رؤيا المؤمن .
فالإلهام والتسخير والمنام دلَّ عليه قوله : إِلَّا وَحْياً « الشورى : 51 » وسماع الكلام معاينة دل عليه قوله : أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ « الشورى : 51 » وتبليغ جبريل في صورة معينة دل عليه قوله : أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ « الشورى : 51 » .
وقوله : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى الله كذباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَئ « الأنعام : 93 » . فذلك لمن يدعي شيئاً من أنواع ما ذكرناه من الوحي ، أي نوع ادعاه من غير أن حصل له .
وقوله : وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ . الآية . « الأنبياء : 25 » . فهذا الوحي هو عام في جميع أنواعه ، وذلك أن معرفة وحدانية الله تعالى ومعرفة وجوب عبادته ، ليست مقصورة على الوحي المختص بأولي العزم من الرسل ، بل يعرف ذلك بالعقل والإلهام كما يعرف بالسمع .
فإذاً القصد من الآية تنبيهٌ [ على ] أنه من المحال أن يكون رسولٌ لا يعرف وحدانية الله ووجوب عبادته .
وقوله تعالى : وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ « المائدة : 111 » فذلك وحي بوساطة عيسى عليه السلام .
--------------------------- 753 ---------------------------
وقوله : وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ « الأنبياء : 73 » فذلك وحيٌ إلى الأمم بوساطة الأنبياء .
ومن الوحي المختص بالنبي عليه السلام : اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ « يونس : 109 » إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ « يونس : 15 » قُلْ إنما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ « الكهف : 110 » .
وقوله : وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ « يونس : 87 » فوحيه إلى موسى بوساطة جبريل ، ووحيه تعالى إلى هارون بوساطة جبريل وموسى .
وقوله : إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ إني مَعَكُمْ « الأنفال : 12 » فذلك وحي إليهم بوساطة اللوح والقلم فيما قيل .
وقوله : وَأَوْحى فِي كل سَماءٍ أَمْرَها « فصلت : 12 » فإن كان الوحي إلى أهل السماء فقط فالموحى إليهم محذوف ذكره ، كأنه قال : أوحى إلى الملائكة ، لأن أهل السماء هم الملائكة ، ويكون كقوله : إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ « الأنفال : 12 » .
وإن كان الموحى إليه هي السماوات فذلك تسخيرٌ عند من يجعل السماء غير حيٍّ ، ونطقٌ عند من جعله حياً . وقوله : بِأن رَبَّكَ أَوْحى لَها « الزلزلة : 5 » فقريب من الأول .
وقوله : وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ « طه : 114 » فحثٌّ على التثبت في السماع وعلى ترك الاستعجال في تلقيه وتلقُّنِه .
ملاحظات
في تقسيمه للوحي وتفسيره بعض آياته إشكالاتٌ متعددةٌ . ولا نطيل فيها لأنها ليست مباحث لغوية .
وَدَدَ
الوُدُّ : محبة الشئ وتمني كونه ، ويستعمل في كل واحد من المعنيين . على أن التمني يتضمن معنى الود ، لأن التمني هو تشهي حصول ما تَوَدُّهُ . وقوله تعالى : وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً « الروم : 21 » وقوله : سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا « مريم : 96 » فإشارةٌ إلى ما أوقع بينهم من الألفة المذكورة في قوله : لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ . الآية . « الأنفال : 63 » وفي المودة التي تقتضي المحبة المجردة في قوله : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى . « الشورى : 23 » .
وقوله : وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ « البروج : 14 » إن رَبِي رَحِيمٌ وَدُودٌ « هود : 90 » فالودود يتضمن ما دخل في قوله : فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ « المائدة : 54 » .
وتقدم معنى محبة الله لعباده ومحبة العباد له ، قال بعضهم : مودة الله لعباده هي مراعاته لهم . روي أن الله تعالى قال لموسى : أنا لا أغفل عن الصغير لصغره ولا عن الكبير لكبره ، وأنا الودود الشكور . فيصح أن يكون معنى : سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا « مريم : 96 » معنى قوله : فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ « المائدة : 54 » .
ومن المودة التي تقتضي معنى التمني : وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ « آل عمران : 69 » وقال : رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ « الحجر : 2 » وقال : وَدُّوا ما عَنِتُّمْ « آل عمران : 118 » وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ « البقرة : 109 » وَتَوَدُّونَ إن غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ « الأنفال : 7 » وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا « النساء : 89 » يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ « المعارج : 11 » وقوله : لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ « المجادلة : 22 » فنهى عن موالاة الكفار وعن مظاهرتهم ، كقوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ إلى قوله : بِالْمَوَدَّةِ « الممتحنة : 1 » أي بأسباب المحبة من النصيحة ونحوها . كَأن لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ « النساء : 73 » . وفلان وديد فلان : مُوَادُّه .
والوَدُّ : صنم سمي بذلك ، إما لمودتهم له أو لاعتقادهم أن بينه وبين الباري مودة تعالى الله عن القبائح .
--------------------------- 754 ---------------------------
والوُد : الوتد ، وأصله يصح أن يكون وتد فأدغم ، وأن يكون لتعلق مايشدّ به ، أو لثبوته في مكانه فتصور منه معنى المودة والملازمة .
ملاحظات
1 . أوصى النبي صلى الله عليه وآله أمته بالتمسك بالقرآن وعترته : وفرض الله على الأمة أن يقرنوهم بالنبي صلى الله عليه وآله ويصلوا عليهم في الصلاة ، وفرضمحبتهم وولايتهم ومودتهم في قوله تعالى : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى . « الشورى : 23 » وهذا أعلى درجات فرض طاعتهم . لأن المودة هي أصفى الحب « الزاهر / 374 » « وصفيُّ الإنسان : الذي يصافيه المودة » . « العين : 7 / 163 » . « فأما الخليل يعني إبراهيم عليه السلام فالذي سمعت فيه أن معنى الخليل أصْفى المودة » . « المخصص : 3 ق 3 / 244 » . « الصَّفَاءُ مُصافاة المَوَدَّةِ والإِخاءِ » . « لسان العرب : 14 / 463 » .
فالمودة موالاةٌ وحب خالص ، تقتضي الطاعة والاتباع . قال الإمام الباقر عليه السلام : « هي والله فريضة من الله على العباد لمحمد صلى الله عليه وآله في أهل بيته » .
وقال الإمام الصادق عليه السلام لرجل : « ما يقول من عندكم في قول الله تبارك وتعالى : قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى . فقال : كان الحسن البصري يقول : في أقربائي من العرب . فقال أبو عبد الله عليه السلام : لكني أقول لقريش الذين عندنا : هي لنا خاصة فيقولون : هي لنا ولكم عامة ، فأقول : خبروني عن النبي صلى الله عليه وآله إذا نزلت به شديدةٌ مَنْ خَصَّ بها ، أليس إيانا خص بها ، حين أراد أن يلاعن أهل نجران أخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، ويوم بدر قال لعلي وحمزة وعبيدة بن الحارث . قال : فأبوا يقرون لي ! أفَلَكُمُ الحُلْوُ ولنا الُمرُّ » ! « المحاسن : 1 / 144 » .
2 . لما كان التولي الذي أمر الله به لأئمة العترة : أعلى درجة من المحبة ، حاول أتباع السلطة تهوينه ، وفي المقابل شددوا على ولاية الحكام وطاعتهم !
وَدَعَ
الدَّعة : الخَفْض . يقال : وَدَعْتُ كذا ، أدَعُهُ وَدْعاً نحو تركته . وقال بعض العلماء : لا يستعمل ماضيه واسم فاعله ، وإنما يقال : يَدَعُ ودَعْ . وقد قرئ : ما وَدَعَكَ ربك « الضحى : 3 » وقال الشاعر :
ليت شعري عن خليلي ما الذي
غَالَهُ في الحبِّ حتى وَدَعَهْ
والتودع : ترك النفس عن المجاهدة . وفلان متدع ومتودع وفي دعة : إذا كان في خفض عيش ، وأصله من الترك ، أي بحيث ترك السعي لطلب معاشه لعناء .
والتوديع : أصله من الدعة ، وهو أن تدعو للمسافر بأن يتحمل الله عنه كآبة السفر ، وأن يبلغه الدعة ، كما أن التسليم دعاء له بالسلامة فصار ذلك متعارفاً في تشييع المسافر وتركه . وعبَّر عن الترك به في قوله : ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ « الضحى : 3 » كقولك : ودّعت فلاناً نحو : خليته .
ويكنّى بالمودع عن الميت ، ومنه قيل : استودعتك غير مودع ، ومنه قول الشاعر : وَدَّعْتُ نَفْسِي سَاعَةَ التَّوْدِيعِ
ملاحظات
قال الراغب في آية : مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ، إنها مخففة من وَدَعَ أي ترك ، والصحيح أنها من وَدَّعَ ومعناها : ما فارقك ولا أبغضك . قال الخليل « 2 / 222 » : « الوداع : الترك والقلى ، وهو توديع الفراق . وقوله تعالى : مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ، أي ما تركك . والعرب لا تقول : ودعته فأنا وادع ، في معنى تركته فأنا تارك » .
وَدَقَ
الوَدْق : قيل ما يكون من خلال المطر كأنه غبار ، وقد
--------------------------- 755 ---------------------------
يعبر به عن المطر . قال تعالى : فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ « النور : 43 » ويقال لما يبدو في الهواء عند شدة الحرّ وَدِيقَة .
وقيل : وَدَقَتِ الدابةُ واسْتَوْدَقَتْ ، وأتانٌ وَدِيقٌ ووَدُوقٌ : إذا أَظْهَرَتْ رطوبةً عند إرادة الفحل .
والْمَوْدِقُ : المكان الذي يَحْصُلُ فيه الْوَدَقُ ، وقول الشاعر :
تُعَفِّي بذيل الِمرْطِ إذْ جئتُ مَوْدِقِي
تعفي : أي تزيل الأثر ، والمرط : لباس النساء فاستعارة وتشبيه لأثر موطئ القدم بأثر موطئ المطر .
ملاحظات
الوَدْقُ : أول ما يرشح من المطر وينبثق من الغيم لقوله تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُزْجِى سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ . أي من خلال ركام السحاب ، فهو أول ظهور ذرات المطر ، وهو غير القطر لقول أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء الاستسقاء : « وأنزل علينا سماءً مخضلة ، مدراراً هاطلة ، يدفع الودقُ منها الودقَ ، ويحفز القطرُ منها القطرَ » . « نهج البلاغة : 1 / 228 » .
وفي دعاء الحسين عليه السلام : « واسقنا الغيث واكفاً مغزاراً ، غيثاً مغيثاً ، واسعاً مسبغاً ، وَدِقاً مطفاحاً ، يدفع الودق بالودق دفاعاً ، ويطلع القطر منه » . « الفقيه : 1 / 57 » .
فالودق يدفع بعضه بعضاً ، عندما يتولد ويتكون منه القطر ، فهو غير ذرات المطر التي تبدو كالغبار .
وَادِي
قال تعالى : إنكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ « طه : 12 » أصل الوَادِي : الموضع الذي يسيل فيه الماء ، ومنه سُمِّيَ المَفْرَجُ بين الجبلين وَادِياً ، وجمعه : أَوْدِيَةٌ نحو : ناد وأندية ، وناج وأنجية .
ويستعار الوَادِي للطريقة كالمذهب والأسلوب ، فيقال : فلان في وَادٍ غير وَادِيكَ . قال تعالى : أَلَمْ تَرَ إنهُمْ فِي كل وادٍ يَهِيمُونَ « الشعراء : 225 » فإنه يعني أساليب الكلام من المدح والهجاء ، والجدل والغزل ، وغير ذلك من الأنواع . قال الشاعر : إذا ما قَطَعْنَا وَادِياً من حَدِيثِنَا
إلى غيره ِزِدْنَا الأحَادِيثَ وَادِيَا
وقال عليه الصلاة والسلام : لو كان لابن آدم وَادِيَانِ من ذهب لابتغى إليهما ثالثاً . وقال تعالى : فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها « الرعد : 17 » أي بقَدْرِ مياهها . ويقال : وَدِيَ يَدِي . وكُنِّيَ بِالْوَدْي عن ماء الفحل عند الملاعبة ، وبعد البول فيقال فيه : أَوْدَى نحو أَمْذَى وأَمْنَى . ويقال : وَدَى وأَوْدَى ومَنَى وأَمْنَى .
والوَدِيُّ : صغار الفسيل اعتباراً بسيلانه في الطول . وأَوْدَاهُ : أهلكه كأنه أسال دمه .
ووَدَيْتُ القتيلَ : أعطيت دِيَتَهُ ، ويقال لما يعطى في الدم : دِيَةٌ ، قال تعالى : فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ « النساء : 92 » .
وَذَرَ
يقال : فلان يَذَرُ الشئ ، أي يقذفه لقلة اعتداده به . ولم يستعمل ماضيه . قال تعالى : قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا « الأعراف : 70 » وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ « الأعراف : 127 » فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ « الأنعام : 112 » وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا « البقرة : 278 » إلى أمثاله .
وتخصيصه في قوله : وَيَذَرُونَ أَزْواجاً « البقرة : 234 » ولم يقل : يتركون ويخلفون ، فإنه يذكر فيما بعد هذا الكتاب إن شاء الله .
والوَذَرَةُ : قطعة من اللحم ، وتسميتها بذلك لقلة الاعتداد بها ، نحو قولهم فيما لا يعتد به : هو لحم على وضم .
ملاحظات
ذَرَّ الملح ، ونحوه على الطعام : رَشَّه عليه ، فهو يَذُرُّهُ ، والملح مذرور وذريرة .
أما ذَرْ : فهو بمعنى أُترك ، ويستعمل منه الأمر والمضارع ، ولا يستعمل منه الماضي والمصدر كما نص الخليل
--------------------------- 756 ---------------------------
« 8 / 196 » قال : « والعرب قد أماتت المصدر من يذر والفعل الماضي ، واستعملته في الحاضر والأمر ، فإذا أرادوا المصدر قالوا : ذره تركاً ، أي أتركه » .
وقال ابن منظور « 5 / 282 » : « وقوله عز وجل : فَذَرْني ومن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ . معناه كِلْه إِليَّ ولا تَشْغَلْ قَلْبَكَ به فإِني أُجازيه » .
فمعناه : أتركه لي ، وقد أخطأ الراغب فجعل معنى ذَرْ ويَذَرُ : يقذفه لقلة اعتداده به !
وَرَثَ
الوِرَاثَةُ والإِرْثُ : انتقال قنية إليك عن غيرك من غير عقد ولا ما يجري مجرى العقد ، وسَمِّيَ بذلك المنتقل عن الميت فيقال للقنيةِ المَوْرُوثَةِ : مِيرَاثٌ وإِرْثٌ . وتُرَاثٌ أصله وُرَاثٌ ، فقلبت الواو ألفاً وتاء ، قال تعالى : وَتَأْكُلُونَ التراثَ « الفجر : 19 » وقال عليه الصلاة والسلام : أثبتوا على مشاعركم فإنكم على إِرْثِ أبيكم . أي أصله وبقيته ، قال الشاعر : فينظرُ في صحفٍ كالرِّيَاطِ فيهنَّ إِرْثُ كِتَابٍ مُحِي
ويقال : وَرِثْتُ مالاً عن زيد ، ووَرِثْتُ زيداً : قال تعالى : وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ « النمل : 16 » وَوَرِثَهُ أَبَواهُ « النساء : 11 » وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ « البقرة : 233 » ويقال : أَوْرَثَنِي الميتُ كذا ، وقال : وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً « النساء : 12 » وأَوْرَثَنِي الله كذا ، قال : وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ « الشعراء : 59 » وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ « الدخان : 28 » وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ « الأحزاب : 27 » وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ . الآية . « الأعراف : 137 » وقال : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً « النساء : 19 » .
ويقال لكل من حصل له شئ من غير تعب : قد وَرِثَ كذا ، ويقال لمن خُوِّلَ شيئاَ مهنئاَ : أُورِثَ ، قال تعالى : وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها « الزخرف : 72 » أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ « المؤمنون : 10 » وقوله : وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ « مريم : 6 » فإنه يعني وَرَاثَةَ النبوةِ والعلمِ والفضيلةِ دون المال ، فالمال لا قدر له عند الأنبياء حتى يتنافسوا فيه ، بل قلما يقتنون المال ويملكونه ، ألا ترى أنه قال عليه الصلاة والسلام : إنا معاشر الأنبياء لا نُورَثُ ما تركناه صدقةٌ . نصب على الإختصاص ، فقد قيل : ما تركناه هو العلم ، وهو صدقة تشترك فيها الأمة .
وما روي عنه عليه الصلاة والسلام من قوله : العلماء وَرَثَةُ الأنبياءِ ، فإشارة إلى ما وَرِثُوهُ من العلم . واستُعْمِلَ لفظُ الوَرَثَةِ لكون ذلك بغير ثمن ولا منة . وقال لعليّ رضي الله عنه : أنت أخي ووَارِثِي . قال : وما أَرِثُكَ ؟ قال : ماوَرَّثَتِ الأنبياءُ قبلي : كتاب الله وسنتي .
ووصف الله تعالى نفسه بأنه الوَارِثُ من حيث إن الأشياء كلها صائرة إلى الله تعالى . قال الله تعالى : وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ « آل عمران : 180 » وقال : وَنَحْنُ الْوارِثُونَ « الحجر : 23 » وكونه تعالى وَارِثاً لما روي أنه ينادي لمن الملك اليوم ، فيقال لله الواحد القهار .
ويقال : وَرِثْتُ علماً من فلان ، أي استفدت منه ، قال تعالى : وَرِثُوا الْكِتابَ « الأعراف : 169 » أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ « الشورى : 14 » ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ « فاطر : 32 » يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ « الأنبياء : 105 » فإن الوِرَاثَةَ الحقيقيةَ هي أن يحصل للإنسان شئ لا يكون عليه فيه تبعة ، ولا عليه محاسبة ، وعباد الله الصالحون لا يتناولون شيئاًمن الدنيا إلا بقدر ما يجب ، وفي وقت ما يجب وعلى الوجه الذي يجب ، ومن تناول الدنيا على هذا الوجه لا يحاسب عليها ولا يعاقب ، بل يكون ذلك له عفواً صفواً ، كما روي أنه من حاسب نفسه في الدنيا لم يحاسبه الله في الآخرة .
ملاحظات
ردَّ أهل البيت عليهم السلام الحديث الذي رويَ عن النبي صلى الله عليه وآله :
--------------------------- 757 ---------------------------
إنا معاشر الأنبياء لا نُورِّثُ ما تركناه صدقةٌ .
فقد صادر أبو بكر أرض فدك من الزهراء ÷ وروى هذا الحديث وحده ، وردَّته الزهراء ÷ قائلة : « يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ، لقد جئت شيئاً فرياً ! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول : وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ .
قال الغزالي في المنخول / 252 : « قالت المعتزلة : لا يخصص عموم القرآن بأخبار الآحاد ، فإن الخبر لا يقطع بأصله بخلاف القرآن . وقالت الفقهاء يخصص به ، لأنه يتسلط على فحواه وفحواه غير مقطوع به .
قال القاضي : أنا أتوقف فيه » . وقال في المستصفى / 249 : « ولذلك تُرك توريث فاطمة رضي الله عنها بقول أبي بكر : نحن معاشر الأنبياء لا نورث » !
وَرَدَ
الوُرُودُ : أصله قصد الماء ، ثم يستعمل في غيره . يقال : وَرَدْتُ الماءَ أَرِدُ وُرُوداً ، فأنا وَارِدٌ والماءُ مَوْرُودٌ ، وقد أَوْرَدْتُ الإبلَ الماءَ . قال تعالى : وَلما وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ « القصص : 23 » . والوِرْدُ : الماءُ المرشحُ للوُرُودِ .
والوِرْدُ : خلافُ الصَّدَر . والوِرْدُ : يومُ الحُمَّى إذا وَرَدَتْ ، واستعمل في النار على سبيل الفظاعة . قال تعالى : فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ « هود : 98 » إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً « مريم : 86 » أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ « الأنبياء : 98 » ما وَرَدُوها « الأنبياء : 99 » .
والوَارِدُ : الذي يتقدم القوم فيسقي لهم . قال تعالى : فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ « يوسف : 19 » أي ساقيهم من الماء المَوْرُودِ . ويقال لكل من يَرِدُ الماءَ وَارِدٌ .
وقوله تعالى : وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها « مريم : 71 » فقد قيل فيه : وَرَدْتُ ماءَ كذا ، إذا حضرته وإن لم تشرع فيه ، وقيل : بل يقتضي ذلك الشروع ولكن من كان من أولياء الله والصالحين لا يؤثر فيهم بل يكون حاله فيها كحال إبراهيم عليه السلام حيث قال : قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ « الأنبياء : 69 » . والكلام في هذا الفصل إنما هو لغير هذا النحو الذي نحن بصدده الآن .
ويعبر عن المحموم بالمَوْرُودِ ، وعن إتيان الحُمَّى بالوِرْدِ ، وشعرٌ وَارِدٌ : قد وَرَدَ العَجُزَ أو المتنَ . والوَرِيدُ : عرقٌ يتصل بالكبد والقلب ، وفيه مجاري الدم والروح . قال تعالى : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ « ق : 16 » أي من روحه .
والوَرْدُ : قيل : هو من الوَارِدِ ، وهو الذي يتقدم إلى الماء ، وتسميته بذلك لكونه أول ما يَرِدُ من ثمار السنة . ويقال لنَوْرِ كل شجرٍ : وَرْدٌ . ويقال : وَرَّدَ الشَّجَرُ : خرج نَوْرُهُ . وشُبِّهَ به لون الفرس فقيل : فرسٌ وَرْدٌ .
وقيل في صفة السماء إذا احمرت احمراراً كالوَرْدِ أمارةً للقيامة ، قال تعالى : فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ « الرحمن : 37 » .
وَرَقَ
وَرَقُ الشجرِ : جمعه أَوْرَاقٌ ، الواحدة وَرَقَةٌ . قال تعالى : وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها « الأنعام : 59 » .
ووَرَّقْتُ الشّجرةَ : أخذت وَرَقَهَا . والوَارِقَةُ : الشجرةُ الخضراءُ الوَرَقِ الحسنةُ ، وعامٌ أَوْرَقُ : لا مطر له ، وأَوْرَقَ فلانٌ : إذا أخفق ولم ينل الحاجة ، كأنه صار ذا وَرَقٍ بلا ثمر ، ألا ترى أنه عبر عن المال بالثمر في قوله : وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ « الكهف : 34 » . قال ابن عباس رضي الله عنه : هو المال . وباعتبار لونه في حال نضارته قيل : بَعِيرٌ أَوْرَقُ : إذا صار على لونه . وبعيرٌ أَوْرَقُ : لونه لون الرماد . وحمامةٌ وَرْقَاءُ .
وعبر به عن المال الكثير تشبيهاً في الكثرة بالوَرَقِ ، كما عبر عنه بالثرى ، وكما شبه بالتراب وبالسيل كما يقال : له مال كالتراب والسيل والثرى ، قال الشاعر :
واغفرْ خَطَايَايَ وَثَمِّرْ وَرِقِي
--------------------------- 758 ---------------------------
والوَرِقُ بالكسر : الدراهم . قال تعالى : فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ « الكهف : 19 » . وقرئ : بِوَرِقِكُمْ وبِوِرْقِكُمْ . ويقال : وَرْقٌ ووَرِقٌ ووِرْقٌ ، نحو كَبْد وكَبِد وكِبْد .
وَرَيَ
يقال : وَارَيْتُ كذا : إذا سترته . قال تعالى : قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ « الأعراف : 26 » وتَوَارَى : استتر . قال تعالى : حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ « ص : 32 » وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد غزوا وَرَّى بِغَيْرِهِ ، وذلك إذا ستر خبراً وأظهر غيره .
والوَرَى : قال الخليل : الوَرَى الأنامُ الذين على وجه الأرض في الوقت ، ليس من مضى ، ولا من يتناسل بعدهم ، فكأنهم الذين يسترون الأرض بأشخاصهم .
ووَرَاءُ : إذا قيل وَرَاءُ زيدٍ كذا ، فإنه يقال لمن خلفه ، نحو قوله تعالى : وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ « هود : 71 » ارْجِعُوا وَراءَكُمْ « الحديد : 13 » فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ « النساء : 102 » .
ويقال لما كان قدامه نحو : وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ « الكهف : 79 » .
وقوله : أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ « الحشر : 14 » فإن ذلك يقال في أي جانب من الجدار ، فهو وَرَاءَهُ باعتبار الذي في الجانب الآخر .
وقوله : فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ « آل عمران : 187 » فتبكيت لهم . أي لم يعملوا به ولم يتدبروا آياته .
وقوله : فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ « المؤمنون : 7 » أي من ابتغى أكثر مما بيناه وشرعناه من تَعَرُّضٍ لمن يحرم التعرُّض له ، فقد تعدى طوره وخرق ستره . وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ « البقرة : 91 » اقتضى معنى ما بعده .
ويقال : وَرِيَ الزَّنْدُ يَرِي وَرْياً : خرجت ناره ، وأصله أن يخرج النار من وَرَاءِ المقدح ، كأنما تصور كُمُونها فيه كما قال : ككمون النار في حجره . يقال : وَرِيَ يَرِي مثل وَلِيَ يَلِي . قال تعالى : أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ « الواقعة : 71 » ويقال : فلان وَارِي الزند : إذا كان منجحاً ، وكأبي الزند : إذا كان مخفقاً . واللحمُ الوَارِي : السمينُ .
والوَرَاءُ : ولدُ الولدِ ، وقولهم : وَرَاءَكَ ، للإغراء ومعناه : تأخر . يقال : وَرَاءَكَ أوسعُ لك نصب بفعل مضمر ، أي ائت . وقيل تقديره : يكن أوسع لك ، أي تنح وائت مكاناً أوسع لك .
والتوْرَاةُ : الكتابُ الذي ورثوه عن موسى ، وقد قيل هو فَوْعَلَةٌ ، ولم يجعل تَفْعَلَة لقلة وجود ذلك ، والتاء بدل من الواو ، نحو تَيْقُورٍ لأن أصله وَيْقُورٌ ، التاء بدل عن الواو من الوقار ، وقد تقدم . « وتقدم نقده في تَوَر » .
وَزَرَ
الوَزَرُ : الملجأ الذي يلتجأ إليه من الجبل . قال تعالى : كلا لا وَزَرَ إِلى رَبِّكَ « القيامة : 11 » والوِزْرُ : الثقلُ تشبيهاً بِوَزْرِ الجبلِ .
ويعبر بذلك عن الإثم كما يعبر عنه بالثقل ، قال تعالى : لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ « النحل : 25 » كقوله : وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ « العنكبوت : 13 » .
وحمل وِزْر الغيرِ : في الحقيقة هو على نحو ما أشار إليه صلى الله عليه وآله بقوله : من سَنَّ سنةً حسنةً كان له أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجره شئ ، ومن سَنَّ سنةً سيئةً كان له وِزْرُهَا ووِزْرُ من عمل بها . أي مثل وِزْرِ مَن عمل بها . وقوله تعالى : وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى « الأنعام : 164 » أي لا يحمل وِزْرَهُ من حيث يتعرى المحمول عنه .
وقوله : وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ « الشرح : 2 » أي ما كنت فيه من أمر الجاهلية ، فأعفيت بما خصصت به عن تعاطي ما كان عليه قومك .
والوَزِيرُ : المتحمِّلُ ثقل أميره وشغله . والوِزَارَةُ على بناء الصناعة .
--------------------------- 759 ---------------------------
وأَوْزَارُ الحربِ : واحدها وِزْرٌ : آلتُها من السلاح . والمُوَازَرَةُ : المعاونةُ . يقال : وَازَرْتُ فلاناً مُوَازَرَةً : أعنته على أمره . قال تعالى : وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي « طه : 29 » وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ « طه : 87 » .
ملاحظات
تقدم في مادة وَضَعَ في قوله تعالى : وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ . أن النبي صلى الله عليه وآله كان مسلماً على ملة إبراهيم صلى الله عليه وآله ولم يسجد لصنم قط ، وأنه معصوم عن المعاصي وعن كل ما يعيب الشخصية ، قبل البعثة وبعدها .
والمراد بوضع الوزر عنه صلى الله عليه وآله ما كان يتحمله من أذى قومه وتهديدهم لحياته بعد النبوة ، كما قال الشريف الرضي ، أو همه وتفكيره قبل النبوة ، في كيفية دعوة قومه ، كما نرجح .
وَزَعَ
يقال : وَزَعْتُهُ عن كذا : كففته عنه . قال تعالى : وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ إلى قوله : فَهُمْ يُوزَعُونَ « النمل : 17 » فقوله يُوزَعُونَ إشارةٌ إلى أنهم مع كثرتهم وتفاوتهم لم يكونوا مهملين ومبعدين ، كما يكون الجيش الكثير المتأذَّى بمعرتهم بل كانوا مسوسين ومقموعين .
وقيل في قوله : يُوزَعُونَ أي حبس أولهم على آخرهم .
وقوله : وَيَوْمَ يُحْشَرُ . . إلى قوله فَهُمْ يُوزَعُونَ « فصلت : 19 » فهذا وَزْعٌ على سبيل العقوبة ، كقوله : وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ « الحج : 21 » . وقيل : لابد للسلطان من وَزَعَةٍ .
وقيل : الوُزُوعُ الولوعُ بالشئ . يقال : أَوْزَعَ الله فلاناً : إذا ألهمه الشكر ، وقيل : هو من أُوْزِعَ بالشئ : إذا أُولِعَ به ، كأن الله تعالى يُوزِعُهُ بشكره ، ورجلٌ وَزُوعٌ .
وقوله : رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ « النمل : 19 » قيل معناه : ألهمني ، وتحقيقه أولعني ذلك واجعلني بحيث أَزِعُ نفسي عن الكفران .
ملاحظات
استعملت وَزَعَ في القرآن بمعنيين لا ربط بينهما ، الأول : بمعنى ضبط الجماعة ونظمهم كقوله تعالى : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ . ومنه حديث : إن الله يَزَعُ بالسلطان مالا يزع بالقرآن .
والثاني : بمعنى التمكين من فعل شئ ، قال تعالى : رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ .
وتستعمل وزع نادراً بمعنى ثالث ذكره الراغب كأنه الأصل ، وهو : التولُّع بالشئ والتعلق به ، يقال وزع به بمعنى ولع به .
وَزَنَ
الوَزْنُ : معرفة قدر الشئ . يقال : وَزَنْتُهُ وَزْناً وزِنَةً ، والمتعارف في الوَزْنِ عند العامة : ما يقدر بالقسط والقبان .
وقوله : وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ « الشعراء : 182 » وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ « الرحمن : 9 » إشارة إلى مراعاة المَعْدَلة في جميع ما يتحراه الإنسان من الأفعال والأقوال .
وقوله تعالى : فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً « الكهف : 105 » .
وقوله : وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كل شَئ مَوْزُونٍ « الحجر : 19 » فقد قيل : هو المعادن كالفضة والذهب ، وقيل : بل ذلك إشارة إلى كل ما أوجده الله تعالى ، وأنه خلقه باعتدال كما قال : إنا كل شَئ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ « القمر : 49 » .
وقوله : وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ « الأعراف : 8 » فإشارة إلى العدل في محاسبة الناس ، كما قال : وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ « الأنبياء : 47 » .
وذكر في مواضع المِيزَانَ بلفظ الواحد اعتباراً بالمحاسب ، وفي مواضع بالجمع اعتباراً بالمحاسبين ، ويقال : وَزَنْتُ لفلان ووَزَنْتُهُ كذا . قال تعالى : وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ
--------------------------- 760 ---------------------------
« المطففين : 3 » ويقال : قام مِيزَانُ النهارِ : إذا انتصف .
وَسْوَسَ
الوَسْوَسَةُ : الخطرةُ الرديئة ، وأصله من الوَسْوَاسِ وهو صوت الحلي ، والهمس الخفي .
قال الله تعالى : فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ « طه : 120 » وقال : مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ « الناس : 4 » ويقال لهمس الصائد وَسْوَاسٌ .
ملاحظات
أصل الوَسْوَاس حديث النفس والصوت الخفي ، ومنه صوت الحُلِي . قال الخليل « 7 / 335 » : « الوسوسة : حديث النفس . والوسواس : الصوت الخفي من ريح تهز قصباً ونحوه ، وبه يشبه صوت الحلي » .
وَسَطَ
وَسَطُ الشيء : ما له طرفان متساويا القدر . ويقال ذلك في الكميتة المتصلة كالجسم الواحد إذا قلت : وَسَطُهُ صلبٌ ، وضربت وَسَطُهُ صلبٌ ، وَسَطَ رأسِهِ بفتح السين ووَسْطٌ بالسكون : يقال في الكمية المنفصلة كشئ يفصل بين جسمين . نحو : وَسْطُ القومِ كذا . والوَسَطُ : تارة يقال فيما له طرفان مذمومان ، يقال : هذا أَوْسَطُهُمْ حسباً : إذا كان في وَاسِطَةِ قومه وأرفعهم محلاً . وكالجود الذي هو بين البخل والسرف ، فيستعمل استعمال القصد المصون عن الإفراط والتفريط ، فيمدح به نحو السواء والعدل والنصفة ، نحو : وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً « البقرة : 143 » وعلى ذلك قوله تعالى : قالَ أَوْسَطُهُمْ « القلم : 48 » .
وتارةً يقال فيما له طرف محمود وطرف مذموم كالخير والشر ، ويكنى به عن الرذل . نحو قولهم : فلان وَسَطُ من الرجال ، تنبيهاً [ على ] أنه قد خرج من حد الخير .
وقوله : حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى « البقرة : 238 » فمن قال : الظهر فاعتباراً بالنهار ، ومن قال : المغرب فلكونها بين الركعتين وبين الأربع اللتين بني عليهما عدد الركعات . ومن قال : الصبح فلكونها بين صلاة الليل والنهار . قال : ولهذا قال : أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ . . الآية . « الإسراء : 78 » . أي صلاته .
وتخصيصها بالذكر لكثرة الكسل عنها إذ قد يحتاج إلى القيام إليها من لذيذ النوم ، ولهذا زيد في أذانه : الصلاة خير من النوم .
ومن قال : صلاة العصر فقد روي ذلك عن النبي عليه السلام فلكون وقتها في أثناء الأشغال لعامة الناس بخلاف سائر الصلوات التي لها فراغ ، إما قبلها وإما بعدها ، ولذلك توعد النبي فقال : من فاته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهله وماله .
ملاحظات
قال أهل البيت عليهم السلام : الصلاة الوسطى صلاة الظهر لأنها وسط النهار . « الكافي : 3 / 271 » .
ولا يشترط في الوسط أن يتساوى طرفاه .
قال ابن منظور « 7 / 426 » : « وسَطُ الشئ : ما بين طرَفَيْه . فإِذا سكَّنت السين من وسْط صار ظرفاً . ويقال جلست وسْط القوم بالتسكين لأَنه ظرف ، وجلست وسَط الدار بالتحريك لأَنه اسم .
الوسْط بالتسكين : يقال فيما كان مُتَفَرِّقَ الأَجزاء غيرَ مُتصل ، كالناس والدواب وغير ذلك ، فإِذا كان مُتصلَ الأَجزاء كالدَّار والرأْس فهو بالفتح . وكل ما يَصْلُح فيه بَيْنَ فهو بالسكون ، وما لا يصلح فيه بين فهو بالفتح » .
وَسِعَ
السَّعَةُ : تقال في الأمكنة ، وفي الحال ، وفي الفعل كالقدرة والجود ، ونحو ذلك . ففي المكان نحو قوله : إن أَرْضِي واسِعَةٌ « العنكبوت : 56 » أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسِعَةً « النساء : 97 » وَأَرْضُ الله واسِعَةٌ . « الزمر : 10 » .
--------------------------- 761 ---------------------------
وفي الحال قوله تعالى : لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ « الطلاق : 7 » وقوله : وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ « البقرة : 236 » .
والوُسْعُ من القدرة : ما يفضل عن قدر المكلف . قال تعالى : لا يُكلفُ الله نَفْساً إِلَّا وُسْعَها « البقرة : 286 » تنبيهاً [ على ] أنه يكلف عبده دوين ما ينوء به قدرته ، وقيل معناه يكلفه ما يثمر له السَّعَة أي جنة عرضها السماوات والأرض كما قال : يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ « البقرة : 185 » . وقوله : وَسِعَ رَبُّنا كل شَئ عِلْماً « الأعراف : 89 » فوصف له نحو : أَحاطَ بِكل شَئ عِلْماً « الطلاق : 12 » . وقوله : والله واسِعٌ عَلِيمٌ « البقرة : 268 » وَكانَ الله واسِعاً حَكِيماً « النساء : 130 » فعبارةٌ عن سَعَةِ قدرته وعلمه ورحمته وإفضاله كقوله : وَسِعَ رَبِي كل شَئ عِلْماً « الأنعام : 80 » وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كل شَئ « الأعراف : 156 » .
وقوله : وَإنا لَمُوسِعُونَ « الذاريات : 47 » فإشارةٌ إلى نحو قوله : الَّذِي أَعْطى كل شَئ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى « طه : 50 » .
ووَسِعَ الشئ : اتَّسَعَ . والوُسْعُ : الجدةُ والطاقةُ ، ويقال : ينفق على قدر وُسْعِهِ . وأَوْسَعَ فلانٌ : إذا كان له الغنى ، وصار ذا سَعَةٍ ، وفرس وَسَاعُ الخطوِ : شديد العدو .
وَسَقَ
الوَسْقُ : جمع المتفرق . يقال : وَسَقْتُ الشئ : إذا جمعته ، وسمي قدر معلوم من الحمل كحمل البعير وَسْقاً ، وقيل : هو ستون صاعاً ، وأَوْسَقْتُ البعيرَ : حملته حِمله ، وناقة وَاسِقٌ ، ونوق مَوَاسِيقُ . إذا حملت .
ووَسَّقْتُ الحنطةَ : جعلتها وَسْقاً ، ووَسِقَتِ العينُ الماءَ : حملته . ويقولون : لا أفعله ما وَسَقَتْ عيني الماءَ .
وقوله : وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ « الانشقاق : 17 » قيل : وما جمع من الظلام . وقيل : عبارة عن طوارق الليل .
ووَسَقْتُ الشئ : جمعته . والوَسِيقَةُ : الإبلُ المجموعةُ كالرُّفْقة من الناس .
والاتِّسَاقُ : الاجتماع والإطراد ، قال الله تعالى : وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ « الانشقاق : 18 » .
وَسَلَ
الوَسِيلَةُ : التوصل إلى الشئ برغبة وهي أخص من الوصيلة ، لتضمنها لمعنى الرغبة . قال تعالى : وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ « المائدة : 35 » وحقيقةُ الوَسِيلَةِ إلى الله تعالى : مراعاة سبيله بالعلم والعبادة ، وتحري مكارم الشريعة . وهي كالقربة .
والوَاسِلُ : الرّاغب إلى الله تعالى ، ويقال إن التوَسُّلَ في غير هذا السرقة ، يقال : أخذ فلان إبل فلان تَوَسُّلًا . أي سرقة .
ملاحظات
التوسل إلى الله تعالى : التقرب اليه بتوسيط عمل أو شخص مقرب عنده . قال تعالى : اتَّقُوا الله وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ . وقال أبناء يعقوب : يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ . قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّى .
وقال تعالى : وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَابًا رَحِيمًا . والمجئ إلى النبي صلى الله عليه وآله : في حياته والى قبره بعد مماته ، كالمجيئ إلى إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى : وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ . فكل حاج يأتي إلى إبراهيم عليه السلام .
وقد حاول أتباع السلطة أن يبعدوا التوسل عن النبي صلى الله عليه وآله وعترته عليهم السلام ، وقالوا إنما يكون بالأعمال لا بالأشخاص . وراعى أكثر اللغويين السلطة ، فأبهموا المتوسل به ، أو خصوه بالأعمال !
قال الجوهري « 5 / 1841 » : « الوسيلة : ما يتقرب به إلى الغير ، والجمع الوسيل والوسائل . يقال : وَسَلَ فلان إلى ربه وسيلة ، وتوسل إليه بوسيلة أي تقرب إليه بعمل » .
وقال الخليل « 7 / 298 » : « توسلت إلى فلان بكتاب أو
--------------------------- 762 ---------------------------
قرابة ، أي تقربت به إليه » .
وَسَمَ
الوَسْمُ : التأثير ، والسِّمَةُ : الأثرُ . يقال : وَسَمْتُ الشئ وَسْماً إذا أثرت فيه بِسِمَةٍ . قال تعالى : سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ « الفتح : 29 » وقال : تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ « البقرة : 273 » .
وقوله : إن فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ « الحجر : 75 » أي للمعتبرين العارفين المتعظين .
وهذا التوَسُّمُ هو الذي سماه قوم : الزَّكانةَ ، وقوم : الفراسة ، وقوم : الفطنة . قال عليه الصلاة والسلام : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله .
وقال تعالى : سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ « القلم : 16 » أي نعلمه بعلامة يعرف بها كقوله : تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ « المطففين : 24 » .
والوَسْمي : ما يَسِمُ من المطر الأول بالنبات . وتَوَسَّمْتُ : تعرفت بالسِّمَةِ ، ويقال ذلك إذا طلبت الوَسْمي .
وفلان وَسِيمُ الوجه : حسنه ، وهو ذو وَسَامَةٍ : عبارة عن الجمال ، وفلانة ذات مِيسَمٍ : إذا كان عليها أثر الجمال ، وفلان مَوْسُومٌ بالخير ، وقوم وِسَامٌ .
ومَوْسِمُ الحاجِّ : معلمهم الذي يجتمعون فيه ، والجمع المَوَاسِمُ . ووَسَّمُوا : شهدوا المَوْسِمَ كقولهم : عرفوا ، وحصبوا وعيدوا : إذا شهدوا عرفة ، والمُحَصَّب ، وهو الموضع الذي يرمى فيه الحصباء .
وَسَنَ
الوَسَنُ والسِّنَةُ : الغفلة والغفوة . قال تعالى : لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ « البقرة : 255 » . ورجلٌ وَسْنَانُ .
وتَوَسَّنَهَا : غشيها نائمة . وقيل : وَسِنَ وأَسِنَ : إذا غشي عليه من ريح البئر . وأرى أن وَسِنَ يقال لتصور النوم منه لا لتصور الغشيان .
ملاحظات
أضاف الراغب الغفلة إلى السِّنَة ، والغفلة شبه النسيان والخطأ . ولم يذكرها أحد من اللغويين في الوسن !
أما قولهم : وَسِنَ من رائحة البئر ، فأصله أسِنَ من الأسن لا من الوسن ، وقلبوا الألف واواً .
قال الخليل « 7 / 303 » : « الوسن : ثقلة النوم . وَسِنَ فلان : أخذه شبه النعاس . وعَلَتْهُ سِنَةٌ ، ورجل وَسِنٌ وَوَسْنِانٌ . وامرأة وَسْنَانَةٌ وَسْنَى ، أي فاترة الطرف » .
وَسَى
مُوسَى : من جعله عربياً فمنقول عن مُوسَى الحديد ، يقال : أَوْسَيْتُ رأسه : حلقته .
ملاحظات
روى الصدوق رحمه الله في علل الشرائع « 1 / 56 » أن اسم موسى عليه السلام لفظ قبطي وليس عربياً ، قال : « فالتقطه فرعون من بين الماء والشجر وهو في التابوت ، فمن ثَمَّ سمي موسى ، وبلغة القبط الماء : مو ، والشجر : سى . فسموه موسى لذلك » .
وَشَى
وَشَيْتُ الشئ وَشْياً : جعلت فيه أثراً يخالف معظم لونه ، واستعمل الوَشْيُ في الكلام تشبيهاً بالمنسوج .
والشِّيَةُ : فِعَلَة من الوَشْيِ . قال تعالى : مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها « البقرة : 71 » وثورٌ مُوَشَّى القوائمِ .
والوَاشِي يكنى به عن النمام ، ووَشَى فلانٌ كلامَه عبارة عن الكذب نحو : موَّهَهُ وزخرفه .
وَصَبَ
الوَصَبُ : السقمُ اللازم ، وقد وَصِبَ فلانٌ فهو وَصِبٌ ، وأَوْصَبَهُ كذا فهو يَتَوَصَّبُ نحو : يتوجع . قال تعالى : وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ « الصافات : 9 » وَلَهُ الدِّينُ واصِباً « النحل : 52 » .
--------------------------- 763 ---------------------------
فتوعَّدٌ لمن اتّخذ إلهين ، وتنبيهٌ [ على ] أن جزاء من فعل ذلك عذاب لازم شديد . ويكون الدين هاهنا الطاعة .
ومعنى الوَاصِبِ الدّائم ، أي حق الإنسان أن يطيعه دائماً في جميع أحواله ، كما وصف به الملائكة حيث قال : لا يَعْصُونَ الله ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ « التحريم : 6 » .
ويقال : وَصَبَ وُصُوباً : دام . ووَصَبَ الدَّيْنُ : وجب . ومفازةٌ وَاصِبَةٌ : بعيدة لا غاية لها .
وَصَدَ
الوَصِيدَةُ : حُجْرَةٌ تجعل للمال في الجبل . يقال : أَوْصَدْتُ البابَ وآصَدْتُهُ ، أي أطبقته وأحكمته .
وقال تعالى : عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ « البلد : 20 » وقرئ بالهمز : مُطْبَقَة . والوَصِيدُ المتقارب الأصول .
ملاحظات
لم يذكر الراغب الوصيد ، وقال الخليل « 7 / 145 » هو فناء البيت . قال الله تعالى : وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ .
وَصَفَ
الوَصْفُ : ذكرُ الشئ بحليته ونعته ، والصِّفَةُ : الحالة التي عليها الشئ من حليته ونعته ، كالزِّنَةِ التي هي قدر الشئ .
والوَصْفُ قد يكون حقاً وباطلاً ، قال تعالى : وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ « النحل : 116 » تنبيهاً على كون ما يذكرونه كذباً ، وقوله عز وجل : رَبِّ الْعزةِ عما يَصِفُونَ « الصافات : 180 » تنبيهٌ على أن أكثر صِفَاتِهِ ليس على حسب ما يعتقده كثير من الناس لم يتصور عنه تمثيل وتشبيه ، وأنه يتعالى عما يقول الكفار ، ولهذا قال عز وجل : وَلَهُ الْمَثَلُ الأعلى « النحل : 60 » . ويقال : اتَّصَفَ الشئ في عين الناظر : إذا احتمل الوَصْفَ . ووَصَفَ البعيرُ وُصُوفاً : إذا أجاد السير . والوَصِيفُ : الخادم ، والوَصِيفَةُ : الخادمة . ويقال : أَوْصَفَتِ الجاريةُ .
وَصَلَ
الِاتِّصَالُ : اتّحادُ الأشياء بعضها ببعض كاتحاد طرفي الدائرة . ويضادُّ الانفصال ، ويستعمل الوَصْلُ في الأعيان وفي المعاني ، يقال : وَصَلْتُ فلاناً . قال الله تعالى : وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ الله بِهِ أَنْ يُوصَلَ « البقرة : 27 » وقوله تعالى : إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ « النساء : 90 » أي ينسبون . يقال : فلان مُتَّصِلٌ بفلان : إذا كان بينهما نسبة أو مصاهرة .
وقوله عز وجل : وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ « القصص : 51 » أي أكثرنا لهم القول مَوْصُولًا بعضُهُ ببعض .
ومَوْصِلُ البعيرِ : كل موضعين حصل بينهما وُصْلَةٌ نحو : ما بين العجز والفخذ ، وقوله : ما جَعَلَ الله مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ « المائدة : 103 » وهو أن أحدهم كان إذا ولدت له شاته ذكراً وأنثى قالوا : وَصَلَتْ أخاها ، فلا يذبحون أخاها من أجلها . وقيل : الوَصِيلَةُ : العمارة والخصب . والوَصِيلَةُ : الأرضُ الواسعة ويقال : هذا وَصْلُ هذا ، أي صِلَتُهُ .
وَصَّى
الوَصِيَّةُ : التقدمُ إلى الغير بما يعمل به مقترناً بوعظ ، من قولهم : أرض وَاصِيَةٌ : متصلة النبات ، ويقال : أَوْصَاهُ ووَصَّاهُ . قال تعالى : وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ « البقرة : 132 » وقرئ : وأَوْصَى .
قال الله عز وجل : وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ « النساء : 131 » وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ « العنكبوت : 8 » يُوصِيكُمُ الله فِي أَوْلادِكُمْ « النساء : 11 » مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها « النساء : 12 » حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ « المائدة : 106 » .
ووَصَّى : أنشأ فضله . وتَوَاصَى القومُ : إذا أَوْصَى بعضُهم إلى بعض . قال تعالى : وَتَواصَوْا بِالْحق وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ «
--------------------------- 764 ---------------------------
العصر : 3 » أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ « الذاريات : 53 » .
ملاحظات
عمَّمَ الراغب الوصية إلى الحي ، وهذا صحيح لكن تقييدها بالموعظة لا يصح . وقد أخذ بقول ابن فارس « 6 / 116 » بأن اشتقاقها من الوصل ولا شاهد عليه من كلام العرب ، ولا من معناه ، قال : « وصى : أصل يدل على وصل شئ بشئ ، ووصيت الشئ : وصلته » .
ويصعب قبول أن وَصَّى ، مأخوذ من وصل ! خاصة أن الأفصح فيها أوصى . قال الخليل « 7 / 177 » : « وأما الوصية بعد الموت فالعالي من كلام العرب : أوصى ويجوز وَصَّى . والوصية : ما أوصيتَ به » .
وَضَعَ
الوَضْعُ : أعم من الحط ، ومنه : المَوْضِعُ ، قال تعالى : يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ « النساء : 46 » ويقال ذلك في الحَمْل والحِمْل ، ويقال : وَضَعَتِ الحملَ فهو مَوْضُوعٌ . قال تعالى : وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ « الغاشية : 14 » وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ « الرحمن : 10 » فهذا الوَضْعُ عبارة عن الإيجاد والخلق . ووَضَعَتِ المرأةُ الحمل وَضْعاً . قال تعالى : فَلما وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إني وَضَعْتُها أُنْثى والله أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ « آل عمران : 36 » .
فأما الوُضْعُ والتضْعُ : فأن تحمل في آخر طهرها في مقبل الحيض .
ووَضْعُ البيتِ : بناؤُهُ . قال الله تعالى : إن أول بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ « آل عمران : 96 » .
وَوُضِعَ الْكِتابُ « الكهف : 49 » هو إبراز أعمال العباد ، نحو قوله : وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً « الإسراء : 13 » .
ووَضَعَتِ الدابَّةُ تَضَعُ في سيرها وَضْعاً : أسرعت ، ودابة حسنةُ المَوْضُوعِ . وأَوْضَعْتُهَا : حملتها على الإسراع . قال الله عز وجل : وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ « التوبة : 47 » .
والوَضْعُ في السير : استعارة كقولهم : ألقى باعه وثقله ، ونحو ذلك .
والوَضِيعَةُ : الحطيطةُ من رأس المال ، وقد وُضِعَ الرجل في تجارته يُوضَعُ : إذا خسر .
ورجل وَضِيعٌ بيّن الضعَةِ : في مقابله رفيعٌ بيِّن الرفعة .
ملاحظات
فسر الراغب بعض آيات المادة بشكل ضعيف ، وفاته قوله تعالى : لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالاً وَلأوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ . ومعناها : لأسرعوا على دوابهم يتخللون بينكم يمكرون بكم ، ويبثون الفتنة والتثبيط .
قال ابن منظور « 8 / 398 » : « لأَوْضَعُوا خِلالَكم يَبْغُونَكم الفتنةَ ، فإِنَّ الفراء قال : الإِيضاعُ السير بين القوم . وقال : العرب تقول : أَوْضَعَ الراكِبُ » . ونحوه الزاهر / 421 .
وقال الزمخشري في الفايق « 3 / 367 » : « أوضع بعيره وأوجفه : حمله على الوضع والوجيف ، وهما ضربان من السير الحثيث » .
وتستعمل أوضع بمعنى أكثر ضعةً ، مقابل الرفعة . قال أمير المؤمنين عليه السلام « نهج البلاغة « 4 / 20 » : « أوضعُ العلم ما وقف على اللسان ، وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان » .
وَضَنَ
الوَضْنُ : نسج الدرع ، ويستعار لكل نسج محكم .
قال تعالى : عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ « الواقعة : 15 » .
ومنه الوَضِينُ وهو حزام الرحل وجمعه : وُضُنٌ .
ملاحظات
قال الخليل « 7 / 61 » : « الوضين : بطان البعير إذا كان منسوجاً بعضه في بعض .
والوَضَن : نسج السرير وشبهه بالجوهر والثياب فهو
--------------------------- 765 ---------------------------
موضون . وقوله تعالى : على سرر موضونة ، أي منسوجة بالدُّرَر بعضها في بعض ، مضاعف » .
وَطَرَ
الوَطَرُ : النهمة والحاجة المهمة . قال الله عز وجل : فَلما قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً « الأحزاب : 37 » .
ملاحظات
أخذ الراغب المادة من ابن فارس وزادا فيها النُّهْمَة من عندهما ! والنُّهمة : طلب وجشع . والوطر الحاجة التي تهمكوقد يكون معها نُهمة ، وقد لا يكون .
وَطَأَ
وَطُأَ الشئ فهو وَطِئ بيِّنُ الوَطَاءَةِ . والطأَةِ ، والطئَةِ ، والوِطَاءُ : ما تَوَطأْتَ به . ووَطَأْتُ له بفراشه ، ووَطَأْتُهُ برجلي أَطَؤُهُ وَطْأً ووَطَاءَةً وتَوَطأْتُهُ .
قال الله تعالى : إن ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً « المزمل : 6 » وقرئ : وِطَاءً وفي الحديث : اللهم اشدد وَطْأَتَكَ على مضر ، أي ذللهم .
ووَطَأَ امرأتَهُ : كناية عن الجماع ، صار كالتصريح للعرف فيه . والمُوَاطَأَةُ : الموافقة ، وأصله أن يَطَأَ الرجل برجله مَوْطِئَ صاحبه . قال الله عز وجل : إنمَا النَّسِئ إلى قوله : لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ الله « التوبة : 37 » .
وَعَدَ
الوَعْدُ : يكون في الخير والشر ، يقال وَعَدْتُهُ بنفع وضر وَعْداً ومَوْعِداً ومِيعَاداً .
والوَعِيدُ : في الشر خاصة ، يقال منه : أَوْعَدْتُهُ ، ويقال : وَاعَدْتُهُ وتَوَاعَدْنَا .
قال الله عز وجل : إن الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ « إبراهيم : 22 » أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ « القصص : 61 » وَعَدَكُمُ الله مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها « الفتح : 20 » وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا « المائدة : 9 » إلى غير ذلك .
ومن الوَعْدِ بالشر : وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ « الحج : 47 » وكانوا إنما يستعجلونه بالعذاب ، وذلك وَعِيدٌ . وقال : قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا الله الَّذِينَ كَفَرُوا « الحج : 72 » إن مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ « هود : 81 » فَأْتِنا بِما تَعِدُنا « الأعراف : 70 » وإما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ « الرعد : 40 » فَلا تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ « إبراهيم : 47 » الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ « البقرة : 268 » .
ومما يتضمن الأمرين قول الله عز وجل : أَلا إن وَعْدَ الله حَقٌ « يونس : 55 » فهذا وَعْدٌ بالقيامة وجزاءِ العباد ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر .
والمَوْعِدُ والمِيعَادُ : يكونان مصدراً وإسماً . قال تعالى : فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً « طه : 58 » بلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً « الكهف : 48 » مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ « طه : 59 » بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ « الكهف : 58 » قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ « سبأ : 30 » وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ « الأنفال : 42 » إن وَعْدَ الله حق « لقمان : 33 » أي البعث إن ما تُوعَدُونَ لَآتٍ « الأنعام : 134 » بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا « الكهف : 58 » .
ومِنَ المُواعَدَةِ قوله : وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا « البقرة : 235 » وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً « الأعراف : 142 » وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً « البقرة : 51 » وأربعين وثلاثين مفعول لا ظرف . أي انقضاء ثلاثين وأربعين ، وعلى هذا قوله : وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطورِ الْأَيْمَنَ « طه : 80 » وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ « البروج : 2 » وإشارة إلى القيامة كقوله عز وجل : مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ « الواقعة : 50 » .
ومن الإِيعَادِ قوله : وَلا تَقْعُدُوا بِكل صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله « الأعراف : 86 » وقال : ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ « إبراهيم : 14 » فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ « ق : 45 » لاتَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ « ق : 28 » .
--------------------------- 766 ---------------------------
ورأيت أرضهم وَاعِدَةً : إذا رُجِيَ خيرها من النبت .
ويومٌ وَاعِدٌ : حرٌّ أو بَرد . ووَعِيدُ الفحلِ : هديره .
وقوله عز وجل : وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا إلى قوله : لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ « النور : 55 » وقوله : لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ تفسير لوَعَدَه كما أن قوله عز وجل : لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ « النساء : 11 » تفسير الوصية .
وقوله : وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطائِفَتَيْنِ أنها لَكُمْ « الأنفال : 7 » فقوله : أنها لَكُمْ بدل من قوله : إِحْدَى الطائِفَتَيْنِ ، تقديره : وَعَدَكُمُ الله أن إحدى الطائفتين لكم ، إما طائفة العير ، وإما طائفة النفير .
والعِدَةُ : من الوَعْدِ ويجمع على عِدَاتٍ ، والوَعْدُ مصدر لا يجمع . ووَعَدْتُ : يقتضي مفعولين الثاني منهما مكان أو زمان أو أمر من الأمور . نحو : وَعَدْتُ زيداً يوم الجمعة ، ومكان كذا ، وأن أفعل كذا . فقوله : أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لا يجوز أن يكون المفعول الثاني من : واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ « البقرة : 51 » لأن الوَعْدَ لم يقع في الأربعين بل انقضاء الأربعين وتمامها : لا يصح الكلام إلا بهذا .
ملاحظات
يصح أن تكون أربعين مفعولاً ثانياً لواعدنا ، والمعنى واعدناه الأربعين ، أي أن يتمها .
وَعَظَ
الوَعْظُ : زَجْرٌ مقترنٌ بتخويف . قال الخليل : هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب .
والعِظَةُ والمَوْعِظَةُ : الاسم ، قال تعالى : يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ « النحل : 90 » قُلْ إنما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ « سبأ : 46 » ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ « المجادلة : 3 » قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ « يونس : 57 » وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحق وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى « هود : 120 » وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ « آل عمران : 138 » وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كل شَئ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا « الأعراف : 145 » فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ « النساء : 63 » .
ملاحظات
تبع الراغب ابن فارس بتضمين الموعظة التخويف ، لكن قول الخليل أصح « 2 / 228 » ، ومثله قول الجوهري « 3 / 1181 » : « الوعظ : النصح والتذكير بالعواقب . تقول : وعظته وعظاً وعِظة فاتعظ ، أي قبل الموعظة » .
وَعَى
الوَعْيُ : حفظ الحديث ونحوه ، يقال : وَعَيْتُهُ في نفسه . قال تعالى : لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ « الحاقة : 12 » .
والإِيعَاءُ : حفظ الأمتعة في الوِعَاءِ . قال تعالى : وَجَمَعَ فَأَوْعى « المعارج : 18 » قال الشاعر :
والشر أخبث ما أَوْعَيْتَ من زاد
وقال تعالى : فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ « يوسف : 76 » .
ولا وَعْيَ عن كذا : أي لا تماسك للنفس دونه ومنه : مالي عنه وَعْيٌ ، أي بُدٌّ .
ووَعَى الجرحُ يَعِي وَعْياً : جَمَعَ المِدَّةَ « القيح » ووَعَى العظمُ : اشتد وجمع القوّةَ .
والوَاعِيَةُ : الصارخةُ ، وسمعت وَعْيَ القومِ ، أي صراخهم .
ملاحظات
لا يصح تعريف الوعي بالحفظ عن ظهر قلب فإن أصله : الفهم والتعقل ، ومن مصاديقه الحفظ إذا كان معه فهم . كالذي رواه أبو نعيم وابن مردويه والثعلبي في تفسير : لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ، أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي . فما سمعت من رسول الله شيئاً فنسيته » « كنز العمال : 13 / 177 » .
--------------------------- 767 ---------------------------
وَفَدَ
يقال : وَفَدَ القومُ تَفِدُ وِفَادَةً ، وهم وَفْدٌ ووُفُودٌ : وهم الذين يقدمون على الملوك مستنجزين الحوائج .
ومنه : الوَافِدُ من الإبل ، وهو السابق لغيره . قال تعالى : يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً « مريم : 85 » .
وَفَرَ
الوَفْرُ : المال التام . يقال : وَفَرْتُ كذا : تممته وكملته ، أَفِرُهُ وَفْراً ووُفُوراً وفِرَةً ووَفَّرْتُهُ على التكثير . قال تعالى : فَإن جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً « الإسراء : 63 » .
ووَفَرْتُ عرضَهُ : إذا لم تنتقصه . وأرضٌ في نبتها وَفْرَةٌ : إذا كان تاماً . ورأيت فلاناً ذا وَفَارَةٍ ، أي تام المروءة والعقل . والوَافِرُ : ضربٌ من الشِّعْر .
ملاحظات
أخذ الراغب تفسير الوَفْر بالمال من الخليل ومثله الجوهري ، وليته أخذه من ابن فارس ، قال « 6 / 129 » : « وَفَرَ : كلمة تدل على كثرة وتمام . وَفَر الشئ يَفِرُ وهو موفور ووفره الله . ومنه وفرة الشَّعر : دون الجُمَّة . واشتقاق اسم المال الوفر منه » .
وَفَضَ
الإِيفَاضُ : الإسراعُ ، وأصله أن يعدو من عليه الوَفْضَةُ وهي الكنانة تتخشخش عليه ، وجمعها : الوِفَاضُ .
قال تعالى : كَأنهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ « المعارج : 43 » أي يسرعون . وقيل : الأَوْفَاضُ الفِرق من الناس المستعجلة .
يقال : لقيته على أَوْفَاضٍ أي على عجلة ، الواحد : وَفْضٌ .
ملاحظات
قال ابن فارس « 6 / 130 » : « وَفَضَ : ثلاث كلمات متباينة ، الأولى : أوْفَضَ إيفاضاً : أسرع ، وجاء على وَفْضٍ وأوفاضٍ ، أي عجلة . والثانية : الأوفاض : الفِرَق من الناس .
والثالثة : الوفضة : الكِنانة ، وجمعها وفاض » .
وقال الخليل « 7 / 66 » : « وقوله تعالى : كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ، أي يسرعون . والوفضة والأوفاض : الفِرق والأخلاط من الناس . وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله أنه أمر بصدقةٍ أن توضع في الأوفاض وهم الفرق والأخلاط » .
وَفَقَ
الوِفْقُ : المطابقة بين الشيئين ، قال تعالى : جَزاءً وِفاقاً « النبأ : 26 » يقال : وَافَقْتُ فلاناً ووَافَقْتُ الأمرَ : صادفته .
والِاتِّفَاقُ : مطابقة فعل الإنسان القدر ، ويقال ذلك في الخير والشر ، يقال : اتَّفَقَ لفلان خير ، واتَّفَقَ له شرٌّ . والتوْفِيقُ نحوه ، لكنه يختص في التعارف بالخير دون الشر . قال تعالى : وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِالله « هود : 88 » ويقال : أتانا لِتِيفَاقِ الهلالِ ومِيفَاقِهِ ، أي حين اتَّفَقَ إهلالُهُ .
ملاحظات
جعل الراغب الوفق : المطابقة بين شيئين ، وتعريف الخليل أدق ، قال « 5 / 225 » : « الوفق : كل شئ متسق متفق على تِيفَاقٍ واحد ، فهو وفق . ومنه : الموافقة في معنى المصادفة والاتفاق ، تقول : وافقت فلاناً في موضع كذا ، أي صادفته . ووافقت فلاناً على أمر كذا ، أي اتفقنا عليه معاً . وتقول : لايتوفق عبد حتى يوفقه الله فهو مُوَفَّقٌ رشيد » .
وقول الراغب إن التوفيق مطابقة الفعل القدر معناه : أن الله تعالى يوفق بين فعل العبد وبين مقاديره ، حتى يصيب الفعل هدفه . وهو أحد معاني التوفيق .
وَفَيَ
الوَافِي : الذي بلغ التمام . يقال : درهمٌ وَافٍ وكيل وَافٍ ، وأَوْفَيْتُ الكيلَ والوزنَ . قال تعالى : وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ « الإسراء : 35 » .
--------------------------- 768 ---------------------------
وَفَى بعهده يَفِي وَفَاءً وأَوْفَى : إذا تمم العهد ولم ينقض حفظه . واشتقاق ضده وهو الغدر يدل على ذلك وهو الترك ، والقرآن جاء بِأَوْفَى ، قال تعالى : وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ « البقرة : 40 » وَأَوْفُوا بِعَهْدِ الله إِذا عاهَدْتُمْ « النحل : 91 » بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى « آل عمران : 76 » وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا « البقرة : 177 » يُوفُونَ بِالنَّذْرِ « الإنسان : 7 » وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله « التوبة : 111 » .
وقوله : وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى « النجم : 37 » فَتَوْفِيَتُهُ أنه بذل المجهود في جميع ما طولب به ، مما أشار إليه في قوله : إن الله اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ « التوبة : 111 » من بذله ماله بالإنفاق في طاعته ، وبذل ولده الذي هو أعز من نفسه للقربان ، وإلى ما نبه عليه بقوله وَفَّى أشار بقوله تعالى : وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ « البقرة : 124 » .
وتَوْفِيَةُ الشئ : بذله وَافِياً ، واسْتِيفَاؤُهُ : تناوله وَافِياً .
قال تعالى : وَوُفِّيَتْ كل نَفْسٍ ما كَسَبَتْ « آل عمران : 25 » .
وقال : وَإنما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ « آل عمران : 185 » ثُمَّ تُوَفَّى كل نَفْسٍ « البقرة : 281 » إنما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ « الزمر : 10 » مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها « هود : 15 » وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَئ فِي سَبِيلِ الله يُوَفَّ إِلَيْكُمْ « الأنفال : 60 » فَوَفَّاهُ حِسابَهُ « النور : 39 » .
وقد عبَّر عن الموت والنوم بالتوَفِّي ، قال تعالى : الله يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها « الزمر : 42 » وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ « الأنعام : 60 » قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ « السجدة : 11 » الله خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ « النحل : 70 » الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ « النحل : 28 » تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا « الأنعام : 61 » أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ « يونس : 46 » وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ « آل عمران : 193 » وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ « الأعراف : 126 » تَوَفَّنِي مُسْلِماً « يوسف : 101 » يا عِيسى إني مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ « آل عمران : 55 » وقد قيل تَوَفِّي رفعةٍ واختصاص لا تَوَفِّيَ موتٍ . قال ابن عباس : تَوَفِّي مَوْتٍ ، لأنه أماته ثم أحياه .
وَقَبَ
الوَقْبُ : كالنقرة في الشئ ، ووَقَبَ : إذا دخل في وَقْبٍ ، ومنه وَقَبَتِ الشمسُ : غابت . قال تعالى : وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ « الفلق : 3 » والإِيقَابُ : تغييبُهُ .
والوَقِيبُ : صوتُ قُنْبِ الدابةِ ، وقَبَبِهِ ، وقَبِّهِ .
ملاحظات
عرف الراغب الوَقْب بأنه شبيهٌ بالنقرة ، وهو أعم ، فقد يكون دخولاً ، أو غياباً ، أو وقوعاً .
وجعله ابن فارس « 6 / 131 » : « كلمة تدل على غيبة شئ في مغاب ، يقال وقب الشئ : دخل في وَقْبَة وهي كالنقرة في الشئ . ووقبت عيناه : غارتا .
ووقب الشئ : نزل ووقع . قال الله تعالى : وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ، قالوا هو الليل إذا نزل » .
وفسر بعضهم الغاسق بظلام الليل إذا دخل في الأشياء ، لكن الغاسق ليس نفس الغسق ، فالمقصود شر ما ينفذ في الظلام . قال في بحار الأنوار « 25 / 154 » : « الوقوب : الدخول . والغسق أول ظلمة الليل . ولا يبعد أن يكون المراد شرور الجن والهوام المؤذية ، فإنها تقع بالليل غالباً كما تدل عليه الأخبار » .
فالآية تدل على وجود شئ مضر في الظلام ينفذ في الإنسان أو في محيطه فيضره ، بَدَنياً أو روحياً . فهو يستعيذ منه .
ومعنى قوله في الوقيب أنه صوت خصية الدابة . وقال بعضهم صوت بطن الدابة .
وَقَتَ
الوَقْتُ : نهاية الزمان المفروض للعمل ، ولهذا لا يكاد يقال إلا مقدراً نحو قولهم : وَقَّتُّ كذا : جعلت له وَقْتاً .
--------------------------- 769 ---------------------------
قال تعالى : إن الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً « النساء : 103 » وقوله : وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ « المرسلات : 11 » .
والمِيقَاتُ : الوقتُ المضروبُ للشئ ، والوعد الذي جعل له وَقْتٌ . قال عز وجل : إن يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ « الدخان : 40 » إن يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً « النبأ : 17 » إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ « الواقعة : 50 » .
وقد يقال المِيقَاتُ للمكان الذي يجعل وَقْتاً للشئ ، كمِيقَاتِ الحج .
وَقَدَ
يقال : وَقَدَتِ النارُ تَقِدُ وُقُوداً ووَقْداً ، والوَقُودُ يقال للحطب المجعول للوُقُودِ ، ولما حصل مناللهب .
قال تعالى : وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ « البقرة : 24 » أُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ « آل عمران : 10 » النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ « البروج : 5 » .
واستَوْقَدْتُ النارَ : إذا ترشّحتُ لإِيقَادِهَا وأَوْقَدْتُهَا . قال تعالى : مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً « البقرة : 17 » وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ « الرعد : 17 » فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ « القصص : 38 » نارُ الله الْمُوقَدَةُ « الهمزة : 6 » .
ومنه : وَقْدَةُ الصَّيْفِ أشدُّ حرّاً ، واتَّقَدَ فلانٌ غضباً .
ويستعار وَقَدَ واتَّقَدَ للحرب ، كاستعارة النار والإشتعال ونحو ذلك لها . قال تعالى : كلما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله « المائدة : 64 » .
وقد يستعار ذلك للتلألؤ ، فيقال : اتَّقَدَ الجوهرُ والذهبُ .
ملاحظات
لا يقال الوُقود يقال لما حصل مناللهب ، فاللهب يحصل من الوُقود ، بل إسماللهب : الوَقْد كما ذكر الخليل ، قال « 5 / 197 » : « والوَقْدُ : ما ترى من لهبها لأنه اسم . وقوله تعالى : أُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ، أي حطبها .
والمَوْقِدُ والمُسْتَوْقَد : موضع النار . وقلب وقَّاد : سريع التوقد في النشاط والمضاء . وقوله تعالى : يُوقد من شجرة ، ردَّه على النور وأخرجه على التذكير من أوقد وتوقَّد ، ومن قرأ تُوقد ، فقد رده على النار » .
وقال الجوهري « 2 / 553 » : « والوَقود بالفتح : الحطب ، وبالضم الإتقاد . قال يعقوب : وقرئ : النار ذات الوَقود » .
وَقَذَ
قال الله تعالى : وَالْمَوْقُوذَةُ « المائدة : 3 » أي المقتولة بالضرب .
وَقَرَ
الوَقْرُ : الثِّقلُ في الأُذُن . يقال : وَقَرَتْ أُذُنُهُ تَقِرُ وتَوْقَرُ . قال أبو زيد : وَقِرَتْ تَوْقَرُ فهي مَوْقُورَةٌ . قال تعالى : وَفِي آذانِنا وَقْرٌ « فصلت : 5 » وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً « الأنعام : 25 » والوَقْرُ : الحِمْل للحمار وللبغل كالوسق للبعير ، وقد أَوْقَرْتُهُ . ونخلةٌ مُوقِرَةٌ ومُوقَرَةٌ .
والوَقارُ : السكونُ والحِلْمُ . يقال : هو وَقُورٌ ووَقَارٌ ومُتَوَقِّرٌ . قال تعالى : ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً « نوح : 13 » وفلان ذو وَقْرَةٍ . وقوله : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ « الأحزاب : 33 » قيل : هو من الوَقَارِ ، وقال بعضهم : هو من قولهم : وَقَرْتُ أَقِرُ وَقْراً ، أي جلست .
والوَقِيرُ : القطيعُ العظيمُ من الضأن ، كأن فيها وَقَاراً لكثرتها وبطء سيرها .
ملاحظات
الظاهر أن أصل المادة : الوَقر ، ثم استعير لما فيه مدحٌ أو ذم . قال ابن السكيت في المنطق / 401 : « والوِقْر : الثقل يحمل على رأس أو على ظهر ، من قوله تبارك وتعالى : فالحاملات وقرا . ويقال : جاء يحمل وقره » .
وقال الجوهري « 2 / 849 » : « التوقير : التعظيم والترزين أيضاً . وقوله تعالى : مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ، أي لا تخافون لله عظمة » .
--------------------------- 770 ---------------------------
وقال ابن فارس « 6 / 132 » : « وقرن في بيوتكن : ليس من الوقار ، إنما هو من الجلوس » !
وَقَعَ
الوُقُوعُ : ثبوتُ الشئ وسقوطُهُ ، يقال : وَقَعَ الطائرُ وُقُوعاً . والوَاقِعَةُ : لا تقال إلا في الشدة والمكروه ، وأكثر ما جاء في القرآن من لفظ وَقَعَ جاء في العذاب والشدائد نحو : إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ « الواقعة : 1 » وقال : سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ « المعارج : 1 » فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ « الحاقة : 15 » .
ووُقُوعُ القولِ : حصول متضمنه ، قال تعالى : وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا « النمل : 85 » أي وجب العذاب الذي وعدوا لظلمهم ، فقال عز وجل : وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ « النمل : 82 » أي إذا ظهرت أمارات القيامة التي تقدم القول فيها .
قال تعالى : قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ « الأعراف : 71 » وقال : أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ « يونس : 51 » وقال : فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله « النساء : 100 » واستعمال لفظة الوُقُوعِ هاهنا تأكيد للوجوب كاستعمال قوله تعالى : كانَ حقاً عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ « الروم : 47 » كَذلِكَ حقا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ « يونس : 103 » وقوله عز وجل : فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ « الحجر : 29 » فعبارةٌ عن مبادرتهم إلى السّجود .
ووَقَعَ المطرُ : نحو سقط ، ومَوَاقِعُ الغيثِ مَساقِطُهُ . والمُوَاقَعَةُ في الحرب . ويكنَّى بالمُوَاقَعَةِ عن الجماع . والإِيقَاعُ يقال في الإسقاط ، وفي شن الحرب بالوَقْعَةِ .
ووَقْعُ الحديدِ : صوتُهُ ، يقال : وَقَعْتُ الحَدِيدَةَ أَقَعُهَا وَقْعاً : إذا حددتها بالمِيقَعَةِ ، وكل سقوط شديد يعبر عنه بذلك ، وعنه استعير الوَقِيعَةُ في الإنسان .
والحَافِرُ الوَقِعُ : الشديدُ الأثرِ ، ويقال للمكان الذي يستقر الماء فيه : الوَقِيعَةُ ، والجمع الوَقَائِعُ . والموضع الذي يستقر فيه الطير : مَوْقِعٌ . والتوْقِيعُ : أثرُ الدَّبَرِ بِظَهْرِ البعيرِ ، وأثرُ الكتابةِ في الكتاب ، ومنه استعير التوْقِيعُ في القصص .
ملاحظات
قال الراغب : وأكثر ما جاء في القرآن من لفظ وَقَعَ جاء في العذاب . لكن الأكثرية العددية لا تفيد شيئاً ، فقد قال الله تعالى : فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . وقال : وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله . وقال للملائكة : فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ .
وَقَفَ
يقال : وَقَفْتُ القومَ أَقِفُهُمْ وَقْفاً ، ووَاقَفُوهُمْ وُقُوفاً . قال تعالى : وَقِفُوهُمْ إنهُمْ مَسْؤُلُونَ « الصافات : 24 » .
ومنه استعير : وَقَفْتُ الدارَ : إذا سَبَّلتها . والوَقْفُ : سوارٌ من عاج ، وحمارٌ مُوَقَّفٌ بأرساغه مثلُ الوَقْفِ من البياض ، كقولهم : فرس مُحجَّل : إذا كان به مثلُ الحَجَل .
ومَوْقِفُ الإنسانِ حيث يَقِفُ . والمُوَاقَفَةُ : أن يَقِفَ كل واحد أمره على ما يَقِفُهُ عليه صاحبه . والوَقِيفَةُ : الوحشية التي يلجئها الصائد إلى أن تَقِفَ حتى تصاد .
ملاحظات
الحمارُ المُوقَّفُ بأرْسَاغِه : الحمار الذي في قوائمه بياض فهو محجل كالفرس . وقد أخذه الراغب من ابن فارس ، وليته بدل ذكر هذا الحمار استوفى موارد المادة ، فقد ذكرها القرآن في ثلاث آيات أخرى ، قال تعالى : وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ .
وقال تعالى : وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا .
وقال تعالى : وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضِ الْقَوْلَ .
فالموقوفون على ربهم هم الذين يكلمهم ويوبخهم .
--------------------------- 771 ---------------------------
والموقوفون عند ربهم يناقش المستضعفون منهم المستكبرين ، ويبدو أن المستضعفين المغلوب على أمرهم ينجون .
وَقَيَ
الوِقَايَةُ : حفظُ الشئ مما يؤذيه ويضره ، يقال : وَقَيْتُ الشئ أَقِيهِ وِقَايَةً ووِقَاءً . قال تعالى : فَوَقاهُمُ الله « الإنسان : 11 » وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ « الدخان : 56 » وَما لَهُمْ مِنَ الله مِنْ واقٍ « الرعد : 34 » مالَكَ مِنَ الله مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ « الرعد : 37 » قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً « التحريم : 6 » .
والتقْوَى : جعل النفس في وِقَايَةٍ مما يخاف ، هذا تحقيقه ، ثم يسمى الخوف تارة تَقْوَى والتقْوَى خوفاً حسب تسمية مقتضى الشئ بمقتضيه والمقتضي بمقتضاه .
وصار التقْوَى في تعارف الشرع حفظ النفس عما يؤثِم ، وذلك بترك المحظور ، ويتم ذلك بترك بعض المباحات لما روي : الحلال بيِّن ، والحرام بيِّن ، ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه . قال الله تعالى : فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ « الأعراف : 35 » إن الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا « النحل : 128 » وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً « الزمر : 73 »
ولجعل التقْوَى منازل قال : وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله « البقرة : 281 » واتَّقُوا رَبَّكُمُ « النساء : 1 » وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ الله وَيَتَّقْهِ « النور : 52 » وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ « النساء : 1 » اتَّقُوا الله حق تُقاتِهِ « آل عمران : 102 » .
وتخصيص كل واحد من هذه الألفاظ له ما بعد هذا الكتاب .
ويقال : اتَّقَى فلانٌ بكذا : إذا جعله وِقَايَةً لنفسه . وقوله : أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ « الزمر : 24 » تنبيهٌ على شدة ما ينالهم ، وإن أجدر شئ يَتَّقُونَ به من العذاب يوم القيامة هو وجوههم ، فصار ذلك كقوله : وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ « إبراهيم : 50 » يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ « القمر : 48 » .
ملاحظات
التقوى : مصطلح إسلامي مبتكر ، تعني توقي ارتكاب المحرمات وتوقي ترك الواجبات ، وتعني الخشية من الله تعالى . فهي طابعٌ فكري وسلوكي يطبع الشخصية المتدينة .
وقد اهتم القرآن بتربية المسلمين عليها ، فاستعمل مادة التقوى في القرآن أكثر من مئتي مرة . وفيها بحوث وتفاصيل مهمة .
وَكَدَ
وَكَّدْتُ القولَ والفعلَ ، وأَكَّدْتُهُ : أحكمته . قال تعالى : وَلاتَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها « النحل : 91 » والسٍّير الذي يشد به القربوس يسمى التأْكِيدَ ، ويقال : تَوْكِيدٌ .
والوَكَادُ : حبل يشد به البقر عند الحلب ، قال الخليل : أَكَّدْتُ في عقد الأيمان أجود ، ووَكَّدْتُ في القول أجود ، تقول إذا عقدت : أَكَّدْتُ ، وإذا حلفت وَكَّدْتُ .
ووَكَّدَ وَكْدَهُ : إذا قصد قصده وتخلق بخلقه .
وَكَزَ
الوَكْزُ : الطعن والدفع والضرب ، بجميع الكف .
قال تعالى : فَوَكَزَهُ مُوسى « القصص : 15 » .
ملاحظات
في نسخ الراغب الخطية : جميع الكف . وهو خطأ . فقد يكون قرأ من كتاب الخليل : بجُمْع : بجميع .
قال الخليل « 5 / 394 » : « الوكز : الطعن . وكزه بجُمْع كفه ، قال الله عز وجل : فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ » .
وجُمْعُ الكف : أن يجمع أصابع كفه ويضربه بها ، وهو ما يسمى بالعامية « البوكس » . وقد ذكره الراغب في
--------------------------- 772 ---------------------------
مادة جَمَعَ فقال : « وضربه بِجُمْعِ كفه : إذا جمع أصابعه فضربه بها » . ونسيه هنا .
وقال ابن منظور « 8 / 56 » : « وجُمْعُ الكف ، بالضم وهو حين تَقْبِضُها » .
كما أخذ الراغب الوكز من الجوهري قال « 3 / 901 » : « وكزه مثل نكزه ، أي ضربه ودفعه . ويقال : وكزه أيضاً : ضربه بجُمَع يده على ذقنه » . ومثله لكزه أيضاً .
وَكَلَ
التوْكِيلُ : أن تعتمد على غيرك وتجعله نائباً عنك ، والوَكِيلُ فعيلٌ بمعنى المفعول . قال تعالى : وَكَفى بِالله وَكِيلًا « النساء : 81 » أي اكتف به أن يتولّى أمرك ويَتَوَكَّلَ لك ، وعلى هذا : حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ « آل عمران : 173 » وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ « الأنعام : 107 » أي بِمُوَكَّلٍ عليهم وحافظ لهم ، كقوله : لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى « الغاشية : 22 » فعلى هذا قوله تعالى : قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ « الأنعام : 66 » وقوله : أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا « الفرقان : 43 » أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا « النساء : 109 » أي من يَتَوَكَّلُ عنهم .
والتوَكُّلُ : يقال على وجهين ، يقال : تَوَكَّلْتُ لفلان بمعنى توليت له ، ويقال : وَكَّلْتُهُ فَتَوَكَّلَ لي . وتَوَكَّلْتُ عليه بمعنى : اعتمدته ، قال عز وجل : فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ « التوبة : 51 » وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ « الطلاق : 3 » رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا « الممتحنة : 4 » وَعَلَى الله فَتَوَكَّلُوا « المائدة : 23 » وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وَكَفى بِالله وَكِيلًا « النساء : 81 » وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ « هود : 123 » وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ « الفرقان : 58 » .
وواكلَ فلانٌ : إذا ضيع أمره مُتَّكِلًا على غيره .
وتَوَاكَلَ القومُ : إذا اتَّكَلَ كل على الآخر . ورجلٌ وُكَلَةٌ تُكَلَةٌ : إذا اعتمد غيرَهُ في أمره . والوَكَالُ في الدابة : أن لا يمشي إلا بمشي غيره .
وربما فُسر الوَكِيلُ بالكفيل ، والوَكِيلُ أعم ، لأن كل كفيل وَكِيلٌ ، وليس كل وَكِيلٍ كفيلاً .
وَلَجَ
الوُلُوجُ : الدخول في مضيق . قال تعالى : حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ « الأعراف : 40 » .
وقوله : يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ « الحج : 61 » فتنبيهٌ على ما ركَّب الله عز وجل عليه العالم من زيادة الليل في النهار ، وزيادة النهار في الليل وذلك بحسب مطالع الشمس ومغاربها .
والوَلِيجَةُ : كل ما يتخذه الإنسان معتمداً عليه وليس من أهله ، من قولهم : فلان وَلِيجَةٌ في القوم : إذا لحق بهم وليس منهم ، إنساناً كان أو غيره .
قال تعالى : وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ الله وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً « التوبة : 16 » وذلك مثل قوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ « المائدة : 51 » .
ورجلٌ خَرِجَةٌ وَلِجَةٌ : كثير الخروج والوُلُوجِ .
ملاحظات
أضاف الراغب المضيق إلى معنى وَلَج من عنده ، فالولوج عند اللغويين مطلق الدخول ، ويأخذ خصوصيته من فعل ولج ، فقد يكون معنى يولج الليل في النهار أنه يجعل فيه وليجة ، أو يكون بالتنقيص من الليل والنهار . . الخ .
وَكَأَ
الوِكَاءُ : رباط الشئ ، وقد يجعل الوِكَاءُ إسماً لما يجعل فيه الشئ فيشد به . ومنه أَوْكَأْتُ فلاناً : جعلت له مُتَّكَأً .
وتَوَكَّأَ على العصا : اعتمد بها وتشدد بها . قال تعالى : هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها « طه : 18 » .
وفي الحديث : كان يُوكِي بين الصفا والمروة . قال معناه :
--------------------------- 773 ---------------------------
يملأ ما بينهما سعياً كما يُوكَى السِّقَاءُ بعد الملء . ويقال : أَوْكَيْتُ السِّقَاءَ ، ولا يقال أَوْكَأْتُ .
وَلَدَ
الوَلَدُ : المَوْلُودُ ، يقال للواحد والجمع والصغير والكبير . قال الله تعالى : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ « النساء : 11 » أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ « الأنعام : 101 » .
ويقال للمُتَبَنَّى وَلَدٌ . قال : أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً « القصص : 9 » وقال : وَوالِدٍ وَما وَلَدَ « البلد : 3 » . قال أبو الحسن : الوَلَدُ : الابن والابنة ، والوُلْدُ : هُمُ الأهلُ والوَلَدُ . ويقال : وُلْدُ فلانٌ .
قال تعالى : وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ « مريم : 33 » وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ « مريم : 15 » والأب يقال له وَالِدٌ ، والأم وَالِدَةٌ ، ويقال لهما وَالِدَانِ ، قال : رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ « نوح : 28 » .
والوَلِيدُ : يقال لمن قرب عهده بالوِلَادَةِ وإن كان في الأصل يصح لمن قرب عهده أو بَعُد ، كما يقال لمن قرب عهده بالإجتناء : جَنْيٌ ، فإذا كبر الوَلَدُ سقط عنه هذا الاسم . وجمعه وِلْدَانٌ قال : يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً « المزمل : 17 » .
والوَلِيدَةُ : مختصة بالإماء في عامة كلامهم .
واللِّدَةُ : مختصّةٌ بالترْبِ ، يقال : فلانٌ لِدَةُ فلانٍ وتِرْبُهُ ، ونقصانه الواو لأن أصله وِلْدَةٌ .
إنما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ « التغابن : 15 » إن مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ « التغابن : 14 » فجعل كلهم فتنة وبعضهم عدواً . وقيل : الوُلْدُ جمعُ وَلَدٍ نحو : أُسْد وأَسَد ، ويجوز أن يكون واحداً نحو بِخِل وبُخْلٍ ، وعَرَب وعُرْب ، وروي : وُلْدُكِ مَنْ دَمَّى عَقِبَيْكِ . وقرئ : مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ « نوح : 21 » .
وَلَقَ
الوَلْقُ : الإسراع ، ويقال : وَلَقَ الرجلُ يَلِقُ : كذب ، وقرئ : إِذْ تَلِقُوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ . أي تسرعون الكذب ، من قولهم : جاءت الإبل تَلِقُ . والأَوْلَقُ : من فيه جنون وهَوَجٌ ، ورجلٌ مَأْلُوقٌ ومُؤْلَقٌ ، وناقةٌ وَلْقَى : سريعة ، والوَلِيقَةُ : طعامٌ يتّخذ من السَّمْن ، والوَلَقُ : أَخَفُّ الطعنِ .
ملاحظات
قال الله تعالى في حديث الإفك : إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَعِنْدَ الله عَظِيمٌ . « النور : 15 » .
ومعناه : تأخذون الحديث عن بعضكم وتنشرونه بدون علم بصحته . قال الجوهري « 6 / 2482 » : « تلقاه ، أي استقبله وقوله تعالى : إذ تلقونه بألسنتكم ، أي يأخذه بعض عن بعض » . وقال الخليل « 5 / 216 » : « وتلقيت الكلام منه : أخذته عنه » .
فهو مشتق من لقيَ وتَلَقَّى . لكن عائشة « كانت تقرأ : إذ تَلِقُونَهُ بألسنتكم ، وتقول : الوَلَق : الكذب » . « البخاري : 5 / 61 » . ومع أن الولق لا يعني الكذب ، والآية : تَلَقَّوْنَهُ ، لكن الفقهاء أفتوا بأنه يجب تصحيح قول عائشة وإخضاع اللغة له !
قال الخليل « 5 / 213 و 214 » : « الأولق : الممسوس ورجل مألوق وبه أولق ، أي مس من جنون . والولق : سرعة سير البعير . والإنسان يلق الكلام : يريده » .
ولم يذكر من معانيه الكذب . لكن ابن الأنباري أضافه في الزاهر / 379 ، قال : « الألق : استمرار لسان الرجل بالكذب ، واستمراره في السير ، يقال : وَلِقَ يَلِقُ وَلَقاً . وقرأت عائشة : إِذْ تَلِقُونَه بِأَلْسِنَتِكُمْ ، بفتح التاء وكسر اللام على معنى : إذ تستمر ألسنتكم بالخوض في ذلك والكذب فيه . ومن قرأ : إِذْ تَلَقَّوْنَه بِأَلْسِنَتِكُمْ ، أراد يتلقاه بعضكم من بعض » !
--------------------------- 774 ---------------------------
وَهَبَ
الهِبَةُ : أن تجعل ملكك لغيرك بغير عوض . يقال : وَهَبْتُهُ هِبَةً ومَوْهِبَةً ومَوْهِباً . قال تعالى : وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ « الأنعام : 84 » الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ « إبراهيم : 39 » إنما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا « مريم : 19 » فنَسَبَ المَلَكُ إلى نفسه الهِبَةَ لما كان سببا في إيصاله إليها ، وقد قرئ : لِيَهَبَ لَكِ فنسب إلى الله تعالى فهذا على الحقيقة ، والأول على التوسع .
وقال تعالى : فَوَهَبَ لِي رَبِي حُكْماً « الشعراء : 21 » وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ « ص : 30 » وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ « ص : 43 » وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا « مريم : 53 » فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي « مريم : 5 » رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ « الفرقان : 74 » هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً « آل عمران : 8 » هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي « ص : 35 » ويوصف الله تعالى بِالْوَاهِبِ والوَهَّابِ بمعنى أنه يعطي كلاً على استحقاقه ، وقوله : إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها « الأحزاب : 50 » .
والِاتِّهَابُ : قبولُ الهبةِ ، وفي الحديث : لقد هممت أن لا أَتَّهِبَ إلّا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي .
وَهَجَ
الوَهَجُ : حصولُ الضوءِ والحرِّ من النار ، والوَهَجَانُ كذلك . وقوله : وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً « النبأ : 13 » أي مضيئاً .
وقد وَهَجَتِ النارُ تَوْهَجُ ، ووَهَجَ يَهِجُ ويَوْهَجُ وتَوَهَّجَ الجوهر : تلألأ .
ملاحظات
أضاف الراغب الضوء إلى معنى الوهج ، مع أن وهج النار حرارتها حتى لو كان بدون ضوء ، ولم يذكر الضوء أحد من اللغويين ، لكن الراغب يحب التكلف !
قال الخليل « 4 / 66 » : « الوهج : حر النار والشمس من بعيد . وقد توهجت النار ووهجت توهج فهي وهجة . والجوهر يتوهج : أي يتلألأ » .
ونحوه الجوهري : 1 / 348 ، وابن فارس : 6 / 147 .
وَلِيَ
الوَلَاءُ والتوَالِي : أن يَحْصُلَ شيئان فصاعداً حصولاً ليس بينهما ما ليس منهما . ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ، ومن حيث النسبة ، ومن حيث الدين ، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد .
والوِلَايَةُ : النُّصْرةُ . والوَلَايَةُ : تَوَلِّي الأمرِ ، وقيل : الوِلَايَةُ والوَلَايَةُ نحوالدِّلَالة والدَّلَالة ، وحقيقته تَوَلِّي الأمرِ .
والوَلِيُّ والمَوْلَى : يستعملان في ذلك كل واحدٍ منهما ، يقال في معنى الفاعل ، أي المُوَالِي ، وفي معنى المفعول أي المُوَالَى ، يقال للمؤمن : هو وَلِيُّ الله عز وجل ولم يرد مَوْلَاهُ ، وقد يقال : الله تعالى وَلِيُّ المؤمنين ومَوْلَاهُمْ .
فمِنَ الأول قال الله تعالى : الله وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا « البقرة : 257 . إن وَلِيِّيَ الله « الأعراف : 196 » والله وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ « آل عمران : 68 » ذلِكَ بِإن الله مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا « محمد : 11 » نِعْمَ الموْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ « الأنفال : 40 » وَاعْتَصِمُوا بِالله هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى « الحج : 78 » قال عز وجل : قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ إنكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ « الجمعة : 6 » وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإن الله هُوَ مَوْلاهُ « التحريم : 4 » ثُمَّ رُدُّوا إِلَى الله مَوْلاهُمُ الْحَقِ « الأنعام : 62 »
والوالِي : الذي في قوله : وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ « الرعد : 11 » بمعنى الوَلِيِّ ، ونفى الله تعالى الوَلَايَةَ بين المؤمنين والكافرين في غير آية ، فقال : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ إلى قوله : وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإنهُ مِنْهُمْ « المائدة : 51 » لاتَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ « التوبة : 23 » وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ « الأعراف : 3 » ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ
--------------------------- 775 ---------------------------
مِنْ شَئ « الأنفال : 72 » يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ « الممتحنة : 1 » تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى قوله : وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ « المائدة : 80 » .
وجعل بين الكافرين والشياطين مُوَالاةً في الدنيا ، ونفى بينهم المُوَالاةَ في الآخرة ، قال الله تعالى في المُوَالاةُ بينهم في الدنيا : الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ « التوبة : 67 » .
وقال : إنهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الله « الأعراف : 30 » إنا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ « الأعراف : 27 » فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ « النساء : 76 » فكما جعل بينهم وبين الشيطان مُوَالاةً جعل للشيطان في الدنيا عليهم سلطاناً ، فقال : إنما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ « النحل : 100 » .
ونفى المُوَالاةَ بينهم في الآخرة ، فقال في مُوَالاةِ الكفارِ بعضهم بعضاً : يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً « الدخان : 41 » ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ « العنكبوت : 25 » قالَ الَّذِينَ حق عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا الآية « القصص : 63 »
وقولهم تَوَلَّى إذا عُدِّيَ بنفسه اقتضى معنى الوَلَايَةِ ، وحصوله في أقرب المواضع منه يقال : وَلَّيْتُ سمعي كذا ، ووَلَّيْتُ عيني كذا ، ووَلَّيْتُ وجهي كذا : أقبلت به عليه ، قال الله عز وجل : فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها « البقرة : 144 » فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ « البقرة : 144 » . وإذا عُدِّيَ بعن لفظاً أو تقديراً ، اقتضى معنى الإعراض وترك قربه .
فمن الأول قوله : وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإنهُ مِنْهُمْ « المائدة : 51 » وَمَنْ يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ « المائدة : 56 » .
ومن الثاني قوله : فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإن الله عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ « آل عمران : 63 » إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ « الغاشية : 23 » فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا « آل عمران : 64 » وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ « محمد : 38 » فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإنما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ « التغابن : 12 » وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا إن الله مَوْلاكُمْ « الأنفال : 40 » فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ « آل عمران : 82 » .
والتوَلِّي قد يكون بالجسم ، وقد يكون بترك الإصغاء والإئتمار ، قال الله عز وجل : وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ « الأنفال : 20 » أي لا تفعلوا ما فعل الموصوفون بقوله : وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً « نوح : 7 » ولا ترتسموا قولَ من ذُكِرَ عنهم : وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ « فصلت : 26 » .
ويقال : وَلَّاهُ دُبُرَهُ : إذا انهزم . وقال تعالى : وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ « آل عمران : 111 » وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ « الأنفال : 16 » .
وقوله : فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا « مريم : 5 » أي ابناً يكون من أَوْلِيَائِكَ .
وقوله : خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي « مريم : 5 » قيل : ابن العم ، وقيل مَوَالِيهَ .
وقوله : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ « الإسراء : 111 » فيه نفي الوَلِيِّ بقوله عز وجل مِنَ الذُّلِّ ، إذ كان صالحو عباده هم أَوْلِيَاءُ الله كما تقدم ، لكن مُوَالاتُهُمْ ليستولي هو تعالى بهم . وقوله : وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا « الكهف : 17 » .
والوَلِيُّ : المطرُ الذي يَلِي الوَسْمي .
والمَوْلَى : يقال للمعتِقِ والمعتَقِ والحليفِ وابنِ العمِّ والجارِ ، وكل من وَلِيَ أمرَ الآخرِ فهو وَلِيُّهُ .
ويقال : فلان أَوْلَى بكذا ، أي أحرى ، قال تعالى : النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ « الأحزاب : 6 » إن أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ « آل عمران : 68 » فَ الله أَوْلى بِهِما « النساء : 135 » وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ « الأنفال : 75 » .
--------------------------- 776 ---------------------------
وقيل : أَوْلى لَكَ فَأَوْلى « القيامة : 34 » من هذا ، معناه : العقاب أَوْلَى لك وبك ، وقيل : هذا فعل المتعدي بمعنى القرب ، وقيل : معناه انزجر .
ويقال : وَلِيَ الشئ الشئ ، وأَوْلَيْتُ الشئ شيئاً آخرَ ، أي جعلته يَلِيهِ .
والوَلَاءُ في العتق : هو ما يورث به ، ونُهِيَ عن بيع الوَلَاءِ وعن هبته . والمُوَالاةُ بين الشيئين : المتابعة .
ملاحظات
1 . نلاحظ أن حكام المسلمين لهم حساسية تجاه بعض الكلمات مثل : أهل البيت ، وذوي القربى ، والولي ، وغيرها . لأنها تعطي الشرعية والإمامة لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ، وتطعن بشرعية الحكام القرشيين . وقد سرت هذه الحساسية إلى فقهاء السلطة ورواتها وحتى إلى علماء اللغة ، فتراهم عندما يصلون إلى آية القربى يحاولون توسيعها حتى تشمل كل قريش . ويحاولون توسيع أهل البيت حتى تشمل نساء النبي صلى الله عليه وآله مع عترته .
بل عندما يصلون إلى معنى العترة التي أجمع العرب على أنها القرابة القريبة اللصيقة ، يحاولون توسيعها لتشمل آخرين مع علي وفاطمة والحسنين عليهم السلام !
وتشتد معركتهم في كلمة الولي ، لأنهم اعترفوا بأن النبي صلى الله عليه وآله قال للمسلمين : من كنت مولاه فعلي مولاه . وقال : علي وليكم من بعدي .
وقال عمر لعلي مهنئاً : بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم .
ومع ذلك تراهم يستميتون ليجعلوا معنى الولي بعيداً عن معنى الخليفة .
وقد امتدت أيديهم حتى إلى الآيات البعيدة زمنياً عن خلافة النبي صلى الله عليه وآله فيفسرون قوله تعالى : فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ، بأن الولي فيه ليس بمعنى من يخلفني ! ويقولون إن يرثني فيها ليست بمعنى الإرث المادي لأن النبي صلى الله عليه وآله يرث أمواله الخليفة ولا حق لأولاده وأقاربه فيها !
أما عندما يصلون إلى تفسير ولاية أبي بكر وعمر وعثمان وبني أمية ، فيقولون : الولي هنا بمعنى ولي الأمر والخليفة . وقد رأيت قول الراغب : « فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا : أي ابناً يكون من أَوْلِيَائِكَ » !
وقد أطال في معاني الولي كما فعل غيره ، لصرفها عن معناها الطبيعي . وكان يكفي له أن يقرأ قول النبي صلى الله عليه وآله في الحديث الصحيح « مسند أحمد : 1 / 118 » : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ فقلنا : بلى يا رسول الله قال : فمن كنت مولاه فعلى مولاهاللهم والِ من والاه وعاد من عاداه » .
فالولاية فيه تشمل كل ما جعله الله لرسوله صلى الله عليه وآله عدا النبوة .
وَهَنَ
الوَهْنُ : ضعف من حيث الخَلق أو الخُلق . قال تعالى : قالَ رَبِّ إني وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي « مريم : 4 » فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ « آل عمران : 146 » وَهْناً عَلى وَهْنٍ « لقمان : 14 » أي كلما عظم في بطنها : زادها ضعفاً على ضعف : وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ « النساء : 104 » وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا « آل عمران : 139 » ذلِكُمْ وَإن الله مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ « الأنفال : 18 » .
وَهَيَ
الوَهْيُ : شق في الأديم ، والثوب ، ونحوهما . ومنه يقال :
وَهَتْ عَزَالَيُّ السحابِ بمائها
قال تعالى : وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ « الحاقة : 16 » .
--------------------------- 777 ---------------------------
وكل شئ استرخى رباطه فقد وَهَا .
وَيْ
وَيْ : كلمةٌ تُذْكَرُ للتحَسُّروالتنَدُّم والتعَجُّب ، تقول : وَيْ لعبد الله ، قال تعالى : وَيْكَأن الله يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ « القصص : 82 » وَيْكَأنهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ « القصص : 82 » وقيل : وَيْ لِزيدٍ ، وقيل : وَيْكَ ، كان وَيْلَكَ فحذف منه اللام .
وَيْلٌ
قال الأصمعي : وَيْلٌ : قُبْحٌ ، وقد يستعمل على التحَسُّر . ووَيْسَ : استصغارٌ ، ووَيْحَ : ترحُّمٌ .
ومن قال : وَيْلٌ وادٍ في جهنم فإنه لم يرد أن وَيْلًا في اللغة هو موضوع لهذا ، وإنما أراد من قال الله تعالى ذلك فيه فقد استحق مقراً من النار وثبت ذلك له .
قال عز وجل : فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ « البقرة : 79 » وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ « إبراهيم : 2 » وَيْلٌ لِكل أَفَّاكٍ أَثِيمٍ « الجاثية : 7 » فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا « مريم : 37 » فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا « الزخرف : 65 » وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ « المطففين : 1 » وَيْلٌ لِكل هُمَزَةٍ « الهمزة : 1 » يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا « يس : 52 » يا وَيْلَنا إنا كُنَّا ظالِمِينَ « الأنبياء : 46 » يا وَيْلَنا إنا كُنَّا طاغِينَ « القلم : 31 » .
والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده .
تم كتاب الواو
--------------------------- 778 ---------------------------
كتاب الياء وما يتصل بها
يَبِسَ
يَبِسَ الشئ يَيْبَسُ . واليَبْسُ : يَابِسُ النباتِ ، وهو ما كان فيه رطوبة فذهبت .
واليَبَسُ : المكانُ يكون فيه ماء فيذهب . قال تعالى : فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً « طه : 77 »
والأَيْبَسَانِ : ما لالحم عليه من الساقين إلى الكعبين .
ملاحظات
أخذ الراغب هذه المادة من صحاح الجوهري ، وجاء تعريفه لليَبَس ضعيفاً .
قال الخليل « 7 / 314 » : « اليبس : نقيض الرطوبة واللين . يبس ييبس يبساً ، يقال لكل شئ كانت له الندوة والرطوبة خلقةً . وطريق يبس لا ندوة فيه ، قال جل وعز : فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا . وأيبست الأرض والخضر : صارت يبساً ويبيساً . ويد يابسة : جاسية من غير يبس . ووجه يابس : قليل الخير » .
يَتُمَ
اليُتْمُ : انقطاع الصَّبيِّ عن أبيه قبل بلوغه ، وفي سائر الحيوانات من قِبَلِ أمه . قال تعالى : أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى « الضحى : 6 » وَيَتِيماً وَأَسِيراً « الإنسان : 8 » .
وجمعه : يَتَامَى ، قال تعالى : وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ « النساء : 2 » إن الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى « النساء : 10 » وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى « البقرة : 220 » .
وكل منفردٍ يَتِيمٌ . يقال : دُرَّةٌ يَتِيمَةٌ ، تنبيهاً على أنه انقطع مادتها التي خرجت منها . وقيل : بَيْتٌ يَتِيمٌ ، تشبيهاً بالدرة اليتيمة .
يَدٌ
الْيَدُ : الجارحة . أصله : يَدْيٌ لقولهم في جمعه : أَيْدٍ ويَدِيٌّ ،
--------------------------- 779 ---------------------------
وأَفعُلُ في جمع فَعْلٍ أكثرُ ، نحو أفلُس وأكلُب .
وقيل : يَدِيٌّ نحو عَبْدٍ وعَبِيدٍ ، وقد جاء في جمع فَعَلٍ نحو : أَزمُن وأَجبُل . قال تعالى : إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ « المائدة : 11 » أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها « الأعراف : 195 » . وقولهم : يَدَيَانِ على أن أصله يَدْيٌ ، على وزن فَعْلٍ ، ويَدَيْتُهُ : ضربت يَدَهُ .
واستعير اليَدُ للنعمة ، فقيل : يَدَيْتُ إليه ، أي أسديت إليه . وتجمع على أَيَادٍ ، وقيل : يَدِيٌّ . قال الشاعر :
فإن له عندي يَدِيّاً وأَنْعُماً
وللحَوْز والملك مرةً يقال : هذا في يَدِ فلانٍ ، أي في حوزه وملكه . قال تعالى : إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ « البقرة : 237 » وقولهم : وقع في يَدَيْ عَدْلٍ .
وللقوة مرةً ، يقال لفلان يَدٌ على كذا ومالي بكذا يَدٌ ، ومالي به يَدَانِ . قال الشاعر : فاعْمَدْ لما تَعْلُو فمالكَ بالذي
لا تستطيعُ من الأمور يَدَانِ
وشُبِّه الدَّهر فجعل له يَدٌ في قولهم : يَدُ الدهر ويَدُ المِسْنَد وكذلك الريح في قول الشاعر : بِيَدِ الشمال زمامها
لما له من القوة . ومنه قيل : أنا يَدُكَ . ويقال : وضع يَدَهُ في كذا : إذا شرع فيه . ويَدُهُ مطلقة : عبارة عن إيتاء النعيم ، ويَدٌ مَغْلُولَةٌ : عبارة عن إمساكها . وعلى ذلك قيل : وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ « المائدة : 64 » .
ويقال : نفضت يَدِي عن كذا أي خليت . وقوله عز وجل : إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ « المائدة : 110 » أي قويت يَدَكَ . وقوله : فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ « البقرة : 79 » فنسبته إلى أَيْدِيهِمْ تنبيهٌ على أنهم اختلقوه ، وذلك كنسبة القول إلى أفواههم في قوله عز وجل : ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ « التوبة : 30 » تنبيهاً على اختلاقهم .
وقوله : أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها « الأعراف : 195 » وقوله : أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبصارِ « ص : 45 » إشارة إلى القوة الموجودة لهم .
وقوله : وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ « ص : 17 » أي القوة . وقوله : حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ « التوبة : 29 » أي يعطون ما يعطون عن مقابلة نعمة عليهم في مقارَّتهم . وموضع قوله عَنْ يَدٍ في الإعراب : حال . وقيل : بل اعتراف بأن أَيْدِيَكُمْ فوق أَيْدِيهِمْ ، أي يلتزمون الذل .
وخذ كذا أثر ذي يَدَيْنِ .
ويقال : فلانٌ يَدُ فلانٍ ، أي وَلِيُّهُ وناصرُهُ . ويقال لأولياء الله : هم أَيْدِي الله ، وعلى هذا الوجه قال عز وجل : إن الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إنما يُبايِعُونَ الله يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ « الفتح : 10 » فإذاً يَدُهُ عليه الصلاة والسلام يَدُ الله ، وإذا كان يَدُهُ فوق أيديهم فيَدُ الله فوق أيديهم .
ويؤيد ذلك ما روي : لا يزال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويَدَهُ التي يبطش بها .
وقوله تعالى : مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا « يس : 71 » وقوله : لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ « ص : 75 » فعبارةٌ عن توليه لخلقه باختراعه الذي ليس إلا له عز وجل . وخُصَّ لفظ اليَدِ ليتصوَّر لنا المعنى ، إذ هو أجلُّ الجوارح التي يتولى بها الفعل فيما بيننا ، ليتصور لنا اختصاص المعنى لا لنتصور منه تشبيهاً . وقيل معناه : بنعمتي التي رشحتها لهم . والباء فيه ليس كالباء في قولهم : قطعته بالسكين بل هو كقولهم : خرج بسيفه ، أي معه سيفه ، معناه : خلقته ومعه نعمتاي الدنيوية والأخروية اللتان إذا رعاهما بلغ بهما السعادة الكبرى .
وقوله : يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ « الفتح : 10 » أي نصرته ونعمته وقوته . ويقال : رجل يَدِيٌّ ، وامرأةٌ يَدِيَّةٌ أي صَنَّاع .
وأما قوله تعالى : وَلما سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ « الأعراف : 149 » أي
--------------------------- 780 ---------------------------
ندموا . يقال : سقط في يَدِهِ وأسقط : عبارة عن المتحسر ، أي عمن يقلب كفيه كما قال عز وجل : فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها « الكهف : 42 » .
وقوله : فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ « إبراهيم : 9 » أي كفوا عما أمروا بقبوله من الحق ، يقال : ردّ يَدَهُ في فمه . أي أمسك ولم يجب . وقيل : رَدُّوا أَيْدِيَ الأنبياءِ في أفواههم ، أي قالوا ضعوا أناملكم على أفواهكم واسكتوا ، وقيل : ردوا نعم الله بأفواههم بتكذيبهم .
ملاحظات
فسر الراغب عدداً من الآيات التي استعملت فيها اليد ، وفي بعضها إشكال . لكن المهم أنه اختار مذهب المنزهين لله تعالى عن التجسيم ، ويسمى مذهب المؤولين ، فلم يفسر يد الله وعين الله بالجارحة معاذ الله ، كما يفعل الحشوية ومجسمة الحنابلة الوهابيين .
ومعنى : يد المسند ، التي ذكرها الراغب : يد الدهر .
يَسَرَ
اليُسْرُ : ضد العسر . قال تعالى : يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ « البقرة : 185 » سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً « الطلاق : 7 » وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً « الكهف : 88 » فَالْجارِياتِ يُسْراً « الذاريات : 3 » .
وتَيَسَّرَ كذا واسْتَيْسَرَ : أي تسهل . قال : فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ « البقرة : 196 » فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ « المزمل : 20 » أي تسهَّل وتهيَّأ .
ومنه : أَيْسَرَتِ المرأةُ وتَيَسَّرَتْ في كذا : أي سهَّلته وهيأته . قال تعالى : وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ « القمر : 17 » فَإنما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ « مريم : 97 » .
واليُسْرَى : السهل ، وقوله : فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى « الليل : 7 » فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى « الليل : 10 » فهذا وإن كان قد أعاره لفظ التيْسِيرِ ، فهو على حسب ما قال عز وجل : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ « آل عمران : 21 » .
واليَسِيرُ والمَيْسُورُ : السهلُ ، قال تعالى : فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً « الإسراء : 28 » . واليَسِيرُ : يقال في الشئ القليل .
فعلى الأول يحمل قوله : يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى الله يَسِيراً « الأحزاب : 30 » وقوله : إن ذلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ « الحج : 70 » .
وعلى الثاني يحمل قوله : وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً « الأحزاب : 14 » .
والمَيْسَرَةُ واليَسَارُ : عبارةٌ عن الغنى . قال تعالى : فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ « البقرة : 280 » .
واليَسَارُ : أختُ اليمين ، وقيل اليِسَارُ بالكسر . واليَسَرَاتُ : القوائمُ الخِفافُ . ومن اليُسْر : المَيْسِرُ .
يَأَسَ
اليَأْسُ : انتفاءُ الطمعِ ، يقال : يَئِسَ واسْتَيْأَسَ ، مثل : عجب واستعجب ، وسخر واستسخر . قال تعالى : فَلما اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا « يوسف : 80 » حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ « يوسف : 110 » قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ « الممتحنة : 13 » إنهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ « هود : 9 » .
وقوله : أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا « الرعد : 31 » قيل معناه : أفلم يعلموا ، ولم يرد أن اليَأْسَ موضوعٌ في كلامهم للعلم ، وإنما قصد أن يَأْسَ الذين آمنوا من ذلك يقتضي أن يحصل بعد العلم بانتفاء ذلك .
فإذاً ثبوت يَأْسِهِمْ يقتضي ثبوت حصول علمهم .
ملاحظات
اليأس : ضد الرجاء والأمل . واليأس : مما في أيدي الناس والتوكل على الله تعالى ، مصطلح أخلاقي .
أما كلام الراغب في قوله تعالى : أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا ، فيقصد : إذا يئسوا من هداية الناس جميعاً علموا أنه لا
--------------------------- 781 ---------------------------
يكون . قال في مجمع البحرين « 4 / 125 » « لأن اليائس من الشئ عالم بأنه لا يكون » .
يَقِنَ
اليَقِينُ : من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتها ، يقال : عِلْمُ يَقِينٍ ، ولا يقال : معرفة يَقِينٍ . وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم . وقال : عِلْمَ الْيَقِينِ « التكاثر : 5 » وعَيْنَ الْيَقِينِ « التكاثر : 7 » وحق الْيَقِينِ « الواقعة : 95 » وبينها فروق مذكورة في غير هذا الكتاب .
يقال : اسْتَيْقَنَ وأَيْقَنَ ، قال تعالى : إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ « الجاثية : 32 » وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ « الذاريات : 20 » لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ « البقرة : 118 » وقوله عز وجل : وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً « النساء : 157 »
أي ما قتلوه قتلاً تَيَقَّنُوهُ ، بل إنما حكموا تخميناً ووهماً .
ملاحظات
قال ابن منظور « 13 / 457 » : « واليَقِين : نَقيض الشك ، والعلم نقيضُ الجهل ، تقول عَلِمْتُه يَقيناً . وفي التنزيل العزيز : وإنَّه لَحَقُّ اليَقِين » .
وقد عرف الخليل اليقين « 5 / 220 » بأنه : « إزاحة الشك وتحقيق الأمر » . وأخذه عنه أكثر اللغويين . فإزاحة الشك مطلقاً تسمى يقيناً ، وإن اختلفت درجاته .
قال المحقق الطوسي : « اليقين : اعتقاد جازم مطابق ثابت لا يمكن زواله ، وهو في الحقيقة مؤلَّف من علمين : العلم بالمعلوم ، والعلم بأن خلاف ذلك محال . وله مراتب : علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين .
والقرآن ناطق بذلك ، قال تعالى : لَو تَعلَمونَ عِلْمَ اليقينِ . لتَروُنَّ الجحيمَ . ثُمَّ لترونَّها عَينَ اليقينِ ، وقال : وَتَصْلِيَةُ جحيمٍ إنَّ هذا لَهُوَ حقُّ اليقين .
وهذه المراتب مُرَتَّبة في الفضل والكمال ، وهي مثل مراتب معرفة النار ، فالعلم بالنار مثلاً بتوسط النار والدخان هو علم اليقين ، وهو العلم الحاصل لأهل النظر والاستدلال بالبراهين القاطعة .
والعلم بمعاينة جرم النار المفيض للنور هو عين اليقين ، وهو العلم الحاصل بالكشف للخلَّص من المؤمنين الذين اطمأنت قلوبهم ب الله وتيقَّنوا بمعاينة القلوب أن الله نور السماوات والأرض ، كما وصف به نفسه . والعلم بالنار بالوقوع فيها والإحتراق بها ومعرفة كيفيتها التي لا تفصح عنها العبارة ، هو حق اليقين ، وهو العلم الحاصل بالاتصال المعنوي لأهل الشهود والفناء في الله » . « رياض السالكين : 3 / 275 » .
وقال الشهيد الثاني في حقائق الإيمان / 103 : « ولا يجوز الاختلاف في خطاباته عز وجل ، ولا أن يكلف عباده بأمر لا يبين لهم مراده تعالى منه ، لاستحالة تكليف لا يطاق وإخلاله باللطف . ورأينا الأكثر وروداً في كتابه بذلك الأمر بالاعتقاد القلبي من غير تعيين مقدار مخصوص بقاطع يوقفنا على اعتباره ، أمكن حينئذ أن يكون مراده منه مطلق الإعتقاد العلمي ، سواء كان علم الطمأنينة ، أو علم اليقين ، أو حق اليقين ، أو عين اليقين ، فيكون حقيقة واحدة ، وهو الإذعان القلبي والاعتقاد العلمي ، والتفاوت بالزيادة والنقصان إنما هو في أفراد تلك الحقيقة ومن مشخصاتها ، فلا يكون داخلاً في الحقيقة المذكورة .
وما ورد مما ظاهره الاختلاف في الدلالة على مراد الشارع منه ، يمكن تنزيله على تفاوت الأفراد المذكورة ، كعلم الطمأنينة وعلم اليقين وغيرها ، فيكون كل واحد منهما مراداً وكافياً في امتثال أمر الشارع ، وهذا هو المناسب لسهولة التكليف واختلاف طبقات
--------------------------- 782 ---------------------------
المكلفين في الإدراك ، كما لا يخفى .
وبذلك يسهل الخَطْبُ في الحكم بإيمان أكثر العوام ، الذين لا يتيسر لأنفسهم الاتصاف بالعلم الذي لا يقبل تشكيك المشكك ، فإن علم الطمأنينة متيسر لكل واحد .
وعلى هذا فيكون ما تشعر النفس به من الازدياد في التصديق والاطمئنان عندما نشاهده من برهان أو عيان إنما هو انتقال من أفراد تلك الحقيقة وتبدل واحد بآخر والحقيقة واحدة » .
اليَمّ
اليَمُّ : البحر . قال تعالى : فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ « القصص : 7 » ويَمَّمْتُ كذا وتَيَمَّمْتُهُ : قصدته ، قال تعالى : فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً « النساء : 43 » . وتَيَمَّمْتُهُ برمحي : قصدته دون غيره .
واليَمَامُ : طيرٌ أصغرُ من الورشان . ويَمَامَةُ : إسمُ امرأةٍ وبها سميت مدينةُ اليَمَامَةِ .
يَمَن
اليَمِينُ : أصله الجارحة ، واستعماله في وصف الله تعالى في قوله : وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ « الزمر : 67 » على حد استعمال اليد فيه ، وتخصيص اليَمِينِ في هذا المكان والأرض بالقبضة حيث قال جل ذكره : وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ « الزمر : 67 » يختص بما بعد هذا الكتاب .
وقوله : إنكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ « الصافات : 28 » أي عن الناحية التي كان منها الحق فتصرفوننا عنها .
وقوله : لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ « الحاقة : 45 » أي منعناه ودفعناه ، فعبر عن ذلك الأخذ باليَمِينِ كقولك : خذ بِيَمِينِ فلانٍ عن تعاطي الهجاء . وقيل : معناه بأشرف جوارحه وأشرف أحواله .
وقوله جل ذكره : وَأَصْحابُ الْيَمِينِ « الواقعة : 27 » أي أصحاب السعادات والمَيَامِنِ ، وذلك على حسب تعارف الناس في العبارة عن المَيَامِنِ باليَمِينِ وعن المشائم بالشمال . واستعير اليَمِينُ للتيَمُّنِ والسعادة ، وعلى ذلك وإما إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ « الواقعة : 90 » وعلى هذا حمل :
إذا ما رايةٌ رُفعتْ لمجدٍ * عَرابَةُ باليَمِينِ
واليَمِينُ في الحلف : مستعار من اليد اعتباراً بما يفعله المعاهد والمحالف وغيره . قال تعالى : أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ « القلم : 39 » وَأَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمانِهِمْ « النور : 53 » لا يُؤاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ « البقرة : 225 » وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ « التوبة : 12 » إنهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ « التوبة : 12 » . وقولهم : يَمِينُ الله ، فإضافته إليه عز وجل هو إذا كان الحلف به .
ومولى اليَمِينِ : هو من بينك وبينه معاهدة . وقولهم : ملك يَمِينِي أنفذ وأبلغ من قولهم : في يدي ، ولهذا قال تعالى : مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ « النور : 33 » . وقوله صلى الله عليه وآله : الحجر الأسود يَمِينُ الله ، أي به يتوصل إلى السعادة المقربة إليه .
ومن اليَمِينِ : تُنُووِلَ اليُمْنُ ، يقال : هو مَيْمُونُ النقيبة ، أي مبارك . والمَيْمَنَةُ : ناحيةُ اليَمِينِ .
يَنَعَ
يَنَعَتِ الثمرةُ : تَيْنَعُ يَنْعاً ويُنْعاً ، وأَيْنَعَتْ إِينَاعاً وهي يَانِعَةٌ ومُونِعَةٌ . قال : انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ « الأنعام : 99 » وقرأ ابن أبي إسحاق : ويُنْعِهِ ، وهو جمع يَانِعٍ ، وهو المدرك البالغ .
يَوْم
اليَوْمُ : يُعَبَّرُ به عن وقت طلوع الشمس إلى غروبها . وقد يعبر به عن مدة من الزمان أي مدة كانت ، قال تعالى : إن الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ « آل عمران : 155 » وَأَلْقَوْا إِلَى الله يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ « النحل : 87 » وقال : أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ « البقرة : 254 » وغير ذلك .
--------------------------- 783 ---------------------------
وقوله عز وجل : وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله « إبراهيم : 5 » فإضافة الأَيَّامِ إلى الله تعالى تشريف لأمرها لما أفاض الله عليهم من نعمه فيها . وقوله عز وجل : قُلْ أَإنكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ الآية « فصلت : 9 » .
فالكلام في تحقيقه يختص بغير هذا الكتاب .
ويُرَكَّب يَوْمٌ مع إذ ، فيقال : يَوْمَئِذٍ ، نحو قوله عز وجل : فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ « المدثر : 9 » وربما يعرب ويبنى ، وإذا بني فللإضافة إلى إذ .
ملاحظات
اختلف اللغويون والفقهاء في تحديد اليوم ، هل يبدأ من طلوع الشمس إلى غروبها ، أو طلوع الفجر . ورأي أكثر فقهائنا أنه من طلوع الفجر ، وهو الأقوى .
يَس
يس : قيل معناه يا إنسان ، والصحيح أن يس هو من حروف التهجي كسائر أوائل السور .
ملاحظات
الحروف المفردة في أوائل السور :
تؤدي دور أدوات التنبيه . وتدل على أن القرآن من نوع أبجديتكم التي بين أيديكم فأتوا بمثله .
وفيها علوم يعرفها النبي صلى الله عليه وآله الذي خوطب بها ، والذين أورثهم الله الكتاب من عترته عليهم السلام .
وقد روى الجميع أن يس إسمٌ للنبي صلى الله عليه وآله ، فآل ياسين آل النبي صلى الله عليه وآله .
يَا
حرفُ النداءِ ، ويستعمل في البعيد ، وإذا استعمل في الله نحو : يَا ربِّ ، فتنبيهٌ للداعي [ على ] أنه بعيد من عون الله وتوفيقه .
تمّ ما كتبناه بحمد الله وتوفيقه
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين .
ملاحظات
لعل الراغب يقصد أن مَن يقول : يا رب ، فهو بعيد عنه تعالى لأنه عز وجل يقول : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ . لكن هذا مبالغة لأن الله تعالى يقول : ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً .
تم كتاب نقد مفردات الراغب وتصحيحها
والحمد لله رب العالمين .
--------------------------- 784 ---------------------------
--------------------------- 785 ---------------------------
--------------------------- 786 ---------------------------
--------------------------- 787 ---------------------------
--------------------------- 788 ---------------------------
--------------------------- 789 ---------------------------
--------------------------- 790 ---------------------------
--------------------------- 791 ---------------------------
--------------------------- 792 ---------------------------
--------------------------- 793 ---------------------------
--------------------------- 794 ---------------------------
--------------------------- 795 ---------------------------
--------------------------- 796 ---------------------------
--------------------------- 797 ---------------------------
--------------------------- 798 ---------------------------
--------------------------- 799 ---------------------------
--------------------------- الغلاف 2 ---------------------------
هذه الطبعة أصح طبعات مفردات الراغب ، فقد صححناها على المخطوطات ، والمصادر التي أخذ منها الراغب .
وتمتاز بأنها تضمنت نقد 881 مفردة ، من مجموع المفردات التي بلغت 1608 مفردة ، صححنا فيها أخطاء الراغب ، أو استدركنا ما فاته .
السعر : 8 دولار أو ما يعادلها