الجديد في النبي (ص) - ج 1
< صفحة > 1 < / صفحة >
بسم الله الرحمن الرحيم
< صفحة > 2 < / صفحة >
< صفحة > 3 < / صفحة >
الجديد في النبي صلى الله عليه وآله
علي الكوراني العاملي
المجلد الأول
الطبعة الأولى
1443-2021
دار المعروف للطباعة والنشر
< صفحة > 4 < / صفحة >
الجديد في النبي صلى الله عليه وآله
المجلد الأول
المؤلف: علي الكَوراني
الناشر: دارالمعروف، قم المقدّسة.
الطبعة : الأولى.
تاريخ النشر: 1442-2021
المطبعة : باقري - قم المقدّسة.
عدد المطبوع : 2000 نسخة.
شابك: 978-600-8916-50-5
شابك دوره: 978-600-8916-51-2
دار المعروف للطباعة والنشر
مركز النشر والتوزيع :
إيران - قم المقدّسة - شارع مصلّي القدس - رقم الدّار: 682 . ص-ب : 158- 37156 تلفون: 32926175 25(0)0098
جميع الحقوق محفوظة ومسجلة للمؤلف
www.maroof.org
Email: [email protected]
< صفحة > 5 < / صفحة >
مقدمة
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام
على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وبعد، فقد كتبت: الجديد في الإمام الحسين عليه السلام في ثلاثين نقطة من سيرته، والنقاط أكثر في سيرة جده المصطفى صلى الله عليه وآله ، وهي تحتاج الى تحليل وتفصيل؟
وهذا النوع من عرض السيرة أنفع وأعمق من العرض المجرد، بشرط أن يكون غنياً في الفكرة، بليغاً في الصورة، سلساً في الأداء.
وقد توفقت والحمد لله لبحث سبعين مفردة من سيرة النبي صلى الله عليه وآله فكانت في مجلدين، وقد اختصرت في بعضها وفصلت في بعض آخر، حسب ما قدرت الحاجة العامة الى ذلك.
ومن أمثلة هذه المفردات:
افتخار النبي صلى الله عليه وآله بنبوته وبكونه ابن عبد المطلب، فلما انهزم المسلمون في حنين وأطبقت هوازن بجيشها المؤلف من عشرين ألفاً على النبي صلى الله عليه وآله لتقتله ثبت في وجههم وقاتل وهو يرتجز:
أنا النبــــــي لا كـــــــذب * أنـــــا ابــن عبـــد المطـــلـب
فمن هو عبد المطلب وما هي صفاته التي تستحق أن يفتخر بها رسول رب العالمين صلى الله عليه وآله ؟وما هو تأثير إرثه في شخصية صلى الله عليه وآله ؟
< صفحة > 6 < / صفحة >
ومنها: قوله في المشهور: أنا أفصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش واسترضعت في بني سعد. لكن لم يصححه بهذا اللفظ أحد!
وصححه الشهيد الثاني بلفظ: بيد أني من قريش، واسترضعت في بني زهرة ونشأت في بني سعد. فما هي صلة الفصاحة بقريش وبني زهرة وبني سعد؟ وما هي القيمة العلمية والدينية لفصاحة النطق بالضاد؟
ومنها: أن بني هاشم لما بعث النبي صلى الله عليه وآله كانوا أربعين مقاتلاً شجاعاً، تهابهم بطون قريش، وهي مختلفة الرأي وعدد مقاتليها الأشداء لا يصل الى مائة.
وكان باستطاعة أبي طالب عليه السلام أن يغلبهم في المعركة ويخضعهم ويقيم دولة النبي صلى الله عليه وآله في مكة، فلماذا لم يقم النبي صلى الله عليه وآله بذلك؟ بل رفض اقتراح بعض المسلمين عليه ونزل فيهم قوله تعالى:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ.
فلماذا رفض أن يخضع قريشاً، وصبر حتى خاض معها حروباً عديدة؟!
ومنها: حالات غضب النبي صلى الله عليه وآله ، وحالات تبسمه وضحكه، ورأيه في المرأة وتعامله معها، وتعامله مع الأطفال، وتعامله مع الحيوان، وحالاته في حروبه، وحبه للعطر، وطعامه وشرابه، وبرنامجه اليومي..
الى غيرها من النقاط والموضوعات الغنية في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله ، تستحق الدراسة، كما درسنا نقاطاً من سيرة ولده الحسين عليه السلام .
أسأل الله عز وجل أن يفتح لنا أبواب فهم شخصية نبيه روحي فداه ، ويضيئ حياتنا بأنوار هدايته وحكمته وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام .
كتبه: علي الكوراني العاملي، عامله الله بمنه ولطفه
بقم المشرفة
في شهر صفر الخير 1442
< صفحة > 7 < / صفحة >
الفصل الأول: ختم النبوة برسول من ذرية إسماعيل عليه السلام
الفصل الأول
ختم النبوة برسول من ذرية إسماعيل عليه السلام
ما هي العلاقة بين قوله تعالى: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَوةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ..
وقوله تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَابُ الرَّحِيمُ. رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِالله شَهِيدًا.
- العلاقة بينها أنها مفردات لمشروع رباني واحد:
يتكون من مراحل، حيث أخذ الله فرعاً من أبناء إبراهيم عليه السلام وعزله عن تعقيدات بني إسحاق، وأمهل بني إسرائيل وبني إسحاق حتى يكملوا دورتهم، فيأتي وقت الدورة الختامية، دورة الأميين بقيادة بني إسماعيل عليه السلام ونبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وإمامة أهل بيته عليهم السلام .
وأول ما يبهرك في هذا العمل القدرة الإلهية على التحكم في الكون والمجتمع وأن كل شيئ تحت السيطرة والقدرة والإدارة!
فهل تستطيع أن تقول: هذا طفلي أسكنته هنا وسيكبر ويكون أمة. وسوف يبعث من بنيه
< صفحة > 8 < / صفحة >
رسول وتكون له أمة كبيرة تمتد قروناً حتى يبعث فيها من ذرية هذا الطفل إماماً يطهر الأرض من الظلم ويملؤها قسطاً وعدلاً.
فمن أين تعلم أن طفلك سيعيش، وتعرف ما سيكون فتقول هذا القول؟ ومن أين تقدر على فعل ما سيكون، بأحداثه الكبار والصغار وتفاصيلها؟!
لكن عندما يقول الله تعالى سيكون كذا وكذا، يكون رصد له ألوف الأدوات والوسائل والعناصر والفعاليات حتى يكون كما أخبر عز وجل؟!
وعندما يتحدث عن إسكان ذرية ابراهيم عليه السلام عند البيت الحرام، وعن بعثة النبي من ذريته، وعن أمته التي ستكون من الأميين، وعن إظهار دينه على العالم كله.. فهذا كلام مهيمنٍ على كل شيئ، يملك كل الأوراق.
رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَوةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ.. فأدوات جميع الأحداث بيده وقد أمرها أن تجري بهذا الإتجاه، أحداث الطبيعة والتكوين، وأحداث المجتمع.
فهكذا يعمل الله تعالى ويدير الناس والعالم، وينسج الأحداث كبيرها وصغيرها، ويسوقها الى الهدف الذي قرره!
لا تتوهم أن هذه جبرية، فإنما هي جبرية في التكوين والمجتمع والظروف، لكن داخل هذه الدائرة إنسان مختار ضمن الخطة، يخدم باختياره المشروع!
- نحن لا نعرف فلسفة هذا المشروع الرباني:
وأبونا آدم عليه السلام لم يكن يعرف، فعندما خلق الله تعالى آدم عليه السلام نشر ذرية في عالم الذر وأراه إياهم (الكافي:2/9): (فنظر آدم عليه السلام إلى ذريته وهم ذرٌّ قد ملؤوا السماء! قال عليه السلام :يا رب، ما أكثر ذريتي، ولأمرٍ مَّا خلقتهم فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم؟ قال الله عز وجل: يعبدونني لايشركون بي شيئاً، ويؤمنون برسلي ويتبعونهم. قال آدم عليه السلام : يا رب فمالي أرى بعض الذر أعظم من بعض، وبعضهم له نور كثير، وبعضهم له نور قليل، وبعضهم ليس له نور؟ فقال الله عز وجل: كذلك خلقتهم لأبلوهم في كل حالاتهم.
< صفحة > 9 < / صفحة >
قال آدم عليه السلام : يا رب فتأذن لي في الكلام فأتكلم؟ قال الله عز وجل: تكلم. قال آدم: يا رب فلو كنت خلقتهم على مثال واحد وقدر واحد وطبيعة واحدة وجبلة واحدة وألوان واحدة وأعمار واحدة وأرزاق سواء، لم يبغ بعضهم على بعض، ولم يكن بينهم تحاسد ولا تباغض، ولا اختلاف في شئ من الأشياء؟
قال الله عز وجل: يا آدم بروحي(بقوتي فيك) نطقتَ، وبضعف طبيعتك تكلفت ما لا علم لك به، وأنا الخالق العالِم، بعلمي خالفت بين خلقهم، وبمشيئتي يمضي فيهم أمري، وإلى تدبيري وتقديري صائرون، لاتبديل لخلقي. إنما خلقت الجن والإنس ليعبدون، وخلقت الجنة لمن أطاعني وعبدني منهم واتبع رسلي ولا أبالي، وخلقت النار لمن كفر بي وعصاني ولم يتبع رسلي ولا أبالي. وخلقتك وخلقت ذريتك من غير فاقة بي إليك وإليهم، وإنما خلقتك وخلقتهم لأبلوك وأبلوهم أيكم أحسن عملاً، في دار الدنيا في حياتكم وقبل مماتكم، فلذلك خلقت الدنيا والآخرة والحياة والموت والطاعة والمعصية والجنة والنار، وكذلك أردت في تقديري وتدبيري. وبعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم وأجسامهم، وألوانهم وأعمارهم وأرزاقهم وطاعتهم ومعصيتهم، فجعلت منهم الشقي والسعيد، والبصير والأعمى، والقصير والطويل، والجميل والدميم، والعالم والجاهل، والغني والفقير، والمطيع والعاصي، والصحيح والسقيم، ومن به الزمانة، ومن لا عاهة به، فينظر الصحيح إلى الذي به العاهة فيحمدني على عافيته، وينظر الذي به العاهة إلى الصحيح فيدعوني ويسألني أن أعافيه، ويصبر على بلائي فأثيبه جزيل عطائي. وينظر الغني إلى الفقير فيحمدني ويشكرني، وينظر الفقير إلى الغني فيدعوني ويسألني، وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني على ما هديته. فلذلك خلقتهم، لأبلوهم في السراء والضراء فيما أعافيهم، وفيما أبتليهم، وفيما أعطيهم، وفيما أمنعهم، وأنا الله الملك القادر، ولي أن أمضي جميع ما قدرت، على ما دبرت، ولي أن أغير من ذلك ما شئت إلى ما شئت، وأقدم من ذلك ما أخرت وأؤخر من ذلك ما قدمت، وأنا الله الفعال لما أريد، لاأُسألُ عما أفعل، وأنا أسأَل خلقي عما هم فاعلون).
وفي رواية سعد السعود/35: (قال آدم: ما هؤلاء؟قال: هؤلاء الأنبياء من ذريتك، قال كم هم يا رب؟ قال: هم مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي، المرسلون منهم ثلاث مئة وخمسة عشر نبياً مرسلاً.
< صفحة > 10 < / صفحة >
قال: يا رب فما بال نور هذا الأخير ساطعاً على نورهم جميعاً؟ قال: لفضله عليهم جميعاً. قال: ومن هذا النبي يا رب وما اسمه؟ قال: هذا محمد نبي ورسولي وأميني ونجيبي ونجي وخيرتي وصفوتي وخالصتي وحبيبي وخليلي وأكرم خلقي عليَّ، وأحبهم إليَّ، وآثرهم عندي، وأقربهم مني، وأعرفهم لي، وأرجحهم حلماً وعلماً وايماناً، ويقيناً وصدقاً وبراً وعفافاً، وعبادةً وخشوعاً وورعاً، وسلماً وإسلاماً، أخذت له ميثاق حملة عرشي فما دونهم من خلايق السماوات والأرض، بالإيمان والإقرار بنبوته، فآمن به يا آدم تزد مني قربة ومنزلة وفضلاً ونوراً ووقاراً. قال: آمنت بالله وبرسوله محمد. قال الله: قد أوجبت لك يا آدم وقد زدتك فضلاً وكرامة.
أنت يا آدم أول الأنبياء والرسل، وابنك محمد خاتم الأنبياء والرسل، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأول من يكسى ويحمل إلى الموقف، وأول شافع، وأول شفيع، وأول قارع لأبواب الجنان، وأول من يفتح له، وأول من يدخل الجنة. وقد كنيتك به فأنت أبومحمد).
ونحن أولاد آدم عليه السلام نقول: اللهم إنك خلقتنا أجيالاً، وبعثت فينا الأنبياء والرسل عليهم السلام وأعطيت الفرصة للطغاة والأشرار أن يقاتلوهم فيقتلوهم ويضطهدوا أتباعهم! وقد تغلبوا عليهم وسيطروا على الأرض وناسها، إلا فترات قصيرة جداً.
ونحن لانعرف أسرار إدارتك للأنبياء والأوصياء عليهم السلام وتقسيمهم الى مستويات، وتوزيعهم في الزمان والمكان، ولماذا جعلتهم بعد إبراهيم عليه السلام من أبنائه فقط، وأسكنتهم بلاد الشام، وأسكنت إسماعيل منهم جزيرة العرب، وجعلت في ذريته ختم النبوة والإمامة، وأمهلت الطغاة أن يحكموا في الأرض الى أن تبعث المهدي من ذرية إسماعيل عليهم السلام ، الذي أمرته بتطهير الأرض من الظلم والظالمين، وإقامة دولة العدل!
اللهم: لا نقترح عليك كما اقترح أبونا آدم عليه السلام ، لكنا نسألك أن تفهمنا ما نطيق من الحكمة في سياستك مع الأنبياء عليهم السلام ، وإمهالك الطويل للطغاة؟! - بواد غير ذي زرع:
فقد وضع الله بيته للناس في أرض قاحلة، حولها صحراء وبحر. واختارها ليمتحن الناس! قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( ألا ترون أن الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم صلوات الله عليه وسلامه إلى الآخرين من هذا العالم. بأحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها
< صفحة > 11 < / صفحة >
بيته الحرام الذي جعله للناس قياماً، ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقل نتائق الأرض مدراً، وأضيق بطون الأدوية قطراً! بين جبال خشنة، ورمال دمئة، وعيون وشلة، وقرى منقطعة، لا يزكو بها خُفّ ولا حافرٌ ولا ظِلف، ثم أمر أدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم وغاية لملتقى رحالهم. تهوي إليه ثمار الأفئدة، من مفاوز قفار سحيقة ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتى يهزوا مناكبهم ذُلَلاً يُهلِّلون الله حوله، ويرملون على أقدامهم شعثاً غُبْراً له، قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم، وشوهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم. ابتلاء عظيماً، وامتحاناً شديداً، واختباراً مبيناً، وتمحيصاً بليغاً، جعله الله سبباً إلى رحمته ووصلة إلى جنته.
ولو أراد الله سبحانه أن يضع بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنات وأنهار، وسهل وقرار، جم الأشجار، داني الثمار، مُلْتَفِّ البُنى، متصل القرى. بين بُرة سمراء، وروضة خضراء، وأرياف محدقة، وعراص مغدقة، ورياض ناظرة، وطرق عامرة، لكان صغر قد الجزاء على حسب ضعف البلاء!
ولو كان الآساس المحمول عليها والأحجار المرفوع بها، بين زمردة خضراء وياقوتة حمراء، ونور وضياء، لخفف ذلك من مسارعة الشك في الصدور، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب، ولنفى معتلج الريب عن الناس.
ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبدهم بأنواع المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبواباً فُتُحاً إلى فضله، وأسباباً ذُللاً لعفوه). (نهج البلاغة:2/170).
إن كل شئ في مكة يثير العقل والقلب: موقعها الجغرافي بين آسيا وأفريقيا، وتركيبها الجيولوجي من رمال وجبال داكنة أشبعتها شمس القرون نضجاً. وموقعها الكوني حذو الضراح الذي في السماء وهو البيت المعمور (الكافي: 4 /188). وتاريخها الضارب إلى بدء تكوين اليابسة وبدء الإنسان الأرض، الممتد مع أمجاد النبوات: إِنَّ أَوَلَ بَيْتٍ وُضِعَ للَّنَّاسِ للَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى للَّعَالَمِينَ.
ففي هذا الوادي جعل الله بيته من قبل آدم عليه السلام ، ثم أمرآدم وأبناءه بالحج اليه.
< صفحة > 12< / صفحة >
ثم هُجر ونُسي، ثم أمر الله إبراهيم عليه السلام أن يسكن عنده من ذريته ليعمر بهم البيت ويبقى عامراً بهم الى آخر عمر الأرض. فأسكن عنده إسماعيل عليه السلام ! - بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ:
قسم الله المجتمع البشري الى: أهل كتاب، وأميين لم ينزل عليهم كتاب.
قال تعالى: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ للَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأمِّيِّينَ أسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا.
وقال: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَامَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
وقال: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
وقال: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالآنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَأمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ النَّبيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِالله وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. فالأميون الشعوب الذين ليس لهم كتاب، أي غير اليهود والنصارى.
وتستعمل فيمن ليس له ثقافة دينية فهو كالجاهل وإن كان من أهل الكتاب!
قال الإمام الصادق عليه السلام (تفسير القمي:2/366) في قوله: َمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ: كانوا يكتبون، ولكن لم يكن معهم كتاب من عند الله، ولا بعث إليهم رسولاً، فنسبهم الله إلى الأميين). فهم أميون حكماً، وإن كانوا من أهل الكتاب عدداً.
وتستعمل بمعنيين آخرين: الأول: الذي لايقرأ ويكتب فتقول فلان أمي. والثاني: المنسوب الى مكة أم القرى تقول: أمي. وسميَ نبينا صلى الله عليه وآله النبي الأمي لأنه بُعث الى الأميين غير أهل الكتاب. ولأنه بُعث في مكة أم القرى.
وقد نفى أئمتنا عليهم السلام أن يكون لايقرأ ولا يكتب. ففي علل الشرائع(1/124): (سألت أباجعفرمحمد
< صفحة > 13 < / صفحة >
بن علي الرضا عليهما السلام فقلت: يا ابن رسول الله لم سمي النبي الأمي؟ فقال: ما يقول الناس؟ قلت: يزعمون أنه إنما سمي الأمي لأنه لم يحسن أن يكتب. فقال عليه السلام : كذبوا عليهم لعنة الله أنى ذلك والله يقول في محكم كتابه: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ. فكيف كان يعلمهم مالا يحسن! والله لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقرأ ويكتب باثنتين وسبعين لساناً. وإنما سمي الأمي لأنه كان من أهل مكة ومكة من أمهات القرى. وذلك قول الله عز وجل: وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا.
وعن علي بن أسباط قال: قلت للإمام الباقر عليه السلام :(إن الناس يزعمون أن رسول الله لم يكتب ولا يقرأ! فقال: كذبوا لعنهم الله أنى يكون ذلك وقد قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ. فكيف يعلمهم الكتاب والحكمة وليس يُحسن أن يقرأ ويكتب! قال قلت: فلم سمي النبي الأمي؟ قال: لأنه نسب إلى مكة، وذلك قول الله عز وجل: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا. القرى مكة، فقيل أمي لذلك).
فالأمي: الواحد من الأميين، وهم من عدا أهل الكتاب.
والأمي: الجاهل ولو كان من أهل الكتاب.
والأمي: المنسوب الى أم القرى.
والأمي: الذي لا يقرأ ولا يكتب.
وقد استعمل أمير المؤمنين عليه السلام الأمية النسبية فقال (الكافي:1/60): (أيها الناس إن الله تبارك وتعالى أرسل إليكم الرسول صلى الله عليه وآله وأنزل إليه الكتاب بالحق وأنتم أميون عن الكتاب ومن أنزله، وعن الرسول ومن أرسله، على حين فترة من الرسل). فيصح قولك: أمي عن الكتابة، وعن الخطابة، وعن الحاسوب..الخ.
هذا، وقد روي أن الفرس من الأميين (حقائق التأويل/125):(جاء في الخبرأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يكره أن يظهرالأميون على أهل الكتاب، يريد فارس على الروم، لأن الروم لهم كتاب وفارس لاكتاب لهم). لكن فقهاء السنة والشيعة عاملوا المجوس كأهل كتاب، ورووا أنهم كان لهم كتاب وأحرقوه!
5.ِليُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ:
ظهر الشئ: فهو ظاهر. وظهر عليه: غلبه، وقد يحذف حرف التعدية: فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا
< صفحة > 14 < / صفحة >
عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ.أي عليهم.
وظاهرَه: ناصره. وتظاهر معه: عمل معه ضد آخر: تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالآثْمِ وَالْعُدْوَانِ.إِنْ تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ الله هُوَ مَوْلاهُ.
والظهور على الآخرين: الغلبة، أعم من الإنتصار عليه بحرب أو بحجة، أو بأحداث توجب ذلك. ولذلك استعمله الله تعالى في غلبة أنصار عيسى على اليهود: قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ الله فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ.
وفي غلبة الإسلام الموعودة على الأديان: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
فقد تكون الغلبة بالحرب أوبالحجة أو بالمعجزة. وقد استعملها في سورة الفتح مقابل المشركين: لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ الله آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِالله شَهِيدًا.
وفي سورة التوبة مقابل اليهود والنصارى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرُ ابْنُ الله وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ الله ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ. إِتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ الله وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَسُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى الله إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
وفي سورة الصف مقابل اليهود: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَالله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
والنتيجة: أن الله تعالى تكفل بأن مشروعه الإسلام الذي بدأه بمحمد صلى الله عليه وآله وواصله بالأئمة من عترته عليهم السلام ، لابد أن يظهر على الأديان والمبادئ، بالحجة والعلم والمعجزة والحرب.
ومعناه أن النبي صلى الله عليه وآله بَشَّرَ بطوْر جديد في الحياة البشرية، وانتهاء السماح للظالمين بأن يحكموا أي مكان من الأرض، وبدء دولة العدل الإلهي ودوامها الى يوم القيامة.
- *
< صفحة > 15 < / صفحة >
الفصل الثاني : يُتْم الرسول صلى الله عليه وآله ضاعف الرحمة في شخصيته
الفصل الثاني
يُتْم الرسول صلى الله عليه وآله ضاعف الرحمة في شخصيته
إن يُتْمَ النبي صلى الله عليه وآله والذي ذكره الله تعالى:أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، ليس صدفة، بل هو خطة، وقد يكون اليتم لشخصيته صلى الله عليه وآله ضرورة، أو كمالاً إضافياً؟
معنى يتم النبي صلى الله عليه وآله
قال ابن الأثير في النهاية (5/292): (اليتم في الناس: فقد الصبي أباه قبل البلوغ، وفى الدواب: فقد الأم. والأنثى يتيمة وجمعها: أيتام، ويتامى. وإذا بلغ زال عنهما إسم اليتم حقيقة، وقد يطلق عليهما مجازاً بعد البلوغ، كما كانوا يسمون النبي وهو كبير: يتيم أبي طالب، لأنه رباه بعد موت أبيه.
ومنه الحديث: تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها. أراد باليتيمة البكر البالغة التي مات أبوها قبل بلوغها، فلزمها إسم اليتم فدعيت به وهي بالغة مجازاً. وقيل: المرأة لا يزول عنها إسم اليتم ما لم تتزوج، فإذا تزوجت ذهب عنها. ومنه حديث الشعبي أن امرأة جاءت إليه صلى الله عليه وآله فقالت: إني امرأة يتيمة، فضحك أصحابه، فقال: النساء كلهن يتامى، أي ضعاف).
وفي عهد أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر(نهج البلاغة:3/101): (وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن، ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه، وذلك على الولاة ثقيل، والحق كله ثقيل، وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم، ووثقوا بصدق موعود الله لهم).
فمعنى قوله تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى: أن الله أنعم عليك فهيأ لك جدك عبد المطلب وعمك أباطالب رضي الله عنهما فكفلاك في نشأتك. وكنت متحيراً فيما يجب عليك عمله، مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ، فأنعم عليك، وعلمك
< صفحة > 16 < / صفحة >
دعوة الناس إلى دينه.
وَوَجَدَكَ عَائِلاً: عليك نفقة بيتك ومن تريد مساعدتهم، فأغناك بأن هيأ لك خديجة فوهبتك ثروتها، كما وهبت سارة ثروتها لإبراهيم عليه السلام ».
ومذهبنا أن نبوته كانت من صغره ورسالته في الأربعين، قال أميرالمؤمنين عليه السلام (نهج البلاغة:2/157): (ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره).
ومعنى وَوَجَدَكَ ضَالاً:وجدك متحيراً فيما يجب أن تفعله لهداية الناس، فهداك الى رسالته وعلمك كيف تدعو الناس، لا أنه كان متحيراً في ربه عز وجل.
وقد كان النبي صلى الله عليه وآله يتيماً من صغره، لأن والده توفي وعمره شهران، وتوفيت أمه وعمره ست سنين، فكفله جده عبد المطلب رضي الله عنه الى أن توفي وعمر النبي صلى الله عليه وآله ثمان سنين، فكفله عمه أبوطالب رضي الله عنه، وكان يقال له: يتيم أبي طالب. وقد أضاف يتمه صلى الله عليه وآله الى شخصيته الفريدة طاقة من الحنان والرحمة، فكانت نوراً على نور.
لئلا يكون لأحد عليه طاعة
روى الصدوق في الفقيه(3/494) والعلل (1/131): (أن الإمام الصادق عليه السلام سئل: لمَ أيتم الله نبيه محمداً صلى الله عليه وآله ؟ قال: لئلا يكون لأحد عليه طاعة).
ومع أن كفالة جده عبد المطلب وعمه أبي طالب رضي الله عنهما، فضل عظيم عليه، إلا أنهما يختلفان عن الأب لو كان فإن طاعته ستكون واجبة وكأن من عليه طاعة واجبة لأحد غير الله تعالى لا يصح أن يبعث رسولاً؟! لكنه منطق غير قوي، ويوجب الشك في صحة الحديث.
لامعنى للصدفة في كل الكون
لايصح القول إن النبي صلى الله عليه وآله صار يتيماً بالصدفة بدون قصد من الله تعالى، فاعتقادنا أن الله عز وجل هو الخالق المدبر المهيمن على كل ما في الكون، فيُتْمُ النبي صلى الله عليه وآله أمر مقصود لله تعالى بتخطيط حكيم وهدف صحيح، ولا يوجد شيئ في الكون خارج عن سيطرته عز وجل، ليكون الحدث صدفة!
< صفحة > 17 < / صفحة >
نعم تستعمل الصدفة مجازاً لكل حدث غير متوقع، فيكون ما هو صدفة عندك عملاً مقصوداً عند غيرك. والكل مقصود بالنتيجة عند الله تعالى.
تأثير اليتم على الشخصية
لليتم تأثير إيجابي على الشخصية المستقيمة، وبهذا نفسر ظاهرة اليتم في العديد من الأنبياء والأئمة عليهم السلام ، فهو يجعل شخصياتهم أرق، ومشاعرهم أرهف، وحنانهم على الناس والضعفاء أكثر.
ومما قيل: ما رأينا يتيماً متوسطاً، فهو إما شرير، أو على درجة عالية من النبل. وسبب ذلك أن اليتم حرمان من الأب، فإما أن يكون تأثيره إيجابياً ويوجب انكسار القلب والشفافية، أوسلبياً فيوجب الحقد على المجتمع!
ومما يدل على أن تأثير اليتم على النبي صلى الله عليه وآله تأثير إيجابي على شخصيته، أن الله تعالى قال له : أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى.وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى. وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى. فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ.
يعني أنك عشت انكسار القلب من اليتم، فلا تظلم يتيماً، وعرفت ألم مسَّ الحاجة، فلا تردَّ فقيراً.
- *
< صفحة > 18 < / صفحة >
الفصل الثالث : أنا ابن عبد المطلب!
الفصل الثالث
أنا ابن عبد المطلب!
لما انهزم المسلمون في حنين وأطبقت هوازن بجيشها المؤلف من عشرين ألفاً على النبي صلى الله عليه وآله لتقتله، وصاح رئيسهم كعب بن مالك: أروني محمداً فأروه إياه فأغار عليه، واعترضه أيمن فقتله ثم رأى علياً عليه السلام يقصده فهرب. وثبت النبي صلى الله عليه وآله في وجههم وقاتل وهو يرتجز:
أنــــا النبي لا كــــذب *أنا ابن عبد المطلب
(الأرشاد:1/143 والبخاري:3/233)
فافتخر بنبوته وبأنه ابن عبد المطلب، فما هي صفات عبد المطلب التي تستحق أن يفتخر النبي صلى الله عليه وآله بها؟ وتأثير إرثه في شخصية صلى الله عليه وآله وسيرته؟
الجواب: أنه افتخربأنه صادق في نبوته صلى الله عليه وآله وأن الله تعالى سينصره كما وعده.
وافتخر بجده عبد المطلب وارث إبراهيم عليهم السلام وأنه أخذ من جده صفات كثيرة، وقد اشتهر منها أن عبد المطلب وبنيه لايفرون في الحرب أبداً!
فقد فر كل الناس في حروب النبي صلى الله عليه وآله ، وما فر النبي صلى الله عليه وآله وبني عبد المطلب في حرب أبداً، وبهم قامت معارك الإسلام فكانوا أبطال بدر، وفي أحد وخيبر فرَّ الجميع وثبتوا، وفي حنين: انهزموا بأجمعهم فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وآله إلا عشرة أنفس، تسعة من بني عبد المطلب وعاشرهم أيمن بن أم أيمن، فقتل أيمن، وثبت تسعة النفر الهاشميون ».( الإرشاد :1/140).
أما العباس وأولاده فكانوا يفرون، لكن العباس ابن أمة كما سيأتي.
< صفحة > 19 < / صفحة >
حسدت قريش عبد المطلب وعملت للحط منه
قال اليعقوبي (1/248): ( ولما رأت قريش أن عبد المطلب قد حاز الفخر، طلبت أن يحالف بعضها بعضاً ليعزُّوا، وكان أول من طلب ذلك بنو عبد الدار لما رأت حال عبد المطلب، فمشت بنو عبد الدار إلى بني سهم فقالوا: إمنعونا من بني عبد مناف، فتطيب بنو عبد مناف، وأسد، وزهرة، وبنو تيم وبنو الحارث بن فهر، فسموا حلف المطيبين.
فلما سمعت بذلك بنو سهم ذبحوا بقرةً وقالوا: من أدخل يده في دمها ولعق منه، فهو منا! فأدخلت أيديها بنو سهم، وبنو عبد الدار، وبنو جمح، وبنو عدي، وبنو مخزوم، فسموا اللعقة).
وقال اليعقوبي(2/17): ( حضر رسول الله صلى الله عليه وآله حلف الفضول وقد جاوز العشرين، وقال بعد ما بعثه الله: حضرت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً، ما يسرني به حمر النعم، ولو دعيت إليه اليوم لأجبت).
وفي مسند أحمد: (1/190): شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أن لي حمر النعم).
وكان هذا الحلف جواباً على حلف لعقة الدم الذي دعا إليه بنو عبد الدار، حيث ذبحوا بقرة، وجعلوا تحالفهم بأن يلعق ممثل القبيلة لعقةً من دمها!
قال ابن هشام (1/85): (فكان بنو أسد بن عبد العزى، وبنو زهرة، وبنو تيم، وبنو الحارث بن فهر، مع بني عبد مناف. وكان بنو مخزوم، وبنو سهم بن عمرو، وبنو جمح بن عمرو، وبنو عدي بن كعب، مع بني عبد الدار).
بنو عبد المطلب لا يفرون في الحرب إلا العباس!
في الخصال/452، عن الإمام الباقر عليه السلام عن جابر قال: « سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن ولد عبد المطلب فقال: عشرة، والعباس »!.
وروى في الكافي(8/259) تفسير الإمام الصادق عليه السلام لقول النبي صلى الله عليه وآله : (عشرة والعباس) فقال: (توفي مولى لرسول الله صلى الله عليه وآله لم يخلف وارثاً فخاصم فيه ولد العباس أباعبد الله عليه السلام وكان هشام بن عبد الملك قد حج في تلك السنة، فجلس لهم فقال داود بن علي: الولاء لنا.وقال أبوعبد الله عليه السلام :بل الولاء لي. فقال داود بن علي: إن أباك قاتل معاوية. فقال: إن كان أبي قاتل
< صفحة > 20 < / صفحة >
معاوية فقد كان حظ أبيك فيه الأوفر ثم فرَّ بخيانته. وقال: والله لأطوقنك غداً طوق الحمامة، فقال له داود بن علي: كلامك هذا أهون علي من بعرة في وادي الأزرق، فقال: أما إنه واد ليس لك ولا لأبيك فيه حق! قال فقال هشام: إذا كان غداً جلست لكم، فلما أن كان من الغد خرج أبوعبد الله عليه السلام ومعه كتاب في كرباسة وجلس لهم هشام، فوضع أبوعبد الله عليه السلام الكتاب بين يديه، فلما أن قرأه قال: أعدوا لي جندل الخزاعي وعكاشة الضمري، وكانا شيخين قد أدركا الجاهلية، فرمى بالكتاب إليهما فقال: تعرفان هذه الخطوط؟ قالا: نعم، هذا خط العاص بن أمية، وهذا خط فلان وفلان لفلان من قريش. وهذا خط حرب بن أمية.
فقال هشام: يا أباعبد الله أرى خطوط أجدادي عندكم؟ فقال: نعم، قال: فقد قضيت بالولاء لك، قال: فخرج وهو يقول:
إن عادت العقرب عدنا لها *وكانت النعل لها حاضرة
قال فقلت: ما هذا الكتاب جعلت فداك؟ قال: فإن نتيلة كانت أمةً لأم الزبير وأبي طالب وعبد الله، فأخذها عبد المطلب فأولدها فلاناً، فقال له الزبير: هذه الجارية ورثناها من أمنا وابنك هذا عبد لنا، فتحمل عليه ببطون قريش، قال فقال: قد أجبتك على خلة على أن لا يتصدر ابنك هذا في مجلس، ولايضرب معنا بسهم. فكتب عليه كتاباً وأشهد عليه فهو هذا الكتاب).
أقول: معنى ذلك أن العباس وأولاده مضافاً الى أنهم من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة، فهم عبيد لأبناء عبد المطلب: الزبير، وأبي طالب وعبد الله الذين كانت أم العباس أمةً لأمهم (دلائل النبوة/99) وقد أحلوها لأبيهم فتزوجها، فولدها تبعاً لها ملك لهم، لأنهم أحلوا أمه ولم يبيعوها.
ونلاحظ أن المؤرخين(تاريخ دمشق:26/276)قالوا إن أم العباس نتيلة بنت جناب من بني النمر بن قاسط. وزعموا أن ابنها ضاع فنذرت أن تكسوا الكعبة حريراً. لكن هذه القصة لأم ضرار بن عبد المطلب، وليست لأم العباس!
وقد رواها ابن حبيب في المنمق/36، والبلاذري في أنساب الأشراف: 1/90، قالا: (كان ضرار بن عبد المطلب من فتيان قريش، جمالاً، وعقلاً، وهيبة، وسخاء، وإن أمه نتيلة أضلته فكاد عقلها يذهب جزعاً عليه، وكانت كثيرة المال، فجعلت تنشد في المواسم وتقول:
< صفحة > 21 < / صفحة >
أضللت أبيض كالخصاف للفتية الغرِّ بني مناف
ثم لعمري منتهى الأضياف سنَّ لفهر سُنَّةَ الإيلاف
في القرِّ حين القر والأصياف
فجعلت لمن جاء به هنيدة، ونذرت أن تكسو البيت إن رده الله عليها..).
فأخذوا قصة أم ضرار بن عبد المطلب، ونسبوها الى أم العباس!
فالعباس ملحق إلحاقاً ببني عبد المطلب العشرة لأنه ابن أمة مملوكة لأعمامه! وبسبب أنه من الطلقاء، اختلف عن بني عبد المطلب فكان هو وأبناؤه يفرون في الحرب! وقد فروا في حياة النبي صلى الله عليه وآله وفروا بعده في حياة علي عليه السلام لما جعلهم ولاة اليمن ومكة، وقادة في جيشه!
أما بقية أبناء عبد المطلب فلا يفرون في الحرب، وبهذا وأمثاله افتخر النبي صلى الله عليه وآله .
- *
< صفحة > 22 < / صفحة >
الفصل الرابع : أنا ابن الذبيحين
الفصل الرابع
أنا ابن الذبيحين
قدس العرب الكعبة ونبي الله إبراهيم عليه السلام وأخذوا من حنيفيته، لكنهم بعد ذلك اعتنقوا الوثنية وعبادة الأصنام وأشهرها: هبل، واللات، والعزى، ومناة، وقدسوا هذه الأصنام حتى أن ملك المناذرة ذبح أسيره ابن ملك الغساسنة قرباناً لصنم العُزَّى!
في ذلك المحيط نذر عبد المطلب عليه السلام إذا رزقه الله عشرة أولاد أن يذبح أحدهم قرباناً لله تعالى. وعندما تم له عشرة أولاد ألهمه الله أن يقترع بينهم فخرجت القرعة على عبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله ، فعزم أن يذبحه فأمره الله تعالى أن يفديه بقربان من الإبل، فاقترع فجاءت القرعة على مئة من الإبل.
فكانت قصته كجده إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وآله يقول: أنا ابن الذبيحين، يقصد إسماعيل وعبد الله.
وفي الخصال/55، والعيون (2/189) عن علي بن فضال قال: « سألت أباالحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام عن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين؟ قال: يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل، وعبد الله بن عبد المطلب. أما إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر الله به إبراهيم: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ، ولم يقل له يا أبت افعل ما رأيت، سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. فلما عزم على ذبحه فداه الله بذبح عظيم بكبش أملح، يأكل في سواد، ويشرب في سواد، وينظر في سواد، ويمشي في سواد، ويبول ويبعر في سواد، وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عاماً، وما خرج من رحم أنثى، وإنما قال الله جل وعز له كن فكان، ليفدي به إسماعيل، فكل ما يذبح بمنى فهو فدية لإسماعيل إلى يوم القيامة. فهذا أحد الذبيحين.
< صفحة > 23 < / صفحة >
وأما الآخر، فإن عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة، ودعا الله عز وجل أن يرزقه عشرة بنين، ونذر لله عز وجل أن يذبح واحداً منهم متى أجاب الله دعوته، فلما بلغوا عشرة قال: قد وفى الله لي فلأفينَّ لله عز وجل، فأدخل وُلده الكعبة وأسهم بينهم فخرج سهم عبد الله أبي رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان أحب ولده إليه، ثم أجالها ثانية فخرج سهم عبد الله، ثم أجالها ثالثة فخرج سهم عبد الله، فأخذه وحبسه وعزم على ذبحه، فاجتمعت قريش ومنعته من ذلك، واجتمع نساء عبد المطلب يبكين ويصحن، فقالت له ابنته عاتكة: يا أبتاه أعذر فيما بينك وبين الله عز وجل في قتل ابنك. قال: فكيف أعذر يا بنية فإنك مباركة؟ قالت: أعمد إلى تلك السوائم التي لك في الحرم فاضرب بالقداح على ابنك وعلى الإبل، وأعط ربك حتى يرضى.
فبعث عبد المطلب إلى إبله فأحضرها وعزل منها عشراً، وضرب السهام فخرج سهم عبد الله، فما زال يزيد عشراً عشراً حتى بلغت مائة فضرب فخرج السهم على الإبل، فكبَّرت قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة، فقال عبد المطلب: لا، حتى أضرب بالقداح ثلاث مرات، فضرب ثلاثاً كل ذلك يخرج السهم على الإبل، فلما كان في الثالثة اجتذبه الزبير وأبوطالب وإخوانه من تحت رجليه، فحملوه وقد انسلخت جلدة خده الذي كان على الأرض، وأقبلوا يرفعونه ويقبلونه ويمسحون عنه التراب. وأمر عبد المطلب أن تنحر الإبل بالحزورة، ولا يمنع أحد منها وكانت مائة.
وكانت لعبد المطلب خمس سنن أجراها الله عز وجل في الإسلام: حرم نساء الآباء على الأبناء، وسن الدية في القتل مائة من الإبل، وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط، ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس، وسمى زمزم لما حفرها سقاية الحاج ».
وأضاف الصدوق قدس سره : « ولولا أن عبد المطلب كان حُجَّةً وأن عزمه على ذبح ابنه عبد الله شبيهٌ بعزم إبراهيم عليه السلام على ذبح ابنه إسماعيل، لمَا افتخر النبي صلى الله عليه وآله بالإنتساب إليهما لأجل أنهما الذبيحان، في قوله صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين. والعلة التي من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل عليه السلام هي العلة التي من أجلها رفع الذبح عن عبد الله، وهي كون النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام في صلبهما. فببركة النبي والأئمة عليهم السلام رفع الله الذبح عنهما فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم».
وفي الخصال/312، من وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليهم السلام قال: « يا علي إن عبد المطلب سنَّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام، حرم نساء الآباء على الأبناء فأنزل الله عز وجل: وَلا تَنْكِحُوا
< صفحة > 24 < / صفحة >
مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ.
ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدق به فأنزل الله عز وجل: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَئْ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ. الآية. ولما حفر زمزم سماها سقاية الحاج فأنزل الله: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ..الآية.
وسن في القتل مائة من الإبل، فأجرى الله عز وجل ذلك في الإسلام.
ولم يكن للطواف عدد عند قريش فسن فيهم عبد المطلب سبعة أشواط، فأجرى الله ذلك في الإسلام.
يا علي إن عبد المطلب كان لا يستقسم بالأزلام، ولا يعبد الأصنام، ولا يأكل ما ذبح على النصب، ويقول: أنا على دين أبي إبراهيم ».
وفي الفقيه(4/368) من وصية النبي صلى الله عليه وآله المطولة لعلي عليه السلام :« يا علي أنا ابن الذبيحين. يا علي أنا دعوة أبي إبراهيم عليه السلام ».
وتدل الرواية التالية ( الفقيه:3 /89) عن الإمام الباقر عليه السلام على أن القرعة مشروعة في الأديان، وأن الله تعالى نهى عبد المطلب عن ذبح ولده وأمره بالقرعة، وقد يكون ذلك بعد كلام عاتكة. قال عليه السلام : « أول من سوهم عليه مريم بنت عمران، وهو قول الله عز وجل: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ. والسهام ستة، ثم استهموا في يونس عليه السلام لما ركب مع القوم فوقعت السفينة في اللجة، فاستهموا فوقع السهم على يونس ثلاث مرات قال: فمضى يونس إلى صدر السفينة فإذا الحوت فاتح فاه فرمى نفسه.
ثم كان عند عبد المطلب تسعة بنين فنذر في العاشر إن رزقه الله غلاماً أن يذبحه، فلما ولد عبد الله لم يكن يقدر أن يذبحه ورسول الله صلى الله عليه وآله في صلبه، فجاء بعشر من الإبل فساهم عليها وعلى عبد الله فخرجت السهام على عبد الله، فزاد عشراً فلم تزل السهام تخرج على عبد الله ويزيد عشراً، فلما أن خرجت مائة خرجت السهام على الإبل فقال عبد المطلب: ما أنصفت ربي فأعاد السهام ثلاثاً فخرجت على الإبل فقال: الآن علمت أن ربي قد رضي، فنحرها ». ومعناه أن الله تعالى نهاه عن ذبحه وأمره أن يفديه بما استقرت عليه القرعة. ونلاحظ أن النبي صلى الله عليه وآله ضحى في حجة الوداع بمئة ناقة، وهي عدد فداء جده لأبيه صلى الله عليه وآله ، وأشرك فيها علياً عليه السلام لشراكته في
< صفحة > 25 < / صفحة >
وراثة عبد المطلب.
وقد صحح علماء السنة حديث: أنا ابن الذبيحين، فقد رواه الحاكم(2/554) وصححه الذهبي، والسرخسي( 8 /141) وبدائع الصنائع (5/85) وتخريج الأحاديث: (3 / 177) وفيض القدير(3 /762) وكشف الخفاء(1/199).
وفي أمالي الطوسي/457: « والصحيح أنه (الذبيح) إسماعيل لمكان الخبر، ولإجماع علماء أهل البيت عليهم السلام على أنه إسماعيل ».
وفي أضواء على المسيحية للدكتور شلبي/66: « يقول برنابا: فكلم الله حينئذ إبراهيم قائلاً: خذ ابنك البكر واصعد الجبل لتقدمه ذبيحة. والبكر هو إسماعيل، وقد ولد إسحاق عليهما السلام بعده بسبع سنين ».
واستدل علماؤنا على أن الذبيح إسماعيل بقوله تعالى في سورة الصافات: فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ. فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يَا بُنَىَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ. فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ للَّجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَالْبَلاءُ الْمُبِينُ. وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ. سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ. وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ.
فقد نصت على أن البشارة بإسحاق كانت بعد البشارة بإسماعيل عليهما السلام .
وجاء في التوراة أن الذبيح ابنه البكر، وهو إسماعيل وليس إسحاق عليهم السلام .
معنى افتخار النبي صلى الله عليه وآله بأنه ابن الذبيحين
وهو يدل على صحة منام إبراهيم ونذر عبد المطلب عليهما السلام . كما يدل على المقام العظيم للذبيحين، وأن الله تعالى فداهما بكبش أنزله لإبراهيم عليه السلام ، وبالقرعة التي رست ثلاث مرات على الإبل لعبد المطلب عليه السلام .كما يدل على العلاقة الوثيقة للنبي صلى الله عليه وآله بجديه عبد المطلب وإبراهيم عليهما السلام وأنه امتداد لهما في النسب والرسالة، وأن وجوده الشريف كما نصت رواياتنا مازال يتنقل من الأصلاب الطاهرة الى الأرحام المطهرة حتى ولد من أبويه.
- *
< صفحة > 26 < / صفحة >
الفصل الخامس : أنا أفصح من نطق بالضاد! العربية ليست بأب ولا أم
الفصل الخامس
أنا أفصح من نطق بالضاد!
العربية ليست بأب ولا أم
نقل النبي صلى الله عليه وآله مفهوم العروبة من النسب إلى اللغة، قال الإمام الباقر عليه السلام : «صعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر يوم فتح مكة فقال: أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها، ألا إنكم من آدم وآدم من طين، ألا إن خير عباد الله عبد اتقاه، إن العربية ليست بأب والد، ولكنها لسان ناطق فمن قصر به عمله لم يبلغه حسبه ».( الكافي: 8 / 246).
وفي كفاية الطالب للسيوطي(2/145): (يا أيها الناس إن الرب رب واحد، وإن الأب أب واحد، وإن الدين دين واحد، وإن العربية ليست لكم بأب ولا أم، وإنما هي لسان فمن تكلم بالعربية فهو عربي).
أقول:المشهور أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أنا أفصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش واسترضعت في بني سعد.لكن قال العلماء لا أصل له بهذا اللفظ!(كشف الخفاء:1/ 200)! وفي فيض القدير (3/50): ( أنا ابن عبد المطلب أنا أعرب العرب ولدتني قريش ونشأت في بني سعد بن بكر، فأنى يأتيني اللحن)!
وقد صححه من علمائنا الشهيد الثاني بلفظ: أنا أفصح العرب، بَيْدَ أني من قريش ونشأت في بني سعد، وارتضعت من بني زهرة. وكانت هذه القبائل أفصح العرب، فافتخر صلى الله عليه وآله بالرضاع والنشأة فيها كما افتخر بالنسب. (شرح اللمعة: 5 / 165، والمسالك: 1 / 376، والمجموع: 18 / 227).
فرضاع النبي صلى الله عليه وآله الأول من أمه آمنة بنت وهب الزهرية عليها السلام هو المؤثر في شخصيته. ورضاعه الثاني من حليمة مكمل له! وقوله صلى الله عليه وآله :ارتضعت في بني زهرة، معناه أنه رضع سنتين
< صفحة > 27 < / صفحة >
أو نحوهما، ثم أكمل رضاعه في بني سعد.
وقد كثرت أكاذيبهم وتناقضت روايتهم في كيفية أخذ حليمة له!
ومن مقولاتهم الكاذبة أن ثويبة مولاة أبي لهب أو امرأته أرضعته صلى الله عليه وآله ! (البخاري: 6 / 125) يريدون بذلك تخفيف العذاب عن صاحبهم أبي لهب لأنه حليفهم في عداوة النبي صلى الله عليه وآله !
كما كذبوا في قولهم إن النبي صلى الله عليه وآله كان يتيماً لامال له فزهدت فيه المرضعات، مع أنه حفيد عبد المطلب زعيم العرب على الإطلاق!
كما كذبوا في قولهم إن الله أرسل ملكين فشقا صدره صلى الله عليه وآله وغسلا قلبه من الرجس، وكأنه كان فيه رجس! وقد صححه الذهبي في تاريخه (1/49) وقال: إن جبريل شرح صدره مرتين، في صغره ووقت الإسراء به ».
والأمر المؤكد أن عبد المطلب رضي الله عنه سلمه إلى الحارث السعدي زوج حليمة، فأخذه إلى منازلهم في بادية الطائف.
قال ابن شاذان في الفضائل/28، في حديث رضاعه صلى الله عليه وآله : (ثم إن عبد المطلب دفعه إليها وأخذ أربعة آلاف درهم وقال لها: تعاليْ يا حليمة نمضي إلى بيت الله الحرام حتى أسلمه إليك فيه، فحمله على ساعده ودخل وطاف بالنبي سبعاً وهو على ساعده ملفوف بخرق السندس، ثم إنه دفعه إليها ومعه أربعة آلاف درهم بيض، وأربعون ثوباً من خواص كسوته، ووهب لها أربع جوار رومية، وحلل سندس. ثم إن عبد الله بن الحارث أتى بالناقة فركبتها حليمة وأخذت رسول الله صلى الله عليه وآله وشيعه عبد المطلب إلى خارج مكة).
3 - مناقب ابن شهرآشوب(1/32):(قالت حليمة: فعرفنا البركة والزيادة في معاشنا ورياشنا حتى أثرينا وكثرت مواشينا وأموالنا. ولم يحدث في ثيابه ولم تبدر عورته، ولم يحتج في اليوم إلا مرة، وكان مسروراً مختوناً).
وفي الدر النظيم/59: (روي عن حليمة السعدية أنها قالت: كانت في بني سعد شجرة يابسة ما حملت قط، فنزلنا يوماً عندها ورسول الله صلى الله عليه وآله في حجري، فما قمت حتى اخضرت وأثمرت بركة منه. وما أعلم أني جلست موضعاً قط إلا كان له أثر إما نبات وإما خصب. ولقد دخلت على امرأة من بني سعد يقال لها أم مسكين وكانت سيئة الحال فحملته فأدخلته منزلها فإذا هي
< صفحة > 28 < / صفحة >
قد خصبت وحسنت حالها، فكانت تجئ في كل يوم فتقبل رأسه).
أقول: توفيت حليمة رحمها الله قبل هجرته صلى الله عليه وآله فبكى لها، كما وقعت ابنتها الشيماء في الأسر في حرب حنين وكانت تحضنه صلى الله عليه وآله ، فأطلق الأسرى كرامة لها.
علاقة الفصاحة بقريش وبني زهرة وبني سعد؟
أنا أفصح من نطق بالضاد: معناها أن الفصاحة قيمة إنسانية يتفاخر بها.وأن منبت الفصاحة وراثي من الأسرة، واكتسابي من التعلم في الصغر.
ومعناها: دعوا الناس يتعلمون الفصاحة، ويتفاخروا بها، لأنها ترفع مستوى الثقافة والمدنية في المجتمع، وتسهم في ترقية اللغة.
ومن المعروف أن قريشاً كانت أفصح العرب لأن القبائل المختلفة تلتقي في مكة في موسمي الحج والعمرة فتتفاعل لغاتها، وتعتدل ألفاظها وجُملها.
وبنو زهرة من ذروة قريش وقبائلها الفصيحة، وبنو سعد قرب الطائف اشتهروا بفصاحتهم من بين قبائل البادية.
فالنبي صلى الله عليه وآله من بني هاشم وارتضع في بني زهرة ونشأ في بني سعد، فمن حقه أن يكون أفصح العرب، مضافاً الى أن الله تعالى أدبه وعلمه.
وأخيراً، كلما اهتم المسلم بالفصاحة، كلما صار أقرب الى فهم كتاب ربه.
وسيأتي فصل في بلاغة النبي صلى الله عليه وآله ، وهو يعني فصاحته أيضاً.
- *
< صفحة > 29 < / صفحة >
الفصل السادس : كثرة مكذوباتهم في رضاع النبي صلى الله عليه وآله !
الفصل السادس
كثرة مكذوباتهم في رضاع النبي صلى الله عليه وآله !
الرواية الرسمية لرضاع النبي صلى الله عليه وآله
قالت روايتهم الرسمية عن رضاع النبي صلى الله عليه وآله : إن والدته لم يكن عندها حليب، فأرضعته ثويبة أمة سوداء لأبي لهب، وجاءت حليمة السعدية مع تسع نساء من بني سعد من منازلهن قرب الطائف، ليأخذن أولاد شخصيات قريش ويرضعنهم فيكرمهن آباؤهم، وعرفوا أن أهل النبي صلى الله عليه وآله يبحثون له عن مرضعة لكنهن زهدن فيه لأنه يتيم ليس له أب ليكرم مرضعته، فأخذت المرضعات أطفالاًوبقيت حليمة ولم تجد غيره فأخذته غير راغبة فيه! ولم يذكروا إسم واحدة من المرضعات التسع، ولا إسم طفل قرشي أخذنه!
وقالت روايتهم: لقد وجدوا عدداً من المكيات لكن الطفل محمداً صلى الله عليه وآله لم يقبل ثدي أي واحدة منهن، حتى جاءت حليمة فقبل ثديها!
ثم قالوا إنهم وجدوا عدة نساء، قبل الطفل ثديهن!
وروت الرواية الرسمية مجموعة كرامات للنبي الرضيع صلى الله عليه وآله ظهرت في نفسه ومحيطه، وظهرت على حليمة السعدية وقومها، وأكثرها صحيح، ومنها سقيم مثل عملية شق صدره وغسل قلبه بماء الثلج.
وفي مقابل الرواية الرسمية رووا ما يوافقنا ويكذب روايتهم ويثبت أنه رضع من أمه عليها السلام ، لكنهم أعرضوا عنها وتمسكوا برواية الحكومة ونشروها!
< صفحة > 30 < / صفحة >
استرضعت في بني زهرة ونشأت في بني سعد
قلنا في السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام :الصحيح أن أمه عليها السلام أرضعته مدة قد تزيد على السنة، ثم أعطاه جده لزوج حليمة لينشأ في باديتهم قرب الطائف فقد صحح الشهيد الثاني قدس سره وغيره افتخار النبي صلى الله عليه وآله برضاعه الأول من أمه ثم بنشأته في بني سعد. قال في شرح اللمعة (5/165) والمسالك(1/376): «قال النبي صلى الله عليه وآله : أنا أفصح العرب، بَيْدَ أني من قريش ونشأت في بني سعد، وارتضعت من بني زهرة. وكانت هذه القبائل أفصح العرب، فافتخر صلى الله عليه وآله بالرضاع كما افتخر بالنسب).
فرضاعه الأول من أمه آمنة بنت وهب الزهرية عليها السلام هو المؤثر في شخصيته، ورضاعه الثاني من حليمة رحمها الله مكمل له! وقوله صلى الله عليه وآله : ارتضعت من بني زهرة، لا يتحقق إلا بأن يكون رضع من حليب سنة أو أكثر.
وكما لاحظت فقد نسب الشهيد الثاني قدس سره الحديث الى النبي صلى الله عليه وآله بنحو الجزم أي حكم بأن النبي صلى الله عليه وآله قاله.
ويؤيده أن مخالفينا رووا مثله لكنهم أعرضوا عنه وأخذوا بالرواية الرسمية!
قال النووي في المجموع(18/227): (لأن الولد قد يأخذ الشبه بالرضاع في الأخلاق، ويميل طبعه إلى من ارتضع بلبنه، ولهذا روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أنا أفصح العرب ولا فخر، بيد أني من قريش، ونشأت في بني سعد وارتضعت في بنى زهرة).
وقال ابن حجر في التلخيص الحبير ( 4/13): (روي عن النبي صلى الله عليه وآله : أنا سيد ولد آدم، بيد أني من قريش، ونشأت في بني سعد، واسترضعت في بني زهرة).
وقال الشيرازي المتوفى: 476هـ في المهذب في فقة الإمام الشافعي(3/145): (روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أنا أفصح العرب ولا فخر، بيد أني من قريش ونشأت في بني سعد، وارتضعت في بني زهرة).
فتصحيح أحد كبار فقهائنا لحديث رضاعه من أمه، ورواية ثلاثة وأكثر من علمائهم لهذا الحديث، كافٍ لتقديمه على حديث استرضعت في بني سعد، والصحيح أن أصله: نشأت في بني سعد، فيكون رضاعه من حليمة مكملاً وبعد رضاعه من أمه عليها السلام .
< صفحة > 31 < / صفحة >
من الإشكالات القاصمة على الرواية الرسمية
- أن علماء الجرح والتعديل ردوا الحديث المشهور: أنا أفصح العرب بيد أني من قريش، واسترضعت في بني سعد. ورواية بيد أني من قريش ونشأت في بني سعد. (الفايق:1/9 و126) وقالوا لا أصل له! (كشف الخفاء:1/200)!
ومع ذلك صححه رواة السلطة! فهل رأيت حديثاً صحيحاً لا أصل له! - اضطربت الرواية الرسمية في حال آمنة أم النبي صلى الله عليه وآله فقالوا مرة إنها كانت قليلة اللبن، وأشاروا الى أن النبي صلى الله عليه وآله أبى أن يلتقم ثديها.
وفي المقابل صح قوله صلى الله عليه وآله : ارتضعت في بني زهرة، أي من أمه عليها السلام ، فدل على أن لقريش ورواتها غرضاً أن يثبتوا كفر أمه وأنه امتنع عن الرضاع منها! - غيبوا دور عبد المطلب في إعطاء النبي صلى الله عليه وآله لحليمة وزوجها وثقته بهما، وقد كان حريصاً على النبي صلى الله عليه وآله من ولادته حتى مع وجود أبويه.
وأفلتت منهم رواية تقول إن حليمة جاءت الى جده عبد المطلب عليه السلام ، فأعجبه إسمها واسم عشيرتها، وأعطاها إياه. - من مكذوباتهم المفضوحة أن حليمة زهدت بالطفل لأنه يتيم. مع أن أباه كان موجوداً بعد ولادته بشهرين، وفي رواية الى سنتين من عمره الشريف. ولو سلمنا أنه كان متوفى فالرضيع ابن عبد المطلب سيد قريش وسيد العرب وكل امرأة تتمنى أن تكون له مرضعة، لمكانة عبد المطلب وغناه وكرمه!
والأمر المؤكد أن عبد المطلب عليه السلام سلمه إلى الحارث السعدي زوج حليمة، فأخذه إلى منازلهم في بادية الطائف، وربما أرضعته حليمة مدة من الزمن، وكانت تأتي به إلى جده فيكرمهم. - ومن مكذوباتهم أن ثويبة مولاة أبي لهب أرضعته! ويظهرأن غرضهم تخفيف العذاب عن أبي لهب (البخاري: 6/125) لأنه حليف أعداء النبي صلى الله عليه وآله الذين حكموا دولته بعده!
ففي سنن البيهقي(7/162): (قال عروة: ثويبة مولاة لأبي لهب كان أبولهب أعتقها فأرضعت النبي فلما مات أبولهب أريه بعض أهله في النوم بشر خيبة فقال له: ما ذا لقيت؟ فقال
< صفحة > 32 < / صفحة >
أبولهب: لم ألق بعدكم رخاء غير أني سقيت في هذه مني بعتاقتي ثويبة. وأشار إلى النقيرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع! رواه البخاري في الصحيح. وأخرجه مسلم من وجه آخر عن الزهري).
وقال النووي في المجموع(18/228): (ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله رضع من ثويبة مولاة أبي لهب، أرضعته أياماً وأرضعت معه أباسلمة عبد الله بن عبد الأشد المخزومي بلبن ابنها مسروح، وأرضعت معهما حمزة بن عبد المطلب).
وفي إعانة الطالبين (3/414): (وقد جوزي أبولهب بتخفيف العذاب عنه يوم الإثنين بسبب إعتاقه ثويبة لما بشرته بولادته صلى الله عليه وآله وأنه يخرج له من بين إصبعيه ماء يشربه كما أخبر بذلك العباس في منام رأى فيه أبالهب! ورحم الله القائل، وهو حافظ الشام محمد بن ناصر، حيث قال:
إذا كان هذا كافراً جاء ذمه *وتبت يداه في الجحيم مخلدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائماً *يخفف عنه للسرور بأحمدا
فما الظن بالعبد الذي كان عمره* بأحمد مسروراً ومات موحدا!(
أقول: لواستطاعوا لجعلوا أبالهب في الجنة وأوَّلوا سورة تبت يدا أبي لهب، أو حذفوها من القرآن، لأن أبالهب حليفهم! ولجعلوا أم جميل العوراء زوجة أبي لهب وحمالة الحطب من الحور العين، لأنها أخت أبي سفيان!
أما أبوطالب عليه السلام فلايشفع له تربيته للنبي صلى الله عليه وآله وحمايته له وتعريضه نفسه وأولاده وعشيرته لتهديد قريش وسيوفهم! فهذا هو الدين القرشي مقابل دين النبي صلى الله عليه وآله وقرآنه وأسرته!
وقد جعلوا مكافأة أبي طالب سخرية نسبوها إلى النبي صلى الله عليه وآله فزعموا أن العباس قال له: «ما أغنيت عن عمك! فوالله كان يحوطك ويغضب لك! قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار»!
وقد رواه بخاري(4/247) وكرره في مواضع، وفسرضحضاح النار(7/203) بأنه: يبلغ كعبيه يغلي منه أم دماغه! وقالوا: إن أهل النار إذا جزعوا من حرها استغاثوا بضحضاح في النار، فإذا أتوه تلقاهم عقارب كأنهن البغال الدهم، وأفاع كأنهن البخاتي فضربنهم »! ( الدر المنثور:4/127).
< صفحة > 33 < / صفحة >
لقد عجزوا عن قتل النبي صلى الله عليه وآله ! وعجزوا عن إجلاء بني هاشم من مكة، أو تسكيت النبي صلى الله عليه وآله ودفن دعوته! فانتقموا منه بأخذ سلطانه وعزل عترته!
وانتقموا من أبي طالب فجعلوه كافراً في قعر جهنم، فهذا يثلج قلب قريش! وزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله شفع له شفاعة عكسية! مع أن المسلم يشفع للكافر الذي سقاه شربة ماء فيدخله الجنة وقد استحق النار! (ابن ماجة:2/496).
راجع:ألف سؤال وإشكال على المخالفين لأهل البيت الطاهرين عليهم السلام (1/174).
- *
< صفحة > 34 < / صفحة >
الفصل السابع : لماذا لم يقاتل النبي صلى الله عليه وآله قريشاً في مكة؟
الفصل السابع
لماذا لم يقاتل النبي صلى الله عليه وآله قريشاً في مكة؟
عندما بعث النبي صلى الله عليه وآله كان بنو هاشم أربعين مقاتلاًشجاعاً، تهابهم قريش، وكانت قريش قبائل غير متفقة الرأي، وعدد شجعانها لايصل الى مئة.
وكان باستطاعة أبي طالب عليه السلام أن يغلبهم في أول معركة ويخضعهم، ويقيم دولة النبي صلى الله عليه وآله في مكة، فلماذا لم يرض النبي صلى الله عليه وآله بذلك، وصبر حتى تحالف مع الأنصار، وخاض معهم حروباً عديدة، ومنها حروب صعبة؟!
إنه السبب الإلهي والخطة الربانية؟
مما يدل على أن الغلبة كانت لبني هاشم
روت السيرة مواقف لأبي طالب في حماية النبي صلى الله عليه وآله تحدى فيها قريشاً وأذلها!
منها: ما رواه الكافي(1/449) عن الإمام الصادق عليه السلام قال: « بينا النبي صلى الله عليه وآله في المسجد الحرام وعليه ثياب له جدد، فألقى المشركون عليه سلى ناقة فملؤوا ثيابه بها، فدخله من ذلك ما شاء الله، فذهب إلى أبي طالب فقال له: يا عم كيف ترى حسبي فيكم؟ فقال له: وماذا يا ابن أخي؟ فأخبره الخبر،فدعا أبوطالب حمزة وأخذ السيف وقال لحمزة: خذ السلى! (الكرش) ثم توجه إلى القوم والنبي معه، فأتى قريشاً وهم حول الكعبة، فلما رأوه عرفوا الشر في وجهه، ثم قال لحمزة: أمِرَّ السَّلى على سِبالهم (شواربهم) ففعل ذلك حتى أتى على آخرهم! ثم التفت أبوطالب إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا ابن أخي هذا حَسَبُك فينا »!
وروت المصادر هذه القصة بصيغ مشابهة كالسيد فخار بن معد في كتابه الحجة على الذاهب الى
< صفحة > 35 < / صفحة >
كفر أبي طالب/346، عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: « مر رسول الله صلى الله عليه وآله بنفر من قريش وقد نحروا جزوراً وكانوا يسمونها الظهيرة ويذبحونها على النصب فلم يسلم عليهم، فلما انتهى إلى دار الندوة قالوا: يمر بنا يتيم أبي طالب فلا يسلم علينا! فأيكم يأتيه فيفسد عليه مصلاه؟ فقال عبد الله بن الزبعرى السهمي: أنا أفعل، فأخذ الفرث والدم فانتهى به إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو ساجد فملأ به ثيابه ومظاهره، فانصرف النبي صلى الله عليه وآله حتى أتى عمه أباطالب فقال: يا عم من أنا؟ فقال: ولمَ يا بن أخ؟ فقص عليه القصة، فقال: وأين تركتهم؟فقال: بالأبطح فنادى في قومه: يا آل عبد المطلب، يا آل هاشم، يا آل عبد مناف، فأقبلوا إليه من كل مكان مُلَبِّين قال: كم أنتم؟ قالوا: نحن أربعون. قال: خذوا سلاحكم فأخذوا سلاحهم وانطلق بهم حتى انتهى إلى أولئك النفر، فلما رأوه أرادوا أن يتفرقوا فقال لهم:ورب هذه البنية لايقومن منكم أحد إلا جللته بالسيف! ثم أتى إلى صفاة كانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتى قطعها ثلاثة أفهار (أحجار) ثم قال:يا محمد سألتني من أنت؟ ثم أنشأ يقول ويومي بيده إلى النبي صلى الله عليه وآله :
أنت النبي محمدُ * قَرْمٌ أغَرُّ مسود
لمســـــــــــــوَّدين أكارمٍ * طابوا وطاب المولد
نعم الأرومة أصلها * عمرو الخضم الأوحد
هشم الربيكة في الجفان * وعيش مكة أنكد
فجرت بذلك سنة * فيها الخبيزة تثرد
ولنا السقاية للحجيج * بها يماث العنجد
والمأزمان وما حوت * عرفاتها والمســــــــجد
أنى تضام ولم أمت * وأنا الشجاع العربد
وبطاح مكة لا يرى * فيها نجيع أسود
وبنو أبيك كأنهم * أسد العرين توقد
ولقد عهدتك صادقاً * في القول لا تتزيد
ما زلت تنطق بالصواب * وأنت طفل أمرد
ثم قال: يا محمد أيهم الفاعل بك؟ فأشار النبي صلى الله عليه وآله إلى عبد الله بن الزبعرى السهمي الشاعر،
< صفحة > 36 < / صفحة >
فدعاه أبوطالب فوجأ أنفه حتى أدماها، ثم أمر بالفرث والدم فأُمِرَّ على رؤس الملأ كلهم! ثم قال: يا ابن أخي أرضيت؟ ثم قال: سألتني من أنت؟ أنت محمد بن عبد الله، ثم نسبه إلى آدم، ثم قال: أنت والله أشرفهم حسباً وأرفعهم منصباً.
يا معشر قريش من شاء منكم يتحرك فليفعل أنا الذي تعرفوني »!
وفي رواية (الكافي:1 /449) عن الإمام الصادق عليه السلام : «ثم قال لحمزة: أمِرَّ السَّلى على سِبالهم (شواربهم) ففعل ذلك حتى أتى على آخرهم! ثم التفت أبوطالب إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا ابن أخي هذا حسبك فينا »!
ورواه في شرح النهج(14/77) وثمرات الأوراق بهامش المستطرف (2/3).
والربيكة: طعام من تمر وأقط وسمن. والعنجد: الزبيب).
ولأبي طالب موقف آخر يشبه هذا الموقف لما افتقد النبي صلى الله عليه وآله ليلة أسري به، وخاف أن تكون قريش قتلته، فقرر إن كانوا قتلوه أن يقتل كل رؤساء قريش كلهم، وأحضر بني هاشم الأربعين وأعطى كل واحد منهم شفرة، وقالوا ليجلس كل واحد منكم جنب رجل في دار الندوة فإذا جئتكم بدون محمد فليقتل كل منكم من الى جنبه من البطون!
فميزان القوة كان في مكة لبني هاشم على قريش، ولكن النبي صلى الله عليه وآله لم يؤمر بقتال.
طلب المنافقون من النبي صلى الله عليه وآله أن يقاتل قريشاً في مكة
وقد رفض طلبهم وقال: لم أؤمر بقتال. والذين طلبوا: سعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وغيرهما. (ابن حجر في أسباب النزول).
وقد يكون منهم أبوبكر وعمر وغيرهم من أبناء القبائل الصغيرة الضعيفة، الذين يأملون أن ينتصر بنو هاشم فيكون لهم موقع أفضل في مكة.
ونزل في ذلك قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ.قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً.
ومعناه أنهم كرهوا الحرب في بدر وقال الله تعالى عنهم: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ
< صفحة > 37 < / صفحة >
وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ. يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وقد أدخل رواة قريش المقداد فيهم وكذبوا عليه لأنه لم يقل مقولتهم في طريق بدر: رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ. بل قال للنبي صلى الله عليه وآله (البخاري: 5/187): «يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، ولكن إمض ونحن معك! فكأنه سُرِّيَ عن رسول الله ».
قال الطبري (5/233):«نزلت في قوم من أصحاب رسول الله كانوا قد آمنوا به وصدقوه قبل أن يفرض عليهم الجهاد.فلما فرض عليهم القتال شقَّ عليهم»!
وفي أسباب النزول لابن حجر(2/918): « نزلت في عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وقدامة بن مظعون، والمقداد بن الأسود، وذلك أنهم استأذنوا في قتال كفار مكة لما يلقون منهم من الأذى فقال: لم أؤمر بالقتال، فلما هاجر إلى المدينة وأذن بالقتال كره بعضهم ذلك ».
وروى الحاكم (2/66) تفسيرها بابن عوف وأصحابه، وصححه على شرط البخاري، وكذا النسائي(6/ 3) والبيهقي (9/11) وغيرهم.
وهذا يكذب ادعاء قريش عدم وجود منافقين في مكة، لتحصرهم بأهل المدينة.
سبب عدم القتال في مكة حفظ حرمة مكة
قال العلامة في تذكرة الفقهاء(1/10):( إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار).
فمكة لها حسابها الخاص عند الله تعالى.
ولذا قال الحسين عليه السلام لما قال له عبد الله بن الزبير:كن حمامة من حمام هذا المسجد: (شرح الأخبار:3/145): (والله لئن أقتل خارجاً منه بشبرأحب إلي من أن أقتل فيه، ولئن أقتل خارجاً منه بشبرين أحب إلي من أن أقتل خارجاً منه بشبر).
لهذا لم يأذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله بأن يقاتل قريشاً في مكة، حتى لو كان النصر عليهم مضموناً له، وأذن له بمكة ساعة من نهار لتطهيرها من الأصنام.
< صفحة > 38 < / صفحة >
وسبب عدم القتال في مكة أن حقانية النبوة قد تخفى
فلو قاتل قريشاً وانتصر عليها وأقام دولة الإسلام، لاشتغلت أبواق إعلام قريش واليهود، بأنه ليس نبياً بل خارج على قريش، يريد تأسيس ملك لبني عبد المطلب! ولأنكروا أنه أقام عليهم الحجة بنبوته فكفروا، وأرادوا قتله.
على أن النبي صلى الله عليه وآله كان متعبداً بأمر ربه عز وجل، ولذلك قال: لم أؤمر بقتال.
ما هي الخطة الربانية للنبي صلى الله عليه وآله ؟
الخطة أن يجد النبي صلى الله عليه وآله أنصاراً فيذهب اليهم، وقد عرض نفسه في موسم الحج على عشرين أو ثلاثين قبيلة، وكان يعرض عليهم الإسلام ويقرأ لهم بعض آياته، ويقول لهم: إن الله بعثني رسولاً وإن قريشاً كذبتني ومنعتني أن أبلغ رسالة ربي، فخذوني معكم الى قبيلتكم واحموني لكي أبلغ رسالة ربي. وكانوا يخافون إن حموه من قريش، ويقولون له: إجعل لنا الأمر بعدك إذا انتصرت على قريش والعرب، فيقول لهم: الأمر لله وليس بيدي، وقد أمرني أن أشرط عليكم أن لا تنازعوا الأمر أهله!
قال ابن هشام(2/289): (قال فراس بن عبد الله.. بن عامر بن صعصعة: والله، لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال له: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء، فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بأمرك فأبوا عليه)! فأمره الله أن يواصل دعوته حتى بعث له الأنصار!
- *
< صفحة > 39 < / صفحة >
الفصل الثامن : لولا أبو طالب لما نجحت دعوة النبي صلى الله عليه وآله
الفصل الثامن
لولا أبو طالب لما نجحت دعوة النبي صلى الله عليه وآله
مواقف أبي طالب غيرت ميزان القوة
الموقف الأول: كفالته للنبي صلى الله عليه وآله وتزويجه، وقد شرحناه في السيرة النبوية.
الموقف الثاني: لما سمعت قريش بنبوته فغضبت وزمجرت وقررت قتله! فأسلم أبوطالب عليه السلام ونهض مع النبي صلى الله عليه وآله وجمع بين هاشم وحماه من قريش.
ففي أمالي الصدوق/713، عن ابن عباس بسند قوي: (قال أبوطالب للنبي صلى الله عليه وآله : يا ابن أخي، الله أرسلك؟ قال: نعم. قال: فأرني آية. قال: أدع لي تلك الشجرة. فدعاها فأقبلت حتى سجدت بين يديه، ثم انصرفت. فقال أبوطالب: أشهد أنك صادق، يا علي صِلْ جناح ابن عمك).
ثم رآهما يصليان، فقال لجعفر:ياجعفر صِلْ جناح ابن عمك، أي صَلِّ معه.
ففي تفسير المفيد/407 والأوائل للعسكري/109: (أن أباطالب مر على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يصلي وعلي عليه السلام إلى جانبه، فلما سلَّم قال: ما هذا يا ابن أخي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : شيئ أمرني به ربي يقربني به إليه. فقال لابنه جعفر: يا بني: صِلْ جناح ابن عمك، فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله بعلي وجعفر جميعاً يومئذ فكانت أول صلاة جماعة في الإسلام، ثم أنشأ أبوطالب عليه السلام يقول:
إن علياً وجعفــــــراً ثقتي * عند ملم الخطوب والكرب
والله لا أخــــــــذل النبي ولا * يخذله من بنيَّ ذو حسب
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي).
< صفحة > 40 < / صفحة >
الموقف الثالث: لما جاء اليه أشراف قريش يشكون النبي صلى الله عليه وآله ويطالبون بتسليمه لهم: « فقالوا: يا أباطالب، أن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفَّه أحلامنا وضلل آباءنا، فإما أن تكفَّه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه! فقال لهم أبوطالب قولاً رفيقاً وردهم رداً جميلاً، فانصرفوا عنه.
ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا له: يا أباطالب، إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين. فبعث أبوطالب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحمَّلني من الأمر ما لا أطيق. فظن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قد بدا لعمه فيه بَدَاءٌ أنه خاذله ومُسَلِّمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته! ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وآله فبكى ثم قام، فناداه أبوطالب فقال: أقبل يا ابن أخي، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيئ أبداً ثم أعلن أبوطالب على الملأ كلمته المشهورة: والله ما كذب ابن أخي قط.
وفي شرح النهج (14/56): « قال ابن إسحاق: ثم إن قريشاً حين عرفوا أن أباطالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وآله وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم، مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة، فقالوا له: يا أباطالب، هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولداً فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل!
فقال لهم أبوطالب: والله لبئس ما تسومونني! أتعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه! هذا والله ما لا يكون أبداً!
فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف: والله يا أباطالب لقد أنصفك قومك وجهدوا على التخلص مما تكرهه، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئاً!
فقال أبوطالب للمطعم: والله ما أنصفوني، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم عليَّ! فاصنع ما بدا لك ».
< صفحة > 41 < / صفحة >
« فحقب الأمر، وحميت الحرب، وتنابذ القوم، وبادي بعضهم بعضاً! ثم إن قريشاً تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب رسول الله الذين أسلموا معه، فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم، ومنع الله رسوله منهم بعمه أبي طالب، وقد قام حين رأى قريشاً يصنعون ما يصنعون في بني هاشم وبني المطلب، فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وآله والقيام دونه، فاجتمعوا إليه وقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليه، إلا ماكان من أبي لهب عدو الله).
الموقف الرابع: (عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى العشاء الآخرة وصلى الفجر في الليلة التي أسريَ به فيها بمكة. وكان أبوطالب أمر علياً وجعفراً وحمزة بالتناوب لحراسته، وكان يتفقد مكانه في الليل! ولما لم يجده خاف أن يكون القرشيون قتلوه فبعث من يبحث عنه، واستدعى شباب بني هاشم ووزع عليهم سيوفاً قصيرة أو شفاراً، وأمرهم أن يكون كل واحد منهم بجانب زعيم قرشي، فإذا أمرهم فليقتل كل منهم من بجنبه من الزعماء، وأولهم أبوجهل)! ( مناقب ابن شهرآشوب:1 /156).
وفي الخرائج للراوندي(1/85): « فتلقاه على باب أم هاني حين نزل من البراق فقال: يا ابن أخي، انطلق فادخل بين يدي المسجد، وسلَّ سيفه عند الحجر وقال: يا بني هاشم أخرجوا مُداكم. فقال: لو لم أره ما بقي منكم شفر (أحد) أو عشنا، فاتقته قريش منذ يوم أن يغتالوه).
وفي الغدير(7/350) عن الواقدي: « فخفت أن تكونوا كدتموه ببعض شأنكم، فأمرت هؤلاء أن يجلسوا حيث ترون وقلت لهم: إن جئت وليس محمد معي فليضرب كل منكم صاحبه الذي إلى جنبه ولايستأذني فيه ولو كان هاشمياً! فقالوا: وهل كنت فاعلاً؟ فقال: إي ورب هذه وأومى إلى الكعبة! فقال له المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وكان من أحلافه: لقد كدت تأتي على قومك؟ قال: هو ذلك. ومضى به صلى الله عليه وآله وهو يقول :
إذهب بُنَيَّ فما عليك غضاضةٌ * إذهب وقَرَّ بذاك منك عيونا
والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا
ودعوتني وعلمت أنك ناصحي * ولقد صدقت وكنت قبل أمينا
وذكرت ديناً لا محالة إنه * من خير أديان البرية دينا
< صفحة > 42 < / صفحة >
فرجعت قريش على أبي طالب بالعتب والإستعطاف، وهو لا يحفل بهم »!
وفي تاريخ اليعقوبي(2/26): « فأعظموا ذلك وجلَّ في صدورهم، وعاهدوه وعاقدوه أنهم لا يؤذون رسول الله ولا يكون منهم إليه شئ يكرهه أبداً ».
الموقف الخامس: لما كتبوا صحيفة المقاطعة، فحمى أبوطالب وبنو هاشم النبي صلى الله عليه وآله في شعب بني هاشم. قال في إعلام الورى (1/125): (وكتبوا بينهم صحيفة أن لا يؤاكلوا بني هاشم ولايكلموهم ولايبايعوهم ولايزوجوهم ولا يتزوجوا إليهم ولايحضروا معهم، حتى يدفعوا محمداً إليهم فيقتلونه، وأنهم يد واحدة على محمد صلى الله عليه وآله ليقتلوه غيلة أو صراحاً. فلما بلغ ذلك أباطالب جمع بني هاشم ودخل الشعب، وكانوا أربعين رجلاً فحلف لهم أبوطالب بالكعبة والحرم والركن والمقام لئن شاكت محمداً شوكة لآتين عليكم يا بني هاشم. وحصَّن الشعب وكان يحرسه بالليل والنهار، فإذا جاء الليل يقوم بالسيف عليه ورسول الله صلى الله عليه وآله مضطجع ثم يقيمه ويضجعه في موضع آخر، فلا يزال الليل كله هكذا ويوكل ولده وولد أخيه به يحرسونه بالنهار)!
وفي سيرة ابن إسحاق(2/142): «فأخبر الله عز وجل بذلك رسوله صلى الله عليه وآله فأخبر أباطالب فقال أبوطالب: يا ابن أخي من حدثك هذا، وليس يدخل إلينا أحد ولا تخرج أنت إلى أحد، ولست في نفسي من أهل الكذب؟ فقال له رسول الله :أخبرني ربي هذا! فقال له عمه: إن ربك لحق وأنا أشهد أنك صادق. فجمع أبوطالب رهطه ولم يخبرهم ما أخبره به رسول الله صلى الله عليه وآله كراهية أن يفشوا ذلك الخبر فيبلغ المشركين فيحتالوا للصحيفة بالخبث والمكر، فانطلق أبوطالب برهطه حتى دخلوا المسجد والمشركون من قريش في ظل الكعبة، فلما أبصروه تباشروا به وظنوا أن الحصر والبلاء حملهم على أن يدفعوا إليهم رسول الله فيقتلوه! فلما انتهى إليهم أبوطالب ورهطه رحبوا بهم وقالوا: قد آن لك أن تطيب نفسك عن قتل رجل في قتله صلاحكم وجماعتكم، وفي حياته فرقتكم وفسادكم! فقال أبوطالب: قد جئتكم في أمر لعله يكون فيه صلاح وجماعة فاقبلوا ذلك منا. هلموا صحيفتكم التي فيها تظاهركم علينا، فجاؤوا بها ولا يشكون إلا أنهم سيدفعون رسول الله إليهم إذا نشروها، فلما جاؤوا بصحيفتهم قال أبوطالب: صحيفتكم بيني وبينكم، وإن ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني أن الله عز وجل قد بعث على صحيفتكم الأرضة فلم يدع لله فيها إسماً إلا أكلته وبقي فيها الظلم والقطيعة والبهتان، فإن كان
< صفحة > 43 < / صفحة >
كاذباً فلكم عليَّ أن أدفعه إليكم تقتلونه، وإن كان صادقاً فهل ذلك ناهيكم عن تظاهركم علينا؟ فأخذ عليهم المواثيق وأخذوا عليه!فلما نشروها فإذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله ! وكانوا هم بالغدر أولى منهم واستبشر أبوطالب وأصحابه وقالوا أينا أولى بالسحر والقطيعة والبهتان ».
(فسقط في أيديهم، ونكسوا على رؤوسهم! فقال أبوطالب: علامَ نُحبس ونُحصر وقد بان الأمر! ثم دخل هو وأصحابه بين أستار الكعبة فقال: اللهم انصرنا ممن ظلمنا وقطع أرحامنا، واستحل ما يحرم عليه منا! ثم انصرفوا إلى الشعب »! ( طبقات ابن سعد: 1 / 208).
وقال أبوطالب في معجزة الصحيفة (سيرة ابن إسحاق:2/144):
وقد كان من أمر الصحيفة عبرةٌ * متى ما يُخَبَّرْ غائبُ القوم يعجبِ
محا الله منها كفرهم وعقوقهم * وما نقموا من ناطق الحق معرب
وأصبح ما قالوا من الأمر باطلاً * ومن يختاق ما ليس بالحق يكذب
وأمسى ابن عبد الله فينا مصدقاً * على سخط من قومنا غير معتب
فلا تحسبونا خاذلين محمداً * لدى غربة منا ولا متقرب
ســـــــتمنعه منا يد هاشميةٌ * مركبها في الناس خير مركب
فلا والذي تخذى له كل نضوة * طليحٌ نجيٌّ نجلةٌ فالمحصب
يميناً صدقنا الله فيها ولم نكن * لنحلف كذباً بالعتيق المحجب
نفارقه حتى نُصـرَّع حوله * ومـانالتكذيـب النبـي المقـرب).
- *
أقول: صدق ابن أبي الحديد حيث قال (شرح النهج: (1/142): (فإن من قرأ علوم السير عرف، أن الإسلام لولا أبوطالب لم يكن شيئاً مذكوراً).
وقال(شرح النهج: (14/84):
ولولا أبوطالب وابنـــــــــــه * لما مثُل الدين شخصاً فقاما
فذاك بمكة آوى وحامى * وهذا بيثرب جس الحماما
< صفحة > 44 < / صفحة >
فلله ذا فاتحاً للهدى * ولله ذا للمعالي ختاما
وما ضر مجد أبى طالب * جهولٌ لغا أو بصير تعامى
نظرة في شعر أبي طالب عليه السلام
- أول من جمع شعر أبي طالب عليه السلام أبوهفان، واسمه عبد الله بن أحمد بن حرب المهزمي العبدي، توفي سنة 257 هجرية، وعرف كتابه باسم ديوان أبي طالب، وهو يتضمن 424 بيتاً أو نحوها.
وشعر أبي طالب أكثر من ذلك، فقد وجدت قصائد لا توجد في الديوان كالدالية التي مطلعها (شرح النهج (14/77) وهي اثنا عشر بيتاً:
أنت النبي محمـــــــد * قرم أغـــــــــر مسود
لمســـــــــودين أكارم * طابوا وطاب المولد
نعم الأرومة أصلها * عمرو الخضم الأوحد) - لعل أشهر شعر أبي طالب قصيدته اللامية التي تبلغ مئة وعشرة أبيات.
قال ابن كثير في النهاية (3/70): « قال ابن إسحاق: ولما خشي أبوطالب دهم العرب أن يركبوه مع قومه، قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها، وتودد فيها أشراف قومه، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في شعره أنه غير مسلم لرسول الله ولا تاركه لشئ أبداً حتى يهلك دونه ».
ثم أورد القصيدة برواية ابن هشام الذي أورد منها أربعاً وتسعين بيتاً، وردَّ تشكيك بعضهم في نسبة بعض أبياتها إلى أبي طالب، وقال: قال ابن هشام: هذا ما صح لي من هذه القصيدة وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها. قلت: هذه قصيدة عظيمة بليغة جداً، لايستطيع يقولها إلا من نسبت إليه وهي أفحل من المعلقات السبع، وأبلغ في تأدية المعنى منها جميعاً، وقد أوردها الأموي في مغازيه مطولة بزيادات أخرى ».
أقول: يظهر أن لامية أبي طالب كانت في السنة الثانية للبعثة قبل موسم الحج، رداً على إعلام قريش الكاذب وتحريضهم العرب على النبي صلى الله عليه وآله .
وقد أخطأ بعضهم فجعلها بعد محاصرة قريش لبني هاشم في الشعب، أو قبله لما عرضت
< صفحة > 45 < / صفحة >
قريش عليه شاباً بدل النبي صلى الله عليه وآله .
ملاحظات حول شعر أبي طالب عليه السلام
أ. تقرأ شعر أبي طالب عليه السلام فتُعجب ببلاغته، والمتداول منه نحو خمس مئة بيت، وقد يبلغ الألف بيت، فهو ثروة مهمة لم يعطوه حقه في تدوين السيرة وتوثيقها، مع أن المؤرخين أبدوا إعجابهم به! وقد رأيت قول إمامهم ابن كثير في لامية أبي طالب: « هذه قصيدة عظيمة بليغة جداً، لا يستطيع يقولها إلا من نسبت إليه، وهي أفحل من المعلقات السبع وأبلغ في تأدية المعنى فيها جميعاً »!
فما دامت أهم من المعلقات وأبلغ فلماذا لم يعتمدوها؟! إن مشكلتهم أنهم يريدون كسب رضا الحكومات الأموية والعباسية، فلا يذكرون شعر أبي طالب عليه السلام إلا عند الضرورة، لأنه يسجل شجاعة بني هاشم ونبلهم ودورهم في حماية النبي صلى الله عليه وآله ويكشف التاريخ الأسود لزعماء قريش ويطعن في نسب عدد منهم. ولذا تقرب علماء السوء الى الحكومات بذم أبي طالب وزعموا أنه مات كافراً، لينفوا أنه وارث عبد المطلب وأن النبي صلى الله عليه وآله وارثه!
ونفي الوراثة الربانية أمر مهم عندهم وإلا انهار أساس خلافة السقيفة!
ب. يكشف شعر أبي طالب أموراً وأحداثاً في السيرة النبوية لم يسجلها الرواة وعتموا عليها، فمنها أن قريشاً قررت إجلاء بني هاشم ونفيهم من مكة إن لم يسلموهم النبي صلى الله عليه وآله ! وعملوا لتنفيذ ذلك فأحبطه أبوطالب:
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللهِ نَتْرُكُ مَكّةَ * وَنَظْعَنُ إلا أَمْرُكُمْ فِي بَلابِلِ
وذَاكَ أَبُو عَمْرٍو أبي غَيْرَ بُغْضِنَا * لِيُظْعِنَنَا فِي أَهْلِ شَاءٍ وَجَامِلِ
يُنَاجِي بِنَا فِي كُلّ مُمْسًى وَمُصْبَحٍ * فَنَاجِ أَبَا عَمْرٍ بِنَا ثُمّ خَاتِلِ
وَيُؤْلِي لَنَا بِاَللهِ مَا إنْ يَغُشّنَا * بَلَى قَدْ تَرَاهُ جَهْرَةً غَيْرَ حَائِلِ
وأبوعمرو المنافق هو: قرظة بن عبد عمرو بن نوفل، وهذا يدل على أن حساد بني هاشم من أقربائهم كانوا مع قرار نفيهم!
< صفحة > 46 < / صفحة >
ج. ومن ذلك أن أباطالب أشار في شعره إلى أعمال عدائية قامت بها قبائل أو شخصيات معينة لم يكشفها الرواة! لاحظ قوله في هذه القصيدة:
لَعَمْرِي لَقَدْ أَجْرَى أَسِيدٌ وَبِكْرُهُ * إلَى بُغْضِنَا إذ جَزّآنَا لآكِلِ
جزت رحم عنا أسيداً وخالداً * جزاء مسئ لا يؤخر عاجل
وَسَهْمٌ وَمَخْزُومٌ تَمَالَوْا وَأَلّبُوا * عَلَيْنَا العِدَا مِنْ كُلّ طِمْلٍ وَخَامِلِ
وَرَهْطُ نُفَيْلٍ شَرّ مَنْ وَطِأَ الحَصَى * وَأَلأمَ حَافٍ مِنْ مَعَدٍّ وَنَاعِلِ..الخ.
وقوله في قصيدة أخرى:
وليد أبوه كان عبداً لجدنا * إلى علجة زرقاء جاش بها البحر
وتيم ومخزوم وزهرة منهم * فكانوا لنا مولى إذا بغي النصر
فقد سهفت أحلامهم وعقولهم * فكانوا كجفر بئس ما صنعت جفر
والوليد هو أبوخالد بن الوليد، أحد المستهزئين (البيهقي: 9 / 8)، وقد كشف أبوطالب أن أمه رومية عاملة سفينة، كانت أمَةً لهاشم!
د. وقوله في المعجزة في أبي جهل:« لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو ساجد، وبيده حجر يريد أن يرميه به فلصق الحجر بكفه! فقال أبوطالب:
أفيقوا بني غالب وانتهوا * عن الغي من بعض ذا المنطق
وإلا فإني إذن خائف * بوائق في داركــــــــــم تلتقي
تكون لغيركم عبـــــــــــرة * ورب المغارب والمشـــــــــــرق
كما ذاق من كان من قبلكم * ثمود وعاد فمن ذا بقي
غداة أتاهم بها صرصر * وناقة ذي العرش قد تستقي
فحل عليهم بها سخطة * من الله في ضربة الأزرق
وأعجب من ذاك في أمركم * عجائب في الحجر الملصق
< صفحة > 47 < / صفحة >
بكف الذي قام من خبثه * إلى الصابر الصادق المتقي
فأثبته الله في كفـــــــــــــــه * على رغمة الجائر الأحمق
أحيمق مخزومكم إذ غوى * لغي الغـــــــــواة ولم يصدق »
( كنز الفوائد / 75، وأبوطالب حامي الرسول / 21، وابن إسحاق: 4 / 192).
لذلك ينبغي لكتاب السيرة والمؤرخين أن يتتبعواالأحداث التي أرخها أبوطالب، ويبحثوها، ويرفضوا ما يعارضها في السيرة الحكومية الرسمية.
- *
< صفحة > 48 < / صفحة >
الفصل التاسع : لماذا صبر النبي صلى الله عليه وآله ثلاث سنين حتى صدع بما يؤمر؟
الفصل التاسع
لماذا صبر النبي صلى الله عليه وآله ثلاث سنين حتى صدع بما يؤمر؟
كتبنا في السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام :
انتشر خبر بعثة النبي صلى الله عليه وآله فاستشاط زعماء قريش غضباً، واتخذوا قراراً بقتله قبل أن يسمعوا حجته! لأنه بزعمهم نقض توافق توزيع مناصب الشرف بين قبائل قريش، ودعا إلى زعامة بني هاشم!
وزاد غضبهم لما أمره الله أن يدعو عشيرته الأقربين ويتخذ منهم وزيراً ووصياً، وقد روى الجميع حديث الدار في تفسير قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ. وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ أَتَّبَعَكَ مِنَ أَلْمُؤْمِنِينَ. وأن النبي صلى الله عليه وآله جمع بني هاشم وكانوا أربعين رجلاً ودعاهم الى الإسلام واختار منهم علياً عليه السلام أخاً ووزيراً ووصياً وخليفة. فكان ذلك نبأ عظيماً على قريش وهو أن بني هاشم انشقوا على قريش، وادعى ابنهم النبوة، ثم اختار ابن عمه وصيه وخليفته، وكأن قبائل قريش لا وجود لها!
وأرادوا أن يتأكدوا من ذلك فأرسلوا أباسفيان باستطلاع الأمر، وروايته بسند صحيح عندهم، في مناقب آل أبي طالب(2/ 276) من تفسير القطان عن وكيع، عن سفيان عن السدي، عن عبد خير، عن علي قال: أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد هذا الأمر بعدك، لنا أم لِمَنْ؟ قال: يا صخرالأمر بعدي لمن هو بمنزلة هارون من موسى!
قال: فأنزل الله تعالى: عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ.عَنِ النَّبَإِ العَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ. منهم المصدق بولايته وخلافته ومنهم المكذب بهما)!
وفي الكافي(1/207) بسند صحيح عن الإمام الباقر عليه السلام قال أبوحمزة الثمالي: (قلت له: جعلت
< صفحة > 49 < / صفحة >
فداك إن الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية: عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ. عَنِ النَّبَإِ العَظِيمِ؟ قال: هي في أمير المؤمنين صلوات الله عليه، كان أمير المؤمنين يقول: ما لله عز وجل آية هي أكبر مني، ولا لله من نبأ أعظم مني». وتفسير القمي:2/401، وتفسير فرات/533، والطرائف/94، واليقين /410، وغيرها.
فالمرحلة الأولى من الدعوة كانت خاصة ببني هاشم وتوحيدهم لحماية النبي ومدتها ثلاث سنوات، لم يدعُ النبي صلى الله عليه وآله فيها غيرهم حتى أهلك الله الفراعنة المستهزئين الخمسة وأوحى إليه: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ، فبدأ بمرحلة الدعوة العامة.
وفي هذه السنوات الثلاث كانت آيات القرآن وسوره متواصلة وعلنية، وكانت السِّرية فقط على أشخاص كتموا إسلامهم خوفاً من قريش كعمار، أو كتموه حرصاً على نجاح الدعوة كأبي طالب وحمزة.
قال ابن إسحاق في سيرته (2/126): « ثم إن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وآله أن يصدع بما جاء به وأن ينادي الناس بأمره وأن يدعو إلى الله تعالى، وكان ربما أخفى الشئ واستسر به، إلى أن أمر بإظهاره ثلاث سنين من مبعثه ».
وقال ابن هشام(1/169): « وكان بين ما أخفى رسول الله صلى الله عليه وآله أمره واستتر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين. ثم قال الله تعالى له: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ ».
وقال ابن عبد البر في الإستيعاب (1/34): « ثم نبأه الله تعالى وهو ابن أربعين سنة، وكان أول يوم أوحى الله تعالى إليه فيه يوم الإثنين، فأسر رسول الله صلى الله عليه وآله أمره ثلاث سنين أو نحوها، ثم أمره الله تعالى بإظهار دينه والدعاء إليه فأظهره بعد ثلاث سنين من مبعثه ».
فالمتفق عليه عند الجميع أنه صلى الله عليه وآله في السنين الثلاث لم يدع غير بني هاشم، ولا جلس في المسجد في هذه المدة، فقد هدده عتاة المستهزئين بأنه إن دعا الناس فسيقتلونه، ثم أنذروه إلى يوم معين ليعلن تراجعه عن نبوته، فكفاه الله شرهم وقتل المستهزئين الخمسة في يوم واحد، وأنزل عليه: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ!
وقد ضخَّم رواة السلطة دار الأرقم وجعلوها مرحلة في دعوة النبي صلى الله عليه وآله لأجل إثبات
< صفحة > 50 < / صفحة >
منقبة لعمر حيث زعموا أنه كان صاحب مكانة وقوة فتحدى قريشاً وأخرج النبي صلى الله عليه وآله إلى المرحلة العلنية، لكن الواقع ينفي ذلك!
وينبغي التنبيه إلى أن بعض الأحاديث السنية والشيعية حسبت سنوات السيرة في مكة عشر سنوات، فاستثنت السنوات الثلاث الأولى لأنها خاصة ببني هاشم، وحسبت بعثته من أول الرابعة حيث أهلك الله المستهزئين، وأمره أن يصدع!
زعماء قريش أسوأ من الفراعنة والجبارين!
قال الله تعالى لهم: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً. فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلاً. فهم فراعنة بنص القرآن.
وهم أسوأ من الفراعنة وأشد عناداً للحق، ففرعون لما أدركه الغرق: قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وهم لما قامت عليهم الحجة ورأوا الحق: قَالُوا اللهمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.
وكان زعماء قريش سمعوا أن الأنبياء السابقين بشروا بنبي من ولد إسماعيل وسمعوا توقعات علماء اليهود والنصارى بأنه سيخرج في مكة، وسمعوا بقصة بحيرا الراهب وقوله إنه النبي الموعود.
لهذا أصدروا الأمر بقتل النبي صلى الله عليه وآله بمجرد أن قال إنه بعث نبياً، ولم يطلبوا منه الدليل، فالدليل لايهمهم والحجة لا تعنيهم، لأن قبولهم بنبيٍ من بني هاشم ينقض توافقهم على توزيع مناصب السيادة، ويعني رئاسة بني هاشم على بقية البطون، وهو أمر مرفوض بكل وجودهم!
فكان الموقف الصحيح بزعمهم قتله، فطالبوا أهله وعشيرته بتسليمه لهم ليقتلوه! وهذا طغيان لم يصل اليه أحد من الطغاة ولا الفراعنة!
لم يكن بإمكان النبي صلى الله عليه وآله أن يخرج الى المسجد ويدعو الناس الى نبوته ودينه حتى جاءه جبرئيل عليه السلام بعد أن حصد رؤوس المستهزئين كلهم في ساعات!
ففي الخصال/279: عن الإمام الحسين عليه السلام أن أميرالمؤمنين عليه السلام قال ليهودي من أحبار الشام في
< صفحة > 51 < / صفحة >
جواب مسائله: فأما المستهزؤون فقال الله عز وجل له: إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئينَ فقتل الله خمستهم، قد قتل كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد! أما الوليد بن المغيرة فإنه مرَّ بنبل لرجل من بني خزاعة قد راشه في الطريق فأصابته شظية منه، فانقطع أكحله حتى أدماه فمات وهو يقول: قتلني رب محمد!
وأما العاص بن وائل السهمي، فإنه خرج في حاجة له إلى كداء فتدهده تحته حجر فسقط فتقطع قطعة قطعة، فمات وهو يقول: قتلني رب محمد! وأما الأسود بن عبد يغوث، فإنه خرج يستقبل ابنه زمعة ومعه غلام له فاستظل بشجرة تحت كداء فأتاه جبرئيل عليه السلام فأخذ رأسه فنطح به الشجرة فقال لغلامه: إمنع هذا عني! فقال: ما أرى أحداً يصنع بك شيئاً إلا نفسك! فقتله وهو يقول: قتلني رب محمد!
وأما الحارث بن الطلاطلة فإنه خرج من بيته في السموم فتحول حبشياًفرجع إلى أهله فقال:أنا الحارث فغضبوا عليه فقتلوه وهو يقول: قتلني رب محمد.
وأما الأسود بن المطلب فإنه أكل حوتاً مالحاً فأصابه غلبة العطش فلم يزل يشرب الماء حتى انشق بطنه فمات، وهو يقول: قتلني رب محمد!
كل ذلك في ساعة واحدة، وكانوا قالوا صباح ذلك اليوم للنبي صلى الله عليه وآله : يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك، فدخل النبي منزله فأغلق عليه بابه مغتماً بقولهم، فأتاه جبرئيل عليه السلام ساعته فقال له: يا محمد السلام يقرؤك السلام وهو يقول: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ، يعني أظهر أمرك لأهل مكة وادع، وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ. قال: يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني؟ قال له: إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئينَ. قال: يا جبرئيل كانوا عندي الساعة بين يدي؟ فقال: قد كفيتهم! فأظهر أمره عند ذلك »!
وخرج النبي صلى الله عليه وآله الى الحجر في أول السنة الرابعة وبدأ بدعوة الناس، ولو خرج قبلها لهاجمه بعض هؤلاء المستهزئين يريدون قتله!
الثلاث سنين مرحلة الدعوة الناعمة!
مع كل جبروت قريش في رد البعثة، وإصرارهم على قتل النبي صلى الله عليه وآله ، كان يكفي
< صفحة > 52 < / صفحة >
لأبي طالب عليه السلام شهور لترتيب حمايته ببني هاشم ثم ينطلق في دعوته.
لكن الأمر طال ثلاث سنوات، فما هو السبب؟
في اعتقادي أن تأخير شروعه في الدعوة كان أمراً مقصوداً لله تعالى، ليسمع الناس أولاً بنبوته، ويصل اليهم مايتنزل عليه من القرآن، ويتفاعل في نفوسهم، الى أول السنة الرابعة حيث نزل عليه الأمر: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ.
فكأن السنوات الثلاث مرحلة الدعوة الناعمة قبل البدء بالدعوة رسمياً.
ونلاحظ هذا التدرج في تعامل النبي صلى الله عليه وآله بأمر ربه مع المجتمع، لكي يأخذ الأمر والحدث وقته الكافي، وينضج وجوده في أنفسهم نضجاً طبيعياً.
- *
< صفحة > 53 < / صفحة >
الفصل العاشر : لماذا أخذ النبي صلى الله عليه وآله أبابكر معه في هجرته؟
الفصل العاشر
لماذا أخذ النبي صلى الله عليه وآله أبابكر معه في هجرته؟
جعلوا آية الغار سيفاً قتلوا به من خالفهم!
قال الله تعالى: إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
معنى الآية: أن الله تكفل بنصر النبي صلى الله عليه وآله وإن لم تنصروه، فقد نصره عندما كان وحيداً فاراً من قومه ليس معه إلا شخص واحد غير مقاتل، فأنزل عليه السكينة والطمأنينة وجنوداً من ملائكته. فليس في الآية مدح للشخص الذي كان معه، بل فيها أنه خاف وسكنه النبي صلى الله عليه وآله .
فالآية متركزة على الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وحده غير ناظرة إلى غيره، بل يشير إفراد الضمائر فيها إلى أن أبابكر لايشترك معه في السكينة بل بمجرد التواجد قال تعالى: إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا، ولم يقل أخرجهما. وقال تعالى: فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا، ولم يقل عليهما.
وقال المفيد( الفصول المختارة/43) ما حاصله: « لم ينزل الله سبحانه السكينة قط على نبيه صلى الله عليه وآله في موطن كان معه فيه أحد من أهل الإيمان، إلا عمهم في نزول السكينة وشملهم بها، إلا في هذا المورد فأفردها).
وقد أكثر السنيون في مدح أبي بكر، فقالوا إنه تواعد مع النبي صلى الله عليه وآله على الهجرة، وإنه أعدَّ راحلتين، وإن النبي صلى الله عليه وآله كان يتردد الى بيته تلك الأيام. وروواعن عائشة الكثير!
وقالوا إن أسماء بنت أبي بكر كانت تحمل لهم الطعام إلى الغار، وإنها شقت حزامها قطعتين
< صفحة > 54 < / صفحة >
لتربط الزاد فسماها النبي صلى الله عليه وآله ذات النطاقين، مع أنها كانت هاجرت مع زوجها الزبير قبلهم إلى المدينة). (خليفة ابن خياط / 207).
قال ابن حجر في الإصابة (4/148): « ومناقب أبي بكر كثيرة جداً، وقد أفردها جماعة بالتصنيف، وترجمته في تاريخ ابن عساكر قدر مجلدة، ومن أعظم مناقبه قول الله تعالى: إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ. فإن المراد بصاحبه أبوبكر بلا نزاع، إذ لايعترض بأنه لم يتعين لأنه كان مع النبي صلى الله عليه وآله في الهجرة عامر بن فهيرة وعبد الله بن أبي بكر، وعبد الله بن أريقط الدليل، لأنا نقول لم يصحبه في الغار سوى أبي بكر. وثبت في الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وآله قال لأبي بكر وهما في الغار: ما ظنك باثنين الله ثالثهما ».
وفي فتح الباري (13/180): « قال ابن التين: ما انفرد به أبوبكر وهو كونه ثاني اثنين وهي أعظم فضائله التي استحق بها أن يكون الخليفة من بعد النبي لذلك قال عمر: وإنه أولى الناس بأموركم فقوموا فبايعوه ».
وفي تحفة الأحوذي(10/106): « أجمع المفسرون على أن المراد بصاحبه في الآية يعني قوله تعالى: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ. هو أبوبكر، وقد قالوا من أنكر صحبة أبي بكر كفر، لأنه أنكر النص الجلي! بخلاف صحبة غيره ».
أما نحن فنقول: إنها روايات مكذوبة لمدح أبي بكر وبناته، وقد نص المحدثون السنة على كثرة المكذوبات في فضائل أبي بكر وعمر، وهذه منها.
ونقول إن النبي صلى الله عليه وآله وجد أبابكر في الطريق فأخذه معه لئلا يخاف فيخبر قريشاً عن النبي صلى الله عليه وآله ، واشترى منه جملاً للدليل، فمات الجمل قبل أن يصل الى المدينة، فاستأجر غيره. أما النبي صلى الله عليه وآله فهاجر على ناقته العضباء.
وقد وردت هذه المضامين في رواياتنا، ففي الخرائج (1/144): «قال علي عليه السلام : فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إن قريشاً دبرت كيت وكيت في قتلي، فنم على فراشي حتى أخرج أنا من مكة فقد أمرني الله تعالى بذلك. فقلت له: السمع والطاعة، فنمت على فراشه وفتح رسول الله صلى الله عليه وآله الباب وخرج عليهم وهم جميعاً جلوس ينتظرون الفجر وهو يقول: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ. ومضى وهم لا يرونه، فرأى أبابكر قد
< صفحة > 55 < / صفحة >
خرج في الليل يتجسس عن خبره، وقد كان وقف على تدبير قريش من جهتهم، فأخرجه معه إلى الغار ».
وفي شواهد التنزيل(1/127) «أنام رسول الله علياً عليه السلام على فراشه ليلة انطلق إلى الغار، فجاء أبوبكر يطلب رسول الله فأخبره علي أنه قد انطلق فاتبعه ».
لا فضيلة حقيقية لأبي بكر في الآية
قال النعمان المغربي في شرح الأخبار(2/246): « إن الصحبة قد تكون للبر والفاجر، وقد وصف الله تعالى في كتابه صحبة مؤمن لكافر فقال: قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ».
والسؤال: لماذا قدر الله تعالى أن يكون أبابكر صاحب النبي صلى الله عليه وآله في الهجرة؟ ولماذا استعمل في الآية كلماتٍ توهم فضيلته.
يجيب السنيون: بأن الله تعالى خص أبابكر بالصحبة في الهجرة، وخصه بأنه ثاني اثنين، وهذا ترشيح له للخلافة.
وأجاب علماؤنا: إذا كانت الفضيلة في الأول والثاني، فإن ثاني الإثنين في الآية رسول الله صلى الله عليه وآله وليس فيها أول، أو أبوبكر الأول فهل يكون أفضل؟!
وأجابوا: بأن الله تعالى لايسأل عما يفعل، وكون شخص الى جنب النبي صلى الله عليه وآله لايدل بحال على صلاحه. وصحابة الرسل عليهم السلام فيهم مضلون وأعداء بنص القرآن، قال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً. لَقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِى وَكَانَ الشَّيْطَانُ للَّإِنْسَانِ خَذُولاً. وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا. وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا.
وأجابوا بأن الله تعالى له أسرار في امتحان الناس:لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ.
ترك أبوبكر النبي صلى الله عليه وآله بقباء وذهب غاضباً!
قال الطبرسي في إعلام الورى (1/152) :(إن أبابكر أراد من النبي أن يدخل المدينة من قباء
< صفحة > 56 < / صفحة >
فقال: لا أريم من هذا المكان حتى يوافيني أخي علي بن أبي طالب. فقال أبوبكر:ما أحسب علياً يوافي! قال: بلى ما أسرعه إن شاء الله. فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وآله فارقه أبوبكرودخل المدينة)!
وفي الكافي(8/338)ومختصر البصائر/129بسند صحيح «فقال له أبوبكر: إنهض بنا إلى المدينة، فإن القوم قد فرحوا بقدومك وهم يستريثون إقبالك إليهم فانطلق بنا ولاتقم هاهنا تنتظر علياً، فما أظنه يقدم عليك إلى شهر! فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : كلا ما أسرعه، ولست أريم حتى يقدم ابن عمي وأخي في الله عز وجل، وأحب أهل بيتي إليَّ، فقد وقاني بنفسه من المشركين.
قال: فغضب عند ذلك أبوبكر واشمأز، وداخله من ذلك حسد لعلي عليه السلام فانطلق حتى دخل المدينة، وتخلف رسول الله صلى الله عليه وآله بقبا ينتظر علياً عليه السلام ».
أقول: غطى رواة السلطة ترك أبي بكر للنبي صلى الله عليه وآله في قباء، فلم يصرحوا به، قال ابن هشام (2/342): « نزل النبي صلى الله عليه وآله في قباء، ونزل أبوبكر على خبيب بن إساف أحد بني الحارث بن الخزرج بالسنح».
والسنح خارج المدينة باتجاه نجد: « قال عياض: هذا حد أدناها وأبعدها ثمانية أميال).
- *
< صفحة > 57 < / صفحة >
الفصل الحادي عشر : نقاط عن والدي النبي صلى الله عليه وآله
الفصل الحادي عشر
نقاط عن والدي النبي صلى الله عليه وآله
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين، أي إسماعيل وعبد الله، وقد تقدمت قصة نذر عبد المطلب عاشرأولاده، وأن الله أمره أن يفديه بالإبل ويقترع بينهما، فاقترع حتى رست القرعة على مئة من الإبل ففداه بها.
كان عبد الله أحب أولاد عبد المطلب اليه
لما جاء أبرهة بجيشه ليهدم الكعبة، خاف أهل مكة وهربوا منها، وبقي فيها عبد المطلب وقليل من الناس، فطاف عبد المطلب بالبيت وأخذ بحلقة باب الكعبة، وخاطب الله تعالى فقال
لاهـــــــــــــــــــمَّ إن الــــــمـــــــــــرء * يمنع رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهــــــــــــــــم * ومِحالهــــــــم ربي مِحالك
إن كنت تاركهم وكعبتنا * فشئٌ ما بدالك).
(المنمق لابن حبيب/76، وابن سعد:1/92):
ولما اقترب جيش أبرهة من مكة جمع عبد المطلب بنيه وأرسل الحارث ابنه الأكبر إلى أعلى جبل أبي قبيس فقال: أنظر يا بني ماذا يأتيك من قبل البحر؟ فرجع فلم ير شيئاً، فأرسل واحداً بعد آخر من ولده، فلم يأته أحد منهم عن البحر بخبر، فدعا ولده عبد الله وإنه لغلام حين أيفع وعليه ذؤابه تضرب إلى عجزه فقال له: إذهب فداك أبي وأمي فاعلُ أباقبيس وانظر ماذا ترى يجئ من البحر؟ فنزل مسرعاً فقال:
< صفحة > 58 < / صفحة >
يا سيد النادي رأيت سحاباً من قبل البحر مقبلاً، يُسْفِلُ تارة ويرتفع أخرى!
إن قلت غيْماً قلته، وإن قلت جَهَاماً خِلته، يرتفع تارة وينحدر أخرى!
فنادى عبد المطلب: يا معشر قريش، أدخلوا منازلكم فقد أتاكم الله بالنصر من عنده، فأقبلت الطير الأبابيل في منقار كل طيرحجر وفي رجليه حجران، فكان الطائر الواحد يقتل ثلاثة من أصحاب أبرهة! كان يلقي الحجر في قمة رأس الرجل فيخرج من دبره!وقد قص الله تبارك وتعالى نبأهم فقال سبحانه « أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ..».(كنز الفوائد/83 عن الإمام الصادق عليه السلام ).
وكلام عبدالله عليه السلام من أبلغ الكلام، فقد سمى أباه عبد المطلب سيد النادي وفي رواية سيد الوادي. وفرق بين السحاب والغيم والجهام، والأخير هو الغيم الذي لاماء فيه، يقول: رأيت سحاباً مقبلاً نحو مكة يهبط كأنه غيم مثقل بالماء، ويصعد كأنه جهام لاماء فيه، فهو بين صعود وهبوط. فعرف عبد المطلب بأنه سرب(طائرات)الأبابيل الذي وعده به ربه عز وجل.
وكان عمر عبد الله عليه السلام يومها أكثر من عشرين سنة، لأنه كان متزوجاً وقد ولد ابنه النبي صلى الله عليه وآله في تلك السنة، ولا بد أن يكون معنى قول الراوي: وإنه لغلام حين أيفع وعليه ذؤابه، أنه كان شاباً في مقتبل العمر. وقال اليعقوبي كان عمره لما توفي خمساً وعشرين سنة، وقد ولد النبي صلى الله عليه وآله في عام الفيل، وتوفي فيها والده عليه السلام .
وقال ابن إسحاق (1/2): (كان عبد الله بن عبد المطلب أبورسول الله صلى الله عليه وآله أصغر بني أبيه كان هو والزبير وأبوطالب لفاطمة بنت عمرو بن عابد بن عبد الله بن عمران بن مخزوم، وكان فيما يزعمون أحب ولد عبد المطلب اليه).
زواج عبد الله من آمنة بنت وهب عليهما السلام
قال ابن عبد البر في الإستيعاب(1/28): ( أمُّ رسول الله صلى الله عليه وآله آمنة بنت وهب ابن عبد مناف، قرشية زهرية، تزوجها عبد الله بن عبد المطلب، وهو ابن ثلاثين سنة، وقيل: بل كان يومئذ ابن خمس وعشرين سنة، خرج به أبوه عبد المطلب إلى وهب بن عبد مناف فزوجه ابنته.
وقيل: كانت آمنة في حجر عمها وهيب بن عبد مناف بن زهرة، فأتاه عبد المطلب، فخطب
< صفحة > 59 < / صفحة >
إليه ابنته هالة بنت وهيب لنفسه، وخطب على ابنه عبد الله آمنة بنت وهب، فزوجه وزوج ابنه في مجلس واحد فولدت آمنة لعبد الله رسول الله صلى الله عليه وآله ).
ورووا أن امرأة رأت النور في جبين عبد الله عليه السلام ، فطلبت منه أن يتزوجها فرفض.
وفي كمال الدين/196: « روي عنها أنها قالت: لما حملتُ به لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، فرأيت في نومي كأن آت أتاني فقال لي: قد حملت بخير الأنام، فلما حان وقت الولادة خفَّ عليَّ ذلك حتى وضعته، وهو يتقي الأرض بيده وركبتيه، وسمعت قائلاً يقول: وضَعْتِ خير البشر فعوَّذيه بالواحد الصمد من شر كل باغ وحاسد. فولد رسول الله عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة مضت [بقيت] من ربيع الأول يوم الإثنين. فقالت آمنة: لما سقط إلى الأرض اتقى الأرض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى السماء، وخرج مني نور أضاء ما بين السماء والأرض).
وفي الكافي (1/454) عن الإمام الصادق عليه السلام قال: « لما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله فُتح لآمنة بياض فارس وقصور الشام، فجاءت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين إلى أبي طالب ضاحكة مستبشرة فأعلمته ما قالت آمنة، فقال لها أبوطالب: وتتعجبين من هذا، إنك تحبلين وتلدين بوصيه ووزيره ».
رضع النبي صلى الله عليه وآله من أمه آمنة ثم أخذته حليمة
أكثر رواة الحكومة الروايات في رضاع النبي صلى الله عليه وآله ، فضيعوا الحقيقة في مكذوباتهم! ومما قالوه إن أمه لم ترضعه لأنها كانت قليلة اللبن، أو أرضعته أياماً قليلة، ثم أرضعته ثويبة أمة أبي لهب أياماً، ثم جاءت حليمة!
والصحيح أن أمه عليهما السلام أرضعته مدة تزيد على السنة، ثم أعطاه جده لزوج حليمة لينشأ في باديتهم قرب الطائف، فقد صحح الشهيد الثاني قدس سره وغيره افتخار النبي صلى الله عليه وآله برضاعه الأول من أمه، ثم بنشأته في بني سعد.
قال في شرح اللمعة(5/165) والمسالك(1/376) والمجموع(18/227): «قال النبي صلى الله عليه وآله : أنا أفصح العرب، بَيْدَ أني من قريش ونشأت في بني سعد، وارتضعت من بني زهرة. وكانت هذه القبائل أفصح العرب، فافتخر صلى الله عليه وآله بالرضاع كما افتخر بالنسب ».
< صفحة > 60 < / صفحة >
فرضاعه الأول من أمه هو المؤثر في نموه، ورضاعه الثاني من حليمة مكمل له! وقوله صلى الله عليه وآله :ارتضعت من بني زهرة، يعني أنه رضع من حليب أمه سنة أو أكثر.
أما الحديث المشهور: أنا أفصح العرب بيد أني من قريش، واسترضعت في بني سعد ( الفايق:1/9 و126). فشهد العلماء بأنه لا أصل له! (كشف الخفاء:1/200).
قال النبي صلى الله عليه وآله : أنا ابن العواتك
روى في الكافي(5/50) عن الإمام الصادق في افتخار النبي صلى الله عليه وآله بأمه وجداته قال: «أغار المشركون على سرح المدينة فنادى فيها مناد: يا سوء صباحاه! فسمعها رسول الله صلى الله عليه وآله في الخيل، فركب فرسه في طلب العدو وكان أول أصحابه لحقه أبوقتادة على فرس له وكان تحت رسول الله صلى الله عليه وآله سرج دفتاه ليف ليس فيه أشر ولا بطر، فطلب العدو فلم يلقوا أحداً، وتتابعت الخيل فقال أبوقتادة: يا رسول الله إن العدو قد انصرف فإن رأيت أن نستبق؟ فقال: نعم، فاستبقوا فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله سابقاً عليهم، ثم أقبل عليهم فقال: أنا ابن العواتك من قريش، إنه لهو الجواد البحر، يعني فرسه ».
وفسره في الحدائق(22/356) فقال: « جمع عاتكة وهي المرأة المجمرة بالطيب، وكان هذا الإسم لثلاث نسوة من أمهاته صلى الله عليه وآله ، إحداهن عاتكة بنت هلال أم عبد مناف بن قصي، والثانية عاتكة بنت مرة بن هلال، أم هاشم بن عبد مناف، والثالثة عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال، أم وهب أبي آمنة أم النبي صلى الله عليه وآله ، فالأولى من العواتك عمة الثانية، والثانية عمة الثالثة، قيل: وبنو سليم كانوا يفتخرون بهذه الولادة).
توفي عبد الله والنبي صلى الله عليه وآله طفل ابن شهرين
قال الكليني في الكافي (1/439): (توفي أبوه عبد الله بن عبد المطلب بالمدينة عند أخواله وهو ابن شهرين، وماتت أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وهو صلى الله عليه وآله ابن أربع سنين. ومات عبد المطلب وللنبي صلى الله عليه وآله نحو ثمان سنين).
وفي الكافي(8/302) عن الإمام الصادق عليه السلام قال:«كان حيث طَلَقَتْ آمنة بنت وهب وأخذها المخاض بالنبي صلى الله عليه وآله حضرتها فاطمة بنت أسد امرأة أبي طالب، فلم تزل معها حتى
< صفحة > 61 < / صفحة >
وضعت، فقالت إحداهما للأخرى: هل ترين ما أرى؟ فقالت: وما ترين؟ قالت: هذا النور الذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب! فبينما هما كذلك إذا دخل عليهما أبوطالب فقال لهما: ما لكما من أي شئ تعجبان؟ فأخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت فقال لها أبوطالب: ألا أبشرك؟ فقالت: بلى، فقال: أما إنك ستلدين غلاماً يكون وصي هذا المولود ». وفي رواية: إصبري سبتاً أبشرك بمثله إلا النبوة، والسبت ثلاثون سنة وكان بين رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام ثلاثون سنة. فكان أبوطالب كأبيه يعلم بنبوة النبي صلى الله عليه وآله ). (الكافي: 1 / 452، ومعاني الأخبار / 403).
وقد توفي عبد الله في المدينة عند أخواله، قال ابن عبد البر في الإستيعاب(1/33): (مات أبوه عبد الله بن عبد المطلب وأمه حامل به. وقيل بل توفي أبوه بالمدينة والنبي صلى الله عليه وآله ابن ثمانية وعشرين شهراً، وقبره بالمدينة في دار من دور بني عدي بن النجار، وكان خرج إلى المدينة يمتار تمراً. وقيل بل توفي أبوه وهو ابن شهرين فكفله جده عبد المطلب.
وروى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: بعث عبد المطلب ابنه عبد الله يمتار له تمراً من يثرب فمات بها، وكانت وفاته وهو شابٌّ عند أخواله بني النجار بالمدينة، ولم يكن له ولد غير رسول الله صلى الله عليه وآله ).
فأقل الروايات في عمر عبد الله عليه السلام أنه توفي والنبي صلى الله عليه وآله حمل في بطن أمه، وأكثرها أنه توفي وعمر النبي صلى الله عليه وآله سنتان وأربعة أشهر.
والمرجح رواية الشهرين التي رواها الكليني رحمه الله ويدل عليها قول عبد المطلب لابنه أبي طالب لما أوصاه بالنبي صلى الله عليه وآله (الروض الأنف:1/184):
أوصيك يا عبد منافٍ بعدي * بمؤتم بعد أبيه فرد
فـارقه وهـو ضجيــع المهـد).
وفي الحجة على الذاهب/77: (لما توفي عبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله كفله جده عبد المطلب ثماني سنين، ثم احتضره الموت فدعا ابنه أباطالب وقال له: يا بني تسلم ابن أخيك مني، فأنت شيخ قومك وعاقلهم، ومن أجد فيه الحجى دونهم، وهذا الغلام تحدثت به الكهان، وقد روينا في الأخبار أنه سيظهر من تهامة نبي كريم، وروي فيه علامات قد وجدتها فيه، فأكرم مثواه،
< صفحة > 62 < / صفحة >
واحفظه من اليهود فإنهم أعداؤه، فلم يزل أبوطالب لقول عبد المطلب له حافظاً، ولوصيته راعياً، ومن هنا قال: وحفظت فيه وصية الأجداد).
وفي مناقب آل أبي طالب(1/38): يقول أبوطالب وقد أوردها محمد بن إسحاق :
إن ابن آمنة النبي محمـــــــــداً * عندي بمثل منازل الأولاد
لما تعلق بالزمـــــــــام رحمته * والعيس قد قلصن بالأزواد
فارفضَّ من عينيَّ دمعٌ ذارف * مثل الجمـــــــــان مفرَّد الإفراد
راعيت فيه قرابة موصولة * وحفظت فيه وصية الأجداد
وأمرته بالسير بين عمومه * بيض الوجوه مصاله الانجاد
حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا * لاقوا على شرف من المرصاد
حَبراً فأخبرهم حديثاً صادقاً * عنه ورد معاشــــــــــر الحساد).
رأيت آثار النبي صلى الله عليه وآله قبل أن يزيلها أعداؤه
رأيت في حج سنة 1965ميلادية شعب بني هاشم، ويسمونه الآن شعب علي، وكان واضح المعالم، وفي يسار مدخله بيت عبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله وهو مكان مولده الشريف، وكانوا جعلوه مكتبة باسم: مكتبة مكة، ثم أراد مشايخهم هدمه فمنعتهم الحكومة خوفاً من ردة فعل المسلمين، فأبقوه مكاناً خالياً إلى يومنا هذا سنة، وكأنهم ينتظرون فرصة لهدمه!
ورأيت يومها بيت أبي طالب رضي الله عنه داخل الشعب على يمينك في مرتفع، وقد جعلوه مدرسة باسم: مدرسة النجاح، ثم أزالوه مع البيوت، وأزالوا أكثر الجبلين اللذين يقع الشعب بينهما.
كما زرت في الجهة الغربية المقابلة لشعب أبي طالب، بيت خديجة عليها السلام وكان في سوق الليل أو سوق الذهب، ويسمى مولد فاطمة الزهراء عليها السلام ، وكانوا جعلوه مدرسة للبنات، ثم أزالوه فيما أزالوا، بل أقاموا مكانه مرافق!
فكأن هؤلاء الوهابية الإنكليز لهم عداوةً مع آثار النبي وآله الأطهار عليهم السلام ، فهم يبادرون إلى إزالتها حتى لو كانت مساجد، أو أماكن مملوكة للناس!
< صفحة > 63 < / صفحة >
لكنهم أبقوا حصن حبيبهم اليهودي كعب بن الأشرف الذي أراد اغتيال النبي صلى الله عليه وآله ! فحافظوا عليه بسوره وساحته وبئره وغرفه العشـرة، وصنفوه في الآثار، ويقع جنب حديقة بلدية المدينة المنورة وتجد صوره في الإنترنت!
رثاء أبي طالب وآمنة لعبد الله عليهما السلام
قال أبوطالب يرثي أخاه عبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله :
عيني ائذني ببكاء آخر الأبد * ولا تملّي على قرم لنا سند
أشكو الذي بي من الوجد الشديد له * وما بقلبي من الآلام والكمد
أضحى أبوه له يبكي وإخوته * بكل دمع على الخدين مطّرد
لو عاش كان لفهر كلها علماً * إذ كان منها مكان الروح في الجسد).
(وقالت آمنة بنت وهب ترثي زوجها عبد الله بن عبد المطلب:
عفا جانب البطحاء من ابن هاشم * وجاور لحداً خارجاً في الغماغم
دعتــــــه المنايـــــا دعوةً فأجابهـــــا * وما تركت في الناس مثل ابن هاشم
عشيــة راحــوا يحملـون سريــــره * تعــــاوره أصحــابــــــه في التـزاحم
فــــــان يك غالته المنايا وريبها * فقد كان معطاء كثير التراحم.
(المحاضرات و المحاورات للسيوطى (1/57)
(وأخرج عن عمرو بن سعيد أن أباطالب قال: كنت بذي المجاز مع ابن أخي يعني النبي صلى الله عليه وآله فأدركني العطش فشكوت إليه، فقلت: يا ابن أخي قد عطشت، وما قلت له ذلك إلا وأنا أرى أن عنده شيئاً إلا الجزع، قال: فثنى وركه ثم نزل فقال: يا عمّ أعطشت؟ قلت: نعم، قال: فأهوى بعقبه إلى الأرض فإذا بالماء، فقال: إشرب يا عم، فشربت!(طبقات ابن سعد:1/152)
< صفحة > 64 < / صفحة >
إيمان والدي النبي صلى الله عليه وآله
قال الصدوق في الإعتقادات/110: (اعتقادنا في آباء النبي صلى الله عليه وآله أنهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبد الله، وأن أباطالب كان مسلماً، وأمه آمنة بنت وهب كانت مسلمة عليهم السلام . وقال النبي صلى الله عليه وآله : خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم. وروي أن عبد المطلب كان حجة وأباطالب كان وصيه).
وفي الكافي(1/446) عن الإمام الصادق عليه السلام قال: « نزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول: إني قد حرمت النار على صلب أنزلك، وبطن حملك، وحجر كفلك، فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطلب، والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب، وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب. وفي رواية ابن فضال وفاطمة بنت أسد ».
وروى الصدوق في كمال الدين/175: (عن الأصبغ بن نباته قال: سمعت أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول: والله ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قط، قيل له فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم عليه السلام متمسكين به).
وتقدم من الخصال/312، من وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليهم السلام قال:«يا علي إن عبد المطلب سنَّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام: حرم نساء الآباء على الأبناء فأنزل الله عز وجل: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ. ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدق به فأنزل الله عز وجل:وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَئْ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ.. الآية.
ولما حفر زمزم سماها سقاية الحاج فأنزل الله: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ..الآية. وسن في القتل مائة من الإبل فأجرى الله عز وجل ذلك في الإسلام. ولم يكن للطواف عدد عند قريش فسن فيهم عبد المطلب سبعة أشواط، فأجرى الله ذلك في الإسلام.
يا علي إن عبد المطلب كان لايستقسم بالأزلام ولا يعبد الأصنام، ولا يأكل ما ذبح على النصب، ويقول: أنا على دين أبي إبراهيم عليه السلام ».
< صفحة > 65 < / صفحة >
زيارة النبي صلى الله عليه وآله قبر والديه عبد الله وآمنة
كان قبر عبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله مزاراً إلى الأمس، فقد بناه المسلمون من قديم وآخرهم سلاطين مصر والدولة العثمانية، وقد زرته قبل نحو خمسين سنة وكان بيتاً في سكك المدينة في السوق غربي المسجد، وكانت واجهة بابه الخارجي وعتبته أحجاراً نقشت عليها كتيبة بالعربية والتركية.
وقد أقفله مشايخ الوهابية يومها مقدمة لهدمه! أما الآن فقد أزالوه ودخل مكانه في توسعة ساحة المسجد النبوي ولم يبق له أثر!
كما أن قبر والدته آمنة عليها السلام كان مزاراً للأوفياء لنبيهم وأسرته، وهو في الأبواء في طريق مكة، ويعرف مكانه اليوم باسم الخريبة، في منطقة الفرع.
في مراصد الإطلاع (1/19): « الأبواء: قرية من أعمال الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً.وبالأبواء قبر آمنة أم النبي».
وقد أفتى فقهاء المسلمين باستحباب زيارة قبر والديه صلى الله عليه وآله وشذ الوهابية فحرموا زيارتهما وعاقبوا من زارهما! ثم طغوا وأزالوا قبر والدته، فقد رأوا أن الشيعة يأخذون من ترابه للتبرك، فصبوا عليه المازوت، وفي سنة بعدها فجَّروا القبر بالديناميت!
فكتب الشيخ عبد الحسين البصري، في موقع الموسوعة الشيعية بتاريخ: 28/3 /2000، موضوعاً بعنوان ( ديناميت السلفية)! قال فيه:
« للتاريخ فقط، ولتبقى صفحة سوداء في وجة خوارج العصر، نؤرخ لحدث وقع أصاب كبد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ألا وهو تفجير قبر آمنه بنت وهب أم رسول الله عليها السلام الواقع في الأبواء، في الثامن من مارس سنة 2000 ميلادي! ألا لعنة الله على القوم الظالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ».
قال اليعقوبي (2/10): « توفي عبد الله بن عبد المطلب أبورسول الله على ما روي عن جعفر بن محمد بعد شهرين من مولده عند أخوال أبيه بني النجار في دار تعرف بدار النابغة، وكانت سنه يوم توفي خمساً وعشرين سنة، وتوفيت أمه آمنة بنت وهب بعد ما أتى عليه ست سنين وثلاثة
< صفحة > 66 < / صفحة >
أشهر، ولها ثلاثون سنة، وكانت وفاتها بموضع يقال له الأبواء بين مكة والمدينة ».
وفي معجم البلدان (1/79) والطبقات (1/116): « فلما بلغ ست سنين خرجت به إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به، ومعه أم أيمن تحضنه وهم على بعيرين، فنزلت به في دار النابغة فأقامت به عندهم شهراً. فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يذكر أموراً كانت في مقامه ذلك: لما نظر إلى أطَمِ بني عدي بن النجار عرفه وقال: كنت ألاعب أنيسة جارية من الأنصار على هذا الأطم وكنت مع غلمان من أخوالي نطيِّر طائراً كان يقع عليه. ونظر إلى الدار فقال: هاهنا نزلت بي أمي وفي هذه الدار قبرأبي عبد الله بن عبد المطلب، وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النجار. ثم رجعت به أمه إلى مكة فلما كانوا بالأبواء توفيت آمنة بنت وهب فقبرها هناك، فرجعت به أم أيمن على البعيرين اللذين قدموا عليهما مكة، وكانت تحضنه مع أمه ثم بعد أن ماتت. فلما مرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله في عمرة الحديبية بالأبواء قال: إن الله قد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وآله فأصلحه وبكى عنده، وبكى المسلمون لبكاء رسول الله صلى الله عليه وآله ».
أقول: زعم أتباع مذاهب الخلافة أن والدة النبي صلى الله عليه وآله آمنة عليها السلام في النار! وأن النبي استأذن ربه في زيارة قبرها وهو في طريقه إلى الحديبية فأذن له، فبكى وأجهش بالبكاء طويلاً وأبكى المسلمين معه، واستأذن ربه أن يستغفر لها فلم يأذن له، وأبقاها في نار جهنم!
قال الألباني في أحكام الجنائز/187: « زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال:استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي»!
أقول: هكذا صوروا ربهم عز وجل قاسياً لا يرحم عواطف نبيه الإنسانية تجاه والدته، ولا يعبأ ببكائه وحرقته عليها، ولا يسمح له أن يقول: اللهم اغفر لها! فالمهم عندهم أن يكون آباء النبي صلى الله عليه وآله وأمهاته في النار وإن نسبوا القسوة الى الله! لأنهم إذا كانوا مؤمنين كان آله عليهم السلام ورثة إسماعيل عليه السلام ، والخلافة لهم لا قريش!
والحمد لله أنهم كذبوا أنفسهم بأحاديث منها: رواية ابن ماجة(2/1215) قال: «يُصَفُّ الناس يوم القيامة صفوفاً فَيَمُرُّ الرجل من أهل النار على الرجل فيقول: يا فلان أما تذكر يوم استسقيت فسقيتك شربة؟ قال: فيشفع له. ويمر الرجل فيقول: أما تذكر يوم ناولتك طهوراً؟ فيشفع له »!
لكنهم ضيقوا الشفاعة على والدي النبي عليه السلام وأجداده وعمه أبي طالب عليهم السلام ! لأنهم بحاجة إلى تكفير أسرته عليهم السلام ليرثوا سلطانه، ويبعدوا عترته!
- *
< صفحة > 67 < / صفحة >
الفصل الثاني عشر : من طفولة النبي صلى الله عليه وآله وشبابه
الفصل الثاني عشر
من طفولة النبي صلى الله عليه وآله وشبابه
- عقيدتنا في النبي صلى الله عليه وآله ومعه آله المعصومون عليهم السلام أنهم مشروع رباني خاص لايصح أن يقاس بهم أحد حتى الأنبياء عليهم السلام .وقد روينا ذلك وروته بعض مصادر من خالفنا، فروى الحمويني في فرائد السبطين (1/45)عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله :نحن أهل البيت لا يُقاس بنا أحد). وفردوس الأخبار:5/34، وذخائر العقبى/17، وفي ينابيع المودة: 2/114، عن ابن عباس. والصالحي
الشامي(11/7) والبغدادي في القراءة/165، وكنز العمّال:12/4).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام (نهج البلاغة:1/30): (لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه وآله من هذه الأمة أحد، ولايساوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً. هم أساس الدين، وعماد اليقين. إليهم يفئ الغالي وبهم يلحق التالي. ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة. وقال عليه السلام : نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد، فينا نزل القرآن، وفينا معدن الرسالة).
وقال ابن الجوزي في مناقب أحمد: ( سمعت أباالحسن أحمد بن أبي القاسم بن الريان قال، سمعت عبد الله بن أحمد يقول: حدث أبي بحديث سفينة فقلت: يا أبهْ ما تقول في التفضيل؟ قال: في الخلافة أبوبكر وعمر وعثمان. فقلت فعلي بن أبي طالب؟قال: يا بني علي من أهل البيت لايقاس بهم أحد).
وروى أبوالعباس الطبري، والرياض النضرة (2/275) أن رجلاً قال لابن عمر: يا أباعبد الرحمن: فعلي كرم الله وجهه؟ قال ابن عمر: علي من أهل البيت لا يقاس بهم، علي مع رسول الله صلى الله عليه وآله في درجته إن الله عز وجل يقول: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ. فاطمة مع رسول الله صلى الله عليه وآله في درجته وعلي مع فاطمة عليها السلام ).
< صفحة > 68 < / صفحة >
وضرب الإمام الصادق عليه السلام مثلاً لتفضيلهم على الأنبياء عليهم السلام بشهور السنة، لما قال له ابن صهيب (علل الشرائع:1/177): (أخبرني عن أبي ذر أهو أفضل أم أنتم أهل البيت؟ فقال: يا ابن صهيب كم شهور السنة؟ فقلت: اثنا عشر شهراً فقال: وكم الحرام منها؟ قلت أربعة أشهر، قال فشهر رمضان منها؟ قلت لا قال فشهر رمضان أفضل أم الأشهر الحرام؟ فقلت بل شهر رمضان.قال فكذلك نحن أهل البيت لايقاس بنا أحد. وإن أباذر كان في قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فتذاكروا فضايل هذه الأمة فقال أبوذر: أفضل هذه الأمة علي بن أبي طالب،وهو قسيم الجنة والنار، وهو صدِّيق هذه الأمة وفاروقها، وحجة الله عليها. فما بقي من القوم أحد إلا أعرض عنه بوجهه وأنكر عليه قوله وكذَّبه!فذهب أبوأمامة الباهلي من بينهم إلى رسول الله فأخبره بقول أبي ذر وتكذيبهم له فقال رسول صلى الله عليه وآله :ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء، يعني منكم يا أباأمامة، من ذي لهجة أصدق من أبي ذر).
وقال المرتضى في الشافي (3/100): (لايجوز أن يقول هذا (أن علياً فضَّل أبابكر) من قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه باتفاق: اللهم إئتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر. فجاء عليه السلام من بين الجماعة فأكل معه. ولامن يقول النبي صلى الله عليه وآله لابنته فاطمة عليها السلام : إن الله عز وجل اطَّلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار منها رجلين، جعل أحدهما أباك والآخر بعلك. وقال صلى الله عليه وآله فيه: علي سيد العرب،وخير أمتي، وخير من أخلف بعدي. وعلي خير البشر، من أبى فقد كفر. ولا يجوز أن يقول هذا من تظاهرالخبر عنه بقوله عليه السلام وقد جرى بينه وبين عثمان كلام فقال له: أبوبكر وعمر خير منك، فقال: أنا خير منك ومنهما، عبدت الله قبلهما وعبدته بعدهما. ومن قال: نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد. وروي عن عائشة في قصة الخوارج لما سألها مسروق فقال لها: بالله يا أمه لايمنعك ما بينك وبين علي أن تقولي ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وفيهم (أي الخوارج) فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة. إلى غير ذلك من أقواله صلى الله عليه وآله فيه التي لو ذكرناها أجمع، لاحتجنا إلى مثل جميع كتابنا إن لم يزد على ذلك، وكل هذه الأخبار التي ذكرناها فهي مشهورة معروفة، قد رواها الخاصة والعامة، بخلاف ما ادعاه مما يتفرد به بعض الأمة ويدفعه باقيها). - وعقيدتنا أن النبي وآله صلى الله عليه وآله كانوا أناساً من نور قبل الخلق، وقد رويناه نحن ومخالفونا:
< صفحة > 69 < / صفحة >
وأشهر من رواه ابن حنبل في فضائل الصحابة(2/262) عن سلمان قال: «سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم قسم ذلك النور جزءين فجزء أنا وجزء علي ».
وقد بتره ابن حنبل لأن نصه كما في تاريخ دمشق(42/67): « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله، مطيعاً يسبح الله ذلك النور ويقدسه، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم ركز ذلك النور في صلبه، فلم نزل في شئ واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء أنا وجزء علي ».
وهذا النص مبتور أيضاً فقد قال في شرح النهج (9/171) عن فردوس الأخبار: «رواه أحمد في المسند وفي كتاب فضائل علي. وفي كتاب الفردوس: ثم انتقلتا حتى صارتا في عبد المطلب، فكان لي النبوة ولعلي الوصية ».
كراماته عند ولادته وسنيه الأولى صلى الله عليه وآله
- سطع منه نور، ومن أمه عليهما السلام فأضاء مكة، وأبعد منها، وقد فصلته الروايات.
- ورووا قصة الحاخام يوسف الذي عرف مولده من النجوم والنصوص الدينية، وجاء يسأل فأخبروه أنه ولد لعبد المطلب ولد فطلب رؤيته فأروه إياه ورأى الشامة على كتفه فأغمي عليه، وقال ذهبت النبوة من بني إسرائيل!
- أخذه جده الى الكعبة ودعا له: (قال ابن إسحاق: فلما وضعته بعثت إلى عبد المطلب فقالت قد ولد لك الليلة غلام فانظر إليه فلما جاءها أخبرته بخبره وحدثته بما رأت حين حملت به وما قيل لها فيه وما أمرت أن تسميه فأخذه عبد المطلب فأدخله في جوف الكعبة). (شعب الإيمان للبيهقي/136).
- واستسقى به جده لأهل مكة: «فاعتضد ابن ابنه محمداً فرفعه على عاتقه وهو يومئذ غلام قد أيفع أو كرب..فورب الكعبة ما راموا حتى انفجرت السماء بمائها).(الدعاء للطبراني/606).كما استسقى به أبوطالب وقال في لاميته:
< صفحة > 70 < / صفحة >
وأبيضُ يُستسقى الغَمامُ بوجهه * ثمالُ اليتامى عصمة للأرامل
- ومن كراماته عند حليمة: (قالت حليمة: ولم أر قط ما يرى للأطفال، طهارةً ونظافةً وإنما كان له وقت واحد ثم لا يعود إلى وقته من الغد، وما كان شئ أبغض إليه من أن يرى جسده مكشوفاً، فكنت إذا كشفته يصيح حتى أستر عليه! وكان بنو سعيد يرون البركات بمقامه معهم وسكناه بينهم حتى أنهم كانوا إذا عرض لدوابهم بؤس أتوا بها إليه ليمسها بيده، فيزول مابها وتعود إلى أحسن حالها). (كنز الفوائد/73).
- وكان صلى الله عليه وآله يتذكر زيارته لأخواله في المدينة: « لما نظر إلى أطَمِ بني عدي بن النجار عرفه وقال:كنت ألاعب أنيسة جارية من الأنصار على هذا الأطم، وكنت مع غلمان من أخوالي نطيِّر طائراً كان يقع عليه. ونظر إلى الدار فقال: هاهنا نزلت بي أمي، وفي هذه الدار قبرأبي عبد الله بن عبد المطلب، وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النجار).(الطبقات (1/116):
وفي الدر النظيم/79: (وروي أن آمنة لما قدمت برسول الله صلى الله عليه وآله المدينة نزلت به في دار النابغة، لرجل من بني عدي بن النجار، فأقامت بها شهراً، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يذكر أموراً كانت في مقامه ذلك، فقال صلى الله عليه وآله : نظرت إلى رجل من اليهود يختلف وينظر إليَّ ثم ينصرف عني، فلقيني يوماً خالياً فقال لي: يا غلام ما اسمك؟ قلت: أحمد. فنظر إلى ظهري فأسمعه يقول: هذا نبي هذه الأمة، ثم راح إلى أخوالي فخبرهم الخبر، فأخبروا أمي، فخافت علي وخرجنا من المدينة).
رد روايتهم بأن النبي صلى الله عليه وآله تعرى
روى مخالفونا روايات مكذوبة في أن النبي صلى الله عليه وآله تعرى من ملابسه وهو كبير!
قال ابن حجر في فتح الباري (1/401): (ذكر ابن إسحاق في السيرة أنه صلى الله عليه وآله تعرى وهو صغير عند حليمة، فلكمه لا كم، فلم يعد يتعرَّ. وهذا إن ثبت حمل على نفى التعري بغير ضرورة).
وفي إرشاد الساري (1/392): (عن عمرو بن دينار الجمحي قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان ينقل معهم الحجارة أي مع قريش للكعبة، وكان عمره إذ ذاك خمساً وثلاثين سنة، وعليه إزاره، فقال له العباس عمه: يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكبيك دون الحجارة أي تحتها؟ قال جابر: فحله فجعله على منكبيه،
< صفحة > 71 < / صفحة >
فسقط مغشياً عليه أي لانكشاف عورته لأنه كان مجبولاً على أحسن الأخلاق من الحياء الكامل، فلذلك غشي عليه! فما رئي بعد ذلك عرياناً.
فإن قلت: ما الجمع بين حديث الباب وما ذكره ابن إسحاق من أنه تعرى وهو صغير عند حليمة فلكمه لاكم، فلم يعد يتعرى بعد ذلك؟
أجيب بأنه إن ثبت حمل النفي فيه على التعري لغير ضرورة عادية والذي في حديث الباب على الضرورة العادية , وقد اتفقوا على الإحتجاج بمرسل الصحابي إلا ما تفرد به أبوإسحاق الإسفرايني لكن في السياق ما يستأنس لأخذ ذلك من العباس فلا يكون مرسلاً).
أقول: كل هذا مردود، ولايصح الجواب عنه بالجمع بين الحديثين لأنه لاضرورة هنا لنزع إزاره. والحديث مرسل لصحابي ولم يصححه كبار العلماء!
والعجب أنهم نسبوا التعري الى النبي صلى الله عليه وآله أمام الناس وعمره خمس وثلاثون سنة! وقد رووا هم أنه لم يتعر في طفولته عند حليمة.
ويدل على كذب روايات تعري النبي صلى الله عليه وآله قول حليمة: وما كان شئ أبغض إليه من أن يرى جسده مكشوفاً، فكنت إذا كشفته يصيح حتى أستر عليه!
ويدل عليه أن بني هاشم كانوا يلبسون السراويل وأن إبراهيم عليه السلام أول من تسرول وكان يتخذ من كل لباس واحداً لكن من السراويل اثنين، كما رووا أن النبي صلى الله عليه وآله اشترى سراويل، وأمر بلبس السراويل خاصة للنساء وقال: رحم الله المتسرولات من أمتي.
ويكفينا لرد مقولاتهم ما ثبت عندنا أن الله تعالى قرن به ملكاً من أعظم ملائكته يسلك به طريق المكارم، وينهاه عما لايليق به.
- ورووا أنه ذهب ليسمر مع شباب مكة، فأنامه الله وعصمه من اللهو. روى الحاكم(4/245) عن علي عليه السلام قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ما هممت بما كان الجاهلية يهمون به إلا مرتين من الدهر كلاهما يعصمني الله تعالى منهما. قلت ليلةً لفتى كان معي من قريش في أعلى مكة في أغنام لأهلها نرعي: أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما تسمر الفتيان.
قال: نعم، فخرجت فلما جئت أدنى دار من دور مكة سمعت غناء وصوت دفوف وزمر،
< صفحة > 72 < / صفحة >
فقلت ما هذا؟ قالوا: فلان تزوج فلانة، لرجل من قريش تزوج امرأة، فلهوت بذلك الغنا والصوت، حتى غلبتني عيني فنمت فما أيقظني إلا مس الشمس. ثم رجعت إلى صاحبي فقال:ما فعلت؟فقلت: ما فعلت شيئاً. ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك، فقال: أفعل، فسمعت مثل ذلك فقيل لي مثل ما قيل لي فلهوت بما سمعت وغلبتني عيني فما أيقظني إلا مس الشمس! قال صلى الله عليه وآله فوالله ما هممت بعدها أبداً بسوء مما يعمل أهل الجاهلية أكرمني الله تعالى بنبوته).
أقول: لا نقبل روايتهم هذه حتى لو لم يصدر من النبي صلى الله عليه وآله ما ينافي الكمال، لأن مع النبي صلى الله عليه وآله ملكاً يسلك به طريق المكارم، وينهاه عما لا يليق به.
وقال الماوردي في أعلام النبوة/140: (هذه أحوال عصمته قبل الرسالة، وصده عن دنس الجهالة، فاقتضى أن يكون بعد الرسالة أعظم، ومن الأدناس أسلم، وكفى بهذه الحال أن يكون من الأصفياء الخيرة، وقد أرسله الله تعالى بعد الإستخلاص، وطهره من الأدناس، فانتفت عنه تهم الظنون، وسلم من ازدراء العيون ليكون الناس إلى إجابته أسرع، وإلى الانقياد له أطوع).
- *
< صفحة > 73 < / صفحة >
الفصل الثالث عشر : أنواع نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وآله
الفصل الثالث عشر
أنواع نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وآله
آيات في الوحي
أنواع الوحي
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلا وَحْيًا، أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً، فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِي حَكِيمٌ.
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا، مَا كُنْتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِى بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا.
إِنْ هُوَ إِلا وَحْىٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى.
أوحى الى أم موسى، والحواريين، والى قومه
إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ.
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِى وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ.
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا.
والى النحل، والسماوات، والأرض
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِى مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ.
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا.
< صفحة > 74 < / صفحة >
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا. بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا.
وحي شياطين الإنس والجن الى بعضهم
كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا.
المعنى اللغوي للوحي
قال الخليل في العين(3/320):(وزكريا أوحى إلى قومه، أي: أشار إليهم. والإيحاء: الإشارة. والوحي: السرعة).
وفي الزاهر/654: (سمي وحياً لأن الملك ستره عن جميع الخلق وخص به النبي صلى الله عليه وآله . ثم يكون الوحي بمعنى الإلهام).
وفي الصحاح(6/2519): (والوحي أيضاً: الإشارة، والكتابة، والرسالة، والإلهام، والكلام الخفي، وكل ما ألقيته إلى غيرك. والوحي: السرعة، يمد ويقصر، وتوحَّ يا هذا، أي أسرع).
وفي المقاييس (6/93): ( أصل يدل على إلقاء علم في إخفاء أو غيره إلى غيرك. وكل ما ألقيته إلى غيرك حتى علمه فهو وحي كيف كان).
والنتيجة: أن الوحي إيصال معنى الى آخر بطريقة خفية، ففيه عنصر الخفاء، وعنصر السرعة، وهذا المعنى اللغوي هو المستعمل فيه في الشرع.
الوحي ستة أنواع
قال تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلا وَحْيًا، أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِي حَكِيمٌ.
وَحْيًا: أي يكلمه فيوحي اليه مباشرة بدون جبرئيل.
أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ: أي يكلمه الله تعالى فيخلق كلامه في شيئ ويكلمه من وراء ستر.
أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً: أي يكلمه برسل من الملائكة كجبرئيل وغيره عليهم السلام .
< صفحة > 75 < / صفحة >
فالوحي بالتكليم ثلاثة أنواع: بالوحي المباشر وترافقه غشوة النبي صلى الله عليه وآله ويتصبب عرقاً، وبالتكليم من وراء حجاب، وبالتكليم بالرسل.
ويضاف اليها ثلاثة أنواع بدون تكليم: بالرؤيا الصادقة، وبالنقر في السمع، وبالقذف في القلب. وهذه الأنواع الستة هي أنواع الوحي الأساسية.
وقد تفاوتت كلمات المفسرين في تعريف الوحي، والصحيح ما ذكرناه.
حالات الوحي على نبينا صلى الله عليه وآله
- قال الصدوق في الإعتقادات/81: (اعتقادنا في ذلك أن بين عيني إسرافيل لوحاً فإذا أراد الله تعالى أن يتكلم بالوحي ضرب اللوح جبين إسرافيل، فينظرفيه فيقرأ ما فيه فيلقيه إلى ميكائيل، ويلقيه ميكائيل إلى جبرائيل، فيلقيه جبرئيل إلى الأنبياء عليهم السلام . وأما الغشوة التي كانت تأخذ النبي صلى الله عليه وآله فإنها كانت تكون عند مخاطبة الله إياه حتى يثقل ويعرق. وأما جبرئيل فإنه كان لا يدخل عليه حتى يستأذنه إكراماً له، وكان يقعد بين يديه قعدة العبد)!
- وقال في صفحة/84: (نقول: إنه قد نزل الوحي الذي ليس بقرآن، ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبعة عشر ألف آية).
- في التوحيد للصدوق/115: (عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك الغشية التي كانت تصيب رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أنزل عليه الوحي؟ فقال: ذاك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد، ذاك إذا تجلى الله له. ثم قال: تلك النبوة يا زرارة، وأقبل يتخشع). أي جعل الإمام عليه السلام يئن خشوعاً.
وفي المحاسن (2/338): (عن هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أتاه الوحي من الله وبينهما جبرئيل يقول: هو ذا جبرئيل، وقال لي جبرئيل، وإذا أتاه الوحي وليس بينهما جبرئيل تصيبه تلك السبتة ويغشاه منه ما يغشاه، لثقل الوحي عليه من الله عز وجل).
وفي تفسير العياشي (1/288) عن علي عليه السلام : (قال: كان القرآن ينسخ بعضه بعضاً، وإنما كان يؤخذ من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بآخره، فكان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة فنسخت ما قبلها ولم ينسخها شئ. لقد نزلت عليه وهو على بغلته الشهباء وثَقُل عليه الوحي حتى وقفت وتدلى بطنها، حتى رأيت سرتها تكاد تمس الأرض، وأغمي على رسول الله صلى الله عليه وآله حتى وضع يده على
< صفحة > 76 < / صفحة >
ذؤابة شيبة بن وهب الجمحي، ثم رفع ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقرأ علينا سورة المائدة، فعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وعملنا).
وفي دلائل الإمامة/9:(وفي الحديث المقبول أنه صلى الله عليه وآله أوحي إليه وهو على ناقته فبركت ووضعت جرانها. وروي أنه كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً). - وفي بصائر الدرجات/390:( عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرسول فقال: الرسول الذي يعاين ملكاً يجيئه برسالة عن ربه فيكلمه كما يكلم أحدكم صاحبه، والنبي لايعاين ملكاً إنما ينزل عليه الوحي ويرى في منامه. قلت: ما علمه إذا رأى في منامه أن هذا حق؟ قال: يبينه الله حتى يعلم أن ذلك حق. والمحدَّث: يسمع الصوت ولا يرى شيئاً).
وفي بصائر الدرجات/390، والكافي:1/176: (سمعت زرارة يسأل أباجعفرقال: أخبـرني عن الرسول والنبي والمحدث؟ فقال أبوجعفر عليه السلام : الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلاً فيراه ويكلمه فهذا الرسول.
وأما النبي فإنه يرى في منامه على نحو ما رأى إبراهيم، ونحو ما كان رأى رسول الله صلى الله عليه وآله من أسباب النبوة قبل الوحي، حتى أتاه جبرئيل من عند الله بالرسالة. وكان محمد صلى الله عليه وآله حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند الله يجيؤه بها جبرئيل ويكلمه بها قُبُلاً. ومن الأنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه يأتيه الروح فيكلمه ويحدثه من غير أن يكون رآه في اليقظة.
وأما المحدَّث: فهو الذي يحدث فيسمع ولا يعاين ولا يرى في منامه). - في الكافي (5/83): (عن أبي جعفر عليه السلام قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أيها الناس إني لم أدَع شيئاً يقربكم إلى الجنة و يباعدكم من النار إلاوقد نبأتكم به، ألاوإن روح القدس قد نفث في روعي وأخبرني أن لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله عز وجل وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء شئ من الرزق أن تطلبوه بمعصية الله عز وجل، فإنه لا ينال ما عند الله جل اسمه إلا بطاعته).
< صفحة > 77 < / صفحة >
روح القدس المرافق للنبي والإمام عليهم السلام
- في بصائر الدرجات/475: (عن أبي بصير قال سألت أباعبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا، مَا كُنْتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ؟ قال: خلق من خلق الله أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره ويسدده، وهو مع الأئمة من بعده عليهم السلام ).
- وفي صفحة/479: ( قد كان في حال لايدري ما الكتاب ولا الإيمان، حتى بعث الله تلك الروح، فعلمه بها العلم والفهم).
- وفي تفسير القمي(2/279): (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلا وَحْيًا، أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً. قال: وحي مشافهة، ووحي إلهام وهو الذي يقع في القلب، أو من وراء حجاب كما كلم الله نبيه صلى الله عليه وآله وكما كلم الله موسى عليه السلام من النار، أو يرسل رسولاً فيوحى بإذنه ما يشاء.
وروح القدس: هي التي قال الصادق عليه السلام في قوله: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي. قال: هو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مع الأئمة عليهم السلام ). - وفي التوحيد/129: (عن المفضل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى لا تقدر قدرته، ولا يقدر العباد على صفته، ولا يبلغون كنه علمه ولا مبلغ عظمته وليس شئ غيره، هو نور ليس فيه ظلمة، وصدق ليس فيه كذب، وعدل ليس فيه جور، وحق ليس فيه باطل، كذلك لم يزل ولا يزال أبد الآبدين، وكذلك كان إذ لم يكن أرض ولا سماء ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر، ولا نجوم ولا سحاب ولا مطر ولا رياح، ثم إن الله تبارك وتعالى أحب أن يخلق خلقاً يعظمون عظمته ويكبرون كبرياءه ويجلون جلاله. فقال:كونا ظلين، فكانا كما قال الله تبارك وتعالى).
قال مصنف هذا الكتاب: معنى قوله هو نور، أي هو منير وهاد. ومعنى قوله: كونا ظلين، الروح المقدس والملك المقرب، والمراد به أن الله كان ولاشئ معه، فأراد أن يخلق أنبيائه وحججه وشهداءه، فخلق قبلهم الروح المقدس وهو الذي يؤيد الله عز وجل به أنبياءه وحججه وشهداءه صلوات الله عليهم، وهو الذي يحرسهم به من كيد الشيطان ووسواسه ويسددهم
< صفحة > 78 < / صفحة >
ويوفقهم ويمدهم بالخواطر الصادقة. ثم خلق الروح الأمين الذي نزل على أنبيائه بالوحي منه عز وجل، وقال لهما: كونا ظلين ظليلين لأنبيائي ورسلي وحججي وشهدائي،فكانا كما قال الله عز وجل ظلين ظليلين لأنبيائه ورسلي وحججه وشهدائه، يعينهم بهما وينصرهم على أيديهم ويحرسهم بهما، وعلى هذا المعنى قيل للسلطان العادل إنه ظل الله في أرضه لعباده يأوي إليه المظلوم ويأمن به الخائف الوجل ويأمن به السبل، وينتصف به الضعيف من القوي، وهذا هو سلطان الله وحجته التي لاتخلو الأرض منه إلى أن تقوم الساعة).
حالات الوحي والإلهام لأئمتنا عليهم السلام
- في بصائر الدرجات/337:(عن الحرث بن المغيرة النضري قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما علم عالمكم، جملة يقذف في قلبه، وينكت في أذنه؟ قال فقال: وحي كوحي أم موسى).
- في الكافي(1/264و:8/125): (كتب الإمام الكاظم عليه السلام لعلي بن سويد: وسألت عن مبلغ علمنا، وهو على ثلاثة وجوه: ماض، وغابر وحادث، فأما الماضي فمفسر، وأما الغابر فمزبور، وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو أفضل علمنا، ولا نبي بعد نبينا محمد صلى الله عليه وآله ).
معناه: أن الماضي فسره لنا النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام وفسرناه لكم، والغابر: أي الآتي مكتوب نصه. والحادث المتجدد: إلقاء في القلب، أو صوت ملاك في الأذن، وهو أفضل علمنا لأنه متجدد. وكلها ليست وحي نبوة، فلا نبي بعد نبينا محمد صلى الله عليه وآله . - قال الصدوق في الإعتقادات/50:(اعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمة عليهم السلام أن فيهم خمسة أرواح: روح القدس، وروح الإيمان، وروح القوة، وروح الشهوة، وروح المدرج. وفي الكافرين والبهائم ثلاثة أرواح: روح القوة، روح الشهوة، وروح المدرج).
- في الكافي(1/272): (عن جابرالجعفي قال: قال أبوعبد الله عليه السلام : يا جابر إن الله تبارك وتعالى خلق الخلق ثلاثة أصناف وهو قول الله عز وجل:وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً. فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ. وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ. وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فالسابقون هم رسل الله عليهم السلام وخاصة الله من خلقه، جعل فيهم خمسة أرواح: أيدهم بروح القدس فبه عرفوا الأشياء، وأيدهم بروح الإيمان فبه خافوا الله عز وجل، وأيدهم بروح القوة فبه قدروا على
< صفحة > 79 < / صفحة >
طاعة الله، وأيدهم بروح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله عز وجل وكرهوا معصيته، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون، وجعل في المؤمنين وأصحاب الميمنة روح الإيمان فبه خافوا الله، وجعل فيهم روح القوة، فبه قدروا على طاعة الله ، وجعل فيهم روح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون). - في مختصرالبصائر/2: ( عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله عز وجل خلق الأنبياء والأئمة عليهم السلام على خمسة أرواح روح الايمان وروح القوة وروح الشهوة وروح الحياة وروح القدس. فروح القدس من الله تعالى وسائر هذه الأرواح يصيبها الحدثان. وروح القدس لايلهو ولا يتغير ولا يلعب. فبروح القدس يا جابر علمنا ما دون العرش إلى ما تحت الثرى).
- روى الكافي(2/282) في جواب أمير المؤمنين لرجل:(خلق الله عز وجل الناس على ثلاث طبقات وأنزلهم ثلاث منازل وذلك قول الله عز وجل في الكتاب: أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون، فأما ما ذكر من أمر السابقين فإنهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين، جعل الله فيهم خمسة أرواح: روح القدس، وروح الايمان، وروح القوة، وروح الشهوة، وروح البدن).
- *
< صفحة > 80 < / صفحة >
الفصل الرابع عشر : تبسم النبي صلى الله عليه وآله وضحكه
الفصل الرابع عشر
تبسم النبي صلى الله عليه وآله وضحكه
تفسير: وإنك لعلى خلق عظيم
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ: أي إنك على دين عظيم، وعلى أخلاق عظيمة.
وعظمة الدين الإسلامي بأنه يقوم على الحق والعقل والمنطق، وبأنه يدعو الى مكارم الإخلاق، وبأن فيه شريعة وقوانين عظيمة تحقق خير البشر.
وعظمة أخلاق النبي صلى الله عليه وآله : بأنه صادق، محب، هين، لين، مبشر، منبه، محذر.
فقد كان ليِّن العريكة، هيِّن الخليقة، هشاً بشاً مبتسماً، لطيفاً ظريفاً منسجماً، يحكي باللطائف ويعجب بها، ويتبسم من الظرائف ويستحسنها.
في الخصال للصدوق/30: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : حسن الخلق نصف الدين).
وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام (2/55): (قال رسول الله صلى الله عليه وآله من كان مسلماً فلا يمكر ولا يخدع فإني سمعت جبرائيل عليه السلام يقول: إن المكر والخديعة في النار. ثم قال صلى الله عليه وآله : ليس منا من غش مسلماً، وليس منا من خان مسلماً، ثم قال صلى الله عليه وآله : إن جبرائيل الروح الأمين نزل عليَّ من عند رب العالمين فقال: يا محمد عليك بحسن الخلق، فإنه يذهب بخير الدنيا والآخرة. ألا وإن أشبهكم بي أحسنكم خلقاً).
وفي الكافي(2/99): (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مايوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق..أكثر ما تلج به أمتي الجنة تقوى الله وحسن الخلق).
وفي شرح النهج(1/26): (قال معاوية لقيس بن سعد: رحم الله أباحسن، فلقد كان هشاً بشاً،
< صفحة > 81 < / صفحة >
ذا فكاهة، قال قيس: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وآله يمزح ويبتسم إلى أصحابه، وأراك تسر حسواً في ارتغاء وتعيبه بذلك! أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى، تلك هيبة التقوى، وليس كما يهابك طغام أهل الشام! وقد بقي هذا الخلق متوارثاً متناقلاً في محبيه وأوليائه إلى الآن، كما بقي الجفاء والخشونة والوعورة في الجانب الآخر.ومن له أدنى معرفة بأخلاق الناس وعوائدهم يعرف ذلك).
وفي أمالي الصدوق/ 168، أن ثلاثة نفر من شياطين قريش تعاهدوا أن يقتلوا النبي صلى الله عليه وآله فقصدهم علي عليه السلام قبل أن يصلوا فقتل أحدهم وجاء باثنين أسيرين، فأمره رسول الله أن يقتل أحدهما، ثم قال له: ( يا علي، أمسك، فإن هذا رسول ربي عز وجل يخبرني أنه حسن الخلق سخي في قومه. فقال المشرك وهو تحت السيف: هذا رسول ربك يخبرك! قال: نعم. قال: والله ما ملكت درهماً مع أخ لي قط، ولا قطبت وجهي في الحرب، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : هذا ممن جره حسن خلقه وسخاؤه إلى جنات النعيم ).
ممازحة النبي صلى الله عليه وآله لبعض الناس
ورد النهي عن كثرة المزاح، وهذا منسجم مع كون المؤمن جاداً عملياً.
كما ورد النهي عن العبوس، والتقطيب، وسوء الخلق.
والأمر بالبشاشة واللين، وحسن الأخلاق، والمزاح أحياناً.
ففي الكافي(2/663): (عن يونس الشيباني: قال أبوعبد الله الصادق عليه السلام : كيف مداعبة بعضكم بعضاً؟قلت: قليل. قال: فلا تفعلوا (أي لا تتركوا المزاح) فإن المداعبة من حسن الخلق، وإنك لتدخل بها السرور على أخيك، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يداعب الرجل يريد أن يسره).
نهى النبي صلى الله عليه وآله عن كثرة المزاح والضحك
جو الحياة الغربية والثقافة الغربية يربي إنسانهم على السخرية والإستهزاء بالآخرين، وكثرة الكذب والضحك، والتشكيك حتى في البديهيات!
وهو على النقيض من تعاليم الإسلام، وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله عن كثرة الضحك لأنها
< صفحة > 82 < / صفحة >
تميت القلب، وتميث الدين كما يميث الماء الملح! (الكافي:2/664).
وفي أمالي الصدوق/344: ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كثرة المزاح تذهب بماء الوجه وكثرة الضحك تمحو الإيمان).
وفي أمالي الطوسي/522: ( عن علي عليه السلام قال: كان ضحك النبي صلى الله عليه وآله التبسم، فاجتاز ذات يوم بفتية من الأنصار وإذا هم يتحدثون ويضحكون بملء أفواههم، فقال: يا هؤلاء، من غره منكم أمله وقصر به في الخير عمله، فليطلع في القبور وليعتبر بالنشور، واذكروا الموت فإنه هادم اللذات).
في قرب الإسناد للحميري/69: (أن داود قال لسليمان عليهما السلام : يا بني، إياك وكثرة الضحك، فإن كثرة الضحك تترك العبد حقيراً يوم القيامة. يا بني، عليك بطول الصمت إلا من خير، فإن الندامة على طول الصمت مرة واحدة خير من الندامة على كثرة الكلام مرات. يا بني، لو أن الكلام كان من فضة كان ينبغي للصمت أن يكون من ذهب).
شجع الإسلام الدعابة وأمرَ بالإعتدال فيها وفي الضحك
روى في الكافي (2/665) عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: كان يحيى بن زكريا عليه السلام يبكي ولايضحك، وكان عيسى عليه السلام يضحك ويبكي، وكان الذي يصنع عيسى أفضل من الذي كان يصنع يحيى عليهما السلام ).
وقال الشهيد الثاني في منية المريد/207: (ويتقي كثرة المزاح والضحك، فإنه يقلل الهيبة ويسقط الحرمة، ويزيل الحشمة، ويذهب العزة من القلوب، وأما القليل من المزاح فمحمود، كما كان يفعله النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده من الأئمة المهديين، تأنيساً للجلساء وتأليفاً للقلوب، وقريب منه الضحك، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله يضحك حتى تبدو نواجذه، ولكن لا يعلو صوته).
نعيمان المزَّاح في عهد النبي صلى الله عليه وآله
في مناقب آل أبي طالب (1/129): (قال سويبط المهاجري لنعيمان البدري: أطعمني، وكان على الزاد في سفر فقال: حتى يجئ الأصحاب، فمروا بقوم فقال لهم سويبط: تشترون مني عبداً لي؟ قالوا نعم، قال: إنه عبد له كلام وهو قائل لكم إني حر، فإن سمعتم مقاله فلا تفسدوا
< صفحة > 83 < / صفحة >
علي عبدي، فاشتروه بعشرة قلايص ثم جاؤوا فوضعوا في عنقه حبلاً، فقال نعيمان: هذا يستهزئ بكم وإني حر، فقالوا: قد عرفنا خبرك، وانطلقوا به حتى أدركهم القوم وخلصوه! فضحك النبي صلى الله عليه وآله من ذلك حيناً.
وكان نعيمان هذا مزاحاً فسمع مخرمة بن نوفل وقد كُفَّ بصره يقول: ألا رجل يقودني حتى أبول، فأخذ نعيمان بيده فلما بلغ مؤخر المسجد قال: ههنا فبل، فبال فصيح به، فقال: من قادني؟ قيل: نعيمان، قال: لله علي أن أضربه بعصاي هذه فبلغ نعيمان فقال: هل لك في نعيمان؟ قال نعم، قال قم فقام معه فأتى به عثمان وهو يصلي فقال: دونك الرجل، فجمع يديه بالعصا ثم ضربه! فقال الناس: أمير المؤمنين فقال: من قادني؟ قالوا نعيمان، قال: لا أعود إلى نعيمان أبداً!
ورأي نعيمان مع أعرابي عكة عسل فاشتراها منه، وجاء بها إلى بيت عائشة في يومها وقال:خذوها، فتوهم النبي صلى الله عليه وآله أنه أهداها له. ومر نعيمان والأعرابي على الباب فلما طال قعوده قال: يا هؤلاء ردوها علي إن لم تحضروا قيمتها، فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله القصة، فوزن له الثمن، فقال لنعيمان: ما حملك على ما فعلت؟ فقال: رأيت رسول الله يحب العسل ورأيت الأعرابي معه العكة، فضحك النبي صلى الله عليه وآله ، ولم يظهر له نكراً.
ويظهر أن أباهريرة تعلم المزاح مع النبي صلى الله عليه وآله من نعيمان فقد قال في المناقب:
ونهى صلى الله عليه وآله أباهريرة عن مزاح العرب فسرق نعل النبي صلى الله عليه وآله ورهَنه بتمر وجلس بحذائه يأكل فقال صلى الله عليه وآله :يا أباهريرة ما تأكل؟فقال: نعل رسول الله).
وفي الإستيعاب لابن عبد البر(4/1527): ( قال: جاء أعرابي إلى النبي فدخل المسجد وأناخ ناقته بفنائه، فقال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله لنعيمان: لو نحرتها فأكلناها، فإنا قد قرمنا إلى اللحم، ويغرم رسول الله صلى الله عليه وآله ثمنها قال: فنحرها النعيمان، ثم خرج الأعرابي فرأى راحلته فصاح: واعقراه يا محمد! فخرج النبي صلى الله عليه وآله فقال: من فعل هذا؟ قالوا: النعيمان، فاتبعه يسأل عنه، فوجده في دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب قد اختفى في خندق، وجعل عليه الجريد والسعف، فأشار إليه رجل، ورفع صوته يقول: ما رأيته يا رسول الله، وأشار بإصبعه حيث هو، فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وآله وقد تغيّر وجهه بالسعف الَّذي سقط عليه، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: الذين دلَّوك علي يا رسول الله هم الذين أمروني. قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح
< صفحة > 84 < / صفحة >
عن وجهه ويضحك. ثم غَرِمَها رسول الله صلى الله عليه وآله .
وكان لايدخل المدينة رسل ولا طرفة إلا اشترى منها، ثم جاء به إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله، هذا هدية لك، فإذا جاء صاحبه يطلب ثمنه من نعيمان جاء به إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: أعط هذا ثمن هذا، فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله : أو لم تهده لي؟ فيقول: يا رسول الله، لم يكن عندي ثمنه، وأحببت أن تأكله، فيضحك النبي صلى الله عليه وآله ويأمر لصاحبه بثمنه).
فانظر الى رحمة النبي صلى الله عليه وآله وحنانه، حيث أخذ يمسح رأس نعيمان ووجهه مما علق به من ورق الشجر والسعف، ولم يوبخه، بل سأله لماذا فعل ذلك؟
وفي تاريخ دمشق(63/147): (كان نعيمان الأنصاري يدور في أسواق المدينة فإذا دخل السوق طرفة من رطب أو فاكهة أو غير ذلك اشتراه فأهداه للنبي صلى الله عليه وآله وكان فقيراً فإذا كان من آخر النهار راح إلى النبي صلى الله عليه وآله ومعه صاحب الحق فيقول يا نبي الله أعط هذا حقه من ثمن كذا وكذا فيقول له النبي صلى الله عليه وآله : أوما أهديته إلينا يا نعيمان، فيقول والذي بعثك بالحق ما معي قليل ولا كثير، ولقد رأيته فلم تطب نفسي أن أجوزه وأدعه أو يشتريه أحد فيأكله قبل رسول الله صلى الله عليه وآله . قال فيضحك رسول الله صلى الله عليه وآله ويأمر بدفع حق الرجل إليه).
وفي شرح النهج (6/332): (وكان نعيمان وهو من أهل بدر، أولع الناس بالمزاح عند رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يكثرالضحك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يدخل الجنة وهو يضحك.. وسئل النخعي: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يضحكون ويمزحون؟ فقال:نعم والإيمان في قلوبهم مثل الجبال الرواسي).
أقول: النخعي هذا، هو إبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه المعروف وصاحب ابن مسعود، توفي أواخر القرن الأول (تذكرة الحفاظ للذهبي:1/73) وسؤال الناس إياه عن الصحابة: هل كانوا يضحكون ويمزحون، يدل على أن إعلام السلطة صور الصحابة بصورة الملائكة، حتى أن الناس يسألون عنهم: هل كانوا يضحكون؟!
وفي المقابل تنقص إعلامهم من أهل البيت عليهم السلام ما استطاع، لكنه فشل والحمد لله!
< صفحة > 85 < / صفحة >
نماذج من تبسم النبي صلى الله عليه وآله وضحكه
كان أكثر ضحك النبي صلى الله عليه وآله التبسم، وتبسمه أنواعٌ فمنه استحسان أمر أو شيئ ، ومنه تعجب من فعل أو قول، ومنه استنكار لفعل أو قول.
فصل جامع في آداب النبي صلى الله عليه وآله وتبسمه ومزاحه
- قال ابن شهراشوب في كتابه القيم مناقب آل أبي طالب (1/126) ملخصاً
(فصل في آدابه ومزاحه صلى الله عليه وآله : أما آدابه فقد جمعها بعض العلماء والتقطها من الأخبار: كان النبي صلى الله عليه وآله أحكم الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم. وأسخى الناس، لا يثبت عنده دينار ولا درهم، فإن فضل ولم يجد من يعطيه وجنه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه.
لا يأخذ مما أتاه الله إلا قوت عامه فقط، من يسير ما يجد من التمر والشعير، ويضع سائر ذلك في سبيل الله، ثم يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شئ.
وكان يجلس على الأرض، وينام عليها، ويأكل عليها.وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، وبفتح الباب، ويحلب الشاة، ويعقل البعير ويحله، ويطحن مع الخادم إذا أعيا، ويضع طهوره بالليل بيده، ولا يجلس متكئاً، وإذا جلس على الطعام جلس محقراً. وكان يجيب دعوة الحر والعبد، ولو على ذراع أو كراع، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن، ويأكلها ولا يأكل الصدقة.
وكان يلبس برداً حبرة يمنية وشملة جبة صوف، والغليظ من القطن والكتان، وأكثر ثيابه البياض، وكان له ثوب للجمعة خاصة، وكان إذا لبس جديداً أعطى خلق ثيابه مسكيناً، يلبس خاتم فضة في خنصره الأيمن. يحب البطيخ، وكان يشيع الجنائز ويعود المرضى في أقصى المدينة، يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلا بما أمر الله، ولا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذر إليه.
وكان أكثر الناس تبسماً ما لم ينزل عليه قرآن ولم تجر عظة، وربما ضحك من غير قهقهة، ما
< صفحة > 86 < / صفحة >
شتم أحداً بشتمة ولا لعن امرأة ولا خادماً بلعنة، لا فظٌّ ولا غليظ، ولا صخَّاب في الأسواق، ولا يحزي بالسيئة السيئة، ولكن يغفر ويصفح، ويبدأ من لقيه بالسلام. وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس، وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة، وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه، ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته.
وكان يمزح ولا يقول إلا حقاً، قال أنس: مات نُغَيْرٌ لأبي عمير وهو ابن لأم سليم (أمه) فجعل النبي صلى الله عليه وآله يقول: يا أباعمير ما فعل النغير.
وقال رجل: إحملني يا رسول الله، فقال: إنا حاملوك على ولد ناقة، فقال: ما أصنع بولد ناقة؟ قال صلى الله عليه وآله : وهل يلد الإبل إلا النوق.
واستدبر رجلاً من ورائه وأخذ يعضده وقال: من يشتري هذا العبد؟ يعني أنه عبد الله. وقال صلى الله عليه وآله لأحد: لاتنس يا ذا الأذنين.
وقال لامرأة وذكرت زوجها: أهذا الذي في عينيه بياض؟ فقالت: لا ما بعينيه بياض، وحكت لزوجها فقال: أما ترين بياض عيني أكثر من سوادها!
وقالت عجوز من الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله : أدع لي بالجنة، فقال: إن الجنة لا يدخلها العُجَّز، فبكت المرأة فضحك النبي وقال: أما سمعت قول الله تعالى: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا. وقال صلى الله عليه وآله للعجوز الأشجعية: يا أشجعية لا تدخل العجوز الجنة، فرآها بلال باكية فوصفها للنبي صلى الله عليه وآله فقال: والأسود كذلك! فجلسا يبكيان فرآهما العباس فذكرهما له فقال: والشيخ كذلك، ثم دعاهم وطيب قلوبهم وقال: ينشؤهم الله كأحسن ما كانوا، وذكر أنهم يدخلون الجنة شباباً منورين، وقال: إن أهل الجنة جرد مرد مكحلون.
وقال صلى الله عليه وآله لرجل حين قال:
أنت نبي الله حقـــــــــاً نعلمه * ودينك الإسلام ديناً نعظمه
نبغي مع الإسلام شيئاً نقضمه * ونحن حول هـــــــــــذا ندندن!
يا علي إقض حاجته، فأشبعه علي عليه السلام وأعطاه ناقة وجلة تمر.
وقبَّل جد خالد القسري امرأة فشكت إلى النبي صلى الله عليه وآله فأرسل إليه فاعترف وقال: إن شاءت
< صفحة > 87 < / صفحة >
أن تقتص فلتقص! فتبسم رسول الله وأصحابه فقال: أوَلا تعود؟ فقال: لا والله يا رسول الله، فتجاوز عنه.
ورأي صلى الله عليه وآله صهيباً يأكل تمراً فقال: أتأكل التمر وعينك رمدة؟ فقال: يا رسول الله إني أمضغه من هذا الجانب وتشتكي عيني من هذا الجانب.
2. مازح النبي صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام فأجابه علي عليه السلام فتبسم
روي أن النبي صلى الله عليه وآله كان يأكل رطباً مع علي عليه السلام وكان يضع النوى قدام علي عليه السلام . فلما فرغا كان النوى كله في طرف علي فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي إنك لأكول! فقال علي عليه السلام : يا رسول الله! الأكول الذي يأكل التمر ونواه! فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله ). (كشف الأسرار:1/165).
وفي رواية أنه عليه السلام قال: آكل مني يا رسول الله من يأكل التمر بنواه!
3. وتبسم صلى الله عليه وآله للمختضبين بالورس والحناء والوسم
في الفقيه (1/123): في قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، قال صلى الله عليه وآله : منه الخضاب بالسواد. وإن رجلاً دخل على رسول الله وقد صفَّر لحيته فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : ما أحسن هذا، ثم دخل عليه بعد هذا وقد أقنى بالحناء، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: هذا أحسن من ذاك، ثم دخل عليه بعد ذلك وقد خضب بالسواد فضحك إليه فقال: هذا أحسن من ذاك وذاك).
4.وتبسم لما حدثت فاطمة أمها عليهما السلام وهي جنين
وسمع خديجة عليها السلام تكلم جنينها، قال لها: يا خديجة من تكلمين؟ قالت: يا رسول الله، إن الجنين الذي أنا حامل به إذا أنا خلوت به في منزلي كلمني، وحدثني من ظلمة الأحشاء. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: يا خديجة، هذا أخي جبرئيل عليه السلام يخبرني أنها ابنتي، وأنها النسمة الطاهرة المطهرة، وأن الله تعالى أمرني أن أسميها فاطمة، وسيجعل الله تعالى من ذريتها أئمة يهتدي بهم المؤمنون). (الثاقب في المناقب لابن حمزة/285).
< صفحة > 88 < / صفحة >
5. وتبسم لفاطمة عليها السلام تدور الرحى في بيتها وحدها
في الخرائج (2/531): (أن أباذر قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله أدعوعلياً، فأتيت بيته فناديته فلم يجبني، والرحى تطحن وليس معها أحد، فناديته فخرج معي وأصغى إليه رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال له رسول الله شيئاً لم أفهمه، فقلت: عجباً من رحى في بيت علي تدور ما عندها أحد! فقال: إن ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً ويقيناً، وإن الله علم ضعفها فأعانها على دهرها وكفاها. أما علمت أن لله ملائكة موكلين بمعونة آل محمد صلى الله عليه وآله )!
وفي رواية دلائل الإمامة/139: (قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: يا سلمان، إن ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً إلى مشاشها فتفرغت لطاعة الله عز وجل، فبعث الله ملكاً إسمه روفائيل..الخ.)
6. وتبسم لامرأة شكت زوجها العنين
في تذكرة الفقهاء ( 2/643): (عن عايشة قالت جاءت امرأة رفاعة الفرضي إلى
النبي صلى الله عليه وآله وقالت: إني كنت عند رفاعة فطلقني فبتُّ طَلْقَى، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب (عنين) فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: تريدين أن ترجعي إلى رفاعة)؟!
7. وضحك لمذنب حمل الحسنين عليهما السلام يستشفع بهما
في مناقب آل أبي طالب(3/168)عن الإمام الباقر عليه السلام قال:( أذنب رجلٌ ذنباً في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله (ولعله سرق من بيت النبي صلى الله عليه وآله )فتغيب حتى وجد الحسن والحسين في طريق خال، فأخذهما فاحتملهما على عاتقيه وأتى بهما النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إني مستجير بالله وبهما، فضحك رسول الله حتى رد يده إلى فمه ثم قال للرجل: إذهب وأنت طليق، وقال للحسن والحسين: قد شفعتكما فيه أي فتيان، فأنزل الله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوااللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوااللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا).
< صفحة > 89 < / صفحة >
8. وتبسم صلى الله عليه وآله لتأمين المؤمن في كل حالاته
في أمالي الصدوق/590: (عن عبد الله بن مسعود قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ تبسم، فقلت: ما لك يا رسول الله تبسمت؟ قال: عجبت من المؤمن وجزعه من السقم، ولو يعلم ما له في السقم من الثواب لأحب أن لا يزال سقيماً حتى يلقى ربه عز وجل)!
وفي رواية/640: (عجبت للمرء المسلم أنه ليس من قضاء يقضيه الله عز وجل له إلا كان خيراً له في عاقبة أمره).
9. وضحك صلى الله عليه وآله لأعرابي آمن وطمع بناقة
في كفاية الأثر/172: (عن الحسين بن علي عليه السلام قال: دخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وآله
يريد الإسلام ومعه ضب قد اصطاده في البرية وجعله في كمه، فجعل النبي صلى الله عليه وآله يعرض عليه الإسلام فقال: لا أؤمن بك يا محمد أو يؤمن بك هذا الضب، ورمى الضب من كمه، فخرج الضب من المسجد يهرب! فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا ضب من أنا؟ قال: أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. قال: ياضب من تعبد؟ قال: أعبد الذي فلق الحبة وبرأ النسمة واتخذ إبراهيم خليلاً وناجى موسى كليماً واصطفاك يا محمد. فقال الأعرابي: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله حقاً، فأخبرني يا رسول الله هل يكون بعدك نبي؟ قال: لا، أنا خاتم النبيين، ولكن يكون بعدي أئمة من ذريتي قوامون بالقسط كعدد نقباء بني إسرائيل أولهم علي بن أبي طالب، فهوالإمام والخليفة بعدي، وتسعة من الأئمة من صلب هذا ووضع يده على صدري، والقائم تاسعهم يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت في أوله! قال فأنشأ الأعرابي يقول:
ألا يا رسول الله أنك صادق * فبوركت مهدياً وبوركت هاديا
شرعت لنا الدين الحنيفي بعد ما * عبدنا كأمثـال الحمـير الطواغيا
فيا خير مبعوث ويا خير مرسل * إلى الإنس ثم الجن لبيك داعيا
وبوركت في الأقوام حياً وميتاً * وبوركت مولوداً وبوركت ناشيا
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أخا بني سليم هل لك مال؟ فقال: والذي أكرمك بالنبوة وخصك
< صفحة > 90 < / صفحة >
بالرسالة إنا أربعة ألف بيت في بني سليم ما فيهم أفقر مني، فحمله النبي صلى الله عليه وآله على ناقة، فرجع إلى قومه فأخبرهم بذلك قالوا: فأسلم الأعرابي طمعاً في الناقة، فبقي نومه في الصفة لم يأكل شيئاً، فلما كان من الغد تقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال:
يا أيها المرء الذي لا نعدمه * أنت رسول الله حقا نعلمه
ودينك الإسلام دينا نطعمه * نبغي مع الإسلام شيئاً نقضمه
فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وقال: يا علي أعط الأعرابي حاجته. قال: فحمله علي عليه السلام إلى منزل فاطمة عليها السلام وأشبعه وأعطاه ناقة وجلة تمراً).
10. تبسم لعلي عليه السلام لما اشترى منه جبرئيل عليه السلام درعه
في دلائل الإمامة/84، من حديث في زواج فاطمة وعلي عليهما السلام : (ثم قال لعلي عليه السلام : إن الله قد أمرني أن أزوجك. فقال: يا رسول الله إني لا أملك إلا سيفي وفرسي ودرعي. فقال له النبي صلى الله عليه وآله : إذهب فبع الدرع، قال فخرج علي عليه السلام فنادى على درعه، فبلغت أربعمائة درهم ودينار. قال: فاشتراها دحية بن خليفة الكلبي وكان حسن الوجه، لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وآله أحسن منه وجهاً. قال: فلما أخذ علي عليه السلام الثمن وتسلم دحية الدرع عطف دحية على علي عليه السلام فقال: أسألك يا أباالحسن أن تقبل مني هذه الدرع هدية ولا تخالفني في ذلك. قال: فحمل الدرع والدراهم، وجاء بهما إلى النبي صلى الله عليه وآله ونحن جلوس بين يديه فقال: يا رسول الله، إني بعت الدرع بأربعمائة درهم ودينار، وقد اشتراه دحية الكلبي، وقد أقسم علي أن أقبل الدرع هدية، وأيش تأمر، أقبلها منه أم لا؟ فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وقال: ليس هو دحية، لكنه جبرئيل عليه السلام ، وإن الدراهم من عند الله لتكون شرفاً وفخراً لابنتي فاطمة)!
11. ضحك صلى الله عليه وآله من شجاعة أم هاني أمام أخيها علي عليه السلام
كتبنا في السيرة النبوية عند أهل البيت عليها السلام (2/638) ملخصاً:عهد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المسلمين أن لا يقتلوا بمكة إلا من قاتلهم، سوى نفر كانوا يؤذون النبي منهم: مقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعبد الله بن خطل وقينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: أقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة. فأدرك ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة
< صفحة > 91 < / صفحة >
فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عماراً فقتله. وقتل مقيس بن صبابة في السوق. وقتل علي عليه السلام إحدى القينتين وأفلتت الأخرى، وقتل أيضاً الحويرث بن نقيذ بن كعب. وبلغه أن أم هانئ بنت أبي طالب قد آوت ناساً من بني مخزوم، منهم الحارث بن هشام وقيس بن السائب، فقصد نحو دارها مقنعاً بالحديد فنادى: أخرجوا من آويتم! فجعلوا يذرقون كما تذرق الحبارى خوفاً منه (الحبارى طائر كبير السلحة)! فخرجت إليه أم هاني وهي لا تعرفه فقالت: يا عبد الله، أنا أم هاني بنت عم رسول الله صلى الله عليه وآله وأخت علي بن أبي طالب إنصرف عن داري.فقال علي عليه السلام : أخرجوهم! فقالت: والله لأشكونك إلى رسول الله! فنزع المغفر عن رأسه فعرفته فجاءت تشتد حتى التزمته فقالت: فديتك حلفت لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ! فقال لها: فاذهبي فبري قسمك فإنه بأعلى الوادي. قالت أم هاني فجئت إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو في قبة يغتسل وفاطمة عليها السلام تستره، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله كلامي قال: مرحباً بك يا أم هاني. قلت: بأبي وأمي ما لقيت من علي اليوم! فقال صلى الله عليه وآله : قد أجرتُ من أجرت! فقالت فاطمة عليها السلام : إنما جئت يا أم هانئ تشكين علياً في أنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله!فقلت:إحتمليني فديتك! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : قد شكر الله لعلي سعيه، وأجرت من أجارت أم هانئ لمكانها من علي بن أبي طالب». (إعلام الورى:1 /223).
وفي رواية: قالت بأبي أنت وأمي أترى ما لقيت من علي اليوم فحكت القصة فقال علي عليه السلام :يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبياً لقد قبضت على يدي وفيها السيف فما استطعت إن أخلصها إلا بالشدة! فضحك النبي صلى الله عليه وآله وقال:لو ولد أبوطالب الناس كلهم لكانوا شجعاناً! إنا قد أجرنا من أجارت أم هاني، وآمنا من آمنت فلا سبيل لك عليهم.
وهرب هبيرة بن أبي وهب بعل أم هاني إلى نجران، وأقام بها حتى مات بها مشركاً، ولها من هبيرة أربعة من الذكور هاني وجعدة وعمر ويوسف وأسلمت أم هاني وهاجرت إلى المدينة).
12. ضحك صلى الله عليه وآله استنكاراً لنذر امرأة نذراً غير شرعي!
في سيرة ابن هشام (3/751) أن عيينة بن حصن النجدي أغار على إبل النبي صلى الله عليه وآله وقتل راعيها الغفاري وساق الإبل، ونجت امرأة الغفاري على ناقة منها، وقالت: (يا رسول الله، إني قد نذرت لله أن أنحرها إن نجاني الله عليها، قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: بئسما جزيتها
< صفحة > 92 < / صفحة >
أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحريها! إنه لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين، إنما هي ناقة من إبلي، فارجعي إلى أهلك على بركة الله). وتبسمه صلى الله عليه وآله هنا استنكار لنذرها!
13. تبسم صلى الله عليه وآله من شخص أساء معه الخلق
قال القاضي عياض في الشفاء (1/90):(جاءه زيد بن سعنة قبل إسلامه يتقاضاه ديناً عليه فجبذ ثوبه عن منكبه، وأخذ بمجامع ثيابه وأغلظ له، ثم قال: إنكم، يا بني عبد المطلب مُطْلٌ، فانتهره عمر وشدد له في القول، والنبي صلى الله عليه وآله يبتسم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا وهو كنا إلى غير هذا أحوج منك يا عمر، تأمرني بحسن القضاء وتأمره بحسن التقاضي، ثم قال: لقد بقي من أجله ثلاث، وأمر عمر يقضيه ماله ويزيده عشرين صاعاً لما روعه فكان سبب إسلامه. ذلك أنه كان يقول: ما بقي من علامات النبوة شيئ إلا وقد عرفتها في محمد إلا اثنتين لم أخبرهما: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل إلا حلماً، فاختبره بهذا فوجده كما وُصف).
14. وتبسم تعجباً من سوء توفيق عائشة
في السنن الكبرى للنسائي(4/252): (عن عائشة قالت: رجع رسول الله من جنازة وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول: وا رأساه! قال: بل أنا وارأساه ثم قال: وما ضرك لو مُتِّ قبلي فغسلتك وكفنتك وصليت عليك، ثم دفنتك. قلت: لكأني بك لو فعلت ذلك رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك! فتبسم رسول الله، بدئ في مرضه الذي مات فيه).
15. وتبسم لامرأة كرهت زوجها ودعا لهما
في مسند أبي يعلى(3/392)، أن امرأة شكت زوجها، فأحضره النبي صلى الله عليه وآله وقال له: (جاءت تشكو منك جفاء تشكو منك أنك لا تقربها، قال: يا رسول الله والذي أكرمك إن عهدي بها لهذه الليلة وبكت المرأة، فقالت: كذب فرق بيني وبينه، فإنه من أبغض خلق الله إليَّ! فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله ثم أخذ برأسه ورأسها فجمع بينهما وقال: اللهم أدن كل واحد من صاحبه. قال جابر: فلبثنا ما شاء الله أن نلبث ثم مر رسول الله صلى الله عليه وآله بالسوق فإذا نحن بامرأة تحمل أدماً فلما رأته طرحت الأدم وأقبلت إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما خلق الله
< صفحة > 93 < / صفحة >
من بشر أحب إلي منه إلا أنت).
16. وتبسم صلى الله عليه وآله لأعرابي من بني سعد
في مصنف ابن أبي شيبة (7 /210):(عن ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى النبي فقال: السلام عليك يا غلام بني عبد المطلب، فقال: وعليك، فقال: إني رجل من أخوالك من بني سعد بن بكر وأنا رسول قومي إليك ووافدهم، وأنا سائلك فمشدد مسألتي إليك مناشدك مناشدتي إياك، قال: خذ عنك يا أخا بني سعد. قال: من خلقك وهو خالق من قبلك وهو خالق من بعدك؟ قال: الله، قال: نشدك بذلك أهو أرسلك؟ قال: نعم، قال: من خلق السماوات السبع والأرضين السبع وأجرى بينهن الرزق؟ قال: الله، قال: نشدتك بذلك أهو أرسلك؟ قال: نعم، قال: فإنا قد وجدنا في كتاب وأمرتنا رسلك أن نصلي في اليوم والليلة خمس صلوات لمواقيتها نشدتك بذلك أهو أمرك بذلك؟ قال: نعم، قال: فإنا وجدنا في كتابك وأمرتنا رسلك أن نأخذ من حواشي أموالنا فنردها على فقرائنا فنشدتك بذلك أهو أمرك بذلك؟ قال: نعم. ثم قال: أما الخامسة فلست بسائلك عنها ولا أرب لي فيها، قال:ثم قال: والذي بعثك بالحق لأعملن بها ومن أطاعني من قومي، ثم رجع فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله حتى بدت نواجذه، ثم قال: والذي نفسي بيده لئن صدق ليدخلن الجنة).
17. وكذبوا على النبي صلى الله عليه وآله بأنه وافق الحاخام على التجسيم وتبسم!
في كتاب السنة لابن أبي عاصم/238: (عن عبد الله بن عمرقال: جاء حبر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أبلغك أن الله تعالى يضع السماوات يوم القيامة على إصبع والأرض على أصبع والجبال على أصبع والشجر على أصبع والماء والثرى على أصبع وسائر الخلق على أصبع ثم يهزهن ويقول: أنا الملك! قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ثم قرأ:وَمَا قَدَرُوااللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ قلت لأبي الربيع: فضحك تصديقاً؟قال:نعم.
< صفحة > 94 < / صفحة >
18. وكذبوا على النبي صلى الله عليه وآله أنه جَوَّزَ المنكر وتبسم!
وذلك يوم سألته سهيلة بنت سهيل بن عمرو زعيم المشركين، وزوجة أبي حذيفة بن عتبة الذي أسلم وسكن المدينة، وكان معه مولاه سالم الفارسي المعروف بسالم مولى أبي حذيفة، فكذبت على النبي صلى الله عليه وآله بأنها سألته كيف تعيش مع سالم وهو رجل له لحية، وبيتهم غرفة واحدة، وشكت للنبي صلى الله عليه وآله أن زوجها شك فيها مع سالم، فزعمت أنه صلى الله عليه وآله قال لها: أرضعيه ليحرم عليك فتعلمت ذلك منها عائشة! فقد قالت عائشة (المحلى:10/21): (جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حليفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أرضعيه. فقالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: قد علمت أنه رجل كبير).
أقول: اشتهرت عائشة بفتوى إرضاع الكبير وبلغ عدد الذين أرضعتهم من أختها وزوجة أخيها نحو عشرة، فكانوا يدخلون عليها على أنهم محارم!
19. وكذبوا على النبي صلى الله عليه وآله أنه تبسم وضحك واستمع الغناء!
في مسند ابن راهويه(3/664): (سمعت عائشة تقول: كانت عندي امرأة تُسمعني (تغني لي) فدخل رسول الله على تلك الحال ثم دخل عمر فقعدت فضحك رسول الله فقال عمر: ما يضحكك يا رسول الله؟ فحدثه فقالت: والله لا أبرح حتى أُسمع رسول الله، فأمرها فأسمعته).
20. وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله من أجل عائشة!
في فقه السنة لسيد سابق (3/500): (أن النبي قدم عليها من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها (الرف) ستر فهبت الريح فكشفته عن بنات لعائشة لُعَب فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي. ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس. قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان. قال: فرس له جناحان؟ قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة. قالت: فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله حتى بدت نواجذه).
أقول: رواه أبوداود والنسائي وغيرهما، ومعناه أن عائشة في حياتها مع النبي صلى الله عليه وآله كانت
< صفحة > 95 < / صفحة >
تصنع اللعب وتلعب بهن! وإنما قلنا كذبوا لأن صناعة الألعاب التي فيها صور ذوات أرواح محرم باتفاق الفقهاء. و لأن عمر عائشة لما تزوجت النبي كان سبع عشرة سنة.
21. وكذبوا على النبي صلى الله عليه وآله بأنه فضل عائشة ومدحها لأنها شتمت ضرتها!
(قالت عائشة: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وآله فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وآله فاستأذنت والنبي صلى الله عليه وآله مع عائشة عنها في مرطها فأذن لها فدخلت فقالت إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في بنت أبي قحافة قال: أي بنية أتحبين ما أحب؟ قالت: بلى. قال: فأحبي هذه فقامت فخرجت فحدثتهم فقلن ما أغنيت عنا شيئاً، فارجعي إليه قالت: والله لا أكلمه فيها أبداً، فأرسلن زينب زوج النبي صلى الله عليه وآله فاستأذنت فأذن لها فقالت له ذلك ووقعت فيَّ زينب تسبني فطفقت أنظر هل يأذن لي النبي صلى الله عليه وآله فلم أزل حتى عرفت أن النبي صلى الله عليه وآله لا يكره أن أنتصر فوقعت بزينب فلم أنشب أن أثخنتها غلبة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: أما إنها ابنة أبي بكر)! (الأدب المفرد للبخاري/123)
22. وحرفوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله غضب على عمر بأنه تبسم له !
فقد اعترض عمرعلى النبي بصلافة فأيده علماء السلطة وخطؤوا النبي صلى الله عليه وآله ! ففي كنز العمال (2/419): (من مسند عمر، عن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وآله للصلاة عليه فقام إليه فلما وقف عليه يريد الصلاة تحولت حتى قمت في صدره فقلت يا رسول الله أعلى عدو الله عبد الله بن أبي القائل يوم كذا كذا والقائل يوم كذا كذا، أعدد أيامه الخبيثة، ورسول الله صلى الله عليه وآله يتبسم، حتى أكثرت عليه فقال: أخِّرْ عني يا عمر، إني خيرت فاخترت قيل لي: إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ. فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له، لزدت)!
وقد عقد البخاري في صحيحه عدة أبواب (5/206 و2 /100 و7 / 36) روى فيها روايات كثيرة لإثبات فضيلة اعتراض عمر على النبي صلى الله عليه وآله وزعم نزول الوحي موافقاً لعمر مخطِّئاً للنبي صلى الله عليه وآله !
وقد ذكر البخاري، وعمر، وابنه، والفخر الرازي، تصرف عمر الخشن وغير المعقول مع النبي صلى الله عليه وآله حيث تصدى له، ووثب اليه، ووقف أمامه، وجذبه من ثوبه! ليمنعه من الصلاة على الجنازة، وقال له: أليس نهاك الله عن هذا! وأكثر عليه الكلام! فغضب النبي صلى الله عليه وآله وقال: أخِّر
< صفحة > 96 < / صفحة >
عني يا عمر! لكنهم قالوا إن النبي صلى الله عليه وآله لم يغضب من عمر أبداً، بل ارتاح منه وتبسم له!
وأن موقفه كان كالمعتذر منه! وأن معنى أخر عني: أخر كلامك الآن!
قال البخاري (5/206): باب قوله: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ. عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وآله ليصلي فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنما خيرني الله فقال: إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً.. وسأزيده على السبعين. قال إنه منافق! قال فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِه إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ).
يريدون بذلك أن يثبتوا صواب عمر وخطأ النبي صلى الله عليه وآله فارتكبوا الكذب الصريح لأن آية: وَلا تُصَلِّ عَلَى أحد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً، نزلت في سورة براءة التي نزلت في السنة التاسعة بعد تبوك، وابن سلول مات في السنة الرابعة!
قال في فتح الباري (8 /252) بدون خجل: (هذا تقريرُ ما صدر عن عمر مع ما عرف من شدة صلابته في الدين وكثرة بغضه للكفار والمنافقين…قال ابن المنير: وإنما قال ذلك عمر حرصاً على النبي صلى الله عليه وآله ومشورة إلزاماً، ولهذا احتمل منه النبي صلى الله عليه وآله أخذه بثوبه ومخاطبته له في مثل ذلك المقام حتى التفت إليه متبسماً، كما في حديث ابن عباس).
ثم قال ابن الحجر:( قوله فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال أخِّر عني، أي كلامك! واستشكل الداودي تبسمه في تلك الحالة. وجوابه: أنه عبَّر عن طلاقة وجهه بذلك تأنيساً لعمر وتطييباً لقلبه، كالمعتذر عن ترك قبول كلامه ومشورته)!
وقد تفوق الفخر الرازي على ابن حجر فقال تفسيره (16/151): (واعلم أن هذا يدل على منقبة عظيمة من مناقب عمر رضي الله عنه، وذلك لأن الوحي نزل على وفق قوله في آيات كثيرة، منها آية أخذ الفداء عن أسارى بدر وقد سبق شرحه. وثانيها: آية تحريم الخمر. وثالثها: آية تحويل القبلة. ورابعها: آية أمر النسوان بالحجاب. وخامسها: هذه الآية. فصار نزول الوحي على مطابقة قول عمر منصباً عالياً ودرجة رفيعة له في الدين. فلهذا قال عليه الصلاة والسلام في
< صفحة > 97 < / صفحة >
حقه: لو لم أبعث لبعثت يا عمر نبياً)!
أقول: قد اتخذوه نبياً ولم يبعث، وجعلوا نبوته ناسخة لنبوة نبينا صلى الله عليه وآله !
23. وصدقوا في قولهم تبسم النبي صلى الله عليه وآله من رعب عمر في حر ب الخندق
قال سليم بن قيس/249: (قال علي عليه السلام للزبير: وإن بعض من سميت ما كان ذا بلاء ولا سابقة ولا مبارزة قرن، ولا فتح ولا نصر، غير مرة واحدة فرَّ ومنح عدوه دبره، ورجع يجبن أصحابه ويجبنونه، وقد فر مراراً، فإذا كان عند الرخاء والغنيمة تكلم وتغير وأمر ونهى! ولقد نادى ابن عبد ود يوم الخندق باسمه، فحاد عنه ولاذ بأصحابه حتى تبسم رسول الله صلى الله عليه وآله مما رأى به من الرعب وقال: أين حبيبي علي؟ تقدم يا حبيبي يا علي).
ناداه ابن ود: أي دعاه الى مبارزته فارتعب ارتعاباً تبسم منه النبي صلى الله عليه وآله .
24. وصدقوا في قولهم تبسم النبي صلى الله عليه وآله من قول عمر في حنين
فقد فرَّ المسلمون في حنين كلهم إلا النبي صلى الله عليه وآله وبنو هاشم، كما قال تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ.
ولم ينزل السكينة على الفارين!
وقال الواقدي في المغازي(2/904):(قالت أم الحارث: فمر بي عمر بن الخطاب فقلت: يا عمر ما هذا فقال عمر: أمر الله)! وروي عن نسيبة أيضاً.
ودافع بنو هاشم عن النبي صلى الله عليه وآله وكان علي عليه السلام يقاتل وحده، يحمل على صاحب الراية في هوازن فيقتله ويأسر منهم ثم يرجع الى النبي صلى الله عليه وآله حتى قتل أربعين من حملة راياتهم فوقعت فيهم الهزيمة. قال ابن هشام (4/896): « فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتَّفين عند رسول الله صلى الله عليه وآله »!
أقول: فمن الذي أسرهم وكتَّفهم قبل رجوع الفارِّين والكل فارُّون ما عدا بني هاشم وكانوا
< صفحة > 98 < / صفحة >
محيطين بالنبي صلى الله عليه وآله يحرسونه، وعلي عليه السلام وحده يغوص غمار المعركة! يساعده: جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا. وقد زعموا أن ثمانين من الفارين أو مئة رجعوا قبل غيرهم، ونسبوا بطولات علي عليه السلام أو قسماً منها إليهم! لكنهم لم يسموا منهم أحداً إلا عبد الله بن مسعود، وهو ضعيف البنية صغير الجثة، غير مقاتل! ثم نسبوا النصر إلى دعاء النبي صلى الله عليه وآله وإلقائه حفنة الحصى والتراب على جيش هوازن وهو صحيح، لكنه لا يلغي دور علي عليه السلام الأساسي!
وعلى قاعدة الغنيمة لمن قاتل، فعامة غنائم هوازن لعلي عليه السلام . لكن عندما رجع أبوبكر وعمر من فرارهما، أخذا يتدخلان في الغنائم كأنهما صاحباها!
«قال أبوقتادة: يا رسول الله إني ضربت رجلاً على جبل العاتق وعليه درع له قد تحصفت عنه فأعجلت عنه قال فانظر من أخذها، فقام رجل فقال: أنا أخذتها فأرضه عنها فلو أعطيتنيها؟ فسكت رسول الله فقال عمر:لاوالله لايفيؤها الله على أسد من أسده ويعطيكها! فضحك رسول الله» (كنز العمال:10/552) أي ضحك من تدخل عمر وقد عاد لتوه من الفرار!
وقد رواها البخاري (3 / 16) وحذف منها ذكر أبي بكر وعمر ستراً عليهما!
25. وصدقوا في أن عمر ضحك حتى انقلب على ظهره فتبسم النبي صلى الله عليه وآله
بعد فتح مكة جاءت نساء قريش ليبايعن النبي صلى الله عليه وآله ، وجاءت هند بنت عتبة متنقبة متنكرة مع النساء خوفاً أن يعرفها رسول الله صلى الله عليه وآله !
قال الثعلبي (9/297) في تفسير قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّاللهَ إِنَّاللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ: (وذلك يوم فتح مكة لما فرغ الرسول صلى الله عليه وآله من بيعة الرجال وهو على الصفا وعمر بن الخطاب أسفل منه وهو يبايع النساء بأمر رسول الله ويبلغهن عنه، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنقبة مستنكرة مع النساء خوفاً من رسول الله أن يعرفها فقال النبي صلى الله عليه وآله : أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً، فرفعت هند رأسها وقالت: والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيناك أخذته على الرجال، وبايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط، فقال النبي صلى الله عليه وآله : ولا تسرقن. فقالت هند: إن أباسفيان رجل شحيح وإني أصيب من
< صفحة > 99 < / صفحة >
ماله هنات ولا أدري أتحل لي أم لا؟ فقال أبوسفيان: ما أصبت من شيئ فيما مضى وفيما غير فهو لك حلال، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وعرفها فقال لها: وإنك لهند بنت عتبة؟ قالت: نعم، فأعفُ عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك، فقال: ولا يزنين. فقالت هند: أوتزني الحرة! فضحك عمرحتى استلقى[على قفاه] وتبسّم النبي صلى الله عليه وآله فقال: ولا يقتلن أولادهن. فقالت هند: ربيناهم صغاراً وقتلتموهم كباراً فأنتم وهم أعلم، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر، فقال: ولا يأتين ببهتان يفترينهُ بين أيديهن وأرجلهن. وهو أن تقذف ولداً على زوجها وليس منه، فقالت هند: والله إنَّ البهتان يقبح وما تأمرنا إلاّ بمكارم الأخلاق. وقال: ولا يعصينك في معروف. فقالت: ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيئ، فأقر النسوة بما أخد عليهن). وتفسير الآلوسي(28/81) وتاريخ دمشق(70/182) وتخريج الأحاديث للزيلعي(3/461). وفي أعيان الشيعة (1/277): (فتبسم بعض من حضر، لما كان بينه وبينها في الجاهلية)!
- *
حديث أن النبي صلى الله عليه وآله ما رؤي بعدها ضاحكاً!
رووا أنه صلى الله عليه وآله بعد أن نزلت عليه سورة هود ما رؤي ضاحكاً.
ورووا أنه بعد أن نزلت فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ.. ما رؤي ضاحكاً.
ورووا أنه بعد أن رأى مالكاً خازن النار ما رؤي ضاحكاً.
ورووا أنه بعد أن نزلت عليه سورة النصر ما رؤي ضاحكاً.
ورووا أن الله تعالى أراه طرفاً من مصيبته بأمته فما رؤي ضاحكاً.
ورووا أنه بعد أن رأى القردة ينزون على منبره ما رؤي ضاحكاً.
وقد تصل المناسبات المروية لحزن النبي صلى الله عليه وآله وامتناعه عن الضحك الى آخر عمره الشريف الى عشر مناسبات وأكثر، وهذا يدل على كذبهم لتضييع سبب حزنه الحقيقي، ولا حافظة لكذوب، فزمن بعضها في مكة لما نزلت سورة هود أو الزخرف، وبعضها في المدينة، وبعضها مجهول الوقت.
ومما يثبت كذبها أنه صلى الله عليه وآله كان في مكة والمدينة يتبسم ويضحك الى أواخر عمره الشريف، حتى رأى الشجرة الملعونة والقردة تحكم بعده وتنزو على منبره، وحتى رآهم يرفضون أن
< صفحة > 100 < / صفحة >
يكتب لهم عهداً، وقالوا أنه خَرِفٌ يهجر!
فقد روى الجميع أنه صلى الله عليه وآله رأى قردةً يحكمون أمته بعده، ونزل قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا.
ثم مرض مرض الوفاة فدعا المسلمين ليكتب لهم عهده، فواجهه عمر والطلقاء بالعصيان ومنعوه أن يكتب وصيته وعهده، وقالوا إنه يهجر، وقالوا إستفهموه فليتكلم لنثبت لكم أنه يهجر، فأمره جبرئيل عليه السلام أن يطردهم فطردهم وقال لهم قوموا عني!
وقد روى البخاري حديث رزية يوم الخميس في سبعة مواضع.
وفي تلك المدة لم يُرَ ضاحكاً بل كان مغموماً، جاءه جبرئيل وهو مريض (أمالي الصدوق/348 والبيهقي وغيرهما): (فقال:يا أحمد، إن الله أرسلني إليك إكراماً وتفضيلاً لك خاصة، يسألك عما هو أعلم به منك يقول:كيف تجدك يا محمد؟ قال النبي صلى الله عليه وآله : أجدني يا جبرئيل مغموماً، وأجدني يا جبرئيل مكروباً).
وطبيعي أن يكون مغموماً مكروباً وقد رأى أمته تركوه وأطاعوا زعيم الطلقاء، وصاحوا بوجهه: القول ما قاله عمر لا نريد أن تكتب لنا كتاباً حسبنا كتاب الله!
أما قبل رؤيا القرود ورزية الخميس، فكان يتبسم ويضحك، كما في سيرته صلى الله عليه وآله !
ومما جاء في رؤيا النبي صلى الله عليه وآله
قول الإمام الصادق عليه السلام كما في مقدمة الصحيفة السجادية بسند صحيح: (إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذته نعسة وهو على منبره، فرأى رجالاً ينزون على منبره نزو القردة، يردون الناس على أعقابهم القهقري، فاستوى رسول الله صلى الله عليه وآله جالساً والحزن يعرف في وجهه، فأتاه جبرئيل عليه السلام بهذه الآية وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا. يعني بني أمية. فقال: يا جبرئيل أعلى عهدي يكونون وفي زمني؟ قال: لا، ولكن تدور رحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشراً، ثم تدور رحى الاسلام على رأس خمس وثلاثين من مهاجرك، فتلبث بذلك خمساً، ثم لا بد من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها، ثم ملك الفراعنة.
< صفحة > 101 < / صفحة >
قال: وأنزل الله تعالى في ذلك: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ.وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تملكها بنو أمية ليس فيها ليلة القدر.قال: فأطلع الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وآله أن بني أمية تملك سلطان هذه الأمة، وملكها طول هذه المدة فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتى يأذن الله تعالى بزوال ملكهم، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا، وأخبر الله نبيه بما يلقى أهل بيت محمد وأهل مودتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم.
قال: وأنزل الله تعالى فيهم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ.
ونعمة الله: محمد وأهل بيته صلى الله عليه وآله حبهم إيمان يدخل الجنة، وبغضهم كفر ونفاق يدخل النار. فأسر رسول الله ذلك إلى علي وأهل بيته عليهم السلام ).
وفي كتاب سليم بن قيس/308، من رسالة علي عليه السلام لمعاوية: (ونزل فيكم قول الله عز وجل: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ، وذلك حين رآى رسول الله صلى الله عليه وآله اثني عشر إماماً من أئمة الضلالة على منبره يردون الناس على أدبارهم القهقرى، رجلان من حيين مختلفين من قريش وعشرة من بني أمية، أول العشرة صاحبك الذي تطلب بدمه وأنت وابنك وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص أولهم مروان، وقد لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله وطرده وما ولد حين استمع لنساء رسول الله صلى الله عليه وآله ..).
وفي تاريخ الطبري(8/185): (ومنه الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وآله فوجم لها فما رؤي ضاحكاً بعدها فأنزل الله:وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ فذكروا أنه رأى نفراً من بنى أمية ينزون على منبره. ومنه طرد رسول الله صلى الله عليه وآله الحكم بن أبي العاص لحكايته إياه وألحقه الله بدعوة رسوله آية باقية حين رآه يتخلج فقال له: كن كما أنت، فبقي على ذلك سائر عمره)!
وروى الجميع أن مالك خازن النار لم يضحك للنبي صلى الله عليه وآله
في تفسير القمي(2/4)في حديث المعراج بسند صحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (وتلقتني الملائكة حتى دخلت سماء الدنيا فما لقيني ملك إلا كان ضاحكاً مستبشراً حتى لقيني ملك من الملائكة لم أر أعظم خلقاً منه كريه المنظر ظاهر الغضب، فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء إلا أنه لم يضحك
< صفحة > 102 < / صفحة >
ولم أر فيه من الإستبشار وما رأيت ممن ضحك من الملائكة، فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فإني قد فزعت! فقال: يجوز أن تفزع منه، وكلنا نفزع منه، هذا مالك خازن النار لم يضحك قط ولم يزل منذ ولاه الله جهنم يزداد كل يوم غضباً وغيظاً على أعداء الله وأهل معصيته فينتقم الله به منهم، ولو ضحك إلى أحد قبلك أو كان ضاحكاً لاحد بعدك لضحك إليك ولكنه لا يضحك، فسلمت عليه فرد علي السلام وبشرني بالجنة، فقلت لجبرئيل وجبرئيل بالمكان الذي وصفه الله مطاع ثم أمين، ألا تأمره أن يريني النار؟ فقال له جبرئيل: يا مالك أر محمداً النار، فكشف عنها غطاءها وفتح بابا منها، فخرج منها لهب ساطع في السماء، وفارت فارتعدت حتى ظننت لتتناولني مما رأيت، فقلت له يا جبرئيل قل له فليرد عليها غطاءها فأمرها فقال لها ارجعي فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه).
وتفسيره أن معراج النبي صلى الله عليه وآله كان مئة وعشرين مرة، ويظهر أن هذا المعراج الذي رأى فيه طرفاً من النار كان في أواخر حياته.
وتفردت رواية النعماني بأن خازن النار تبسم للنبي صلى الله عليه وآله
في غيبة النعماني/102، من حديث علي عليه السلام لليهودي عن معراج النبي صلى الله عليه وآله قال: (مرَّ بمالك ولم يضحك منذ خلق قط، فقال له جبرئيل: يا مالك، هذا نبي الرحمة محمد، فتبسم في وجهه ولم يتبسم لأحد غيره! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : مره أن يكشف طبقاً من النار، فكشف طبقاً فإذا قابيل ونمرود وفرعون وهامان فقالوا:يا محمد إسأل ربك أن يردنا إلى دار الدنيا حتى نعمل صالحاً، فغضب جبرئيل عليه السلام ، فقال بريشة من ريش جناحه فرد عليهم طبق النار).
أقول: هذا الحديث المنفرد أقرب عندي، وسنده يمكن تصحيحه:أخبرنا أبوالعباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الكوفي، قال: حدثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس بن رمانة الأشعري من كتابه قال: حدثنا إبراهيم بن مهزم، قال: حدثنا خاقان بن سليمان الخزاز، عن إبراهيم بن أبي يحيى المدني، عن أبي هارون العبدي، عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعن أبي الطفيل قالا..).
وهذه نماذج من روايتهم المزعومة في سبب حزنه صلى الله عليه وآله الى آخر عمره!
- *
< صفحة > 103 < / صفحة >
فقد رووا أن النبي صلى الله عليه وآله لم يضحك بعد آية: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ
ففى الدر المنثور (3/320): (وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن عمران بن حصين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أصحابه: قد أسرع إليك الشيب قال شيبتني هود وأخواتها.
وأخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: شيبتني هود وأخواتها، وما فعل بالأمم قبلي!
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبوالشيخ عن أبي عمران الجوني قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال شيبتني هود وأخواتها وذكر يوم القيامة وقصص الأمم.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي على السري قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله روى عنك إنك قلت شيبتني هود؟ قال: نعم. فقلت: ما الذي شيبك منه قصص الأنبياء وهلاك الأمم؟ قال: لا، ولكن قوله: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ).
وفي الدر المنثور(3/351): (أخرج ابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ، قال: شمروا شمروا فما رؤي ضاحكاً).وسبل الهدى (7/58) وفتح القدير(2/532).
ورووا أن النبي صلى الله عليه وآله لم يضحك بعد آية: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ
في الدر المنثور(6/18):( أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن قتادة في قوله: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ. أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ. قال أنس: رأى ما يصيب أمته بعده فما رؤي ضاحكاً منبسطاً حتى قبض). وتفسير ابن كثير(7/229) وتفسير البغوي (4/140) وتفسير السمرقندي(3/346)، وعامة التفاسير.
نعم قد يكون لذلك علاقة بمصيبته بأمته فقد صح أنه صلى الله عليه وآله أري مصيبته بأمته وانحرافها بعده، فحزن ولم يضحك، وهو يؤيد ما اخترناه.
وسيأتي في الفصل السبعين تفسير قوله صلى الله عليه وآله ثلاثة أيام : ياجبرئيل أجدني مغموماً مكروباً!
- *
< صفحة > 104 < / صفحة >
الفصل الخامس عشر : متى غضب النبي صلى الله عليه وآله
الفصل الخامس عشر
متى غضب النبي صلى الله عليه وآله
1. غضب لقول اليهود إن الله استراح!
في أسباب االنزول للواحدي/266، والحاكم(2/543):(عن ابن عباس أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وآله فسألت عن خلق السماوات والأرض فقال:خلق الله الأرض يوم الأحد والإثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء، وخلق السماوات يوم الأربعاء والخميس، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر، قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد؟ قال ثم استوى على العرش، قالوا: قد أصبت لو تممت ثم استراح! فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله غضباً شديداً، فنزلت: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ).
وفي تفسير الطبري(30/447): (أتى رهط من اليهود النبي فقالوا: يا محمد هذا الله خلق الخلق، فمن خلقه؟ فغضب النبي حتى انتقع لونه ثم ساورهم غضباً لربه، فجاءه جبريل عليه السلام فسكنه، وقال: إخفض عليك جناحك يا محمد، وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه.
قال يقول الله: قُلْ هُوَاللَّهُ أَحَدٌ. الله الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ.
فلما تلى عليهم النبي قالوا:صف لنا ربك، كيف خلقه، وكيف عضده، وكيف ذراعه، فغضب النبي صلى الله عليه وآله أشد من غضبه الأول وساورهم غضباً (زاد عليهم) فأتاه جبريل عليه السلام فقال له مثل مقالته وأتاه بجواب ما سألوه عنه: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
< صفحة > 105 < / صفحة >
2. غضب على خالد لما أهان عمار بن ياسر
روى الحاكم (3/291) عن الأشتر قال: (ابتدأنا خالد بن الوليد من غيرأن أسأله قال: ما أتى عليَّ يوم قط كان أعظم عليَّ من شأن عمار، لما كان يوم بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله في أناس من أصحابه وأمَّرني عليهم وكان في القوم عمار فأصبنا قوماً فيهم أهل بيت من المسلمين فكلمني فيهم عمار وناس من المسلمين قالوا خل سبيلهم، قلت: لا والله لا أفعل حتى يراهم رسول الله فيرى فيهم رأيه، فغضب عليَّ عمار فلما قدمت استأذنت على رسول الله صلى الله عليه وآله فهو يستخبرني وأنا أحدثه، فاستأذن عمار فأذن له فدخل عمار فقال: يا رسول الله ألم تر خالداً فعل كذا وفعل كذا، فقلت:يا رسول الله أما والله لولا مجلسك ما سبني ابن سمية! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عمار أخرج فخرج عمار وهو يبكي ويقول: ما نصرني رسول الله صلى الله عليه وآله على خالد! فقال لي رسول الله: ألا أجبت الرجل، قلت: ما منعني أن أجبته ألا محقرة له،فغضب رسول الله فقال إنه من يبغض عماراً يبغضه الله، ومن يسب عماراً يسبه الله، ومن يحقر عماراً يحقره الله! فخرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وآله فلم أزل أطلب إلى عمار حتى استغفر لي).
3. غضب لما قال المنافقون عنه إنه نخلة نبتت في مزبلة!
وكان ذلك في السنة الأخيرة من حياته الشريفة، حيث تكاثر الطلقاء في المدينة وبلغوا بضعة آلاف، وأخذوا يطعنون في أسرة النبي صلى الله عليه وآله ويقولون إن محمداً نخلة نبتت في كناسة! ونشطوا في العمل لعزل أهل بيته عليهم السلام والسيطرة على الدولة بمجرد وفاته صلى الله عليه وآله ! فقد روى أتباع السلطة نُتَفاً من الحديث، ولم يسموا الذي قال ذلك! كما حذفوا مديح النبي لبني هاشم وعلي عليه السلام !
ومن ذلك ما رواه أحمد(4/166) ورجاله رجال الصحيح، قال:« أتى ناس من الأنصار النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: إنا لنسمع من قومك حتى يقول القائل منهم إنما مثل محمد مثل نخلة نبتت في كباء (مزبلة)فقال رسول الله: أيها الناس من أنا؟ قالوا: أنت رسول الله. قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. ألا إن الله عز وجل خلق خلقه فجعلني من خير خلقه، ثم فرقهم فرقتين فجعلني من خير الفرقتين، ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلة ثم جعلهم بيوتاً فجعلني من خيرهم بيتاً وأنا خيركم بيتاً وخيركم نفساً ».
< صفحة > 106 < / صفحة >
ورواه الترمذي والطبراني وابن مردويه وأبونعيم والبيهقي، وفيه:« ثم جعل القبائل بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً، فذلك قوله: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً، فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب».( الدر المنثور:5/199).
وروى في مجمع الزوائد(8/215)نحوه عن ابن عمر قال: ( إنا لقعود بفناء رسول الله صلى الله عليه وآله إذ مرت امرأة فقال رجل من القوم: هذه ابنة محمد! فقال رجل من القوم: إن مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن، فانطلقت المرأة فأخبرت النبي فجاء النبي صلى الله عليه وآله يعرف في وجهه الغضب ثم قام على القوم فقال: ما بال أقوال تبلغني عن أقوام… الخ.
وفيه: عن ابن عباس أن صفية عمة النبي صلى الله عليه وآله شكت له فقالت: ( استقبلني عمر بن الخطاب فقال إن قرابتك من رسول الله لن تغني عنك من الله شيئاً! قال فغضب النبي صلى الله عليه وآله وقال: يا بلال هجر بالصلاة! فهجر بلال بالصلاة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي، فإنها موصولة في الدنيا والآخرة.. قال: فلما سمعت الأنصار بذلك قالت قوموا فخذوا السلاح فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أغضب! قال فأخذوا السلاح ثم أتوا النبي لا ترى منهم إلا الحدق حتى أحاطوا بالناس فجعلوهم في مثل الحرجة، حتى تضايقت بهم أبواب المساجد والسكك، ثم قاموا بين يدي رسول الله فقالوا: يا رسول الله لا تأمرنا بأحد إلا أبرنا عترته! فلما رأى النفر من قريش ذلك قاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاعتذروا وتنصلوا).
وفي مسند أحمد (1 / 207) أن العباس شكى إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: (يارسول الله إن قريشاً إذا لقي بعضهم بعضاً لقوهم ببشر حسن، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها! قال فغضب النبي غضباً شديداً وقال: والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله). وفيه: فغضب رسول الله ودرَّ عِرْقٌ بين عينيه). والترمذي (5/317) وصححه. والنسائي في فضائل الصحابة/22، والحاكم(3/ 333، وابن شيبة(7/518) والطبراني الكبير(20 / 285) وغيرهم كثير.
وفي الدر المنثور(2/335): (عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وهو غضبان محمارٌّ وجهه حتى جلس على المنبر فقام إليه رجل فقال: أين آبائي؟ قال في النار! فقام آخر فقال من أبي؟ فقال: أبوك حذافة. فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن
< صفحة > 107 < / صفحة >
إماماً، إنا يا رسول الله حديثُ عهد بجاهلية وشرك، والله أعلم من آباؤنا! فسكن غضبه).
وقد أخفى الرواة الكثير والخطير من هذه الحادثة! فقد أحضر النبي صلى الله عليه وآله الأنصار بالسلاح، وحصر قريشاً في المسجد، وخطب خطبة طويلة وبيَّن مكانة عترته عليهم السلام وأسرته عند الله تعالى! وكان معه جبرئيل عليه السلام وطعن في أنساب قريش وتحدى صاحب المقولة أن يسأله من أبوه، وأصرَّ عليهم فخاف عمر!
وروته مصادرنا بتفصيل كرواية النيشابوري في الفضائل/134:(عن علي عليه السلام قال: مررت بفلان يوماً فقال لي: ما مثل محمد في أهل بيته إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة! قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فذكرت ذلك له فغضب غضباً شديداً، فقام فخرج مغضباً وصعد المنبر ففزعت الأنصار ولبسوا السلاح لما رأوا من غضبه، ثم قال: ما بال أقوام يعيرون أهل بيتي! وقد سمعوني أقول في فضلهم ما أقول وخصصتهم بما خصهم الله تعالى به، وفضل علياً عليهم بالكرامة، وسبقه إلى الإسلام وبلائه، وأنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي! ثم إنهم يزعمون أن مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة! ألا إن الله سبحانه وتعالى خلق خلقه وفرقهم فرقتين، وجعلني في خيرها شعباً وخيرها قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً، حتى حصلت في أهل بيتي وعشيرتي وبني أبي ، أنا وأخي علي بن أبي طالب.أنا خير النبيين والمرسلين، وعلي خير الوصيين، وأهل بيتي خير بيوت أهل النبيين، وفاطمة ابنتي سيدة نساء أهل الجنة أجمعين.
أيها الناس: أترجون شفاعتي لكم وأعجز عن أهل بيتي.
أيها الناس: لو أخذت بحلقة باب الجنة ثم تجلى لي الله عز وجل، فسجدت بين يديه، ثم أذن لي في الشفاعة، لم أوثر على أهل بيتي أحداً.
أيها الناس: عظموا أهل بيتي في حياتي وبعد مماتي، وأكرموهم وفضلوهم لا يحل لأحد أن يقوم لأحد غير أهل بيتي، فانسبوني من أنا!
قال فقام الأنصار وقد أخذوا بأيديهم السلاح، وقالوا: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، أخبرنا يا رسول الله من آذاك في أهل بيتك حتى نضرب عنقه! قال:سلوني، والله لا يسألني رجل إلا أخبرته عن نسبه وعن أبيه! فقام إليه رجل فقال: من أنا يا رسول الله؟ فقال:
< صفحة > 108 < / صفحة >
أبوك فلان [لا] الذي تدعى إليه! قال فارتد الرجل عن الإسلام.
ثم قال صلى الله عليه وآله والغضب ظاهر في وجهه: ما يمنع هذا الرجل الذي يعيب على أهل بيتي وأهلي وأخي ووزيري وخليفتي من بعدي وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي، أن يقوم ويسألني عن أبيه، وأين هو في جنة أم في نار!
قال فعند ذلك خشي فلان على نفسه أن يذكره رسول الله صلى الله عليه وآله ويفضحه بين الناس فقام وقال: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، ونعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، أعف عنا عفى الله عنك، أقلنا أقالك الله، أسترنا سترك الله، إصفح عنا جعلنا الله فداك. فاستحيا النبي صلى الله عليه وآله وسكت، فإنه كان من أهل الحلم وأهل الكرم وأهل العفو. ثم نزل) !
4. غضب لما تجسس أبوبكر وعمر عن شأنه الشخصي!
في الكافي(5/565)عن الإمام الصادق عليه السلام قال: « إن أبابكر وعمر أتيا أم سلمة فقالا لها: يا أم سلمة إنك قد كنت عند رجل قبل رسول الله صلى الله عليه وآله فكيف رسول الله من ذاك في الخلوة؟ فقالت: ما هو إلا كسائر الرجال! ثم خرجا عنها وأقبل النبي صلى الله عليه وآله فقامت إليه مبادرة فرقاً أن ينزل أمر من السماء فأخبرته الخبر، فغضب رسول الله حتى تربد وجهه والتوى عرق الغضب بين عينيه، وخرج وهو يجر رداؤه حتى صعد المنبر وبادرت الأنصار بالسلاح وأمروا بخيلهم أن تُحضر، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ما بال أقوام يتبعون عيبي ويسألون عن غيبي!
والله إني لأكرمكم حسباً وأطهركم مولداً وأنصحكم لله في الغيب، ولا يسألني أحد منكم عن أبيه إلا أخبرته. فقام إليه رجل فقال: من أبي؟ فقال: فلان الراعي! فقام إليه آخر فقال: من أبي؟ فقال: غلامكم الأسود!وقام إليه الثالث فقال: من أبي؟ فقال: الذي تنسب إليه!
فقالت الأنصار: يا رسول الله أعف عنا عفا الله عنك، فإن الله بعثك رحمة فاعف عنا عفا الله عنك! وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا كلم استحيا وعرق وغض طرفه عن الناس حياء حين كلموه فنزل.
فلما كان في السحر هبط عليه جبرئيل عليه السلام بصحفة من الجنة فيها هريسة فقال:يا محمد هذه عملها لك الحور العين فكلها أنت وعلي وذريتكما، فإنه لايصلح أن يأكلها غيركم. فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فأكلوا فأعطي رسول الله في المباضعة من
< صفحة > 109 < / صفحة >
تلك الأكلة قوة أربعين رجلاً، فكان إذا شاء غشي نساءه كلهن في ليلة واحدة ».
5. غضب من حفلة خمر أقامها الصحابة قبيل وفاته!
من عجائب رواة السلطة أنهم رووا أن أبابكر وعمر شربا الخمر وغنيا بشعر ينوح على قتلى المشركين في بدر، فجاء النبي صلى الله عليه وآله غاضباً وبيده سعفة أو مكنسة يريد أن يضربهم بها، والحديث صحيح عندهم!
فقد رواه تمام الرازي، في كتابه الفوائد (2 / 228) وفي طبعة (3/481) بسند صحيح عن أبي القموص قال: شرب أبوبكر الخمر قبل أن تحرم فأخذت فيه، فأنشأ يقول:
تَحَيَّيْ بالسلامة أمَّ بكرٍ * وهل لك بعد رهطك من سلام
ذريني أصطبح يا بكر أني * رأيت الموت نقَّبَ عن هشام
فودَّ بنو المغيرة أن فدوْهُ * بألف من رجال أو سوام
فكائن بالطويِّ طويِّ بدر * من القينات والخيل الكرام
فكائن بالطويِّ طويِّ بدر * من الشيزى تُكلل بالسنام
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فقام معه جريدة يجر إزاره حتى دخل عليه، فلما نظر إليه قال: أعوذ من سخط الله ومن سخط رسوله والله لا يلج لي رأساً أبداً!
فذهب عن رسول الله ما كان فيه وخرج ونزل عليه: فَهَلْ أنتمْ مُنْتَهُون! فقال عمر: انتهينا والله ».ورواها ابن هشام(2/549)، وفيها إنكار الآخرة قال:
يخبرنا الرسول بأن سنحيا * وكيف حياة أصداءٍ وهامِ »!
ورواه ابن حجر في الإصابة(7/39) وفيه: « شرب أبوبكر الخمر فأنشأ يقول: فذكر الأبيات.. فبلغ ذلك رسول الله فقام يجر إزاره حتى دخل فتلقاه عمر وكان مع أبي بكر، فلما نظر إلى وجهه محمراً، قال: نعوذ بالله من غضب رسول الله، والله لا يلج لنا رأساً أبداً، فكان أول من حرمها على نفسه! واعتمد نفطويه على هذه الرواية فقال: شرب أبوبكر الخمر قبل أن تحرم، ورثى قتلى بدر من المشركين »!
< صفحة > 110 < / صفحة >
وذكر ابن حجر في فتح الباري(10/31) أن تلك الجلسة كانت حفلة خمر في بيت أبي طلحة، وكانوا عشرة صحابة أو أكثر، وكان ساقيهم أنس بن مالك!
ثم قال: « عن أنس: كنت أسقي أباعبيدة وأبي بن كعب وسهيل بن بيضاء، ونفراً من الصحابة عند أبي طلحة. ووقع عند عبد الرزاق عن معمر بن ثابت وقتادة وغيرهما عن أنس، أن القوم كانوا أحد عشر رجلاً، وقد حصل من الطرق التي أوردتها تسمية سبعة منهم، وأبهمهم في رواية سليمان التيمي عن أنس… ومن المستغربات ما أورده ابن مردويه في تفسيره من طريق عيسى بن طهمان عن أنس، أن أبابكر وعمر كانا فيهم! وهو منكر، مع نظافة سنده، وما أظنه إلا غلطاً »!
يقصد ابن حجر أن حديث شرب أبي بكر وعمر للخمر صحيح السند، لكن معناه مستنكر! لكن إذا صح سند الحديث فلا قيمة لاستغراب معناه!
وكانت القصة عند نزول سورة المائدة، أي قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله بشهر أو شهرين! لأن آية: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ، من سورة المائدة وهي آخر ما نزل من القرآن!
كما نلاحظ أن القصة اشتهرت فاهتمت عائشة بنفي نظم أبيها للأبيات، وقالت إن أم بكر كانت زوجة سابقة لأبيها! وقد فصلنا الموضوع في السيرة النبوية (1/90).
6. غضب لما جاءه عمر بجزء من التوراة مترجم ليتبناه!
كان عمر معجباً بثقافة اليهود، حتى في حياة النبي صلى الله عليه وآله ! وكان يدرسُ عندهم في المدينة! وقد عرَّبوا له بعض التوراة واتى بها، فغضب رسول الله وزجره! وسماه وجماعته المتهوكين. ثم جاء بها إلى النبي صلى الله عليه وآله مرات، فمرة قال: كتبها لي أخ من بني زريق، وفي بعضها من بني قريظة، وفي بعضها انتسختها، وفي بعضها نسخها لي رجل في خيبر أي يهودي!
قال في مجمع الزوائد(1/173): (انطلقت أنا فانتسخت كتاباً من أهل الكتاب ثم جئت به في أديم فقال لي رسول الله: ما هذا الذي في يدك يا عمر؟ قال قلت:يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علماً إلى علمنا! فغضب رسول الله حتى احمرت وجنتاه، ثم نودي بالصلاة جامعة، فقالت الأنصار أغضب نبيكم السلاح السلاح! فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله فقال: يا أيها الناس: إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتمه واختصر لي اختصاراً، ولقد أتيتكم بها بيضاء
< صفحة > 111 < / صفحة >
نقية فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون! قال عمر فقمت فقلت رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبك رسولاً ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وآله ).
وفي رواية: قال عبد الله يعني ابن ثابت فقلت:ألا ترى ما بوجه رسول الله! قال فقال عمر: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً. قال فسريَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم. أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين).
وفي رواية: (الدر المنثور:5/148): (أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا، وقد هممنا أن نكتبها)!
وقد استوفينا بحث الموضوع في كتاب تدوين القرآن/415.
7. غضب لما تكلم ابن شاس وابن وقاص على علي عليه السلام !
في مجمع الزوائد(9/129): (عن أبي رافع قال بعث رسول الله صلى الله عليه وآله علياً أميراً على اليمن وخرج معه رجل من أسلم يقال له عمرو بن شاس فرجع وهو يذم علياً ويشكوه، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إخسأ يا عمرو! هل رأيت من على جوراً في حكمه، أو أثرة في قسمه؟ قال: اللهم لا! قال: فعلام تقول الذي بلغني قال: بغضه لا أملك. قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى عرف ذلك في وجهه ثم قال: من أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله، ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله تعالى.
وعن سعد بن أبي وقاص قال كنت جالساً في المسجد أنا ورجلين معي فنلنا من علي فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله غضبان يعرف في وجهه الغضب فتعوذت بالله من غضبه فقال: مالكم ومالي! من آذى علياً فقد آذاني).
8. غضب لما جاءه بريدة برسالة من خالد يشكو علياً عليه السلام
من فعاليات قريش بعد فتح مكة، حملتهم في الطعن بعلي عليه السلام والإفتراء عليه، ففي مصادرهم أكثر من عشرين مفردة في ذلك! منها افتراؤهم عليه بأنه خطبَ بنت أبي جهل فغضب النبي صلى الله عليه وآله وهدد بأن يطلق منه ابنته!
< صفحة > 112 < / صفحة >
وقد اتفقت مصادرهم على روايتها! وأخذ فقهاؤهم يفسرون غضب النبي المزعوم وكيف خالف القرآن ومنع صهره أن يتزوج على ابنته! وقد فنَّدَ روايتهم آية الله السيد الميلاني وأثبت كذبها، في رسالته: حديث خطبة علي بنت أبي جهل! وقال عن أصل الكذبة: ( أخرج البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه…أن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام فسمعتُ رسول الله يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم فقال: إن فاطمة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها.والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله أبداً.سمعت رسول الله يقول وهو على المنبر: إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن يُنكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم! فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها.
إن علياً خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك وهذا علي ناكح بنت أبي جهل! فقام رسول الله فسمعته حين تشهد يقول: أما بعد، أنكحت أباالعاص بن الربيع فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها! والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد! فترك علي الخطبة). ( فتح الباري:6 /161، و: 7 / 68، و:9 /268).
ومن مفردات افترائهم: حديث بريدة الأسلمي، وصححوه أيضاً، وبحثناه في العقائد الإسلامية(4/ 93)، والإنتصار (7/97) وهو حجة بالغة على خلافة أمير المؤمنين عليه السلام .
قال بريدة كما في مسند أحمد (5/356): (بعث رسول الله صلى الله عليه وآله بعثين إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد فقال: إذا التقيتم فعليٌّ على الناس، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده، فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى عليٌّ امرأة من السبي لنفسه قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره بذلك فلما أتيت النبي صلى الله عليه وآله دفعت الكتاب فقرئ عليه فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت يا رسول الله هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أرسلت به فقال رسول الله: لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي، وإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي). وفي الطبري(2/389): ( فأقام عليه خالد
< صفحة > 113 < / صفحة >
ستة أشهر لايجيبونه إلى شئ، فبعث النبي علي بن أبي طالب).
وفي مسند أحمد(5/351): (قال فأمسك النبي يدي والكتاب وقال: أتبغض علياً؟ قال: قلت: نعم، قال: فلا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حباً، فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة! قال: فما كان أحد من الناس بعد قول رسول الله صلى الله عليه وآله أحب إلي من علي). وتاريخ دمشق(42/196) وأسد الغابة(1/176) ومجمع الزوائد(9/127) وسنن النسائي(5/136) وخصائصه/102، وفيهما: قال ابن بريدة: فو الذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي في هذا الحديث إلا أبوبريدة).
وفي تاريخ دمشق (42/191): (فانطلقت بكتابه حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذ الكتاب فأمسكه بشماله، وكنت رجلاً إذا تكلمت طأطأت رأسي حتى أفرغ من حاجتي، فطأطأت رأسي وتكلمت فوقعت في علي حتى فرغت، ثم رفعت رأسي فرأيت رسول الله قد غضب غضباً لم أره غضب مثله قط إلا يوم قريظة والنضير! فنظر إليَّ فقال: يا بريدة إن علياً وليكم بعدي! فأحب علياً فإنه لا يفعل إلا ما يؤمر! قال فقمت وما أحد من الناس أحب إلي منه! وقال عبد الله بن عطاء: حدثت بذلك أباحرب بن سويد بن غفلة فقال: كتمك عبد الله بن بريدة بعض الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: أَنافَقْتَ بَعْدي يا بريدة؟!).
وفي مجمع الزوائد(9/128): (ودخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وآله في منزله وناس من أصحابه على بابه فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خيراً، فتح الله على المسلمين. فقالوا: ما أقدمك؟ قلت: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي فقالوا فأخبر النبي فإنه يسقط من عين النبي! ورسول الله يسمع الكلام، فخرج مغضباً فقال:ما بال أقوام ينتقصون علياً! من تنقص علياً فقد تنقصني، ومن فارق علياً فقد فارقني! إن علياً مني وأنا منه، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. يا بريدة أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ وأنه وليكم بعدي! فقلت: يا رسول الله بالصحبة إلا بسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديداً! قال فما فارقته حتى بايعته على الإسلام).
أقول:كذَّبوا أنفسهم في زعمهم أن علياً عليه السلام خطب بنت أبي جهل! فقد رووا هنا أن علياً عليه السلام تزوج بجارية في اليمن ولم يغضب النبي صلى الله عليه وآله ولا فاطمة عليها السلام !
< صفحة > 114 < / صفحة >
وقد فاق عليهم البخاري فترك كل هذه الأحاديث وروى بدلها (5/110): (بعث النبي علياً إلى خالد ليقبض الخمس وكنت أبغض علياً، وقد اغتسل فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلما قدمنا على النبي ذكرت ذلك له فقال: يا بريدة أتبغض علياً؟ قلت: نعم، قال:لاتبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك).
يقول البخاري إن خالداً البطل جاهد وفتح وغنم، فأرسل النبي صلى الله عليه وآله علياً ليقبض منه الخمس وفيه أموال وجوار، فرأينا علياً اغتسل، أي أخذ جارية منها قبل قسمتها! وهذا تحريف مفضوح، وبغض لعلي عليه السلام شديد!
9. غضبَ من تطويل إمام الجماعة لصلاته
في مسند الطيالسي/85: (قال رجل: يا رسول الله إني أصلي خلف فلان وإنه يطيل الصلاة حتى ربما تأخرت. قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله غضباً ما رأيته غضبه في موعظة قط! ثم قال:إن منكم منفِّرين فمن أم الناس فليخفف بهم الصلاة، فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة).
10. غضبَ من زوجته زينب بنت جحش لإهانتها صفية
في مسند أحمد (6/261): (فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لزينب: إن بعير صفية قد اعتل فلو أنك أعطيتيها بعيراً؟ قالت: أنا أعطى تلك اليهودية)!
وفي رواية: قال لزينب بنت جحش: يازينب أفقري(أعيري) أختك صفية جملاً، وكانت من أكثرهن ظهراً (إبلاً) فقالت أنا أفقر يهوديتك! فغضب النبي حين سمع ذلك منها، فهجرها فلم يكلمها حتى قدم مكة وأيام منى في سفره حتى رجع إلى المدينة والمحرم وصفر، فلم يأتها ولم يقسم لها).
11. وغضب لما طالبه سهيل بن عمرو بإرجاع من جاءه مسلماً
اعتبر زعماء قريش أن أباسفيان خانهم في فتح مكة فوافق على استسلام قريش بدون شروط، وقالوا إن أباسفيان من بني عبد مناف، وإنه مال الى محمد المنافي، وها هو محمد ينصب حاكماً أموياً على مكة! لذلك قامت قريش بعزل أبي سفيان ونصبت بدله زعيماً قوياً برأيها هو سهيل
< صفحة > 115 < / صفحة >
بن عمرو، ونشطت في دعمه والإلتفاف حوله!
وقد كتبنا في آيات الغدير/138والسيرة النبوية عند أهل البيت عليه السلام (2/645) أن سهيلاً أخذ يتصرف بعد فتح مكة وكأن معاهدة الحديبية ما زالت، وكأن النبي صلى الله عليه وآله لم يفتح مكة وينصب عليها حاكماً! فقد كتب إلى النبي صلى الله عليه وآله مطالباً بأناس جاؤوا إليه ليتفقهوا في الدين، ثم ذهب إلى المدينة مطالباً بهم، ونزل عند عمر، فذهب وأبوبكر معه إلى النبي صلى الله عليه وآله وأيدا مطلبه! يقول للنبي صلى الله عليه وآله نحن اليوم حلفاؤك، فقد تصالحنا، وهؤلاء أولادنا وعبيدنا هربوا منا وجاؤوك، ولم يأتوك ليتفقهوا في الدين كما زعموا، ثم إن كانت هذه حجتهم فنحن نفقههم في الدين، فأرجعهم إلينا! ومعناه أن قريشاً تتصرف كأنها وجود سياسي مستقل في مقابل النبي صلى الله عليه وآله !
فاعجب لأبي بكر وعمر أنهما أيدا مطلب سهيل! فقال أبوبكر: «صدقوا يا رسول الله! وقال عمر مثل قوله: صدقوا يا رسول الله ردهم إليهم »! (مجمع الزوائد: 9 / 134 و: 5 / 186، وصححه).
وجاء الموقف النبوي غاضباً حاسماً، وأعلن أنهم لايسلمون إلا بقوة السيف! ففي رواية الحاكم (2/125): «فقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا».فسيف علي عليه السلام هو دواؤهم! وقد حكم النبي صلى الله عليه وآله بكفرهم، وإن كان مجرد طلبهم يثبت كفرهم، لأنهم اعتبروا أنفسهم دولة أو جهة مقابل النبي صلى الله عليه وآله !
ولم يرد اليهم أولادهم وعبيدهم المملوكين، ومعناه أنه اعتبرهم من أموال الكفار التي أحلها الله له! ولو كان الطلقاء مسلمين وملكيتهم محترمة لم يعتق عبيدهم، فهو القائل: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه!
فعد أكمل النبي صلى الله عليه وآله تهديده بأن أمر علياً عليه السلام أن يعلن الحرب عليهم إن هم أعلنوا ارتدادهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله ! فقد روى في مجمع الزوائد(9/134): «عن ابن عباس: أن علياً كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله عز وجل يقول: أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم!والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله تعالى. والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت! لا والله، إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه، فمن أحق به مني! ».
< صفحة > 116 < / صفحة >
12. غضبَ من اعتراضهم على تأميره أسامة
قال ابن الجوزي في كشف المشكل(2/560): (فانتدب معه وجوه المهاجرين والأنصار وفيهم أبوبكر وعمر وسعد وسعيد وأبوعبيد ة، فتكلم حينئذ أقوام فقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين. فغضب رسول الله غضباً شديداً، وكان قد ابتدأ به مرضه، فخرج معصوب الرأس فصعد المنبر وقال: إن تطعنوا في إمرته فقد كنتم تطعنوه في إمرة أبيه. وأيم الله، إن كان لخليقاً للإمرة أي ممن يصلح لها، يعني زيداً وإن كان لمن أحب الناس إلي وإن هذا من أحب الناس إلي بعده ».
وقال في عمدة القاري(18/76): (قال ابن هشام: وإنما طعنوا في أسامة لأنه ابن مولى وكان صغير السن، وقيل: إنما قال ذلك المنافقون)!
وقد بحثناه في السيرة وأثبتنا أن النبي صلى الله عليه وآله أمرهم بالحركة، وأنهم تباطؤوا وتخلفوا وأن النبي صلى الله عليه وآله لعن من تخلف عن جيش أسامة!
13. غضبَ من اعتراض حرقوص بن زهير
كان حرقوص يرى أنه أفضل من النبي صلى الله عليه وآله ! فقد جاء حتى وقف على النبي وأصحابه فلم يسلم عليهم! فقال له النبي صلى الله عليه وآله : أنشدتك بالله هل قلت حين وقفت على المجلس: ما في القوم أحد أفضل مني أو أخير مني! قال: اللهم نعم! ثم دخل يصلي)! (مسند أبي يعلى:1/90).
فقد جاء الى مسجد النبي ليصلي لله الصلاة التي نزلت على هذا النبي صلى الله عليه وآله لكنه يرى أنه أفضل منه، ولعله يقول: إعدل يا رب! فلماذا بعثت محمداً نبياً، وأنا أفضل منه! وقد اشتهر بقوله للنبي صلى الله عليه وآله في غزوة حنين وهو يقسم الغنائم: إعدل، أراك ما عدلت!
قال البخاري(4/179): (فقال:ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل! قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل! فقال عمر: يا رسول الله إئذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال: دعه فإن له أصحاباً يحقرأحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية… قال أبوسعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وآله وأشهد أن علي بن أبي طالب قتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأُتيَ
< صفحة > 117 < / صفحة >
به حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وآله الذي نعته)!
وفي رواية: فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله غضباً شديداً ثم قال: والله لا تجدون بعدي أحداً أعدل عليكم مني قالها ثلاثاً! ونقل في شرح النهج (2/267) عن مسند أحمد: (عن مسروق قال قالت لي عائشة: إنك من وُلدي ومن أحبهم إليَّ، فهل عندك علم من المخدج؟ فقلت: نعم قتله علي بن أبي طالب على نهر يقال لأعلاه تامرا ولأسفله النهروان، بين لخافيق (شقوق في الأرض) وطرفاء، قالت:إبغني على ذلك بينة فأقمت رجالاً شهدوا عندها بذلك. قال فقلت لها:سألتك بصاحب القبر ما الذي سمعت من رسول الله فيهم؟فقالت: نعم سمعته يقول:إنهم شرالخلق والخليقة، يقتلهم خيرالخلق والخليقة، وأقربهم عند الله وسيلة).
أقول: لا وجود لهذا الحديث اليوم في مسند أحمد فقد حذفوه!
14. غضبَ من كلام المنافقين لعلي عليه السلام
قال ابن أبي عاصم في السنة/586: (لما سار رسول الله صلى الله عليه وآله من المدينة إلى تبوك خلف علي بن أبي طالب فأتاه بالجرف يحمل سلاحه فقال يا رسول الله أتخلفني بعدك ولم أتخلف عنك قط؟ قال: فولى مدبراً فاغرورقت عيناه وقال يا رسول الله إن المنافقين يزعمون أنك إنما خلفتني استثقالاً لي، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ حتى رؤي في وجهه فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).
15. غضبَ من فرارهم في خيبر
روى النسائي(5/108): « دعا أبابكر فعقد له لواءً ثم بعثه فسار بالناس فانهزم، حتى إذا بلغ رجع! فدعا عمر فعقد له لواءً فسار ثم رجع منهزماً بالناس! فقال رسول الله: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله له ليس بفرار ».
وفي أمالي المفيد/56،عن سعد قال: (فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، كرار غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ».
وفي كتاب سليم/409: (فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: ما بال أقوام يلقون المشركين ثم يفرون! لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بجبان ولا فرار ولا يرجع
< صفحة > 118 < / صفحة >
حتى يفتح الله على يديه خيبراً).
وفي متشابه القرآن لابن شهرا شوب(2/68):(انهزم الأول والثاني بالإتفاق فغضب النبي صلى الله عليه وآله وقال لأعطين الراية غداً رجلا يحب الله ورسوله صلى الله عليه وآله ).
16. غضبَ من كلام عائشة في حق خديجة عليها السلام
في شرح الأخبار(3/21): (عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، أنه ذكر يوماً خديجة، فترحم عليها، وذكر محاسن أفعالها، فغارت عائشة لذلك. قالت: ليت شعري، ما يذكرك من عجوز حمراء الشدقين قد أبدلك الله عزوجل بها من هو خيرمنها! فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله غضباً شديداً وقال: لا والله ما بدلت خيراً منها. لقد آمنت بي قبل أن تؤمنَّ، وصدقتني قبل أن تصدقن، ورزقت مني من الولد وقد حرمتن). في الخصال/405: (عن الإمام الصادق عليه السلام قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله منزله فإذا عائشة مقبلة على فاطمة عليها السلام تصايحهاوهي تقول: والله يا بنت خديجة ما ترين إلا أن لأمك علينا فضلاً، وأي فضل كان لها علينا ما هي إلا كبعضنا! فسمعت مقالتها فاطمة فلما رأت رسول الله صلى الله عليه وآله بكت فقال لها: ما يبكيك يا بنت محمد؟ قالت: ذكرت أمي فتنقصتها فبكيت فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: مه يا حميرا فإن الله تبارك وتعالى بارك في الولود الودود، وإن خديجة رحمها الله ولدت مني.. وأنت ممن أعقم الله رحمه فلم تلدي شيئاً).
في مسند أحمد (6/154): (عن عائشة قالت ذكر رسول الله يوماً خديجة فأطنب في الثناء عليها، فأدركني ما يدرك النساء من الغيرة فقلت: لقد أعقبك الله يا رسول الله من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين. قالت فتغير وجه رسول الله تغيراً لم أره تغير عند شئ قط إلا عند نزول الوحي). ورواه البخاري وحذف منه غضب رسول الله صلى الله عليه وآله !
وفي السيرة الحلبية(3/401): « ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين قد أبدلك الله خيراً منها! فغضب رسول الله وقال: والله ما أبدلني الله خيراً منها »!
وفي سيرة ابن إسحاق (5/228): « قالت: لكأنه ليس في الأرض امرأة إلا خديجة! فقام رسول الله مغضباً فلبث ما شاء الله، ثم رجع فإذا أم رومان فقالت: يا رسول الله ما لك ولعائشة إنها حَدَث، وأنت أحق من تجاوز عنها فأخذ بشدق عائشة وقال:ألست القائلة كأنما ليس
< صفحة > 119 < / صفحة >
على الأرض امرأة إلا خديجة! والله لقد آمنت بي إذ كفر قومك، ورزقت مني الولد وحرمتموه »!
17.غضب من اتهام عائشة لمارية القبطية عليها السلام
روى المفيد في:خبر مارية/16بسند صحيح عن الإمام الباقر عليه السلام : (إن عائشة قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله : إن مارية يأتيها ابن عم لها، فلطختها بالفاحشة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: إن كنت صادقة فأعلميني إذا دخل، فرصدته فلما دخل عليها أعلمت رسول الله صلى الله عليه وآله ، فدعا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقال له: خذ هذا السيف فإن وجدته عندها فاضرب عنقه. فأخذ علي السيف ثم قال: يا رسول الله، إذا بعثتني في الأمر أكون كالسكة المحماة تقع في الوبر أو أتثبت، فقال: تثبت، فانطلق ومعه السيف، فانتهى إلى الباب وهو مغلق، فالصق عينه بباب البيت، فلما رأى القبطي عيناً في الباب فزع وخرج من الباب الآخر فصعد نخلة وتسور علي عليه السلام على الحائط فقال له: إنزل. فقال: يا علي إتق الله ما هاهنا بأس، إني مجبوب وكشف عن عورته فإذا هو مجبوب وأتى به إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال له: ما شأنك يا جريح؟فقال: إن القبط يجبون حشمهم ومن يدخل على أهاليهم، والقبطيون لا يأنسون إلا بالقبطي، فبعثني أبوها لأدخل إليها وأخدمها وأؤنسها. فتهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: الحمد لله الذي لم يزل يعافينا أهل البيت من سوء ما يلطخونا، فأنزل الله عز وجل الآية: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
وعائشة ليست غافلة ولا ساذجة. وهناك موارد أخرى غضب فيها لأجل خديجة.
18. غضبَ من أصحاب مؤامرة عقبة تبوك
اعترفت مصادر الجميع بحصول هذه المؤامرة، وتُعرف بليلة العقبة ويُعرف منفذوها بأصحاب العقبة! لكنهم اتفقوا على إخفاء أسماء (أبطالها)!
روى مسلم في صحيحه(8 /123)عن أبي الطفيل قال: «كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس، فقال: أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة؟ قال فقال له القوم: أخبره إذْ سألك! قال: كنا نُخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر! وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حربٌ لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد!
< صفحة > 120 < / صفحة >
وروى المفسرون مؤامرة العقبة في تفسير قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ.قال البيضاوي (3/158):
« وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا، من الفتك بالرسول وهو أن خمسة عشر منهم توافقوا عند مرجعه من تبوك أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذ تسنم العقبة بالليل! فأخذ عمار بن ياسر بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها، فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وقعقعة السلاح فقال: إليكم إليكم يا أعداء الله، فهربوا ».
وفي الخصال/499، عن حذيفة، أنهم أربعة عشر وعدَّد هم وقال: وهم الذين أنزل الله عز وجل فيهم: وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ».
فقد غضب النبي صلى الله عليه وآله عليهم غضباً شديداً، ولعنهم، وسماهم أعداء الله!
19. وغضبَ من أصحاب مؤامرة عقبة هرشى
قال البكري (4/1350): (على ملتقى طريق الشام والمدينة، في أرض مستوية، هضبة ململمة لا تنبث شيئاً، وهي من الجحفة، يرى منها البحر، سهلة المصعد صعبة المنحدر، والطريق من جنبتيها). وكانت هذه المؤامرة شبيهةً إلى حد كبيرٍ بمؤامرة اغتياله صلى الله عليه وآله في عقبة تبوك.
وتقدم حديثها في فصل الصحيفتين.
قال القمي في تفسيره (1/174): «فقال أصحابه الذين ارتدوا بعده: قد قال محمد في مسجد الخيف ما قال، وقال هاهنا ما قال، وإن رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له! فاجتمعوا أربعة عشرنفراً وتآمروا على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وقعدوا في العقبة وهي عقبة هرشى بين الجحفة والأبواء، فقعدوا سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها، لينفروا ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله فلما جن الليل تقدم رسول الله صلى الله عليه وآله في تلك الليلة العسكر فأقبل ينعس على ناقته فلما دنا من العقبة ناداه جبرئيل عليه السلام : يا محمد إن فلاناً وفلاناً وفلاناً قد قعدوا لك، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: من هذا خلفي؟ ثم دنا رسول الله صلى الله عليه وآله منهم فناداهم بأسمائهم، فلما سمعوا نداء رسول الله صلى الله عليه وآله فروا ودخلوا في غمار الناس… فقال صلى الله عليه وآله : يا حذيفة هؤلاء المنافقون في الدنيا والآخرة، فقلت: ألا
< صفحة > 121 < / صفحة >
تبعث إليهم يا رسول الله رهطاً فيأتوا برؤوسهم؟ فقال: إن الله أمرني أن أعرض عنهم، فأكره أن تقول الناس إنه دعا أناساً من قومه وأصحابه إلى دينه فاستجابوا، فقاتل بهم حتى إذا ظهر على عدوه أقبل عليهم فقتلهم! ولكن دعهم يا حذيفة فإن الله لهم بالمرصاد، وسيمهلهم قليلاً ثم يضطر هم إلى عذاب غليظ)!
20. وغضبَ لسلمان لما أزاحه أعرابي من مكانه
في الإختصاص/221: (سألت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن سلمان الفارسي وقلت: ما تقول فيه؟ فقال: ما أقول في رجل خلق من طينتنا، وروحه مقرونة بروحنا، خصه الله تبارك وتعالى من العلوم بأولها وآخرها، وظاهرها وباطنها وسرها وعلانيتها. ولقد حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمان بين يديه فدخل أعرابي فنحاه عن مكانه وجلس فيه فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى درالعرق بين عينيه واحمرت عيناه، ثم قال: يا أعرابي أتنحى رجلاً يحبه الله تبارك وتعالى في السماء، ويحبه رسوله في الأرض! يا أعرابي أتنحى رجلاً ما حضرني جبرئيل إلا أمرني عن ربي عز وجل أن أقرئه السلام! يا أعرابي إن سلمان مني، من جفاه فقد جفاني ومن آذاه فقد آذاني، ومن باعده فقد باعدني، ومن قربه فقد قربني.
يا أعرابي لا تغلظنَّ في سلمان فإن الله تبارك وتعالى قد أمرني أن أطلعه على علم المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب. قال: فقال الأعرابي: يا رسول الله ما ظننت أن يبلغ من فعل سلمان ما ذكرت أليس كان مجوسياً ثم أسلم؟فقال النبي صلى الله عليه وآله :يا أعرابي أخاطبك عن ربي وتقاولني! إن سلمان ما كان مجوسياً لكنه كان مظهراً للشرك مضمراً للإيمان.
يا أعرابي أما سمعت الله عز وجل يقول: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.
أما سمعت الله عز وجل يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.
يا أعرابي خذ ما آتيتك وكن من الشاكرين، ولا تجحد فتكون من المعذبين وسلم لرسول الله قوله تكن من الآمنين).
< صفحة > 122 < / صفحة >
21. وغضبَ من رجل قاسٍ سلبت منه الرحمة
في المناقب (2/155):(كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل الحسن والحسين عليهما السلام فقال عيينة بن حصن وفي رواية الأقرع بن حابس:إن لي عشرة ماقبلت واحداً منهم قط!
فقال صلى الله عليه وآله : من لا يرحم لا يرحم، وفي رواية: فغضب رسول الله حتى التمع لونه وقال للرجل: إن كان قد نزع الرحمة من قبلك فما أصنع بك، من لم يرحم صغيرنا ولم يعزز كبيرنا فليس منا).
22. وغضب من يماني جادله جدالاً سيئاً
في الكافي (4/39): ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وفد من اليمن وفيهم رجل كان أعظمهم كلاماً وأشدهم استقصاء في محاجة النبي فغضب النبي صلى الله عليه وآله حتى التوى عرق الغضب بين عينيه وتربد وجهه وأطرق إلى الأرض فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال: ربك يقرئك السلام ويقول لك: هذا رجل سخي يطعم الطعام! فسكن عن النبي صلى الله عليه وآله الغضب ورفع رأسه وقال له: لولا أن جبرئيل أخبرني عن الله عز وجل أنك سخي تطعم الطعام لشردت بك، وجعلتك حديثاً لمن خلفك. فقال له الرجل: وإن ربك ليحب السخاء؟ فقال: نعم فقال: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله والذي بعثك بالحق لا رددت من مالي أحداً).
23. وغضبَ على رجل يتكلم بدون علم
(عن علي عليه السلام : أن رسول الله صلى الله عليه وآله عاد رجلاً من الأنصار، فشكا إليه ما يلقى من الحمى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الحمى طهور من رب غفور، قال الرجل: بل الحمى تفور بالشيخ الكبير حتى تحله القبور، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: ليكن ذلك بك! فمات من علته تلك). (دعائم الإسلام:1/217).
24. وغضبَ على رجل سرق طفلاً فباعه
في دعائم الإسلام (2/60): (إن سبياً قدم عليه من البحرين فصفوا بين يديه فنظر إلى امرأة منهم تبكي فقال: ما يبكيك؟ قالت: كان لي ولد بيع في بني عبس، قال رسول الله صلى الله عليه وآله :ومن باعه،
< صفحة > 123 < / صفحة >
قالت: أبوأسيد الأنصاري، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال:لتركبن فلتجيئن به كما بعته فركب أبوأسيد فجاء به).
25. وغضبَ من عيينة بن حصن
في الكافي (8/70): (عن أبي جعفر عليه السلام قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله لعرض الخيل فمر بقبر أبي أحيحة (من زعماء بني أمية) فقال أبوبكر: لعن الله صاحب هذا القبر فوالله إن كان ليصد عن سبيل الله ويكذب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: خالد ابنه: بل لعن الله أباقحافة فوالله ما كان يقري الضيف، ولا يقاتل العدو، فلعن الله أهونهما على العشيرة فقداً.
فألفى رسول الله صلى الله عليه وآله خطام راحلته على غاربها ثم قال: إذا أنتم تناولتم المشركين فعموا ولا تخصوا فيغضب ولده، ثم وقف فعرضت عليه الخيل، فمر به فرس فقال عيينة بن حصن: إن من أمر هذا الفرس كيت وكيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ذرنا فأنا أعلم بالخيل منك، فقال عيينة: وأنا أعلم بالرجال منك، فغضب رسول الله حتى ظهر الدم في وجهه فقال له: فأي الرجال أفضل؟ فقال: عيينة بن حصن: رجال يكونون بنجد يضعون سيوفهم على عواتقهم ورماحهم على كواثب خيلهم، ثم يضربون بها قدماً قدماً! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : كذبت بل رجال أهل اليمن أفضل، الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية، ولولا الهجرة لكنت امرءً من أهل اليمن، الجفا والقسوة في الفدادين، أصحاب الوبر ربيعة ومضر، من حيث يطلع قرن الشيطان. ومذحج أكثر قبيل يدخلون الجنة، وحضرموت خير من عامر بن صعصعة، ثم قال: لعن الله الملوك الأربعة جمداً ومخوساً ومشرحاً وأبضعة وأختهم العمردة..لعن الله رِعلاً وذكوان وعضلاً ولحيان والمجذمين من أسد وغطفان، وأباسفيان بن حرب، وشهبلاً ذا الأسنان).
أقول: عيينة بن حصن رئيس بني فزارة من نجد، عنده نحو ثمان مائة مقاتل، وكان يتاجر بهم مع اليهود في خيبر، ومع طليحة المتنبئ، ومع مسيلمة، ثم يكون هو ومقاتلوه أول الهاربين.
26. وغضب النبي صلى الله عليه وآله على من كذَّب علياً عليه السلام
روى الصدوق في الأمالي/194: ( عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه جاء إليه رجل، فقال له: يا أباالحسن، إنك تُدعى أمير المؤمنين فمن أمرك عليهم؟ قال عليه السلام : الله جل جلاله أمرني عليهم.
< صفحة > 124 < / صفحة >
فجاء الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله، أيصدق علي فيما يقول إن الله أمره على خلقه؟ فغضب النبي صلى الله عليه وآله وقال: إن عليا أمير المؤمنين بولاية من الله عز وجل، عقدها له فوق عرشه، وأشهد على ذلك ملائكته. إن علياً خليفة الله، وحجة الله، وإنه لإمام المسلمين، طاعته مقرونة بطاعة الله، ومعصيته مقرونة بمعصية الله، فمن جهله فقد جهلني، ومن عرفه فقد عرفني، ومن أنكر إمامته فقد أنكر نبوتي، ومن جحد إمرته فقد جحد رسالتي، ومن دفع فضله فقد تنقصني، ومن قاتله فقد قاتلني، ومن سبه فقد سبني، لأنه مني خلق من طينتي، وهو زوج فاطمة ابنتي، وأبوولدي الحسن والحسين. ثم قال صلى الله عليه وآله أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين حجج الله على خلقه، أعداؤنا أعداء الله، وأولياؤنا أولياء الله).
27. وغضب على الذين منعوه أن يكتب وصيته
قال سليم بن قيس الهلالي في كتابه/211:( قال علي عليه السلام : يا طلحة، ألست قد شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال:(إنه يهجر) فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم تركها؟
قال: بلى قد شهدت ذاك. قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله بالذي أراد أن يكتب فيها وأن يشهد عليها العامة. فأخبره جبرائيل عليه السلام أن الله عز وجل قد علم من الأمة الإختلاف والفرقة، ثم دعا بصحيفة فأملى علي ما أراد أن يكتب في الكتف، وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان وأباذر والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة. فسماني أولهم ثم ابني هذا وأدنى بيده إلى الحسن، ثم الحسين، ثم تسعة من ولد ابني هذا يعني الحسين. كذلك كان يا أباذر وأنت يا مقداد؟ فقاموا وقالوا: نشهد بذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله . فقال طلحة: والله لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لأبي ذر: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ولا أبر عند الله، وأنا أشهد أنهما لم يشهدا إلا على حق، ولأنت أصدق وآثر عندي منهما.
ثم أقبل على طلحة فقال: إتق الله يا طلحة وأنت يا زبير وأنت يا سعد وأنت يا بن عوف، اتقوا الله وآثروا رضاه واختاروا ما عنده، ولا تخافوا في الله لومة لائم).
- *
< صفحة > 125 < / صفحة >
غضب مكذوب نسبوه الى رسول الله صلى الله عليه وآله
زعموا أنه غضب لشكاية المددي على خالد بن الوليد
لأنه أخذ منه غنيمته، فقال(مسند احمد:6/2): (هل أنتم تاركي أمرائي! إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل اشترى إبلاً وغنماً فدعاها، ثم تخير سقيها فأوردها حوضاً فشرعت فيه فشربت صفوة الماء وتركت كدره، فصفو أمرهم لكم وكدره عليهم). وقد بينا حقيقة الأمر في السيرة النبوية - غزوة مؤتة.
وزعموا أن رجلاً شكى أبابكر فغضب النبي صلى الله عليه وآله
هل أنتم تاركين لي صاحبي! إني قلت إني رسول الله فقلتم كذبت، وقال أبوبكر صدقت).ومعناه تحريم انتقاد الأمراء وانتقاد أبي بكر، وهذا لم يقله أحد!
وزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله خالف القرآن في تفضيل الرسل عليهم السلام!
قال البخاري (4/133، ومسلم:7/101): (فغضب النبي صلى الله عليه وآله حتى رؤيَ في وجهه ثم قال: لاتفضلوا بين أنبياء الله فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور، أو بعث قبلي. ولا أقول إن أحداً أفضل من يونس بن متي). فقد كذبوا هذه الكذبة ليتقربوا الى اليهود فيقولوا إن نبينا صلى الله عليه وآله ليس أفضل من موسى ولا يونس عليهما السلام .
لكن هذا ينافي إجماع المسلمين بأنه أفضل الأنبياء عليهم السلام ، وينافي قوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ الله وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ).
زعموا أنه صلى الله عليه وآله سئل عن الصوم فغضب!
روى مسلم (3/167): (أنه صلى الله عليه وآله سئل عن صومه، قال: فغضب رسول الله فقال عمر: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً وببيعتنا بيعة).
< صفحة > 126 < / صفحة >
فلا معنى لغضبه من السؤال عن صومه، بل كان ذلك لما طعنوا في أسرته فقالوا إن مثل محمد كنخلة نبتت في كبا، فجمع القرشيين تحت أسلحة الأنصار ومدح أسرته وقال لهم: ليقم الذي طعن في أسرتي وليسألني عن أبيه! وكان جبرئيل معه فقام عمر وسأله عن شيئ آخر وعن الصيام المستحب فاستمر في غضبه! وقد فصلنا ذلك في السيرة النبوية وفي ألف سؤال وإشكال.
- *
< صفحة > 127 < / صفحة >
الفصل السادس عشر : كيف يبلغ النبي صلى الله عليه وآله الى الجن؟
الفصل السادس عشر
كيف يبلغ النبي صلى الله عليه وآله الى الجن؟
نبينا صلى الله عليه وآله مرسل الى الإنس والجن
قال ابن عبد البر في التمهيد(11/117):(ولا يختلفون أن محمداً صلى الله عليه وآله رسول إلى الإنس والجن نذير وبشير. هذا مما فضل به على الأنبياء عليهم السلام أنه بعث إلى الخلق كافة الجن والإنس،وغيره لم يرسل إلا بلسان قومه. ودليل ذلك ما نطق به القرآن من دعائهم إلى الإيمان بقوله: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ).
بلغ النبي صلى الله عليه وآله الجن فكلمهم وهم في مكانهم وكانوا يأتونه
في مسائل علي بن جعفر/331:(عبد الله بن بكير الدجاني قال: قال لي الصادق جعفر بن محمد عليه السلام :أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وآله كان عاماً للناس بشيراً أليس قد قال الله في محكم كتابه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً للَّنَّاسِ،لأهل الشرق والغرب وأهل السماء والأرض من الجن والإنس، هل بلغ رسالته إليهم كلهم؟ قلت: لا أدري. قال: يا ابن بكير إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يخرج من المدينة فكيف بلغ أهل الشرق والغرب! قلت: لا أدري. قال: إن الله تعالى أمر جبرئيل فاقتلع الأرض بريشة من جناحه ونصبها لمحمد صلى الله عليه وآله فكانت بين يديه مثل راحته في كفه، ينظر إلى أهل الشرق والغرب، ويخاطب كل قوم بألسنتهم، ويدعوهم إلى الله وإلى نبوته، فما بقيت قرية ولا مدينة إلا ودعاهم النبي صلى الله عليه وآله بنفسه).
وروى الجميع أن الله تعالى صرف إلى النبي صلى الله عليه وآله جماعة من الجن مرات، وأمره أن يتلو عليهم القرآن فاستوعبوا وآمنوا، وذهبوا الى قومهم أنبياء.
قال ابن هشام (2/287): « ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله انصرف من الطائف راجعاً إلى مكة حين يئس من خير ثقيف، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي، فمر به النفر من الجن الذين
< صفحة > 128 < / صفحة >
ذكرهم الله تبارك وتعالى، وهم فيما ذكر لي سبعة نفر من جن أهل نصيبين فاستمعوا له، فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين، قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا فقص الله خبرهم عليه صلى الله عليه وآله قال الله عز وجل: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ».
ونخلة: موضع بين الطائف ومكة على مسير ليلة من مكة.(معجم البلدان:5/278).
وفي تفسير القمي(2/299): (قوله: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِىَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ. يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِىَ الله وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِىَ الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
فهذا كله حكاية عن الجن. وكان سبب نزول هذه الآيات أن رسول الله خرج من مكة إلى سوق عكاظ ومعه يزيد بن حارثة يدعو الناس إلى الإسلام فلم يجبه أحد ولم يجد من يقبله، ثم رجع إلى مكة فلما بلغ موضعاً يقال له وادي مجنة تهجد بالقرآن في جوف الليل، فمر به نفر من الجن فلما سمعوا قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله استمعوا له، فلما سمعوا قراءته قال بعضهم لبعض أنصتوا يعني اسكتوا، فلما قضي أي فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من القراءة ولوا إلى قومهم منذرين: قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى..الآيات. فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأسلموا وآمنوا وعلمهم رسول الله شرائع الإسلام، فأنزل الله على نبيه: قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا. وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا. وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى الله شَطَطًا. الآيات..فحكى الله قولهم، وولى عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله منهم، وكانوا يعودون إلى رسول الله في كل وقت، فأمر رسول الله أمير المؤمنين عليه السلام أن يعلمهم ويفقههم،فمنهم مؤمنون ومنهم كافرون وناصبون ويهود ونصارى ومجوس وهم ولد الجان).
وروى في المحاسن(2/379)، عن عمر بن يزيد قال:(ضللنا سنة من السنين ونحن في طريق مكة فأقمنا ثلاثة أيام نطلب الطريق فلم نجده، فلما أن كان في اليوم الثالث وقد نفد ما كان معنا من الماء، عمدنا إلى ما كان معنا من ثياب الإحرام ومن الحنوط، فتحنطنا وتكفنا بإزار إحرامنا، فقام رجل من أصحابنا فنادى: يا صالح يا أبا الحسن فأجابه مجيب من بُعد! فقلنا له: من أنت يرحمك الله؟ فقال: أنا من النفر الذي قال الله عز وجل في كتابه: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ
< صفحة > 129 < / صفحة >
يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ. ولم يبق منهم غيري، فأنا مرشد الضال إلى الطريق! قال: فلم نزل نتبع الصوت حتى خرجنا إلى الطريق ».
وفي الإحتجاج (1/330) من حديث اليهودي مع أمير المؤمنين عليه السلام : «ولقد سخرت لنبينا محمد صلى الله عليه وآله الشياطين بالإيمان، فأقبل إليه من الجِنة تسعة من أشرافهم، وهم الذين يقول الله تبارك اسمه فيهم: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ،وهم التسعة، فأقبل إليه الجن والنبي صلى الله عليه وآله ببطن النخل فاعتذروا بأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً. ولقد أقبل إليه أحد وسبعون ألفاً منهم فبايعوه على الصوم والصلاة والزكاة والحج والجهاد ونصح المسلمين، واعتذروا بأنهم قالوا على الله شططاً ». والمناقب:1 /44 و191، والمحاسن:2/380، والحاكم:2/ 456، و 518، والزوائد:7 / 106. والبحار :10/ 44، و: 18/ 76 و 90، و: 60 / 55، وفيه: «ولم يبعث الله نبياً إلى الإنس والجن قبله صلى الله عليه وآله ». وإنما سميا ثقلين لعظم خطرهما وجلالة شأنهما ».
خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ
خَلَقَ الآنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ. وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ.
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الآنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ.
وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ.
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ.
وفي الخصال/153:قال الإمام الصادق عليه السلام :(الجن على ثلاثة أجزاء: فجزء مع الملائكة وجزء يطيرون في الهواء، وجزء كلاب وحيات. والإنس على ثلاثة أجزاء، فجزء تحت ظل العرش يوم لاظل إلا ظله. وجزء عليهم الحساب والعذاب. وجزء وجوهم وجوه الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين)!
وفي علل الشرائع (2/593): (وسأله عن اسم أبي الجن فقال: شومان، وهو الذي خلق من مارج من نار. وسأله: هل بعث الله نبياً إلى الجن؟ فقال: نعم بعث إليهم نبياً يقال له يوسف فدعاهم إلى الله فقتلوه. وسأله عن إسم إبليس ما كان في السماء، فقال: كان إسمه الحارث).
أقول: هذه التفاصيل في قابلة للمناقشة، لكن أصل الموضوع قطعي.
< صفحة > 130 < / صفحة >
لاسلطان للجن على الإنس
في الأصول الستة عشر/9:(سألت أباعبد الله عليه السلام فقلت: الجن يخطفون الإنسان؟ فقال عليه السلام : مالهم إلى ذلك سبيل).
وفي تحف العقول/12: (يا علي إذا رأيت حية في طريق فاقتلها، فإني قد اشترطت على الجن ألا يظهروا في صورة الحيات).
وفي جواهر الكلام (2/48): (وخبر ليث المرادي عن الصادق عليه السلام سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود؟ فقال: أما العظم والروث فطعام الجن، وذلك مما اشترطوا على رسول الله صلى الله عليه وآله لايصلح بشئ من ذلك).
وفي بصائر الدرجات/116: (عن سعد الإسكاف قال: أتيت باب أبي جعفر الباقر عليه السلام مع أصحاب لنا لندخل عليه فإذا ثمانية نفر كأنهم من أب و أم عليهم ثياب زرابي وأقبية طاق طاق وعمائم صفر، دخلوا فما احتبسوا حتى خرجوا، قال لي: يا أباسعد رأيتهم؟ قلت: نعم جعلت فداك. قال: أولئك إخوانكم من الجن أتونا يستفتوننا في حلالهم وحرامهم، كما تأتونا وتستفتوننا في حلالكم وحرامكم).
وفي الكافي (1/395): (عن حكيمة بنت موسى قالت: رأيت الرضا عليه السلام واقفاً على باب بيت الحطب وهو يناجي ولست أرى أحداً فقلت: يا سيدي لمن تناجي؟ فقال: هذا عامر الزهرائي أتاني يسألني ويشكو إلي! فقلت: يا سيدي أحب أن أسمع كلامه فقال لي: إنك إن سمعت به حُمِمْتِ سنة! فقلت: يا سيدي أحب أن أسمعه، فقال لي: إسمعي فاستمعت فسمعت شبه الصفير! وركبتني الحمى، فحممت سنة).
وفي الصحيح في كامل الزيارات/470: ( عن أبي حمزة الثمالي قال:قلت (للصادق عليه السلام ): جعلت فداك إني رأيت أصحابنا يأخذون من طين الحائر ليستشفون به هل في ذلك شئ مما يقولون من الشفاء؟ قال: فخذ منها، فإنها شفاء من كل سقم وجنة مما تخاف، ولايعدلها شئ من الأشياء التي يستشفى بها إلا الدعاء، وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلة اليقين لمن يعالج بها، فأما من أيقن أنها له شفاء إذا يعالج بها كفته بإذن الله من غيرها مما يعالج به، ويفسدها الشياطين والجن
< صفحة > 131 < / صفحة >
من أهل الكفر منهم يتمسحون بها وما تمر بشئ إلا شمها، وأما الشياطين وكفار الجن فإنهم يحسدون بني آدم عليها فيتمسحون بها ليذهب عامة طيبها، ولا يخرج الطين من الحائر إلا وقد استعد له ما لا يحصى منهم، وانه لفي يد صاحبها وهم يتمسحون بها، ولا يقدرون مع الملائكة أن يدخلوا الحائر، ولو كان من التربة شئ يسلم ما عولج به أحد إلا برأ من ساعته. فإذا أخذتها فاكتمها وأكثر عليها من ذكر الله تعالى).
وفي الكافي (6/547): (عن أبي سلمة قال: قال أبوعبد الله عليه السلام : الحمام طير من طيور الأنبياء عليهم السلام التي كانوا يمسكون في بيوتهم وليس من بيت فيه حمام إلا لم تصب أهل ذلك البيت آفة من الجن. إن سفهاء الجن يعبثون في البيت فيعبثون بالحمام ويدعون الناس).
جنة الجن في الآخرة بين الجنة والنار
وفي تفسير القمي (2/299):وسئل العالم عليه السلام عن مؤمني الجن أيدخلون الجنة؟ فقال لا، ولكن لله حظائر بين الجنة والنار، يكون فيها مؤمنو الجن، وفساق الشيعة ».
وقال الشريف المرتضى في رسائله(4/35): (إذا حصل أهل الجنة في الجنة ما حكم الملائكة، هل يكونوا في جنة بني آدم أو غيرها، وهل يراهم البشر، وهم يأكلون ويشربون مثل البشر أو تسبيح وتقديس، وهل يسقط عنهم التكليف. وكذلك الجن.
الجواب وبالله التوفيق: إنه يجوز أن يكونوا في الجنة مع بني آدم، ويجوز أن يكونوا في جنة سواها فإن الجنان كثيرة: جنة الخلد، وجنة عدن، وجنة المأوى، وغير ذلك مما لم يذكره الله تعالى.
وأما رؤية البشر لهم فلا تصلح إلا على أحد الوجهين: إما أن يقوي الله تعالى رؤية البشر، أو يكيف الملائكة. وأما الأكل والشرب فمجوز والله تعالى ينبئهم بما فيه لذتهم، فإن جعل لذتهم في الأكل والشرب جاز، وإن جعلها في غيره جاز. وأما التكليف فإنه يسقط عنهم لأنه لايصح أن يكونوا مكلفين ومثابين في حالة واحدة. والكلام في الجن يجري هذا المجرى).
وفي مختصر بصائر الدرجات/185:(وتظهرالملائكة والجن (مع المهدي عجل الله فرجه الشريف ) وتخالط الناس ويسيرون معه. ولينزلن أرض الهجرة وينزلون ما بين الكوفة والنجف، ويكون حينئذ عدة أصحابه ستة وأربعون ألفاً من الملائكة، ومثلها من الجن، ثم ينصره الله ويفتح على يديه).
- *
< صفحة > 132 < / صفحة >
الفصل السابع عشر : اشترى النبي صلى الله عليه وآله في المدينة مكان مسجده وبيوته
الفصل السابع عشر
اشترى النبي صلى الله عليه وآله في المدينة مكان مسجده وبيوته
اشترى النبي صلى الله عليه وآله مكان مسجده ومنزله!
في إعلام الورى للطبرسي(1/154): « وكان خروج رسول الله صلى الله عليه وآله من قبا يوم الجمعة، فوافى بني سالم عند زوال الشمس، فتعرضت له بنو سالم فقالوا: يا رسول الله هلمَّ إلى الجد والجلد والحلفة والمنعة، فبركت ناقته عند مسجدهم وقد كانوا بنوا مسجداً قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وآله فنزل في مسجدهم وصلى بهم الظهر وخطبهم، وكان أول مسجد صلى فيه بالجمعة، وصلى إلى بيت المقدس وكان الذين صلوا معه في ذلك الوقت مائة رجل.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وآله ناقته وأرخى زمامها فانتهى إلى عبد الله بن أبيّ، فوقف عليه وهو يُقَدَّر أنه يعرض عليه النزول عنده، فقال له عبد الله بن أبي بعد أن ثارت الغبرة وأخذ كمه ووضعه على أنفه: يا هذا إذهب إلى الذين غروك وخدعوك وأتوا بك فانزل عليهم، ولا تَغْشَانَا في ديارنا! فسلط الله على دور بني الحبلى الذر (النمل الصغير) فخرق دورهم، فصاروا نُزَّالاً على غيرهم، وكان جد عبد الله بن أبي يقال له ابن الحبلى، فقام سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله لايعرض في قلبك من قول هذا شئ، فإنا كنا اجتمعنا على أن نملكه علينا وهو يرى الآن أنك قد سلبته أمراً قد كان أشرف عليه، فأنزل عليَّ يا رسول الله فإنه ليس في الخزرج ولا في الأوس أكثر فم بئر مني، ونحن أهل الجلد والعز، فلا تَجُزْنا يا رسول الله.
فأرخى زمام ناقته ومرت تَخِبُّ به، حتى انتهت إلى باب المسجد الذي هو اليوم ولم يكن مسجداً، إنما كان مربداً ليتيمين من الخزرج يقال لهما سهل وسهيل، وكانا في حجر أسعد بن
< صفحة > 133 < / صفحة >
زرارة، فبركت الناقة على باب أبي أيوب خالد بن زيد، فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وآله فلما نزل اجتمع عليه الناس وسألوه أن ينزل عليهم، فوثبت أم أبي أيوب إلى الرحل فحلته وأدخلته منزلها، فلما أكثروا عليه قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أين الرحل؟ فقالوا: أم أبي أيوب قد أدخلته بيتها. فقال صلى الله عليه وآله : المرء مع رحله. وأخذ أسعد بن زرارة بزمام الناقة فحولها إلى منزله).
وفي نور الأبصار للشبلنجي/44: (وبنى صلى الله عليه وآله في ذلك المربد حجرتي زوجتيه سودة وعائشة(؟) وأما بقية حجر زوجاته فبناها بعد عند الحاجة إليها. ومكث صلى الله عليه وآله في بيت أبي أيوب سبعة أشهر إلى أن تم المسجد والحجرتان. وفي شرح المقاصد قال: وفي الصحيح في ذكر بناء المسجد: كنا نحمل لبنة لبنه وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلى الله عليه وآله فجعل ينفض التراب عنه ويقول: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار! ويقول عمار: أعوذ بالله من الفتن. وكان النبي صلى الله عليه وآله ينقل معهم الصخر ويقول:
اللهم لا خير إلا خير الآخرة * فانصر الأنصار والمهاجرة
قال الصادق عليه السلام (الكافي:3/296):(كان المسجد ثلاثة آلاف وستمائة ذراع تكسيراً».
أقول: اشترى النبي صلى الله عليه وآله مكان المسجد وبيوته مما بقي معه من أموال خديجة، وبنى المسجد وبنى منزله شرقي المسجد وله باب مفتوح على المسجد هو باب الحجرة النبوية وهي غرفة كبيرة، وعن يمينها مرافق وغرفة للخادم، وعن يسارها غرفة فاطمة عليها السلام ، وخلف البيت ساحة تفتح على السكة. وبنى جنوبي بيته غرفتين لأزواجه، وكانتا سودة وأم سلمة وليس عائشة، ثم كان إذا تزوج أضاف غرفة بعدها.
صادروا مسجد النبي صلى الله عليه وآله ومنزله بحجج واهية
من أوضح عدوان قريش على النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله أنهم منعوا ابنة النبي فاطمة عليها السلام أن ترث النبي صلى الله عليه وآله ، ثم ادعت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله ملَّكها غرفتها وسيطرت على البيت والقبر وادعت أنها الوارثة له، وصدقها علماء السلطة واستدلوا على ملكيتها بأنك تقول بيت عائشة، فقيل لهم: إذا قلت بيت خالتك فهل هي المالكة للبيت! مع أن إضافة المكان والشيئ الى الإنسان تصح بأدنى سبب، فيصح قولك بيته لأنه يسكنه وليس يملكه.
< صفحة > 134 < / صفحة >
ولذلك نعتقد أن بيوت النبي صلى الله عليه وآله ملك له ترثها ابنته ثم أهل بيته عليهم السلام ، وأن السلطة صادرتها ودفنت فيها رؤساءها بدون إذن الورثة، ومنعت ابنه الحسن عليه السلام أن يدفن فيها ظلماً.
وقد فصلنا ذلك في رسالة: مصادرة قبر النبي صلى الله عليه وآله .
- *
عدد نفوس المدينة وعدد المسلمين عند الهجرة!
ينبغي أن نصحح تصورنا عن أعداد الناس والأقوام في التاريخ، وسبب خطئنا في التقديرأنا نشاهد في عصرنا انفجاراً سكانياً في العالم، فنقيس الماضي على الحاضر، وهذا لا يصح!
وسبب آخر: أنا سمعنا ونحن صغار، والصور في ذهن الصغير مضخمة!
والطريقة الصحيحة لتقديرالعدد: أن ننظر الى أعداد الجيوش، فعندما نرى أن غاية ما استطاعت قريش أن تجند من مكة ألفين أو ثلاثة، فلو فرضنا أنه يخرج من كل عشرة جندي، فسكان مكة يومها عشرون ألفاً. ولو فرضنا من كل خمسة فلا يزيد عدد سكان مكة عن أربعين ألفاً.
ومثال آخر: ذكر ابن حجر أن عدد الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وآله من قريش مع أسامة ليبعدهم عن المدينة سبع مئة مقاتل! قال في فتح الباري ( 8 / 115): (وقال ابن إسحاق : بدأ برسول الله صلى الله عليه وآله وجعه يوم الأربعاء فأصبح يوم الخميس فعقد لأسامة فقال: أغز في سبيل الله، وسر إلى موضع مقتل أبيك، فقد وليتك هذا الجيش، فذكر القصة وفيها: لم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة منهم أبوبكر وعمر، وعند الواقدي أيضاً أن عدة ذلك الجيش كانت ثلاثة آلاف، فيهم سبع مائة من قريش).
فإذا كان المأمورون بالذهاب في جيش أسامة سبع مئة قرشي، فعدد القرشيين في المدينة نحو خمسة آلاف، وكان المهاجرون القرشيون أقل من ثلاثين نفراً، فيكون الباقون من الطلقاء جاؤوا بعد فتح مكة، فشكلوا ثلث أهل المدينة أو نصفهم.
كما أمر النبي صلى الله عليه وآله بعدِّ المسلمين فقال: (أكتبوا إلي من تلفظ بالإسلام من الناس، فكتبنا له ألفاً وخمس مائة رجل فقلنا: نخاف ونحن ألف وخمس مائة). (البخاري 4: 87 ومسند أحمد:5/ 384 ).
ومثال آخر: نشط اليهود وقريش لتحشيد الأحزاب لحرب النبي صلى الله عليه وآله فبلغ جيشهم عشرة
< صفحة > 135 < / صفحة >
آلاف، وقيل ستاً وعشرين ألفاً.
ثم حَشَدَ النبي صلى الله عليه وآله المسلمين وقريشاً والقبائل في غزوة تبوك، فبلغ جيشه ثلاثين ألفاً. وعليه فلا يزيد سكان الجزيرة يومها عن سبع مئة ألف نسمة.
كما أن معاوية استطاع أن يجمع من الشام والأردن وفلسطين سبعين ألف مقاتل، فيكون عدد سكانها كلها نحو مليون ونصف.
ويكون أهل العراق أكثر منهم فقد يزيدون على المليونين. - *
< صفحة > 136 < / صفحة >
الفصل الثامن عشر : شريط من سيرة فاطمة الزهراء
الفصل الثامن عشر
شريط من سيرة فاطمة الزهراء
1. كانت تحدث أمها وهي حمل في بطنها
في مكارم الأخلاق للراوندي/119: (لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله بخديجة هجرتها نسوة مكة فاستوحشت، وكانت تكتم حزنها من رسول الله صلى الله عليه وآله فدخل يوماً وسمع خديجة تحدث فقال: من تحدثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني تحدثني وتؤنسني، قال: هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى وأنها النسلة الطاهرة، وأن الله سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة، ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقطاع وحيه).
وفي علل الشرائع(1/181): « محمد عمارة قال:سألت أباعبد الله عن فاطمة عليهما السلام لمَ سميت الزهراء؟ فقال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء، كما تزهر نور الكواكب لأهل الأرض ».
2. زوجها النبي صلى الله عليه وآله من علي عليه السلام بأمر ربه
وكان عرس فاطمة عليها السلام أعظم عرس في تاريخ الأنبياء عليهم السلام ، وقد وصفت الأحاديث عمل النبي صلى الله عليه وآله في مراسم الخطبة، ثم في عقد الزواج، ثم في تهيئة المنزل وتأثيثه، ثم في وليمة الزفاف ومراسمه، فكان عمله شبيهاً بعمله في تبليغ الرسالة! وقد روت فيه مصادر السنة والشيعة نحو خمسين حديثاً.
فعن ابن مسعود وأنس قال: « كنت قاعداً عند النبي صلى الله عليه وآله فغشيه الوحي فلما سُرِّيَ عنه قال:
< صفحة > 137 < / صفحة >
أتدري يا أنس ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ قلت: بأبي وأمي! وما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ قال: إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي». (كبير الطبراني: 10 / 156).
وفي تاريخ بغداد ( 4/432): « طلع النبي صلى الله عليه وآله ووجهه مشرق كالبدر فسأل ابن عوف عن ذلك فقال: بشارة أتتني من ربى لأخي وابن عمي وابنتي، اللهُ زوج علياً بفاطمة، وأمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبى فحملت رقاعاً بعدد محبي أهل بيتي وأنشأ من تحتها ملائكة من نور، ودفع إلى كل ملك صكاً براءة من النار، فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي.
وفي رواية: وقال: أبشر يا علي فإن الله قد كفاني ما كان هميني من تزويجك، أتاني جبرئيل ومعه من سنبل الجنة وقرنفلها فتناولتهما وأخذتهما فشممتهما، فقلت: ما سبب هذا السنبل والقرنقل؟قال: إن الله أمر سكان الجنة من الملائكة ومن فيها أن يزينوا الجنان كلها بمغارسها وأشجارها وثمارها وقصورها، وأمر ريحها فهبت بأنواع العطر والطيب، وأمر حور عينها بالقراءة فيها طه ويس وطواسين وحم وعسق، ثم نادى مناد من تحت العرش: ألا إن اليوم يوم وليمة علي، ألا إني أشهدكم أني زوجت فاطمة من علي رضاً مني ببعضهما لبعض. ثم بعث الله سبحانه سحابة بيضاء فقطرت من لؤلؤها وزبرجدها ويواقيتها، وقامت الملائكة فنثرن من سنبلها وقرنفلها وهذا مما نثرت الملائكة ».
وفي مناقب ابن مردويه/198: (وكان النبي صلى الله عليه وآله أمر نساءه أن يزينَّها ويصلحن من شأنها في حجرة أم سلمة، فاستدعين من فاطمة عليها السلام طيباً فأتت بقارورة، فسألت عنها فقالت: كان دحية الكلبي يدخل على رسول فيقول لي: يا فاطمة هاتي الوسادة فاطرحيها لعمك، فكان إذا نهض سقط من بين ثيابه شئ فيأمرني بجمعه، فسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك فقال: هو عنبر يسقط من أجنحة جبرئيل! وأتت بماء ورد فسألت أم سلمة عنه فقالت: هذا عرق رسول الله كنت آخذه عند قيلولة النبي عندي ».
وروى ابن ماجة:1/615: «قالت عائشة: ما رأينا عرساً أحسن من عرس فاطمة».
وقسَّمَ علي عليه السلام عمل البيت بين والدته وبين الزهراء عليها السلام : « فقال علي لأمه فاطمة بنت أسد: إكفي بنت رسول الله الخدمة خارجاً، سقاية الماء والحاجة وتكفيك العمل في البيت: العجن والطحن ». (الإمتاع: 5 / 351)
< صفحة > 138 < / صفحة >
3. عاشت مع أمها عليهما السلام معاناة محاصرة قريش في الشعب
فتحملت معها بضع سنوات من المحاصرة، فأرسل الله جبرئيل عليه السلام ليقرئها السلام ويسليها عن فقدان بيتها، ويبشرها بأن الله تعالى بني لها بيتاً في الجنة. وكان النبي صلى الله عليه وآله يذكرها ويمدحها، فكانت عائشة تحسدها وتغار منها: «قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة »! ( صحيح بخاري: 8 / 195).
4. تسأل النبي صلى الله عليه وآله عن أمها عليها السلام لما توفيت
في تاريخ اليعقوبي(2/35)والفقيه(1/139)وأمالي الطوسي/175: « لما توفيت خديجة جعلت فاطمة تتعلق برسول الله عليه السلام وهي تبكي وتقول: أين أمي، أين أمي؟ فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال قل لفاطمة: إن الله تعالى بني لأمك بيتاً في الجنة لا نصب فيه ولا صخب. فقالت فاطمة عليها السلام : إن الله هو السلام، ومنه السلام، وإليه يعود السلام).
5. دعت على فراعنة قريش فاعتبره النبي صلى الله عليه وآله إذناً بالدعاء عليهم!
كانت معه وهو يصلي في مكة، فوجه القرشيون سفهاءهم وألقوا عليه كرش ناقة وهو ساجد، فألقته عنه فاطمة وبكت ودعت عليهم.. وكأن دعاءها كان مؤشراً ربانياً ينتظره النبي ليدعو عليهم، ولعلها أول مرة بدأ الدعاء عليهم!
قال البخاري(4/71): ( بينا رسول الله صلى الله عليه وآله ساجد وحوله ناس من قريش المشركين، إذ جاءه عقبة بن أبي معيط بسلا جزور فقذفه على ظهر النبي صلى الله عليه وآله ، فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة عليها السلام فأخذته من ظهره، ودعت على من صنع ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وآله : اللهم عليك الملأ من قريش، اللهم عليك أباجهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف أو أبي بن خلف، فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا في بئر، غير أمية أو أبي ، فإنه كان رجلاً ضخماً فلما جروه تقطعت أوصاله قبل أن يلقى في البئر).
أقول: كفى بذلك فضيلة فالنبي صلى الله عليه وآله لم يدع على قومه حتى دعت ابنته فاطمة عليها السلام فكان دعاؤها رسالة إليه من ربه، وإجازة له بالدعاء عليهم!
< صفحة > 139 < / صفحة >
وفي مسند فاطمة عليها السلام للسيوطي/118: (قال عبد الله: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله ساجد وحوله ناس من قريش وثَم سلا بعير، فقالوا: من يأخذ سلا هذا الجزور أو البعير فيقذفه على ظهره. فجاء عقبة بن أبي معيط فقذفه على ظهر النبي صلى الله عليه وآله فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة فأخذته من ظهره ودعت على من صنع ذلك. قال عبد الله: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله دعا عليهم إلا يومئذ، فقال: اللهم عليك الملأ من قريش.كما تقدم).
6. أخبرت أباها بمؤامرة قريش ليلة الهجرة!
من عجيب ما ذكروه في سيرة النبي صلى الله عليه وآله أن فاطمة هي التي أخبرته بتآمر زعماء قريش عليه ليقتلوه! ففي مجمع الزوائد (8/228): ( عن ابن عباس قال إن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا باللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى وأساف ونائلة، لو قد رأينا محمداً لقد قمنا إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله، فأقبلت ابنته فاطمة رضي الله عنها تبكي حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت هذا الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك لقد قاموا إليك فيقتلوك، فما منهم رجل إلا وقد عرف نصيبه من دمك! قال يا بنية أدِّ لي وضوءً، فتوضأ ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا هذا هو، وخفضوا أبصارهم وسقطت أذقانهم في صدورهم، وعقروا في مجالسهم فلم يرفعوا إليه بصراً، ولم يقم إليه رجل منهم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قام على رؤسهم فأخذ قبضة من التراب فقال: شاهت الوجوه، ثم حصبهم بها فما أصاب رجلاً من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر كافراً).
فمن أين جاءتها هذه المعلومة السرية الخطيرة؟لابد أنها كانت ملهمة!
7. هاجرت الى أبيها ونزلت معه في بيت أبي أيوب
في أمالي الطوسي/471: « ثم سار عليٌّ ظاهراً قاهراً حتى نزل ضجنان، فتلوَّم بها قدر يومه وليلته، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين، وفيهم أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله فظل ليلته تلك هو والفواطم أمه فاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة بنت الزبير، طوراً يصلون، وطوراً يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، فلم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلى عليه السلام بهم صلاة الفجر، ثم سار لوجهه يجوب منزلاً بعد منزل، لا يفتر عن
< صفحة > 140 < / صفحة >
ذكر الله، والفواطم كذلك وغيرهم ممن صحبه، حتى قدموا المدينة، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم، بقوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوِاتِ وَالأرض وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرض رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ. رَبَّنا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ. رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ. الذَّكَر علي عليه السلام والأنثى الفواطم المتقدم ذكرهن، وهن فاطمة بنت رسول الله وفاطمة بنت أسد وفاطمة بنت الزبير. بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ: يقول علي من فاطمة أو قال: الفواطم، وهن من علي عليه السلام . وتلا صلى الله عليه وآله : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ، وقال: يا علي، أنت أول هذه الأمة إيماناً بالله ورسوله، وأولهم هجرة إلى الله ورسوله، وآخرهم عهداً برسوله، لا يحبك والذي نفسي بيده إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان، ولايبغضك إلا منافق أو كافر ».
8. بنى لها غرفة في بيته وأوكلها الى أم سلمة
قال الإمام الصادق عليه السلام : «تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله سودة أول دخوله المدينة فنقل فاطمة عليها السلام إليها، ثم تزوج أم سلمة بنت أبي أمية، فقالت أم سلمة: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وفوض أمر ابنته إليَّ، فكنت أدلها وأؤدبها وكانت والله آدب مني وأعرف بالأشياء كلها ». ( دلائل الإمامة / 81).
9. خاطت لعلي عليهما السلام قميصاً للحرب
في مناقب آل أبي طالب(2/41): (وكان لعلي قميص من غزل فاطمة عليهما السلام يتقي به نفسه في الحروب).
< صفحة > 141 < / صفحة >
10. لما أصيب النبي صلى الله عليه وآله انقضت الى أُحُد كالصقر!
فعندما هرب المسلمون من المعركة وتركوا نبيهم صلى الله عليه وآله لسيوف قريش وهجماتها المستميتة لقتله، ولم يبق معه إلا علي عليه السلام .انقضَّت فاطمة الزهراء عليها السلام كالصقر المجروح إلى ساحة المعركة في أحد لتكون إلى جنبه تضمد جر احه! فكان الصحابة ممعنين في هروبهم من المعركة وفاطمة وعلي وحدهما إلى جنب النبي صلى الله عليه وآله !
ففي البخاري(3/229) والبيهقي(2/402) عن سهل قال: (هشمت البيضة على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكسرت رباعيته وجرح وجهه قال أبوحازم: وكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله تغسل عنه الدم، وعلي يأتيها بالماء في مجنة، فلما أصاب الجرح الماء كثر دمه فلم يرقأ الدم حتى أخذت قطعة حصير وأحرقته حتى صار رماداً ثم جعلته على الجرح فرقأ الدم).
11. خَيَّرَها الله في أن يعطيها الحسنين عليهم السلام!
قال الصادق عليه السلام (كامل الزيارات/123، والكافي:1/464): (إن جبرئيل عليه السلام نزل على محمد صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد، إن الله يقرأ عليك السلام، ويبشرك بمولود يولد من فاطمة عليها السلام تقتله أمتك من بعدك؟ (أي فما رأيك؟) فقال: يا جبرئيل ربي السلام ومنه السلام، لاحاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي. قال: فعرج جبرئيل عليه السلام إلى السماء ثم هبط فقال له مثل ذلك، فقال: يا جبرئيل وعلى ربي السلام، لا حاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي.
فعرج جبرئيل إلى السماء ثم هبط فقال له: يا محمد، إن ربك يقرؤك السلام ويبشرك أنه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية. فقال: قد رضيت.
ثم أرسل إلى فاطمة عليها السلام إن الله يبشرني بمولود يولد منك تقتله أمتي من بعدي، فأرسلت إليه أن لا حاجة لي في مولود يولد مني تقتله أمتك من بعدك، فأرسل إليها إن الله جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية، فأرسلت إليه: أني قد رضيت).
< صفحة > 142 < / صفحة >
12. نزل عليها اللوح فيها أسماء الأئمة عليهم السلام
وقد رواه الكليني أعلى الله مقامه في الكافي(1/528) والصدوق أعلى الله مقامه في كمال الدين، وكبار المحدثين والفقهاء، وهو أن جبرئيل عليه السلام جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بلوح زبرجد تحفةً لفاطمة عليها السلام تهنئةً لها بولادة الإمام الحسين عليه السلام ، مكتوب فيه أسماء الأئمة من أولادها عليهم السلام .
فروى الصدوق في كمال الدين/311: (عن أبي جعفر الباقر عليه السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت على مولاتي فاطمة عليها السلام وقُدامها لوح يكاد ضوؤه يغشي الأبصار فيه اثنا عشر إسماً ثلاثة في ظاهره وثلاثة في باطنه، وثلاثة أسماء في آخره، وثلاثة أسماء في طرفه، فعددتها فإذا هي اثنا عشر إسماً فقلت: أسماء من هؤلاء؟ قالت: هذه أسماء الأوصياء أولهم ابن عمي وأحد عشر من ولدي، آخرهم القائم. قال جابر، فرأيت فيها محمداً محمداً محمداً في ثلاثة مواضع، وعلياً وعلياً وعلياً وعلياً في أربعة مواضع).
وروى شاذان بن جبرئيل في الروضة/62، والجواهر السنية/205، وغيرها:( قال أبوجعفر الباقر عليه السلام لجابر: لي إليك حاجة متى يخف عليك أن أخلو بك، فأسألك عنها؟ قال جابر: أي الأوقات أحببت يا مولاي، فخلا به أبوجعفر عليه السلام . وقال له: يا جابر، أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة عليها السلام ، وما أخبرتك به في اللوح مكتوباً. فقال جابر: أشهد بالله أني دخلت على أمك فاطمة عليها السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله أهنؤها بولادة الحسين فرأيت في يدها لوحا أخضر، ظننت أنه زمردة مكتوب بالنور الأبيض. فقلت: بأبي أنت وأمي يا بنت رسول الله، ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا أهداه الله إليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله فيه إسم أبي ، واسم بعلي، وأسماء ولدي، وذكر الأوصياء من ولدي، وأعطانيه أبي يبشرني به قال: فقلت لها: أريني يا بنت رسول الله، قال فأعطتنيه، فقرأته ونسخته.
فقال أبوجعفر عليه السلام :يا جابر، هل لك أن تعرضه علي؟ فقال نعم يا بن رسول الله فأنت أولى به مني. قال أبوجعفر: فمشينا إلى منزل جابر فمضى جابر إلى منزله وأتى بصحيفة من كاغذ فقال له: أنظر في صحيفتك حتى أقرأها عليك، فكان في الصحيفة مكتوب:
بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من الله العزيز الحكيم إلى محمد نبيه وسفيره، نزل
< صفحة > 143 < / صفحة >
به الروح الأمين من عند رب العالمين. عَظِّمْ يا محمد أمري واشكر نعمائي، إنني أنا الله لا إله إلا أنا فمن رجا غير فضلي وخاف غير عدلي عذبته عذاباً أليماً، فإياي فاعبد وعليَّ فتوكل، إني لم أبعث نبياً قط فأكملت أيامه إلا جعلت له وصياً، وإني فضلتك على الأنبياء وجعلت لك علياً وصياً، وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين، فجعلت حسناً معدن وحيي بعد أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة وأعطيته مواريث الأنبياء فهو سيد الشهداء، وجعلت كلمتي الباقية في عقبه أُخرج منه تسعة أبرار هداة أطهار، منهم سيد العابدين وزين أوليائي، ثم ابنه محمد شبيه جده المحمود الباقر لعلمي، هلك المرتابون في جعفر الراد عليه كالراد علي، حق القول مني أن أهيج بعده فتنة عمياء، من جحد ولياً من أوليائي فقد جحد نعمتي، ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي، ويل للجاحدين فضل موسى عبدي وحبيبي، وعليٌّ ابنه وليي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوة، يقتله عفريت مريد، حق القول مني لأقرن عينه بمحمد ابنه موضع سري ومعدن علمي، وأختم بالسعادة لابنه علي الشاهد على خلقي، أخرج منه خازن علمي الحسن الداعي إلى سبيلي، وأكمل ذلك بابنه زكي العالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب، يُذَلُّ أوليائي في غيبته، وتتهادى رؤوسهم إلى الترك والديلم، وتصبغ الأرض بدمائهم ويكونون خائفين، أولئك أوليائي حقاً بهم أكشف الزلازل والبلاء. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
13. فاطمة عليها السلام ربَّت المجتمع النسائي المسلم
في تفسير الإمام العسكري عليه السلام /341: (حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام فقالت: إن لي والدة ضعيفة، وقد لُبس عليها في أمر صلاتها شئ وقد بعثتني إليك أسألك. فأجابتها فاطمة عن ذلك، ثم ثنت فأجابت، ثم ثلثت فأجابت إلى أن عشرت فأجابت، ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشق عليك يا بنت رسول الله. قالت فاطمة عليها السلام : هاتي وسلي عما بدا لك، أرأيت من اكتُريَ يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل، وكراؤه مائة ألف دينار أيثقل عليه؟ فقالت: لا. فقالت: اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً فأحرى أن لا يثقل علي. سمعت أبي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن علماء شيعتنا يحشرون، فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم، وجدهم في إرشاد عباد الله..الحديث.
< صفحة > 144 < / صفحة >
وقال عليه السلام :فضل كافل يتيم آل محمد، المنقطع عن مواليه الناشب في تيه الجهل يخرجه من جهله، ويوضح له ما اشتبه عليه على كافل يتيم يطعمه ويسقيه كفضل الشمس على السهى ).
14. كات تخدم أباها صلى الله عليه وآله وترعاه فسماها:أم أبيها
قال في مناقب آل أبي طالب (3/133و357): (وكناها: أم الحسن، وأم الحسين، وأم المحسن، وأم الأئمة، وأم أبيها). ورواه الطبراني في الكبير (22/397) والإستيعاب(4/1899) ومناقب ابن المغازلي/268).
15. بكت الزهراء عند النبي صلى الله عليه وآله في مرضه
بكت لفراقه وقالت له: أخشى على نفسي وولدي الضيعة من بعدك! فهي ترى أن قريشاً ناشطة في عملها ضد عترة النبي وبني هاشم، وأن موجة قرشية قادمة هي أشد وأعتى من موجتهم في حصار الشعب، ولا من والد يرد عنها، ولا بنو هاشم!
قالت قريش لانجمع لبني هاشم بين النبوة والخلافة، وائتمرت لمنعهم من الخلافة! وكأنهم بدل الله عز وجل يعطون النبوة والخلافة!
كانت فاطمة عليها السلام تعد نفسها لاضطهاد قريش، لكنها تبث شجونها وتسكب عبرتها أمام أبيها الحنون، فدخلت عليه وهي تتأجج حزناً وألماً، وشكت له بأن الأفاعي فاغرة أفواهها تنتظر أن يغمض عينيه، فتهاجمها وأسرتها!
روى في كمال الدين/262: ( عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت سلمان الفارسي يقول: كنت جالساً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضته التي قبض فيها فدخلت فاطمة عليها السلام فلما رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتى جرت دموعها على خديها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا رسول الله أخشى على نفسي وولدي الضيعة بعدك، فاغرورقت عينا رسول الله بالبكاء، ثم قال: يا فاطمة أما علمت أنا أهل بيت اختار الله عز وجل لنا الآخرة على الدنيا، وأنه حتم الفناء على جميع خلقه، وأن الله تبارك وتعالى اطَّلع إلى الأرض اطِّلاعةً فاختارني من خلقه فجعلني نبياً، ثم اطَّلع إلى الأرض اطِّلاعة ثانية فاختار منها زوجك وأوحى إلي أن أزوجك إياه وأتخذه ولياً ووزيراً، وأن أجعله خليفتي في أمتي، فأبوك خير أنبياء الله ورسله، وبعلك
< صفحة > 145 < / صفحة >
خير الأوصياء، وأنت أول من يلحق بي من أهلي.
ثم اطَّلع إلى الأرض اطلاعة ثالثةً فاختارك وولديك، فأنت سيدة نساء أهل الجنة، وابناك حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبناء بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة، كلهم هادون مهديون، وأول الأوصياء بعدي أخي علي، ثم حسن، ثم حسين، ثم تسعة من ولد الحسين في درجتي، وليس في الجنة درجة أقرب إلى الله من درجتي ودرجة أبي إبراهيم.أما تعلمين يا بنية أن من كرامة الله إياك أن زوجك خير أمتي، وخير أهل بيتي أقدمهم سلماً، وأعظمهم حلماً، وأكثرهم علماً. فاستبشرت فاطمة عليها السلام وفرحت بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم قال: يا بنية إن لبعلك مناقب: إيمانه بالله ورسوله قبل كل أحد، فلم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي، وعلمه بكتاب الله عز وجل وسنتي، وليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي غير علي، وإن الله عز وجل علمني علماً لا يعلمه غيري وعلم ملائكته ورسله علماً، فكلما علمه ملائكته ورسله فأنا أعلمه، وأمرني الله أن أعلمه إياه ففعلت، فليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي وفهمي وحكمتي غيره. وإنك بابنيه زوجته، وابناه سبطاي حسن وحسين وهما سبطا أمتي، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فإن الله جل وعز آتاه الحكمة وفصل الخطاب وبابه.
إنا أهل بيت أعطانا الله عز وجل ست خصال لم يعطها أحداً من الأولين كان قبلكم، ولم يعطها أحداً من الآخرين غيرنا، نبينا سيد الأنبياء والمرسلين، وهو أبوك، ووصينا سيد الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا سيد الشهداء وهو حمزة بن عبد المطلب عم أبيك.وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيار في الجنة مع الملائكة، وابناك حسن وحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة، ومنا والذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. قالت وأي هؤلاء الذين سميتم أفضل؟ قال: علي بعدي أفضل أمتي، وحمزة وجعفر أفضل أهل بيتي بعد علي، وبعدك وبعد ابنيَّ وسبطي حسن وحسين، وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا وأشار إلى الحسين، منهم المهدي.
ثم نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إليها وإلى بعلها وإلى ابنيها فقال: يا سلمان أشهد الله أني سلم لمن سالمهم، وحرب لمن حاربهم، أما إنهم معي في الجنة.
ثم أقبل على علي عليه السلام فقال:يا أخي أنت ستبقى بعدي وستلقى من قريش شدة من تظاهرهم
< صفحة > 146 < / صفحة >
عليك وظلمهم لك، فإن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك، وإن لم تجد أعواناً فاصبر وكفَّ يدك ولا تلق بها إلى التهلكة، فإنك مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه، فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك، فإنك بمنزلة هارون ومن تبعه، وهم بمنزلة العجل ومن تبعه.
يا علي إن الله تبارك وتعالى قد قضى الفرقة والإختلاف على هذه الأمة، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى حتى لا يختلف اثنان من هذه الأمة ولا ينازع في شئ من أمره، ولا يجحد المفضول لذي الفضل فضله. ولو شاء لعجل النقمة وكان منه التغيير حتى يكذب الظالم ويعلم الحق أين مصيره، ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال، وجعل الآخرة دار القرار لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى. فقال علي: الحمد لله شكراً على نعمائه، وصبراً على بلائه).
في أمالي الطوسي/188: ( عن ابن العباس قال: لما حضرت رسول الله الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته، فقيل له: يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال: أبكي لذريتي وما يصنع بهم شرار أمتي من بعدي، كأني بفاطمة ابنتي وقد ظلمت بعدي وهي تنادي يا أبتاه يا أبتاه، فلايعينها أحد من أمتي).
16. نعي فاطمة لأبيها صلى الله عليه وآله
قال المحقق الحلي في المعتبر(1/344): (يجوز النياحة على الميت بتعداد فضائله من غير تخط إلى كذب ولاتظلم ولاتسخط. وذهب كثير من أصحاب الحديث من الجمهور إلى تحريمه واحتجوا بما روت أم عطية قالت:أخذ علينا النبي عند البيعة ألا ننوح، ولأنه يشبه التظلم والإستعابة والتسخط بقضاء الله. وروي أن فاطمة عليها السلام كانت تنوح على النبي صلى الله عليه وآله وأخذت قبضة من تراب قبر النبي صلى الله عليه وآله وضعتها على عينيها وقالت:
ماذا على من شم تربة أحمد * أن لا يشمَّ مدى الزمان غواليَا
صُبَّتْ علي مصائبٌ لو انها * صُبت على الأيام عُدْنَ لياليَا
( مسند أحمد:2/489).
وروى البخاري(5/144): ( عن أنس قال لما ثقل النبي صلى الله عليه وآله جعل يتغشاه فقالت فاطمة عليها السلام : واكرب أباه! فقال لها: ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم! فلما مات قالت: يا أبتاه.. أجاب رباً
< صفحة > 147 < / صفحة >
دعاه. يا أبتاه.. من جنة الفردوس مأواه.. يا أبتاه.. إلى جبريل ننعاه.. فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام :
يا أنس،أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب!).
وقد روت المصادر هذا الحديث وأحاديث أخرى تهز قلب كل مسلم، عن بكاء الصديقة الزهراء عليها السلام ، ونعيها البليغ الحنون لأبيها صلى الله عليه وآله لكنها لم ترو المصادر السنية إلا قليلاً عن مهاجمة السلطة القرشية لدار فاطمة، وجمعهم الحطب وإضرامهم النار في بابها. ولا عن الأحكام العسكرية التي أعلنتها حكومة بطون قريش ومنعت بموجبها فاطمة عليها السلام أن تقيم مجلس النوح والعزاء عند قبر أبيها صلى الله عليه وآله ، بل منعت أي تجمع عند القبر والإقتراب منه، بحجة تحريم البكاء على الميت! وكذباً على النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى أن يتخذ قبره عيداً، أي مجتمعاً للزائرين! فقد خافوا من تأثير مجالس الزهراء عليها السلام على الرأي العام، وخافوا أن يعلن بنو هاشم استجارتهم بالقبر ويقيموا عنده حتى يلبي طلبهم كما هي عادة العرب في الإستجارة بقبور عظمائهم حتى يلبى طلبهم!
17. جولتها على الأنصار مع علي عليهما السلام
كان إعلان غدير خم عملاً ربانياً، بمنطق التبليغ والأعمال الرسولية، وكانت الأعمال المقابلة له أعمالاً قويةً بمنطق السياسة وفرض الأمر الواقع!
وقد نفذت قريش خطتها يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وصفَقَتْ على يد أبي بكر، وجاؤوا في اليوم التالي إلى أهل البيت عليهم السلام يطلبون منهم البيعة وإلا أحرقوا عليهم دارهم! فرفض علي عليه السلام وأجابهم جواباً شديداً اتهمهم فيه بخيانة الرسول صلى الله عليه وآله ! وفي اليوم التالي هاجموا بيت علي وفاطمة صلى الله عليه وآله وجمعوا الحطب على باب الداروأضرموا فيه النار مهددين بإحراق البيت عليهم إن لم يبايعوا.
في تلك الأيام قرر علي وفاطمة عليهما السلام أن يستنهضا الأنصار ويطالباهم بالوفاء ببيعتهم التي شرط النبي صلى الله عليه وآله عليهم فيها أن يحموه وأهل بيته وذريته مما يحمون منه أنفسهم وذراريهم، فبايعوه على ذلك! وكانت فاطمة عليها السلام مريضة من إسقاط حملها في الهجوم على بيتها فحملها علي عليه السلام على دابة، ومعهما الحسن والحسين، في أعظم جَاهَة عرفها التاريخ، وداروا على بيوت
< صفحة > 148 < / صفحة >
رؤساء الأنصار في ليلتين، وكلماهم فكان قول أكثرهم: يا بنت رسول الله لو سمعنا هذا الكلام منك قبل بيعتنا لأبي بكر ما عدلنا بعلي أحداً! فقالت: وهل ترك أبي يوم غدير خمٍّ لأحد عذراً! ( الخصال:1/173).
فمنطق الزهراء عليها السلام منطق أبيها صلى الله عليه وآله ، وقد أقام أبوها الحجة كاملةً غير منقوصة في جميع الأمور، ومنها حق عترته الطاهرين عليهم السلام .
18. خطبة الزهراء عليها السلام في المسجد النبوي
روى في الكافي (1/543) عن الكاظم عليه السلام قال: « إن الله تبارك وتعالى لما فتح على نبيه صلى الله عليه وآله فدك وما والاها، لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فأنزل الله على نبيه وآت ذا القربى حقه، فراجع في ذلك جبرئيل وراجع جبرئيل ربه فأوحى الله إليه أن ادفع فدك إلى فاطمة، فدعاها رسول الله فقال لها: يا فاطمة إن الله أمرني أن أدفع إليك فدك، فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك. فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله صلى الله عليه وآله فلما ولي أبوبكر أخرج عنها وكلاءها فأتته فسألته أن يردها عليها فقال لها:إئتني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك، فجاءت بأمير المؤمنين وأم أيمن فشهدا لها، فكتب لها بترك التعرض فخرجت والكتاب معها فلقيها عمرفقال:ما هذا معك يا بنت محمد؟قالت كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة، قال: أرينيه فأبت، فانتزعه من يدها ونظر فيه ثم تفل فيه ومحاه وخرقه فقال لها: هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل ولا ركاب؟ فضعي الحبال في رقابنا »!
أقول: من الواضح أن كلامه سخرية بالآية: وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ.
وروى الذهبي في تاريخه (3/24) عن ابن عباس قال: « كان عمر عرض علينا أن يعطينا من الفئ ما يرى أنه لنا من الحق! فرغبنا عن ذلك وقلنا: لنا ما سمى الله من حق ذي القربى وهو خمس الخمس، فقال عمر: ليس لكم ما تدعون أنه لكم حق، إنما جعل الله الخمس لأصناف سماهم، فأسعدهم فيه حظاً أشدهم فاقة وأكثرهم عيالاً، قال: فكان عمر يعطي مَن قبل منا من الخمس والفئ نحو ما يرى أنه لنا، فأخذ ذلك منا ناس وتركه ناس ».
فلما قرر أبوبكر وعمر حرمان أهل البيت من ميراث النبي صلى الله عليه وآله ، وصادر المنح التي منحها لهم حال حياته وحقهم في ممتلكات النبي صلى الله عليه وآله ، وحرمهم الخمس الوارد في آية محكمة:
< صفحة > 149 < / صفحة >
( لاثت الزهراء خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمُة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله ، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار، فنيطت دونها ملاءة فجلست، ثم أنت أنة أجهش القوم لها بالبكاء فارتج المجلس، حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم قالت: وذكر خطبتها في المسجد النبوي! وهي طويلة وقد أجابها أبوبكر وأجابته، وجاء فيها: « يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي! أفعلى عمد تركتم كتاب الله، ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول الله تبارك وتعالى: وورث سليمان داود، وقال الله عز وجل في ما قص من خبر يحيى بن زكريا: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِ وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ. وقال عز وجل: وَأُولُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله، وقال: يُوصِيكُمُ الله فِي أَوْلادِكُمْ للَّذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الآنْثَيَيْنِ.وقال: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ للَّوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ. وزعمتم أن لا حظوة ولا إرث لي من أبي ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج منها نبيه، أم لعلكم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي صلى الله عليه وآله أفحكم الجاهلية تبغون!
ثم قالت لأبي بكر: فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله والزعيم محمد، وعند الساعة يخسر المبطلون ».
قال في شرح النهج(16/252):(فما رأينا يوماً أكثر باكياً أو باكية من ذلك اليوم).
ولهذه الخطبة مصادر عديدة نكتفي بما ذكرنا منها.
قال الجوهري في السقيفة/104: ( فلما سمع أبوبكر خطبتها شق عليه مقالتها فصعد المنبر وقال: أيها الناس ما هذه الرعة إلى كل قالة، أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله، ألا من سمع فليقل ومن شهد فليتكلم، إنما هو ثعالة شهيده ذنبه مُرِبُّ لكل فتنة، هو الذي يقول كرُّوها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفه ويستنصرون بالنساء، كأم طحال أحب أهلها إليها البغي، ألا إني لو أشاء أن أقول لقلتُ، ولو قلتُ لبُحْتُ، إني ساكت ما تُركت. ثم التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم، وأحق من لزم عهد رسول الله أنتم، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم ألا إني لست باسطاً يداً ولا لساناً على من لم يستحق ذلك منا. ثم نزل!).
< صفحة > 150 < / صفحة >
19. زيارة أبي بكر وعمر لفاطمة
كان علي عليه السلام يصلي في المسجد الصلوات الخمس فكلما صلى قال له أبوبكر وعمر: كيف بنت رسول الله؟ إلى أن ثقلت، فسألا عنها وقالا: قد كان بيننا وبينها ما قد علمت، فإن رأيت أن تأذن لنا فنعتذر إليها من ذنبنا؟ قال عليه السلام : ذاك إليكما. فقاما فجلسا بالباب، ودخل علي عليه السلام على فاطمة عليها السلام فقال لها: أيتها الحرة، فلان وفلان بالباب يريدان أن يسلما عليك، فما ترين؟ قالت: البيت بيتك والحرة زوجتك، فافعل ما تشاء. فقال: شدي قناعك، فشدت قناعها وحولت وجهها إلى الحائط.فدخلا وسلما وقالا: ارضي عنا رضي الله عنك. فقالت: ما دعاكما إلى هذا؟ فقالا: اعترفنا بالإساءة ورجونا أن تعفي عنا وتخرجي سخيمتك. فقالت: فإن كنتما صادقين فأخبراني عما أسألكما عنه فإني لا أسألكما عن أمر إلا وأنا عارفة بأنكما تعلمانه، فإن صدقتما علمت أنكما صادقان في مجيئكما. قالا: سلي عما بدا لك. قالت: نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني؟ قالا: نعم. فرفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم إنهما قد آذياني، فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك. لا والله لا أرضى عنكما أبداً حتى ألقى أبي رسول الله وأخبره بما صنعتما، فيكون هو الحاكم فيكما.
قال: فعند ذلك دعا أبوبكر بالويل والثبور وجزع جزعاً شديداً. فقال عمر: تجزع يا خليفة رسول الله من قول امرأة؟!). (كتاب سليم/391، وفي روايةعلل الشرائع(1/187) و قال: ليت أمي لم تلدني ! فقال عمر أنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة)!
20. الهجوم على بيتها وإسقاط جنينها ومرضها
روى المفيد في أماليه/ 49: « عن مروان بن عثمان قال: لما بايع الناس أبابكر دخل علي عليه السلام والمقداد بيت فاطمة عليها السلام وأبوا أن يخرجوا، فقال عمر بن الخطاب: أضرموا عليهم البيت ناراً! فخرج الزبير ومعه سيفه فقال أبوبكر: عليكم بالكلب فقصدوا نحوه، فزلت قدمه وسقط إلى الأرض ووقع السيف من يده، فقال أبوبكر: إضربوا به الحجر فضرب بسيفه الحجر حتى انكسر. وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام نحو العالية فلقيه ثابت بن قيس بن شماس فقال: ما شأنك يا أباالحسن؟ فقال: أرادوا أن يحرقوا عليَّ بيتي، وأبوبكر على المنبر يبايع له ولا يدفع
< صفحة > 151 < / صفحة >
عن ذلك ولا ينكره! فقال له ثابت: ولا تفارق كفي يدك حتى أقتل دونك، فانطلقا جميعاً حتى عادا إلى المدينة، وإذا فاطمة عليها السلام واقفة على بابها وقد خلت دارها من أحد من القوم وهي تقول: لا عهد لي بقوم أسوأ محضراً منكم! تركتم رسول الله جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا! وصنعتم بنا ما صنعتم، ولم تروا لنا حقاً ».
21. أوصت بأن لا يصلوا على جنازتها ولا قبرها!
قال السيد المرتضى(الشافي: 4 / 114): (وردت الروايات المستفيضة الظاهرة: أنها أوصت بأن تدفن ليلاً حتى لا يصلي الرجلان عليها وصرحت بذلك وعهدت فيه عهداً، بعد أن كانا استأذنا عليها في مرضها ليعوداها، فلما خرجا قالت لأميرالمؤمنين عليه السلام : هل صنعتَ ما أردت؟ قال: نعم (تقصد أتيت بهما) قالت: فهل أنت صانع ما آمرك به؟قال: نعم. قالت: فإني أنشدك الله ألا يصليا على جنازتي ولا يقوما على قبري! وروي أنه عليه السلام عمَّى على قبرها ورشَّ أربعين قبراً في البقيع، ولم يرش قبرها حتى لا يهتدى إليه.
قال الواقدي:أوصت علياً أن لايصلي عليها أبوبكروعمر).(المناقب:3 /363).
وفي رواياتنا: أنها استحلفت أمير المؤمنين عليه السلام بحق الله وحرمة رسوله صلى الله عليه وآله وبحقها أن لا يشهدا جنازتها. وعن عائشة وغيرها: فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلاً ولم يؤذن بها أبابكر وصلى عليها علي عليه السلام ).
وفي البحار عن الصادق عليه السلام : أوصت فاطمة أن لايصلي عليها أبوبكر وعمر فلما توفيت أتاه العباس فقال: ما تريد أن تصنع؟ قال: أخرجها ليلاً.
هذه الرواية أو ما بمضمونها وردت في عدة كتب من الفريقين وفي بعضها إيصاؤها أمير المؤمنين عليه السلام بأن لا يؤذن بموتها أبابكر وعمر…إنهما سألا أمير المؤمنين عليه السلام أن يخبرهما حتى يحضرا الصلاة عليها ثم بعد دفنها عاتبا أمير المؤمنين عليه السلام على ذلك حتى أرادوا نبش قبرها! ولكن منعهم أمير المؤمنين عليه السلام منعاً شديداً).(العلل/189، والإختصاص/185 وكتاب سليم: 255).
< صفحة > 152 < / صفحة >
22. الأحكام العرفية في مسجد النبي صلى الله عليه وآله عند قبره!
قال السرخسي في المبسوط (1/206): (رأى عمر رجلاً يصلي بالليل إلى قبر فناداه: القبر القبر، فظن الرجل أنه يقول القمر، فجعل ينظر إلى السماء، فما زال به حتى بينه).
وقد غفل واضعوا حديث لا تتّخذوا قبري أن اليهود لم يتخذوا قبور أنبيائهم مساجد! كما غفلوا عن الآية التي ترد زعمهم! لأن همهم منع مجالس فاطمة عليها السلام ! فالى يومنا هذا لم يستطع أحد منهم أن يثبت أن اليهود والنصارى اتخذوا قبراً لنبي من أنبيائهم مسجداً! ولم يقرؤوا أن الله مدح المؤمنين بأنهم اتخذوا مسجداً على قبور أهل الكهف فقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا).
23. إجراءاتهم لمنع مجلس فاطمة عليها السلام
رغم كل هذه الإجراءات، بقي مجلس فاطمة عليها السلام مصدر قلق للحكومة الجديدة، فأعلنوا حديث النهي عن أصل البكاء على الميت، لأن الله يعذبه ببكاء أهله عليه!
قال البخاري(2/85): (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه. وكان عمر يضرب فيه بالعصا ويرمي بالحجارة ويحثي بالتراب)! لكن فاطمة عليها السلام لم تخضع لحديث عمر وتشدده! فنقلت مجلسها الى البقيع وكان فيه أراكة كبيرة وكان صدر المجلس تحتها، فقطعوها!
- *
< صفحة > 153 < / صفحة >
الفصل التاسع عشر : لماذا أجاز الله للنبي صلى الله عليه وآله أن يتزوج ما شاء؟
الفصل التاسع عشر
لماذا أجاز الله للنبي صلى الله عليه وآله أن يتزوج ما شاء؟
أحل الله للنبي صلى الله عليه وآله أن يتزوج ماشاء
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ الله عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ الله غَفُورًا رَحِيمًا.
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَالله يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ الله عَلِيمًا حَلِيمًا.
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا.
في هداية الأمة للحر العاملي(7/136):(سئل الصادق عليه السلام عن المرأة تهب نفسها للرجل ينكحها بغير مهرفقال: إنما كان هذا للنبي صلى الله عليه وآله فأما لغيره فلايصلح هذا حتى يعوضها شيئاً يُقدم إليها قبل أن يدخل بها قلَّ أو أكثر، ولو ثوب أو درهم).
وفي جواهر الكلام (29/ 119): (في الكافي مسنداً عن أبي بصير وغيره في تسمية نساء النبي صلى الله عليه وآله ونسبهن وصفتهن: عائشة، وحفصة، وأم حبيب بنت أبي سفيان بن حرب، وزينب بنت جحش، وسودة بنت زمعة، وميمونة بنت الحارث، وصفية بنت حي بن أخطب، وأم سلمة بنت أبي أمية، وجويرية بنت الحارث. وكانت عائشة من تيم، وحفصة من عدي،
< صفحة > 154 < / صفحة >
وأم سلمة من بني مخزوم، وسودة من بني أسد بن عبد العزى، وزينب بنت جحش من بني أسد، وعدادها في بني أمية، وأم حبيب بنت أبي سفيان من بني أمية، وميمونة بنت الحارث من بني هلال، وصفية بنت حي بن أخطب من بني إسرائيل. ومات صلى الله عليه وآله عن تسع نسوة، وكان له سواهن التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وخديجة بنت خويلد أم ولده، وزينب بنت أبي الجون التي خُدعت، والكندية. وفي المسالك: جميع من تزوج صلى الله عليه وآله بهن خمس عشرة: وجمع بين إحدى عشرة، ودخل بثلاث عشرة، وفارق امرأتين في حياته إحداهما الكلبية التي رأى بكشحها بياضاً فقال: إلحقي بأهلك، والأخرى التي تعوذت منه بخديعة عائشة وحفصة، حسداً لها.
وفي الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام :سألته عن قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ،قلت:كم أحل له من النساء؟قال:ما شاء من شئ. قلت: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ؟ فقال: لرسول الله صلى الله عليه وآله أن ينكح ما شاء من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته وأزواجه التي هاجرن معه، وأحل له أن ينكح من غيرهن المؤمنة بغير مهر وهي الهبة ولا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله ، فأما لغير رسول الله فلا يصلح نكاح إلا بمهر، وذلك معنى قوله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ. قلت: أرأيت قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ؟ فقال: من آوى فقد نكح، ومن أرجى فلم ينكح.
قلت: قوله تعالى: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ؟قال:إنما عنى به النساء اللاتي حرم عليه في هذه الآية حرمت عليكم أمهاتكم إلى آخرها، ولو كان الأمر كما يقولون كان قد أحل لكم ما لم يحل له، إن أحدكم يستبدل كلما أراده، ولكن ليس الأمركما يقولون: إن الله عز وجل أحل لنبيه ما أراد من النساء، إلا ما حرم عليه في هذه الآية التي في سورة النساء).
لم يتزوج على خديجة عليها السلام وزواجاته بعدها
وهذا يدلنا على أنه صلى الله عليه وآله لم يعدد زوجاته إلا بعد أن أسس دولة وأقام تحالفات وخاض حروباً. فكان يحتاج الى علاقات متنوعة ومصاهرة القبائل والأشخاص.
وعقيدتنا في النبي صلى الله عليه وآله أنه لايعمل إلا أن يؤمر، فكل عمله و زواجه بأمر ربه لخدمة رسالته، وليس لنفسه وهواه كما يتصور البعض.
< صفحة > 155 < / صفحة >
قد يأمر الله نبيه أن يتزوج بامرأة كافرة !
فهو العليم بالأسرار، والحكيم في الأفعال، فقد أمر نوحاً عليه السلام فتزوج بكافرة وولدت ابنا كافراً مثلها. وأمر لوطاً عليه السلام فتزوج بكافرة، أما بنات لوط المؤمنات فيظهر أنهن من أم ثانية.
قال الله تعالى: ضَرَبَ الله مَثَلاً للَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحِينِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ الله شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ.
لذلك لايمكن أن نستدل على إيمان زوجة النبي صلى الله عليه وآله بأنها زوجته، بل لا بد من نص نبوي يدل على أنها مؤمنة أو منافقة.
تحريم الزواج بأزواج النبي صلى الله عليه وآله بعده
قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ الله وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ الله عَظِيمًا. ومعنى الحصانة الشرعية لهن أنه على الأمة احترامهن إلا أن يخرجن عن خط الإسلام، كما فعلت عائشة.
روى في إرشاد القلوب/ 337، عن حذيفة بن اليمان قال: « أمر النبي صلى الله عليه وآله خادمةً لأم سلمة فقال: إجمعي لي هؤلاء يعني نساءه، فجمعتهن له في منزل أم سلمة، فقال لهن: إسمعن ما أقول لكنَّ وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب فقال لهن: هذا أخي ووصيي ووارثي والقائم فيكن وفي الأمة من بعدي، فأطعنه فيما يأمركن به ولا تعصينه فتهلكن لمعصيته.
ثم قال: يا علي أوصيك بهن فأمسكهن ما أطعن الله وأطعنك، وأنفق عليهن من مالك وأمرهن بأمرك وانههن عما يريبك، وخل سبيلهن إن عصينك.
فقال علي:يا رسول الله إنهن نساء وفيهن الوهن وضعف الرأي. فقال صلى الله عليه وآله : إرفق بهن ما كان الرفق أمثل، فمن عصاك منهن فطلقها طلاقاً يبرأ الله ورسوله منها. قال: كل نساء النبي صلى الله عليه وآله قد صمتن فما يقلن شيئاً، فتكلمت عائشة فقالت: يا رسول الله ما كنا لتأمرنا بشئ فنخالفه إلى ما سواه! فقال لها: بلى قد خالفت أمري أشد خلاف! وأيم الله لتخالفين قولي هذا ولتعصينه بعدي، ولتخرجين من البيت الذي خلفتك فيه، متبرجةً قد حفَّ بك فئات من الناس فتخالفينه ظالمة له عاصية لربك، ولتنبحنك في طريقك كلاب الحوأب، ألا أن ذلك
< صفحة > 156 < / صفحة >
كائن! ثم قال: قمن فانصرفن إلى منازلكن).
ومعنى فطلقها: أي فارفع عنها الحصانة، وانزع عنها صفة أم المؤمنين. ولم يطلق علي عليه السلام عائشة رغم أنها خرجت عليه وحاربته، نعم هددها بطلاقها من رسول الله صلى الله عليه وآله لما أرادت أن تبقى في البصرة، وتجمع لحربه مرة ثانية فقبلت السفر!
وقد ورد عندنا أن الحسين عليه السلام طلقها لما فعلت بجنازة الإمام الحسن عليه السلام ما فعلت.
المكائد والعراك بين أزواج النبي صلى الله عليه وآله !
تقول عائشة كنا حزبين!
عن عائشة (البخاري:3/132):إن نساء رسول الله كن حزبين، فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخرأم سلمة وسائر نساء النبي صلى الله عليه وآله .
يارسول الله أدرك نساءك يقتتلن!
في دلائل الإعجاز للجرجاني وأحاديث عائشة للعسكري (1/63): «سمعت أم المؤمنين عائشة سودة تنشد: عديٌّ وتيمٌ تبتغي من تحالفُ! فقالت عائشة لحفصة: ما تعرض إلا بي وبك!يا حفصة فإذا رأيتني أخذت برأسها فأعينيني فقامت فأخذت برأسها، وجاءت حفصة فأعانتها، وجاءت أم سلمة فأعانت سودة، فأتيَ النبي صلى الله عليه وآله فأخبر وقيل له: أدرك نساءك يقتتلن. فقال: ويحكن مالكن؟ فقالت عائشة: يا رسول الله ألا تسمعها تقول: عدي وتيم تبتغي من تحالف. فقال: ويحكن ليس عديكن ولا تيمكن، إنما هو عدي تميم وتيم تميم)!
يعني أن الشاعر يقصد فرعين من بني تميم، لتسكيتهن.
تكسيرهن الأواني أمام النبي صلى الله عليه وآله !
روى النسائي في المجتبى (1/417) أن أم سلمة أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله، فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فِهْر (حجر) ففلقت به الصحفة، فأرسل النبي صفحة عائشة إلى أم سلمة)!
في مسند أحمد (6:111):(قالت عائشة:صنعت له طعاماً وصنعت له حفصة طعاماً فقلت
< صفحة > 157 < / صفحة >
لجاريتي إذهبي فإن جاءت هي بالطعام فوضعته قبل فاطرحي الطعام. قالت فجاءت بالطعام فألقته الجارية فوقعت القصعة فانكسرت وانتثرالطعام. قالت فجمعه رسول الله وقال اقتصي ظرفاً مكان ظرفك).
وفي مسند أحمد (6/277) عن عائشة قالت:( بعثت صفية إلى رسول الله بطعام قد صنعته له وهو عندي، فلما رأيت الجارية أخذتني رعدة حتى استقلني إفكل (رِعْدة) فضربت القصعة فرميت بها! قالت فنظر إلى رسول الله فعرفت الغضب في وجهه فقلت أعوذ برسول الله أن يلعنني اليوم! قالت قال: أولى. قلت: وما كفارته يا رسول الله قال طعام كطعامها وإناء كإنائها).
في فتح الباري (5/90): (عن عائشة قالت كان رسول الله مع أصحابه فصنعت له طعاماً، وصنعت له حفصة طعاماً فسبقتني، فقلت للجارية إنطلقي فأكفئي قصعتها فأكفأتها فانكسرت وانتشر الطعام فجمعه على النطع، فأكلوا، ثم بعث بقصعتي إلى حفصة فقال خذوا ظرفاً مكان ظرفكم).
تعالي ياحفصة نفسد لها زينتها!
(عن رزينة قالت: رأت سودة عائشة وعندها حفصة فجاءت وعليها درع وخمار صُبرة، وقد نقطت نقطتين من زعفران واحداً من ذا الجانب والآخر من ذا الجانب، فقالت حفصة لعائشة: يا أم المؤمنين يدخل عليك رسول الله الآن وهذه متزينة ونحن قشفتان فأدركتهم الغيرة فقالت حفصة لعائشة: خرج الدجال وكانت امرأة طويلة فدخلت خباء كان لوقودهم قالت واستضحكنا فدخل رسول الله فإذا سودة تنتفض فقال: مالك؟ فقالت: يا رسول الله خرج الدجال؟ فقال:لا، وهو خارج؟ فأخذ بيدها وأخرجها وجعل ينفض بكم قميصه عن وجهها وعن خمارها أثر الدخان ونسج العنكبوت ». ( الآحاد والمثاني للضحاك: 6/208).
كان عائشة وحفصة تؤذيان صفية بنت حي
في الترمذي(3/385): (أخرج الترمذي عن أنس وعن صفية قالت:بلغني عن حفصة وعائشة أنهم قالوا:نحن أكرم على رسول الله من صفية. نحن أزواجه وبنات عمه. فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله فذكرت ذلك له فقال: ألا قلت: فكيف تكونان خيراً مني وزوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى).
< صفحة > 158 < / صفحة >
وفي الطبقات (7/127): (استبت عائشة وصفية، فقال رسول الله لصفية: ألا قلت: أبي هارون وعمي موسى. وذلك أن عائشة فخرت عليها).
وفي فيض القدير(5/525): (أن عائشة قالت حسبك من صفية إنها كذا وكذا تعني قصيرة فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته أي خالطته مخالطة يتغير بها طعمه وريحه لشدة نتنها وقبحها، كذا قرره النووي وقال: هذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمها، وما أعلم شيئاً من الأحاديث بلغ في ذمها هذا المبلغ: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهوَى).
عائشة وحفصة تخدعان عروس النبي صلى الله عليه وآله
وكذبتا على أسماء بنت النعمان وخدعتاها لما زُفت عروساً للنبي صلى الله عليه وآله : فقالت لها: إن النبي صلى الله عليه وآله ليعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول له أعوذ بالله منك وغرضها أن يطلقها النبي صلى الله عليه وآله وكانت أجمل أهل زمانها.
(قالت عائشة: فلما جعل رسول الله صلى الله عليه وآله يتزوج العزائب قلت: قد وضع يده في العزائب، وهن يوشكن أن يصرفن وجهه عنا، وكان قد خطبها حين وفدت كندة عليه إلى أبيها، فلما رآها نساء النبي صلى الله عليه وآله حسدنها، فقالت لها عائشة: إن أردت أن تحظي عنده فتعوذي بالله منه إذا دخل عليك، فلما دخل وألقى الستر مد يده إليها فقالت: أعوذ بالله منك فقال: أمن عائذ الله، إلحقي بأهلك.فطلقها الرسول بسبب هذه المقالة).(الطبقات: 8 /145. والإصابة:4/233).
وفي الكافي(5/421): (عن الحسن البصري أن رسول الله صلى الله عليه وآله تزوج امرأة من بني عامر بن صعصعة يقال لها سنى، وكانت من أجمل أهل زمانها، فلما نظرت إليها عائشة وحفصة قالتا: لتغلبنا هذه على رسول الله صلى الله عليه وآله بجمالها فقالتا لها: لايرى منك رسول الله حرصاً فلما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله تناولها بيده فقالت: أعوذ بالله فانقبضت يد رسول الله عنها فطلقها وألحقها بأهلها).
وروى في الطبقات(4/37) عن أبي أسيد الساعدي، وكان بدرياً قال: (تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله أسماء بنت النعمان الجونية فأرسلني فجئت بها، فقالت حفصة لعائشة أو عائشة لحفصة: إخضبيها أنت، وأنا أمشطها ففعلن، ثم قالت إحداهما: إن النبي يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول أعوذ بالله منك! فلما دخلت وأرخى الستر مد يده إليها، فقالت: أعوذ بالله منك! فتلَّ بكمه على وجهه واستتر به وقال: عذت معاذاً ثلاث مرات!
< صفحة > 159 < / صفحة >
قال أبوأسيد: ثم خرج علي فقال:يا أباأسيد! ألحقها بأهلها ومتعها برازقيتين يعني كرباستين فكانت تقول: أدعوني الشقية).
آذينَ مارية وتفرغن لها واتهمنها!
في الإصابة (8/311): (من طريق عمرة عن عائشة قالت: ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت علي مارية،وذلك أنها كانت جميلة جعدة فأعجب بها رسول الله وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان فكانت جارتنا فكان عامة الليل والنهار عندها حتى فزعنا لها فجزعت فحولها إلى العالية، وكان يختلف إليها هناك فكان ذلك أشد علينا. وقال البلاذري كانت أم مارية رومية، وكانت مارية بيضاء جعدة جميلة).
وفي البلاذري(1/450): (قالوا: وأتيَ رسول الله يوماً بإبراهيم وهو عند عائشة فقال: أنظري إلى شبهه فقالت: ما أرى شبهاً! فقال: ألا ترين إلى بياضه ولحمه؟ فقالت:من قصرت عليه اللقاح وسقي ألبان الضأن سمن وابيضَّ، وكانت عائشة تقول: ما غرت على امرأة غيرتي على مارية وذلك لأنها كانت جميلة جعدة الشعر، وكان رسول الله معجباً بها ورزق منها الولد وحرمناه).
وفي حلية الأولياء (3/177): (عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: كثر القول على مارية أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله في قبطي ابن عم لها كان يزورها ويختلف إليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لي: خذ هذا السيف فانطلق اليه فإن وجدته عندها فاقتله. فقلت:يا رسول الله أكون في أمرك إذ أرسلتني كالسكة المحماة لا يثنينى شيئ حتى أمضى لما أرسلتني به، أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. فأقبلت متوشحاً السيف فوجدته عندها، فاخترطت السيف فلما أقبلتُ نحوه عرف أني أريده فأتى نخلة فرقى فيها ثم رمى بنفسه على قفاه وشغر برجليه، فإذا هو أجب أمسح ما له ما للرجال قليل ولا كثير! فأغمدت سيفي ثم أتيت النبي صلى الله عليه وآله فأخبرته فقال: الحمد لله الذي صرف عنا أهل البيت ».
أقول: في مارية نزلت آية البراءة، فجعلتها عائشة فيها لأنهم اتهموها في غزوة المريسيع قبل ثلاث سنوات! قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. وعائشة ليست غافلة ولا ساذجة.
< صفحة > 160 < / صفحة >
وكان عندهن تفنن في الخباثة والشماتة ببعضهن!
وكان عندهن تفنن في الخباثة والشماتة ببعضهن!
قتل معاوية أخاها محمد بن أبي بكر في مصر وأحرق جثته، فكانت عائشة تلعن معاوية وعمرو العاص كلما عثرت!وزاد من غيظها أن ضرتها أم حبيبة أخت معاوية أرسلت إليها كبشاً شوته حتى تفحَّم وقالت: (هكذا قد شوينا أخاك! فلم تأكل عائشة بعد ذلك شواء حتى ماتت»!(الغارات:2 /757، وحياة الحيوان:1/404) ثم استرضى معاوية عائشة بالمال، فسكتت!
وكن يقتلن جواريهن باسم الحد الشرعي!
قال النووي في المجموع ( 20 / 39): « وأخرج مالك عن عائشة أنها قطعت يد عبد لها. وأخرج أيضاً أن حفصة قتلت جارية لها سحرتها ».
وفي تذكرة الحفاظ(1/29): (أن عائشة قتلت جاناً فأريت في النوم: والله لقد قتلته مسلماً فقالت: لو كان مسلماً ما دخل على أزواج النبي؟ فقيل: وهل دخل إلا وعليك ثيابك؟ فأصبحت فزعة فأمرت باثني عشرألفاً فجعلتها في سبيل الله عز وجل).
فقد قتلت عائشة هذا الرجل، وقتلت امرأة زعمت أنها كتبت لها سحراً، أما حفصة فقتلت امرأتين زعمت أنهما كتبتا لها سحراً! ( المحلى:11/395).
أقول:من تأمل شخصيات نساء النبي صلى الله عليه وآله والجو الزوجي المزعج الذي كان يعيشه في المدينة، يعرف أن زواجاته لم تكن لأجل نفسه، بل طاعة لربه لأجل رسالته.
- *
< صفحة > 161 < / صفحة >
الفصل العشرون : علاقة النبي صلى الله عليه وآله باليهود
الفصل العشرون
علاقة النبي صلى الله عليه وآله باليهود
سكن اليهود الحجاز بعد المسيح ينتظرون النبي الموعود
شاء الله عز وجل أن يكون اليهود قرب النبي صلى الله عليه وآله وأن يقيم الحجة عليهم.
ففي الكافي (8/310) عن إسحاق بن عمار قال:(سألت أباعبد الله الصادق عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى: وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ؟ قال: كانوا قوماً فيما بين محمد وعيسى صلى الله عليهما، وكانوا يتوعدون أهل الأصنام بالنبي صلى الله عليه وآله ويقولون: ليخرجن نبي فليكسرن أصنامكم وليفعلن بكم وليفعلن، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله كفروا به ».
وقد سكن اليهود في وادي القرى قرب تيماء، وفي خيبر، وحول المدينة.
وأهمهم عشيرتان من أبناء هارون: بنو النضير، وبنو قريظة.
وقال علي بن إبراهيم القمي في تفسيره (1/168): (وأما قوله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ للَّكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَاتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ الله أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ. سَمَّاعُونَ للَّكَذِبِ أَكَّالُونَ للَّسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ الله ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ. فإنه كان سبب نزولها أنه كان في المدينة بطنان من اليهود من بني هارون، وهم النضير وقريظة، وكانت قريظة سبع مائة
< صفحة > 162 < / صفحة >
والنضير ألفاً، وكانت النضير أكثر مالاً وأحسن حالاً من قريظة، وكانوا حلفاء لعبد الله بن أبي ، فكان إذا وقع بين قريظة والنضير قتل وكان القاتل من بني النضير قالوا لبني قريظة لا نرضى أن يكون قتيل منا بقتيل منكم، فجرى بينهم في ذلك مخاطبات كثيرة حتى كادوا أن يقتتلوا حتى رضيت قريظة وكتبوا بينهم كتاباً على أنه أي رجل من اليهود من النضير قتل رجلاً من بني قريظة أن يجنيه ويحمم، والتجنية أن يقعد على جمل ويولى وجهه إلى ذنب الجمل ويلطخ بالحمأة ويدفع نصف الدية، وأيما رجل من بني قريظة قتل رجلاً من بني النضير أن يدفع إليه دية كاملة ويقتل به.
فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة ودخلت الأوس والخزرج في الإسلام ضعف أمر اليهود فقتل رجل من بني قريظة رجلاً من بني النضير فبعثوا إليهم بنو النضير إبعثوا الينا فدية المقتول وبالقاتل حتى نقتله، فقالت قريظة ليس هذا حكم التوراة وإنما هو شئ غلبتمونا عليه، فإما الدية وإما القتل وإلا فهذا محمد بيننا وبينكم فهلموا لنتحاكم إليه، فمشت بنو النضير إلى عبد الله بن أبي وقالوا سل محمداً أن لاينقض شرطنا في هذا الحكم الذي بيننا وبين بني قريظة في القتل، فقال عبد الله بن أبي إبعثوا معي رجلاً يسمع كلامي وكلامه، فإن حكم لكم بما تريدون وإلا فلا ترضوا به، فبعثوا معه رجلاً فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: يا رسول الله إن هؤلاء القوم قريظة والنضير قد كتبوا بينهم كتاباً وعهداً وثيقاً تراضوا به، والآن في قدومك يريدون نقضه، وقد رضوا بحكمك فيهم فلاتنقض عليهم كتابهم وشرطهم فإن بني النضير لهم القوة والسلاح والكراع، ونحن نخاف الغوائل والدوائر، فاغتم لذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يجبه بشئ، فنزل عليه جبرئيل بهذه الآيات: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا، يعني اليهود. سَمَّاعُونَ للَّكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَاتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ. يعني عبد الله بن أبي وبني النضير: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا. يعني عبد الله بن أبي حيث قال لبني النضير: إن لم يحكم لكم بما تريدون فلا تقبلوا. وَمَنْ يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ.. الآية).
أما بنو قينقاع فكانوا صاغة ولهم سوق على بعد نحو عشرين كيلو متراً عن المدينة.
وقد كتب النبي صلى الله عليه وآله عهداً مع اليهود للتعايش كل بطن على حدة، وأول من نقض العهد بنو
< صفحة > 163 < / صفحة >
قينقاع فسار إليهم النبي صلى الله عليه وآله بعد عشرين يوماً من وقعة بدر فتحصنوا فحاصرهم خمسة عشر يوماً حتى نزلوا على حكمه فأوثقهم كتافاً، ووهبهم لحليفهم المنافق عبد الله بن سلول، وأمرهم أن يخرجوا من المدينة، فخرجوا إلى أذرعات الشام، وكانوا ست مئة مقاتل.
وأما بنو النضير، فتآمروا على قتل النبي صلى الله عليه وآله ونزلت فيهم سورة الحشر، فبعث إليهم أن أخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، فأرسل إليهم عبد الله بن أبي أن لاتخرجوا من دياركم، فإن معي ألفين يموتون دونكم، وينصركم بنو قريظة وحلفاؤكم غطفان، فبعث رئيسهم حيي بن أخطب إلى النبي صلى الله عليه وآله إنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك! فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وكبر أصحابه! وأمر علياً عليه السلام بالمسير إليهم فحاصرهم وقتل نخبة من فرسانهم، ولم ينصرهم عبد الله بن أبيّ ولا بنو قريظة ولاحلفاؤهم من غطفان!
وبعد حصارهم قالوا للنبي صلى الله عليه وآله : نخرج من بلادك فأعطنا أموالنا، فقال: لاولكن تخرجون ولكم ما حملت الإبل، فخرجوا إلى وادي القرى والشام.
وأما بنو قريظة، فبقوا على صلحهم مع النبي صلى الله عليه وآله حتي ذهب زعماؤهم ومعهم من غيرهم إلى مكة وتحالفوا مع أبي سفيان لغزو المدينة في حرب الأحزاب، ثم جالوا على قبائل العرب يحثونهم على حرب النبي صلى الله عليه وآله ووعدوهم بتمر خيبر. وعندما حاصرالأحزاب المدينة نقض بنو قريظة عهدهم مع النبي وطلبوا من الأحزاب رهائن حتى لايتركوهم وحدهم مقابل النبي صلى الله عليه وآله إن انسحبوا فلم يعطوهم. ولما انهزم الأحزاب سار إليهم النبي صلى الله عليه وآله فحاصرهم حتى نزلوا على حكم حليفهم سعد بن معاذ، فحكم بقتل من حرض منهم على حرب النبي صلى الله عليه وآله ، وكانوا نحو ثلاث مئة فقتلهم النبي صلى الله عليه وآله .
وأما يهود خيبر فكانوا أكبر قوة لليهود، وشاركوا في مؤامرات اليهود على النبي صلى الله عليه وآله فقصدهم في السنة السابعة للهجرة، وأخضعهم وانتصر عليهم.
الحاخام يوسف عرف مولد النبي صلى الله عليه وآله
في كمال الدين/196: (عن الإمام الصادق عليه السلام قال: لما بلغ عبد الله بن عبد المطلب زوجه عبد المطلب آمنة بنت وهب الزهري، فلما تزوج بها حملت برسول الله صلى الله عليه وآله فروي عنها أنها قالت:
< صفحة > 164 < / صفحة >
لما حملت به لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، فرأيت في نومي كان آت أتاني فقال لي: قد حملت بخير الأنام، فلما حان وقت الولادة خف عليَّ ذلك حتى وضعته، وهو يتقي الأرض بيده وركبتيه، وسمعت قائلاً يقول: وضعت خير البشر فعوذيه بالواحد الصمد من شر كل باغ وحاسد. فولد رسول الله صلى الله عليه وآله عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة مضت(بقيت) من ربيع الأول يوم الإثنين فقالت آمنة: لما سقط إلى الأرض اتقى الأرض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى السماء، وخرج مني نور أضاء ما بين السماء والأرض ورميت الشياطين بالنجوم و حجبوا عن السماء، ورأت قريش الشهب والنجوم تسير في السماء ففزعوا لذلك، وقالوا: هذا قيام الساعة، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك، وكان شيخاً كبيراً مجرباً، فقال: أنظروا إلى هذه النجوم التي تهتدوا بها في البر والبحر، فإن كانت قد زالت فهو قيام الساعة وإن كانت هذه ثابته فهو لأمر قد حدث.
وأبصرت الشياطين ذلك فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه أنهم قد منعوا من السماء ورموا بالشهب، فقال: اطلبوا فإن أمراً قد حدث، فجالوا في الدنيا ورجعوا وقالوا: لم نر شيئاً، فقال: أنا لهذا، فخرق ما بين المشرق والمغرب فلما انتهى إلى الحرم وجد الحرم محفوفاً بالملائكة، فلما أراد أن يدخل صاح به جبرئيل عليه السلام فقال: إخسأ يا ملعون، فجاء من قبل حراء فصار مثل الصرد قال: يا جبرئيل ما هذا؟ قال: هذا نبي قد ولد وهو خير الأنبياء، قال: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا، قال: ففي أمته؟ قال: بلى، قال: قد رضيت.
قال: وكان بمكة يهودي يقال له: يوسف فلما رأى النجوم يقذف بها وتتحرك قال: هذا نبي قد ولد في هذه الليلة وهو الذي نجده في كتبنا أنه إذا ولد وهو آخر الأنبياء رجمت الشياطين وحجبوا عن السماء، فلما أصبح جاء إلى نادي قريش فقال: يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود؟ قالوا: لا. قال: أخطأكم والتوراة ولد إذاً بفلسطين وهو آخر الأنبياء وأفضلهم، فتفرق القوم فلما رجعوا إلى منازلهم أخبر كل رجل منهم أهله بما قال اليهودي فقالوا: لقد ولد لعبد الله بن عبد المطلب ابن في هذه الليلة، فأخبروا بذلك يوسف اليهودي فقال لهم: قبل أن أسألكم أو بعده؟ قالوا: قبل ذلك، قال: فاعرضوه عليَّ، فمشوا إلى باب آمنة فقالوا: أخرجي ابنك ينظر إليه هذا اليهودي، فأخرجته في قماطه فنظر في عينيه، وكشف عن كتفيه فرأى شامة
< صفحة > 165 < / صفحة >
سوداء بين كتفيه وعليها شعرات، فلما نظر إليه وقع على الأرض مغشياً عليه فتعجبت منه قريش وضحكوا منه. فقال: أتضحكون يا معشر قريش، هذا نبي السيف ليبيرنكم!وقد ذهبت النبوة من بني إسرائيل إلى آخر الأبد، وتفرق الناس وهم يتحدثون بخبر اليهودي، ونشأ رسول الله صلى الله عليه وآله في اليوم كما ينشأ غيره في الجمعة، وينشأ في الجمعة كما ينشأ غيره في الشهر).
لا تشبهوا باليهود والنصارى والمجوس!
نهج البلاغة(4/5): (سئل عليه السلام عن قول الرسول صلى الله عليه وآله :غيروا الشيب ولاتشبهوا باليهود؟ فقال: إنما قال صلى الله عليه وآله ذلك والدين قُلّ، فأما الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه، فامرؤ وما اختار).
وفي الكافي (6/531):(قال الصادق عليه السلام :أكنسوا أفنيتكم ولاتشبهوا باليهود).
مسند أبي يعلى(2/122): (أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن الله طيب يجب الطيب، نظيف يجب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يجب الجود، فنظفوا بيوتكم، ولا تشبهوا باليهود التي تجمع الأكناف في دورها).
الفايق للزمخشري (2/340): (إن الله تعالى نظيف يحب النظافة فنظفوا عذراتكم ولا تشبهوا باليهود، تجمع الأكباء في دورها).
أي تجمع اليهود الزبالة في منازلها ولا تخرجها. ومن المعروف عن اليهود قذارة بيوتهم حتى أن رائحتها ورائحة حيهم، تعرف من مسافة!
من لا يحضره الفقيه(1/130): (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : حفوا الشوارب واعفوا اللحى، ولا تشبهوا باليهود).
معاني الأخبار /291: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : حفوا الشوارب وأعفوا اللحى ولا تتشبهوا بالمجوس).
دعائم الإسلام (1/124): (عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ليأخذ أحدكم من شعر صدغيه ومن عارضي لحيته، ورجلوا اللحى واحلقوا شعر القفا واحفوا الشوارب واعفوا السبال، وقلموا الأظفار، ولا تتشبهوا بأهل الكتاب، ولا يطيلن أحدكم شاربه، ولاعانته ولا شعرجناحيه، فإن الشيطان يتخذها مجاثمَ يستتر بها، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخرفلا يترك عانته فوق أربعين يوماً. وعن علي عليه السلام قال: خذوا من شعر الصدغين ومن عارضي اللحية وما جاوز العنفقة من
< صفحة > 166 < / صفحة >
مقدمها. وعن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام أنه قال: أحفوا الشوارب فإن أمية لا تحفى شواربها.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: من قلم أظافيره يوم الجمعة أخرج الله تبارك وتعالى من أنامله داء وأدخل فيها شفاء. وقال: يا معشـر الرجال قصوا أظافيركم، وقال للنساء: طولن أظافيركن، فإنه أزين لكن.
وعنه صلى الله عليه وآله أنه قال: من اتخذ شعراً، فليحسن إليه، وقال لأبي قتادة: يا أباقتادة رجِّل جُمتك وأكرمها وأحسن إليها. وعنه صلى الله عليه وآله أنه قال: الشعر الحسن من كسوة الله عز وجل فأكرموه. وعنه صلى الله عليه وآله قال: من عرف فضل شيبه فوقره آمنه الله عز وجل من فزع يوم القيمة.
مفاتيح الجنان/1051: ( روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن المجوس جزوا لحاهم ووفروا شواربهم، وإنا نحن نجزُّ الشوارب ونعفي اللحى.
ولما بلغت دعوة النبي صلى الله عليه وآله الملوك، كتب كسرى إلى عامل اليمن باذان أن يبعث النبي صلى الله عليه وآله إليه فبعث كاتبه بانويه ورجلاً آخر يقال له خرخسك إليه وكانا قد دخلا على رسول الله صلى الله عليه وآله وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما، فكره النظر إليهما وقال ويلكما من أمركما بهذا، قالا: أمرنا بهذا ربنا يعنيان كسرى. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي).
وفي مكارم الأخلاق(1/67): (قال صلى الله عليه وآله : من لم يأخذ شاربه فليس منا. وقال: أحفوا الشوارب واعفوا اللحى، ولا تتشبهوا باليهود.
وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : ما زاد من اللحية عن القبضة ففي النار).
- *
نماذج من وفود اليهود وأسئلتهم للنبي صلى الله عليه وآله
- في مناقب آل أبي طالب (1/47): (الزجاج في المعاني، والثعلبي في الكشف، والزمخشري في الفايق، والواحدي في أسباب نزول القرآن، والثمالي في تفسيره واللفظ له، أنه قال عثمان لابن سلام: نزل على محمد: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ، فكيف هذه؟ قال: يعرف نبي الله بالنعت الذي نعته الله إذا رأيناه فيكم كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه بين الغلمان وأيم الله لأنا بمحمد أشد معرفة مني بابني لأني عرفته بما نعته الله في كتابنا، وأما ابني فإني لا أدري ما أحدثت أمه.
< صفحة > 167 < / صفحة >
ابن عباس قال:كانت اليهود يستنصرون على الأوس والخزرج برسول الله قبل مبعثه فلما بعثه الله تعالى من العرب دون بني إسرائيل كفروا به، فقال لهم بشر بن معرور ومعاذ بن جبل: إتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل الشرك، وتذكرون أنه مبعوث، فقال سلام بن مسلم أخو بني النظير: ما جاءنا بشئ نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكر لكم، فنزل: وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ الله مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا. وكانت اليهود إذا أصابتهم شدة من الكفار يقولون: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته في التوراة، فلما قرب وقت خروجه قالوا: قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا: فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكَافِرِينَ.
وهو المروي عن الصادق وكان الأحبار من اليهود يعرفونه فحرفوا صفة النبي صلى الله عليه وآله في التوراة من الممادح إلى المقابح، فلما قالت عامة اليهود: كان محمداً هو المبعوث في آخر الزمان، قالت الأحبار: كلا وحاشا وهذه صفته في التوراة.
وأسلم عبد الله بن سلام وقال: يا رسول الله سل اليهود عني فإنهم يقولون هو أعلمنا فإذا قالوا ذلك قلت لهم إن التوراة دالة على نبوتك وإن صفاتك فيها واضحة، فلما سألهم قالوا كذلك فحينئذ أظهر ابن سلام إيمانه فكذبوه فنزل: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ الله وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
الكلبي: قال كعب بن الأشرف ومالك بن الضيف ووهب بن يهودا وفنحاص ابن عازورا:يا محمد إن الله عهد الينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار، فإن زعمت أن الله بعثك الينا فجئنا به نصدقك فنزلت: وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ الله مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكَافِرِينَ. - في بصائر الدرجات/521: (عن الإمام الصادق عليه السلام عليه السلام قال: أتى يهودي يقال له سُبْحَت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد جئتك أسألك عن ربك فإن أجبتني عما أسألك عنه وإلا رجعت. قال: سل عما شئت. قال: أين ربك؟ قال هو في كل مكان وليس في شئ من المكان محدود. قال: فكيف هو؟ قال: أصف ربي بالكيف والكيف مخلوق لله ولا يوصف بخلقه؟! قال: فمن يعلم أنك نبي قال فما بقي حوله حجر ولا غير ذلك إلا تكلم بلسان عربي مبين: يا سبحت إنه
< صفحة > 168 < / صفحة >
رسول الله صلى الله عليه وآله ! فقال سبحت: بالله ما رأيت كاليوم أبين. ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله )! - في أمالي الصدوق/481:( عن أبي جعفرالباقر عليه السلام قال: كان غلام من اليهود يأتي النبي صلى الله عليه وآله كثيراً حتى استحبه، وربما أرسله في حاجة، وربما كتب له الكتاب إلى قوم. فافتقده أياماً فسأل عنه فقال له قائل: تركته في آخر يوم من أيام الدنيا. فأتاه النبي صلى الله عليه وآله في ناس من أصحابه، وكان عليه السلام بركة لا يكاد يكلم أحداً إلا أجابه، فقال: يا فلان ففتح عينيه وقال: لبيك يا أباالقاسم، قال: إشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فنظر الغلام إلى أبيه، فلم يقل له شيئاً، ثم ناداه رسول الله صلى الله عليه وآله الثانية، وقال له مثل قوله الأول، فالتفت الغلام إلى أبيه فلم يقل له شيئاً، ثم ناداه رسول الله صلى الله عليه وآله الثالثة فالتفت الغلام إلى أبيه، فقال أبوه: إن شئت فقل وإن شئت فلا. فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمداً رسول الله، ومات مكانه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأبيه: أخرج عنا، ثم قال صلى الله عليه وآله لأصحابه: غسلوه وكفنوه، وأتوني به أصلي عليه، ثم خرج وهو يقول: الحمد لله الذي أنجى بي اليوم نسمة من النار).
- علل الشرائع (1/127): (قال الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله أعلمهم فيما سأله فقال لأي شئ سميت محمداً وأحمد وأباالقاسم وبشيراً ونذيراً وداعياً؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : أما محمد فإني محمود في الأرض وأما أحمد فإني محمود في السماء، وأما أبوالقاسم فإن الله عز وجل يقسم يوم القيامة قسمة النار فمن كفر بي من الأولين والآخرين ففي النار، ويقسم قسمة الجنة فمن آمن بي وأقر بنبوتي ففي الجنة، وأما الداعي فإني أدعو الناس إلى دين ربي عز وجل، وأما النذير فإني أنذر بالنار من عصاني، وأما البشير فإني أبشر بالجنة من أطاعني).
- أمالي الصدوق/287: (سمعت أباعبد الله الصادق عليه السلام يقول: أتى يهودي النبي صلى الله عليه وآله فقام بين يديه يحد النظر إليه، فقال: يا يهودي، ما حاجتك؟ قال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله، وأنزل عليه التوراة والعصا، وفلق له البحر، وأظله بالغمام؟
< صفحة > 169 < / صفحة >
فقال له النبي صلى الله عليه وآله : إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه ولكني أقول: إن آدم عليه السلام لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد، لما غفرت لي فغفرها الله له، وإن نوحاً عليه السلام لما ركب في السفينة وخاف الغرق قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني من الغرق، فنجاه الله منه، وإن إبراهيم عليه السلام : لما ألقي في النار قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد، لما أنجيتني منها، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً. وإن موسى عليه السلام لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أمنتني منها، فقال الله جل جلاله: لا تخف إنك أنت الأعلى.
يا يهودي: إن موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي، ما نفعه إيمانه شيئاً، ولا نفعته النبوة. يا يهودي، ومن ذريتي المهدي، إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته، فقدمه وصلى خلفه ). - علل الشرائع (2/378): ( عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله أن قال له: لأي شئ فرض الله عز وجل الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوماً وفرض على الأمم السالفة أكثر من ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله إن آدم لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوماً ففرض الله على ذريته ثلاثين يوماً الجوع والعطش والذي يأكلونه تفضل من الله تعالى عليهم، وكذلك كان على آدم ففرض الله ذلك على أمتي ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
قال اليهودي، صدقت يا محمد فما جزاء من صامها؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتساباً إلا أوجب الله سبع خصال أولها يذوب الحرام من جسده، والثانية يقرب من رحمة الله، والثالثة يكون قد كفر خطيئة أبيه آدم عليه السلام ، والرابعة يهون الله عليه سكرات الموت، والخامسة أمان من الجوع والعطش يوم القيامة، والسادسة يعطيه الله براءة من النار، والسابعة يطعمه الله من طيبات الجنة، قال صدقت يا محمد). - في تفسير القمي (2/31): (عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (كان سبب نزولها يعني سورة الكهف أن قريشاً بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران، النضر بن الحارث بن كلدة، وعقبة بن أبي معيط، والعاص بن وائل السهمي، ليتعلموا من اليهود والنصارى مسائل يسألونها رسول الله صلى الله عليه وآله ، فخرجوا إلى نجران إلى علماء اليهود فسألوهم فقالوا: سلوه عن ثلاث مسائل فإن أجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق، ثم سلوه عن مسألة واحدة فإن ادعى علمها فهو كاذب قالوا: وما هذه المسائل؟
قالوا: سلوه عن فتية كانوا في الزمن الأول فخرجوا وغابوا وناموا وكم بقوا في نومهم حتى
< صفحة > 170 < / صفحة >
انتبهوا، وكم كان عددهم، وأي شئ كان معهم من غيرهم وما كان قصتهم؟ واسألوه عن موسى حين أمره الله أن يتبع العالم ويتعلم منه، من هو، وكيف تبعه، وما كان قصته معه؟
واسألوه عن طايف طاف من مغرب الشمس ومطلعها حتى بلغ سد يأجوج ومأجوج، من هو وكيف كان قصته؟
ثم أملوا عليهم أخبار هذه الثلاث مسائل وقالوا لهم: إن أجابكم بما قد أملينا عليكم فهو صادق، وإن أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدقوه.
قالوا: فما المسألة الرابعة؟ قال: سلوه متى تقوم الساعة، فإن ادعى علمها فهو كاذب، فإن قيام الساعة لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى.
فرجعوا إلى مكة واجتمعوا إلى أبي طالب عليه السلام فقالوا: يا أباطالب إن ابن أخيك يزعم أن خبر السماء يأتيه ونحن نسأله عن مسائل فإن أجابنا عنها علمنا أنه صادق، وإن لم يجبنا علمنا أنه كاذب! فقال أبوطالب: سلوه عما بدا لكم، فسألوه عن الثلاث مسائل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : غداً أخبركم ولم يستثن، فاحتبس الوحي عليه أربعين يوماً حتى اغتم النبي صلى الله عليه وآله وشك أصحابه الذين كانوا آمنوا به، وفرحت قريش واستهزؤوا وآذوا. وحزن أبوطالب، فلما كان بعد أربعين يوماً نزل عليه بسورة الكهف، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا جبرئيل لقد أبطأت؟ فقال: إنا لا نقدر أن ننزل إلا بإذن الله فأنزل: أَمْ حَسِبْتَ يا محمد أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً. ثم قص قصتهم فقال: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا. فقال الصادق عليه السلام : إن أصحاب الكهف والرقيم كانوا في زمن ملك جبار عات، وكان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الأصنام، فمن لم يجبه قتله، وكان هؤلاء قوماً مؤمنين يعبدون الله عز وجل، ووكل الملك بباب المدينة وكلاء ولم يدع أحداً يخرج حتى يسجد للأصنام، فخرج هؤلاء بحيلة الصيد، وذلك أنهم مروا براع في طريقهم فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم وكان مع الراعي كلب فأجابهم الكلب وخرج معهم!
فقال الصادق عليه السلام : فلا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاثة، حمار بلعم بن باعوراء، وذئب يوسف، وكلب أصحاب الكهف.
فخرج أصحاب الكهف من المدينة بحيلة الصيد هرباً من دين ذلك الملك، فلما أمسوا دخلوا
< صفحة > 171 < / صفحة >
ذلك الكهف والكلب معهم، فألقى الله عليهم النعاس كما قال الله تعالى: فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا، فناموا حتى أهلك الله ذلك الملك وأهل مملكته وذهب ذلك الزمان وجاء زمان آخر وقوم آخرون ثم انتبهوا فقال بعضهم لبعض: كم نمنا ها هنا؟ فنظروا إلى الشمس قد ارتفعت فقالوا: نمنا يوماً أو بعض يوم، ثم قالوا لواحد منهم خذ هذا الورق وادخل المدينة متنكراً لا يعرفوك، فاشتر لنا طعاماً فإنهم إن علموا بنا وعرفونا يقتلونا، أو يردونا في دينهم، فجاء ذلك الرجل فرأى مدينة بخلاف الذي عهدها ورأي قوماً بخلاف أولئك لم يعرفهم ولم يعرفوا لغته ولم يعرف لغتهم، فقالوا له: من أنت ومن أين جئت؟ فأخبرهم فخرج ملك تلك المدينة مع أصحابه والرجل معهم حتى وقفوا على باب الكهف، وأقبلوا يتطلعون فيه فقال بعضهم: هؤلاء ثلاثة ورابعهم كلبهم، وقال بعضهم: خمسة وسادسهم كلبهم وقال بعضهم: هم سبعة وثامنهم كلبهم، وحجبهم الله عز وجل بحجاب من الرعب، فلم يكن أحد يقدم بالدخول عليهم غير صاحبهم فإنه لما دخل إليهم وجدهم خائفين أن يكون أصحاب دقيانوس شعروا بهم، فأخبرهم صاحبهم أنهم كانوا نائمين هذا الزمن الطويل، وأنهم آية للناس، فبكوا وسألوا الله تعالى أن يعيدهم إلى مضاجعهم نائمين كما كانوا. ثم قال الملك: ينبغي أن نبني هاهنا مسجداً ونزوره، فإن هؤلاء قوم مؤمنون فلهم في كل سنة نقلتان، ينامون ستة أشهر على جنوبهم اليمنى وستة أشهر على جنوبهم اليسرى، والكلب معهم قد بسط ذراعيه بفناء الكهف، وذلك قوله: وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ..الخ.).
وفي الكافي(7/448) عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله في الكتاب: وَلاتَقُولَنَّ لِشَئٍْ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلا أَنْ يَشَاءَ الله أن لا أفعله فتسبق مشيئة الله في أن لا أفعله فلا أقدر على أن أفعله، قال: فلذلك قال الله عز وجل: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ، أي استثن مشيئة الله في فعلك). - في أمالي الصدوق/186: ( إن رهطاً من اليهود أسلموا، منهم عبد الله بن سلام وأسد وثعلبة وابن يامين وابن صوريا، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: يا نبي الله، إن موسى عليه السلام أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيك يا رسول الله، ومن ولينا بعدك؟ فنزلت هذه الآية:إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قوموا فقاموا فأتوا المسجد، فإذا سائل خارج، فقال: يا سائل، أما أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم،
< صفحة > 172 < / صفحة >
هذا الخاتم. قال: من أعطاك؟ قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلي. قال: على أي حال أعطاك؟ قال: كان راكعاً. فكبر النبي صلى الله عليه وآله وكبر أهل المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وآله : علي بن أبي طالب وليكم بعدي، قالوا: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبعلي بن أبي طالب ولياً. فأنزل الله عزوجل: وَمَنْ يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ.
فروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: والله لقد تصدقت بأربعين خاتماً وأنا راكع، لينزل في ما نزل في علي بن أبي طالب، فما نزل)! - معاني الأخبار/24: (عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام قال: كذبت قريش واليهود بالقرآن وقالوا سحر مبين تقوله، فقال الله: اَلَمِ. ذَلِكَ الْكِتَابُ أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك هو الحروف المقطعة التي منها ألف، لام، ميم، وهو بلغتكم وحروف هجائكم، فأتوا بمثله إن كنتم صادقين، واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم، ثم بين أنهم لايقدرون عليه بقوله: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الآنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا. ثم قال الله:ألم هو القرآن الذي افتتح. ألم هو ذلك الكتاب الذي أخبرت به موسى، فمن بعده الأنبياء فأخبروا بني إسرائيل أن سأنزل عليك يا محمد كتابا عزيزاً: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. لاريب فيه :لاشك فيه لظهوره عندهم كما أخبرهم به أنبياؤهم أن محمداً ينزل عليه كتاب لايمحوه الباطل،يقرؤه هو وأمته على سائر أحوالهم.
هُدًى: بيان من الضلالة. للَّمُتَّقِينَ:الذين يتقون الموبقات ويتقون تسليط السفه على أنفسهم حتى إذا علموا مايجب عليهم عملوا بما يوجب لهم رضا ربهم). - من لا يحضره الفقيه (1/274): (صلى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى البيت المقدس بعد النبوة ثلاث عشرة سنة بمكة وتسعة عشر شهراً بالمدينة، ثم عيرته اليهود فقالوا له: إنك تابع لقبلتنا فاغتم لذلك غماً شديداً، فلما كان في بعض الليل خرج صلى الله عليه وآله وسلم يقلب وجهه في آفاق السماء، فلما أصبح صلى الغداة، فلما صلى من الظهر ركعتين جاءه جبرئيل عليه السلام فقال له: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ. ثم أخذ بيد النبي صلى الله عليه وآله فحول وجهه إلى الكعبة وحول من خلفه وجوههم حتى قام الرجال مقام النساء والنساء مقام الرجال فكان أول صلاته إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة، وبلغ الخبر
< صفحة > 173 < / صفحة >
مسجداً بالمدينة وقد صلى أهله من العصر ركعتين فحولوا نحو الكعبة، فكانت أول صلاتهم إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين فقال المسلمون:صلاتنا إلى بيت المقدس تضيع يا رسول الله؟ فأنزل الله عز وجل: وَمَاكَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ. يعني صلاتكم إلى بيت المقدس). - كفاية الأثر /57: (عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخل جندب ابن جنادة اليهودي من خيبر على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد أخبرني عما ليس لله وعما ليس عند الله وعما لا يعلمه الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أما ما ليس لله فليس لله شريك، وأما ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد، وأما ما لايعلمه الله فذلك قولكم يا معشراليهود عزير ابن الله، والله لا يعلم له ولداً. فقال جندب: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله حقاً.
ثم قال: يا رسول الله إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران عليه السلام فقال لي: يا جندب أسلم علي يد محمد واستمسك بالأوصياء من بعده، فقد أسلمت فرزقني الله ذلك، فأخبرني بالأوصياء بعدك لا تمسك بهم.
فقال يا جندب: أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل. فقال: يا رسول الله إنهم كانوا اثني عشر، هكذا وجدنا في التوراة. قال: نعم الأئمة بعدي اثنا عشر. فقال: يا رسول الله كلهم في زمن واحد؟ قال:لا، ولكنهم خلَف بعد خلف، فإنك لا تدرك منهم إلا ثلاثة.
قال: فسمهم لي يا رسول الله. قال: نعم إنك تدرك سيد الأوصياء ووارث الأنبياء وأباالأئمة علي بن أبي طالب بعدي، ثم ابنه الحسن ثم الحسين، فاستمسك بهم من بعدي ولايغرنك جهل الجاهلين، فإذا كانت وقت ولادة ابنه علي بن الحسين سيد العابدين يقضي الله عليك، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه.
فقال: يا رسول الله هكذا وجدت في التوراة البانقطة، شبراً وشبيراً فلم أعرف أساميهم، فكم بعد الحسين من الأوصياء وما أساميهم؟ فقال: تسعة من صلب الحسين والمهدي منهم، فإذا انقضت مدة الحسين قام بالأمر بعده ابنه علي ويلقب بزين العابدين، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه يدعى بالباقر، فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده ابنه جعفر يدعى بالصادق، فإذا انقضت مدة جعفر قام بالأمر بعده ابنه موسى يدعى بالكاظم، ثم إذا انتهت
< صفحة > 174 < / صفحة >
مدة موسى قام بالأمر بعده ابنه علي يدعى بالرضا، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه يدعي بالزكي، فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده علي ابنه يدعى بالنقي، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده الحسن ابنه يدعى بالأمين، ثم يغيب عنهم إمامهم. قال: يا رسول الله هو الحسن يغيب عنهم. قال: لا ولكن ابنه الحجة. قال: يا رسول الله فما اسمه؟ قال: لا يسمي حتى يظهره الله.
قال جندب: يا رسول الله قد وجدنا ذكرهم في التوراة وقد بشرنا موسى بن عمران بك وبالأوصياء بعدك من ذريتك، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله : وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا.
فقال جندب: يا رسول الله فما خوفهم؟ قال: يا جندب في زمن كل واحد منهم سلطان يعتريه ويؤذيه، فإذا عجل الله خروج قائمنا يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جَوْراً وظلماً. ثم قال عليه السلام : طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمتقين على محجتهم، أولئك وصفهم الله في كتابه وقال: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، وقال: أُولَئِكَ حِزْبُ الله أَلا إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
قال ابن الأسفع: ثم عاش جندب بن جنادة إلى أيام الحسين عليه السلام ، ثم خرج إلى الطائف، فحدثني نعيم أبي قيس قال: دخلت عليه بالطائف وهو عليل، ثم إنه دعا بشربة من لبن فشربه وقال: هكذا عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله أنه يكون آخر زادي من الدنيا شربة من لبن، ثم مات رحمه الله ودفن بالطائف في الموضع المعروف بالكوراء). - كفاية الأثر/11: (عن ابن عباس قال: قدم يهودي على رسول الله صلى الله عليه وآله يقال له نعثل فقال: يا محمد إني أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين فإن أنت أجبتني عنها أسلمت على يدك. قال: سل يا أباعمارة. فقال: يا محمد صف لي ربك. فقال صلى الله عليه وآله : إن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه وكيف يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحده، والأبصار الإحاطة به، جل عما يصفه الواصفون، نأى في قربه وقرب في نأيه، كيَّفَ الكيفية فلا يقال له كيف، وأيَّنَ الأين فلا يقال له أين، هو منقطع الكيفية فيه والأينونية، فهو الأحد الصمد كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، لم يلد ولم يولد
< صفحة > 175 < / صفحة >
ولم يكن له كفوا أحد. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن قولك إنه واحد لاشبيه له، أليس الله واحد والإنسان واحد، فوحدانيته أشبهت وحدانية الإنسان ؟
فقال عليه السلام : الله واحد وأحدي المعنى، والإنسان واحد ثنوي المعنى، جسم وعرض وبدن وروح، وإنما التشبيه في المعاني لا غير.
قال:صدقت يا محمد، فأخبرني عن وصيك من هو، فما من نبي إلا وله وصي وإن نبينا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع ابن نون.
فقال: نعم، إن وصيي والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب عليه السلام ، وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعة من صلب الحسين، أئمة أبرار.
قال: يا محمد فسمهم لي؟ قال: نعم إذا مضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى فابنه محمد، فإذا مضى فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فبعده ابنه الحجة بن الحسن بن علي عليهم السلام . فهذه اثنا عشر إماماً على عدد نقباء بني إسرائيل.
قال: فأين مكانهم في الجنة؟ قال: معي في درجتي. قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وأشهد أنهم الأوصياء بعدك، ولقد وجدت هذا في الكتب المتقدمة، وفيما عهد إلينا موسى عليه السلام : إذا كان آخر الزمان يخرج نبي يقال له أحمد خاتم الأنبياء لا نبي بعده، يخرج من صلبه أئمة أبرار عدد الأسباط. فقال: يا أباعمارة أتعرف الأسباط؟ قال: نعم يا رسول الله إنهم كانوا اثني عشر. قال: فإن فيهم لاوي بن أرحيا. قال: أعرفه يا رسول الله، وهو الذي غاب عن بني إسرائيل سنين ثم عاد فأظهر شريعته بعد دراستها وقاتل مع فريطيا الملك حتى قتله.
قال عليه السلام : كائن في أمتي ما كان من بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وإن الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى، ويأتي على أمتي زمن لا يبقى من الإسلام إلا إسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، فحينئذ يأذن الله له بالخروج فيظهر الإسلام ويجدد الدين.
ثم قال عليه السلام : طوبى لمن أحبهم وطوبى لمن تمسك بهم، والويل لمبغضهم! فانتفض نعثل وقام من بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأنشأ يقول:
< صفحة > 176 < / صفحة >
صلى العـــــلي ذو العــلى * عليك يا خير البـشر
أنت النبي المصطفى * والهــــــاشمي المفتـــــــــــخر
بك اهتدينا رشدنا * وفيك نرجـــــو ما أمر
ومعـــــشـــر ســـميتــهم * أئمــــــة اثنـــــا عـشــــــر
حباهم رب العـــــلى * ثم صفاهم من كدر
قد فـــــاز من والاهــم * وخاب من عفى الأثر
آخرهم يشفي الظمــا * وهــــــو الإمـــــــام المنتـــــظر
عترتك الأخيـــــار لي * والتابعـــــون مـــا أمــــر
من كان عنكم معرضاً * فسوف يصلى بسقر - الهداية الكبرى/44: (عن جابر بن عبد الله بن عمر بن حزام الأنصاري قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بني قريظة، وأقمنا إلى أن فتح الله على رسول الله وعلينا، فانطلقنا راجعين وكان في طريقنا رجل من اليهود، فلما قربنا من كنيسته تلقانا والتوراة على صدره منشورة مزينة، فلقي رسول الله فرحب به وقربه، وقال له: يا أخا اليهود، ما لك قد سعيت إلينا بالتوراة العظيمة القدر في كتب الله المنزلة؟ فقال له اليهودي: جعلتها وسيلتي إليك يا رسول الله لتنزل وتأكل من طعامي.
فقال النبي صلى الله عليه وآله لقد توسلت بعظيم، وأنا مجيبك يا أخا اليهود ثم نزل ونزلنا فإذا بطعام اليهودي قد حضر وحضر معه من تولى إصلاحه من المسلمين، وقال اليهودي: يا أيها النبي أنا ما صنعت طعامك بيدي، بل قوم من أهل دينك لأنا عرفنا أنك تكره طعامنا أهل الملل قبلك، فجلس النبي صلى الله عليه وآله وكان على الطعام خروف مشوي، فغسل النبي يديه وغسلنا أيدينا، ومددنا إلى الطعام، ودعا بالبركة وضرب بيده إلى الخروف، فثغا الخروف واضطرب، فرفع رسول الله يده عنه ورفعنا أيدينا عنه فقال رسول الله: يا أخا اليهود عرفنا توسلك وعرفنا التوراة حقاً، وضيعت ما حفظناه فيك أغواك الشيطان حتى رأيت هذا الخروف، وسمعت منك ما قد
< صفحة > 177 < / صفحة >
عرفته من نفسي. قال اليهودي: فان كنت رسول الله حقاً فاسأل الله أن ينطق هذا الخروف كما أحياه لك فيخبرك بقصتنا.فقال النبي صلى الله عليه وآله : اللهم إني أسألك بقدرتك التي ذل لها ملكك الا ما أنطقت هذا الخروف بهذه القصعة، فقال الخروف في وسط القصعة أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله، وأن الذي كان سمني لك عدوك فلان وفلان صارا إلى هذا اليهودي فدفعا إليه عشرين ديناراً وعهدوا له ولقومه من اليهود أن لا يؤذوا، وأن لا يسخروا ولا يعشروا، ولا يكرهوا على شئ يريدونه، وأنه دس السم في الطعام وتلقاك به وقالا له: إلقه في التوراة فإنه يعظمها، وأسأله أن ينزل بك، وهاك هذا الخروف وهذه العشرين ديناراً، فاتخذ بها خبز البر وفاخر أطعمة الأعاجم طبيخاً ومشوياً، ودس هذا السم بهذا الخروف ففعل ذلك!
قال جابر بن عبد الله: والله لقد ظننا أن فلاناً وفلاناً لعنهما الله قد ماتا، لأنهما طأطآ وجوههما قال النبي صلى الله عليه وآله : إرفعا رؤوسكما لا رفع الله لكما صرعة، ولا أقالكما عثرة، ولا غفر لكما ذنباً ولا جريرة، وأخذ بحقي منكما إلى كم هذه الجرأة على الله ورسوله؟ فاظهرا اختلاط عقل ودهشة حتى حملا رحليهما. وضرب النبي صلى الله عليه وآله بيده إلى الخروف وقال له: إرجع بإذن الله مشوياً كما كنت فرجع الخروف كما كان، فقال النبي صلى الله عليه وآله وقد ضرب بيده إلى لحمه: بسم الله الذي لا يضر مع إسمه داء ولا غائله، وأكل، ثم قال كلوا يرحمكم الله. فقال اليهودي: أنا أشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأنك محمد عبده ورسوله حقاً حقا ً، وإله موسى وهارون وما أنزل في التوراة لقد قص عليك الخروف القصة، ما نقص حرفاً ولا زاد حرفاً! وأسلم اليهودي وغزا ست غزوات، واستشهد في ذات السلاسل رحمه الله ). - مسند أحمد (1/278): (قال ابن عباس: حضرت عصابة من اليهود الى نبي الله يوماً فقالوا يا أباالقاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي. قال: سلوني عما شئتم ولكن إجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب عليه السلام على بنيه لئن حدثتكم شيئاً فعرفتموه لتتابعُنِّي على الإسلام. قالوا: فذلك لك. قال: فسلوني عما شئتم. قالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل كيف يكون الذكر منه، وأخبرنا كيف هذا النبي الأمي في النوم ومن وليه من الملائكة؟ قال: فعليكم عهد الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم لتتابعُني؟ قال فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق. قال:
< صفحة > 178 < / صفحة >
فأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب عليه السلام مرض مرضاً شديداً وطال سقمه فنذر لله نذراً لئن شفاه الله تعالى من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه، وأحب الطعام إليه، وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها؟
قالوا: اللهم نعم. قال: اللهم اشهد عليهم، فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ وأن ماء المرأة أصفر رقيق فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله، إن علا ماء الرجل على ماء المرأة كان ذكراً بإذن الله وإن علا ماء المرأة على ماء الرجل كان أنثى بإذن الله. قالوا: اللهم نعم. قال اللهم اشهد عليهم.
فأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قبله؟ قالوا: اللهم نعم. قال: اللهم اشهد. قالوا: وأنت الآن فحدثنا من وليك من الملائكة فعندها نجامعك أو نفارقك؟ قال: فإن وليي جبريل عليه السلام ولم يبعث الله نبياً قط إلا وهو وليه. قالوا: فعندها نفارقك لو كان وليك سواء من الملائكة لتابعناك وصدقناك،قال فما يمنعكم من أن تصدقوه قالوا إنه عدونا. قال: فعند ذلك قال الله عز وجل: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى للَّمُؤْمِنِينَ. مَنْ كَانَ عَدُوًّا للَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ الله عَدُوٌّ للَّكَافِرِينَ. وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلا الْفَاسِقُونَ.أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ الله مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ الله وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ… فَبَاؤُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَللَّكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ. - تخريج الأحاديث (1/179): (روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله دخل مِدراسهم يعني اليهود فدعاهم فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دين أنت؟ قال: على ملة إبراهيم. قالا إن إبراهيم كان يهودياً. قال لهم: إن بيننا وبينكم التوراة فهلموا إليها فأبيا، فنزلت: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ الله لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ).
- أسباب النزول للواحدي/77: (قال زيد بن أسلم: مر شاس بن قيس اليهودي وكان شيخاً قد غبر في الجاهلية عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، فمر على
< صفحة > 179 < / صفحة >
نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من الأوس والخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام، بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، لا والله مالنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار، فأمر شاباً من اليهود كان معه فقال: إعمد إليهم فاجلس معهم، ثم ذكرهم بعاث وما كان فيه وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، وكان بعاث يوم اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج، ففعل فتكلم القوم عند ذلك، فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس، وجابر بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج فتقاولا وقال أحدهما لصاحبه إن شئت رددتها جذعاً وغضب الفريقان جميعاً وقالا: ارجعا، السلاح السلاح، موعدكم الظاهرة وهي حرة، فخرجوا إليها فانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين، أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالاسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم، فترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً، الله الله فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، وعانق بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله سامعين مطيعين، فأنزل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، يعني شاساً وأصحابه، يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ.
قال جابر بن عبد الله: ما كان طالع أكره إلينا من رسول الله فأومأ إلينا بيده فكففنا وأصلح الله تعالى ما بيننا، فما كان شخص أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وآله فما رأيت يوماً أقبح ولا أوحش أولاً وأحسن آخراً من ذلك اليوم). - تفسير الإمام العسكري عليه السلام /163، عن أبيه الهادي عليه السلام قال: (وأما الشجرتان اللتان تلاصقتا، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان ذات يوم في طريق له بين مكة والمدينة، وفي عسكره منافقون من المدينة وكافرون من مكة، ومنافقون منها وكانوا يتحدثون فيما بينهم بمحمد صلى الله عليه وآله وأصحابه الخيرين فقال بعضهم لبعض: يأكل كما نأكل وينفض كرشه من الغائط والبول كما ننفض، ويدعي أنه رسول الله! فقال بعض مردة المنافقين: هذه صحراء ملساء،
< صفحة > 180 < / صفحة >
لأتعمدن النظر إلى إسته إذا قعد لحاجته حتى أنظر هل الذي يخرج منه كما يخرج منا أم لا؟ فقال آخر: لكنك إن ذهبت تنظر منعه حياؤه من أن يقعد، فإنه أشد حياء من الجارية، العذراء الممتنعة المحرمة. قال: فعرَّف الله عز وجل ذلك نبيه محمد صلى الله عليه وآله فقال لزيد بن ثابت: إذهب إلى تينك الشجرتين المتباعدتين يؤمي إلى شجرتين بعيدتين قد أوغلتا في المفازة، وبعدتا عن الطريق قدر ميل فقف بينهما وناد: أن رسول الله صلى الله عليه وآله يأمركما أن تلتصقا وتنضما، ليقضي رسول الله صلى الله عليه وآله خلفكما حاجته، ففعل ذلك زيد، فقال: فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله بالحق نبياً إن الشجرتين انقلعتا بأصولهما من مواضعهما، وسعت كل واحدة منهما إلى الأخرى، سعي المتحابين كل واحد منهما إلى الآخر والتقيا بعد طول غيبة وشدة اشتياق، ثم تلاصقتا وانضمتا انضمام متحابين في فراش في صميم الشتاء. فقعد رسول الله صلى الله عليه وآله خلفهما، فقال أولئك المنافقون: قد استتر عنا. فقال بعضهم لبعض: فدوروا خلفه لننظر إليه. فذهبوا يدورون خلفه، فدارت الشجرتان كلما داروا، فمنعتاهم من النظر إلى عورته. فقالوا: تعالوا نتحلق حوله لتراه طائفة منا. فلما ذهبوا يتحلقون تحلقت الشجرتان، فأحاطتا به كالأنبوبة حتى فرغ وتوضأ!
وخرج من هناك وعاد إلى العسكر وقال لزيد بن ثابت: عد إلى الشجرتين وقل لهما: إن رسول الله صلى الله عليه وآله يأمركما أن تعودا إلى أماكنكما، فقال لهما، فسعت كل واحدة منهما إلى موضعها والذي بعثه بالحق نبياً سعي الهارب الناجي بنفسه من راكض شاهر سيفه خلفه، حتى عادت كل شجرة إلى موضعها. فقال المنافقون: قد امتنع محمد من أن يبدي لنا عورته، وأن ننظر إلى إسته فتعالوا ننظر إلى ما خرج منه لنعلم أنه ونحن سيان، فجاؤوا إلى الموضع فلم يروا شيئا البتة، لا عيناً ولا أثراً.
قال: وعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من ذلك فنودوا من السماء:أوعجبتم لسعي الشجرتين إحداهما إلى الأخرى، إن سعي الملائكة بكرامات الله عز وجل إلى محمد أشد من سعى هاتين الشجرتين إحداهما إلى الأخرى، وإن تنكب نفحات النار يوم القيامة عن محبي محمد وعلي والمتبرئين من أعدائه أشد من تنكب هاتين الشجرتين إحداهما عن الأخرى). - تفسير الإمام العسكري عليه السلام /406: (قال جابر بن عبد الله الأنصاري: ولقد حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وحضره عبد الله ابن صوريا غلام أعور يهودي تزعم اليهود أنه أعلم يهودي
< صفحة > 181 < / صفحة >
بكتاب الله وعلوم أنبيائه فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله عن مسائل كثيرة يعنته فيها، فأجابه عنها رسول الله صلى الله عليه وآله بما لم يجد إلى إنكار شئ منه سبيلاً فقال له: يا محمد من يأتيك بهذه الأخبار عن الله؟ قال: جبرئيل. قال: لو كان غيره يأتيك بها لآمنت بك، ولكن جبرئيل عدونا من بين الملائكة، فلو كان ميكائيل أو غيره سوى جبرئيل يأتيك بها لآمنت بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ولم اتخذتم جبرئيل عدواً؟ قال: لأنه ينزل بالبلاء والشدة على بني إسرائيل. ودفع دانيال عن قتل بخت نصر حتى قوي أمره، وأهلك بني إسرائيل. وكذلك كل بأس وشدة لا ينزلها إلا جبرئيل، وميكائيل يأتينا بالرحمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :ويحك أجهلت أمر الله تعالى! وما ذنب جبرئيل إن أطاع الله فيما يريده بكم؟ أرأيتم ملك الموت؟ أهو عدوكم وقد وكله الله بقبض أرواح الخلق الذي أنتم منه؟ أرأيتم الآباء والأمهات إذا وجروا الأولاد الأدوية الكريهة لمصالحهم، أيجب أن يتخذهم أولادهم أعداء من أجل ذلك؟ لا، ولكنكم بالله جاهلون، وعن حكمته غافلون، أشهد أن جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملان، وله مطيعان، وأنه لا يعادي أحدهما إلا مكن عادى الآخر، وأن من زعم أنه يحب أحدهما ويبغض الآخر فقد كذب. وكذلك محمد رسول الله وعلي أخوان، كما أن جبرئيل وميكائيل أخوان، فمن أحبهما فهو من أولياء الله، ومن أبغضهما فهو من أعداء الله، ومن أبغض أحدهما وزعم أنه يحب الآخر فقد كذب، وهما منه بريئان، وكذلك من أبغض واحدا مني ومن علي، ثم زعم أنه يحب الآخر فقد كذب، وكلانا منه بريئان، والله تعالى وملائكته وخيار خلقه منه براء). - تفسير الإمام العسكري عليه السلام /519: (وكان المسلمون تضيق صدورهم مما يوسوس به إليهم اليهود والمنافقون من الشبه في الدين. فقال لهم رسول الله: أوَلا أعلمكم ما يزيل ضيق صدوركم إذا وسوس هؤلاء الأعداء إليكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ما أمر به رسول الله من كان معه في الشعب الذي كان ألجأته إليه قريش، فضاقت صدورهم واتسخت ثيابهم.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله : انفخوا على ثيابكم، وامسحوها بأيديكم وهي على أبدانكم، وأنتم تصلون على محمد وآله الطيبين، فإنها تنقي وتطهر وتبيض وتحسن وتزيل عنكم ضيق صدوركم. ففعلوا ذلك فصارت ثيابهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله . فقالوا: عجباً يا رسول الله بصلاتنا عليك وعلى آلك كيف طهرت ثيابنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن تطهير الصلاة على
< صفحة > 182 < / صفحة >
محمد وآله لقلوبكم من الغل والضيق والدغل ولأبدانكم من الآثام، أشد من تطهيرها لثيابكم. وإن غسلها للذنوب من صحائفكم، أحسن من غسلها للدرن عن ثيابكم. وإن تنويرها لكتب حسناتكم بمضاعفة ما فيها، أحسن من تنويرها لثيابكم).
- قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ الله يُزَكِّى مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً. اُنْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا.
في تفسير مجمع البيان (3/104): (نزلت في رجال من اليهود، أتوا بأطفالهم إلى النبي فقالوا: هل على هؤلاء من ذنب؟ فقال: لا. فقالوا: والله ما نحن إلا كهيئتهم، ما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل، وما عملناه بالليل كفر عنا بالنهار، فكذبهم الله، وقيل: نزلت في اليهود والنصارى حين قالوا: نَحْنُ أبْنَاءُ الله وأحِبَّاؤُه، وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام ).
كيف حزَّب اليهود الأحزاب؟
في تفسير القمي(2/176): (إن رسول الله صلى الله عليه وآله حين أجلى بني النضير وهم بطن من اليهود من المدينة وكان رئيسهم حي بن أخطب، وهم يهود من بني هارون عليه السلام فلما أجلاهم من المدينة صاروا إلى خيبرخرج حي بن أخطب إلى قريش بمكة وقال لهم إن محمداً قد وتركم ووترنا وأجلانا من المدينة من ديارنا وأموالنا وأجلى بني عمنا بني قينقاع، فسيروا في الأرض واجمعوا حلفاءكم وغيرهم حتى نسير إليهم، فإنه قد بقي من قومي بيثرب سبع مائة مقاتل وهم بنو قريظة وبينهم وبين محمد عهد وميثاق، وأنا أحملهم على نقض العهد بينهم وبين محمد صلى الله عليه وآله ويكونون معنا عليهم، فتأتونه أنتم من فوق وهم من أسفل. وكان موضع بني قريظة من المدينة على قدر ميلين وهو الموضع الذي يسمى بئر المطلب، فلم يزل يسير معهم حي بن أخطب في قبائل العرب حتى اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش وكنانة والأقرع بن حابس في قومه، وعباس بن مرداس في بني سليم، فبلغ ذلك رسول الله فاستشار أصحابه وكانوا سبع مائة رجل، فقال سلمان الفارسي: يا رسول الله إن القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة، قال: فما نصنع؟ قال: نحفر خندقاً يكون بيننا وبينهم حجاباً فيمكنك منعهم في المطاولة، ولا يمكنهم أن يأتونا من كل وجه فإنا كنا معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم من عدونا نحفر الخنادق فيكون الحرب
< صفحة > 183 < / صفحة >
من مواضع معروفة، فنزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أشار سلمان بصواب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بحفره من ناحية أحد إلى راتح، وجعل على كل عشرين خطوة وثلاثين خطوة قوماً من المهاجرين والأنصار يحفرونه، فأمر فحملت المساحي والمعاول وبدأ رسول الله وأخذ معولاً فحفر في موضع المهاجرين بنفسه، وأمير المؤمنين ينقل التراب من الحفرة حتى عرق رسول الله صلى الله عليه وآله وعيي وقال: لا عيش إلا عيش الآخرة. اللهم اغفر للأنصار والمهاجرين، فلما نظر الناس إلى رسول الله يحفر اجتهدوا في الحفر ونقلوا التراب، فلما كان في اليوم الثاني بكروا إلى الحفر وقعد رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجد الفتح فبينا المهاجرون والأنصار يحفرون إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه، فبعثوا جابر بن عبد الله الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يعلمه بذلك، قال جابر: فجئت إلى المسجد ورسول الله مستلق على قفاه ورداؤه تحت رأسه، وقد شد على بطنه حجراً، فقلت: يا رسول الله إنه قد عرض لنا جبل لم تعمل المعاول فيه، فقام مسرعاً حتى جاءه ثم دعا بماء في إناء فغسل وجهه وذراعيه ومسح على رأسه ورجليه ثم شرب ومج من ذلك الماء في فيه ثم صبه على الحجر، ثم أخذ معولاً فضرب ضربة فبرقت برقة فنظرنا فيها إلى قصور الشام، ثم ضرب أخرى فبرقت برقة نظرنا فيها إلى قصور المداين، ثم ضرب أخرى فبرقت برقة أخرى نظرنا فيها إلى قصور اليمن! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أما إنه سيفتح الله عليكم هذه المواطن التي برقت فيها البرق، ثم انهال علينا الجبل كما ينهال الرمل. قال جابر: فعلمت أن رسول الله مقوي أي جائع، لما رأيت على بطنه الحجر فقلت: يا رسول الله هل لك في الغذاء؟ قال:ما عندك يا جابر؟ فقلت: عناق وصاع من شعير فقال: تقدم وأصلح ما عندك، قال: فجئت إلى أهلي فأمرتها فطحنت الشعيروذبحت العنز وسلختها وأمرتها أن تخبز وتطبخ وتشوي، فلما فرغت من ذلك جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله قد فرغنا فأحضر مع من أحببت، فقام صلى الله عليه وآله إلى شفير الخندق ثم قال: معاشر المهاجرين والأنصار أجيبوا جابراً..ثم ذكر شبعهم جميعاً من طعام جابر وهم نحو الألف، وبقي منه).
غدر بني قريظة بالمسلمين
في تفسير القمي(2/186): (فلما طال على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الأمر واشتد عليهم الحصار(في حرب الخندق)وكانوا في وقت برد شديد وأصابتهم مجاعة، وخافوا من اليهود خوفاً شديداً
< صفحة > 184 < / صفحة >
وتكلم المنافقون بما حكى الله عنهم ولم يبق أحد من أصحاب رسول الله إلا نافق إلا القليل! وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله أخبر أصحابه أن العرب تتحزب ويجيئون من فوق وتغدر اليهود ونخافهم من أسفل، وأنه ليصيبهم جهد شديد ولكن تكون العاقبة لي عليهم.
فلما جاءت قريش وغدرت اليهود قال المنافقون: مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا، وكان قوم لهم دور في أطراف المدينة فقالوا يا رسول الله تأذن لنا أن نرجع إلى دورنا فإنها في أطراف المدينة وهي عورة ونخاف اليهود أن يغيروا عليها، وقال قوم هلموا فنهرب ونصير في البادية ونستجير بالأعراب فإن الذي كان يعدنا محمد كان باطلاً كله، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أصحابه أن يحرسوا المدينة بالليل وكان أمير المؤمنين عليه السلام على العسكر كله بالليل يحرسهم فإن تحرك أحد من قريش نابذهم وكان أمير المؤمنين عليه السلام يجوز الخندق ويصير إلى قرب قريش حيث يراهم، فلا يزال الليل كله قائماً وحده يصلي، فإذا أصبح رجع إلى مركزه. ومسجد أمير المؤمنين عليه السلام هناك معروف يأتيه من يعرفه فيصلي فيه، وهو من مسجد الفتح إلى العقيق أكثر من غلوة نشابة، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله من أصحابه الجزع لطول الحصار صعد إلى مسجد الفتح وهو الجبل الذي عليه مسجد الفتح اليوم، فدعا الله وناجاه فيما وعده وكان مما دعاه أن قال: ياصريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين ويا كاشف الكرب العظيم أنت مولاي ووليي وولي آبائي الأولين اكشف عنا غمنا وهمنا وكربنا واكشف عنا شر هؤلاء القوم بقوت وحولك وقدرتك).
فاستجاب الله له، وقتل علي عليه السلام فارسهم ابن ود، وسلط عليهم الريح، فانهزموا.
وقالت اليهود يد الله مغلولة!
قال الله تعالى:وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا للَّحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَالله لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ.
وفي التوحيد/168: (عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في قوله الله عز وجل: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ: لم يعنوا أنه هكذا، ولكنهم قالوا: قد فرغ من الأمر فلا يزيد ولا ينقص، فقال الله جل جلاله تكذيباً لقولهم:
غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ. ألم تسمع الله عز وجل يقول:
< صفحة > 185 < / صفحة >
يَمْحُواْ الله مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ).
وفي الكافي (3/341): ( إن فضل الدعاء بعد الفريضة على الدعاء بعد النافلة كفضل الفريضة على النافلة، ثم قال: أدعه ولا تقل قد فرغ من الأمر فإن الدعاء هو العبادة). وفي رواية عنهم عليهم السلام : فرغ من الأمر ولم يفرغ.
وفي الإعتقادات/40: ( إن اليهود قالوا إن الله قد فرغ من الأمر. قلنا: بل هو تعالى كل يوم هو في شأن، لا يشغله شأن عن شأن، يحيي ويميت، ويخلق ويرزق، ويفعل ما يشاء. وقلنا:يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وإنه لا يمحوا إلا ما كان ولا يثبت إلا ما لم يكن. وهذا ليس ببداء كما قالت اليهود وأتباعهم فنسبتنا اليهود في ذلك إلى القول بالبداء، وتابعهم على ذلك من خالفنا من أهل الأهواء المختلقة. وقال الصادق عليه السلام : ما بعث الله نبياً قط حتى يأخذ عليه الإقرار بالعبودية، وخلع الأنداد، وأن الله تعالى يؤخر ما يشاء ويقدم ما يشاء.
وقال الصادق عليه السلام : من زعم أن الله بدا له في شئ اليوم لم يعلمه أمس فابرؤوا منه. وقال عليه السلام : من زعم أن الله بدا له في شئ بداء ندامة، فهو عندنا كافر بالله العظيم. وأما قول الصادق عليه السلام : ما بدا لله في شئ كما بدا له في ابني إسماعيل، فإنه يقول: ما ظهر لله سبحانه أمر في شئ كما ظهر له في ابني إسماعيل إذ اخترمه قبلي، ليعلم أنه ليس بإمام بعدي).
نموذج من عناد اليهود وردهم للحق!
في تفسير القمي(2/191) يصف أسرى بني قريظة الذين حركوا ضد النبي صلى الله عليه وآله : (وساقوا الأسارى إلى المدينة وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بأخدود فحفرت بالبقيع فلما أمسى أمر بإخراج رجل رجل فكان يضرب عنقه.
فقال حي بن أخطب لكعب بن أسيد: ما ترى ما يصنع محمد صلى الله عليه وآله بهم؟ فقال له: ما يسؤك! أما ترى الداعي لايقلع والذي يذهب لايرجع، فعليكم بالصبر والثبات على دينكم، فأخرج كعب بن أسيد مجموعة يديه إلى عنقه وكان جميلاً وسيماً فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: يا كعب أما نفعتك وصية ابن الحواس الحبر الذكي الذي قدم عليكم من الشام فقال: تركت الخمر والخنزير وجئت إلى البؤس والتمور، لنبي يبعث مخرجه بمكة ومهاجرته في هذه البحيرة يجتزى
< صفحة > 186 < / صفحة >
بالكسيرات والتميرات، ويركب الحمار العري، في عينيه حمرة، بين كتفيه خاتم النبوة، يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى منكم، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر؟
فقال: قد كان ذلك يا محمد! ولولا أن اليهود يعيروني أني جزعت عند القتل لآمنت بك وصدقتك ولكني على دين اليهود عليه أحيا وعليه أموت!
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : قدموه فاضربوا عنقه، فضربت.
ثم قدم حي بن أخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله :يا فاسق كيف رأيت صنع الله بك؟ فقال والله يا محمد ما ألوم نفسي في عداوتك ولقد قلقلت كل مقلقل وجهدت كل جهد ولكن من يخذل الله يخذل!ثم قال حين قدم للقتل:
لعمرك ما لامَ ابن أخطب نفسه * ولكنه من يخذلِ الله يُخذلِ
فقدم وضرب عنقه. فقتلهم رسول الله في البردين بالغداة والعشي في ثلاثة أيام وكان يقول: أسقوهم العذب وأطعموهم الطيب وأحسنوا إلى أساراهم، حتى قتلهم كلهم، وأنزل الله على رسوله: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ أي من حصونهم وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا. وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ الله عَلَى كُلِّ شَئٍْ قَدِيرًا).
من تأثير اليهود على بعض الصحابة
في تفسير القمي (2/357): (قال علي بن إبراهيم رحمه الله في قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ.قال: نزلت في فلان لأنه مر به رسول الله صلى الله عليه وآله وهو جالس عند رجل من اليهود ويكتب خبر رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله جل ثناؤه أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ! فجاء إلى النبي فقال له النبي صلى الله عليه وآله رأيتك تكتب عن اليهود وقد نهى الله عن ذلك! فقال يا رسول الله كتبت عنه ما في التوراة من صفتك وأقبل يقرأ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو غضبان، فقال له رجل من الأنصار ويلك أما ترى غضب النبي عليك؟ فقال أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، إني إنما كتبت ذلك لما وجدت فيه من خبرك،فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله يا فلان! لو أن موسى بن عمران فيهم قائماً ثم أتيته رغبة عما جئتُ به لكنت كافراً بما جئتُ به.
وهو قوله: اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ، حجاباً بينهم وبين الكفار وأيمانهم إقرار باللسان وخوفاً
< صفحة > 187 < / صفحة >
من السيف ورفع الجزية وقوله: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ. قال إذا كان يوم القيامة جمع الله الذين غصبوا آل محمد حقهم فيعرض عليهم أعمالهم فيحلفون له أنهم لم يعملوا منها شيئاً كما حلفوا لرسول الله صلى الله عليه وآله في الدنيا حين حلفوا أن لا يردوا الولاية في بني هاشم، وحين هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وآله في العقبة، فلما أطلع الله نبيه وأخبره حلفوا له انهم لم يقولوا ذلك ولم يهموا به حتى أنزل الله على رسوله: يَحْلِفُونَ بِالله مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ الله عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ).
وفي الخصال/353: (قال أبوعبد الله الصادق عليه السلام : إن من العلماء من يحب أن يخزن علمه ولا يؤخذ عنه، فذاك في الدرك الأول من النار!
ومن العلماء من إذا وُعظ أَنِف وإذا وَعظ عَنِف، فذاك في الدرك الثاني من النار!
ومن العلماء من يرى أن يضع العلم عند ذوي الثروة والشرف، ولا يرى له في المساكين موضعاً، فذاك في الدرك الثالث من النار!
ومن العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين، فإن رُد عليه شئ من قوله أو قُصر في شئ من أمره غضب فذاك في الدرك الرابع من النار!
ومن العلماء من يطلب أحاديث اليهود والنصارى ليغزر به ويكثر به حديثه فذاك في الدرك الخامس من النار!
ومن العلماء من يصنع نفسه للفتيا ويقول: سلوني، ولعله لا يصيب حرفاً واحداً والله لا يحب المتكلفين، فذاك في الدرك السادس من النار!
ومن العلماء من يتخذ علمه مروءة وعقلاً،فذاك في الدرك السابع من النار).
سمى النبي صلى الله عليه وآله عمر وجماعته (المتهوكين)
جوَّز الوهابيون أن يتوسل المسلم إلى الله تعالى بأي شخص حتى بالكافر، فالشرط الوحيد عندهم أن يكون حياً لا ميتاً، حتى لو كان كافراً! وقد رووا أن عائشة مرضت، فدعت يهودية لترقيها، وهو توسل باليهودي!
< صفحة > 188 < / صفحة >
وروى مالك في الموطأ (2/943): ( عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن أبابكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها! فقال أبوبكر: إرقيها بكتاب الله). يقصد بالتوراة،لأن اليهودية لا تقر بالقرآن!
أما في مذهبنا فالتوسل والإستشفاع بالله تعالى وأسمائه الحسنى، وبالنبي وآله المعصومين عليهم السلام . ولم أجد في سيرة أئمتنا عليهم السلام ولا في سلوك أصحابهم وشيعتهم ذكراً للتوسل بأحد غير المعصومين، وإن وجد فهو تبعٌ للتوسل بهم، وفي موارد خاصة.
كما ورد في الأدعية التوسل بالملائكة المقربين والأنبياء السابقين عليهم السلام وكتب الله المنزلة وعباده الصالحين والأعمال الصالحة.( مصباح المتهجد/ 358 و 302).
أما عمرفكان معجباً بثقافة اليهود حتى في حياة النبي صلى الله عليه وآله وكان يدرسُ عندهم في المدينة!وقد عرَّبوا له التوراة وجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وآله ليعترف بها، فغضب وزجره، فأعاد ذلك مرات! وله في ذلك قصص مع النبي صلى الله عليه وآله .
ففي أسباب النزول للسيوطي(1/21) (كان يأتي اليهود فيسمع منهم التوراة).
وقال في الدر المنثور (5/148): ( وأخرج ابن الضريس عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا، وقد هممنا أن نكتبها! فقال صلى الله عليه وآله : يا ابن الخطاب أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى! أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولكني أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الحديث اختصاراً)!
وهذا يدل على أن عمر كان معه آخرون من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ! وقد بلغ إعجابهم بأحاديث اليهود أنهم طلبوا من النبي أن يجيز لهم كتابتها رسمياً! ولعلهم كانوا كتبوها بالفعل لكنهم أرادوا من النبي أن يمضي عملهم ويعطيه الشرعية!
ويدل طلبهم هذا على أن التدوين في مفهوم العرب كان يعني القبول والإعجاب، وأن كل ما يأخذ بقلب الإنسان لبلاغته أو صدقه، فهو يستحق الكتابة والتدوين، لكي يحفظ ويستفاد منه. لكن عمر وأبابكر لم يعطيا هذا الإحترام لسنة النبي صلى الله عليه وآله فمنعا تدوينها والتحديث بها!
فاعجب لهذا التناقض!
< صفحة > 189 < / صفحة >
وروى أحمد في مسنده (3/469): ( عن عبد الله بن ثابت قال: جاء عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة إلا أعرضها عليك! قال فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وآله قال عبد الله: فقلت له ألا ترى ما بوجه رسول الله؟ فقال عمر: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً. قال فسري عن النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم).
وفي الدر المنثور(4/3): ( وأخرج أبويعلي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم ونصر المقدسي في الحجة، والضياء في المختارة، عن خالد بن عرفطة قال: كنت جالساً عند عمر إذ أتاه رجل من عبد القيس فقال له عمر أنت فلان العبدي فقال (عمر): انطلقت أنا فانتسخت كتاباً من أهل الكتاب ثم جئت به في أديم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : ما هذا في يدك يا عمر؟ فقلت يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علماً إلى علمنا! فغضب رسول الله حتى احمرت وجنتاه!
ثم نودي بالصلاة جامعة فقالت الأنصار: أغضب نبيكم، السلاح! فجاؤوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا أيها الذين آمنوا إني قد أوتيتُ جوامع الكلم وخواتيمه، واختصر لي اختصاراً، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية، فلا تتهوكوا، ولا يغرنكم المتهوكون)!
وهذا يدل على أن عمر وجماعته كانوا متهوكين بالفعل، لأن النبي صلى الله عليه وآله نهى المسلمين عن التهوك، وعن الإغترار بالمتهوكين!
وفي سنن أبي داود (2/403): ( عن الأقرع مؤذن عمر بن الخطاب، قال بعثني عمر إلى الأسقف فدعوته فقال له عمر: وهل تجدني في الكتاب؟ قال: نعم، قال: كيف تجدني؟ قال: أجدك قرناً، فرفع عليه الدرة فقال: قرْنُ مَهْ؟فقال: قرن حديد أمينٌ شديد، قال: كيف تجد الذي يجئ من بعدي؟ فقال: أجده خليفة صالحاً غير أنه يؤثر قرابته، قال عمر: يرحم الله عثمان، ثلاثاً.
فقال: كيف تجد الذي بعده؟ قال: أجده صدأ حديد، فوضع عمر يده على رأسه فقال: يا دفراه يا دفراه (الدفر النتن) فقال :يا أمير المؤمنين، إنه خليفة صالح ولكنه يستخلف حين يستخلف والسيف مسلول والدم مهراق)!
وهذا يدل على أن عمر قرر نقل الخلافة إلى عثمان، وأن الشورى كانت شكلية، ولذا جعل حق النقض فيها لعبد الرحمن بن عوف صهر عثمان!
< صفحة > 190 < / صفحة >
ويدل على أن عمر كان يؤمن بثقافة الأسقف النصراني! ويؤمن بأنه يعلم أحداث المستقبل، ولذا سأله عن مستقبل الدولة والأمة الإسلامية، وقَبِلَ منه، رغم أنه هدده بالضرب بالدرة!
وكان عمر يحترم حاخامات اليهود ويقربهم، ويقيم لهم مجالس التدريس أمرهم في مسجد النبي صلى الله عليه وآله ليحدثوا المسلمين بأحاديث أهل الكتاب، في حين يعاقب على التحديث عن النبي صلى الله عليه وآله ! فاعجب لخليفة المسلمين!
- *
< صفحة > 191 < / صفحة >
الفصل الحادي والعشرون : طعام النبي صلى الله عليه وآله وشرابه
الفصل الحادي والعشرون
طعام النبي صلى الله عليه وآله وشرابه
كان قليل الأكل وعامة طعامه خبز الشعير
في نهج البلاغة(2/58): (فتأسَّ بنبيك الأطيب الأطهر صلى الله عليه وآله فإن فيه أسوة لمن تأسى، وعزاء لمن تعزى. وأحب العباد إلى الله المتأسي بنبيه والمقتص لأثره. قضم الدنيا قضماً، ولم يعرها طرفاً. أهضم أهل الدنيا كشحاً، وأخمصهم من الدنيا بطناً. عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها. وعلم أن الله سبحانه أبغض شيئاً فأبغضه، وحقر شيئاً فحقره، وصغر شيئاً فصغره.
ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض الله ورسوله صلى الله عليه وآله ، وتعظيمنا ما صغر الله ورسوله، لكفى به شقاقاً لله ومحادَّةً عن أمر الله.
ولقد كان صلى الله عليه وآله يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري ويردف خلفه. ويكون الستر على باب بيته فتكون فيه التصاوير فيقول: يا فلانة لإحدى أزواجه غيبيه عني فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها!
فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها من نفسه، وأحب أن تغيب زينتها عن عينه، لكيلا يتخذ منها رياشاً ولايعتقدها قراراً، ولا يرجو فيها مقاماً، فأخرجها من النفس، وأشخصها عن القلب، وغيبها عن البصر. وكذا من أبغض شيئاً أبغض أن ينظر إليه وأن يذكر عنده.
ولقد كان في رسول الله صلى الله عليه وآله ما يدلك على مساوي الدنيا وعيوبها، إذ جاع فيها مع خاصته وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته.
فلينظر ناظر بعقله أكرم الله محمداً بذلك أم أهانه؟ فإن قال أهانه فقد كذب والعظيم، وإن
< صفحة > 192 < / صفحة >
قال أكرمه فليعلم أن الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له وزواها عن أقرب الناس منه. فتأسى متأس بنبيه، واقتص أثره، وولج مولجه، وإلا فلا يأمن الهلكة، فإن الله جعل محمداً صلى الله عليه وآله علماً للساعة، ومبشراً بالجنة ومنذراً بالعقوبة. خرج من الدنيا خميصاً وورد الآخرة سليما).
وفي الكافي(8/168):(قال عمرو بن سعيد بن هلال قال: قلت لأبي عبد الله (الصادق عليه السلام ): إني لا أكاد ألقاك إلا في السنين فأوصني بشئ آخذ به، قال: أوصيك بتقوى الله، وصدق الحديث، والورع والإجتهاد، واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع معه. وإياك أن تطمح نفسك إلى من فوقك، وكفى بما قال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وآله :فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ. وقال الله عز وجل لرسوله: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ.
فإن خفت شيئاً من ذلك فاذكر عيش رسول الله صلى الله عليه وآله فإنما كان قوته الشعير وحلواه التمر، ووقوده السعف، إذا وجده، وإذا أُصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله صلى الله عليه وآله ، فإن الخلق لم يصابوا بمثله قط). وفي رواية مكارم الأخلاق/154: (وحلواه التمر، وإدامه الزيت).
وفي الشمائل المحمدية للترمذي/85: (سئل سهل بن سعد: أكل رسول الله النقي، يعني الحواري(خبز البُر) فقال سهل: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله أكل النقي حتى لقي الله عز وجل، فقيل له: هل كانت لكم مناخل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال:ماكانت لنا مناخل، قيل:كيف كنتم تصنعون بالشعير؟ قال: كنا ننفخه فيطير منه ما طار ثم نعجنه).
(عن يوسف بن سلام قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله أخذ كسرة من خبز الشعير، فوضع عليها تمرة، وقال: هذا إدام هذه، وأكل). (الشمائل/103)).
وفي الكافي(6/362): (عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: أكل النبي صلى الله عليه وآله البطيخ بالسكر، وأكل البطيخ بالرطب). لأن بطيخ المدينة قليل الحلاء.
وعن ابن عباس قال: كان رسول الله يبيت الليالي المتتابعة طاوياً هو وأهله لا يجدون عشاء)!
في مسند زيد/461: (قال علي عليه السلام كنا مع النبي صلى الله عليه وآله في حفر الخندق إذ جاءت فاطمة عليها السلام ومعها كسيرة من خبز فدفعتها إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال:ما هذه الكسيرة قالت قرص شعير خبزته للحسن والحسين جئتك منه بهذه الكسيرة، فقال صلى الله عليه وآله :يا فاطمة أما إنه أول طعام دخل في في أبيك منذ ثلاثة أيام)!
< صفحة > 193 < / صفحة >
ومن وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام (وسائل:24/432): (يا علي اثنتا عشرة خصلة ينبغي للرجل المسلم أن يتعلمها على المائدة، أربع منها: فريضة وأربع منها سنة، وأربع منها أدب. فأما الفريضة فالمعرفة بما يأكل والتسمية والشكر والرضا. وأما السنة فالجلوس على الرجل اليسرى والأكل بثلاث أصابع، وأن يأكل مما يليه، ومص الأصابع. وأما الأدب فتصغير اللقمة والمضغ الشديد، وقلة النظر في وجوه الناس، وغسل اليدين).
وفي سنن النبي صلى الله عليه وآله للطباطبائي/160ملخصاً: (في الكافي قال الصادق عليه السلام : ما كان شيئ أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من أن يظل جائعاً، خائفاً في الله.
وقال علي عليه السلام لليهودي: محمد صلى الله عليه وآله أزهد الأنبياء، كان له ثلاث عشرة نسوة سوى من يطيف به من الإماء ما رفعت له مائدة قطَّ وعليها طعام، وما أكل خبز بر قطَّ، ولا شبع من خبز شعير قطَّ ثلاث ليال متواليات.
كان إذا قعد على المائدة قعد قعدة العبد، وكان يتكي على فخذه الأيسر.
كان يجلس على الأرض، ويعقل الشاة، ويجيب دعوة المملوك على خبز شعير.
وعن الصادق عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يلعق أصابعه إذا أكل.
كان النبيّ صلى الله عليه وآله يأكل الأصناف من الطعام. وكان يأكل ما أحل الله له مع أهله وخدمه، إلَّا أن ينزل بهم ضيف فيأكل مع ضيفه.
كان أول من يضع يده وآخر من يرفعها ليأكل القوم.كان إذا أفطر عند قوم قال:أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلَّت عليكم الأخيار.
قال أمير المؤمنين عليه السلام : عشاء النبيين بعد العتمة فلا تدعوه ، فإن ترك العشاء خراب البدن . ما قُدِّم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله طعام فيه تمر إلَّا بدء بالتمر.
كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحمد الله بين كل لقمتين.
كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أكل لبناً مضمض فاه، وقال: إن له دسماً.
كان إذا شرب بدأ فسمى ويمص الماء مصاً ولا يعبُّه عَبّاً، ويقول: الكِباد من العب. (مرض الكبد).
كان يتنفس في الإناء ثلاثة أنفاس، يسمي عند كل، ويشكر الله في آخرهن.
< صفحة > 194 < / صفحة >
فإذا أراد أن يتنفس أبعد الإناء عن فيه حتى يتنفس.
وكان إذا أكل اللَّحم خاصة غسل يديه غسلاً جيداً، ثم مسح بفضل الماء على وجهه.
كان يأكل الأصناف من الطَّعام. وكان يأكل القثاء بالرطب، وكان أحبها إليه البطيخ والعنب، وكان يأكل البطيخ بالخربز، وربما أكل بالسكر.
عن أبي أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كلوا الزيت، وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة. وقال: نعم الإدام الخل).
وقد يأكل اللحم وغيره
(نحر رسول الله صلى الله عليه وآله منها ستاً وستين، ونحر علي عليه السلام أربعاً وثلثين بدنة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يؤخذ من كل بدنة منها جذوة من لحم، ثم يطرح في برمة ثم تطبخ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله منها وعليٌّ عليه السلام ، وحَسَيَا من مرقها). (مناهج الأخيار (3/457).
(أهدت أم حفيد خالة ابن عباس إلى النبي صلى الله عليه وآله أُقطاً وسمناً وضباً، فأكل النبي من الأقط والسمن، وترك الضب تقذراً). (البخاري:3/11).
(دعا النبي صلى الله عليه وآله ببرمة عظيمة فجعل فيها من ذلك الدقيق والسمن والعسل ثم أنضجه فأكل النبي صلى الله عليه وآله وأكلوا ثم قال لهم: كلوا فإن هذا يشبه خبيص أهل فارس). (الحاكم:4/110).
(قال أبوعبيد: طبخت للنبي قدراً، وقد كان يعجبه الذراع فناولته الذراع، ثم قال: ناولني الذراع، فناولته، ثم قال: ناولني الذراع). (الشمائل/96).
(قال رسول الله صلى الله عليه وآله : سيد طعام أهل الدنيا والآخرة اللحم ثم الأرز. وسيد شراب الدنيا والآخرة الماء، وأنا سيد ولد آدم ولا فخر). (العيون :2/38).
ويأكل الفاكهة إن وجدت
في الكافي(1/263):(عن الصادق عليه السلام :إن جبرئيل أتى رسول الله صلى الله عليه وآله برمانتين فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله إحداهما وكسر الأخرى بنصفين فأكل نصفاً وأطعم علياً عليه السلام نصفاً ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وآله :يا أخي هل تدري ما هاتان الرمانتان؟قال: لا، قال: أما الأولى فالنبوة ليس لك
< صفحة > 195 < / صفحة >
فيها نصيب، وأما الأخرى فالعلم أنت شريكي فيه. فقلت أصلحك الله كيف كان يكون شريكه فيه؟ قال: لم يعلم الله محمداً صلى الله عليه وآله علماً إلا وأمره أن يعلمه علياً عليه السلام ».
وفي روضة الواعظين/159: (قالت أم سلمة: كان النبي صلى الله عليه وآله عندي، وأتاه جبرئيل عليه السلام فكان في البيت يتحدثان إذ دق الباب الحسن بن علي عليه السلام فخرجت أفتح له الباب، فإذا الحسين عليه السلام معه فدخلا، فلما أبصرا جدهما شبها جبرئيل عليه السلام بدحية الكلبي، فجعلا يحفان به ويدوران حوله، فقال جبرئيل عليه السلام يا رسول الله أما ترى الصبيين ما يفعلان؟ فقال: يشبهانك بدحية الكلبي فإنه كثيراً ما يتعاهدهما ويتحفهما إذا جاءنا، فجعل جبرئيل يُومي بيده كالمتناول شيئاً فإذا بيده تفاحة وسفرجلة ورمانة فناول الحسن، ثم أومى بيده مثل ذلك فناول الحسين ففرحا وتهللت وجوهما، وسعيا إلى جدهما صلوات الله عليهم، فأخذ التفاحة والرمانة والسفرجلة فشمها، ثم ردها إلى كل واحد منهما كهيئتهما، ثم قال لهما: صيرا إلى أمكما بما معكما، وبدؤكما بأبيكما أعجب إلي، فصارا كما أمرهما رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يأكل منها شئ حتى صار إليهما، فإذا التفاح وغيره على حاله، فقال: يا أباالحسن ما لك لم تأكل ولم تطعم زوجتك وابنيك، وحدثه الحديث فأكل النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام وأطعمنا أم سلمة، فلم يزل الرمان والسفرجل والتفاح كلما أُكل منه عادا إلى ما كان حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله قال الحسين: فلم يلحقه التغيير والنقصان أيام فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فلما توفيت عليها السلام فقدنا الرمان، وبقي التفاح والسفرجل أيام أبي فلما استشهد أمير المؤمنين عليه السلام فقد السفرجل وبقي التفاح على هيئته عند الحسن حتى مات في سمه، ثم بقيت التفاحة إلى الوقت الذي حوصرتُ عن الماء فكنت أشمها إذا عطشت فتكسر لهب عطشى، فلما اشتد علي العطش عضضتها وأيقنت بالفناء. قال علي بن الحسين عليهما السلام : سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة، فلما قضى نحبه وجد ريحها من مصرعه، فالتمست فلم ير لها أثر فبقي ريحها بعد الحسين عليه السلام . ولقد زرت قبره فوجدت ريحها تفوح من قبره فمن أراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر فليلتمس ذلك في أوقات السحر، فإنه يجده إذا كان مخلصاً).
وكان يتواضع في جلسته للأكل
(ما أكل رسول الله على مائدة قط، ولا أكل خبز رقاق قط، ولا اصطبغ في سَكْرَجَبَة قط، قال فقيل: يا أباحمزة فعلى أي شئ كانوا يأكلون؟ قال: على السُّفَر). (البيهقي:7/47).
< صفحة > 196 < / صفحة >
(عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ما أكل رسول الله صلى الله عليه وآله متكئاً منذ بعثه الله عز وجل إلى أن قبضه تواضعاً لله عز وجل. وما رأى ركبتيه جليسه في مجلس قط ولا صافح رسول الله صلى الله عليه وآله رجل قط فنزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده، ولا كافأ رسول الله صلى الله عليه وآله بسيئة قط، قال الله تعالى له: إِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ، ففعل. وما منع سائلاً قط، إن كان عنده أعطى وإلا قال: يأتي الله به، ولا أعطى على الله عز وجل شيئاً قط إلا أجازه الله، إن كان ليعطي الجنة فيجيز الله عز وجل له ذلك). (الكافي:8/164).
(وأكل النبي صلى الله عليه وآله يوماً رطباً كان في يمينه وكان يحفظ النوى في يساره، فمرت شاة فأشار إليها بالنوى فجعلت تأكل في كفه اليسرى وهو يأكل بيمينه حتى فرغ، وانصرفت الشاة).
(منانقب آل أبي طالب:1/104)
وفي كثير من حالات الجوع كان الله ينزل الله له الطعام
في أمالي الصدوق/581:(عن ابن عباس قال:كنا جلوساً في محفل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ورسول الله فينا، فرأينا رسول الله وقد أشار بطرفه إلى السماء فنظرنا فرأينا سحابة قد أقبلت فقال لها: أقبلي، فأقبلت، ثم قال لها: أقبلي، فأقبلت، ثم قال لها: أقبلي، فأقبلت، فرأينا رسول الله وقد قام قائماً على قدميه، فأدخل يديه في السحاب حتى استبان لنا بياض إبطي رسول الله صلى الله عليه وآله فاستخرج من ذلك السحاب جامة بيضاء مملوءة رطباً فأكل النبي صلى الله عليه وآله من الجام وسبح الجام في كف رسول الله صلى الله عليه وآله ، فناوله علي بن أبي طالب عليه السلام فأكل علي عليه السلام من الجام، فسبح الجام في كف علي عليه السلام . فقال رجل: يا رسول الله، أكلت من الجام، وناولته علي بن أبي طالب! فأنطق الله عز وجل الجام وهويقول: لا إله إلا الله، خالق الظلمات والنور، إعلموا معاشر الناس أني هدية الصادق إلى نبيه الناطق، ولا يأكل مني إلا نبي أو وصي نبي).
وفي الخرائج (1/48): (روى عن أم سلمة أن فاطمة عليها السلام جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله حاملة حسناً وحسيناً وفُخاراً فيه حريرة فقال: أدعي ابن عمك. فأجلس أحدهما على فخذه اليمنى، والآخر على فخذه اليسرى، وعلياً وفاطمة أحدهما بين يديه والآخر خلفه، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. ثلاث مرات. وأنا عند عتبة الباب فقلت: وأنا
< صفحة > 197 < / صفحة >
منهم؟ فقال: أنت إلى خير. وما في البيت أحد غير هؤلاء وجبرئيل عليهم السلام ثم أغدف عليهم كساءً خيبرياً فجللهم به وهو معهم،ثم أتاه جبرئيل بطبق فيه رمان وعنب فأكل النبي صلى الله عليه وآله فسبح، ثم أكل الحسن والحسين عليهما السلام فتناولا، فسبح العنب والرمان في أيديهما، ودخل علي فتناول منه فسبح أيضاً ثم دخل رجل من أصحابه وأراد أن يتناول. فقال جبرئيل: إنما يأكل من هذا نبي أو ولد نبي أو وصي نبي).
وفي الثاقب في المناقب/296، وتفسير الثعلبي(3/57) وتفسير ابن كثير( 1/368): (عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله ص أقام أياماً لم يُطعم طعاماً، حتى شق ذلك عليه فطاف في منازل أزواجه، فلم يصب في بيت أحد منهنّ شيئاً، فأتى فاطمة رضي الله عنها فقال: يا بنية هل عندكِ شيء آكلُ فإني جائع؟ فقالت: لا والله بأبي أنتَ وأمّي، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله من عندها، بعثت إليها جارية لها برغيفين وبضعة لحم، فأخذته منها ووضعته في جفنة وغطت عليه وقالت: لأوثرن بها رسول الله على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعاً محتاجين إلى شبعة من طعام،فبعثت حسناً وحسيناً إلى جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله فرجع إليها، فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله قد أتانا الله بشيئ فخبأته لك، قال: فهلمي به ، فأُتي به فكشف عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً فلما نظرت إليه بُهتتْ وعرفت أنها من بركة الله، فحمدت الله تعالى وصلت على نبيه، فقال صلى الله عليه وآله : من أين لك هذا يا بنية؟ قالت: هو من عند الله إن الله يزرق من يشاء بغير حساب، فحمد رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: الحمد لله الذي جعلك شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل، فإنها كانت يرزقها الله رزقاً حسناً فسُئِلت عنه قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّاللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ. فبعث رسول الله إلى علي ، ثم أكل رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين وجميع أزواج النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته جميعاً حتى شبعوا. قالت فاطمة: وبقيت الجفنة كما هي فأوسعت منها على جميع جيراني فجعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً).
ويقبل الدعوة من كل مسلم
(مجمع الزوائد:5/27). (عن عبد الله بن بشر قال: بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أدعوه إلى طعام فجاء معي فلما دنوت من المنزل أسرعت فأعلمت أبوي فخرجا فتلقيا رسول الله صلى الله عليه وآله ورحبا ووضعا له قطيفة كانت عندنا زبيرية فقعد عليها، ثم قال أبي لأمي: هات طعامك. فجاءت
< صفحة > 198 < / صفحة >
بقصعة فيها دقيق قد عصدته بماء وملح، فوضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: خذوا باسم الله من جوانبها وذروا ذروتها، فإن البركة فيها، فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وأكلنا معه وفضل منها فضلة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وبارك عليهم، ووسع عليهم في أرزاقهم). (عن أنس أن النبي ص استأذن على سعد بن عبادة فقال:السلام عليكم ورحمة الله، فقال سعد وعليك السلام ورحمة الله ولم يسمع النبي حتى سلم ثلاثاً ورد عليه سعد ثلاثاً ولم يسمعه فرجع النبي فاتبعه سعد فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما سلمت تسليمة إلا وهي بأذني ولقد رددت عليك ولم أسمعك أحببت أن استكثر من سلامك ومن البركة ثم أدخله البيت فقرب إليه زيتا فأكل النبي صلى الله عليه وآله فلما فرغ قال: أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون). (مجمع الزوائد:9/34).
(عن جابر قال كان رجل من الأنصار يقال له أبوشعيب وكان له غلام لحام فقال له: إجعل لنا طعاماً لعلي أدعو رسول الله صلى الله عليه وآله سادس ستة فدعاهم فاتبعهم رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : إن هذا قد اتبعنا أفتأذن له؟ قال: نعم). (مسند أحمد:3/353).
(قال أنس: إن خياطاً دعا رسول الله صلى الله عليه وآله لطعام صنعه. قال أنس: فذهب مع رسول الله إلى ذلك الطعام، فقرب إلى رسول الله خبزاً من شعير، ومرقاً فيه دباء وقديد. قال أنس: فرأيت النبي يتتبع الدباء حوالي القصعة، فلم أزل أحب الدباء من يومئذ). (الشمائل المحمدية/96).
ويذكر الله عند البدء بالأكل وبعده
(عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: إنه صلى الله عليه وآله كان: يقول في آخر كل يوم يمضي من عند الإفطار: الحمد الله الذي أعاننا فصمنا، ورزقنا فأفطرنا.اللهم تقبله منا، وأعنا عليه، وسلمنا فيه، وتسلمه منا في يسر منك وعافية. الحمد لله الذي قضى عنا يوماً من شهر رمضان حتى يتم إن شاء الله.وكان إذا أفطر قال: اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، فتقبله منا، ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وبقي الأجر.
قال: وكان صلى الله عليه وآله إذا أكل عند قوم قال: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار). (المقنعة/319).
< صفحة > 199 < / صفحة >
كان يأكل بثلاث أصابع ويلعق أصابعه ويغسل يديه
(عن سلمان قال: قرأت في التوراة أن بركة الطعام الوضوء بعده، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وأخبرته بما قرأت في التوراة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : بركة الطعام الوضوء قبله، والوضوء بعده).
(الشمائل/104).
(كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه في فيه فمصها. وقال الصادق عليه السلام : إني لألعق أصابعي حتى أرى أن خادمي يقول: ما أشره مولاي). (جواهر الكلام:36/450).
(عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا فرغ من طعامه قال: الحمد الله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين. وعن أبي أمامة قال: كان رسول الله إذا رفعت المائدة من بين يديه يقول: الحمد الله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، غير مودع ولا مستغنى عنه ربنا. (الشمائل/105)
(وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أطمعه الله طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه).
(الشمائل/114).
ونهى عن أشياء في الطعام والشراب
ففي أمالي الصدوق/509: ( عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الأكل على الجنابة وقال: إنه يورث الفقر. ونهى أن يأكل الإنسان بشماله وأن يأكل وهو متكئ.
ولا يشربن أحدكم الماء من عند عروة الإناء فإنه مجتمع الوسخ. وقال لايبيتن أحدكم ويده غمرة (دسمة وسخة) فإن فعل فأصابه لمم الشيطان فلا يلومن إلا نفسه.
ونهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة. ونهى أن ينفخ في طعام أو شراب وأن يأكل وذو عينين ينظر إليه ولا يواسيه، فيبتلى بداء لا دواء له).
وفي الشمائل/111: (وكان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤوا به رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وآله قال: اللهم بارك لنا في ثمارنا وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا وفي مدنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه. قال: ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثمر).
< صفحة > 200 < / صفحة >
وقالوا الطعام يبطل الوضوء وهو غير صحيح
(أكل رسول الله صلى الله عليه وآله كتفاً في بيت ميمونة بنت الحارث فصلى ولم يتوضأ)
(المعجم الكبير:11/165).
كذبوا على النبي صلى الله عليه وآله بأنه كان يشرب النبيذ
(سمعت رجلاً يقول لأبي عبد الله عليه السلام :ما تقول في النبيذ فإن أبا مريم يشربه ويزعم أنك أمرت بشربه، فقال: معاذ الله عز وجل أن أكون آمر بشرب مسكر! والله إنه لشئ ما اتقيت فيه سلطاناً ولاغيره، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كل مسكر حرام، فما أسكر كثيره فقليله حرام).
(الكافي:6/410).
(عن خضر الصيرفي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:من شرب النبيذ على أنه حلال خُلد في النار، ومن شربه على أنه حرام عذب في النار). (الكافي:6/398).
- *
وفي نهج البلاغة (2/49): « قام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الفتنة وهل سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عنها؟ فقال عليه السلام : لما أنزل الله سبحانه قوله: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله صلى الله عليه وآله بين أظهرنا فقلت يا رسول الله ما هذه الفتنة التي أخبرك الله تعالى بها؟ فقال: يا علي إن أمتي سيفتنون من بعدي! فقلت يا رسول الله: أو ليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين وحيزت عني الشهادة فشق ذلك عليَّ، فقلت لي: أبشر فإن الشهادة من ورائك؟ فقال لي: إن ذلك لكذلك فكيف صبرك إذاً ؟ فقلت: يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشرى والشكر! فقال: يا علي إن القوم سيفتنون بأموالهم، ويمنون بدينهم على ربهم، ويتمنون رحمته ويأمنون سطوته، ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والأهواء الساهية، فيستحلون الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية. والربا بالبيع! قلت يا رسول الله: بأي المنازل أنزلهم عند ذلك؟ أبمنزلة ردة أم بمنزلة فتنة؟ فقال: بمنزلة فتنة ».
< صفحة > 201 < / صفحة > - *
وقد أورد السيد السبزواري في المهذب(23/189):(عدداً من آداب الأكل والشرب، منها: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا وضعت المائدة حفها أربعة آلاف ملك، فإذا قال العبد: بسم الله قالت الملائكة: بارك الله عليكم في طعامكم ثمَّ يقولون للشيطان: أخرج يا فاسق لا سلطان لك عليهم. فإذا فرغوا فقالوا الحمد لله قالت الملائكة: قوم أنعم الله عليهم فأدّوا شكر ربهم، وإذا لم يسموا قالت الملائكة للشيطان: أدن يا فاسق فكل معهم، فإذا رفعت المائدة ولم يذكروا اسم الله عليها قالت الملائكة: قوم أنعم الله عليهم، فنسوا ربهم »
قال النبي صلى الله عليه وآله : « ما من رجل يجمع عياله ويضع مائدته فيسمون في أول طعامهم، ويحمدون في آخره، فترفع المائدة حتى يغفر لهم ».
وفي وصيته صلى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام في آداب المائدة: الخلال بعد الطعام وأن لا يكون بعود الريحان وقضيب الرمان والخوص والقصب.
وعنه صلى الله عليه وآله : رحم الله المتخلَّلين، قيل: يا رسول الله وما المتخلَّلون؟ قال: المتخلَّلون من الطعام فإنه إذا بقي في الفم تغير فأذّى الملك ريحه.
وعن علي عليه السلام : نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن التخلَّل بالرمان والآس والقصب وقال: إنهن يحركن عرق الآكلة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : الذي يسقط من المائدة مهور حور العين.
ونهى صلى الله عليه وآله أن ينفخ في طعام أو شراب، أو ينفخ في موضع السجود.
وعن الصادق عليه السلام « إذا أكل أحدكم أو شرب فليأكل أو يشرب بيمينه تأسياً بالنبي صلى الله عليه وآله كان إذا أكل مع القوم طعاماً كان أول من يضع يده وآخر من يرفعها ليأكل القوم » .
وعن الصادق عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله كان يجلس جلسة العبد ويضع يده على الأرض ويأكل بثلاث أصابع، ليس كما يفعل الجبارون يأكلون بإصبعين.
و عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أكرموا الخبز، قيل: يا رسول الله وما إكرامه؟ قال: إذا وضع لا ينتظر به غيره.
< صفحة > 202 < / صفحة >
و عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إياكم أن تشموا الخبز كما يشمه السباع فإن الخبز مبارك أرسل الله له السماء مدراراً وله أنبت الله المرعى، وبه صليتم وبه صمتم، وبه حججتم بيت ربكم.
وعن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : سيد شراب الجنة الماء). - *
وقال الشيخ محمد جواد مغنية في فقه الإمام جعفر الصادق عليه السلام (4/396):
(في كتب الفقه والحديث روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام في آداب المائدة، وبيان النافع والضار من الأطعمة والأشربة، وقد جمعها الحر العاملي في المجلد الثالث من كتاب وسائل الشيعة باب الأطعمة والأشربة، وتبلغ المئات، ولو أخرجت في كتاب مستقل لجاءت في مجلد ضخم، وفيما يلي بعض ما تضمنته تلك الروايات:
يستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده، مع غسل الفم، وأن يفتتح الأكل بالملح ويختم به، وأن لا يأكل الفاكهة إلَّا بعد غسلها.
وقال الصادق عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الطعام إذا جمع ثلاث خصال فقد تم: إذا كان من حلال، وكثرت الأيدي عليه، وسمى في أوله، وحمد الله في آخره.
ويكره أكل الطعام حاراً، فعن الإمام الصادق عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قدم إليه طعام حار، فقال: نَحُّوهُ حتى يبرد، إن اللَّه لم يطعمنا النار.
ونهى أن ينفخ في طعام أو شراب. وقال الصادق عليه السلام : لم يكن رسول الله يأكل طعاماً، أو يشرب شراباً إلَّا قال: اللهم بارك لنا فيه، وأبدلنا خيراً منه إلَّا اللبن فإنه كان يقول: اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه. وعن النبي صلى الله عليه وآله : عليكم بالفواكه في إقبالها، فإنها مصحة للأبدان). - *
< صفحة > 203 < / صفحة >
الفصل الثاني والعشرون : يسلط الله رسله على من يشاء
الفصل الثاني والعشرون
يسلط الله رسله على من يشاء
الأرض ومن فيها ملك طلق لله تعالى
قال الله تعالى:قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ للَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ.
فالأرض ومن فيها ملك طلقٌ لله تعالى، فهو خالقها ومالكها، وله أن يتصرف فيها كما شاء، فيهبها لمن شاء، يهب الأراضي والثروات، بل يهب الناس والمخلوقات، ولا يحق لأحد أن يعترض على تصرفه. فالحديث الذي يقول إن الله وهب الأرض وما عليها للإمام عليه السلام منسجم مع الأصل القانوني والفقهي، ولو قال أسكنت فيها بني آدم بشرط الإسلام لكان للمسلمين الحق أن يسكنوا فيها، أما الكفار فيجب أن يعطوا أجرة أو جزية بدل سكناهم، وذلك منسجمٌ مع الأصل القانوني والفقهي.
وقال تعالى: وَمَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَئٍْ قَدِيرٌ. أي كل أرض أو بلد تدخل في الإسلام بدون قتال فهي فيئٌ للنبي صلى الله عليه وآله وهي ملك له خاصة دون المؤمنين.
ملكية المعصوم أكبر من بقية الملكيات
في الإسلام أربعة أنواع من الملكية: الملكية الشخصية، وملكية الدولة، وملكية المسلمين، وملكية الإمام. وقد جعل الله ملكية الإمام أكبر الملكيات فهي تشمل أكثر الثروات الطبيعية والأراضي المشاع وغيرها. وذلك لكي يوازن الإمام بين الملكيات، فجعل يده مبسوطة ليعطي
< صفحة > 204 < / صفحة >
من ملكيته ما يسد الحاجة ويحفظ حاجة المجتمع وتوازن اقتصاد البلد.
الأرض كلها للإمام عليه السلام
قال الإمام الباقر عليه السلام (الكافي1/407): ( وجدنا في كتاب علي عليه السلام إِنَّ الأَرْضَ لله يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ للَّمُتَّقِينَ. أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ونحن المتقون والأرض كلها لنا، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، فإن تركها أو أخربها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها، يؤدي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها، كما حواها رسول الله صلى الله عليه وآله ومنعها. إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنه يقاطعهم على ما في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم).
وفي الكافي(1/408): (قال: رأيت مسمعاً بالمدينة، وقد كان حمل إلى أبي عبد الله عليه السلام تلك السنة مالاً فرده أبوعبد الله، فقلت له: لم رد عليك أبوعبد الله المال الذي حملته إليه؟ قال: إني قلت له حين حملت إليه المال: إني كنت وليت البحرين الغوص فأصبت أربع مائة ألف درهم وقد جئتك بخمسها بثمانين ألف درهم وكرهت أن أحبسها عنك، وأن أعرض لها، وهي حقك الذي جعله الله تبارك وتعالى في أموالنا، فقال: أوَما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس يا أباسيار؟ إن الأرض كلها لنا، فما أخرج الله منها من شئ فهو لنا، فقلت له: وأنا أحمل إليك المال كله؟ فقال: يا أباسيار قد طيبناه لك وأحللناك منه فضم إليك مالك، وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم. وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا، فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم صغرة. قال عمر بن يزيد: فقال لي أبوسيار: ما أرى أحداً من أصحاب الضياع، ولا ممن يلي الأعمال يأكل حلالاً غيري، إلا من طيبوا له ذلك).
القانون الطبيعي وأصل الملكية عندهم في طريق مسدود
قال الحقوقيون إن القانون الطبيعي يستوجب ملكية الإنسان لما يحتاج اليه في معيشته، من مسكن وزراعة ومأكل ومدفن. وقد ناقشتهم في مستند هذه الملكية، لأنهم ما داموا يقرون
< صفحة > 205 < / صفحة >
بملكية الله تعالى فلا بد أن يستند الإستحقاق الى تمليك المالك عز وجل. وقد أقر بذلك الدكتور عبد الحي حجازي رئيس كلية الحقوق بجامعة الكويت.
فالحقوقي عندما يبحث استحقاق الملكية، لا يجوز أن يغمض عينيه عن خالق الأرض والإنسان ومالكهما عز وجل.
وبهذا يتميز الفقه الإسلامي عن القانون بأنه لاينطلق في أصوله وتفريعاته من فراغ، أو من فرضية خيالية ، بل من تمليك المالك الشرعي عز وجل.
حروب النبي صلى الله عليه وآله منها دفاعية ومنها هجومية
بعض الناس يتخيل أن هجوم النبي صلى الله عليه وآله على أعدائه لايناسب نبوته، فيقول إن حروبه كانت كلها دفاعية، وإنه لم يكن يبدأ بهجوم أبداً.
وبعضهم يريدون الدفاع عن النبي صلى الله عليه وآله أمام الغربيين الذين يقولون إن محمداً جاء بالقتل وسفك الدماء، فيديبونهم: كلا، بل هو مدافع.
وقد كتبنا في السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام ما خلاصته:
قال أمير المؤمنين عليه السلام يصف حالة الأنصار في أول الهجرة (أمالي الطوسي/174): «فلما آووا رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه ونصروا الله ودينه، رمتهم العرب عن قوس واحدة، وتحالفت عليهم اليهود وغزتهم القبائل قبيلة بعد قبيلة، فتجردوا للدين وقطعوا ما بينهم وبين العرب من الحبائل، وما بينهم وبين اليهود من العهود، ونصبوا لأهل نجد وتهامة، وأهل مكة واليمامة، وأهل الحزن وأهل السهل، قناة الدين والصبر، تحت حماس الجلاد ».
وهذا جو يستوجب الإستنفار الدائم للدفاع. فحروبهم مع قريش وغيرها كانت دفاعاً أو وقاية من اعتداء متوقع.
وقد تبنى هذا التحليل الكُتَّاب المسلمون المعاصرون رداً على الغربيين الذين اتهموا الإسلام بأنه دين دموي انتشر بالقوة.
وقد أجاب بعضهم بإجابات ضعيفة، فادعوا أن جميع حروب النبي صلى الله عليه وآله دفاعية، لكن آيات فريضة الجهاد صريحة في تشريع القتال للدفاع والهجوم، وكذا ما دونه الفقهاء في أبواب الجهاد،
< صفحة > 206 < / صفحة >
كالكافي: 5 / 13، ومبسوط الطوسي: 2 / 2، والجواهر: 21 / 3، والمجموع: 19 / 265، والمغني: 10 / 364.
والأصل الحقوقي في هذه المسائل أن المالك المطلق للأرض والكون هو الله تعالى، فهو الخالق المالك عز وجل. وبما أنه عادل حكيم، لم يعط حق دعوة الناس اليه إلا للمعصومين من أنبيائه وأوصيائه عليهم السلام .ولهذا سلط رسوله على الناس: وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَئْ قَدِيرٌ ». وحصرالمأذون لهم بالدعوة والقتال بالمعصومين الذين اختارهم.( تهذيب الأحكام: 6 / 131).
روى في الكافي(8 /341) بسند صحيح عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال:«إنه لما ماتت خديجة قبل الهجرة بسنة ومات أبوطالب بعد موتها، حزن رسول الله حزناً شديداً، وخاف على نفسه من كفار قريش فأوحى الله إليه:أخرج من القرية الظالم أهلها وهاجر إلى المدينة، فليس لك بمكة ناصر، وانصب للمشركين حرباً. فعند ذلك توجه رسول الله صلى الله عليه وآله من مكة إلى المدينة ».
وقال ابن هشام (2/320): « أذن الله عز وجل لرسوله في القتال والإنتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم، فكانت أول آية أنزلت في إذنه له في الحرب قول الله تبارك وتعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ».
وقال الصادق عليه السلام (الكافي(5/7): «إن الله عز وجل بعث رسوله بالإسلام إلى الناس عشرسنين فأبوا أن يقبلوا حتى أمره بالقتال! فالخيركله في السيف وتحت ظل السيف، ولايقيم الناس إلا السيف، والسيوف مقاليد الجنة والنار ».
حروب النبي صلى الله عليه وآله مشروعة لاسترداد حريته في الدعوة
فكان من حقه صلى الله عليه وآله أن يقاتلهم لينتزع منهم حريته في التبليغ، وقد استند الى ذلك في معركة بدر فقال لبني هاشم: « قاتلوا على حقكم الذي بعث الله به نبيكم، إذ جاؤوا بباطلهم ليطفؤا نور الله). ( المناقب:1 / 162).
وفي نقض العثمانية (1/283): (فقال النبي صلى الله عليه وآله لأهله الأدنين: قوموا يا بني هاشم فانصروا حقكم الذي آتاكم الله، على باطل هؤلاء).
وحق النبي صلى الله عليه وآله وبني هاشم أن يبلغ نبيهم رسالة ربه بحرية، وأن يقاتل ليسترد حريته. كما
< صفحة > 207 < / صفحة >
أن من حقه أن يتخذ كل الإجراءات اللازمة لحماية نفسه. وحقه أن يفند افتراءهم وبهتانهم عليه وعلى رسالته.
ولأنه أفضل الأنبياء عليهم السلام ورسالته خاتمة الرسالات كانت أول قضية ترفع يوم القيامة ظلم قريش له، وصدها عن سبيل الله الذي يدعو اليه، ومنعها الخير والهداية أن تصل الى شعوب العالم وأجياله. فمحكمة القيامة تبدأ بالقضايا الكبرى التي أثرت على أمن الشعوب وهدايتهم، شبيهاً بقضايا أمن الدولة، وتنظر فيها قبل القضايا الفردية.
وأول القضايا الكبرى ظلم قريش للنبي صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام وبني هاشم. وهذا معنى ما رواه البخاري ورويناه من أن علياً عليه السلام أول شاكٍ يوم القيامة، أي نيابة عن النبي صلى الله عليه وآله وأصالة عن نفسه! فهو صاحب قضية لها أولوية في محكمة العدل الكبرى على قضايا الأمم، لأنها الأعظم على الإطلاق!
قال البخاري في صحيحه (5/6): (عن قيس بن عبادة عن علي بن أبي طالب أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة)!
وقال الحاكم (2/387): (قال عليٌّ: وأنا أول من يجثو للخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة. لقد صح الحديث بهذه الروايات عن علي، كما صح عن أبي ذر الغفاري).
وهذه حقيقة قارعة، فعلي عليه السلام الشاكي يجثو على ركبتيه بين يدي الله عز وجل ويقدم شكواه على قريش بالأصالة عنه والوكالة عن النبي صلى الله عليه وآله !
وقد كان عليه السلام يعلن شكواه من قريش، ومما قاله عليه السلام (نهج البلاغة:1/82): (مالي ولقريش! والله لقد قاتلتهم كافرين ولأقاتلنهم مفتونين. وإني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم. والله ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم، فأدخلناهم في حَيِّزنا، فكانوا كما قال الأول:
أدمت لعمري شُرْبَك المحضَ صابحاً * وأكلك بالزُّبد المقشــــــرة البُجْــــرَا
ونحن وهبناك لعلاء ولم تكن علياً * وحُطْنَا حولك الجُـــــرد والســـمرا
وقال عليه السلام (الخصال/366): (وأما الثانية يا أخا اليهود فإن قريشاً لم تزل تَخيَّلُ الآراء وتعمل الحيل في قتل النبي صلى الله عليه وآله حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار دار الندوة، وإبليس الملعون
< صفحة > 208 < / صفحة >
حاضر في صورة أعور ثقيف، فلم تزل تضرب أمرها ظهراً لِبطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل، ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه ثم يأتي النبي صلى الله عليه وآله وهو نائم على فراشه فيضربونه جميعاً بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، وإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمها فيمضي دمه هدراً، فهبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله فأنبأه بذلك وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها والساعة التي يأتون فراشه فيها، وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار، فأخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله بالخبر، وأمرني أن أضطجع في مضجعه ، وأقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعاً له مسروراً لنفسي بأن أقتل دونه، فمضى صلى الله عليه وآله لوجهه واضطجعت في مضجعه، وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي صلى الله عليه وآله ، فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه، ناهضتهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله والناس).
وقال عليه السلام (نهج البلاغة:3/61): (فدع عنك قريشاً وتركاضهم في الضلال، وتجوالهم في الشقاق، وجماحهم في التيه، فإنهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله قبلي، فجَزَت قريشاً عني الجوازي ، فقد قطعوا رحمي، وسلبوني سلطان ابن أمي).
وقال عليه السلام (نهج البلاغة:2/27):(أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا، كذباً وبغياً علينا أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم. بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى.إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لاتصلح على سواهم ولاتصلح الولاة من غيرهم.
منها: آثروا عاجلاً وأخروا آجلاً، وتركوا صافياً وشربوا آجناً. أين العقول المستصبحة بمصابيح الهدى، والأبصار اللامحة إلى منار التقوى. أين القلوب التي وهبت لله وعوقدت على طاعة الله. إزدحموا على الحطام وتشاحُّوا على الحرام، ورفع لهم علم الجنة والنار فصرفوا عن الجنة وجوههم وأقبلوا إلى النار بأعمالهم. دعاهم ربهم فنفروا وولوا، ودعاهم الشيطان فاستجابوا وأقبلوا).
وقال عليه السلام (نهج البلاغة:2/202): (اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قد قطعوا رحمي، وأكفأوا إنائي، وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري، وقالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه، فاصبر مغموماً أو مت متأسفاً، فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذابٌّ ولا
< صفحة > 209 < / صفحة >
مساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية فأغضيت على القذى، وجرعت ريقي على الشجى، وصبرت من كظم الغيظ على أمرِّ من العلقم، وآلم للقلب من حز الشفار)!
في الخصال/462: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله :يا علي إن القوم نقضوا أمرك واستبدوا بها دونك، وعصوني فيك. فعليك بالصبر حتى ينزل الأمر، ألا وإنهم سيغدرون بك لا محالة، فلا تجعل لهم سبيلاً إلى إذلالك وسفك دمك، فإن الأمة ستغدر بك بعدي، كذلك أخبرني جبرئيل عليه السلام عن ربي تبارك وتعالى).
وقال له النبي قبل وفاته (البصائر/141):(لست أخاف عليك أن تضل بعد الهدى، ولكن أخاف عليك فساق قريش وعاديتهم! حسبنا الله ونعم الوكيل).
وفي شرح النهج(20/326): (أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي إلى أن الأمة ستغدر بك من بعدي).
ورواه الحاكم (3/140و143) بلفظ: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الأمة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش على ملتي، وتقتل على سنتي، من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه ستخضب من هذا يعني لحيته من رأسه).
وقال الهيثمي(9/138): (رواه البزار وفيه علي بن قادم وقد وُثق وضعف).
أقول: ما تقدم يكفي لنعرف أن شكاية علي عليه السلام يوم يجثو أمام ربه عز وجل إنما هي من قريش، وأن محاولة البخاري ورواة السلطة أن يجعلوها شكاية على من قتلهم في بدر محاولةٌ ركيكة بل سخيفة، فبعد قتله إياهم لم يبق ما يشتكيه منهم!
- *
< صفحة > 210 < / صفحة >
الفصل الثالث والعشرون : محاولات قريش واليهود اغتيال النبي صلى الله عليه وآله
الفصل الثالث والعشرون
محاولات قريش واليهود اغتيال النبي صلى الله عليه وآله
غضبت قريش وقررت قتل النبي صلى الله عليه وآله لمجرد بعثته!
كانت قريش تنتظرأن يظهر نبي من بني عبد المطلب، فقد شاع ذلك من الأحبار والرهبان، وبمجرد أن عرفت أن محمداً قال إنه بعث نبياً، اتخذت قراراً بقتله،لأنه يخل بتوافق قبائل قريش على مناصب السيادة، وبنو هاشم سهمهم السقاية والرفادة ويريد محمد أن يترأسوا على قريش، وهذا لايكون!
كتب أمير المؤمنين عليه السلام في جوابه لمعاوية (مناقب الخوارزمي/251):« أما بعد، فإن أخا خولان أتاني منك بكتاب تذكر فيه محمداً صلى الله عليه وآله ، والحمد لله الذي صدق له الوعد، ومكن له في البلاد وأظهره على أهل عداوته والشنآن من قومه الذين ألبوا عليه العرب، وهم قومه الأدنى فالأدنى إلا قليلاً ممن عصمه الله.
كنا أهل البيت أول من آمن وصدق بما أرسل به، فأراد قومنا قتل نبينا واجتياح أصلنا وهموا بنا الهموم، وفعلوا بنا الأفاعيل وأمسكوا منا المادة، وقطعوا عنا الميرة، ومنعونا الماء العذب، وأحلونا الخوف، واضطرونا إلى جبل وعر، وكتبوا بينهم كتاباً أن لا يواكلونا ولا يشاربونا ولا يبايعونا ولا يناكحونا ولا نأمن فيهم، حتى ندفع إليهم نبينا صلى الله عليه وآله فيقتلوه ويمثلوا به! فعزم الله على منعه والذب عن حوزته، فمؤمننا يرجو الثواب، وكافرنا يحامي عن الأصل، وأنا أول أهل بيتي إسلاماً معه، ومن أسلم بعدنا أهل البيت من قريش فحليف ممنوع، وذو عشيرة تحامي عنه ».
أقول:إن الخطر الشديد على حياة النبي صلى الله عليه وآله كان في ثلاث فترات، أولاها السنوات الثلاث الأولى
< صفحة > 211 < / صفحة >
من أول البعثة إلى هلاك المستهزئين، والثانية فترة حصار الشعب التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات، والثالثة بعد وفاة أبي طالب الى هجرته، وكانت نحو سنة.
وفي تفسير القمي(1/379): (فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله (أول السنة الرابعة) فقام على الحِجْر فقال: يا معشر قريش يا معشرالعرب: أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وآمركم بخلع الأنداد والأصنام، فأجيبوني تملكوا بها العرب، وتدين لكم العجم، وتكونوا ملوكاً في الجنة. فاستهزؤوا به وقالوا: جُنَّ محمد بن عبد الله، ولم يجسروا عليه لموضع أبي طالب، فاجتمعت قريش إلى أبي طالب فقالوا: يا أباطالب إن ابن أخيك قد سفه أحلامنا وسب آلهتنا وأفسد شباننا وفرق جماعتنا، فإن كان يحمله على ذلك العُدْم جمعنا له مالاً فيكون أكثر قريش مالاً، ونزوجه أي امرأة شاء من قريش، فقال له أبوطالب:يا ابن أخي إن قومك قد أتوني يسألوني أن أسألك أن تكف عنهم، فقال يا عم لا أستطيع أن أخالف أمر ربي. فكف عنه أبوطالب. ثم اجتمعوا إلى أبي طالب فقالوا: أنت سيد من ساداتنا فادفع الينا محمداً لنقتله وتملك علينا، فقال أبوطالب قصيدته الطويلة يقول فيها:
ولما رأيت القوم لا وُدَّ عندهم * وقد قطعوا كل العرى والوسائلِ
كذبتم وبيت الله نُبْزي محمداً * ولما نطاعنْ دونه ونناضلِ
ونُسْلمه حتى نُصَـرَّعَ حوله * ونذهلَ عن أبنائنا والحلائلِ
فلما اجتمعت قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وكتبوا الصحيفة القاطعة، جمع أبوطالب بني هاشم وحلف لهم بالبيت والركن والمقام والمشاعر في الكعبة لئن شاكت محمداً شوكة لآتين عليكم يا بني هاشم! فأدخله الشعب وكان يحرسه بالليل والنهار، قائماً على رأسه بالسيف، أربع سنين).
وقال المحامي أحمد حسين يعقوب في كتابه المواجهة مع الرسول صلى الله عليه وآله /175: «وعانوا الحرمان والجوع، فأكلوا نبات الأرض، وأخذ الأطفال يَمُصُّون الرمال من العطش، وكانت بطون قريش تشاهد كل هذا وتتلذذ به، دون أي إحساس بالحرج!ولكن الهاشميين لم يركعوا ولم يستسلموا، ولم يستجيبوا لبطون قريش في طلبها تسليم النبي صلى الله عليه وآله .
< صفحة > 212 < / صفحة >
لقد تحملوا ما لم تتحمله قبيلة على وجه الأرض في سبيل محمد صلى الله عليه وآله وفي سبيل دينه ولولا صبرهم وثباتهم لقتلت البطون رسول الله كما قتل غيره من الأنبياء وأجهضت دعوته في مهدها، ولكن الله أراد أن يظهر دينه، وأن يتحمل البطن الهاشمي أعباء مرحلة التأسيس الحاسمة.
ثم أوحى الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله أنه أرسل حشرة أكلت صحيفة الحصار ولم تبق من كتابتها إلا اسم الله، وما إن انتهى جبريل من إلقاء تلك البشارة العظيمة حتى نهض رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبر عمه بتفاصيل خبر السماء، وعلى إثر ذلك توجه النبي وأبوطالب والهاشميون جميعاً إلى مكة. أقبلت قريش تريد الوقوف على حقيقة الأمر، وهي تظن أباطالب قد جاء ليعلن استسلامه واستسلام بني هاشم، ولكن أباطالب طلب من زعماء الشرك أن يحضروا صحيفة الحصار، فلما فعلوا ذلك قال لهم: أليست هذه صحيفتكم على العهد الذي تركتوها فيه؟ فقالت زعامة البطون: نعم. فقال أبوطالب: فهل أحدثتم فيها حدثاً؟ فقالوا: اللهم لا. فقال لهم: لقد أعلمني محمد عن ربه أن الله قد بعث الأرضة فأكلت كل ما فيها إلا ذكر الله، أفرأيتم إن كان صادقاً ما تصنعون؟ فقالت زعامة البطون: نكف ونمسك. فقال أبوطالب: فإن كان كاذباً دفعته إليكم تقتلونه! فقالوا: قد أنصفت وأجملت. وفُضَّت الصحيفة فإذا كل ما فيها قد محي إلا مواقع اسم الله عز وجل، وبهتت زعامة الشرك وأسلم على أثر هذه المعجزة عدد من الناس، وأعلن أبوطالب أنه على الدين الحق، واهتزت شرعية الحصار والمقاطعة.
إن للهاشميين فضلاً على كل مسلم ومسلمة إلى يوم الدين، فلولا موقفهم الحاسم المشرف بقيادة أبي طالب، لتمكنت بطون قريش من قتل محمد صلى الله عليه وآله ولما قامت للإسلام قائمة!
ومن المهازل أن تقوم السلطات التي سيطرت على مقاليد أمور المسلمين فيما بعد،بتصوير أبي طالب مشركاً وتنكر كفاحه وجهاد أبنائه، وتفرض مسبتهم على المنابر، ولا تقبل شهادة من يواليهم، وتلقي في أذهان العامة والغوغاء أن الهاشميين ماتوا بموت محمد، وأنهم لم يخلقوا للقيادة، وإنما خلقوا ليكونوا أتباعاً لخلفاء بطون قريش، وأن الخلافة حق خالص للبطون مثلما كانت النبوة حقاً خالصاً للهاشميين، وأن هذه القسمة هي القسمة العادلة، وكأن البطون هي المخولة بتوزيع فضل الله تعالى ».
< صفحة > 213 < / صفحة >
أراد اليهود أن يغتالوه فنهاهم الراهب بحيرا
(قال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال أبوطالب: ابني، قال: ما هو ابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً، قال: فابن أخي، قال: فما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريباً، قال: صدقت، إرجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليبغينه شراً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا، واعلم أني قد أديت إليك النصيحة، فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعاً، وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وعرفوا صفته فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا إلى بحيرا فذاكروه أمره فنهاهم أشد النهي، وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم، قال: فما لكم إليه سبيل، فصدقوه وتركوه، ورجع به أبوطالب، فما خرج به سفراً بعد ذلك خوفاً عليه). ( الطبقات:1/154وتاريخ دمشق:3/12).
وحاول بنو النضير أن يغتالوا النبي صلى الله عليه وآله
في تفسير القمي(2/359): (وكان سبب ذلك من بني النضير في نقض عهدهم أنه أتاهم رسول الله صلى الله عليه وآله يستسلفهم دية رجلين قتلهما رجل من أصحابه غيلة يعني يستقرض، وكان قصد كعب بن الأشرف، فلما دخل على كعب قال: مرحباً يا أبا القاسم وأهلا! وقام كأنه يصنع له الطعام وحدث نفسه أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وآله ويتبع أصحابه، فنزل جبرئيل عليه السلام فأخبره بذلك، فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وقال لمحمد بن مسلمة الأنصاري: إذهب إلى بني النضير فأخبرهم أن الله عز وجل قد أخبرني بما هممتم به من الغدر، فإما أن تخرجوا من بلدنا وإما أن تأذنوا بحرب، فقالوا نخرج من بلادك فبعث إليهم عبد الله بن أبي ألا تخرجوا وتقيموا وتنابذوا محمداً الحرب فإني أنصركم أنا وقومي وحلفاي، فإن خرجتم خرجت معكم وإن قاتلتم قاتلت معكم، فأقاموا وأصلحوا حصونهم وتهيئوا للقتال وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إنا لا نخرج فاصنع ما أنت صانع)!
وفي تفسير التبيان(9/425): (قال محمد بن إسحاق: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بني النضير، يستعينهم في دية القتيلين من بني عامر، اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، وكان بين
< صفحة > 214 < / صفحة >
بني النضير وبني عامر عقد وحلف. فلما أتاهم النبي يستعينهم في الدية قالوا: نعم يا أباالقاسم! نعينك على ما أحببت. ثم خلا بعضهم ببعض فقال: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حالته هذه، ورسول الله إلى جانب جدار من بيوتهم قاعد. فقالوا: من رجل يعلو على هذا البيت يلقي عليه صخرة، ورسول الله صلى الله عليه وآله في نفر من أصحابه، فأتاه الخبر من السماء بما أراد القوم فقام وقال لأصحابه: لا تبرحوا، فخرج راجعاً إلى المدينة فأخبرهم الخبر بما أرادت اليهود من الغدر.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله محمد بن مسلمة بقتل كعب بن الأشرف. فخرج ومعه سلكان بن سلامة، وثلاثة من بني الحرث. وخرج النبي صلى الله عليه وآله على أثرهم، وجلس في موضع ينتظر وجوههم. فذهب محمد بن مسلمة مع القوم إلى قرب قصره، وأجلس قومه عند جدار وناداه: يا كعب! فانتبه وقال: من أنت؟ قال: أنا محمد بن مسلمة أخوك، جئتك أستقرض منك دراهم، فإن محمداً يسألنا الصدقة، وليس معنا الدراهم. فقال: لا أقرضك إلا بالرهن. قال: معي رهن إنزل فخذه. وكانت له امرأة بنى بها تلك الليلة عروساً، فقالت: لا أدعك تنزل، لأني أرى حمرة الدم في ذلك الصوت، فلم يلتفت إليها. فخرج فعانقه محمد بن مسلمة، وهما يتحادثان، حتى تباعدا من القصر إلى الصحراء، ثم أخذ رأسه، ودعا بقومه وصاح كعب، فسمعت امرأته، فصاحت وسمع نجر النضير صوتها، فخرجوا نحوه فوجدوه قتيلاً ورجع القوم سالمين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله . فلما أسفر الصبح، أخبر رسول الله أصحابه بقتل كعب، ففرحوا. وأمر بحربهم والسير إليهم. فسار بالناس حتى نزل بهم، فتحصنوا منه في الحصن فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بقطع النخل والتحريق فيها فنادوا يا محمد! قد كنت تنهى عن الفحشاء، فما بالك تقطع النخل وتحرقها! فأنزل الله: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ. وهي البويرة).
وقال ابن عبد ربه في الدرر/166: وخرج إليهم وذلك في ربيع الأول أول السنة الرابعة من الهجرة، فتحصنوا منه في الحصون فحاصرهم ست ليال فألقوا بأيديهم وسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكف عن دمائهم ويجليهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح، فاحتملوا كذلك إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام، وكان ممن سار منهم إلى خيبر أكابرهم حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق فدانت لهم خيبر، وقسم رسول الله صلى الله عليه وآله أموال
< صفحة > 215 < / صفحة >
بني النضير بين المهاجرين خاصة إلا أنه أعطى منها أبادجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف وكانا فقيرين. ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان يامين بن عمير بن كعب بن عمرو بن جحاش، وأبوسعد بن وهب أسلما فأحرزا أموالهما وذكر أن يامين بن عمير جعل جعلاً لمن قتل ابن عمه عمرو بن جحاش لما هم به في رسول الله صلى الله عليه وآله نزلت سورة الحشر في بني النضيرقال الله عز وجل: هُوَالَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ الله فَأَتَاهُمُ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ. فكان إجلاء بني النضير أول الحشر في الدنيا إلى الشام، ولذلك قيل الشام أرض الحشر).
وحاول بنو قريظة أن يغتالوا النبي صلى الله عليه وآله
في الأنوار للبكري/287: (أن سعد بن قطمير وكان من أحبار اليهود وكهانهم وكان قد اطلع على صفات النبي صلى الله عليه وآله قال فلما نظر إليه عرفه وقال: لا شك هذا الذي يفسد أحلامنا ويبطل أدياننا ويرمل نسواننا، وإني أريد بأن أحتال على قتله ثم دنا من النبي وقال يا سيدي بكم هذا الحمل الأديم فقال له النبي بخمس مائة درهم لا ينقص منها شيئ قال اليهودي اشتريت لكن بشرط أنك تسير معي إلى منزلي وتأكل من طعامي حتى تحصل لي بك البركة لأنكم سكان بيت الله الحرام فأجابه النبي صلى الله عليه وآله إلى ذلك فأخذ اليهودي ذلك الحمل الأديم وسار به إلى منزله والنبي معه قال فلما قرب اليهودي من منزله سبق إلى زوجته وقال لها يا هذه أريد منك أن تساعديني على قتل هذا الغلام المكي الذي يعطل أدياننا ويقتل رجالنا ويخرب ديارنا قالت وكيف أصنع به؟ قال خذي فردة هذه الرحى واقعدي في أعلى الدار مما يلي الباب فإذا قبض منا ثمن حمل الأديم فألقي عليه فردة الرحى فعسى أن نقتله ونستريح منه قال فأخذت زوجته فردة الرحى وصعدت إلى أعلى السطح فلما خرج النبي صلى الله عليه وآله همت أن تلقي عليه الرحى فأمسك الله على يديها وكأن لاطماً لطمها وأوقع الله في قلبها الرعب والرجفة وغشي على بصرها من نور محمد صلى الله عليه وآله ،وكان لها ولدان نائمان بفناء الدار فسقطت الرحى عليهما فقتلتهما وخرج النبي صلى الله عليه وآله سالماً قال فلما نظر اليهودي إلى ما جرى على أولاده لطم على وجهه ونادى بأعلى صوته يا بني قريظة فأجابوه من كل جانب ومكان وقالوا ما دهاك؟ قال إعلموا أنه قد دخل اليوم في بلادكم الذي يعطل أديانكم ويخرب
< صفحة > 216 < / صفحة >
دياركم وقد دخل منزلي وأكل طعامي وقتل أولادي)!
وحاول قوم من اليهود أن يغتالوا النبي صلى الله عليه وآله
وفي الوجيز لابن عطية الأندلسي(2/167): (وحكى الطبري أن الآية نزلت بسبب قوم من اليهود صنعوا للنبي صلى الله عليه وآله وأصحابه طعاماً ليقتلوه إذا أتى الطعام. فأشعره الله تعالى بذلك. ثم أدخل الطبري تحت هذه الترجمة عن ابن عباس خلاف ماترجم به من أن قوماً من اليهود صنعوا للنبي صلى الله عليه وآله وأصحابه طعاماً ليقتلوه إذا أتى الطعام. قال القاضي أبومحمد: فيشبه أن ابن عباس إنما وصف قصة بني النضير المتقدمة).
استنفرت قريش وبنو هاشم للقتال فتراجعت قريش!
في أنساب الأشراف(2/31)، وابن هشام(1/172):(قال ابن إسحاق: ثم إن قريشاً حين عرفوا أن أباطالب قد أبى خذلان رسول الله وإسلامه وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم، مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا له فيما بلغني: يا أباطالب، هذا عمارة بن الوليد، أنهد فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولداً فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل، فقال: والله لبئس ما تسومونني! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه؟هذا والله مالا يكون أبداً! قال: فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ابن قصي:والله يا أباطالب لقد أنصفك قومك وجهدوا على التخلص مما تكرهه، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئاً، فقال أبوطالب للمطعم: والله ما أنصفوني، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم عليَّ، فاصنع ما بدا لك. فحقب الأمر وحميت الحرب وتنابذ القوم، وبادى بعضهم بعضاً فقال أبوطالب عند ذلك يعرض بالمطعم بن عدي، ويعم من خذله من بني عبد مناف، ومن عاداه من قبائل قريش، ويذكر ما سألوه وما تباعد من أمرهم:
ألا قل لعمرو والوليد ومطعم * ألا ليت حظي من حياطتكم بكر
من الخور حبحاب كثير رغاؤه * يرش على الساقين من بوله قطر
< صفحة > 217 < / صفحة >
تخلف خلف الورد ليس بلاحق * إذا ما علا الفيفاء قيل له وبر
أرى أخوينا من أبينا وأمنا * إذا سئلا قالا إلى غيرنا الأمر
بلى لهما أمر ولكن تجرجما * كما جرجمت من رأس ذي علق الصخر
أخص خصوصاً عبد شمس ونوفلاً * هما نبذانا مثل ما ينبذ الجمر
هما أغمزا للقوم في أخويهما * فقد أصبـحا منهـم أكفهـما صـفر
هما أشركا في المجد من لا أباً له * من الناس إلا أن يرس له ذكر
وتيم ومخزوم وزهرة منهم * وكانوا لنا مولى إذا بغيَ النصر
فـــوالله لاتنفك منــــــا عـــــــداوة * ولا منهم ما كان من نسلنا شفر
فقد سفهت أحلامهم وعقولهم * وكانوا كجفر بئس ما صنعت جفر
قال ابن هشام: تركنا منها بيتين أقذع فيهما. (بل ثلاثة كما يأتي).
قال ابن إسحاق: ثم إن قريشاً تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذين أسلموا معه، فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم، ومنع الله رسوله صلى الله عليه وآله منهم بعمه أبى طالب، وقد قام أبوطالب حين رأى قريشاً يصنعون ما يصنعون في بني هاشم وبني المطلب، فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وآله والقيام دونه، فاجتمعوا إليه وقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليه، إلا ما كان من أبي لهب عدو الله. فلما رأى أبوطالب من قومه ما سره في جدهم معه وحدبهم عليه، جعل يمدحهم ويذكر قديمهم، ويذكر فضل رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم، ومكانه منهم ليشد لهم رأيهم، وليحدبوا معه على أمره، فقال:
إذا اجتمعت يوماً قريش لمفخر * فعبد مناف سرها وصميمها
وإن حصلت أشراف عبد منافها * ففي هاشم أشرافها وقديمها
وإن فخرت يوماً فإن محمداً * هو المصطفى من سرها وكريمها
تداعت قريش غثها وسمينها * علينا فلم تظفر وطاشت حلومها
< صفحة > 218 < / صفحة >
وكنا قديماً لا نقر ظلامة * إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها
ونحمي حماها كل يوم كريهة * ونضرب عن أحجارها من يرومها
بنا انتعش العود الذواء، وإنما * بأكنافنا تندى وتنمى أرومها
وفي رواية الواقدي: كلَّم وجوه قريش، وهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبي بن خلف، وأبوجهل، والعاص بن وائل، ومطعم وطعيمة ابنا عدي، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج، والأخنس بن شريق الثقفي أباطالب في أن يدفع إليهم رسول الله ص ويدفعوا إليه عمارة بن الوليد المخزومي، فأبى ذلك وقال: أتقتلون ابن أخي وأغذوا لكم ابنكم، إن هذا لعجب! فقالوا: ما لنا خير من أن نغتال محمداً ! (أي لا بد لنا من قتله).
فلما كان المساء فقد أبوطالب رسول الله صلى الله عليه وآله فخاف أن يكونوا قد اغتالوه فجمع فتياناً من بني عبد مناف وبني زهرة وغيرهم وأمر كل فتى منهم أن يأخذ معه حديدة ويتبعه، ومضى فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: أين كنت يا ابن أخي أكنت في خير؟ قال: نعم والحمد لله. فلما أصبح أبوطالب دار على أندية قريش والفتيان معه وقال: بلغني كذا وكذا، والله لو خدشتموه خدشاً ما أبقيت منكم أحداً إلا أن أقتل قبل ذلك! فاعتذروا إليه وقالوا: أنت سيدنا وأفضلنا في أنفسنا).
وقال الأميني في الغدير (7/361): « حذف ابن هشام منها ثلاثة أبيات:
وما ذاك إلا سؤدد خصنــــا به * إلهُ العباد واصطفانا له الفخر
رجال تمالـــــوا حاسدين وبغضة * لأهل العلى فبينهم أبدا وتر
وليـــــد أبوه كان عبــــداً لجدنا * إلى علجة زرقاء جاش بها البحر
يريد به الوليد بن المغيرة ».
ورواه ابن سعد (1/201) بفروقات، وفيه: (ذكر ممشى قريش إلى أبي طالب في أمره صلى الله عليه وآله ..قال أبوطالب والله. ما هذا بالنصف تسومونني سوم العرير الذليل. فلما أصبح أبوطالب غدا على النبي صلى الله عليه وآله فأخذ بيده فوقف به على أندية قريش ومعه الفتيان الهاشميون والمطلبيون فقال
< صفحة > 219 < / صفحة >
يا معشر قريش هل تدرون ما هممت به؟ قالوا: لا، فأخبرهم الخبر وقال للفتيان أكشفوا عما في أيديكم فكشفوا فإذا كل رجل منهم معه حديدة صارمة، فقال: والله لو قتلتموه ما أبقيت منكم أحداً حتى نتفانى نحن وأنتم، فانكسر القوم وكان أشدهم انكساراً أبوجهل).
واصلت قريش مطالبتها أباطالب بتسليمها النبي صلى الله عليه وآله
في إعلام الورى (1/125): (وكتبوا بينهم صحيفة أن لا يواكلوا بني هاشم ولايكلموهم ولايبايعوهم ولايزوجوهم ولا يتزوجوا إليهم ولايحضروا معهم، حتى يدفعوا محمداً إليهم فيقتلونه، وأنهم يد واحدة على محمد صلى الله عليه وآله ليقتلوه غيلة أو صراحاً. فلما بلغ ذلك أباطالب جمع بني هاشم ودخل الشعب، وكانوا أربعين رجلاً فحلف لهم أبوطالب بالكعبة والحرم والركن والمقام لئن شاكت محمداً شوكة لآتين عليكم يا بني هاشم. وحصَّن الشعب وكان يحرسه بالليل والنهار، فإذا جاء الليل يقوم بالسيف عليه ورسول الله صلى الله عليه وآله مضطجع ثم يقيمه ويضجعه في موضع آخر، فلا يزال الليل كله هكذا ويوكل ولده وولد أخيه به يحرسونه بالنهار! وأصابهم الجهد، وكان من دخل من العرب مكة لا يجسر أن يبيع من بني هاشم شيئاً، ومن باع منهم شيئاً انتهبوا ماله.
وكان أبوجهل، والعاص بن وائل السهمي، والنضر بن الحارث بن كلدة، وعقبة بن أبي معيط يخرجون إلى الطرقات التي تدخل مكة، فمن رأوه معه ميرة نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئاً، ويحذروه إن باع شيئاً منهم أن ينهبوا ماله. وكانت خديجة لها مال كثير فأنفقته على رسول الله صلى الله عليه وآله ).
وفي قصص الأنبياء للراوندي/326: (وبقوا في الشعب أربع سنين لايأمنون إلا من موسم إلى موسم، ولا يشترون ولا يبيعون إلا في الموسم، وكان يقوم بمكة موسمان في كل سنة:موسم العمرة في رجب وموسم الحج في ذي الحجة، فكان إذا اجتمعت المواسم يخرج بنو هاشم من الشعب فيشترون ويبيعون ثم لايجسرأحد منهم أن يخرج إلى الموسم الثاني، وأصابهم الجهد وجاعوا،وبعثت قريش إلى أبي طالب:إدفع إلينا محمداً نقتله ونملكك علينا)!
< صفحة > 220 < / صفحة >
الذين تعاقدوا على قتل النبي صلى الله عليه وآله
في أنساب الأشراف(1/320): (وكان عبد الله بن شهاب الزهري جد محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب (وهو يهودي) وعتبة بن أبي وقاص (أخو سعد بن أبي وقاص) وابن قميئة الأدرمي، من بني تيم بن غالب، فكان تيم أدرم ناقص الذقن، وأبيّ بن خلف الجمحي، وعبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، تعاقدوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله . فأما ابن شهاب فأصاب جبهته، وأما عتبة بن أبي وقاص فرماه بأربعة أحجار فكسر رباعيته اليمنى وشق شفته السفلى، وأما ابن قميئة الأدرمى فكلَم وجنتيه وغيب حلق المغفر فيها، وعلاه بالسيف فلم يقطع. وسقط رسول الله صلى الله عليه وآله فجحشت ركبته. وأما أبيُّ بن خلف فشد عليه بحربة فأعانه الله عليه فقتله، وكان لما شد عليه بالحربة يقول:لأقتلنك بها يا محمد. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله بل أنا قاتلك إن شاء الله. فيقال إنه انتزعها من يده، فطعنه بها. فكان أبي يقول: قتلني محمد! فقيل إنه إنما خدشك فقال: أنا أعلم بالأمر، فسقط ومات في الطريق. وأما عبد الله بن حميد فأقبل يريد رسول الله صلى الله عليه وآله فشد عليه أبودجانة فضربه وقال: خذها وأنا ابن خرشة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : اللهم ارض عن ابن خرشة، فإني عنه راض).
وفي سيرة ابن هشام (3/601): (قال ابن إسحاق: وكان أبي بن خلف، يلقى رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة، فيقول يا محمد إن عندي العوذ، فرساً أعلفه كل يوم فرْقاً من ذرة، أقتلك عليه، فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله :بل أنا أقتلك إن شاء الله، فلما رجع إلى قريش وقد خدشه في عنقه خدشاً غير كبير فاحتقن الدم، قال: قتلني والله محمد! قالوا له: ذهب والله فؤادك! والله إنْ بك من بأس، قال: إنه قد كان قال لي بمكة: أنا أقتلك فوالله لو بصق عليَّ لقتلني. فمات عدو الله بسرف، وهم قافلون به إلى مكة).
محاولات أبي سفيان وأبي لهب وأبي جهل اغتيال النبي صلى الله عليه وآله
جعل أبوسفيان لأعرابي جعلاً على أن يغتال النبي صلى الله عليه وآله فجاء إلى المدينة، فأراد أن يغتاله فأخذه أسيد بن حضير فجذبه، فبدا خنجره وعلم غدرة وصدق النبيّ في بيان القصة، وأخبره بجعل أبي سفيان له فحبس عند أسيد، ثم دعا به فمن عليه وأطلقه فآمن وأسلم). (النهاية: 4 / 69).
< صفحة > 221 < / صفحة >
(أبوذر: كان النبي صلى الله عليه وآله في سجوده فرفع أبولهب حجراً يلقيه عليه فثبتت يده في الهواه فتضرع إلى النبي وعقد الإيمان لوعوفي لا يؤذيه فلما برأ قال: لأنت ساحر حاذق، فنزل: تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ. مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ. سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ. وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ. وكان أبوجهل يطلب غرته فوجده يوماً في سجوده فرفع صخرة عظيمة يدفعها عليه، فأمسكت من يده (لصقت) وصار عبرة للناس، فتضرع إلى النبي صلى الله عليه وآله فدعا له بفرج فزالت). (المناقب :1/68).
الطبقات(2/94): (وذلك أن أباسفيان بن حرب قال لنفر من قريش: ألا أحد يغتال محمداً فإنه يمشي في الأسواق، فأتاه رجل من الأعراب فقال:قد وجدت أجمع الرجال قلباً وأشده بطشاً وأسرعه شداً فإن أنت قويتني خرجت إليه حتى أغتاله ومعي خنجر مثل خافية النسر فأسوره ثم آخذ في عير وأسبق القوم عدواً فإني هاد بالطريق خريت. قال: أنت صاحبنا فأعطاه بعيراً ونفقة وقال إطوِ أمرك فخرج ليلاً فسار على راحلته خمساً وصبح ظهر الحرة صبح سادسة، ثم أقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وآله حتى دل عليه فعقل راحلته ثم أقبل إلى رسول الله وهو في مسجد بني عبد الأشهل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن هذا ليريد غدراً فذهب ليجني على رسول الله فجذبه أسيد بن الحضير بداخلة إزاره فإذا الخنجر فسقط في يديه وقال: دمي دمي، فأخذ أسيد بلبته فدعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أصدقني ما أنت؟ قال: وأنا آمن؟ قال: نعم. فأخبره بأمره وما جعل له أبوسفيان، فخلى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله فأسلم.
النبي صلى الله عليه وآله يرد بالمثل
وبعث رسول الله عمرو بن أمية وسلمة بن أسلم إلى أبي سفيان بن حرب وقال: إن أصبتما منه غرة فاقتلاه، فدخلا مكة ومضى عمرو بن أمية يطوف بالبيت ليلاً فرآه معاوية بن أبي سفيان فعرفه، فأخبر قريشاً بمكانه فخافوه وطلبوه، وكان فاتكاً في الجاهلية وقالوا: لم يأت عمرو لخير! فحشد له أهل مكة وتجمعوا وهرب عمرو وسلمة، فلقي عمرو عبيد الله بن مالك بن عبيد الله التيمي فقتله وقتل آخرمن بني الديل سمعه يتغنى ويقول:
ولست بمسلم ما دمت حياً * ولست أدين دين المسلمينا
ولقي رسولين لقريش بعثتهما يتجسسان الخبرفقتل أحدهما وأسرالآخر فقدم به المدينة، فجعل عمرو يخبر رسول الله صلى الله عليه وآله خبره ورسول الله يضحك).
< صفحة > 222 < / صفحة >
محاولة صفوان بن أمية اغتيال النبي صلى الله عليه وآله
في تفسير التبيان (3/463): (بعثت قريش رجلاً ليفتك بالنبي صلى الله عليه وآله فأطلع الله نبيه على أمره ومنعه الله منه، لأنه دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسيفه مسلول فقال له: أرنيه فأعطاه إياه، فلما حصل في يده قال: ما الذي يمنعني من قتلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله الله يمنعك فرمى بالسيف وأسلم. واسم الرجل عمرو بن وهب الجمحي بعثه صفوان بن أمية ليغتاله بعد بدر فأعلمه الله ذلك. وكان ذلك سبب إسلام عمرو بن وهب.
محاولة شيبة بن عثمان العبدري اغتيال النبي صلى الله عليه وآله
في تاريخ دمشق(23/251)كان شيبة خرج مع النبي صلى الله عليه وآله إلى حنين وهو مشرك وكان يريد أن يغتال رسول الله فرأى من رسول الله صلى الله عليه وآله غرة يوم حنين فأقبل يريده فرآه رسول الله فقال: يا شيبة هلم لك فقذف الله في قلبه الرعب ودنا من رسول الله، فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله يده على صدره ثم قال إخسأ عنك الشيطان وأخذه إفكل وفزع وقذف الله تعالى في قلبه الإيمان وقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وكان ممن صبر معه وكان من خيار المسلمين)!
أقول: مع ردنا لهذه الرواية التي تريد إثبات فضيلة لهذا الطليق، فهي تدل على جو قريش وإصرارها على قتل النبي صلى الله عليه وآله حتى وهي معه في حنين ضد هوازن.
كانوا يرون أن مشاركتهم في حرب حنين لا يتنافى مع العمل لاغتيال محمد! بشرط أن يكون سرياً أو فردياً ممن له ثأر عنده فيبكون عليه ويأخذون سلطانه!
ولذا شاركوا معه في الحرب فذهبوا معه إلى حُنين حيث جمعت قبائل هوازن وغطفان النجدية جموعها لحرب النبي صلى الله عليه وآله وكان جيشه عشرة آلاف مقاتل، وجعل القرشيين قواتهم في مقدمته وما أن واجههم كمين من هوازن برشقة سهام حتى انهزموا فارِّين! فسببوا الهزيمة في صفوف المسلمين جميعاً! وثبت النبي صلى الله عليه وآله ومعه بنو هاشم فقط كالعادة، وقاتلوا بقوة وردوا كمين هوازن وهجومهم، وكتب الله لهم النصر. ثم رجع المسلمون الفارون.
واستغلت قريش الهزيمة فقامت بمحاولات لقتل النبي صلى الله عليه وآله ! مما يشير إلى أن الهزيمة كانت مدبرة مع قبائل هوازن! وقد روى علماء السلطة ومنهم ابن كثير المتعصب لقريش محاولة النضير
< صفحة > 223 < / صفحة >
بن الحارث قائد قوات قريش المشاركة في حنين، وجعلها مدحاً له!
قال في سيرته(3 /691):( كان النضير بن الحارث بن كلدة من أجمل الناس، فكان يقول: الحمد لله الذي من علينا بالإسلام، ومنَّ علينا بمحمد ولم نمت على ما مات عليه الآباء وقتل عليه الأخوة وبنو العم. ثم ذكر عداوته للنبي وأنه خرج مع قومه من قريش إلى حنين وهم على دينهم بعد! قال: ونحن نريد إن كانت دائرة على محمد أن نغير عليه فلم يمكننا ذلك! فلما صار بالجعرانة فوالله إني لعلى ما أنا عليه إنْ شعرتُ إلا برسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أنضيرُ؟ قلت: لبيك. قال: هل لك إلى خير مما أردت يوم حنين مما حال الله بينك وبينه؟ قال: فأقبلت إليه سريعاً فقال: قد آن لك أن تبصر ما كنت فيه توضع! قلت: قد أدري أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئاً، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. فقال رسول الله: اللهم زده ثباتاً! قال النضير: فوالذي بعثه بالحق لكأن قلبي حجر ثباتاً في الدين وتبصرة بالحق. فقال رسول الله: الحمد لله الذي هداه).
كما روى ابن هشام(4/46) اعتراف قائد قرشي آخر، قال: (قال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار: قلتُ اليومَ أدركُ ثأري من محمد، وكان أبوه قُتل يوم أحد، اليوم أقتل محمداً! قال: فأدرت برسول الله لأقتله فأقبل شئ حتى تغشى فؤادي فلم أطق ذاك وعلمت أنه ممنوع مني).
فهذا إقرارٌ من زعيمين قرشيين يفترض أنهما أسلما في مكة، قد حاولا قتل النبي صلى الله عليه وآله فلم يستطيعا، ثم ادعيا أنه آمنا بالله تعالى!
وقد نصت مصادر السيرة على أن زعماء قريش لم يملكوا أنفسهم عندما انهزم المسلمون في حنين أول الأمر فأظهروا فرحهم وكفرهم!
قال ابن هشام(4/46): (فلما انهزم الناس ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبوسفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وإن الأزلام لمعه في كنانته ( أي يحمل إصنامه) وصرخ جبلة بن الحنبل: ألا بطل السحر اليوم)!
أقول: جبلة هذا أخ صفوان بن أمية المخزومي الذي أرسل شخصاً ليقتل النبي صلى الله عليه وآله ثأراً بأبيه الذي قتل في بدر.
< صفحة > 224 < / صفحة >
قال ابن هشام(2/485): ( جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش بيسير، في الحجر، وكان عمير بن وهب شيطاناً من شياطين قريش وممن كان يؤذى رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه ويلقون منه عناء وهو بمكة، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر… فذكر أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان: والله إنْ في العيش بعدهم خير، قال له عمير: صدقت والله، أما والله لولا دَيْنٌ عليَّ ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي، لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي قبلهم علة: ابني أسير في أيديهم، قال: فاغتنمها صفوان وقال: عليَّ دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك أواسيهم ما بقوا لا يسعني شئ ويعجز عنهم، فقال له عمير: فاكتم عني شأني وشأنك، قال: أفعل. قال: ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسمّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة…).
وكشف الله لرسوله صلى الله عليه وآله عميراً وأفشل محاولته وزعموا أن عمر كشفه! ولم يكتف صفوان بمحاولته تلك بل قتل بأبيه مسلماً صبراً في مكة، هو زيد بن الدثنة (ابن هشام:3/669) وعندما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة هرب صفوان).
حاول عامر بن الطفيل اغتيال النبي صلى الله عليه وآله
في تفسير الثعلبي(5/276): (قال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل وهو مشرك. فقال: دعه فإن يرد الله به خيراً يهده، فأقبل حتى قام عليه فقال: يا محمد ما لي إن أسلمت؟ قال: لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين، قال: تجعل لي الأمر بعدك. قال: ليس ذلك إليَّ إنما ذاك إلى الله يجعله حيث يشاء. قال: فاجعلني على الوبر وأنت على المدر، قال الرجل: فماذا يجعل لي؟ قال: أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها.قال: أوليس ذلك لي اليوم؟ قال: لا. قال: قم معي أُكلمك، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يوصي إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فَدُرْ من ورائهِ بالسيف، فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وآله فدار أربد بن ربيعة خلف النبي ص ليضربه فاخترط من سيفه شبراً ثم حبسه الله عنه فلم يقدر على قتله،وعامر يومئ إليه فالتفت رسول الله ص فرأى أربد وما منع بسيفه! فقال: اللهم أكفنيهما بما شئت، فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم صاح صائف. وولى عامر هارباً، وقال: يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأنها عليك خيلا جرداً وفتياناً مرداً. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يمنعك الله من ذلك وأبناء
< صفحة > 225 < / صفحة >
قيلة يعني الأوس والخزرج فنزل عامر ببيت امرأة سلولية فلما أصبح ضم إليه سلاحه وقد تغير لونه، وهو يقول:واللات لئن أصحر محمد إلي وصاحبه عني ملك الموت لأُنفذنهما برمحي، فلما رأى الله تعالى ذلك منه أرسل ملكاً فلطمه بجناحه فأذراه في التارب، وخرجت على ركبته غدة في الوقت كغدة البعير فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية! ثم مات على ظهر فرسه، فجعل يركض في الصحراء ويقول: أبرز يا ملك الموت!
فأجاب الله تعالى دعاء رسوله صلى الله عليه وآله وقتل عامراً بالطاعون وأربد بالصاعقة، فرثى لبيد بن ربيعة أخاه أربد بجملة من المراثي فمنها هذه:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم * وبقيت في خلف كجلد الأجرب
يتآكلــــــــــون مغالــــــــــة وملاذة * ويعاب قائلهم وإن لم يشغب
يا أربد الخير الكريم جدوده * أفردتني أمشي بقرن أعضب
محاولة دعثور بن الحارث اغتيال النبي صلى الله عليه وآله
روى الكليني في الكافي (8/127):( عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة ذات الرقاع تحت شجرة على شفير واد، فأقبل سيل فحال بينه وبين أصحابه، فرآه رجل من المشركين، والمسلمون قيام على شفير الوادي ينتظرون متى ينقطع السيل، فقال رجل من المشركين لقومه: أنا أقتل محمداً، فجاء وشد على رسول الله صلى الله عليه وآله بالسيف ثم قال: من ينجيك مني يا محمد؟ فقال: ربي وربك، فنسفه جبرئيل عن فرسه فسقط على ظهره، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذ السيف، وجلس على صدره وقال: من ينجيك مني يا غورث؟ فقال: جودك وكرمك يا محمد! فتركه، فقام وهو يقول: والله لأنت خير مني وأكرم).
وفي المناقب (1/63): (الثمالي في تفسير قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ :أن القاصد إلى النبي كان دغثور بن الحارث، فدفع جبرئيل في صدره فوقع السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وقام على رأسه فقال: ما يمنعك مني؟ فقال: لا أحد وأنا أعهد أن لا أقاتلك أبداً ولا أعين عليك عدواً، فأطلقه. فسئل بعد انصرافه عن حاله؟ قال: نظرت إلى رجل طويل أبيض دفع في صدري فعرفت أنه ملك. ويقال: إنه أسلم وجعل يدعو قومه إلى الاسلام).
< صفحة > 226 < / صفحة >
محاولة النضر بن الحارث العبدري اغتيال النبي صلى الله عليه وآله
في المناقب (1/68):(الواقدي: خرج النبي صلى الله عليه وآله للحاجة في وسط النهار بعيداً فبلغ إلى أسفل ثنية الحجون فاتبعه النضر بن الحارث يرجو أن يغتاله، فلما دنا منه عاد راجعاً فلقيه أبوجهل فقال: من أين جئت؟قال:كنت طمعت أن أغتال محمداً فلما قربت منه فإذا أساود تضرب بأنيابها على رأسه فاتحة أفواهها. فقال أبوجهل: هذا بعض سحره)!
وكان أحد الذين انتدبتهم قبائل قريش لقتل النبي صلى الله عليه وآله ليلة هجرته، ففي المنتظم(3/49) عن الواقدي: (الذين كانوا ينتظرون رسول الله تلك الليلة: أبوجهل، والحكم بن أبي العاص، وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، وأمية بن خلف، وابن العيطلة، وزمعة بن الأسود، وطعيمة بن عدي، وأبولهب، وأبي بن خلف، ونبيه وأبي ابنا الحجاج).
وفي المناقب (1/69):(وتكمن نضر بن الحرث بن كلدة لقتل النبي صلى الله عليه وآله فلما سل سيفه رؤي خائفاً مستجيراً فقيل له: يا نضر هذا خير لك مما أردت يوم حنين مما حال الله بينك وبينه).
وفي المناقب (1/58): (وكان أبوجهل، والعاص بن وائل، والنضر بن الحرث بن كلدة، وعقبة بن أبي معيط يخرجون إلى الطرقات فمن رأوا معه ميرة نهوه ان يبيع من بني هاشم شيئاً ويحذرونه من النهب) أي أن يبيحوا نهبه لأنه باع بني هاشم.
وفي الحيوان:7 /482: ( النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف، من بني عبد الدار من قريش، كان من شجعان قريش ووجوهها، ومن شياطينها، صاحب لواء المشركين ببدر وهو ابن خالة النبي صلى الله عليه وآله .
في قرب الإسناد/320: (من ذلك:أن قريشاً أرسلت النضر بن الحارث وعلقمة بن أبي معيط بيثرب إلى اليهود، وقالوا لهما: إذا قدمتما عليهم فسائلوهم عنه، وهما قد سألوهم عنه فقالوا: صفوا لنا صفته، فوصفوه. وقالوا: من تبعه منكم؟ قالوا: سفلتنا. فصاح حبر منهم فقال: هذا النبي الذي نجد نعته في التوراة، ونجد قومه أشد الناس عداوة له).
في أنساب الأشراف(1/139-142): (كان النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار يكنى أبافائد، وكان أشد قريش مبادأةً للنبي صلى الله عليه وآله بالتكذيب والأذى. وكان صاحب أحاديث ونظر في كتب الفرس ومخالطة النصارى واليهود. وكان لما سمع بذكر النبي صلى الله عليه وآله وحضور
< صفحة > 227 < / صفحة >
وقت مبعثه، يقول: والله لئن جاءنا نذير لنكونن أهدى من إحدى الأمم. فنزلت فيه: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ. وكان يحدث ثم يقول: أينا أحسن حديثاً أنا أم محمد؟ ويقول: إنما يأتيكم محمد بأساطير الأولين. فنزلت فيه: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ.
ونزلت فيه: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ. ونزلت فيه: وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ.
ونزلت فيه: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ..
ونزلت فيه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ. ونزلت فيه: أَ فَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ.
وكان النضر قدم الحيرة، فتعلم ضرب البربط وغنى غناء أهل الحيرة وعلم ذلك قوماً من أهل مكة، وكان غناؤهم قبل ذلك النصب. واشترى قينتين فنزلت فيه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ الله. ولقيَ النبي صلى الله عليه وآله فقال: أنت الذي تزعم أنك ستوقع بقريش عن قريب وأن الله قد أوحى إليك بذلك؟ فقال: نعم، وأنت منهم. فنزلت: وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ. وسأل النبي: متى تنقضي الدنيا؟ فنزلت فيه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها.
وكان يقول: إنما يعينه على مايأتي به في كتابه هذا جبرغلام الأسود بن المطلب، وعداس غلام شيبة بن ربيعة، فأنزل الله عز وجل:وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ.
وأنزل الله عز وجل فيه:وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وزوراً. وقالوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا).
قالوا: فلما كان يوم بدر أسرالمقداد بن عمرو النضر بن الحارث، وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأمر علياً بضرب عنقه فقال المقداد:أسيري يا رسول الله! فقال رسول الله: إنه كان يقول في كتاب الله وفي رسوله ما يقول.اللهم أغن المقداد من فضلك).
وكان في قريش ملحدون، سماهم في المنمق/388، زنادقة قريش، وقال إنهم تعلموا الزندقة من نصارى الحيرة، وهم: الوليد بن المغيرة المخزومي، والعاص بن وائل السهمي، وصخر بن حرب، وعقبة بن أبي معيط، وأبي بن خلف، وأبوعزة، والنضر بن الحارث بن كلدة من بني عبد الدار، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان).
< صفحة > 228 < / صفحة >
وفي حاشية رد المحتار (6/746): (كان يتجر فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم ويحدث بها قريشاً ويقول: إن محمداً يحدثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم بأحاديث رستم وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن).
وفي شرح النهج (6/282): « وروى الواقدي أيضاً وغيره من أهل الحديث أن عمرو بن العاص هجا رسول الله صلى الله عليه وآله هجاء كثيراً، وكان يعلمه صبيان مكة فينشدونه ويصيحون برسول الله إذا مر بهم رافعين أصواتهم بذلك الهجاء! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يصلي بالحجر: اللهم إن عمرو بن العاص هجاني ولست بشاعر، فالعنه بعدد ما هجاني.
وروى أهل الحديث أن النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، وعمرو بن العاص،عهدوا إلى سلى جمل فرفعوه بينهم، ووضعوه على رأس رسول الله وهو ساجد بفناء الكعبة فسال عليه، فصبر ولم يرفع رأسه، وبكى في سجوده ودعا عليهم، فجاءت ابنته فاطمة عليها السلام وهي باكية فاحتضنت ذلك السلى فرفعته عنه فألقته، وقامت على رأسه تبكي، فرفع رأسه صلى الله عليه وآله وقال: اللهم عليك بقريش، قالها ثلاثاً، ثم قال رافعاً صوته: إني مظلوم فانتصر، قالها ثلاثاً، ثم قام فدخل منزله، وذلك بعد وفاة عمه أبي طالب بشهرين ».
أقول: كثَّفت قريش محاولاتها لقتل النبي صلى الله عليه وآله بعد وفاة عمه وحاميه، فكانت تتجسس عليه وتضع الخطط لقتله، وكان جبرئيل يخبره، وأمره ذات مرة أن يفر مع علي عليه السلام ويختبئ في جبل الحجون، لأن بيته صلى الله عليه وآله وبيوت بني هاشم كانت قرب المسجد. ولم يذكر لنا رواة السلطة أين كان عمر في تلك الفترة، وأين غابت بطولاته التي زعموها! لكن أبطال السلطة كالملح يذوبون عند الشدة!
وفي الكافي (1/449) عن الصادق عليه السلام قال: (لما توفي أبوطالب نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد أخرج من مكة فليس لك فيها ناصر، وثارت قريش بالنبي صلى الله عليه وآله فخرج هارباً حتى جاء إلى جبل بمكة يقال له الحجون فصار إليه).
ورث جابر بن النضر أباه في الكفر والعناد!
فقد ورث جابر عداوة أبيه لرسول الله صلى الله عليه وآله والإسلام، وكان يكرر كلام أبيه حتى قوله:اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ !
< صفحة > 229 < / صفحة >
قال ابن سلام الهروي في تفسيره غريب القرآن (نفحات الأزهار:7/291): « لما بَلَّغَ رسول الله بغدير خم ما بَلَّغ، وشاع ذلك في البلاد، أتى جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري فقال: يا محمد! أمرتنا عن الله بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وبالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، فقبلنا منك ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه! فهذا شيئ منك أم من الله؟!
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي لا إله إلا هو إنْ هذا إلا من الله. فولى جابر يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ. فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله، وأنزل الله تعالى: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ».
وقد أشكل ابن تيمية بأن سورة المعارج مكية، لكن في الرواية أن جبرئيل قال: إقرأ يامحمد، أي هذا مصداق للعذاب الواقع:
(فهبط جبرئيل وهو يقول: إقرأ يامحمد: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ). (البحار:33/165)
أخطر الساعات على حياة النبي صلى الله عليه وآله
- لما أرادوا قتله بعد إعلانه نبوته.
- لما أنذره المستهزئون الخمسة الى يوم معين ليسحب نبوته.
- لما احتدمت بين قريش وبني هاشم، وألجؤوهم الى الشعب.
- في الثلاث سنوات ونصف في الشعب.
- لما توفي أبوطالب عليه السلام .
- لما أراد الهجرة واتخذت قريش قراراً بالهجوم عليه وقتله.
- لما كان في المدينة وكانت قريش تعمل لاغتياله.
- في معركة أحد لما انهزم المسلمون وأحاط به المشركون.
- *
< صفحة > 230 < / صفحة >
الفصل الرابع والعشرون : صحيفتا قريش الملعونتان!
الفصل الرابع والعشرون
صحيفتا قريش الملعونتان!
مؤتمر زعماء قريش لإجبار بني هاشم على تسليم النبي صلى الله عليه وآله
بعد هلاك المستهزئين الخمسة، صدع النبي صلى الله عليه وآله بما يؤمر، فأخذ الإسلام ينتشر في الشباب والعبيد ولم يستطع فراعنة قريش إيقافه.
عندها تنادت قريش إلى مؤتمر في منى، للإتفاق على مقاطعة بني هاشم مقاطعة تامة، حتى يُسَلِّموهم محمداً صلى الله عليه وآله فيقتلوه!
واجتمعت بطون قريش ومعهم حليفتهم قبيلة كنانة في محصب منى، ووقعوا معاهدة عرفت بصحيفة المقاطعة، وقعها أربعون شيخاً، وفي رواية اليعقوبي ثمانون شيخاً، على نفي بني هاشم من مكة، ومقاطعتهم مقاطعة كاملة!
وهذه هي الصحيفة الملعونة الأولى، والثانية كتبتها قريش في أيام حجة الوداع وتعاقدوا إن مات محمد صلى الله عليه وآله أو قتل ألا يردوا هذا الأمر في أحد من أهل بيته أبداً! وسيأتي نصها.
نسخة صحيفة المقاطعة
ذكر المؤرخون كاتب الصحيفة، فقال البلاذري(1/268): ( وكان الذي خطَّ الصحيفة، فيما ذكر الكلبي، بغيض بن عامر، فشُلَّت يده يوم خطها. وقال غيره: إسمه منصور بن عكرمة). والأخير قول الطبري (2/ 79).
وفي الإشتقاق لابن دريد (1/200): ( وفي السيرة أن كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة، ويقال النضر بن الحارث). وهو قول الطبري.
< صفحة > 231 < / صفحة >
وفي تاريخ الخميس(1/297): (وكتبوا صحيفة بخط منصور بن عكرمة، وقيل بغيض بن عامر فشلت يده، وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة).
ولم أجد النص الكامل لصحيفة المقاطعة، فجمعت بعض ما ذكروه منها.
من ذلك ما رواه المقريزي: (وأجمع رأيهم ألا يجالسوهم، ولايبايعوهم، ولايدخلوا بيوتهم، حتى يسلموا رسول الله للقتل، وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهوداً مواثيق: أن لا يقبلوا من بني هاشم أبداً صلحاً، ولا تأخذهم بهم رأفة، حتى يسلموه للقتل)! (النزاع والتخاصم/67).
(وكتبوا بينهم صحيفة أن لايواكلوا بني هاشم، ولايكلموهم، ولايبايعوهم، ولا يزوجوهم، ولا يتزوجوا إليهم، ولا يحضروا معهم، حتى يدفعوا محمداً إليهم فيقتلونه، وأنهم يد واحدة على محمد ليقتلوه، غيلة أو صراحاً). (إعلام الورى:1/125).
(أن لا يناكحوهم، ولايبايعوهم، ولا يخالطوهم، ولا يقبلوا منهم صلحاً أبداً، حتى يسلموا رسول الله للقتل). (تاريخ الخميس:1/297).
(أجمعوا على ألا يبايعوهم، ولا يدخلوا إليهم شيئاً من الرفق، وقطعوا عنهم الأسواق، ولم يتركوا طعاماً ولا إداماً ولا بيعاً إلا بادروا إليه واشتروه دونهم، ولا يناكحوهم، ولا يقبلوا منهم صلحاً أبداً، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وآله للقتل). (الدرر لابن عبد البر/54).
أبوطالب يدعو على ظالمي بني هاشم ويدخل الشعب
قال ابن إسحاق(2/139):( فلما سمعت قريش بذلك ورأوا منه الجد وأيسوا منه، فأبدوا لبني عبد المطلب الجفا، وانطلق بهم أبوطالب فقاموا بين أستار الكعبة فدعوا الله على ظلم قومهم لهم وقطيعتهم أرحامهم، واجتماعهم على محاربتهم، وتناولهم بسفك دمائهم، فقال أبوطالب:
اللهم إن أبى قومنا إلا النصر علينا فعجل نصرنا، وحُلْ بينهم وبين قتل ابن أخي. ثم أقبل إلى جمع قريش وهم ينظرون إليه والى أصحابه فقال أبوطالب: ندعو برب هذا البيت على القاطع المنتهك للمحارم. والله لتنتهين عن الذي تريدون، أو لينزلن الله بكم في قطيعتنا بعض الذي تكرهون! فأجابوه: إنكم يا بني عبد المطلب لاصلح بيننا وبينكم ولارحم، إلا على قتل هذا الصابي السفيه! ثم عمد أبوطالب فأدخل الشِّعب ابن أخيه وبني أبيه، ومن اتبعهم من
< صفحة > 232 < / صفحة >
بين مؤمن دخل لنصرة الله ونصرة رسوله، ومن بين مشرك يحمي، فدخلوا شعبهم وهو شعب أبي طالب في ناحية من مكة ».
أرخ أبوطالب حصار الشعب بقصائد ومقطوعات
وقد أرَّخَ أبوطالب رضي الله عنه محاصرة قريش لبني هاشم، بأكثر من عشر قصائد ومقطوعات، شرح فيها إصرارهم على قتل النبي صلى الله عليه وآله وموقفه الحاسم في مقاومتهم، وفيها مدح النبي صلى الله عليه وآله وفيها إعلان أبي طالب إسلامه ومعجزة أكل الأرضة للصحيفة.
وهذا بعضها من سيرة ابن إسحاق (2/141):
ألا من لهمٍّ آخـــــر الليل معتمِ * طواني وأخوى النجم لم يتقحمِ
طواني وقد نامت عيون كثيرة * وســــائر أخرى ساهرٌ لم ينــــــوم
لأحلام أقوامٍ قد أرادوا محمــــداً * بسوء ومن لا يتقي الظلم يُظلم
سعوا سفهاً واقتادهم سوء رأيهم * على فَلل من رأيهم غير محكم
رجاء أمور لم ينالوا نظامها * وإن حشدوا في كل نفر وموسم
يرجُّون أن نســـــخى بقتل محمد * ولم تختضب سمر العوالي من الدم
يرجون منــــــا خطـــة دون نيلها * ضراب وطعن بالوشيح المقوم
كذبتم وبيت الله لا تقتـــلونه * جماجم تلقى بالحطيم وزمــــــزم
وتقطع أرحــــام وتنسى حليلةٌ * خليلاً وتغشى محرماً بعد محرم
وينهض قوم في الدروع إليكم * يذبون عن أحســــابهم كل مجرم
وقال في معجزة الصحيفة:
وقد كان من أمر الصحيفة عبرة * متى ما يُخَبَّرْ غائبُ القوم يعجب
محى الله منها كفرهم وعقوقهم * وما نقموا من ناطق الحق معرب
وأصبح ما قالوا من الأمر باطلاً * ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب
< صفحة > 233 < / صفحة >
وأمسى ابن عبد الله فينا مصدقاً * على سخط من قومنا غير معتب
فلا تحسبونا خاذلين محمداً * لدى غربة منا ولا متقرب
ستمنعه منا يد هاشميةٌ * مُركَّبها في الناس خير مركب
فلا والذي تخذى له كل نضوة * طليحٌ نجيٌّ نجلةٌ فالمحصب
يميناً صدقنا الله فيها ولم نكن * لنحلف كذباً بالعتيق المحجب
نفارقه حتى نصرع حوله * ومـا نال تكذيــب النبـي المقــرب
ألا هل أتى بَحْرِيُّنَا صُنْعُ ربنا * على نأيهم والأمر بالناس أورد
ألم يأتهم أن الصحيفة أُفسدت * وكل الذي لم يُرضه الله مُفْسَد
وكانت أحق رقعة بأثيمة * يُقَطَّع فيها ساعد ومقلد
فمن يك ذا عزٍّ بمكة مثله * فعزتنا في بطن مكة أتلد
نشأنا بها والناس فيها أقلة * فلم ننفكك نزداد خيراً ونمجد
وقال معلناً إسلامه:
ألا أبلغا عني على ذات نأيها * لؤياً وخُصَّا من لؤيٍّ بني كعب
ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً * نبياً كموسى خُطَّ في أول الكتب
وأن عليه في العباد محبة * ولا خير فيمن خصه الله بالخَبِّ
وأن الذي أضفيتم في كتابكم * لكم كائنٌ نحساً كراغية السقب
أفيقوا أفيقوا قبل أن يحفر الثرى * ويصبح من لم يجن ذنباً كذي الذنب
ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا * أيا صرنا بعد المودة والقرب
وتستجلبوا حرباً عواناً وربما * أمرُّ على من ذاقه حلب الحرب
ولسنا ورب البيت نسلم أحمداً * على الحال من عض الزمان ولا كرب
أليس أبونا هاشمٌ شد أزره * وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
< صفحة > 234 < / صفحة >
ولسنا نمل الحرب حتى تملنا * ولا نشتكي مما ينوب من النكب
ولكننا أهل الحفاظ ذووا النهى * إذا طار أرواح الكماة من الرعب
وراعية السقب: يقصد ناقة صالح عليه السلام ، وأن قريشاً كثمود. راجع: سيرة ابن إسحاق: 2 / 138، وابن هشام: 1 / 234 و 253، والطبقات: 1 / 210، وأنساب الأشراف / 31،
النبي صلى الله عليه وآله يخلد مكان مؤتمر المقاطعة
لما دخل مكة فاتحاً أراد النبي صلى الله عليه وآله أن يُعَرِّفَ المسلمين تاريخ الإسلام، وتكاليف الوحي، ليفهموا قيمته، ويعرفوا معدن الإسلام، ومعدن الكفر!
و بعث بذلك رسالة إلى من بقي من الفراعنة زعماء مؤتر المقاطعة وكانوا يسمعونه، بأنهم قد تحملوا وزر هذا الكفر والعار، ثم ارتكبوا ما هو أعظم منه في حروبهم للنبي صلى الله عليه وآله ، ولم يتراجعوا إلا تحت سيوف بني هاشم والأنصار، فأعلنوا إسلامهم خوفاً من القتل، وهاهم اليوم يخططون لوراثة دولة الإسلام التي بناها الله تعالى ورسوله، وهم كارهون!
كانوا من بقي منهم يسمع كلامه كسهيل بن عمرو، وأبي سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية بن خلف، وحكيم بن حزام، وصهيب بن سنان، وأبي الأعور السلمي، وغيرهم.
وكانت تصرفاتهم الظاهرة والخفية، تدل على فرحهم بأن النبي صلى الله عليه وآله أعلن قرب موته، فهم يعدون العدة لحصار جديد لعترته ليأخذوا خلافته!
لذا أراد أن يُخَلِّد الحقيقة في وجدان الأمة فأعلن: (منزلنا إذا فتح الله تعالى علينا مكة في خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر».(السيرة الحلبية:3 /27).
ثم أكد ذلك فقال لما توجه إلى معركة حنين: ( منزلنا غداً إن شاء الله بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر »! ( البخاري: 5/92).
ثم أكده بعد في حجة الوداع فقال صلى الله عليه وآله يوم التروية: ( منزلنا غداً إن شاء الله تعالى بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر». ( البخاري: 2 / 158).
ثم أكده لما عاد من عرفات فقال يوم النحر: « نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة حيث
< صفحة > 235 < / صفحة >
تقاسموا على الكفر. يعني بذلك المحصب».(البخاري: 4 / 247).
فقدكان مهماً في ميزان الله تعالى أن يحفظ المسلمون تلك الحادثة ويعرفوا مكانها، لأنها وثيقة في كيد فراعنة قريش الذي فاق كيد اليهود حيث جمع بطون قريش شيوخهم، وتقاسموا باللات والعزى على قتل النبي صلى الله عليه وآله بأي طريقة، ومقاطعة بني هاشم مقاطعة كاملة شاملة حتى يسلموه لهم للقتل، لأن ذنب محمد أن الله أرسله نبياً، وهم لا يريدون نبياً من بني هاشم، ولا يريدون أن يشاهدوا معجزاته! وقد نفذوا قرار المحاصرة أربع سنين فضيقوا على بني هاشم، حتى أكل أطفالهم ورق الشجر من الجوع، ومصوا الرمل الرطب من العطش!
ولما أعلنت قريش قرار المقاطعة رأى بنو هاشم أنفسهم مضطرين لترك بيوتهم والتجمع في نقطة واحدة، لحفظ حياتهم وحياة النبي صلى الله عليه وآله فاختاروا الشِّعب حيهم القديم وفيه بيت عبد المطلب وأبي طالب.
وفي مقابل عمل النبي صلى الله عليه وآله لتخليد مؤتمر المقاطعة في منى كان زعماء قريش يعملون لينسى الناس الحادثة ومكانها وأشخاصها، ولذلك طمستها خلافتهم وضيعت مكانها وأكثر أشخاصها! وقالوا لقد قاطعوهم مدة ثم تراجعوا!
ولم يحفظ مكان المؤامرة إلا آل النبي صلى الله عليه وآله وشيعتهم، فصار خيف بني كنانة أو المحصَّب من منى منزل بني هاشم، إلى يمين جمرة العقبة للداخل إلى منى!
قال المحامي الأردني أحمد حسين يعقوب في كتابه القيم: المواجهة مع رسول الله/175: «وعانوا الحرمان والجوع، فأكلوا نبات الأرض، وأخذ الأطفال يَمُصُّون الرمال من العطش، وكانت بطون قريش تشاهد كل هذا وتتلذذ به، دون أي إحساس بالحرج!ولكن الهاشميين لم يركعوا ولم يستسلموا، ولم يستجيبوا لبطون قريش في طلبها تسليم النبي.
لقد تحملوا ما لم تتحمله قبيلة على وجه الأرض في سبيل محمد صلى الله عليه وآله وفي سبيل دينه. ولولا صبرهم وثباتهم لقتلت البطون رسول الله كما قتل غيره من الأنبياء وأجهضت دعوته في مهدها، ولكن الله أراد أن يظهر دينه، وأن يتحمل البطن الهاشمي أعباء مرحلة التأسيس الحاسمة.
ثم أوحى الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله أنه أرسل حشرة أكلت صحيفة الحصار ولم تبق من كتابتها إلا اسم الله، وما إن انتهى جبريل من إلقاء تلك البشارة العظيمة حتى نهض رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبر
< صفحة > 236 < / صفحة >
عمه بتفاصيل خبر السماء، وعلى إثر ذلك توجه النبي وأبوطالب والهاشميون جميعاً إلى المسجد الحرام.
أقبلت قريش تريد الوقوف على حقيقة الأمر، وهي تظن أباطالب قد جاء ليعلن استسلامه واستسلام بني هاشم، ولكن أباطالب طلب من زعماء الشرك أن يحضروا صحيفة الحصار، فلما فعلوا ذلك قال لهم: أليست هذه صحيفتكم على العهد الذي تركتوها فيه؟ فقالت زعامة البطون: نعم. فقال أبوطالب: فهل أحدثتم فيها حدثاً؟ فقالوا:اللهم لا. فقال لهم: لقد أعلمني محمد عن ربه أن الله قد بعث الأرضة فأكلت كل ما فيها إلا ذكر الله، أفرأيتم إن كان صادقاً ما تصنعون؟ فقالت زعامة البطون: نكف ونمسك. فقال أبوطالب: فإن كان كاذباً دفعته إليكم تقتلونه! فقالوا: قد أنصفت وأجملت. وفُضَّت الصحيفة فإذا كل ما فيها قد محي إلا مواقع اسم الله عز وجل، وبهتت زعامة الشرك وأسلم على أثر هذه المعجزة عدد من الناس، وأعلن أبوطالب أنه على الدين الحق، واهتزت شرعية الحصار والمقاطعة.
إن للهاشميين فضلاً على كل مسلم ومسلمة إلى يوم الدين، فلولا موقفهم الحاسم المشرف بقيادة أبي طالب، لتمكنت بطون قريش من قتل محمد صلى الله عليه وآله ولما قامت للإسلام قائمة!
ومن المهازل أن تقوم السلطات التي سيطرت على مقاليد أمور المسلمين فيما بعد بتصوير أبي طالب مشركاً وتنكر كفاحه وجهاد أبنائه، وتفرض مسبتهم على المنابر، ولا تقبل شهادة من يواليهم.وتلقي في أذهان العامة والغوغاء أن الهاشميين ماتوا بموت محمد، وأنهم لم يخلقوا للقيادة، وإنما خلقوا ليكونوا أتباعاً لخلفاء بطون قريش، وأن الخلافة حق خالص للبطون مثلما كانت النبوة حقاً خالصاً للهاشميين، وأن هذه القسمة هي القسمة العادلة، وكأن البطون هي المخولة بتوزيع فضل الله تعالى ».
ومضافاً الى تخليد النبي صلى الله عليه وآله ظلم بطون قريش وتآمرهم على الإسلام، فقد قد سجل في أحاديثه طول بعثته أن الخطر والتحريف والظلم الذي يخشاه على الإسلام وأهل بيته، إنما هو من قريش وحدها، فبقية القبائل تبع لها!
< صفحة > 237 < / صفحة >
كثرة مكذوبات الخلافة في حصار الشعب!
- نلاحظ أن قريشاً أسوأ من اليهود، فاليهود كانوا ينكرون نبوة أنبيائهم ثم يقتلونهم! لكن قريشاً قالوا نريد قتل محمد حتى لو كان نبياً وأتى بمعجزات، لأن الموت عندنا أفضل من الإيمان برسول من بني هاشم! وقد وبخهم الله تعالى بذلك فقال عنهم: وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ!
فقد جمعت بطون قريش بين سيئات اليهود وعناد البداوة! - وهم مع ذلك جبناء يخافون من عشيرة النبي صلى الله عليه وآله ، فقرروا أن يضغطوا عليهم اجتماعياً وإقتصادياً وسياسياً، حتى يسلموهم ابنهم بأيديهم فيقتلوه!
وهم جبناء أن يقاتلوهم فيخرجوهم من مكة، فأرادوا منهم أن ينفوا أنفسهم باختيارهم من مكة! فجمعوا صفات التكبر، والجبن، والحقارة!
ثم القسوة، فهم يرون حالة بني هاشم المحاصرين ويسمعون تضوَّر أطفالهم من الجوع! ومع ذلك حرموا الرأفة عليهم مهما بلغ بهم الحصار!
« لايقبلوا من بني هاشم صلحاً أبداً، ولا يأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل »! ( الدرر لابن عبد البر / 54، وسبل الهدى: 10 / 59، وعيون الأثر: 1 / 165). - لكن تتفاجأ في أحاديث الخلافة عن الحصار بأن زعماء قريش يمثلون النبل والقيم والإنسانية والضمير الحي! وأنهم تلاوموا وقرروا نقض الصحيفة الظالمة وإنصاف بني هاشم، وعملوا في ذلك ليل نهار، وعرضوا أنفسهم للأخطار حتى تمكنوا من نقض الصحيفة!
وتقرأ أن النبي صلى الله عليه وآله كان يشكر لهم صنيعهم! وأوصى المسلمين أن لا تقتلوا فلاناً لأنه لم يؤذني! وفلاناً لأنه كان خيِّراً باراً من أبطال نقض الصحيفة! وهم الفراعنة الستة برواية ابن إسحاق (2/145): (أبوجهل هشام بن عمرو وزهير بن أبي أمية بن المغيرة بن مخزوم، ومطعم بن عدي، وزهير بن أبي أمية، وأبي البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد).
وقد نظموا في مدح هؤلاء الفراعنة شعراً، كما في السيرة الحلبية(2/37):
< صفحة > 238 < / صفحة >
فتية بيتوا على فعل خير * حمــــــــد الصبح أمره والمساء
يا لأمر أتاه بعد هشــــــــام * زمعـــــــــة إنه الفتــــى الأتَّاءُ
وزهير والمطعــــــــم بن عدي * وأبو البحتري من حيث شاءوا
نقضوا مبرم الصحيفة إذ شد * دت عليه من العدا الأنداء »!
وزعموا أن شاعر النبي صلى الله عليه وآله رثى مطعماً بقصيدة! وبذلك صار الفراعنة أصحاب قرار الحصار، أبطال فك الحصار، وطمسوا صمود النبي صلى الله عليه وآله وأبي طالب، بل طمسوا آية الأرضة التي أبهتتهم! وقالت روايتهم: «ثم إن المطعم بن عدي قام إلى الصحيفة فشقها، فوجد الأرضة قد أكلتها ».
أما أبوطالب، فانتقموا منه بأن جعلوه كافراً في قعر جهنم! وزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله شفع له فأنقذه من قعر جهنم الى ضحضاح نار يغلي منه دماغه!
قال البخاري(4/ 247) إن العباس قال للنبي: « ما أغنيت عن عمك! فوالله كان يحوطك ويغضب لك! قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار »!
أفلتت الحقيقة من غابة الكذب القرشي!
وقد أفلتت الحقيقة في رواية ابن سعد في الطبقات (1/208) قال: (فأرسل الله عز وجل على الصحيفة دابة فأكلت كل شئ إلا اسم الله عز وجل… فأرسلوا إلى الصحيفة ففتحوها فإذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فسقط في أيديهم ونكسوا على رؤوسهم! فقال أبوطالب: علامَ نُحبس ونُحصر وقد بان الأمر! ثم دخل هو وأصحابه بين أستار الكعبة فقال:اللهم انصرنا ممن ظلمنا وقطع أرحامنا واستحل ما يحرم عليه منا! ثم انصرفوا »!
وقال القطب الرواندي في الخرائج(1/85) :« فما راع قريشاً إلا وبنو هاشم عُنُقاً واحداً، قد خرجوا من الشعب! فقالت قريش: الجوع أخرجهم! فجاؤوا حتى أتوا الحجر وجلسوا فيه، وكان لا يقعد فيه إلا فتيان قريش، فقالوا: يا أباطالب قد آن لك أن تصالح قومك. قال: قد جئتكم بخبر، إبعثوا إلى صحيفتكم لعله أن يكون بيننا وبينكم صلح. قال: فبعثوا إليها وهي عند أم أبي جهل، وكانت قبل في الكعبة فخافوا عليها السرق فوضعت بين أيديهم وخواتيمهم
< صفحة > 239 < / صفحة >
عليها.فقال أبوطالب: هل تنكرون منها شيئاً؟ قالوا: لا. قال: إن ابن أخي حدثني ولم يكذبني قط، أن الله قد بعث على هذه الصحيفة الأرضة، فأكلت كل قطيعة وإثم، وتركت كل إسم هو لله، فإن كان صادقاً أقلعتم عن ظلمنا، وإن يكن كاذباً ندفعه إليكم فقتلتموه.
فصاح الناس: نعم يا أباطالب، ففتحت ثم أخرجت فإذا هي مشرَّبة كما قال! فكبر المسلمون، وامتقعت وجوه المشركين. فقال أبوطالب: أتبين لكم أينا أولى بالسحر والكهانة؟ فأسلم يومئذ عالم من الناس».
- *
الصحيفة الملعونة الثانية لعزل عترة النبي صلى الله عليه وآله
استنفرت قريش في حجة الوداع لخوفها أن يعلن النبي صلى الله عليه وآله خلافة علي عليه السلام ! وكان من بقي ممن وقع الصحيفة الملعونة الأولى حاضراً في حجة الوداع، وكان المتآمرون لقتل النبي صلى الله عليه وآله في طريق تبوك موجودين أيضاً! وقد فرحوا يومها بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يستطع كشف أسماءهم، واعتبروه نوعاً من الإنتصار عليه! وكانوا يرون أنه ماضٍ في تركيز خلافة علي عليه السلام فقد أشاد به في طريق تبوك، وفي المدينة بعد عودته، وسحب سورة براءة من أبي بكر وبعثه بها وقال: إن جبرئيل عليه السلام أمره بأنه لايبلغ عنه إلاهو أو رجل منه!
ثم أشركه في أضاحيه لأنهما من ولد عبد المطلب، وعددها مئة ناقة على عدد نذر عبد المطلب عن أبيه عبد الله. ثم خص فاطمة عليها السلام بأضحية وقال لها: قومي فاشهدي أضحيتك. (المغني: 1 / 156) بينما ذبح لكل أزواجه بقرة (المغني: 3 /501).
وتواصلت أحاديثه عن مكانة علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فقال إن فاطمة سيدة نساء العالمين، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وعلياً سيد العرب، وأسد الله وأسد رسوله , وولي المؤمنين بعده.
وكان يؤكد على ميزانية الخمس التي جعلها الله في سورة الأنفال لبني هاشم لينزههم عن الزكوات التي هي أوساخ الناس، وهذا أقصى الرفعة لهم!
ثم لم يرض حتى قرن عترته بالقرآن وأوصى بهما الأمة، وبشر باثني عشرإماماً ربانيين من
< صفحة > 240 < / صفحة >
عترته، أي أن إمامتهم من الله! فماذا بقي لبطون قبائل قريش!
ثم رأت قريش أنه صلى الله عليه وآله يتعمد التذكيربظلم البطون ومحاصرتهم لبني هاشم في شعب أبي طالب، فقد أعلن يوم التروية: « منزلنا غداً إن شاء الله تعالى بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر». (صحيح بخاري:2/158).
ثم كررها بعد عرفات. ( بخاري: 4 / 247). وكان أكد عليها يوم فتح مكة!
فلا حل عند قريش إلا بمواصلة العمل لقتل محمد! وإلا فالحيلولة بينه وبين إعلانه علياً خليفة، وذلك بالتشويش على كلامه، ونفي أنه قال، وبالتهديد بإعلان الردة إن لزم الأمر! وهو أمر يخاف منه النبي صلى الله عليه وآله كثيراً!
إن نصوص خطب النبي صلى الله عليه وآله في عرفات حتى برواية السلطة، تكفي لمعرفة الجو الذي أوجدته قريش حول النبي صلى الله عليه وآله وكيف كانت تترقب كلماته لتشوش على ما لايناسبها وترفضه، وتأخذ ما يناسبها وتضخمه! فقد كان يوم عرفات أهدأ مكان وأنسبه لأن يوصل النبي صلى الله عليه وآله ما يريده إلى المسلمين المحرمين لربهم، فركب ناقته ليشاهدوه ويسمعوه، وكان صوته يصل إلى أكثرهم، ومع ذلك دعا برجل جهوري الصوت فكان يلقي الجملة ويقول له: أصرخ بها، فيصرخ ويسمعها من لم يسمعها مباشرة.
لكن ما أن بشر أمته بالأئمة الاثني عشر عليهم السلام من عترته، حتى ارتفعت الضجة واللغط كما قال راوي قريش: ( فضجوا وقاموا وقعدو وكبروا ولغطوا، فأصمنيها الناس) وقال إن النبي قال: بعدي اثنا عشر إماماً ثم قال كلمة لم أفهمها فسألت عمر فقال: كلهم من قريش!
أقول: هذا هو الجو القرشي الذي قال عنه أمير المؤمنين عليه السلام ( شرح النهج:20 /298):
«إن العرب كرهت أمر محمد صلى الله عليه وآله وحسدته على ما آتاه الله من فضله واستطالت أيامه! حتى قذفت زوجته ونفرت به ناقته، مع عظيم إحسانه إليها وجسيم مننه عندها! وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته»!
< صفحة > 241 < / صفحة >
نسختان للصحيفة الملعونة الثانية
أرادت قريش أن تضمن نجاحها في عزل عترة النبي صلى الله عليه وآله عن الحكم، فكتبت معاهدة بذلك ووضعتها في الكعبة! وكانت نسخة موجزة، ولما وصلوا الى المدينة تشاوروا مع أشباههم، وكتبوا نسخة مفصلة وأعطوها لأبي عبيدة بن الجراح، فبعثها الى مكة ووضعها مكان النسخة الأولى.
في تفسير القمي(1/173) أنه بعد خطبة النبي صلى الله عليه وآله في منى وتأكيده على كتاب الله وأهل بيته عليهم السلام : «فاجتمع قوم من أصحابه وقالوا يريد محمد أن يجعل الإمامة في أهل بيته! فخرج أربعة نفر منهم إلى مكة ودخلوا الكعبة وتعاهدوا وتعاقدوا وكتبوا فيما بينهم كتاباً: إن مات محمد أو قتل أن لا يردُّوا هذا الأمر في أهل بيته أبداً ».
وفي الكافي(4/545): « عن الحارث بن الحصيرة الأسدي، عن الباقر عليه السلام قال: كنت دخلت مع أبي(زين العابدين عليه السلام ) الكعبة فصلى على الرخامة الحمراء بين العمودين فقال: في هذا الموضع تعاقد القوم إن مات رسول الله صلى الله عليه وآله أو قُتل ألا يردوا هذا الأمر في أحد من أهل بيته أبداً! قال قلت: ومن كانوا؟ قال: كان الأول، والثاني، وأبوعبيدة بن الجراح، وسالم ابن الحبيبة »!
نص الصحيفة الملعونة الثانية برواية حذيفة
روى الشهيد التستري في الصوارم المهرقة في رد الصواعق المحرقة/74: (عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: حدثني بريدة الأسلمي أنه لما قمنا من مكاننا في غدير خم نريد سمعت رجلاً يقول لصاحبه: ما رأيت اليوم ما فعل بابن عمه، لو قدر أن يصيره نبياً بعده لفعل! فقال له صاحبه:أسكت لو فقدنا محمداً لم نر من هذا شيئاً!
ثم لما رحل النبي صلى الله عليه وآله عن غدير خم ورأى أن أبابكر وعمر وأباعبيدة يتناجون في إنكار تلك الخطبة في شأن علي عليه السلام أمر منادياً ينادي ألا لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون.
وارتحل عليه السلام فلما نزل منزلاً آخر أتى سالم مولى أبي حذيفة أبابكر وعمر وأباعبيدة فوجدهم يسارُّ بعضهم بعضاً، فوقف عليهم وقال: أليس رسول الله نهى أن يجتمع ثلاثة نفر على سر؟ والله لئن لم تخبروني بما أنتم عليه لآتين رسول صلى الله عليه وآله لأعرفنه ذلك منكم! فقال أبوبكر: يا سالم عليك عهد الله وميثاقه إن نحن أخبرناك بما نحن فيه فإن أحببت أن تدخل معنا دخلت وإن
< صفحة > 242 < / صفحة >
أبيت كتمت علينا. فقال سالم: ذلك لكم عليَّ. فأعطاهم عهد الله وميثاقه أنه إن لم يدخل معهم يكتمه عليهم، قالوا: اجتمعنا على أن نتعاقد اليوم على أن نمنع محمداً مما افترضه علينا من ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام !فقال لهم سالم: أنا والله به أول من يحالفكم على ذلك الأمر، والله ما طلعت شمس على أهل بيت أبغض إلي من بني هاشم ولا في بني هاشم أبغض إلي من علي! فاصنعوا ما بدا لكم فإني واحد منكم! فتعاقدوا في وقتهم ذلك ثم تفرقوا.
قال حذيفة: ثم إنهم أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لهم: ما كنتم يومكم هذا تتناجون فيه؟ قالوا: يا رسول الله ما التقينا غير وقتنا هذا، فنظر إليهم مغضباً ثم قال: وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بالرحيل حتى دخل المدينة، واجتمع القوم بها وكتبوا صحيفة على حسب ما تعاقدوا عليه من التنكب عما بايعوا عليه رسول الله صلى الله عليه وآله في استخلاف علي عليه السلام ، وأن الأمر لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم بعده لعمر بن الخطاب، ثم بعده للحي من أحد الرجلين أبي عبيدة، وسالم مولى أبي حذيفة. وأشهدوا على ذلك أربعة وثلاثين رجلاً، أربعة عشر رجلاً أصحاب العقبة، وعشرين رجلاً غيرهم: وهم سعيد بن العاص الأموي، وأسامة بن زيد، والوليد بن أبي ربيعة، وسعيد بن زيد بن نفيل، وأبوسفيان بن حرب، وسفيان بن أمية، وأبوحذيفة بن عتبة، ومعاذ بن جبل، وبشير بن أبي سعيد الأنصاري، وسهل بن عمر، وحكيم بن حزام الأسدي، وصهيب بن سنان الرومي، والعباس بن مرداس السلمي، وأبومطيع بن أسد العبدي، وقعد ابن عمر، وسالم مولى أبي حذيفة، وسعيد بن مالك، وخالد بن عرفطة، ومروان بن الحكم، والأشعث بن قيس. قال حذيفة: حدثتني أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر أن القوم اجتمعوا في دار أبي بكر، فتوامروا في ذلك، وأسماء تسمع جميع كلامهم، فأمروا سعيد بن العاص أن يكتب على اتفاق منهم:
بسم الله الرحمن الرحيم. إن المهاجرين والأنصار الذين مدحهم الله في كتابه على لسان نبيه اتفقوا جميعاً بعد أن اجتهدوا في آرائهم، وكتبوا هذه الصحيفة نصراً منهم للإسلام، وليقتدي بهم من جاء بعدهم.
أما بعد، فإن الله بمنه وكرمه بعث محمداً رسولاً إلى الناس كافة، بدينه الذي ارتضاه لعباده، فأدى ما أمر به، حتى إذا أكمل الدين وبين الفرائض والسنن وعين الحلال والحرام، فقبضه إليه
< صفحة > 243 < / صفحة >
مكرماً من غير أن يستخلف من بعده أحداً، فجعل الإختيار إلى المسلمين ليختاروا لأنفسهم من وثقوا برأيه ودينه، وأن للمسلمين في رسول الله أسوة حسنة في ترك الإستخلاف فإنه لم يستخلف على الناس أصلاً، لئلا يجري ذلك في أهل ملة واحدة، فيكون إرثاً لهم دون سائر المسلمين، ولئلا يكون دولة بين الأغنياء منهم، ولئلا يقول الذي يستخلفه إن هذا الأمر باق في عقبه من ولد إلى ولد إلى يوم القيمة. والذي يجب على المسلمين عند مضي كل خليفة أن يجمعوا أهل الصلاح وذوي الرأي منهم، ليتشاوروا في أمورهم، فمن رأوه مستحقاً للخلافة بدينه وفضله ولوه أمورهم، وجعلوه القيم عليهم، لأنه لا يخفى على أهل كل زمان من يصلح منهم للخلافة.
فإن ادعى أحد أن رسول الله استخلف رجلاً بعينه بحيث نصبه للناس باسمه ونسبه كان كاذباً في دعواه، وأتى بخلاف ما يعرفه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، وخالف إجماع المسلمين،وإن ادعى مدع أن خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وراثة لأهل بيته، فقد أبطل وأحال وخالف قول رسول الله: نحن معاشر الأنبياء لا نورث فما تركناه صدقة، وإن ادعى مدع أن الخلافة لاتصلح إلا لرجل واحد من جميع الناس وأنها مقصورة فيه وإن قال قائل أن الخلافة تتلو النبوة فقد كذب،لأنه قال أصحابي: كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، وإن ادعى مدع أنه يستحق بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله فليس له ولا لولده، وإن دنا من النبي نسبه لأن الله يقول وقوله القاضي على كل أحد: إن أكرمكم عند الله أتقيكم. فمن رضي بما اجتمع عليه أصحاب رسول الله فقد هديَ وعمل بالصواب، ومن كره ذلك وخالف أمرهم فقد عاند جماعة المسلمين فليقتلوه فإن في ذلك صلاح الأمة، فإن رسول الله قد قال اجتماع لأمتي رحمة والفرقة عذاب، ولا تجتمع أمتي على ضلال أبداً، وإن المسلمين يد واحدة على من سواهم، وإنه لا يخرج من جماعة المسلمين إلا مفارق معاند لهم مظاهر عليهم، فقد أباح الله ورسوله دمه، وأحل قتله.
وكتب سعيد بن العاص باتفاق من أثبت إسمه وشهادته آخر هذه الصحيفة في المحرم سنة عشر من الهجرة.
ثم دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجراح، فوجه بها إلى مكة فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة، إلى أن ولي عمر بن الخطاب فأخرجها.
وهي التي تمناها أمير المؤمنين عليه السلام لما توفي عمر فوقف به وهو مسجى بثوبه وقال: ما أحب
< صفحة > 244 < / صفحة >
أن ألقى الله تعالى إلا بصحيفة هذا المسجى)!
أقول: رويت هذه الصحيفة بروايات بينها تفاوت لكنه غير مضر بالمعنى.
قال حذيفة: فلما فرغوا من ذلك أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في المسجد فجلسوا معه، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أبي عبيدة وقال: بخ بخ لك يا با عبيدة! من مثلك وقد أصبحت أمين قوم من هذه الأمة على باطلهم! ثم قرأ: فَوَيْلٌ للَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ. ولقد أصبح نفر من أصحابي ما هم في فعلهم دون مشركي قريش لما كتبوا صحيفتهم وعلقوها في الكعبة! ولولا أن الله أمرني بالإعراض عنهم لأمر هو بالغه، لقدمتهم وضربت أعناقهم!
قال حذيفة: فوالله لقد رأيت هؤلاء النفر قد استقبلتهم الرعدة فلم يملك أحد منهم نفسه، ولم يخف على كل من حضرمع رسول الله صلى الله عليه وآله من المهاجرين والأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وآله يذمهم).
انتهى حديث حذيفة، ويظهر أن اتفاقهم على أن تكون الخلافة لأبي بكر ثم لعمر ثم لأبي عبيدة ثم لسالم،كان شفهياً! وأن سالماً دخل معهم من مكة، ثم أكد ذلك في رجوعهم.
مؤامرة عقبة هرشى لقتل النبي صلى الله عليه وآله
في معجم البلدان(5 /397): (هَرْشَى: ثنية في طريق مكة قريبة من الجحفة).
وفي معجم البكري (4/1350): (على ملتقى طريق الشام والمدينة، في أرض مستوية، هضبة ململمة لا تنبث شيئاً، وهي من الجحفة، يرى منها البحر، سهلة المصعد صعبة المنحدر، والطريق من جنبتيها).
وقد خلط بعضهم بينها وبين عقبة تبوك العميقة، التي كمن فيها بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وآله في عودته من تبوك ليقتلوه فأنجاه الله تعالى، فأعادوا محاولتهم بعد خطبة الغدير في عودته من حجة الوداع في عقبة هرشى، وكانت هذه المحاولة شبيهةً إلى حد كبيرٍ بمؤامرة اغتياله صلى الله عليه وآله في عقبة تبوك.
فى تفسير القمي(1/174): « فقال أصحابه الذين ارتدوا بعده: قد قال محمد في مسجد الخيف ما قال، وقال هاهنا ما قال، وإن رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له! فاجتمعوا أربعة عشر نفراً
< صفحة > 245 < / صفحة >
وتآمروا على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وقعدوا في العقبة وهى عقبة هرشى بين الجحفة والأبواء، فقعدوا سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها، لينفروا ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله فلما جن الليل تقدم رسول الله صلى الله عليه وآله في تلك الليلة العسكر فأقبل ينعس على ناقته، فلما دنا من العقبة ناداه جبرئيل عليه السلام : يا محمد إن فلاناً وفلاناً وفلاناً قد قعدوا لك، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: من هذا خلفي؟ فقال حذيفة اليماني: أنا يا رسول الله حذيفة بن اليمان، قال: سمعت ما سمعت؟ قال: بلى. قال: فاكتم، ثم دنا رسول الله صلى الله عليه وآله منهم فناداهم بأسمائهم، فلما سمعوا نداء رسول الله صلى الله عليه وآله فروا ودخلوا في غمار الناس، وقد كانوا عقلوا رواحلهم فتركوها! ولحق الناس برسول الله وطلبوهم وانتهى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى رواحلهم فعرفهم، فلما نزل قال: ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة إن مات محمد أو قتل ألا يردوا هذا الأمر في أهل بيته أبداً! فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فحلفوا أنهم لم يقولوا من ذلك شيئاً ولم يريدوه ولم يكتموا شيئاً من رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله:
يا أَيهَا النَّبِى جَاهِدِ الْكفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. يحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا: أن لا يردوا هذا الأمر في أهل بيت رسول الله. وَلَقَدْ قَالُوا كلِمَةَ الْكفْرِ وَكفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ ينَالُوا: من قتل رسول الله صلى الله عليه وآله !
وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ الله عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ.
فحدثني أبي عن مسلم بن خالد عن محمد بن جابر عن ابن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع من حجة الوداع: يا ابن مسعود قد قرب الأجل ونعيت إلي نفسي فمن لذلك بعدي؟ فأقبلت أعد عليه رجلاً رجلاً، فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال ثكلتك الثواكل فأين أنت عن علي بن أبي طالب لم لا تقدمه على الخلق أجمعين؟! يا ابن مسعود إنه إذا كان يوم القيامة رفعت لهذه الأمة أعلام، فأول الأعلام لوائي الأعظم مع علي بن أبي طالب والناس أجمعين تحت لوائه ينادي مناد هذا الفضل يا ابن أبي طالب. ثم نزل كتاب الله يخبر عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ).
وفي تفسير العياشي (1/334): « عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: وَحَسِبُوا أَلا تَكُونَ فِتْنَةٌ. قال: حيث كان رسول الله صلى الله عليه وآله بين أظهرهم. فَعَمُوا وَصَمُّوا: حيث قبض رسول الله! ثُمَّ تَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ: حيث قام أمير المؤمنين عليه السلام . قال: ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا.. إلى الساعة »!
< صفحة > 246 < / صفحة >
وفي تنزيه الأنبياء/120:(إن النبي صلى الله عليه وآله لما نص على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة في ابتداء الأمر جاءه قوم من قريش قالوا له: يا رسول الله إن الناس قريبوا عهد بالإسلام ولا يرضوا أن تكون النبوة فيك والإمامة في ابن عمك فلوعدلت بها إلى حين لكان أولى، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله : ما فعلت ذلك برأيي فأتخير فيه ولكن الله أمرني به وفرضه عليَّ. فقالوا له: فإذا لم تفعل ذلك مخافة الخلاف على ربك، فأشرك معه في الخلافة رجلاً من قريش يسكن إليه الناس ليتم لك الأمر ولا تخالف الناس عليك، فنزل: وَلَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
حديث حذيفة الطويل وبضمنه مؤامرة عقبة هرشى
ونورده هنا كاملاً لفوائده، ما عدا نص الصحيفة المتقدم، لأنه يكشف حقيقة صراع النبي صلى الله عليه وآله مع قريش في تلك الفترة:
ففي إرشاد القلوب (1/332):(واستُخلف علي بن أبي طالب عليه السلام فأقام حذيفة على المدائن وكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله علي أمير المؤمنين عليه السلام إلى حذيفة بن اليمان. سلام عليك أما بعد، فإني قد وليتك ما كنت تليه لمن كان قبلي من حرف المدائن وقد جعلت إليك أعمال الخراج والرستاق وجباية أهل الذمة فاجمع إليك ثقاتك ومن أحببت ممن ترضى دينه وأمانته واستعن بهم على أعمالك، فإن ذلك أعز لك ولوليك وأكبت لعدوك وإني آمرك بتقوى الله وطاعته في السر والعلانية، وأحذرك عقابه في المغيب والمشهد، وأتقدم إليك بالإحسان إلى المحسن والشدة على المعاند، وآمرك بالرفق في أمورك واللين والعدل على رعيتك، فإنك مسؤول عن ذلك. وإنصاف المظلوم، والعفو عن الناس، وحسن السيرة ما استطعت، فالله يجزي المحسنين. وآمرك أن تجبي خراج الأرضين على الحق والنصفة ولا تتجاوز ما قدمت به إليك، ولا تدع منه شيئاً ولا تبتدع فيه أمراً، ثم اقسمه بين أهله بالسوية والعدل، واخفض لرعيتك جناحك، وواس بينهم في مجلسك، وليكن القريب والبعيد عندك في الحق سواء، واحكم بين الناس بالحق وأقم فيهم بالقسط، ولا تتبع الهوى ولا تخف في الله لومة لائم، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
وقد وجهت إليك كتاباً لتقرأه على أهل مملكتك، ليعلموا رأينا فيهم وفي جميع المسلمين،
< صفحة > 247 < / صفحة >
فأحضرهم واقرأه عليهم، وخذ لنا البيعة على الصغير والكبير منهم إن شاء الله. قال: ولما وصل عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى حذيفة جمع الناس وصلى بهم، ثم أمر بالكتاب فقرأه عليهم وهو:
بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين: سلام عليكم، أما بعد، فإني أحمدالله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي على محمد وآل محمد.
وبعد، فإن الله تعالى اختار الإسلام ديناً لنفسه وملائكته ورسله، إحكاماً لصنعه وحسن تدبيره، ونظراً منه لعباده ، واختص به من أحب من خلقه فبعث إليهم محمداً صلى الله عليه وآله فعلمهم الكتاب والحكمة إكراماً وتفضلاً لهذه الأمة، وأدبهم لكي يهتدوا ، وجمعهم لئلا يتفرقوا ، ووفقهم لئلا يجوروا. فلما قضى ما كان عليه من ذلك مضى إلى رحمة الله حميداً محموداً.
ثم إن بعض المسلمين أقاموا بعده رجلين رضوا بهداهما وسيرتهما، قاما ما شاء الله، ثم توفاهما الله عز وجل، ثم ولوا بعدهما الثالث فأحدث أحداثاً، ووجدت الأمة عليه فعالاً، فاتفقوا عليه ثم نقموا منه فغيروا.
ثم جاؤني كتتابع الخيل فبايعوني فأنا أستهدي الله بهداه وأستعينه على التقوى. ألا وإن لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله والقيام عليكم بحقه، وإحياء سنته، والنصح لكم بالمغيب والمشهد، وبالله نستعين على ذلك، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وقد وليت أموركم حذيفة بن اليمان وهو ممن أرتضي هداه، وأرجو صلاحه، وقد أمرته بالإحسان إلى محسنكم، والشدة على مريبكم، والرفق بجميعكم، أسأل الله لنا ولكم حسن الخيرة والإحسان، ورحمته الواسعة في الدنيا والآخرة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال: ثم إن حذيفة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد وآل محمد ثم قال: الحمد لله الذي أحيا الحق، وأمات الباطل، وجاء بالعدل ودحض الجور، وكبت الظالمين.
أيها الناس: إنما وليكم الله ورسوله وأمير المؤمنين حقاً حقاً وخير من نعلمه بعد نبينا رسول الله صلى الله عليه وآله وأولى الناس بالناس، وأحقهم بالأمر،وأقربهم إلى الصدق، وأرشدهم إلى العدل، وأهداهم سبيلاً، وأدناهم إلى الله وسيلة وأقربهم برسول الله صلى الله عليه وآله رحماً، أنيبوا إلى طاعة أول الناس سلماً وأكثرهم علماً وأصدقهم طريقة وأسبقهم إيماناً وأحسنهم يقيناً وأكثرهم معروفاً وأقدمهم
< صفحة > 248 < / صفحة >
جهاداً وأعزهم مقاماً.أخي رسول الله وابن عمه وأبي الحسن والحسين وزوج الزهراء البتول سيدة نساء العالمين، فقوموا أيها الناس فبايعوا على كتاب الله وسنة نبيه، فإن لله في ذلك رضى ولكم مقنع وصلاح، والسلام.
فقام الناس بأجمعهم فبايعوا أمير المؤمنين عليه السلام بأحسن بيعة وأجمعها.
فلما استتمت البيعة قام إليه فتى من أبناء العجم وولاة الأنصار لمحمد بن عمارة بن التيهان أخي أبي الهيثم بن التيهان يقال له مسلم، متقلداً سيفاً، فناداه من أقصى الناس: أيها الأمير إنا سمعناك تقول في أول كلامك إنما وليكم الله ورسوله وأمير المؤمنين حقاً حقاً تعريضاً بمن كان قبله من الخلفاء أنهم لم يكونوا أمراء المؤمنين حقاً، فعرفنا ذلك أيها الأمير رحمك الله ولا تكتمنا، فإنك ممن شهد وغبنا، ونحن مقلدون ذلك في أعناقكم، والله شاهد عليكم فيما تأتون به من النصيحة لأمتكم، وصدق الخبر عن نبيكم.
قال حذيفة: أيها الرجل أما إذا سألت وفحصت هكذا فاسمع وافهم ما أخبرك به:
أما من تقدم من الخلفاء قبل علي بن أبي طالب عليه السلام ممن تسمى بأمير المؤمنين فإنهم تسموا بذلك وسماهم الناس به. وأما علي بن أبي طالب فإن جبرائيل عليه السلام سماه بهذا الإسم عن الله تعالى وشهد له الرسول صلى الله عليه وآله عن سلام جبرائيل له بإمرة المؤمنين، وكان أصحاب رسول الله يدعونه في حياة رسول الله بأمير المؤمنين.
قال الفتى: أخبرنا كيف كان ذلك يرحمك الله.
قال حذيفة: إن الناس كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الحجاب إذا شاؤوا فنهاهم رسول الله أن يدخل أحد إليه وعنده دحية بن خليفة الكلبي، وكان رسول الله يراسل قيصراً ملك الروم وبني حنيفة وملوك بني غسان على يده، وكان جبرائيل عليه السلام يهبط عليه في صورته، ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يدخل المسلمون عليه إذا كان عنده دحية.
قال حذيفة: وإني أقبلت يوماً لبعض أموري إلى رسول الله رجاء أن ألقاه خالياً، فلما صرت بالباب نظرت فإذا أنا بشملة قد سدلت على الباب فرفعتها وهممت بالدخول وكذلك كنا نصنع فإذا أنا بدحية قاعد عند رسول الله صلى الله عليه وآله والنبي نائم ورأسه في حجر دحية الكلبي، فلما رأيته انصرفت فلقيني علي بن أبي طالب عليه السلام في بعض الطريق فقال: يا ابن اليمان من أين أقبلت
< صفحة > 249 < / صفحة >
فقلت من عند رسول الله صلى الله عليه وآله قال: وما ذا صنعت؟ قلت: أردت الدخول عليه في كذا وكذا وذكرت الأمر الذي جئت له فلم يتهيأ لي ذلك. قال: ولمَ؟ قلت عنده دحية الكلبي وسألت علياً معونتي على رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك الأمر. قال فارجع معي فرجعت معه، فلما صرنا إلى باب الدار جلست بالباب ورفع علي الشملة ودخل فسلم فسمعت دحية: يقول وعليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثم قال: له أجلس فخذ رأس أخيك وابن عمك من حجري، فأنت أولى الناس به، فجلس علي وأخذ رأس رسول الله فجعله في حجره، وخرج دحية من البيت، فقال علي عليه السلام : أدخل يا حذيفة فدخلت وجلست فما كان بأسرع من انتبه رسول الله فضحك في وجه علي، ثم قال: يا أبا الحسن من حجر من أخذت رأسي؟ قال: من حجر دحية الكلبي. فقال صلى الله عليه وآله :ذلك جبرائيل، فما قلت له حين دخلت وما قال لك؟ قال دخلت وسلمت فقال لي: وعليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقال رسول الله: يا علي سلمت عليك ملائكة الله وسكان سماواته بإمرة المؤمنين من قبل أن يسلم عليك أهل الأرض.
يا علي إن جبرائيل عليه السلام فعل ذلك عن أمر الله عز وجل وقد أوحى إلي عن ربي تبارك وتعالى من قبل دخولك أن أفرض ذلك على الناس، وأنا فاعل ذلك إن شاء الله تعالى. فلما كان من الغد بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ناحية فدك في حاجة، فلبثت أياماً ثم قدمت فوجدت الناس يتحدثون أن رسول الله أمر الناس أن يسلموا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، وأن جبرائيل أتاه بذلك عن الله عز وجل، فقلت: صدق رسول الله، وأنا قد سمعت جبرائيل سلم على علي بإمرة المؤمنين، فحدثتهم الحديث، فسمعني عمر بن الخطاب وأنا أحدث الناس في المسجد فقال لي: أنت رأيت جبرائيل وسمعته! إتق القول فقد قلت قولاً عظيماً، فقد خولط بك! فقلت: نعم أنا سمعت ورأيت ذلك فأرغم الله أنف من رغم! فقال يا أباعبد الله لقد رأيت وسمعت عجباً!
قال حذيفة: فسمعني بريدة بن الحصيب الأسلمي وأنا أحدث ببعض ما رأيت وسمعت، فقال لي: والله يا ابن اليمان لقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالسلام على علي بإمرة المؤمنين فاستجاب له طائفة يسيرة من الناس ورد ذلك عليه وأباه كثير من الناس! فقلت: يا بريدة أكنت شاهداً ذلك اليوم؟ فقال: نعم من أوله إلى آخره، فقلت له حدثني به رحمك الله فإني كنت عن ذلك اليوم غائباً، قال بريدة: كنت أنا وعمار أخي مع رسول الله صلى الله عليه وآله في نخيل بني النجار فدخل علينا علي
< صفحة > 250 < / صفحة >
بن أبي طالب عليه السلام فسلم فرد عليه رسول الله، ورددنا ثم قال: يا علي أجلس هنا، فدخل رجال فأمرهم رسول الله بالسلام على علي بإمرة المؤمنين، فسلموا وما كادوا.
ثم دخل أبوبكر وعمر فسلما، فقال لهما رسول الله: سلما على علي بإمرة المؤمنين، فقالا: الإمرة من الله ورسوله؟ فقال: نعم، ثم دخل طلحة وسعد بن مالك فسلما فقال لهما النبي: سلما على علي بإمرة المؤمنين، فقالا: عن الله ورسوله؟ فقال: نعم.قالا سمعنا وأطعنا.
ثم دخل سلمان الفارسي وأبوذر الغفاري رضي الله عنهما فسلما فرد عليهما السلام، ثم قال لهما سلما على علي بإمرة المؤمنين، فسلما ولم يقولا شيئاً.
ثم دخل خزيمة بن ثابت وأبوالهيثم بن التيهان فسلما فرد عليهما السلام، ثم قال سلما على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، فسلما ولم يقولا شيئاً.
ثم دخل عمار ومقداد فسلما فرد عليهما السلام وقال: سلما على علي بإمرة المؤمنين، ففعلا ولم يقولا شيئاً.
ثم دخل عثمان وأبوعبيدة فسلما فرد عليهما السلام وقال: سلما على علي بإمرة المؤمنين، قالا: عن الله ورسوله؟ قال: نعم، فسلما.
ثم دخل فلان وفلان وعدد من جماعة المهاجرين والأنصار كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول سلموا على علي بإمرة المؤمنين، فبعض يسلم وبعض لم يقل شيئاً، وبعض يقول للنبي: عن الله ورسوله، فيقول: نعم. حتى غص المجلس بأهله وامتلأت الحجرة وجلس بعض على الباب وفي الطريق، وكانوا يدخلون فيسلمون ويخرجون.
ثم قال لي ولأخي قم يا بريدة أنت وأخوك فسلما على علي بن أبي طالب بإمرة المؤمنين، فقمنا وسلمنا ثم عدنا إلى مواضعنا فجلسنا.
قال: ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: إسمعوا وعوا إني أمرتكم أن تسلموا على علي بإمرة المؤمنين، وإن رجالاً سألوني ذلك عن أمر الله عز وجل أو أمر رسول الله، ما كان لمحمد أن يأتي أمراً من تلقاء نفسه بل بوحي ربه وأمره. أفرأيتم والذي نفسي بيده لئن أبيتم ونقضتموه لتكفرن ولتفارقن ما بعثني به ربي، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
< صفحة > 251 < / صفحة >
قال بريدة: فلما خرجنا سمعت بعض أولئك الذين أمروا بالسلام على علي بإمرة المؤمنين من قريش يقول لصاحبه وقد التفت بهما طائفة من الجفاء البطاء عن الإسلام من قريش: أما رأيت ما صنع محمد بابن عمه من علو المنزلة والمكانة ولو يستطيع والله لجعله نبياً من بعده. فقال له صاحبه أمسك ولا يكبرن عليك هذا الأمر، فإنا لو فقدنا محمداً لكان فعله هذا تحت أقدامنا!
قال حذيفة ثم خرج بريدة إلى بعض طرق الشام ورجع، وقد قبض رسول الله وبايع الناس أبابكر، فأقبل بريدة ودخل المسجد وأبوبكر على المنبر وعمر دونه بمرقاة، فناداهما من ناحية المسجد: يا أبابكر ويا عمر. فقال: ما لك يا بريدة أجننت؟ فقال لهما: والله ما جننت ولكن أين سلامكما بالأمس على علي بإمرة المؤمنين؟ فقال له أبوبكر: يا بريدة الأمر يحدث بعده الأمر، فإنك غبت وشهدنا والشاهد يرى ما لا يرى الغائب!
فقال لهما: رأيتما ما لم يره الله ولا رسوله! ولكن هذا وفاء صاحبك بقوله لو فقدنا محمداً لكان هذا قوله تحت أقدامنا!
ألا إن المدينة حرام عليَّ أن أسكنها أبداً حتى أموت وخرج بريدة بأهله وولده، فنزل بين قومه بني أسلم، فكان يطلع في الوقت دون الوقت، فلما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام سار إليه وكان معه حتى قدم العراق، فلما أصيب أمير المؤمنين سار إلى خراسان فنزلها فلبث هناك إلى أن مات رحمه الله. (و من أولاده في نيشابور الحاكم الحسكاني)
قال حذيفة: هذه أنباء ما سألتني عنه. فقال الفتى: لا جزى الله الذين شاهدوا رسول الله وسمعوه يقول هذا القول في علي، فقد خانوا الله ورسوله وأزالوا الأمر عمن رضي به الله، وأقروه فيمن لم يره الله ولا رسوله لذلك أهلاً. لا جرم والله لن يفلحوا بعدها أبداً، ونزل حذيفة عن منبره فقال يا أخا الأنصار إن الأمر كان أعظم مما تظن! إنه عزب والله البصر وذهب اليقين، وكثر المخالف وقل الناصر لأهل الحق.
فقال له الفتى: فهلا انتضيتم أسيافكم ووضعتموها على رقابكم وضربتم بها الزائلين عن الحق قدماً قدماً حتى تموتوا أو تدركوا الأمر الذي تحبونه من طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله .
فقال له: أيها الفتى إنه أخذ والله بأسماعنا وأبصارنا، وكرهنا الموت وزينت عندنا الحيرة، وسبق علم الله بإمرة الظالمين، ونحن نسأل الله الصفح لذنوبنا والعصمة فيما بقي من آجالنا، فإنه
< صفحة > 252 < / صفحة >
مالك رحيم. ثم انصرف حذيفة إلى منزله وتفرق الناس.
قال عبد الله بن سلمة: فبينما أنا ذات يوم عند حذيفة أعوده في مرضه الذي مات فيه وقد كان يوم قدمت فيه من الكوفة، وذلك من قبل قدوم علي عليه السلام إلى العراق، فبينما أنا عنده إذ جاء الفتى الأنصاري فدخل على حذيفة فرحب به وأقبل به وأدناه وقرب مجلسه، وخرج من كان عند حذيفة من عواده وأقبل عليه: فقال يا أباعبد الله سمعتك يوماً تحدث عن بريدة بن الخصيب الأسلمي أنه سمع بعض القوم الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله أن يسلموا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين يقول لصاحبه: ما رأيت اليوم ما صنع محمد بابن عمه من التشريف وعلو المنزلة حتى لو قدر أن يجعله نبياً لفعل، فأجابه صاحبه وقال لا يكبرن عليك فلو فقدنا محمد لكان قوله تحت أقدامنا!وقد ظننت نداء بريدة لهما وهما على المنبر أنهما صاحبا القول!
قال حذيفة: أجل القائل عمر والمجيب أبوبكر. فقال الفتى: إنا لله وإنا إليه راجعون، هلك والله القوم وبطلت أعمالهم. قال حذيفة: ولم يزل القوم على ذلك من الإرتداد وما لم يعلم الله منهم أكثر! فقال الفتى: قد كنت أحب أن أتعرف هذا الأمر من فعلهم، ولكني أجدك مريضاً، وأنا أكره أن أُمِلَّك بحديثي ومسألتي، وقام لينصرف فقال حذيفة: لا، بل اجلس يا ابن أخي وتلق مني حديثهم وإن كربني ذلك، فلا أحسبني إلا مفارقكم، إني لا أحب أن تغتر بمنزلتهما في الناس، فهذا ما أقدر عليه من النصيحة لك ولأمير المؤمنين عليه السلام من الطاعة له ولرسوله، وذكر منزلته.
فقال:يا أباعبد الله حدثني بما عندك من أمورهم لأكون على بصيرة من ذلك. فقال حذيفة: إذاً والله لأخبرنك بخبر سمعته ورأيته ولقد والله دلنا على ذلك من فعلهم على أنهم والله ما آمنوا بالله ولا برسوله طرفة عين! وأخبرك أن الله تعالى أمر رسوله في سنة عشر من مهاجرته من مكة إلى المدينة أن يحج هو ويحج الناس معه فأوحى إليه بذلك وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله المؤذنين فأذنوا في أهل السافلة والعالية ألا إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد عزم على الحج في عامه هذا ليفهم الناس حجهم ويعلمهم مناسكهم فيكون سنة لهم إلى آخر الدهر. قال: فلم يبق أحد ممن دخل في الإسلام إلا حج مع رسول الله لسنة عشر ليشهدوا منافع لهم ويعلمهم حجهم ويعرفهم مناسكهم.
< صفحة > 253 < / صفحة >
وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس وخرج بنسائه معه، وهي حجة الوداع فلما استتم حجهم، وقضوا مناسكهم، وعرف الناس جميع ما احتاجوا إليه وأعلمهم أنه قد أقام لهم ملة إبراهيم عليه السلام ، وقد أزال عنهم جميع ما أحدثه المشركون بعده، ورد الحج إلى حالته الأولى.
ودخل مكة فأقام بها يوماً واحداً، هبط عليه الأمين جبرائيل عليه السلام بأول سورة العنكبوت فقال إقرأ يا محمد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا جبرائيل وما هذه الفتنة؟ فقال: يا محمد إن الله تعالى يقرؤك السلام ويقول لك: إني ما أرسلت نبياً قبلك إلا أمرته عند انقضاء أجله أن يستخلف على أمته من بعده من يقوم مقامه، ويحيي لهم سنته وأحكامه، فالمطيعون لله فيما يأمرهم به رسول الله صلى الله عليه وآله الصادقون، والمخالفون على أمره هم الكاذبون، وقد دنا يا محمد مصيرك إلى ربك وجنته وهو يأمرك أن تنصب لأمتك من بعدك علي بن أبي طالب عليه السلام وتعهد إليه فهو الخليفة القائم برعيتك وأمتك، إن أطاعوه أسلموا وإن عصوه كفروا، وسيفعلون ذلك وهي الفتنة التي تلوت الآي فيها، وإن الله عز وجل يأمرك أن تعلمه جميع ما علمك وتستحفظه جميع ما استحفظك واستودعك، فإنه الأمين المؤتمن.
يا محمد، إني اخترتك من عبادي نبياً، واخترته لك وصياً.
قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام فخلا به يومه ذلك وليلته واستودعه العلم والحكمة التي آتاه الله إياها، وعرفه ما قال جبرائيل، وكان ذلك في يوم عائشة بنت أبي بكر فقالت: يا رسول الله لقد طال استخلاؤك بعلي منذ اليوم، قال: فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت لم تعرض عني يا رسول الله؟ قال: بأمر لعله يكون لي صلاحاً لمن أسعده الله بقبوله والإيمان به، وقد أمرت بدعاء الناس جميعاً إليه، وستعلمين ذلك إذا أنا قمت به في الناس. قالت: يا رسول الله ولم لا تخبر به الآن لأتقدم بالعمل به ولآخذ بما فيه الصلاح؟ قال: سأخبرك به فاحفظيه إلى أن أؤمر بالقيام به في الناس جميعاً، فإنك إن حفظتيه حفظك الله في العاجلة والآجلة جميعاً، وكان لك الفضيلة بسبقه والمسارعة إلى الإيمان بالله ورسوله، ولو أضعتيه وتركت رعاية ما ألقي إليك منه كفرت بربك وحبط أجرك وبرئت منك ذمة الله ورسوله وكنت من الخاسرين، ولم يضر الله ذلك ولا
< صفحة > 254 < / صفحة >
رسوله، فضمنت له حفظه والإيمان به ورعايته.
فقال صلى الله عليه وآله إن الله تعالى أخبرني أن عمري قد انقضى، وأمرني أن أنصب علياً للناس علماً وأجعله فيهم إماماً وأستخلفه كما استخلف الأنبياء من قبلي أوصياءهم، وأنا صائر إلى ربي وآخذ فيه بأمره، فليكن هذا الأمر منك تحت سويداء قلبك، إلى أن يأذن الله بالقيام به، فضمنت له ذلك.
ولقد أطلع الله نبيه على ما يكون منها فيه ومن صاحبتها حفصة وأبويهما، فلم تلبث أن أخبرت حفصة وأخبرت كل واحدة منها أباها فاجتمعا فأرسلا إلى جماعة الطلقاء والمنافقين فخبراهم بالأمر فأقبل بعضهم على بعض وقالوا: إن محمداً يريد أن يجعل هذا الأمر في أهل بيته كسنة كسرى وقيصر إلى آخر الدهر، ولا والله ما لكم في الحياة من حظ إن أفضى هذا الأمر إلى علي بن أبي طالب، وإن محمداً عاملكم على ظاهركم، وإن عليا يعاملكم على ما يجد في نفسه منكم، فأحسنوا النظر لأنفسكم في ذلك وقدموا آراءكم فيه، ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأجالوا الرأي، فاتفقوا على أن ينفروا بالنبي صلى الله عليه وآله ناقته على عقبة هرشى، وقد كانوا صنعوا مثل ذلك في غزاة تبوك فصرف الله الشر عن نبيه صلى الله عليه وآله ، فاجتمعوا في أمر رسول الله من القتل والإغتيال واستقاء السم على غير وجه، وقد كان اجتمع أعداء رسول الله صلى الله عليه وآله من الطلقاء من قريش والمنافقين من الأنصار ومن كان في قلبه الإرتداد من العرب في المدينة وما حولها، فتعاقدوا وتحالفوا على أن ينفروا به ناقته وكانوا أربعة عشر رجلاً، وكان من عزم رسول الله أن يقيم علياً عليه السلام وينصبه للناس بالمدينة إذا قدم، فسار رسول الله صلى الله عليه وآله يومين وليلتين، فلما كان في اليوم الثالث أتاه جبرائيل عليه السلام بآخر سورة الحجر فقال: إقرأ فَوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ. قال ورحل رسول الله وأغدق السير مسرعاً على دخول المدينة لينصب عليا عليه السلام علماً للناس فلما كانت الليلة الرابعة هبط جبرائيل عليه السلام في آخر الليل فقرأ عليه: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ. وهم الذين هموا برسول الله فقال صلى الله عليه وآله أما تراني يا جبرائيل أغدق السير مجداً فيه لأدخل المدينة فأعرض ولاية علي عليه السلام على الشاهد والغائب فقال له جبرائيل عليه السلام :الله يأمرك أن تفرض ولايته غداً إذا نزلت منزلك. فقال رسول الله: نعم يا
< صفحة > 255 < / صفحة >
جبرائيل غداً أفعل ذلك إن شاء الله. وأمر رسول الله بالرحيل من وقته وسار الناس معه حتى نزل بغدير خم، وصلى بالناس وأمرهم أن يجتمعوا إليه ودعا علياً عليه السلام ورفع رسول الله صلى الله عليه وآله يد علي اليسرى بيده اليمنى ورفع صوته بالولاء لعلي عليه السلام على الناس أجمعين، وفرض طاعته عليهم وأمرهم أن لا يختلفوا عليه بعده، وخبرهم أن ذلك عن الله عز وجل وقال لهم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا؟ بلى يا رسول الله، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. ثم أمر الناس أن يبايعوه فبايعه الناس جميعاً ولم يتكلم منهم أحد، وقد كان أبوبكر وعمر تقدما إلى الجحفة فبعث وردهما، ثم قال لهما النبي متهجماً: يا ابن أبي قحافة ويا عمر بايعا علياً بالولاية من بعدي، فقالا: أمر من الله ومن رسوله؟ فقال: وهل يكون مثل هذا عن غير أمر الله، نعم أمر من الله ومن رسوله. فقال: وبايعا ثم انصرفا.
وسار رسول الله صلى الله عليه وآله باقي يومه وليلته حتى إذا دنوا من عقبة هرشى تقدمه القوم، فتواروا في ثنية العقبة، وقد حملوا معهم دباباً، وطرحوا فيها الحصى.
فقال حذيفة: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله ودعا عمار بن ياسر وأمره أن يسوقها وأنا أقودها، حتى إذا صرنا رأس العقبة، ثار القوم من ورائنا، ودحرجوا الدباب بين قوائم الناقة، فذعرت وكادت أن تنفر برسول الله صلى الله عليه وآله فصاح بها النبي صلى الله عليه وآله أن اسكني، وليس عليك بأس. فأنطقها الله تعالى بقول عربي مبين فصيح فقالت: والله، يا رسول الله صلى الله عليه وآله لا أزلت يداً عن مستقر يد ولا رجلاً عن موضع رجل وأنت على ظهري، فتقدم القوم إلى الناقة ليدفعوها فأقبلت أنا وعمار نضرب وجوههم بأسيافنا، وكانت ليلة مظلمة، فزالوا عنا وأيسوا مما ظنوا ودبروا. فقلت: يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين يريدون ما ترى؟ فقال صلى الله عليه وآله : يا حذيفة هؤلاء المنافقون في الدنيا والآخرة، فقلت: ألا تبعث إليهم يا رسول الله رهطاً فيأتوا برؤوسهم؟ فقال: إن الله أمرني أن أعرض عنهم، فأكره أن تقول الناس إنه دعا أناساً من قومه وأصحابه إلى دينه فاستجابوا، فقاتل بهم حتى إذا ظهر على عدوه أقبل عليهم فقتلهم! ولكن دعهم يا حذيفة فإن الله لهم بالمرصاد، وسيمهلهم قليلاً ثم يضطر هم إلى عذاب غليظ. فقلت: ومن هؤلاء القوم المنافقون يا رسول الله صلى الله عليه وآله أمن المهاجرين أم من الأنصار؟ فسماهم لي رجلاً رجلاً حتى فرغ منهم، وقد
< صفحة > 256 < / صفحة >
كان فيهم أناس أنا كاره أن يكونوا فيهم فأمسكت عند ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا حذيفة كأنك شاك في بعض من سميت لك، إرفع رأسك إليهم فرفعت طرفي إلى القوم، وهم وقوف على الثنية، فبرقت برقة فأضاءت جميع ما حولنا، وثبتت البرقة حتى خلتها شمساً طالعة فنظرت والله إلى القوم فعرفتهم رجلاً رجلاً، فإذا هم كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعدد القوم أربعة عشر رجلاً، تسعة من قريش وخمسة من ساير الناس.
فقال له الفتى: سمهم لنا يرحمك الله تعالى! قال حذيفة: هم والله أبوبكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبوعبيدة بن الجراح، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، هؤلاء من قريش، وأما الخمسة الأخر فأبوموسى الأشعري، والمغيرة بن شعبة الثقفي، وأوس بن الحدثان البصري، وأبوهريرة، وأبوطلحة الأنصاري.
قال حذيفة: ثم انحدرنا من العقبة، وقد طلع الفجر فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله فتوضأ وانتظر أصحابه حتى انحدروا من العقبة واجتمعوا، فرأيت القوم بأجمعهم وقد دخلوا مع الناس وصلوا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما انصرف من صلاته التفت فنظر إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة يتناجون، فأمر منادياً فنادى في الناس لا تجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون فيما بينهم بسر، وارتحل رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس من منزل العقبة….
فلما نزل المنزل الآ خر رأى سالم مولى حذيفة أبابكر وعمر وأباعبيدة يسار بعضهم بعضاً، فوقف عليهم وقال: أليس قد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا تجتمع ثلاثة نفر من الناس على سر واحد، والله لتخبروني فيما أنتم وإلا أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أخبره بذلك منكم، فقال أبوبكر: يا سالم عليك عهد الله وميثاقه لئن خبرناك بالذي نحن فيه وبما اجتمعنا له، إن أحببت أن تدخل معنا فيه دخلت وكنت رجلا منا، وإن كرهت ذلك كتمته علينا، فقال سالم: لكم ذلك وأعطاهم بذلك عهده وميثاقه، وكان سالم شديد البغض والعداوة لعلي بن أبي طالب عليه السلام وقد عرفوا ذلك منه، فقالوا له: إنا قد اجتمعنا على أن نتحالف ونتعاقد على أن لا نطيع محمداً فيما فرض علينا من ولاية علي بن أبي طالب بعده! فقال لهم سالم: عليكم عهد الله وميثاقه إن في هذا الأمر كنتم تخوضون وتتناجون؟ قالوا أجل علينا عهد الله وميثاقه أنا إنما كنا في هذا الأمر بعينه لا في شئ سواه. قال سالم: وأنا والله أول من يعاقدكم على هذا الأمر ويحالفكم عليه، إنه
< صفحة > 257 < / صفحة >
والله ما طلعت الشمس على أهل بيت أبغض إلى من بني هاشم، ولا في بني هاشم أبغض إلى ولا أمقت من علي بن أبي طالب فاصنعوا في هذا الأمر ما بدا لكم فإني واحد منكم، فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر ثم تفرقوا.
فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله المسير أتوه فقال لهم: فيما كنتم تتناجون في يومكم هذا وقد نهيتكم عن النجوى؟ فقالوا: يا رسول الله ما التقينا غير وقتنا هذا، فنظر إليهم النبي صلى الله عليه وآله ملياً ثم قال لهم: ءأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ الله وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةًعِنْدَهُ مِنَ الله وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. ثم سار حتى دخل المدينة واجتمع القوم جميعاً وكتبوا صحيفة بينهم على ذكر ما تعاهدوا عليه في هذا الأمر، وكان أول ما في الصحيفة النكث لولاية علي بن أبي طالب عليه السلام وأن الأمر إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم ليس بخارج منهم، وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلاً: هؤلاء أصحاب العقبة وعشرون رجلا آخر، واستودعوا الصحيفة أباعبيدة بن الجراح وجعلوه أمينهم عليها.
قال: فقال الفتى يا أباعبد الله يرحمك الله هبنا نقول إن هؤلاء القوم رضوا بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة لأنهم من مشيخة قريش، فما بالهم رضوا بسالم وهو ليس من قريش ولا من المهاجرين ولا من الأنصار وإنما هو عبد لامرأة من الأنصار؟ قال حذيفة: يا فتى إن القوم أجمع تعاقدوا على إزالة هذا الأمر عن علي بن أبي طالب عليه السلام حسداً منهم له وكراهة لأمره، واجتمع لهم مع ذلك ما كان في قلوب قريش من سفك الدماء، وكان خاصة رسول الله صلى الله عليه وآله وكانوا يطلبون الثأر الذي أوقعه رسول الله بهم من علي من بني هاشم، فإنما كان العقد على إزالة الأمر عن علي عليه السلام من هؤلاء الأربعة عشر، وكانوا يرون أن سالماً رجل منهم.
فقال الفتى: فخبرني يرحمك الله عما كتب جميعهم في الصحيفة لأعرفه، فقال حذيفة حدثتني بذلك أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة أبي بكرأن القوم اجتمعوا في منزل أبي بكر فتآمروا في ذلك، وأسماء تسمعهم وتسمع جميع ما يدبرونه في ذلك، حتى اجتمع رأيهم على ذلك فأمروا سعيد بن العاص الأموي فكتب هو الصحيفة باتفاق منهم، وكانت نسخة الصحيفة:
وقد تقدمت نسختها.
قال: ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله من سفره ذلك، نزل منزل أم سلمة زوجته فأقام بها شهراً
< صفحة > 258 < / صفحة >
لاينزل منزلاً سواه من منازل أزواجه كما كان يفعل قبل ذلك. قال فشكت عايشة وحفصة ذلك إلى أبويهما، فقالا لهما إنا لنعلم لم صنع ذلك ولأي شئ هو، إمضيا إليه فلاطفاه في الكلام وخادعاه عن نفسه، فإنكما تجدانه حيياً كريماً، فلعلكما تسلان ما في قلبه وتستخرجان سخيمته.
قال: فمضت عايشة وحدها إليه فأصابته في منزل أم سلمة وعنده علي بن أبي طالب عليه السلام فقال لها النبي: ما جاء بك يا حميراء؟ قالت: يا رسول الله أنكرت تخلفك عن منزلك هذه المرة وأنا أعوذ بالله من سخطك يا رسول الله، فقال: لوكان الأمركما تقولين لما أظهرت سراً أوصيتك بكتمانه، لقد هلكت وأهلكت أمة من الناس. قال: ثم أمرخادمة أم سلمة فقال: إجمعي هؤلاء يعني نساءه، فجمعتهن في منزل أم سلمة، فقال لهن: إسمعن ما أقول لكن، وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال لهن: هذا أخي ووصيي ووارثي والقائم فيكن وفي الأمة من بعدي، فأطعنه فيما يأمركن به، ولا تعصينه فتهلكن بمعصيته، ثم قال: يا علي أوصيك بهن فأمسكهن ما أطعن الله وأطعنك، وأنفق عليهن من مالك، ومرهن بأمرك وانههن عما يريبك، وخل سبيلهن إن عصينك! فقال علي عليه السلام : يا رسول الله إنهن نساء وفيهن الوهن وضعف الرأي، فقال: إرفق بهن ما كان الرفق أمثل بهن فمن عصاك منهن فطلقها طلاقاً يبرأ الله ورسوله منها.
قال: وكل نساء النبي قد صمتن فلم يقلن شيئاً، فتكلمت عايشة فقالت: يا رسول الله ما كنا لتأمرنا بشئ فنخالفه بما سواه! فقال لها: بلى: يا حميراء قد خالفت أمري أشد خلاف، وأيم الله لتخالفين قولي هذا ولتعصنه بعدي، ولتخرجن من البيت الذي أخلفك فيه متبرجة قد حف بك فئام من الناس، فتخالفينه ظالمة له عاصية لربك، ولتنبحنك في طريقك كلاب الحوأب، ألا إن ذلك كائن، ثم قال: قمن فانصرفن إلى منازلكن قال، فقمن فانصرفن.
قال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله جمع أولئك النفر ومن مالأهم على علي عليه السلام وطابقهم على عداوته، ومن كان من الطلقاء والمنافقين، وكانوا زهاء أربعة آلاف رجل، فجعلهم تحت يدي أسامة بن زيد مولاه وأمَّره عليهم، وأمره بالخروج إلى ناحية من الشام، فقالوا: يا رسول لله إنا قدمنا من سفرنا الذي كنا فيه معك، ونحن نسألك أن تأذن لنا في المقام لنصلح من شأننا ما يصلحنا في سفرنا، قال: فأمرهم أن يكونوا في المدينة ريثما يحتاجون إليه، وأمر أسامة بن زيد فعسكر بهم على أميال من المدينة، فأقام بمكانه الذي حد له رسول الله صلى الله عليه وآله منتظراً للقوم أن يوافوه إذا فرغوا
< صفحة > 259 < / صفحة >
من أمورهم وقضاء حوائجهم، وإنما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله بما صنع من ذلك أن تخلو المدينة منهم، ولا يبقى بها أحد من المنافقين.
قال: فهم على ذلك من شأنهم ورسول الله صلى الله عليه وآله رائب يحثهم ويأمرهم بالخروج والتعجيل إلى الوجه الذي ندبهم إليه، إذ مرض رسول الله صلى الله عليه وآله مرضه الذي توفي فيه، فلما رأوا ذلك تباطؤوا عما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله من الخروج، فأمر قيس بن عبادة وكان سياف رسول الله صلى الله عليه وآله والحباب بن المنذر في جماعة من الأنصار أن يرحلوا بهم إلى عسكرهم، فأخرجهم قيس بن سعد والحباب بن المنذر حتى ألحقاهم بعسكرهم، وقالا لأسامة إن رسول الله لم يرخص لك في التخلف، فسر من وقتك هذا ليعلم رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك، فارتحل بهم أسامة وانصرف قيس والحباب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأعلماه برحلة القوم، فقال لهما: إن القوم غير سائرين.
قال: فخلا أبوبكر وعمر وأبوعبيدة بأسامة وجماعة من أصحابه فقالوا: إلى أين ننطلق ونخلي المدينة ونحن أحوج ما كنا إليها وإلى المقام بها؟
فقال لهم: وما ذلك؟ قالوا إن رسول الله قد نزل به الموت، ووالله لئن خلينا المدينة لتحدثن بها أمور لا يمكن إصلاحها، ننظر ما يكون من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ثم المسير بين أيدينا.
قال: فرجع القوم إلى المعسكر الأول وأقاموا به وبعثوا رسولاً يتعرف لهم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فأتى الرسول إلى عائشة فسألها عن ذلك سراً فقالت إمض إلى أبي وعمر ومن معهما وقل لهما: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد ثقل فلا يبرحن أحد منكم، وأنا أعلمكم بالخبر وقتاً بعد وقت! واشتدت علة رسول الله صلى الله عليه وآله فدعت عائشة صهيباً فقالت: إمض إلى أبي بكر وأعلمه أن محمداً في حال لا يرجى، فهلم إلينا أنت وعمر وأبوعبيدة ومن رأيتم أن يدخل معكم، وليكن دخولكم في الليل سراً!
قال: فأتاهم الخبر فأخذوا بيد صهيب فأدخلوه إلى أسامة فأخبروه الخبر، وقالوا له كيف ينبغي لنا أن نتخلف عن مشاهدة رسول الله صلى الله عليه وآله واستأذنوه في الدخول، فأذن لهم وأمرهم أن لا يعلم بدخولهم أحد، وإن عوفي رسول الله رجعتم إلى عسكركم، وإن حدث حادث الموت عرفونا ذلك لنكون في جماعة الناس. فدخل أبوبكر وعمر وأبوعبيدة ليلاً المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وآله قد ثقل فأفاق بعض الإفاقة فقال: لقد طرق ليلتنا هذه المدينة شر عظيم، فقيل له: وما هو يا رسول الله؟ فقال: إن الذين كانوا في جيش أسامة قد رجع منهم نفر يخالفون عن أمري، ألا إني
< صفحة > 260 < / صفحة >
إلى الله منهم برئ، ويحكم نفذوا جيش أسامة، فلم يزل يقول ذلك حتى قالها مرات كثيرة، قال: وكان بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله يؤذن بالصلاة في كل وقت صلاة، فإن قدر على الخروج تحامل وخرج وصلى بالناس، وإن هو لم يقدر على الخروج أمر علي بن أبي طالب عليه السلام فصلى بالناس، وكان علي بن أبي طالب والفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك.
فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله من ليلته تلك التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يدي أسامة، أذن بلال ثم أتاه يخبره كعادته، فوجده قد ثقل، فمنع من الدخول إليه، فأمرت عائشة صهيباً أن يمضى إلى أبيها فيعلمه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد ثقل في مرضه وليس يطيق النهوض إلى المسجد، وعلي بن أبي طالب عليه السلام قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس، فاخرج أنت إلى المسجد فصل بالناس، فإنها حالة تهنئك وحجة لك بعد اليوم، قال: فلم يشعر الناس وهم في المسجد ينتظرون رسول الله أو علياً يصلى بهم كعادته التي عرفوها في مرضه، إذ دخل أبوبكر المسجد وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد ثقل، وقد أمرني أن أصلي بالناس، فقال له رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله : وأنى لك ذلك وأنت في جيش أسامة ولا والله لا أعلم أحداً بعث إليك ولا أمرك بالصلاة.
ثم نادى الناس بلال فقال: على رسلكم رحمكم الله لأستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك، ثم أسرع حتى أتى الباب فدقه دقاً شديداً فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال :ما هذا الدق العنيف؟ فانظروا ما هو؟ قال: فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب ففتح الباب فإذا ببلال فقال: ما وراءك يا بلال؟ فقال: إن أبابكر دخل المسجد وتقدم حتى وقف في مقام رسول الله صلى الله عليه وآله ، وزعم أن رسول الله أمره بذلك، فقال: أوليس أبوبكر مع أسامة في الجيش هذا والله هو الشر العظيم الذي طرق البارحة المدينة!لقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك!
ودخل الفضل وأدخل بلالاً معه فقال: ما وراءك يا بلال وأخبر رسول الله الخبر فقال: أقيموني أخرجوني إلى المسجد، والذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن، ثم خرج صلى الله عليه وآله معصوب الرأس يتهادى بين علي عليه السلام والفضل بن عباس ورجلاه تجران في الأرض حتى دخل المسجد وأبوبكر قائم في مقام رسول الله، وقد طاف به عمر وأبوعبيدة وسالم وصهيب والنفر الذين دخلوا،وأكثر الناس قد وقفوا عن الصلاة ينتظرون ما يأتي به بلال، فلما
< صفحة > 261 < / صفحة >
رأى الناس رسول الله صلى الله عليه وآله قد دخل المسجد وهو بتلك الحالة العظيمة من المرض أعظموا ذلك!
وتقدم رسول الله فجذب أبابكر من ردائه فنحاه عن المحراب وأقبل أبوبكر والنفر الذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأقبل الناس فصلوا خلف رسول الله وهو جالس، وبلال يسمع الناس التكبير حتى قضى صلاته ثم التفت فلم ير أبابكر فقال أيها الناس: ألا تعجبون من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يدي أسامة، وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الذي وجهوا إليه، فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة!ألا وإن الله قد أركسهم فيها! إعرجوا بي إلى المنبر، فقام وهو مربوط حتى قعد على أدنى مرقاة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه قد جاءني من أمر ربي ما الناس صائرون إليه، وإني قد تركتكم على الحجة الواضحة ليلها كنهارها، فلا تختلفوا من بعدي كما اختلف من كان قبلكم من بني إسرائيل.
أيها الناس: إني لا أحل لكم إلا ما أحله القرآن، ولا أحرم عليكم إلا ما حرمه القرآن، وإني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، هما الخليفتان فيكم، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فأسألكم بماذا خلفتموني فيهما.وليذادُنَّ يومئذ رجال من حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل فيقول رجال: أنا فلان وأنا فلان، فأقول: أما الأسماء فقد عرفت ولكنكم ارتددتم من بعدي، فسحقاً لكم سحقاً.
ثم نزل من المنبر وعاد إلى حجرته، ولم يظهر أبوبكر ولا أصحابه حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ).
- *
أبي بن كعب أراد أن يفضح أهل الصحيفة فقتلوه!
روى الحاكم(2/226): ( عن جندب قال: أتيت المدينة لأتعلم العلم، فلما دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله إذا الناس فيه حلق يتحدثون، قال: فجعلت أمضي حتى انتهيت إلى حلقة فيها رجل شاحب عليه ثوبان كأنما قدم من سفر، فسمعته يقول: هلك أصحاب العقد عليهما السلام ورب الكعبة ولا آسى عليهم، يقولها ثلاثاً، هلك أصحاب العقدة ورب الكعبة، هلك أصحاب العقدة ورب الكعبة، هلك أصحاب العقدة ورب الكعبة! قال: فجلست إليه فتحدث
< صفحة > 262 < / صفحة >
ما قضي له ثم قام ، فسألت عنه فقالوا: هذا سيد الناس أبي بن كعب! قال فتبعته حتى أتى منزله فإذا هو رث المنزل رث الكسوة رث الهيئة يشبه أمره بعضه بعضاً فسلمت عليه فرد عليَّ السلام، قال: ثم سألني ممن أنت؟قال قلت من أهل العراق، قال أكثر شئ سؤالاً وغضب! قال: فاستقبلت القبلة ثم جثوت على ركبتي ورفعت يديَّ هكذا ومد ذراعيه فقلت: اللهم إنا نشكوهم إليك، إنا ننفق نفقاتنا وننصب أبداننا ونُرحل مطايانا ابتغاء العلم، فإذا لقيناهم تجهموا لنا وقالوا لنا، قال: فبكى أبيٌّ وجعل يترضاني ويقول: ويحك إني لم أذهب هناك، ثم قال أبيٌّ: أعاهدك لئن أبقيتني إلى يوم الجمعة لأتكلمن بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله لا أخاف فيه لومة لائم. قال ثم انصرفت عنه وجعلت أنتظر يوم الجمعة فلما كان يوم الخميس خرجت لبعض حاجتي فإذا الطرق مملوءة من الناس، لا آخذ في سكة إلا استقبلني الناس، قال فقلت ما شان الناس؟قالوا إنا نحسبك غريباً قال قلت: أجل، قالوا مات سيد المسلمين أبي بن كعب! وصححه ورواه في ترجمة أبي ، وفي: 3/302. وابن سعد:3/500 و501).
وفي مسند أحمد(5/140): ( عن قيس بن عباد قال أتيت المدينة للقي أصحاب محمد صلى الله عليه وآله ولم يكن فيهم رجل ألقاه أحب إلي من أبيّ، ثم حدَّث فما رأيت الرجال مُتحت (مدت) أعناقها إلى شئ مُتُوحها إليه! قال: سمعته يقول: هلك أهل العقدة ورب الكعبة! ألا لا عليهم آسى ولكن آسى على من يهلكون من المسلمين! وإذا هو أبيّ، والحديث على لفظ سليمان بن داود).
وفي صحيح ابن خزيمة(3/33): ( ثم استقبل القبلة فقال: هلك أهل العقدة ورب الكعبة ثلاثاً. ثم قال والله ما عليهم آسى ولكن آسى على من أضلوا! قال قلت: من تعني بهذا؟ قال: الأمراء).
وفي المعجم الأوسط(7/217): (ولكني آسى على من أهلكوا من أمة محمد)!
وفي نيل الأوطار(3 /222): (هذا لفظ أحمد، وقد أخرج الحديث أيضاً النسائي وابن خزيمة في صحيحه. وأهل العقدة بضم العين المهملة وسكون القاف، يريد البيعة المعقودة للولاية).
وهكذا قتل أبيُّ بن كعب قبل أن ينفذ عهده الذي عاهد الله عليه أن يفضح المؤامرة على عترة النبي صلى الله عليه وآله ! ولا مجال لذكر فعاليات الشبكة القرشية وحلفائها اليهود، التي كانت وراء السقيفة! وقال أبيّ: ما زالت هذه الأمة مكبوبة على وجهها منذ فقدوا نبيهم صلى الله عليه وآله !
< صفحة > 263 < / صفحة >
ففي شرح النهج (20 / 22): ( وكلمة أبيّ بن كعب مشهورة منقولة: ما زالت هذه الأمة مكبوبة على وجهها منذ فقدوا نبيهم! وقوله: ألا هلك أهل العقدة، والله ما آسي عليهم إنما آسي على من يضلون من الناس!).
ونختم بما رواه المفيد في الفصول المختارة/90: (سئل هشام بن الحكم عما ترويه العامة من قول أمير المؤمنين عليه السلام لما قبض عمر وقد دخل عليه وهو مسجى: لوددت أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى، وفي حديث آخر لهم: إني لأرجو أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى. فقال هشام: هذا حديث غير ثابت ولا معروف الإسناد وإنما حصل من جهة القصاص وأصحاب الطرقات، ولو ثبت لكان المعنى فيه معروفاً، وذلك أن عمر واطأ أبابكر والمغيرة وسالماً مولى أبي حذيفة وأباعبيدة على كتْب صحيفة بينهم يتعاقدون فيها على أنه إذا مات رسول الله صلى الله عليه وآله لم يورثوا أحداً من أهل بيته ولم يولوهم مقامه من بعده، فكانت الصحيفة لعمر إذ كان عماد القوم،والصحيفة التي ود أميرالمؤمنين ورجا أن يلقى الله بها، هي هذه الصحيفة فيخاصمه بها، ويحتج عليه بمتضمنها. والدليل على ذلك ما روته العامة عن أبي بن كعب أنه كان يقول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله بعد أن أفضي الأمر إلى أبي بكر بصوت يسمعه أهل المسجد: ألا هلك أهل العقدة والله ما آسى عليهم، إنما آسى على من يضلون من الناس! فقيل له:ياصاحب رسول الله من هؤلاء أهل العقدة وما عقدتهم؟ فقال: قوم تعاقدوا بينهم إن مات رسول الله لم يورثوا أحداً من أهل بيته ولا يولوهم مقامه! أما والله لئن عشت إلى يوم الجمعة لأقومن فيهم مقاماً أبين به للناس أمرهم!قال: فما أتت عليه الجمعة)!!
ويؤيده مارواه في شرح النهج (20/298)عن أمير المؤمنين عليه السلام 🙁 قال له قائل: يا أمير المؤمنين أرأيت لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم، وآنس منه الرشد، أكانت العرب تسلم إليه أمرها؟ قال: لا، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلت، ولولا أن قريشاً جعلت إسمه ذريعة إلى الرياسة، وسلماً إلى العز والأمرة، لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً، ولارتدت في حافرتها، وعاد قارحها جذعاً، وبازلها بكراً، ثم فتح الله عليها الفتوح فأثْرت بعد الفاقة، وتمولت بعد الجَهد والمخمصة، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً، وقالت: لولا أنه حق لما كان كذا، ثم نسبت تلك الفتوح
< صفحة > 264 < / صفحة >
إلى آراء ولاتها وحسن تدبير الأمراء القائمين بها، فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين، فكنا نحن ممن خمل ذكره وخبت ناره، وانقطع صوته وصيته، حتى أكل الدهر علينا وشرب، ومضت السنون والأحقاب بما فيها، ومات كثير ممن يعرف، ونشأ كثير ممن لا يعرف.
وما عسى أن يكون الولد لو كان! إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقربني بما تعلمونه من القُرْب للنسب واللحمة، بل للجهاد والنصيحة، أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت! وكذاك لم يكن يَقْرُب ما قَرُبْتُ، ثم لم يكن عند قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة، بل للحرمان والجفوة.
اللهم إنك تعلم أني لم أرد الإمرة، ولا علو الملك والرياسة، وإنما أردت القيام بحدودك، والأداء لشرعك، ووضع الأمور في مواضعها، وتوفير الحقوق على أهلها، والمضي على منهاج نبيك، وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك).
- *
< صفحة > 265 < / صفحة >
الفصل الخامس والعشرون : النبي صلى الله عليه وآله والعطر
الفصل الخامس والعشرون
النبي صلى الله عليه وآله والعطر
اهتمام النبي صلى الله عليه وآله بالطيب وحث المسلمين على استعماله
يأتي في فصل رأي النبي صلى الله عليه وآله في المرأة، أن الله حبب اليه الطيب والنساء والصلاة.
وفي الحبل المتين للبهائي/130: (ورد في الحث على الطيب أحاديث متكثرة تتضمن أنه من أخلاق الأنبياء عليهم السلام وأنه يقوي القلب، ويزيد في الباه، ويحفظ العقل، وأن صلاة متطيب أفضل من سبعين صلاة بغير طيب، وأن الملائكة تستنشق ريح الطيب من المؤمن، وأن ما أنفق في الطيب فليس بسرف، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان ينفق في الطيب أكثر ما ينفق في الطعام).
أقول: ولا تفسير له إلا أن الطيب كان نادراً في عصره صلى الله عليه وآله وغالي الثمن.
الطيب جمال مقدس
- (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تدَع الطيب، فإن الملائكة تستنشق ريح الطيب من المؤمن، فلا تدع الطيب في كل جمعة). (الكافي:1/511).
(روي إطلاق المسك فوق الكفن وعلى الجنازة،أن في ذلك تكرمة للملائكة فما من مؤمن يقبض روحه إلا تحضرعنده الملائكة). (فقه الرضا/182).
أقول: الشم عالم متكامل. يوحي اليك بأبعاده، فتشعر بالنسيم، والراحة، وأنس النفس، وانشراح الصدر، وقوة القلب، وتحب البقاء في جوه، ولذلك تكرر شم طيبه.
وحاسة الشم عندنا نافذة صغيرة على عالم الشم، تعرف مفردات قليلة من لغته، وتجهل الباقي،
< صفحة > 266 < / صفحة >
أما النبي والملائكة فيعرفون لغته كلها،وينعمون فيه بما لاننعم، ويفهمون منه مالا نفهم.
وقد في الكافي(6/510): باب الطيب، أورد فيه أحاديث، في أن الطيب من سنن الأنبياء عليهم السلام ، وأنه يشد القلب، وأنه إكرامٌ للملائكة، والتأكيد عليه يوم الجمعة، وأن النبي صلى الله عليه وآله كان ينفق على الطيب أكثر مما ينفق في الطعام. - والروائح الكريهة عالم فيه أنواع الأذى، وقد يتلبد حسنا فلا ندركها كلها! أما النبي والملائكة عليهم السلام فهم أصحاب الحس المرهف، والشفافية في الشعور، ولذا يمسهم أذى الرائحة الكريهة، ويشمون منها ما لا نشمه.
(قال عبد الله بن موسى إنه سأل أباه الكاظم عليه السلام عن الملكين هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله أو الحسنة؟ فقال: ريح الكنيف وريح الطيب سواء؟ قلت: لا. قال: إن العبد إذا هم بالحسنة خرج نفسه طيب الريح فقال: صاحب اليمين لصاحب الشمال: قم فإنه قد هم بالحسنة فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده فأثبتها له.وإذا هم بالسيئة خرج نفسه منتن الريح فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين: قف فإنه قد هم بالسيئة فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده وأثبتها عليه). (الكافي:2/429).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:(أتاني جبرئيل وقد انقطع عني الوحي ثلاثة أيام، فقلت: ما أبطأ بك يا حبيبي جبرئيل؟ فقال:يا محمد، كيف تنزل عليكم الملائكة وأنتم لاتستاكون، ولا تستنجون بالماء، ولاتغسلون براجمكم). (دعائم الإسلام :1/125).
والبُرجمة بالضم كما في الصحاح: واحدة البراجم، وهي مفاصل الأصابع التي بين الأشاجع والرواجب، وهي رؤوس السلاميات من ظهر الكف، إذا قبض القابض كفه نشزت وارتفعت.
ومعناه أن عقد أصابعهم كان يجتمع عليها الوسخ ولا ينظفونها، وفي رواية أن الوسخ الذي تحت أظافرهم كانت له رائحة كريهة! - « قال سلمان رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا حضرك، أو أخذك الموت حضر أقوامٌ يجدون الريح ولا يأكلون الطعام، ثم أخرج صرة من مسك فقال: هبةٌ أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال: ثم بلها ونضحها حوله ثم قال لامرأته: قومي أجيفي الباب، فقامت وأجافت الباب، فرجعت وقد قُبض رضي الله عنه »! (الكشي: 1 / 66).
< صفحة > 267 < / صفحة >
وفي رواية الطبقات (4/92): « أصاب سلمان صُرَّة مسك يوم فتحت جلولاء فاستودعها امرأته، فلما حضرته الوفاة قال: هاتي هذه المسكة فمرسها في ماء ثم قال: إنضحيها حولي فإنه يأتيني زوار الآن. قال ففعلت فلم يمكث بعد ذلك إلا قليلاً حتى قبض ».
وفي رواية: أصاب مسكاً عند فتح مدينة بلنجر في أرمينيا.
وهي اليوم في داغستان. وكان يعرف وقت وفاته، فاستقبل ملائكة الموت بالعطر!
وفي رواية: «قالت زوجته: لما حضرته الوفاة دعاني وهو في عِلِّيَّةٍ له لها أربعة أبواب فقال: إفتحي هذه الأبواب يا بقيرة، فإن لي اليوم زواراً لا أدري من أي هذه الأبواب يدخلون عليِّ، ثم دعا بمسك له فقال أديفيه في تنور ففعلت، ثم قال: إنضحيه حول فراشي، ثم انزلي فامكثي، فسوف تطلعين فتريني على فراشي. فاطلعت فإذا هو قد أخذت روحه، فكأنما هو نائم على فراشه.
وفي رواية: وجلست هنيهة فسمعت هسهسة. ثم صعدت فإذا هو قد مات».
وفي روضة المتقين (7/654): (في القوي عن الصادق عليه السلام قال: الطيب في الشارب من أخلاق الأنبياء عليهم السلام وكرامة للكاتبين.
وعن السكوني: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ليتطيب أحدكم يوم الجمعة ولو من قارورة امرأته.
وعن الصادق عليه السلام قال: قال عثمان بن مظعون لرسول الله صلى الله عليه وآله قد أردت أن أدع الطيب وأشياء ذكرها،فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لاتدع الطيب فإن الملائكة تستنشق الريح الطيب من المؤمن، ولا تدع الطيب في كل جمعة.
وعن السكوني: قال رسول الله صلى الله عليه وآله طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه، وطيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه.
وعن علي عليه السلام : أن النبي صلى الله عليه وآله كان لايرد الطيب والحلواء.
وفي الصحيح عن الصادق عليه السلام قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله ممسكة إذا هو توضأ أخذها بيده وهي رطبة، فكان إذا خرج عرفوا أنه رسول الله صلى الله عليه وآله برائحته. وعن الصادق عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتطيب بالمسك حتى يرى وبيصه في مفارقه. والوبيص اللمعان).
< صفحة > 268 < / صفحة >
وفي الكافي (6/510):(قال صلى الله عليه وآله :إن الريح الطيبة تشد القلب وتزيد في الجماع).
وفي الكافي( 6 / 511): (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال لي حبيبي جبرئيل عليه السلام : تطيب يوماً ويوماً لا، ويوم الجمعة لا بد منه ».
الطيب من سنن الأنبياء والعطر من سنن المرسلين عليهم السلام
عن الرضا عليه السلام قال: الطيب من أخلاق الأنبياء.
وعن الصادق عليه السلام قال: العطر من سنن المرسلين.
ومعناه أن الأنبياء عليهم السلام يتوخون الرائحة الطيبة، والمرسلين عليهم السلام شرعوه للناس.
جعل ثلث مهر الزهراء عليها السلام للطيب
(قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: إذا زوجتكها فما تصدقها؟قال: أصدقها سيفي وفرسي ودرعي وناضحي. قال: أما ناضحك وسيفك وفرسك فلا غنى بك عنها تقاتل المشركين، وأما درعك فشأنك بها، فانطلق عليٌّ وباع درعه بأربع مائة وثمانين درهما قطرية، فصبها بين يدي النبي صلى الله عليه وآله ، فلم يسأله عن عددها، ولا هو أخبره عنها. فأخذ منها رسول الله صلى الله عليه وآله قبضة، فدفعها إلى المقداد بن الأسود، فقال: إبتع من هذا ما تجهز به فاطمة، وأكثر لها من الطيب). (العوالم للبحراني:1/441. ونحوه الإستيعاب:4/1894، وتهذيب الكمال:35/249، وأنساب الأشراف:1/402، والإمتاع :5/351) ونهاية الأرب:18/213).
وفي طبقات ابن سعد (8/19) وعدد من المصادر: (فقال له النبي صلى الله عليه وآله سأجعل ثلثين في الطيب وثلثاً في المتاع). والظاهر أن الثلثين مصحفة عن الثلث، ومع ذلك فجعل الثلث للطيب يوجب التعجب، وسببه غلاء الطيب قلته في عصرهم كما تقدم.
كان أفضل عطر النبي صلى الله عليه وآله المسك وكان له ممسكة
قال الصادق عليه السلام كما تقدم: (كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله ممسكة إذا هو توضأ أخذها بيده وهي رطبة، فكان إذا خرج عرفوا أنه رسول الله صلى الله عليه وآله )
ومعناه أنها قماش مصرور فيه المسك فإذا قبض عليها نفذ منها المسك الى يده.
< صفحة > 269 < / صفحة >
فارة المسك أو نافجة الغزال
قال المسعودي في مروج الذهب(1/180): (وأجود المسك وأطيبه ما خرج من الظباء بعد بلوغه النهاية في النضج، وذلك أنه لا فرق بين غزلاننا هذه وبين غزلان المسك في الصورة والشكل واللون والقرن وإنما تتبين تلك بأنياب لها كأنياب الفيلة، لكل ظبي نابان خارجان من الفكين قائمان منتصبان أبيضان نحو الشبر وأقل وأكثر، فتنصب لها في بلاد التبت والصين الحبائل والأشراك والشِّبَاك فيصطادونها، وربما رموها بالسهام فيصرعونها فيقطعون عنها نوافجها، والدم في سررها حار خام لم ينضج، وطري لم يدرك، فيكون لريحته سهوكة، فيبقى زماناً حتى تزول منه تلك الرائحة السهكة الكريهة، ويستحيل بمواد من الهواء فيصير مسكاً، وخير المسك ما نضج في وعائه وأدرك في سرته واستحكم في حيوانه وتمام مواده، وذلك أن الطبيعة تدفع مواد الدم إلى السرة، فإذا استحكم كون الدم فيها ونضج آذاه ذلك وحَكَّه، فتخرج رجال التبت يقصدون مراعيها بين تلك الأحجار والجبال، فيأخذونه، فذلك أفضل المسك، ويحمله التجار في النادر من بلادهم،والتبت ذو مدن كثيرة، فيضاف مسك كل ناحية إليها).
أقول: الأصح فارة المسك بدون همزة. وما قاله المسعودي هو ما كان معروفاً عن مسك الغزال في عصره، لكن عصرنا كشف أنواع الغزلان التي فيها فارة المسك، ومنها الإيل الروسي، وغيره.
وفي مروج الذهب(1/44): (فهبط آدم بالهند على جزيرة سرنديب على جبل الراهون، وعليه الورق الذي خَصَفه من ورق الجنة، فيبس، فَذَرَتْه الرياح فانتثر في بلاد الهند، فيقال والله أعلم: إن علة كون الطيب بأرض الهند من ذلك الورق، وقيل غير ذلك، ولذلك خصت أرض الهند بالعود والقرنفل والأفاويه والمسك وسائر الطيب).
أقول: الثابت عندنا أن آدم عليه السلام نزل على الصفا، وحواء عليها السلام نزلت على المروة. فلا بد من وجود سبب آخر لوجود الطيب والنباتات العطرية في الهند.
وقد روي عن الصادق عليه السلام (الكافي:6/514): (فطار عنه لباسه الذي كان عليه من حلل الجنة فالتقط ورقة فستر بها عورته فلما هبط عبقت رائحة تلك الورقة بالهند، فمن هناك الطيب بالهند لأن الورقة هبت عليها ريح الجنوب فأدت رائحتها إلى المغرب لأنها احتملت رائحة الورقة
< صفحة > 270 < / صفحة >
في الجو، فلما ركدت الريح بالهند عبق بأشجارهم ونبتهم فكان أول بهيمة رتعت من تلك الورقة ظبي المسك فمن هناك صار المسك في سرة الظبي لأنه جرى رائحة النبت في جسده وفي دمه، حتى اجتمعت في سرة الظبي). وقد قواه المجلسي والله العالم.
وقال ابن إدريس في السرائر (1/161): (أصل الطيب خمسة أصناف: المسك، والكافور، والعود، والعنبر، والزعفران، كلها تحمل من أرض الهند إلا أن الزعفران، والعنبر، قد يوجد بأرض الزنج، والأندلس).
وقال الشهيد الثاني في شرح اللمعة (3/281): (يجوز بيع المسك في فأره بالهمز جمع فأرة ، وهي الجلدة المشتملة على المسك وإن لم تفتق، بناء على أصل السلامة فإن ظهر بعد فتقه معيباً تخير، وفتقه بأن يُدخل فيه خيط بإبرة ثم يُخرج ويُشم، أحوط، لترتفع الجهالة رأساً).
استعمالات الطيب أوسع من التعطر به
(وروي إطلاق المسك فوق الكفن وعلى الجنازة لأن في ذلك تكرمة للملائكة، فما من مؤمن يقبض روحه إلا تحضر عنده الملائكة.
وروي أن الكافور يجعل في فمه وفي مسامعه وبصره ورأسه ولحيته وكذلك المسك وعلى صدره وفرجه). (فقه الرضا/182).
يحرم الطيب على المُحْرِم
(والطيب الذي يحرم مسه وشمه وأكل طعام يكون فيه: المسك، والعنبر، والزعفران، والورس، والعود، والكافور. فأما ما عدا هذا من الطيب والرياحين، فمكروه، يستحب اجتنابه وإن لم يلحق في الحظر بالأول. فإن اضطر إلى أكل طعام يكون فيه طيب، أكله غير أنه يقبض على أنفه. ولا بأس بالسعوط وإن كان فيه طيب عند الحاجة إليه.
ومتى أصاب ثوب الإنسان شيئ من الطيب كان عليه إزالته. ومتى اجتاز المحرم في موضع يباع فيه الطيب، لم يكن عليه فيه شيئ. فإن باشره بنفسه، أمسك على أنفه منه). (النهاية ونكتها:1/476).
< صفحة > 271 < / صفحة >
كفى بالماء طيباً للمؤمن
(في الجعفريات: عن علي صلى الله عليه وآله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يرجل شعره، وأكثر ما كان يرجل شعره بالماء ويقول: كفى بالماء طيباً للمؤمن). (وقرب الإسناد/67، ومستدرك الوسائل (1/408).
وفي قرب الإسناد/67: (قال صلى الله عليه وآله : ليأخذ أحدكم من شاربه، والشعر الذي من أنفه، وليتعاهد نفسه، فإن ذلك يزيد في جماله، وقال: وكفى بالماء طيباً).
العطور الكيماوية والعطور الطبيعية
أكد الإسلام على استعمال العطور الطبيعية كالمسك وعطر الورد والرياحين. وفي عصرنا يدخلون في صناعة العطور المواد الكيماوية والكحول. فينبغي للمؤمن أن يستعمل العطور الطبيعية، ويترك ما دخلت فيها الكيماويات.
المتعطرات للرجال لجذبهم وصيدهم
قال في العروة الوثقى(2/159): (في الخبر: أيما امرأة تطيبت لغير زوجها لم تقبل منها صلاة حتى تغتسل من طيبها كغسلها من جنابتها).
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه (3/461) أن عائشة زينت جارية وعطرتها لتصيد بها شباب قريش! قال: ( عن عائشة أنها شوفت جارية وطافت بها وقالت: لعلنا نصطاد بها شباب قريش)!
أهم منافع الطيب المنصوص عليها
في القواعد للشهيد الأول(1/118): (إذا تطيبت المرأة لغير الزوج فعلت حراماً فاحشاً. وكذا إذا خرجت متطيبة للتعرض للفجور أو مقدماته. أو قصد الرجل بذينك التودد إلى النساء المحرمات.
فكل ما فيه حظ النفس تتصور فيه الأحكام الخمسة غالباً، ولا ينصرف إلى أحدها إلا بالنية. ومن الخسران المبين أن يجعل المباح حراماً فكيف الواجب والمستحب! بل معدود من الخسران إن صرف الزمان في المباح وإن قل، لأنه ينقص من الثواب ويخفض من الدرجات، وناهيك خسراناً بأن يتعجل ما يفنى ويخسر زيادة نعيم يبقى. فمن حق المتطيب يوم الجمعة أن يقصد أموراً:
< صفحة > 272 < / صفحة >
منها: التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله ، وأهل بيته.
ومنها: إكرام الملائكة الكاتبين.
ومنها: تعظيم المسجد واحترام ملائكته.
ومنها: ترويح مجاوريه في الجلوس في المسجد.
ومنها: دفع ما عساه يعرض من رائحة كريهة عن نفسه وغيره.
ومنها: حسم باب الغيبة عن المغتابين إذ نسبوه إلى الرائحة الكريهة، فالمتعرض للغيبة كالشريك فيها، قال الله تعالى:وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ).
ومنها: زيادة العقل بالتطيب كما جاء في الأخبار: من تطيب في أول نهاره صائماً، لم يفقد عقله).
أقول: ورد في الأخبار أن الطيب يحفظ العقل ويزيد في العقل، وكذا الخل، والسفرجل، والدباء، والفرفخ أو بقلة الزهراء عليها السلام ، والكرفس، والسواك، والسداب أو السذاب ويقال له الفيجن والفيجل والحزاء والخفت، وهو نبات طبي. وأن اللحم ينبت اللحم ويزيد في العقل.
ومعناه أن جودة عمل الدماغ والعقل ترتبط بصفاء الدم من الأخلاط والميكروب.
- *
< صفحة > 273 < / صفحة >
الفصل السادس والعشرون : رأي النبي صلى الله عليه وآله في المرأة وتعامله معها
الفصل السادس والعشرون
رأي النبي صلى الله عليه وآله في المرأة وتعامله معها
الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة
روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (حبب إلى من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة). وقد صححه أبوالفتح الكراجكي في معدن الجواهر/31، ورواه الصدوق في الخصال/145، وصححه في شرح النهج (19/341) وصححه أكثر النقاد. راجع: تخريج الزيلعي(1/195) وكشف الخفاء للعجلوني (1/338).
من أخلاق الأنبياء عليهم السلامحب النساء
في جواهر الكلام(29/13):(قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما أحببت من دنياكم إلا النساء والطيب. وموثق إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام :من أخلاق الأنبياء عليهم السلام حب النساء. وموثق يحيى بن يزيد عنه عليه السلام أيضاً: ما أظن رجلاً يزداد في هذا الأمر (التشيع) خيراً إلا ازداد حباً للنساء).
فمن المقولات الصحيحة: أن القبائل أو المجتمعات التي لا تحب المرأة، لا مدنية عندها ولا حضارة. وأسباب حب النساء:رقتهنَّ، وضعفهن، والشهوة.
ولما كان الأنبياء عليهم السلام في ذروة الإيمان والشفافية فهم يعرفون قيمة الرقة في المرأة، ويعرفون سوء الخشونة والقسوة في الرجل.
وبأبوتهم للناس وعطفهم وحنانهم، يدركون ضعف المرأة وتعرضها للظلم، وحاجتها الى من ينصرها وينتصف لها.
< صفحة > 274 < / صفحة >
والشيعي المحب لأهل البيت عليهم السلام أكثر رقة من غيره، لأنه يعيش مأساة أهل البيت عليهم السلام ومعاناتهم، ويحزن عليهم ويبكي لهم، فهو يعرف سوء قسوة أعدائهم ووحشيتهم، ويعرف قيمة رقة المرأة وشفافيتها.
والنبي صلى الله عليه وآله لايرى الشهوة الجنسية منفصلة عن المودة والرحمة، لذلك يتعجب ممن يضرب زوجته ثم يعانقها ولا يستحي! (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قد ضربها زوجها ضرباً شديداً، فقام رسول الله فأنكر ذلك وقال: يظل أحدكم يضرب امرأته ضرب العبد ثم يظل يعانقها ولايستحيي) (الطبقات:8/205).
ومنه نعرف تفسير قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.
أما قوله تعالى: وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا.
فهو يعني أن الزوجة الشريرة التي ترتكب المحرمات، ولاينفع معها الكلام والموعظة، ولا الهجر في المضجع. يجوز للزوج أن يضربها ضرباً غير مبرح، لتعود الى سيرتها المرضية، كما يجوز للضابط أن يؤدب الجندي العاصي. بل إن ما تعطيه القوانين العالمية للضابط من حق التأديب، أشد بمراتب من الضرب التأديبي للزوجة العاصية.
على أن تأكيد النبي صلى الله عليه وآله على توقي ضرب الزوجة ورد في أحاديث كثيرة.
قال صلى الله عليه وآله : خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي.(الفقيه:3/555).
وقال صلى الله عليه وآله : (استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عواني(غوالي اللئالي:1/255)
(وما روي عنه صلى الله عليه وآله من قوله: واتقوا الله في النساء، فإنهن عواني عندكم (أسيرات) اتخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف). (جواهر الكلام:31/305).
وروي من خطبته صلى الله عليه وآله في عرفات في حجة الوداع: (فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه،
< صفحة > 275 < / صفحة >
فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف). (صحيح مسلم:4/41).
(أن رسول الله نهى عن ضرب النساء، فقيل: يا رسول الله إنهن قد فسدن! قال إضربوهن، ولا يضرب إلا شراركم).(طبقات ابن سعد:8/204).
رد أهل البيت عليهم السلام مقولة أكثر أهل النار النساء!
في صحيح مسلم (1/61) أن النبي صلى الله عليه وآله قال:(يا معشـر النساء تصدقن وأكثرن الإستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار! فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟! قال: تُكْثِرْنَ اللعن وتُكَفِّرْنَ العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لُبٍّ منكن!
قالت: يا رسول الله وما نقصان العقل والدين؟ قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل. وتمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين).
وقد ردَّ الأئمة عليهم السلام هذه المقولة، فقد روى الصدوق في الفقيه(3/391) نحو حديث مسلم، لكنه روى ما يرده (3/468) عن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قلت له: شئ يقوله الناس: إن أكثر أهل النار يوم القيامة النساء؟ قال: وأنى ذلك! وقد يتزوج الرجل في الآخرة ألفاً من نساء الدنيا، في قصر من درة واحدة)!
وفي الكافي (8/95) عن الإمام الباقر عليه السلام بسند صحيح: ( لكل مؤمن سبعون زوجة حوراء، وأربع نسوة من الآدميين).
وروى بعده عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( أكثر أهل الجنة من المستضعفين النساء، علم الله عز وجل ضعفهن فرحمهن).
- *
< صفحة > 276 < / صفحة >
من حديث النبي صلى الله عليه وآله مع النساء
أحاديث النبي صلى الله عليه وآله مع المرأة وتعاملها معها، موضوع كتاب، فنكتفي بذكر عينات تدلنا على المنهج النبوي في احترام المرأة والرحمة بها:
مع زينب العطارة:
روى الصدوق في التوحيد/275، عن الإمام الصادق صلى الله عليه وآله قال:(جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وبناته وكانت تبيع منهن العطر فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وهي عندهن، فقال لها: إذا أتيتنا طابت بيوتنا، فقالت: بيوتك بريحك أطيب يا رسول الله، قال: إذا بعت فأحسني ولا تغشي فإنه أتقى وأبقى للمال، فقالت: ما جئت بشئ من بيعي، وإنما جئتك أسألك عن عظمة الله، فقال: جل جلال الله، سأحدثك عن بعض ذلك. ثم قال: إن هذه الأرض بمن فيها ومن عليها عند التي تحتها كحلقة في فلاة قيْ وهاتان ومن فيهما ومن عليهما عند التي تحتها كحلقة في فلاة قِيِّ، والثالثة حتى انتهى إلى السابعة (فلاة قِواء قفراء)، ثم تلا هذه الآية: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ. وهذه السبع ومن فيهن ومن عليهن عند البحر المكفوف عن أهل الأرض كحلقة في فلاة قي، والسبع والبحر المكفوف عند جبال البرد كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ. وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد عند حجب النور كحلقة في فلاة قي، وهي سبعون ألف حجاب يذهب نورها بالأبصار، وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والحجب عند الهواء الذي تحار فيه القلوب كحلقة في فلاة قي، والسبع والبحر المكفوف وجبال البرد والحجب والهواء في الكرسي كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَالْعَلِي الْعَظِيمُ. وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والحجب والهواء والكرسي عند العرش كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى. ما تحمله الأملاك إلا بقول: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله).
ملاحظات
- في نسخة هذا الحديث فقرة لم أوردها في أصل النص لأني متوقف فيها، وأحتمل أنها خطأ من النساخ، أو من راو خلط الحديث بحديث عامي. ومما يشير الى الإرتباك في النص أنه قال ثم
< صفحة > 277 < / صفحة >
انقطع الخبر، ثم واصله!
وللأمانة نذكر الفقرة، وهي: (والسبع ومن فيهن ومن عليهن على ظهر الديك كحلقة في فلاة قي، والديك له جناحان جناح بالمشرق وجناح بالمغرب ورجلاه في التخوم، والسبع والديك بمن فيه ومن عليه على الصخرة كحلقة في فلاة قي، والسبع والديك والصخرة بمن فيها ومن عليها على ظهر الحوت كحلقة في فلاه قي، والسبع و الديك والصخرة والحوت عند البحر المظلم كحلقة في فلاة قي، والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم عند الهواء كحلقة في فلاة قي، والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء عند الثرى كحلقة في فلاة قي ثم تلا هذه الآية: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى.وهنا قالت الرواية:ثم انقطع الخبر. ثم قالت: والسبع والديك والصخرة والحوت والبحرالمظلم والهواء والثرى بمن فيه ومن عليه عند السماء كحلقة في فلاة قي، وهذا والسماء الدنيا ومن فيها ومن عليها عند التي فوقها كحلقة في فلاة قي، وهذا وهاتان السماءان عند الثالثة كحلقة في فلاة قي وهذه الثالثة ومن فيهن ومن عليهن عند الرابعة كحلقة في فلاة قي، حتى انتهى إلى السابعة). انتهى.
فإن قلت: لماذا تستغرب هذه الفقرات، وقد روينا مثلها وربما كانت بسند صحيح كالذي رواه في الكافي (8/89): (عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الأرض على أي شئ هي؟ قال: هي على حوت، قلت: فالحوت على أي شئ هو؟ قال: على الماء، قلت: فالماء على أي شئ هو؟ قال: على صخرة، قلت: فعلى أي شئ الصخرة؟ قال: على قرن ثور أملس، قلت: فعلى أي شئ الثور؟ قال: على الثرى، قلت: فعلى أي شئ الثرى؟ فقال: هيهات عند ذلك ضل علم العلماء)!
قلت:مثل هذه الرواية المنافية لما صح و ثبت في العلوم إن صحت فلا بد من حملها على المجاز والرمزية التي لا نعرف وجهها. أو التوقف فيها. - عبر النبي صلى الله عليه وآله عن السماوات بأنها تحتنا. والفوق والتحت أمر نسبي. كما قال إن ما فوق السماء السابعة أعظم من السماوات السبع وأكثر، والمعروف في مصادر الحديث أن فوق السابعة سدرة المنتهى عندها جنة المأوى، كما في القرآن، وقد عبرنا عن الجنة بأنها في السماء الثامنة لهذا السبب.
< صفحة > 278 < / صفحة >
مع هند زوجة أبي سفيان في فتح مكة
قال الطبري (2/337): (إن رسول الله قام قائماً حين وقف على باب الكعبة ثم قال: لا إله الا الله وحده لاشريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ألا كل مأثرة أو دم أو مال يُدَّعى فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج. ألا وقتيل الخطأ مثل العمد السوط والعصا فيهما الدية مغلظة، منها أربعون في بطونها أولادها.
يا معشر قريش: إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء. الناس من آدم وآدم خلق من تراب، ثم تلا رسول الله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. يا معشر قريش: ويا أهل مكة ما ترون أني فاعلٌ بكم؟
قالوا: خيراً، أخٌ كريم وابن أخٍ كريم! ثم قال: إذهبوا فأنتم الطلقاء! فأعتقهم رسول الله (بل أطلقهم ولم يعتقهم) وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة وكانوا له فيئاً، فبذلك يسمى أهل مكة الطلقاء!!
ثم اجتمع الناس بمكة لبيعة رسول الله على الإسلام، فجلس لهم فيما بلغني على الصفا، وعمر بن الخطاب تحت رسول الله أسفل من مجلسه يأخذ على الناس، فبايع رسول الله على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا، وكذلك كانت بيعته لمن بايع رسول الله من الناس على الإسلام.
فلما فرغ رسول الله من بيعة الرجال، بايع النساء، واجتمع إليه نساء من نساء قريش، فيهن هند بنت عتبة متنقبة متنكرة، لحدثها وما كان من صنيعها بحمزة، فهي تخاف أن يأخذها رسول الله بحدثها ذلك!
فلما دنوْن منه ليبايعنه قال رسول الله بلغني: تبايعنني على ألا تشركن بالله شيئاً. فقالت هند: والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما تأخذه على الرجال وسنؤتيكه. قال: ولا تسرقن. قالت: والله إن كنت لأصيب من مال أبي سفيان الهنة والهنة، وما أدري أكان ذلك حلالي، أم لا؟ فقال أبوسفيان وكان شاهداً لما تقول: أما ما أصبت فيما مضى فأنت منه في حل. فقال رسول الله: وإنك لهند
< صفحة > 279 < / صفحة >
بنت عتبة؟ فقالت: أنا هند بنت عتبة فاعف عما سلف عفا الله عنك. قال: ولا تزنين. قالت يا رسول الله: هل تزني الحرة! فضحك عمر بن الخطاب من قولها حتى استغرق(استلقى)! قال: ولا تقتلن أولادكن. قالت: قد ربيناهم صغاراً وقتلتهم يوم بدرٍ كباراً، فأنت وهم أعلم)!
وتلاحظ جرأة هند ووقاحتها، واطمئنانها الى كرم أخلاق النبي صلى الله عليه وآله .
وفي الخلاف للشيخ الطوسي (6/355): (قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما آخذه منه سراً، فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف).
أرملة سعد بن ربيعة
(روى جابر: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وآله ومعها ابنتان فقالت:هاتان بنتا سعد بن ربيعة قتل يوم أحد معك وإن عمهما أخذ جميع مالهما وميراثهما أفترى والله لاتُنكحان ولامال لهما؟فقال النبي صلى الله عليه وآله :يقضي الله في ذلك، فنزل قوله تعالى: يُوصِيكُمُ الله فِي أَوْلادِكُمْ للَّذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الآنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ. فقال صلى الله عليه وآله :يا جابر أدع لي المرأة وصاحبها، فدعوتهما فقال صلى الله عليه وآله :أعطهما الثلثين، وللأم الثمن، وما يبقى فلك). (الخلاف:4/45).
تفسير الواصلة والموصولة
روى الشافعي في كتاب الأم (1/71):(عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أتت امرأة إلى النبي فقالت يا رسول الله: إن بنتاً لي أصابتها الحصبة فتمزق شعرها أفأصل فيه؟ فقال رسول الله: ُلعنت الواصلة والموصولة).
لكن أهل البيت عليهم السلام صححوا رواية الشافعي، ففي الكافي(5/520) سئل الإمام الباقر عليه السلام عن وصل الشعر فقال: ( لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها، قال: فقلت: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الواصلة والموصولة، فقال: ليس هناك، إنما لعن رسول الله صلى الله عليه وآله الواصلة والموصولة التي تزني في شبابها، فلما كبرت قادت النساء إلى الرجال، فتلك الواصلة والموصولة).
< صفحة > 280 < / صفحة >
مدح النبي صلى الله عليه وآله لأم رحيمة
(جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ومعها ابنان لها، فأعطاها ثلاث تمرات فأعطت ابنيها كل واحد منهما تمرة، فأكلا تمرتيهما، ثم جعلا ينظران إلى أمهما فشقت تمرتها بنصفين بينهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : قد رحمها الله برحمتها ابنيها)؟ (الطبراني الكبير:3/78)
(عن الإمام الصادق عليه السلام قال: جاءت امرأة من أهل البادية إلى النبي صلى الله عليه وآله ومعها صبيان حاملة واحداً وآخر يمشي، فأعطاها النبي صلى الله عليه وآله قرصاً ففلقته بينهما فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : الحاملات الرحيمات. لولا كثرة لعنهن لدخلت مصلياتهن الجنة). علل الشرائع:2/599).
الأم أحق بأبنائها من أبيهم
(عن عبد الله بن عمر أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواه، وإن أباه طلقني، فأراد أن ينزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : أنت أحق به ما لم تنكحي). (الخلاف:5/133).
أقول: في المسألة تفصيل وفرق في الحكم بين البنات والصبيان ، كما تراها في مصادرها.
يارسول الله زوجني
(عن الإمام الباقر عليه السلام قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت: زوجني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من لهذه؟ فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله زوجنيها، فقال: ما تعطيها؟ فقال: مالي شئ، قال: لا، فأعادت فأعاد رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام فلم يقم أحد غير الرجل، ثم أعادت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله في المرة الثالثة: أتحسن من القرآن شيئاً؟ قال: نعم، قال: قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن فعلمها إياه). (الوسائل:21/242).
حق الزوج على الزوجة أكبر
امتحن الله المرأة فجعل حق الزوج عليها أكثر من حقها عليه، لأنه يتوقف على ذلك إدارة الأسرة والمجتمع. وبعض النساء تصاب بردة فعل فترفض الزواج، لكن لا حل لإدارة الأسرة والمجتمع إلا هذا.
< صفحة > 281 < / صفحة >
(جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله ماحق الزوج على المرأة؟ فقال لها: أن تطيعه ولاتعصيه ولا تصدق من بيته إلا بإذنه، ولا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، وإن خرجت من بيتها بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض و ملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها.
فقالت:يا رسول الله من أعظم الناس حقاً على الرجل؟ قال: والده، فقالت: يا رسول الله من أعظم الناس حقا على المرأة؟ قال: زوجها، قالت: فمالي عليه من الحق مثل ماله علي؟ قال: لا ولا من كل مائة واحدة، قال فقالت: والذي بعثك بالحق نبياً لايملك رقبتي رجل أبداً)! (الكافي:5/507).
(جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله فسألته عن حق الزوج على المرأة، فخبرها، ثم قالت فما حقها عليه؟ قال: يكسوها من العري ويطعمها من الجوع، وإن أذنبت غفر لها، فقالت: فليس لها عليه شئ غير هذا؟ قال: لا، قالت: لا والله لا تزوجت أبداً! ثم ولت فقال النبي صلى الله عليه وآله : إرجعي فرجعت، فقال: إن الله عز وجل يقول: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ). (الكافي:5/511).
مع امرأة جريئة سليطة اللسان
في الثاقب في المناقب/107: (عن أبي أمامة الباهلي قال: أُتيَ للنبي صلى الله عليه وآله بطعام فأمر به فوضع على الأرض فجثى على ركبتيه ووضع إحدى قدميه على الأخرى وأقبل يأكل، فدخلت امرأة برزة مزاحة فقالت: يا محمد تأكل كما يأكل العبيد! فقال: أي عبد أعبد من محمد، أجلسي. فقالت: أنا والله لا آكل إلا ما ناولتني، فناولها، فقالت: إلا الذي في فيك! فأخرجها فناولها إياها، فابتعلتها، فصب الله عليها الحياء، فما رؤيت ممازحة بعد ذلك أبداً).
اجتماع نساء النبي صلى الله عليه وآله وفاطمة عليها السلام عند وفاته
قال مسلم في صحيحه(7/142): (عن عائشة قالت: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وآله فلم يغادر منهن امرأة فجاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: مرحباً بابنتي فأجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أنه أسر إليها حديثاً فبكت فاطمة، ثم أنه سارها فضحكت أيضاً، فقلت لها ما يبكيك؟ فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب
< صفحة > 282 < / صفحة >
من حزن! فقلت لها حين بكت أخصك رسول الله صلى الله عليه وآله بحديثه دوننا، ثم تبكين وسألتها عما قال: فقالت ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وآله حتى إذا قبض سألتها فقالت: إنه كان حدثني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة وأنه عارضه به في العام مرتين، ولا أراني إلا قد حضر أجلي، وإنك أول أهلي لحوقاً بي ونعم السلف أنا لك فبكيت لذلك، ثم أنه سارني فقال ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة فضحكت لذلك)!
ورواه ابن ماجة (1/518) والحاكم (4/272) وصححه بشرط الشيخين، وفيه: قالت ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله من فاطمة بنت رسول الله في قيامها وقعودها. قالت: وكانت إذا دخلت على النبي قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه وكان النبي إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها. فلما مرض النبي دخلت فاطمة فأكبت عليه، ثم رفعت رأسها فبكت، ثم أكبت عليه..).
مع فاطمة بنت أسد رضي الله عنها
عن الإمام الصادق عليه السلام قال:(إن فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام كانت أول امرأة هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من مكة إلى المدينة على قدميها وكانت من أبر الناس برسول الله صلى الله عليه وآله ، فسمعت رسول الله وهو يقول: إن الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما ولدوا فقالت: وا سوأتاه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : فإني أسأل الله أن يبعثك كاسية. وسمعته يذكر ضغطة القبر، فقالت: واضعفاه! فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : فإني أسأل الله أن يكفيك ذلك، وقالت لرسول الله صلى الله عليه وآله يوماً: إني أريد أن أعتق جاريتي هذه، فقال لها: إن فعلت أعتق الله بكل عضو منها عضواً منك من النار، فلما مرضت أوصت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأمرت أن يعتق خادمها، واعتقل لسانها فجعلت تومي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إيماء، فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وصيتها.
فبينما هو ذات يوم قاعد إذ أتاه أمير المؤمنين عليه السلام وهو يبكي فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : ما يبكيك؟ فقال: ماتت أمي فاطمة، فقال رسول الله: وأمي والله وقام مسرعاً حتى دخل فنظر إليها وبكى، ثم أمر النساء أن يغسلنها وقال صلى الله عليه وآله : إذا فرغتن فلا تحدثن شيئاً حتى تعلمنني، فلما فرغن أعلمنه بذلك، فأعطاهن أحد قميصيه الذي يلي جسده وأمرهن أن يكفنها فيه وقال للمسلمين: إذا رأيتموني قد فعلت شيئاً لم أفعله قبل ذلك فسلوني لم فعلته، فلما فرغن من غسلها
< صفحة > 283 < / صفحة >
وكفنها دخل صلى الله عليه وآله فحمل جنازتها على عاتقه، فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها قبرها، ثم وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه، ثم قام فأخذها على يديه حتى وضعها في القبر ثم انكب عليها طويلاً يناجيها ويقول لها: ابنك، ابنك! ثم خرج وسوى عليها ثم انكب على قبرها فسمعوه يقول: لا إله إلا الله، اللهم إني أستودعها إياك ثم انصرف.
فقال له المسلمون: إنا رأيناك فعلت أشياء لم تفعلها قبل اليوم! فقال: اليوم فقدت بر أبي طالب، إن كانت ليكون عندها الشئ فتؤثرني به على نفسها وولدها، وإني ذكرت القيامة وأن الناس يحشرون عراة، فقالت: وا سوأتاه، فضمنت لها أن يبعثها الله كاسية وذكرت ضغطة القبر فقالت وا ضعفاه، فضمنت لها أن يكفيها الله ذلك، فكفنتها بقميصي واضطجعت في قبرها لذلك، وانكببت عليها فلقنتها ما تسأل عنه. فإنها سئلت عن ربها فقالت، وسئلت عن رسولها فأجابت، وسئلت عن وليها وإمامها فأرتج عليها فقلت: ابنك، ابنك).
مع أم هاني بنت أبي طالب عليه السلام
(أجارت أم هانئ بنت أبي طالب الحارث بن هشام يوم الفتح فدخل عليها علي فأخذ السيف ليقتله فوثبت فقبضت على يده فلم يقدر أن يرفع قدميه من الأرض وجعل يتفلت منها ولا يقدر. فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله فنظر إليها فتبسم وقال: قد أجرنا من أجرت ولا تغضبي علياً فإن الله يغضب لغضبه وقال: يا علي أغلبتك امرأة فقال: يا رسول الله ما قدرت أن أرفع قدمي من الأرض فضحك النبي صلى الله عليه وآله وقال: لو أن أباطالب ولد الناس لكانوا شجعاناً. (ربيع الأبرار(2/204).
أقول: الصحيح الذي رويناه أن علياً عليه السلام كان لابساً المغفر فلم تعرفه أم هاني، فأراد أن يدخل بيتها فأخذت بيده لتمنعته، فتكلم فعرفته، وقالت له: بيني وبينك رسول الله صلى الله عليه وآله فقبل، وذهبا الى النبي صلى الله عليه وآله فقال: أجرنا من أجارت أم هاني، وقال: رحم الله عمي أباطالب لو ولد الناس كلهم لكانوا شجعاناً.
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (خطب النبي صلى الله عليه وآله أم هاني بنت أبي طالب فقالت: يا رسول الله إني مصابة في حجري أيتام ولا يصلح لك إلا امرأة فارغة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما ركب الإبل مثل نساء قريش أحناه على ولد، ولا أرعى على زوج في ذات يديه). (الكافي:5/327).
< صفحة > 284 < / صفحة >
أقول: كانت أم هاني صديقة النبي صلى الله عليه وآله فكان يزورها في بيتها، وقد عرج به الى السماء من بيتها، ولما دخل مكة فاتحاً أمر بنصب خيمته في الحجون قرب قبر خديجة عليها السلام ، ولم يدخل بيتاً في مكة إلا بيت أم هاني رضي الله عنها. وتعذي عندها ما وجده، خبزاً يابساً وخلاً.
وفي مجمع الزوائد(10/92) وصححه: (قالت أم هانئ: مر بي رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم فقلت يا رسول الله قد كبرت وضعفت، فمرني بعمل أعمله وأنا جالسة. قال: سبحي الله مائة تسبيحة فإنها تعدل لك مائة رقبة تعتقيها من ولد إسماعيل، واحمدي الله مائة تحميدة فإنها تعدل مائة فرس مسرجة ملجمة تحملين عليها في سبيل الله، وكبرى الله مائة تكبيرة فإنها تعدل لك مائة بدنة مقلدة متقبلة، وهللي الله مائة مائة قال ابن خلف أحسبه قال: تملأ ما بين السماء والأرض، ولا يرفع يومئذ لأحد عمل إلا أن يأتي بمثل ما أتيت).
مدح النبي صلى الله عليه وآله لنساء قريش بعكس رجالهم
في الكافي(5/326):(قال رسول الله صلى الله عليه وآله : خير نساء ركبن الرحال نساء قريش أحناه على ولد وخيرهن لزوج.. ألطفهن بأزواجهن وأرحمهن بأولادهن، المجون لزوجها الحصان لغيره، قلنا: وما المَجون؟ قال: التي لا تمنع).
في الكافي (3/107): (عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة، إلا أن تكون امرأة من قريش).
وقال الوحيد في مصابيح الظلام (1/128): (مرسلة ابن أبي عمير، من قبيل المسانيد مقبولة عند الفقهاء، مع أنه ممن أجمعت العصابة..)
رفض النبي صلى الله عليه وآله زوجة حسناء لأنها لم تُبتلى
عن الإمام الصادق عليه السلام (الكافي:5/343) قال: (أتى رجل النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله عندي مهيرة العرب وأنا أحب أن تقبلها وهي ابنتي، قال فقال: قد قبلتها. قال: فأخرى يا رسول الله، قال: وما هي؟ قال: لم يضرب عليها صدعٌ قط (لم تصب حتى بصداع) قال: لا حاجة لي فيها، ولكن زوجها من جلبيب. قال: فسقط الرجل مما دخله! ثم أتى أمها فأخبرها الخبر فدخلها مثل ما دخله، فسمعت الجارية مقالته ورأت ما دخل أباها فقالت لهما: إرضيا لي ما
< صفحة > 285 < / صفحة >
رضي الله ورسوله صلى الله عليه وآله لي. قال: فتسلى ذلك عنهما، وأتى أبوها النبي صلى الله عليه وآله فأخبره الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : قد جعلت مهرها الجنة. وزاد فيه صفوان قال: فمات عنها جلبيب، فبلغ مهرها بعده مائة ألف درهم ).
ومعناه أن رضاها بما رضي النبي صلى الله عليه وآله جعلها من أهل الجنة، وقد يكون معناه أن النبي صلى الله عليه وآله قبلها زوجة في الجنة. ويشبه هذا ما حدث به الإمام الصادق عليه السلام (2/256):(دعي النبي صلى الله عليه وآله إلى طعام فلما دخل منزل الرجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت، فتقع البيضة على وتد في حائط فثبتت عليه، ولم تسقط ولم تنكسر! فتعجب النبي صلى الله عليه وآله منها فقال له الرجل: أعجبت من هذه البيضة، فوالذي بعثك بالحق ما رزئت شيئاً قط! فنهض رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يأكل من طعامه شيئاً وقال: من لم يرزأ فما لله فيه من حاجة).
من أراد اغتصاب امرأة فقتلته فدمه هدر
في الكافي(7/293) عن الصادق عليه السلام في سارق أراد أن يغتصب امرأة فقتلته قال: (يضمن السارق فيما ترك أربعة آلاف درهم بمكابرتها على فرجها، وليس عليها في قتلها إياه شئ. قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من كابر امرأة ليفجر بها فقتلته فلا دية له ولا قود).
رحمة الشريعة بالمسن والحامل والمرضع والمريض
في دعائم الإسلام(1/279): ( أتى رسول الله صلى الله عليه وآله شيخ كبير متوكئاً بين رجلين فقال: يا رسول الله، هذا شهر مفروض وأنا لا أطيق الصيام فقال: إذهب فكل، وأطعم عن كل يوم نصف صاع، وإن قدرت أن تصوم اليوم واليومين وما قدرت فصم.
وأتته امرأة فقالت: يا رسول الله إني امرأة حبلى وهذا شهر رمضان مفروض وأنا أخاف على ما في بطني إن صمت.فقال لها: انطلقي فأفطري وإذا أطقت فصومي.
وأتته امرأة ترضع فقالت: يا رسول الله، هذا شهر مفروض وإن صمته خفت أن ينقطع لبنى فيهلك ولدي. فقال لها: إنطلقي فأفطري وإذا أطقت فصومي.
وأتاه صاحب عطش فقال: يا رسول الله، هذا شهر مفروض ولا أصبر عن الماء ساعة إلا تخوفت الهلاك قال: إنطلق فأفطر، فإذا أطقت فصم).
< صفحة > 286 < / صفحة >
الزنا يورث الفقر ويخرب الديار
(قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الزنا يورث الفقر، ويدع الديار بلاقع ! وقال عليه السلام : ما عجت الأرض إلى ربها عز وجل كعجيجها من ثلاث: من دم حرام يسفك عليها، أو اغتسال من زنا، أو النوم عليها قبل طلوع الشمس! قال يعقوب لابنه يوسف عليهما السلام :يا بنيَّ لا تزن فإن الطير لو زنى لتناثر ريشه). الفقيه (4/20).
الشعر أحد الجمالين
(قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا أراد أحدكم أن يتزوج المرأة، فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها، فإن الشعر أحد الجمالين). (نوادر الراوندي/117).
أقرب ماتكون المرأة الى ربها
(قال الصادق عليه السلام : إن فاطمة عليها السلام دخل عليها علي صلوات الله عليه وبه كآبة شديدة. فقالت فاطمة: يا علي ما هذه الكآبة؟ فقال علي: سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله عن المرأة ما هي؟ قلنا: عورة، فقال: فمتى تكون أدنى من ربها؟ فلم ندر. فقالت فاطمة لعلي عليهما السلام : إرجع إليه فأعلمه أن أدنى ما تكون من ربها أن تلزم قعر بيتها. فانطلق فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بما قالت فاطمة عليها السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن فاطمة بضعة مني). (نوادر الراوندي/119).
التأليف بين الزوجين
ومنها: أن النبي صلى الله عليه وآله خرج فعرضت له امرأة مسلمة فقالت: يا رسول الله إني امرأة ومعي زوج لي في بيتي مثل المرأة. فقال: أدعي زوجك فدعته، فقال لها: أتبغضينه؟ فقالت: نعم. فدعا النبي صلى الله عليه وآله لهما، ووضع جبهتها على جبهته فقال: اللهم ألف بينهما وحبب أحدهما إلى صاحبه. ثم قالت المرأة بعد ذلك: ما طارف ولا تالد ولا والد أحب إلي منه. فقال النبي صلى الله عليه وآله : إشهدي أني رسول الله). (الخرائج:1/51).
< صفحة > 287 < / صفحة >
كان يسأل عن امرأة مريضة
في مصنف عبد الرزاق (3/518): (اشتكت امرأة من أهل العوالي فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يسأل عنها، قال فقال: إن ماتت فآذنوني بها، فتوفيت ليلاً فأصبح النبي صلى الله عليه وآله فسأل فأخبروه بخبرها وأنهم دفنوها ليلاً، قال: فأتى النبي صلى الله عليه وآله قبرها، فصلى عليها).
مع سفانة بنت حاتم الطائي
قال الطبري(2/376): (قال عدي: وخلفتُ ابنة حاتم في الحاضر فلما قدمتُ الشام أقمتُ بها وتخالفني خيل لرسول الله صلى الله عليه وآله فتصيب ابنة حاتم فيمن أصيب، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وآله في سبايا طيئ وقد بلغ رسول الله هربي إلى الشام، قال فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا يحبسن بها، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله فقامت إليه وكانت امرأة جزلة فقالت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليَّ من الله عليك. قال ومن وافدك؟ قالت: عدي بن حاتم. قال: الفار من الله ورسوله؟ قالت: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وآله وتركني حتى إذا كان الغد مرَّ بي وقد أيست، فأشار إليَّ رجل من خلفه أن قومي إليه فكلميه، قالت:فقمت إليه فقلت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن على منَّ الله عليك. قال: قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة، حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني. قالت: فسألت عن الرجل الذي أشار إليَّ أن كلميه فقيل علي بن أبي طالب. قالت: وأقمت حتى قدم ركب من بلى أو قضاعة، قالت: وإنما أريد أن آتي أخي بالشام قالت فجئت رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ. قالت: فكساني رسول الله صلى الله عليه وآله وحملني وأعطاني نفقة، فخرجت معهم حتى قدمت الشام. قال عدي فوالله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إليَّ تؤمنا، قال فقلت: ابنة حاتم! قال فإذا هي هي، فلما وقفت عليَّ انسحلت تقول: القاطع الظالم، احتملت بأهلك وولدك، وتركت بنية والدك وعورته! قال قلت: يا أخية لا تقولي إلا خيراً، فوالله ما لي عذر، لقد صنعت ما ذكرت!
قال: ثم نزلت فأقامت عندي فقلت لها وكانت امرأة حازمة: ماذا ترين في أمر هذا الرجل؟ قالت أرى والله أن تلحق به سريعاً فإن يكن الرجل نبياً فالسابق إليه له فضيلة، وإن يكن ملكاً
< صفحة > 288 < / صفحة >
فلن تذل في عز اليمن وأنت أنت. قلت والله إن هذا للرأي.
قال: فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده فسلمت عليه فقال: من الرجل؟ فقلت: عدي بن حاتم. فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فانطلق بي إلى بيته، فوالله إنه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلاً تكلمه في حاجتها. قال: فقلت في نفسي والله ما هذا بملك! ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وآله حتى دخل بيته فتناول وسادة من أدم محشوة ليفاً فقذفها إليَّ فقال لي أجلس على هذه.قال قلت: لا بل أنت فاجلس عليها، قال لا بل أنت، فجلست وجلس رسول الله صلى الله عليه وآله بالأرض قال قلت في نفسي والله ما هذا بأمر ملك. ثم قال: إيه يا عدي بن حاتم ألم تك ركوسياً؟ قال قلت بلى. قال أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع؟ قال قلت: بلى، قال: فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك. قال قلت: أجل والله وعرفت أنه نبي مرسل، يعلم ما يُجهل. قال ثم قال: لعله يا عدي بن حاتم إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين لما ترى من حاجتهم، فوالله ليوشكن المال يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه!
ولعله إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف إلا الله!
ولعله إنما يمنعك من الدخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصورالبيض من أرض بابل قد فتحت.
قال فأسلمت. فكان عدي بن حاتم يقول مضت الثنتان وبقيت الثالثة، والله لتكونن قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت، ورأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لاتخاف شيئاً حتى تحج هذا البيت. وأيم الله لتكونن الثالثة ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه).
وقد يمزح النبي صلى الله عليه وآله مع المرأة
في سبل الهدى للصالحي(7/114): (روى الزبير بن بكار أن امرأة يقال لها أم أيمن جاءت النبي صلى الله عليه وآله فقالت: إن زوجي يدعوك، قال: من هو، أهو الذي بعينيه بياض؟ فقالت: يا رسول الله والله ما بعينيه بياض! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : بل إن بعينيه بياضا ً، فقالت:لا ولله! فقال النبي: وهل من أحد وإلا وبعينيه بياض!
< صفحة > 289 < / صفحة >
وجاءته امرأة أخرى فقالت:يا رسول الله إحملني على بعير، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إحملوها على ابن بعير، فقالت ما أصنع به وما يحملني يا رسول الله؟ فقال رسول الله: هل يجئ بعير إلا ابن بعير؟ وكان مزح معها).
وقال علي عليه السلام : (أبصر رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة عجوزة درداء فقال: أما إنه لا تدخل الجنة عجوز درداء، فبكت. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما يبكيك؟ فقالت: يا رسول الله إني درداء. فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: لاتدخلين الجنة على حالك).
وقال عليه السلام : (نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى امرأة رمصاء العينين، فقال: أما إنه لا يدخل الجنة رمصاء العينين، فبكت وقالت: يا رسول الله وإني لفي النار! فقال: لا، ولكن لا تدخلين الجنة على مثل صورتك هذه، ثم قال رسول الله: لايدخل الجنة الأعور والأعمى على هذا المعنى). (نوادر الراوندي/107).
(يروى أن أشجعيه كانت عند النبي صلى الله عليه وآله فقال: لا يدخل الجنة عجوز ، فبكت فقال لها النبي صلى الله عليه وآله : إن الله تعالى يقول: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا. عُرُبًا أَتْرَابًا). (عيون أخبار الرضا(2/202).
يحفظ خديجة عليها السلام في صديقاتها
في سبل الهدى(11/159): (قالت عائشة: كانت عجوز تأتي النبي فيهش لها ويكرمها، فقال لها: كيف أنتم، كيف حالكم، كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت، قلت: يا رسول الله، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال! فقال: يا عائشة، إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان).
قال لعجوز: اختضبي
(قالت عجوز: دخلتُ على النبي صلى الله عليه وآله ويدي بيضاء فقال: أتترك إحداكن يدها كيد الرجل، اختضبي. قال صلى الله عليه وآله : فإن كانت لتختضب وهي بنت ثمانين سنة)! (أمالي المحاملي/143).
< صفحة > 290 < / صفحة >
جاءته بنت خالد بن سنان
جاءته بنت خالد بن سنان
قال ابن عباس: (وردت ابنة خالد بن سنان على النبي صلى الله عليه وآله وهي عجوز قد عمرت (فتلقاها بخير وأكرمها وأسلمت، وقال لها: مرحباً بابنة نبي ضيعه أهله ». (مروج الذهب:2/213).
أقول: إن صح قول النبي صلى الله عليه وآله هذا، فهو يقصد بالنبي معنى غير المعنى المعروف، لأن الله تعالى قال: وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ.
ألا أخبركم بشر نسائكم
في غريب الحديث لابن سلام(3 /63): (في حديث النبي صلى الله عليه وآله قال: دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تسقها، ولم ترسلها فتأكل من خشاش الأرض. الخشاش: الهوام ودواب الأرض وما أشبهها، فهذا بفتح الخاء. وأما الخشاش بالكسر فخشاش البعير: العود الذي يجعل في أنفه).
وفي غريب الحديث لابن قتيبة (2/98): (ومنه حديث النبي: إن امرأة بغياً رأت كلباً في يوم حار يطيف ببئر، قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له موقها (حذاءها) فسقته، فغُفر لها).
(قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ألا أخبركم بشر نسائكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله فأخبرنا، قال: من شر نسائكم الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود التي لا تتورع عن قبيح، المتبرجة إذا غاب عنها زوجها، الحصان معه إذا حضر، التي لا تسمع قوله، ولا تطيع أمره، فإذا خلا بها تمنعت تمنع الصعبة عند ركوبها، ولا تقبل له عذراً، ولا تغفر له ذنباً). الفقيه (3/391).
(قال رسول الله صلى الله عليه وآله : شرار نسائكم المعقرة الدنسة اللجوجة العاصية ، الذليلة في قومها العزيزة في نفسها ، الحصان على زوجها الهلوك على غيره)!
قال الإمام الصادق عليه السلام :(الكبر قد يكون في شرار الناس من كل جنس، والكبر رداء الله، فمن نازع الله عز وجل رداءه لم يزده الله إلا سفالاً، إن رسول الله صلى الله عليه وآله مر في بعض طرق المدينة وسوداء تلقط السرقين (روث البقر اليابس) فقيل لها: تنحي عن طريق رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: إن الطريق لمعرض (عريض) فهمَّ بها بعض القوم أن يتناولها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : دعوها فإنها جبارة). (الكافي: 2/309، والمعجم الأوسط:6/119).
< صفحة > 291 < / صفحة >
عن الصادق عليه السلام قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله : أعوذ بك من امرأة تشيبني قبل مشيبي). (الكافي: 5/326).
المرأة الحسناء من أسرة سيئة
(قام النبي صلى الله عليه وآله خطيباً فقال: أيها الناس إياكم وخضراء الدمن. قيل: يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء).الفقيه (3/391).
من أسئلة النساء للنبي صلى الله عليه وآله
(قالت أم سلمة: قلت يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه؟ قال: لا، إنما يكفيك أن تأخذي بكفيك ثلاث حثيات، ثم تصبي على جلدك الماء فتطهرين). (مصنف عبد الرزاق:1/272).
في عوالي اللئالي(2/204): (سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن المرأة ترى في المنام مثل مايرى الرجل؟ فقال: أتجد لذة؟فقالت: نعم. فقال: عليها ما على الرجل).
- *
إن الله أرأف بالإناث من الذكور
نورد من الكافي (6/5-7) أحاديث نبوية في مدح البنات:
(قال صلى الله عليه وآله : نعم الولد البنات ملطفات، مجهزات، مؤنسات، مباركات.
وروى عن الإمام الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله :إن الله تبارك وتعالى على الإناث أرأف منه على الذكور، وما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلا فرَّحه الله تعالى يوم القيامة.
وقال الإمام الصادق عليه السلام لرجل: بلغني أنه ولد لك ابنة فتسخطها! وما عليك منها، ريحانة تشمها وقد كفيت رزقها. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بنات.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة فقيل: يا رسول الله
واثنتين؟ فقال: واثنتين، فقيل: يا رسول الله وواحدة؟ فقال: وواحدة).
< صفحة > 292 < / صفحة >
وتقدم في رد قولهم إن أكثر أهل النار من النساء قول الإمام الصادق عليه السلام : ( أكثر أهل الجنة من المستضعفين النساء، علم الله عز وجل ضعفهن فرحمهن).
أما كان فيكم رجل رحيم القلب؟!
في فتح مكة أرسل النبي صلى الله عليه وآله خالد بن الوليد في سرية الى بني جذيمة قرب مكة ليدعوهم الى الإسلام، ولما وصل اليهم قالوا إنا أسلمنا وصلينا فلم يقبل منهم، وأراد أن ينتقم منهم لأنهم كانوا في الجاهلية قتلوا عمه الفاكه بن المغيرة. فقال لهم إن كنتم صادقين فضعوا أسلحتكم وصلوا معنا فوضعوا أسلحتهم وجاؤوا فأمر بتكتيفهم فكتفوهم وكانوا ثمانين رجلاً، ثم أمر بضرب أعناقهم وهم يصيحون بالشهادتين وأنهم مسلمون!
وكان فيهم رجل غريب قال إنما أنا عاشق امرأة منهم وجئت اليها، فلم يقبل خالد منه وأمر بقتله، فقاوم الشاب جنود خالد حتى تكاثروا وقبضوا عليه فقتله خالد، فجاءت عشيقته وشهقت عند جثته وماتت!
فلما بلغ النبي صلى الله عليه وآله ذلك غضب ورفع يديه وقال: اللهم إني أبرأ اليك مما فعل خالد. وأرسل علياً عليه السلام فأعطاهم بني جذيمة ديات المقتولين وأرضاهم.
ولما بلغه خبرالعاشق الذي ماتت معشوقته على جثته، غضب وقال لمن كان مع خالد: أما كان فيكم رجل رشيد له قلب رحيم.
قال ابن هشام(4/886): « قال ابن إسحاق:عن ابن أبي حُدرد الأسلمي، قال: كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد، فقال لي فتى من بنى جذيمة وهو في سني، وقد جمعت يداه إلى عنقه برُمَّة (حَبْل) ونسوة مجتمعات غير بعيد منه: يا فتى، فقلت: ما تشاء؟ قال: هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدي إلى هؤلاء النسوة حتى أقضى إليهن حاجة ثم تردني بعدُ، فتصنعوا بي ما بدا لكم؟قال: قلت: والله ليسيرٌ ما طلبت، فأخذت برمته فقدته بها، حتى وقف عليهن فقال: إسلمي حبيش، على نفدٍ من العيش!
أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم * بحليةَ أو ألفيتكم بالخوانقِ
ألم يك أهلاً أن يُنَوَّلَ عاشقٌ * تكلفَ إدلاجَ السُّرى والودائق
< صفحة > 293 < / صفحة >
فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معاً * أثيبي بود قبل إحدى الصفائق
أثيبي بود قبل أن تشحط النوى * وينأى الأمير بالحبيب المفارق
قالت: وأنت فحييت سبعاً وعشراً وتراً، وثمانياً تترى. قال: ثم انصرفت به فضربت عنقه)! وفي المنمق لابن حبيب/216: « فلما رأته حبيش أقبلت فأكبت عليه، ولم تزل تشهق حتى ماتت »!
وفي فتح الباري(8 /46):« روى النسائي والبيهقي في الدلائل، بإسناد صحيح من حديث ابن عباس نحو هذه القصة وقال فيها فقال: إني لست منهم، إني عشقت امرأة منهم، فدعوني أنظر إليها نظرة! وقال فيه: فضربوا عنقه، فجاءت المرأة فوقعت عليه، فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت! فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وآله فقال: أما كان فيكم رجل رحيم القلب»!
وهذا يدل على رحمة النبي صلى الله عليه وآله واحترامه للإنسان وعواطفه في العشق مهما كانت.
وروى الزمخشري في ربيع الأبرار(3/427)أن النبي صلى الله عليه وآله أمر العباس أن يشفع لعاشق رآه يبكي،قال:(لما أعتقت عائشة جاريتها بريرة وكان زوجها حبشياً إسمه مغيث، خُيرت بين الإقامة معه وبين مفارقته فاختارت المفارقة، فكانت إذا طافت بالبيت طاف مغيث خلفها ودموعه تسيل! فقال النبي صلى الله عليه وآله لعمه العباس:ياعم أما ترى حب مغيث لبريرة، لو كلمناها أن تتزوجه! فدعاها وكلمها فقالت: يا رسول الله إن أمرتني فعلت. قال: أما أمر فلا، ولكن أشفع، فأبت أن تتزوجه. قال الراوي: فهذا من قد رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وشهد بشدة عشقه وشفع في بابه).
من عشق وعف فمات كان شهيداً!
قال العجلوني في كشف الخفاء (2/264): (من عشق فعف فكتم فمات، مات شهيداً. عن ابن عباس ورواه جعفر السراج في مصارع العشاق عن سويد بلفظ: من عشق فظفرفعف فمات مات شهيداً. قال في المقاصد رواه الزبير بن بكار عن مجاهد مرفوعاً بسند صحيح.
وقال في الدرر: حديث من عشق فعف فكتم فمات فهو شهيد، له طرق عن ابن عباس، وأخرجه الحاكم في تاريخ نيسابور، والخطيب في تاريخ بغداد، وابن عساكر في تاريخ دمشق. وعند الطبراني في الأوسط، والنسائي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قاله لما بلغته
< صفحة > 294 < / صفحة >
قصة العاشق الذي الذي قتله خالد في بني جذيمة،فقال صلى الله عليه وآله : أما كان فيكم رجل رحيم! وقال: من عشق فعف فكتم فصبر فمات فهو شهيد).
فالحديث عند السنة صحيح، ولم تروه بهذا اللفظ مصادرنا. وهو يدل على الرحمة النبوية للإنسان ولعاطفة الحب والعشق بين المرأة والرجل، بقطع النظر عن الحكم الشرعي فيها.
وفي الرحمة النبوية تتجلى الرحمة الإلهية التي قال الله فيها لإبراهيم عليه السلام : (يا إبراهيم، فخلِّ بيني بين عبادي، فإني أرحم بهم منك)!
- *
< صفحة > 295 < / صفحة >
الفصل السابع والعشرون : رأي النبي صلى الله عليه وآله في الأطفال وتعامله معهم
الفصل السابع والعشرون
رأي النبي صلى الله عليه وآله في الأطفال وتعامله معهم
نعمة الأطفال العظيمة
في الخصال/615: (قال أميرالمؤمنين عليه السلام : تزوجوا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كثيراً ما كان يقول: من كان يحب أن يتبع سنتي فليتزوج، فإن من سنتي التزويج، واطلبوا الولد فإني أكاثر بكم الأمم غداً، وتَوَقَّوْا على أولادكم لبن البغي من النساء والمجنونة، فإن اللبن يعدي).
وفي الفقيه (3/483): (قال رسول الله صلى الله عليه وآله :إعلموا أن أحدكم يلقى سقطه محبنطئاً على باب الجنة حتى إذا رآه أخذ بيده حتى يدخله الجنة، وإن ولد أحدكم إذا مات أُجِر فيه، وإن بقي بعده استغفر له بعد موته).
وفي التهذيب (7/401) قال الإمام الصادق عليه السلام :(قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تزوجوا الأبكار فإنهن أطيب شئ أفواهاً، وأدرُّ شئ أخلافاً (حليباً) وأحسن شئ أخلاقاً، وأفتح شئ أرحاماً.
أما علمتم أني أباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط، يظل محبنطئاً على باب الجنة فيقول الله عز وجل له: أدخل الجنة فيقول: لاحتى يدخل أبواي قبلي، فيقول الله تعالى لملك من الملائكة ائتني بأبويه فيأمر بهما إلى الجنة، فيقول: هذا بفضل رحمتي لك).
وفي الوسائل(15/96): (عن الإمام الرضا عليه السلام قال: إن الله إذا أراد بعبد خيراً لم يمته حتى يريه الخلف. وروي أن من مات بلاخلف فكأن لم يكن في الناس، ومن مات وله خلف فكأنه لم يمت).
وفي الكافي(5/334): ( عن الإمام الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لرجل: تزوجها سوءاء ولوداً ولا تزوجها حسناء عاقراً، فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة، أو ما علمت أن الولد إن تحت العرش
< صفحة > 296 < / صفحة >
يستغفرون لآبائهم، يحضنهم إبراهيم، وتربيهم سارة في جبل من مسك وعنبر وزعفران).
وعن النبي صلى الله عليه وآله 🙁 بَيتٌ لا صِبيانَ فيهِ لا بَرَكَةَ فيهِ). (جامع السيوطي:11/143).
الرحمة بالإطفال عند النبي صلى الله عليه وآله من أسس الشخصية
قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
وقال تعالى:لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. وقال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ. وقال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
وإنما كان أولى بنا من أنفسنا، لأنه أرحم بنا من أنفسنا، وأعلم منا بما يصلحنا.
ورحمة النبي صلى الله عليه وآله شعاع من شمس الرحمة الإلهية، ففي الصحيح (الكافي:8/305): (عن أبي عبد الله عليه السلام : قال لما رأى إبراهيم عليه السلام ملكوت السماوات والأرض التفت فرأى رجلاً يزني فدعا عليه فمات، ثم رأى آخر فدعا عليه فمات حتى رأى ثلاثة فدعا عليهم فماتوا، فأوحى الله عز ذكره إليه: يا إبراهيم إن دعوتك مجابة فلا تدع على عبادي، فإني لو شئت لم أخلقهم، إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف: عبداً يعبدني لا يشرك بي شيئاً فأثيبه، وعبداً يعبد غيري فلن يفوتني، وعبداً يعبد غيري، فأخرج من صلبه من يعبدني.
يا إبراهيم فخلِّ بيني بين عبادي، فإني أرحم بهم منك)!
أما سمعتم صراخ الصبي؟!
في الكافي(6/48) بسند صحيح، قال الإمام الصادق عليه السلام :(صلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس الظهر فخفف في الركعتين الأخيرتين، فلما انصرف قال له الناس: هل حدث في الصلاة حدث؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: خففت في الركعتين الأخيرتين، فقال لهم: أما سمعتم صراخ الصبي)!
وروى البخاري(1/173)أن النبي صلى الله عليه وآله قال:(إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي، كراهية أن أشق على أمه)!
أقول: لو كان إمام الجماعة غير النبي صلى الله عليه وآله فربما عاتب أم الصبي وقال للنساء المصليات:
< صفحة > 297 < / صفحة >
إحرصن على أن لا يبكي أطفالكن أثناء الصلاة.
لكن النبي صلى الله عليه وآله لم يعاتب أم الصبي أبداً، بل تجلت رحمته بها وبالطفل بتخفيف صلاته.
ماذا أصنع لك إذا نزع الله الرحمة من قلبك!
في شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي (3/115): (أن رسول الله|كان جالساً مع أصحابه إذ أقبل إليه الحسن والحسين عليهما السلام وهما صغيران، فجعلا ينزوان عليه، فمرة يضع لهما رأسه، ومرة يأخذهما إليه، فقبلهما ورجلٌ من جلسائه ينظر إليه كالمتعجب من ذلك. ثم قال: يا رسول الله ما أعلم أني قبلت ولداً لي قط! فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى التمع لونه فقال للرجل: إن كان لله عز وجل قد نزع الرحمة من قلبك فما أصنع لك، من لم يرحم صغيرنا ويعزز كبيرنا فليس منا).
ورواه البخاري(7/75) عن عائشة ولم تذكر فيه الحسن والحسين عليهما السلام . والحاكم (3/170) وصححه بشرط الشيخين، عن عروة وسمى فيه الحسن عليه السلام . وسمت الروايات الرجل وهو الأقرع بن حابس من رؤساء نجد.
ملاحظة
الرحمة صفة في شخصية الإنسان مقتضى فطرته، ويستطيع الإنسان أن ينميها أو يدسيها وينقصها حتى تزول، وقد يرتكب معاصي فيعاقبه الله بنزع الرحمة من قلبه.ولذا فالمؤمن رحيمٌ عطوف، رقيق المشاعر، شفاف الروح. والمنافق قاسٍ منزوع الرحمة. (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله تعالى قد نزع الرحمة من قلوب المنافقين وأسكنها في قلوب المؤمنين).(الثاقب في المناقب/79).
ويعرف وجود الرحمة وعدمها في قلب الشخص من تعامله مع الأطفال!
من أخلاق النبي صلى الله عليه وآله مع طفل بال في حجره
في صحيح مسلم (1/164) عن أخت عكاشة قالت: (إنها أتت رسول الله صلى الله عليه وآله بابن لها لم يبلغ أن يأكل الطعام، قال عبيد الله: أخبرتني أن ابنها ذاك بال في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله فدعا رسول الله بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسله غسلاً).
< صفحة > 298 < / صفحة >
من أخلاق النبي صلى الله عليه وآله مع الصبيان والشباب
في الخصال للصدوق/271: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : خمس لا أدعهن حتى الممات: الأكل على الحضيض مع العبيد، وركوبي الحمار مؤكفاً، وحلب العنز بيدي، ولبس الصوف، والتسليم على الصبيان، لتكون سنة من بعدي).
وفي شرف المصطفى(4/372): (وكان يقدم من السفر فيتلقاه الصبيان، فيقف، ثم يأمر بهم فيرفعوا إليه فيحملهم بين يديه، ويحمل وراءه، ويأمر أصحابه أن يحملوا. فربما تفاخر الصبيان بعد ذلك، فيقول بعضهم لبعض: حملني رسول الله بين يديه وحملك وراءه، ويقول بعضهم: حملني رسول الله وراءه وأمر بعض أصحابه أن يحملك أنت.
وكان كثيراً ما يرى الأنصار فيتلقاه صبيانهم، فيمسح رؤوسهم ويسلم عليهم ويدعو لهم.وكان إذا مر بالصبيان سلم عليهم وأتحفهم بما عنده).
وفي سنن البيهقي (9/158و175): (عن السائب بن يزيد قال: خرجت مع الصبيان نتلقى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ثنية الوداع مقدمه من غزوة تبوك. خرج الناس يتلقونه فخرج النساء والصبيان قال السائب فكنت فيمن تلقاه مع الصبيان حتى لقينا رسول الله صلى الله عليه وآله بثنية الوداع).
وفي النهاية لابن كثير(4/289): (عبد الله بن جعفر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قدم من سفر تلقى الصبيان من أهل بيته، وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه قال فحملني بين يديه. ثم قال: جيئ بأحد بني فاطمة إما حسن وإما حسين فأردفه خلفه، فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة).
وفي أمالي الصدوق/638: (قال الإمام الصادق عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتى شباباً من الأنصار، فقال: إني أريد أن أقرأ عليكم، فمن بكى فله الجنة، فقرأ آخر الزمر: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا، إلى آخر السورة، فبكى القوم جميعاً إلا شاب فقال: يا رسول الله، قد تباكيت فما قطرت عيني. قال: إني معيد عليكم فمن تباكى فله الجنة. قال: فأعاد عليهم فبكى القوم وتباكى الفتى، فدخلوا الجنة جميعاً).
< صفحة > 299 < / صفحة >
كان يؤتى له بالمولود ليباركه ويدعو له ويحنكه
كان يؤتى له بالمولود ليباركه ويدعو له ويحنكه
في مكارم الأخلاق/25: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة، أو يسميه، فيأخذه فيضعه في حجره تكرمه لأهله، فربما بال الصبي عليه فيصيح بعض من رآه حين يبول، فيقول صلى الله عليه وآله لاترزموا بالصبي، فيدعه حتى يقضي بوله، ثم يفرغ له من دعائه أو تسميته، ويبلغ سرور أهله فيه ولا يرون أنه يتأذى ببول صبيهم، فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعده).
وفي إمتاع الأسماع(5/300): (أن النبي صلى الله عليه وآله أتي بصبي قد شب لم يتكلم قط! فقال: من أنا؟ قال:أنت رسول الله أي تكلم! وفي مناقب آل أبي طالب (1/118): (فقال:صدقت يا مبارك، فكنا نسميه مبارك اليمامة).
مسح على رأس غلام ابيضَّ شعره فلم يشب
في مجمع الزوائد (9/409):(عن عطاء مولى السائب بن يزيد قال رأيت مولاي السائب بن يزيد لحيته بيضاء ورأسه أسود فقلت: يا مولاي ما لرأسك لايبيض؟ فقال: لايبيض رأسي أبداً وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله مضى وأنا غلام ألعب مع الغلمان فسلم وأنا فيهم فرددت عليه من بين الغلمان فدعاني فقال لي: ما اسمك فقلت السائب بن يزيد ابن أخت النمر فوضع يده على رأسي وقال بارك الله فيك فلا يبيضُّ موضع يد رسول الله صلى الله عليه وآله أبداً).
كان يمسح بيده فيبقي عطره
في الشفا للقاضي عياض(1/62): (عن جابر بن سمرة أنه صلى الله عليه وآله مسح خده قال فوجدت ليده برداً وريحاً كأنما أخرجها من جؤنة عطار قال غيره مسها بطيب أم لم يمسها يصافح المصافح فيظل يومه يجد ريحها ويضع يده على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان بريحها).
وامتنع عن مباركة بعض الأطفال!
في الكافي (6/40): (أتيَ النبي صلى الله عليه وآله بصبي يدعو له وله قنازع، فأبى أن يدعو له وأمر بحلق رأسه). له قنازع: أي حلقوا بعض شعره وتركوا بعضه.
وفي التمهيد لابن عبد البر(2/183): (قال الوليد بن عقبة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة كان
< صفحة > 300 < / صفحة >
يؤتى بالصبيان فيمسح رؤوسهم ويدعو لهم بالبركة، قال فجيئ بي اليه وأنا مُخَلَّق، فلم يمسني من أجل الخلوق).
أقول: الخلوق عطر الكعبة، ومن البعيد أن النبي صلى الله عليه وآله لم يمسه من أجل ذلك، بل لأنه عرف أنه سيئ شرير، كما سترى في مروان. أما القنازع فقد تكون من سوء الحلاقة وليس موديلاً كما تصور البعض.
وقد صحت الرواية عند الجميع أنه لما ولد مروان بن الحكم جاؤوا به إلى النبي صلى الله عليه وآله ليدعو له، فلما قرَّبته منه عائشة قال: أخرجوا عني الوزغ ابن الوزغ.. ولعنه)! (الكافي: 8 / 238). ورواه الحاكم (4/479) وصححه، وفيه: (فقال: هو الوزغ ابن الوزغ، الملعون ابن الملعون). وفي نهاية ابن كثير (6/272): (فأبى أن يفعل ثم قال: ابنُ الزرقاء! هلاك أمتي على يديه ويدي ذريته).
- *
نقاط في تربية الأطفال وتأديبهم
سعة مواضيع الطفل وتعددها
في موضوع الأطفال بحوث وعناوين عديدة، من آداب الحمل والولادة، والتنشئة، والتربية والتعليم، واليتم، وتأديب الطفل، وعقوبة الطفل الشرير، والأطفال الذين هم شرك شيطان!
والأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله تستوعب ذلك وإن كانت في بعض العناوين قليلة، وأحاديث أهل البيت عليهم السلام أكثر تفصيلاً، لكن بحثنا في أحاديث النبي صلى الله عليه وآله ، وقد اقتصرنا في الكتاب على ذكر بعض العناوين الأكثر مساساً بالطفل، وبصورة مختصرة بدون بحث مفصل.
مسؤولية الوالدين وثوابهما في تربية الأطفال
في إرشاد القلوب(1/184): (قال رسول الله صلى الله عليه وآله :كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه. ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). والبخاري(3/125).
وفي أمالي الصدوق/497: (عن أبي عبد الله عليه السلام :أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أيما امرأة رفعت
< صفحة > 301 < / صفحة >
من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً، نظر الله عز وجل إليها، ومن نظر الله إليه لم يعذبه. فقالت أم سلمة رضي الله عنها: ذهب الرجال بكل خير، فأي شئ للنساء المساكين؟ فقال صلى الله عليه وآله : بلى، إذا حملت المرأة كانت بمنزلة الصائم القائم المجاهد بنفسه وماله في سبيل الله فإذا وضعت كان لها من الأجر ما لا تدري ما هو لعظمه، فإذا أرضعت كان لها بكل مصة كعدل عتق محرر من ولد إسماعيل، فإذا فرغت من رضاعة ضرب ملك على جنبها، وقال: استأنفي العمل، فقد غفر لك).
حب الأطفال والوفاء بالوعد معهم
عقد الكليني قدس سره (6/49) باباً بعنوان: بِرُّ الأولاد. روى فيه تسعة أحاديث، منها عن رسول الله صلى الله عليه وآله :(من قبَّل ولده كتب الله عز وجل له حسنة، ومن فرَّحه فرحه الله يوم القيامة، ومن علَّمه القرآن دعي بالأبوين فيكسيان حلتين يضيئ من نورهما وجوه أهل الجنة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أحبوا الصبيان وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئاً فَفُوا لهم، فإنهم لايدرون إلا أنكم ترزقونهم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : رحم الله من أعان ولده على بره، قال قلت: كيف يعينه على بره؟ قال: يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره ولايرهقه ولا يخرق به، فليس بينه وبين أن يصير في حد من حدود الكفر إلا أن يدخل في عقوق أو قطيعة رحم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الجنة طيبة طيبها الله وطيب ريحها يوجد ريحها من مسيرة ألفي عام، ولا يجد ريح الجنة عاق ولا قاطع رحم، ولا مُرخي الإزار خيلاء!
وقال الإمام الصادق عليه السلام : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: ما قبَّلت صبياً قط فلما ولى قال رسول الله: هذا رجل عندي أنه من أهل النار).
وفي أمالي الصدوق/673: (عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله، كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإن من فرَّح ابنةً فكأنما أعتق رقبة من ولد إسماعيل، ومن أقرَّ بعين ابنٍ فكأنما بكى من خشية الله عز وجل، ومن بكى من خشية الله عز وجل أدخله الله جنات النعيم).
< صفحة > 302 < / صفحة >
احترام الطفل وإكرامه
في روضة الواعظين/369: (قال تعالى في سورة النساء: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ. وقال فيها: وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ريح الولد من ريح الجنة. وقال: إذا نظر الوالد إلى ولده فسره كان للوالد عتق نسمة. قيل يا رسول الله: وإن نظر ثلاث مائة وستين نظرة؟ قال: الله تعالى أكبر. وقال صلى الله عليه وآله : من حق الولد على والده ثلاثة: يُحسن اسمه، ويُعلمه الكتابة، ويُزوجه إذا بلغ. وقال صلى الله عليه وآله : نعم الولد البنات المخدرات، من كانت عنده واحدة جعلها الله له ستراً من النار، ومن كانت عنده اثنتان أدخله الله بهما الجنة، ومن كانت له ثلاث أو مثلهن من الأخوات، وضع عنه الجهاد والصدقة).
وقال صلى الله عليه وآله : (نظر الوالد إلى ولده حباً له عبادة).(مستدرك الوسائل:15/170).
وقال صلى الله عليه وآله :(أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم يغفر لكم. وقال صلى الله عليه وآله :لئن يؤدب أحدكم ولده خير له من أن يتصدق بنصف صاع كل يوم).(وسائل الشيعة (21/476).
وفي توحيد الصدوق/331: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تضربوا أطفالكم على بكائهم، فإن بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلا الله، وأربعة أشهر الصلاة على النبي وآله، وأربعة أشهر الدعاء لوالديه).
ضرورة اللعب للصبي
في الطبراني الكبير(6/140): (عن سهل بن سعد قال مر رسول الله صلى الله عليه وآله على صبيان وهم يلعبون بالتراب فنهاهم بعض أصحاب النبي فقال صلى الله عليه وآله دعهم فإن التراب ربيع الصبيان).
وفي من لايحضره الفقيه(3/484): (قال صلى الله عليه وآله : يلزم الوالدين من عقوق الولد ما يلزم الولد لهما من العقوق. وقال عليه السلام : بر الرجل بولده بره بوالديه.
وفي خبر آخر قال صلى الله عليه وآله : من كان عنده صبي فليتصابَ له.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله :«أحب الصبيان لخمس: الأول أنهم هم البكاؤون، والثاني يتمرغون
< صفحة > 303 < / صفحة >
بالتراب، والثالث يختصمون من غير حقد، والرابع لا يدخرون لغد شيئاً، والخامس يعمرون ثم يخربون». (المواعظ العددية:1/340).
وفي أمالي الصدوق/530:( فأقبل بهما إلى منزل فاطمة عليها السلام وقد ادخرت لهما تميرات، فوضعتها بين أيديهما، فأكلا وشبعا وفرحا، فقال لهما النبي صلى الله عليه وآله : قوما الآن فاصطرعا).
وروينا في الكافي(6/52):(عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: تستحب عرامة الصبي في صغره ليكون حليماً في كبره). ونحوه السيوطي في الجامع الصغير(2/151) عن النبي صلى الله عليه وآله قال: عرامة الصبي في صغره زيادة في عقله في كبره).
ضرورة النظافة لللأطفال
في العيون (2/74): (قال رسول الله صلى الله عليه وآله :إغسلوا صبيانكم من الغمر(الدسم) فإن الشيطان يشم الغمر فيُفزع الصبي في رقاده، ويتأذى بها الكاتبان).
تفسير: قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً
في روضة المتقين(11/48): (في الصحيح عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن لي أهل بيت وهم يسمعون مني أفأدعوهم إلى هذا الأمر؟ فقال عليه السلام : نعم إن الله عز وجل يقول في كتابه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ والْحِجارَةُ).
وفي هداية الأمة (5/576): (قال الصادق عليه السلام :لما نزلت هذه الآية: قُوا أَنْفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ ناراً، جلس رجل من المسلمين يبكي وقال: أنا عجزت عن نفسـي كلَّفت أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك).
أقول: ليس معنى ذلك الإكتفاء بالقول فيسقط التكليف تجاه الأهل والناس بالنهي عن المنكر، فقد علق صاحب الجواهر على هذ الحديث (21/382) بقوله: (لكن ما سمعته من النصوص والفتاوى الدالة على أنهما يكونان بالقلب واللسان واليد صريح في إرادة حمل الناس عليهما بذلك كله، بل هو معنى قوله عليه السلام : ما جعل الله بسط اللسان وكف اليد ولكن جعلهما يبسطان معاً ويكفان معاً. فيمكن إرادة ما يشمل الضرب ونحوه من أمر الأهل ونهيهم، كما أنه صرح
< صفحة > 304 < / صفحة >
في النصوص أيضاً بالهجر وتغير الوجه وغيرهما مما يراد منه الطلب بواسطة هذه الأمور لا مجرد القول كما هو واضح بأدنى تأمل ونظر، بل منه يعلم أن المراد حينئذ من إطلاق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الكتاب والسنة، حمل تارك المعروف وفاعل المنكر على الفعل والترك بالقلب على الوجه الذي ذكرناه، وباللسان وباليد كذلك).
أنا وكافل اليتيم كهاتين
روى الترمذي(4/321): (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين. وأشار بإصبعيه يعني السبابة والوسطى). وقال بعض العلماء يقصد به أباطالب كافل النبي صلى الله عليه وآله .
وفي الكافي (7/51): (قال علي عليه السلام :سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من عال يتيماً حتى يستغني، أوجب الله عز وجل له بذلك الجنة، كما أوجب لآكل مال اليتيم النار).
العقيقة والختان في اليوم السابع
في الكافي (6/35) بسند صحيح: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله :طهروا أولادكم يوم السابع فإنه أطيب وأسرع لنبات اللحم، وإن الأرض تنجس من بول الأغلف أربعين صباحاً.
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (من سنن المرسلين الإستنجاء والختان.
وقال الشيخ في المبسوط(1/395): (فالمستحب أن يعق يوم السابع لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال كل غلام رهينة بعقيقته يذبح عنه يوم سابعة، ويحلق ويسمى، وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه عق عن الحسن يوم السابع. ومتى لم يعق الوالد عن ولده وأدرك عق عن نفسه استحباباً. ولا يقوم مقام العقيقة الصدقة بثمنها، ومن لايقدر عليها فلا شئ عليه، فإن قدر فيما بعد قضاها. ويستحب أن يتصدق بوزن شعر رأسه ذهباً أو فضة).
وجوب سترالوالدين عند المقاربة عن الأطفال
في الكافي(5/500):(قال رسول صلى الله عليه وآله : والذي نفسي بيده لو أن رجلاً غشي امرأته وفي البيت صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما، ما أفلح أبداً! إذا كان غلاماً كان زانياً، أوجارية كانت زانية)!
< صفحة > 305 < / صفحة >
التفريق بين الأطفال في النوم
في الكافي(7/69): (قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر،ويحتلم لأربع عشرة، وينتهي طوله لإحدى وعشرين، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب).
وفي دعائم الإسلام(1/194):(وروى عن أبيه عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين، واضربوهم على تركها إذا بلغوا تسعاً، وفرقوا بينهم في المضاجع إذا بلغوا عشراً. وهذا قريب بعضه من بعض، وأحوال الأطفال تختلف في الطاقة والعقل، وعلى قدر ذلك يعملون، والأطفال غير مكلفين).
وفي ملاذ الأخيار(12/417): (وقال في النهاية: إن كل غلام رهينة بعقيقته. الرهينة الرهن والتاء للمبالغة ثم استعملا بمعنى المرهون فقيل هو رهن بكذا ورهينة بكذا. والمعنى أن العقيقة لازمة له لا بد منها، فشبه في لزومها له وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن).
وفي من لايحضره الفقيه(3/437): (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الصبي والصبي، والصبي والصبية، والصبية والصبية، يفرق بينهم في المضاجع لعشر سنين).
قاعدة في تربية الطفل
في وسائل الشيعة(21/476): (قال النبي صلى الله عليه وآله : الولد سيد سبع سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين، فإن رضيت خلائقه لإحدى وعشرين سنة، وإلا ضرب على جنبيه، فقد أعذرت إلى الله). أي يُعرض عنه فلاخير فيه.
التأثير السلبي لأكل الحرام على الطفل
في مكارم الأخلاق/455، من وصية النبي صلى الله عليه وآله لابن مسعود: (يا ابن مسعود:لا تأكل الحرام ولا تلبس الحرام ولا تأخذ من الحرام ولا تعص الله لأن الله تعالى يقول لإبليس: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً).
< صفحة > 306 < / صفحة >
وفي تفسير العياشي(2/299) عن الباقر عليه السلام في تفسير الآية: (ما كان من مال حرام فهو شريك الشيطان، قال ويكون مع الرجل حتى يجامع فيكون من نطفته ونطفة الرجل إذا كان حراماً. قال: كلتاهما جميعاً تختلطان وقال: ربما خلق من واحدة، وربما خلق منهما جميعاً).
يصح الحج بالطفل الصغير
في الإستبصار (2/146) أن رسول الله صلى الله عليه وآله مرَّبالروحاء وهو حاج فقامت إليه امرأة ومعها صبي لها فقالت: يا رسول الله أيحج عن مثل هذا؟ قال: نعم ولك أجره).
ساووا بينهم في العطية
في مكارم الأخلاق/20: (عن النبي صلى الله عليه وآله : أنه نظر إلى رجل له ابنان فقبل أحدهما وترك الآخر، فقال: فهلا ساويت بينهما.
وحَسَّنَ ابن حجر حديث:(سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء). (فتح الباري (5/158) والطبراني(11/280) والزوائد (4/153).
وقال صلى الله عليه وآله :إعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف).
وفي كفاية الأحكام للسبزواري(2/31): (وروى الحميري بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الرجل يحل له أن يفضل بعض ولده على بعض؟ قال: قد فضلت فلاناً على أهلي وولدي، فلا بأس. والمشهور بين الأصحاب الكراهية، قال في المسالك: الوجه الكراهة المؤكدة لقوله صلى الله عليه وآله سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت البنات.. إلى أن قال: وقد روي أن النعمان بن بشير أتى والده إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: إني نحلت ابني هذا فلاناً، فقال النبي صلى الله عليه وآله :أكل ولدك نحلت مثل هذا؟ فقال: لا، فقال: أردده. وفي رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وآله قال له: أ تحب أن يكونوا في البر سواء؟ فقال: نعم قال: فأرجعه.
وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله أنه قال لمن أعطى بعض أولاده شيئاً: أكل ولدك أعطيت مثله؟ قال: لا، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، فرجع تلك العطية. وفي رواية أخرى: لا تُشهدني على جور. قال: الأصحاب حملوها على تقدير سلامة السند على الكراهة جمعاً).
< صفحة > 307 < / صفحة >
وجوب الإستئذان داخل الأسرة
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
في الكافي(5/529) عن الإمام الصادق عليه السلام : (من بلغ الحلم فلا يلج على أمه ولاعلى أخته ولاعلى خالته، ولا على سوى ذلك إلا بإذن، فلا تأذنوا حتى يسلم. والسلام طاعة لله عز وجل. وقال عليه السلام :ليستأذن عليك خادمك إذا بلغ الحلم في ثلاث عورات إذا دخل في شئ منهن ولو كان بيته في بيتك، قال: وليستأذن عليك بعد العشاء التي تسمى العتمة، وحين تصبح وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة. إنما أمر الله عز وجل بذلك للخلوة، فإنها ساعة غرة وخلوة).
وفي دعائم الإسلام(2/202): (عن علي عليه السلام قال: أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يا رسول الله هل أستأذن على أمي إذا أردت الدخول عليها؟ قال: نعم، أيسرك أن تراها عريانة؟ قال: لا، قال: فاستأذن عليها إذاً).
حكم الأطفال المعاقين والذين يموتون صغاراً
في الفصول المهمة(1/278): (عن زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: سألته هل سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الأطفال؟ فقال: قد سئل فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين، ثم قال: يا زرارة هل تدري قوله: الله أعلم بما كانوا عاملين قلت: لا، قال: لله فيهم المشية، أنه إذا كان يوم القيامة جمع الله الأطفال والذي مات من الناس في الفترة والشيخ الكبير الذي أدرك النبي صلى الله عليه وآله وهو لا يعقل، والأصم، والأبكم الذي لا يعقل، والمجنون، والأبله الذي لا يعقل، وكل واحد منهم يحتج على الله، فيبعث الله إليهم ملكاً من الملائكة، فيؤجج لهم ناراً ثم يبعث الله إليهم ملكاً، فيقول لهم: إن ربكم يأمركم أن تثبوا فيها، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، وأدخل الجنة، ومن تخلف عنها دخل النار).
< صفحة > 308 < / صفحة >
قوم نوح المغرقون لم يكن فيهم طفل
في علل الشرائع بسند صحيح(1/30):(قال عبد السلام الهروي:قلت للإمام الرضا عليه السلام :لأي علة أغرق الله عز وجل الدنيا كلها في زمن نوح عليه السلام وفيهم الأطفال ومن لا ذنب له؟ فقال ما كان فيهم الأطفال لأن الله عز وجل أعقم أصلاب قوم نوح وأرحام نسائهم أربعين عاماً، فانقطع نسلهم فغرقوا ولا طفل فيهم، ما كان الله تعالى ليهلك بعذابه من لا ذنب له، وأما الباقون من قوم نوح عليه السلام فأغرقوا لتكذيبهم لنبي الله نوح عليه السلام وسايرهم أغرقوا برضاهم تكذيب المكذبين، ومن غاب عن أمر فرضى به كان شاهده وأتاه).
- *
< صفحة > 309 < / صفحة >
الفصل الثامن والعشرون : طفلان لا كالأطفال!
الفصل الثامن والعشرون
طفلان لا كالأطفال!
سلوك النبي صلى الله عليه وآله مع الحسنين عليهما السلام كله بأمر ربه عز وجل
يدل عليه قوله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى.
ويدل عليه ما ورد في أكثر من حديث: إن الله أمرني بحبهما فأحبوهما.
وما يأتي في حديث ضياعهما ليلة فاستنفرالنبي صلى الله عليه وآله والمسلمون ودعا ربه فجاء جبرئيل عليه السلام وأخبره بمكانهما وفضلهما (فقال: لأشرفن اليوم ابنيَّ هذين كما شرفهما الله تعالى، وقال: يا بلال، هلم عليَّ الناس، فنادى بهم فاجتمعوا، فقال النبي صلى الله عليه وآله لأصحابه..).
كما كان غرضه صلى الله عليه وآله أن يبلغ الأمة إمامتهما، وأنهما إمامان تجب طاعتهما بعده.
هدف النبي صلى الله عليه وآله من معاملته الخاصة للحسن والحسين عليهما السلام
كل الذين كتبوا في تعامل النبي صلى الله عليه وآله مع الأطفال، ذكروا معاملته الخاصة للحسن والحسين عليهما السلام وأولاد فاطمة عليها السلام ، لكنهم لم يفسروها! فالمسلم يتفاجأ بشدة حب النبي صلى الله عليه وآله لهما، وتنوع اهتمامه بهما في تعامله، في أقواله فيهما، من مراسم ولادتهما، وتسميتهما، والعقيقة عنهما، وكان يراهما يومياً، ويقبلهما، ويتابع أحوالهما!
ولما مشيا،كان يأخذهما معه الى المسجد ويجلسهما الى جنبه ويصلي، وقد يركب الواحد منهما على ظهره، فيريد المسلمون أن يبعدوه فيقول أتركوه!
وكان مع سلوكه هذا معهما يطلق أقواله النبوية الخالدة فيهما:
< صفحة > 310 < / صفحة >
- قال عمران بن حصين:قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله :ياعمران إن لكل شئ موقعاً من القلب، وما وقع موقع هذين الغلامين من قلبي شئ قط، فقلت: كل هذا يا رسول الله! قال: يا عمران وما خفي عليك أكثر. إن الله أمرني بحبهما.
- وكان يقول: يا علي لقد أذهلني هذان الغلامان يعني الحسن والحسين أن أحب بعدهما أحداً أبداً، إن ربي أمرني أن أحبهما، وأحب من يحبهما.
- وعن أبي ذر قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله بحب الحسن والحسين عليهما السلام . فأنا أحبهما، وأحب من يحبهما، لحب رسول الله صلى الله عليه وآله إياهما.
- وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل الحسن والحسين وهو يقول: من أحب الحسن والحسين وذريتهما مخلصاً لم تلفح النار وجهه، ولو كانت ذنوبه بعدد رمل عالج، إلا أن يكون ذنبه ذنباً يخرجه من الإيمان.
- وعن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من كان يحبني فليحب ابنيَّ هذين، فإن الله أمرني بحبهما.
- إن الله أمرني بحب الحسن والحسين فأحبوهما..
- الحسن والحسين سيد شباب أهل الجنة..
- الحسن والحسين سبطان من الأسباط..
- الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا..
- الحسن والحسين ابناي من فاطمة وعلي..
- قال رسول الله صلى الله عليه وآله : خذوا بحجزة هذا الأنزع، فإنه الصديق الأكبر والهادي لمن اتبعه، ومن سبقه مرق من دين الله، ومن خذله محقه الله، ومن اعتصم به فقداعتصم بالله، ومن أخذ بولايته هداه الله، ومن ترك ولايته أضله الله. ومنه سبطا أمتي الحسن والحسين، وهما ابناي، ومن ولد الحسين الأئمة الهداة والقائم المهدي، فأحبوهم وتوالوهم، ولا تتخذوا عدوهم وليجة من دونهم، فيحل عليكم غضب من ربكم وذلة في الحياة الدنيا، وقد خاب من افترى.
< صفحة > 311 < / صفحة > - وقال: حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط.
- وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أبغض الحسن والحسين جاء يوم القيامة وليس على وجهه لحم، ولم تنله شفاعتي! (هذه الأقول:في مصادر الحديث الصحيحة ومنها: كامل الزيارات/114، وبعدها).
حديث: فهو معي في درجتي في الجنة
يظهر من أحاديث الطرفين أن جنة الفردوس في أعلى الجنة خاصة لإبراهيم وآل إبراهيم عليهم السلام ولمحمد وآل محمد صلى الله عليه وآله . وأنها تتسع لشيعتهم معهم أيضاً.
قال الكاظم عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد الحسن والحسين عليهما السلام فقال: من أحب هذين الغلامين وأباهما وأمهما،فهو معي في درجتي يوم القيامة). (كامل الزيارة /117)
وروى أحمد في مسنده (1/77) قال: ( إن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذ بيد حسن وحسين رضي الله عنهما فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما، كان معي في درجتي يوم القيامة). ورواه الترمذي : 5 / 305، وحسنه، والطبراني في المعجم الكبير : 3 / 50 والصغير : 2 / 70، والخطيب في الإكمال / 173، وقال: والحديث صحيح بشواهده. وتاريخ دمشق : 13 / 196، وأسد الغابة: 4 / 29.
وقال المزي في تهذيب الكمال (29/360): ( قال عبد الله بن أحمد: لما حدث نصر بن علي بهذا الحديث أمر المتوكل بضربه ألف سوط! فكلمه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له: هذا الرجل من أهل السنة، ولم يزل به حتى تركه)!
أقول :كان المتوكل ناصبياً يقيم حفلات سخرية من شخصية أمير المؤمنين عليه السلام . وقد فاجأه الراوي السني بحديث فغضب عليه، وتخيله رافضياً، فقالوا له هذا سني وفي رواية فأمر بضربه خمسمائة سوط، ثم أصروا عليه حتى عفى عنه!
ويقصد النبي صلى الله عليه وآله بقوله: من أحبَّني وأحب هذين وأباهما وأمهما، نوعاً خاصاً من الحب هو طاعتهم والإقتداء بهم ونصرتهم على من خالفهم. وليس الحب العام الذي يدعيه كل الناس، بل الذين ناصروهم وتحملوا في نصرتهم الإضطهاد، والتقتيل، من الحكومات وأتباعها!
ومعنى قوله صلى الله عليه وآله : كان معي في درجتي، أنه يكون من أهل جنة الفردوس وفي درجة الوسيلة التي هي أعلاها، ومعناه أن درجة الوسيلة تتسع للملايين!
< صفحة > 312 < / صفحة >
احتجاج المأمون بمبايعة النبي صلى الله عليه وآله للحسنين عليهما السلام
في تحف العقول لابن شعبة الحراني/453: (قال المأمون: ويحكم أما علمتم أن أهل هذا البيت ليسوا خلقاً من هذا الخلق، أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله بايع الحسن والحسين وهما صبيان ولم يبايع غيرهما طفلين. أو لم تعلموا أن أباهم علياً آمن برسول الله صلى الله عليه وآله وهو ابن تسع سنين، فقبل الله ورسوله إيمانه ولم يقبل من طفل غيره، ولا دعا رسول الله صلى الله عليه وآله طفلاً غيره. أو لم تعلموا أنها ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم)!
جعل الله أبناء بنت النبي صلى الله عليه وآله أبناءه
روى الجميع أن النبي صلى الله عليه وآله قال إن الحسن والحسين عليهما السلام ابناي، فجعل أبناء البنت أبناء له، وفي ذلك رفع لمقام المرأة في مجتمع مفرط في الذكورية، وجعل الله تعالي وراثته صلى الله عليه وآله في أبناء بنته عليهم السلام .
وفي كامل الزيارة/116: (سبطا أمتي الحسن والحسين، وهما ابناي. ومن ولد الحسين الأئمة الهداة والقائم المهدي، فأحبوهم وتوالوهم).
وروى الحاكم (3/166) وصححه بشرط الشيخين، عن سلمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: الحسن والحسين ابناي، من أحبهما أحبني ومن أحبني أحبه الله ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار). ونحوه الترمذي (4/339) وحسَّنه. والرياض النضرة (2/232) والطبراني في الكبير(3/47).
واختار الله لهما أحسن الأسماء
روى الحاكم (3/168) :(عن علي قال: لما أن ولد الحسن سميته حرباً، فقال لي النبي صلى الله عليه وآله : ما سميت ابني؟ قلت: حرباً، قال: هو الحسن. فلما ولد الحسين سميته حرباً فقال النبي صلى الله عليه وآله :ما سميت ابني؟ قلت: حرباً، قال هو الحسين. فلما أن ولد محسن قال: ما سميت ابني؟ قلت: حرباً قال: هو محسن. ثم قال النبي صلى الله عليه وآله :إني سميت بنيَّ هؤلاء بتسمية هارون بنيه شبراً وشبيراً ومشبراً). وقد صححه الحاكم وروته مصادرهم العديدة كالبيهقي وابن عساكر والبلاذري. لكنه لا يصح عندنا لأن علياً عليه السلام لم يكن ليسبق رسول الله صلى الله عليه وآله بتسميته. وكأن هذه الرواية تريد
< صفحة > 313 < / صفحة >
ذم علي عليه السلام بأنه يحب الحرب!
في مناقب آل أبي طالب(3/189): (السمعاني في فضائل الصحابة، وجماعة من أصحابنا في كتبهم عن أسماء بنت عميس، واللفظ لها قالت: لما ولدت فاطمة الحسن جاءني النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا أسماء هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها وقال: يا أسماء ألم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء، فلففته في خرقة بيضاء ودفعته إليه، فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثم قال لعلي: أي شئ سميت ابني هذا؟ قال: ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله، وقد كنت أحب أن أسميه حرباً فقال: أنا لا أسبق باسمه ربي! ثم هبط جبرئيل فقال: السلام عليك يا محمد العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول: علي منك بمنزلة هارون من موسى ولا نبي بعدك، سم ابنك هذا باسم ابن هارون. قال: وما اسم ابن هارون يا جبرئيل؟قال: شبر، قال: لساني عربي، قال: سمه الحسن فسماه الحسن، فلما كان يوم سابعه عق عنه بكبشين أملحين، وأعطى القابلة فخذاً وحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر ورقاً وطلى رأسه بالخلوق ثم قال: يا أسماء الدم فعل الجاهلية، قالت: فلما ولد الحسين عليه السلام فعل مثل ذلك.
الباقر عليه السلام :فوزنه فكان وزنه درهماً ونصفاً، يعني شعر الحسين وقت الولادة).
قطع النبي خطبته وأخذ الحسنين عليهما السلام اليه
روى النسائي(3/192) والترمذي وحسنه (5/324) عن بريدة:(كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال:صدق الله: إِنَّما أَمْوالُكُمْ وأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما).
كانا يركبان على ظهر النبي صلى الله عليه وآله وهو يصلي في المسجد!
وقال ابن حجر في الإصابة(2/62): (فدخل علينا عبد الله بن الزبيرفقال: أنا أحدثكم بأشبه أهله به وأحبهم إليه، الحسن بن علي، رأيته يجئ وهو ساجد فيركب رقبته، فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ولقد رأيته يجئ وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر).
وفي نهج الحق للعلامة الحلي/272: ( وكان ذات يوم يخطب، فعبر الحسن، وهو طفل صغير،
< صفحة > 314 < / صفحة >
فنزل من منبره، وقطع الخطبة، وحمله على كتفه، وأصعده المنبر، ثم أكمل الخطبة)
وفي علل الشرائع(1/189) من كلام علي عليه السلام مع أبي بكر وعمر، يوضح لهما سبب قول الحسن عليه السلام لأبي بكر: إنزل عن منبر أبي واذهب الى منبرأبيك! (الإصابة:2/69): (وأما الحسن ابني فقد تعلمان ويعلم أهل المدينة أنه يتخطى الصفوف حتى يأتي النبي صلى الله عليه وآله وهو ساجد فيركب ظهره فيقوم النبي صلى الله عليه وآله ويده على ظهر الحسن والأخرى على ركبته حتى يتم الصلاة؟ قالا: نعم قد علمنا ذلك، ثم قال: تعلمان ويعلم أهل المدينة أن الحسن كان يسعى إلى النبي ويركب على رقبته ويدلي الحسن رجليه على صدر النبي صلى الله عليه وآله حتى يرى بريق خلخاليه من أقصى المسجد والنبي صلى الله عليه وآله يخطب ولا يزال على رقبته حتى يفرغ النبي صلى الله عليه وآله من خطبته والحسن على رقبته. فلما رأى الصبي على منبر أبيه غيره شق عليه ذلك، والله ما أمرته بذلك، ولا فعله عن أمري).
رأى النبي صلى الله عليه وآله الحسين عليه السلام فتقدم عن أصحابه وأخذه
روى أحمد في مسنده(4/172): (عن يعلى العامري أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى طعام دعوا له قال فاستنتل رسول الله صلى الله عليه وآله أمام القوم وحسين مع غلمان يلعب، فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يأخذه قال فطفق الصبي هاهنا مرة وهاهنا مرة فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يضاحكه حتى أخذه. قال: فوضع إحدى يديه تحت قفاه، والأخرى تحت ذقنه فوضع فاه على فيه فقبله،وقال: حسين منى وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط). وروته عدة مصادر ووثقته أو حسنته كالترمذي(5/324) والحاكم(3/177) وابن ماجة (1/51) وابن أبي شيبة(7/515) والبخاري في الأدب المفرد/85. ومعنى استنتل: انفرد وتقدم، يقال استنتل استنتالاً: تفرد من القوم.
وفي مناقب آل أبي طالب (3/227):(أحاديث الليث بن سعد: أن النبي كان يصلي يوماً في فئة والحسين صغير بالقرب منه، وكان النبي إذا سجد جاء الحسين فركب ظهره ثم حرك رجليه وقال: حِلْ حِلْ، وإذا أراد رسول الله أن يرفع رأسه أخذه فوضعه إلى جانبه فإذا سجد عاد على ظهره وقال: حل حل، فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغ النبي من صلاته. فقال يهودي: يا محمد إنكم لتفعلون بالصبيان شيئاً ما نفعله نحن، فقال النبي: أما لو كنتم تؤمنون بالله وبرسوله لرحمتم الصبيان! قال: فإني أؤمن بالله وبرسوله، فأسلم لما رأى كرمه مع عظم قدره).
< صفحة > 315 < / صفحة >
وفي مناقب آل أبي طالب (3/226): (عبد الرحمن أبي ليلى قال: كنا جلوساً عند رسول الله إذ أقبل الحسين فجعل ينزو على ظهرالنبي وعلى بطنه فبال، فقال صلى الله عليه وآله لاترزموا ابني، أي لا تقطعوا عليه بوله، ثم دعا بماء فصبه على بوله. وفي سنن أبي داود: فقال لبانة: أعطني إزارك حتى أغسله قال: إنما يغسل من بول الأنثى، وينضح من بول الذكر). أي يُرش عليه الماء فيطهر.
أمر الحسن والحسين عليهما السلام أن يتصارعا!
في أمالي الصدوق/530: (وأخذ النبي صلى الله عليه وآله الحسن، فوضعه على عاتقه الأيمن، ووضع الحسين على عاتقه الأيسر، وخرج علي عليه السلام فلحق برسول الله صلى الله عليه وآله فقال له بعض أصحابه: بأبي أنت وأمي إدفع إلي أحد شبليك أخفف عنك. فقال: إمض، فقد سمع الله كلامك، وعرف مقامك. وتلقاه آخر، فقال: بأبي أنت وأمي، ادفع إلي أحد شبليك، أخفف عنك. فقال: إمض فقد سمع الله كلامك، وعرف مقامك.
فتلقاه علي عليه السلام فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إدفع إلي أحد شبلي وشبليك حتى أخفف عنك.فالتفت النبي صلى الله عليه وآله إلى الحسن عليه السلام فقال: يا حسن هل تمضي إلى كتف أبيك؟ فقال له: والله يا جداه، إن كتفك لأحب إلي من كتف أبي.ثم التفت إلى الحسين عليه السلام فقال:يا حسين هل تمضي إلى كتف أبيك؟ فقال له: والله يا جداه، إني لأقول لك كما قال أخي الحسن، إن كتفك لأحب إلي من كتف أبي . فأقبل بهما إلى منزل فاطمة عليها السلام وقد ادخرت لهما تميرات فوضعتها بين أيديهما، فأكلا وشبعا وفرحا، فقال لهما النبي صلى الله عليه وآله : قوما الآن فاصطرعا، فقاما ليصطرعا، وقد خرجت فاطمة عليها السلام في بعض حاجتها، فدخلت فسمعت النبي صلى الله عليه وآله وهو يقول:إيهٍ يا حسن شُدَّ على الحسين فاصرعه. فقالت له: ياأبه وا عجباه أتشجع الكبير على الصغير! فقال لها: يا بنية، أما ترضين أن أقول أنا: يا حسن، شُدَّ على الحسين فاصرعه، وهذا حبيبي جبرئيل يقول: يا حسين، شُدَّ على الحسن فاصرعه)!
تعويذ النبي صلى الله عليه وآله للحسن والحسين عليهما السلام
كان النبي صلى الله عليه وآله يعوذ الحسنين عليهما السلام بدعاء. (قال عبد الله بن مسعود: قال كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وآله إذ مر به الحسن والحسين وهما صبيان فقال: هاتوا ابنيَّ أعوذهما بما عوذ به
< صفحة > 316 < / صفحة >
إبراهيم ابنيه إسماعيل وإسحاق، فضمهما الى صدره وقال: أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل عين لامة، ومن كل شيطان وهامة). (مختصر تاريخ دمشق:7/30، والطبراني الكبير:10/72).
ولما نزل جبرئيل عليه السلام بسورتي المعوذتين وقال له عوذ بهما الحسن والحسين عليهما السلام فاستبدل النبي صلى الله عليه وآله الدعاء بالمعوذتين، وسمعه الصحابة يقول إيتوني بابني لأعوذهما كما عوذ إبراهيم بنيه، فيقرأ عليهما المعوذتين، فتصور ابن مسعود أنهما عُوذتان للحسنين عليهما السلام وليستا سورتين من القرآن،ولم يكتبهما في مصحفه!
قال ابن قتيبة في مختلف الحديث/30: (وسببه في تركه إثباتهما في مصحفه أنه كان يرى النبي صلى الله عليه وآله يعوذ بهما الحسن والحسين). وأحمد في مسنده (5/130).
منع النبي صلى الله عليه وآله الحسن عليه السلام من الأكل من مال الصدقة
في صحيح البخاري (2/135): ( أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي صلى الله عليه وآله : كِخْ كِخْ ليطرحها! ثم قال: أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة). والبخاري(4/36) ومسلم(3 /117) والبيهقي(7 / 29) وأحمد(2/279) وفيه: فأدخل النبي إصبعه فانتزعها منه ثم قال: أما علمت أن الصدقة لا تحل لآل محمد! والدارمي(1/ 386) ومجمع الزوائد(1/ 284) وغيرهم.
وقوله صلى الله عليه وآله :لاتحل لآل محمد يقصد علياً وفاطمة وذريتهما عليهم السلام ، ولايدخل فيهم أزواجه لأنه أخرجهن من تحت الكساء. قال الشوكاني في نيل الأوطار (4/243): «وذكر ابن المنير أنها لا تحرم الصدقة على الأزواج، قولاً واحداً ».
ضاع الحسنان عليهما السلام فاستنفر النبي صلى الله عليه وآله المسلمين
في أمالي الصدوق/528، بسند ه عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (مرض النبي صلى الله عليه وآله المرضة التي عوفي منها، فعادته فاطمة سيدة النساء ومعها الحسن والحسين عليهم السلام ، قد أخذت الحسن بيدها اليمنى، وأخذت الحسين بيدها اليسرى، وهما يمشيان وفاطمة بينهما حتى دخلوا منزل عائشة فقعد الحسن عليه السلام على جانب رسول الله الأيمن، والحسين على جانب رسول الله الأيسر، فأقبلا يغمزان ما يليهما من بدن رسول الله صلى الله عليه وآله ، فما أفاق النبي من نومه، فقالت فاطمة للحسن والحسين: حبيبيَّ إن جدكما قد غفا، فانصرفا ساعتكما هذه ودعاه حتى يفيق وترجعان إليه.
< صفحة > 317 < / صفحة >
فقالا: لسنا ببارحين في وقتنا هذا. فاضطجع الحسن على عضد النبي عليه السلام الأيمن، والحسين على عضده الأيسر فغفيا، وانتبها قبل أن ينتبه النبي صلى الله عليه وآله وقد كانت فاطمة لما ناما انصرفت إلى منزلها، فقالا لعائشة: ما فعلت أمنا؟ قالت: لما نمتما رجعت إلى منزلها. فخرجا في ليلة ظلماء مدلهمة ذات رعد وبرق، وقد أرخت السماء عزاليها، فسطع لهما نور، فلم يزالا يمشيان في ذلك النور، والحسن قابض بيده اليمنى على يد الحسين اليسرى، وهما يتماشيان ويتحدثان، حتى أتيا حديقة بني النجار، فلما بلغا الحديقة حارا فبقيا لا يعلمان أين يأخذان، فقال الحسن للحسين: إنا قد حرنا وبقينا على حالتنا هذه وما ندري أين نسلك، فلا عليك أن ننام في وقتنا هذا حتى نصبح. فقال له الحسين: دونك يا أخي فافعل ما ترى، فاضطجعا جميعاً، واعتنق كل واحد منهما صاحبه وناما. وانتبه النبي صلى الله عليه وآله من نومته التي نامها، فطلبهما في منزل فاطمة فلم يكونا فيه وافتقدهما، فقام النبي على رجليه، وهو يقول: إلهي وسيدي ومولاي، هذان شبلاي خرجا من المخمصة والمجاعة، اللهم أنت وكيلي عليهما، فسطع للنبي صلى الله عليه وآله نور، فلم يزل يمضي في ذلك النور حتى أتى حديقة بني النجار، فإذا هما نائمان قد اعتنق كل واحد منهما صاحبه، وقد تقشعت السماء فوقهما كطبق، فهي تمطر كأشد مطر ما رآه الناس قط، وقد منع الله عز وجل المطر منهما في البقعة التي هما فيها نائمان، لا يمطر عليهما قطرة، وقد اكتنفتهما حية لها شعرات كآجام القصب وجناحان، جناح قد غطت به الحسن، وجناح قد غطت به الحسين، فلما أن بصر بهما النبي صلى الله عليه وآله تنحنح، فانسابت الحية وهي تقول: اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك أن هذين شبلا نبيك، قد حفظتهما عليه ودفعتهما إليه سالمين صحيحين! فقال لها النبي صلى الله عليه وآله : أيتها الحية، فمن أنت؟ قالت : أنا رسول الجن إليك. قال : وأي الجن؟ قالت: جن نصيبين، نفر من بني مليح، نسينا آية من كتاب الله عز وجل فبعثوني إليك لتعلمنا ما نسينا من كتاب الله، فلما بلغت هذا الموضع سمعت منادياً ينادي: أيتها الحية، هذان شبلا رسول الله، فاحفظيهما من الآفات والعاهات ومن طوارق الليل والنهار،فقد حفظتهما وسلمتهما إليك سالمين صحيحين وأخذت الحية الآية وانصرفت..الحديث بطوله).
ورواه العلامة الحلي في نهج الحق/389:(من كتاب الخوارزمي، عن عبد الله بن العباس قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا فاطمة عليها السلام قد أقبلت تبكي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما يبكيك؟قالت:يا
< صفحة > 318 < / صفحة >
أبت إن الحسن والحسين قد عبرا أو ذهبا منذ اليوم وقد طلبتهما ولا أدري أين هما، وإن علياً يمشي إلى الدالية منذ خمسة أيام يسقي البستان، وإني طلبتهما في منازلك فما أحسست لهما أثراً. وإذا أبوبكرفقال: قم يا أبابكر فاطلب قرة عيني، ثم قال: قم يا عمر فاطلبهما، قم يا سلمان، وأباذر، ويا فلان، ويا فلان، قال: فأحصينا على رسول الله صلى الله عليه وآله سبعة بعثهم في طلبهما وحثهم فرجعوا ولم يصيبوهما، فاغتم النبي صلى الله عليه وآله غماً شديداً، ووقف على باب المسجد، وهو يقول: اللهم بحق إبراهيم خليلك، وبحق آدم صفيك، إن كانا قرة عيني وثمرة فؤادي أخذا بحراً أو براً فاحفظهما وسلمهما. قال: فإذا جبرئيل عليه السلام قد هبط فقال: يا رسول الله، إن الله يقرؤك السلام، ويقول لك: لاتحزن ولا تغتم، الصبيَّان فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة، وهما في الجنة، وقد وكلت بهما ملكاً يحفظهما إذا ناما وإذا قاما، ففرح رسول الله صلى الله عليه وآله ومضى جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله والمسلمون حوله، حتى دخل حظيرة بني النجار فسلم على الملك الموكل بهما، ثم جثا النبي صلى الله عليه وآله على ركبتيه، فإذا الحسن معانق للحسين وهما نائمان، وذلك الملك قد جعل جناحه تحتهما والآخرفوقهما، وعلى كل واحد دراعة من شعر أو صوف، والمداد على شفتيهما فما زال النبي بينهما حتى استيقظا فحمل النبي صلى الله عليه وآله الحسن، وحمل جبرئيل الحسين وخرج النبي صلى الله عليه وآله من الحظيرة.
وقال ابن عباس: وجدنا الحسن على يمين النبي صلى الله عليه وآله والحسين على شماله وهو يقبلهما ويقول: من أحبكما فقد أحب الله ورسوله، ومن أبغضكما فقد أبغض رسول الله، فقال أبوبكر: يا رسول الله أعطني أحدهما أحمله: فقال النبي صلى الله عليه وآله : نعم الحمولة، ونعم المطية تحتهما.
فلما صار إلى باب الحظيرة لقيه عمر بن الخطاب، فقال له مثل مقالة أبي بكر، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله مثل ما رد على أبي بكر، فرأينا الحسين متلبساً بثوب رسول الله صلى الله عليه وآله ووجدنا يد النبي على رأسه فدخل النبي المسجد، فقال: لأشرفن اليوم ابنيَّ هذين كما شرفهما الله تعالى، وقال: يا بلال، هلم على الناس، فنادى بهم، فاجتمعوا فقال النبي صلى الله عليه وآله لأصحابه:
معشر أصحابي، تلقوا عن نبيكم محمد صلى الله عليه وآله بأنه قال: ألا أدلكم على خير الناس جداً وجدة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: عليكم بالحسن والحسين، فإن جدهما رسول الله، وجدتهما خديجة بنت خويلد سيدة نساء أهل الجنة. يا معشر الناس، هل أدلكم على خير الناس أماً وأباً؟ قالوا:
< صفحة > 319 < / صفحة >
بلى يا رسول الله. قال: عليكم بالحسن والحسين، فإن أباهما علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو خير منهما، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ذو المنفعة والمنقبة في الإسلام، وأمهما فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله سيدة نساء أهل الجنة.
معشر الناس، ألا أدلكم على خير الناس عماً وعمة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: عليكم بالحسن والحسين، فإن عمهما جعفر ذو الجناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة، وعمتهما أم هانئ بنت أبي طالب.
معاشر الناس، ألا أدلكم على خير الناس خالاً وخالة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: عليكم بالحسن والحسين، فإن خالهما القاسم بن محمد صلى الله عليه وآله ، وخالتهما زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله .
معاشر الناس، أعلمكم أن جدهما في الجنة، وجدتهما في الجنة، وأبوهما وأمهما في الجنة، وعمهما وعمتهما في الجنة، وخالهما وخالتهما في الجنة، ومن أحب ابني هذين وأباهما وأمهما فهو معنا غداً في الجنة، ومن أبغضهما فهو في النار. وإن من كرامتهما على الله أن سماهما في التوراة: شُبَّراً وشبيراً).
وقد روته مصادر الخاصة والعامة عن المنصور الدوانيقي، و هو من أكمل نصوصه، رواه الحافظ ابن المغازلي في مناقب علي عليه السلام /226، والحافظ ابن حسنويه الحنفي في كتابه، بسنده عن سلمان بن الأعمش عن أبيه قال: ( قال الأعمش: وجّه إليَّ المنصورُ فقلت للرسول: لما يريدني أمير المؤمنين؟ قال:لا أعلم، فقلت: أبلغه أني آتيه، ثمّ تفكرتُ في نفسي فقلت: ما دعاني في هذا الوقت لخير، ولكن عسى أن يسألني عن فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فإن أخبرته قتلني! قال: فتطهرتُ ولَبستُ أكفاني وتحنَّطتُ ثم كتبت وصيتي، ثمّ صرت إليه فوجدت عنده عمرو بن عُبيد فحمدت الله تعالى على ذلك وقلت: وجدت عنده عون صدق من أهل البصرة.
فقال لي: أدن يا سليمان! فدنوت، فلمّا قرُبتُ منه أقبلتُ على عمرو بن عُبيد أُسائله وفاح مِني ريح الحُنوط، فقال: يا سليمان ما هذه الرائحة؟والله لتصْدُقني وإلاّ قتلتُك، فقلت: يا أمير المؤمنين أتاني رسولك في جَوف الليل فقلت في نفسي: ما بعث إليَّ أمير المؤمنين في هذه الساعة إلا ليسألني عن فضائل علي فإن أخبرته قتلني، فكتبتُ وصيّتي ولبستُ كفَني وتحنَّطَتُ. فاستوى جالساً وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم. ثم قال: أتدري يا سلمان ما اسمي؟ فقلت: يا
< صفحة > 320 < / صفحة >
أمير المؤمنين دعنا الساعة من هذا. فقال: ما اسمي؟ فقلت: عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. قال: صدقت فأخبرني بالله وقرابتي من رسول الله كم رويت من حديث علي بن أبي طالب وكم من فضيلة من جميع الفقهاء؟ قلت: شئ يسير يا أمير المؤمنين. قال: كم؟ قلت: مقدار عشرة آلاف حديث وما يزداد. قال: يا سلمان ألا أحدثك بحديث في فضائل علي يأكل كل حديث رويته عن جميع الفقهاء، فإن حلفت لا ترويها لأحد من الشيعة حدثتك بها! قال: لا أحلف ولا أحدث بها. قال: إسمع. كنت هارباً من بني مروان وكنت أدور البلدان أتقرب إلى الناس بحب علي وفضائله، وكانوا يشرفوني ويعظموني ويكرموني حتى وردت بلاد الشام وأهل الشام كلما أصبحوا لعنوا علياً رضي الله عنه في مساجدهم، فإنهم كلهم خوارج وأصحاب معاوية، فدخلت مسجداً وفي نفسي منهم ما فيها، فأقمت الصلاة وصليت الظهر وعليَّ كساء خلق، فلما سلم الإمام اتكى على الحائط وأهل المسجد حضور، وجلست فلم أر أحداً يتكلم توقراً منهم لإمامهم، فإذا أنا بصبيين قد دخلا المسجد، فلما نظر إليهما الإمام قام ثم قال: أدخلا فمرحباً بكما وبمن سميتما باسمهما، والله ما سميتهما باسميهما إلا لأجل حبي لمحمد وآل محمد، فإذا أحدهما الحسن والآخر الحسين! فقلت في نفسي:قد أجيبت حاجتي ولا قوة إلا بالله، وكان إلى جانبي شاب فسألته من هذا الشيخ ومن هذان الغلامان. فقال: الشيخ جدهما وليس في هذه المدينة أحد يحب علياً سواه، فلذلك سماهما الحسن والحسين، ففرحت فرحاً شديداً، فدنوت من الشيخ فقلت: هل لك في حديث أقر به عينك؟ فقال ما أحوجني إلى ذلك، وإن أقررت عيني أقررت عينك، فعند ذلك قلت: حدثني أبي عن جدي عن أبيه عن رسول الله. قال لي: ومن أبوك ومن جدك؟ فعلمت أنه يريد نسبتي فقلت: أنا محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وإنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وإذا بفاطمة وقد أقبلت تبكي، فقال لها النبي ما يبكيك لا أبكى الله عيناك. قالت: يا أبتا إن الحسن والحسين قد ذهبا منذ اليوم ولم أرد أين هما وإن علياً يمشي إلى الدالية منذ خمسة أيام يسقي البستان، وإني قد استوحشت لهما! قال: يا أبابكر إذهب فاطلبهما ويا عمر إذهب فاطلبهما ويا فلان ويا فلان. قال: ولم يزل يوجه حتى مضوا سبعين رجلاً يعثرون في طلبهم فرجعوا ولم يصيبوهما، فاغتم النبي ثم قام ووقف على باب المسجد فقال: اللهم بحق إبراهيم خليلك، وبحق آدم صفوتك إن كانا قرة عيني في بر أو بحر أو سهل أو جبل فاحفظهما وسلمهما على قلب فاطمة سيدة نساء العالمين! فإذا باب
< صفحة > 321 < / صفحة >
من السماء قد فتح وجبرئيل قد نزل من عند رب لم يزل وقال: السلام عليك يا رسول الله، الحق يقرؤك السلام ويقول لك لا تحزن ولا تغتم، الغلامان فاضلان في الدنيا والآخرة، وهما سيدا شباب أهل الجنة، وإنهما في حديقة بني النجار، وقد وكلت بهما ملكين رحيمين يحفظانهما إن قاما أو قعدا أو ناما أو استيقظا! قال: فعند ذلك فرح النبي فرحاً شديداً وقام ومضى وجبرئيل عن يمينه والمسلمون حوله، حتى دخل حظيرة بني النجار، فسلم عليه الملكان الموكلان بهما فرد عليهما السلام والحسن والحسين نيام معتنقان، وذلك الملك قد جعل جناحه تحتهما والجناح الآخر فوقهما، فجثى النبي على ركبتيه وانكب عليهما يقبلهما، حتى استيقظا فرأيا جدهما فحمل النبي الحسن وحمل جبرئيل الحسين، وخرج النبي من الحظيرة، قال: وكان يقول كلما قبلهما وهما على كتفيه وكتف جبرئيل: من أحبكما فقد أحبني ومن أبغضكما فقد أبغضني! فقال أبوبكر: أعطني أحمل أحدهما يا رسول الله، قال: نعم المحمول ونعم المطية ونعم الراكبان هما، وأبوهما وأمهما خير منهما ونعم من أحبهما. فلما خرجا ومضيا وتلقاهما عمر فقال: من أحبهما قال ولم يزل النبي سائراً حتى دخلت المسجد وقال: والله لأشرفن اليوم ولديَّ كما شرفهما الله تعالى ثم قال يا بلال ناد في الناس.. كما في روايةالخوارزمي، وفيه: وأن من كرامتهما على الله أن سماهما في التوراة شبراً وشبيراً، فهما سبطاي وريحانتاي في الدنيا والآخرة. قال المنصور: فلما سمع الشيخ ذلك مني كساني خلعته، فبعتها بمائة دينار. ثم ذكر المنصور أن هذا الشيخ دله على أخ له فحدثه المنصور بفضائل العترة عليهم السلام فأكرمه.
قال له: أخبرني أبي عن جدي عن أبيه قال: كنا مع رسول الله جلوساً بباب داره وإذا بفاطمة قد أقبلت وهي حاملة الحسن وهي تبكي بكاء شديداً فاستقبلها وقال: ما يبكيك لا أبكى الله لك عيناً! ثم تناول الحسن من يدها فقالت: يا أبت إن نساء قريش يعيرنني ويقلن قد زوجك أبوك بفقير لامال له! فقال لها النبي: يا فاطمة ما زوجتك أنا ولكن الله تعالى زوجك في السماء وشهد لك جبرئيل وميكائيل وإسرافيل!
إعلمي يا فاطمة أن الله تعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبياً، ثم اطلع اطلاعة ثانية فاختار بعلك فجعله وصياً، ثم زوجك به من فوق سبع سماواته، وأمرني أن أزوجك به وأتخذه وصياً ووزيراً.
< صفحة > 322 < / صفحة >
فعلي أشجعهم قلباً، وأعلم الناس علماً، وأحلم الناس حلماً، وأحكم الناس حكماً، وأقدم بالناس إيماناً، وأسمحهم كفاً، وأحسن الناس خلقاً، يا فاطمة إني أخذ لواء الحمد ومفاتيح الجنة بيدي وأدفعها إلى علي بن أبي طالب، فيكون آدم ومن دونه تحت لوائه!
يا فاطمة إني مقيم غداً علياً على حوضي يسقي من يرد عليه من أمتي.
يا فاطمة إبناك الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وكان قد سبق اسمهما في التوراة مع موسى بن عمران لكرامتها عند الله.
يا فاطمة يكسي أبوك حلة من حلل الجنة ولواء الحمد بين يدي وأمتي تحت لوائي، فأناوله علياً لكرامته على الله.
قال: وينادي مناد يا محمد نعم الجد جدك ونعم الأخ أخوك، فالجد إبراهيم والأخ علي بن أبي طالب. وإذا دعاني رب العالمين دعا علياً معي، وإذا أحياني أحيى علياً معي، وإذا شفعني ربي شفع علياً. وإنه في المقام عوني على مفاتيح الجنة، فقومي يا فاطمة إن علياً وشيعته هم الفائزون يوم القيامة! قال: فلما سمع الشاب هذا مني أمر لي بعشرة آلاف درهم.
ثم قال المنصور إن الشيخ حكى له على شخص كان مفرطاً في سب علي عليه السلام فحول الله وجهه إلى وجه خنزير وصار آية للناس!
ثم قال: يا سليمان سمعت في فضائل علي أعجب من هذين الحديثين؟
يا سليمان حُبُّ علي إيمان وبُغْضُه نِفاق، لايحبُّ علياً إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ كافر! فقلت: يا أمير المؤمنين الأمان؟ قال: لك الأمان، قلت: فما تقول يا أمير المؤمنين في مَنْ قتل هؤلاءِ؟ قال: في النّار لا أشكُّ، فقلت: فما تقول فيمن قَتَل أولادهم وأولاد أولادهم؟ قال: فَنكَّسَ رأسه ثم قال: يا سليمان المُلْكُ عَقيمٌ، ولكن حَدِّث عن فضائل علي بما شئت!
قال قلت: مَن قتل ولده في النار! فقال عمرو بن عبيد: صدقت يا سليمان، الويل ثم الويل لمن قتل ولده! فقال المنصور: يا عمرو إشهد عليه فإنه قال في النار، فقال قد أخبرني الشيخ الصدوق يعني الحسن بن أنس أن من قتل أولاد علي لا يشم رائحة الجنة. قال: فوجدت المنصور قد غمض وجهه فخرجنا. فقال الراوي: لولا مكان عمرو ما خرج سليمان إلا مقتولاً).
< صفحة > 323 < / صفحة >
ملاحظات من الحديث الشريف
- لما ضاع الحسين عليه السلام استنفر النبي صلى الله عليه وآله المسلمين ليبحثوا عنه، وأطلق تضرعه ودعاءه لربه عز وجل، فلما وجده وأخاه الحسن عليهما السلام وسمع مديحهما من الله تعالى، دعا للصلاة جامعة، وعرف أمته بمقامهما وإمامتهما! ثم واصل النبي صلى الله عليه وآله استنفاره لبيان مقام الحسين عليه السلام كل عمره.
ويقابل هذا استنفار يزيد للمسلمين ليقاتلوا الحسين عليه السلام ويقتلوه، وقد استنفروا معه وقتلوه!ولعل فيهم أبناء من استنفرهم النبي صلى الله عليه وآله للبحث عنه! - قوله صلى الله عليه وآله : ألا أدلكم على خير الناس خالاً وخالة؟فذكر خاله القاسم دون إبراهيم، لأنه كان أكبر سناً، وخالته زينب وهي ربيبته ويعاملها كبنته.
- قول فاطمة عليها السلام لأبيها: إن نساء قريش يعيرنني ويقلن قد زوجك أبوك بفقير لامال له! ليست شكاية لزواجها من علي عليه السلام وإنما نقلت قول نساء قريش ليرد عليهم النبي صلى الله عليه وآله ، فكان رده المطلوب لها. وقد نسج النواصب على هذا الحديث أن فاطمة عليها السلام لم تكن راضية بعلي عليه السلام وأنها كانت تشكو الى أبيها صلى الله عليه وآله والى الناس!
- عجباً للمنصور الدوانيقي الذي يسميه العباسيون ابن سلَّامة بالتشديد نسبة الى أمه البصرية الفارسية الرقاصة، يروي هذه المناقب لعلي عليه السلام ويتعيش بها، ثم يقول لمالك أكتب الموطأ لنفرضه على الناس ولا تروِ فيه شيئاً عن علي، ولما خرج عليه الحسنيون قال: لأرغمن أنفي وأنف بني علي، ولاعلين كعب تيم وعدي، وأمر بالترضي على أبي بكر وعمر في خطبة الجمعة، وما زال أمره الى اليوم!
- سليمان الأعمش عالم قوي الشخصية جريئ، وهو موثق عند السنة والشيعة، كان يسكن الكوفة وأصله من شمال إيران. وروايته عن المنصور أصح من رواية الخوارزمي وأدق.
من دعاء النبي صلى الله عليه وآله للحسن والحسين عليهما السلام
قال ابن قدامة في المغني(6/553): (وقد قال النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة وولديها وزوجها: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).
< صفحة > 324 < / صفحة >
وفي أسباب النزول للواحدي/239: ( فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج يديه فألوى بهما إلى السماء ثم قال:اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً).
وقد صححوا أن الآية نزلت في بيت أم سلمة فأرادت أن تدخل معهم في دائرة الكساء فقال لها: لا، ولكنك إلى خير، وجذب من يدها طرف الكساء!
قال أحمد (6/323): (ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم إن هؤلاء آل محمد، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد، إنك حميد مجيد. قالت أم سلمة فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال إنك على خير).
وفي أمالي الصدوق/574، عن ابن عباس:(اللهم إنك تعلم أن هؤلاء أهل بيتي، وأكرم الناس عليَّ، فأحبب من أحبهم، وأبغض من أبغضهم، ووال من والاهم، وعاد من عاداهم، وأعن من أعانهم، واجعلهم مطهرين من كل رجس، معصومين من كل ذنب، وأيدهم بروح القدس).
وفي أمالي المفيد/78، عن جابر الأنصاري قال:(خرج علينا رسول الله آخذاً بيد الحسن والحسين فقال: إن ابني هذين ربيتهما صغيرين ودعوت لهما كبيرين، وسألت الله تعالى لهما ثلاثاً، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. سألت الله لهما أن يجعلهما طاهرين مطهرين زكيين فأجابني إلى ذلك، وسألت الله أن يقيهما وذريتهما وشيعتهما النار فأعطاني ذلك، وسألت الله أن يجمع الأمة على محبتهما فقال: يا محمد إني قضيت قضاءً وقدَّرْت قدراً، وإن طائفة من أمتك ستفي لك بذمتك ، وطائفة سيخفرون ذمتك في ولدك كاليهود والنصارى والمجوس! وإني أوجبت على نفسي لمن فعل ذلك ألا أحله محل كرامتي، ولا أسكنه جنتي، ولا أنظر إليه بعين رحمتي).
- *
< صفحة > 325 < / صفحة >
الفصل التاسع والعشرون : الذين لعنهم النبي صلى الله عليه وآله
الفصل التاسع والعشرون
اللعن في اللغة والقرآن
اللعن والبراءة عقيدة في كل الأديان
ثبت في جميع الأديان أن الله تعالى لعن أشراراً، أي حكم بطردهم من رحمته، وأمر المؤمنين به أن يلعنوا من لعنه الله: أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ.
قال النبي صلى الله عليه وآله : (ستة لعنتهم لعنهم الله وكل نبي مجاب: المكذب بقدر الله، والزائد في كتاب الله، والمتسلط بالجبروت يذل من أعز الله،ويعز من أذل الله، والمستحل لحرم الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك لسنتي ». رواه الجميع كالحاكم ( 1/36 و:4/90) وصححه على شرط بخاري.
وفسر المناوي في فيض القدير (4/121 و127) من استحل ظلم العترة بقوله: «يعني من فعل بأقاربي ما لا يجوز فعله، من إيذائهم أو ترك تعظيمهم، فإن اعتقد حله فكافر، وإلا فمذنب ».
وروته مصادرنا، كالكافي (2/293) عن الإمام الباقر عليه السلام :«قال رسول الله صلى الله عليه وآله : خمسة لعنتهم وكل نبي مجاب:الزائد في كتاب الله، والتارك لسنتي، والمكذب بقدر الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والمستأثر بالفئ المستحل له ».
فلعن المسلم لمن لعنه الله تعالى عقيدة وعبادة، ومع ذلك تنطع أحمد بن حنبل وأفرط، فتصور أن اللعن منقصةٌ ينبغي للتقي أن يتنزه عنها!
فقد روى أبويعلى عن صالح ابن أحمد قال: (قلت لأبي: إن قوماً ينسبوننا إلى تولي يزيد! فقال: يا بني وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله.قلت:وهل يجوز لعنه؟ولم لايُلعن من لعنه الله تعالى
< صفحة > 326 < / صفحة >
في كتابه! فقلت: في أي آية؟ قال: في قوله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ.فهل يكون فساد أعظم من القتل)! يقصد قتله الحسين عليه السلام لأنه من أرحامه.
وقال ابن تيمية في كتابه رأس الحسين/205:(قيل للإمام أحمد: أتكتب الحديث عن يزيد؟فقال: لا ولا كرامة، أوَ ليس هو الذي فعل بأهل الحرة ما فعل! وقيل له: إن قوماً يقولون إنا نحب يزيد! فقال:وهل يحب يزيد أحدٌ يؤمن بالله واليوم الآخر؟فقيل:فلماذا لا تلعنه؟فقال:ومتى رأيت أباك يلعن أحداً)! أي أترفع وأنزه نفسي عن اللعن! وبذلك زايد ابن حنبل على ربه!!
أهم الملعونين في القرآن
في القرآن سبع وثلاثون آية ذكر فيها اللعن. ومن الملعونين:
1 ـ الشيطان الرجيم: وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
2 ـ الكافرون: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً. وغيرها.
3 ـ الكاذبون: ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ.
4 ـ المنافقون: وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ
5 ـ الذين في قلوبِهم مرض: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ.
6 ـ المشركون: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً.
7 ـ أصحاب السبت من بني إسرائيل: أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ.
8 ـ المغضوب عليهم من بني إسرائيل: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ.
9 ـ الذين يكتمون البينات والهُدى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ.
10 ـ الناقضون لعهد الله، والقاطعون لما أمر الله به أن يوصل، والمفسدون في الأرض: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ
< صفحة > 327 < / صفحة >
سُوءُ الدَّارِ , وقال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ.
11 ـ الظالمون من أهل النار: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.
12 ـ الجاحدون بآيات الله: وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ.وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ.
13 ـ المطيعون للطاغوت: وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ.
14 ـ الأئمة المضلون: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ. وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ.
15 ـ القائلون بأن يد الله مغلولة: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ.
16 ـ العاصون المعتدون: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ.
17 ـ المؤمنون بالجبت والطاغوت: يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ.
18 ـ المفترون على الله كذباً:هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.
19 ـ قاتل المؤمن متعمِّداً: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً.
20 ـ المتَّهِمون للعفيفات بالفاحشة: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
21 ـ من يرمون أزواجهم بالفاحشة: وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ.
22 ـ المؤذون لله ورسولله صلى الله عليه وآله :إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
أقول: هؤلاء الملعونون في القرآن ملعونون على لسان النبي صلى الله عليه وآله ، فهو يلعن من لعنه الله تعالى. وسيأتي قسمان آخران ملعونون على لسان النبي صلى الله عليه وآله هما الملعونون بعناوين من أفعالهم، والملعونون بأسمائهم وصفاتهم.
< صفحة > 328 < / صفحة >
لم تفهم قريش معنى اللعن في الإسلام!
المفهوم الإسلامي للعن أنه حكم إلهي بطرد شخص شرِّير من رحمة الله تعالى، وهو كأي حكم لايكون إلا بوحي الله تعالى، ولا يثبت إلا بتبليغ من النبي صلى الله عليه وآله ، فيكون معنى قوله صلى الله عليه وآله : لعن الله فلاناً، أن الله أخبرني أنه صدر فيه حكم الطرد من رحمته، وها أنا أخبركم. أما إنشاء اللعن بقولك: لعن الله فلاناً، فمعناه أني ألعن من لعنه الله تعالى، فإن كان الشخص ملعوناً من الله تعالى فلعنك في محله، وإلا فهو مجرد ادعاء منك، ليس له أي أثر!
لكن قريشاً أخذوا مفهومهم للعن من ثقافتهم الوثنية وثقافة اليهود! فاللعن عندهم إنشاءٌ، وله تأثير وضعي (أتوماتيكي) من أي شخص صدر!
وقد أصر القرشيون على ذلك وادعوا أن لعن النبي صلى الله عليه وآله لزعماء قريش المشركين كان عملاً من عند نفسه، وأن الله تعالى وبَّخَه على ذلك وأنزل عليه آية: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْئ! فندم النبي صلى الله عليه وآله على ظلمه لقريش ودعا الله أن يجعل لعنته لهم: ( صلاةً وقربةً، وزكاةً وأجراً، وزكاةً ورحمةً، وكفارةً له يوم القيامة، وقربةً تقربه بها يوم القيامة، ومغفرةً وعافيةً، وكذا وكذا.. وبركةً ورحمةً ومغفرةً وصلاةً.. على حدِّ تعابيرهم)!
ونسبوا ذلك الى النبي صلى الله عليه وآله بعشرات الروايات في صحاحهم(البخاري:7/157) فصار الملعونون بهذه الأدعية أربح وأفضل من غيرهم!
لكن مع هذا بقيت حساسيتهم من اللعن! فلو أن شخصاً لعن بعيراً لنفروا منه لأنه حلت فيه اللعنة وصار مشؤوماً ولم يرافقوه رغم حاجتهم إليه!
وقد فعل ذلك عمر، فروى مسلم (8/23) وابن أبي شيبة(6/163)بسند صحيح: (بينما عمر يسير في أصحابه وفي القوم رجل يسير على بعير له من القوم يضعه حيث يشاء فلا أدري بما التوى عليه فلعنه فقال عمر: من هذا اللاعن؟ قالوا: فلان، قال: تخلف عنا أنت وبعيرك، لا تصحبنا راحلة ملعونة)!
وعلى هذا بنى أتباع قريش فقههم! قال ابن رجب الحنبلي في شرح حديث لبيك/47: (كان بعض السلف لا يدخل بيته بشئ ملعون، ولا يأكل من بيض دجاجة يلعنها، ولا يشرب من
< صفحة > 329 < / صفحة >
لبن شاة لعنها! قال بعضهم: ما أكلت شيئاً ملعوناً قط. وذكر ابن حامد من أصحابنا عن أحمد قال: من لعن عبده فعليه أن يعتقه، أو شيئاً من ماله أن عليه أن يتصدق به! قال: ويجئ في لعن زوجته أنه يلزمه أن يطلقها).
وروى ابن سعد(7/223): أن أبا الجوزاء لم يلعن شيئاً قط ولم يأكل شيئاً لُعن قط قال: حتى إن كان ليرشو الخادم في الشهر الدرهم والدرهمين حتى لاتلعن الطعام إذا أصابها حر التنور)!
وهكذا اتهموا الله تعالى بأنه عابثٌ غير عادل، لأنه جعل مصير الناس لعبة على ألسنة كل لاعن! فما أسهل أن يلعن شخص طعامهم وشرابهم فيحرمهم منه، أو يلعن فتسكن فيها اللعنة! لقد خلطوا الإنشاء الإمضائي للعن فجعلوه لعنة كالإنشاء الإبتدائي!
ولهم هدف سياسي من ذلك أن يكون اللعن إنشاء من اللاعن لا من الله، ليخلصوا زعماء قريش من لعن الله على لسان النبي صلى الله عليه وآله !
وقد بحثنا ذلك في كتاب ألف سؤال وإشكال على المخالفين: 2/ مسألة 145
المفهوم الإسلامي للعن
المفهوم الصحيح للَّعن أنه قرار إلهي وحكم على صاحبه بالنار، وبأنه لايؤمل منه الخير فهو مطرود من رحمة الله. فهو حق محصور بالله تعالى ولا يكون إلا باستحقاق، ولا يمكن لإنسان أن يلعن، وإن فعل فهو لغو! إلا أن يعطي الله حق اللعن لرسوله وآله صلي الله عليه و آله.
وإنشاء اللعن منا تصديقٌ للنبي صلى الله عليه وآله والبراءة ممن لعنه الله تعالى ورسوله. وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وآله : ( إن اللعنة إذا خرجت من في صاحبها ترددت بينهما فإن وجدت مساغاً وإلا رجعت على صاحبها). (الكافي: 2 / 360، وتفسير الطبري: 13/ 278، ومجمع الزائد: 8 /74، ووثقه).
وقال أهل البيت عليهم السلام إن الله لايلعن المؤمن، قال الباقر عليهم السلام (ولايلعن الله مؤمناً قال الله عز وجل: إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً). (الكافي:2/27).
< صفحة > 330 < / صفحة >
مكذوباتهم في أن الله نهى نبيه صلى الله عليه وآله عن لعن قريش!
زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله كان يدعو على قريش ويلعنهم في قنوته، فجاءه جبرئيل غاضباً ووبخه! قال البيهقي (2/210): ( بينا رسول الله صلى الله عليه وآله يدعو على مضر(قريش) إذ جاءه جبرئيل فأومأ اليه أن اسكت فسكت، فقال: يا محمد إن الله لم يبعثك سَبَّاباً ولا لعاناً! وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذاباً: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ، وعلَّمه دعاء عاماً يقوله في قنوته ليس فيه ما يمس قريش! وهو سورتا الخلع والحفد، اللتين كان يحبهما عمر، ويقرؤهما في صلاته لتكونا بدل المعوذتين!
وحقق القرشيون هدفهم فجعلوا اللعن غضباً وخطأ من النبي صلى الله عليه وآله !
( قال ابن خيثم: دخلت على أبي الطفيل عامر بن واثلة فوجدته طيب النفس فقلت يا أباالطفيل أخبرني عن النفر الذين لعنهم رسول الله صلى الله عليه وآله قال قال: اللهم إنما أنا بشر فأيما عبد من المؤمنين دعوت عليه بدعوة فاجعلها له زكاة ورحمة). (مجمع الزوائد (8 /267).
أقول: هذا عن غضب النبي صلى الله عليه وآله وإيذائه للمؤمنين ولعنهم وضربهم!
أما عن غضب عمر، فقالوا إن الله أجرى الحق على لسانه وقلبه في الرضا والغضب! وإن الملائكة تحدثه والملك ينطق على لسانه. وإن جبرئيل جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال له: أقرئ عمر السلام، وأعلمه أن رضاه حكم، وغضبه عز! فزعموا أنه معصومٌ حتى في الغضب، والنبي صلى الله عليه وآله يخطئ في الرضا والغضب.
قال المناوي في فيض القدير(2/278): (وفيه معنى ظهور الحق واستعلائه على لسانه، فكان الحق معتمله، حتى يقوم بأمر الله، ومن ثم جاء في خبر: إن غضبه عزٌّ ورضاه حكم، وذلك لأن من غلب على قلبه سلطان الحق فغضبه للحق عز للدين، ورضاه عدل لأن الحق هو عدل الله، فرضاه بالحق عدل منه على أهل ملته. ومعنى رضاه حكم: أنه إذا رضي رضي الحق).
وفي تاريخ دمشق (44/71): ( أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: أقرئ عمر السلام وأعلمه أن غضبه عز ورضاه عدل).( رواه ابن حبان في طبقات المحدثين بأصبهان:2 / 34، وابن أبي شيبة: 7 / 486 و 487، والطبراني في الأوسط: 6/242، والكبير: 12/ 48، ومجمع الزوائد: 9 / 69، وكنز العمال: 10 / 365، عن مصادر متعددة، وفي: 12
< صفحة > 331 < / صفحة >
/ 596 و 603 وج: 11 / 578 و 579، بروايات وفيها: إن الله عز وجل عند لسان عمر وقلبه.. إن الله جعل الحق على قلب عمر ولسانه لو لم أبعث فيكم لبعث عمر، أيد الله عز وجل عمر بملكين يوفقانه ويسددانه، فإذا أخطأ صرفاه حتى يكون صواباً)!
فقد اتخذوا عمر نداً للنبي صلى الله عليه وآله بل جعلوه معصوماً دائماً لا يخطئ، والنبي صلى الله عليه وآله يخطئ!
- *
< صفحة > 332 < / صفحة >
الفصل الثلاثون : الملعونون على لسان النبي صلى الله عليه وآله في السنة
الفصل الثلاثون
الملعونون على لسان النبي صلى الله عليه وآله في السنة
كثرة الملعونين على لسان النبي صلى الله عليه وآله
قال الله تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ.كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ.
إذا تتبعنا الذين لعنهم النبي صلى الله عليه وآله بعنوان عام أو خاص لوجدنا أن أكثر معاصريه صلى الله عليه وآله ملعونون على لسانه، لا فرق في ذلك بين الصحابة وغيرهم!
وهذا ينسجم مع رواية البخاري (7/208) أن النبي صلى الله عليه وآله قال:( بينا أنا قائمٌ فإذا زمرةٌ حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلمَّ، فقلت أين؟ قال إلى النار والله! قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى! ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلمَّ! قلت: أين؟ قال: إلى النار والله! قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى! فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم)!
وقد صرحت رواية للبخاري(2/975) بأن المطرودين أي الملعونين صحابة قال: يرد على الحوض رجالٌ من أصحابي فيحلؤون عنه فأقول يا رب أصحابي!
ولو أردنا استقصاء العناوين والأشخاص الذين لعنهم النبي صلى الله عليه وآله لاحتاج الأمر الى أكثر من مئة صفحة، لكنا نقتصر على نماذج منهم لعنهم الله.
< صفحة > 333 < / صفحة >
الذين جاؤوا لقتله ليلة الهجرة
قال الله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ.
قال أميرالمؤمنين عليه السلام في تفسير هذه الآية (الخصال/366): (وأما الثانية يا أخا اليهود فإن قريشاً لم تزل تَخَيَّل الآراء وتَعمل الحيل في قتل النبي صلى الله عليه وآله حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار، وإبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف (المغيرة بن شعبة)، فلم تزل تضرب أمرها ظهراً لبطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل، ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه ثم يأتي النبي صلى الله عليه وآله وهو نائم على فراشه فيضربونه جميعاً بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، وإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمها، فيمضي دمه هدراً!
فهبط جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله فأنبأه بذلك وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها والساعة التي يأتون فراشه فيها، وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار، فأخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله بالخبر، وأمرني أن أضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعاً له مسروراً لنفسي بأن أقتل دونه، فمضى لوجهه واضطجعت في مضجعه، وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي صلى الله عليه وآله فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي، فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله والناس).
أقول: روي أنهم ضربوا علياً عليه السلام وحبسوه ساعة وتركوه. والصحيح أنه قاومهم ولم يقدروا على الإمساك به، وتضاربوا وتقاولوا. ففي أمالي الطوسي/467: (حتى إذا برق الفجر وأشفقوا أن يفضحهم الصبح، هجموا على علي عليه السلام فلما بصر بهم قد انتضوا السيوف وأقبلوا عليه بها، وكان يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة، وثب له علي فختله وهمز يده فجعل خالد يقمص قماص البكر«يرفس كالفصيل» ويرغو رغاء الجمل، ويذعر ويصيح وهم في عرج الدار«منعطفها»من خلفه، وشد عليهم علي بسيفه فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار، فتبصروه فإذا هو علي فقالوا: إنك لعلي؟ قال:أنا علي. قالوا: فإنا لم نردك فما فعل صاحبك؟ قال: لا علم لي به).
< صفحة > 334 < / صفحة >
وفي إمتاع الأسماع للمقريزي(9/196): (وذكر الواقدي: أن الذين كانوا ينتظرونه: أبوجهل، والحكم بن أبي العاص، وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، وأمية بن خلف، وابن القيطلة، وزمعة بن الأسود، والمطعم بن عدي، وأبولهب، وأبي بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج).
وفي شرح النهج (13/304): (الذين محصوا هذا الرأي واتفقوا عليه: النضر بن الحارث من بني عبد الدار، وأبوالبختري بن هشام، وحكيم بن حزام، وزمعة بن الأسود، هؤلاء الثلاثة من بني أسد بن عبد العزى، وأبوجهل بن هشام، وأخوه الحارث، وخالد بن الوليد بن المغيرة، هؤلاء الثلاثة من بني مخزوم، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وعمرو بن العاص، هؤلاء الثلاثة من بنى سهم، وأمية بن خلف وأخوه أبي بن خلف، هذان من بني جمح).
وفي الإمتاع(1/41) والطبقات (1/200) والطبري(2/98):(كان أشد قريش عداوة لرسول الله صلى الله عليه وآله جيرانه وهم:أبوجهل بن هشام بن المغيرة، وعمه أبولهب عبد العزى بن عبد المطلب، والأسود بن عبد يغوث بن وهب وهو ابن خال رسول الله صلى الله عليه وآله ، والحارث بن قيس السهمي، والوليد بن المغيرة بن مخزوم، وأمية وأبي ابنا خلف بن وهب بن كعب بن لؤي، وأبوقيس بن الفاكه بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي والد عمرو بن العاص، والنضر بن الحارث بن عبد مناف بن عبد الدار، ومنبه ونبيه أبناء الحجاج، وزهير بن أبي أمية، وحذيفة بن المغيرة وهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وآله ، والعاص بن سعيد العاص بن أمية، وعدي بن الحمراء الخزاعي، وأبوالبختري العاص بن أسد بن عبد العزى، وعقبة بن أبي معيط، وأبان بن أبي عمرو بن أمية، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وابن الأصداء الهذلي، والحكم بن أبي العاص بن أمية، وعتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، وشيبة بن ربيعة بن عبد شمس، وطعيمة بن عدي أخو مطعم بن عدي، والحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، والحارث بن مالك وهو ابن الطلاطلة، وركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي. وكان الذين تنتهي إليهم عداوة رسول الله صلى الله عليه وآله : أبوجهل، وأبولهب، وعقبة بن أبي معيط).
وفي البدء والتاريخ (4/169): (فقال أبوجهل: أرى أن نجمع من كل قبيلة منا فتى شبيباً نشيطاً، ثم نعطي كل واحد منهم سيفاً صقيلاً، فيعمدون إليه ويضربونه ضربة رجل واحد ويفرقون
< صفحة > 335 < / صفحة >
دمه في القبائل فلا يقدر بنو عبد مناف على الإقادة بجميع الناس. فتفرقوا على هذا وجمعوا من فتيان قريش أربعين شاباً وأعطوهم السيوف وأمروهم أن يغتالوا النبي صلى الله عليه وآله ويقتلوه).
أقول: أطمئن بأن هؤلاء الأربعين كانوا الفئة المهاجمة ليلة الهجرة، مع كبار الملأ من قريش، فيكون الذين حاصروا البيت عشرات، والذين هاجموا ودخلوا الدار بعض الشباب فيهم خالد بن الوليد، ففاجأهم علي عليه السلام بسيفه وأمسك بخالد الذي تقدمهم ولوى يده، فصاح كما يصيح الفصيل.
أصحاب مؤامرة العقبة في الرجوع من تبوك
في الخصال/499: بسنده عن حذيفة بن اليمان، قال:(الذين نفروا برسول الله ناقته في منصرفه من تبوك أربعة عشر: أبوالشرور، وأبوالدواهي، وأبوالمعازف، وأبوه، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وأبوعبيدة، وأبوالأعور، والمغيرة، وسالم مولى أبي حذيفة، وخالد بن وليد، وعمرو بن العاص، وأبوموسى الأشعري، و عبد الرحمن بن عوف، وهم الذين أنزل الله عز وجل فيهم: وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ». وورد أنه لعنهم مواجهة.
أصحاب عقبة هرشى
وقد جاءت تسميتهم في حديث حذيفة في الصحيفة الملعونة الثانية وعدد هم أربعة عشر رجلاً، تسعة من قريش وخمسة من ساير الناس.
قال حذيفة:( هم والله: أبوبكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبوعبيدة بن الجراح، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، هؤلاء من قريش، وأما الخمسة الأخر فأبوموسى الأشعري، والمغيرة بن شعبة الثقفي، وأوس بن الحدثان البصري، وأبوهريرة، وأبوطلحة الأنصاري. وقد جددوا كتابة صحيفتهم في المدينة وأضافوا لها عشرين شاهداً هم: سعيد بن العاص الأموي، وأسامة بن زيد، والوليد بن أبي ربيعة، وسعيد بن زيد بن نفيل، وأبوسفيان بن حرب، وسفيان بن أمية، وأبوحذيفة بن عتبة، ومعاذ بن جبل، وبشير بن أبي سعيد الأنصاري، وسهل بن عمر، وحكيم بن حزام الأسدي، وصهيب بن سنان الرومي، والعباس بن مرداس السلمي، وأبومطيع بن أسد العبدي، وقعد ابن عمر، وسالم مولى أبي حذيفة، وسعيد بن مالك، وخالد بن عرفطة، ومروان بن الحكم، والأشعث بن قيس.
< صفحة > 336 < / صفحة >
قال حذيفة: حدثتني أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر أن القوم اجتمعوا في دار أبي بكر فتوامروا في ذلك وأسماء تسمع جميع كلامهم، فأمروا سعيد بن العاص أن يكتب على اتفاق منهم).
الشجرة الملعونة في القرآن بنو أمية
من الثوابت في مذهبنا أن الله لعن بني أمية، ففي مصباح المتهجد/774: (إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم إلى يوم القيامة، ولعن الله آل زياد وآل مروان، ولعن الله بني أمية قاطبة، ولعن الله ابن مرجانة، ولعن الله عمر بن سعد، ولعن الله شمراً، ولعن الله أمة أسرجت وألجمت وتنقبت لقتالك).
وفي موسوعة ابن عباس(4/196):(قوله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْيَانًا كَبِيرًا.
فقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن يعلى بن مرة والسيوطي في الدر المنثور: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: رأيت بني أمية على منابر الأرض ويملكونكم فتجدونهم أرباب سوء. واهتم رسول الله صلى الله عليه وآله لذلك، فأنزل الله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا..الآية.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة أنها قالت لمروان بن الحكم:سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لأبيك وجدك: إنكم الشجرة الملعونة في القرآن).
وفي المناقب والمثالب للقاضي النعمان/233:(روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله أشرف يوم أحد على عسكر المشركين فقال: اللهم العن القادة والأتباع، فأما الأتباع فإن الله يتوب على من يشاء منهم، وأما القادة والرؤوس فليس منهم نجيب ولا ناج. ومن القادة يومئذ أبوسفيان ومعاوية).
وهذا يدل على أنه يجب على الأمة أن تحذر من الشجرة الملعونة وأن تتحصن منهم بلعنهم قاطبة، ولا تفتح باب الإستثناء، فالطيب يستثنيه الله تعالى!
< صفحة > 337 < / صفحة >
المتخلفون عن جيش أسامة
في منهاج الكرامة/100: «وقال رسول الله « صلى الله عليه وآله » في مرض موته مرة بعد أخرى مكرراً لذلك: أنفذوا جيش أسامة! لعن الله المتخلف عن جيش أسامة! وكان الثلاثة معه ».
وفي تقريب المعارف/314: «لا فرق بين خلافه صلى الله عليه وآله فيما أمر به من المسير مع أسامة، وبين خلافه فيما أمر به من الصلاة والزكاة والإمامة، وذلك فسق لا شبهة فيه، ودعوى خروج أبي بكر من البعث لايفي شيئاً لثبوت الرواية به».
فقد أراد النبي صلى الله عليه وآله أن تفرغ المدينة من دعاة الفتنة وأرسلهم جميعاً في جيش أسامة إلى فلسطين، وفيهم سبع مئة رجل من قريش! وأمره بالتحرك ولعن من تخلف عن جيش أسامة! فافتعلوا المشاكل والأعذار حتى سوفوا الوقت وأفشلوا برنامج النبي صلى الله عليه وآله ، وتسللوا من معسكره عائدين إلى المدينة!
قال أمير المؤمنين عليه السلام يصف رجوعهم ليلاً: «وأما الثانية يا أخا اليهود، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أمَّرني في حياته على جميع أمته، وأخذ على من حضره منهم البيعة بالسمع والطاعة لأمري، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب في ذلك، فكنت المؤدي إليهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أمره إذا حضرته، والأمير على من حضرني منهم إذا فارقته، لاتختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شئ من الأمور، في حياة النبي صلى الله عليه وآله ولا بعد وفاته. ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة بن زيد، عند الذي أحدث الله به من المرض الذي توفاه فيه، فلم يدع النبي أحداً من أفناء العرب ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس، ممن يخاف عليَّ نقضه ومنازعته، ولا أحداً ممن يراني بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه، إلا وجهه في ذلك الجيش، ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين وغيرهم، والمؤلفة قلوبهم والمنافقين، لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته، ولئلا يقول قائل شيئاً مما أكرهه، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيته من بعده. ثم كان آخر ما تكلم به في شئ من أمر أمته أن يمضي جيش أسامة ولا يتخلف عنه أحد ممن أنهض معه، وتقدم في ذلك أشد التقدم، وأوعز فيه أبلغ الإيعاز، وأكد فيه أكثر التأكيد! فلم أشعر بعد أن قبض النبي صلى الله عليه وآله إلا برجال من بعث أسامة بن زيد وأهل عسكره، قد تركوا مراكزهم وأخلوا مواضعهم، وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فيما أنهضهم له
< صفحة > 338 < / صفحة >
وأمرهم به، وتقدم إليهم من ملازمة أميرهم والسير معه تحت لوائه، حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه، فخلفوا أميرهم مقيماً في عسكره، وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضاً إلى حل عقدة عقدها الله عز وجل لي ولرسوله صلى الله عليه وآله في أعناقهم فحلوها، وعهد عاهدوا الله ورسوله فنكثوه، وعقدوا لأنفسهم عقداً ضجت به أصواتهم، واختصت به آراؤهم، من غير مناظرة لأحد منا بني عبد المطلب، أو مشاركة في رأي، أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي!
فعلوا ذلك وأنا برسول الله صلى الله عليه وآله مشغول، وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود، فإنه كان أهمها وأحق ما بدئ به منها! فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي، مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية وفاجع المصيبة، وفقد من لاخلف منه إلا الله تبارك وتعالى، فصبرت عليها إذ أتت بعد أختها على تقاربها وسرعة اتصالها ». (الخصال/371).
وقال الشهرستاني في الملل والنحل(1/21): (في بيان أول شبهة وقعت في الملة الإسلامية..فأول تنازع: وقع في مرضه عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أبوعبد الله محمد بن إسماعيل البخاري بإسناده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وآله مرضه الذي مات فيه قال: إئتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي. فقال عمر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله! وكثر اللغط فقال النبي صلى الله عليه وآله : قوموا عني لا ينبغي عندي التازع. قال ابن عباس: الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله .
الخلاف الثاني: في مرضه أنه قال جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عنه! فقال قوم يجب علينا امتثال أمره وأسامة قد برز من المدينة. وقال قوم: قد اشتد مرض النبي عليه الصلاة والسلام فلا تسع قلوبنا مفارقته والحالة هذه فنصبر حتى نبصر أي شئ يكون من أمره).
أبوسفيان، وابناه يزيد ومعاوية
روى في الخصال/397، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال:« إن رسول لله صلى الله عليه وآله لعن أباسفيان في سبعة مواطن في كلهن لايستطيع إلا أن يلعنه، أولهن: يوم لعنه الله ورسوله وهو خارج من مكة إلى المدينة مهاجراً وأبوسفيان جائي من الشام، فوقع فيه أبوسفيان يسبه ويوعده وهمَّ أن يبطش به فصرفه الله عن رسوله. والثانية: يوم العير إذا طردها ليحرزها عن رسول الله صلى الله عليه وآله
< صفحة > 339 < / صفحة >
فلعنه الله و رسوله. والثالثة: يوم أحد قال أبوسفيان: أعل هبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : الله أعلى وأجل، فقال أبوسفيان: لنا عزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : الله مولانا ولا مولى لكم. والرابعة: يوم الخندق يوم جاء أبوسفيان في جميع قريش فرد هم الله بغيظهم لم ينالوا خيراً، وأنزل الله عز وجل في القرآن آيتين في سورة الأحزاب، فسمى أباسفيان وأصحابه كفاراً، ومعاوية مشرك عدو لله ولرسوله. والخامسة: يوم الحديبية والهدي معكوفاً أن يبلغ محله، وصد مشركوا قريش رسول الله صلى الله عليه وآله عن المسجد الحرام وصدوا بُدْنَهُ أن تبلغ المنحر، فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله لم يطف بالكعبة ولم يقض نسكه، فلعنه الله ورسوله. والسادسة: يوم الأحزاب يوم جاء أبوسفيان بجمع قريش وعامر بن الطفيل بجمع هوازن وعيينة بن حصن بغطفان، وواعد لهم قريظة والنضير أن يأتوهم فلعن رسول الله صلى الله عليه وآله القادة والأتباع وقال: أما الأتباع فلا تصيب اللعنة مؤمناً، وأما القادة فليس فيهم مؤمن ولا نجيب ولا ناج. والسابعة: يوم حملوا على رسول الله صلى الله عليه وآله في العقبة وهم اثنا عشر رجلاً من بني أمية وخمسة من سائر الناس، فلعن رسول الله صلى الله عليه وآله من على العقبة غير النبي صلى الله عليه وآله وناقته وسائقه وقائده).
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: جاء هذا الخبر هكذا. والصحيح أن أصحاب العقبة كانوا أربعة عشر» والاحتجاج:1/408، وشرح الأخبار:2/165.
أقول: ورد أن النبي صلى الله عليه وآله عَذَر ثلاثة منهم لأنهم لم يسمعوا منادي النبي صلى الله عليه وآله ونهيه أن يسلكوا العقبة، ولم يعرفوا مقصود أصحاب المؤامرة، فيكون العدد سبعة عشر، وبدون الثلاثة أربعة عشر، وهو الصحيح. و روي تسعة عشر.
أبوالعاص وابنه الحكم وأولاده
في فتح الباري(12/215): (أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله دخلوا عليه وهو يلعن الحكم بن أبي العاص، وهو يقول اطلع علي وأنا مع زوجتي).
وقد نص النبي صلى الله عليه وآله على أن لعنته تشمل من كان في صلب الحكم، فقد قالت عائشة لمروان بن الحكم: (ولكن رسول الله لعن أبامروان ومروان في صلبه، فمروان فَضَضٌ(قطعة) من لعنة الله عز وجل).( الحاكم: 4/481، وصححه بشرط الشيخين، والنسائي: 6 / 459، وفتح الباري: 8 / 443، وعمدة القاري: 19 / 169).
< صفحة > 340 < / صفحة >
وقال البخاري (6/42): ( كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً فقال: خذوه! فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه: وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي..فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن إلا أن الله أنزل عذري).
وقال ابن حجر في فتح الباري(8/442): ( قال بعض الشراح: وقد اختصره فأفسده! والذي في رواية الإسماعيلي: فقال عبد الرحمن: سنَّةُ هرقلَ وقيصر! فقال خذوه! فدخل بيت عائشة فلم يقدروا: أي امتنعوا من الدخول خلفه إعظاماً لعائشة. وفي رواية أبي يعلي: فنزل مروان عن المنبر حتى أتى باب عائشة، فجعل يكلمها وتكلمه ثم انصرف)!
وقد اختصر ابن حجر وغيره الرواية أيضاً وأفسدوها البخاري! فهي حدث صارخ يكشف موقف أولاد أبي بكر من معاوية، وموقفه منهم! وروت كلام عائشة هذا، عامة مصادرهم!
العاص وابنه عمرو
في شرح النهج (2/290)من مناظرة الإمام الحسن عليه السلام لعمرو: (وأما أنت يا ابن العاص فإن أمرك مشترك! وضعتك أمك مجهولاً من عهر وسفاح، وتنازع فيك أربعة من قريش فغلب عليك جزارها ألأمهم حسباً وأخبثهم منصباً. ثم قام أبوك فقال أنا شانئ محمد الأبتر فأنزل الله فيه ما أنزل، وقاتلت رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع المشاهد وهجوته وآذيته بمكة، وكدته كيدك كله، وكنت من أشد الناس له تكذيباً وعداوة. ثم خرجت تريد النجاشي مع أصحاب السفينة لتأتي بجعفر وأصحابه إلى أهل مكة، فلما أخطأك ما رجوت ورجعك الله خائباً وأكذبك واشياً، جعلت حدك على صاحبك عمارة بن الوليد فوشيت به إلى النجاشي حسداً لما ارتكب مع حليلتك ففضحك الله وفضح صاحبك،فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والإسلام.
ثم إنك تعلم وكل هؤلاء الرهط يعلمون أنك هجوت رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين بيتاً من الشعر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : اللهم إني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي، اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة، فعليك إذاً من الله ما لا يحصى من اللعن!
< صفحة > 341 < / صفحة >
وأما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعَّرت عليه الدنيا ناراً ثم حللت بفلسطين، فلما أتاك قتله قلت أنا أبوعبد الله إذا نكأت قرحة أدميتها! ثم حبست نفسك إلى معاوية وبعت دينك بدنياه فلسنا نلومك على بغض، ولا نعاتبك على ود، وبالله ما نصرت عثمان حياً، ولا غضبت له مقتولاً).
المغيرة بن شعبة
ورد إسم المغيرة في رواية حذيفة في الذين تآمروا لقتل النبي صلى الله عليه وآله في رجوعه من تبوك ليلة العقبة، ففي إرشاد القلوب للديلمي(2/232): (فقال حذيفة: هم والله أبوبكر وعمر وعثمان وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبوعبيدة بن الجراح ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص هؤلاء من قريش. وأما الخمسة فأبوموسى الأشعري والمغيرة بن شعبة الثقفي وأوس بن الحدثان البصري وأبوهريرة وأبوطلحة الأنصاري).
سهيل بن عمرو العامري
في البخاري (5/36):(كان رسول الله يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو، والحرث ابن هشام فنزلت: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْئٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ..).
أقول: كلما رووا أن النبي صلى الله عليه وآله لعن أحداً من رؤساء قريش، قالوا نزلت بعدها آية: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْئٌ! فنزلوا الآية عشرات المرات.
وفي المنمق(1/423): (المؤلفة قلوبهم من قريش: أبوسفيان صخر بن حرب، وابنه معاوية، وحكيم بن طليق بن سفيان بن أمية، وخالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، وسعيد بن يربوع المخزومي، وصفوان بن أمية بن خلف الجمحي، وسهيل بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي، وحويطب بن عبد العزى بن أبي قيس العامري، وحكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، وأبوسفيان بن الحارث بن عبد المطلب، والعلاء بن جارية الثقفي حليف بني زهرة بن كلاب، أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله كل واحد من هؤلاء مائة ناقة، إلا سعيد بن يربوع وحويطب بن عبد العزى فإنه أعطى كل واحد منهما خمسين ناقة).
< صفحة > 342 < / صفحة >
صفوان بن أمية
في تفسير التبيان (3/463) أنه كان من زعماء قريش العتاة المعادين للنبي صلى الله عليه وآله الين حاولوا اغتياله وهو في مكة، ثم حاولوا اغتياله وهو في المدينة.
وفي الإصابة (3/349): (صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن جمح قتل أبوه يوم بدر كافراً، وحكى الزبير أنه كان إليه أمر الأزلام في الجاهلية. هرب يوم فتح مكة وأسلمت امرأته وهي ناجية بنت الوليد بن المغيرة قال فأحضر له بن عمه عمير بن وهب أماناً من النبي صلى الله عليه وآله فحضر وحضر وقعة حنين. واستعار النبي صلى الله عليه وآله منه سلاحاً لما خرج إلى حنين وهو القائل يوم حنين:لئن يَرُبُّني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن، وأعطاه النبي من الغنائم فأكثر فقال: أشهد ما طابت بهذا إلا نفس نبي، فأسلم).
عقبة بن أبي معيط وابنه الوليد
بنو أبي معيط نسبوا نفسهم الى بني أمية وقريش، وقد نفاهم النبي صلى الله عليه وآله عن قريش لما أمر بقتل عقبة، وكان صاحب خمارة ومبغى في مكة، وكان معروفاً بإلحاده.
وابنه الوليد مثله وإن أسلم، وقد ولاه عثمان الكوفة فصلى فيهم الصبح ثمان ركعات وقال: هل أزيدكم، وتقيأ الخمر في محراب المسجد!
ففي صحيح مسلم(5/126): ( قال شهدت عثمان بن عفان وأُتِيَ بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ! فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها، فقال: يا عليُّ قم فاجلده، فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن: ولِّ حارها من تولى قارها فكأنه وجد عليه فقال: يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده، فجلده وعليٌّ يعُدّ). ( والأم للشافعي: 7 / 192، ومجموع النووي: 20 / 116، وفتح الوهاب: 2 / 287، ومغني الشربيني: 4 / 189، ومسند أحمد: 1 / 82، و 140، و 145، وسنن الدارمي: 2 / 175، و ابن ماجة: 2 / 858، وأبي داود: 2 / 359، وسنن البيهقي: 8 / 318، , والسيرة الحلبية: 2 / 592، والغدير: 8 / 120).
قال ابن قتيبة في المعارف/319:«كان أمية بن عبد شمس خرج إلى الشام فأقام بها عشر سنين، فوقع على أمة للخم يهودية من أهل صفورية يقال لها ترنا، وكان لها زوج من أهل صفورية
< صفحة > 343 < / صفحة >
يهودي، فولدت له ذكوان فادعاه أمية واستلحقه وكناه أباعمرو ثم قدم به مكة، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وآله لعقبة يوم أمر بقتله: ما أنت وقريش إنما أنت يهودي من أهل صفورية!لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعى له).
وقال ابن حبيب في المنمق/100:(ومن ثم يقال إن أمية استحلق أباعمرو ابنه وهو ذكوان وهو رجل من أهل صفورية، فخلف أبوعمرو على امرأة أبيه بعده فأولدها أبان وهو أبومعيط. ويقال استحلق ذكوان أيضاً أبان).
قال ابن عقيل في النزاع والتخاصم/14:(وبنو أمية لهم أكبر سابقة في التهتك والفسوق والوقاحة، فقد نافر أمية هاشماً فنفَّره هاشم، فخرج أمية إلى الشام وأقام بها عشر سنين، وكان مضعوفاً وصاحب عهار، وقد صنع أمية شيئاً لم يصنعه أحد من أهل الجاهلية، فقد نزل لابنه أبي عمرو في حياته عن زوجته وزوجه بها فبنى بها أبوعمرو أمام أبيه، وكان المقيتون في الجاهلية الذين يتزوجون نساء آبائهم بعد موتهم، أما من يتزوج زوجة أبيه وهو حي على مرأى منه، فهذا لم يكن قط قبل أمية). راجع: الطبقات: 1 / 75، والمنمق/ 97، والطبري:1/ 371 و2 / 13، وكامل ابن الأثير:2 / 16، والنزاع والتخاصم / 49، وإمتاع الأسماع: 10 / 6، وسبل الهدى: 1 / 271، والسيرة الحلبية: 1 / 7، والمنتظم: 2 / 212، وأعلام النبوة /251 ومعجم ما استعجم: 3 / 837، والعدد القوية/140.
أمية بن خلف
في أمالي الطوسي/20: (قال: حدثني سعيد بن مينا، عن غير واحد من أصحابه: أن نفرا من قريش اعترضوا لرسول الله صلى الله عليه وآله منهم عتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة، والعاص بن سعيد، فقالوا: يا محمد، هلم فلتعبد ما نعبد فنعبد ما تعبد فنشرك نحن وأنت في الأمر، فإن يكن الذي نحن عليه الحق فقد أخذت بحظك منه، وإن يكن الذي أنت عليه الحق فقد أخذنا بحظنا منه، فأنزل الله: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ.لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ. وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ. ثم مشى أبي بن خلف بعظم رميم ففته في يده ثم نفخه، وقال: أتزعم أن ربك يحيي هذا بعد ما ترى؟فأنزل الله: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ. أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ.إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا
< صفحة > 344 < / صفحة >
أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
أقول: كان أمية ثم ابنه صفوان نشيطين في عداء النبي صلى الله عليه وآله وقد قتل أمية بن خلف ببدر كافراً، قتله عمار بن ياسر رضي الله عنه. أما ابنه صفوان فقد أعطاه النبي صلى الله عليه وآله من غنائم حنين الكثير، وقالوا إنه أسلم بسبب سخاء النبي صلى الله عليه وآله ، وكان من شهود الصحيفة الثانيه لعزل بني هاشم.
الوليد بن المغيرة وابنه خالد بن الوليد
الوليد بن المغيرة رئيس بني مخزوم، وأشد المشركين على النبي صلى الله عليه وآله وفيه نزل قوله تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً. وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً. وَبَنِينَ شُهُوداً. وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً. ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً. سَأُرْهِقْهُ صَعُوداً. إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ. فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ. سَأُصْلِيهِ سَقَرَ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ. لا تُبْقِى وَلا تَذَرُ. لَوَاحَةٌ لِلْبَشَرِ. عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ.
و هو العُتُلُّ الزَّنِيم، الذي لم يتسع له حلم الله العظيم، فصرح بأنه ابن زنا، وأنزل فيه: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ. مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ. عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ. أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ. وقد اتفق المفسرون على نزولها في الوليد.
ففي تفسير الجلالين/758: « دعيٌّ في قريش وهو الوليد بن المغيرة.ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة». وابن إسحاق (2/140) والقرطبي(19/71) وغيرها.
وهو أول المستهزئين الذين قتلهم الله في السنة الثالثة من بعثة النبي صلى الله عليه وآله . فقد نزلت آيات: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئينَ، عند هلاكه ورفقائه، بعد ثلاث سنين من البعثة. « مرَّ بنبل لرجل من بني خزاعة قد راشه في الطريق فأصابته شظية منه فانقطع أكحله حتى أدماه فمات وهو يقول: قتلني رب محمد)! ( الخصال/279)، فاعترف بأن الله قتله، ومع ذلك أوصى بأخذ الدية من صاحب السهام! وقال فيه أبوطالب رضي الله عنه:
« رجال تمالَوْا حاسدين وبِغضةً * لأهل العـــلى فبينهــــم أبداً وتــــر
وليدٌ أبــــوه كان عبــــداً لجدنا * إلى علجة زرقاء جاش بها البحر
< صفحة > 345 < / صفحة >
وتيمٌ ومخزومٌ وزهرةُ منهم * وكانوا لنا مولىً إذا ابتغيَ النصر
فقد سفهت أحلامهم وعقولهم * وكانوا كجفر بئسما صنعت جفر».
( ابن هشام:1 /173 وابن إسحاق:2 /133).
ومعناه أن أبا الوليد وضعته رومية من خدمة السفية في جدة، فاشتراه هاشم.
أما خالد بن الوليد فقد استوفينا أخباره وكشفنا حقيقته، في كتاب قراءة جديدة في حروب الردة، وقراءة جديدة في الفتوحات، وأثبتنا أنه لم يبرز لفارس أبداً وأن البطولات المنسوبة اليه مكذوبة، وأنه هرب في مؤتة، وهرب في حرب اليمامة مرات! وإنما عظمه رواة الخلافة وأهلها لأنه ابن زعيم قرشي هو الوليد بن المغيرة، وكان خالد يفتخر بأبيه! قال الطبري(2 /513): « ثم برز خالد حتى إذا كان أمام الصف دعا إلى البراز وانتمى، وقال:
أنا ابن الوليـــــــــد العَـــــــــوْدِ * أنا ابن عامـــــــــر وزيْــــــــدِ
أنا ابن أشياخٍ وسيفي السَّخْتُ * أعظم شئ حين يأتيك النَّفْتُ
والنَّفْتُ: ما يلصق بالقدر من المرق، أي العبرة بآخر القدر. (العين:8/ 127).
والرجل العَوْد: العالم بالأمور الذي لايجهل مقامه. ( لسان العرب: 3 / 315).
فاعجب لقائد المسلمين يفتخر بأبيه الذي أنزل الله ذمه في القرآن، ووصفه بما وصفه! فلو كان في قلبه إيمان لما افتخر به.
ونشأ خالد على يد أبيه الوليد في العداء للنبي صلى الله عليه وآله وكان بارزاً بين إخوته، وكان أحد الذين انتدبتهم قريش لقتل النبي صلى الله عليه وآله ليلة الهجرة، وتقدم أن علياً عليه السلام وثب به فختله وهمز يده، فجعل خالد يقمص قماص البَكر.
وشارك خالد وإخوته مع المشركين في بدر فقُتل أخوه أبوقيس، وأُسرأخوه الوليد بن الوليد، ونجا خالد. ( شرح النهج: 14 / 203). وكان من قادة المشركين في أحد، وكان سبباً في هزيمة المسلمين بعد انتصارهم، فقد اغتنم قادة الخيل عكرمة وضرار وخالد انشغال المسلمين بالغنائم، وفتحوا الطريق للمشركين فهاجموهم من خلفهم.
< صفحة > 346 < / صفحة >
وكان خالد ينظر في ميزان القوى، وبعد انهزام الأحزاب أمام النبي صلى الله عليه وآله رأى أن ميزان القوة تحول إلى جانب النبي صلى الله عليه وآله فجاء إلى المدينة هو وعمرو بن العاص في السنة الثامنة، وأسلما.
وبعد فتح مكة شارك مع قريش إلى جانب النبي صلى الله عليه وآله في حرب حنين، لكنه كان في أول المنهزمين بخيله من بني سُليم.
وبعد فتح الطائف أخذ خالد يستوفي ربا أبيه من ثقيف فمنعه النبي صلى الله عليه وآله (المنمق/203)
ثم عاد خالد يستوفي فشكوه إلى النبي صلى الله عليه وآله فنزلت الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.(عمدة القاري:11/201).
ثم زعم خالد أنه أسلم قبل خيبر وأنه شارك فيها، فصدقه رواة السلطة، قال خالد (مسند أحمد 4/89):«غزوت مع رسول الله غزوة خيبر، فأسرع الناس في حظائر يهود فقال: يا خالد ناد في الناس أن الصلاة جامعة »! لكن علماءهم استحوا من كذبه الصريح فردوا قوله وقالوا أسلم سنة ثمان! وكانت خيبر سنة سبع! (عمدة القاري: 17 / 248. و الإستيعاب: 2 /427، ومجمع الزوائد: 9/351، وتهذيب التهذيب: 3 / 107، وابن تيمية في فتاويه:4/397).
الأسود بن المطلب، وابنه هبار
روينا وروى الذهبي في تاريخه (1/224) وصححه قال:«المستهزئون: الوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث الزهري، وأبوزمعة الأسود بن المطلب من بني أسد بن عبد العزى، والحارث بن عيطل السهمي، والعاص بن وائل. فأتاه جبريل فشكاهم النبي صلى الله عليه وآله إليه فأراه الوليد وأومأ جبريل إلى أبجله (شريانه) فقال: ما صنعت؟ قال: كُفيته. ثم أراه الأسود، فأومأ جبريل إلى عينيه فقال: ما صنعت؟ قال: كفيته. ثم أراه أبازمعة فأومأ إلى رأسه فقال: ما صنعت؟ قال كفيته. ثم أراه الحارث فأومأ إلى رأسه أو بطنه وقال:كفيته. فأما الوليد فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبالاً فأصاب أبجله فقطعها. وأما الأسود فعمي. وأما ابن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها. وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات. وأما العاص فدخل في رأسه شبرقة حتى امتلأت فمات).
وأما هبار بن الأسود فقد اشتهر بأنه روَّع زينب ربيبة النبي صلى الله عليه وآله لما هاجرت، فأسقطت حملها!
< صفحة > 347 < / صفحة >
قال في شرح النهج(14/192): (قال محمد بن إسحاق: قدم لها كنانة بن الربيع بعيراً فركبته وأخذ قوسه وكنانته، وخرج بها نهاراً يقود بعيرها وهي في هودج لها، وتحدث بذلك الرجال من قريش والنساء، وتلاومت في ذلك وأشفقت أن تخرج ابنه محمد من بينهم على تلك الحال، فخرجوا في طلبها سراعاً حتى أدركوها بذي طوى، فكان أول من سبق إليها هبار بن الأسود بن أسد بن عبد العزى، ونافع بن عبد القيس الفهري، فروعها هبار بالرمح وهي في الهودج، وكانت حاملاً فلما رجعت طرحت ما في بطنها، وقد كانت من خوفها رأت دماً وهي في الهودج، فلذلك أباح رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة دم هبار بن الأسود.
قلت: وهذا الخبر أيضاً قرأته على النقيب أبي جعفر رحمه الله فقال إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله أباح دم هبار بن الأسود لأنه روع زينب فألقت ذا بطنها، فظهر الحال أنه لو كان حياً لأباح دم من روع فاطمة عليها السلام حتى ألقت ذا بطنها. فقلت أروي عنك ما يقوله قوم إن فاطمة رُوعت فألقت المحسن؟ فقال لا تروه عني ولا ترو عني بطلانه).
قال البلاذري (1/357): (وأما هبار بن الأسود، فكان ممن عرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله حين حملت من مكة إلى المدينة، فكان رسول الله يأمر سراياه إن لقوه أن يقتلوه فلما كان يوم الفتح هرب. ويقال أتاه وهو بالجعرانة حين فرغ من أمر المشركين بحنين فمثل بين يديه وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقبل إسلامه وأمر أن لا يُعرض له!
قال الزبير بن العوام: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله بعد غلظته على هبار يطأطئ رأسه استحياء منه، وهو يعتذر إليه).
وقال ابن حجر في فتح الباري(4/52): (ومن النفر الذين كان أهدر دمهم النبي صلى الله عليه وآله قبل الفتح غير من تقدم ذكره هبار بن الأسود وعكرمة بن أبي جهل وكعب بن زهير ووحشي بن حرب وأسيد بن أياس ابن أبي زنيم، وقينتا ابن خطل، وهند بنت عتبة).
وفي شرح النهج (17/275): (قال الواقدي: ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الحرب وأمر بقتل ستة رجال وأربع نسوة: عكرمة بن أبي جهل، وهبار بن الأسود، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، ومقيس بن صبابة الليثي، والحويرث بن نفيل، وعبد الله بن هلال بن خطل الأدرمي، وهند بنت عتبة وسارة مولاه لبني هاشم، وقينتين لابن خطل يقال: قُرينا وأرنب).
< صفحة > 348 < / صفحة >
عبد الله بن خطل وقينتاه
في سيرة ابن هشام(4/868): (قال ابن إسحاق: وعبد الله بن خطل، رجل من بنى تيم بن غالب، وإنما أمر بقتله أنه كان مسلماً، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وآله مصدقاً وبعث معه رجلاً من الأنصار، وكان معه مولى له يخدمه وكان مسلماً فنزل منزلاً، وأمر المولى أن يذبح له تيساً فيصنع له طعاماً فنام فاستيقظ ولم يصنع له شيئاً، فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركاً. وكانت له قينتان: فرتنى وصاحبتها وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فأمر رسول الله بقتلهما معه).
وفي شرح النهج (17/275): (قال الواقدي: وأقبل ابن خطل مدججاً في الحديد على فرس ذنوب بيده قناة يقول: لا والله لا يدخلها عنوة حتى يرى ضرباً كأفواه المزاد، فلما انتهى إلى الخندفة ورأي القتال دخله رعب حتى ما يستمسك من الرعدة، ومر هارباً حتى انتهى إلى الكعبة).
وفي قرب الإسناد للحميري القمي/130: (ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بقتل عبد الله بن أبي سرح وإن وجد في جوف البيت، وبقتل عبد الله بن خطل، وقتل مقيس بن صبابة، وبقتل فرتنى وأم سارة. قال: وكانتا قينتين تزنيان، وتغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وآله وتحضضان يوم أحد على رسول الله صلى الله عليه وآله )
قال الطبري(2/336): (وأما قينتا ابن خطل فقتلت إحداهما وهربت الأخرى حتى استؤمن لها رسول الله صلى الله عليه وآله بعد فآمنها.وأما سارة فاستؤمن لها فآمنها).
عكرمة بن أبي لهب
قال البلاذري(1/357): (فأما عكرمة فإنه هرب وأسلمت امرأته أم حكيم فقالت: يا رسول الله زوجي هرب خوفاً منك فقال: هو آمن. فخرجت في طلبه، وأدركت عكرمة في ساحل من السواحل، قد ركب البحر، وقالت له امرأته: جئتك، يا ابن عم، من عند أوصل الناس وأحلمهم وأكرمهم، قد أمنك وعفا عنك! فرجع، ثم لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وقف بين يديه فأظهر السرور به وأسلم وسأل النبي صلى الله عليه وآله أن يستغفر له فاستغفر له.
وقال: والله لأجتهدن في جهاد أعداء الله، وجعل على نفسه أن يحصى كل نفقة أنفقها في الشرك فينفق مثلها في نصر الإسلام).
< صفحة > 349 < / صفحة >
سعد بن أبي سرح
قال البلاذري(1/358): (وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فإنه أسلم وكان يكتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فيملى عليه الكافرين، فيجعلها الظالمين، ويملى عليه عزيز حكيم فيجعلها عليم حكيم، وأشباه هذا، فقال: أنا أقول كما يقول محمد وآتي بمثل ما يأتي به محمد. فأنزل الله فيه وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ. وهرب إلى مكة مرتداً فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بقتله وكان أخا عثمان بن عفان من الرضاع. ولما جاء الى النبي صلى الله عليه وآله عفا عنه، قال:أما كان فيكم من يقوم إلى هذا الكلب قبل أن أؤمّنه فيقتله؟ فقالوا: لو أومأت إلينا قتلناه. فقال: إن الأنبياء لا يكون لهم خائنة الأعين. وولاه عثمان مصر، ثم تحوّل إلى فلسطين فمات بها).
عتبة بن أبي وقاص
قال ابن هشام(3/597): (قال ابن إسحاق: وانكشف المسلمون، فأصاب فيهم العدو، وكان يوم بلاء وتمحيص، أكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة، حتى خلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله . فدُثَّ بالحجارة حتى وقع لشقه، فأصيبت رباعيته وشج في وجهه وكُلمت شفته، وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص، فجعل الدم يسيل على وجهه، وجعل يمسح الدم وهو يقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم، وهو يدعوهم إلى ربهم)!
وروى ابن هشام (3/598): (عن أبي سعيد الخدري: أن عتبة بن أبي وقاص رمى رسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ فكسر رباعيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلى وأن عبد الله بن شهاب الزهري شجه في جبهته، وأن ابن قميئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، ووقع رسول الله صلى الله عليه وآله في حفرة من الحفر التي عمل أبوعامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون، فأخذ علي بن أبي طالب بيد رسول الله صلى الله عليه وآله ).
وقال الطبري (2/201): (حدثنا أسباط عن السدي قال: أتى ابن قميئة الحارثي أحد بنى الحارث بن عبد مناة بن كنانة فرمى رسول الله صلى الله عليه وآله بحجر فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجهه فأثقله وتفرق عنه أصحابه، ودخل بعضهم المدينة وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا
< صفحة > 350 < / صفحة >
عليها وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يدعو الناس إليَّ عباد الله إليَّ عباد الله، وأقبل أبي بن خلف الجمحي وقد حلف ليقتلن النبي صلى الله عليه وآله فقال بل أنا أقتله فقال: يا كذاب أين تفر، فحمل عليه فطعنه النبي صلى الله عليه وآله في جيب الدرع فجرح جرحاً خفيفاً، فوقع يخرر خوار الثور فاحتملوه وقالوا ليس بك جراحة فما يجزعك؟ قال أليس قال لأقتلنك! لو كانت بجميع ربيعة ومضر لقتلهم، فلم يلبث إلا يوماً أو بعض يوم حتى مات من ذلك الجرح).
وقال الطبري (2/210):(وفشا في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قتل! فقال بعض أصحاب الصخرة: ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان! يا قوم إن محمداً قد قتل فارجعوا إلى قومكم، قبل أن يأتوكم فيقتلوكم)!
أقول: قول أصحاب الصخرة كفر صريح، لكن القائلين شخصيات قرشية، ولذا سيبقى إسم القائل مكتوماً عن الأجيال، حتى يكشف الإمام المهدي عليه السلام الحقائق!
كما نذكِّر هنا بهاشم بن عتبة بن أبي وقاص رضي الله عليه، فقد كان من حواريي أمير المؤمنين عليه السلام وكان بطلاً في حروبه، وقائد جيشه في صفين، وقد استشهد في صفين ببسالة رضوان الله عليه. وسبحان من يخرج الحي من الميت!
عبد الله بن شهاب الزهري
قال السيد شرف الدين في الفصول المهمة/ 118: « لما اشتد البلاء وعظم الخطب بفرار المسلمين، أرهف المشركون لقتل رسول الله غرار عزمهم، وأرصدوا لذلك جميع أهبهم، فتعاقد خمسة من شياطينهم على ذلك،كانوا كالفدائية في هذا السبيل وهم: عبد الله بن شهاب الزهري، وعتبة بن أبي وقاص وابن قميئة الليثي أبيُّ بن خلف، وعبد الله بن حميد الأسدي القرشي لعنهم الله وأخزاهم، فأما ابن شهاب فأصاب جبهته الميمونة، وأما عتبة فرماه - تبَّت يداه - بأربعة أحجار فكسر رباعيته وشق شفته، وأما ابن قميئة قاتله الله فكلم وجنته ودخل من خلف المغفر فيها، وعلاه بالسيف - شُلَّت يداه - فلم يطق أن يقطع فسقط صلى الله عليه وآله إلى الأرض.
وأما أبيُّ بن خلف فشد عليه بحربته فأخذها رسول الله صلى الله عليه وآله منه وقتله بها، وأما عبد الله بن حميد فقتله أبودجانة الأنصاري شكر الله سعيه وأعلى في الجنان مقامه، فإنه ممن أبلى يومئذ بلاء
< صفحة > 351 < / صفحة >
حسناً. ثم حمل ابن قميئة على مصعب بن عمير وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وآله فقتله، ورجع إلى قريش يبشرهم بقتل محمد، فجعل الناس يقولون: قتل محمد، قتل محمد! فانخلعت قلوب المسلمين جزعاً وكادت نفوسهم أن تزهق هلعاً، وأوغلوا في الهرب مدلهين مدهوشين، لا يرتابون في قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وقد سقط في أيديهم »!
وفي المناقب آل ابيطالب(1 / 166): «ورسول الله يدعوهم في أخراهم: يا أيها الناس إني رسول الله إن الله قد وعدني بالنصر، فأين الفرار! وكان النبي صلى الله عليه وآله يرمي ويقول: اللهم اهد قومي فإنهم لايعلمون، فرماه ابن قمئة بقذافة فأصاب كفه، ورماه عبد الله بن شهاب بقلاعة فأصاب مرفقه، وضربه عتبة بن أبي وقاص أخو سعد على وجهه، فشج رأسه فنزل عن فرسه، ونهبه ابن قمئة، وقد ضربه على جنبه»!
وروى ابن هشام (3 /597) نحو ما تقدم، وذكر أن عتبة بن أبي وقاص رمى رسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ فكسر رباعيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلى، وأن عبد الله بن شهاب الزهري شجه في جبهته، وأن ابن قمئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، ووقع رسول الله صلى الله عليه وآله حفرة من الحفر التي عمل أبوعامر ليقع فيها المسلمون، فأخذ علي بن أبي طالب بيده). وبعضه مناقب آل أبي طالب:1/ 96، و102، و 117، والخرائج: / 62.
أقول: عبد الله بن شهاب هذا، هو جد الزهري المعروف الذي جعلوه إماماً في الحديث، واسمه محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب. وكان الزهري ناصبياً يبغض أمير المؤمنين عليه السلام ، ومع ذلك كان يقدس حفيده الإمام زين العابدين عليه السلام !
قال في شرح النهج (4/102) ونحوه الغارات( 2 / 577): ( وكان الزهري من المنحرفين عنه عليه السلام روى جرير بن عبد الحميد، عن محمد بن شيبة قال: شهدت مسجد المدينة فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران علياً فنالا منه! فبلغ ذلك علي بن الحسين فجاء حتى وقف عليهما فقال: أما أنت يا عروة فإن أبي حاكم أباك إلى الله فحكم لأبي على أبيك! وأما أنت يا زهري فلو كنت بمكة لأريتك كير أبيك!).
والكير: منفخ الحداد، أي كان أبوك قيناً ولم يكن من بني زهرة ولا قريش، لأنهم لا يعملون في الحدادة، أو لم يكن عربياً، وقد يكون يهودياً.
< صفحة > 352 < / صفحة >
ومن وقاحة الزهري أن تقديسه للإمام عليه السلام لم يمنعه من الطعن في جده أمير المؤمنين عليه السلام ! فكان يروي هو وعروة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أراد أن ينظر الى رجلين من أهل النار فلينظر الى هذين الآتيين، فجاء علي والعباس! وكان عروة يروي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: زينب خير بناتي، تنتقص من فاطمة عليها السلام . فرد عليه الإمام عليه السلام رداً قاصماً، فاعتذر عروة بأن خالته عائشة قالت ذلك قبل أن ينزل قوله تعالى:أدْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ.
ومعناه أن زينب ربيبة وليست بنت النبي صلى الله عليه وآله ، وقد روى ذلك الحاكم في المستدرك(2/200) وصححه بشرط الشيخين عن عروة عن عائشة أنها قالت: « فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: هي أفضل بناتي أصيبت فيَّ. فبلغ ذلك علي بن الحسين فانطلق إلى عروة فقال: ما حديث بلغني عنك تحدثه تنتقص فيه حق فاطمة؟! فقال: والله ما أحب أنَّ لي ما بين المشرق والمغرب وأني أنتقص فاطمة حقاً هو لها! وأما بعد فلك أن لا أحدث به أبداً! قال عروة: وإنما كان هذا قبل نزول آية: أُدْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ).
ولما رأى الإمام زين العابدين عليه السلام أن الزهري أوغل في نصرة بني أمية، كتب له رسالة، جاء فيها: واعلم أن أدنى ما كتمت، وأخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم، وسهلت له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت، وإجابتك له حين دعيت! فما أخوفني أن تبوء بإثمك غداً مع الخونة، وأن تسأل عما أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة، إنك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك، ودنوت ممن لم يردَّ على أحد حقاً، وأحببت من حاد الله!
أوليس بدعائهم إياك حين دعوك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلماً إلى ضلالتهم، وداعياً إلى غيهم، سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم.فلم يبلغ أخص وزرائهم، ولا أقوى أعوانهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة إليهم.
فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمروا لك في كنف ما خربوا عليك؟ فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول. وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيراً وكبيراً؟
تجهز فقد دنا منك سفر بعيد، وداو دينك فقد دخله سقم شديد. ولا تحسب أني أردت
< صفحة > 353 < / صفحة >
توبيخك وتعنيفك وتعييرك، لكني أردت أن ينعش الله ما فات من رأيك، ويرد إليك ما عزب من دينك. فالله لنا ولك، وهو المستعان.
الحارث بن هشام بن المغيرة
كان الحارث المخزومي أحد رؤساء قريش الناشطين لقتل النبي صلى الله عليه وآله فلما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة أمر بقتل عدد من الأشرار، وأرسل علياً عليه السلام لذلك.
قال المفيد في الإرشاد(1/138): (وبلغه عليه السلام أن أخته أم هاني قد آوت ناساً من بني مخزوم منهم الحارث بن هشام وقيس بن السائب، فقصد نحو دارها مقنعاً بالحديد فنادى: أخرجوا من آويتم.قال: فجعلوا يذرقون والله كما تذرق الحبارى خوفاً منه. فخرجت أم هانئ وهي لا تعرفه فقالت: يا عبد الله، أنا أم هانئ بنت عم رسول الله وأخت علي بن أبي طالب إنصرف عن داري. فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : أخرجوهم. فقالت: والله لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فنزع المغفر عن رأسه فعرفته، فجاءت تشتد حتى التزمته وقالت فديتك، حلفت لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها: إذهبي فبري قسمك فإنه بأعلى الوادي.قالت أم هانئ: فجئت إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو في قبة يغتسل وفاطمة عليها السلام تستره، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله كلامي قال: مرحباً بك يا أم هانئ وأهلاً. قلت: بأبي أنت وأمي أشكو إليك ما لقيت من علي اليوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :قد أجرت من أجرتِ. فقالت فاطمة عليها السلام : إنما جئت يا أم هانئ تشتكين علياً في أنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله!فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : قد شكرالله لعلي سعيه وأجرت من أجارت أم هانئ لمكانها من علي).
النضر بن الحارث العبدري
قال ابن هشام (1/195): (وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وينصب له العداوة، وكان قدم الحيرة، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم واسنبديار،فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وآله مجلساً فذكر فيه بالله، وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله، خلفه في مجلسه إذا قام، ثم قال: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثاً منه، فهلم إليَّ فأنا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس
< صفحة > 354 < / صفحة >
ورستم واسبنديار، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثاً مني! قال ابن هشام:وهو الذي قال فيما بلغني: سأنزل مثلما أنزل الله. قال ابن إسحاق: وكان ابن عباس يقول فيما بلغني: نزل فيه ثمان آيات من القرآن: قول الله عز وجل: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. وكل ما ذكر فيه الأساطير من القرآن. فلما قال لهم ذلك النضر بن الحارث بعثوه، وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، وقالوا لهما: سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء. فخرجا حتى قدما المدينة، فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وآله ووصفا لهم أمره، وأخبراهم ببعض قوله، وقالا لهم: إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالت لهما أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهرالأول: ما كان أمرهم؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب؟ وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه، وسلوه عن الروح ما هي؟
فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي، وإن لم يفعل فهو رجل متقول، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم. فأقبل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي حتى قدما مكة على قريش فقالا: يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أخبرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها، فإن أخبركم عنها فهو نبي، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم..الخ.)
- *
أقول: الملعونون علي لسان النبي صلى الله عليه وآله كثيرون لا يتسع المجال لاستقصائهم.
فمنهم أبوالقين الأسلمي، وابن قميئة، وابن النعيمان، وماعز بن مالك، ومسطح بن أثاثة، وأربد بن قيس، وعامر بن الطفيل، وأم حكيم، وسفيان بن خالد بن نبيح، وعبد الله بن سعد بن أبى سرح، وسراقة بن مالك، ومن أفشت سر النبي صلى الله عليه وآله ، وأبورافع اليهودي، وكعب بن الأشرف، وعبد الله بن سلول، وذو الثدية، والراشي والمرتشي، وشارب الخمر، والسارق، وآكل الربا، والمخنثون والمترجلات، ومن ظلم أهل المدينة أو أخافهم، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً، وعشائر قريش عدا بني هاشم ، والغادرون بأصحابه من عكل وعرينة، ورعل
< صفحة > 355 < / صفحة >
وذكوان وعصية ولحيان، والذين يؤذون النبي صلى الله عليه وآله في حياته وبعد وفاته، ومن أغضب فاطمة عليها السلام أو آذاها، وقتلة الحسين عليه السلام والعترة الطاهرة.
ومن آذى علياً عليه السلام أو غصب حقه، ومن ظلم أهل بيته عليهم السلام أو آذاهم، أو تخلف عن نصرتهم، والمتخلفون عن القتال، والفارون من الزحف، ومن ولى على المسلمين رجلاً وفيهم أعلم منه، والناكثون والقاسطون والمارقون، الذين أمر علياً عليه السلام بحربهم، ومن سب والديه، أو ادعى لغير أبيه، أو تولى غير مواليه، أي أهل البيت عليهم السلام . - *
< صفحة > 356 < / صفحة >
الفصل الحادي والثلاثون : حكَم الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله طليق وعتيق وملعون ومأبون!
الفصل الحادي والثلاثون
حكَم الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله طليق وعتيق وملعون ومأبون!
سياسة الإسلام العجيبة مع قريش وثقيف!
لا نعرف في التاريخ قبائل أفرطت في عدائها للأنبياء عليهم السلام كبطون قريش مع النبي صلى الله عليه وآله وعشيرته بني هاشم! وقد وثقنا ذلك بمواقفهم وأعمالهم الكيدية الخبيثة والوضيعة ضد النبي صلى الله عليه وآله في بحث: صراع قريش مع النبي صلى الله عليه وآله .
وقد قاوم النبي صلى الله عليه وآله قريشاً حتى هاجر من مكة ثم عاد اليها في السنة الثامنة فاتحاً، فأخضعهم وعفا عنهم وقبل إسلامهم وسماهم: الطلقاء.
ثم فتح لهم أبواب دولته! وفي نفس الوقت أعلن أنهم وأولادهم وذرياتهم خارجون عن أمته الى يوم القيامة!
ثم حكم صلى الله عليه وآله على ثقيف حكماً مشابهاً لحكمه على قريش، وثقيف من قبائل هوازن النجدية، سكنت الطائف فصارت حضرية، وكانت حليفة لقريش وشريكتها في عدائها للنبي صلى الله عليه وآله .
وقد تحالفت مع هوازن في حربها للنبي صلى الله عليه وآله وانهزمت معها في حنين، ثم انهزمت بيد علي عليه السلام في وجّ، وبعد هزيمتهم طلبوا أن يعفيهم من الصلاة لأنها دناءة معيبة! فلم يقبل منهم وهددهم بعلي عليه السلام !
وقد حاصرهم النبي صلى الله عليه وآله بعد حنين فتحصنوا وتركهم وظلوا على شركهم فحرك عليهم النبي صلى الله عليه وآله القبائل المحيطة بهم التي أسلمت، ومنها بعض قبائل هوازن ليضغطوا عليهم!
< صفحة > 357 < / صفحة >
وأخيراً جاء وفد ثقيف الى النبي صلى الله عليه وآله بعد رجوعه من تبوك فقبل إسلامهم وسماهم العتقاء لا الطلقاء (ابن هشام: 4/936) وحكم عليهم بحكم قريش بأنهم وذرياتهم الى يوم القيامة ليسوا من أمته الإسلامية! فقال صلى الله عليه وآله : « المهاجرون والأنصار أولياءٌ بعضهم لبعض، والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة ».
وقد روته مصادرهم بأسانيد عديدة فيها الصحيح على شرط الشيخين كمسند أحمد: 4/363 بروايتين، ومجمع الزوائد: 10/15، بروايات، وقال في بعضها: رواه أحمد والطبراني بأسانيد وأحد أسانيد الطبراني رجاله رجال الصحيح، وقد جوده فإنه رواه عن الأعمش. وأبويعلى: 8/446، وابن حبان: 16/250، والطبراني الكبير: 2/309، و313، و 214، و 316، و 343، و347، و: 10/187، وموارد الظمآن: 7/271، والدر المنثور: 3/206، وفتح القدير: 2/330، وعلل الدارقطني: 5/102، والسمعاني: 4/152، وتاريخ بغداد: 13/46، وتعجيل المنفعة/414، ومن مصادرنا: أمالي الطوسي/268.
وهو حكمٌ شديد وضربة قاصمة لطلقاء قريش وعتقاء ثقيف! حيث أخرجهم من أمته وألحقهم بها إلحاقاً، والعجيب أنه حكم شامل لمن وجد منهم في ذلك العصر، ومن يولد من ذرياتهم إلى يوم القيامة!
لكن دولة الخلافة وهي دولة الطلقاء ادعت لأنفسها ولثقيف الصحبة والفضائل والخلافة، بينما هم لايستطيعون إدخالهم في أمة الإسلام!
وقد كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية:« وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان، فذكرت أمراً إن تم اعتزلك كله، وإن نقص لم تلحقك ثلمته! وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس؟ وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم. هيهات لقد حَنَّ قِدْحٌ ليس منها، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها!
ألا تربع أيها الإنسان على ظلعك وتعرف قصور ذرعك؟وتتأخر حيث أخرك القدرفما عليك غلبة المغلوب ولا لك ظفر الظافر!وإنك لذهَّاب في التيه روَّاغ عن القصد».«نهج البلاغة: 3/30 الإحتجاج: 1/259، ابن الأعثم: 2/560».
وقال صعصعة لمعاوية:« أنى يكون الخليفة من ملك الناس قهراً، ودانهم كبراً واستولى بأسباب الباطل كذباً ومكراً؟! وإنما أنت طليق ابن طليق، أطلقكما رسول الله صلى الله عليه وآله ! فأنى تصلح الخلافة لطليق»! « مروج الذهب/694 ».
< صفحة > 358 < / صفحة >
وقال ابن عباس لأبي موسى الأشعري:«ليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة! واعلم يا أباموسى أن معاوية طليق الإسلام، وأن أباه رأس الأحزاب، وأنه يدعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة». « شرح النهج: 2/246 ».
وكتب ابن عباس إلى معاوية: « وإن الخلافة لا تصلح إلا لمن كان في الشورى، فما أنت والخلافة؟ وأنت طليق الإسلام، وابن رأس الأحزاب، وابن آكلة الأكباد من قتلى بدر». « الإمامة والسياسة: 1/100، وراجع جواهر التاريخ: 2/94».
وقد أفتى عمر نظرياً بأن حكم الأمة محرم على الطلقاء! وقال كما في الطبقات: 3/342: « هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد، ثم في أهل أحد ما بقي منهم أحد، وفي كذا وكذا، وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شئ». ورواه في تاريخ دمشق: 59/145، وأسد الغابة: 4/387، وتاريخ الخلفاء للسيوطي/113، والغدير: 7/144، و10/30، ونفحات الأزهار: 5/350.
فاعجب لهذا الأمر! واعجب لأن أكثر حكام أمة النبي صلى الله عليه وآله ليسوا من أمته بنصه!
من الغرائب أن أمتنا يحكمها الملعونون على لسان نبيها صلى الله عليه وآله !
تميزت أمتنا سلبياً بأن الحكم فيها كان بالقوة والسيف، ولم يكن بالشورى إلا خلافة علي عليه السلام . وأن كل من حكمها بعد النبي صلى الله عليه وآله غير أهل البيت عليهم السلام لا أهلية لهم للحكم لأنهم ما بين طليق، وعتيق، وملعون، ومأبون!
فكل خلفائنا وحكامنا والحمد لله لايصلحون شرعاً للحكم، لأنهم بحكم الشريعة محرومون من الحقوق المدنية، خاصة الملعونين، أي مرتكبي الذنوب الكبيرة الذين استحقوا الطرد من رحمة الله تعالى الى آخر عمرهم!
- *
لذلك صاح مخرج أفلام مصري !
هو السيناريست الكبير أسامة أنور عكاشة، فكتب مقالاً أثار ضجة في وقتها، بعنوان: أبناء الزنا كيف صاروا أمراء المسلمين! ووصل الأمر إلى أن أصدر الأزهر بياناً، يرفض فيه ما جاء فى مقال عكاشة، إلا أنه رفض التراجع عما كتبه، مؤكداً أن رأيه لايعني كفره بما هو
< صفحة > 359 < / صفحة >
معلوم فى الدين. فقد كتب تحت هذا العنوان: إنه ليس من الصدفة أن يبدأ الصراع فى الجاهلية بين أولي الشرف من العرب كبنى هاشم ومخزوم وزهره وغيرهم، وبين من اشتهر بالعهر والزنا مثل بني عبد شمس وسلول وهذيل، والذى امتد هذا الصراع إلى مابعد دخول كل العرب في الإسلام. ولم تكن من قبيل الصدفة أن أغلب من التحق بالركب الأموي كانوا ممن لهم سوابق بالزنا والبغاء، فهذه المهن تورث الكراهية والحقد لكل من يتحلى بالعفة والطهارة، إضافة إلى أنها لاتبقي للحياء سبيلاً وهي تذهب العفة وتفتح طريق الغدر والإثم والعهر. لنرى بعض ما أنجب البغاء:
1- حمامة أم أبي سفيان وهي زوجة حرب بن امية بن عبد شمس، وهى جدة معاوية، كانت بغياً صاحبة راية فى الجاهلية! والرايه عَلَمٌ تضعه العاهرة على دارها دلالة على البغاء، يعني مثل الملهى بتسمية وقتنا الحالي.
2- الزرقاء بنت وهب، وهي من البغايا وذوات الأعلام أيام الجاهلية، وتلقب بالزرقاء، لشدة سوادها المائل للزرقة وكانت أقل البغايا أجرة، ويعرف بنوها بنو الزرقاء، وهي زوجة أبي العاص بن أمية، أم الحكم بن أبي العاص (طرده الرسول من المدينة) جدة مروان بن الحكم، يقال إن الحسين بن علي رد على رسول مروان قائلاً، يا ابن الزرقاء الداعية إلى نفسها بسوق عكاظ!
3- آمنة بنت علقمة بن صفوان أم مروان بن الحكم جدة عبد الملك بن مروان، وكانت تمارس البغاء سراً مع أبي سفيان بن الحارث بن كلدة، وهذا مروان هو الذي أتوا به بعد ولادته الى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال الرسول: إبعدوه عني هذا الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون.
وهذا الذي يلعنه الرسول يصبح أميراً للمؤمنين!!
4- النابغة سلمى بنت حرملة، وقد اشتهرت بالبغاء العلني ومن ذوات الأعلام وهي أم عمرو بن العاص بن وائل، كانت أمَةً لعبد الله بن جدعان، فاعتقها فوقع عليها فى يوم واحد أبو لهب، وأمية بن خلف، وهشام بن المغيرة المخزومي، وأبو سفيان بن حرب، والعاص بن وائل السهمي، فولدت عمرو، فادعاه كلهم، لكنها ألحقته بالعاص بن وائل، لأنه كان ينفق عليها كثيراً!
5- سمية بنت المعطل النوبية، وهى من البغايا ذوات الأعلام، وكانت أمة للحارث بن كلدة،
< صفحة > 360 < / صفحة >
وتنسب أولادها ومنهم زياد مرة لزوجها عبيد بن أبي سرح الثقفي فيقال زياد بن عبيد ومرة يقال زياد ابن سمية ومرة زياد ابن أبيه، حتى استلحقه معاوية بأن أحضر شهوداً على أن أبا سفيان قد واقع سمية وهي تحت عبيد بن أبي سرح، وبعد تسعة أشهر ولدت صبياً أسموه زياد.
ولم يستلحقه معاوية حباً وكرامة، ولكن لأن زياد بن أبيه كان عامل سيدنا علي على فارس والأهواز، فأراد استمالته.
- ويستمر البغاء فى إنتاج رجال الرذيلة ليكونوا سادة العرب.
6- مرجانة بنت نوف وهي أمة لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت، كان يصلها سفاحاً العديد من الرجال، من بينهم زياد ابن أبيه فباعها عبد الرحمن وهي حامل من الزنا، فولدت عبدين هما عباد وعبيد الله ابنا مرجانة لا يعرف لهما أب، فاستدعاهما زياد واستلحقهما به، فكان عباد والى سجستان زمن معاوية، وعبيد الله بن زياد والياً على البصرة، حيث يبدو أن أمة العرب قد خلت من الأشراف لتنصيبهم فى هكذا مناصب، فلم يبق إلا أولاد الزنا، ولكن الطيور على أشكالها تقع؛ فرجل كمعاوية لايمكنه استعمال رجل ذو فضيلة.
وبعد أن كان عبيد الله ابن زياد والياً على البصرة زمن معاوية ولاه يزيد الكوفة حيث قاتل الإمام الحسين حفيد النبي حيث خاطبه الإمام بالدعي ابن الدعي. - وقيل للحسن البصرى: يا أبا سعيد قُتل الحسين بن علي، فبكى حتى اختلج جنباه ثم قال:واذلاه لأمة قتل ابن دعيها ابن بنت نبيها!
7- قطام بنت شحنة التيمية، وقد اشتهرت بالبغاء العلني في الكوفة وكانت لها قوادة عجوزإسمها لبابة، هي الواسطة بينها وبين الزبائن، كان أباها شحنة بن عدي وأخاها حنظلة بن شحنة من الخوارج، وقد قتلا معاً فى معركة النهروان، فأصبحت والغل يأكل قلبها لهذا طلبت من عبد الرحمن بن ملجم عندما جاء لخطبتها أن يضمن لها قتل سيدنا علي ويصدقها بثلاثة آلاف درهم وغلام وجارية، فلم يشف غليل هذه الزانية مقتل الإمام بعدما سمعت بمقتل ابن ملجم أيضاً، لهذا بعثت إلى مصر من وشى على جماعة من العلويين هناك عند الوالى عمرو ابن العاص، ابن البغي سلمى بنت حرملة، ومن هؤلاء الجماعة خولة بنت عبد الله وعبد الله وسعيد أبناء عمرو بن أبي رحاب.
< صفحة > 361 < / صفحة >
8- نضلة بنت أسماء الكلبية وهي زوجة ربيعة بن عبد شمس وهي أم عتبة وشيبة الذين قتلا يوم بدر. يذكر الأصفهاني في كتابه الأغاني أن أمية بن عبد شمس جاء ذات ليلة إلى دار أخيه ربيعة، فلم يجده فاختلى بزوجة أخيه وواقعها. فحبلت منه بعتبة.
ويروى أن أمية هذا ذهب الى الشام وزنا هناك بأمة يهودية فولدت له ولداً سماه ذكوان، ولقبه أبو عمرو، وجاء به إلى مكة مدعياً أنه مولى له، حتى إذا كبر اعتقه واستلحقه، ثم زوجه امرأته الصهباء، قال ابن أبي الحديد إن أمية فعل في حياته ما لم يفعله أحد من العرب، زوج ابنه ابو عمرو من امرأته في حياته فولدت له أبا معيط جد الوليد بن عقبة بن أبي معيط، الذي ولاه عثمان الكوفة حيث كان يأخذه النوم بعد أن يقضي ليلته فى شرب الخمر ولا يصحو على صلاة الفجر! هكذا كانوا ولاة أمور المسلمين!
يروى أن عقبة بن أبي معيط لما أسره المسلمون يوم بدر أمر الرسول بقتله فقال يا محمد ناشدتك الله والرحم! فقال الرسول: ما أنت وذاك! إنما أنت ابن يهودي من أهل صفورية.
9- هند بنت عتبة، وقد اشتهرت بالبغاء السري في الجاهلية وهي زوجة أبي سفيان، وابنها معاوية يعزى الى أربعة نفر غير أبي سفيان، مسافر بن أبي عمرو بن أمية، عمارة بن الوليد بن المغيرة، العباس بن عبد المطلب، والصباح مولى مغن لعمارة بن الوليد. - يروى أن علياً قال في كتابه إلى معاوية: وأما قولك نحن بني عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض.. فكذلك نحن.. لكن ليس المهاجركالطليق ولا الصريح كاللصيق! وهي إشارة واضحة بإلصاق أصول معاوية بعبد مناف.
10- ميسون بنت بجدل الكلبية، هي أم يزيد بن معاوية، كانت تأتي الفاحشة سراً مع عبد لأبيها ومنه حملت بيزيد، ويروى أن معاوية خاصم ميسون، فأرسلها إلى أهلها وبعد فترة أرجعها إلى الشام وإذا هي حامل!
قال يزيد للإمام الحسن:يا حسن إني أبغضك! فقال الإمام:ذلك لأن الشيطان شارك أباك حينما ساور أمك، فاختلط الماءان! - قال الامام محمد الباقر: قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا وقاتل الحسين بن علي ولد زنا ولا يقتل الأنبياء والأوصياء إلا أبناء البغايا.
< صفحة > 362 < / صفحة >
11- آمنة بنت علقمة بن صفوان هي أم مروان بن الحكم كانت تمارس الزنا مع أبي سفيان فولدت مروان. أخرج ابن عساكر من طريق محمد القرظي قال: لعن رسول الله الحكم وما ولد إلا الصالحين وهم قليل.
وقالت عائشة لمروان: لعن الله أباك وأنت في صلبه، فأنت فضض من لعنة الله ثم قالت والشجرة الملعونة في القرآن.
- هؤلاء هم الرجال الذين أسسوا الدولة الإسلامية، فلا غرابة أن نرى الدماء تلون كل أوراق تاريخنا!
أقول: وما خفي عن عكاشة المصري أعظم. وأمر الزنا وأبناء الزنا مشهور في الذين حكموا من بني أمية وبني العباس والعثمانيين، وغيرهم.
نموذج من الخلفاء العباسية :
كان حضرة الخليفة مخنثاً يطلب الرجال!
قال الطبري «7/343»: «وكان الواثق قد غضب على أخيه جعفر المتوكل لبعض الأمور، فوكل عليه عمر بن فرج الرخجي، ومحمد بن العلاء الخادم، فكانا يحفظانه «من التخنث» ويكتبان بأخباره في كل وقت)!
وذكر أن محمد بن عبد الملك كان كتب إلى الواثق حين خرج جعفر من عنده: يا أمير المؤمنين، أتاني جعفر بن المعتصم يسألني أن أسأل أمير المؤمنين الرضا عنه، في زي المخنثين له شَعْرُ قَفَا! فكتب إليه الواثق: إبعث إليه فأحضره ومُرْ من يَجُزُّ شعر قفاه، ثم مُرْ من يأخذ من شعره ويضرب به وجهه، واصرفه إلى منزله! فذُكِرَ عن المتوكل أنه قال: لما أتاني رسوله لبست سواداً لي جديداً وأتيته رجاءَ أن يكون قد أتاه الرضا عني، فأتيته فقال: يا غلام أدع لي حَجَّاماً فدعا به، فقال: خذ شعره واجمعه، فأخذه على السواد الجديد ولم يأته بمنديل فأخذ شعره وشعر قفاه وضرب به وجهه)!
أقول: يتضح بذلك أن سبب غضب الواثق على المتوكل أنه كان مخنثاً شاذاً، أطال شعره كما يفعل المخنثون، الذين يتشبهون بالنساء، ويطلبون الرجال!
< صفحة > 363 < / صفحة >
وأوصى الواثق بالخلافة الى ابنه محمد، لكن كبار أركان الدولة استصغروه، فجاؤوا بالمتوكل من سجنه، ونصبوه خليفة.
قال الطبري «7/241»: «لما توفيَ حضر الدار أحمد بن أبي دؤاد، وإيتاخ، ووصيف وعمر بن فرج، وابن الزيات، وأحمد بن خالد أبوالوزير، فعزموا على البيعة لمحمد بن الواثق، وهوغلام أمرد فألبسوه دراعة سوداء وقلنسوة رصافية، فإذا هوقصير، فقال لهم وصيف «القائد التركي»:أما تتقون الله تولون مثل هذا الخلافة، وهولايجوز معه الصلاة! قال فتناظروا فيمن يولونها فذكروا عدةً، فذُكر عن بعض من حضر الدار مع هؤلاء أنه قال: خرجت من الموضع الذي كنت فيه فمررت بجعفر المتوكل فإذا هوفي قميص وسروال قاعد مع أبناء الأتراك، فقال لي: ما الخبر؟ فقلت: لم ينقطع أمرهم. ثم دعوا به، فأخبره بغا الشرابي الخبر، وجاء به فجلس فألبسه أحمد بن أبي دؤاد الطويلة وعممه وقبَّله بين عينيه، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. ثم غُسِّلَ الواثق وصُلِّيَ عليه ودفن، ثم صاروا من فورهم إلى دار العامة ولم يكن لُقَّبَ المتوكل)!
المتوكل الشاذ الفاسد صار: محيي السنة ومن أقطاب العالم!
لبغضه لعلي عليه السلام لقبوه محي السنة، وجعلوه من أقطاب العالم وأحد الستة أهل الظاهر الذين يتصرفون في الملك أي في الطبيعة. وليس فوقهم إلا أهل الباطن الذين يتصرفون في الملكوت، أي في العالم الأعلى ويأمرون الملائكة! وزاد المتوكل على بغضه لعلي أنه قتل زوار الحسين عليهما السلام وحرث قبره!
قال ابن عربي في فتوحاته (2/6 و11/276): (ولكن الأقطاب المصطلح على أن يكون لهم هذا الإسم مطلقاً من غير إضافة لا يكون منهم في الزمان إلا واحد وهو الغوث أيضاً وهو من المقربين وهو سيد الجماعة في زمانه. ومنهم من يكون ظاهر الحكم ويحوز الخلافة الظاهرة كما حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن ومعاوية بن يزيد وعمر بن عبد العزيز والمتوكل! ومنهم من له الخلافة الباطنة خاصة ولا حكم له في الظاهر كأحمد بن هارون الرشيد السبتي وكأبي يزيد البسطامي.
وأكثر الأقطاب لا حكم لهم في الظاهر ومنهم رضي الله عنهم الأئمة ولا يزيدون في كل زمان على اثنين لا ثالث لهما، الواحد عبد الرب، والآخر عبد الملك، والقطب عبد الله. قال تعالى: وأَنَّهُ
< صفحة > 364 < / صفحة >
لَمَّا قامَ عَبْدُ الله، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، فلكل رجل إسم إلهي يخصه به يدعى عبد الله، ولو كان إسمه ما كان. فالأقطاب كلهم عبد الله والأئمة في كل زمان عبد الملك وعبد الرب، وهما اللذان يخلفان القطب إذا مات، وهما للقطب بمنزلة الوزيرين الواحد منهم مقصور على مشاهدة عالم الملكوت والآخر مع عالم الملك)!
وأسوأ من أولاد الزنا والمخانيث الملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله
أول الملعونين على رسول الله صلى الله عليه وآله الذين حكموا، كانوا في جيش أسامة وتخلفوا عنه، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله : لعن الله من تخلف عن جيش اسامة!
ثم حكم بنو أمية وهم الشجرة الملعونة في القرآن، ثم حكم بنو العباس وقد صدر فيهم لعن النبي صلى الله عليه وآله بعدة عناوين منها عنوان من ظلم أهل بيته عليهم السلام !
فهل رأيت أمة كل حكامها تقريباً من الملعونين على لسان نبيها؟!
وهل عرفت لماذا لم يبارك الله لنا في الفتوحات، ووقع بيننا السيف صراعاً على السلطة حتى قتل في ذلك أضعاف ما قتل في الفتوحات.
وهل عرفت لماذا ضعفت الأمة وانهارت حتى صارت على حجمها الكبير من أذل الأمم، ضارعة لعدوها، منفعلة غير فاعلة، فقيرة على غناها؟!
- *
< صفحة > 365 < / صفحة >
الفصل الثاني والثلاثون : من أدعية النبي صلى الله عليه وآله
الفصل الثاني والثلاثون
من أدعية النبي صلى الله عليه وآله
أهمية الدعاء في حياة كل إنسان
كتبنا في رسالة: من أدعية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله ما خلاصته: الدعاء بذاته قيمة لأنه ارتباط المحدود بالمطلق، فمهما كان أحدنا قوياً فهو مفتقرٌ في وجوده إلى الخالق سبحانه، وفي استمرار حياته ونموه وتكامله، مفتقرٌ الى ضراعة دائمة ليتلقى التموين والعطاء من الغني بالمطلق سبحانه.
وكما قال النبي صلى الله عليه وآله :(الدعاء مخُّ العبادة، ولا يهلك مع الدعاء أحد.. وما من مؤمن يدعو الله إلا استجاب له، إما أن يُعجِّلَ له في الدنيا أو يُؤجِّلَ له في الآخرة، وإما أن يُكَفِّر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بمأثم). (الوسائل:4/1086).
وإنما صار الدعاء جوهر العبادة ومُخَّها ولُبَّها، لأنه اعتراف الإنسان بأنه محدود في الزمان والمكان والقدرات، وإقرارٌ منه لخالقه بأنه المطلق في القدرة والعلم والحكمة، فهو خطاب يضع الأمر في نصابه ويربط الكائن بخالقه. وهوحالة راقية لذَرَّةٍ من الكَوْن الوسيع تفتح يديها لتتلقى الفَيْض.
وقد كان الدعاء ركناً في سلوك سيد الأنبياء والرسل صلى الله عليه وآله ، فقد عاش به رسولاً مبلغاً وإنساناً، فكانت حياته ضراعةً متواصلةً في محضر ربه العظيم. وأدعيته البليغة صلى الله عليه وآله تكشف عن عالمه الداخلي، العامر بمعرفة ربه وطاعته.
وقد حفظ المسلمون بعض أدعيته صلى الله عليه وآله لكنهم ضيعوا أكثرها للأسف بسبب
< صفحة > 366 < / صفحة >
منع السلطة التحديث عنه ومنع كتابة حديثه صلى الله عليه وآله ! (تدوين القرآن/365).
وقد ضيعوا أكثر أدعيته صلى الله عليه وآله لأن الحكام لم يكونوا أهل دعاء ليهتموا به!
لكن أئمة العترة صلوات الله عليهم خالفوالسلطة ونشروا حديث النبي صلى الله عليه وآله وأدعيته ما استطاعوا، ودعوا المسلمين إلى الكتابة، وقد وصلنا عن طريقهم الكثير من أدعية رسول الله صلى الله عليه وآله ، وفقدنا الكثير منها بسبب مواصلة السلطة سياسة التعتيم والإضطهاد، ومطاردة رواتهم وإحراق كتبهم!
دعاؤه صلى الله عليه وآله وشكواه إلى ربه لما كذبه أهل الطائف
ذهب النبي صلى الله عليه وآله إلى الطائف، بعد وفاة عمه وحاميه أبي طالب، وبقي فيها عشرة أيام، والتقى بزعمائها من قريش وثقيف ودعاهم إلى الإسلام فكذبوه ولم يقبلوا منه، فرجع ميؤوساً، ووجهوا إليه غلمانهم وصبيانهم يرمونه بالحصى، فآوى إلى ظل شجرة عنب وقال: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. أنت أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي. إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري،إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن ينزل بي غضبك، أو يَحِلَّ عليَّ سُخْطك، لك العُتْبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك). (مصباح المتهجد:149، وابن هشام:2/285).
دعاء جده عبد المطلب لما استسقى به صلى الله عليه وآله
أجدب أهل مكة فاستسقى عبد المطلب بالنبي صلى الله عليه وآله . قالت رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم: قام فاعتضد ابن ابنه محمداً فرفعه على عاتقه، وهو يومئذ غلام قد أيفع أو كرب (قرب) ثم قال: اللهمَّ سادَّ الخَلَّة، وكاشفَ الكُرْبة، أنت عالمٌ غير مُعَلَّم، ومسؤولٌ غير مُبَخَّل، وهذه عبداؤك وإماؤك بعذارات حرمك، يشكون إليك سَنَتَهم التي أذهبت الخفَّ والظلف، فاسمعنَّ اللهم، وأمطرنَّ علينا غيثاً مغدقاً مريعاً سحاً طبقاً دراكاً. قالت: فورب الكعبة ما راموا حتى انفجرت السماء بمائها واكتظَّ الوادي بثجثجه وانصرف الناس)! (كبير الطبراني: 24 / 259، وكتاب الدعاء / 606، وشرح النهج: 7 / 271).
< صفحة > 367 < / صفحة >
دعاؤه صلى الله عليه وآله في الإستسقاء
في أمالي المفيد/302: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: والله يا رسول الله لقد أتيناك وما لنا بعير يئط، ولا غنم يغط، ثم أنشأ يقول:
أتيناك يا خيــــــر البرية كلهـــــــــا * لترحمنــــــــا مما لقينـــــــا من الأزل
أتيناك والعذراء يدمى لبانهــــــــــا * وقد شغلت أم الصبي عن الطفل
وألقى بكفيــــه الفتى اســــــــتكانة * من الجوع ضعفاً ما يمر وما يحلي
ولا شئ ممـــــــــا يأكل الناس عندنا * سوى الحنظل العامي والعلهز الفسل
وليس لنــــــــــا إلا إليك فرارنـــــــا * وأين فرار الناس إلا إلى الرسل
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه: إن هذا الأعرابي يشكو قلة المطر وقحطاً شديداً، ثم قام يجر رداءه حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وكان مما حمد ربه أن قال: الحمد لله الذي علا في السماء فكان عالياً، وفي الأرض قريباً دانياً، أقرب إلينا من حبل الوريد. ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اسقنا غيثاً، مغيثاً، مريئاً، مريعاً، غدقاً، طبقاً، عاجلاً غير رائث، نافعاً غير ضائر، تملأ به الضرع، وتنبت به الزرع، وتحيي به الأرض بعد موتها.
فما ردَّ يديه إلى نحره حتى أحدق السحاب بالمدينة كالإكليل، والتقت السماء بأردافها. وجاء أهل البطاح يضجون يا رسول الله: الغرق الغرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : اللهم حَوَالَيْنَا ولا علينا، فانجاب السحاب عن السماء، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: لله در أبي طالب لو كان حياً لقرَّت عيناه، من ينشدنا قوله؟ فقام عمر بن الخطاب فقال: عسى أردت يا رسول الله:
وما حملتْ من ناقة فوقَ رحلها * أبرَّ وأوفى ذمَّــــــــةً من محمــــــــــدِ
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ليس هذا من قول أبي طالب، بل من قول حسان بن ثابت، فقام علي بن أبي طالب فقال: كأنك أردت يا رسول الله قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه… الأبيات..قال أجل).
< صفحة > 368 < / صفحة >
دعاؤه صلى الله عليه وآله في يوم بدر
(كان صلى الله عليه وآله إذا لقي العدو يقول: اللهم بك أصولُ وأجول.. اللهم إني أعوذ بك من شرورهم، وأجعلك في نحورهم). (تفسير القرطبي: 3 / 256).
ولما خرج إلى بدر: (اللهم إنهم حفاة فاحملهم، وعراة فاكسهم، وجياع فأشبعهم، وعالة فأغنهم من فضلك. قال: فما رجع أحد منهم يريد أن يركب إلا وجد ظهراً، للرجل البعير والبعيران، واكتسى من كان عارياً، وأصابوا طعاماً من أزوادهم، وأصابوا فداء الأسرى). (الإمتاع: 12/178).
(لما نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى كثرة المشركين وقلة المسلمين، استقبل القبلة وقال: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لاتعبد في الأرض، فنزلت الآيات: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ). (الصحيح: 5 / 35).
وحفظ أهل البيت دعاءه صلى الله عليه وآله :(اللهم أنت ثقتي في كل كرب، وأنت رجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، فكم من كرب يضعف فيه الفؤاد، وتقلُّ فيه الحيلة، ويَخْذُلُ فيه القريب، ويَشمتُ به العدو وتَعيى فيه الأمور، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبةً فيه إليك عمن سواك، ففرجته وكشفته عني وكفيتنيه، فأنت وليُّ كل نعمة، وصاحب كل حاجة، ومنتهى كل رغبة، فلك الحمد كثيراً ولك المنُّ فاضلاً، وبنعمتك تتم الصالحات، يا معروفاً بالمعروف موصوف، أنلني من معروفك معروفاً تغنيني به عن معروف من سواك، برحمتك يا أرحم الراحمين). (مصباح المتهجد/149).
دعاؤه صلى الله عليه وآله يوم أحُد
انهزم الناس في معركة أحد كما وصفهم الله تعالى: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ. ولم يثبت مع النبي صلى الله عليه وآله إلا علي عليه السلام فقاتلا وردَّا هجمات المشركين وجرح النبي صلى الله عليه وآله . فأمره الله أن يستظل بصخرة، ويواصل عليٌّ ردَّ هجماتهم، وكانت تسع حملات قتل علي عليه السلام قادتها وعدداً من فرسانها، والنبي صلى الله عليه وآله يدعو: اللهم لك الحمد وإليك المشتكى،
< صفحة > 369 < / صفحة >
وأنت المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فنزل جبرئيل وقال: يا محمد لقد دعوت بدعاء إبراهيم حين ألقي في النار، ودعا به يونس حين صار في بطن الحوت، وكان من دعائه صلى الله عليه وآله : اللهم اجعلني صبوراً، واجعلني شكوراً، واجعلني في أمانك).(مهج الدعوات/ 28).
دعاؤه صلى الله عليه وآله في أيام الأحزاب
حشد اليهود كل العرب لحرب الأحزاب، وبلغ الجيش أربعة وعشرون ألف مقاتل (التنبيه والإشراف / 216) فحاصروا المدينة ولم يكن أمامهم مانع إلا الخندق، واستمر حصارهم نحو شهر يقاتلون المسلمين برشق السهام والأحجار (تفسير القمي:2 / 185) حتى استطاع نخبة من فرسانهم بقيادة عمرو بن ود أن يعبروه، وكان يعد بألف فارس فدعا المسلمين إلى المبارزة فلم يجرؤ على مبارزته إلى علي عليه السلام فدعا له النبي صلى الله عليه وآله بالنصر وكان ذلك يوم الأربعاء ثالث يوم من دعاء النبي صلى الله عليه وآله . (قال جابر : دعا النبي صلى الله عليه وآله على الأحزاب في مسجد الفتح ثلاثة أيام، يوم الإثنين ويوم الثلاثاء، واستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين فعرف السرور في وجهه، قال جابر: فما نزل بي أمر غائظ وتوجهت في تلك الساعة، إلا عرفت الإجابة). (المجتنى لابن طاووس / 48).
وفي الكافي(2/561) أن دعاءه صلى الله عليه وآله كان (يا صريخ المكروبين، ويا مجيب دعوة المضطرين، ويا كاشف غمي، إكشف عني همي وغمي وكربي، فإنك تعلم حالي وحال أصحابي، فاكفني هول عدوي، فإنه لا يكشف ذلك غيرك).
ولما برز علي عليه السلام ما زال النبي صلى الله عليه وآله يدعو له وهو مطئطئ رأسه، ومما قاله صلى الله عليه وآله : (برز الإيمان كله إلى الشرك كله. اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوق رأسه، ومن تحت قدميه). (تفسير القمي: 2 / 183). (اللهم إنك أخذت مني عبيدة بن الحارث يوم بدر، وحمزة بن عبد المطلب يوم أحُد، فاحفظ علياً اليوم، رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ. اللهم أعنه واستعن به، اللهم انصره وانتصر به فإنه عبدك وأخ رسولك). (أمالي الصدوق / 107).
< صفحة > 370 < / صفحة >
دعاؤه لعلي صلى الله عليه وآله يوم خيبر
(وكان يوم خيبر أرمد لايبصر، فقال النبي صلى الله عليه وآله : أدن مني، فدنا منه فتفل في عينه ودعا له، فلم يرمد وفتحت عليه خيبر). (مناقب ابن سليمان: 2 / 401).
(اللهم اهدِ قلبه واشرح صدره وثَبِّت لسانه، وقِهِ الحرَّ والبرد). (فكان يلبس ثياب الصيف في الشتاء وثياب الشتاء في الصيف، فقلنا لو سألته؟ فقال: إن رسول الله بعث إليَّ وأنا أرمد العين يوم خيبر، قلت: يا رسول الله إني أرمد العين، فتفل في عيني ثم قال: اللهم أذهب عنه الحر والبرد. قال: فما وجدت حراً ولا برداً بعد يومئذ). (أمالي الطوسي / 89).
دعاؤه بأن يتولاه الله تعالى
قال الإمام الصادق صلى الله عليه وآله : (كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة في ليلتها ففقدته من الفراش، فقامت تطلبه في جوانب البيت، حتى انتهت إليه وهو في جانب من البيت قائم رافع يديه يبكي وهو يقول: اللهم لا تَنْزِعْ مني صالحَ ما أعطيتني أبداً، اللهم ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً، اللهم لا تشمت بي عدواً ولا حاسداً أبداً.اللهم لا تَرُدَّني في سوء استنقذتني منه أبداً. قال فانصرفتْ أم سلمة تبكي حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله لبكائها فقال لها: ما يبكيك يا أم سلمة؟ فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ولم لا أبكي وأنت بالمكان الذي أنت به من الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، تسأله أن لا يشمت بك عدواً أبداً ولا حاسداً، وأن لايردك في سوء استنقذك منه أبداً، وأن لا ينزع عنك صالح ما أعطاك أبداً، وأن لا يكلك إلى نفسك طرفة عين أبداً! فقال: يا أم سلمة وما يؤمنني وإنما وكل الله يونس بن متى إلى نفسه طرفة عين، فكان منه ما كان). (القمي:2/74).
(اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ودعاء لايسمع، ونفس لاتشبع، أعوذ بك من شر هؤلاء الأربع. اللهم إني أعوذ بك أن أضِل، أو أُضَل، أو أذلَّ، أو أُذَل، أو أظلم أو أُظلم، أو أجْهَلَ، أو يُجْهَلَ عليَّ). (المصباح للكفعمي / 299).
< صفحة > 371 < / صفحة >
دعاؤه صلى الله عليه وآله بالعافية من جار السوء
دعاؤه صلى الله عليه وآله بالعافية من جار السوء
(اللهم إني أعوذ بك من غنى يطغيني، وفقر يسيئني، وهوى يرديني، وعمل يخزيني، وجار يؤذيني. اللهم إني أعوذ بك من سوء القضاء وسوء القدر، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد). (البحار: 92 / 360).
إستعاذته من شر المال والعيال والأصحاب
(اللهم إني أعوذ بك من ولد يكون عليَّ ربّاً، ومن مالٍ يكون عليَّ ضياعاً، ومن زوجة تُشيبني قبل أوان مشيبي، ومن خليل ماكر، عيناه تراني وقلبه يرعاني، إن رأى خيراً دفنه وإن رأى شراً أذاعه). (الفقيه: 3 / 558).
دعاؤه صلى الله عليه وآله إذا أصابه همٌّ وحُزْن
(حسبي الرب من المربوبين، حسبي الخالق من المخلوقين، حسبي الرازق من المرزوقين، حسبي من هو حسبي، حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم).(الفرج بعد الشدة:1/31).
دعاؤه صلى الله عليه وآله قبل النوم، وعندما يستيقظ
(بسم الله، آمنت بالله وكفرت بالطاغوت. اللهم احفظني في منامي وفي يقظتي. اللهم إن أمسكتَ نفسي في منامي فاغفر لها، وإن أرسلتَها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين). (الكافي: 2 / 536).
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أوى إلى فراشه قال: اللهم باسمك أحيا، وباسمك أموت. فإذا قام من نومه قال: الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور). (الكافي: 2 / 539).
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (كان صلى الله عليه وآله يؤتى بطهور فيخمَّر عند رأسه ويوضع سواكه تحت فراشه، ثم ينام ما شاء الله، فإذا استيقظ جلس ثم قلب بصره في السماء، ثم تلا الآيات من
آل عمران: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ
< صفحة > 372 < / صفحة >
قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرض رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار. ثم يستنُّ ويتطهر، ثم يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات، على قدر قرائته ركوعه، وسجوده على قدر ركوعه، يركع حتى يقال متى يرفع رأسه ويسجد حتى يقال متى يرفع رأسه؟ ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ثم يستيقظ فيجلس فيتلوا الآيات من آل عمران، ويقلِّب بصره في السماء، ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المسجد فيصلي أربع ركعات كما ركع قبل ذلك، ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله، ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران ويقلب بصره في السماء، ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المسجد فيوتر ويصلي الركعتين، ثم يخرج إلى الصلاة). (التهذيب: 2 / 334).
(كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أصبح أن يقول: أصبحنا وأصبح الملك والكبرياء والعظمة والجلال والخلق والأمر والليل والنهار وما يسكن فيهما، لله عز وجل، وحده لا شريك له. اللهم اجعل أول يومي هذا صلاحاً، وأوسطه فلاحاً، وآخره نجاحاً. اللهم إني أسألك خير الدنيا والآخرة يا ارحم الراحمين. اللهم أقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتنا ما تبلغنا به رحمتك، ومن اليقين ما تُهَوِّنُ به علينا مصيبات الدنيا. اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا، واجعله الوارث منا، وانصرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا).(شرح النهج: 6 / 178).
دعاؤه صلى الله عليه وآله إذا أصبح وأمسى
(اللهم إن ظلمي أصبح مستجيراً بعفوك، وذنبي أصبح مستجيراً بمغفرتك، وذُلِّي أصبح مستجيراً بعزك، وفقري أصبح مستجيراً بغناك، ووجهي الفاني البالي أصبح مستجيراً بوجهك الدائم الباقي. (تفسير القمي:2/11).
دعاؤه صلى الله عليه وآله عند الطعام
(كان رسول الله صلى الله عليه وآله ذا وضعت المائدة بين يديه قال: سبحانك اللهم ما أحسن ماتبتلينا، سبحانك اللهم ما أكثر ما تعطينا، سبحانك اللهم ما أكثر ما تعافينا.اللهم أوسع علينا وعلى فقراء المؤمنين والمسلمين).(الكافي:6/ 293).
< صفحة > 373 < / صفحة >
دعاؤه صلى الله عليه وآله بعد الطعام
كان إذا رفعت المائدة قال: (اللهم أكثرتَ وأطبتَ وباركتَ، فأشبعتَ وأرويتَ. الحمد لله الذي يُطعِم ولا يُطْعَم).
(وإذا طَعِمَ عند أهل بيت دعا لهم: (طَعِمَ عندكم الصائمون، وأكل عندكم الأبرار، وصلَّتْ عليكم الملائكة الأخيار). (الكافي: 6 /294).
دعاؤه صلى الله عليه وآله في الشكر على نعمة الخبز
(اللهم بارك لنا في الخبز، ولا تفرق بيننا وبينه، فلولا الخبز ما صمنا ولا صلينا، ولا أدينا فرائض ربنا). (المحاسن: 2 / 292).
دعاؤه صلى الله عليه وآله إذا شرب الماء
(كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا شرب الماء قال: الحمد الله الذي سقانا عذباً زلالاً ولم يسقنا ملحاً أجاجاً، ولم يؤاخذنا بذنوبنا). (الكافي: 6 / 384).
وكان إذا أكل طعاماً أو شرب غير الماء واللبن قال: (اللهم بارك لنا فيه وارزقنا خيراً منه). (المحاسن: 2 / 197).
دعاؤه إذا رأى فاكهة جديدة
(اللهم كما أريتنا أولها في عافية، فأرنا آخرها في عافية).(حلية الأبرار:1/403).
إذا لبس ثوباً جديداً
(الحمد لله الذي كساني من الرياش ما أتجمل في الناس. اللهم اجعله ثياب بركة، أسعى فيها بمرضاتك، وأعمر فيها مساجدك). (روضة الواعظين/309).
< صفحة > 374 < / صفحة >
الدعاء عند التخلي والوضوء
(كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أراد دخول المتوضأ قال: (اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس،
الخبيث المخبث الشيطان الرجيم، اللهم أمط عني الأذى وأعذني من الشيطان الرجيم.اللهم كما أطعمتنيه طيباً في عافية، فأخرجه مني خبيثاً في عافية.
وإذا جلس للوضوء قال: اللهم أذهب عني القذى والأذى واجعلني من المتطهرين). (الفقيه:1/ 22).
دعاؤه صلى الله عليه وآله إذا نظر في المرآة
(اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي). (تحف العقول / 11).
دعاؤه صلى الله عليه وآله إذا أراد النهوض من مجلسه
(سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين). (البحار: 2 / 3).
دعاؤه صلى الله عليه وآله إذا سمع صوت الرعد
(اللهم لاتقتلنا بغضبك ولاتهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك).(نورالثقلين:2/490).
دعاؤه صلى الله عليه وآله إذا ركب دابته للسفر
سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ. اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، والعمل بما ترضى. اللهم هوِّن علينا سفرنا، واطْوِ عنا بعده. اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل. اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال). (نور الثقلين: 4 / 592).
دعاؤه صلى الله عليه وآله في سفره ومنزله
(اللهم أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ. وإذا دخل بلداً: اللهم ربَّ السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، أسألك خير
< صفحة > 375 < / صفحة >
هذه القرية وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها. اللهم إني أسألك خيرها وأعوذ بك من شرها. اللهم أطعمنا من جناها وأعذنا من وباها، وحببنا إلى أهلها، وحبب صالحي أهلها إلينا). (المحاسن:2/80).
دعاؤه صلى الله عليه وآله في الإستخارة
(اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في عاجل أمري وآجله، فقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌّ لي فاصرفه عني واصرفني عنه، وقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به). (البحار: 88 / 228).
دعاؤه صلى الله عليه وآله في صلاته وصومه وحجه
إذا دخل إلى المسجد: اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك. وإذا خرج: اللهم دعوتني فأجبت دعوتك، وصليت مكتوبك، وانتشرت في أرضك كما أمرتني.فأسألك العمل بطاعتك، واجتناب سخطك، والكفاف في الرزق برحمتك).(حلية الأبرار:1/278، ونور الثقلين:5/328).
وإذا وضع جبهته للسجود: (اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي، ورحمتك أرجى عندي من عملي، فاغفر لي ذنوبي يا حيٌّ لايموت).(البحار: 83/217).
دعاؤه في افتتاح الصلاة
وأثنائها وختامها: عن علي عليه السلام قال: كان إذا استفتح الصلاة يكبر ثم يقول: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ). (فضائل الصحابة لابن حنبل:2/695).
دعاؤه صلى الله عليه وآله بعد صلاة الظهر
(اللهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل خير، والسلامة من كل إثم. اللهم لا تدع لي ذنباً إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا سقماً إلا شفيته، ولا عيباً إلا سترته، ولا رزقاً إلا بسطته، ولا خوفاً إلا آمنته، ولا سوءً إلا صرفته، ولا حاجة هي لك رضى ولي صلاح إلا قضيتها يا أرحم الراحمين). (البحار: 83 / 63).
< صفحة > 376 < / صفحة >
دعاؤه صلى الله عليه وآله بعد الصلاة
عن الإمام الجواد عليه السلام قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله يقول إذا فرغ من صلاته: (اللهم اغفر لي ما قدمتُ وما أخرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، وإسرافي على نفسي، وما أنت أعلم به مني. اللهم أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أجمعين، ما علمتَ الحياة خيراً لي فأحيني، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي. اللهم إني أسألك خشيتك في السر والعلانية، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بالقضاء، وبركة الموت بعد العيش، وبرد العيش بعد الموت، وشوقاً إلى رؤيتك ولقائك، من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهديين. اللهم اهدنا فيمن هديت، اللهم إني أسألك عزيمةَ الرشاد والثباتَ في الأمر والرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عافيتك، وأداء حقك، وأسألك يا رب قلباً سليماً ولساناً صادقاً، وأستغفرك لما تعلم، وأسألك خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، فإنك تعلم ولا نعلم، وأنت علام الغيوب). (الكافي: 2 / 547).
دعاء القنوت الذي علمه صلى الله عليه وآله للإمام الحسن عليه السلام
عن عائشة عن الحسن بن علي عليه السلام قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وآله في وترى إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت وتعاليت). (الحاكم (2/363) وقال الترمذي كما في المجموع (3 / 495): لا يعرف عن النبي صلى الله عليه وآله
في القنوت شئ أحسن من هذا).
دعاؤه صلى الله عليه وآله إذا هلَّ هلال شهر رمضان
(اللهم أهلَّهُ علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والعافية المجللة، والرزق الواسع، ودفع الأسقام، وتلاوة القرآن والعون على الصلاة والصيام. اللهم سلمنا لشهر رمضان، وسلمه لنا وتسلمه منا، حتى ينقضي شهر رمضان وقد غفرت لنا). (ثواب الأعمال / 64).
< صفحة > 377 < / صفحة >
(اللهم إنه قد دخل شهر رمضان، اللهم رب شهر رمضان الذي أنزلت فيه القرآن وجعلته بينات من الهدى والفرقان. اللهم فبارك لنا في شهر رمضان، وأعنا على صيامه وصلاته، وتقبله منا). (الإقبال: 1 / 138).
دعاؤه صلى الله عليه وآله عند إفطاره من صومه
(اللهم لك صُمْنَا، وعلى رزقك أفطرناً، فتقبله منا. ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وبقي الأجر). (البحار: 16 / 242).
من أدعيته صلى الله عليه وآله في شهر رمضان
(اللهم أدخل على أهل القبور السرور، اللهم أغن كل فقير، اللهم أشبع كل جائع، اللهم اكْسُ كل عريان، اللهم اقض دين كل مدين، اللهم فرِّج عن كل مكروب، اللهم ردَّ كل غريب، اللهم فكَّ كل أسير، اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين، اللهم اشف كل مريض، اللهم سُدَّ فقرنا بغناك، اللهم غيِّرْ سوء حالنا بحسن حالك، اللهم اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر، إنك على كل شئ قدير). (أعيان الشيعة: 1 / 306).
أقول: هذا الدعاء دعاء لظهور الإمام المهدي عليه السلام وإقامته دولة العدل، لأن أغلب هذه الأشياء لا تتحقق إلا على يده صلوات الله عليه.
دعاؤه صلى الله عليه وآله إذا لبس ثوباً جديداً أو ثوب إحرامه
(الحمد لله الذي رزقني ما أواري به عورتي، وأؤدي به فرضي، وأعبد فيه ربي، وأنتهي فيه إلى ما أمرني. الحمد لله الذي قصدته فبلغني، وأردته فأعانني، وقبلني ولم يقطع بي، ووجهه أردت فسلمني. فهو حصني وكهفي، وحرزي وظهري، وملاذي وملجئي، ومنجاي وذخري، وعدتي في شدتي ورجائي). (من لا يحضره الفقيه: 2 / 527).
دعاؤه صلى الله عليه وآله يوم عرفة
(دعا يوم عرفة حين غابت الشمس، فكان آخر كلامه هذا الدعاء وهملت عيناه بالبكاء: اللهم إني أعوذ بك من الفقر، ومن تشتت الأمر، ومن شر ما يحدث في الليل والنهار.
< صفحة > 378 < / صفحة >
أصبح ذلي مستجيراً بعزك، وأصبح وجهي الفاني مستجيراً بوجهك الباقي، يا خير من سئل، وأجود من أعطى، وأرحم من استرحم، جللني برحمتك، وألبسني عافيتك، واصرف عني شر جميع خلقك). (قرب الإسناد / 21).
دعاء علَّمه صلى الله عليه وآله لوسوسة الصدر
دعاء علَّمه صلى الله عليه وآله لوسوسة الصدر
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله قد لقيت شدة من وسوسة الصدر، وأنا رجل مَدين مُعيل مُحوج، فقال له: كرر هذه الكلمات:لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، توكلت على الحي الذي لايموت، والحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا وَلَداً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً. فلم يلبث أن جاءه فقال: أذهب الله عني وسوسة صدري وقضى عني ديني ووسَّع عليَّ رزقي).(الكافي: 2 / 554).
عن الإمام الباقر عليه السلام قال:(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إني ذو عيال وعليَّ دينٌ وقد اشتدت حالي، فعلَّمني دعاء أدعو الله عز وجل به ليرزقني ما أقضي به ديني وأستعين به على عيالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :يا عبد الله توضأ وأسبغ وضوءك، ثم صل ركعتين تتم الركوع والسجود، ثم قل:يا ماجد يا واحد يا كريم يا دائم، أتوجه إليك بمحمد نبيك نبي الرحمة. يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلى الله ربك وربي ورب كل شئ، أن يصلي على محمد وأهل بيته.وأسألك نفحة كريمة من نفحاتك وفتحاً يسيراً ورزقاً واسعاً، ألمُّ به شعثي، وأقضي به ديني، وأستعين به على عيالي). (الكافي:2/552).
أقول:روى الجميع حديث الأعمى الذي علمه النبي صلى الله عليه وآله التوسل به إلى الله تعالى، وهو حجة دامغة لمن أنكر التوسل، وقد حاول ابن تيمية وأتباعه تضعيفه أو تحريفه فعجزوا، وألف الشيخ محمود سعيد ممدوح المعاصركتاباً سماه:رفع المنارة في تخريج أحاديث التوسل والزيارة، قال في/93: (قال الإمام الحافظ أبو عيسى الترمذي في جامعه.عن عثمان بن حنيف: أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: أدع الله أن يعافيني، قال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك. قال فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيُحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي اللهم فشفعه فيَّ). وقد صححه وقال إن ابن حنيف طبقه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله .
< صفحة > 379 < / صفحة >
دعاؤه صلى الله عليه وآله لطلب الحاجة
دعاؤه صلى الله عليه وآله لطلب الحاجة
(يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لم يهتك الستر ولم يؤاخذ بالجريرة، يا عظيم العفو، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا صاحب كل نجوى ومنتهى كل شكوى، يا مقيل العثرات، يا كريم الصفح، يا عظيم المن، يا مبتدئاً بالنعم قبل استحقاقها، يا رباه يا سيداه يا أملاه يا غاية رغبتاه، أسئلك بك يا الله أن لا تشوِّهَ خلقي بالنار، وأن تقضي لي حوائج آخرتي ودنياي وتفعل بي كذا وكذا..وتصلي على محمد وآل محمد. وتدعو بما بدا لك). (بحار الأنوار: 92 / 164).
دعاؤه صلى الله عليه وآله لمريض
(اللهم اشفه بشفائك وداوه بدوائك وعافه من بلائك). (البحار:78/ 224).
دعاء بجوامع الخير
عن أبي أمامة قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وآله بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئاً فقلنا: يا رسول الله، دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئاً! قال: ألا أدلكم على ما يجمع ذلك كله، تقولون: اللهم إنا نسألك من خير ما أسألك منه نبيك محمد ونعوذ بك من شر ما استعاذ منه نبيك محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله). (الترمذي: 5 / 198).
دعاؤه في طلب العون والنصر
(رب أعني ولا تُعن عليَّ، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر عليَّ، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي. رب اجعلني لك شَكَّاراً، لك ذَكَّاراً، لك أوَّاهاً، لك مطواعاً، إليك مُخْبِتاً، إليك أوَّاهاً منيباً. رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي). (الحاكم:1/519).
< صفحة > 380 < / صفحة >
من أدعيته صلى الله عليه وآله لعلي صلى الله عليه وآله
من أدعيته صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : عن أسماء بنت عميس قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله بإزاء بيتي وهو يقول: (أشْرِقْ ثَبِير، أشرق ثبير، اللهم إني أسألك ما سألك أخي موسى: أن تشرحَ لي صدري، وأن تيسر لي أمري، وأن تحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي، وأن تجعل لي وزيراً من أهلي، علياً أخي، أشدد به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيراً، ونذكرك كثيراً، إنك كنت بنا بصيراً). (قرب الإسناد / 27).
عن ابن عباس قال: دعا رسول الله ذات يوم وقال: (اللهم آنس وحشتي واعطف عليَّ بابن عمي علي. فنزل جبرئيل عليه السلام وقال: يا محمد إن الله يقرؤك السلام ويقول: قد فعلت وأيدتك ما سألت بعلي، وهو سيف الله على أعدائه وسيبلغ دينك كلما بلغ الليل والنهار).(الروضة/73).
اللهم املأ قلبه علماً وفهماً
قال علي عليه السلام :(مانزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي وكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها، ودعا الله عز وجل لي أن يعلمني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علماً أملاه عليَّ فكتبته وما ترك شيئاً علمه الله عز وجل من حلال ولاحرام ولا أمر ولانهي وما كان أو يكون من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته ولم أنس منه حرفاً واحداً،وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أخبرني بذلك طله يضع يده على صدري ثم يقول: اللهم املأ قلبه علماً وفهماً ونوراً وحلماً وإيماناً، عَلِّمْهُ ولا تُجَهِّلْهُ، وحَفِّظْهُ ولا تُنْسِهِ).
وفي مسند زيد بن علي عليهما السلام /294: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى اليمن فقلت: يا رسول الله تبعثني وأنا شاب لا علم لي بالقضاء، قال فضرب يده في صدري ودعا لي فقال: اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه، ولقنه الصواب، وثبته بالقول الثابت، ثم قال: يا علي إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تعجل بالقضاء بينهما حتى تسمع ما يقول الآخر، يا علي لا تقض بين اثنين وأنت غضبان، ولا تقبل هدية مخاصم ولا تضيفه دون خصمه، فإن الله عز وجل سيهدي قلبك ويثبت لسانك، قال فقال عليه السلام : فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما شككت في قضاء بعده).
< صفحة > 381 < / صفحة >
دعاء علمه صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام وهو مريض
دعاء علمه صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام وهو مريض
عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (مرض علي صلوات الله عليه فأتاه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: قل: اللهم إني أسألك تعجيل عافيتك، وصبراً على بليتك، وخروجاً إلى رحمتك). (الكافي: 2/ 567).
دعاءٌ علمه صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام إذا وقع في بلية
(ياعلي ألا أعلمك كلمات إذا وقعت في ورطة أو بلية فقل:بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فإن الله عز وجل يصرف بها عنك ما يشاء من أنواع البلاء). (الكافي:2/573).
دعاؤه لعلي وفاطمة عليهما السلام عند زواجهما
في ينابيع المودة(2/65) أن النبي صلى الله عليه وآله خطب عندما زوج علياً بفاطمة عليها السلام : (جمع الله شملكما، وأعز جدكما، وأطاب نسلكما وجعل نسلكما مفاتيح الرحمة ومعادن الحكمة، وأمن الأمة، وبارك الله لكما، وبارك فيكما، وبارك عليكما، وأسعدكما، وأخرج منكما الكثير الطيب. اللهم إنهما مني وأنا منهما، اللهم كما أذهبت عني الرجس وطهرتني، فأذهب عنهما الرجس وطهرهما وطهر نسلهما. قال أنس: والله لقد أخرج الله منهما الكثير الطيب).
دعاؤه صلى الله عليه وآله للحسنين عليهما السلام
في أمالي المفيد/78، عن جابر الأنصاري قال: (خرج علينا رسول الله آخذاً بيد الحسن والحسين فقال: إن ابني هذين ربيتهما صغيرين ودعوت لهما كبيرين، وسألت الله تعالى لهما ثلاثاً، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. سألت الله لهما أن يجعلهما طاهرين مطهرين زكيين فأجابني إلى ذلك، وسألت الله أن يقيهما وذريتهما وشيعتهما النار فأعطاني ذلك، وسألت الله أن يجمع الأمة على محبتهما فقال: يا محمد إني قضيت قضاءً وقدَّرْت قدراً، وإن طائفة من أمتك ستفي لك بذمتك في اليهود والنصارى والمجوس، وسيخفرون ذمتك في ولدك! وإني أوجبت على نفسي لمن فعل ذلك ألا أحله محل كرامتي ولا أسكنه جنتي، ولا أنظر إليه بعين رحمتي).
< صفحة > 382 < / صفحة >
دعاؤه صلى الله عليه وآله لعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام
روى الجميع حديث الكساء بصيغ مختلفة،ويظهر أنه صدر عن النبي صلى الله عليه وآله في أكثر من مناسبة، ففي بعضها أن النبي صلى الله عليه وآله جمع علياً وفاطمة والحسنين عليهم السلام في مجلس واحد، وأجلس الحسنين على فخذيه، وعلياً وفاطمة أحدهما بين يديه والآخر خلفه، وحدد بهم أهل بيته وعترته ودعا لهم. وفي بعضها ألبسهم كساءً خيبرياً ودخل معهم فيه، ثم دعا لهم. أو أدار عليهم كساء وحددهم ودعا لهم. ومرة كان نائماً تحت كساء فجاء الحسنان وأدخلهما معه ثم جاء علي وفاطمة فأدار عليهم الكساء ودعا لهم. وفي المباهلة وضع كساء على شجيرتين ووقف مع عترته تحته يستظلون من الشمس، فنظر إليهم علماء النصارى وهابوا أن يباهلوهم وسموهم أهل الكساء.
وقد نزلت آية التطهير بعد هذا التحديد النبوي، فكان تحديده صلى الله عليه وآله وضعاً لمصطلح الإسلامي لأهل البيت، كما كان مصطلح الصلاة أخص من معناها اللغوي، فتكون الآية تصديقاً لهذا المصطلح المحدد.
قال ابن قدامة في المغني(6/553): (وقد قال النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة وولديها وزوجها: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).
وفي أسباب النزول للواحدي/239: (فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج يديه فألوى بهما إلى السماء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً).
وفي أمالي الصدوق/574، عن ابن عباس: اللهم إنك تعلم أن هؤلاء أهل بيتي، وأكرم الناس عليَّ، فأحبب من أحبهم، وأبغض من أبغضهم، ووال من والاهم، وعاد من عاداهم، وأعن من أعانهم، واجعلهم مطهرين من كل رجس، معصومين من كل ذنب، وأيدهم بروح القدس).
ورويَ أن دعاءه صلى الله عليه وآله ونزول الآية كانا في بيت أم سلمة فسألت النبي صلى الله عليه وآله : فأرادت أن تدخل معهم في دائرة الكساء، فقال لها: لا، ولكنك إلى خير، وفي بعضها أنه جذب من يدها طرف الكساء! قال أحمد(6/323): (ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم إن هؤلاء آل محمد، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد، إنك حميد مجيد. قالت أم سلمة فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي! وقال: إنك على خير).
< صفحة > 383 < / صفحة >
وفي كمال الدين/278، عن علي عليه السلام : (فجمعني وفاطمة وابنيَّ حسناً وحسيناً ثم ألقى علينا كساء، وقال: اللهم إن هؤلاء أهل بيتي ولحمتي، يؤلمني ما يؤلمهم، ويجرحني ما يجرحهم، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. فقالت أم سلمة: وأنا يا رسول الله؟ فقال: أنت على خير، إنما أنزلت فيَّ وفي أخي وفي ابنيَّ الحسن والحسين وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصة، ليس معنا فيها أحد غيرنا).
وقد حرص النبي صلى الله عليه وآله على تركيز مصطلح آله وعترته وأهل بيته في الأمة (كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت، إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.(الترمذي:4/293 و:5 /30 و 328، والطبراني الكبير:3 /56، و: 22 /200، وأحمد: 3 /259، و 285، وغيرها).
دعا بالبركة لعبد الله بن جعفر
قال القاضي عياض في الشفا(1/285): (ودعا لعبد الله بن جعفر بالبركة في صفقه يمينه، فما اشترى شيئاً إلا ربح فيه ودعا للمقداد بالبركة، فكانت عنده غرائر المال. ودعا لعلي أن يكفى الحر والقر، فكان يلبس في الشتاء ثياب الصيف ولا يصيبه حر ولا برد. ودعا لفاطمة ابنته الله ألا يجيعها، قالت: فما جاعت بعد).
دعاؤه صلى الله عليه وآله بالمغفرة للنجاشي
روى الطبري الشيعي في ذخائر العقبى/208، فرحة النبي صلى الله عليه وآله بعودة جعفر بن أبي طالب ومن معه من الحبشة عند فتح خيبر، ومعهم رسول النجاشي، ومعانقته لجعفر وقوله المشهور: ما أدري أبفتح خيبر أفرح أم بقدوم جعفر؟ وروي: بأيهما أنا أسرّ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟ وأبلغه جعفر رسالة النجاشي: أخبرْ صاحبك بما صنعتُ إليكم، وهذا صاحبي معك وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وقل له يستغفر لي.
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فتوضأ ثم دعا ثلاث مرات: اللهم اغفر للنجاشي، فقال المسلمون: آمين. فقال جعفر للرسول: إنطلق وأخبر صاحبك بما قد رأيت من النبي صلى الله عليه وآله ).
< صفحة > 384 < / صفحة >
دعا بالشباب لعمرو بن الحمق
عاش الصحابي الجليل عمرو بن الحمق ثمانين سنة ولم تشب منه شعرة! فقد سقى النبي لبناً فقال: اللهم أمتعه بشبابه. فلقد أتت عليه ثمانون سنة لا يرى شعرة بيضاء). (ابن أبي شيبة: 7 / 437).
وروي أنه صلى الله عليه وآله دعا للنابغة الجعدي الشاعر: لا يفضض الله فاك. فعاش مئة وعشرين سنة لم يسقط له سن ولا ضرس)! (أمالي المرتضى: 1 / 192).
دعا على كسرى حين مزق كتابه
دعا عليه بأن يمزق الله ملكه فقتله ابنه وانفرط ملكه. وقال لرجل رآه يأكل بشماله كل بيمينك فقال لا أستطيع فقال له لا استطعت، فلم يرفعها إلى فيه بعد! وقال لعتبة بن أبي لهب: اللهم سلط عليه كلباً من كلابك فأكله الأسد.
دعا على الحكم بن أبي العاص
وكان يمشي خلف النبي صلى الله عليه وآله يقلده في مشيه فيختلج بوجهه ويغمز، فقال النبي صلى الله عليه وآله :كن كذلك. فلم يزل يختلج حتى مات. ودعا النبي صلى الله عليه وآله على عشرات من المنافقين أو المشركين، ولعن عشرات منهم.
وقد واجهت السلطة القرشية لعن النبي صلى الله عليه وآله لملعونيها،وقامت بمحاولات لحلها، فزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله أبطل لعن من لعنهم، لأنهم لم يكونوا مستحقين له، يعني كذَّب نفسه! كما زعموا أنه صلى الله عليه وآله لم يلعن أحداً ونهى عن اللعن! مع أنه صلى الله عليه وآله نهى المسلمين وبعض نسائه: أن يكونوا لعَّانين فحَّاشين، وهو غير اللعن الشرعي والطرد الإلهي.
أما اللعن بمعنى الطرد من رحمة الله تعالى ووجوب لعن الملعونين، والبراءة منهم فهو أمر عقدي ثابت في القرآن والسنة، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وقد استمر لعن النبي صلى الله عليه وآله لأولئك الملعونين بل نص على أن لعنته تشمل من كان في صلب الملعون، فقد قالت عائشة لمروان بن الحكم: ولكن رسول الله لعن أبا مروان ومروان في صلبه، فمروان فَضَضٌ(قطعة) من لعنة الله عز وجل).(الحاكم:4/ 481).
< صفحة > 385 < / صفحة >
كما رفض الإمام الباقر عليه السلام أن يتزوج من ذرية الأشعث بن قيس وقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن قوماً فجرت اللعنة في أعقابهم إلى يوم القيامة! وأنا أكره أن يصيب جسدي جسد أحد من أهل النار). (الكافي: 5 / 569).
وقد بحثنا لعن معاوية لأميرالمؤمنين عليه السلام في جواهر التاريخ(2/427) وفندنا تحريف أتباع الخلافة لمعنى اللعن ومحاولتهم جعله رحمة وبركة على الملعونين.
من أدعيته القصار صلى الله عليه وآله :
1 - اللهم إني أسألك العافية وشكر العافية وتمام العافية في الدنيا والآخرة). (مكارم الأخلاق / 351).
2 - (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن دعاء لا يسمع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع). (الحاكم: 1 / 104).
3 - (اللهم فالق الإصباح، وجاعل الليل سكناً، والشمس والقمر حسباناً، إقض عني الدين، وأغنني من الفقر، ومتعني بسمعي وبصري وقوتي في سبيلك). (ابن أبي شيبة: 7 / 27).
4 - (اللهم أعني على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك). (ابن شيبة:7/134).
5 - كان صلى الله عليه وآله يكثر من قوله: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. قالوا يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا قال نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها). (مسند أبي يعلى: 6 / 360)
6- (اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة). (ابن حبان: 3 / 304).
7- (اللهم متعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني وانصرني على من ظلمني، وأرني فيه ثأري). (الحاكم:1/523).
8- (اللهم زيِّنِّي بالعلم، وأغنني بالحلم، وأكرمني بالتقوى، وجَمِّلني بالعافية). (كنز العمال: 2 / 689).
9- (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك).(صحيح مسلم: 8 / 88).
- *
< صفحة > 386 < / صفحة >
الفصل الثالث والثلاثون : أهم خصائص النبي صلى الله عليه وآله وشمائله
الفصل الثالث والثلاثون
أهم خصائص النبي صلى الله عليه وآله وشمائله
كثرة خصائص النبي صلى الله عليه وآله وكثرة المؤلفات فيها
عَدَّدَ العلماء كثيراً من خصائص النبي صلى الله عليه وآله مثل أنه خاتم الأنبياء وأفضلهم، وأن الله خصه بالمعراج وأراه ملكوت السماوات والأرض، وأن شريعته لا تنسخ، وأنه لا ظل له، وأنه تنام عينه ولا ينام قلبه، وأن الله أحل له من النساء أكثر من أربع، وأن صلاة الليل وصلاة الوتر فرض عليه دون أمته، وأنه شفيع المحشر، وصاحب لواء الحمد فيه، وأنه في درجة الوسيلة، الدرجة العليا من الجنة..الخ.
وقد ألف العلماء أكثرمن خمسين كتاباً وبحثاً في خصائص النبي صلى الله عليه وآله ، عددوا فيها عشرات الخصائص، ومن هذه الكتب والبحوث القوي ومنها الضعيف، ومنها مكذوب لتأييد حديث مكذوب، كقول أنس وأمه الأرملة بنت ملحان إن النبي صلى الله عليه وآله كان يزورها في بيتها وينام في حجرها فتفلي رأسه من القمل، مع أنها أجنبية عنه، فزعموا أن من خصائصه الخلوة بالأجنبية!
أو المكذوب لرفع لعن زعماء قريش، فقالوا إن النبي صلى الله عليه وآله ظلمهم بلعنه إياهم ثم تاب! ثم قالوا إن من خصائصه أنَّ له أن يلعن الناس بلا سبب!
وقد اختصر بعضهم في خصائصه صلى الله عليه وآله ، وأطال آخرون، وبقيت خصائص لم يذكروها، فأردنا إيراد أهمها، وكتابة ما لم يذكروه منها.
< صفحة > 387 < / صفحة >
عددوا من خصائصه أكثر من مائة
ونورد منها خلاصة لما ذكره المقريزي في المجلد العاشر من إمتاع الأسماع:
- جعله الله تعالى أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
- جعل أزواجه أمهات المؤمنين وحرم التزوج بهن بعده.
- نصره الله بالرعب مسيرة شهر.
- أن الملائكة قاتلت معه يوم بدر.
- أن رسالته عامة إلى الإنس والجن.
- أنه أول شافع وأول مشفع في القيامة.
- أنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة.
- أنه أول من يقرع باب الجنة.
- أنه سيد الأنبياء عليهم السلام .
- أنه أعطي جوامع الكلم ومفاتيح الكلم.
- أنه أعطى مفاتيح خزائن الأرض.
- أنه كان منوراً وكان إذا مشى في الشمس والقمر لا يظهر له ظل.
- كان يرى من ورائه كما يرى من أمامه، ويرى في الظلمة كما يرى في النهار.
- أن كل نسب وحسب ينقطع نفعه يوم القيامة إلا نسبه وحسبه.
- أن من رآه في المنام فقد رآه حقاً، لأن الشيطان لا يتمثل في صورته.
- كان إذا قعد لحاجته تبتلع الأرض بوله وغائطه.
- أنه ولد مختوناً مسروراً.
- كان لا يتثاءب.
- كان لا يحط عليه الذباب.
< صفحة > 388 < / صفحة > - أنه أسريَ به وعرج به إلى سدرة المنتهى.
- أنه صاحب اللواء الأعظم يوم القيامة.
- أنه صاحب الحوض المورود.
أول خصائصه صلى الله عليه وآله مقامه العظيم الذي تفرد به
- فهوأفضل المخلوقات، لأنه أعرفهم بالله تعالى، ولأنه أعمقهم طاعة له. فقد حقق رقماً قياسياً في معرفة ربه عز وجل، وطاعته المطلقة.
قال المجلسي في روضة المتقين (13/273): (روي بطرق متكثرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام :يا علي لا يعرف الله تعالى إلا أنا وأنت، ولا يعرفني إلا الله وأنت، ولا يعرفك إلا الله وأنا).
وروى الصدوق في علل الشرائع (1/5)، بسند صحيح عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما خلق الله خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني، قال: علي: فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل؟ فقال: يا علي، إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا. فكيف لا نكون أفضل من الملائكة، وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه، لأن أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا فانطقنا بتوحيده وتحميده، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا، فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون، وأنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا، لتعلم الملائكة ان لا إله إلا الله وأنا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه، فقالوا: لا إله إلا الله. فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا، فتعلمت الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلا به، فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العز والقوة قلنا لا حول ولا قوة إلا بالله، لتعلم الملائكة أن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله. فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا الحمد لله لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمته، فقالت الملائكة: الحمد لله.
< صفحة > 389 < / صفحة >
فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله، وتسبيحه، وتهليله، وتحميده، وتمجيده..
وإنه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى، ثم قال لي تقدم يا محمد، فقلت له يا جبرئيل أتقدم عليك؟ فقال: نعم لأن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه على ملائكته أجمعين، وفضلك خاصة، فتقدمت فصليت بهم ولا فخر، فلما انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرئيل تقدم يا محمد وتخلف عني، فقلت يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟ فقال يا محمد إن انتهاء حدي الذي وضعني الله عز وجل فيه إلى هذا المكان، فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعديَّ حدود ربي جل جلاله!
فزج بي في النور زجة حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من علو ملكه، فنوديت يا محمد، فقلت: لبيك ربي وسعد يك تباركت وتعاليت، فنوديت: يا محمد أنت عبدي وأنا ربك فإياي فاعبد وعليَّ فتوكل، فإنك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجتي على بريتي، لك ولمن أتبعك خلقت جنتي، ولمن خالفك خلفت ناري، ولأوصيائك أوجبت كرامتي، ولشيعتهم أوجبت ثوابي، فقلت يا رب ومن أوصيائي، فنوديت يا محمد أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي، فنظرت وأنا بين يدي ربي جل جلاله إلى ساق العرش فرأيت اثني عشر نوراً في كل نور سطر أخضر عليه إسم وصي من أوصيائي أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم مهدي أمتي، فقلت يا رب هؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديت يا محمد هؤلاء أوليائي وأوصيائي وحججي بعدك على بريتي وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك. وعزتي وجلالي، لأظهرن بهم ديني ولأعلين بهم كلمتي، ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأمكننه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرن له الرياح، ولأذللن له السحاب الصعاب، ولأرقينه في الأسباب، ولأنصرنه بجندي، ولأمدنه بملائكتي حتى تعلو دعوتي، ويجتمع الخلق على توحيدي ثم لأديمن ملكه ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة).
كما أن نبينا صلى الله عليه وآله أعمق الناس في العبودية والطاعة لله تعالى، فلم يعص ربه طرفة عين، وكان مُسَلِّماً له راضياً بقضائه وقدره، لم يقترح على ربه شيئاً أبداً، بينما طالب نوح عليه السلام بابنه فقال له: يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ. وطلب ابراهيم عليه السلام أن يجعل من ذريته أئمة، فقال له: لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ.
< صفحة > 390 < / صفحة > - وهو سيد الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ، فقد أخذ الله ميثاق جميع الأنبياء على نبوته. قال تعالى: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ. وقد جمع له الأنبياء في معراجه فصلى بهم عليهم السلام وسألهم فقالوا: أخذ الله عهودنا وميثاقنا على توحيده، وعلى أنك رسول الله). (الكافي:8/120).
3- خلق الله نور نبينا وآله صلى الله عليه وآله قبل هذا العالم، وأحاديثه عندنا متواترة، وفي مصادرهم كثيرة، أوردها آية الله الميلاني في المجلد الخامس من كتابه نفحات الأزهار، وأوردناها في السيرة النبوية.
منها ما رواه في الخصال/481، عن علي عليه السلام :«إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد صلى الله عليه وآله قبل أن خلق السماوات والأرض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار! وقبل أن خلق آدم ونوحاً وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى عليهم السلام )!
ومنها أن عترة النبي صلى الله عليه وآله خلقوا من نوره، ففي الكافي(1/442): « قال لي أبو جعفر عليه السلام : يا جابر إن الله أول ما خلق خلق محمداً وعترته الهداة المهتدين، فكانوا أشباح نور بين يدي الله. قلت: وما الأشباح؟ قال: ظل النور، أبدان نورانية بلا أرواح، وكان مؤيداً بروح واحدة وهي روح القدس، فبه كان يعبد الله وعترته، ولذلك خلقهم حلماء علماء بررة أصفياء). - أن نبينا صلى الله عليه وآله أول من أجاب في عالم الذر، لما خلق الله البشر وامتحنهم. ففي بصائر الدرجات/83، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «إن بعض قريش قال لرسول الله صلى الله عليه وآله : بأي شئ سبقت الأنبياء وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟ قال: إني كنت أول من أقر بربي وأول من أجاب حيث أخذ الله ميثاق النبيين وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى، وكنت أنا أول نبي قال بلى، فسبقتهم بالإقرار بالله ».
ويؤيده ما رواه ابن حنبل في فضائل الصحابة(2/262) عن سلمان قال: « سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم قسم ذلك النور جزءين فجزء أنا وجزء علي ».
وقد بتره ابن حنبل، لأن نصه كما في تاريخ دمشق (42/67): « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله، مطيعاً يسبح الله ذلك النور ويقدسه، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم ركز ذلك النور في صلبه، فلم نزل في شئ واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء أنا وجزء علي ». ونص ابن عساكر مبتور أيضاً فقد نقله في شرح النهج (9/171) فقال: « رواه أحمد
< صفحة > 391 < / صفحة >
في المسند وفي كتاب فضائل علي. وفي كتاب الفردوس: ثم انتقلنا حتى صرنا في عبد المطلب فكان لي النبوة ولعلي الوصية ».
ونلاحظ أن أخبار خلق نور النبي صلى الله عليه وآله مغيبةٌ عن ثقافة المذاهب فلا تسمعها في مساجدهم ومعاهدهم، ولا تراها في مناهجهم التربوية. وهو سلوك متعمد في الإعراض عن ذكر مقامات النبي صلى الله عليه وآله موروث من طلقاء قريش الذين كانوا يسمون خيار الصحابة: عُبَّاد محمد! ويتهمونهم بالغلو فيه، لأنهم يؤمنون بمقاماته صلى الله عليه وآله ويتعبدون بأوامره ونصوصه!
ولذلك أعلنوا بعد وفاته: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات!
وقد ورثهم في عصرنا بدوٌ متعصبون لبني أمية، قالوا: محمد طارش ومات! أي مبعوث أوصل رسالة وانتهى!وقال عالمهم: عصاي هذه أنفع من محمد!
وحرَّموا زيارة قبره صلى الله عليه وآله وحكموا على المسلمين بالشرك لخطابهم النبي صلى الله عليه وآله وقولهم: يا رسول الله إشفع لنا عند الله! و قالوا إنهم يعبدون محمداً!
وقد بحثنا ذلك في المجلد الثاني من ألف سؤال وإشكال، وقلنا إن طعن القرشيات في نبينا صلى الله عليه وآله أسوأ من طعن الإسرائيليات في الأنبياء عليهم السلام . - من خصائصه أنه صلى الله عليه وآله لم يقترح على ربه شيئاً، فهو أبداً تابع لأمر ربه. ففي من لا يحضره الفقيه (1/198) قال الإمام زين العابدين لولده زيد عليهما السلام :(يا بني إن رسول الله صلى الله عليه وآله لايقترح على ربه عز وجل فلا يراجعه في شئ يأمره به).
والأئمة على أخلاق جدهم صلى الله عليه وآله قال الإمام زين العابدين عليه السلام :(مرضت مرضاً شديداً فقال لي أبي عليه السلام :ما تشتهي؟ فقلت أشتهي أن أكون ممن لاأقترح على ربي ما يدبره لي، فقال لي: أحسنت، ضاهيت إبراهيم الخليل عليه السلام حيث قال له جبرئيل عليه السلام : هل من حاجة؟ فقال:لا أقترح على ربي، بل حسبي الله ونعم الوكيل). (الدعوات/168). - ومن خصائصه صلى الله عليه وآله أنه كان يعمل بقاعدة: دعوا مقاديرالله تجري ولا يتدخل. قال الإمام الصادق عليه السلام (الكافي:2/63): (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لشئ قد مضى: لو كان غيره).
وقال في الكافي (1/259): (عن الحسن بن الجهم قال: قلت للرضا عليه السلام : إن أمير المؤمنين عليه السلام قد
< صفحة > 392 < / صفحة >
عرف قاتله والليلة التي يقتل فيها، والموضع الذي يقتل فيه، وقوله لما سمع صياح الإوز في الدار: صوائح تتبعها نوائح، وقول أم كلثوم: لو صليت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلي بالناس فأبى عليها وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح، وقد عرف أن ابن ملجم لعنه الله قاتله بالسيف، كان هذا مما لم يجز تعرضه! فقال: ذلك كان، ولكنه خُيِّرَ في تلك الليلة لتمضي مقادير الله عز وجل).
وفي تفسير الإمام العسكري عليه السلام /481: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يرحمك الله يا سعد، فلقد كنت شجىً في حلوق الكافرين، لو بقيت لكففت العجل الذي يراد نصبه في بيضة المسلمين كعجل قوم موسى. قالوا:يا رسول الله أوَعجلٌ يراد أن يتخذ في مدينتك هذه! قال: بلى، والله يراد، ولو كان سعد فيهم حياً لما استمر تدبيرهم، ويستمرون ببعض تدبيرهم، ثم الله تعالى يبطله. قالوا: أخبرنا كيف يكون ذلك؟ قال: دعوا ذلك لما يريد الله أن يدبره)!
وفي دعائم الإسلام(2/146): (اعتل الحسين عليه السلام فاشتد وجعه، فاحتملته فاطمة عليها السلام الى النبي صلى الله عليه وآله مستغيثةً مستجيرةً فقالت: يا رسول الله، أدع الله لابنك أن يشفيه ووضعته بين يديه، فقام النبي صلى الله عليه وآله حتى جلس عند رأسه ثم قال: يا فاطمة يابنية، إن الله هو الذي وهبه لك هو قادر على أن يشفيه. فهبط علىه جبرئيل فقال: يا محمد، إن الله لم ينزل عليك سورة من القرآن إلا فيها فاء، ولا تكون الفاء إلا من آفة، ما خلا الحمد لله فإنه ليس فيها فاء، فادع بقدح من ماء فاقرأ فيه الحمد أربعين مرة ، ثم صبه عليه فإن الله يشفيه، ففعل ذلك فكأنما أنشط من عقال). (دعائم الإسلام:2/146).
فقد رأت الزهراء عليها السلام أن حالة ابنها خطيرة فحملته الى النبي صلى الله عليه وآله . ولما جلس عند رأسه ليدعو له رآه كالمحتضر، ففكر لعل الله تعالى بدا له في وعده بالحسين عليه السلام ويريد أن يميته! فتوقف عن الدعاء له وقال لها: بل أترك أمره لمقاديرالله تعالى ، ولا أتدخل في مقاديره عز وجل!
والحديث يلفتنا الى تأثير تلاوة سورة الحمد في الماء لأنها بلا فاء! ثم تأثير الماء في بدن المريض، وتأثير التكرار سبع مرات أو عشراً أو أربعين!
ويفهم منه أن معمارية القرآن حسبت للحرف أين يوضع وأين لايوضع! وأن في القرآن دلالة الحروف بوجودها وعدمها، فوق دلالة الكلمات، فهذا الحرف يدل على نوع من الأحداث،
< صفحة > 393 < / صفحة >
وهذا يدل على نوع وذاك على نوع آخر! - من خصائصه صلى الله عليه وآله أنه وآله عليهم السلام مستثنون من أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام : قال الله تعالى: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ.وقد تصور صاحب الميزان أن هذا ليس استثناءً وأن المعنى: أستكبرت أم تصورت أنك أعلى قدراً من أن تؤمر. والصحيح أنه استثناء حقيقي لأنه لايوجد مخلوق يتصور أنه أكبر قدراً من أن يأمره خالقه تعالى، بل المعنى: هل استكبرت عن أمري، أم أنت من عبادي العالين الذين لم يشملهم أمري. فقد شمل الأمر بالسجود كل الملائكة، وإبليس الذي كان معهم وهو من الجن. ولم يشمل النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله الذين كانوا أنواراً تامة العقل والحياة، يعيشون في منطقة عُلْيَا حول العرش. واستثناهم لأن السجود من أجلهم.
فقد روى الصدوق(فضائل الشيعة/7) بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: (كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وآله إذ أقبل إليه رجل فقال: يا رسول الله أخبرني عن قوله عز وجل لإبليس: أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ، فمن هو يا رسول الله الذي هو أعلى من الملائكة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين، كنا في سرادق العرش نسبح الله وتسبح الملائكة بتسبيحنا، قبل أن يخلق الله عز وجل آدم بألفي عام، فلما خلق الله عز وجل آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له ولم يأمرنا بالسجود. فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلا إِبْلِيسَ أَبَى ولم يسجد فقال الله تبارك وتعالى: أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ، عنى من هؤلاء الخمسة المكتوبة أسماؤهم في سرادق العرش. فنحن باب الله الذي يؤتى منه ، بنا يهتدي المهتدى ، فمن أحبنا أحبه الله وأسكنه جنته ، ومن أبغضنا أبغضه الله وأسكنه ناره، ولا يحبنا إلا من طاب مولده). - أمرالله تعالى الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام لأن نبينا صلى الله عليه وآله في صلبه. ففي عيون أخبار الرضا عليه السلام (1/238): (إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا واكراماً، وكان سجودهم لله عز وجل عبودية، ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة)؟!
- من خصائصه صلى الله عليه وآله أنه وأهل بيته عليهم السلام المستثنون من الصعقة في قوله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ الله. وقد تحير المفسرون في المستثنيْن من صعقة القيامة
< صفحة > 394 < / صفحة >
على عشرة أقوال وأكثر!
قال في فتح الباري (11/320): (وحاصل ما جاء في ذلك عشرة أقوال:الأول: أنهم الموتى كلهم لكونهم لا إحساس لهم.. عن سعيد بن جبير موقوفاً: هم الشهداء وسنده إلى سعيد صحيح.. وهذا هو القول الثاني.. الى آخر ما عدده.
أقول: إن الإستثناء من الصعقة تكريمٌ خاصٌّ للمستثنيْن. وقد طبَّقه كل منهم على من يراه أهلاً له. والعجيب أنهم قبلوا أن يكون المستثنين الملائكة أو البشر، فهم أحق بالتكريم من محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله ! مع أن بني آدم أفضل من الملائكة، وجبرئيل لم يتقدم على نبينا صلى الله عليه وآله !
10- ومن خصائص النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يحقر الدنيا ولا يراها لنفسه قدراً. قال أمير المؤمنين عليه السلام
(نهج البلاغة:2/59): (فتأسَّ بنبيك الأطيب الأطهر صلى الله عليه وآله ، فإن فيه أسوة لمن تأسى، وعزاء لمن تعزى. وأحب العباد إلى الله المتأسي بنبيه والمقتص لأثره. قضم الدنيا قضماً، ولم يعرها طرفاً. أهضم أهل الدنيا كشحاً، وأخمصهم من الدنيا بطناً. عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها. وعلم أن الله سبحانه أبغض شيئاً فأبغضه، وحقر شيئاً فحقره، وصغَّر شيئاً فصغره. ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض الله ورسوله وتعظيمنا ما صغر الله ورسوله صلى الله عليه وآله لكفى به شقاقاً لله ومحادةً عن أمر الله.
ولقد كان صلى الله عليه وآله يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري ويردف خلفه. ويكون الستر على باب بيته فتكون فيه التصاوير فيقول: يا فلانة لإحدى أزواجه غيبيه عني فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها. فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها من نفسه، وأحب أن تغيب زينتها عن عينه، لكيلا يتخذ منها رياشاً، ولا يعتقدها قراراً ولا يرجو فيها مقاماً، فأخرجها من النفس، وأشخصها عن القلب، وغيبها عن البصر. وكذا من أبغض شيئاً أبغض أن ينظر إليه وأن يذكر عنده.
ولقد كان في رسول الله صلى الله عليه وآله ما يدلك على مساوئ الدنيا وعيوبها، إذ جاع فيها مع خاصته، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته. فلينظر ناظر بعقله، أكرم الله محمداً بذلك أم أهانه؟فإن قال أهانه فقد كذب والعظيم، وإن قال أكرمه فليعلم أن الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له وزواها عن أقرب الناس منه. فتأسى متأس بنبيه، واقتص أثره، وولج مولجه، وإلا فلا يأمن الهلكة فإن الله جعل محمداً صلى الله عليه وآله علماً للساعة، ومبشراً بالجنة، ومنذراً بالعقوبة. خرج
< صفحة > 395 < / صفحة >
من الدنيا خميصاً، وورد الآخرة سليماً. لم يضع حجراً على حجر حتى مضى لسبيله، وأجاب داعي ربه. فما أعظم منة الله عندنا حين أنعم علينا به سلفاً نتبعه، وقائداً نطأ عقبه).
وقال الإمام الصادق عليه السلام :(قال رسول الله صلى الله عليه وآله :مالي وللدنيا إنما مثلي ومثلها كراكب رفعت له شجرة في يوم صائف، فقال تحتها، ثم راح وتركها). ومعنى: قالَ تحتها: نام في القيلولة.
وقال عليه السلام : (في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام قال: يا علي إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، يا علي أوحى الله إلى الدنيا إخدمي من خدمني، وأتعبي من خدمك. يا علي إن الدنيا لو عدلت عند الله جناح بعوضة لما سقى الكافر منها شربة من ماء، يا علي ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو يتمنى يوم القيامة أنه لم يعط من الدنيا إلا قوتاً). (وسائل الشيعة:11/317).
وقال الإمام الباقر عليه السلام (أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: علمني يا رسول الله شيئاً، فقال عليك باليأس مما في أيدي الناس فإنه الغنى الحاضر. قال: زدني يا رسول الله، قال: إياك والطمع فإنه الفقر الحاضر). (وسائل الشيعة:11/322).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم، وهما مهلكاكم). (وسائل الشيعة:11/319).
وقال الإمام الصادق عليه السلام (الكافي:8/131): (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : عرضت عليَّ بطحاء مكة ذهباً فقلت: يا رب لا، ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً فإذا شبعت حمدتك وشكرتك، وإذا جعت دعوتك وذكرتك).
ونختم بما قاله أمير المؤمنين عليه السلام (مطالب السؤول/276) لجابر الأنصاري لما رآه تنفس الصعداء، فقال له: (يا جابرعلام تنفسك أعلى الدنيا؟فقال جابر: نعم. فقال له: ملاذُّ الدنيا سبعة: المأكول، والمشروب، والملبوس، والمنكوح، والمركوب، والشموم، والمسموع.
فألذ المأكولات العسل وهو بصاق من ذبابة، وأجل المشروبات الماء وكفى بإباحته وسياحته على وجه الأرض، وأعلا الملبوسات الديباج وهو من لعاب دودة، وأعلي المنكوحات النساء وهي مبالٌ في مبال ومثال لمثال، وإنما يراد أحسن ما في المرأة لأ قبح ما فيها. وأعلى المركوبات الخيل وهي قواتل، وأجل المشمومات المسك وهو دم من سرة دابة، وأجل المسموعات الغناء والترنم وهو إثم! فما هذه صفته لم يتنفَّس عليه عاقل! قال جابر: فوالله ما خطرت الدنيا بعدها على قلبي).
< صفحة > 396 < / صفحة > - من خصائصه صلى الله عليه وآله أن بدنه الشريف فيه ميزات عن تكوين أبداننا. فالنبي صلى الله عليه وآله ولد مختوناً مسروراً أي سويت سرته، وعلى كتفه خاتم النبوة وهو شامة عليها شعرات خضر. وهو يرى من خلفه كما يرى من أمامه، ويرى في الظلمة كما يرى في النور، وبدنه نوراني ليس له ظل، ولا يتثاءب ولا يتمطى، ولا يحتلم، وتنام عينه ولا ينام قلبه، فيسمع وهو نائم، ورائحة نجوه مثل المسك، والأرض تستره بابتلاعه. وأن أحدهم شرب من دم حجامته فلم يمرض، وأن في تفلته الشفاء والمعجزة.
قال المحقق الحلي في النهاية ونكتها(1/510): (في خصائص النبي صلى الله عليه وآله وهي خمس عشرة خصلة: منها ما هو في النكاح وهو تجاوز الأربع بالعقد، وربما كان الوجه الوثوق بعدله بينهن دون غيره…ومنها ما هو خارج عن النكاح: وهو وجوب السواك، والوتر والأضحية، وقيام الليل، وتحريم الصدقة الواجبة…وخصَّ بأنه تنام عينه ولا ينام قلبه.ويبصر وراءه كما يبصر أمامه).
وفي الكافي (8/140) في حديث الله تعالى لعيسى عليه السلام : (النور في صدره والحق على لسانه، وهو على الحق حيثما كان، أصله يتيم، ضال برهة من زمانه عما يراد به، تنام عيناه ولا ينام قلبه، له الشفاعة وعلى أمته تقوم الساعة).
ومن خصائصه صلى الله عليه وآله ثقل بدنه، ففي مناقب آل أبي طالب(1/399): (عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إحملني لنطرح الأصنام عن الكعبة، فلم أطق حمله، فحملني، والله لو شئت أن أنال السماء بيدي لنلتها).
وفي علل الشرائع(1/174) أن محمد بن حرب الهلالي والي المدينة سأل الصادق عليه السلام : (لمَ لم يطق حمله علي عليه السلام عند حط الأصنام من سطح الكعبة مع قوته وشدته، وما ظهر منه في قلع باب القموص بخيبر والرمي به إلى ورائه أربعين ذراعاً، وكان لايطيق حمله أربعون رجلاً، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يركب الناقة والفرس والحمار، وركب البراق ليلة المعراج، وكل ذلك دون علي في القوة والشدة؟ فقال: إن علياً عليه السلام برسول الله صلى الله عليه وآله تشرف وبه ارتفع وبه وصل إلى أن أطفأ نار الشرك وأبطل كل معبود من دون الله عز وجل، ولو علاه النبي لحط الأصنام لكان صلى الله عليه وآله بعلي مرتفعاً ومتشرفاً وواصلاً إلى حط الأصنام، ولو كان ذلك كذلك لكان أفضل منه. ألا ترى أن علياً عليه السلام قال: لما علوت ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله شرفت وارتفعت حتى لو شئت أن أنال السماء
< صفحة > 397 < / صفحة >
لنلتها. أما علمت أن المصباح هو الذي يهتدى به في الظلمة وانبعاث فرعه من أصله، وقد قال علي عليه السلام :أنا من أحمد كالضوء من الضوء.. الحديث). أي ضوء ممنبعث من ضوء.
وروي أنه بعد تكسير هبل، رمى النبي صلى الله عليه وآله بقبضة حصى على بقية الأصنام فوقعت لوجهها فأخذها الناس وكسروها. ورويَ (البحار:38/77) أن عمر تمنى ذلك، فقال له صلى الله عليه وآله : إن الذي عبَدَهُ لا يقلعه). - من خصائصه صلى الله عليه وآله أنه الشاهد على عمل أمته في حياته، وبعد موته. قال الله تعالى: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
وفي الصحيح في الكافي(1/219)قال الإمام الصادق عليه السلام : (تعرض الأعمال على رسول الله صلى الله عليه وآله أعمال العباد كل صباح أبرارها وفجارها فاحذروها.وهو قول الله تعالى:وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ ورَسُولُه والْمُؤْمِنُونَ.
وقال عليه السلام : مالكم تسوؤن رسول الله صلى الله عليه وآله ! فقال رجل: كيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسروه).
أقول: لا نعرف النظام الرباني لعرض الأعمال على النبي والمؤمنين أي الأئمة عليهم السلام ، ولا بد أن يكون العرض في خلاصة أو في عمود من نور كما في بعض الروايات، أو يكون بمقياس خارج زماننا ومكاننا، حتى يستوعب النبي صلى الله عليه وآله كل الأعمال.
ويدل الحديث الصحيح عن الصادق عليه السلام (البصائر/444) على أنه يوجد نظامان لعرض الأعمال، قال عليه السلام : (إن أعمال أمة محمد تعرض على رسول الله صلى الله عليه وآله في كل خميس فليستحِ أحدكم من رسول الله صلى الله عليه وآله أن يعرض عليه القبيح).
وفي حديث آخر: (تعرض عليه في كل خميس، فإذا كان الهلال أُكملت. فإذا كان النصف من شعبان عُرضت على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى علي عليه السلام ، ثم تنسخ في الذكر الحكيم).
والذكر الحكيم إسم أو وصف للقرآن، وهنا بمعنى اللوح المحفوظ كما روي.
وفي رواية:أن الله عز وجل في يوم عرفة، يجعل أعمال النواصب هباء منثوراً.
وفي رواية: أن أعمال العباد تلقى في نهر من أنهار الجنة عند الملتزم. (الكافي:4/525).
< صفحة > 398 < / صفحة >
وفي رواية: استحباب صوم يوم الخميس لتعرض أعمال العبد وهو صائم. - ومن خصائصه صلى الله عليه وآله أن الله جمع له مواريث الأنبياء عليهم السلام فأعطاها الى علي عليهم السلام . ففي الكافي(1/115): (عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: يا أبا محمد إن الله عز وجل لم يعط الأنبياء شيئاً إلا وقد أعطاه محمداً صلى الله عليه وآله قال: وقد أعطى محمداً صلى الله عليه وآله جميع ما أعطى الأنبياء عليهم السلام ، وعندنا الصحف التي قال الله عز وجل: صحف إبراهيم وموسى.. قلت له: جعلت فداك أخبرني عن النبي صلى الله عليه وآله ورث النبيين كلهم؟ قال: نعم. قلت: من لدن آدم عليه السلام حتى انتهى إلى نفسه؟ قال: ما بعث الله نبياً إلا ومحمد صلى الله عليه وآله أعلم منه).
وفي الكافي (1/223): (عن علي بن النعمان رفعه، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: يمصون الثماد ويدعون النهر العظيم! قيل له: وما النهر العظيم؟قال: رسول الله صلى الله عليه وآله والعلم الذي أعطاه الله، إن الله عز وجل جمع لمحمد صلى الله عليه وآله سنن النبيين من آدم وهلم جراً إلى محمد صلى الله عليه وآله . قيل له: وما تلك السنن؟قال: علم النبيين بأسره، وإن رسول الله صيَّر ذلك كله عند أمير المؤمنين عليه السلام فقال له رجل: يا ابن رسول الله فأمير المؤمنين أعلم أم بعض النبيين؟فقال أبو جعفر عليه السلام : إسمعوا ما يقول؟ إن الله يفتح مسامع من يشاء، إني حدثته أن الله جمع لمحمد صلى الله عليه وآله علم النبيين وأنه جمع ذلك كله عند أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو يسألني أهو أعلم أم بعض النبيين)!
وفي الغيبة للطوسي/222: (عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: عصا موسى قضيب آس من غرس الجنة أتاه بها جبرئيل عليه السلام لما توجه تلقاء مدين، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية، ولن يبليا ولن يتغيرا حتى يخرجهما القائم عليه السلام إذا قام).
وقال الله تعالى عن تابوت السكينة:وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.
وقد كان التابوت آية لبني إسرائيل على إمامة من يكون عنده، وقد جاءت به الملائكة تحمله بين جموع بني إسرائيل حتى وضعته أمام طالوت عليه السلام ، ثم سلمه طالوت إلى داود، وداود لسليمان، وسليمان إلى وصيه آصف بن برخيا، ثم فقده بنو إسرائيل عندما تركوا وصي سليمان صلى الله عليه وآله
وبايعوا غيره.
< صفحة > 399 < / صفحة >
واعتقادنا أن تابوت السكينة وجميع مواريث الأنبياء عليهم السلام وصلت إلى النبي صلى الله عليه وآله ، ثم إلى أوصيائه عليهم السلام ، فهي عند الإمام المهدي عليه السلام .
وفي الكافي(1/233) قال الإمام الصادق عليه السلام :(وإن عندي لسيف رسول الله صلى الله عليه وآله وإن عندي لراية رسول الله صلى الله عليه وآله ودرعه ولامته ومغفره، وإن عندي لراية رسول الله صلى الله عليه وآله المغلبة، وإن عندي ألواح موسى عليه السلام وعصاه، وإن عندي لخاتم سليمان بن داود عليهما السلام ، وإن عندي الطست الذي كان موسى عليه السلام يقرب به القربان، وإن عندي الإسم الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة.وإن عندي المثل الذي جاءت به الملائكة.
ومثَل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل، في أي أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم أوتوا النبوة، ومن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة). - ومن خصائصه صلى الله عليه وآله أنه خطيب المحشر، وصاحب لواء الحمد ورئاسة المحشر، وله حوض الكوثر، وله الشفاعة في المحشر.
في تفسير فرات/437: (قال النبي صلى الله عليه وآله : إن الله تبارك وتعالى إذا جمع الناس يوم القيامة، وعدني المقام المحمود وهو وافٍ لي به، إذا كان يوم القيامة نُصب لي منبر له ألف درجة لاكمراقيكم، فأصعد حتى أعلو فوقه، فيأتيني جبرئيل بلواء الحمد، فيضعه في يدي ويقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى، فأقول لعلي: إصعد، فيكون أسفل مني بدرجة، فأضع لواء الحمد في يده.
ثم يأتي رضوان بمفاتيح الجنة فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود، الذي وعدك الله تعالى، فيضعها في يدي، فأضعها في حجر علي بن أبي طالب.
ثم يأتي مالك خازن النار فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى، هذه مفاتيح النار، أدخل عدوك وعدو ذريتك وعدو أمتك النار، فآخذها وأضعها في حجر علي بن أبي طالب. فالنار والجنة يومئذ أسمعُ لي ولعلي من العروس لزوجها، فهو قول الله تبارك وتعالى في كتابه: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ. ألق يا محمد وياعلي عدوكما في النار.
ثم أقوم فأثني على الله ثناء لم يُثْنَ عليه أحد قبلي، ثم أثني على الملائكة المقربين، ثم أثني على الأنبياء والمرسلين، ثم أثني على الأمم الصالحين، ثم أجلس فيثني الله عليَّ، ويثني عليَّ
< صفحة > 400 < / صفحة >
ملائكته، ويثني عليَّ أنبياؤه ورسله، وتثني عليَّ الأمم الصالحة).
وفي التوحيد للصدوق/261: (ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد وهو المقام المحمود، فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله، ثم يثني على الملائكة كلهم فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد صلى الله عليه وآله ، ثم يثني على الرسل بما لم يثن عليهم أحد قبله، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة يبدأ بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين، فيحمده أهل السماوات والأرض، فذلك قوله: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظ، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ ولا نصيب).
قال الكاظمي في مسالك الأفهام(1/1489): (قال في التبيان: قد أجمع المفسرون على أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة، وهو المقام الذي يشفع فيه للناس. ويؤيده ما رواه العامة عن أبي هريرة أنه قال:هوالمقام الذي أشفع فيه لأمتي).
وفي الكافي (4/551): (اللهم فاجعل صلواتك وصلوات ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والأرضين، ومن سبح لك يا رب العالمين من الأولين والآخرين، على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من خلقك، اللهم أعطه الدرجة والوسيلة من الجنة، وابعثه مقاما محموداً يغبطه به الأولون والآخرون).
وفي أمالي الصدوق/370: (عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا قمت المقام
المحمود تشفعت في أصحاب الكبائر من أمتي، فيشفعني الله فيهم، والله لا تشفعت فيمن آذى ذريتي).
وفي أمالي الطوسي/455: (عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً مقبلاً على علي بن أبي طالب وهو يتلو هذه الآية: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. فقال:يا علي، إن ربي عز وجل ملكني الشفاعة في أهل التوحيد من أمتي، وحظر ذلك على من ناصبك وناصب ولدك من بعدك).
15.ومن خصائصه صلى الله عليه وآله أن له درجة الوسيلة في الفردوس الأعلى في الجنة. ففي بصائر الدرجات/436، بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله يقول: إذا سألتم الله فسلوه الوسيلة. قال: فسألنا النبي صلى الله عليه وآله عن الوسيلة قال: هي درجتي في الجنة، وهي
< صفحة > 401 < / صفحة >
ألف مرقاة، ما بين مرقاة إلى مرقاة جوهرة، إلى مرقاة زبرجدة، إلى مرقاة ياقوتة، إلى مرقاة لؤلوة، إلى مرقاة ذهبة، إلى مرقاة فضة، فيؤتى بها يوم القيمة حتى تنصب مع درجة النبيين، فهي في درجة النبيين كالقمر بين الكواكب، فلا يبقى يومئذ نبي ولاصديق ولا شهيد إلا قالوا طوبى لمن له هذه الدرجة؟ فيأتي النداء من عند الله تبارك وتعالى يُسمع النبيين والصديقين والشهداء والمؤمنين: هذه درجة محمد. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أُقْبِلُ أنا يومئذ متزراً بريطة من نور، على تاج الملك وإكليل الكرامة، وعلي بن أبي طالب أمامي، بيده لوائي وهو لواء الحمد، مكتوب عليه: لا إله إلا الله. المفلحون هم الفائزون بالله.
فإذا مررنا بالنبيين قالوا: هذان ملكان مقربان، وإذا مررنا بالملائكة قالوا هذا نبيان مرسلان، وإذا مررنا بالمؤمنين قالوا نبيان لم نرهما و لم نعرفهما، حتى أعلو تلك الدرجة وعليٌّ يتبعني، فإذا صرت في أعلى الدرجة وعليٌّ أسفل مني بدرجة، وبيده لوائي فلا يبقى يومئذ ملك ولا نبي ولا صديق ولا شهيد ولا مؤمن إلا رفعوا رؤوسهم إلينا ويقولون: طوبى لهذين العبدين ما أكرمهما على الله. فيأتي النداء من عند الله يسمع النبيين والخلايق: هذا محمد حبيبي، وهذا علي وليي، طوبى لمن أحبه، وويل لمن أبغضه وكذب عليه).
وفي الكافي(8/24) من خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في اليوم السابع لوفاة النبي صلى الله عليه وآله : (ألا وإن الوسيلة على درج الجنة وذروة ذوائب الزلفة، ونهاية غاية الأمنية، لها ألف مرقاة، ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام. وما بين مرقاة درة إلى مرقاة جوهرة، إلى مرقاة زبرجدة، إلى مرقاة لؤلؤة، إلى مرقاة ياقوته، إلى مرقاة زمردة، إلى مرقاة مرجانة، إلى مرقاة كافور، إلى مرقاة عنبر، إلى مرقاة يلنجوج، إلى مرقاة ذهب، إلى مرقاة غمام، إلى مرقاة هواء، إلى مرقاة نور!
قد أنافت على كل الجنان، ورسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ قاعد عليها، مرتد بريطتين، ريطة من رحمة الله، وريطة من نور الله، عليه تاج النبوة وإكليل الرسالة، قد أشرق بنوره الموقف، وأنا يومئذ على الدرجة الرفيعة وهي دون درجته، وعليَّ ريطتان ريطة من أرجوان النور، وريطة من كافور. والرسل والأنبياء قد وقفوا على المراقي، وأعلام الأزمنة وحجج الدهور، عن أيماننا وقد تجللهم حلل النور والكرامة، لا يرانا ملك مقرب ولا نبي مرسل، إلا بهت بأنوارنا وعجب من ضيائنا وجلالتنا.
وعن يمين الوسيلة عن يمين الرسول صلى الله عليه وآله غمامة بسطة البصر يأتي منها النداء: يا أهل الموقف
< صفحة > 402 < / صفحة >
طوبى لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الأمي العربي، ومن كفر فالنار موعده!
ويا أهل الإنحراف والصدود عن الله عز ذكره ورسوله وصراطه وأعلام الأزمنة، أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربكم، جزاء بما كنتم تعملون)!
وفي مناقب ابن المغازلي/316، وكنز العمال (12/103) عن ابن مردويه: (في الجنة درجة تدعى الوسيلة، فإذا سألتم الله فسلوا لي الوسيلة، قالوا: يا رسول الله من يسكن معك فيها؟ قال: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ).
- *
< صفحة > 403 < / صفحة >
شمائل النبي صلى الله عليه وآله وكثرة المؤلفات فيها
شمائل النبي صلى الله عليه وآله وكثرة المؤلفات فيها
المقصود بخصائص النبي صلى الله عليه وآله صفاته الخاصة. وبالشمائل صفاته العامة. قال الخليل(6/265): (والشَّمَال: خليقة الإنسان. وجمعه: شمائل. ويقال: إنها لحسنة الشمائل، أي: شكلها وحالاتها. ورجل كريم الشمائل، أي: في أخلاقه وعشرته). فالشمائل تشمل الطبائع والصفات البدنية.
وقد ألف الترمذي كتابه: الشمائل المحمدية، في شمائل النبي صلى الله عليه وآله ، ولخصه الألباني. وكتب البغوي المشهور وهو الحسين بن مسعود كتابه: الأنوار في شمائل النبي المختار لكنه لم يتقيد فيه بإسم الكتاب فجاء أوسع من الشمائل.
وألف آخرون في العصور المتأخرة في الشمائل، ولم يبلغوا مستوى شمائل الترمذي والبغوي، لذلك نورد خلاصته :
خلاصة كتاب الشمائل المحمدية للترمذي
أهم ما أورده الترمذي في كتابه أحاديث علي والحسن والحسين عليها السلام في وصف النبي صلى الله عليه وآله ، لكنه جزأها مع الأسف، مقتدياً في التجزئة بأستاذه محمد بن إسماعيل البخاري، الذي نتَّف الأحاديث تنتيفاً فخربها!
ونحن جمعناها وكتبنا ملاحظات حول الحديث المشهور عن ابن أبي هالة: قال الترمذي:كان علي إذا وصف رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله بالطويل الممغط، ولا بالقصير المتردد، وكان ربعة من القوم، لم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط، كان جعداً رجِلاً، ولم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم، وكان في وجهه تدوير، أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد، أجرد ذو مسربة، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما ينحط في صبب، وإذا التفت التفت معاً، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو خاتم النبيين، أجود الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله.
وقال الترمذي: سمعت أبا جعفر محمد بن الحسين يقول: سمعت الأصمعي يقول: في تفسير صفة النبي صلى الله عليه وآله : الممغط: الذاهب طولاً. وقال: سمعت أعرابياً يقول في كلامه: تمغط في نشابته
< صفحة > 404 < / صفحة >
أي مدها مداً شديداً. والمتردد: الداخل بعضه في بعض قصراً.
وأما القَطط: فالشديد الجعودة والرجل الذي في شعره هجونة، أي تثن قليل.
وأما المطهم: الكثير اللحم، والمكلثم: المدور الوجه المشرب: الذي في بياضه حمرة. والأدعج: الشديد سواد العين. والأهدب: الطويل الأشفار. والكتد: مجتمع الكتفين وهو الكاهل. والمسربة: هو الشعر الدقيق الذي كأنه قضيب من الصدر إلى السرة. والشثن: الغليظ الأصابع من الكفين والقدمين.
والتقلع: أن يمشي بقوة. والصبب: الحدور. يقال: انحدرنا في صبوب وصبب.
وقوله: جليل المشاش: يريد رؤوس المناكب. والعِشرة: الصحبة. والعشير: الصاحب. والبديهة: المفاجأة، يقال: بدهته بأمر، أي فجأته.
حديث ابن أبي هالة بل حديث الحسن في وصف النبي صلى الله عليه وآله
اشتهر هذا الحديث باسم حديث هند بن أبي هالة في وصف النبي صلى الله عليه وآله لكن فقراته المهمة رويت عن هالة عن الحسن عن الحسين عن علي عليهم السلام !
قال الترمذي/189: عن الحسن بن علي قال: قال الحسين: سألت أبي عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله في جلسائه فقال:كان رسول الله دائم البشر، سهل الخلق لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عيان ولا مشاح..وسيأتي كاملاً.
بحث في سند الحديث
- ضعف النقاد هذا الحديث مثل الهيتمي وقال: فيه من لم يسم، أي مجهول. والألباني فقال: ضعيف. وكذلك فعل السيد جعفر مرتضى، في الصحيح في سيرة النبي صلى الله عليه وآله ، وكلامهم طبعاً عن سنده المشهور المتقدم.
لكن يمكن تصحيح الحديث لأن له طرقاً أخرى، ذكر بعضها الصدوق في معاني الأخبار/80، قال:(وحدثني الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري قال أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن منيع، قال: حدثني إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفربن محمد بن علي
< صفحة > 405 < / صفحة >
بن الحسين عليهم السلام بمدينة الرسول قال: حدثني علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي، عن موسى بن جعفر، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن علي بن الحسين عليهم السلام قال: قال الحسن بن علي عليهما السلام :سألت خالي هند بن أبي هالة عن حلية رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأورد الحديث.
كما ذكر له ابن عساكر طريقين آخرين (تاريخ دمشق:3/336) قال:(وأما حديث هند فأخبرناه عالياً أبو محمد عبد الكريم السلمي أنبأنا أبو بكر الخطيب أنبأنا أبو بكر الخطيب. وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي أنبأنا أبو بكر بن اللالكائي وأبو سعد محمد بن علي بن محمد بن جعفر السلمي قالوا أنبأنا أبو الحسين بن الفضل أنبأنا عبد الله بن جعفر أنا يعقوب نبأنا يونس أنبأنا أبو بشر بن قعنب حدثني إسحاق بن صالح المخزومي عن يعقوب التميمي عن عبد الله بن عباس أنه قال لهند بن أبي هالة التميمي، وكان صادقاً وكان وصافاً لرسول الله صلى الله عليه وآله صف لنا رسول الله صلى الله عليه وآله فلعلك أن تكون نساباً معرفةً، قال: كان بأبي هو وأمي طويل الصمت دائم الفكر متواتر الأحزان إذا تكلم تكلم بجوامع الكلم لا فصل ولا قصير. إذا تحدث أعاد وإذا وعظ جد وماد، وإذا خولف أعرض فأشاح، يتروح إلى حديث أصحابه يعظم النعمة وإن دقت ولا يذم ذواقاً، ويبسم عن مثل حب الغمام.
هذا حديث غريب من حديث ابن عباس عن هند وهو مختصر،وقد روي من وجه آخر غريب أيضاً عن هند أخبرناه أبو عبد الله الفراوي أنبأنا أبو بكر البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ لفظا وقراءة حينئذ. وأخبرناه أبو طاهر محمد بن محمد السنجي وأبو محمد بختيار بن عبد الله الهندي واللفظ لحديثهما، قالا: أنبأنا أبو سعد محمد بن عبد الملك بن عبد القاهر الأسدي أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان قالا: أنبأنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال أبو عبد الله الثقفي صاحب كتاب النسب وقال ابن شاذان المعروف بابن أخي طاهر العلوي أنبأنا إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
زاد أبو عبد الله أبو محمد بالمدينة سنة ثلاث وستين ومائتين: حدثني علي بن جعفر بن محمد زاد بن شاذان بن علي بن الحسين عن أخيه موسى بن جعفر عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن علي بن الحسين قال: قال الحسن بن علي: سألت خالي هند بن أبي هالة عن حلية
< صفحة > 406 < / صفحة >
رسول الله صلى الله عليه وآله وكان وصافاً وأنا أرجو أن يصف لي منه شيئاً أتعلق به قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله
فخماً مفخماً يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر.. الحديث).
وقال القاضي عياض في الشفا (1/153): (وقرأت على الشيخ أبي طاهر أحمد بن الحسن ابن أحمد بن خذاداد الكرجي الباقلاني قال: وأجاز لنا الشيخ الأجل أبو الفضل أحمد بن الحسن ابن خيرون قالا: حدثنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان بن حرب بن مهران الفارسي قراءة عليه فأقر به قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بابن أخي طاهر العلوي قال: حدثنا إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: حدثني على بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، عن أخيه موسى بن جعفر،عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن علي بن الحسين قال: قال الحسن بن علي واللفظ لهذا السند: سألت خالي هند بن أبي هالة عن حلية رسول الله صلى الله عليه وآله وكان وصافاً.. الحديث)
أقول: من مجموع طرق الحديث ومن استفاضته، يمكن القول بصحته. - الإشكال الأهم أن الترمذي رواه عن ابن أبي هالة عن الإمام الحسن عليه السلام وابن عساكر رواه في طريق، عن ابن عباس أنه سأل ابن أبي هالة.
- والأهم منهما أن روايتهم للحديث تقول إن الإمام الحسن عليه السلام كتمه عن أخيه الإمام الحسين عليه السلام زماناً ثم ذكره له فوجد أن استقصى وصف جده النبي صلى الله عليه وآله من أبيه علي عليه السلام ، وأورد ما قاله الحسين عليه السلام وهو أكثر مما قاله ابن أبي هالة! وبلاغة القسمين ونَفَسُهما الأدبي واحد!
- ما تقدم يعزز الشك بأن القائل ليس ابن أبي هالة، وأن أصل الحديث لعلي أو لابنه الحسن عليهما السلام ونسبه راوٍ ناصبي الى ابن أبي هالة. فلغة هذا الوصف بليغة شبيهة بكلام أمير المؤمنين عليه السلام ، وبعض فقراته رويت عنه.
- اتهموا بوضعه جمُيْعَ بن عمير التيمي من تيم الله وذموه، لكنه ثقة عندنا. قال الكناني في تنزيه الشريعة (1/46): (جميع بن عمير بن عبد الرحمن العجلي أبو بكر الكوفي، راوي حديث هند
< صفحة > 407 < / صفحة >
بن أبي هالة في الصفة النبوية، قال أبو داود أخشى أن يكون حديثه موضوعاً، وقال ابن الجوزي كذاب يضع الحديث).وقال النووي: هو من أكذب الناس (المجموع:12/8).
وقال الطبسي في رجال الشيعة في أسانيد السنة/86: (قال ابن حبان:كان رافضياً يضع الحديث. وقال ابن حجر: يتشيع. وقال أبو حاتم: من عُتَّقِ الشيعة. وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه أحاديث لا يتابعه غيره عليه). - يؤيد أن القائل ليس ابن أبي هالة أن الإمام الحسن عليه السلام لم يكن بحاجة لأن يسأل عن صفة جده صلى الله عليه وآله ، فقد نشأ في حضنه وروى عنه، وكان له من العقل والإدراك ما يجعله أقدر على وصفه من ابن أبي هالة الذي لم يكن في المدينة، ولا عرف بالفصاحة والبلاغة.
ويكفي لإثبات ما قلنا أن تتأمل فقرات الحديث التي رويت عن ابن أبي هالة والفقرات التي تلتها التي رويت عن أمير المؤمنين عليه السلام لترى وحدتها.
نص روايتهم عن جميع بن عمير(مجمع الزوائد(8/273):
(عن الحسن بن علي قال:سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي وكان وصافاً عن صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئاً أتعلق به فقال:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله فخماً مفخماً، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب، رَجِلَ الشعر،إذا تفرقت عقيصته فرق فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزجّ الحواجب، سوابغ من غير قرن بينهما، عَرِقٌ يُدِرُّه الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشم.
كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم،أشنب مفلج الأسنان، دقيق المسربة كأن عنقه جِيدُ دِمنة في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن متماسك سواء البطن والصدر، عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة، بشعر يجري كالخط، عاري اليدين والبطن، مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، رحب الراحة، سبط القصب، شثن الكفين والقدمين وسائر الأطراف، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء. إذا زال زال قَلْعاً، وتخطى تكفياً، ويمشي هوناً، ذريع المشية إذا مشى، كأنما ينحط من صبب،وإذا التفت التفت معاً، خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل
< صفحة > 408 < / صفحة >
نظره الملاحظة بسوق أصحابه، يبدر من لقي بالسلام.
قلت صف لي منطقه: قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله مواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، لا يتكلم في غير حاجة، طويل الصمت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، فضل لا فضول ولا تقصير، دَمِثٌ ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم ذواقاً ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها، فإذا نوزع الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شئ، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها، فيضرب بباطن راحة اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا ضحك غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام.
قال الحسن عليه السلام : فكتمتها الحسين زماناً، ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه فسألته عما سألته ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومجلسه ومخرجه وشكله، فلم يدع منه شيئاً.
قال الحسين: سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وآله قال: كان دخوله لنفسه مأذون له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزأ نفسه ثلاثة أجزاء جزء لله وجزء لأهله وجزء لنفسه، ثم جزأ نفسه بينه وبين الناس فيرد ذلك على العامة بالخاصة، فلا يدخر عنهم شيئاً، فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم فيما يصلحهم ويلائمهم، ويخبرهم بالذي ينبغي لهم، ويقول ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغوا في حاجة من لايستطيع إبلاغها، يثبت الله قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده إلا ذاك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون رواداً ولا يتفرقون إلا عن ذواق، ويخرجون أذلة.
قال فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخزن لسانه إلا مما ينفعهم ويؤلفهم ولا يفرقهم، أو قال ولا ينفرهم، فيكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم، من غير أن يطوي عن أحد سره ولا خلقه، يتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويقويه ويقبح القبح ويوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، لايغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا. لكل حال عنده عتاد،لايقصرعن الحق ولا يجوزه. الذين يلونه من الناس خيارهم أفضلهم عنده أعظمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.
< صفحة > 409 < / صفحة >
فسألته عن مجلسه فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن، وينهي عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك،ويعطي كل جلسائه بنصيبهم، لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه. من جالسه أو قاومه في حاجة صابره، حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه بسطه وخلقه، فصار لهم أباً وصاروا عنده في الحق سواء. مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لاترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحُرم ولا تُثَني فلتاتُه، متعادلين متواصين فيه بالتقوى، متواضعين يوقرون الكبير ويرحمون الصغير،ويؤثرون ذوي الحاجة، ويحفظون الغريب.
قال قلت كيف كانت سيرته في جلسائه قال :كان رسول الله صلى الله عليه وآله دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب، ولا فاحش ولا عياب، ولا مزاح. يتغافل عما لا يشتهي، ولا يخيِّب فئة، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار ومما لا يعنيه، وترك نفسه من ثلاث: كان لا يذم أحداً ولا يعيره ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه. إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤسهم الطير، وإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده،من تكلم انصتوا له حتى يفرغ. حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الهفوة في منطقه ومسألته، حتى إذا كان أصحابه ليستجلبوهم ويقول إذا رأيتم طالب الحاجة فارشدوه. ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه، فيقطعه بنهي أو قيام.
قال قلت كيف كان سكوته قال: كان سكوت رسول الله صلى الله عليه وآله على أربع على الحلم والحذر والتقدير والتفكر، فأما تقديره ففي تسويته النظر واستماع بين الناس، وأما تذكره أو قال تفكره ففيما يبقى ويفنى وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يرضيه ولا يستفزه.
وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسنى ليقتدوا به، وتركه القبيح لينتهوا عنه، وإجهاده الرأي فيما يصلح أمته، والقيام فيما يجمع لهم الدنيا والآخرة).
< صفحة > 410 < / صفحة >
ما لم نذكره من شمائل الترمذي
كان رسول الله صلى الله عليه وآله رجلاً مربوعاً، بعيد ما بين المنكبين، عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه، عليه حلة حمراء ما رأيت شيئاً قط أحسن منه.
كان أشكل العين، أي طويل شق العين.كان أبيض مليحاً مقصداً.
كان له شعر فوق الجمة، ودون الوفرة. شعره إلى أنصاف أذنيه. كان يسدل شعره. ثم فرق رأسه.كان يكثر دهن رأسه، وتسريح لحيته.
يحب التيمن في طهوره، وفي ترجله، وفي انتعاله.
أفلج الثنيتين، إذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه.
وعليه ثوبان أخضران وله شعر قد علاه الشيب. إنما كان شيباً في صدغيه.
كان كُمُّ قميص رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الرسغ. لبس جبة رومية ضيقة الكمين.
قال صلى الله عليه وآله : عليكم بالبياض من الثياب ليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم فإنها من خير ثيابكم. أهدى دحية للنبي صلى الله عليه وآله خفين فلبسهما.
نهى أن يأكل الرجل بشماله، أو يمشي في نعل واحدة.
كتب إلى كسرى وقيصر فقيل له: إنهم لايقبلون كتاباً إلا بخاتم، فصاغ رسول الله صلى الله عليه وآله خاتماً حلقته فضة، ونقش فيه: محمد رسول الله.
كان خاتمه من ورِق وكان فضةً حبشياً.
كان عليه يوم أحد درعان قد ظاهر بينهما. دخل النبي صلى الله عليه وآله مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء. دخل مكة وعلى رأسه المغفر. قال: فلما نزعه جاءه رجل فقال له: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: أقتلوه.
ولا رأيت أحداً أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وآله كأنما الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا، وإنه لغير مكترث.
رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يأكل الدجاج. أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وآله لحم حبارى.
< صفحة > 411 < / صفحة >
قال صلى الله عليه وآله : كلوا الزيت، وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة.
إن خياطاً دعا رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقرب له خبزاً من شعير، ومرقاً فيه دباء وقديد، قال أنس: فرأيت النبي صلى الله عليه وآله يتتبع الدباء حوالي القصعة، فلم أزل أحب الدباء من يومئذ.كان يحب الحلواء والعسل. ضفت مع رسول الله صلى الله عليه وآله ذات ليلة فأتي بجنب مشوي، ثم أخذ الشفرة فجعل يحز فحز لي بها منه. قال: فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فألقى الشفرة.
قال صلى الله عليه وآله :إن أطيب اللحم لحم الظهر.
جلس علي والنبي صلى الله عليه وآله يأكل، قالت فجعلت لهم سلقاً وشعيراً، فقال لعلي: من هذا فأصب، فإن هذا أوفق لك.
رأيت النبي صلى الله عليه وآله أخذ كسرة من خبز الشعير فوضع عليها تمرة، وقال: هذا إدام هذه، وأكل. كان يأكل البطيخ بالرطب.
قال سلمان: قرأت في التوراة أن بركة الطعام الوضوء بعده، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وأخبرته بما قرأت في التوراة، فقال: بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده.
كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين. وقال صلى الله عليه وآله : أما أنا فلا آكل متكئاً.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله :ليس شئ يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن.
كان إذا شرب تنفس مرتين. وشرب من زمزم وهو قائم.
وقال صلى الله عليه وآله : ثلاث لا ترد: الوسائد والدهن واللبن.
ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يسرد كسردكم هذا! ولكنه كان يتكلم بكلام بيِّن فصل، يحفظه من جلس إليه. يعيد الكلمة ثلاثاً لتعقل عنه.
كان لايضحك إلا تبسماً، إذا نظرت إليه قلت:أكحل العينين وليس بأكحل.
كان إذا أوى إلى فراشه قال: اللهم باسمك أموت وأحيا، وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور.
كان صلى الله عليه وآله يقوم يصلي حتى تنتفخ قدماه فيقال له: يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر الله لك ما
< صفحة > 412 < / صفحة >
تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً.
أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء .
قام رسول الله صلى الله عليه وآله بآية من القرآن ليلة.
إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وآله الذي ينام عليه من أدم، حشوه ليف .
لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم،إنما أنا عبد فقولوا:عبدالله ورسوله.
لو أهدي إلي كراع لقبلت، ولو دعيت عليه لأجبت.
ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله بيده شيئاً قط، ولا ضرب خادماً ولا امرأة .
ما سئل رسول الله شيئاً قط فقال: لا.
احتجم على الأخدعين وبين الكتفين وأعطى الحجام أجره.
قال صلى الله عليه وآله : إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب، والعاقب الذي ليس بعده نبي. وأنا نبي الرحمة، ونبي التوبة، وأنا المقفى، وأنا الحاشر، ونبي الملاحم.
نماذج من كتاب: الأنوار في شمائل المختار للبغوي
صفحة/157: قال أنس: ما شممت رائحة قط مسكةٍ ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولا مسست شيئاً قط خزةً ولا حريرةً ألين من كفه.
صفحة/266:جالست النبي صلى الله عليه وآله أكثر من مائة مرة وكان أصحايه يتناشدون الشعر ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية، وهو ساكت وربما يتبسم معهم.
صفحة/267: عن أبي الدرداء قال: كان إذا حدث بحديث تبسم في حديثه.
صفحة/281: قال علي عليه السلام : كنا إذا حمي البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وآله ، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه.
صفحة/293:عرضت عجوز للنبي صلى الله عليه وآله في طريق من طرق المدينة فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة. فقال يا أم فلان أجلسي في أي سكك المدينة شئت أجلس إليك قال ففعلت فقعد إليها رسول الله صلى الله عليه وآله .
< صفحة > 413 < / صفحة >
صفحة/296: كان إذا صافح الرجل لم ينزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون هو الذي يصرف وجهه عن وجهه، ولم ير مقدماً ركبتيه بين يدي جليس له.
صفحة/316: أتى رجل يكلمه فأرعد فقال: هون عليك فلست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد.
صفحة/331: قال صلى الله عليه وآله :لقد أُخِفْتُ في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيتُ في الله وما يؤذى أحد. ولقد أتت عليَّ ثلاثون من بين ليلة ويوم ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد، إلا شيء يواريه إبط بلال.
صفحة/342: من رواية أم معبد في هجرة النبي صلى الله عليه وآله : لما رأى أبو معبد اللبن عجب وقال من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاء عازب حيال لا حلوب في البيت؟ قالت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا. قال: صفيه لي يا أم معبد، قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة أبلج الوجه، لم تعبه ثجلة ولم تزر به صقلة، وسيم قسيم في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف وفي صوته صهل، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن، إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن. ربعة لا يأس من طول ولا تقتحمه عين من قصر. غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً. له رفقاء يحفون به إن قال أنصتوا وإن أمر تبادروا لأمره محشود محفود، لا عابس ولا مفند.
صفحة/524: عن عروة أن ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كان يخرج فيه إلى الوفد رداء وثوب أخضر طوله أربعة أذرع وعرضه ذراعان وشبر، وهو عند الخلفاء اليوم قد كان خلق فطووه بثوب يلبسونه يوم الفطر والأضحى.
صفحة/661: كانت للنبي صلى الله عليه وآله قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال.
صفحة/537: كان لرسول الله صلى الله عليه وآله قلنسوة بيضاء مضربة وقلنسوة برد حبرة، وقلنسوة ذات أذنين يلبسها في السفر، فربما وضعها بين يديه إذا صلى.
صفحة/625: أن الحسن بن علي وابن عباس وابن جعفر أتوا الى سلمى الأحمسية فقالوا لها: إصنعي لنا طعاماً مما كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وآله ويحسن أكله، فقالت: يا بني لا تشتهيه اليوم،
< صفحة > 414 < / صفحة >
قال: بلى إصنعيه لنا. قال: فقامت فأخذت من شعير فطبخته، ثم جعلته في قدر وصبت عليه شيئاً من زيت، ودقت الفلفل والتوابل فقربته إليهم، فقالت: هذا مما كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وآله ويحسن أكله.
أقول: لما فتح مكة نصب خيمته في الحجون قرب قبر خديجة عليها السلام . ولم يدخل بيتاً من بيوته وبيوت بني عبد المطلب، إلا بيت أم هاني رضي الله عنها.
قالت أم هانئ قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وآله فقال: أعندك شئ؟ فقلت: لا إلا خبز يابس وخل، فقال: هاتي، فما أقفر بيت أُدم فيه الخل.
- *
< صفحة > 415 < / صفحة >
الفصل الرابع والثلاثون : كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله يمضي يومه
الفصل الرابع والثلاثون
كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله يمضي يومه
كيف يمضي ليلته صلى الله عليه وآله ؟
- كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي المغرب والعشاء في المسجد وقد يفصل بينهما. ثم يذهب الى منزله، ثم يعود بعد نحو ساعة لصلاة العشاء، أو يجمعهما ويفصل بينهما بصلاة ركعتين والإقامة لصلاة العشاء. وبعد الصلاة يذهب الى بيته، وقد يجلس قليلاً في المسجد لمن راجعه في حاجة.
وقد يزور ضيوفاً عنده بعد صلاة العشاء،كما روي في وفد الطائف. وكان يأخذ عدداً من أهل الصُّفَّة معه ليعشيهم، ويوزع الباقين على بعض أصحابه. ولم أجد أن أحداً ذهب اليه في بيته ليلاً في حجرته الشريفة أو بيوت نسائه، إلا على الإفطار في شهر رمضان. - وكان يتعشى إن وجد العشاء ولو خفيفاً، ويأمر بالعشاء ويؤكد عليه، ولم أجد أنه قَبِلَ دعوة في الليل في غير شهر رمضان. وعشاؤه يكون في بيته وحجرته وفي البيت خادمه أنس. أو في بيت إحدى نسائه، ولم يكن واجباً عليه أن يقسم لياليه لكل زوجة ليلة، كما يأتي.
وكان غالباً ما يبيت في بيت إحدى زوجاته، وإذا مسها يغتسل من الجنابة، ولا ينام جنباً كما زعمت رواية عائشة. وكان ينام مبكراً ولايصلي نافلة الى نصف الليل. قال الإمام الصادق عليه السلام في الصحيح (الكافي:3/445): (إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا صلى العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه يوضع عند رأسه مخمراً (مغطى) فيرقد ما شاء الله، ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات، ثم يرقد. ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات، ثم يرقد حتى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر، ثم صلى الركعتين.
< صفحة > 416 < / صفحة >
ثم قال الصادق عليه السلام : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. قلت: متى كان يقوم؟ قال: بعد ثلث الليل، وفي حديث: بعد نصف الليل. وفي رواية: يكون قيامه وركوعه وسجوده سواء، ويستاك في كل مرة قام من نومه. وفي رواية: فإذا استيقظ جلس ثمَّ قلب بصره في السماء، ثمَّ تلى الآيات من آل عمران: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوِاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لايَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا للَّظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ. رَبَّنأَ إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى للَّإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ. رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
وفي رواية أنه كان يخرج وينظر في السماء، ويقرأ هذه الآيات.
ونلاحظ أن النبي صلى الله عليه وآله كان كثيرالسواك، وكان نومه مجزءً ولم يكن متصلاً، وأطول نومه الى نصف الليل ويظهر أنه في الليالي القصار، والى ثلثه في الليالي الطوال.
قال الله تعالى في آخر سورة المزمل: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَىِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ، وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ، فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ. عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ الله وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَآتُوا الزَّكَوةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ الله هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
- وكان النبي صلى الله عليه وآله يخرج الى المسجد مع الأذان، فيصلي ركعتي الفجر نافلة ويصليها المسلمون فرادى لأنه لا جماعة في النوافل، ثم يصلي فريضة الصبح ويجلس بعد الصلاة يذكر الله تعالى، ويراجعه من له حاجة أو عنده مسألة، ثم ينصرف الى منزله، أو عمله.
تأكيد النبي صلى الله عليه وآله على السواك
- السواك الشرعي: تنظيف الأسنان بعود يابس، وأفضله عود شجر الأراك. (قال رسول الله صلى الله عليه وآله :لما دخل الناس في الدين أفواجاً أتكهم الأزد أرقها قلوباً وأعذبها أفواهاً، فقيل: يا رسول الله هذا أرقها قلوباً عرفناه، فلم صارت أعذبها أفواهاً؟ فقال:إنها كانت تستاك في الجاهلية). (الفقيه:1/53).
< صفحة > 417 < / صفحة >
(قال رسول الله صلى الله عليه وآله :تسوكوا فإن السواك مطيبة للفم مرضاة للرب، ما جاءني صاحبي جبرئيل إلا أوصاني بالسواك حتى خشيت أن يفرضه عليَّ وعلى أمتي، ولولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضته عليهم، وإني لأستاك حتى لقد خشيت أن أحفى أو أدرد). (مستدرك الوسائل:1/360).
وفي دعائم الإسلام (1/118) قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (ثلاث أعطيهن النبيون: العطر والأزواج والسواك، ولو يعلم الناس ما في السواك لبات مع الرجل في لحافه. وقال صلى الله عليه وآله : لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع الوضوء، ومن أطاق ذلك فلا يدعه.
وعنه صلى الله عليه وآله أنه قال: أتاني جبرئيل وقد انقطع عني الوحي ثلاثة أيام، فقلت: ما أبطأ بك يا حبيبي جبرئيل؟ فقال: يا محمد كيف تنزل عليكم الملائكة وأنتم لا تستاكون ولا تستنجون بالماء ولا تغسلون براجمكم، يعنى المفاصل. وقال صلى الله عليه وآله : السواك شطر الوضوء والوضوء شطر الإيمان). - أورد السيد جعفر مرتضى في كتابه الآداب الطبية/249، عدداً من روايات السواك، ثم قال: (نجمل ما جاء فيها على النحو التالي:
1 - إن السواك طهور، ومعقم للفم.
2 - إنه منظف للفم.
3 - يجعل الفم عذباً.
4 - يذهب برائحة الفم الكريهة، ويطيب رائحته.
5 - يذهب بالغم.
6 - يزيد في العقل.
7 - يذهب بالدمعة.
8 - يذهب بالبلغم.
9 - يزيد في الحفظ.
10 - يجلو العين، ويجلو البصر، ويذهب بغشاوته.
11 - يبيض الأسنان.
12 - يذهب الحفر.
< صفحة > 418 < / صفحة >
13 - يشد اللثة.
14 - يشهي الطعام.
15 - وإذا كان بعود الأراك، فإنه يسمن اللثة أيضاً.
16 - ينبت الشعر.
17 - يوجب النشرة، أو النشوة، حسب بعض النسخ.
18 - يزيد الرجل فصاحة.
19 - يذهب بالنسيان، ويحدث الذكر.
20 - يذهب بوسوسة الصدر.
21 - يوجب شدة الفهم.
22 - يمرئ الطعام.
23 - يذهب بأوجاع الأضراس.
24 - يدفع عن الإنسان السقم، ويذهب به.
25 - يغني من الفقر.
26 - يُصح المعدة). - قال يوسف الحاج أحمد في موسوعة: الإعجاز العلمي (1/748): (أوردت مجلة المجلة
الألمانية الشرقية في عددها الرابع (1961م.) مقالاً للعالم رودات، مدير معهد الجراثيم في جامعة روستوك، يقول فيه: قرأت عن السواك الذي يستعمله العرب كفرشاة للأسنان في كتاب لرحالة زار بلادهم وقد عرض للأمر بشكل ساخر، واتخذه دليلاً على تأخر هؤلاء القوم الذين ينظفون أسنانهم بقطعة من الخشب في القرن العشرين.
وفكرت لما ذا لا يكون وراء هذه القطعة الخشبية حقيقة علمية؟ وجاءت الفرصة سانحة عندما أحضر زميل لي من العاملين في حقل الجراثيم في السودان عدداً من تلك الأعواد الخشبية. وفوراً بدأت أبحاثي عليها، فسحقتها وبللتها، ووضعت المسحوق المبلل على مزارع الجراثيم، فظهرت على المزارع آثار كتلك التي يقوم بها البنسلين!
وإذا كان الناس قد استعملوا فرشاة الأسنان من مائتي عام فلقد استخدم المسلمون السواك منذ أكثر من 14 قرناً! ولعل إلقاء نظرة على التركيب الكيميائي لمسواك الأراك يجعلنا ندرك
< صفحة > 419 < / صفحة >
أسباب الإختيار النبوي الكريم، والذي هو في أصله وحي يوحى. تؤكد الأبحاث المخبرية الحديثة أن المسواك المحضر من عود الأراك يحتوي على العفص بنسبة كبيرة وهي مادة مضادة للعفونة، مطهرة قابضة تعمل على قطع نزيف اللثة وتقويتها، كما تؤكد وجود مادة خردلية هي السنجرين Sinnigrin ذات رائحة حادة وطعم حراق، تساعد على الفتك بالجراثيم. وأكد أيضاً الفحص المجهري لمقاطع المسواك وجود بلورات السيليكا وحماضات الكلس والتي تفيد في تنظيف الأسنان كمادة تزلق الأوساخ والقلح عن الأسنان.
وأكد د. طارق الخوري وجود الكلورايد مع السيليكا وهي مواد تزيد بياض الأسنان، وعلى وجود مادة صمغية تغطي الميناء وتحمي الأسنان من التسوس، وإن وجود الفيتامين (ج) و (ثري ميتيل أمين) يعمل على التئام جروح اللثة وعلى نموها السليم، كما تبين وجود مادة كبريتية تمنع التسوس).
تأكيد النبي صلى الله عليه وآله على تناول طعام العشاء
يظهر أن كل الأديان تؤكد على تناول طعام العشاء، وتحذر من النوم على معدة فارغة، وأن وقت العشاء المفضل بعد العتمة، أي في أوائل الليل.
ففي الصحيح في المحاسن (2/421): (عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تدَعوا العشاء ولو على حشفة، إني أخشى على أمتي من ترك العشاء الهرم، فإن العشاء قوة الشيخ والشاب).
وفي الكافي في الصحيح (6/288): (قال أميرالمؤمنين عليه السلام : عشاء الأنبياء عليهم السلام بعد العتمة فلا تدعوه، فإن ترك العشاء خراب البدن. وفيه: ترك العشاء مهرمة، وينبغي للرجل إذا أسن ألا يبيت إلا وجوفه ممتلئ من الطعام).
ويظهرأن الأطباء في صدر الإسلام كبعض الأطباء في عصرنا لا يحبذون العشاء!
ففي الكافي (6/289): (عن اللهبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: ما تقول أطباؤكم في عشاء الليل؟ قلت إنهم ينهونا عنه قال: لكني آمركم به).
وفي الصحيح في المحاسن (2/423): (عن الإمام الصادق عليه السلام قال: من ترك العشاء نقصت منه قوة، ولا تعود إليه). وهذا معنى الهرم.
< صفحة > 420 < / صفحة >
هل يجب على النبي صلى الله عليه وآله القسمة بين أزواجه؟
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا. لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا.
وفي صحيح البخاري(6/ 24) ومسند أحمد (6/261): (لما نزلت هذه الآيات: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ. وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ. قالت عائشة: يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك »!
أقول: تعبيرعائشة ينافي الإيمان بعدالة الله تعالى ونبوة النبي صلى الله عليه وآله وعصمته، لكن شاهدنا أنها فهمت من الآيات أن هوى النبي صلى الله عليه وآله أن لا يكون ملزماً بالقسمة، وقد أجابه الله تعالى الى ذلك.
أما وجوب القسمة على النبي صلى الله عليه وآله بين أزواجه فقد اختلف فيه الفقهاء.
فقال المحقق الحلي في الشرائع(2/498): (من الفقهاء من زعم أنه لا يجب على النبي صلى الله عليه وآله القسمة بين أزواجه، لقوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ، وهو ضعيف لأن في الآية احتمالاً يدفع دلالتها، إذ يحتمل أن تكون المشيئة في الإرجاء متعلقة بالواهبات).
وخالفه الشهيد الثاني في المسالك(7/82) فرد رجوع الضمير لأن الواهبة نفسها كانت واحدة، بل الضمير يرجع الى كل زوجاته. وختم بقوله: (والحق: الرجوع في مثل ذلك إلى النص، وترك ما هو عين النزاع أو مصادرة على المطلوب. والذي يستفاد من ظاهر الآية عدم وجوب القَسْم عليه مطلقاًوفعله له جاز كونه بطريق التفضل والإنصاف وجبر القلوب، كما قال الله تعالى:ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ. والله أعلم).
ولصاحب الحدائق (23/111) وصاحب الجواهر (29/131)، بحث مفصل في المسألة، ذكروا فيه الإحتمالات والأقول المختلفة.
< صفحة > 421 < / صفحة >
ونكتفي بهذه الملاحظات
- مقتضى وجوب القسمة في المبيت بين الزوجات في الأصل على النبي صلى الله عليه وآله وغيره فهل هو ثابت على النبي صلى الله عليه وآله الى آخر عمره، أو أنه رفع عنه لما نزلت آية نفي الحرج في سورة الأحزاب في أواخر السنة الخامسة للهجرة، وهل كان بعدها يقسم بينهن على نحو الوجوب أو التفضل منه؟
- ومقتضى قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله : لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ. فهل الحرج المنفي هو الحرج في أصل الأزواج وأن النبي صلى الله عليه وآله له أن يزيد على الأربعة، وله أن يتزوج بالهبة. وهل يشمل الحرج القسمة وأنه لا يجب عليه القسمة بينهن.
- وقوله: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ. وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ. فهل الإرجاء والإيواء مطلق يشمل كل إرجاء وإيواء للزوجة، فالطلاق إرجاء وعدم القسمة إرجاؤ، والإبقاء إيواء، والقسمة إيواء.
- وقوله تعالى: ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ.
فقيل تقر أعينهن بالقسمة لأنها مساواة بينهن.
وقيل وهذا الأقوى عندي إنها جاءت في سياق جواز الإرجاء والإيواء وترك الأمر لرغبة النبي صلى الله عليه وآله فتقر أعينهن بأن النبي يختار منهن من شاء ولا تجب عليه القسمة، ويقع بينهن الخلاف في حساب ليلة هذه أو هذه، في السفر والحضر.
والأقوى أن الله تعالى رفع القسمة عن النبي صلى الله عليه وآله ، بنزول آيات سورة الأحزاب، ويؤيده كلمة الكفر التي قالتها عائشة من أن الله تعالى سارع في هوى نبيه صلى الله عليه وآله ، وهي تقصد هواه في تعدد الزوجات وفي القسمة.
- *
< صفحة > 422 < / صفحة >
الفصل الخامس والثلاثون : مفهوم بيعة المسلمين للنبي صلى الله عليه وآله
الفصل الخامس والثلاثون
مفهوم بيعة المسلمين للنبي صلى الله عليه وآله
معنى البيعة
قال الخليل(2/265)(البيعة:الصفقة على إيجاب البيع وعلى المبايعة والطاعة). فالبيعة بمعنيين: صفقة البيع العادي، وصفقة البيعة على الطاعة، والطاعة قد تكون لأمير في سفر، أو لرئيس قبيلة، أو لوكيل في مجلس سياسي، أو لحاكم. وقد تكون مطلقة، أو مقيدة بدستور، وقوانين، وأعراف.
آيات البيعة
إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا.
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا. وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
< صفحة > 423 < / صفحة >
بيعة الناس للنبي صلى الله عليه وآله نوعان
جميع المسلمين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله بكامل اختيارهم، فعندما يسلم المرء يبايع النبي صلى الله عليه وآله إرادته. ولذلك يتفوق نظام الحكم النبوي على أرقى الأنظمة الديمقراطية، فهونظام يحترم إرادة الإنسان وحريته فرداً فرداً.
والبيعة للنبي صلى الله عليه وآله تكون فردية في أي وقت، وتكون جماعية عندما يطلبها النبي صلى الله عليه وآله ، وتجد نماذج البيعة الفردية في كل مراحل السيرة النبوية، وقد أورد ابن سعد في المجلد الثامن من الطبقات خمس مئة وستاً وأربعين امرأة ذكر في ترجمتهن أنهن بايعن رسول الله صلى الله عليه وآله .
وتدلنا قصة بريدة الأسلمي على أن المسلمين كانوا يحرصون على أن لا يعملوا شيئاً يخل ببيعتهم، لأنهم إن عصوا النبي صلى الله عليه وآله فقد خرجوا من الإسلام واحتاجوا الى بيعة جديدة، فلما أبغض بريدة الأسلمي علياً عليه السلام وجاء الى النبي صلى الله عليه وآله ليفتن عليه غضب النبي صلى الله عليه وآله ففهم بريدة أنه خرج بعمله عن الإسلام وطلب من النبي صلى الله عليه وآله أن يجدد له البيعة على الإسلام.
فقد روى في مجمع الزوائد(9/128)ووثقه ابن حبان وصححه الحاكم(2/ 129) بشرط الشيخين: (عن بريدة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله علياً أميراً على اليمن وبعث خالد بن الوليد على الجبل، فقال إن اجتمعتما فعليٌّ على الناس فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله، وأخذ عليٌّ جارية من الخمس فدعا خالد ابن الوليد بريدة فقال اغتنمها فأخبر النبي صلى الله عليه وآله ما صنع! فقدمت المدينة ودخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وآله في منزله وناس من أصحابه على بابه فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت خيراً فتح الله على المسلمين، فقالوا: ما أقدمك؟ قلت جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: فأخبر النبي صلى الله عليه وآله فإنه يسقط من عين النبي صلى الله عليه وآله ورسول الله صلى الله عليه وآله
يسمع الكلام، فخرج مغضباً فقال: ما بال أقوام ينتقصون علياً! من تنقص علياً فقد تنقصني، ومن فارق علياً فقد فارقني! إن علياً مني وأنا منه، خلق من طينتي، وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم: ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. يا بريدة، أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ وأنه وليكم بعدي؟ فقلت: يا رسول الله بالصحبة إلا بسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديداً. قال فما فارقته حتى بايعته على الإسلام).
< صفحة > 424 < / صفحة >
وقصة بريدة مفصلة أوردناها في كتاب: العقائد الإسلامية (4/91) وهي تدل على أن بغض علي عليه السلام كفر ومعصية كبيرة يحتاج صاحبها أن يجدد إسلامه!
البيعة مسح على اليد وليست مصافحة
روى الصدوق في علل الشرائع(1/239) بسند صحيح عن الريان بن شبيب خال المعتصم، قال: (أن المأمون لما أراد أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين ولأبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام بولاية العهد وللفضل بن سهل بالوزارة، أمر بثلاث كراسي تنصب لهم فلما قعدوا عليها أذن للناس فدخلوا يبايعون فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر ويخرجون، حتى بايع آخر الناس فتى من الأنصار، فصفق بيمينه من الخنصر إلى أعلى الإبهام، فتبسم أبوالحسن عليه السلام ثم قال: كل من بايعنا بايع بفسخ البيعة غير هذا الفتى فإنه بايعنا بعقدها! فقال المأمون وما فسخ البيعة من عقدها؟ قال أبو الحسن عليه السلام :عقد البيعة هو من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام وفسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر.
قال فماج الناس في ذلك وأمرالمأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما وصفه أبو الحسن عليه السلام . وقال الناس:كيف يستحق الإمامة من لايعرف عقد البيعة؟ إن من علم لأولى بها ممن لا يعلم. قال:فحمله ذلك على ما فعله من سمه)!
يقصد أن الوجه الصحيح للبيعة:أن يصفق ويمسح من الخنصر الى أعلى الإبهام.
وقد وصفوا بيعة علي عليه السلام لأبي بكر بأن العباس مسح بيده وهي مقبوضة يد أبي بكر ففي تفسير العياشي(2/67): (وقدم علي فقال له عمر: بايع، فقال له علي: فإن أنا لم أفعل فمه؟ فقال له عمر: إذاً أضرب والله عنقك، فقال له علي إذاً والله أكون عبد الله المقتول وأخا رسول الله، فقال عمر: أما عبد الله المقتول فنعم ، وأما أخو رسول الله فلا، حتى قالها ثلاثاً، فبلغ ذلك العباس بن عبد المطلب فأقبل مسرعاً يهرول فسمعته يقول: إرفقوا بابن أخي ولكم عليَّ أن يبايعكم، فأقبل العباس وأخذ بيد علي فمسحها على يد أبي بكر).
وفي رواية: (وبسطوا يده فقبضها وعسر عليهم فتحها، فمسحوا عليها وهي مضمومة). (خاتمة المستدرك:1/123).
< صفحة > 425 < / صفحة >
أما بيعة النساء فقد رويَ لها شكلان: أحدهما أن يغمس النبي صلى الله عليه وآله يده في إناء في ماء علامة قبول البيعة، ثم يغمسن أيديهن علامة البيعة، أو بالعكس.
كما روي أن يمسحن أيديهن على يد النبي صلى الله عليه وآله من وراء ثوب.
ففي مستدرك الوسائل(14/278): (وعن سعيدة وأيمنة أختي محمد بن أبي عمير، قالتا: دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام فقلنا:تعود المرأة أخاها في الله، قال: نعم. قلنا:فتصافحه، قال: نعم من وراء ثوب، كان رسول الله صلى الله عليه وآله لبس الصوف يوم بايع النساء، فكانت يده في كمه، وهن يمسحن أيديهن عليه).
وعن أبي جعفر الجواد عليه السلام قال: (كانت مبايعة رسول الله صلى الله عليه وآله النساء، أن غمس يده في قدح من ماء، ثم أمرهن أن يغمسن أيديهن في ذلك القدح، بالإقرار والإيمان بالله والتصديق لرسول الله صلى الله عليه وآله على ما أخذ عليهن).
البيعة للنبي صلى الله عليه وآله لا تنشئ حق الطاعة بل هي إقرار به
البيعة عقد بين المبايع والمبايع له، و بمجرد أن تتم يترتب للمبايع حق الطاعة على المبايع ولايجوز له الرجوع إلا إذا كانت مشروطة ونكث المبايع الشرط.
فهي تنشئ حق الطاعة للمبايع، أما إذا كان المبايع معصوماً فالبيعة لا تنشئ له حق الطاعة، لأنه ثابت من الله تعالى ، والبيعة إقرار له بذلك الحق.
أما لماذا يطلب المعصوم عليه السلام البيعة، فسببه حاجة عمله في الدعوة، من أجل أن يشعر الناس بهذا الحق ويعلنوه، ويعلنوا استعدادهم للوفاء به .
< صفحة > 426 < / صفحة >
أهم مبايعات المسلمين للنبي صلى الله عليه وآله
بيعة الأنصار الأولى والثانية
كان أهل المدينة من الأوس والخزرج يسمعون من اليهود أن هذا أوان ظهور نبي من مكة يهاجر الى المدينة، فيتشَوَّفون له.
وكان النبي صلى الله عليه وآله ينوي الهجرة الى المدينة، لكنه يريد أن يدعوه أهل المدينة ويبايعوه على النصرة. وكان أرسل اليهم مصعب بن عمير قبل ثلاث سنوات من هجرته ليعلم من أسلم القرآن، ويدعو غيرهم الى الإسلام.
وفي موسم الحج بعد وفاة أبي طالب التقى النبي صلى الله عليه وآله بستة من الأنصار، وفي السنة الثانية التقى ببضعة عشر، وبايعوه بيعة العقبة الأولى.
وفي السنة التالية بايعه بضع وسبعون رجلاً من الأنصار بيعة العقبة الثانية، وبعدها مباشرة كانت هجرته صلى الله عليه وآله في ربيع الأول.
وقد اختار النبي صلى الله عليه وآله دار جده عبد المطلب رحمه الله بمنى، عند جمرة العقبة، مكاناً للبيعة، ففي تفسير القمي:1/272، وإعلام الورى: 1/142، قال لهم صلى الله عليه وآله : «فاحْضَروا دارَ عبد المطلب على العقبة ولاتنبهوا نائماً وليتسلل واحد فواحد. وكان رسول الله نازلاً في دار عبد المطلب وحمزة وعلي والعباس معه، فجاءه سبعون رجلاً من الأوس والخزرج فدخلوا الدار».
لكن رواة السلطة لم يذكروا بيت عبد المطلب وقالوا: « فواعدوا رسول الله العقبة من أواسط أيام التشريق ». «ابن هشام: 2/299، والدرر/68».
وقد تعجبتُ في هذه السنة «1429» من أن الوهابيين أقاموا مسجداً صغيراً مكان بيت عبد المطلب جعلوه رمزاً لبيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله ، ويقع قرب جمرة العقبة على يمين الخارج منها الى مكة، مع أنهم يزيلون آثار الإسلام والنبي وآله صلى الله عليه وآله لكن لاندري كيف حولوه الى مسجد ومن أوقفه مسجداً! ولعلهم استندوا الى نص في طبقات ابن سعد «1/121» يقول إن الموضع كان مسجداً، قال: «وعَدَهُم النبي صلى الله عليه وآله »منى وسط أيام التشريق، ليلة النفر الأول إذا هدأت الرجل، أن يوافوه في الشعب الأيمن، إذا انحدروا من منى بأسفل العقبة، حيث المسجد اليوم ». أي في
< صفحة > 427 < / صفحة >
زمن ابن سعد في القرن الثالث.
وفي مناقب آل أبي طالب(1/157): «فاجتمعوا في الشعب عند العقبة، ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، في أيام التشريق بالليل فقال صلى الله عليه وآله : أبايعكم على الإسلام، فقال له بعضهم: نريد أن تعرفنا يا رسول الله ما لله علينا وما لك علينا وما لنا على الله؟ قال: أما ما لله عليكم فأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً. وأما مالي عليكم فتنصروني مثل نسائكم وأبناءكم، وأن تصبروا على عض السيف وأن يقتل خياركم، قالوا: فإذا فعلنا ذلك ما لنا على الله؟قال: أما في الدنيا فالظهور على من عاداكم وفي الآخرة الرضوان والجنة. فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: والذي بعثك بالحق لنمنعك بما تمنع به أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحرب وأهل الحلقة، ورثناها كابراً عن كابر. فقال أبو الهيثم إن بيننا وبين الرجال حبالاً، وإنا إن قطعناها أو قطعوها فهل عسيت إن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: بل الدم الدم والهدم الهدم، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم، ثم قال: أخرجوا لي منكم اثني عشر نقيباً، فاختاروا ثم قال: أبايعكم كبيعة عيسى بن مريم للحواريين كفلاء على قومهم بما فيهم، وعلى أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم، فبايعوه على ذلك).
وفي تفسير الطبري: 28/59، عن قتادة:« بايعه ليلة العقبة اثنان وسبعون رجلاً من الأنصار، ذكر لنا أن بعضهم قال: هل تدرون علامَ تبايعون هذا الرجل؟ إنكم تبايعون على محاربة العرب كلها أو يسلموا. ذكر لنا أن رجلاً قال: يا نبي الله، إشترط لربك ولنفسك ما شئت، قال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي أن تمنعوني وأهل بيتي وذريتي مما منعتم منه أنفسكم وأبناءكم. قالوا فإذا فعلنا ذلك فما لنا يا نبي الله؟ قال: لكم النصر في الدنيا والجنة في الآخرة ». فكانت بيعة الأنصار على حمايته وحماية أهل بيته عليهم السلام وأن لاينازعوهم الأمر.
ففي المناقب:1/305، وأوسط الطبراني:2/207، عن الإمام الصادق عليه السلام قال:«أشهد لقد حدثني أبي عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي قال: لما جاءت الأنصار تبايع رسول الله صلى الله عليه وآله على العقبة قال:قم يا علي.فقال علي: على مَ أبايعهم يا رسول الله؟ قال: على أن يطاع الله فلايعصى وعلى أن يمنعوا رسول الله وأهل بيته وذريته مما يمنعون منه أنفسهم وذراريهم. ثم كان الذي كتب الكتاب بينهم». وفي الكافي: 8/261، قال الإمام الصادق عليه السلام :«وأخذ عليهم عليٌّ أن يمنعوا
< صفحة > 428 < / صفحة >
محمداً وذريته مما يمنعون منه أنفسهم وذراريهم..نجا من نجا، وهلك من هلك». قال ابن سليمان: 2/165:«فالتزمتها رقاب القوم ووفى بها من وفى».
- *
بيعة أهل المدينة ويهود المدينة للنبي صلى الله عليه وآله
نورد خلاصة لما كتبه الصديق المحامي أحمد حسين يعقوب في كتابه القيم: حقوق الإنسان عند أهل بيت النبوة والفكر المعاصر:
«عندما وصل رسول الله صلى الله عليه وآله الى إقليم الدولة ومقرالمجتمع الجديد، آخى بين الأنصار ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، وآخى مرة ثانية بينه وبين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، فأصبح المسلمون المهاجرون والأنصار كعائلة واحدة تربطهم وشائج الإسلام والإيمان وأخوته، وأصبح النبي صلى الله عليه وآله ولي هذه العائلة مجتمعة بالنص الشرعي، علاوة على رئاسته العامة لكل مواطني يثرب من أتباع الديانات الأخرى.
أ. التعاقد بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين المسلمين
تم التعاقد الفعلي والقانوني بين رسول الله صلى الله عليه وآله بصفته الولي، أو السلطة، أو القيادة المختارة إلهياً لقيادة المجتمع الجديد، وبصفته أيضاً المتلقي للشريعة الإلهية، والمؤتمن على تطبيق أحكامها في المجتمع الجديد، وبين المسلمين كأعضاء في المجتمع الجديد.
وقد حرص رسول الله صلى الله عليه وآله على أن يتم الدخول في الإسلام والإنتماء إلى المجتمع الجديد بموجب عقد حقيقي مع كل واحد يريد الدخول في الإسلام والإنتماء لمجتمعه الجديد، وأن يكون من بنود العقد القبول بقيادة الرسول للمجتمع، والقبول بطبيعة أحكام الشريعة الإلهية باعتبار أن قيادة الرسول وتطبيق الشريعة الإلهية» الضمانة العملية لحماية الإنسان وتمكينه من ممارسة حقوقه كاملة غير منقوصة. فلم يرو راوٍ قط أن رجلاً أو أنثى دخل في الإسلام دون أن يبايع رسول الله، فكل رجل كان يضع يده بيد الرسول كناية عن تمام التعاقد، وكل أنثى كانت تبايع الرسول بالصيغة والشكل الذي حدده الرسول صلى الله عليه وآله . تلك حقيقة مطلقة لايملك أحد إنكارها، فالبيعة بين الطرفين كناية عن تمام التعاقد حسب الأعراف القانونية التي كانت سائدة
< صفحة > 429 < / صفحة >
آنذاك،وكانت كل بيعة تتم بالرضا والطواعية التامين بدون إكراه أو ضغط.
ب. التعاقد لتحديد إقليم الدولة ومكان المجتمع الجديد
وقع الإختيار الإلهي على مدينة يثرب «المدينة المنورة» لتكون المكان الذي تقام فيه نواة المجتمع الجديد، ومقر الدولة الإسلامية المباركة الجديدة، وكلف الله نبيه أن يترجم هذه التوجيهات الإلهية، فالتقى بعد أداء مناسك الحج بوفد مسلمي المدينة المنورة المكون من73 رجلاً وامرأتين، والذي كان يرأسه أسعد بن زرارة، واتفق هذه الوفد المفوض مع رسول الله صلى الله عليه وآله وتعاقد معه على ما يلي:
- أن يهاجر رسول الله وأهل بيته صلى الله عليه وآله الى المدينة المنورة.
- أن يقوم الأنصار متكافلين ومتضامنين بحماية رسول الله وأهل بيته صلى الله عليه وآله كما يحمي كل واحد منهم نفسه ونساءه وأولاده.
- أن تتاح الفرصة لمن يرغب من مسلمي مكة بالهجرة إلى المدينة والإنتماء إلى المجتمع الجديد، وأن يتولى الأنصار احتضان المهاجرين كأخوة لهم.
- أن لايترك رسول الله المدينة المنورة عندما تعلو كلمة الله ويظهر أمره.
وبعد الإتفاق على المضمون الآنف لهذا العقد قام أعضاء الوفد والمرأتان بمبايعة رسول الله صلى الله عليه وآله على ذلك فرداً فرداً، كناية عن تمام العقد وإبرامه.
ج- التعاقد مع أتباع الديانات المقيمين في المدينة
بوصول النبي والمهاجرين إلى المدينة المنورة تكونت كل مقومات الدولة:
- السلطة: المكونة من الإمام وهو رسول الله وأهل شوراه أو حكومته.
- الإقليم: وهو منطقة يثرب أو المدينة المنورة وما حولها.
3.الشعب: من خلال البيعة العامة لرسول الله، عندما استقر في المدينة تكوَّن شعب الدولة الإسلامية وتحدد عملياً من: - المسلمين: وهم أمة واحدة من دون الناس، ويتألفون من:المهاجرين والأنصار الأوس
< صفحة > 430 < / صفحة >
والخزرج ومواليهم. - اليهود المتحالفين مع قبائل الأوس والخزرج، وهم يهود بني النجار، ويهود بني الحارث، ويهود بني ساعدة، ويهود بني جشم، وبني الأوس، وبني ثعلبة.
- من قبائل اليهود التي تعيش في أحياء خاصة بها حول المدينة.
- ممن بقي على الشرك من الأعراب المتواجدين داخل المدينة وحولها.
وكان المسلمون يعرفون الشريعة الإلهية كقانون نافذ في المجتمع، ويرتبطون مع الرسول دائماً في الصلاة يومياً، أو مرة واحدة في الأسبوع على الأقل.
أما العناصر الأخرى في مجتمع الدولة الإسلامية من أتباع الديانات الأخرى غير الإسلام، فهي لاتعرف الحلال من الحرام، وبتعبير آخر فهي تجهل القانون النافذ في المجتمع الجديد الذي بدأت الدولة الإسلامية بتطبيقه، ولم ترتبط مع النبي بأي عقد. صحيح أن الكلمة العليا والقول الفصل في هذا المجتمع للنبي صلى الله عليه وآله وأن هذه العناصر قد استقبلته عند وصوله إلى يثرب، وعبرت عن ترحيبها وفرحتها بقدومه، لكنه صلى الله عليه وآله لم ير من المناسب أن يمتد سلطان دولته إلى هذه العناصر دون رضاها والتعاقد معها.
لذلك وضع صحيفة تنظيمية بمثابة ملحق دستوري لتنظيم العلاقة بين أفراد المجتمع الجديد وفئاته، ليعرفوا حدودهم فلا يتجاوزوها، وتتكرس فكرة سيادة الشريعة الإسلامية على الأمة المسلمة، وسيادة القانون.
د. تكييف هذا العقد
وهذا الملحق الدستوري عبارة عن كتاب من محمد صلى الله عليه وآله :
1- للمؤمنين. 2- لكافة فئات مجتمع المدينة. 3- لمن تبعهم. 4- لمن لحق بهم.
5- لمن جاهد معهم. ولا تثريب على النبي صلى الله عليه وآله لو قدم هذا الملحق كمواد نافذة
على جميع المنتمين الى المجتمع الجديد، لكن روح الإسلام القائمة على الرضا والقبول، وخُلُق النبي الرحيم اقتضت أن يكون بمثابة عقد خاص يشمل كل المسلمين الذين بايعوه، وتعاقدوا معه بدخولهم في الإسلام.
< صفحة > 431 < / صفحة >
ثم إن هذا الملحق الدستوري عقدٌ حقيقي نظمه النبي صلى الله عليه وآله ووافق عليه أتباع الديانات الأخرى داخل المجتمع الجديد، الذين تربطهم بالأوس والخزرج علاقات القربى والموالاة.
ويدل على ذلك المادة التي نصت على أن رسول الله هو المخول والمختص بفصل النزاعات الناتجة عن تطبيق هذه الصحيفة.
هـ. الخطوط العريضة لهذا الملحق أو العقد التنظيمي
- المؤمنون والمسملون من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم ولحق بهم وجاهد معهم أمة من دون الناس.
- قريش عدوة للمجتمع اليثربي لا تُجَارُ أبداً.
- يشترك اليهود بالنفقات الحربية ويقتسمون الغنائم.
- يثرب للجميع محرمة، لايقطع شجرها ولا يقتل طيرها ولايروع ساكنها.
- دين الدولة الجديدة هو الإسلام، ورئيس الدولة هو محمد رسول الله، وهو مختص بفصل النزاعات التي تنشأ في المجتمع الجديد.
- المجرم عدو للمجتمع لايجوز إيواؤه. والقاتل يقتل، ويتعاون الجميع على تنفيذ الحكم عليه ولو كان ابن أحدهم.
- الجريمة شخصية لا يسأل غير مقترفها، والمجتمع كله ضد البغي.
- جار الإنسان كنفسه لا يضارّ.
- المجتمع مع المظلوم ضد الظالم.
- لا تجار المرأة إلا بإذن أهلها.
- من خرج من المدينة فهو آمن، ومن قعد في بيته فهو آمن.
- وحتى يضمن الأمن لليهود ومنهم وضعت مادة: لا يجوز لأي يهودي أن يخرج من المدينة إلا بإذن محمد.
- على المسلمين سداد دين الغارم منهم.
< صفحة > 432 < / صفحة > - اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
- يهود بني عون أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، وكذلك يهود بني الحارث، وبني النجار، وبني ساعدة، وبني جشم، وبني الأوس، وبني ثعلبة وبطانة الجميع كأنفسهم.
- الله ومحمد جارٌ لمن بَرَّ واتقى، ومن ظلم فلا أمن له.
وقد تألف هذا العقد أو الملحق من 47 بنداً تعاقدياً، وكرس البند التعاقدي رقم 21 الشريعة الإسلامية كقانون أعلى نافذ في المجتمع، كما كرس بوضوح تام رئاسة محمد للدولة والمجتمع بإعطائه الحق بفصل النزاعات والخصومات. وظهر اليهود بمظهر الموالين للنبي صلى الله عليه وآله والترتيبات التي أعلنها، وقبلوا بالملحق الدستوري بدليل أن النبي صلى الله عليه وآله كان يذكرهم بالعقد كلما هموا بالخروج عليه.. الى آخر ماكتبه رحمه الله .
بيعة المسلمين قبل معركة بدر
روى في مناقب آل أبي طالب(1/289) عن ابن عباس قال: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَار: نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام سبق الناس كلهم بالإيمان، وصلى إلى القبلتين، وبايع البيعتين بيعة بدر وبيعة الرضوان، وهاجر الهجرتين مع جعفر من مكة إلى الحبشة ومن الحبشة إلى المدينة ».
في بحار الأنوار (22/278): (الطُّرف لابن طاووس نقلاً من كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد، عن موسى بن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال:لما هاجر النبي إلى المدينة وحضر خروجه إلى بدر دعا الناس إلى البيعة فبايع كلهم على السمع والطاعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا خلا دعا علياً عليه السلام فأخبره من يفي منهم ومن لا يفي، ويسأله كتمان ذلك.
ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وآله علياً وحمزة وفاطمة عليهم السلام فقال لهم:بايعوني بيعة الرضا، فقال حمزة: بأبي أنت وأمي على ما نبايع، أليس قد بايعنا؟ فقال: يا أسد الله وأسد رسوله تبايع لله ولرسوله بالوفاء والإستقامة لابن أخيك، إذن تستكمل الإيمان، قال: نعم سمعاً وطاعة، وبسط يده فقال لهم: يد الله فوق أيديكم، علي أمير المؤمنين، وحمزة سيد الشهداء، وجعفر الطيار في الجنة، وفاطمة سيدة نساء العالمين، والسبطان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، هذا شرط من الله على جميع المسلمين
< صفحة > 433 < / صفحة >
من الجن والإنس أجمعين: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا.
قال: ولما كانت الليلة التي أصيب حمزة في يومها دعا به رسول الله صلى الله عليه وآله فقال:يا حمزة يا عم رسول الله، يوشك أن تغيب غيبة بعيدة، فما تقول لو وردت على الله تبارك وتعالى، وسألك عن شرائع الإسلام وشروط الإيمان؟ فبكى حمزة وقال: بأبي أنت وأمي أرشدني وفهمني، فقال: يا حمزة تشهد أن لا إله إلا الله مخلصاً، وأني رسول الله تعالى بالحق، قال حمزة: شهدت، قال: وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الصراط حق، والميزان حق، ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، فريق في الجنة وفريق في السعير، وأن علياً أمير المؤمنين. قال حمزة: شهدت وأقررت وآمنت وصدقت.
وقال: والأئمة من ذريته الحسن والحسين، وفي ذريته. قال حمزة: آمنت وصدقت، وقال: فاطمة سيده نساء العالمين قال: نعم صدَّقت.
وقال صلى الله عليه وآله : حمزة سيد الشهداء وأسد الله وأسد رسوله وعم نبيه، فبكى حتى سقط على وجهه وجعل يقبل عيني رسول الله صلى الله عليه وآله .
وقال: جعفر ابن أخيك طيار في الجنة مع الملائكة، وأن محمد وآله خير البرية تؤمن يا حمزة بسرهم وعلانيتهم وظاهرهم وباطنهم، وتحيا على ذلك وتموت، توالي من والاهم وتعادي من عاداهم.قال: نعم يا رسول الله أشهد الله وأشهدك وكفى بالله شهيداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :سددك الله ووفقك).
وفي أمالي المفيد/235: (عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال: سمعت رجلاً يسأل ابن عباس عن علي ابن أبي طالب فقال له ابن عباس: إن علي بن أبي طالب صلى القبلتين، وبايع البيعتين، ولم يعبد صنماً ولا وثناً، ولم يضرب على رأسه بزَلَم ولا قدح. ولد على الفطرة، ولم يشرك بالله طرفة عين. فقال الرجل: إني لم أسألك عن هذا، وإنما سألتك عن حمله سيفه على عاتقه يختال به حتى أتى البصرة فقتل بها أربعين ألفاً، ثم سار إلى الشام فلقي حواجب العرب فضرب بعضهم ببعض حتى قتلهم. ثم أتى النهروان وهم مسلمون فقتلهم عن آخرهم. فقال له ابن عباس: أعلي أعلم عندك أم أنا؟ فقال: لو كان علي أعلم عندي منك لما سألتك! قال: فغضب ابن عباس حتى اشتد غضبه ثم قال: ثكلتك أمك عليٌّ علَّمني، كان علمه من رسول الله
< صفحة > 434 < / صفحة >
ورسول الله صلى الله عليه وآله علمه الله من فوق عرشه، فعلم النبي صلى الله عليه وآله من الله، وعلم علي من النبي، وعلمي من علم علي، وعلم أصحاب محمد كلهم في علم علي كالقطرة الواحدة في سبعة أبحر).
قال الإمام الحسن عليه السلام لمعاوية وأركانه في مناظرته (مناقب آل أبي طالب(1/405): (أنشدكم بالله هل تعلمون أن الرجل الذي شتمتموه صلى القبلتين كلتيهما وأنت في ضلالة تعبد اللات والعزى، وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الرضوان وبيعة الفتح، وأنت يا معاوية بالأولى كافر، وبالأخرى ناكث).
ولعل الإمام الحسن عليه السلام لم يذكر بيعة بدر لأن بيعة الرضوان قرب مكة وبيعة الفتح في مكة، وكان معاوية فيها. وسيأتي ذكر بيعة الفتح.
بيعة الحديبية أو بيعة الشجرة أو الرضوان
بعد هزيمة الأحزاب وفشل حملتهم على المدينة، غزا النبي صلى الله عليه وآله حلفاءهم يهود بني قريظة وأجلاهم عن المدينة، وغزا بني المصطلق الذين كانوا يجمعون للغارة على المدينة وكانوا قريبين من مكة، وفرض سيطرته على شعاع واسع من محيط المدينة حتى وصل نفوذه إلى نجد.
ثم أسلم ثمامة بن أثال وفرض الحصار على المواد التموينية لقريش، ورافق ذلك القحط ضائقة اقتصادية على قريش، لكنها بقيت على عنادها!
في ذلك الظرف أراد النبي صلى الله عليه وآله أن يفرض على قريش أن تعترف بالإسلام كأمر واقع، فقصد مكة معلناً أنه يريد العمرة، ولا يريد حرب قريش!
ففي الكافي (8/322) عن الإمام الصادق عليه السلام قال:« لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة الحديبية خرج في ذي القعدة، فلما انتهى إلى المكان الذي أحرم فيه، أحرموا ولبسوا السلاح، فلما بلغه أن المشركين قد أرسلوا إليه خالد بن الوليد ليرده قال: إبغوني رجلاً يأخذني على غير هذا الطريق، فأتيَ برجل من مزينة أو من جهينة، فسأله فلم يوافقه فقال: أبغوني رجلاً غيره، فأتيَ برجل آخر، قال: فذكر له فأخذه معه حتى انتهى إلى العقبة فقال: من يصعدها حط الله عنه كما حط الله عن بني إسرائيل، فقال لهم: أدخلوا الباب سجداً نغفر لكم خطاياكم. قال فابتدرها خيل الأنصار الأوس والخزرج، قال: وكانوا ألفاً وأربع مائة فلما هبطوا إلى الحديبية إذ امرأة معها ابنها على القليب فسعى ابنها هارباً، فلما أثبتت أنه رسول الله صلى الله عليه وآله صرخت به:
< صفحة > 435 < / صفحة >
هؤلاء الصابئون، ليس عليك منهم بأس! فأتاها رسول الله صلى الله عليه وآله فأمرها فاستقت دلواً من ماء فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله فشرب وغسل وجهه فأخذت فضلته فأعادته في البئر فلم تبرح حتى الساعة. (أي بقيت البئر نابعة مملوءة)!
وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فأرسل إليه المشركون أبان بن سعيد في الخيل فكان بإزائه، ثم أرسلوا الحليس فرأى البدن وهي تأكل بعضها أوبار بعض (علامة أنها هدي للكعبة) فرجع ولم يأت رسولَ الله صلى الله عليه وآله وقال لأبي سفيان: يا أبا سفيان أما والله ما على هذا حالفناكم على أن تردوا الهدي عن محله! فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يا رسول الله هذا عروة بن مسعود، قد أتاكم وهو يعظم البدن، قال: فأقيموها فأقاموها. فقال: يا محمد مجئ من جئت؟ قال: جئت أطوف بالبيت وأسعى بين الصفا والمروة وأنحر هذه الإبل، وأخلي عنكم عن لحمانها. قال: لا واللات والعزى فما رأيت مثلك رُدَّ عما جئت له، إن قومك يذكرونك الله والرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم، وأن تقطع أرحامهم وأن تُجَرِّئ عليهم عدوهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما أنا بفاعل حتى أدخلها. وقد استمرت مفاوضات النبي صلى الله عليه وآله مع سهيل بن عمرو يومين، ومساعده عروة بن مسعود الثقفي، وكانت في بعض مراحلها متوترة وفيها تهديد!
قال عبد الرزاق في مصنفه (5/335)والبيهقي في دلائل النبوة (4/103):(فقال عروة أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى فوالله إني لأرى وجوهاً وأرى أوشاباً من الناس خلقاء أن يفروا ويدعوك).
وبسبب هذا الكلام طلب النبي صلى الله عليه وآله من المسلمين أن يبايعوه أثناء التفاوض.
قال الواقدي (2 / 602) إن النبي صلى الله عليه وآله قال لهم: « إن الله تعالى أمرني بالبيعة فتداكَّ الناس يبايعونه، بايعهم على أن لا يفروا ».
وفي شرح مسلم (13/2) ومسند أحمد (5/321): « في حديث ابن عمر وعبادة: بايعنا على السمع والطاعة، وأن لا ننازع الأمر أهله ». وفي فتح الباري (5/253): « وبلغ ذلك المشركين فأرعبهم الله).
وبقي النبي صلى الله عليه وآله مصراً على شرط حرية المسلمين في مكة، فرجع سهيل إلى مكة للتشاور مع زعماء قريش بشأنه، ثم عاد إلى النبي صلى الله عليه وآله .
- *
< صفحة > 436 < / صفحة >
بيعة الطلقاء بعد فتح مكة
من المعروف في تاريخ فتح مكة أن النبي صلى الله عليه وآله أخضع القرشيين، وأخذ منهم البيعة، وأخذها من نساء قريش، وجاءت بينهم هند متنكرة، فبايعها.
لكن أقوى دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله طلب من المسلمين معه البيعة، قول الإمام الحسن في مناظرته مع معاوية وأركانه، قال عليه السلام (الإحتجاج:1/405): (أنشدكم بالله هل تعلمون أن الرجل الذي شتمتموه صلى القبلتين كلتيهما وأنت في ضلالة تعبد اللات والعزى، وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الرضوان وبيعة الفتح، وأنت يا معاوية بالأولى كافر، وبالأخرى ناكث).
ولم يبايع معاوية وغيره في فتح مكة، بل هرب الى اليمن، وبقي حتى توسط له العباس قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله بستة أشهر فجاء وبايع.
كما يفهم من رواية الطبري أن النبي صلى الله عليه وآله جلس على الصفا للبيعة لكل الناس.
قال الطبري (2/337): (إن رسول الله قام قائماً حين وقف على باب الكعبة ثم قال: لا إله الا الله وحده لاشريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ألا كل مأثرة أو دم أو مال يُدَّعى فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج. ألا وقتيل الخطأ مثل العمد. السوط والعصا فيهما الدية مغلظة، منها أربعون في بطونها أولادها.
يا معشر قريش: إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء. الناس من آدم وآدم خلق من تراب، ثم تلا رسول الله:يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. يا معشر قريش: ويا أهل مكة ما ترون أني فاعلٌ بكم؟ قالوا: خيراً، أخٌ كريم وابن أخٍ كريم! ثم قال: إذهبوا فأنتم الطلقاء. فأعتقهم رسول الله (بل أطلقهم ولم يعتقهم). وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة وكانوا له فيئاً، فبذلك يسمى أهل مكة الطلقاء!
ثم اجتمع الناس بمكة لبيعة رسول الله على الإسلام، فجلس لهم فيما بلغني على الصفا، وعمر بن الخطاب تحت رسول الله أسفل من مجلسه يأخذ على الناس، فبايع رسول الله على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا، وكذلك كانت بيعته لمن بايع رسول الله من الناس
< صفحة > 437 < / صفحة >
على الإسلام. فلما فرغ رسول الله من بيعة الرجال، بايع النساء، واجتمع إليه نساء من نساء قريش، فيهن هند بنت عتبة متنقبة متنكرة لحدثها وما كان من صنيعها بحمزة، فهي تخاف أن يأخذها رسول الله بحدثها ذلك! فلما دنوْن منه ليبايعنه قال رسول الله: تبايعنني على ألا تشركن بالله شيئاً. فقالت هند: والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما تأخذه على الرجال وسنؤتيكه. قال: ولا تسرقن. قالت: والله إن كنت لأصيب من مال أبي سفيان الهنة والهنة، وما أدري أكان ذلك حلالي، أم لا؟ فقال أبو سفيان وكان شاهداً لما تقول: أما ما أصبت فيما مضى فأنت منه في حل. فقال رسول الله:وإنك لهند بنت عتبة؟ فقالت: أنا هند بنت عتبة فاعف عما سلف عفا الله عنك. قال: ولا تزنين. قالت يا رسول الله: هل تزني الحرة! فضحك عمر بن الخطاب من قولها حتى استغرق! قال: ولا تقتلن أولادكن. قالت: قد ربيناهم صغاراً وقتلتهم يوم بدرٍ كباراً، فأنت وهم أعلم)!
ويظهر منه وقاحة هند آكلة كبد حمزة، وأنها مطمئنة الى كرم أخلاق النبي صلى الله عليه وآله .
وفي كنز العرفان(1/385): (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِالله شَيْئاً ولا يَسْرِقْنَ ولا يَزْنِينَ ولا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ ولا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وأَرْجُلِهِنَّ ولا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ واسْتَغْفِرْ لَهُنَّ الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ.
نزلت يوم فتح مكَّة، لمّا فرغ النبي صلى الله عليه وآله من مبايعة الرجال جاءه النساء يبايعنه قيل كانت مبايعتهنّ بأن يغمس يده في قدح من ماء ثم يغمسن أيديهن فيه. وقيل كان يصافحهن وعلى يده ثوب ويشترط عليهن الشروط الستة المذكورة في الآية.
والقتل إشارة إلى وأد البنات واللَّفظ في الآية أعمّ، والبهتان قيل إلحاق الولد بزوجها ولم يكن منه، وكانت المرأة تلتقط الولد فتقول لزوجها هذا ولدي منك. وقيل هو أن تحمل به من الزناء لأن بطنها الذي تحمله بين يديها وفرجها الذي تقذفه بين رجليها، والمعروف هو كل طاعة يؤمر بها وقيل عنى به النهي عن النوح وتمزيق الثياب وجزُّ الشعر وشقُّ الجيب وخمش الوجه والدعاء بالويل. واللَّفظ أعم من ذلك كلَّه).
وفي تحف العقول/457: (عن الإمام الجواد عليه السلام :كانت مبايعة رسول الله صلى الله عليه وآله النساء: أن يغمس يده في قدح من ماء ثم يأمرهن أن يغمسن أيديهن في ذلك القدح، بالإقرار والإيمان
< صفحة > 438 < / صفحة >
بالله، والتصديق لرسول الله على ما أخذ عليهن).
ورواه في عمدة القاري(13/292) لكن بيعته للنساء بمكة كانت بالمصافحة من وراء ثوب.
بيعة الغدير في حجة الوداع
أوقف النبي صلى الله عليه وآله المسلمين في عودته من حجة الوداع عند غدير خم، قبل الجحفة، وخطب فيهم فأخبرهم أن الله تعالى أمره أن يبلغهم ولاية علي عليه السلام من بعده وأنزل عليه قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ.
فدعا علياً عليه السلام وأصعده معه المنبر ورفع بيده وقال للمسلمين: ألست أولى بكم من أنفسكم؟قالوا: بلى. قال فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه. وبين لهم وجوب اتباعه واتباع عترته بعده، ودعا له وبين فضله وفضل عترته عليهم السلام .
ولما نزل عن المنبر نزل جبرئيل بقوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً. وقد روى ذلك الخطيب، والحافظ الحسكاني،، وابن كثير، والخوارزمي، وابن المغازلي، وابن عساكر (42/233) بأسانيد صحيحة عن أبي هريرة قال: (من صام يوم ثماني عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي صلى الله عليه وآله بيد علي بن أبي طالب فقال:ألست ولي المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم. فأنزل الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً).
وقد تورط علماء السلطة في حديث أبي هريرة، لأنه لايمكنهم الطعن في سنده، فرجاله بشرط الشيخين والطعن فيهم طعن في الصحاح كالبخاري ومسلم، وفي نفس الوقت لايمكنهم قبوله لأنه يثبت ولاية علي عليه السلام ، ويدين عمل السقيفة!
< صفحة > 439 < / صفحة >
أربعة أمور حدثت في يوم الغدير
الأمر الأول: نزول الآية التي فيها أمر النبي صلى الله عليه وآله بتبليغ الأمة ولاية علي عليه السلام .
والأمر الثاني: تبليغ النبي صلى الله عليه وآله ولاية علي والعترة من بعده وبيان فضلهم.
والأمر الثالث: أمر النبي صلى الله عليه وآله المسلمين بأن يهنؤوا علياً عليه السلام ويبايعوه.
والأمر الرابع: نزول آية الأمر بالتبليغ. وبعد التبليغ: نزول آية إكمال الدين.
وطبيعي أن يتحفظ رواة السلطة عن رواية الغدير، لكنهم لم يستطيعوا إنكارها، فغصوا بها! وأنصف بعضهم فشهدوا بها، فقد أورد الأميني رحمه الله حديث الغدير عن أكثر من مئة صحابي. وذكر ثلاثين مؤلفاً لعلماء سنيين أوردوا فيها أحاديث نزول الآية في ولاية علي عليه السلام .
وقد ألف الطبري المؤرخ كتاب الولاية وذكر فيه طرق وأسانيد حديث الغدير وقد بلغت كما قيل خمس مئة، قال الذهبي: (تذكرة الحفاظ: 2/713): (ولما بلغه أن ابن أبي داود تكلم في حديث غديرخم عمل كتاب الفضائل، وتكلم على تصحيح الحديث. قلت: رأيت مجلداً من طرق الحديث لابن جرير فاندهشت له، ولكثرة تلك الطرق).
وهذه نماذج من مصادرنا ومصادرهم: ففي المحتضر لابن سليمان الحلي/113: (قال صلى الله عليه وآله : أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! ثم قال: ألا من كنت مولاه وأولى به، فهذا علي مولاه وأولى به، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. ثمّ قال صلى الله عليه وآله : قم يا أبا بكر فبايع له بإمرة المؤمنين، ففعل. ثمّ قال: قم يا عمر فبايع له بإمرة المؤمنين، فقام فبايع له بإمرة المؤمنين .
ثمّ قال صلى الله عليه وآله لتمام تسعة نفر، ثم لرؤساء المهاجرين والأنصار فبايعوا كلهم. فقام من بين جماعتهم عمر بن الخطاب فقال: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة).
وقال سليم بن قيس الهلالي في كتابه/356: (قام رسول الله صلى الله عليه وآله في وقت الظهيرة وأمر بنصب خيمة وأمر علياً عليه السلام أن يدخل فيها، وأول من أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله أبو بكر وعمر، فلم يقوما إلا بعد ما سألا رسول الله صلى الله عليه وآله : هل من أمر الله هذه البيعة؟ فأجابهما: نعم، من أمر الله
< صفحة > 440 < / صفحة >
جل وعلا، واعلما أن من نقض هذه البيعة كافر ومن لم يطع علياً كافر، فإن قول علي قولي وأمره أمري، فمن خالف قول علي وأمره فقد خالفني. وبعد ما أكد عليهم هذا الكلام أمرهم بالإسراع في البيعة فقاما ودخلا على علي عليه السلام وبايعاه بإمرة المؤمنين. وقال عمر عند البيعة: بخ بخ لك يا علي،أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة).
(قال ابن عباس:وجبت والله في أعناق الناس). (الإقبال:2/244).
وفي شرح إحقاق الحق (2/473) عن حبيب السير (3/144): « ثم جلس أمير المؤمنين علي عليه السلام في خيمة مخصوصة تزوره الناس ويهنئونه وفيهم أبو بكر وعمر فقال عمر: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. ثم أمر أمهات المؤمنين أن يدخلن عليه ويهنئنه ».
وفي الكافي(1/292): (عن الإمام الصادق عليه السلام قال: لما نزلت ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام وكان من قول رسول الله صلى الله عليه وآله : سلموا على علي بإمرة المؤمنين، فكان مما أكد الله عليهما في ذلك اليوم يا زيد قول رسول الله صلى الله عليه وآله لهما: قوما فسلما عليه بإمرة المؤمنين، فقالا: أمن الله أو من رسوله يا رسول الله؟ فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله : من الله ومن رسوله، فأنزل الله عز وجل: وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ).
تهنئة أمير المؤمنين عليه السلام في الغدير كان معها بيعة
التهنئة وحدها بيعة، لأن البيعة للنبي صلى الله عليه وآله إقرار بنبوته وطاعته المفروضة من الله تعالى، والتهنئة لعلي عليه السلام التي أمر بها النبي صلى الله عليه وآله يوم الغدير تهنئة واعتراف بنزول الأمر الإلهي بولايته وطاعته بعد النبي صلى الله عليه وآله ، فهي نفس مضمون البيعة. مضافاً الى أن النصوص دلت على أن النبي صلى الله عليه وآله أمرهم بتهنئته وبيعته وأرسل نساءه فبايعنه.
وتقدم سؤال أبي بكر وعمر في رواية سليم/356: (هل من أمر الله هذه البيعة؟ فأجابهما النبي صلى الله عليه وآله : نعم، من أمر الله جل وعلا).
وفي كتاب أسرار الإمامة للطبري الشيعي/264:(وأمر الرجال بأن يبايعوه بالخلافة والإمامة، ولما فرغ الرجال أمر النساء بأن يبايعنه، وضرب لعلي خيمة منفردة، فأمر علياً أن يحضر طستاً، فملأه بالماء ووضع يده فيه، ووضعه على باب خيمته، فجاء النساء زرافات ووحدانا يسلمن
< صفحة > 441 < / صفحة >
عليه ويقررن ببيعته، ويضعن أيديهن في ذلك الطست).
وفي شجرة طوبى للحائري/171: (أن القاسم بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لما كان فاراً من هارون كان يمشي على شاطئ الفرات وإذا هو ببنتين تلعبان في التراب، إحداهما تقول للأخرى: لاوحق الأمير صاحب بيعة يوم الغدير ما كان الأمر كذا وكذا، وتعتذر من الأخرى.
فلما رأى عذوبة منطقها قال لها من: تعنين بهذا الكلام؟ قالت: أعني الضارب بالسيفين، والطاعن بالرمحين، أبا الحسن والحسين، علي بن أبي طالب عليه السلام . قال لها:يا بنية هل لك أن ترشديني إلى رئيس هذا الحي؟قالت: نعم إن أبي كبيرهم فمشت ومشي القاسم خلفها حتى أتت إلى بيتهم، فبقي القاسم ثلاثة أيام بعز واحترام، فلما كان اليوم الرابع دنا القاسم من الشيخ وقال له:يا شيخ أنا سمعت ممن سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله أن الضيف ثلاثة، وما زاد على ذلك يأكل صدقة، وإني أكره أن آكل الصدقة وإني أريد أن تختار لي عملاً أشتغل فيه لئلا يكون ما آكله صدقة. فقال الشيخ: إختر لك عملاً فقال له القاسم: إجعلني أسقي الماء في مجلسك فبقي القاسم على هذا إلى إن كانت ذات ليلة خرج الشيخ في نصف الليل في قضاء حاجة له فرأى القاسم صافاً قدميه ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد، فعظم في نفسه وجعل الله محبة القاسم في قلب الشيخ، فلما أصبح الصباح جمع عشيرته وقال لهم: أريد أن أزوج ابنتي من هذا العبد الصالح فما تقولون؟ قالوا: نعم ما رأيت. فزوجه من ابنته فبقي القاسم عندهم مدة من الزمان حتى رزقه الله منها ابنة وصار لها من العمر ثلاث سنين ومرض القاسم مرضاً شديداً حتى دنا أجله وتصرمت أيامه، جلس الشيخ عند رأسه يسأله عن نسبه وقال: ولدي لعلك هاشمي قال له: نعم أنا ابن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام فجعل الشيخ يلطم على رأسه وهو يقول: وا حيائي من أبيك موسى بن جعفر قال له: لا بأس عليك يا عم إنك أكرمتني وإنك معنا في الجنة. يا عم فإذا أنا مت فغسلني وحنطني وكفني وادفني، وإذا صار وقت الموسم حج أنت وابنتك وابنتي هذه فإذا فرغت من مناسك الحج إجعل طريقك على المدينة، فإذا أتيت المدينة أنزل ابنتي على بابها فستدرج وتمشي فامش أنت وزوجتي خلفها حتى تقف على باب دار عالية فتلك الدار دارنا، فتدخل البيت وليس فيها إلا نساء وكلهن أرامل.
ثم قضى نحبه فغسله وحنطه وكفنه ودفنه، فلما صار وقت الحج حج هو وابنته وابنة القاسم
< صفحة > 442 < / صفحة >
فلما قضوا مناسكهم جعلوا طريقهم على المدينة فلما وصلوا إلى المدينة أنزلوا البنت عند بابها على الأرض فجعلت تدرج والشيخ يمشي خلفها إلى أن وصلت إلى باب الدار فدخلت فبقي الشيخ وابنته واقفين خلف الباب وخرجن النساء إليها واجتمعن حولها وقلن من تكونين وابنة من؟ فلما قلن لها النساء: ابنة من تكونين؟ فلم تجبهم إلا بالبكاء والنحيب فعند ذلك خرجت أم القاسم فلما نظرت إلى شمائلها جعلت تبكي وتنادي: واولداه وا قاسماه، والله هذه يتيمة ولدي القاسم. فقلن لها: من أين تعرفينها إنها ابنة القاسم قالت: نظرت إلى شمائلها تشبه شمائل ولدي القاسم، ثم أخبرتهم البنت)!
- *
< صفحة > 443 < / صفحة >
الفصل السادس والثلاثون : النبي صلى الله عليه وآله وجبرئيل والملائكة عليهم السلام
الفصل السادس والثلاثون
النبي صلى الله عليه وآله وجبرئيل والملائكة عليهم السلام
شخصية جبرئيل عليه السلام بين الملائكة
معنى كلمة الملَك والمَلاك والملائكة
قال الخليل(5/409): (الألوك: الرسالة وهي المألكة، سميت ألوكاً لأنها تؤلك في الفم، من قولهم: يألك الفرس اللجام أي: يعلكه).
وقال ابن فارس(1/132) (ألك أصل واحد وهو: تحمل الرسالة).
وتفسيرهم غير معقول، فمتى كانت الرسالة علكة توضع في الفم وتعلك! لكنهم عندما يصلون الى طريق مسدود يتكلفون في التفسير كما تكلفوا في الصلاة فجعلوها من صلَوَيْن الفرس في مؤخرته، أو من صلاه بالنار أي شواه، وتكلفوا في الصراط فقالوا سمي به لأنه يصرط الناس أن يلتهمهم ويزدردهم كما يصرط الإنسان الطعام بدون مضغ!
وكان ينبغي لهم أن يقولوا إن الصلاة والصراط والملائكة وأمثالها، لا أصل لها في العربية، فهي منقولة من لغة أخرى، والمرجح أنها من السريانية لأنها لغة الدين الإلهي ومصطلحاته.
وإن كان لابد لهم من أصل عربي للملائكة فالأولى أن يجعلوها من الملكوت لقول علي عليه السلام :(ثم خلق سبحانه لإسكان سماواته، وعمارة الصفيح الأعلى من ملكوته، خلقاً بديعاً من ملائكته). على أن الملكوت منقول أيضاً.
< صفحة > 444 < / صفحة >
كلمة جبريل وجبرئيل وجبرائيل
كلمة جبريل وجبرئيل وجبرائيل
في قاموس المقدس/245: (جبرائيل: إسم عبري معناه رجل الله، أو أظهر الله ذاته جباراً. إسم علم لملاك ذي رتبة رفيعة) (دانيال 8: 16- 27).
ولا يصح أن يكون عبرياً، لأنه روي أن إبراهيم عليه السلام استعمل إسمه، وقد هاجر الى فلسطين وعمره خمس وسبعون سنة، وتكونت العبرية بعد ذلك على يد أولاده من السريانية البابلية واللغات الأخرى في فلسطين. فالأرجح أن جبرئيل كلمة سريانية.
وفي معاني الأخبار/49: (ومعنى إسرائيل: عبد الله، لأن إسرا هو عبد، وإيل هو الله عز وجل. وروي في خبر آخر أن إسرهو القوة و إيل هو الله عز وجل وكذلك جبرئيل).
والمرجح أن يكون جبرئيل بمعنى قدرة الله وقوته.
خطبة أميرالمؤمنين عليه السلام في وصف الملائكة
في نهج البلاغة (1/168) من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام في وصف خلق الملائكة، قال: (ثم خلق سبحانه لإسكان سماواته وعمارة الصفيح الأعلى من ملكوته، خلقاً بديعاً من ملائكته ملأ بهم فروج فجاجها، وحشى بهم فتوق أجوائها، وبين فجوات تلك الفروج زَجَل المسبحين منهم في حظائر القدس، وسَتْرات الحُجب وسُرادقات المجد. ووراء ذلك الرجيج الذي تستكُّ منه الأسماع سُبحات نور تردع الأبصار عن بلوغها، فتقف خاسئة على حدودها.
أنشأهم على صورمختلفات وأقدار متفاوتات أولي أجنحة، تسبح جلال عزته لاينتحلون ما ظهر في الخلق من صنعته، ولا يدعون أنهم يخلقون شيئاً مما انفرد به: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ.لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. جعلهم فيما هنالك أهل الأمانة على وحيه، وحملهم إلى المرسلين ودائع أمره ونهيه، وعصمهم من ريب الشبهات، فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته. وأمدهم بفوائد المعونة، وأشعر قلوبهم تواضع إخبات السكينة، وفتح لهم أبوابا ذُللاً إلى تماجيده. ونصب لهم مناراً واضحة على أعلام توحيده.
لم تثقلهم مُوصرات الآثام، ولم ترتحلهم عُقب الليالي والأيام، ولم ترم الشكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم، ولم تعترك الظنون على معاقد يقينهم، ولا قدحت قادحة الإحن فيما بينهم،
< صفحة > 445 < / صفحة >
ولاسلبتهم الحيرة ما لاقَ من معرفته بضمائرهم. وما سكن من عظمته وهيبة جلالته في أثناء صدورهم، ولم تطمع فيهم الوساوس فتقترع برينها على فكرهم.
منهم من هو في خَلْق الغمام الدُّلْح (الثقيلة) وفي عظم الجبال الشُّمْخ، وفي فترة الظلام الأبهم. ومنهم من خرقت أقدامهم تخوم الأرض السفلى، فهي كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء، وتحتها ريح هفافة تحبسها على حيث انتهت من الحدود المتناهية.
قد استفرغتهم أشغال عبادته، ووصلت حقائق الإيمان بينهم وبين معرفته. وقطعهم الإيقان به إلى الوله إليه، ولم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ماعند غيره. قد ذاقوا حلاوة معرفته، وشربوا بالكأس الروية من محبته، وتمكنت من سويداء قلوبهم وشيجة خيفته، فَحَنوْا بطول الطاعة اعتدال ظهورهم. ولم تُنفد طول الرغبة إليه مادة تضرعهم، ولا أطلق عنهم عظيم الزلفة ربق خشوعهم، ولم يتولهم الإعجاب فيستكثروا ما سلف منهم، ولا تركت لهم استكانة الإجلال نصيباً في تعظيم حسناتهم، ولم تَجْر الفترات فيهم على طول دؤوبهم، ولم تغض رغباتهم فيخالفوا عن رجاء ربهم، ولم تجفَّ لطول المناجاة أَسَلَاتُ ألسنتهم، ولاملكتهم الأشغال فتنقطع بهمس الجؤار إليه أصواتهم، ولم تختلف في مقاوم الطاعة مناكبهم، ولم يثنوا إلى راحة التقصير في أمره رقابهم، ولا تعدو على عزيمة جدهم بلادة الغفلات، ولا تنتضل في هممهم خدائع الشهوات. قد اتخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم، ويمموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين برغبتهم، لايقطعون أمد غاية عبادته، ولا يرجع بهم الإستهتار بلزوم طاعته، إلا إلى مواد من قلوبهم غير منقطعة من رجائه ومخافته. لم تنقطع أسباب الشفقة منهم فيتوانى جِدُّهم، ولم تأسرهم الأطماع فيؤثروا وشيك السعي على اجتهادهم، ولم يستعظموا ما مضى من أعمالهم، ولو استعظموا ذلك لنسخ الرجاء منهم شفقات وجلهم، ولم يختلفوا في ربهم باستحواذ الشيطان عليهم، ولم يفرقهم سوء التقاطع، ولا تولاهم غِلُّ التحاسد، ولا شعبتهم مصارف الريْب، ولا اقتسمتهم أخياف الهِمم، فهم أسراء إيمان، لم يفكهم من ربقته زيغ ولا عدول، ولا وَنْيٌ ولا فُتور. وليس في أطباق السماوات موضع إهاب إلا وعليه ملك ساجد، أو ساع حافد، يزدادون على طول الطاعة بربهم علماً، وتزداد عزة ربهم في قلوبهم عِظَماً).
وقال علي عليه السلام (نهج البلاغة:2/6):(بل إن كنت صادقاً أيها المتكلف لوصف ربك فصف جبرائيل
< صفحة > 446 < / صفحة >
وميكائيل وجنود الملائكة المقربين، في حجرات القدس مرجحنِّين (منحنين) متولِّهة عقولهم أن يحدُّوا أحسن الخالقين).
أقول: في هذه الفقرات حقائق ومعلومات عن الملائكة عليهم السلام ، ولا بد أنه عليه السلام سمعها من رسول الله صلى الله عليه وآله . وغرضنا منها ما يرتبط بجبرئيل والنبي صلى الله عليه وآله .
- *
< صفحة > 447 < / صفحة >
جبرئيل عليه السلام في القرآن والسنة
1. الروح الأمين
قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ.
2. روح القدس
وقال تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ. وقد فسر عامة المفسرين الروح الأمين وروح القدس بجبرئيل عليه السلام .
3. الرسول الكريم
قال تعالى:إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ.
في الكافي(1/433) عن الإمام الكاظم عليه السلام أن الرسول الكريم هنا جبرئيل عليه السلام .
4. قوي عند ربه مطاع من الملائكة
قال تعالى:إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ.
أي أن جبرئيل عليه السلام له قوة عند الله أي قدرة من الله تعالى، وأنه مطاع من الملائكة، وأمين على ما يحمل من أوامر ورسائل.
5. أفق رؤية النبي صلى الله عليه وآله لجبرئيل مضيئة لا إبهام فيها
قال تعالى:وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ. وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ. وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ.
والمقصود به جبرئيل عليه السلام وأن النبي صلى الله عليه وآله رآه في الأفق المبين بدون إبهام، وأن الله تعالى وجبرئيل ليس بخيلاً في إطلاعه على غيب الله تعالى. وهذا يرد قول عائشة في البخاري بأن النبي لم يعرف جبرئيل وأنه غطه وكاد يخنقه!
< صفحة > 448 < / صفحة >
6. له قوى متعددة وهو معلم النبي صلى الله عليه وآله
قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى. وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى.أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى.وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى.عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى.إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى.مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى.
أي: ما ضل النبي وما ارتكب غواية. ولا ينطق إلا بالوحي وليس بالهوى. وقد علمه جبرئيل الذي هو شديد القوى. والنبي ذو شدة في خلقه فرباه الله بتعليم جبرئيل وتعليمه وهو في الأفق الأعلى، فاعتدل. ثم اقترب في حجب النور فرأى ملكوت السماوات، وتدلى ونظر الى الأسفل فرأى ملكوت الأرض. ثم كان أقرب ما يكون الى أقصى الحجب فأوحى الله اليه ما أوحى. وكانت رؤية قلبه صادقة فلا تجادلوه. ثم وصل الى سدرة المنتهى فرأى عندها جبرئيل والجنة بقربها، رأى الأنوار وما يغشى السدرة، ولم يزغ فيها بصره ولا قلبه. فالصفات في الآيات كلها للنبي صلى الله عليه وآله إلا قوله علمه شديد القوى، فهي لجبرئيل عليه السلام .
لكن عائشة قالت إن الصفات في الآيات بعد علمه شديد القوى لجبرئيل وليس للنبي صلى الله عليه وآله وتبعها عامة أتباع المذاهب إلا النادر، وتأثر بذلك بعض الشيعة، وبعض المفسرين تردد وتحير! قال البخاري(4/84): (عن مسروق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها فأين قوله: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى؟ قالت: ذاك جبريل).
وقد رد قولها الإمام زين العابدين عليه السلام فقال إنها صفات لرسول الله صلى الله عليه وآله .
روى في علل الشرائع(1/132) (عن ثابت بن دينار قال:سألت زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام عن الله جل جلاله هل يوصف بمكان؟ فقال:تعالى عن ذلك. قلت: فلمَ أسرى بنبيه محمد صلى الله عليه وآله إلى السماء؟قال: ليريه ملكوت السماوات وما فيها من عجائب صنعه وبدايع خلقه. قلت: فقول الله عز وجل: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى.فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى؟قال: ذاك رسول الله صلى الله عليه وآله دنا من حجب النور فرأى ملكوت السماوات، ثم تدلى فنظر من تحته إلى ملكوت الأرض حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى).
< صفحة > 449 < / صفحة >
وفي بصائر الدرجات/210، بسند صحيح: (عن عبد الصمد بن بشير قال: ذكر عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام بَدْوُ الأذان وقصة الأذان في إسراء النبي صلى الله عليه وآله حتى انتهى إلى السدرة قال فقالت سدرة المنتهى: ما جاوزني مخلوق قبلك، قال: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. قال فدفع إليه كتاب أصحاب اليمين وأصحاب الشمال. قال:وأخذ أصحاب اليمين بيمينه ففتحه فنظر إليه فإذا فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم.
قال فقال له: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِالله وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. قال فقال الله: لَا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا. قال فقال الله: قد فعلت. قال: رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا..إلى آخر السورة.
وكل ذلك يقول الله: قد فعلت. قال ثم طوى الصحيفة فأمسكها بيمينه، وفتح صحيفة أصحاب الشمال، فإذا فيها أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ. قال فقال الله: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.
قال: فلما فرغ من مناجاة ربه رُدَّ إلى البيت المعمور، ثم قص قصة البيت والصلاة فيه، ثم نزل ومعه الصحيفتان فدفعهما إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ).
وفي تفسير القمي(2/334): (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى:يعني رسول الله صلى الله عليه وآله قال:وحدثني ياسر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال:مابعث الله نبياً إلا صاحب مرة سوداء صافية).
7. لايبخل الله عليه بغيبه ولا يبخل هو والنبي صلى الله عليه وآله
قال تعالى: وَلَقَدْ رَءَاهُ بِالاٍّ فُقِ الْمُبِينِ. وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ.
في تفسير القمي (2/408):(ما هو تبارك وتعالى على نبيه بغيبه بضنين عليه).
أي ليس بخيلاً بالغيب الذي ينبغي بيانه للنبي صلى الله عليه وآله ، وكذلك جبرئيل عليه السلام .
< صفحة > 450 < / صفحة >
8. مولى المؤمنين وناصرهم
قال تعالى:إِنْ تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ الله هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ.
وقد ذكر جبريل في النصرة بعد الله تعالى، لأنه دائم التواصل مع النبي صلى الله عليه وآله وهو أقرب اليه من صالح المؤمنين ومن الملائكة، الذين قد يرسلون لنصرته.
9. سيد الملائكة بعد إسرافيل
ورد وصف جبرئيل بأنه سيد الملائكة، وورد وصف إسرافيل به وهوأقوى.
ففي تفسير القمي(2/27)بسند صحيح عن الباقر عليه السلام قال:(بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس وعنده جبرئيل إذ حانت من جبرئيل عليه السلام نظرة قبل السماء فامتقع لونه حتى صار كأنه كُرْكُمَة (أصفر) ثم لاذ برسول الله صلى الله عليه وآله ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حيث نظر جبرئيل فإذا شئ قد ملأ ما بين الخافقين مقبلاً حتى كان كقاب من الأرض، ثم قال: يا محمد إني رسول الله إليك أخبرك أن تكون ملكاً رسولاً أحب إليك أو تكون عبداً رسولاً؟فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جبرئيل وقد رجع إليه لونه، فقال جبرئيل: بل كن عبداً رسولاً، فقال رسول الله: بل أكون عبداً رسولاً، فرفع الملك رجله اليمنى فوضعها في كبد السماء الدنيا، ثم رفع الأخرى فوضعها في الثانية، ثم رفع اليمنى فوضعها في الثالثة، ثم هكذا حتى انتهى إلى السماء السابعة، كل سماء خطوة، وكلما ارتفع صغر حتى صار آخر ذلك مثل الصر (عصفور) فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جبرئيل فقال: لقد رأيتك ذعراً وما رأيت شيئاً كان أذعر لي من تغير لونك، فقال: يا نبي الله لاتلمني أتدري من هذا؟ قال: لا، قال: هذا إسرافيل حاجب الرب ولم ينزل من مكانه منذ خلق الله السماوات والأرض، فلما رأيته منحطاً ظننت أنه جاء بقيام الساعة، فكان الذي رأيت من تغير لوني لذلك، فلما رأيت ما اصطفاك الله به رجع إلي لوني ونفسي. أما رأيته كلما ارتفع صغر إنه ليس شئ يدنو من الرب إلا صغر لعظمته. إن هذا حاجب الرب وأقرب خلق الله منه، واللوح بين عينيه من ياقوتة حمراء، فإذا تكلم الرب تبارك وتعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه، فنظر فيه ثم يلقيه الينا فنسعى به في السماوات والأرض. إنه لأدنى خلق الرحمن منه وبينه وبينه سبعون حجاباً من نور، تقطع
< صفحة > 451 < / صفحة >
دونها الأبصار ما لايعد ولا يوصف. واني لأقرب الخلق منه وبيني وبينه مسيرة ألف عام)!
أقول: إن جبرئيل عليه السلام عنده معلومات عن علامات القيامة ووقتها، لكن حالته وخوفه، تدل على إيمانه بالبداء، وهو عدم الحتم على الله تعالى.
العلاقة الحميمة بين النبي صلى الله عليه وآله وجبرئيل عليه السلام
كان النبي صلى الله عليه وآله يخاطبه: أخي أوحبيبي.قال صلى الله عليه وآله :(قال لي حبيبي جبرئيل عليه السلام : تَطَيَّبْ يوماً ويوماً لا، ويوم الجمعة لابد منه). (الكافي:6/511).
وقال صلى الله عليه وآله : (أتاني جبرئيل وقد انقطع عني الوحي ثلاثة أيام فقلت: ما أبطأ بك يا حبيبي جبرئيل؟فقال: يا محمد،كيف تنزل عليكم الملائكة وأنتم لاتستاكون ولاتستنجون بالماء ولاتغسلون براجمكم).(دعائم الإسلام:1/119).
ولا تغسلون براجممكم: أي أيديكم وتحت أظافركم.
وقال صلى الله عليه وآله : (لما عرج بي إلى السماء وبلغت سدرة المنتهى ودعني جبرئيل عليه السلام فقلت: حبيبي جبرئيل أفي هذا المقام تفارقني! فقال: يا محمد إني لا أجوز هذا الموضع فتحترق أجنحتي.
ثم زُجَّ بي في النور ما شاء الله، فأوحى الله إلي: يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبياً،ثم اطلعت ثانياً فاخترت منها علياً فجعلته وصيك ووارث علمك والإمام بعدك، وأخرج من أصلابكما الذرية الطاهرة والأئمة المعصومين خزان علمي، فلولاكم ما خلقت الدنيا ولا الآخرة ولا الجنة ولا النار).(كفاية الأثر/71).
وفي الثاقب في المناقب/285: أن فاطمة عليه السلام وهي جنين في بطن أمها كانت تحدثها وتؤنسها، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله :ياخديجة من تكلمين؟ قالت: يا رسول الله إن الجنين الذي أنا حامل به إذا أنا خلوت به في منزلي كلمني، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: يا خديجة، هذا أخي جبرئيل عليه السلام يخبرني أنها ابنتي، وأنها النسمة الطاهرة المطهرة وأن الله تعالى أمرني أن أسميها فاطمة وسيجعل الله تعالى من ذريتها أئمة يهتدي بهم المؤمنون، ففرحت خديجة بذلك).
< صفحة > 452 < / صفحة >
صفة جبرئيل عليه السلام
في الإختصاص للمفيد/45: في جواب النبي صلى الله عليه وآله لعبد الله بن سلام:(قال: فأخبرني عن جبرئيل في زي الإناث أم في زي الذكور؟ قال: في زي الذكور ليس في زي الإناث. قال: فأخبرني ما طعامه وشرابه؟ قال: طعامه التسبيح وشرابه التهليل، قال: صدقت يا محمد. قال: فأخبرني ما طول جبرئيل؟ قال: إنه على قدر بين الملائكة ليس بالطويل العالي ولا بالقصير المتداني، له ثمانون ذؤابة وقصة جعدة وهلال بين عينيه، أغر أدعج محجل، ضوؤه بين الملائكة كضوء النهار عند ظلمة الليل، له أربع وعشرون جناحاً خضراً مشبكة بالدر والياقوت، مختمة باللؤلؤ. وعليه وشاح، بطانته الرحمة، أزراره الكرامة، ظهارته الوقار، ريشه الزعفران، واضح الجبين، أقنى الأنف، سائل الخدين مدور اللحيين، حسن القامة، لا يأكل ولا يشرب ولا يمل ولايسهو، قائم بوحي الله إليه إلي يوم القيامة. قال: صدقت يا محمد).
وفي خصائص السيوطي(1/200): (عن شريح بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وآله لما صعد إلى السماء رأى جبرئيل في خلقه: منظومة أجنحته من الزبرجد واللؤلؤ والياقوت. قال: فخيل إليَّ أن ما بين عينيه قد سد الأفق، وكنت أراه قبل ذلك على صور مختلفة، وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي).
وفي التوحيد للصدوق/263: (وقوله في آخر الآية: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى. رأى جبرئيل عليه السلام في صورته مرتين هذه المرة ومرة أخرى. وذلك أن خلق جبرئيل عظيم، فهو من الروحانيين الذين لايدرك خلقهم وصفتهم إلا الله رب العالمين).
وفي تفسير القرطبي (17/87): (كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وآله في صورة الآدميين كما كان يأتي إلى الأنبياء، فسأله النبي صلى الله عليه وآله أن يريه نفسه التي جبله الله عليها فأراه نفسه مرتين:مرة في الأرض ومرة في السماء، فأما في الأرض ففي الأفق الأعلى، وكان النبي صلى الله عليه وآله بحراء، فطلع له جبريل من المشرق فسد الأرض إلى المغرب، فخر النبي صلى الله عليه وآله مغشياً عليه. فنزل إليه في صورة الآدميين وضمه إلى صدره، وجعل يمسح الغبار عن وجهه، فلما أفاق النبي صلى الله عليه وآله قال:يا جبريل ما ظننت أن الله خلق أحداً على مثل هذه الصورة. فقال: يا محمد إنما نشرت جناحين من أجنحتي، وإن لي ست مائة جناح سعة كل جناح ما بين المشرق والمغرب.
< صفحة > 453 < / صفحة >
فقال: إن هذا لعظيم! فقال: وما أنا في جنب ما خلقه الله إلا يسيراً، ولقد خلق الله إسرافيل له ست مائة جناح، كل جناح منها قدر جميع أجنحتي، وانه ليتضاءل أحياناً من مخافة الله تعالى حتى يكون بقدر الوصَع، يعني العصفور الصغير).
أقول:لا يمكن قبول قولهم إن النبي صلى الله عليه وآله قد غُشي عليه من رؤية جبرئيل عليه السلام ، فهذا الخوف لاموجب له، على أنه لا يتفق مع أخلاق النبي صلى الله عليه وآله !
وأسوأ منه ما رواه أحمد (1/322): (فجعل يرتفع وينتشر، فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله صُعق فأتاه فنَعَشَهُ ومسح البزاق عن شدقيه)!
أما عدد أجنجة جبرئيل عليه السلام فقد استفاض الحديث عند الجميع أنها ست مائة جناح، والأربعة وعشرون المذكورة هي الخضراء.
دحية بن خليفة الكلبي صحابي ممدوح
قال ابن عبد البر في الإستيعاب(2/461): (دحية بن خليفة بن فروة الكلبي، من كلب بن وبرة في قضاعة. كان من كبار الصحابة، لم يشهد بدراً وشهد أحداً وما بعدها من المشاهد، وبقي إلى خلافة معاوية).
وكان دحية تاجراً له قافلة بين الشام والحجاز، فإذا وصلت قافلته الى مدينة ضربوا أمامها بالطبول ورقصوا، ولما وصلت الى المدينة وكان يوم جمعة سمع الصحابة المصلون طبلها فركضوا اليها وتركوا النبي صلى الله عليه وآله يخطب! ولم يبق معه إلا علي عليه السلام وبضعة نفر، فوبخهم الله: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللهخَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَالله خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
كان دحية جسيماً جميلاً، قيل كان أجمل أهل زمانه، إذا دخل المدينة خرجت النساء لمشاهدته، فكان يتلثم حتى لاتفتن به امرأة.
وكان إذا قدم زار النبي صلى الله عليه وآله وأتى بهدية للحسن والحسين عليهما السلام ، وكان جبرئيل عليه السلام ينزل بصورة دحية، فرآه الحسنان عليهما السلام فجاءا يدوران حوله!
ففي مناقب آل أبي طالب(3/161): (الحسن البصري وأم سلمة: إن الحسن والحسين دخلا على رسول الله صلى الله عليه وآله وبين يديه جبرئيل فجعلا يدوران حوله يشبهانه بدحية الكلبي، فجعل جبرئيل
< صفحة > 454 < / صفحة >
يومئ بيده كالمتناول شيئاً فإذا في يده تفاحة وسفرجلة ورمانة، فناولهما وتهلل وجهاهما وسعيا إلى جدهما فأخذها منهما فشمهما ثم قال: صيرا إلى أمكما بما معكما وابدءا بأبيكما، فصارا كما أمرهما فلم يأكلوا حتى صار النبي إليهم فأكلوا جميعاً، فلم يزل كلما أكل منه عاد إلى ما كان، حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله قال الحسين عليه السلام : فلم يلحقه التغيير والنقصان أيام فاطمة بنت رسول الله عليها السلام حتى توفيت، فلما توفيت فقدنا الرمان وبقي التفاح والسفرجل أيام أبي، فلما استشهد أميرالمؤمنين عليه السلام فقد السفرجل وبقي التفاح على هيئته عند الحسن عليه السلام حتى مات في سمه، وبقيت التفاحة إلى الوقت الذي حوصرتُ عن الماء، فكنت أشمها إذا عطشت فيسكن لهب عطشي).
- *
وأرسل النبي صلى الله عليه وآله دحية رسولاً الى قيصر، ففي الثاقب في المناقب/107: (عن الصادق عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أنفذ دحية الكلبي إلى قيصر ملك الروم فتفل في فيه فتكلم بالرومية. ولما أنفذ عبد الله بن جحش إلى كسرى تفل في فيه فتكلم بالفارسية الدرية)!
وفي دلائل الإمامة للطبري الشيعي/13: (بعث رسول الله صلى الله عليه وآله دحية الكلبي بكتابه إلى هرقل قيصر الروم، فاستمع هرقل إلى الكتاب، فقال لدحية: إني لأعلم أن صاحبك نبي مرسل ولكني أخاف الروم على نفسي ولولا ذلك لاتبعته، فاذهب إلى ضغاطر الأسقف الأعظم في الروم، واذكر له أمر صاحبك وانظرماذا يقول. فجاءه دحية وأخبره بما جاء به من رسول الله فقال له ضغاطر: والله إن صاحبك نبي مرسل نعرفه بصفته ونجده في كتابنا ثم أخذ عصاه وخرج على الروم وهم في الكنيسة فقال: يا معشر الروم، قد جاءنا كتاب من أحمد يدعونا إلى الله، وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. قال: فوثبوا عليه فقتلوه رحمه الله ! فرجع دحية إلى هرقل وأخبره الخبر، فقال: قد قلت إنا نخافهم على أنفسنا).
وفي الخرائج للقطب الراوندي (1/131): (قال دحية الكلبي: بعثني رسول الله بكتاب إلى قيصر فأرسل إلى الأسقف فأخبره بمحمد صلى الله عليه وآله وكتابه فقال: هذا النبي الذي كنا ننتظره، بشرنا به عيسى بن مريم. فقال الأسقف: أما أنا فمصدقه ومتبعه. فقال قيصر: أما أنا إن فعلت ذلك ذهب ملكي. ثم قال قيصر: إلتمسوا لي من قومه ها هنا أحداً أسأله عنه، وكان أبو سفيان
< صفحة > 455 < / صفحة >
وجماعة من قريش دخلوا الشام تجاراً فأحضرهم، قال: ليدْنُ مني أقربكم نسباً به، فأتاه أبو سفيان فقال: أنا سائل عن هذا الرجل الذي يقول إنه نبي. ثم قال لأصحابه: إن كذب فكذبوه. قال أبو سفيان: لولا الحياء أن يؤثر أصحابي عني الكذب لأخبرته بخلاف ما هو عليه!
فقال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحد؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل؟قلت: لا. قال: فأشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم؟ قلت: ضعفاؤهم. قال: يزيدون أو ينقصون؟ قلت: يزيدون. قال: يرتد أحد منهم سخطاً لدينه؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا. قال: فهل قاتلكم؟ قلت: نعم. قال: فكيف حربكم وحربه؟ قلت: ذو سجال مرة له، ومرة عليه؟ قال: هذه آية النبوة. قال: فما يأمركم؟ قلت: يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصوم والعفاف والصدق وأداء الأمانة والوفاء بالعهد. قال: هذه صفة نبي، وقد كنت أعلم أنه يخرج ولم أظن أنه منكم، فإنه يوشك أن يملك ما تحت قدمي هاتين. ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقياه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه!
وإن النصارى اجتمعوا على الأسقف ليقتلوه فقال: إذهب إلى صاحبك فاقرأ عليه سلامي وأخبره أني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن النصارى أنكروا ذلك عليَّ. ثم خرج إليهم فقتلوه)!
أقول: لايغرك كلام هرقل فهو نفاق سياسي، زعم أنه مؤمن بالنبي صلى الله عليه وآله وفي نفس الوقت وضع خطة لغزو المدينة، وأعد جيش الشام، وأنشأ قاعدة في دومة الجندل عند ملكها الأكيدر فيها ألفا مقاتل، وأمد أبا عامر الراهب في المدينة ليقاوم النبي صلى الله عليه وآله ويبني مسجد الضرار!
وقد يكون هرقل أراد أن يقتل المسيحيون البابا المسمى ضغاطر، وهو معرب اوتوكراتور Autacrator حيث أظهر الإسلام وأرسل له دحية الى روما، فشجعه أن يسلم لكي يقتله الناس!
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله أرسل رسالة الى ضغاطر فقد تكون مع رسالة هرقل، وقد تكون بعدها، وقد ذكرت الروايات أن البابا كان في روما فلا بد أن دحية قصده في روما، ولعله كان في الشام في طريقه الى بيت المقدس. - *
< صفحة > 456 < / صفحة >
وكان دحية مع النبي صلى الله عليه وآله في فتح خيبر فلما قسموا الغنائم والسبي كانت صفية بنت حي بن أخطب رئيس بني قريظة في سهم دحية، فاشتراها منه النبي صلى الله عليه وآله وأعتقها وتزوجها.
وذكر في الإستيعاب(4/1868) أن النبي صلى الله عليه وآله تزوج بنت دحية واسمها شراف، وقال في المحبر إنها أخته، فماتت في الطريق قبل أن يدخل بها. - *
قال الشريف المرتضى في رسائله(4/25): (إن نزول جبرئيل عليه السلام بصورة دحية كان لمسألة من النبي صلى الله عليه وآله لله تعالى في ذلك، فأما تصوره فليس بقدرته بل الله تعالى يصوره كذلك حقيقة لا شكلاً. والذي كان يسمعه النبي صلى الله عليه وآله من القرآن من جبرئيل في الحقيقة كان.
فأما إبليس والجن فليس يقدران على التصور، وكل قادر بقدرة. فحكمهم سواء في أنهم لايصح أن يصوروا نفوسهم، بل اقتضت المصلحة أن يتصور بعضهم بصورة، يصوره الله تعالى للمصلحة.
فأما جبرئيل عليه السلام وسماعه الوحي فيجوز أن يتكلم الله تعالى بكلام يسمعه فيعلمه، ويجوز أن يقرأه من اللوح المحفوظ.
فأما ما يعلم جبرئيل من صفات الله تعالى، فطريقه الدليل، وهو والعلماء فيه واحد. فأما محله من السماء، فقد روي أنه في السماء السابعة.
فأما ما يخطر بباله، فلا يجوز أن يتجوز فيه لأن جبرئيل عليه السلام معصوم لا يصح أن يفعل قبيحاً).
أقول: ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله لم يقترح على ربه شيئاً أبداً، فلا بد أن يكون الله تعالى خيره في الصورة التي يرغب أن يأتيه بها جبرئيل عليه السلام ، فاختار صورة دحية. - *
أوصاهم النبي صلى الله عليه وآله أصحابه إذا رأيتموني جالساً مع دحية الكلبي فلا يأتينا أحد. وروى في الكافي بسند صحيح(2/587): (أن أبا ذر أتى رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه جبرئيل عليه السلام في صورة دحية الكلبي وقد استخلاه رسول الله صلى الله عليه وآله فلما رآهما انصرف عنهما ولم يقطع كلامهما فقال جبرئيل عليه السلام : يا محمد هذا أبو ذر قد مر بنا ولم يسلم علينا، أمَا لو سلم لرددنا عليه، يا محمد إن له دعاء يدعو به معروفاً عند أهل السماء فسله عنه إذا عرجت إلى السماء، فلما ارتفع جبرئيل
< صفحة > 457 < / صفحة >
جاء أبو ذر إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال له رسول الله: ما منعك يا أبا ذر أن تكون سلمت علينا حين مررت بنا؟ فقال: ظننت يا رسول الله أن الذي كان معك دحية الكلبي قد استخليته لبعض شأنك، فقال: ذاك جبرئيل يا أبا ذر وقد قال:أمَا لوسلم علينا لرددنا عليه، فلما علم أبو ذر أنه كان جبرئيل دخله من الندامة حيث لم يسلم عليه ما شاء الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : ما هذا الدعاء الذي تدعو به؟ فقد أخبرني جبرئيل عليه السلام أن لك دعاء تدعو به معروفاً في السماء، فقال: نعم يا رسول الله أقول: اللهم إني أسألك الأمن والإيمان بك، والتصديق بنبيك، والعافية من جميع البلاء، والشكر على العافية، والغنى عن شرار الناس).
كان جبرئيل عليه السلام يستأذن للدخول على النبي صلى الله عليه وآله
قال الصدوق في الإعتقادات في دين الإمامية/81: (باب الإعتقاد في كيفية نزول الوحي من عند الله في الأمر والنهي: اعتقادنا في ذلك أن بين عيني إسرافيل لوحاً، فإذا أراد الله تعالى أن يتكلم بالوحي ضرب اللوح جبين إسرافيل، فينظر فيه فيقرأ ما فيه فيلقيه إلى ميكائيل، ويلقيه ميكائيل إلى جبرائيل، فيلقيه جبرئيل إلى الأنبياء. وأما الغشوة التي كانت تأخذ النبي صلى الله عليه وآله فإنها كانت تكون عند مخاطبة الله إياه حتى يثقل ويعرق. وأما جبرئيل عليه السلام فإنه كان لايدخل عليه حتى يستأذنه إكراماً له، وكان يقعد بين يديه قعدة العبد).
وفي كمال الدين/85: (إن النبي صلى الله عليه وآله كان يكون بين أصحابه فيغمى عليه وهو يتصاب عرقاً، فإذا أفاق قال: قال الله عز وجل كذا وكذا، أمركم بكذا، ونهاكم عن كذا. وأكثر مخالفينا يقولون إن ذلك كان عند نزول جبرئيل عليه السلام عليه، فسئل الصادق عليه السلام عن الغشية التي كانت تأخذ النبي صلى الله عليه وآله أكانت تكون عند هبوط جبرئيل عليه السلام فقال: لا، إن جبرئيل كان إذ أتى النبي صلى الله عليه وآله لم يدخل عليه حتى يستأذنه، وإذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد، وإنما ذلك عند [بعد] مخاطبة الله عز وجل إياه بغير ترجمان وواسطة).
وفي الكافي(4/452): (عن عمر بن يزيد قال: حاضت صاحبتي وأنا بالمدينة وكان ميعاد جمالنا وإبان مقامنا وخروجنا قبل أن تطهر، ولم تقرب المسجد ولا القبر ولا المنبر، فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال: مرها فلتغتسل ولتأت مقام جبرئيل عليه السلام فإن جبرئيل كان يجيئ فيستأذن على رسول الله صلى الله عليه وآله وإن كان على حال لاينبغي أن يأذن له قام في مكانه حتى يخرج إليه، وإن أذن
< صفحة > 458 < / صفحة >
له دخل عليه. فقلت: وأين المكان؟ فقال: حيال الميزاب الذي إذا خرجت من الباب الذي يقال له: باب فاطمة عليها السلام ).
وفي علل الشرائع(1/7): (عن الصادق عليه السلام قال:كان جبرئيل إذا أتى النبي صلى الله عليه وآله قعد بين يديه قعدة العبد، وكان لا يدخل حتى يستأذنه).
أقول: باب جبرئيل في المسجد النبوي الشريف معروف، وهو من جهة البقيع.
قرن الله بالنبي صلى الله عليه وآله إسرافيل مدة ثم جبرئيل عليهما السلام
قال المفيد في الإختصاص/130: (قرن إسرافيل برسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث سنين يسمع الصوت ولا يرى شيئاً ثم قرن به جبرئيل عليه السلام عشرين سنة وذلك حيث أوحي إليه فأقام بمكة عشر سنين، ثم هاجر إلى المدينة فأقام بها عشر سنين وقبض صلى الله عليه وآله وهو ابن ثلاث وستين سنة).
وفي أعلام النبوة للماوردي(1/310): (روى الشعبي وداود بن عامر أن الله تعالى قرن إسرافيل بنبوة رسوله صلى الله عليه وآله ثلاث سنين يسمع حسه ولا يرى شخصه ويعلمه الشيئ بعد الشيئ ولا ينزل عليه بالقرآن، فكان في هذه المدة مبشراً بالنبوة وغير مبعوث إلى الأمة).
أقول: المرجح عندي أن الله تعالى قرن إسرافيل به عليه السلام كان قبل بعثته بثلاث سنين. وقرن به جبرئيل عليه السلام من البعثة وما بعدها.
في مناقب آل أبي طالب (1/41): (وسمعت مذاكرة أنه نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله ستين ألف مرة).
وهذا القول بعيد لأن مجموع البعثة ثلاث وعشرون سنة، وهي ثمانية آلاف يوم وكسراً، فلو كان يتردد عليه كل يوم خمس مرات، فينزل ثم يصعد مكرراً ليأتي بالجواب، لكان نزوله نحو أربعين ألف مرة.
وفي الفواكه الدواني للقيرواني/15: (ومما يدل على مزية المصطفى أيضاً أنه لم يكن لأحد معجزات كمعجزاته كمية ولا كيفية، ولا نزل عليه جبريل كعدد نزوله عليه فإنه نزل عليه أربعاً وعشرين ألف مرة، وقيل ستاً وعشرين).
وفي علم اليقين للفيض الكاشاني(1/487): (قيل: نزل جبرئيل على آدم اثنتي عشرة مرة، وعلى
< صفحة > 459 < / صفحة >
إدريس أربع مرات، وعلى نوح خمسين مرة، وعلى إبراهيم اثنتين وأربعين مرة مرتين في صغره وأربعين في كبره، وعلى موسى أربع مائة مرة، وعلى عيسى عشر مرات، ثلاث مرات في صغره وسبع مرات في كبره وعلى نبينا صلى الله عليه وآله أربعاً وعشرين ألف مرة. صلوات الله عليهم).
ولا نعرف مستنداً لهذا القول، ولا من قاله، فهو ظن وليس علماً.
رأى النبي صلى الله عليه وآله جبرئيل عليه السلام بصورته الأصلية
قال تعالى: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى.
قال الصدوق في التوحيد/116: (سئل الصادق عليه السلام قول الله عز وجل: لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى. قال: رأى جبرئيل على ساقه الدر مثل القطر على البقل، له ست مائة جناح، قد ملأ ما بين السماء إلى الأرض).
وفي تفسير القمي(2/207): (في قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ.
قال الصادق عليه السلام :خلق الله الملائكة مختلفة، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وآله جبرئيل وله ست مائة جناح على ساقه الدر مثل القطر على البقل، قد ملأ ما بين السماء والأرض.وقال: إن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون، وإنما يعيشون بنسيم العرش).
وفي التوحيد للصدوق/263: (وأما قوله: وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى يعني محمداً صلى الله عليه وآله كان عند سدرة المنتهى حيث لايتجاوزها خلق من خلق الله. وقوله في آخر الآية: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى.
رأى جبرئيل في صورته مرتين هذه المرة ومرة أخرى وذلك أن خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيين الذين لايدرك خلقهم وصفتهم إلا الله رب العالمين).
وفي البرهان في تفسير القرآن(5/199):(أن جبرئيل قال للنبي صلى الله عليه وآله :يا محمد، لو رأيت إسرافيل الذي رأسه تحت العرش، ورجلاه تحت تخوم الأرض السابعة واللوح المحفوظ بين
< صفحة > 460 < / صفحة >
حاجبيه، وإنه إذا ذكر اسم الله يبقى كالعصفور).
وفي سبل الهدى(3/39): (فقال له جبرئيل عليه السلام : وما أنا في جنب ما خلقه الله إلا يسيراً، ولقد خلق الله تعالى إسرافيل له ستمائة جناح، كل جناح قدر أجنحتي).
وروي أن لإسرافيل اثني عشر ألف جناح، وقد تكون الست مئة الكبيرة، والأجنحة الباقية ليست بقدرها.
جبرئيل عليه السلام من قبل آدم عليه السلام الى نبينا صلى الله عليه وآله
في إعداد الأرض لآدم عليه السلام
في الكافي (1/409):(عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إن جبرئيل عليه السلام كرى برجله خمسة أنهار ولسان الماء يتبعه: الفرات، ودجلة، ونيل مصر، ومهران، ونهر بلخ، فما سقت أو سُقي منها فللإمام).
مع آدم عليه السلام
في علل الشرائع(2/1) من حديث أمير المؤمنين عليه السلام مع اليهودي: (وسمي آدم آدم لأنه خلق من أديم الأرض، وذلك أن الله تعالى بعث جبرئيل عليه السلام وأمره أن يأتيه من أديم الأرض بأربع طينات، طينة بيضاء وطينه حمراء وطينة غبراء وطينة سوداء، وذلك من سهلها وحزنها، ثم أمره أن يأتيه بأربع مياه: ماء عذب، وماء ملح، وماء مر، وماء منتن).
وفي بصائر الدرجات/37: (عن الإمام زين العابدين عليه السلام :إن الله بعث جبرئيل إلى الجنة فأتاه بطينة من طينتها، وبعث ملك الموت إلى الأرض فجاءه بطينة من طينتها، فجمع الطينتين ثم قسمها نصفين، فجعَلَنا من خير القسمين، وجعل شيعتنا من طينتنا).
وفي المحاسن(1/191):(عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: هبط جبرئيل على آدم عليه السلام فقال: يا آدم إني أمرت أن أخيرك بين ثلاثة، فاختر واحدة ودع اثنتين، فقال له آدم: يا جبرئيل وما الثلاثة؟ فقال: العقل والحياء والدين، فقال آدم: فإني قد اخترت العقل، فقال جبرئيل للحياء والدين: إنصرفا ودعاه، فقالا: يا جبرئيل إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان، قال: فشأنكما، وعرج).
< صفحة > 461 < / صفحة >
مع نوح عليه السلام
وفي الكافي(8/285): (عن الإمام الصادق عليه السلام قال: عاش نوح عليه السلام بعد الطوفان خمس مائة سنة، ثم أتاه جبرئيل فقال: يا نوح إنه قد انقضت نبوتك واستُكملت أيامك فانظر إلى الإسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة التي معك فادفعها إلى ابنك سام، فإني لا أترك الأرض إلا وفيها عالم تعرف به طاعتي ويعرف به هداي، ويكون نجاة فيما بين مقبض النبي ومبعث النبي الآخر، ولم أكن أترك الناس بغير حجة لي وداع إلي وهاد إلى سبيلي وعارف بأمري، فإني قد قضيت أن أجعل لكل قوم هادياً أهدي به السعداء ويكون حجة لي على الأشقياء.قال: فدفع نوح عليه السلام الإسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة إلى سام، وأما حام ويافث فلم يكن عندهما علم ينتفعان به قال: وبشرهم نوح بهود صلى الله عليه وآله وأمرهم باتباعه وأمرهم أن يفتحوا الوصية في كل عام وينظروا فيها ويكون عيداً لهم). وفي رواية: عاش بعد الطوفان ثلاث مئة وخمسين سنة.
مع إبراهيم عليه السلام
وفي الخصال/336، عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: (إن إبراهيم عليه السلام لما وضع في المنجنيق غضب جبرئيل عليه السلام فأوحى الله عز وجل إليه يا جبرئيل مايغضبك، قال: يا رب إبراهيم خليلك ليس على وجه الأرض أحد يعبدك غيره، سلطت عليه عدوك وعدوه، فأوحى الله إليه: أسكت فإنما يعجل العبد الذي هو مثلك يخاف الفوت. فأما أنا فهو عبد آخذه إذا شئت!
قال: فطابت نفس جبرئيل ثم التفت إلى إبراهيم عليه السلام فقال: هل لك من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، فأهبط الله عز وجل عندها خاتماً فيه ستة أحرف لا إله إلا الله، محمد رسول الله، لاحول ولا قوة إلا بالله، فوضت أمري إلى الله، أسندت ظهري إلى الله، حسبي الله قال: فأوحى الله عز وجل إليه بأن تختم بهذا الخاتم فإني أجعل النار عليك برداً وسلاماً).
وفي المحاسن (2/380): (لما قذف إبراهيم عليه السلام في النار هبط عليه جبرئيل بقميص في قصبة فضة فألبسه إياه، ففرت عنه النار ونبت حوله النرجس).
وقد يكون أعطاه الخاتم أولاً، ثم جاءه بالقميص.
وفي الكافي(4/40) عن الإمام الصادق عليه السلام أن جبرئيل نزل على إبراهيم عليه السلام فقال له: (أرسلني
< صفحة > 462 < / صفحة >
ربك إلى عبد من عبيده يتخذه خليلاً. قال إبراهيم عليه السلام : فأعلمني من هو أخدمه حتى أموت؟ قال: فأنت هو. قال: وممَّ ذلك؟ قال: لأنك لم تسأل أحداً شيئاً قط، ولم تُسأل شيئاً قط فقلت: لا).
وفي المحاسن(2/336): (قال: سميت التروية لأن جبرئيل أتى إبراهيم عليه السلام يوم التروية فقال: يا إبراهيم إرتو من الماء لك ولأهلك، ولم يكن بين مكة وعرفات ماء،ثم مضى به إلى الموقف فقال: إعترف واعرف مناسكك فلذلك سميت عرفة، ثم قال له: إزدلف إلى المشعر الحرام، فسميت المزدلفة).
مع موسى عليه السلام
في مناقب آل أبي طالب(3/45): (كان في عصا موسى عجائب عجزت السحرة عنها، وفي سيف علي عجائب عجزت الكفرة عنها.
في عصى موسى أربعة أحوال: هي عصاي، ثم تحركت حية تسعى، ثم كبرت، فإذا هي ثعبان، ثم التقفت فإذا هي تلقف ما يأفكون.
ونزل جبرئيل بعصا موسى فأعطاها شعيباً، وأعطاها شعيب موسى، وكانت من اللوز المر، وكان رأسها ذا شعبتين).
وفي علل الشرائع(1/60): (قال موسى في نفسه: ما أرى أن الله عز وجل خلق خلقاً أعلم مني، فأوحى الله عز وجل إلى جبرئيل: يا جبرئيل أدرك عبدي موسى قبل أن يهلك، وقل له إن عند ملتقى البحرين رجلاً عابداً فاتبعه وتعلم منه، فهبط جبرئيل على موسى بما أمره به ربه عز وجل، فعلم موسى ان ذلك لما حدثت به نفسه، فمضى هو وفتاه يوشع بن نون حتى انتهيا إلى ملتقى البحرين: فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا. قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً.. الآيات).
وفي من لايحضره الفقيه (2/236):(قال الصادق عليه السلام : لما حج موسى عليه السلام نزل عليه جبرئيل فقال له موسى: يا جبرئيل ما لمن حج هذا البيت بلا نية صادقة ولا نفقة طيبة؟ قال: لا أدري حتى أرجع إلى ربي عز وجل، فلما رجع قال الله عز وجل: يا جبرئيل ما قال لك موسى؟ وهو أعلم بما قال، قال: يا رب قال لي: ما لمن حج هذا البيت بلا نية صادقة ولا نفقة طيبة، قال الله
< صفحة > 463 < / صفحة >
عز وجل: إرجع إليه وقل له: أهب له حقي وأرضي عنه خلقي، قال فقال: يا جبرئيل فما لمن حج هذا البيت بنية صادقة ونفقة طيبة؟ قال: فرجع إلى الله تعالى فأوحى الله إليه قل له: أجعله في الرفيق الأعلى مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا).
مع عيسى عليه السلام
في شجرة طوبى للحائري (2/438): (روى أن عيسى بن مريم عليهما السلام قال لأمه: يا أماه إني وجدت مما علمني الله هذه الدار دار فناء وزوال، والآخرة هي التي لا تخرب أبداً، تعالى أجيبيني يا أماه نأخذ من هذه الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية، فانطلقا إلى جبل لبنان، وكانا فيه يصومان النهار ويقومان الليل، ويأكلان من ورق الأشجار، ويشربان من ماء الأمطار فمكثا في ذلك زماناً طويلاً، ثم إن عيسى هبط ذات يوم من الجبل إلى الوادي يلتقط الحشيش والبقول لإفطارهما، فلما هبط عيسى نزل ملك الموت على مريم وهي معتكفة في محرابها فقال: السلام عليك فغشي عليها ثم أفاقت، فقالت: من أنت يا عبد الله فقد اقشعر من صوتك جلدي وارتعدت فرائصي وطار عقلي! فقال: أنا الذي لا أرحم الصغير لصغر سنه، ولا أوقر الكبير لكبره، أنا الذي لا استأذن على الملوك ولا أهاب الجبابرة، أنا مخرب الدور والقصور، وعامر القبور، والمفرق بين الجماعات والأخوة والأخوات والآباء والأمهات، أنا قابض الأرواح، أنا ملك الموت. فقالت: جئتني زائراً أم قابضاً؟ قال: بل جئتك قابضاً، فبكت وقالت: أمهلني حتى يجئ ولدي عيسى فقال: لم أومر بذلك فقبض روحها، ولما جاءها عيسى عليه السلام وعلم بموتها بكى وهبط من الجبل إلى قرية من قرى بني إسرائيل فنادى بصوت حزين: السلام عليكم، وأضاء وجهه لهم، قالوا له: من أنت؟ قال: أنا روح الله عيسى بن مريم، إن أمي ماتت غريبة فأعينوني على غسلها وكفنها ودفنها فقالوا: يا روح الله إن هذا الجبل كثير الأفاعي والحيات لم يسلكه آباؤنا وأجدادنا منذ ثلاث مائة سنة فهذا الحنوط والكفن فسر، فتولى عيسى غسلها فرأى جبرئيل وميكائيل وهبطت الحور العين فتولوا أمرها، فلما كفنها عيسى رمى بنفسه عليها وهو يبكى حتى بكى الملائكة من بكائه فجاء جبرئيل ورفعه).
< صفحة > 464 < / صفحة >
عداوة اليهود لجبرئيل عليه السلام !
قال الله تعالى:قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ. مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ.
قال القمي(1/54) والواحدي(1/32):(نزلت في اليهود الذين قالوا لرسول الله إن لنا في الملائكة أصدقاء وأعداء فقال صلى الله عليه وآله من صديقكم ومن عدوكم؟ فقالوا جبرئيل عدونا لأنه يأتي بالعذاب ولو كان الذي ينزل عليك القرآن ميكائيل لآمنا بك، فإن ميكائيل صديقنا وجبريل ملك الفضاضة والعذاب وميكائيل ملك الرحمة، فأنزل الله: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ..).
وفي الإحتجاج(1/48): (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة أتوه بعبد الله بن صوريا فقال: يا محمد كيف نومك فإنا قد أخبرنا عن نوم النبي الذي يأتي في آخر الزمان؟ فقال: تنام عيني وقلبي يقظان. قال: صدقت يا محمد. ثم قال: أخبرني عن ربك ما هو؟ فنزلت: قُلْ هُوَ اللهأَحَدٌ..إلى آخرها. فقال ابن صوريا: صدقت. خصلة بقيت لي إن قلتها آمنت بك واتبعتك: أي ملك يأتيك بما تقوله عن الله؟ قال: جبرئيل. قال ابن صوريا: ذاك عدونا من بين الملائكة ينزل بالقتل والشدة والحرب، ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء، فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنا بك، لأن ميكائيل كان مسدد مُلكنا وجبرئيل كان مهلك ملكنا، فهو عدونا لذلك.
فقال له سلمان الفارسي رضي الله عنه: وما بدء عداوته لكم؟قال: نعم يا سلمان عادانا مراراً كثيرة، وكان من أشد ذلك علينا أن الله أنزل على أنبيائه أن بيت المقدس يخرب على يد رجل يقال له بخت نصروفي زمانه، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه، والله يحدث الأمر بعد الأمر فيمحو ما يشاء ويثبت، فلما بلغنا ذلك الخبر الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس بعث أوائلنا رجلاً من أقوياء بني إسرائيل وأفاضلهم نبياً كان يعد من أنبيائهم يقال له دانيال في طلب بخت نصر ليقتله، فحمل معه وقر مال لينفقه في ذلك، فلما انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاماً ضعيفاً مسكيناً ليس له قوة ولا منعة، فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبرائيل وقال لصاحبنا:إن كان ربكم هو الذي أمر بهلاككم فإن الله لايسلطك عليه، وإن لم يكن هذا فعلى أي شئ تقتله، فصدقه صاحبنا وتركه ورجع إلينا فأخبرنا بذلك، وقويَ بخت نصر وملك وغزانا وخرب بيت المقدس، فلهذا نتخذه عدواً!
< صفحة > 465 < / صفحة >
فقال سلمان:يا ابن صوريا فبهذا العقل المسلوك به غير سبيله ظلمتم، أرأيتم أوائلكم كيف بَعثوا من يقتل بخت نصر وقد أخبرالله تعالى في كتبه على ألسنة رسله أنه يملك ويخرب بيت المقدس، أرادوا تكذيب أنبياء الله في إخبارهم، أو اتهموهم في إخبارهم أو صدقوهم في الخبر عن الله، ومع ذلك أرادوا مغالبة الله، هل كان هؤلاء ومن وجهوه إلا كفاراً بالله، وأي عداوة يجوز أن يعتقد لجبرئيل وهو يصده عن مغالبة الله عز وجل، وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى.
فقال ابن صوريا: قد كان الله تعالى أخبر بذلك على ألسن أنبيائه ولكنه يمحو ما يشاء ويثبت. قال سلمان: فإذا لا تثقون بشئ مما في التوراة من الأخبار عما مضى وما يستأنف فإن الله يمحو مايشاء ويثبت، وإذا لعل الله قد كان عزل موسى وهارون عن النبوة وأبطلا في دعواهما،لأن الله يمحو ما يشاء ويثبت ولعل كلما أخبراكم به عن الله أنه يكون لا يكون وما أخبراكم به أنه لا يكون لعله يكون، وكذلك ما أخبراكم أنه لم يكن لعله كان، ولعل ما وعده من الثواب يمحوه ولعل ما توعد به من العقاب يمحوه فإنه يمحو ما يشاء ويثبت. إنكم جهلتم معنى يمحو الله ما يشاء ويثبت، فلذلك أنتم بالله كافرون ولأخباره عن الغيوب مكذبون، وعن دين الله منسلخون.
ثم قال سلمان: فإني أشهد أنه من كان عدواً لجبرئيل فإنه عدو لميكائيل وأنهما جميعاً عدوان لمن عاداهما مسالمان لمن سالمهما، فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقاً لقول سلمان رضي الله عنه: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ..).
- *
< صفحة > 466 < / صفحة >
الفصل السابع والثلاثون : مالية النبي صلى الله عليه وآله
الفصل السابع والثلاثون
مالية النبي صلى الله عليه وآله
صورة عامة عن مالية النبي صلى الله عليه وآله
أفراسه
في مناقب آل أبي طالب(1/146): (فصل: في أمواله ورقيقه:
الوَرْد أهداه تميم الداري، والطَّرِب سمي لتشوفه وحسن صهيله ويقال هو الظرب، واللزَّاز وقد أهداه المقوقس سمي بذلك لأنه كان ملززاً موثقاً. واللحيف، أهداه ربيعة بن أبي البراء وسمي بذلك لأنه كان كالمتلحف بعرفه والصحيح أنه الورد الذي أعطاه الداري وسماه النبي صلى الله عليه وآله اللحيف، ومرتجز وقد صحفوه فقالوا المرتجز، وهو المشترى من الأعرابي الذي شهد فيه خزيمة. والسَّكْب، وكان أول فرس ركبه، وأول ما غزا عليه في أحد، وكان ابتاعه من رجل من فزارة، ويقال إسمه بريدة الملاح. ومنها: اليعسوب، والسَّبْحة، وذو العقاب، والمُلاوح.
بغاله
أهدى إليه المقوقس دَلْدَل، وكانت شهباء فدفعها إلى علي عليه السلام ثم كانت للحسن ثم للحسين عليهم السلام ثم كبرت وعميت وهي أول بغلة ركبت في الإسلام وقال التاريخي: أهدى إليه فروة بن عمرو الجذامي بغلة يقال لها فضة.
< صفحة > 467 < / صفحة >
حُمُرُهُ
حُمُرُهُ
أهدى له المقوقس يعفور مع دلدل، وأعطاه فروة الجذامي عفير مع فضة.
إِبِلُهُ
العضباء، وكانت لاتسبق، والجدعاء، والقصواء ويقال القضواء وهي ناقة اشتراها النبي صلى الله عليه وآله من أبي بكر بأربع مائة درهم وهاجر عليها نفقت عنده والصهباء.
ومنها: البغوم، والغيم، والنوق، ومروة.
وكان له عشر لقاح يحلبها يسار كل ليلة قربتين عظيمتين يفرقها على نسائه، منها مهرة أرسل بها سعد بن عبادة، والشقرا، والريا، ابتاعهما بسوق النبط، والحبا، والسمرا، والعريس، والسعدية، والبغوم، واليسيرة، وبردة، وكانت منايح رسول الله صلى الله عليه وآله سبع أعنز يرعاهن ابن أم أيمن وهي: عجوة، وزمزم، وسقيا، وبركة، وورسة، وأطلال، وأطراف. وكانت له مائة من الغنم.
الحوائط السبع والصفايا
وكان مخرنق أحد بني النضير حبراً عالماً أسلم وقاتل مع رسول الله وأوصى بماله لرسول الله صلى الله عليه وآله وهو سبع حوائط وهي: المينب، والصايفه، والحسنى، ويرقد، والعواف، والكلاء، ومشربة أم إبراهيم.
وكان له صفايا ثلاثة مال بني النضير، وخيبر، وفدك، فأعطى فدك والعوالي فاطمة عليها السلام ، وروي أنه وقفه عليها.
وكان له من الغنيمة الخمس وصفيٌّ يصطفيه من المغنم، ما شاء قبل القسمة وسهمه مع المسلمين كرجل منهم، وكانت له الأنفال.
وكان ورث من أبيه أم أيمن فأعتقها، وورث خمسة أجمال أوارك، وقطيعة غنم، وسيفاً
مأثوراً وورقاً، أي سيفاً تاريخياً ثميناً، ونقداً مسكوكاً.
< صفحة > 468 < / صفحة >
سيوفه
ذو الفقار، والمنخذم، والرسوب ورثه من أبيه، والعضب أعطاه سعد بن عبادة، وأصاب من بني قينقاع بتاراً، وحتفاً، وسيفاً قلعياً.
رماحه
أصاب ثلاثاً من بني قينقاع وكان له رمح يقال له المستوفي، وكان له عنزة يقال لها المثنى أنفذها النجاشي، فكان بلال يحملها بين يديه يوم العيد ويخرج بها في أسفاره فتركز بين يديه يصلي إليها. ويزعمون أنها هي التي يحملها المؤذنون بين يدي الخلفاء.
دروعه
ذات الفضول، أعطاها سعد بن عبادة، والفضة، ودرعان أصابهما من بني قينقاع وهما السعدية وذات الوشاح، ويقال: كانت عنده درع داود النبي لبسها لما قتل جالوت.
قسيه
البيضاء وكانت من شوحط، والصفرا من نبع، والروحاء، أصاب هذه الثلاثة من بني قينقاع، والكرع ويقال كرار.
وكان له ترس يقال له الزلوق، وترس فيه تمثال رأس كبش أذهبه الله. وكان له جعبة يقال له الكافورة. ودخل مكة وعلى رأسه مغفر يقال له السبوع.
رايته
العقاب، ولونها أبيض.
[أدواته]
وكان له قضيب يسمى الممشوق و محجن، ومختصرة تسمى العرجون، ومنطقة من أديم منشور، فيها ثلاث حلق من فضة، والأبزيم، والطرف من فضة. وكان له قدح مضبب بثلاث
< صفحة > 469 < / صفحة >
ضبات فضة، وتور من حجارة يقال له المخضب، وقدح من زجاج، ومغتسل من صفر، وقطيفة، وقصعة، وخاتم فضة نقش محمد رسول الله. وأهدى له النجاشي خفين أسودين ساذجين فلبسهما.
وقالت عائشة: كان فراش النبي صلى الله عليه وآله الذي يرقد فيه من أدم حشوه ليف، وكانت ملحفته مصبوغة بورس أو زعفران، وكان يلبس يوم الجمعة برده الأحمر، ويعتم بالسحاب، ودخل مكة يوم الفتح عليه عمامة سوداء، وكانت له ربعة (علبة) فيها مشط عاج ومكحلة ومقراض وسواك.
[أثوابه]
ويقال: ترك يوم مات عشرة أثواب ثوب حبرة، وإزاراً عمانياً وثوبين صحاربين، وقميصاً سحولياً، وجبة يمنية، وكساء أبيض، وقلانس صغاراً لاطئة ثلاثاً أو أربعاً، وإزارا طوله ثلاثة أشبار، وتوفي في إزار غليظ من هذه اليمانية، وكساء يدعى بالملبدة.
[سريره ومنبره ومسجده]
وكان له سرير أعطاه أسعد بن زرارة. وكان منبره ثلاثة مراقي من الطرفاء عمله غلام نجار اسمه ميمون، وكان مسجده بلا منارة، وكان بلال يؤذن على الأرض.
[شعاره]
وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله :يا منصور أمت. وقال لمزينة: ما شعاركم؟ قالوا:حرام، قال: شعاركم حلال. وكان شعار المهاجرين يوم أحد يا بني عبد الله، والخزرج: يا بني عبد الرحمن، والأوس: يابني عبد الله.
مواليه
سلمان الفارسي، وزيد بن حارثة، وابنه أسامة، وأبو رافع أسلم، ويقال اسمه بندويه العجمي، وهبه العباس وأعتقه النبي صلى الله عليه وآله لما بشر بإسلام العباس وزوجه سلمى، فولد له عبيد الله كاتب أمير المؤمنين، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسفينة، إسمه مفلح الأسود ويقال
< صفحة > 470 < / صفحة >
رومان البلخي، وكان لأم سلمة فأعتقته واشترطت عليه خدمة النبي صلى الله عليه وآله ، وثوبان الحميري اشتراه النبي صلى الله عليه وآله وأعتقه وبقي في خدمته وخدمة أولاده إلى أيام معاوية، ويسار النوبي أسر في غزوة بني ثعلبة فأعتقه وهو الذي قتله العرنيون، وشقران واسمه صالح بن عدي الحبشي، ورثه عن أبيه ويقال هو من أولاد دهاقين الري، ومدعم الخثعمي وهو هدية فروة بنت عمرو الجذامي، وأبو مويهبة من مولدي مزينة أعتقه النبي، وأبو كبشة واسمه السليم من مولدي أرض دوس أو مكة فاشتراه وأعتقه، مات في أول يوم من جلوس عمر، وأبو بكرة هشام واسمه نقيع، تدلى من الحصن على بكرة ونزل من حصن الطايف إلى النبي فانعتق، وأبو أيمن واسمه رباح وكان أسود، وكان يستأذن على النبي صلى الله عليه وآله ثم صيره مكان يسار حين قتل، وأبو لبابة القرظي اشتراه النبي فأعتقه، وفضالة وهبه رفاعة بن زيد الجذامي وقتل بوادي القرى، وأنبسة بن كردى من العجم، قتل في بدر وقيل توفي في أيام أبي بكر، وكركره أهدي له فأعتقه، ويقال مات وهو مملوك، وأبو مرة كان مما أفاء الله عليه من العرب وهو أبو ضميرة، ويقال اشترته أم سلمة للنبي فأعتقته ويقال هو روح بن شيرزاد من ولد كشتاسب الملك وبنيه، من مولدي السراة، وأسلم، الأصفر الرومي، والحبشة الحبشي، وماهر، كان المقوقس أهداه إليه، وأبو ثابت، وأبو نيزر، وأبو سلمى، وأبو عسيب، وأبو رافع الأصغر، وأبولقيط، وأبو البشر، ومهران، وعبيد، وأفلح، ورفيع، ويسار الأكبر.
إماؤه
حارثة بنت شمعون، أهداها له ملك الحبشة، وسلمى، ورضوى، وأم أيمن إسمها بركة، وأسلمة، وأنسة، ومويهبة، وقيل هما من مواليه، وكان له خصي يقال له مأبوراً).
وفي تاريخ المدينة لعمر بن شبة النميري(1/173): (ما جاء في أموال النبي صلى الله عليه وآله وصدقاته ونفقاته بالمدينة وأعراضها: عن ابن شهاب قال:
كانت صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله أموالاً لمخيريق اليهودي قال عبد العزيز: بلغني أنه كان من بقايا بني قينقاع ثم رجع حديث ابن شهاب قال: وأوصى مخيريق بأمواله للنبي صلى الله عليه وآله وشهد أحداً فقتل به، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :مخيريق سابق اليهود، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة. قال:وأسماء أموال مخيريق التي صارت للنبي صلى الله عليه وآله :الدلال، وبرقة، والأعواف،
< صفحة > 471 < / صفحة >
والصافية، والميثب، وحسنى، ومشربة أم إبراهيم.
فأما الصافية والبرقة والدلال والميثب، فمجاورات بأعلى السورين من خلف قصر مروان بن الحكم، فيسقيها مهزور.
وأما مشربة أم إبراهيم فيسقيها مهزور، فإذا خلفت بيت مدراس اليهود، فحيث مال أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة الأسدي، فمشربة أم إبراهيم إلى جنبه، وإنما سميت مشربة أم إبراهيم لأن أم إبراهيم من رسول الله صلى الله عليه وآله ولدته فيها، وتعلقت حين ضربها المخاض بخشبة من خشب تلك المشربة، فتلك الخشبة اليوم معروفة في المشربة.
وأما حسنى فيسقيها مهزور، وهي من ناحية القف.
وأما الأعواف فيسقيها أيضاً مهزور، وهي أموال بني محمم.
عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كانت الدلال لامرأة من بني النضير، وكان لها سلمان الفارسي، فكاتبته على أن يحييها لها ثم هو حر، فأعلم ذلك النبي صلى الله عليه وآله فخرج إليها فجلس على فقير، ثم جعل يحمل إليه الودي فيضعه بيده، فما عدت منها ودية أن أطلعت. قال: ثم أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه وآله . قال: والذي تظاهر عندنا أنها من أموال النضير، ومما يدل على ذلك أن مهزوراً يسقيها، ولم يزل يسمع أنه لا يسقي إلا أموال بني النضير.
قال الواقدي: وقف النبي صلى الله عليه وآله : الأعواف وبرقة وميثب والدلال وحسنى والصافية ومشربة أم إبراهيم، سنة سبع من الهجرة.
وقال الواقدي: قال مخيريق يوم أحد: إن أصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله، فهي عامة صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله .
عن سعيد بن المسيب قال: قال النبي صلى الله عليه وآله ليهود يوم فتح خيبر: أقركم ما أقركم الله على أن التمر بيننا وبينكم. فكان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبينهم، ثم يقول: إن شئتم فلكم، وإن شئتم فلي، فكانوا يأخذونه.
عن الشعبي: أن النبي صلى الله عليه وآله دفع خيبر إلى أهلها على النصف، وعلى أن يكفوا المسلمين المؤونة حتى يبلغ التمر، ولهم الحطب وسواقط النخل، فلما بلغت التمرة، بعث إليهم عبد الله بن رواحة
< صفحة > 472 < / صفحة >
وكان مسترضعاً فيهم ففرحوا به وقالوا: مرحباً بك وبمن جئت من عنده، كيف أنت وكيف صاحبك الذي تركت وراءك؟ فقال: أما أنا فصالح، وأما صاحبي فوالله لهو أحب إلي من نفسي التي بين جنبي، ولأنتم أبغض إلي من عددكم من القردة والخنازير. قالوا: فكيف تعدل علينا؟ قال: لن يحملني حب صاحبي على أن أجور له عليكم، ولا يحملني بغضي إياكم أن لا أعدل عليكم. قالوا: بهذا قامت السماوات والأرض. قال: فطاف في النخل ونظر، فقال: إن شئتم أن أكيل لكم كذا وكذا، ولنا الحطب وسواقط النخل قال: ففرحوا بذلك وقبلوه، ثم كالوا التمرة فلم يجدوها نقصت شيئاً مما خرص ولا زادت!
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لما افتتح النبي صلى الله عليه وآله خيبر كانت سهمانها ثمانية عشر سهماً، جمع كل رجل من المهاجرين معه مائة رجل يضم إليه، فكانوا ألفاً وثمان مائة.
سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أعطانا النبي صلى الله عليه وآله نصيبنا من خيبر، وأبو بكر وعمر، غير أن الناس كثروا على عمر، فأرسل إلينا فجمعنا فقال: إن الناس قد كثروا، فإن شئتم أعطيتكم مكان نصيبكم من خيبر مالاً. فنظر بعضنا إلى بعض، فقتل عمر ولم يعطنا شيئاً، فقبضها عثمان، وذكرنا له ذلك فقال: إن عمر قبضها ولم يعطكم. فأبى أن يعطينا!
ملاحظة عامة
هذه صورة عامة عن ملكيته صلى الله عليه وآله في كل عمره الشريف في مكة والمدينة، وغرضنا أن نبين ملكيته في مراحل عمره، وأن ننفي كذب السلطة عن فقر أمه حتى زهدت فيه المرضعات. وكذبهم في فقر عمه أبي طالب حتى أخذوا اثنين من أولاده ليخففوا عنه، وحتى اضظر أن يبيع سقاية الحاج لأخيه العباس. أما كذبهم في أن النبي صلى الله عليه وآله قال أموالي ترثها الدولة، ولا يرثها أولادي وأرحامي، فهي الكذبة الكبرى التي ردها أهل البيت عليهم السلام ، وغص بها كاذبوها. وأصلها إطاعتهم لليهود الذين نصحوهم بإفقار آل محمد صلى الله عليه وآله !
عبد المطلب كان رئيساً كبيراً وثرياً
يدلك على أن عبد المطلب صاحب ثروة أنه لما خلص إبله من أبرهة نحر منها مئة ناقة، وأطعمها للناس، وعندما فدى ولده عبد الله من الذبح بمئة ناقة ذبحها وأطعمها للناس. كما
< صفحة > 473 < / صفحة >
كان يطعم الحجيج في موسم الحج , ويؤمن لهم الماء في مكة ومنى وعرفات، فمثل هذا لا يصح عليه كذبة قريش بأنه فقير زهدت المرضعات بطفله لأن أباه متوفى!
إن مكذوباتهم عن فقر عبد المطلب غرضها مدح بقية رؤساء قريش بأنهم كانوا أصحاب ثروة طائلة. ومكذوباتهم عن فقر أبي طالب لإثبات أن تربية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام كانت للتخفيف عن أبيه لفقره! ولتبرير مصادرة العباس حق السقاية والرفادة فقالوا اشتراها من أبي طالب، لئلا تصل الى علي عليه السلام !
ما ورثه النبي صلى الله عليه وآله عن أبيه وأمه
قال البلاذري(1/96): (وورث رسول الله صلى الله عليه وآله من أبيه أم أيمن واسمها بركة فأعتقها، وخمسة أجمال أوارك، وقطيعة غنم، وسيفاً مأثوراً، وورقاً. فكانت أم أيمن تحضنه. ويسميها أمي، وقال بعض الرواة: ورث أم أيمن من أمه فأعتقها. وقال آخرون: ورث ولاءها من أبيه).
كما ورث النبي صلى الله عليه وآله عن أبيه غلامه شقران الذي شارك في تجهيزه. (تاريخ دمشق: 4 / 271). وقيل شقران من أولاد دهاقين الري.
وقد ذكرت وراثته عامة المصادر، ومنها مناقب آل أبي طالب (1/147).
ورث من أمه أمَتها أم أيمن
في دلائل النبوة للبيهقي(1/150): (قال ابن شهاب: وكان من شأن أم أيمن أم أسامة بن زيد، أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ما توفي أبوه فكانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وآله فأعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة ثم توفيت بعد ما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله بخمسة أشهر).
وفي مجموع النووي (15/307): «يقال: كانت من سبي الحبشة الذين قدموا زمن الفيل، فصارت لعبد المطلب فوهبها لعبد الله والد النبي، وتزوجت قبل زيد عبيداً الحبشي فولدت له أيمن فَكُنِّيَتْ به ».
ولما توفيت آمنة أم النبي صلى الله عليه وآله في طريق عودتهم من المدينة:« رجعت به أم أيمن
< صفحة > 474 < / صفحة >
على البعيرين اللذين قدموا عليهما وكانت تحضنه). (الطبقات:1/116).
قال النبي صلى الله عليه وآله : « من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن، فتزوجها زيد بن حارثة، فولدت له أسامة بن زيد».(الطبقات: 8 / 224).
وفي الطبقات (1/117) وتاريخ دمشق (3 / 85):« قال قوم من بني مدلج لعبد المطلب: إحتفظ به فإنا لم نر قدماً أشبه بالقدم التي في المقام منه! فقال عبد المطلب لأبي طالب: إسمع ما يقول هؤلاء، فكان أبو طالب يحتفظ به.
وقال عبد المطلب لأم أيمن وكانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وآله : يا بركة لا تغفلي عن ابني، فإني وجدته مع غلمان قريباً من السدرة، وإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني هذا نبي هذه الأمة. وكان عبد المطلب لايأكل طعاماً إلا قال: عليَّ بابني فيؤتى به إليه، فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله صلى الله عليه وآله وحياطته ».
وقد روت أم أيمن عن طفولة النبي وشبابه صلى الله عليه وآله . قالت:(الطبقات:1/168) «ما رأيت النبي صلى الله عليه وآله شكى صغيراً ولا كبيراً جوعاً ولا عطشاً! كان يغدو فيشرب من زمزم، فأعرض عليه الغداء فيقول: لا أريده أنا شبعان ».
وقالت(الطبقات: 1 / 119): « رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ابن ثمان سنين يبكي خلف سرير عبد المطلب، حتى دفن بالحجون ».
وكان النبي صلى الله عليه وآله يقول لها: يا أمه، ويزورها في بيتها. (الطبقات: 8 /223).
وكان يثق بها ويعتمد عليها، فقد وضع عندها أمانات الناس: « فلما أراد الهجرة سلمها إلى أم أيمن، وأمر علياً عليه السلام أن يردها». (الحدائق:21 /433).
وفي الثاقب لابن حمزة /196: (قالت أم أيمن: خرجت إلى مكة فأصابني عطش شديد في الجحفة، حتى خفت على نفسي، ثم رفعت رأسي إلى السماء وقلت: يا رب، أتعطشني وأنا خادمة ابنة نبيك، فنزل إلي دلو من السماء فشربت، وحق سيدتي ما جعت ولا عطشت سبع سنين). وروي هذا عن فضة خادمة الزهراء عليها السلام .
وفي المحتضر/242: (قال أميرالمؤمنين عليه السلام : جاء رسول الله صلى الله عليه وآله ذات ليلة يطلبني، فقال: أين
< صفحة > 475 < / صفحة >
ورث من أمه أمتها نتيلة أم عمه العباس
أين صارت ثروة النبي صلى الله عليه وآله التي ورثها
أخي يا أم أيمن؟ قالت: ومن أخوك؟ قال: علي. قالت: يا رسول الله! تزوجه ابنتك وهو أخوك! قال: نعم، أما والله يا أُم أيمن، لقد زوجتها كفواً شريفاً وجيهاً في الدنيا والآخرة).
وفي دلائل النبوة للبيهقي(1/149)أن أم أيمن واجهت الفارين في أحد، فحثت التراب في وجوههم وقالت لبعضهم هاك المغزل فاغزل به وهلم سيفك).
وبقيت أم أيمن لا تجيد نطق العربية! «قالت يوم حنين سبت الله أقدامكم! فقال لها النبي صلى الله عليه وآله :أسكتي يا أم أيمن فإنك عسراء اللسان». (الطبقات:8 /225).
ورث من أمه أمتها نتيلة أم عمه العباس
سئل الإمام الصادق عليه السلام كم ولداً لعبد المطلب؟ فقال: عشرة والعباس، ولم يقل أحد عشر. وتقدم من الكافي (8/259) أن الإمام الصادق عليه السلام كان عنده كتاب كتبوه في دار الندوة على العباس لأن أمه نتيلة كانت أمةً لأم الزبير وأبي طالب وعبد الله، فأخذها عبد المطلب فأولدها فلاناً، فقال له الزبير: هذه الجارية ورثناها من أمنا وابنك هذا عبد لنا، فتحمل عليه ببطون قريش، قال فقال: قد أجبتك على خلة على أن لا يتصدر ابنك هذا في مجلس، ولايضرب معنا بسهم. فكتب عليه كتاباً وأشهد عليه.
أين صارت ثروة النبي صلى الله عليه وآله التي ورثها
الجواب: أنها كانت بيد جده عبد المطلب ثم بيد عمه أبي طالب، ومن البعيد أنه صرفها كلها ولم ينمها، بل المرجح أن عبد المطلب نماها ثم نماها أبو طالب ثم النبي صلى الله عليه وآله . لكن رواة قريش يتعمدون القول إن النبي صلى الله عليه وآله كان فقيراً وعمه أبا طالب وجده كذلك، لأغراض عندهم!
قال البلاذري (1/96): (قالوا: وضم أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وآله بعد موت عبد المطلب. دخل منزله وإن عياله لفي ضيقة وخلَّة، لا يكادون يشبعون لقلة ما عندهم. فكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أكل معهم، كفاهم ما يجدون من الطعام وأشبعهم حتى يتملَّوا. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله في أكثر أيامه يصبح فيأتي زمزم، فيشرب منها شربة. فربما عرض عليه الغداء فيقول: لا أريده، أنا شبعان). لاحظ قول البلاذري: (قالوا) أي هذا هو التاريخ المتبنى عندهم!
وفي إمتاع الأسماع للمقريزي(4/99): (قال الواقدي: عن نافع بن جبير قال: سئل
< صفحة > 476 < / صفحة >
رسول الله صلى الله عليه وآله :أتذكر موت عبد المطلب؟قال:نعم وأنا ابن ثماني سنين. قالوا: فلما توفي عبد المطلب ضم أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وآله إليه وهو يومئذ ابن ثماني سنين، وكان يكون معه، وكان أبو طالب لامال له، وكان له قطيعة من إبل تكون بعرنة فيبدو إليها، ويؤتي بلبنها إذا كان حاضراً بمكة. وكان أبو طالب قد رق عليه وأحبه، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعاً أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله صلى الله عليه وآله شبعوا، وكان إذا أراد أن يعشيهم أو يغديهم يقول:كما أنتم حتى يحضر ابني، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وآله فيأكل معهم وكانوا يَفْضُلون من طعامهم. وإن كان لبناً شرب رسول الله أولهم، ثم يتناول العيال القعب فيشربون منه فيروون عن آخرهم من القعب الواحد، وإن كان أحدهم ليشرب قعباً وحده فيقول أبو طالب:إنك لمبارك. وكان الصبيان يصبحون شعثاً رمصاً، ويصبح رسول الله صلى الله عليه وآله دهيناً كحيلاً).
وقال في(1/14): (وكان أبو طالب يقرب إلى الصبيان تصبيحهم أول البكرة فيجلسون وينهبون، ويكف رسول الله صلى الله عليه وآله يده لاينهب معهم، فلما رأى ذلك أبو طالب عزل له طعامه على حدة).
أقول: تراهم يذكرون بعض الكرامات للنبي صلى الله عليه وآله ويجعلون جوها فقر أبي طالب، وجوع أطفاله حتى أنهم ينهبون الطعام من أمام بعضهم! ويؤكدون على ذلك. لأن غرضهم إثبات فقر أبي طالب فقراً شديداً وذم أولاده!
سقاية الحج تكذب رواياتهم عن فقر أبي طالب
كانت سقاية الحاج ورفادتهم خاصة ببني هاشم، فكان عليهم أن يؤمِّنوا الماء للحجاج طول موسم الحج، في مكة ومنى وعرفات، فيبنوا الأحواض وينقلوا الماء من زمزم أو غيرها اليها. وكان عليهم أن يُطعموا الحجاج إذا كانت مجاعة كما فعل هاشم، أما في السنوات العادية فيذبحون لهم الأنعام التي أهديت لذلك، ويكملونها منهم.
وقد جعل عبد المطلب الرفادة والسقاية بعده لابنه أبي طالب رضي الله عنهما فكان أبو طالب ينفق على ذلك نحو ثلاثين ألف درهم سنوياً، واستمر على ذلك أكثر من أربعين سنة، من وفاة عبد المطلب الى وفاته، ولم يذكر التاريخ أنه طلب مساعدة من الحجاج، أو من زعماء قريش.
وعندما هاجر النبي صلى الله عليه وآله ومعه أبناء أبي طالب، تصدى العباس للسقاية والرفادة، وأخذها
< صفحة > 477 < / صفحة >
من عقيل وطالب، وزعم أنه أخذ امتيازها من أبي طالب لأنه اقترض منه عشرة آلاف درهم وأنفقها على الحجاج، ثم اقترض منه أربعة عشر ألفاً، واشترط عليه العباس إن لم يوفها أن تكون له السقاية، فلم يوفها فصارت السقاية له! (تاريخ دمشق: 26/283).
وجاء رواة السلطة ليبرروا قول العباس، فقالوا إن أبا طالب كان فقيراً لايستطيع الإنفاق على أسرته! وأنه بلغ من شدة فقره أنهم خففوا عنه عائلته فأخذ حمزة ابنه جعفراً، وأخذ النبي صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام وأخذ العباس طالباً. وغرضهم من ذلك أن يجعلوا فضيلة علي عليه السلام في اختيار النبي صلى الله عليه وآله له وتربيته له صدفة بسبب فقر أبي طالب، وأن يثبتوا أن حق السقاية للعباس، لكن طالباً وجعفركانا يعيشان في بيت أبي طالب ولم يكونا كما زعمت الرواية عند العباس وحمزة!
راجع: تاريخ دمشق:26/283 والمستطرف:1/289، وأخبار مكة: 2/106.
وقد ذكرنا في السيرة النبوية أن هذه الرواية تفرد بها ابن مجاهد مولى مخزوم وتلميذ ابن عباس، والجمحي ولم يوثقوه. وقلنا إن الصحيح في تربية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام روايات أبي رافع كما في مناقب آل أبي طالب(2/29) قال: «ذكر أبو القاسم في أخبار أبي رافع من ثلاثة طرق، أن النبي صلى الله عليه وآله حين تزوج خديجة قال لعمه أبي طالب: إني أحب أن تدفع إليَّ بعض ولدك، يعينني على أمري ويكفيني، وأشكر لك بلاك عندي. فقال أبو طالب: خذ أيهم شئت، فأخذ علياً ».
والصحيح في السقاية أنه لما توفي أبو طالب وهاجر جعفر وعلي ولم يَتَصَدَّ لذلك أبناؤه عقيل وطالب، تصدى لذلك أخوه العباس فسكت عنها أبناؤه! ولما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة سكت عنها فقالوا أقرها بيد العباس!
كان أبو طالب يسقي الحجيج اللبن والعسل
كانوا يستقون الماء من بئر زمزم، ويضعونه في أحواض ليشرب منه الحجاج وكان أبو طالب يسقي الحاج في بعض الأيام العسل واللبن. وعندما تولى السقاية العباس قطع سقاية العسل واللبن، وكان يضع في أحواض زمزم زبيباً، من ماله أو مما يأخذه رباً من أهل الطائف.
روى مسلم في صحيحه:4/86: (عن بكر بن عبدالله المزني قال: كنت جالساً مع ابن عباس عند الكعبة فأتاه أعرابي فقال: مالي أرى بني عمكم يسقون العسل واللبن، وأنتم تسقون النبيذ،
< صفحة > 478 < / صفحة >
أمن حاجة بكم أم من بخل! فقال ابن عباس: الحمد لله ما بنا من حاجة ولا بخل، قدم النبي على راحلته وخلفه أسامة فاستسقى فأتيناه بإناء من نبيذ فشرب وسقي فضله أسامة وقال: أحسنتم وأجملتم كذا فاصنعوا، فلا نريد تغيير ما أمر به).
أقول: قول ابن عباس خلاف الواقع لأن النبي صلى الله عليه وآله رفض أن يشرب من ماء سقاية العباس، فقد اتفقوا على أنه شمه فقطب وجهه ورده!
قال ابن حجر في فتح الباري(10/34) وصححه، قال: (عطش النبي صلى الله عليه وآله وهو يطوف فأتي بنبيذ من السقاية فقطب! فقيل أحرامٌ هو؟ قال: لا، عليَّ بذَنُوبٍ من ماء زمزم، فصب عليه وشرب). وفي تفسير الرازي(6/46): (فشمه فقطب وجهه ورده، فقال العباس: يا رسول الله أفسدت على أهل مكة شرابهم! فقال: ردوا عليَّ القدح فردوه عليه فدعا بماء من زمزم وصب عليه وشرب).
وفي رواية البخاري(2/167): (أن رسول الله صلى الله عليه وآله جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس: يا فضل إذهب إلى أمك، فأت رسول الله بشراب من عندها، فقال: إسقني. قال: يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه).
فقد خاف العباس أن يقول الناس إن النبي صلى الله عليه وآله حرَّم سقاية العباس. وقد حرص فقهاء السلطة على تحليل نبيذ العباس ومدحوه، فجعلوا الشرب منه من مستحبات الحج، بينما نهى الأئمة من أهل البيت عليهم السلام عن شربه، لأن العباس وبنيه كانوا يتركون الزبيب منقوعاً في الماء أياماً، فيصير مسكراً. ففي الكافي (6/409) عن الإمام الصادق عليه السلام قال:(قال رسول الله صلى الله عليه وآله :كل مسكر حرام وما أسكر كثيره فقليله حرام. فقلت له: هذا نبيذ السقاية بفناء الكعبة. فقال لي: ليس هكذا كانت السقاية إنما السقاية زمزم. أفتدري من أول من غيرها؟ قال قلت: لا. قال: العباس بن عبد المطلب كانت له حَبْلَة، أفتدري ما الحبلة؟ قلت: لا، قال: الكرم فكان ينقع الزبيب غدوة ويشربونه بالعشي وينقعه بالعشي ويشربونه من الغد يريد به أن يكسر غلظ الماء عن الناس. وإن هؤلاء قد تعدوا فلا تشربه، ولا تقربه).
< صفحة > 479 < / صفحة >
أدلة إضافية على غنى أبي طالب
أدلة إضافية على غنى أبي طالب
أولها: أنهم نصوا على أن أبا طالب كان عنده قطيع جمال في عرفات في منطقة عرنة، كما تقدم من إمتاع الأسماع. وذكره غيره.
ثانيها:أنه كان يطبخ فيوزع على المحتاجين اللحم والمرق، وكان علي يوزعه، وورد أن علياً عليه السلام قال لأمه زيدي لآل فلان لأن عائلتهم كثيرة، واجعليه من سهمي. ثالثها: أن أبا طالب لما خطب خديجة للنبي صلى الله عليه وآله قال:(والمهر علي في مالي، الذي سألتموه، عاجله وآجله).(الكافي:5/375). والمهر قد يكون مئة بعير.
رابعها: شهادة المؤرخ اليعقوبي بأن أبا طالب أنفق ماله على بني هاشم في حصار الشعب، قال: (فأقام ومعه جميع بني هاشم وبني المطلب في الشعب ثلاث سنين، حتى أنفق رسول الله ماله، وأنفق أبو طالب ماله، وأنفقت خديجة بنت خويلد مالها، وصاروا إلى حد الضر والفاقة).
خامسها: أنه كان يذهب للتجارة مع قافلة قريش الى الشام فله فيها بضاعة، وكان في مكة يبيع البز أي القماش والعطر (المعارف لابن قتيبة/575، والمحاسن للبيهقي/81، والمحاسن للجاحظ(1/150). وبذلك يتضح أن فقر أبي طالب أكذوبة نشرتها السلطة فصارت مشهورة!
أما قول أبي طالب إن النبي صلى الله عليه وآله وإن كان مقلاً في المال فهو أفضل قريش، لا يعني أن النبي صلى الله عليه وآله فقير لا مال له، بل يعني أن ماله قليل بالنسبة الى أموال خديجة الطائلة.
كما أن قوله فالمهر من مالي تكريم للنبي، ولا يعني أنه صلى الله عليه وآله لايستطيع دفع المهر.
أما قوله إن خديجة أنفقت كل مالها، فمعناه ماكان تحت يدها، فقد كانت أموالها متفرقة في البلاد وبقي النبي صلى الله عليه وآله ينفق منها حتى بعد هجرته، قال أبو رافع إن النبي صلى الله عليه وآله اشترى مكان بيته ومسجده في المدينة من مال خديجة.
وهبت خديجة كل أموالها للنبي صلى الله عليه وآله
كما هيأ الله سارة لإبراهيم عليه السلام فوهبته كل أموالها، هيأ خديجة لنبينا صلى الله عليه وآله فوهبته كل أموالها. قال الله تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى.وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى. فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ.
< صفحة > 480 < / صفحة >
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَر. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى: أي متحيراً كيف يدعو الى ربه فهداه برسالته، وإلا فهو نبي قبل الأربعين وفي الأربعين بعث رسولاً.
وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى: أي صاحب عيال لابد أن تنفق عليهم، فأغناك بمال خديجة، ثم أحل لك ولأمتك الغنائم.
في أمالي الطوسي/468: (قال أبو عبيدة: فقلت لعبيد الله يعني ابن أبي رافع: أوَكان رسول الله صلى الله عليه وآله يجد ما ينفقه هكذا (يقصد شراءه مكان مسجده) فقال: إني سألت أبي عما سألتني وكان يحدث بهذا الحديث فقال: فأين يذهب بك عن مال خديجة عليها السلام ؟ وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجة عليها السلام ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يفك من مالها الغارم والعاني، ويحمل الكل، ويعطي في النائبة، ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة، ويحمل من أراد منهم الهجرة. وكانت قريش إذا رحلت عيرها في الرحلتين يعني رحلة الشتاء والصيف كانت طائفة من العير لخديجة، وكانت أكثر قريش مالاً، وكان صلى الله عليه وآله ينفق منه ما شاء في حياتها ثم ورثها هو وولدها بعد مماتها).
وفي البحار (16 /22): (وكان لخديجة في كل ناحية عبيد ومواشي حتى قيل: إن لها أزيد من ثمانين ألف جمل متفرقة في كل مكان، وكان لها في كل ناحية تجارة، وفي كل بلد مال، مثل مصر والحبشة وغيرها).
وفي البحار (16 /71): « يا معاشر العرب إن خديجة تشهدكم على أنها قد وهبت نفسها ومالها وعبيدها وخدمها وجميع ما ملكت يمينها والمواشي والصداق والهدايا، لمحمد صلى الله عليه وآله ».
وروى البخاري(5/80) أن عمر قال لأسماء بنت عميس: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله منكم! فغضبت وقالت: كلا والله كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله صلى الله عليه وآله ! وأيم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله ونحن كنا نُؤذى ونُخاف. وسأذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه. فلما جاء النبي صلى الله عليه وآله قالت: يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا، قال: فما قلت له؟ قالت: قلت له كذا وكذا، قال: ليس بأحق بي
< صفحة > 481 < / صفحة >
منكم. وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان ».
سرقوا إنفاق خديجة وادعوه لأبي بكر وعثمان
أخذوا قول النبي صلى الله عليه وآله :ما نفعني مال قط كما نفعني مال خديجة عليها السلام ووضعوا بدل خديجة أبا بكر! وأخذوا قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى، فوضعوا إسم أبي بكر وعمر بدل علي فكذبوا على النبي صلى الله عليه وآله أنه قال أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون، وليس علياً!
وجعلوا ذلك على لسان ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « ما نفعني في الإسلام مال أحد ما نفعني مال أبي بكر، منه أعتق بلالاً، ومنه هاجر نبيه، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكنه أخي وصاحبي، وأخوة الإسلام أفضل. أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ». (تاريخ دمشق :30 /60 و 206، وتاريخ بغداد :(11/383). ورأى بعض أئمتهم أنه كذب مفضوح فقال إنه موضوع!
قال ابن حجر في لسان الميزان (2 / 23): « قال الذهبي هذا كذب، وهو من بِشر، قال ثم قال ابن عدي: ورواه مسلم بن إبراهيم عن قزعة. قال الذهبي: وقزعة ليس بشئ ». وبعضهم لم يستح فاحتج به وكابر، وزعم أنه يستوجب تفضيل أبا بكر على علي عليه السلام !
لكن القرطبي قبله فقال في تفسيره (1/268): « وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: أبو بكر وعمر بمنزلة هارون من موسى! وهذا الخبر ورد ابتداء، وخبر علي ورد على سبب فوجب أن يكون أبو بكر أولى منه بالإمامة! ».
وقبله الباقلاني فقال في التمهيد/463: «فإن قالوا هذا من أخبار الآحاد التي لا نعلمها ضرورة ولا بدليل! قيل: إن جازت لكم هذه الدعوى جاز لخصمكم أن يزعم أن جميع ما رويتموه وتعلقتم به في النص والتفضيل من أخبار الآحاد التي لانعلمها ضرورة ولابدليل فلمَ يلزم القول بها.ولاجواب لهم).
أقول: جوابنا على ما ذكره الباقلاني اعتراف عدد من أئمتهم بكذب خبرهم وصحة أخبارنا، أما زعم القرطبي أن الحديث في حق علي عليه السلام له سبب هو أن النبي صلى الله عليه وآله لم يصحب علياً إلى تبوك، وتركه والياً على المدينة، فشكى إليه قول المنافقين، فقال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى.
< صفحة > 482 < / صفحة >
لكنه قال ذلك لأبي بكر وعمر بدون مناسبة، وقد أخطأ القرطبي بأن هذا أقوى، لأن مناسبات الحديث توثيقات تدل على ظرف صدوره وتتضمن فوائد كثيرة في بحثه، بينما ادعاء المدعي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال كذا، بدون مناسبة يُضَعِّف الحديث، ولهذا تجد أن أحاديث الفضائل التي ادعوها لفلان وفلان لا مناسبة لها، أو مناسبتها غير معقولة وقد تضع اليد على كذب الحديث! هذا، وقد تحايل بعض رواتهم فحذفوا فقرة منزلة هارون واحتجوا بباقيه!
قال الترمذي (5/297) وأبو يعلى (1/418):«عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : رحم الله أبا بكر، زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله. رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مراً، تركه الحق وما له صديق! رحم الله عثمان تستحييه الملائكة. رحم الله علياً: اللهم أدر الحق معه حيث دار»!
هذا، وقد تبارى الرواة في تضخيم ثروة أبي بكر التي أنفقها على رسول الله صلى الله عليه وآله . أما عائشة فرفعت سقفها وجعلتها ثروة خيالية حتى تحير فيها علماء السلطة!
قالت كما في سنن النسائي (5/358): « فخرتُ بمال أبي في الجاهلية، وكان قد ألف ألف أوقية! فقال النبي صلى الله عليه وآله : أسكتي يا عائشة).
وروته مصادرهم ووثقه علماؤهم أو صححوه، كتهذيب الكمال: 23/392، وميزان الإعتدال: 3 / 375، ومجمع الزوائد: 4 / 317، وأمثال الرامهرمزي / 131، وفتح الباري: 9 / 222، وتاريخ بخاري الكبير:1 / 224، وتهذيب الكمال: 21 / 416، وتهذيب التهذيب: 8 /325، وسنة ا بن أبي عاصم/225 وإعانة الطالبين: 4/199، والطبراني الكبير:23 /174.
فتكون ثروة أبي بكر حسب قول عائشة ألف مليون درهم وهو أمرٌ غير معقول! ولهذا اضطر الذهبي رغم تعصبه المفرط أن يجعل المبلغ ألف أوقية، بدل مليون أوقية! قال في سيره (2/185): « وأعتقد لفظة ألف الواحدة باطلة، فإنه يكون أربعين ألف درهم، وفي ذلك مفخر لرجل تاجر، وقد أنفق ماله في ذات الله، ولما هاجر كان قد بقي معه ستة آلاف درهم، فأخذها صحبته. أما ألف ألف أوقية فلا تجتمع إلا لسلطان كبير ».
والصحيح أن الألف الثانية أيضاً زائدة، وأن إنفاق أبي بكر من أصله مكذوب.
ثم زادت عائشة في ثروة أبيها، قال الأميني في (الغدير: 8/50): (ونضدت له ثلاث مئة وستين كرسياً في داره، وأسدلت على كل كرسي حلة بألف دينار، كما سمعته عن الشيخ محمد
< صفحة > 483 < / صفحة >
زين العابدين البكري(134)وأنت تعلم ما يستتبع هذا التجمل من لوازم وآثار، وأثاث ورياش، ومناضد، وأواني وفرش، لا تقصر عنها في القيمة، وما يلزم من خدم وحشم، وقصور شاهقة، وغرف مشيدة، وما يلازم هذه البسطة في المال من خيل وركاب وأغنام ومواشي، وضيعة وعقار).
وزادت عائشة على ثروة أبيها مقامه في الآخرة:« قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله الناس كلهم يحاسبون إلا أبا بكر »! (الصواعق المحرقة / 74).
وفي تاريخ بغداد (2/118): «عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله قلت لجبرئيل حين أسريَ بي إلى السماء: يا جبرئيل أعلى أمتي حساب؟ قال كل أمتك عليها حساب، ما خلا أبا بكر الصديق فإذا كان يوم القيامة قيل يا أبا بكر أدخل الجنة، قال: ما أدخل حتى أدخل معي من كان يحبني في الدنيا ».
فجعلت أباها أفضل من النبي صلى الله عليه وآله لأن النبي صلى الله عليه وآله يحاسب وأبو بكر فوق الحساب.
رد علماؤنا روايات إنفاق أبي بكر وعثمان
قالوا إنها مكذوبة لأن أبا بكر كان فقيراً وكان أبوه يعمل عند ابن جدعان بطعام بطنه. وفي المدينة كان منزله خيمة شعر في السُّنْح حتى ولي الخلافة، وقد طلب من المسلمين راتباً وهو خليفة، ثم طلب زيادته!
وأما قولهم إنه اشترى عبيداً وأعتقهم، فقد كذبه الواقدي وابن إسحاق وقالا إن النبي صلى الله عليه وآله اشترى بلالاً وابن فهيرة وأعتقهما. (شرح النهج:13/273).
ولو كان كلامهم صحيحاً في إنفاقه على النبي صلى الله عليه وآله لظهرأثره في حصار النبي صلى الله عليه وآله في الشعب مثلاً، وعندما لانجد أثراً للملايين التي زعموا أنه أنفقها، نعرف أن تعظيمهم له كاذب!
بل ردها بعض علماء السنة ومنهم كبيرالمعتزلة، قال في شرح النهج(13/274): (قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله : أخبرونا على أي نوائب الإسلام أنفق هذا المال، وفى أي وجه وضعه، فإنه ليس بجائز أن يخفى ذلك ويُدرس حتى يفوت حفظه، وينسى ذكره، وأنتم فلم تقفوا على شئ أكثر من عتقه بزعمكم ست رقاب لعلها لا يبلغ ثمنها في ذلك العصر مائة درهم.
وكيف يدعى له الإنفاق الجليل، وقد باع من رسول الله صلى الله عليه وآله بعيرين عند خروجه إلى يثرب وأخذ منه الثمن في مثل تلك الحال، وروى ذلك جميع المحدثين، وقد رويتم أيضاً أنه كان
< صفحة > 484 < / صفحة >
حيث كان بالمدينة غنياً موسراً، ورويتم عن عائشة أنها قالت هاجر أبو بكر وعنده عشرة آلاف درهم، وقلتم إن الله تعالى أنزل فيه:وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى، في أبي بكر ومسطح بن أثاثة، فأين الفقر الذي زعمتم أنه أنفق حتى تخلل بالعباءة! ورويتم أن لله تعالى في سمائه ملائكة تخللوا بالعباءة وأن النبي صلى الله عليه وآله رآهم ليلة الإسراء، فسأل جبرائيل عنهم فقال هؤلاء ملائكة تأسوا بأبي بكر بن أبي قحافة صديقك في الأرض، فإنه سينفق عليك ماله، حتى يخلل عباءة في عنقه! وأنتم أيضاً رويتم إن الله تعالى لما أنزل آية النجوى، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً..الآية. لم يعمل بها إلا علي بن أبي طالب وحده، مع إقراركم بفقره وقلة ذات يده، وأبو بكر في الحال التي ذكرنا من السعة أمسك عن مناجاته، فعاتب الله المؤمنين في ذلك فقال: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهعَلَيْكُمْ، فجعله سبحانه ذنباً يتوب عليهم منه، وهو إمساكهم عن تقديم الصدقة، فكيف سخت نفسه بإنفاق أربعين ألفاً وأمسك عن مناجاة الرسول، وإنما كان يحتاج فيها إلى إخراج درهمين.
وأما ما ذكر من كثره عياله ونفقته عليهم، فليس في ذلك دليل على تفضيله، لأن نفقته على عياله واجبة، مع أن أرباب السيرة ذكروا أنه لم يكن ينفق على أبيه شيئاً وانه كان أجيراً لابن جدعان على مائدته يطرد عنها الذبان).
أقول: الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله هاجر على ناقته العضباء المأمورة. واشترى من أبي بكر بعيراً لدليله ابن أريقط، ومات هذا البعير قبل أن يصل الى المدينة فاستأجر له النبي صلى الله عليه وآله بعيراً، وقد وثقنا ذلك في السيرة النبوية.
- *
< صفحة > 485 < / صفحة >
الفصل الثامن والثلاثون : عطاءات النبي صلى الله عليه وآله
الفصل الثامن والثلاثون
عطاءات النبي صلى الله عليه وآله
وأنت تباري الريح كرماً
في الكافي بسند صحيح (1/236) وعلل الشرائع(1/167) عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين عليه السلام فقال للعباس: يا عم محمد تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته؟ فرد عليه فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني شيخ كثير العيال قليل المال من يطيقك وأنت تباري الريح؟ قال: فأطرق صلى الله عليه وآله هنيئة ثم قال: يا عباس أتأخذ تراث محمد وتنجز عداته وتقضي دينه؟ فقال بأبي أنت وأمي شيخ كثير العيال قليل المال وأنت تباري الريح. قال: أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها ثم قال: يا علي يا أخا محمد أتنجز عدات محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه؟ فقال: نعم بأبي أنت وأمي، ذاك عليَّ ولي. قال: فنظرت إليه حتى نزع خاتمه من أصبعه فقال: تختم بهذا في حياتي، قال: فنظرت إلى الخاتم حين وضعته في أصبعي فتمنيت من جميع ما ترك الخاتم. ثم صاح: يا بلال علي بالمغفر والدرع والراية والقميص وذي الفقار والسحاب والبرد والأبرقة والقضيب.
قال: فوالله ما رأيتها غير ساعتي تلك يعني الأبرقة فجيئ بشقة كادت تخطف الأبصار فإذا هي من أبرق الجنة، فقال: يا علي إن جبرئيل أتاني بها وقال: يا محمد إجعلها في حلقة الدرع واستذفر بها مكان المنطقة.
ثم دعا بزوجي نعال عربيين جميعاً أحدهما مخصوف والآخر غير مخصوف والقميصين، القميص الذي أسري به فيه، والقميص الذي جرح فيه يوم أحد،
< صفحة > 486 < / صفحة >
والقلانس الثلاث:قلنسوة السفر وقلنسوة العيدين والجُمَع، وقلنسوة كان يلبسها ويقعد مع أصحابه. ثم قال: يا بلال علي بالبغلتين: الشهباء والدلدل، والناقتين: العضباء والقصوى، والفرسين: الجناح كانت توقف بباب المسجد لحوائج رسول الله صلى الله عليه وآله يبعث الرجل في حاجته فيركبه فيركضه في حاجة رسول الله صلى الله عليه وآله وحيزوم، وهو الذي كان يقول: أقدم حيزوم. والحمار عفير فقال: إقبضها في حياتي).
أكبر عطاياه من أموال خديجة عليها السلام وغنائم حنين
في أمالي الطوسي/468، أن النبي صلى الله عليه وآله أمر علياً عليه السلام : (أن يبتاع رواحل له وللفواطم ومن أزمع للهجرة معه من بني هاشم. قال أبو عبيدة: فقلت لعبيد الله يعني ابن أبي رافع أوَكان رسول الله صلى الله عليه وآله يجد ما ينفقه هكذا؟ فقال: إني سألت أبي عما سألتني، وكان يحدث بهذا الحديث، فقال: فأين يذهب بك عن مال خديجة عليها السلام ؟ وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما نفعني مال قط مثلما نفعني مال خديجة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يفك من مالها الغارم والعاني، ويحمل الكَل، ويعطي في النائبة، ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة، ويحمل من أراد منهم الهجرة.
وكانت قريش إذا رحلت عيرها في الرحلتين،يعني رحلة الشتاء والصيف، كانت طائفة من العير لخديجة، وكانت أكثر قريش مالاً، وكان صلى الله عليه وآله ينفق منه ما شاء في حياتها، ثم ورثها هو وولدها بعد مماتها).
أقول: حرفوا قول النبي صلى الله عليه وآله :ما نفعني مال قط مثلما نفعني مال خديجة فجعلوه: ما نفعني مال قط مثلما نفعني مال أبي بكر! ولم يُعرف متى ولا على أي شيئ أنفقه!
وأما غنائم حنين فأصدر النبي صلى الله عليه وآله أمره إلى الراجعين من فرارهم أن يجمعوها ويرسلوها إلى الجعرانة، وجعل بديل بن ورقاء مسؤولاً عليها.
قال ابن سعد(2/154): (كان السبي ستة آلاف رأس والإبل أربعة وعشرين ألف بعير والغنم أكثر من أربعين ألف شاة وأربعة آلاف أوقية فضة فاستأنى رسول الله صلى الله عليه وآله بالسبي أن يقدم عليه وفدهم وبدأ بالأموال فقسمها وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس فأعطى أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية ومائة من الإبل قال ابني يزيد قال أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل قال ابني
< صفحة > 487 < / صفحة >
معاوية قال أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل فأعطاه إياها، وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل، ثم سأله مائة أخرى فأعطاه إياها وأعطى النصر بن الحارث بن كلدة مائة من الإبل، وأعطى أسيد بن جارية الثقفي مائة من الإبل، وأعطى العلاء بن حارثة الثقفي خمسين بعيراً، وأعطى مخرمة بن نوفل خمسين بعيراً، وأعطى الحارث بن هشام مائة من الإبل، وأعطى سعيد بن يربوع خمسين من الإبل، وأعطى صفوان بن أمية مائة من الإبل، وأعطى قيس بن عدي مائة من الإبل، وأعطى عثمان بن وهب خمسين من الإبل، وأعطى سهيل بن عمرو مائة من الإبل، وأعطى حويطب بن عبد العزى مائة من الإبل، وأعطى هشام بن عمرو العامري خمسين من الإبل، وأعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن مائة من الإبل، وأعطى مالك بن عوف مائة من الإبل، وأعطى العباس بن مرداس أربعين من الإبل، فقال في ذلك شعراً فأعطاه مائة من الإبل، ويقال خمسين وأعطى ذلك كله من الخمس وهو أثبت الأقاويل عندنا، ثم أمر زيد بن ثابت بإحصاء الناس والغنائم ثم فضها على الناس فكانت سهامهم لكل رجل أربع من الإبل وأربعون شاة فإن كان فارساً أخذ اثني عشر من الإبل وعشرين ومائة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس لم يسهم له.
قال ابن سعد (2/153): (وقدم وفد هوازن على النبي صلى الله عليه وآله وهو أربعة عشر رجلاً ورأسهم زهير بن صرد، وفيهم أبو برقان عم رسول الله صلى الله عليه وآله من الرضاعة فسألوه أن يمن عليهم بالسبي فقال: أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ قالوا ما كنا نعدل بالأحساب شيئاً. فقال أما ما لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وسأسأل لكم الناس، فقال المهاجرون والأنصار ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم، فلا. وقال عيينة بن حصن: أما أنا وبنو فزارة، فلا. وقال العباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم، فلا. وقالت بنو سليم ماكان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله فقال العباس بن مرداس: وهنتمونا! و قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن هؤلاء القوم جاؤوا مسلمين وقد كنت استأنيت بسبيهم وقد خيرتهم فلم يعدلوا بالأبناء والنساء شيئاً، فمن كان عنده منهم شئ فطابت نفسه أن يرده فسبيل ذلك، ومن أبى فليرد عليهم وليكن ذلك قرضاً علينا ست فرائض من أول ما يفئ الله علينا. قالوا رضينا وسلمنا، فردوا عليهم نساءهم وأبناءهم ولم يختلف منهم أحد غير عيينة بن حصن، فإنه أبى أن يرد عجوزاً صارت في يده
< صفحة > 488 < / صفحة >
منهم، ثم ردها بعد ذلك! وكان رسول الله صلى الله عليه وآله قد كسا السبي قبطية قبطية.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله انتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة، فأقام بها ثلاث عشرة ليلة، فلما أراد الإنصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة بقيت من ذي القعدة ليلاً فأحرم بعمرة ودخل مكة فطاف وسعى وحلق رأسه، ورجع إلى الجعرانة من ليلته كبائت، ثم غدا يوم الخميس فانصرف إلى المدينة فسلك في وادي الجعرانة حتى خرج على سَرَف، ثم أخذ الطريق إلى مر الظهران ثم إلى المدينة).
في إعلام الورى (1/239):« كان في السبي أخته بنت حليمة فلما قامت على رأسه قالت: يا محمد أختك شيماء بنت حليمة! قال فنزع رسول الله صلى الله عليه وآله برده فبسطه لها فأجلسها عليه ثم أكب عليها يسائلها وهي التي كانت تحضنه إذ كانت أمها ترضعه.قال: وكلمته أخته الشيماء في مالك بن عوف فقال: إن جاءني فهو آمن، فأتاه فرد عليه ماله وأعطاه مائة من الإبل!
وأدرك وفد هوازن رسول الله صلى الله عليه وآله بالجعرانة وقد أسلموا..وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال: يا رسول الله، إنا لو ملَّحنا الحارث بن أبي شمر أو النعمان بن المنذر، ثم ولي منا مثل الذي وليت، لعاد علينا بفضله وعطفه وأنت خير المكفولين، وإنما في الحظائر خالاتك وبنات خالاتك وحواضنك وبنات حواضنك اللاتي أرضعنك، ولسنا نسألك مالاً إنما نسألكهن. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله قسم منهن ما شاء الله.
فلما كلمته أخته قال: أما نصيبي ونصيب بني عبد المطلب فهو لك، وأما ما كان للمسلمين فاستشفعي بي عليهم، فلما صلوا الظهر قامت فتكلمت وتكلموا، فوهب لها الناس أجمعون إلا الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن فإنهما أبيا أن يهبا وقالوا: يا رسول الله إن هؤلاء قوم قد أصابوا من نسائنا، فنحن نصيب من نسائهم مثل ما أصابوا.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من أمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فئ نصيبه، فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم).
وقال الواقدي في مغازيه (2/945): (قال أبو سفيان: ابني يزيد أعطه! قال رسول الله صلى الله عليه وآله : زنوا ليزيد أربعين أوقية وأعطوه مائة من الإبل. قال أبو سفيان: ابني معاوية يا رسول الله! قال: زن له يا بلال أربعين أوقية وأعطوه مائة من الإبل. قال أبو سفيان: إنك الكريم فداك أبي وأمي!
< صفحة > 489 < / صفحة >
ولقد حاربتك فنعم المحارب كنت، ثم سالمتك فنعم المسالم أنت، جزاك خيراً!
وأعطى في بني أسد. قال: حدثني معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير قالا: حدثنا حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله بحنينٍ مائة من الإبل فأعطانيها ثم سألته مائة فأعطانيها، ثم سألته مائة فأعطانيها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا حكيم ابن حزام، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذ بإشراف نفسٍ لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من السفلى.
وفي بني عبد الدار: النضير وهو أخو النضر بن الحارث بن كلدة، مائة من الإبل. وفي بني زهرة: أسيد بن حارثة حليف لهم مائة من الإبل.
وأعطى العلاء بن جارية خمسين بعيراً وأعطى مخرمة بن نوفل خمسين بعيراً. وقد رأيت عبد الله بن جعفر ينكر أن يكون أخذ مخرمة في ذلك وقال: ما سمعت أحداً من أهلي يذكر أنه أعطى شيئاً. ومن بني مخزوم: الحارث بن هشام مائة من الإبل، وأعطى سعيد بن يربوع خمسين من الإبل. وأعطى في بني جمح صفوان بن أمية مائة بعير ويقال إنه طاف مع النبي صلى الله عليه وآله وهو يتصفح الغنائم إذ مر بشِعبٍ مما أفاء الله عليه فيه غنم وإبل ورعاؤها مملوء. فأعجب صفوان وجعل ينظر إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أعجبك يا أبا وهب هذا الشعب قال: نعم. قال: هو لك وما فيه. فقال صفوان: أشهد ما طابت بهذا نفس أحدٍ قط إلا نبي، وأشهد أنك رسول الله!
وأعطى قيس بن عدي مائة من الإبل، وأعطى عثمان بن وهب خمسين من الإبل. وفي بني عامر بن لؤي أعطى سهيل بن عمرو مائة من الإبل. وأعطى حويطب بن عبد العزى مائةً من الإبل. وأعطى هشام بن عمر خمسين من الإبل. وأعطى في العرب الأقرع بن حابس مائة من الإبل. وأعطى عيينة بن بدر مائة من الإبل. ومالك بن عوف مائة من الإبل.
قال سعد بن أبي وقاص: يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائةً وتركت جعيل بن سراقة الضمري! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أما والذي نفسي بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلها مثل عيينة والأقرع، ولكني تألفتهما ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه).
وفي إعلام الورى(1/263): (فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي قم فاقطع لسانه! قال عباس بن
< صفحة > 490 < / صفحة >
مرداس: فوالله لهذه الكلمة كانت أشد علي من يوم خثعم، فأخذ علي بيدي فانطلق بي فقلت: يا علي إنك لقاطع لساني؟ قال: إني ممض فيك ما أمرت، حتى أدخلني الحظائر فقال: أعقل ما بين أربعة إلى مائة. قال: قلت بأبي أنتم وأمي، ما أكرمكم وأحلمكم وأجملكم وأعلمكم.
فقال لي: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أعطاك أربعاً وجعلك مع المهاجرين، فإن شئت فخذها وإن شئت فخذ المائة وكن مع أهل المائة. قال: فقلت لعلي: أشر أنت عليَّ. قال: فإني آمرك أن تأخذ ما أعطاك وترضى. قال: فإني أفعل ».
هذا، وقد كانت هزيمة المسلمين سريعة، وكان بعدها مباشرة محاولات القرشيين وهوازن اغتيال النبي صلى الله عليه وآله ، فكانت حماية بني هاشم، وحملات علي عليه السلام المضادة، حيث انتقى أربعين من فرسانهم حملة الرايات فقتلهم واحداً بعد الآخر فانهزموا! ويحتاج ذلك إلى أربع ساعات أو نحوها، ومعناه أنه لم يحن الظهر حتى تم النصر للنبي صلى الله عليه وآله وانهزم أعداؤه شذر مذر!
أما قائدهم مالك بن عوف الذي كان يهدر ويصيح أروني محمداً حتى أقتله! وجاء بالفعل إلى قرب مكان النبي صلى الله عليه وآله فتصدى له أيمن رحمه الله فقتله مالك، وكان النبي صلى الله عليه وآله ينتظره لكنه تراجع ولم يتقدم! ولعل علياً عليه السلام قصده فهرب أو أحس بالملائكة فارتعب، ثم تصاعد دوي تكبيرات علي عليه السلام وهو يجندل حامل رايتهم ذا الخمار وأخاه عثمان وأبا جرول، فهرب مالك إلى الطائف)!
وثالث مال كثير قسمه النبي صلى الله عليه وآله خراج البحرين، ففي البخاري(1/108) (عن أنس قال: أتيَ رسول الله صلى الله عليه وآله بمال من البحرين فقال: أنثروه في المسجد وكان أكثر مال أتي به رسول الله صلى الله عليه وآله . فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الصلاة ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه فما كان يرى أحداً الا أعطاه، إذ جاء العباس فقال يا رسول الله أعطني فإني فاديت نفسي وفاديت عقيلاً. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : خذ فحثا في ثوبه ثم ذهب يُقِلُّهُ فلم يستطع! فقال: يا رسول الله أؤمر بعضهم يرفعه إليَّ. قال: لا. قال: فارفعه أنت عليَّ. قال: لا. فنثر منه ثم ذهب يُقله فقال: يا رسول الله أؤمر بعضهم يرفعه. قال: لا. قال فارفعه أنت عليَّ. قال: لا. فنثر منه، ثم احتمله فألقاه على كاهله ثم انطلق، فما زال رسول الله صلى الله عليه وآله يتبعه ببصره حتى خفي علينا، عجباً من حرصه! فما قام رسول الله صلى الله عليه وآله وثم منها درهم).
< صفحة > 491 < / صفحة >
عطايا حنين أثارت بعض الصحابة!
كانت غنائم حنين أكبر غنائم غنمها النبي صلى الله عليه وآله في كل حروبه! فقد جاءت هوازن بكل ماتملك الى المعركة، فبذلك أمرهم رئيسهم كعب بن مالك، وقد نصحه كبيرهم ذو الصمة أن لا يفعل، فقال كلا، إن وجود نسائهم وأموالهم معهم يدفعهم الى القتال لحمايتها!
لكنهم سرعان ما انهزموا وتركوا أموالهم ونساءهم فوقعت في يد النبي صلى الله عليه وآله . وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن يعطي أكثرها لزعماء قريش لتأليف قلوبهم، وفي نفس الوقت لامتحان الأنصار وبقية المسلمين الذين لم يعطهم، فكان امتحاناً صعباً!
قال اليعقوبي(2/63): (وأعطى المؤلفة قلوبهم من غنائم هوازن وأعطى اثني عشر رجلاً مائة مائة من الإبل، وهم: أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام والحارث بن الحارث بن كلدة العبدري والحارث بن هشام بن المغيرة وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية بن خلف وحويطب بن عبد العزى والعلاء بن حارثة الثقفي حليف بني زهرة ومالك بن عوف النصري وعيينة بن حصن الفزاري والأقرع ابن حابس، وأعطى الباقين ما دون ذلك… وسألته الأنصار ودخلها غضاضة، فقال رسول الله: إني أعطي قوماً تألفاً وأكلكم إلى إيمانكم. وتكلم بعضهم فقال: قاتل بنا محمد حتى إذا ظهر أمره وظفر أتى قومه وتركنا).
وفي الكافي(2/411) بسند صحيح عن الإمام الباقر عليه السلام ،قال زرارة: «سألته عن قول الله عز وجل: والمُؤَلَّفَة قُلُوبُهُم. قال: هم قوم وحدوا الله عز وجل وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله فأمر الله عز وجل نبيه أن يتألفهم بالمال والعطاء لكي يحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه وأقروا به، قريش وسائر مضر، منهم أبو سفيان بن حرب، وعيينة بن حصن الفزاري، وأشباههم من الناس، فغضبت الأنصار واجتمعت إلى سعد بن عبادة فانطلق بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالجعرانة فقال: يا رسول الله أتأذن لي في الكلام؟ فقال: نعم، فقال: إن كان هذا الأمر من هذه الأموال التي قسمت بين قومك شيئاً أنزله الله رضينا، وإن كان غير ذلك لم نرض! قال زرارة: وسمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :يا معشرالأنصار أكُلُّكُمْ على قول سيدكم سعد؟ فقالوا: سيدنا الله ورسوله، ثم قالوا في الثالثة: نحن على مثل
< صفحة > 492 < / صفحة >
قوله ورأيه! قال زرارة: فسمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: فحط الله نورهم ».
أقول: من عجائب التاريخ موقف سعد والأنصار عند غنائم حنين فقد عرفوا النبي صلى الله عليه وآله وشهدوا بصدقه ورأوا معجزاته، وبذلوا في سبيله أموالهم وأرواحهم، ولما أعطى غيرهم ولم يعطهم انخفض مستوى إيمانهم، فحط الله نورهم!
وقد عالج النبي صلى الله عليه وآله هذا الهبوط الذي حدث في الأنصار، بتطييب خواطرهم والدعاء لهم، وهي معالجة تهدؤهم، لكنها لا ترفع مستواهم لأن ذلك بأيديهم.
واعترض عمر وذو الخويصرة على النبي صلى الله عليه وآله
روى المسلمون أن النبي صلى الله عليه وآله لما قسم غنائم هوازن الكبيرة بعد معركة حنين اعترض عليه عمر بن الخطاب! قال عمر (مسند أحمد:1/20): «قسم رسول الله صلى الله عليه وآله قسمة فقلت يا رسول الله لَغير هؤلاء أحق منهم، أهل الصفة! قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنكم تخيروني إنكم تسألوني بالفحش، تريدون أن تبخلوني ولست بباخل »!
وقال مسلم(3/103):(قال عمر:فقلت والله يا رسول الله لغيرهؤلاء كان أحق به منهم! قال إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش، أو يبخلوني فلست بباخل).
كما اعترض عليه ذو الخويصرة مؤسس الخوارج حرقوص بن زهير وقال له: إعدل يا محمد! فوالله إنها قسمة ما أريد بها وجه الله! فأجابه النبي صلى الله عليه وآله : (البخاري: 8 /52 و:4/60) فقال: (ويلك من يعدل إذا لم أعدل! فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله. رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر»! وأخبر النبي صلى الله عليه وآله أن حرقوصاً وأصحابه يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وأنهم شر الخلق والخليقة، يقتلهم خير الخلق والخليقة وأقربهم إلى الله وسيلة! (فتح الباري:12/253). وقد قتلهم أمير المؤمنين عليه السلام .
تريدون أن تبخلوني ما أنا بباخل
في كنز العمال(10/549) وصححه على شرط الشيخين: (عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله عام حنين سأله الناس فأعطاهم من البقر والغنم والإبل، حتى لم يبق شئ من ذلك فماذا تريدون؟ أتريدون أن تبخلوني؟ فوالله ما أنا ببخيل ولا جبان ولا كذوب، فجذبوا ثوبه حتى بدا منكبه فكأنما انظر
< صفحة > 493 < / صفحة >
حين بدا منكبه إلى شقه القمر من بياضه).
وفي مستدرك الحاكم(1/509): (وقال صلى الله عليه وآله : لو كان لكم في يدي مثل جبال تهامة لأقسمته بينكم، ولم تجدوني كذوباً ولا جباناً ولا بخيلاً ».
وفي مغني ابن قدامة (7/320): (أعطى صفوان بن أمية الأمان واستنظره صفوان أربعة أشهر لينظر في أمره، وخرج معه إلى حنين فلما أعطى النبي العطايا قال صفوان مالي؟ فأومأ النبي صلى الله عليه وآله إلى واد فيه إبل محملة فقال: هذا لك! فقال صفوان إن هذا عطاء من لا يخشى الفقر!
وفي رواية أن صفوان: طاف معه والنبي صلى الله عليه وآله يتصفح الغنائم إذ مر بشعبٍ مما أفاء الله عليه، فيه غنم وإبل ورعاؤها مملوء، فأعجب صفوان وجعل ينظر إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أعجبك يا أبا وهب هذا الشعب؟ قال: نعم. قال: هو لك وما فيه. فقال صفوان: أشهد ما طابت بهذا نفس أحدٍ قط إلا نفس نبي، وأشهد أنك رسول الله)!
لكل نبي بطانتان بطانة خير وبطانة شر
في البخاري (8/121): (قال النبي صلى الله عليه وآله قال ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى). وقد ورد الحديث بأن هاتين البطانتين تختلفان بعد الرسل فيغلب أهل الباطل على أهل الحق ويضطهدونهم!
ففي كتاب سُليم/137: (قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام :يا علي، ما بعث الله رسولاً إلا وأسلم معه قوم طوعاً وقوم آخرون كرهاً، فسلط الله الذين أسلموا كرهاً على الذين أسلموا طوعاً فقتلوهم ليكون أعظم لأجورهم! يا علي، وإنه ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها، وإن الله قضى الفرقة والإختلاف على هذه الأمة، ولو شاء الله لجعلهم على الهدى حتى لا يختلف اثنان من خلقه، ولايُتنازع في شئ من أمره، ولا يجحد المفضول ذا الفضل فضله. ولو شاء عجَّل النقمة فكان منه التغيير حتى يكذب الظالم ويعلم الحق أين مصيره. ولكن جعل الدنيا دار الأعمال، وجعل الآخرة دارالقرارلِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى).
وقد روى الطبراني في الأوسط (7/370): (عن ابن عمر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما اختلفت أمة
< صفحة > 494 < / صفحة >
بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها).
وحاول الألباني أن يضعفه لأن فيه موسى بن عبيدة وهو شيعي، وقالوا عنه حديثه ضعيف لكن نصوا على أنه صدوق! (ضعيف سنن الترمذي/137).
غنائم حنين يملكها من قاتل ولم يهرب
الغنيمة لمن قاتل، وبهذه القاعدة تكون غنائم حنين للنبي صلى الله عليه وآله وبني هاشم الذين ثبتوا معه وقاتلوا ودافعوا. ويكون لعلي عليه السلام الشطر الأكبر من غنائم حنين لأنه قتل أربعين من قادة هوازن أصحاب الرايات، فسبب ذلك هزيمتهم وفرارهم! لذلك فالنبي صلى الله عليه وآله كان يعطي عطاياه من ملكه وملك هؤلاء الذين خولوه، وبحكم أن له الولاية العامة الشاملة.
ولو طبق النبي صلى الله عليه وآله قاعدة: ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب للنبي صلى الله عليه وآله ، والغنيمة لمن قاتل، والفار لاسهم له، لكانت أكثر غنائم حروبه لعلي عليه السلام . لكنه خفف عن المسلمين ولا بد أن علياً عليه السلام جعل سهمه تحت تصرفه صلى الله عليه وآله .
فلسفة هذا الكرم النبوي الجزيل
يظهر أن الإحسان وعطاء المال يؤثر حتى على تفكير الشخص، وقد يغيره من الشر الى الخير، فيرى الحق بعد أن كان ينكره، وقد رأيت أن صفوان بن أمية وهو من عتاة مشركي قريش لما أعطاه النبي صلى الله عليه وآله مئة بعير أو أكثر، قال: هذا عطاء من لا يخشى الفقر، وهذا الكرم لا يكون إلا من نبي! وقال: والله لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي. وأسلم!
وهذا هو معنى تشريع المؤلفة قلوبهم، أو تشريع العطاء المالي لكي يسلموا.
وهذا معنى أن النبي صلى الله عليه وآله بدأ دعوته لقريش والعرب بتطميعهم إن آمنوا بأموال كسرى وقيصر، فهو استثمار مشروع للطمع الدنيوي في الدعوة.
وقد ألغى عمر سهم المؤلفة قلوبهم، جهلاً منه بحكمته، أو لأن بعض زعماء قريش شكوا له أن الناس يقولون لهم لستم مسلمين بل مؤلفة قلوبكم! فأراد عمر أن يزيل عنهم ما اعتبره الناس عاراً!
< صفحة > 495 < / صفحة >
والظاهر أن القصة التالية أرادها النبي صلى الله عليه وآله تعليماً لنا لنحسن الظن بالناس، ونعرف أن الإحسان أسلوب مهم في إصلاح المجتمع. قال في مناقب آل أبي طالب(1/384) في تفسير قوله تعالى:
رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللهأَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهيَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ:
نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام ، وذلك أن النبي أعطى علياً يوماً ثلاث مائة دينار أهديت إليه قال علي: فأخذتها وقلت والله لأتصدقن الليلة من هذه الدنانير صدقة يقبلها الله مني، فلما صليت العشاء الآخرة مع رسول الله أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد فاستقبلتني امرأة فأعطيتها الدنانير فأصبح الناس بالغد يقولون تصدق علي الليلة بمائة دينار على امرأة فاجرة، فاغتممت غماً شديداً.
فلما صليت القابلة صلاة العتمة أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد وقلت: والله لأتصدقن الليلة بصدقة يتقبلها ربي مني، فلقيت رجلاً فتصدقت عليه بدنانير، فأصبح أهل المدينة يقولون تصدق علي البارحة بمائة دينار على رجل سارق فاغتممت غماً شديداً وقلت: والله لأتصدقن الليلة صدقة يتقبلها ربي مني، فصليت العشاء الآخرة مع رسول الله، ثم خرجت من المسجد ومعي مائة دينار فلقيت رجلاً فأعطيته إياها، فلما أصبحت قال أهل المدينة تصدق علي البارحة بمائة دينار على رجل غني، فاغتممت غماً شديداً فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فخبرته فقال لي: يا علي هذا جبرئيل يقول لك إن الله عز وجل قد قبل صدقاتك وزكى عملك، إن المائة دينار التي تصدقت بها أول ليلة وقعت في يدي امرأة فاسدة، فرجعت إلى منزلها وتابت إلى الله عز وجل من الفساد وجعلت تلك الدنانير رأس مالها، وهي في طلب بعل تتزوج به، وإن الصدقة الثانية وقعت في يدي سارق فرجع إلى منزله وتاب إلى الله من سرقته وجعل الدنانير رأس ماله يتجر بها، وإن الصدقة الثالثة وقعت في يدي رجل غني لم يزك ماله منذ سنين فرجع إلى منزله ووبخ نفسه وقال: شحاً عليك يا نفس! هذا علي بن أبي طالب تصدق علي بمائة دينار ولا مال له، وأنا قد أوجب الله على مالي الزكاة لأعوام كثيرة لم أزكه فحسب ماله وزكاه وأخرج زكاة ماله كذا وكذا ديناراً. وأنزل الله فيك: رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله..الآية..).
ومعناه أن النبي صلى الله عليه وآله أعطاه هذا المبلغ الكبير وأمره أن يعطيه أثلاثاً لأول من يلقاه عند
< صفحة > 496 < / صفحة >
خروجه من المسجد، فصادف هؤلاء الذين سمعت قصتهم!
فلا تعجب من تشريع سهم المؤلفة قلوبهم في ميزانية الدولة الإسلامية.
النبي صلى الله عليه وآله أجود الناس صدراً وأجود ما يكون في رمضان
جاء في وصف أمير المؤمنين عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله : (وهو خاتم النبيين، أجود الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة). (الشمائل للترمذي/18).
وفي الشمائل للنبهاني(1/246): (عن جابر قال:ما سئل رسول الله شيئاً قط فقال: لا.وكان لا يسأل شيئاً إلا أعطاه، ثم يعود على قوت عامه فيؤثر منه.
وعن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وآله أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان حتى ينسلخ..كان أجود بالخير من الريح المرسلة. إذا جاءه مال لم يبيته، بل يعجل قسمته، لا يبيت عنده ديناراً ولا درهماً.
وأتاه رجل فسأله فأعطاه غنماً سدت ما بين جبلين، فرجع إلى قومه وقال: أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
ولما قفل صلى الله عليه وآله من حنين وجاءت الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى شجرة خطفت رداءه فوقف صلى الله عليه وآله وقال:أعطوني ردائي! لوكان لي عدد هذه العضاه (ورق شجرة) نعماً لقسمته بينكم ثم لاتجدوني بخيلاً ولا كذاباً ولا جبانا ً».
وفي العرش لابن أبي شيبة/84: (عن عمر قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فسأله فأعطاه، ثم جاءه فسأله فقال: ما عندي، ولكن استقرض علينا حتى يأتينا فنقضيك، قال عمر قلت: يا رسول الله! هذا أعطيت ما عندك، فإذا لم يكن عندك فلا تكلفه، فكره رسول الله قولي، حتى عرف الكراهية في وجهه، فقام رجل من الأنصار فقال يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، أعط ولا تخف من ذي العرش إقلالاً. قال: فتبسم رسول الله حتى عرف السرور في وجهه وقال: بهذا أمرت).
- *
< صفحة > 497 < / صفحة >
الفصل التاسع والثلاثون : ظلامات النبي صلى الله عليه وآله من قريش
الفصل التاسع والثلاثون
ظلامة قريش كانت على تنزيل القرآن وعلى تأويله
المظلوم الأول في العالم
كانت ظلامة بطون قريش للنبي صلى الله عليه وآله في ثلاثة أمور:
- أرسله الله رسولاً فمنعوه من تبليغ رسالة ربه.
- عملوا ليلهم ونهارهم بكل ما استطاعوا لقتله.
- شنوا عليه حملة افتراءات وبهتان، ونشروا ذلك في الناس!
ظلامة قريش كانت على تنزيل القرآن وعلى تأويله
فقد وقفت قريش ضد دعوة النبي صلى الله عليه وآله الى الإسلام وصدت عن سبيل الله، وعملت لقتل النبي صلى الله عليه وآله ، وعقدت مؤتمراً وقعت فيه صحيفة المقاطعة لبني هاشم، حتى يسلموهم النبي صلى الله عليه وآله ليقتلوه!
وقد أسلم مع النبي صلى الله عليه وآله عدد من القرشيين، لكن إسلام أكثرهم كان سياسياً على أمل أن ينتصر بنو هاشم على بقية البطون فيأخذوا مكة، ويكون لهؤلاء موقع في دولتهم لأنهم كانوا أشخاصاً مهينين، من قبائل مغمورة. لذلك طلبوا من النبي صلى الله عليه وآله أن يقاتل قريشاً، فأنزل الله فيهم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ.
وقال المفسرون السنة إنهم منافقون من قريش، وسموا منهم عبد الرحمن بن عوف، وسعد
< صفحة > 498 < / صفحة >
بن أبي وقاص، وآخرين. وفي برهان الزركشي(1/422): « فَمَالِ هَؤُلاءِ القَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً! هذه الإشارة للفريق الذين نافقوا، من القوم الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ».
وفي تفسير الرازي(10/184): « والأولى حمل الآية على المنافقين لأنه تعالى ذكر بعد هذه الآية قوله: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ، ولا شك أن من هذا كلام المنافقين.. فالمعطوف في المنافقين وجب أن يكون المعطوف عليهم فيهم أيضاً ».
وبعد أن هاجروا الى المدينة كانوا يطالبون النبي صلى الله عليه وآله بأن يشاركوه في قيادة المسلمين: وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا!
وهؤلاء هم الطبقة السياسية من المنافقين القرشيين، وهم أخطر على الإسلام من المنافقين العاديين، لأنهم أصحاب طموح سياسي، وقد سماهم الله تعالى: مرضى القلوب، وتحدث عنهم في اثنتي عشرة آية، ووصفهم بأنهم وقحون يفرون في الحرب ثم يُحملون النبي صلى الله عليه وآله الهزيمة لأنه لم يشركهم في القيادة!
وهم الذين قال لهم الله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا.
والذين قال لهم النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع:(ويحكم أو قال ويلكم لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض). (مسند أحمد2/104).
وهم وأتباعهم الذين قال النبي صلى الله عليه وآله عنهم (البخاري:7/208): (بينا أنا قائمٌ فإذا زمرةٌ حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلمَّ، فقلت أين؟ قال إلى النار والله! قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى! ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلمَّ! قلت: أين؟ قال: إلى النار والله! قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى! فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم)!
وقد صرحت رواية البخاري بأن المطرودين عن الحوض صحابة، قال (2/975): (يرد على الحوض رجالٌ من أصحابي فيحلؤون عنه فأقول يا رب أصحابي! فيقول:فإنه لاعلم لك
< صفحة > 499 < / صفحة >
بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى)! ونحوه مسلم :1/150 و: 7 / 66 وابن ماجة: 2 / 1440 وأحمد:2 /25 و 408 و: 3 / 28، والبيهقي في سننه: 4 / 14، وغيرهم.
قال المحامي الأردني أحمد حسين يعقوب في كتابه: الخطط السياسية لتوحيد الأمة
الإسلامية/262، ملخصاً: « أدركت بطون قريش مايرمي له محمد، وفهمت توجه الترتيبات الإلهية، وأنه صار بحكم المؤكد أن قيادة عصرما بعد النبوة ستكون في بني هاشم، وبالتحديد في علي الذي قتل الأحبة والسادات، ومن بعد علي ستكون في بنيه، فمن يتقدم عليهم وهم أبناء الرسول، ومن يحاربهم وهم ناصية بني هاشم، ومن يرفض الإنقياد لهم وهم أبناء النبي، وإذا تحققت هذه النوايا والتوجهات، فمعنى ذلك أن الهاشميين قد أخذوا النبوة وأخذوا الخلافة معاً، أو جمعوا ما بين النبوة والخلافة، وبين الدين والملك معاً، وهذا يعني أنهم قد أخذوا الشرف كله، واختصوا بالفخر كله، وحرموا منهما بطون قريش، وتلك والله كارثة برأيهم، الموت خير من مواجهتها، أو العيش في ظلالها!
وتفتقت عقلية بطون قريش عن خطة قبلية سياسية مُثلى، تجمع بين الصيغة
السياسية الجاهلية وبين نظام الإسلام السياسي، وتقوم على خلط الأوراق وإعادة
ترتيبها من جديد، تحت إشراف رجالات البطون المسكونة أنفسهم بمرض الصيغة
السياسية الجاهلية! لذلك وضعوا مجموعة من الأوراق لمواجهة الترتيبات الإلهية لعصر ما بعد النبوة، والإلتفاف عليها »!
ثم عدد المؤلف أوراق البطون القرشية، ومنها أنهم عصبوا دم ساداتهم الذين قُتلوا في مواجهة قريش للنبي بعلي! فهو الذي قتلهم بوصفه حامل راية النبي في كل المواقع، وبوصفه أقوى فرسان الإسلام على الإطلاق.
ثم أوضح كيف قرر زعماء بطون قريش معالجة منظومة الحقوقية الإلهية التي وثقت مكانة أهل البيت بالقرآن الكريم والسنة، فاخترقوا الآيات بالتأويل والتفسير، وتحميل النص عدة معان تضيع المقصود الشرعي منه!
ثم اخترقوا سنة النبي بفروعها الثلاثة:القول والفعل والتقرير برفع شعار: حسبنا كتاب الله، بمعنى أن القرآن وحده يكفي ولا حاجة لسنة النبي! بل رفعوا هذا الشعار بمواجهة النبي نفسه
< صفحة > 500 < / صفحة >
عندما أراد أن يكتب وصيته للأمة، رفعه عمر بن الخطاب! وعندما تُوَّج أبو بكر رفعه رسمياً وتم حصر ما يمكن حصره من الأحاديث النبوية المكتوبة وأمر بإحراقها! وكذلك فعل عمر، ومنعا رسمياً رواية السنة أو كتابتها، لأن كتاب الله وحده يكفي!
ولم يكتفوا باختراع مقولة لايجوز لبني هاشم أن يجمعوا بين النبوة والخلافة حتى قرروا عزلهم سياسياً عزلاً كاملاً!
ثم قال المحامي: « وعملياً وطوال رئاسة ذلك النفر للأمة لم يصدف أن استعملوا أو استعانوا بأي رجل من آل محمد، ولا بأي رجل يتعاطف مع آل محمد، وذلك من قبيل سد الذرائع!
قال عبد الله بن عباس: إن عمر قد أرسل إليه وقال له: إن عامل حمص قد هلك وكان من أهل الخير، وأهل الخير قليل وقد رجوت أن تكون منهم، وفي نفسي منك شئ لم أره منك وأعياني ذلك فما رأيك بالعمل لي؟ قال ابن عباس فقلت: لن أعمل لك حتى تخبرني بالذي في نفسك؟ قال عمر ما تريد إلى ذلك؟ قال ابن عباس فقلت: أريده فإن كان شئ أخاف منه على نفسي خشيت منه عليها الذي خشيت، وإن كنت بريئاً من مثله علمت أني لست من أهله فقبلت عملك هنالك، فإني قلما رأيتك طلبت شيئاً إلا عاجلته! فقال عمر: يا بن عباس إني خشيت أن يأتي الذي هو آت (الموت) وأنت في عملك فتقول هلم إلينا ولا هلم إليكم دون غيركم!
فمن حرص عمر على مصلحة المسلمين وكراهيته المطلقة لرئاسة آل محمد يريد حتى بعد وفاته أن يتأكد بأنه لا يوجد في ولايات الدولة ولا أعمالها رجل واحد يؤيد حق آل محمد بالرئاسة! وهو يثق بمعاوية ويثق بكل ولاته لأنه وإياهم على خط واحد، ولهم هدف واحد وهو الحيلولة بين آل محمد وبين الرئاسة العامة للأمة، لأن ذلك النفر لا يرون أنه ليس للأمة مصلحة في رئاسة آل محمد، بل المصلحة كل المصلحة بإبعاد آل محمد عن حقهم برئاسة الأمة، وإبعاد أولياء آل محمد عن الولايات والإمارات والأعمال والوظائف العامة حتى لايوطدوا لآل محمد!
لهذه الأسباب هان على ذلك النفر تجاهل سنة الرسول، وكافة الترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم أو بمن يخلف الرسول، وأقنعوا أنفسهم بأن الترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول في هذا المجال ليست في مصلحة الإسلام ولا في مصلحة المسلمين! ومع الأيام أقنعوا الأكثرية التي حكموها بذلك! إن هذا لهو البلاء المبين! »
< صفحة > 501 < / صفحة >
أقول: واستمر هذا البلاء المبين على الشيعة في كل العصور، واضطهدوهم أشد اضطهاد، وما زالت الحكومات على دين قريش تضطهدهم وتقتلهم في البلاد!
الإختراع القرشي الكافر قولهم للنبي صلى الله عليه وآله : أمنك هذا أم من الله؟
أعجب قريشاً القرآن ومشروع نبوة محمد القرشي، لكن القاعدة عندهم أن كل مدح صدر منه صلى الله عليه وآله لعترته وأسرته بني هاشم فهو منه وليس من الله!
وكل ذم صدر منه لرؤساء بطون قريش فهو منه وليس من الله!
وقالوا كان يلعنهم في خطبه ويقنت بلعنهم في صلاته فنزل جبرئيل وأمسك بيده وقال له: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيئٌ! إن الله لم يبعثك سباباً ولا فحاشاً!
قال البيهقي في سننه(2/210): (عن خالد بن أبي عمران قال: بينا رسول الله يدعو على مضر(قريش) إذ جاءه جبرئيل فأومأ إليه أن اسكت فسكت فقال: يا محمد إن الله لم يبعثك سَبَّاباً ولا لَعَّاناً! وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذاباً، لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيئٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ. ثم علمه هذا القنوت: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع ونترك من يكفرك. اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ونخشى عذابك ونخاف عذابك الجد، إن عذابك بالكافرين ملحق. ثم قال البيهقي: هذا مرسل وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيحاً موصولاً)!
أقول: اخترع عمر هاتين السورتين وكان يصلي بهما، كما وثقناه في تدوين القرآن.
ثم وضعوا على لسان النبي صلى الله عليه وآله أحاديث يعترف فيها بخطئه ويتوب من لعن زعماء قريش! ويدعو الله تعالى أن يجعل لعنته على من لعنه أو سبه أو آذاه (صلاة وقربة، زكاة وأجراً، زكاة ورحمة، كفارة له يوم القيامة، صلاة وزكاة وقربة تقربه بها يوم القيامة، مغفرة وعافية وكذا وكذا.. بركة ورحمة ومغفرة وصلاة، فإنهم أهلي وأنا لهم ناصح) على حد تعبير رواياتهم!
فقد روى ذلك بخاري(7/157) وفيه: اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة. وفصلها مسلم(8/26) وفيه: اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه، فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة
< صفحة > 502 < / صفحة >
تقربه بها إليك يوم القيامة). وروى مسلم سبع روايات من هذا النوع. وأحمد : 2 / 390 و 488 و 496 و : 3 / 384
و : 5 / 437 و 439 و : 6 / 45 والدارمي : 2 / 314 والبيهقي : 7 / 60.. الخ.
وكلها تصور النبي صلى الله عليه وآله جالساً على كرسي الإعتراف بأنه سَبَّابٌ لَعَّانٌ فَحَّاش مؤذٍ للناس، يُهينهم، ويضربهم بالسوط! وأنه تاب ودعا لمن ظلمهم من الفراعنة والأبالسة، بهذا الخير الطويل العريض!
أما بخاري فعقد في صحيحه أربعة أبواب! روى فيها أن الله رد لعن نبيه على المشركين والمنافقين، ولم يسم بخاري الملعونين في أكثرها حفظاً لكرامتهم! قال في(5/35): (باب: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيئٌ.. قال حميد وثابت عن أنس: شُجَّ النبي يوم أحد فقال كيف يفلح قوم شجوا نبيهم؟ فنزلت: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيئٌ. عن سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة من الفجر يقول: اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، فأنزل الله عز وجل: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيئٌ، إلى قوله فإنهم ظالمون).
ثم أورد بخاري رواية أخرى تجعل فلاناً وفلاناً الملعونين أحياء من قبائل العرب وليسوا زعماء قريش! قال : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف، يجهر بذلك. وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر : اللهم العن فلاناً وفلاناً لأحياء من العرب حتى أنزل الله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيئٌ.. الآية).
وقال بخاري في(8/155): (باب قول الله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيئٌ. عن ابن عمر أنه سمع النبي يقول في صلاة الفجر رفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا ولك الحمد في الأخيرة، ثم قال: اللهم العن فلاناً وفلاناً، فأنزل الله عز وجل: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيئٌ).
أقول: فالقرشيون حتى المسلمون منهم يرون أن لعن النبي صلى الله عليه وآله لزعماء المشركين وفراعنتهم وطغاتهم كان من عنده، وأن الله تعالى خطَّأه ووبَّخه فتاب، وحكم الله لهم جميعاً بالجنة!
وقد روى الذهبي (ميزان الإعتدال:3/355)قاعدة عمر في نجاة القرشيين جميعاً يوم القيامة! قال:(سمعت رسول الله يقول:سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له)!
< صفحة > 503 < / صفحة >
والنبي صلى الله عليه وآله يقصد آل محمد صلى الله عليه وآله ، وعمر يقصد زعماء قريش! راجع: الدر المنثور:5/251،
الترمذي:5/298، الحاكم:3 /129، مجمع الزوائد:1/108).
أقول: كذلك كفروا بمدحه صلى الله عليه وآله لبني هاشم وعترته، فزعموا أنه من عنده!
فعندما كان يمدح فاطمة عليها السلام ويقول هي سيدة نساء أهل الجنة، ويمدح الحسن والحسين عليهما السلام ويقول: هما سيدا شباب أهل الجنة، وعندما أخذ بيد علي عليه السلام في يوم غدير خم وأعلنه خليفته وقال: من كنت مولاه فهذا مولاه، كانت قريش تقول: إنه يحابي عترته، يرفع بضبع ابن عمه، وقالوا ما يزال يرفع خسيسة ابن عمه، يريد أن يحمل بني هاشم على رقابنا!
وجاء مبعوثهم جابر بن النضر العبدري من بني عبد الدار من مكة الى المدينة بعد إعلان الغدير في حديث صحيح، رواه من أئمة السنيين أبو عبيد الهروي في كتابه: غريب القرآن، قال: «لما بَلَّغَ رسول بغدير خم ما بَلَّغ وشاع ذلك في البلاد أتى جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري فقال: يا محمد! أمرتنا عن الله بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وبالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، فقبلنا منك! ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه! فهذا شيئ منك أم من الله؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي لا إله إلا هو إن هذا إلا من الله! فولى جابر يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ! فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله، وأنزل الله لرسوله:إقرأ: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ..الآية».
ظلامة قريش ما زالت فاعلة الى اليوم!
ألف المحامي الأردني أحمد حسين يعقوب كتاب: المواجهة مع النبي وآله. ويقصد مواجهة قريش للنبي صلى الله عليه وآله في حياته وبعد وفاته. وكتبت أنا: رسالة في صراع قريش مع النبي وآله صلى الله عليه وآله في حياته وبعد وفاته. وهو سياق يساعد على معرفة معالم السيرة النبوية، وفهم خطب النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع، ومنها بشارته بالأئمة الإثني عشر عليهم السلام ،وخطبة الغدير التي أعلن فيها ولاية علي عليه السلام على الأمة.
كما أنه يكشف منهج قريش في تكبرها وإصرارها على الباطل ، من فجر الإسلام وفي حياة
< صفحة > 504 < / صفحة >
النبي صلى الله عليه وآله ، وقد تمثل ذلك في بني أمية وامتد الى يومنا!
أول دعوى عالمية يوم القيامة دعوى النبي وعلي صلى الله عليه وآله ضد قريش!
علي عليه السلام أول مظلوم يفتح ملفه يوم الحساب، كما روت أصح كتب مخالفيه: (أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمان يوم القيامة)! (صحيح بخاري: 5/6).
وأول خصومة في محكمة القيامة تعني أهم دعوى في جريمة على مستوى البشرية، وعلي عليه السلام هو المدعي فيها نيابة عن النبي صلى الله عليه وآله وأصالة عن نفسه، والمدعى عليه القرشيون أصحاب الفعاليات الخبيثة ضد النبي صلى الله عليه وآله وعلي.
من الذي سيحضر من قريش للخصومة يوم القيامة؟
والسؤال: عندما يجثو علي عليه السلام بين يدي الله تعالى ويقدم شكواه على قريش، فمن هم خصومه الذين سيحضرهم الله تعالى؟
والجواب: أنهم الموقعون على صحيفة المقاطعة من قريش، وعددهم أربعون شيخ قبيلة وشخصية، كما تقدم في فصل الصحيفتين.
ثم الموقعون على الصحيفة الملعونة الثانية وعددهم كما روى الإمام الباقر عن أبيه زين العابدين عليهما السلام أربعة، قال الباقر عليه السلام :(دخلت مع أبي الكعبة فصلى على الرخامة الحمراء بين العمودين فقال: في هذا الموضع تعاقد القوم إن مات رسول الله صلى الله عليه وآله أو قتل ألا يردوا هذا الأمر في أحد من أهل بيته أبداً! قال قلت: ومن كانوا؟ قال: كان الأول والثاني، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم ابن الحبيبة »!
ثم عدلوا نص الصحيفة في المدينة وأعطوها الى أبي عبيدة ليرسلها الى مكة ويجعلها بدل تلك، كما في رواية حذيفة، وأشهدوا عليها أربعة عشر رجلاً أصحاب العقبة، وعشرين رجلاً غيرهم: وهم سعيد بن العاص الأموي، وأسامة بن زيد، والوليد بن أبي ربيعة، وسعيد بن زيد بن نفيل، وأبو سفيان بن حرب، وسفيان بن أمية، وأبو حذيفة بن عتبة، ومعاذ بن جبل، وبشير بن أبي سعيد الأنصاري، وسهل بن عمر، وحكيم بن حزام الأسدي، وصهيب بن سنان الرومي، والعباس بن مرداس السلمي، وأبو مطيع بن أسد العبدي، وقعد ابن عمر، وسالم مولى أبي
< صفحة > 505 < / صفحة >
حذيفة، وسعيد بن مالك، وخالد بن عرفطة، ومروان بن الحكم، والأشعث بن قيس.
قال حذيفة: حدثتني أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر أن القوم اجتمعوا في دار أبي بكر، فتوامروا في ذلك، وأسماء تسمع جميع كلامهم، فأمروا سعيد بن العاص أن يكتب على اتفاق منهم).
ومع الأربعين في صحيفة المقاطعة يكون المجموع ثمانية وسبعين رجلاً، فهؤلاء الخصوم الأساسيون للنبي صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام من قريش!
وهم المؤسسون لظلامة النبي صلى الله عليه وآله وعترته عليهم السلام وظلامة الإسلام، ولا بد أن يضاف اليهم غيرهم من أدواتهم وأتباعم في عصرهم وفي الأجيال اللاحقة.
- *
الظلامة الثانية: إضلال الذين يهتدون على يد النبي صلى الله عليه وآله
- قانون هداية النبي صلى الله عليه وآله الناس، يقابله قانون إضلال الناس
قال الله تعالى عن نموذج منها: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً. لَقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِى وَكَانَ الشَّيْطَانُ للَّإِنْسَانِ خَذُولاً. وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا. وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا. فكل نبي له عدو مجرم يعمل لإضلال من يهديهم. وكل رسول له أكثر من عدو. وسيد المرسلين صلى الله عليه وآله صاحب الهداية العظيمة له عدد كبير من الأعداء المضلين!
وقد أجاب الله تعالى في بقية الآية عن سؤال يأتي الى الذهن: مادام مع كل نبي عدوٌّ مجرمٌ مضلٌّ، فمن سيهتدي وكيف سينتصر المؤمنون؟
فقال: وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا. ومعناه أن هذا الإمتحان والفتنة يبقى معها هامش للفعل الرباني في هداية المؤمنين وثباتهم على الهداية وانتصارهم .
وقد حاول مفسرو السلطة أن يبعدوا الأعداء المجرمين والذين اتخذوا القرآن مهجوراً عن الصحابة، ويجعلوهم المشركين، لكن يردهم ما رواه البخاري (8/121): (أن النبي قال: ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى). والبطانة الأصحاب الخاصون.
< صفحة > 506 < / صفحة >
كما يرده قوله تعالى في فتنة المؤمنين: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الله الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ.
فهي تنص على فتنة المؤمنين بعد إيمانهم، فقوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ، يختص بالمجرمين من بطانته الشريرة، أو يشملهم.
وهنا قد تقول: ألا يجب على النبي أن يكشف هؤلاء المضلين ويحذر منهم؟
والجواب: المصلحة أن لايبينهم بصراحة، لتبقى حرية الإهتداء والضلال متكافئة، كقوله تعالى: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى.
فلوكانت أخفى أو أوضح مما هي الآن لم يتم قانون: لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى. فيجب أن تكون خفية في وضوح واضحة في خفاء. وأن يكون المضلون العاملون مع الأنبياء عليهم السلام خافين في وضوح واضحين في خفاء! ليتم الإمتحان بمعرفتهم، كالإمتحان بإضلالهم.
2.قانون الهداية والضلال قانون رباني فعال في كل العصور وكل الناس، وعناصرالهداية والضلال متكافئة، والإنسان هو الذي يقوي هذه أو هذه، فيهتدي أو يضل.والمجرمون المضلون كانوا في حياة النبي صلى الله عليه وآله ، وهم في كل عصر يعملون بنشاط في إضلال الناس عن الحق!
لقد قضى الله تعالى أن يكون الصراع بين الخير والشر فاعلاً في داخل الإنسان بين فجوره وتقواه، وبينه وبين الناس، وبين الناس والفئات والدول، فهو الطريق الوحيد لصهر الإنسان وبلورته، وإظهار تبره من ترابه! - كان الصحابي أبيُّ بن كعب يتأوه من إضلال أمة النبي صلى الله عليه وآله من جماعة اتفقوا فيما بينهم وتعاقدوا! قال:(ألا هلك أهل العقدة والله ما آسى عليهم، إنما آسى على من يضلون من الناس! فقيل له:ياصاحب رسول الله من هؤلاء أهل العقدة وما عقدتهم؟فقال: قوم تعاقدوا بينهم إن مات رسول الله لم يورثوا أحداً من أهل بيته ولا يولوهم مقامه! أما والله لئن عشت إلى يوم الجمعة لأقومن فيهم مقاماً أبين به للناس أمرهم! قال:فما أتت عليه الجمعة)!
وتقدم حديث أبيّ بن كعب في فصل الصحيفة الملعونة!
- *
< صفحة > 507 < / صفحة >
الظلامة الثالثة: رفعوا رؤساء قريش الى مستوى النبي صلى الله عليه وآله وأعظم!
رأى القرشيون أنهم بحاجة الى أن يرفعوا مقام قادتهم، فأعطوهم صفات عالية وجعلوا لهم مناقب تضعهم في مستوى النبي صلى الله عليه وآله ! وأحياناً أفضل منه! وطبيعي أن يكون حظ عمر أوفر من غيره لأنه القائد الذي اختاره زعماء البطون وقدموه ليواجه النبي صلى الله عليه وآله ويقول له: لا نريد وصيتك، حسبنا كتاب الله، ويقول للناس إن نبيكم يهجر فاستفهموه لأريكم أنه يهجر ويهذي! فصاح الطلقاء:القول ماقاله عمر، لانريد أن يكتب وصية!
وبعد انتصارهم على النبي صلى الله عليه وآله جعلوا عمر في صف النبي صلى الله عليه وآله ! فقالوا: إنه كان مرشحاً للنبوة وإن النبي صلى الله عليه وآله قال: لو لم أبعث لبعث عمر! وقال: ما تأخر الوحي عليَّ إلا ظننت أنه نزل على ابن الخطاب!
وجعلوه محدَّثاً تحدثه الملائكة، وينطق مَلَكٌ على لسانه فلايقول إلا الحق حتى في غضبه! بينما قال النبي صلى الله عليه وآله إنه بشريغضب كما يغضب البشر!
وقالوا: إن النبي دعا ربه أن يعز الإسلام بعمر، وكان قبله ذليلاً فعزَّ به.
وقالوا: إن عمر كان يقترح على النبي صلى الله عليه وآله الأمر فينزل الوحي بما قاله، وقد يكون مخالفاً لقول النبي صلى الله عليه وآله ، وقد بلغت موافقات الله لعمر 27 موافقة، ونظموا فيها القصائد، وألفوا الكتب!
وقالوا: إن النبي أُتِيَ في منامه بكأس العلم فشرب منه وسقى الباقي لعمر!
وزايدوا على النبي صلى الله عليه وآله فقالوا إن عمرمعصوم عصمة أفضل من عصمة النبي، لأن الشيطان يهرب من عمر ولايهرب من النبي صلى الله عليه وآله فقد جاءه في صلاته وصارعه مدة حتى أمسكه! بينما لايجرؤ أن يأتي الى عمر، بل يهرب منه، فإذا سلك عمر فجاً سلك الشيطان فجاً آخر!
وقال ابن حجر في شرح البخاري(7/38): « فيه فضيلة عظيمة لعمر، تقتضي أن الشيطان لا سبيل له عليه. وقبل ابن حجر رواية أن الشيطان يخرُّ لوجهه إذا لقي عمر!
وتحايل في التأويل فقال هي عصمة جائزة، وعصمة النبي صلى الله عليه وآله واجبة! ولا مانع أن تكون العصمة الجائزة لغير النبي أفضل من عصمته! لأن النبي صلى الله عليه وآله كما قال الألباني وابن القيم في زاد المعاد(1/268):«كان يصلي فجاءه الشيطان ليقطع عليه صلاته، فأخذه فخنقه حتى سال
< صفحة > 508 < / صفحة >
لعابه على يده»!
فعصمة عمر أعلى من عصمة النبي صلى الله عليه وآله لأنها عصمة جائزة، وعصمة النبي صلى الله عليه وآله عصمة واجبة دونها بدرجة! وقد فصلناه ووثقناه في ألف سؤال وإشكال(3/449).
- *
الظلامة الرابعة: الحط والتنقيص من مقام النبي صلى الله عليه وآله
وقد بدؤوا بالحط من مقام عترته صلى الله عليه وآله فأنكروا مناقبهم، واشتغل رواة الحكومة بذلك، فزعموا أن علياً كان مكروهاً ثقيلاً على النبي صلى الله عليه وآله !
ثم تعدى ذلك من العترة النبوية الى نفس النبي صلى الله عليه وآله فكذبوا عليه وافتروا!
وقد كتبنا في ألف سؤال وإشكال(2/176): (البخاري نموذجاً للطعن في عصمة نبينا صلى الله عليه وآله والإنتقاص من مقامه! علماً بأنه يوجد أضعافه في مصادرهم!
فقد بدأ البخاري كتابه عن بدء الوحي بفرية قرشية تقول إن النبي صلى الله عليه وآله من الأساس لم يكن على يقين من نبوته بل كان في شك وحيرة! حتى طمأنه قسيس نصراني، ثم تأخرعليه الوحي فعاد اليه الشك وقرر أن ينتحر!
ثم زعم البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله غيرمعصوم حتى في تبليغ رسالة ربه، فقد غلبه الشيطان فخان الرسالة وغيَّر القرآن، وكفر ومدح أصنام قريش وقال: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترجى! وسجد لها هو والمشركون، وكان بعض زعماء قريش مسناً فرفع الحصى بيده وسجد عليه!
ثم زعم ثالثاً، أن نبينا صلى الله عليه وآله ليس أفضل من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام ! فموسى على عيوبه ومعاصيه! أفضل منه، ويونس على تركه لقومه ومغاضبته خير منه، وعيسى خير منه ومن جميع الأنبياء عليهم السلام !
وزعم رابعاً، أن نبينا صلى الله عليه وآله عصبي المزاج سئ الأخلاق مع المسلمين، غير مسدد في منطقه، وأنه ينطق عن الهوى ويسب ويشتم ويلعن بغير حق! ويؤذي ويجلد الناس ظلماً وعدواناً! ولذلك تاب ودعا لمن لعنهم!
< صفحة > 509 < / صفحة >
وزعم خامساً، أن النبي صلى الله عليه وآله ساذج ضعيف الشخصية والتدبير، يقع في أخطاء فظيعة، فيصححها له عمر، وينزل الوحي موبخاً له مؤيداً لعمر!
وزعم سادساً، أن النبي صلى الله عليه وآله ظالم لقومه، فقد ظلمهم في بدر وأخذ منهم أسارى بغير حق، وأخذ من الأسرى فدية مقابل إطلاقهم، فعاقبه الله بهزيمته، وجرحه وكسر أسنانه في أحد!
وزعم سابعاً، أن النبي صلى الله عليه وآله غير مسدد في قضائه بين المسلمين، فقد يقضي لشخص بالباطل لأنه حاذق في كلامه!
وزعم ثامناً، أن النبي صلى الله عليه وآله ينهى عن الأمر ويرتكبه هو، فقد نهى المسلمين عن التمني وقول (لو) لكنه تمنى وقالها مرات!
وزعم تاسعاً، أن النبي صلى الله عليه وآله صاحب ذهن مشوش ينسى كثيراً، فقد نسي أنه جُنُب فلم يغتسل وبدأ في صلاته! كما نقص ركعات الصلاة وأخطأ في قراءة القرآن في صلاته، فصحح له بدوي!
وزعم عاشراً، أن النبي صلى الله عليه وآله غلب عليه المرض في آخر حياته فأخذ يهذي، وطلب من المسلمين أن يأتوه بدواة وقرطاس ليكتب لهم كتاباً يؤمِّنهم من الضلال، فرفض ذلك عمر وقال نبيكم غلب عليه الوجع، وأيده أكثر الحاضرين، ومنعوه من كتابة ذلك العهد!
وحادي عشر، قالت عائشة إن النبي صلى الله عليه وآله سُحِرَ ففقد ذاكرته وبقيستة أشهر مسحوراً، يخيَّلُ إليه أنه فعل الشئ ولم يفعله، وأنه أتى زوجته ولم يأتها!
وقد فصلنا ذلك في كتاب: الماء الجاري في غسل البخاري.
- *
< صفحة > 510 < / صفحة >
الفصل الأربعون : أحقاد قريش وبغضها لبني هاشم !
الفصل الأربعون
أحقاد قريش وبغضها لبني هاشم !
التعصب المذموم باطنه التكبر
كان التعصب للقبيلة حتى بالباطل هو الثقافة السائدة عند بعثة النبي صلى الله عليه وآله لذلك واجه النبي صلى الله عليه وآله التعصب القرشي والبغض والحقد عليه وعلى بني هاشم، لمجرد ادعائه النبوة، وحكمهم عليه بالقتل قبل أن يسمعوا منه!
وقد عقد الكليني قدس سره باباً في الكافي(2/307) بعنوان: باب العصبية، روى فيه قول النبي صلى الله عليه وآله : من تعصب أو تعصب له فقد خلع ربق الإيمان من عنقه. وقوله صلى الله عليه وآله : من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهلية).
أما التعصب الممدوح فهو التعصب للمظلوم والتعصب للحق، فقد روى الكليني في نفس الباب قول الإمام السجاد عليه السلام :العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم).
وقد بين أمير المؤمنين عليه السلام أن التكبر هو الباعث الحقيقي على التعصب، فالتكبر أدنى درجات الإلحاد. قال عليه السلام (نهج البلاغة :2/137):(الحمد لله الذي لبس العز والكبرياء واختارهما لنفسه دون خلقه، وجعلهما حمىً وحرماً على غيره، واصطفاهما لجلاله، وجعل اللعنة على من نازعه فيهما من عباده، ثم اختبر بذلك ملائكته المقربين ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين فقال سبحانه وهوالعالم بمضمرات القلوب ومحجوبات الغيوب: إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ
< صفحة > 511 < / صفحة >
مَسْنُونٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ. فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ اعترضته الحمية فافتخر على آدم بخلقه، وتعصب عليه لأصله، فعدوُّ الله إمام المتعصبين، وسلف المستكبرين، الذي وضع أساس العصبية، ونازع الله رداء الجبرية، وادرع لباس التعزز، وخلع قناع التذلل. ألا ترون كيف صغره الله بتكبره، ووضعه بترفعه فجعله في الدنيا مدحوراً، وأعد له في الآخرة سعيراً).
التعصب الممدوح مقدس وباطنه نصرة الحق
كان النبي صلى الله عليه وآله متعصباً لنبوته، ومتعصباً لنفسه، ومتعصباً للمؤمنين، ومتعصباً لأسرته بني هاشم، كل ذلك بأمر ربه، وكله تعصب ممدوح.
وتعصب المسلمين للنبي صلى الله عليه وآله واجب، ففي تفسير الإمام العسكري عليه السلام /461، أن عبد الله بن سلام اليهودي لما أسلم قال لرسول الله صلى الله عليه وآله : قد تمت الحجج وانزاحت العلل، وانقطعت المعاذير، فلا عذر لي إن تأخرت عنك، ولا خير فيَّ إن تركت التعصب لك).
فالتعصب للنبي صلى الله عليه وآله مقدس لأنه تعصب للحق. وكذا للأئمة من عترته عليهم السلام .
في الإحتجاج (1/12) أن الإمام الرضا عليه السلام قال: (أفضل ما يقدمه العالم من محبينا وموالينا أمامه ليوم فقره وفاقته وذله ومسكنته، أن يغيث في الدنيا مسكيناً من محبينا، من يد ناصبٍ عدو لله ولرسوله صلى الله عليه وآله . يقوم من قبره والملائكة صفوف من شفير قبره إلى موضع محله من جنان الله، فيحملونه على أجنحتهم يقولون له: مرحباً، طوباك طوباك يا دافع الكلاب عن الأبرار ويا أيها المتعصب للأئمة الأخيار).
أقول: تمدح الملائكة هذا العالِم المدافع عن أهل البيت عليهم السلام بأنه متعصب للأئمة من عترة النبي صلى الله عليه وآله . فهو تعصب ممدوح وليس مذموماً، لأنه دفاع عن خير الخلق محمد وعترته الأئمة الأخيار الأطهار المظلومين، صلوات الله عليهم!
وفي ذوب النضار لابن نما /97، أن زين العابدين عليه السلام قال لعمه محمد بن الحنفية، في موقفه من ثورة المختار: (يا عم، لو أن عبداً زنجياً تعصب لنا أهل البيت، لوجب على الناس مؤازرته، وقد وليتك هذا الأمر فاصنع ما شئت).
< صفحة > 512 < / صفحة >
وقال المجلسي(البحار:70/284):(وأما التعصب في دين الحق والرسوخ فيه والحماية له، وكذا في المسائل اليقينية والأعمال الدينية أو حماية أهله أو عشيرته بدفع الظلم عنهم فليس من الحمية والعصبية المذمومة، بل بعضه واجب).
التعصب القومي المذموم والممدوح
طور أمير المؤمنين عليه السلام التعصب القومي فقال للعرب (نهج البلاغة:2/150): (ولقد نظرت فما وجدت أحداً من العالمين يتعصب لشئ من الأشياء إلا عن علة تحتمل تمويه الجهلاء، أو حجة تليط بعقول السفهاء، غيركم، فإنكم تتعصبون لأمر لايعرف له سبب ولا علة، أي للقبيلة حتى بالباطل.
أما إبليس فتعصب على آدم لأصله، وطعن عليه في خلقته فقال: أنا ناري وأنت طيني. وأما الأغنياء من مترفة الأمم فتعصبوا لآثار مواقع النعم. فقالوا: نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين.
فإن كان لا بد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال ومحامد الأفعال، ومحاسن الأمور، التي تفاضلت فيها المجداء والنجداء من بيوتات العرب ويعاسيب القبائل، بالأخلاق الرغيبة، والأحلام العظيمة، والأخطار الجليلة، والآثار المحمودة. فتعصبوا لخلال الحمد من الحفظ للجوار، والوفاء بالذمام، والطاعة للبر، والمعصية للكبر، والأخذ بالفضل، والكف عن البغي، والإعظام للقتل، والإنصاف للخلق، والكظم للغيظ، واجتناب الفساد في الأرض. واحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات بسوء الأفعال وذميم الأعمال، فتذكروا في الخير والشر أحوالهم).
كانت قبائل قريش تبغض بني هاشم وتتعصب ضدهم
كان هاشم رضي الله عنه محسوداً من ابن أخيه أمية وكافة قريش، فنافره أمية، أي طلبه للمباراة أيهما أفضل، وأن يحكم بينهما حكَم.
قال البلاذري في أنساب الأشراف (1/61): (كان أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ذا مال، فتكلف أن يفعل كما فعل هاشم في إطعام قريش، فعجز عن ذلك، فشمت به ناس من قريش وعابوه لتقصيره فغضب، ونافر هاشماً على خمسين ناقة سود الحدق تنحر بمكة، وعلى الجلاء عشر سنين، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي وهو جد عمرو بن الحمق وكان منزله عسفان.
< صفحة > 513 < / صفحة >
وكان مع أمية أبو همهمة بن عبد العزى الفهري، وكانت ابنته عند أمية. فقال الكاهن: والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر، وما اهتدى بعلم مسافر، في منجد وغائر، لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر، أول منها وآخر، وأبو همهمة بذلك خابر.
فأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعم لحمها من حضر، وخرج أمية إلى الشأم فأقام بها عشر سنين ، فتلك أول عداوة وقعت بين هاشم وأمية).
وقال المقريزي في النزاع والتخاصم بين بني أمية وبني هاشم/63:
(أقول:هذا رسول الله صلى الله عليه وآله قد أبعد بني أمية عنه وأخرجهم من ذوي قرباه! كما خرجه الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في كتاب فرض الخمس من الجامع الصحيح، فقال: حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سعيد ابن المسيب، عن جبير بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقلنا: يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنما بنو المطلب وبنو هاشم شئ وا حد. وقال الليث: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وآله لبني عبد شمس ولا لبني نوفل).
حسدوا عبد المطلب فتحالفوا ضده!
قال اليعقوبي في تاريخه (1/248): (ولما رأت قريش أن عبد المطلب قد حاز الفخر، طلبت أن يحالف بعضها بعضاً ليعزُّوا، وكان أول من طلب ذلك بنو عبد الدار لما رأت حال عبد المطلب، فمشت بنو عبد الدار إلى بني سهم فقالوا: إمنعونا من بني عبد مناف.. فتطيب بنو عبد مناف، وأسد، وزهرة، وبنو تيم، وبنو الحارث بن فهر، فسموا حلف المطيبين. فلما سمعت بذلك بنو سهم ذبحوا بقرةً وقالوا: من أدخل يده في دمها ولعق منه، فهو منا! فأدخلت أيديها بنو سهم وبنو عبد الدار وبنو جمح وبنو عدي وبنو مخزوم، فسموا اللعقة. وكان تحالف المطيبين ألا يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضاً).
وسماه عبد المطلب حلف الفضول ليكون امتداداً لحلف قديم لأبناء إسماعيل عليه السلام وأخوالهم من جرهم لحماية البيت ومنع الظلم فيه، يقال لهم: الفضل بن الحارث والفضيل بن وداعة والفضيل بن فضالة). (سنن البيهقي: 6 /367، وفتح الباري:4 /387، والمجموع:1/384، والفائق:2 /312).
< صفحة > 514 < / صفحة >
بغض القرشيين الذين أسلموا لبني هاشم!
قال عثمان لعلي عليه السلام : (ما أصنع إن كانت قريش لاتحبكم، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين، كأن وجوههم شنوف الذهب، تشرب أنوفهم قبل شفاههم)! يقصد أن قتلى بدر المشركين وجوههم جميلة كأقراط الذهب، وأنوفهم طويلة جميلة.
(نثر الدرر/259، وتذكرة ابن حمدون /1567، وشرح النهج(9 /22)والمناقب(3 /21).
وقد أخذ عثمان صفات بني عبد المطلب فنسبها لقتلى بدر!
قال ابن سعد (1/94): (فلم يكن في العرب بنو أب مثل بني عبد المطلب أشرف منهم ولا أجسم! شُمُّ العرانين تشرب أنوفهم قبل شفاههم). (وتاريخ دمشق: 3 /116، والمنمق/35).
وكان الأولى بعثمان أن يشكر النبي صلى الله عليه وآله وعلياً عليه السلام على قتلهم مشركي بدر لأنهم بذلك أسسوا دولة يحكمها عثمان، لكن قريشاً تريد دولة النبي صلى الله عليه وآله وتريد الثأر لمن قتلهم لتأسيسها!
فلايمكن للبطون أن تحب بني هاشم أبداً، لأنهم قتلوا ساداتها يوم بدر!
فهي صاحبة ثأر عند النبي صلى الله عليه وآله وعند علي عليه السلام وبني هاشم، إلى يوم القيامة!
- *
ثم تأمل قول عمر لابن عباس: (فقال: يا ابن عباس، أتدري ما منع الناس منكم؟ قال لا يا أمير المؤمنين. قال:لكني أدري. قال: ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة فتُجخفوا جَخْفاً (تتكبروا) فنظرت قريش لنفسها فاختارت، ووفقت فأصابت! فقال ابن عباس: أيميط أمير المؤمنين عني غضبه فيسمع، قال قل ما تشاء: قال أما قول أمير المؤمنين: إن قريشاً كرهت، فإن الله تعالى قال لقوم: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ الله فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ.
وأما قولك: إنا كنا نجخف، فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة، ولكنا قوم أخلاقنا مشتقة من خلق رسول الله صلى الله عليه وآله الذي قال الله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ. وقال له: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
وأما قولك فإن قريشاً اختارت، فإن الله تعالى يقول: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ. وقد علمت يا أمير المؤمنين أن الله اختار من خلقه لذلك من اختار، فلو نظرت قريش
< صفحة > 515 < / صفحة >
من حيث نظرالله لها لوفقت وأصابت قريش.
فقال عمر: على رسلك يا ابن عباس أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشاً في أمر قريش لا يزول، وحقداً عليها لا يحول!
فقال ابن عباس: مهلاً يا أمير المؤمنين!لاتنسب هاشماً إلى الغش فإن قلوبهم من قلب رسول الله صلى الله عليه وآله الذي طهره الله وزكاه، وهم أهل البيت الذين قال الله لهم: إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا.
وأما قولك حقداً فكيف لايحقد من غصب شيئه ويراه في يد غيره)! (شرح النهج (12/53). - *
ورووا أن خالة معاوية كانت تردد كلام عثمان في وجه زوجها عقيل بن أبي طالب! فكانت تقول له كما في غريب الحديث للحربي(1/208): (لا يحبكم قلبي يا بني هاشم أبداً! أين أخي، أين عمي، أين فلان أين فلان! كأن أعناقهم أباريق الفضة، ترد أنوفهم قبل شفاههم!)
وقال القرطبي في تفسيره (5/176): (دخل عليها يوماً وهو برمٌ فقالت له: أين عتبة بن ربيعة؟ فقال: على يسارك في النار إذا دخلت! فنشرت عليها ثيابها فجاءت عثمان فذكرت له ذلك، فأرسل ابن عباس ومعاوية فقال ابن عباس: لأفرقنَّ بينهما وقال معاوية: ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف. فأتياهما فوجداهما قد سدَّا عليهما أبوابهما وأصلحا أمرهما)! - *
لما تولى عثمان الخلافة فرح أبو سفيان وقال: تلقفوها يا بني أمية تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا قيامة! (الإستيعاب:4/ 1679).
وكان أبو سفيان أعمى وعمره 93 سنة كما قال البلاذري، فطلب أن يقودوه إلى قبر حمزة حتى إذا لمس القبر بيده ركله برجله وقال: يا أبا عمارة! إن الأمر الذي اجتلدنا عليه أمس صار في يد غلماننا يتلعَّبون به)! (شرح النهج:4/51). فلا تستبعد أبداً أن يكون أبو سفيان وقف على قبر النبي صلى الله عليه وآله وقال له شبيهاً بما قاله لحمزة رضي الله عنه!
< صفحة > 516 < / صفحة >
التعصب الواجب والمقدس
يسمى التعصب في اللغة العربية، الحمية، والمذموم منها حمية الجاهلية، والممدوح حمية الدين والحق، وحمية للنبي صلى الله عليه وآله وتعصبه وغيرته لربه عز وجل، ولنبوته، ولشخصه، ولعترته، وللمؤمنين. وكله واجب ومقدس.
وقد عقدنا فصلاً لغضب النبي صلى الله عليه وآله وأوردنا فيه أكثر من عشرين مورداً، غضب فيها النبي صلى الله عليه وآله لربه ونفسه وعترته والمؤمنين، وتعصب لهم.
أهدر النبي صلى الله عليه وآله دم أناس هجوه
فعندما فتح مكة أصدر أمره بقتل بضعة أشخاص كانوا ناشطين في عداء الإسلام، وقيل عشرون، فيهم جاريتان كانتا تتغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وآله .
في مصنف ابن أبي شيبة (8/529): (فأما ابن خطل فوجد متعلقاً بأستار الكعبة فقتل، وأما مقيس بن صبابة فوجدوه بين الصفا والمروة فبادره نفر من بني كعب ليقتلوه، فقال ابن عمه نميلة: خلوا عنه، فوالله لايدنو منه رجل إلا ضربته بسيفي هذا حتى يبرد، فتأخروا عنه فحمل عليه بسيفه ففلق به هامته وكره أن يفخر عليه أحد).
وفي معاني الأخبار/347: (فهرب وهجا النبي صلى الله عليه وآله فقال النبي صلى الله عليه وآله : من وجد عبد الله بن سعد بن أبي سرح ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة فليقتله).
وهذا تعصب من النبي صلى الله عليه وآله لنفسه، لكنه واجب لأنه بأمر ربه عز وجل.
نسج الله ولاية عترة النبي عليه السلام في متن عقيدة الإسلام وشريعته
فقد أوجب لهم حق الموالاة والمودة والطاعة وربطه بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وآله ونسجه في أحكام الشريعة حتى لاتستطيع الأمة أن تنقلب عليه!
وقد أوردنا عدداً من حقوقهم في كتاب ألف سؤال وإشكال(3/9) تحت عنوان: الحقوق التي فرضها الله تعالى لأهل البيت عليهم السلام . لكن ثقافة السلطة القرشية لاتعرف أتباعها من حقوق أهل البيت عليهم السلام إلا وجوب مودتهم التي يفرضها قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ
< صفحة > 517 < / صفحة >
فِي الْقُرْبَى، ووصية النبي صلى الله عليه وآله بهم المتواترة: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي. ثم تفسرذلك بحبهم كما تحب أشخاصاً محترمين! ثم تنصب مقابلهم أشخاصاً ما أنزل الله بهم من سلطان، وتفضلهم عليهم!
ونذكر فيما يلي بعض حقوق أهل البيت عليهم السلام بإيجاز
الحق الأول: الإعتراف بأنهم عليهم السلام ورثة الكتاب الإلهي.
روى ابن شعبة الحراني في تحف العقول/425:« لما حضر علي بن موسى عليه السلام مجلس المأمون وقد اجتمع فيه جماعة علماء أهل العراق وخراسان، فقال المأمون:أخبروني عن معنى هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا.. فقالت العلماء: أراد الله الأمة كلها. فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال الرضا عليه السلام : لا أقول كما قالوا ولكن أقول: أراد الله تبارك وتعالى بذلك العترة الطاهرة. فقال المأمون: وكيف عنى العترة دون الأمة؟ فقال الرضا لنفسه: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ، ثم جعلهم كلهم في الجنة فقال عز وجل: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم!
ثم قال الرضا عليه السلام : هم الذين وصفهم الله في كتابه فقال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً، وهم الذين قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما، يا أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم! قالت العلماء: أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة هم الآل أو غير الآل؟ فقال الرضا عليه السلام : هم الآل. فقالت العلماء: فهذا رسول الله يؤثر عنه أنه قال: أمتي آلي وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبرالمستفيض الذي لايمكن دفعه: آل محمد أمته! فقال الرضا عليه السلام : أخبروني هل تحرم الصدقة على آل محمد؟ قالوا: نعم، قال عليه السلام : فتحرم على الأمة؟ قالوا: لا. قال عليه السلام :هذا فرق بين الآل وبين الأمة، ويحكم أين يذهب بكم، أصرفتم عن الذكر صفحاً أم أنتم قوم مسرفون! أما علمتم أنما وقعت الرواية في الظاهر على المصطفين المهتدين دون سائرهم! قالوا: من أين قلت يا أبا الحسن؟ قال عليه السلام :من قول الله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ، فصارت وراثة النبوة والكتاب في المهتدين
< صفحة > 518 < / صفحة >
دون الفاسقين!
أما علمتم أن نوحاً سأل ربه فقال: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ، وذلك أن الله وعده أن ينجيه وأهله فقال له ربه تبارك وتعالى: يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ! فقال المأمون:فهل فضل الله العترة على سائر الناس؟
فقال الرضا:إن الله العزيز الجبار فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه. قال المأمون: أين ذلك من كتاب الله؟ قال الرضا عليه السلام : في قوله تعالى: إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وقال الله في موضع آخر:أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا،ثم رد المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ، يعني الذين أورثهم الكتاب والحكمة وحسدوهم عليهما بقوله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا، يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين، والملك هاهنا الطاعة لهم).
الحق الثاني: فريضة مودتهم عليهم السلام فقد جعلها الله تعالى أجر رسوله صلى الله عليه وآله على تبليغ الرسالة فريضة على الأمة، فقال تعال: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ.
وهذه الفريضة ميزةٌ لآل النبي صلى الله عليه وآله عن جميع آل الأنبياء وذرياتهم عليهم السلام . وهي أجر على جهود النبي صلى الله عليه وآله في تبليغ الرسالة، وهي ضمانةٌ للأمة من الإنحراف عن رسالة ربها، وضمانةٌ لتحقيق أهدافها.
أما إذا لم يودَّ المسلمون العترة عليهم السلام ولم يطيعوهم، فلا ضمان لهم من الضلال والإنحراف! وهذا صريح قوله صلى الله عليه وآله : ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً!
قال القاضي عياض (الشفا جزء 2/47): « ومن توقيره صلى الله عليه وآله وبرِّه، برُّ آله وذريته وأمهات المؤمنين أزواجه، كما حض عليه وسلكه السلف الصالح قال الله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهلِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً، الآية. وقال تعالى: وأزواجُهُ أمَّهَاتُهُمْ.عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
أنشدكم الله أهل بيتي، ثلاثاً، قلنا لزيد: من أهل بيته؟ قال آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل العباس).
< صفحة > 519 < / صفحة >
الحق الثالث: فرض الله طاعتهم بعد النبي صلى الله عليه وآله قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَئٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تأوِيلاً.
قال الفخر الرازي في تفسيره (10/144): « إعلم أن قوله: وأولي الأمر منكم، يدل عندنا على أن إجماع الأمة حجة، والدليل على ذلك أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوماً عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ. والخطأ لكونه خطأ منهيٌّ عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالإعتبار الواحد وإنه محال!
فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أن كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم، وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ، فثبت قطعاً أن أولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون معصوماً ».
أقول: وصل الرازي الى الحق ثم تعمد الإنحراف عنه فقال إن المعصوم الواجب الطاعة هوالأمة كلها. لكن متى تحصل على إجماع الأمة كلها، إنه محال عرفي، لأنه ينخرم بمخالفة فرد واحد. ومحال أن يأمر الله تعالى بطاعة أمة لا يتحقق إجماعها عادة!
ثم إن لهذا الرأي لوازم باطلة عديدة، منها: أن يكون أولو الأمر نفس المأمورين بالطاعة! ومنها: أن شرط طاعتهم لا يتحقق في أي مسألة مختلف فيها!
ومنها: أن طاعتهم لا ترفع الخلاف، ولا تحقق الغرض من فرضها!
لذلك، لا بد أن يكون المعصومون الذين فرض الله طاعتهم أشخاصاً، وقد سماهم النبي صلى الله عليه وآله ، وهم عترته الذين أوصى بهم عليهم السلام مع القرآن.
فالصحيح ما رواه في مناقب آل أبي طالب(1/242): « عن جابر بن عبد الله قال: لما نزل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ، قلت:يارسول الله فمن أولوا الأمرالذين قرن الله طاعتهم بطاعته؟ فقال صلى الله عليه وآله : هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين بعدي، أولهم علي بن
< صفحة > 520 < / صفحة >
أبي طالب ثم الحسن والحسين ثم عد تسعة من ولد الحسين ».
وفي كفاية الأثر/100: « عن زيد بن أرقم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي: أنت الإمام والخليفة بعدي، وابناك سبطاي، وهما سيدا شباب أهل الجنة، وتسعة من صلب الحسين أئمة معصومون ومنهم قائمنا أهل البيت».
الحق الرابع:فرض الله الصلاة عليهم وقرنهم مع نبيه صلى الله عليه وآله في صلاة الفريضة!
قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا. فأمر النبي صلى الله عليه وآله أمته أن يقرنوهم به ولا يصلوا عليه بدونهم ولا يفردوهم عنه بالصلاة! (صحيح بخاري: 4 / 118).
وقد وروى أحاديثها في مجمع الزوائد(10/163) وأولها « عن بريدة قال: قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وآل محمد، كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد).
وسميت الصلاة الإبراهيمية لأنها تجعل آل محمد صلى الله عليه وآله كآل إبراهيم عليه السلام . راجع: موطأ مالك: 1 / 165، ومسنده / 349، وكتاب الأم: 1 / 140، وصحيح بخاري: 4 / 118 9 و: 6 / 27 و: 7 / 156، ومسلم: 2 / 16، وابن ماجة: 1 / 293، وأبي داود: 1 / 221، والترمذي: 5 / 38، والنسائي: 3 / 45، وأحمد: 4 / 118 و 244 و: 5 / 353 و 424، والدارمي: 1 / 165 و 309، والحاكم: 1 / 268، والبيهقي: 2 / 146 و 378، وكنز العمال: 2 / 266. وقد أورد المفسرون عدداً منها كالدر المنثور: 5 / 215، والفقهاء كالنووي في المجموع: 3 / 466، وابن قدامة في المغني: 1 / 580، وابن حزم في المحلى: 3 / 272.
لكن أتباع السلطة لا يطبقون ذلك إلا في صلاتهم، فيحذفون آل محمد من الصلاة عليه صلى الله عليه وآله في غير الصلاة ويضعون بدلهم أصحابه، أو يحشرون الصحابة معهم بلا نص ولا دليل إلا الهوى!
الحق الخامس: فرض الله الخمس لبني هاشم، وهي ميزانية خاصة في ميزانية الدولة الإسلامية، ومع ذلك حرموهم منه!
قال ابن قدامة في المغني(2/519): « لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله : إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد صلى الله عليه وآله إنما هي أوساخ الناس. أخرجه مسلم. وعن أبي هريرة قال: أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة فقال النبي صلى الله عليه وآله : كِخ كِخ، ليطرحها، وقال: أمَا شعرت أنا لا نأكل الصدقة! متفق عليه. قال: ولا لمواليهم: يعني أن موالي بني هاشم، وهم
< صفحة > 521 < / صفحة >
من أعتقهم هاشمي لايعطون من الزكاة.
وقال أكثر العلماء يجوز لأنهم ليسوا بقرابة النبي صلى الله عليه وآله فلم يمنعوا الصدقة كسائر الناس، ولأنهم لم يعوضوا عنها بخمس الخمس، فإنهم لايعطون منه فلم يجز أن يحرموها كسائر الناس.
لنا: ما روى أبو رافع أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع: إصحبني كيما تصيب منها، فقال: لا، حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وآله فأسأله، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وآله فسأله فقال: إنا لا تحل لنا الصدقة وإن موالي القوم منهم ». أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. ولأنهم ممن يرثهم بنو هاشم بالتعصيب، فلم يجز دفع الصدقة إليهم كبني هاشم. وقولهم إنهم ليسوا بقرابة. قلنا: هم بمنزلة القرابة بدليل قول النبي صلى الله عليه وآله الولاء لحمة كلحمة النسب. وقوله: موالي القوم منهم. وثبت فيهم حكم القرابة من الإرث والعقل والنفقة، فلا يمتنع ثبوت حكم تحريم الصدقة فيهم» (فتاوى اللجنة الدائمة للدويش(10 / 69).
ونكتفي من مصادرنا برواية الكافي(1/540) عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: «وإنما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم، دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم، عوضاً لهم من صدقات الناس، تنزيهاً من الله لقرابتهم برسول الله صلى الله عليه وآله ، وكرامةً من الله لهم عن أوساخ الناس، فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل والمسكنة. ولا بأس بصدقات بعضهم على بعض. وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي صلى الله عليه وآله الذين ذكرهم الله فقال: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ، وهم بنو عبد المطلب الذكر منهم والأنثى، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش، ولا من العرب أحد، ولا فيهم ولا منهم في هذا الخمس من مواليهم ».
وهذا التكريم من الله تعالى لعترة رسوله صلى الله عليه وآله وعشيرته بني هاشم. لايشمل نساء النبي صلى الله عليه وآله فلا حق لهن في الخمس لأنهن لا تحرم عليهن الصدقة!
قال في فتح الباري(3/281): « قال ابن المنير في الحاشية: إنما أورد البخاري هذه الترجمة ليحقق أن الأزواج لا يدخل مواليهن في الخلاف، ولا يحرم عليهن الصدقة قولاً واحداً. لئلا يظن الظان أنه لما قال بعض الناس بدخول الأزواج في الآل أنه يطرد في مواليهن، فبين أنه لا يطرد ثم أورد المصنف في الباب حديثين.. وقال الجمهور يجوز لهم (موالي نساء النبي صلى الله عليه وآله ) لأنهم ليسوا
< صفحة > 522 < / صفحة >
منهم حقيقة، ولذلك لم يعوضوا بخمس الخمس ومنشأ الخلاف قوله منهم أو من أنفسهم هل يتناول المساواة في حكم تحريم الصدقة أو لا؟ وحجة الجمهور أنه لا يتناول جميع الأحكام فلا دليل فيه على تحريم الصدقة، لكنه ورد على سبب الصدقة وقد اتفقوا على أنه لا يخرج السبب وإن اختلفوا هل يخص به أو لا ويمكن أن يستدل لهم بحديث الباب، لأنه يدل على جوازها لموالي الأزواج وقد تقدم أن الأزواج ليسوا في ذلك من جملة الآل فمواليهم أحرى بذلك »!
وقال الشوكاني في نيل الأوطار(4/243): « عن أم عطية قالت: بعث إلي رسول الله بشاة من الصدقة فبعثت إلى عائشة منها بشئ، فلما جاء رسول الله قال: هل عندكم من شئ؟ فقالت: لا، إلا أن نسيبة بعثت إلينا من الشاة التي بعثتم بها إليها فقال: إنها قد بلغت محلها! متفق عليه. وذكر ابن المنير أنها لا تحرم الصدقة على الأزواج، قولا واحداً».
وقد صادرت الحكومات خمس بني هاشم، ففي جامع أحاديث الشيعة (8/622) عن الإمام الصادق عليه السلام قال: « لما وليَ أبو بكر قال له عمر: إن الناس عبيد هذه الدنيا لا يريدون غيرها، فامنع عن علي الخمس والفئ وفدكاً، فإن شيعته إذا علموا ذلك تركوا علياً رغبة في الدنيا. وفيه: أن الإمام الصادق عليه السلام سأل أحدهم: « ما تقول قريش في الخمس؟ قال قلت تزعم أنه لها. قال عليه السلام : ما أنصفونا والله! لو كان مباهلة لتباهلن بنا ولئن كان مبارزة لتبارزن بنا، ثم يكونوا هم وعليٌّ سواء »!
الحق السادس: جعلهم النبي صلى الله عليه وآله وصيته في أمته كالقرآن فهم عدلاء القرآن! فقال صلى الله عليه وآله (أمالي الصدوق/616، و مسند أحمد:3/17): إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ».
وهذه الوصية في الحديث المتواتر الجمع لا تعم كل بني هاشم كحق الخمس بل تخص العترة أو الآل أو أهل البيت بالمعنى الخاص، وهم مصطلحٌ إسلامي لأقارب النبي القريبين، الذين حددهم النبي صلى الله عليه وآله تحديداً حسياً بالكساء والأسماء، فعرفوا باسم أهل الكساء، وهم: علي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام ).
روى أحمد في مسنده (6/323) عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة: إئتيني بزوجك
< صفحة > 523 < / صفحة >
وابنيك فجاءت بهم، فألقى عليهم كساءً فدكياً، قال ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم إن هؤلاء آل محمد! فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد، إنك حميد مجيد. قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي وقال: إنك على خير »!
لوازم الوصية النبوية بأهل البيت عليهم السلام
لهذه الوصية النبوية دلالات بليغة ولوازم بينة خالفوها:
منها: أن القرآن معصوم: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ، فكذلك العترة معصومون لأنهم عدلاء القرآن.
ومنها: أنهم الأئمة الإثنا عشرالربانيون الذين بشر بهم النبي صلى الله عليه وآله في أحاديثه. فلو كان المبشر بهم غيرهم لما تركهم وأوصى بهؤلاء!
ومنها: أن النبي صلى الله عليه وآله سيسأل المسلم عن عمله بوصيته، فإن لم يعمل بها لم يقبله! فقد قال صلى الله عليه وآله : وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما ». (كفاية الأثر / 91)
ومنها: وجوب أخذ القرآن والسنة من العترة عليهم السلام لأن أي وصية بعلماء وكتاب، تعني أنهم الأمناء على الكتاب، فيجب أخذ نصه وتفسيره منهم.
ومنها: أن العترة عليهم السلام أفضل الأمة وأعلمها، فلو كان في الأمة أفضل منهم أو أعلم منهم، أو كان سيوجد فيها أعلم منهم، لما صح الأمر بالرجوع إليهم.
ومنها: أنهم عليهم السلام أئمة الأمة والحكام عليها، فلا يجوز لأحد أن يتأمر على من أمَّره الله ورسوله صلى الله عليه وآله عليه.
- *
غضب النبي صلى الله عليه وآله من ذم عمر لأسرته!
في كتاب سُلَيم/235:(قال علي عليه السلام :مررت بالصهاكي (صهَّاك جدة عمر) يوماً فقال لي: ما مَثل محمد إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة!
فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فذكرت له ذلك فغضب النبي صلى الله عليه وآله وخرج مغضباً فأتى المنبر،
< صفحة > 524 < / صفحة >
وفزعت الأنصار فجاءت شاكة في السلاح لما رأت من غضب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ما بال أقوام يعيرونني بقرابتي وقد سمعوا مني ما قلت في فضلهم وتفضيل الله إياهم وما اختصهم الله به من إذهاب الرجس عنهم وتطهير الله إياهم، وقد سمعتم ما قلت في أفضل أهل بيتي وخيرهم مما خصه الله به وأكرمه وفضله من سبقه في الإسلام وبلائه فيه وقرابته مني وأنه بمنزلة هارون من موسى، ثم تزعمون أن مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة! ألا إن الله خلق خلقه ففرقهم فرقتين، فجعلني في خير الفريقين، ثم فرق الفرقة ثلاث فرق، شعوباً وقبائل وبيوتاً وجعلني في خيرها شعباً وخيرها قبيلة. ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً، فذلك قوله: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهلِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً، فحصلت في أهل بيتي وعترتي، أنا وأخي علي بن أبي طالب.
ألا وإن الله نظر إلى أهل الأرض نظرة فاختارني منهم، ثم نظر نظرة فاختار أخي علياً ووزيري ووصيي وخليفتي في أمتي، وولي كل مؤمن بعدي. فبعثني رسولاً ونبياً ودليلاً، فأوحى إليَّ أن أتخذ علياً أخاً وولياً ووصياً وخليفة في أمتي بعدي. ألا وإنه ولي كل مؤمن بعدي، من والاه والاه الله ومن عاداه عاداه الله، ومن أحبه أحبه الله ومن أبغضه أبغضه الله، لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر. رب الأرض بعدي وسكنها، وهو كلمة الله التقوى، وعروة الله الوثقى. أتريدون أن تطفؤوا نور الله بأفواهكم:وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ المشركون. ويريد أعداء الله أن يطفؤوا نور أخي ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
يا أيها الناس، ليبلغ مقالتي شاهدكم غائبكم، اللهم اشهد عليهم.
يا أيها الناس، إن الله نظر نظرة ثالثة فاختار منهم بعدي اثني عشر وصياً من أهل بيتي، وهم خيار أمتي، منهم أحد عشر إماماً بعد أخي واحداً بعد واحد، كلما هلك واحد قام واحد منهم. مثلهم كمثل النجوم في السماء كلما غاب نجم طلع نجم، لأنهم أئمة هداة مهتدون، لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم، بل يضر الله بذلك من كادهم وخذلهم.
فهم حجة الله في أرضه وشهداءه على خلقه، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله. هم مع القرآن والقرآن معهم، لايفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا على حوضي. أول الأئمة أخي علي خيرهم، ثم ابني الحسن ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين، وأمهم ابنتي فاطمة).
< صفحة > 525 < / صفحة >
غضب النبي صلى الله عليه وآله من تتبع أبي بكر وعمر سره!
في الكافي(5/565)بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إن أبا بكر وعمر أتيا أم سلمة فقالا لها: يا أم سلمة إنك قد كنت عند رجل قبل رسول الله فكيف رسول الله من ذاك في الخلوة، فقالت: ما هو إلا كسائر الرجال!
ثم خرجا عنها وأقبل النبي صلى الله عليه وآله فقامت إليه مبادرة فرقاً أن ينزل أمر من السماء فأخبرته الخبر فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى تربد وجهه، والتوى عرق الغضب بين عينيه، وخرج وهو يجر رداؤه حتى صعد المنبر، وبادرت الأنصار بالسلاح، وأمروا بخيلهم أن تحضر، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس ما بال أقوام يتبعون عيبي ويسألون عن غيبي، والله إني لأكرمكم حسباً وأطهركم مولداً، وأنصحكم لله في الغيب!
ولا يسألني أحد منكم عن أبيه إلا أخبرته! فقام إليه رجل فقال: من أبي؟فقال: فلان الراعي.فقام إليه آخر فقال:من أبي؟فقال:غلامكم الأسود! وقام إليه الثالث فقال: من أبي؟ فقال: الذي تنسب إليه [فوقع عمر على قدمي وقال] : يا رسول الله اعف عنا عفا الله عنك، فإن الله بعثك رحمة فاعف عنا عفا الله عنك، وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا كلم استحيا وعرق وغض طرفه عن الناس حياء حين كلموه، فنزل: فلما كان في السحر هبط عليه جبرئيل عليه السلام بصحفة من الجنة فيها هريسة فقال: يا محمد هذه عملها لك الحور العين فكلها أنت وعلي وذريتكما فإنه لايصلح أن يأكلها غيركم! فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فأكلوا فأعطي رسول الله صلى الله عليه وآله في المباضعة من تلك الأكلة قوة أربعين رجلاً، فكان إذا شاء غشي نساءه كلهن في ليلة واحدة).
ظلامة أهل البيت عليهم السلام أعظم ظلامة في التاريخ!
روى الجميع أن النبي صلى الله عليه وآله طلب من الصحابة في مرض وفاته، أن يكتب لأمته عهداً يؤمِّنها من الضلال ويجعلها سيدة العالم!
وعرف الطلقاء أنه سيكتب لهم بطاعة علي وعترته عليهم السلام ! فوقف في وجهه عمر بن الخطاب وصاح: حسبنا كتاب الله! النبي غلب عليه الوجع! وصاح خلفه الطلقاء: القول ما قاله عمر!
< صفحة > 526 < / صفحة >
ومعنى يهجر: أنه خرفان يهذي!
روى ذلك البخاري في سبع مواضع، منها(1/36): « عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي وجعه قال: إئتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده. قال عمر: إن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا! فاختلفوا وكثر اللغط! قال صلى الله عليه وآله : قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع! فخرج ابن عباس يقول: إن الرزيئة كل الرزيئة ما حال بين رسول الله وبين كتابه ».
« فلما أكثروا اللغو والإختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قوموا »!
وفي صحيح مسلم(5/75): « عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس! ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ! قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إئتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فقالوا: إن رسول الله يهجر! وفي رواية أخرى: فقال عمر: إن رسول الله قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله ».
وفي مسند أحمد(3/346): « دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلون بعده، قال فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها »!
وفي مجمع الزوائد(9/33): « عن عمر بن الخطاب قال: لما مرض النبي قال: أدعوا لي بصحيفة ودواة أكتب كتاباً لا تضلون بعدي أبداً، فكرهنا ذلك أشد الكراهة! ثم قال: أدعوا لي بصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده أبداً! فقال النسوة من وراء الستر: ألا تسمعون ما يقول رسول الله؟ فقلت: إنكن صواحبات يوسف إذا مرض رسول الله عصرتن أعينكن، وإذا صح ركبتن رقبته! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : دعوهن فإنهن خير منكم »!
وهذه شهادة من النبي صلى الله عليه وآله برواية عمر بأن نساءه اللواتي طالبنَ بإطاعته في أن يكتب عهده، خير من صحابته الذين رفضوا ذلك!
لهذا كانت أول قضية كبرى تطرح في المحشرمحاكمة القرشيين خصوم النبي صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام ! ففي البخاري (5/6): « عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة »!
وقال رواة السلطة إن خصومته تكون مع من قتلهم في بدر! لكن لا يصح ذلك، لأن مبارزة المشركين لا خصومة فيها حتى تحتاج إلى محكمة.
< صفحة > 527 < / صفحة >
فعليٌّ عليه السلام يكون أول مدعي على قريش بالوكالة عن النبي صلى الله عليه وآله وبالأصالة عن نفسه وقضيته الأولى في المحشر، لأن جريمة قريش هي الأولى في العالم!
مأساة عترة نبينا صلى الله عليه وآله أعظم مأساة في التاريخ!
روى الجميع إخبار النبي صلى الله عليه وآله بمأساة عترته وأهل بيته عليهم السلام بعده، وأنه بكى لذلك مراراً بدموع غزيرة! فعن عبد الله بن مسعود قال: « أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج إلينا مستبشراً يعرف السرور في وجهه فما سألناه عن شئ إلا أخبرنا به، ولا سكتنا إلا ابتدأنا، حتى مرت فتية من بني هاشم، فيهم الحسن والحسين، فلما رآهم التزمهم وانهملت عيناه، فقلنا: يا رسول الله ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه! (عندما ترى الحسنين) قال:
إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي هؤلاء سيلقون بعدي بلاء وتطريداً وتشريداً، حتى يأتي قوم من هاهنا من نحو المشرق أصحاب رايات سود، يسألون الحق فلا يعطونه مرتين أو ثلاثاً، فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلوه، حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها عدلاً كما ملؤوها ظلماً ».
رواه ابن حماد والحاكم (4/464) وصححه، وابن حبان وصححه، وابن شيبة، وغيرهم. وقد استوفينا مصادره وطرقه وألفاظه
في معجم أحاديث الإمام المهدي (1/381).
أشد اللعنات على من ظلم عترة النبي صلى الله عليه وآله
روى الحاكم (1/36 و:4/90) هذا الحكم الشرعي وصححه على شرط البخاري، عن عائشة قالت:« قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ستة لعنتهم لعنهم الله وكل نبي مجاب: المكذب بقدر الله، والزائد في كتاب الله، والمتسلط بالجبروت يذل من أعز الله ويعز من أذل الله، والمستحل لحرم الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك لسنتي » وفي:2/525، بلفظ آخر، وابن حبان (13/60) والطبراني في الأوسط (2 / 186، والكبير:3 /127، و:17/578.
وفسر المناوي في فيض القدير (4/121 و127) من استحل ظلم العترة فقال: «يعني من فعل بأقاربي ما لا يجوز فعله، من إيذائهم، أو ترك تعظيمهم، فإن اعتقد حله فكافر، وإلا فمذنب ».
وفي تخريج الأحاديث (3/336): «حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي.
< صفحة > 528 < / صفحة >
ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازَ عليها فأنا أجازيه عليها إذا لقيني يوم القيامة».والثعلبي(8 / 312) والقرطبي(16 / 22).
وفي المعرفة للحاكم/96، عن ابن عمر قال: « قال النبي صلى الله عليه وآله :يا عبد الله أتاني ملك فقال: يا محمد وأسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على مَ بعثوا؟ قال قلت: على مَ بعثوا؟ قال على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب!
وقال الحاكم: لم نكتبه إلا عن ابن مظفر وهو عندنا حافظ ثقة مأمون ».
ورواه من مصادرنا الكافي (2/293) عن الباقر عليه السلام :«قال رسول الله صلى الله عليه وآله : خمسة لعنتهم وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله، والتارك لسنتي، والمكذب بقدر الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والمستأثر بالفئ المستحل له ».
وفي كامل الزيارات/332، عن الباقر عليه السلام في زيارة عاشوراء:«اللهم خُصَّ أنت أول ظالم ظلم آل نبيك باللعن ثم العن أعداء آل محمد من الأولين والآخرين».
وفي أمالي الطوسي/164: « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وقاتلهم وعلى المعترض عليهم والساب لهم، أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ».
وفي كمال الدين/520، من أجوبة الإمام المهدي عليه السلام :«فقد قال النبي صلى الله عليه وآله : المستحل من عترتي ما حرم الله ملعون على لساني ولسان كل نبي. فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين وكانت لعنة الله عليه لقوله تعالى:أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ»
أقول: لعن الأنبياء السابقين عليهم السلام لظالمي عترة النبي صلى الله عليه وآله لأن الله تعالى عرَّفهم ما يجري عليهم لما أخذ ميثاقهم على ولاية نبينا صلى الله عليه وآله وولايتهم.
وقد روت ذلك مصادرهم، فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال:« لما أسري بي ليلة المعراج اجتمع عليَّ الأنبياء عليهم السلام في السماء فأوحى الله إلي:سلهم يا محمد بماذا بعثتم؟ قالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله، وعلى الإقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب».(خصائص الوحي المبين/170، والطرائف/101، عن أبي نعيم وينابيع المودة:2 / 246، عن أبي هريرة. ونهج الحق/183، عن ابن عبد البر. والصراط المستقيم:1 /181 عن الثعلبي، والكشاف: 4 / 94 والكنجي في كفاية الطالب / 136. ونفحات الأزهار: 5 / 260، و: 16 / 366، وبحث روايته وسنده عندهم، وقد
< صفحة > 529 < / صفحة >
ردَّ في نفحات الأزهار(20 / 392، و 396) على باطل ابن تيمية حيث أنكر وجود هذا الحديث!
- *
أعلن النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع اللعنة على ظالمي عترته !
كان إعلان هذه اللعنة النبوية في حجة الوداع بصيغة اللعنة على من ادعى لغير أبيه!
فقد روى ابن ماجة(2/905) أنه صلى الله عليه وآله خطبهم في حجة الوداع على راحلته فقال: « ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل » والترمذي: 2 / 293، وأحمد:4/ 239، والدارمي: 2/ 244 و 344، والبخاري:2 / 221، و:4 /67.
واستعمل النبي صلى الله عليه وآله هذا الأسلوب عمداً لكي يصل الى الأجيال ولا تطمسه قريش! وقد روى البخاري (4 / 67) لعن من تولى غير مواليه! ومسلم (4/115) بروايات، والترمذي(3/297) والبيهقي(8 / 26).
ويقصد النبي صلى الله عليه وآله : من تولى غيره وغير علي عليه السلام لأنهما الأبوان المعنويان لهذه الأمة! ويدل على ذلك أن الولد الذي يهرب من أبيه وينتسب إلى آخر ثم يتوب تقبل توبته! بينما هذا الذي لعنه النبي صلى الله عليه وآله لايقبل منه صرف أي توبة، ولا عدل أي فدية! فهي عقوبة الردة والخروج من الملة، وليست عقوبة ولد يدعو نفسه لغير أبيه!
ويدل عليه أيضاً أن هذه اللعنة جاءت بعد ذكر النبي صلى الله عليه وآله أهل بيته وحقهم في الخمس.
ففي مسند أحمد (4/186): « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وهو على ناقته فقال: ألا إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي، وأخذ وبرة من كاهل ناقته، فقال: ولا ما يساوي هذه أو مايزن هذه. لعن الله من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه »!
وأعلنها النبي صلى الله عليه وآله في مرض وفاته لما منعوه من كتابة وصيته!
فسرت مصادرنا حديث لعن النبي صلى الله عليه وآله لظالمي عترته عليهم السلام (أمالي المفيد/353، والطوسي/123)وروت أنه لما كثر طلقاء قريش في المدينة، وأظهروا عملهم ضد أهل بيته عليهم السلام وقالوا: إنما مثل محمد في بني هاشم كمثل نخلة نبتت في كبا، أي مزبلة! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فغضب وأمر علياً عليه السلام أن يصعد المنبر ويجيبهم وقال له: يا علي إنطلق حتى تأتي مسجدي ثم تصعد منبري،
< صفحة > 530 < / صفحة >
ثم تدعو الناس إليك، فتحمد الله تعالى وتثني عليه وتصلي عليَّ صلاة كثيرة ثم تقول: أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم وهو يقول لكم: إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه، أو ادعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره! فأتيت مسجده وصعدت منبره، فلما رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوي فحمدت الله وأثنيت عليه وصليت على رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة كثيرة ثم قلت: أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم وهو يقول لكم: ألا إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي، على من انتمى إلى غير أبيه، أو ادعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره. قال: فلم يتكلم أحد من القوم إلا عمر بن الخطاب فإنه قال:قد أبلغت يا أبا الحسن ولكنك جئت بكلام غير مفسر! فقلت: أُبْلِغُ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فرجعت إلى النبي فأخبرته الخبر فقال: إرجع إلى مسجدي حتى تصعد منبري فاحمد الله وأثن عليه وصل عليَّ ثم قل: أيها الناس، ما كنا لنجيئكم بشئ إلا وعندنا تأويله وتفسيره، ألا وإني أنا أبوكم، ألا وإني أنا مولاكم، ألا وإني أنا أجيركم »!
وفي تفسير فرات/392، عن عطاء بن أبي رباح بتفصيل، وفيه: يا علي انطلق فأخبرهم أني أنا الأجير الذي أثبت الله مودته من السماء، ثم أنا وأنت مولى المؤمنين، وأنا وأنت أبوا المؤمنين »!
- *