المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف
--------------------------- الغلاف 1 ---------------------------
المعجم الموضوعي
لأحاديث الإمام المهدي عليه السلام
علي الكوراني العاملي
دار المعروف
للطباعة والنشر
--------------------------- 1 ---------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
--------------------------- 2 ---------------------------
.
--------------------------- 3 ---------------------------
المعجم الموضوعي
لأحاديث الإمام المهدي عليه السلام
علي الكوراني العاملي
الطبعة السابعة - مزيدة ومنقحة 1436
--------------------------- 4 ---------------------------
سر شناسنامه : الكوراني العاملي ، على ، 1226 - / عنوان ونام پديد آور : المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عليه السلام / مشخصات نشر : قم : نشر معروف : 1294 ، / مشخصات ظاهري : 976 ص . / شابك : 978 - 600 - 6612 - 40 - 9 / وضعيت فهرست نويسى : فيپاى مختصر : يادداشت : فهرستنويسى كامل اين اثر در نشانى http : / / opac . nlai . ir قابل دسترسى است / رده بندى كنگره : / رده بندى ديويى : / شماره كتابشناسى ملى : 3868566
اسم الكتاب :
المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
المؤلف :
على الكوراني العاملي
الناشر : دار المعروف ، قم المقدسة
الطبعة : السابعة
تاريخ النشر : رمضان 1436 ه . ق - June 2015
المطبعة : باقرى - 6000 نسخة
النشر والتوزيع :
إيران - قم المقدسة - شارع مصلى القدس - رقم : 682 ، تلفون : 00982532926175
ISBN 978 - 600 - 6612 - 40 - 9
دار المعروف
للطباعة والنشر
جميع الحقوق محفوظة ومسجلة للمؤلف
www . maroof . org
Email : nashremaroof @ gmail . com
--------------------------- 5 ---------------------------
مقدمة الطبعة الخامسة
الحمد لله رب العالمين ، وأفضلُ الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، سيما خاتم الأوصياء ، موعود الأنبياء ، منتظر الأجيال والأمم ، مذخور الله لإصلاح العالم ، الإمام المهدي المنتظر ، روحي فداه .
وبعد ، فقد لاقى هذا الكتاب قبولاً من العلماء والباحثين وعامة الناس ، والحمد لله .
وفي هذه المدة توفقت لتدقيقه وتنقيحه ، فأعدت كتابة بعض فصوله ، كفصل الدجال ، وفصل الأتراك ، وفصل مصر .
ثم دققت دلالة أحاديثه وكثيراً من أسانيدها ، وأماكن ذكر النص كاملاً ، أو ذكر الشاهد منه ، والإشارة إلى مواضعه في أماكن أخرى .
كما خففت من المصادر المتعددة للنص الواحد ، مكتفياً بأهمها خاصة الأصلية ، كما اكتفيت بنماذج من الأدعية للإمام عليه السلام وزياراته ، لأنها توجد في الكتب المختصة .
ثم اخترت لهذه الطبعة حرفاً مناسباً وإخراجاً أجمل ، شبيهاً بنقد مفردات الراغب .
--------------------------- 6 ---------------------------
وينبغي أن ألفتُ إلى أني أوردتُ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله كاملةً ، وإن كانت في المصدر الذي نقلت منه ناقصة ، فإن عدداً من المؤلفين السنيين كالحاكم يُصَلُّونها تامةً ولا يبترونها ، فيقولون : صلى الله عليه وآله . كما وردت تامة في الأصول المخطوطة لعدد من مصادرهم ، لكن الناشرين حذفوا « وآله » وجعلوا بدلها « وسلم » !
أسأل الله العلي العظيم برحمته أن يصلي على رسوله وآله الأطهار ، لا سيما خاتمهم الإمام المهديّ الموعودُ ، وأن يتقبل هذا العمل في خدمة دينه ، وتوعية المسلمين على بشارة نبيهم صلى الله عليه وآله بمهديهم الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وهو ولي التوفيق .
كتبه : علي الكَوْراني العاملي
قم المشرفة - غرة ذي القعدة الحرام 1436 للهجرة
--------------------------- 7 ---------------------------
الفصل الأول : الأئمة المضلون ، الخطر الأكبر على الأمة . .
--------------------------- 8 ---------------------------
1 - الخطر على الأمة هم الأئمة المضلون وليس الدجال !
يوجد عددٌ من الأحاديث النبوية لايحبها رواة الخلافة القرشية أبداً ، رغم أنها صحيحة ومتواترة ، ومنها أحاديث التحذير من الأئمة المضلين ، وقد نص بعضها على أن الأمة تُبتلى بهم بعد النبي صلى الله عليه وآله ، وأن فتنتهم تستمر حتى يبعث الله المهدي عليه السلام ! فقد روى أحمد : 4 / 123 ، عن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « إن الله عز وجل زَوَى لي الأرض « جَمَعَها » حتى رأيت مشارقها ومغاربها ، وإن مُلك أمتي سيبلغ ما زُوِيَ لي منها ، وإني أعطيت الكنزين الأبيض والأحمر ، وإني سألت ربي عز وجل أن لا يُهلك أمتي بِسِنةٍ بعامة ، وأن لا يُسلّط عليهم عدواً فيهلكهم بعامة ، وأن لا يُلبسهم شيعاً ، ولا يُذيق بعضهم بأس بعض . قال : يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لايُرد ، وإني قد أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة ، ولا أسلِّط عليهم عدواً ممن سواهم فيهلكوهم بعامة ، حتى يكون بعضهم يُهلك بعضاً ، وبعضهم يقتل بعضاً ، وبعضهم يسبي بعضاً ! قال : وقال النبي صلى الله عليه وآله : وإني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين ، فإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة » !
وروى نحوه « 5 / 278 » عن ثوبان . ورواه أبو داود : 4 / 97 ، والترمذي : 4 / 410 ، وصححه . والبيهقي : 9 / 181 . والألباني : 7 / 2 ، أوله . ومجمع الزوائد : 5 / 239 ، آخره بلفظ أحمد . وزاد فيه ابن ماجة « 2 / 1304 » : « وستعبد قبائل من أمتي الأوثان ، وستلحق قبائل من أمتي بالمشركين . وإن بين يدي الساعة دجالين كذابين ، قريباً من ثلاثين كلهم يزعم أنه نبي . ولن تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل » . وقال عنه ابن ماجة : ما أهْوَله !
وروى ابن أبي شيبة : 8 / 653 ، عن علي قال : « كنا عند النبي صلى الله عليه وآله جلوساً وهو نائم فذكرنا الدجال ، فاستيقظ مُحْمَرّاً وجهُهُ فقال : غيرُ الدجال أخوف عليكم عندي من الدجال : أئمةٌ مضلون » . وفي رواية أحمد : 5 / 389 ، عن حذيفة : « ذُكر الدجال عند رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : لأنا لفتنة بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال » .
وصححه في مجمع الزوائد : 7 / 335 . ونحوه الفردوس : 3 / 131 ، وفي هامشه : قال الإمام العراقي : روى أحمد عن أبي ذر بإسناد جيد : « لأنا من غير الدجال أخوف عليكم من الدجال ، فقيل : وما ذلك ؟ قال : من الأئمة المضلين » .
وروى أحمد : 5 / 145 ، عن أبي ذر قال : « كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : لَغَيْرُ الدجال
--------------------------- 9 ---------------------------
أخوفني على أمتي ، قالها ثلاثاً ، قال : قلت : يا رسول الله ما هذا الذي غير الدجال أخوفك على أمتك ؟ قال : أئمة مضلون » .
وروى أحمد : 1 / 98 ، عن علي رضي الله عنه قال : « ذكرنا الدجال عند النبي صلى الله عليه وآله وهو نائم فاستيقظ مُحْمَرَّاً لونه فقال : غير ذلك أخوف لي عليكم . ذكر كلمة » !
وقد خاف الراوي أن يذكر الكلمة فتنطبق على حكام عصره !
وفي صحيحة الألباني : 2 / 271 ح 54 ، عن شداد بن أوس : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أخوفُ ما أخاف على أمتي أئمة مضلون . إذا وضع السيف لم يرفع إلى يوم القيامة » .
وفي سبل الهدى : 10 / 138 : « أبو يعلى وابن حبان ، عن أبي سعيد وأبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ليأتينَّ على الناس زمانٌ يكون عليهم أمراءُ سفهاء ، يقدمون شرار الناس ويظاهرون بخيارهم ، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها ، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفاً ولا شرطياً ولاجابياً ولا خازناً . . وروى أحمد بن منيع برجال ثقات ، وابن أبي شيبة ، وأبو يعلى ، عن أبي هريرة : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تعوذوا بالله من رأس السبعين ومن أمارة الصبيان . وروى عن ابن عباس ووثقه : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يكون عليكم أمراء ، هم شرٌّ من المجوس » .
وفي حلية الأولياء : 7 / 69 : « عن سفيان : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لسلمان : إن طعام أمرائي بعدي مثل طعام الدجال ، إذا أكله الرجل انقلب قلبه » .
أقول : وردت كلمة المضلين في أحاديث منصوبة وحقها الرفع ، ويصح نصبها تأكيداً بتقدير : أعني
2 - الأئمة المضلون يسفكون دماء العترة والأمة
أخبر النبي صلى الله عليه وآله في أحاديثه عن الأئمة المضلين بأنهم سيسفكون دماء عترته عليهم السلام ، لكن أتباع الحكام المضلين حذفوا أحاديث ظلمهم لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله !
ففي أمالي الطوسي : 2 / 126 ، وفي طبعة / 512 ، عن الحضرمي قال : « سمعت علياً عليه السلام يقول : كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وآله وهو نائم ورأسه في حجري ، فتذاكرنا الدجال ، فاستيقظ النبي
--------------------------- 10 ---------------------------
مُحْمَرّاً وجهه ، فقال : غير الدجال أخوف عليكم من الدجال : الأئمة المضلون ، وسفك دماء عترتي من بعدي ، أنا حربٌ لمن حاربهم ، وسلمٌ لمن سالمهم » .
وفي أمالي الطوسي / 65 ، وأمالي المفيد / 288 ، عن علي عليه السلام قال : « لما نزلت على النبي صلى الله عليه وآله : إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ، قال لي : يا عليُّ لقد جاء نصر الله والفتح ، فإذا رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً . يا علي ، إن الله تعالى قد كتب على المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدي ، كما كتب عليهم جهاد المشركين معي . فقلت : يا رسول الله وما الفتنة التي كتب علينا فيها الجهاد ؟ قال : فتنة قوم يشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وهم مخالفون لسنتي وطاعنون في ديني ! فقلت : فعلى مَ نقاتلهم يا رسول الله ، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ؟ فقال : على إحداثهم في دينهم وفراقهم لأمري ، واستحلالهم دماء عترتي . قال : فقلت : يا رسول الله ، إنك كنت وعدتني الشهادة ، فسلِ الله تعجيلها لي . فقال : أجل قد كنت وعدتك الشهادة ، فكيف صبرك إذا خُضبت هذه من هذا ؟ وأومى إلى رأسي ولحيتي ، فقلت : يا رسول الله أمَّا إذا بَيَّنْتَ لي ما بينت ، فليس هذا بموطن صبر ، لكنه موطن بشرى وشكر ! فقال : أجل فأعدَّ للخصومة ، فإنك تخاصم أمتي . قلت : يا رسول الله أرشدني إلى الفَلَج . قال : إذا رأيت قوماً قد عدلوا عن الهدى إلى الضلال فخاصمهم ، فإن الهدى من الله والضلال من الشيطان . يا عليُّ إن الهدى هو اتَّباع أمر الله دون الهوى والرأي . وكأنك بقوم قد تأولوا القرآن وأخذوا بالشبهات ، واستحلوا الخمر بالنبيذ ، والبخس بالزكاة ، والسحت بالهدية ! قلت : يا رسول الله فما هم إذا فعلوا ذلك ، أهم أهل ردة أم أهل فتنة ؟ قال : هم أهل فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل ! فقلت : يا رسول الله ، العدل منا أم من غيرنا ؟ فقال : بل منا ، بنا يفتح الله وبنا يختم ، وبنا ألف الله بين القلوب بعد الشرك ، وبنا يؤلف الله بين القلوب بعد الفتنة . فقلت : الحمد لله على ما وهب لنا من فضله » .
أقول : روت مصادرهم جزءً من حديث أمالي المفيد والطوسي ، وحذفوا منه ذكر الأئمة المضلين ، على عادة رواة السلطة في تغييب ذم النبي صلى الله عليه وآله للحكام بعده !
فقد روى الحاكم : 3 / 149 ، عن أبي هريرة قال : « نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال : أنا حربٌ لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم » . وصححه ، واستشهد له بحديث مشابه
--------------------------- 11 ---------------------------
عن زيد بن أرقم ، وفيه : « أنا حربٌ لمن حاربتم وسلمٌ لمن سالمتم » . كما رووه عن زيد بن أرقم ، والخدري ، وأم سلمة وغيرهم ، وأن النبي صلى الله عليه وآله كرره عندما نزلت آية التطهير ، فكان أربعين صباحاً يذهب إلى باب دار علي ويقرأ الآية ، ويقول هذا الكلام .
كما رووا أنه صلى الله عليه وآله قاله في حيٍّ في المدينة ، وفي مناسبات أخرى ، وفي مرض وفاته ، كما في أحمد : 2 / 442 ، وابن ماجة : 1 / 52 ، والترمذي : 5 / 360 ، والزوائد : 9 / 169 ، وابن أبي شيبة : 7 / 512 ، ولمحاملي / 447 ، وابن حبان : 15 / 434 ، وأوسط الطبراني : 3 / 179 ، و : 5 / 182 ، و : 7 / 197 ، والأصغر : 2 / 3 ، والأكبر : 3 / 40 ، و : 5 / 184 ، وفضائل سيدة النساء لعمر بن شاهين / 29 ، وتفسير الثعلبي : 8 / 311 ، وشواهد التنزيل : 2 / 44 ، وتاريخ بغداد : 7 / 144 ، وتاريخ دمشق : 13 / 218 ، و : 14 / 144 ، وسير الذهبي : 2 / 122 .
3 - محاولات تبرئة الصحابة من صفة المضلين
أحمد : 1 / 458 ، عن ابن مسعود ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « ما من نبي بعثه الله عز وجل في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ، ثم إنها تُخْلَفُ من بعدهم خلوفٌ يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون » .
ونحوه في أحمد : 1 / 461 ، عن ابن مسعود ، ومسلم : 1 / 51 ، وفيه : « قال أبو رافع : فحدثت عبد الله بن عمر فأنكره عليَّ ، فقدم ابن مسعود فنزل بقناة فاستتبعني إليه عبد الله بن عمر يعوده فانطلقت معه ، فلما جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث ، فحدثنيه كما حدثته ابن عمر » .
والحواريون والحواري : الأصحاب الخاصون . والخُلوف : جمع خليفة ، أي أجيال .
وروى الطبراني الكبير : 22 / 362 ، و 373 : « ستكون عليكم أئمة يملكون أرزاقكم ، يحدثونكم فيكذبونكم ، ويعملون ويسيئون العمل ، لا يرضون منكم حتى تُحَسِّنُوا قبيحهم وتصدقوا كذبهم ، فأعطوهم الحق ما رضوا به ، فإذا تجاوزوا ، فمن قتل على ذلك فهو شهيد » .
وفي الطبراني الكبير : 22 / 375 ، عن الصدفي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « سيكون من بعدي خلفاء ، ومن بعد الخلفاء أمراء ، ومن بعد الأمراء ملوك ، ومن بعد الملوك جبابرة ، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً » . انتهى .
أقول : لا يمكن إبعاد أحاديث الأئمة المضلين عن الصحابة ، لأن البخاري روى في
--------------------------- 12 ---------------------------
صحيحه « 7 / 208 » أحاديث الحوض التي نصت على أن أكثر الصحابة ينحرفون بعد النبي صلى الله عليه وآله فيدخلون النار ولا ينجو منهم إلا أفراد ! قال صلى الله عليه وآله : « بينا أنا قائمٌ فإذا زمرةٌ حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمَّ ، فقلت أين ؟ قال إلى النار والله ! قلت : وما شأنهم ؟ ! قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ! ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمَّ ! قلت : أين ؟ قال : إلى النار والله ! قلت : ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى فلا أراه يخلص منهم إلا مثلُ هَمَل النعم » .
هذا ، وقد تدخلت السلطة في أحاديث الخروج على المضلين فتناقض رواتها ، فبعضهم روى النهي عن الخروج عليهم مهما ظلموا ، وبعضهم روى الأمر بالخروج حتى الشهادة ، وبعضهم روى النهي عن الخروج ما أقاموا الصلاة . . الخ .
4 - إن أطعتموهم أضلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم !
روى الطبراني ، الكبير : 8 / 176 ، عن أبي أمامة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : « لستُ أخاف على أمتي جوعاً يقتلهم ، ولا عدواً يجتاحهم « يستأصلهم » ولكني أخاف على أمتي أئمة مضلين ، إن أطاعوهم فتنوهم « أضلوهم » وإن عصوهم قتلوهم » .
وفي الطبراني الصغير : 1 / 264 : عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « خذوا العطاء ما دام عطاء ، فإذا صار رشوةً على الدين فلا تأخذوه ، ولستم بتاركيه ، يمنعكم الفقر والحاجة ! ألا إن رحى بني مرح قد دارت ، وقد قتل بنو مرح . ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار . ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب . ألا إنه سيكون أمراء [ يقضون لأنفسهم ما لا ] يقضون لكم فإن أطعتموهم أضلوكم ، وإن عصيتموهم قتلوكم ! قال : يا رسول الله فكيف نصنع ؟ قال كما صنع أصحاب عيسى بن مريم نُشِّروا بالمناشير وحُملوا على الخشب ! موتٌ في طاعة الله خير من حياة في معصية الله عز وجل » .
والمطالب العالية : 4 / 267 ، كالطبراني بتفاوت يسير ، والدر المنثور : 2 / 300 ، ووثقه مجمع الزوائد : 5 / 227 . وبنو مرح : أهل الفرح والزهو ، كناية عن المشركين . وافتراق السلطان والقرآن : يعني أن الحكام سيحكمون بغير ما أنزل الله تعالى ، كما حصل .
--------------------------- 13 ---------------------------
وفي مصنف عبد الرزاق : 11 / 329 : « إنها ستكون عليكم أمراء يتركون بعض ما أمروا به ، فمن ناواهم نجا ومن كره سلم أو كاد يسلم ، ومن خالطهم في ذلك هلك أو كاد يهلك » . وفي عبد الرزاق : 11 / 330 : عن الحسن البصري بنحوه ، وفيه : « قالوا : أفلا نقاتلهم يا رسول الله ؟ قال : لا ، ما صلوا » .
ونحوه ابن أبي شيبة : 15 / 71 ، و / 243 ، عن أم سلمة ، والترمذي : 4 / 529 ، وصححه ، كرواية ابن أبي شيبة الأولى بتفاوت يسير ، وفيه : سيكون عليكم أئمة . ورواه الطبراني في الكبير : 11 / 39 ، كرواية ابن أبي شيبة الثانية بتفاوت يسير . ونحوه البيهقي : 8 / 157 ، عن أبي هريرة . ومثله الطبراني الأوسط : 5 / 374 ، والبزار : 6 / 61 ، وفيه : « قالت يا رسول الله أو لانقتلهم ؟ قال : لا ، ما أقاموا الصلاة » . ومثله الطبراني الأوسط : 1 / 252 ، ومسند الشاميين : 1 / 371 ، وأبو يعلى : 10 / 308 .
5 - تطبيق أمير المؤمنين عليه السلام للأئمة المضلين
في نهج البلاغة : 2 / 188 : « ومن كلام له عليه السلام وقد سأله سائل عن أحاديث البدع ، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر ؟ فقال عليه السلام : إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً ، وصدقاً وكذباً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وعاماً وخاصاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وحفظاً ووهماً . ولقد كُذب على رسول الله على عهده حتى قام خطيباً فقال : من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ! وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس : رجلٌ منافق مظهر للإيمان متصنعٌ بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج ، يكذب على رسول الله متعمداً ! فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم يصدقوا قوله ، ولكنهم قالوا صاحب رسول الله رأى وسمع منه ولقف عنه ، فيأخذون بقوله ! وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ، ووصفهم بما وصفهم به لك ، ثم بقوا بعده عليه وآله السلام فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار ، بالزور والبهتان فولَّوْهم الأعمال ، وجعلوهم حكاماً على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا ! وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله ، فهو أحد الأربعة . . » . ورواه في الكافي : 1 / 62 .
وفي الكافي : 8 / 62 : عن أمير المؤمنين عليه السلام يشكو حال الأمة ، قال : « قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيرين لسنته ! ولو حَمَلْتُ
--------------------------- 14 ---------------------------
الناس على تركها وحوَّلتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لتفرق عني جندي . . . والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة ، وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الإسلام غُيِّرت سنة عمر ، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعاً ! ولقد خفت أن يثوروا في جانب عسكري ! ما لقيتُ من هذه الأمة من الفرقة ، وطاعة أئمة الضلالة ، والدعاة إلى النار » !
6 - تطبيق عُبَادَة بن الصامت للأئمة المضلين
روى ابن أبي شيبة : 8 / 696 : « أقبل عُبَادَة بن الصامت حاجاً من الشام فقدم المدينة فأتى عثمان بن عفان فقال : يا عثمان ألا أخبرك شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : بلى ، قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ستكون عليكم أمراء يأمرونكم بما تعرفون ، ويعملون ما تنكرون ، فليس لأولئك عليكم طاعة » !
وفي المستدرك : 3 / 357 : « ستكون عليكم أمراء يأمرونكم بما تعرفون ويعملون ما تنكرون فليس لأولئك عليكم طاعة . فلا تُعْتِبوا أنفسكم . فوالذي نفسي بيده إن معاوية من أولئك ! فما راجعه عثمان حرفاً » . وصححه الحاكم على شرط الشيخين ، وذكر أن عبادة جاء متظلماً ، المستدرك : 3 / 357 ، ونحوه أحمد : 5 / 329 .
وفي مسند الشاشي : 3 / 172 ، عن رفاعة : « أن عُبَادَة بن الصامت مرت عليه قَطَارة وهو بالشام تحمل الخمر فقال : ما هذه ؟ أزَيْتٌ ؟ قيل : لا بل خمر تباع لفلان « معاوية » ! فأخذ شفرةً من السوق فقام إليها ولم يذر منها راويةً إلا بقرها ، وأبو هريرة إذ ذاك بالشام ، فأرسل فلان إلى أبي هريرة فقال : ألا تمسك عنا أخاك عُبَادَة بن الصامت ! أما بالغدوات فيغدو إلى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم ، وأما بالعشي فيقعد بالمسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا ، فأمسك عنا أخاك .
فأقبل أبو هريرة يمشي حتى دخل على عبادة فقال : يا عبادة مالك ولمعاوية ؟ ذَرْهُ وما حمل ، فإن الله يقول : تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ . قال : يا أبا هريرة لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل ، وعلى النفقة
--------------------------- 15 ---------------------------
في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن نقول في الله لا تأخذنا في الله لومة لائم ، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب فنمنعه ما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا ، ولنا الجنة ، ومن وفى وفى الله له الجنة بما بايع عليه رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومن نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ !
فلم يكلمه أبو هريرة بشئ . فكتب فلان إلى عثمان بالمدينة أنَّ عُبَادَة بن الصامت قد أفسد عليَّ الشام ، فإما أن يكف عنا عُبَادَة بن الصامت وإما أن أخلي بينه وبين الشام .
فكتب عثمان إلى فلان : أرْحِلْهُ إلى داره من المدينة ، فبعث به فلان حتى قدم المدينة ، فدخل على عثمان الدار وليس فيها إلا رجل من السابقين يعينه ، فلم يهم عثمان به إلا وهو قاعد في جانب الدار ، فالتفت إليه فقال : ما لنا ولك يا عبادة ؟ فقام عبادة قائماً وانتصب لهم في الدارفقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله أبا القاسم يقول : سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون ، وينكرون عليكم ما تعرفون ، فلا طاعة لمن عصى الله ، فلا تضلوا بربكم ، فوالذي نفس عبادة بيده إن فلاناً لمن أولئك ! فما راجعه عثمان بحرف » ! ورواه الطبراني في مسند الشاميين : 2 / 282 ، عن ابن عمرو مختصراً ، وصححه الألباني : 2 / 138 ، والذهبي في سيره : 2 / 9 ، وفيه : فكتب إليه أن رحِّل عبادة حتى ترجعه إلى داره بالمدينة . راجع إنكار عبادة على معاوية في المجلد الثاني من جواهر التاريخ .
7 - نص النبي صلى الله عليه وآله على أن من صحابته أئمة مضلون !
روى عبد الرزاق : 11 / 345 ، أن النبي صلى الله عليه وآله قال لكعب بن عجرة : « أعاذك الله يا كعب بن عجرة من أمارة السفهاء ، قال : وما أمارة السفهاء ؟ قال : أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولايستنون بسنتي ، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ، ولايَرِدِون عليَّ حوضي . ومن لم يصدقهم على كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم ، وسَيَرِدُونَ عليَّ حوضي . يا كعب بن عجرة : الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، والصلاة قربان . يا كعب بن عجرة : إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت أبداً ، النار أولى به . يا كعب بن عجرة : الناس غاديان : فمبتاع نفسه فمعتقها ، أو بائعها فموبقها » . ومثله أحمد : 3 / 231 . وقوله صلى الله عليه وآله : لا يردون عليَّ الحوض ، أي لايسقون منه ولا يدخلون الجنة .
--------------------------- 16 ---------------------------
والجُنَّة : الحجاب من النار . والسُّحت : المال الحرام . والغادي : السائر في صبح النهار .
وفي مسند أحمد : 5 / 111 ، عن خباب قال : « إنا لقعودٌ على باب رسول الله ننتظرأن يخرج لصلاة الظهر ، إذ خرج علينا فقال : إسمعوا ، فقلنا : سمعنا ، ثم قال : إسمعوا ، فقلنا : سمعنا ، فقال : إنه سيكون عليكم أمراء فلا تعينوهم على ظلمهم ، فمن صدقهم بكذبهم فلن يَرِدَ عليَّ الحوض » . وروى نحوه « 5 / 384 » عن حذيفة ، وفيه : « فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منهم ولا يرد عليَّ الحوض » .
ونحوه في : 6 / 395 ، وأوسع منه في : 4 / 243 : عن كعب بن عجرة ، قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله أو دخل ونحن تسعة وبيننا وسادة من أدم فقال . . . وفي : 4 / 267 ، عن النعمان بن بشير قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن في المسجد بعد صلاة العشاء ، فرفع بصره إلى السماء ثم خفض حتى ظننا أنه قد حدث في السماء شئ ، فقال : ألا إنه سيكون بعدي أمراء يكذبون ويظلمون فمن صدقهم بكذبهم ومالأهم على ظلمهم فليس مني ولا أنا منه . الخ .
وفي مسند ابن المبارك / 163 ، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله : ستكون أمراء يغشاهم غواش أو حواش من الناس يظلمون ويكذبون ، فمن أعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم فليس مني . . الخ .
ونحوه الترمذي : 2 / 512 ، عن ابن عجرة . وفي : 2 / 137 ، بعضه ، عن جابر بن عبد الله ، وعن ابن عمر ، قال : خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن أربعة من العرب وخمسة من الموالي ، فقال : هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء فمن أعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم وغشى أبوابهم . . . ونحوه صحيح ابن حبان : 5 / 9 .
وفي الطبراني الكبير « 3 / 135 » عن ابن عَجْرة قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن تسعة ، خمسة من العرب وأربعة من العجم فقال : اسمعوا ، أما سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم .
ونحوه المسند الجامع : 10 / 749 ، عن ابن عمر ، والحاكم : 1 / 78 ، عن خباب ، وفي : 4 / 126 ، كما في عبد الرزاق وصححه ، وتاريخ بغداد : 5 / 361 . وفي الزوائد : 5 / 248 : أحمد والبزار ، وأحد أسانيد البزار رجاله الصحيح ، ورجال أحمد كذلك . . الخ .
--------------------------- 17 ---------------------------
وروى مسلم : 6 / 20 ، أنهم يكونون بعد النبي صلى الله عليه وآله مباشرة ! « عن حذيفة : قلت : يا رسول الله إنّا كنا بِشَرٍّ فجاء الله بخير فنحن فيه ، فهل من وراء هذا الخير شرٌّ ؟ قال : نعم . قلت هل وراء ذلك الشر خيرٌ ؟ قال : نعم ! قلت : فهل وراء ذلك الخير شر ؟ قال : نعم . قلت كيف ؟ قال : يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولايستنون بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الآدميين ! قال قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال : تسمع وتطيع للأمير ، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ، فاسمع وأطع » .
8 - وقال عمر إن النبي أسرَّ اليه كلاماً عن الأئمة المضلين !
مسند أحمد : 1 / 42 : قال عمر لكعب : « إني أسألك عن أمر فلا تكتمني ! قال : والله لا أكتمك شيئاً أعلمه ، قال : ما أخوف شئ تخوفه على أمة محمد ؟ قال : أئمة مضلين . قال عمر : صدقت قد أسر ذلك إليَّ وأعلمنيه رسول الله » .
وفي الزوائد : 5 / 239 : رواه أحمد ورجاله ثقات . وفي مسند الشاميين : 2 / 97 : « عن عمر قال : أسرَّ إليَّ رسول الله فقال : إن أخوف ما أخاف على أمتي أئمة مضلين ! قال كعب : فقلت : والله ما أخاف على هذه الأمة غيرهم » .
9 - وجاء النبي صلى الله عليه وآله إلى بيت عمر مرة وحيدة !
في حلية الأولياء : 5 / 119 ، عن عمر بن الخطاب قال : « أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بلحيتي وأنا أعرف الحزن في وجهه ، فقال : إنا لله وإنا اليه راجعون ! أتاني جبريل آنفاً فقال لي : إنا لله وإنا اليه راجعون ! فقلت : أجل إنا لله وإنا اليه راجعون ، فمِمَّ ذاك يا جبريل ؟ فقال : إن أمتك مفتتنة بعدك بقليل من دهر ، غير كثير ! فقلت : فتنة كفر أو فتنة ضلالة ؟ فقال : كلٌّ سيكون ! فقلت : ومن أين وأنت تاركٌ فيهم كتاب الله ؟ ! قال : فبكتاب الله يفتنون ، وذلك من قبل أمرائهم وقرائهم ! يمنع الناسَ الأمراءُ الحقوق فيظلمون حقوقهم ولا يعطونها ، فيقتتلون ويفتتنون . ويتَّبع القراء أهواء الأمراء فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ! فقلت : كيف يسلم من سلم منهم ؟ قال : بالكف والصبر . إن أعطوا الذي لهم أخذوه ، وإن منعوه تركوه » .
--------------------------- 18 ---------------------------
وفي الدر المنثور : 3 / 155 : « وأخرج الحكيم الترمذي عن عمر بن الخطاب قال : أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا أعرف الحزن في وجهه فأخذ بلحيتي فقال . . الخ . ورواه في الجليس الصالح / 599 ، والمعرفة والتاريخ / 580 .
ولم يُرْوَ أن النبي صلى الله عليه وآله ذهب إلى بيت عمر أبداً ، غير تلك المرة !
10 - سبب ابتلاء الأمة بهؤلاء الأئمة المضلين
سببه أن الأمة خالفت أمر نبيها صلى الله عليه وآله ورفضت أعظم عرض قدمه نبيٌّ لأمته !
فقد أحضرهم في مرض وفاته وعرض عليهم أن يكتب لهم عهداً يؤمِّنهم من الضلال إلى يوم القيامة ، ويجعلهم سادة العالم إلى يوم القيامة ! فأحسَّت قريش أنه يريد أن يكتب ولاية علي والعترة عليهم السلام رسمياً ، ويأخذ منهم إقراراً والتزاماً بالطاعة . فقام عمر وواجه النبي صلى الله عليه وآله قائلاً لا حاجة لنا بعهدك ، كتاب الله يكفينا ! وصاح الطلقاء القرشيون مؤيدين لعمر : القول ما قاله عمر ، القول ما قاله عمر ! حسبنا كتاب الله . لا تقربوا له شيئاً ، ولا يكتب شيئاً ، وقالوا كلمة الكفر : إن نبيكم يهجر ! وعلا صياحهم ولغطوا ! فصاح بعض الصحابة وبعض نساء النبي صلى الله عليه وآله : قربوا له يكتب لكم ! فقالوا : لا تُقَربوا له شيئاً ، استفهموه ، إنه يهجر ! وكانوا مستعدين إذا أصرَّ النبي صلى الله عليه وآله على كتابة عهده ، أن يعلنوا ردتهم عن الإسلام ويقولوا إنه لم يكن نبياً ، بل كان يريد تأسيس ملك لبني هاشم ! ولذلك أمره جبرئيل أن يطردهم فقال صلى الله عليه وآله : قوموا عني ! وهي المرة الوحيدة التي طرد فيها أصحابه ، فقال لهم كما في البخاري : « قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع ما أنا فيه خيرٌ مما تدعوني اليه » ! والذي يدعونه اليه أن يصرَّ على الكتابة ليكون مبرراً لهم لإعلان الردة ! فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه » !
ورواه بخاري : 1 / 36 ، وفي ست مواضع وخفف منه ما استطاع ! ورواه غيره بأوسع منه .
11 - أحاديث الشجرة الملعونة في القرآن تفسر المضلين
قال الله تعالى : وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا طُغْيَاناً كَبِيراً .
--------------------------- 19 ---------------------------
وروى السنة تفسير النبي صلى الله عليه وآله الآية بالأئمة المضلين من بني أمية ، كما في مجمع الزوائد : 5 / 243 ، عن أبي يعلى ووثقه : « عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى في منامه كأن بني الحكم ينزون على منبره وينزلون ! فأصبح كالمتغيظ فقال : ما لي رأيت بني الحكَم ينزون على منبري نَزْوَ القردة ؟ ! قال : فما رؤي رسول الله صلى الله عليه وآله مستجمعاً ضاحكاً بعد ذلك حتى مات » !
ورواه في مجمع الزوائد : 5 / 240 ، عن ابن عمرو ، وصححه ، قال : « كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وآله وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني فقال صلى الله عليه وآله ونحن عنده : ليدخلنَّ عليكم رجل لعين ! فوالله ما زلت وجلاً أتشوَّف خارجاً وداخلاً ، حتى دخل فلان . يعني الحكم » .
وفي معجم الطبراني الكبير : 3 / 90 ، عن الحسن بن علي رضي الله عنه أنه قالَ لِمن اعترض على صلحه مع معاوية : « رحمك الله فإن رسول الله قد أريَ بني أمية يخطبون على منبره رجلاً فرجلاً فساءه ذلك ، فنزلت هذه الآية : إنَّا أعطيناك الكوثَرْ ، نهر في الجنة . ونزلت : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، تملكه بنو أمية ! قال القاسم : فحسبنا ذلك فإذا هو ألفٌ لا يزيد ولا ينقص » .
والبيهقي في فضائل الأوقات / 211 ، والترمذي : 5 / 115 ، والحاكم : 3 / 170 ، وصححه . ونحوه في : 3 / 175 ، و 4 : / 74 .
وفي فتح الباري : 8 / 287 : « عن ابن عباس أنه سأل عمر عن هذه الآية : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ؟ فقال مَن هم ؟ قال : هم الأفجران من بني مخزوم وبني أمية ، أخوالي وأعمامك ! فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر ، وأما أعمامك فأملى الله لهم إلى حين » !
وقال عن حديث علي عليه السلام : « وهو عند عبد الرزاق أيضاً ، والنسائي ، وصححه الحاكم » .
أقول : يقصد عمر بأخواله : بني مخزوم ، وكان ينسب إليهم أمه حنتمة ، وكان خالد بن الوليد لا يقر له بذلك . ويشير عمر إلى قوله تعالى : لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ ، لكن معنى الآية : أن الإرادة الإلهية أن يُمهل بعض قبائل قريش ، وأن يقطع طرفاً منهم كبني عبد الدار ، ويستأصلهم ويخرجهم من ساحة الصراع مع الإسلام ! لذلك لم نرَ لهم أيَّ دور مهم في التاريخ وقد كانوا فرسان قريش وأصحاب حربها ، وقد قَتَلَ علي عليه السلام منهم في بدر وأحُد بضعة عشر فارساً ، كلهم أبطالٌ حَمَلةُ الراية !
--------------------------- 20 ---------------------------
وبنو المغيرة هم العائلة المالكة في بني مخزوم ، وقد انطفأوا بعد مقتل أبي جهل في بدر ، وبرز منهم عسكري واحد هو خالد بن الوليد ، وطمع ابنه عبد الرحمن بالخلافة فقتله معاوية ! كما انتهت تيْمٌ وعديٌّ بعد أبي بكر وعمر ، فلم يبق في الساحة السياسية إلا بنو أمية وهاشم !
أما مصادرنا فروت أن كل قريش مسؤولة عن تبديل نعمة الله كفراً ، وليس بني أمية وبني مخزوم فقط ! قال الإمام الصادق عليه السلام لأحدهم : « ما تقولون في ذلك ؟ فقال : نقول : هما الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة . فقال عليه السلام : بل هي قريش قاطبة ! إن الله خاطب نبيه فقال : إني قد فضلت قريشاً على العرب وأتممت عليهم نعمتي ، وبعثت إليهم رسولاً ، فبدلوا نعمتي وكذبوا رسولي » . « العياشي : 2 / 229 » .
وقال الإمام الباقر عليه السلام « الكافي : 8 / 345 » : « أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً كئيباً حزيناً فقال له علي عليه السلام : ما لي أراك يا رسول الله كئيباً حزيناً ؟ فقال : وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه أن بني تيم وبني عدي وبني أمية يصعدون منبري هذايردُّون الناس عن الإسلام القهقرى ! فقلت : يا رب في حياتي أوبعد موتي ؟ فقال : بعد موتك » !
12 - صححوا حديث : الخلافة بعدي ثلاثون سنة
أحمد : 4 / 273 : عن النعمان بن بشير قال : « كنا قعوداً في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وكان بشير رجلاً يكفُّ حديثه ، فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال : يا بشير بن سعد ، أتحفظ حديث رسول الله في الأمراء ؟ فقال حذيفة : أنا أحفظ خطبته ، فجلس أبو ثعلبة فقال حذيفة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن يكون ، ثم يرفعه إذا شاء أن يرفعه ، ثم تكون ملكاً جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، ثم سكت .
قال حبيب : فلما قام عمر بن عبد العزيز ، وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته ، فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه فقلت له : إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين يعني عمر ،
--------------------------- 21 ---------------------------
بعد الملك العاض والجبرية . فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فسُرَّ به » .
وفي الطيالسي / 31 ، عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « إن الله عز وجل بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة ، وكائناً خلافة ورحمة ، وكائناً ملكاً عضوضاً ، وكائناً عنوةً وجبريةً وفساداً في الأرض ، يستحلون الفروج والخمور والحرير ، ويُنصرون على ذلك ويُرزقون أبداً ، حتى يلقوا الله » .
وفي الدارمي : 2 / 114 ، عن أبي عبيدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « أول دينكم نبوة ورحمة ، ثم ملك ورحمة ، ثم ملك أعفر ، ثم ملك وجبروت ، يستحل فيها الخمر والحرير . قال أبو محمد : سئل عن أعفر فقال : يشبه بالتراب وليس فيه خير » .
ونحوه أبو يعلى : 2 / 177 ، وفيه : عتواً وجبرية وفساداً في الأمة . ونحوه الطبراني الكبير : 11 / 88 ، وفيه : ثم يتكادمون عليها تكادم الحُمُر » .
ومعنى : ملكاً جبرية : تسلطاً غير شرعي بالإجبار والقهر . وملكاً عاضاً أو عضوضاً : شديد الظلم على الناس ، يعضهم كالكلب ! وهو حديث صحيح يُفسر الأئمة المضلين ببني أمية وينص على أن حكم معاوية ومن بعده إلى عمر بن عبد العزيز حكمٌ جبري ظالم ، غير شرعي !
وقال في فتح الباري : 8 / 61 : « وإشارته بهذا الكلام تطابق الحديث الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن ، وصححه ابن حبان وغيره من حديث سفينة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تصير ملكاً عضوضاً » . وقال في : 1 / 543 : « وغالب طرقها صحيحة أو حسنة » . وفي صحيحة الألباني : 1 / 742 : « رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم ، وهذا من دلائل صدق نبوة النبي صلى الله عليه وآله فإن أبا بكر تولى عام 11 ، وتنازل عنها الحسن بن علي عام 41 . وهي ثلاثون عاماً كاملة » .
ونحن نُلزمهم بهذا الحديث الذي ينفي شرعية حكم معاوية وأمثاله ، لكنا لا نقبل خلافتهم ولا هذا الحديث ، لأنه يناقض وصية النبي الصحيحة صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام . كما نعتبره محاولة لإخراج ابن عبد العزيز من ذم النبي صلى الله عليه وآله لكل بني أمية !
--------------------------- 22 ---------------------------
13 - حكم الأئمة المضلين يستمرحتى ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
في عقد الدرر للسلمي / 62 ، عن حذيفة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : « ويحُ هذه الأمة من ملوك جبابرة كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم ، فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه ويفرُّ منهم بقلبه . فإذا أراد الله عز وجل أن يعيد الإسلام عزيزاً قصم كل جبار ، وهو القادر على ما يشاء أن يصلح أمة بعد فسادها . فقال صلى الله عليه وآله : يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي ، تجري الملاحم على يديه ، ويُظهر الإسلام ، لا يخلف وعده ، وهو سريع الحساب . أخرجه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في صفة المهدي » . والعرف الوردي : 2 / 2 ، والبرهان / 92 ، وينابيع المودة / 448 . وقوله صلى الله عليه وآله : لطول الله ذلك اليوم : كناية عن حتمية ظهور المهدي عليه السلام . والملاحم : جمع ملحمة وأصلها المعركة التي يلتحم فيها الناس ، وتطلق على الأحداث الكبيرة .
- *
--------------------------- 23 ---------------------------
الفصل الثاني : عقيدة الدجال ، عقيدة الدجال عند المسلمين واليهود والمتهوكين
--------------------------- 24 ---------------------------
1 - عقيدة الدجال في أحاديث أهل البيت عليهم السلام
1 . أولها أن الدجال عندنا يهودي يقوم بحركة عالمية ضد الإمام المهدي عليه السلام بعد ظهوره وإقامته دولته العالمية ونزول عيسى عليه السلام . وأتباع الدجال يهود ونواصب ، ويظهر أنه يستفيد من تطور العلوم يومها ، ويستعمل الدجل والشعبذة .
وفي كمال الدين / 528 ، عن ابن عمر : « أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب » .
2 . لا وجود في أحاديثنا لمخاريق الدجال ، التي امتلأت بها مصادر غيرنا .
3 . جعل كعب الأحبار خروج الدجال بعد فتح القسطنطينية مباشرة ، وجعل قيام الساعة بعده ! ورفضت ذلك مصادرنا ، لأن دولة العدل الإلهي تستمر طويلاً .
4 . الدجال في مصادرنا آخر الطواغيت وآخر أئمة الضلال ، ففي الكافي : 8 / 296 ، عن الإمام الباقر عليه السلام ، من حديث : « وإنه ليس من أحد يدعو إلى أن يخرج الدجال ، إلا سيجد من يبايعه . ومن رفع راية ضلالة فصاحبها طاغوت » .
وعن علي عليه السلام قال : « سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله لا تسألوني عن فئة تهدي مائة ، إلا أخبرتكم بسائقها وناعقها ، حتى يخرج الدجال » . « البصائر / 317 » .
فتعبير : إلى أن يخرج الدجال ، أو حتى يخرج ، يدل على أنه آخر الطواغيت .
5 . عامة أعداء أهل البيت عليهم السلام أتباع الدجال ، ففي أمالي الطوسي : 1 / 59 ، عن رافع مولى أبي ذر قال : « رأيت أبا ذر رحمه الله آخذاً بحلقة باب الكعبة ، مستقبل الناس بوجهه وهو يقول : من عرفني فأنا جندب الغفاري ، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من قاتلني في الأولى ، وقاتل أهل بيتي في الثانية ، حشره الله تعالى في الثالثة مع الدجال . إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ، ومثل باب حطة من دخله نجا ، ومن لم يدخله هلك » . ونحوه أمالي الطوسي : 2 / 74 ، والكشي 1 / 115 .
وروت نحوه مصادر السنيين بدون ذكر الدجال ، كمسند الشهاب : 2 / 273 ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي ذر . والطبراني الصغير : 1 / 139 ، وفيه : مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح ، من ركبها نجا ، ومثل باب حطة في بني إسرائيل . والحاكم : 3 / 150 ، وفيه :
--------------------------- 25 ---------------------------
عن حنش الكناني قال : سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقول وهو آخذ بباب الكعبة : من عرفني فأنا من عرفني ، ومن أنكرني فأنا أبو ذر . . . ورواه ابن المغازلي / 68 و / 134 ، والشجري : 1 / 151 ، وميزان الإعتدال : 1 / 482 ، ومقتل الخوارزمي : 1 / 104 ، وكشف الهيثمي : 3 / 222 ، كلها كمسند الشهاب . والزوائد : 9 / 168 .
وفي المحاسن 1 / 90 ، عن الإمام الصادق عليه السلام : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً . قيل : يا رسول الله وإن شهد الشهادتين ! قال : نعم إنما احتجب بهاتين الكلمتين عن سفك دمه ، أو يؤدي الجزية وهو صاغر . ثم قال : من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً ! قيل : وكيف يا رسول الله ؟ قال : إن أدرك الدجال آمن به » .
وفي رجال الكشي : 2 / 697 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ثم أسكنها الهواء ، فما تعارف منها ائتلف هاهنا ، وما تناكر منها ثَمَّ اختلف هاهنا ، ومن كذب علينا أهل البيت حشره الله يوم القيامة أعمى يهودياً ، وإن أدرك الدجال آمن به ، وإن لم يدركه آمن به في قبره » .
وفي مشارق أنوار اليقين / 52 : « عن أبي سعيد ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أيها الناس من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً لا ينفعه إسلامه ، وإن أدرك الدجال آمن به ، وإن مات بعثه الله من قبره حتى يؤمن به » .
ورواه البسوي في المعرفة والتاريخ / 833 ، عن حذيفة ، وفي نسخته تصحيف . ومعنى ذلك أن النواصب سيكونون حلفاء اليهود وأتباعهم في زمن المهدي عليه السلام !
6 . وروينا تحريم المدينة على الدجال ، ورووا شبيهاً به ، ففي من لا يحضره الفقيه : 2 / 564 : « وروي أن الصادق عليه السلام ذكر الدجال فقال : لا يبقى منها سهل إلا وطأه إلا مكة والمدينة ، فإن على كل نقب من أنقابها ملكاً يحفظهما من الطاعون والدجال » .
لكنا لم نرو استثناءاتهم ، التي نقضوا بها ذلك وجعلوا الدجال يدخل المدينة !
7 . توجد رواية مرسلة قد يفهم منها أن الدجال يفتك بأهل البصرة ، ففي شرح النهج لابن ميثم البحراني : 1 / 289 ، أن علياً عليه السلام : « لما فرغ من حرب أهل الجمل أمر منادياً ينادي في أهل البصرة أن الصلاة جامعة لثلاثة أيام من غد إن شاء الله ، ولا عذر لمن تخلف إلا من حجة أو علة ، فلا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً ، فلما كان في اليوم الذي اجتمعوا فيه
--------------------------- 26 ---------------------------
خرج فصلى في الناس الغداة في المسجد الجامع ، فلما قضى صلاته ، قام فأسند ظهره إلى حائط القبلة عن يمين المصلي ، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله واستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، ثم قال : يا أهل المؤتفكة ، ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى الله تمام الرابعة ، يا جند المرأة وأعوان البهيمة ، رغا فأجبتم وعقر فهربتم ، أخلاقكم دقاق وماؤكم زعاق ، بلادكم أنتن بلاد الله تربة ، وأبعدها من السماء ، بها تسعة أعشار الشر ، المحتبس فيها بذنبه ، والخارج منها بعفو الله ، كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد ، كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر !
فقام إليه الأحنف بن قيس فقال : يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك ؟
قال : يا أبا بحر إنك لن تدرك ذلك الزمان ، وإن بينك وبينه لقروناً ، ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم ، لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دوراً وآجامها قصوراً ، فالهرب الهرب ، فإنه لا بُصَيْرَةَ لكم يومئذ ! ثم التفت عن يمينه فقال : كم بينكم وبين الأبلة ؟ فقال له المنذر بن الجارود : فداك أبي وأمي ، أربعة فراسخ . قال له : صدقت فوالذي بعث محمداً وأكرمه بالنبوة وخصه بالرسالة وعجل بروحه إلى الجنة ، لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال : يا علي هل علمت أن بين التي تسمى البصرة والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ ، وقد يكون في التي تسمى الأبُلَّة موضع أصحاب العشور ، يقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألفاً ، شهيدهم يومئذ بمنزلة شهداء بدر !
فقال له المنذر : يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي وأمي ؟ قال : يقتلهم إخوان الجن ، وهم جيل كأنهم الشياطين ، سود ألوانهم ، منتنة أرواحهم ، شديد كَلَبُهم ، قليل سلبهم ، طوبى لمن قتلهم ، وطوبى لمن قتلوه ، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل ذلك الزمان ، مجهولون في الأرض معروفون في السماء ، تبكي السماء عليهم وسكانها والأرض وسكانها ، ثم هملت عيناه بالبكاء ، ثم قال : ويحك يا بصرة من جيش لارهَجَ له ولا حس ! قال له المنذر : يا أمير المؤمنين وما الذي يصيبهم من قبل الغرق مما ذكرت ، وما الويح ، وما الويل ؟ فقال : هما بابان ، فالويح باب الرحمة والويل باب العذاب .
يا ابن الجارود ، نعم ، ثارات عظيمة منها عصبة يقتل بعضها بعضاً ، ومنها فتنة تكون
--------------------------- 27 ---------------------------
بها خراب منازل ، وخراب ديار ، وانتهاك أموال ، وقتل رجال ، وسبي نساء يذبحن ذبحاً ، يا ويل أمرهن حديث عجب ، منها أن يستحل بها الدجال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى والأخرى كأنها ممزوجة بالدم لكأنها في الحمرة علقة ، ناتئ الحدقة كهيئة حبة العنب الطافية على الماء ، فيتبعه من أهلها عدة من قتل بالأبلة من الشهداء ، أناجيلهم في صدورهم ، يقتل من يقتل ويهرب من يهرب . ثم رجف ثم قذف ، ثم خسف ، ثم مسخ ، ثم الجوع الأغبر ، ثم الموت الأحمر وهو الغرق .
يا منذر ، إن للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في الزبر الأول ، لا يعلمها إلا العلماء منها الخريبة ، ومنها تدمر ، ومنها المؤتفكة . يا منذر ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لو أشاء لأخبرتكم بخراب العرصات ، عرصة عرصة ، ومتى تخرب ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة ، وإن عندي من ذلك علماً جماً ، وإن تسألوني تجدوني به عالماً ، لا أخطئ منه علماً .
قال : فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة ومن أهل الفرقة ، ومن أهل السنة ، ومن أهل البدعة ؟ فقال : ويحك إذا سألتني فافهم عني ولا عليك أن لا تسأل أحداً بعدي : أما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلوا ، وذلك الحق عن أمر الله وأمر رسوله ، وأما أهل الفرقة فالمخالفون لي ولمن اتبعني وإن كثروا ! وأما أهل السنة فالمتمسكون بما سنه الله ورسوله صلى الله عليه وآله لا العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا » .
لكنها خطبة مرسلة ، لا يمكن الأخذ بها ، ما عدا القسم الأول إلى قوله عليه السلام : « كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر » لأن المؤرخين رووه ، ورواه ابن أبي الحديد ، وابن منظور .
ثم إن الفقرة التي ذكرت الدجال فيها مبهمة وهي : « يستحل بها الدجال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى . . » فلعل المقصود دجال حركة الزنج التي وصفها الإمام عليه السلام في مطلع الخطبة ، وقد تحققت وانطبقت عليه أوصافه : « سودٌ ألوانهم منتنة أرواحهم ، أي رائحتهم ، شديد كَلَبُهم ، قليل سلبهم ، طوبى لمن قتلهم » .
8 . وصح عندنا أن بداية حركة الدجال من بلخ ، في أفغانستان ، ففي البصائر / 141 ، أن رجلاً من أهل بلخ دخل على الإمام الباقر عليه السلام فقال له : « ياخراساني تعرف وادي كذا وكذا ؟ قال : نعم قال له : تعرف صدعاً في الوادي من صفته كذا وكذا ؟ قال : نعم ، قال : من ذلك
--------------------------- 28 ---------------------------
يخرج الدجال ! في حديث طويل جاء فيه : « وخروج رجل من ولد الحسين بن علي ، وظهور الدجال يخرج بالمشرق من سجستان ، وظهور السفياني » .
ومعناه أن حركته تبدأ من قرى ذلك الوادي .
9 . وروينا أن الذي يقتل الدجال هو الإمام المهدي عليه السلام ، ويساعده نبي الله عيسى عليه السلام ففي كمال الدين : 2 / 335 ، عن المفضل : قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام : « إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام ، فهي أرواحنا ، فقيل له : يا ابن رسول الله ، ومن الأربعة عشر ؟ فقال : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين ، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال ، ويطهر الأرض من كل جور وظلم » .
وفي منتخب الأثر للشيخ الصافي / 172 ، عن الكامل في السقيفة لعماد الدين الطبري ، عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : « إن الله تعالى أعطانا الحلم والعلم والشجاعة والسخاوة والمحبة في قلوب المؤمنين ، ومنا رسول الله ووصيه ، وسيد الشهداء ، وجعفر الطيار في الجنة ، وسبطا هذه الأمة ، والمهدي الذي يقتل الدجال » .
10 . وروينا أن المسيح يساعد المهدي عليه السلام على الدجال ، ففي أمالي الصدوق / 224 ، عن حماد ، عن عبد الله بن سليمان ، وكان قارئاً للكتب ، قال : « قرأت في الإنجيل : يا عيسى جِدَّ في أمري ولا تهزل ، واسمع وأطع ، يا ابن الطاهرة الطهر البكر البتول ، أتيتَ من غير فَحْل ، أنا خلقتك آية للعالمين ، فإياي فاعبد وعليَّ فتوكل . خذ الكتاب بقوة . فَسِّرْ لأهل سوريا بالسريانية . بَلِّغْ من بين يديك أني أنا الله الدائم الذي لا أزول . صدقوا النبي الأمي صاحب الجمل والمدرعة والتاج والنعلين والهراوة ، الأنجل العينين ، الصلت الجبين ، الواضح الخدين ، الأقنى الأنف ، المفلج الثنايا . . ذو النسل القليل ، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب ، يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك ، لها فرخان مستشهدان . كلامه القرآن ، ودينه الإسلام ، وأنا السلام . طوبى لمن أدرك زمانه ، وشهد أيامه وسمع كلامه . قال عيسى : يا رب وما طوبى ؟ قال : شجرة في الجنة أنا غرستها ، تُظِلُّ الجنان ، أصلها من رضوان ، ماؤها من تسنيم ، برده برد الكافور ، وطعمه الزنجبيل ، من يشرب من تلك العين شربةً لا يظمأ بعدها أبداً . فقال عيسى : اللهم اسقني منها . قال : حرام يا عيسى
--------------------------- 29 ---------------------------
على البشر أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي ، وحرام على الأمم أن يشربوا منها حتى تشرب أمة ذلك النبي . أرفعك إليَّ ثم أهبطك في آخر الزمان ، لترى من أمة ذلك النبي العجائب ، ولتعينهم على اللعين الدجال ، أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم . إنهم أمة مرحومة » .
11 . وروينا أن الحياة تستمر بعد الدجال ، رداً على الذين زعموا أن يأجوج ومأجوج يأتون بعده ، ثم تنتهي الحياة وتقوم القيامة ! ففي الكافي : 5 / 260 ، عن سيابة أن رجلاً سأل الصادق عليه السلام فقال : « جعلت فداك أسمع قوماً يقولون إن الزراعة مكروهة ! فقال له : إزرعوا واغرسوا ، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحل ولا أطيب منه ، والله ليزرعن الزرع وليُغْرَسَنَّ النخلُ بعد خروج الدجال » .
12 . وجاء في بعض رواياتنا ، ما يوافق رواياتهم الكثيرة من أن الدجال من علامات القيامة ، لكن بعض أسانيدها يلتقي بأسانيدهم التي لا تصح عندنا ، فلا نقول بصحتها ، ولا بترتيب علامات القيامة التي ذكرت فيها .
من ذلك ما في غيبة الطوسي / 267 ، عن علي عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « عشر قبل الساعة لا بد منها : السفياني ، والدجال ، والدخان ، والدابة ، وخروج القائم ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى ، وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قعر عدن ، تسوق الناس إلى المحشر » .
والظاهر أن مقصوده صلى الله عليه وآله أنه لا قيامة قبل هذه الأمور ، لا أنها علاماتها بالترتيب .
13 . ووصفت رواياتنا المنافق في تشيعه بأنه أضر على الشيعة من الدجال ، ففي صفات الشيعة للصدوق / 14 ، عن الإمام الرضا عليه السلام قال : « إن ممن يتخذ مودتنا أهل البيت لَمَنْ هو أشد فتنة على شيعتنا من الدجال ! فقلت : يا ابن رسول الله بماذا ؟ قال : بموالاة أعدائنا ومعاداة أوليائنا ! إنه إذا كان كذلك ، اختلط الحق بالباطل واشتبه الأمر ، فلم يعرف مؤمن من منافق » .
كما وصفت الكذابين بأنهم مهيؤون ليتبعوا الدجال ! ففي كتاب سليم / 405 ، عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « إحذروا على دينكم ثلاثة رجال : رجل قرأ القرآن حتى إذا رأى عليه بهجته ، كاد الإيمان ، واخترط سيفه على أخيه المسلم ورماه بالشرك . قلت : يا رسول الله ، أيهما أولى بالشرك ؟ قال : الرامي به منهما .
--------------------------- 30 ---------------------------
ورجل استخفته الأحاديث ، كلما انقطعت أحدوثة كذب مثلها أطول منها ، إن يدرك الدجال يتبعه . ورجل آتاه الله عز وجل سلطانا فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ، وكذب ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، لا طاعة لمن عصى الله ، إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال : أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ، لأن الله إنما أمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية الله ، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية الله » . وروى ابن حماد : 2 / 520 بعضه ، وفيه : « كلما وضع أحدوثة كذب وانقطعت ، مدها بأطول منها ، إن يدرك الدجال يتبعه » .
14 . وروينا أن أشر الناس أئمة الضلال وهم اثنا عشر ، ستة من الأولين ، وستة من الآخرين أحدهم الدجال ، ففي الخصال / 457 عن النبي صلى الله عليه وآله : « اثنا عشر ، ستة من الأولين وستة من الآخرين ، ثم سمى الستة من الأولين : ابن آدم الذي قتل أخاه ، وفرعون ، وهامان ، وقارون والسامري ، والدجال ، اسمه في الأولين ، ويخرج في الآخرين » .
وفي كتاب سليم رحمه الله / 161 عن علي عليه السلام : « فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله عنهم وأنتم شهود ، فقال : أما الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه ، وفرعون الفراعنة ، والذي حاج إبراهيم في ربه ، ورجلان من بني إسرائيل بدَّلا كتابهم وغيَّرا سنتهم ، أما أحدهما فهوَّدَ اليهود ، والآخر نَصَّرَ النصارى . وإبليس سادسهم . وفي الآخرين الدجال » .
2 - عقيدة اليهود في الدجال !
1 . الدجال هو المهدي الموعود عند اليهود : قال المناوي في فيض القدير : 3 / 718 : « قال البسطامي : الدجال مهدي اليهود ، ينتظرونه كما ينتظر المؤمنون المهدي ! ونقل عن كعب الأحبار أنه رجل طويل عريض الصدر ، مطموسٌ ، يدعي الربوبية ، معه جبل من خبز ، وجبل من أجناس الفواكه ، وأرباب الملاهي جميعاً يضربون بين يديه بالطبول والعيدان والمعازف والنايات ، فلا يسمعه أحد إلا تبعه ، إلا من عصمه الله ! قال : ومن أمارات خروجه تهب ريح كريح قوم عاد ويسمعون صيحة عظيمة ، وذلك عند ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
--------------------------- 31 ---------------------------
وكثرة الزنا ، وسفك الدماء ، وركون العلماء إلى الظلمة ، والتردد إلى أبواب الملوك .
ويخرج من ناحية المشرق من قرية تسمى دسر أبادين ، ومدينة الهوازن ، ومدينة أصبهان ، ويخرج على حمار ، وهو يتناول السحاب بيده ويخوض البحر إلى كعبيه ، ويستظل في أذن حماره خلق كثير ، ويمكث في الأرض أربعين يوماً ، ثم تطلع الشمس يوماً حمراء ، ويوماً صفراء ، ويوماً سوداء ، ثم يصل المهدي وعسكره إلى الدجال ، فيلقاه فيقتل من أصحابه ثلاثين ألفاً ، فينهزم الدجال ، ثم يهبط عيسى إلى الأرض ، وهو متعمم بعمامة خضراء ، متقلد بسيف ، راكب على فرسه ، وبيده حربة ، فيأتي إليه فيطعنه بها فيقتله » . انتهى .
2 . وسَمَّوْه : ملك آخر الزمان ! « أخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله تعالى : لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ، قالوا : يكون منا ملك في آخر الزمان : البحر إلى ركبتيه والسحاب دون رأسه ، يأخذ الطير بين السماء والأرض ، معه جبل خبز ونهر ، فنزلت : لخلق السماوات والأرض أكبر . . . » . « الدر المنثور : 5 / 353 » .
وفي الإقبال للسيد ابن طاووس : 2 / 319 ، في حديث مناظرة النبي صلى الله عليه وآله لوفد علماء نجران أن أحدهم واسمه حارثة أسلم ، وقال لهم : « وأحذركم يا قوم أن يكون مَن قَبْلكم من اليهود أسْوَةً لكم ، إنهم أُنذروا بمسيحين : مسيح رحمة وهدى ، ومسيح ضلالة ، وجعل لهم على كل واحد منهما آية وأمارة ، فجحدوا مسيح الهدى وكذبوا به ، وآمنوا بمسيح الضلالة الدجال ، وأقبلوا على انتظاره ، وأضربوا في الفتنة وركبوا نَتَجَهَا . ومن قبل نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، وقتلوا أنبياءه والقوامين بالقسط من عباده ، فحجب الله عز وجل عنهم البصيرة بعد التبصرة ، بما كسبت أيديهم ، ونزع ملكهم منهم ببغيهم ، وألزمهم الذلة والصغار » .
وفي الرواية أن كبيرهم واسمه العاقب لم يردَّ كلام صاحبه ، بل ناقشه في تطبيق مسيح الهدى على النبي صلى الله عليه وآله ، ومعناه أنه أقر بوجود بشارة نبوية عندهم بنبي ودجال . وستعرف أنهم سموا المسيح عليه السلام المشيح ، وسموه المجدف ، يقصدون أنه مسيح الضلالة أو الدجال ، معاذ الله . فاسم المسيح الدجال تسمية يهودية !
وقال الطبري في تاريخه : 1 / 12 : « وزعموا أن اليهود إنما نقصوا ما نقصوا من عدد سني ما بين تاريخهم وتاريخ النصارى ، دفعاً منهم لنبوة عيسى بن مريم عليه السلام ، إذ كانت صفته
--------------------------- 32 ---------------------------
ووقت مبعثه مثبتة في التوراة ، وقالوا لم يأت الوقت الذي وقت لنا في التوراة ، أن الذي صفته صفة عيسى يكون فيه ! وهم ينتظرون بزعمهم خروجه ووقته . فأحسب أن الذي ينتظرونه ويدعون أن صفته في التوراة مثبتة هو الدجال الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله لأمته ، وذكر لهم أن عامة أتباعه اليهود ، فإن كان ذلك هو عبد الله بن صياد ، فهو من نسل اليهود » .
3 . والدجال الذي أنذر به الأنبياء عليهم السلام شخص مذموم ، لكن اليهود تعصبوا له لأنه « ملك يهودي » يبعثه الله ليأكل أعداءهم كالوحش ! ونشروا الرعب منه في المسلمين بواسطة الصحابة المتهوكين !
وجاء الحاخام كعب الأحبار فجعلته الخلافة مرجعاً دينياً للمسلمين ، فنشر الإسرائيليات وعقيدة الدجال اليهودية ، وحاول تطويرها لئلا ينكشف أمره للمسلمين ، فوقع في التناقض والتهافت !
4 . وزعم كعب الأحبار أن الدجال شيطان مقيَّد في جزيرة ، وسوف يُطلق ! فقد روى ابن حماد : 2 / 541 ، عن الكلاعي صاحب كعب : « ليس الدجال إنساناً ، إنما هو شيطان في بعض جزائر البحر ، موثق بسبعين حلقة ، لا يُعلم من أوثقه أسليمان أم غيره ؟ فإذا كان أول ظهوره فكَّ الله عنه في كل عام حلقة ، فإذا برز أتته أتان عرض ما بين أذنيها أربعون ذراعاً بذراع الجبار ! وذلك فرسخ للراكب المحثّ ، فيضع على ظهرها منبراً من نحاس ويقعد عليه فتبايعه قبائل الجن ويخرجون له كنوز الأرض ، ويقتلون له الناس » . وفتح الباري : 13 / 277 .
5 . ونشر اليهود التخويف من الدجال من زمن النبي صلى الله عليه وآله ! « جاء أعرابي فقال : يا رسول الله بلغنا أن المسيح يعني الدجال ، يأتي الناس بالثريد وقد هلكوا جميعاً جوعاً ! أفتَرى بأبي أنت وأمي أن أكُفَّ عن ثريده تعففاً وتزهداً ؟ ! فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال : يغنيك الله بما يغني به المؤمنين » . « المناقب : 1 / 129 » .
وروى ابن حماد : 2 / 581 ، ووثقه في الزوائد : 7 / 338 ، عن الشيباني قال : « كنت مع حذيفة بن اليمان في المسجد ، إذ جاء أعرابي يهرول حتى وقف بين يديه فقال : أخَرَجَ الدجال ؟ ! فقال حذيفة : أنا لما دون الدجال أخوفُ مني للدجال . وما الدجال ! إنما فتنته أربعون يوماً . . » . ونحوه عبد الرزاق : 11 / 392 ، وابن أبي شيبة : 8 / 653 ، وأحمد : 6 / 454 . ولفظ الطبري في الأحاديث الطوال / 125 ، أصح .
أقول : لاحظ أن دعاية اليهود عن الدجال وصلت إلى الأعراب ، وقد سماه الأعرابي المسيح فقط كما سمعه من اليهود ، أو من الصحابة المتهوكين . ومعناه أن اليهود أوصلوا ثقافة الرعب
--------------------------- 33 ---------------------------
من الدجال حتى إلى الأعراب ، وأن المتهوكين من الصحابة كتموا تطمينات النبي صلى الله عليه وآله ونشروا تخويفات اليهود !
ثم اقرأ وتعجب في مصنف ابن شيبة : 8 / 649 ، وأحمد : 6 / 75 : « عن عائشة قالت : دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وآله وأنا أبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت يا رسول الله ذكرت الدجال ، قال : فلا تبكي فإن يخرج وأنا حي أكفيكموه ، وإن أمت فإن ربكم ليس بأعور ، وإنه يخرج معه يهود أصبهان فيسير حتى ينزل بضاحية المدينة ، ولها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان ، فيخرج إليه شرار أهلها ، فينطلق حتى يأتي لُدّ فينزل عيسى بن مريم فيقتله ، ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة أو قريباً من أربعين سنة ، إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً » .
فبكاء عائشة يدل على تأثرها بأحاديث اليهود وتصديقها لها ، فطمأنها النبي صلى الله عليه وآله ! لكنها بقيت تُخوِّف الناس بالدجال !
فقد روى الضحاك في الآحاد والمثاني : 6 / 208 ، أن عائشة وحفصة رأتا سَوْدة وقد تزينت ، فقالتا لها : خرج الدجال ، خرج الدجال ! فخافت سودة : « وكانت امرأة طويلة ، فدخلت خباء كان لوقودهم ! قالت : واستضحكنا ، فدخل رسول الله فإذا سودة تنتفض فقال : مالك ؟ فقالت : يا رسول الله خرج الدجال ؟ فقال : لا ، وهو خارج ؟ فأخذ بيدها وأخرجها وجعل ينفض بكم قميصه عن وجهها ، وعن خمارها أثر الدخان ونسج العنكبوت » ! ورواه ابن كثير في سيرته : 4 / 644 ، عن عائشة ، وفيها : « فاختبأت في بيت كانوا يوقدون فيه . . . فخرجت وجعلت تنفض عنها بيض العنكبوت » .
6 . وزاد تخويفهم للمسلمين من الدجال في حجة الوداع ! فقد روى البخاري في صحيحه : 5 / 125 ، عن ابن عمر قال : « كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي بين أظهرنا ولا ندري ما حجة الوداع ! فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره ، وقال : ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته ، أنذره نوح والنبيون من بعده ، وإنه يخرج فيكم ، فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم أن ربكم « ثلاثاً » ليس بأعور ، وإنه أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية ! ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا . ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد ثلاثاً ، ويلكم أو ويحكم :
--------------------------- 34 ---------------------------
أنظروا لا ترجعوا بعدي كفاراً ، يضرب بعضكم رقاب بعض » . ونحوه أحمد : 2 / 135 ، وصححه في الزوائد : 7 / 338 ، والطبراني الكبير : 12 / 275 ، وأبو يعلى : 9 / 435 ، وتاريخ دمشق : 45 / 324 .
ومعناه أن أحاديث الدجال كانت منتشرة قرب وفاة النبي صلى الله عليه وآله ، ولعل مجئ الأعرابي كان في تلك الفترة أيضاً ، وكذا تخويف عائشة وحفصة لسودة ، وكذا مقولات بعض الصحابة ، كمقولة : « عبد الله بن الحرث بن جزء ، قال : ما كنا نسمع فزعة ولا رجة في المدينة إلا ظننا أنه الدجال ، لِما كان رسول الله يحدثنا عنه ويقربه لنا » ! « الزوائد : 7 / 336 » .
فلا يبعد أن تكون إشاعة قرب خروج الدجال ، من الأدوات التي استعملها اليهود والطلقاء في الشهرين الأخيرين من حياة النبي صلى الله عليه وآله ، للسيطرة على دولته !
7 . سمى اليهود المسيح عليه السلام بالدجال ! وتبعهم رواة السلطة فسموا الدجال المسيح ، وعللوا ذلك بأن « إحدى عينه مطموسة ، والأخرى ممزوجة بالدم كأنها الزهرة » . « ابن حماد : 2 / 518 » . ونسبوه إلى النبي صلى الله عليه وآله ! أما أهل البيت عليهم السلام فسمَّوه الدجال فقط ، ولم يسموه المسيح أبداً ! وهذا دليلٌ على أن سنة النبي صلى الله عليه وآله الصافية عند أهل بيته عليهم السلام .
8 . ذكرت مصادر اليهود والنصارى الدجال المنتظر ، بما يؤيد قول أسقف نجران الذي أسلم إن اليهود بشرهم أنبياؤهم بمسيحيْن ، مسيح هدى ومسيح ضلالة . وورد التعبير عنهما بالمشيح الموعود والمجدف ، وعبروا عن الدجال بالنبي الكذاب الذي يمهد للنبي الوحش ! ففي الكتاب المقدس ، لمجمع الكنائس الشرقية / 126 : « كتب في سفر النبي أشعيا : ها أنذا أرسل رسولي قدامك ليعد طريقك . [ النبي الكذاب يخدم الوحش ] ورأيت وحشاً آخر خارجاً من الأرض ، وكان له قرنان أشبه بقرني الحمل ولكنه يتكلم مثل تنين . وكل سلطان الوحش الأول يتولاه بمحضر منه . فجعل الأرض وأهلها يسجدون للوحش الأول ، الذي شفي من جرحه المميت ، ويأتي بخوارق عظيمة ، حتى أنه ينزل ناراً من السماء على الأرض ، بمحضر من الناس . ويضل أهل الأرض بالخوارق التي أوتي أن يجريها بمحضر من الوحش » .
وفي هامشه : « سيسمى هذا الوحش الثاني الذي في خدمة الوحش الأول ، نبياً كذاباً « راجع رؤ : 16 / 13 و 19 / 20 و 20 / 10 »
وهذا النبي الكذاب يذكر بالأنبياء الكذابين والمسحاء الدجالين الذين ينبئ بمجيئهم في متى 24 / 11 و 24 ، ليكون علامة تبشر بعودة المشيح الحقيقي .
--------------------------- 35 ---------------------------
وفي إنجيل متى / 53 : « قال لهم بيلاطس : فماذا أفعل بيسوع الذي يقال له المسيح ؟ قالوا جميعاً : ليصلب ! قال لهم : فأي شر فعل ؟ فبالغوا في الصياح : ليصلب ! فلما رأى بيلاطس أنه لم يستفد شيئاً بل ازداد الاضطراب ، أخذ ماء وغسل يديه بمرأى من الجمع ، وقال : أنا برئ من هذا الدم ، أنتم وشأنكم فيه . فأجاب الشعب بأجمعه : دمه علينا وعلى أولادنا ! فأطلق لهم باراباس ، أما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب » .
وفي هامشه : لهتاف اليهود هذا جذور في العهد القديم أيضاً « 2 صم 1 / 13 - 16 و 3 / 29 وار 51 / 55 وراجع أيضاً لو 23 / 28 » .
واليهود أمام خيار ديني يتجاوز اتخاذ موقف سياسي : فعليهم ، إما أن يعترفوا بأن يسوع هو المشيح الموعود به ، وإما أن يطلبوا موته لأنه مجدف » .
وقد فسر الشراح الغربيون عقيدة المسيح الدجال ، بأنها نشأت من اضطهاد اليهود ، ففي مقدمة الكتاب المقدس طبعة مجمع الكنائس الشرقية / 19 : « فقد ترسخ يوماً بعد يوم في يقين اليهود ، أن الله لن يلبث أن يرد على تحدي وجود الوثنية في الأرض المقدسة ، فيعود إلى إقامة عدله ويعيد إلى مختاريه امتيازاتهم ، إذ يبسط ملكوته على الأرض بسطاً يبهر العيون ، وهذا التدخل يجعل حداً للشدائد الحاضرة ، ويفتح عهداً جديداً خالياً من الشر والإثم ، ويؤذن بقدوم ذلك العهد آخر الأمر تضاعف الكوارث والنكبات يرافقها ابتلاع جميع أعداء الله من غير رجعة . . .
إن جملة هذه المعتقدات تؤلف آراء اليهودية المتأخرة في أمور الأزمنة الأخيرة . . .
ففي ذلك المشهد لرؤيا الأزمنة الأخيرة ليس للمشيح نصيب كبير جداً في جميع الآراء ، فإن مؤلفي الرؤى عندما يتكلمون عليه كفُّوا على ما يبدو عن أن يروه شأنهم في الماضي مشيحاً دنيوياً مسحه يهوه ، وبعبارة أخرى ملكاً من ذرية داود ، يقوم بأعمال سياسية وعسكرية في جوهرها ليحقق بعون الله تحرير الشعب وازدهاره » .
أقول : هذا تحليل مثقفين غربيين ، أما الصحيح فهو ما تقدم من أن أنبياء اليهود بشروهم باثنين سموهم مسيحين : مسيح هدى ، ومسيح ضلال ، فكان مسيح الهدى المسيح عليه السلام لأنه يشفي بمسحة يده . ومسيح الضلالة الدجال الموعود ، وهو آخر أئمة الضلال ، ويخرج في مواجهة المهدي الموعود عليه السلام .
--------------------------- 36 ---------------------------
3 - عقيدة الدجال عند الخلافة بؤرة الإسرائيليات !
1 . أحاديثهم في الدجال كثيرة ومتناقضة ، وكلها عندهم صحيحة ! وأكثرها عن كعب الأحبار ، وعمر بن الخطاب ، وتميم الداري . وقد قبلوها بما فيها من خرافة وتناقض ، فصارت الهرطقة ديناً نسبوه إلى الإسلام ورسوله صلى الله عليه وآله !
قال لهم كعب إن الدجال محبوس في إحدى جزائر اليمن . وقال تميم الداري إنه محبوس في جزيرة في البحر المتوسط . وقال عمر إنه ولد في المدينة ورآه . وصدقوهم جميعاً !
2 . خالفوا النبي صلى الله عليه وآله وجعلوا الدجال أخطر من الأئمة المضلين ! مع أنهم رووا بأسانيد صحيحة أنهم أخطر من الدجال ، وتقدم توثيقهم لقول حذيفة للأعرابي الذي سأل عن الدجال : « وما الدجال ! إنما فتنته أربعون يوماً » .
لكنهم أصروا على أن الدجال أخطر الفتن ! فانظر إلى ما روى ابن حماد : 2 / 518 ، عن هشام بن عامر قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمرٌ أكبر من الدجال » !
وفي طبقات ابن سعد : 7 / 26 ، عن هشام بن عامر قال : « إنكم تجاوزوني إلى رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما كانوا بألزم لرسول الله مني ، ولا أحفظ مني ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ما بين خلق آدم والقيامة فتنة أعظم من الدجال » !
وابن أبي شيبة : 8 / 648 ، وأحمد : 4 / 19 ، ومسلم : 8 / 207 ، كابن حماد ، عن عمران بن حصين . وأبو يعلى : 3 / 126 ، بروايتين عنه وعن هشام بن عامر . والطبراني الكبير : 22 / 174 ، عن هشام بن عامر ، والمعجم الأوسط : 5 / 27 ، نحوه ، ولفظه : ما أهبط الله إلى الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أعظم من فتنة الدجال ! والحاكم : 4 / 528 ، كابن أبي شيبة وصححه على شرط بخاري ، والفردوس : 4 / 340 ، كابن حماد ، والجامع الصغير : 2 / 489 ، عن أحمد ومسلم وصححه . الخ .
لاحظ أن راوي الحديث هشام بن عامر يغضب من الرواة لأنهم يتركونه ولا يروون عنه ، ويدعي أنه أحفظ من الذين يقصدونهم ويفضلونهم عليه ! وهو صحابي صغير ، يروج لبني أمية ، وهذا كاف لترك الرواة العقلاء له .
وروى ابن حماد : 2 / 517 ، عن أبي أمامة الباهلي ! قال : « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله فكان أكثر خطبته ما يحدثنا عن الدجال يحذرناه ، وكان من قوله : يا أيها الناس إنها لم تكن فتنة
--------------------------- 37 ---------------------------
في الأرض أعظم من فتنة الدجال ، وإن الله تعالى لم يبعث نبياً إلا حذره أمته ، وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة ، فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيج كل مسلم ، وإن يخرج بعدي فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم ، فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه وليقرأ بفواتيح سورة الكهف » .
3 . وقد تبارى علماء السلطة في نشر الرعب الديني في المسلمين ! وأولهم البخاري ، ثم مسلم الذي قال في صحيحه : 4 / 2250 ، عن نواس بن سمعان قال : « ذكر رسول الله الدجال ذات غداة ، فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل ، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال : ماشأنكم ؟ قلنا : يا رسول الله ذكرت الدجال غداةً ، فخفضت فيه ورفعت ، حتى ظنناه في طائفة النخل ! فقال : غير الدجال أخوفني عليكم ، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم ، إنه شاب قطط عينه طافئة ، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن ، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتيح سورة الكهف . إنه خارج من خلة بين الشام والعراق ، فعاث يميناً وعاث شمالاً . يا عباد الله فاثبتوا . قلنا : يا رسول الله وما لبثه في الأرض ؟ قال : أربعون يوماً ، يومٌ كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم . قلنا : يا رسول الله ، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا ، أقدروا له قدره . قلنا : يا رسول الله وما إسراعه في الأرض ؟ قال : كالغيث استدبرته الريح ، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له ، فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت دَرّاً ، وأسيغه ضروعاً ، وأمده خواصر ، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله ، فينصرف عنهم فيصبحون مملحين ليس بأيديهم شئ من أموالهم ، ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك ، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك ! فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين ، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قَطَرَ ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ، فلا يجد ريح نَفَسه أحد إلا مات ، ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفه ، فيطلبه حتى يدركه بباب لُد فيقتله .
--------------------------- 38 ---------------------------
ثم يأتي عيسى بن مريم قومٌ قد عصمهم الله منه ، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى : إني قد أخرجت عباداً لي لا يَدَانِ لأحد بقتالهم فحرِّز عبادي إلى الطور ، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، فيمرأوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف « الدود » في رقابهم فيصبحون فَرْسَى « صرعى » كموت نفس واحدة ! ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض ، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيراً كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيت شاء الله ، ثم يرسل الله مطراً لا يكنُّ منه بيت مدر ولا وبر ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة ، ثم يقال للأرض : أنبتي ثمرتك وردي بركتك ، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ، ويبارك في الرَّسل « قطعة الإبل » حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ، واللقحة من الغنم لتكفي النفر من الناس ، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم ، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحُمَر ، فعليهم تقوم الساعة » .
ثم رواه مسلم في : 8 / 199 ، وابن ماجة : 2 / 1356 ، وأبو داود : 4 / 117 ، والترمذي : 4 / 510 ، والبدء والتاريخ : 2 / 193 ، والطبراني الكبير : 8 / 171 ، والحاكم : 4 / 492 ، وصححه على شرط الشيخين . وفي / 536 ، وصححه على شرط مسلم .
وذُرَى الحيوان : سنامه وأعلاه . والخواصر والذروع : جمع خاصرة . وذرعه أي ضرعه الذي فيه الحليب ، وصف لجودته وكثرة حليبه . ويعسوب النحل : ملكتها . والغرض : الهدف . والنَّغَف : في الأصل الحزام الجلدي ، شُبِّهت به الحشرات التي تبعث على جيف يأجوج ومأجوج بزعمهم . والزَّهم بفتح الزاي : الوغف والنتن .
ومعنى : فلا يجد ريح نَفَسه أحد إلا مات ، ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفه :
--------------------------- 39 ---------------------------
أن كل من يصل اليه نفس المسيح عليه السلام يموت . ونفسه يصل إلى حيث ينتهي طرفه !
والباحث المطلع يعرف أن هذه الأحاديث إسرائيليات ، وقد خلطها الرواة البدو بخيالهم ، وبعضهم لا يعرف اللغة ، لأن اليعاسيب يتبعها النحل ولا تَتَبع . ومن الغريب أن هذه الأحاديث عندهم في أعلى درجات الصحة !
وتلاحظ في رواية مسلم قول النبي صلى الله عليه وآله : « غير الدجال أخوفني عليكم » لكنها عبارة ضائعة في حشد الكذب والتضخيم للدجال !
4 . وجعلوا للدجال معجزات ومخاريق ، وتبنى ذلك الأمويون ! ففي مجموع فتاوى ابن تيمية : 35 / 118 : « وقد قال صلى الله عليه وآله : لا تقوم الساعة حتى يكون فيكم ثلاثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه رسول الله . وأعظم الدجاجلة فتنةً الدجال الكبير الذي يقتله عيسى بن مريم فإنه ما خلق الله من لدن آدم إلى قيام الساعة أعظم من فتنته ! وأمَرَ المسلمين أن يستعيذوا من فتنته في صلاتهم ! وقد ثبت أنه يقول للسماء أمطري فتمطر وللأرض أنبتي فتنبت ! وأنه يقتل رجلاً مؤمناً ثم يقول له قم فيقوم فيقول أنا ربك ، فيقول له كذبت بل أنت الأعور الكذاب الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وآله ، والله ما ازددت فيك إلا بصيرة ، فيقتله مرتين فيريد أن يقتله في الثالثة ، فلايسلطه الله عليه » .
فقد جعل ابن تيمية فتنة الدجال أعظم من فتنة الأئمة المضلين ، وأبطل الأحاديث الصحيحة التي نصت على أن فتنتهم أكبر وأخطر ! كما جزم بأن الله سبحانه يعطي الدجال المعجزة والولاية التكوينية ، فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت ، والميت فيحيا ! وهي قدرات لا يقبلون بها للنبي وآله عليهم السلام ، فهل الدجال عندهم أفضل ؟ !
وروى ابن حماد : 2 / 536 ، عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « الدجال أعور العين اليسرى ، جِفَالُ الشعر ، معه جنة ونار ، فناره جنة وجنته نار . . . وعن ابن عمر يرفعه : الدجال إحدى عينيه مطموسة والأخرى ممزوجة بالدم كأنها الزهرة ، ويسير معه جبلان : جبل من أنهار وثمار وجبل دخان ونار ، يشقُّ الشمس كما يشق الشعرة ، ويتناول الطير في الهواء » .
ورواه أحمد : 5 / 324 ، و / 397 ، ومسلم : 8 / 195 ، وأبو داود : 4 / 116 ، وابن ماجة : 2 / 1353 ، وحلية الأولياء : 5 / 157 ، و : 9 / 235 ، والبغوي : 3 / 498 ، من صحاحه . . إلى آخر القائمة الطويلة !
--------------------------- 40 ---------------------------
ونلاحظ العمل اليهودي في هذا الحديث المزعوم ! فقد كان من معجزات نبينا صلى الله عليه وآله أنه دعا الله تعالى فشق له القمر آيةً للمشركين ، فادعى اليهود للدجال بأنه يشق الشمس كما يشق الشعرة ، أي نصفين متساوين بالشعرة !
وروى ابن أبي شيبة : 8 / 657 ، عن النبي صلى الله عليه وآله : « الدجال يخوض البحار إلى ركبتيه ، ويتناول السحاب ، ويسبق الشمس إلى مغربها ، وفي جبهته قرن يخرص منه الحيات ، وقد صور في جسده السلاح كله ، حتى ذكر السيف والرمح والدرق . قال قلت : وما الدرق ؟ قال : الترس » .
وفي / 648 : « لأنا أعلم بما مع الدجال من الدجال ، معه نهران يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض ، والآخر رأي العين نار تأجج ، فإما أدرك أحد ذلك فليأت النهر الذي يراه ناراً ، فليغمص ثم ليطأطئ رأسه وليشرب ، فإنه ماء بارد . وإن الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة ، مكتوب بين عينيه كافر ، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب » .
ورواه أحمد : 5 / 386 ، والحاكم : 4 / 491 ، وصححه ، والطبراني في طواله / 125 ، والكبير : 8 / 146 .
ومعنى يَخْرُصُ الحيات من قرنه : يقطفها منه قطفاً مرة بعد مرة ويحارب بها أعداءه ! ورواه عبد الرزاق : 11 / 391 ، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية « وهي زميلة فاطمة بنت قيس في رواية الدجال » قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيتي فذكر الدجال فقال : « إن بين يديه ثلاث سنين سنة تمسك السماء ثلث قطرها ، والأرض ثلث نباتها ، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها ، والأرض ثلثي نباتها ، والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله ، فلا تبقى ذات ظلف ولاذات ضرس من البهائم إلا هلكت . وإن من أشد الناس فتنة أنه يأتي الأعرابي فيقول : أرأيت إن أحييت لك إبلك ألست تعلم أنني ربك ؟ قال فيقول : بلى ، فيتمثل له الشيطان نحو إبله ، كأحسن ما تكون ضروعاً وأعظمه أسنمة . قال : ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول : أرأيت إن أحييت لك أباك وأحييت لك أخاك أليس تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى ، فيتمثل له الشيطان نحو أبيه ونحو أخيه .
قالت : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله لحاجة له ثم رجع ، قالت : والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم به ، قالت فأخذ بلحمتي الباب وقال : مهيم أسماء « ماذا يا أسماء » ؟ قالت : قلت يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال ، قال : إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه ،
--------------------------- 41 ---------------------------
وإلا فإن ربي خليفتي من بعدي على كل مؤمن . قالت أسماء : فقلت يا رسول الله والله إنا لنعجن عجينتنا فما نخبزها حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ ؟ قال : يجزئهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس » وابن حماد : 2 / 527 ، وغيره عن ابن عمر ، وأحمد : 6 / 455 ، عن عائشة ، وقالت : فأين العرب يومئذ ؟ قال صلى الله عليه وآله : العرب يومئذ قليل . . يعني أقل منهم في عهد النبي صلى الله عليه وآله إلى آخر هرطقتها ومن شاكلها !
5 . وقد أكثر البخاري من حديث الدجال ، فروى « 4 / 105 » أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « يجئ معه بمثال الجنة والنار ، فالتي يقول إنها الجنة هي النار » . وفي « 4 / 143 » : « إن مع الدجال إذا خرج ماء وناراً ، فأما الذي يرى الناس أنها النار فماء بارد ، وأما الذي يرى الناس أنه ماء بارد فنار تحرق ! فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يرى أنها نار فإنه عذب بارد » .
وفي « 8 / 101 » : « فناره ماء بارد ، وماؤه نار » .
وروى في : 1 / 202 ، و : 7 / 159 / و 161 ، و : 8 / 103 ، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يستعيذ في صلاته من الدجال ! فيقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات .
ونحوه في : 2 / 103 عن أبي هريرة ، وفي : 5 / 223 ، عن أنس ، وفي : 7 / 158 ، أن سعداً كان يستعيذ « من فتنة الدنيا ، أي فتنة الدجال » .
6 . وناقض البخاري نفسه في أحاديث الدجال « 8 / 103 » بل من جهله اتهم النبي صلى الله عليه وآله بالتناقض ! فقد روى عن أنس أنه صلى الله عليه وآله قال : « المدينة يأتيها الدجال فيجد الملائكة يحرسونها ، فلا يقربها الدجال ولا الطاعون » .
وروى « 2 / 223 ، و 8 / 101 » : « لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال ، لها يومئذ سبعة أبواب ، على كل باب ملكان » .
ثم نقض ذلك فروى « 8 / 101 » أنه صلى الله عليه وآله قال : « يجئ الدجال حتى ينزل في ناحية المدينة ، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات ، فيخرج إليه كل كافر ومنافق » .
وروى في « 8 / 103 » : « ينزل بعض السباخ التي بالمدينة ، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس ، فيقول أشهد أنك الدجال الذي حدثنا عنك
--------------------------- 42 ---------------------------
رسول الله صلى الله عليه وآله حديثه فيقول الدجال : أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته ، هل تشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا ، فيقتله ثم يحييه » .
فصار تحريم المدينة عليه أنه ينزل في ضاحيتها فيهرب أهلها ، ويأتيه منافقوها ويسلط على مؤمنيها ، ويقتل منهم رجلاً صالحاً ! فماذا بقي من حفظها منه ! بل روى الطيالسي / 183 ، عن النبي صلى الله عليه وآله أن كل أهلها يفرون ! قال : « ويل أمها من قرية يوم يدعها أهلها أعمرَ ما كانت ! يجئ الدجال فيجد على كل باب منها ملكاً مصلتاً فلا يدخلها » !
وروى البخاري : 8 / 101 ، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله صَدَّق قول عمر وابنه في أن الدجال قد وُلد وأنه صلى الله عليه وآله رآه عند الكعبة وقال : « بينا أنا قائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف أو يهراق رأسه ماء قلت : من هذا ؟ قالوا : ابن مريم ، ثم ذهبت التفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين ، كأن عينه عنبة طافية ، قالوا : هذا الدجال ! أقرب الناس به شبهاً ابن قطن رجل من خزاعة » .
7 . وكل أحاديثهم مردودة عندنا ، بل عليهم هم أن يردوها ، لأنهم صححوا أن فتنة الأئمة المضلين أشد الفتن ! ولأن العقل يحكم باستحالة أن يعطي الله تعالى المعجزة لعدوه الدجال وإحياء الموتى كالأنبياء عليهم السلام !
8 . ورووا حديثاً صحيحاً يطابق قول أهل البيت عليهم السلام لكنهم خالفوه ! ففي البخاري « 8 / 101 » عن المغيرة بن شعبة أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله عن الدجال فقال له : « ما يضرك منه ؟ ! قلت : لأنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء ! فقال صلى الله عليه وآله : هو أهون على الله من ذلك » . فهذا يُكذب تضخيمات البخاري وغيره للدجال ، ويدلك على أن الصحابة المتهوكين أشاعوا أساطيره في المسلمين ورفضوا سنة النبي صلى الله عليه وآله ! ولهذا سماهم النبي صلى الله عليه وآله « المُتَهَوِّكِين » أي المتهودين إلا قليلاً !
9 . ثم أعجب من أن مشايخهم ما زالوا إلى عصرنا ينشرون « الرعب الديني » اليهودي بين المسلمين قربة إلى الله تعالى ! وينشرون مخاريق الدجال فيصدقها عوام المسلمين ، وأنه ينفخ جلده فيملأ الطريق ، وحماره سبعون ذراعاً بذراع الله ، ومعه جنة ونار وجبل ثريد . . الخ . ويُخفون عن المسلمين تطمينات النبي صلى الله عليه وآله التي تكذب ذلك !
10 . وقد تواصل خوف المسلمين من الدجال حتى طبقه بعضهم على المغول ! فرووا
--------------------------- 43 ---------------------------
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : « ليهبطن الدجال خوز وكرمان في ثمانين ألفاً ، كأن وجوههم المجان المطرقة ، يلبسون الطيالسة وينتعلون الشعر » .
« ابن حماد : 2 / 579 . ورواه ابن أبي شيبة : 8 / 654 ، عن أبي هريرة بتفاوت يسير . وأحمد : 2 / 337 وأبو يعلى : 10 / 380 ، وفتن ابن كثير : 1 / 143 و 144 ، والزوائد : 7 / 345 ، كرواية أحمد » . والمجان المطرَّقة : التروس المضروبة عند الحداد أو المخططة ، وهو وصف ورد في صفات المغول فقط ، وكذا انتعال الشعر .
11 . قبلوا طول عمر الدجال واعترضوا على عمر المهدي ! روى الصدوق رحمه الله في كمال الدين / 528 ، حديث ابن عمر عن الدجال ، وقد زعم فيه أن النبي صلى الله عليه وآله صلى ذات يوم بأصحابه الفجر ، ثم قام مع أصحابه حتى أتى باب دار بالمدينة ، فطرق الباب فخرجت إليه امرأة فقالت : ما تريد يا أبا القاسم ؟ فقال رسول الله : يا أم عبد الله إستأذني لي على عبد الله ، فقالت : يا أبا القاسم ، وما تصنع بعبد الله ، فوالله إنه لمجهود في عقله يُحدث في ثوبه ، وإنه ليراودني على الأمر العظيم ! فقال : إستأذني عليه فقالت : أعلى ذمتك ؟ قال : نعم ، فقالت : أدخل ، فدخل فإذا هو في قطيفة له يهينم فيها « أي في عباءة وهو يغني » فقالت أمه : أسكت واجلس هذا محمد قد أتاك ، فسكت وجلس . فقال النبي صلى الله عليه وآله : ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهوَ هو ، ثم قال له النبي صلى الله عليه وآله : ما ترى ؟ قال : أرى حقاً وباطلاً ، وأرى عرشاً على الماء ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فقال : بل تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فما جعلك الله بذلك أحق مني . فلما كان اليوم الثاني صلى صلى الله عليه وآله بأصحابه الفجر ثم نهض فنهضوا معه ، حتى طرق الباب . . . فقالت له أمه : أسكت وانزل هذا محمد قد أتاك ، فسكت فقال النبي صلى الله عليه وآله : ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهو هو . فلما كان في اليوم الثالث صلى النبي صلى الله عليه وآله بأصحابه الفجر ثم نهض ونهض القوم معه . . . فقال النبي صلى الله عليه وآله إني قد خبأت لك خبيئاً فما هو ؟ فقال : الدُّخّ الدخ ! « أي سورة الدخان » فقال النبي صلى الله عليه وآله : إخسأ فإنك لن تعدو أجلك ، ولن تبلغ أملك ، ولن تنال إلا ما قدر لك . ثم قال لأصحابه : أيها الناس ما بعث الله عز وجل نبياً إلا وقد أنذر قومه الدجال ، وإن الله عز وجل قد أخره إلى يومكم هذا ، فمهما تشابه عليكم من أمره فإن ربكم ليس بأعور ، إنه يخرج على حمار عرض ما بين أذنيه ميل ، يخرج ومعه جنة ونار ، وجبل من خبز ونهر من ماء ، أكثر أتباعه اليهود والنساء
--------------------------- 44 ---------------------------
والأعراب . يدخل آفاق الأرض كلها إلا مكة ولابَّتيها ، والمدينة ولابتيها » . أي طرفيها .
قال الصدوق رحمه الله : « إن أهل العناد والجحود يصدقون بمثل هذا الخبر ويروونه في الدجال وغيبته ، وطول بقائه المدة الطويلة ، وخروجه في آخر الزمان ، ولا يصدقون بأمر القائم عليه السلام ، وأنه يغيب مدة طويلة ، ثم يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، مع نص النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام بعده عليه ، باسمه وغيبته ونسبه وإخبارهم بطول غيبته !
إرادةً لإطفاء نور الله عز وجل ، وإبطالاً لأمر ولي الله ، وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .
وأكثر مايحتجون به في دفعهم لأمر الحجة عليه السلام أنهم يقولون : لم نرو هذه الأخبار التي تروونها في شأنه ولا نعرفها ، وهكذا يقول من يجحد نبوة نبينا صلى الله عليه وآله من الملحدين والبراهمة واليهود والنصارى والمجوس إنه ما صح عندنا شئ مما تروونه من معجزاته ودلائله ولا نعرفها ، فنعتقد ببطلان أمره لهذه الجهة ، ومتى لزمنا ما يقولون لزمهم ما تقوله هذه الطوائف ، وهم أكثر عدداً منهم !
ويقولون أيضاً : ليس في موجب عقولنا أن يُعَمِّرَ أحد في زماننا هذا عمراً يتجاوز عمر أهل الزمان ، فقد تجاوز عمر صاحبكم على زعمكم عمر أهل الزمان . فنقول لهم : أتصدقون على أن الدجال في الغيبة يجوز أن يعمر عمراً يتجاوز عمر أهل الزمان وكذلك إبليس اللعين ، ولا تصدقون بمثل ذلك لقائم آل محمد عليهم السلام ، مع النصوص الواردة فيه بالغيبة وطول العمر والظهور بعد ذلك ، للقيام بأمر الله عز وجل ، وما روي في ذلك من الأخبار التي قد ذكرتها في هذا الكتاب ، ومع ما صح عن النبي صلى الله عليه وآله إذ قال : كل ما كان في الأمم السالفة يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل والقُذَّة بالقذة . وقد كان فيمن مضى من أنبياء الله عز وجل وحججه معمرون ، أما نوح عليه السلام فإنه عاش ألفي سنة وخمس مائة سنة ، ونطق القرآن بأنه لبث قومه أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَاماً . وقد روي في الخبر الذي قد أسندته في هذا الكتاب أن في القائم عليه السلام سُنَّةٌ من نوح وهي طول العمر ، فكيف يدفع أمره ولا يدفع ما يشبهه من الأمور التي ليس شئ منها في موجب العقول ، بل لزم الإقرار بها لأنها رويت عن النبي صلى الله عليه وآله ، وهكذا يلزم الإقرار بالقائم عليه السلام من طريق السمع .
--------------------------- 45 ---------------------------
وفي موجب أي عقل من العقول ، أنه يجوز أن يلبث أصحاب الكهف في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً ، هل وقع التصديق بذلك إلا من طريق السمع ؟ فلمَ لا يقع التصديق بأمر القائم عليه السلام أيضاً من طريق السمع ؟ ! وكيف يصدقون ما يرد من الأخبار عن وهب بن منبه ، وعن كعب الأحبار ، في المحالات التي لا يصح شئ منها في قول الرسول صلى الله عليه وآله ولا في موجب العقول ، ولايصدقون بما يرد عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام في القائم وغيبته وظهوره ، بعد شك أكثر الناس في أمره وارتدادهم عن القول به ، كما تنطق به الآثار الصحيحة عنهم عليهم السلام ؟ ! هل هذا إلا مكابرة في دفع الحق وجحوده .
كيف لا يقولون : إنه لما كان في الزمان غير محتمل للتعمير ، وجب أن تجري سنة الأولين بالتعمير في أشهر الأجناس تصديقاً لقول صاحب الشريعة صلى الله عليه وآله ، ولا جنس أشهر من جنس القائم عليه السلام لأنه مذكور في الشرق والغرب على ألسنة المقرين به ، وألسنة المنكرين له . ومتى بطل وقوع الغيبة بالقائم الثاني عشر من الأئمة عليهم السلام مع الروايات الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه أخبر بوقوعها به بطلت نبوته ، لأنه يكون قد أخبر بوقوع الغيبة بمن لم يقع به ، ومتى صح كذبه في شئ لم يكن نبياً ! وكيف يُصَدَّقُ صلى الله عليه وآله فيما أخبر به في أمر عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه تقتله الفئة الباغية ، وفي أمير المؤمنين عليه السلام أنه تخضب لحيته من دم رأسه ، وفي الحسن بن علي عليه السلام أنه مقتول بالسم ، وفي الحسين بن علي عليه السلام أنه مقتول بالسيف ؟ ولا يصدق فيما أخبر به من أمر القائم عليه السلام ووقوع الغيبة به ، والتعيين عليه باسمه ونسبه ؟ ! بلى ، هو صادق في جميع أقواله صلى الله عليه وآله ، مصيب في جميع أحواله ، ولا يصح إيمان عبد حتى لا يجد في نفسه حرجاً مما قضى ، ويسلم له في جميع الأمور تسليماً ، ولا يخالطه شك ولا ارتياب ، وهذا هو الإسلام ، والإسلام هو الاستسلام والانقياد . وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ .
ومن أعجب العجائب أن مخالفينا يروون أن عيسى بن مريم عليه السلام مرَّ بأرض كربلا فرأى عدة من الظباء هناك مجتمعة ، فأقبلت إليه وهي تبكي ، وأنه جلس وجلس الحواريون ، فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى ، فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك ؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ؟ قالوا : لا ، قال : هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول
--------------------------- 46 ---------------------------
أحمد ، وفرخ الحرة الطاهرة البتول شبيهة أمي ، ويُلْحَد فيها ، هي أطيب من المسك لأنها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء ، وهذه الظباء تكلمني وتقول : إنها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تربة الفرخ المستشهد المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض ، ثم ضرب بيده إلى بعر تلك الظباء فشمها فقال : اللهم أبقها أبداً حتى يشمها أبوه ، فتكون له عزاء وسلوة ، وإنها بقيت إلى أيام أمير المؤمنين عليه السلام حتى شمها وبكى ، وأخبر بقصتها لما مر بكربلاء .
فيصدقون بأن بعر تلك الظباء تبقى زيادة على خمس مائة سنة لم تغيرها الأمطار والرياح ومرور الأيام والليالي والسنين عليه ، ولا يصدقون بأن القائم من آل محمد عليهم السلام يبقى حتى يخرج بالسيف فيبير أعداء الله عز وجل ، ويظهر دين الله . . . هل هذا إلا عناد وجحود للحق ؟ ! » .
وفي غيبة الطوسي / 113 : « وروى أصحاب الحديث أن الدجال موجود ، وأنه كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله وأنه باق إلى الوقت الذي يخرج فيه وهو عدو الله ، فإذا جاز في عدو الله لضرب من المصلحة ، فكيف لا يجوز مثله في ولي الله ! إن هذا من العناد » .
أقول : يعتقد أتباع المذاهب بالدجال ، وبعضهم يعتقد بدجال عمر وأنه ابن صياد ، لأن أحاديثه الصحيحة أقسم عليها عمر وأولاده ! وبعضهم بدجال تميم الداري الذي أرشدته اليه جساسته في الجزيرة ، لأن أحاديثه صحيحة أيضاً . وبعضهم بدجال كعب الأحبار . فكلهم يعتقدون بأن الدجال حيٌّ غائب عن الأنظار ، وأن الله تعالى مدَّ في عمره مئات السنين حسب عقيدة عمر ، أو ألوف السنين حسب عقيدة تميم وكعب ، فلا يصح أن يُشَنِّعوا علينا لاعتقادنا بأن الإمام المهدي عليه السلام حيٌّ يرزق حتى يأذن الله تعالى بظهوره ، ويظهر به الإسلام على العالم .
فكيف يكون تمديد الحياة لأعداء الله ممكناً ، ولأوليائه مستحيلاً ؟ ! وهل أن روايات تميم وكعب وأمثالهم ، أوثق من روايات أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ؟ !
4 - نشروا أحاديث الدجال وغيبوا أحاديث الاثني عشر !
1 . أجمع المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وآله تحدث عن ثلاثة موضوعات ، فبشر باثني عشر إماماً
--------------------------- 47 ---------------------------
من بعده ، وحذر من أئمة مضلين اثني عشر ، وحذر من الدجال . وصرت تجد في مصادر السلطة بضعة أحاديث عن الأئمة الاثني عشر عليهم السلام ، والمضلين الاثني عشر ! وقد اعتذروا بأن الناس لغطوا أثناء خطبة النبي صلى الله عليه وآله فضاع على الراوي اسم هؤلاء الأئمة الربانيين ، والمضلين ! ونفس الأمر حدث لما حدَّث النبي صلى الله عليه وآله عنهم في المدينة ، فلم يسمعوا تحديد هويتهم ، وقد سأل الراوي عمر فقال له : كلهم من قريش ، من قريش !
لقد ضاعت أسماء أئمة الهدى الاثني عشر ، وأئمة الضلال الاثني عشر ! أما أحاديث الدجال فلم يضع منها شئ ، وهي محفوظة في دارالخلافة وصدور رواتها ! ولهذا نشرتها الخلافة القرشية !
2 . زعمت بعض أحاديثهم أن الله يبعث مع الدجال نبيين في خدمته وأن أحدهما يصدقه ! فقد روى الطيالسي / 150 ، حديثاً صحيحاً ، عن سفينة قال : « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إنه لم يكن نبي إلا وقد أنذر الدجال أمته ، إلى أن قال : فيقول الدجال للناس : ألست بربكم أحيى وأميت ؟ ومعه نبيان من الأنبياء إني لأعرف إسمهما واسم آبائهما ، لوشئت أن أسميهما سميتهما ، أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره فيقول : ألست بربكم أحيى وأميت ؟ فيقول أحدهما : كذبت ، فلا يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه ، ويقول الآخر : صدقت ويسمعه الناس وذلك فتنة » !
فانظر إلى هرطقة رواة الخلافة وتقليدهم اليهود في افترائهم على أنبياء الله تعالى !
3 . وزعموا أن الدجال يشبه الله تعالى ، فيشتبه أمره على المسلمين ! فأعطاهم النبي صلى الله عليه وآله علامة للدجال بأنه أعور ليميزوه عن الله تعالى ، والله تعالى ليس أعور بل عيناه سالمتان !
فقد روى عبد الرزاق : 11 / 390 ، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « ما من نبي إلا قد أنذره قومه ، لقد أنذره نوح قومه ! ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه ، تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور » !
ورواه ابن حماد : 2 / 518 ، والطيالسي / 73 ، وابن أبي شيبة : 8 / 646 و 8 / 647 ، وفيه : إنه أعور العين اليمنى . . . وإنه يتبعه من كل قوم يدعونه بلسانهم : إلهاً ! رووا ذلك بعشرات الروايات ، وأكثرها عن ابن عمر ، ومنهم البخاري في : 4 / 163 ، ومسلم : 8 / 193 ، وأبو داود : 4 / 116 ، والترمذي : 4 / 508 ، و / 514 ، وأبو يعلى : 2 / 78 و : 5 / 368 . وأبو نعيم : 4 / 334 ، والخطيب : 3 / 118 ، والبغوي : 3 / 497 ، إلى آخر القائمة الدجالية !
--------------------------- 48 ---------------------------
4 . وزعموا أن الدجال عنده معجزات ، وأنه يحيي الموتى ! روى عبد الرزاق : 11 / 393 ، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « وهو محرم عليه أن يدخل أنقاب المدينة ، فيخرج إليه رجل يومئذ هو خير الناس أو من خيرهم فيقول : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله حديثه . فيقول الدجال أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا ، فيقتله ثم يحييه ، فيقول حين يحيى : والله ما كنت قط أشد بصيرة فيك مني الآن . قال : فيريد قتله الثانية فلا يسلط عليه . قال معمر : وبلغني أنه يجعل على حلقه صفيحة من نحاس . وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ثم يحييه » .
ورواه ابن حماد : 2 / 546 ، وأحمد : 3 / 36 وبخاري : 9 / 76 ، ومسلم : 8 / 199 ، كعبد الرزاق بتفاوت يسير ، وفيه : « فيأمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه ! قال : ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له : قم فيستوي قائماً ! قال ثم يقول له : أتؤمن بي ؟ فيقول : ما ازددت فيك إلا بصيرة . قال : ثم يقول : يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس قال : فيأخذه الدجال ليذبحه ، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً فلا يستطيع إليه سبيلاً ، قال : فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين » .
فاعجب للذين يشنعون علينا لاعتقادنا بالمعجزة لعترة النبي المعصومين عليهم السلام ثم يزعمون أن الله أعطاها لأعدائه كالدجال والجن والسحرة ! فينقضون بذلك النبوات لأن دليل النبوة المعجزة .
5 . ورووا عشرات الروايات عن الدجال ، منها أنه من يهود المشرق ، أو يهود أصفهان ، ففي الطبراني الكبير : 18 / 155 ، عن عمران بن حصين قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « يخرج الدجال من قبل أصبهان » .
وفي الطبراني الصغير : 1 / 260 ، عن أبي بردة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « يجئ من ها هنا لا بل من ها هنا ، وأومى نحو المشرق » . ورواه الحاكم : 4 / 528 ، وصححه ! قال : « يخرج الدجال من ها هنا أو ها هنا أو من ها هنا ، بل يخرج ها هنا يعني المشرق » .
وروى ابن حماد : 2 / 532 ، وابن أبي شيبة : 8 / 654 : « إن أبا بكر سأل : هل بالعراق أرض يقال لها خراسان ؟ قالوا نعم ، قال : فإن الدجال يخرج منها » . وأحمد : 1 / 4 ، ورفعه ابن ماجة : 2 / 1353 ، والترمذي : 4 / 509 والحاكم : 4 / 527 ، والبغوي : 3 / 508 ، كرواية أحمد الأولى وقال في الدر المنثور : 5 / 354 : وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي ، وصححه ، وابن ماجة .
--------------------------- 49 ---------------------------
وفي تهذيب تاريخ دمشق : 1 / 195 : « روى ابن مندة عن عبد الله بن معتمر مرفوعاً قال : إن الدجال ليس به خفاء ، يجئ من قبل المشرق ، فيدعو لنفسه فيتبع ويقاتل ناساً فيظهر عليهم ، لا يزال على ذلك حتى يقدم الكوفة فيظهر عليهم » .
ورواه عبد الرزاق : 11 / 396 ، عن كعب : أنه يخرج الدجال من العراق ! وفي / 395 ، وابن أبي شيبة : 8 / 656 ، عن ابن عمرو أنه يخرج من العراق ، وفي ابن حماد : 2 / 530 عن النبي صلى الله عليه وآله : يخرج الدجال من خلة بين الشام والعراق ! والنهاية : 2 / 73 ، عن الهروي .
والخلة : منخفض بين جبلين . وتقدم حديث أنه يخرج من بلخ بأفغانستان .
6 . ورووا وروينا أن أتباعه اليهود ، وقد تقدمت رواية مسلم « 8 / 207 » « يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة » . وسيأتي أن كعب الأحبار جعل أتباعه من صلب العرب !
وفي أحمد : 3 / 224 : « يخرج الدجال من يهودية أصبهان ، معه سبعون ألفاً من اليهود عليهم التيجان » .
إلى عشرات الروايات ومئاتها التي غصت بها مصادرهم ، بما فيها من تهافت وتناقض !
لكن في كمال الدين من مصادرنا / 528 ، عن ابن عمر : « أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب » .
الأبطال الثلاثة في تحريف عقيدة الدجال
أبرز الشخصيات الذين تبنوا أحاديث الدجال ونشروها في المسلمين ، ثلاثة : عمر بن الخطاب ، وتميم الداري ، وكعب الأحبار ، فقد اتفقوا على أسطورة الدجال ومخاريقه ، واختلفوا في تحديده فجعله عمر شخصاً وُلد في عهده وقال إنه عبد الله بن صياد ، وهو يهودي أمه من الخزرج من جماعة سعد بن عبادة . وجعله تميم الداري شخصاً طويلاً عريضاً ، مقيداً بالسلاسل في جزيرة من البحر المتوسط . وجعله كعب الأحبار شيطاناً مقيداً بالسلاسل في جزيرة باليمن .
وكان التأثيرالأكبر لعمر ، الذي نشرعقيدته بالدجال ، وسمح لتميم وكعب أن ينشروا عقيدتهم أيضاً ! فتحير الناس بين دجال عمر ودجال تميم ودجال كعب ، لأن أحاديثهم كلها
--------------------------- 50 ---------------------------
صحيحة ، فصدقوهم جميعاً وجعلوا دجاجيلهم واحداً !
ثم تحيروا في أحاديث كعب وجماعته التي تربط خروج الدجال بفتح القسطنطينية ، وبالمهدي ، وبالقيامة ، وفيها حشدٌ من التفاصيل والتناقضات !
والعجب من علماء الخلافة لم ينتقدوا روايات الدجال لأنها عندهم صحيحة بل حاولوا توحيد الدجالي ، كابن حجر وهو من كبارأئمتهم ، فقد قَبِلَ دجال كعب المحبوس في إحدى جزائر اليمن وقبل رواية تميم في الجساسة وتحير في الجمع بينهما وبين دجال عمر ! وتخبط في ذلك « فتح الباري « 13 / 277 » . ومما قاله : « ذكر نعيم بن حماد شيخ البخاري في كتاب الفتن أحاديث تتعلق بالدجال وخروجه ، إذا ضمت إلى ما سبق ذكره في أواخر كتاب الفتن ، انتظمت منها له ترجمة تامة . منها : ما أخرجه من طريق جبير بن نفير وشريح بن عبيد وعمرو بن الأسود وكثير بن مرة ، قالوا جميعاً : الدجال ليس هو إنسان وإنما هو شيطان موثق بسبعين حلقة في بعض جزائر اليمن ، لا يعلم من أوثقه سليمان النبي أو غيره ، فإذا آن ظهوره فك الله عنه كل عام حلقة ، فإذا برز أتته أتان عرض ما بين أذنيها أربعون ذراعاً ، فيضع على ظهرها منبراً من نحاس ويقعد عليه ، ويتبعه قبائل الجن ، يخرجون له خزائن الأرض ! قلت : وهذا لا يمكن معه كون ابن صياد هو الدجال » .
وابن صياد الذي استبعده ابن حجر هو دجال عمر ، وأحاديثه عندهم في أعلى درجات الصحة ! ثم قال ابن حجر : « ولعل هؤلاء مع كونهم ثقات تلقوا ذلك من بعض كتب أهل الكتاب !
وأخرج أبو نعيم أيضاً من طريق كعب الأحبار أن الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر ، قال : وبين مولده ومخرجه ثلاثون سنة . قال : ولم ينزل خبره في التوراة والإنجيل وإنما هو في بعض كتب الأنبياء . . وذكر ابن وصيف المؤرخ أن الدجال من ولد شق الكاهن المشهور ، قال : بل هو شق نفسه أنظره الله ، وكانت أمه جنية عشقت أباه فأولدها ، وكان الشيطان يعمل له العجائب ، فأخذه سليمان فحبسه في جزيرة من جزائر البحر . . . » .
وقال ابن حجر : « ولشدة التباس الأمر في ذلك ، سلك البخاري مسلك الترجيح ، فاقتصر على حديث جابرعن عمر في ابن صياد ، ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم ، وقد توهم بعضهم أنه غريب فرده ، وليس كذلك » .
--------------------------- 51 ---------------------------
ثم رد ابن حجرأن الدجال مصري ، فقال في : 13 / 277 : « وأخلق بهذا الخبر أن يكون باطلاً ، فإن الحديث الصحيح أن كل نبي قبل نبينا أنذر قومه الدجال . وكونه يولد قبل مخرجه بالمدة المذكورة مخالف لكونه ابن صياد ، ولكونه موثوقاً في جزيرة من جزائر البحر » .
وقد أطال ابن حجر ومال إلى دجال تميم أكثر من دجال عمر ! وحاول أن يجمع بينهما بقوله : « وأقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم ، وكون ابن صياد هو الدجال أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثوقاً ، وأن ابن صياد شيطان تبدَّى في صورة الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى أصبهان فاستتر مع قرينه ، إلى أن تجئ المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها » ! انتهى . ولا يصح هذا الجمع ، لأن ابن صياد مات في المدينة ، بينما دجال تميم ودجال كعب مكتفان ، لايطلقان إلا عند خروجهما !
لقد غرق ابن حجر في أحاديثهم في الدجال رغم علمه ، فكيف ببقية علمائهم ! فمشكلة كبارعلمائهم ليست ضعف ذهن الواحد منهم بل في المادة المفروضة عليه بحجة صحتها ، التي تجبره على قبول التناقض والحشوية والهرطقة !
5 - عقيدة الدجال التي نشرها عمر بن الخطاب
روى أصح كتاب عندهم أن عمر كان يحلف أن الدجال هو عبد الله بن صياد ! وهو يهودي من المدينة . ففي البخاري : 8 / 158 ، و 9 / 133 ، أن جابراً قال : « سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي فلم ينكره النبي صلى الله عليه وآله » . يعني أن النبي صلى الله عليه وآله أقر دجال عمر ! والعجيب أن عمر لم يسأل النبي صلى الله عليه وآله عنه ، بل كان يحلف أمامه على رأيه ، فيسكت النبي صلى الله عليه وآله مقراً له ! ثم كذبوا على جابر وأبيّ أنهما كانا يحلفان مثل عمر ، أما أبو ذر فكان يحلف عشر مرات ! ثم افتروا على النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يظنه أن الدجال ابن صياد ، وكان حريصاً على معرفة كلامه ونواياه ، حتى ذهب مرات متخفياً يتلصص عليه ويتجسس ! قال بخاري في صحيحه : 7 / 113 : « أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر أخبره أن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وآله في رهط من أصحابه قِبَل ابن صياد ، حتى وجده يلعب مع الغلمان في أطم بني مَغَالة ، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم ، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله ظهره بيده ، ثم قال :
--------------------------- 52 ---------------------------
أتشهد أني رسول الله ؟ فنظر إليه فقال : أشهد أنك رسول الأميين . ثم قال ابن صياد : أتشهد أني رسول الله ؟ فرضَّه النبي ، ثم قال : آمنت بالله ورسله . ثم قال لابن صياد : ماذا ترى ؟ قال : يأتيني صادق وكاذب . قال رسول الله : خلط عليك الأمر . قال : رسول الله : إني خبأت لك خبيئاً ، قال : هو الدخّ . قال : إخسأ فلن تعدو قدرك ! قال عمر : يا رسول الله أتأذن لي فيه أضرب عنقه ؟ قال رسول الله : إن يكن هو لا تُسلط عليه ، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله » .
قال سالم : فسمعت عبد الله بن عمر يقول : « انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بن كعب الأنصاري يؤمان النخل التي فيه ابن صياد ، حتى إذا دخل رسول الله طفق رسول الله صلى الله عليه وآله يتقي بجذوع النخل وهو يَخْتِل أن يسمع من ابن صياد شيئاً قبل أن يراه ، وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة ، فرأت أم ابن صياد النبي وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد : أي صاف وهو اسمه ، هذا محمد ، فتناهى ابن صياد . قال رسول الله : لو تركَتْهُ بَيَّن ! قال سالم : قال عبد الله : قام رسول الله في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال : إني أنذركموه ، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه ، لقد أنذره نوح قومه ، ولكني سأقول فيه قولاً لم يقله نبي لقومه : تعملون أنه أعور وإن الله ليس بأعور » .
ورواه عبد الرزاق : 11 / 389 ، بثلاث روايات ، وفي الثالثة : 11 / 389 عن الحسين بن علي عليه السلام ! قال : « إن النبي صلى الله عليه وآله خبأ لابن صياد دخاناً فسأله عما خبأ له فقال : دخّ ، فقال : إخسأ فلن تعدو قدرك ، فلما ولى قال النبي ما قال ، فقال بعضهم : دُخّ ، وقال بعضهم : بل قال ريح ! فقال النبي : قد اختلفتم وأنا بين أظهركم وأنتم بعدي أشد اختلافاً » .
وفي رواية أحمد : 3 / 368 ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله مشفقاً أنه الدجال .
ومعنى حديث بخاري أن الله تعالى له عينان سالمتان ، وبذلك يتميزعن الدجال !
وأدلى أبو بكرة أخ زياد بن أبيه بدلوه في الدجال لتأييد قسم عمر ، فروى عنه الطيالسي / 116 : قال رسول الله : يمكث أبَوَا الدجال ثلاثين عاماً لا يولد لهما ، ثم يولد لهما غلام أعور أضر شئ وأقله نفعاً ، تنام عيناه ولا ينام قلبه . قال : ونعت رسول الله صلى الله عليه وآله أباه فقال : أبوه رجل طوال مضطرب اللحم كأن أنفه منقار ! وأما أمه فامرأة طويلة فرضاخية عظيمة الثديين . قال أبو بكرة : فسمعنا بمولود ولد بالمدينة في اليهود ، فذهبت أنا والزبير بن العوام فدخلنا
--------------------------- 53 ---------------------------
على أبويه فإذا نعت رسول الله فيهما فقلت : هل ولد لكما من ولد ؟ فقالا : مكثنا ثلاثين عاماً لا يولد لنا ، ثم ولد هذا لنا أضر شئ وأقله نفعاً ، تنام عيناه ولا ينام قلبه ، فخرجنا من عندهما فإذا هو منحول في قطيفة في الشمس له همهمة فكشف عن رأسه فقال : ما قلتما ؟ قلنا : أو سمعت ؟ قال : إني أنام ولا ينام قلبي » ! ورواه ابن أبي شيبة : 8 / 651 ، وأحمد : 5 / 49 ، كما في الطيالسي بتفاوت يسير ، ونحوه في / 51 ، والترمذي : 4 / 518 ، ومصابيح البغوي : 3 / 514 ، من حسانه . . إلى آخر القائمة الدجالية .
والفرضاخ والفرضاخة والفرضاخية : بكسر الفاء للرجل والمرأة العظيم البدن .
ثم زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله كان شاكاً واحتاج إلى علم اليهود ، وبما أن عمركان يحضر دروسهم وتعلم منهم علم الدجال ، فعلمه للنبي صلى الله عليه وآله وأكد ذلك بيمين ، فتيقن النبي صلى الله عليه وآله من يمين عمر ، واستغنى بعلم اليهود ويمين عمرعن نزول الوحي !
قال في عمدة القاري : 25 / 69 : « فهذا يدل على شكه فيه وترك القطع عليه أنه الدجال . قلت : يمكن أن يكون هذا الشك منه كان متقدماً على يمين عمر بأنه الدجال » ! لكن ابن حجر قال إن النبي صلى الله عليه وآله لم يؤيد دجال عمر وسكت ، وبقي شاكاً حتى جاءه تميم الداري فأخبره أنه رأى الدجال ، فشكره ودعا المسلمين وخطب بهم ، وعلمهم عقيدة الدجال ، فكان الفضل فيه لتميم وليس لعمر ! إلى آخر هرطقتهم !
6 - كان أولاد عمر يؤكدون عقيدة أبيهم !
روى أبو داود : 4 / 120 ، أن عبد الله بن عمر كان يقول : « والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد » . وروى أحمد : 6 / 283 ، أن ابن عمر « رأى ابن صائد في سكة من سكك المدينة فسبه ابن عمر ووقع فيه ، فانتفخ حتى سد الطريق ! فضربه ابن عمر بعصاً كانت معه حتى كسرها عليه ! فقالت له حفصة : ما شأنك وشأنه ، ما يولعك به ؟ أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنما يخرج الدجال من غضبةٍ يغضبها » !
وروى مسلم : 8 / 194 ، عن نافع قال : « لقي ابن عمر ابن صائد في بعض طرق المدينة فقال له قولاً أغضبه فانتفخ حتى ملأ السكة ، فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها فقالت له : رحمك الله ما أردت من ابن صائد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إنما يخرج من غضبة يغضبها » !
--------------------------- 54 ---------------------------
وروى عبد الرزاق : 11 / 396 ، عن ابن عمر ، قال : « لقيت ابن صياد يوماً ومعه رجل من اليهود فإذا عينه قد طفيت ، وكانت عينه خارجة مثل عين الجمل ، فلما رأيتها قلت : يا ابن صياد أنشدك الله متى طفيت عينك أو نحو هذا ؟ قال : لا أدري والرحمن ، فقلت : كذبت لا تدري وهي في رأسك ؟ قال : فمسحها ، قال : فنخر ثلاثاً ! فزعم اليهودي أني ضربت بيدي على صدره ، قال : ولا أعلم أني فعلت ذلك ! قلت : إخس ، فلن تعدو قدرك ، قال : أجل لعمري لا أعدو قدري .
قال : فذكرت ذلك لحفصة فقالت : إجتنب هذا الرجل ، فإنا نتحدث أن الدجال يخرج عند غضبة يغضبها » !
أقول : هذا يدلنا على أن بدعة عمر أو خيالاته قد نجحت ، وآمن بها أولاده وبعض المسلمين !
7 - محنة المسكين عبد الله بن صياد وابنه عمارة !
وقد تناقض علماء الخلافة فيما كتبوه في ترجمة ابن صياد وابنه عمارة ، فقد تحيروا في قبول يمين عمر إنه الدجال فقال بعضهم : كلام عمر صحيح ، وابن صياد هو الدجال ، ونسبوا إلى جابر الأنصاري رحمه الله وغيره تصديق عمر رغم أن ابن صياد أسلم وشارك في فتح أصفهان ، فأجابوا بأنه غاب عند يهود أصفهان ، لأن النبي أخبر أنه يخرج من هناك : « وأن اليهود تلقوه وقالوا : هذا ملكنا الذي نستفتح به على العرب ، وأدخلوه البلد ليلاً ومعه الطبول والشموع ، ثم لم يعرف له خبر بعد ذلك » . « تهذيب ابن حجر : 7 / 367 » .
لكنهم كذبوا أنفسهم فرووا أنه كان في المدينة يوم الحرة ! وقال بعضهم : كيف يكون ابن صياد الدجال وقد أسلم وشارك في الفتوحات ومات في المدينة ، وابنه عمارة إمام وَثَّقَهُ ابن معين وابن حبان ، وغيرهما !
وقد تجرأ البيهقي وابن حجر والذهبي وابن تيمية والشوكاني فقالوا إن ابن صياد ليس الدجال ، وإنَّ عمر أخطأ في يمينه وإن النبي صلى الله عليه وآله لم يقره لأنه كان « شاكاً » فيه ، فنزل عليه الوحي بأن الدجال هو دجال تميم الداري المسجون في جزيرة ، فخطب في الناس وأخبرهم ! قال
--------------------------- 55 ---------------------------
في الإصابة : 5 / 148 : « في الصحيحين عن جابر أنه كان يحلف أن ابن صياد الدجال ، وذكر أن عمر كان يحلف بذلك عند النبي صلى الله عليه وآله . . لكنه إن كان مات على الإسلام يكون كما قال ابن فتحون « صحابياً عادلاً » على شرط كتاب الإستيعاب » .
وقال الذهبي في الكاشف : 2 / 54 : « عمارة بن عبد الله بن صياد : هو ولد الذي ظُنَّ أنه الدجال ، عن جابر ، وعن ابن المسيب ، وعنه مالك ، وجماعة . وثقه ابن معين » .
وقال الشوكاني في نيل الأوطار : 8 / 19 : « قال الخطابي : اختلف السلف في أمر ابن صياد بعد كبره ، فروي أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة ، وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا وجهه حتى يراه الناس ، وقيل لهم : اشهدوا !
وقال النووي : قال العلماء قصة ابن صياد مشكلة وأمره مشتبه ، ولكن لا شك أنه دجال من الدجاجلة ! والظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله لم يوح إليه في أمره بشئ ، وإنما أوحيَ إليه بصفات الدجال وكان في ابن صياد قرائن محتملة ، فلذلك كان صلى الله عليه وآله لا يقطع في أمره بشئ » .
وقال البيهقي في نيل الأوطار : 8 / 19 : « يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وآله كان متوقفاً في أمره ، ثم جاءه التثبت من الله تعالى بأنه غيره ، على ما تقتضيه قصة تميم الداري ، وبه تمسك من جزم بأن الدجال غير ابن صياد وطريقه أصح » .
وقال في نيل الأوطار : 8 / 20 : « وهذا الحديث ينافي ما استدل به على أن ابن صياد هو الدجال ولا يمكن الجمع أصلاً ، إذ لا يلتئم أن يكون من كان في الحياة النبوية شبه المحتلم ويجتمع به النبي ويسأله ، أن يكون شيخاً في آخرها مسجوناً في جزيرة من جزائر البحر موثوقاً بالحديد يستفهم عن خبر النبي صلى الله عليه وآله : هل خرج أم لا ، فينبغي أن يحمل حلف عمر وجابر ، على أنه وقع قبل علمهما بقصة تميم » .
لكنهم رووا عن جابر رحمه الله نقيض ذلك وأنه قال : « ما زلت في شك من عبد الله بن صائد حتى قبر » ! « رسالة الصاهل لأبي العلاء المعري / 100 » .
وقال ابن تيمية في فتاويه : 11 / 283 : « ظن بعض الصحابة أنه الدجال وتوقف النبي في أمره حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال ، لكنه كان من جنس الكهان » .
وقال ابن قتيبة في المعارف / 272 : « وأبوه عبد الله بن صياد هو الذي قيل فيه إنه الدجال
--------------------------- 56 ---------------------------
لأمور كان يفعلها ، وأسلم عبد الله ، وحج ، وغزا مع المسلمين ، وأقام بالمدينة ! ومات ابنه عمارة في خلافة مروان بن محمد » .
وفي الجرح والتعديل : 6 / 367 : « عن يحيى بن معين أنه قال : عمارة بن عبد الله بن صياد ثقة ، نا عبد الرحمن قال : سألت أبي عن عمارة بن صياد فقال : هو صالح الحديث » .
وفي تهذيب الكمال : 21 / 249 : « وقال محمد بن سعد : كان ثقة قليل الحديث ، وكان مالك بن أنس لا يقدم عليه في الفضل أحداً . . . ومات عمارة في خلافة مروان بن محمد . وذكره ابن حبان في كتاب الثقات » .
وفي أسد الغابة : 3 / 187 : « عبد الله بن صياد . . كان أبوه من اليهود لا يدرى ممن هو ، وهو الذي يقول بعض الناس إنه الدجال . ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أعور مختوناً . من ولده عمارة بن عبد الله بن صياد من خيار المسلمين ، من أصحاب سعيد بن المسيب ، روى عنه مالك وغيره »
ثم ذكر يمين عمر وقال : « الذي صح عندنا أنه ليس الدجال ، لما ذكره في هذا الحديث ، ولأنه توفي بالمدينة مسلماً ، ولحديث تميم الداري » .
« كان مالك بن أنس لا يقدِّم عليه أحداً في الفضل ، وروى عنه وروى عمارة عن سعيد بن المسيب . وكانوا يقولون نحن بنو أشيهب . ثم قال ابن سعد عن أبيه عبد الله : وهو الذي قيل إنه الدجال لأمور كان يفعلها » . « الطبقات ، القسم المتمم / 302 » .
أقول : يبدو أن أم ابن صائد خزرجية ، وقد يكون أبوه يهودياً ، ولم أجد بني أشيهب الذين نسبوه إليهم ، وربما كانوا أخواله من الخزرج . فهو محسوب على الخزرج ورئيسهم سعد بن عبادة ، الذي هو العدو اللدود لعمر ، لأنه وقف ضد بيعة أبي بكر فنفاه عمر إلى الشام ، ثم بعث له خالداً فقتله !
قال في الطبقات : 3 / 503 : « إن النبي صلى الله عليه وآله رأى ابن صياد وهو صبي مراهق يلعب في حي بني مَغَالة ، وهم بطن من بني عبد النجار » . لكن عمر جعله يهودياً ، ولَبَّسَهُ تهمة الدجال ! وكان مسلماً مجاهداً ، وكان قائد الخيل في معركة نهاوند « الطبري : 3 / 187 » وكان يصرخ من تهمة عمر له ، وتهمة ابنه عبد الله بن عمر وابنته حفصة !
--------------------------- 57 ---------------------------
وروى أحمد : 3 / 79 : أن أبا سعيد الخدري كان ذاهباً في جيش الفتح : « قال : أقبلنا في جيش من المدينة قبل هذا المشرق ، قال : فكان في الجيش عبد الله بن صياد ، وكان لايسايره أحد ، ولا يرافقه ولا يؤاكله ولا يشاربه ، ويسمونه الدجال ! فبينا أنا ذات يوم نازل في منزل لي إذ رآني عبد الله بن صياد جالساً ، فجاء حتى جلس إليَّ فقال : يا أبا سعيد ألا ترى إلى ما يصنع الناس ؟ ! لايسايرني أحد ولا يرافقني أحد ولا يشاربني أحد ولا يؤاكلني أحد ، ويدعوني الدجال ! وقد علمت أنت يا أبا سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن الدجال لا يدخل المدينة ، وإني ولدت بالمدينة . وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن الدجال لا يولد له وقد وُلد لي ! فوالله لقد هممتُ مما يصنع بي هؤلاء الناس أن آخذ حبلاً فأخلو فأجعله في عنقي ، فأختنق فأستريح من هؤلاء الناس ! والله ما أنا بالدجال » !
لكن الرواة أرادوا إثبات صدق عمر ، وقالوا : عنزة ولو طارت ! فأضافوا في الحديث : « ثم قال لي في آخر قوله : أما والله إني لأعلم مولده ومكانه وأين هو ! قال فلبَّسني » . « مسلم : 8 / 190 » . يقصد أنه غشه في أول حديثه ، ثم أقر في آخره !
8 - عقيدة الدجال التي نشرها تميم الداري
تميم الداري مسيحي من بلاد الشام ، وقد جاء هو وجماعته إلى النبي صلى الله عليه وآله في السنة العاشرة للهجرة ، أي بعد انتصار النبي صلى الله عليه وآله وشمول الإسلام الجزيرة . وكان تميم وجماعته تجار خمر فأهدى إلى النبي صلى الله عليه وآله أدناناً من الخمر فرفضها ، لأن الله حرمها ، فقال له تميم : خذها وانتفع بثمنها ، فأجابه إذا حرم الله شيئاً حرم ثمنه .
وسكن تميم المدينة ، وكان مقرباً من الخليفة عمر الأنه يقص قصص أهل الكتاب التي تعجب عمر ! وقد طلب منه تميم أن يقصها في المسجد ، فقال له عمر : إن النبي نهى عن ثقافة القصاصين : « إني أخاف أن يجعلك الله تحت أقدامهم »
يعني أخاف عليك غضب المسلمين ، إذا قَصَصْتَ في مسجدهم ! لكن تميماً استغل ليونة عمر فواصل طلبه ، كما في تاريخ المدينة : 1 / 9 ، فأصدر له مرسوماً بالقص في مسجد النبي صلى الله عليه وآله ! وحضر عمر تحت منبره ، وقال إنه أراد أن يسأله عن توضيح كلمة ، لكنه احترمه وكره أن يقطع كلامه !
--------------------------- 58 ---------------------------
وقد اختار له عمر يوم الجمعة ، ثم أضاف اليه يوم السبت ، فصارت النتيجة مزيجاً طريفاً : قسيسٌ وتاجر خمر ، مسيحي سابقاً ومسلم حالياً حسب قوله ، يقصُّ على المسلمين قصص اليهود والنصارى ، في مسجد نبيهم صلى الله عليه وآله في يوم السبت ! في حين أن عمر منع من أي تحديث عن النبي صلى الله عليه وآله تحت طائلة العقوبة !
وروى أحمد : 3 / 449 : « لم يكن يقصُّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولا أبي بكر ، وكان أول من قص تميماً الداري ، استأذن عمر بن الخطاب أن يقص على الناس قائماً ، فأذن له عمر » .
وقال عمر بن شبَّة في تاريخ المدينة : 1 / 11 : « ثم استخلف عثمان فاستزاده ، فزاده مقاماً آخر ، فكان يقوم ثلاث مرات في الجمعة » . انتهى . وبهذا صار تميم الواعظ الرسمي للمسلمين ، وكان عمر يحترمه كثيراً ويسميه « خير المؤمنين » واخترعوا له كرامات ومعجزات ، فقالوا : ذات يوم ثار بركان في المدينة فطلب عمر من تميم أن يرد البركان ويطفئه ، فذهب معه وحاش فوهة البركان بيديه وطرد النار إلى شعب من شعاب الجبال ، وركض وراءها ، حتى اختفت !
قال البيهقي في دلائل النبوة : 6 / 80 : « باب ما جاء في الكرامة التي ظهرت على تميم الداري رضي الله عنه . . . عن معاوية بن حرمل قال : قدمت المدينة فلبثت في المسجد ثلاثاً لا أطعم ، قال : فأتيت عمر فقلت : يا أمير المؤمنين تائب من قبل أن تقدر عليه ، قال : من أنت ؟ قلت : أنا معاوية بن حرمل « صهر مسيلمة الكذاب وكان معه في حركة نبوته ، الإصابة : 10 / 35 » قال : إذهبْ إلى خير المؤمنين فانزل عليه . قال : وكان تميم الداري إذا صلى ضرب بيده عن يمينه وعن شماله ، فأخذ رجلين فذهب بهما ، فصليت إلى جنبه فضرب يده فأخذ بيدي ، فذهب بي فأتينا بطعام فأكلت أكلاً شديداً وما شبعت من شدة الجوع ! قال : فبينا نحن ذات يوم إذ خرجت نار بالحرة ، فجاءه عمر إلى تميم فقال : قم إلى هذه النار ، فقال : يا أمير المؤمنين ومن أنا وما أنا ! قال : فلم يزل به حتى قام معه ، قال : وتبعتهما فانطلقا إلى النار فجعل تميم يحوشها بيديه حتى دخلت الشعب ودخل تميم خلفها ! قال : فجعل عمر يقول : ليس من رأى كمن لم يرَ ، قالها ثلاثاً » . انتهى .
هذا هو تميم الداري الذي زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله أخذ منه عقيدة الدجال ! وقد طوَّرها تميم عن أسطورة الدجال اليهودي وادعى أنه رآه مقيداً في جزيرة في البحر ! وقد بلغت بهم الجرأة أن زعموا أنه أخبر النبي صلى الله عليه وآله فسارع إلى المنبر وخطب في المسلمين وقص عليهم قصة
--------------------------- 59 ---------------------------
تميم ، وجعلها جزء من الإسلام وعقائده ! ثم روجوها في أهم مصادرهم ، وعرفت باسم : « حديث الجساسة » .
وأقدم من رواها قبل ابن أبي شيبة : 8 / 658 ، وأشهر رواتها فاطمة بنت قيس الفهرية ، أخت الضحاك المتقرب إلى معاوية ، قالت : « صلى النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم الظهر ثم صعد المنبر فاستنكر الناس ذلك ، فبيْنَ قائم وجالس ، ولم يكن يصعده قبل ذلك إلا يوم الجمعة ، فأشار إليهم بيده أن اجلسوا ، ثم قال : والله ما قمت مقامي هذا لأمر ينفعكم ، لا لرغبة ولا لرهبة ، ولكن تميماً الداري أتاني فأخبرني خبراً منعني القيلولة من الفرح وقرة العين ، ألا إن بني عمٍّ لتميم الداري أخذتهم عاصف في البحر ، فألجأتهم الريح إلى جزيرة لا يعرفونها ، فقعدوا في قوارب السفينة فصعدوا فإذا هم بشئ أسود أهدب كثير الشعر ، قالوا لها : ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة قالوا : فأخبرينا ، قالت : ما أنا بمخبرتكم ولا سائلتكم عنه ، ولكن هذا الدير قد رمقتموه فأتوه فإن فيه رجلاً بالأشواق إلى أن يخبركم وتخبروه ، فأتوه فدخلوا عليه فإذا هم بشيخ موثق في الحديد شديد الوثاق كثير الشعر ، فقال لهم : من أين ؟ قالوا : من الشام قال : ما فعلت العرب ؟ قالوا : نحن قوم من العرب ، قال : ما فعل هذا الرجل الذي خرج فيكم ؟ قالوا : خير ، ناواه قوم فأظهره الله عليهم ، فأمرهم اليوم جميع وإلههم واحد ودينهم واحد ، قال : ذلك خير لهم ، قال : ما فعلت عين زَغَر ؟ قالوا : يسقون منها زروعهم ويشربون منها لسقيهم . قال : ما فعل نخل بين عمان وبيسان ؟ قالوا : يطعم من جناه كل عام ، قال : ما فعلت بحيرة طبرية ؟ قالوا : تدفق جانباها من كثرة الماء . فزفر ثلاث زفرات ثم قال : إني لو قد انفلتُّ من وثاقي هذا لم أترك أرضاً إلا وطأتها بقدمي هاتين ، إلا طيبة ليس لي عليها سلطان . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إلى هذا انتهى فرحي ! هذه طيبة ، والذي نفس محمد بيده ما منها طريق ضيق ولا واسع إلا عليه ملك شاهر بالسيف إلى يوم القيامة » .
ونحوه أحمد : 6 / 416 ، وابن ماجة : 2 / 1354 ، وأبو داود : 4 / 118 ، مختصراً ، بخمس روايات . والترمذي : 4 / 521 ، بتفاوت ، وأبو يعلى : 4 / 119 ، بثلاث روايات . . . إلى آخر القائمة .
لكن مسلماً صاحب الصحيح ، أفاض « 8 / 203 » في جساسة تميم ودجاله بتفصيل فرواها بعدة روايات عن بطلة الرواية فاطمة بنت قيس ، قالت : « فلما انقضت عدتي سمعت نداء
--------------------------- 60 ---------------------------
المنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله ينادى : الصلاة جامعة ، فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، فكنت في صف النساء التي تلي ظهورالقوم فلما قضى رسول الله صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال : ليلزم كل إنسان مصلاه ، ثم قال : أتدرون لم جمعتكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ، ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فجاء فبايع وأسلم ، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال ! حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام ، فلعب بهم الموج شهراً في البحر ، ثم أرفأوا إلى جزيرة في البحرحتى مغرب الشمس فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة ، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قُبله من دُبره من كثرة الشعر ، فقالوا : ويلك ما أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة ! قالوا : وما الجساسة ؟ ! قالت : أيها القوم ، انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق . قال : لما سمَّت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة ، قال فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً وأشده وثاقاً ، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد ! قلنا : ويلك ما أنت ؟ قال : قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم ؟ قالوا : نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية ، فصادفنا البحر حين اغتلم ، فلعب بنا الموج شهراً ، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها ، فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر ، فقلنا : ويلك ما أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة . قلنا : وما الجساسة ؟ قالت : إعمدوا إلى هذا الرجل في الدير ، فإنه إلى خبركم بالأشواق ، فأقبلنا إليك سراعاً وفزعنا منها ، ولم نأمن أن تكون شيطانة !
فقال : أخبروني عن نخل بيسان ؟ قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : أسألكم عن نخلها هل يثمر ؟ قلنا له : نعم . قال : أما إنه يوشك أن لا تثمر . قال : أخبروني عن بحيرة الطبرية ؟ قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : هل فيها ماء ؟ قالوا : هي كثيرة الماء . قال : أما إن ماءها يوشك أن يذهب . قال : أخبروني عن عين زغر ؟ قالوا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين ؟ قلنا له : نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها . قال : أخبروني عن نبي الأميين ما فعل ؟ قالوا : قد خرج من مكة ونزل يثرب . قال :
--------------------------- 61 ---------------------------
أقاتله العرب ؟ قلنا : نعم . قال : كيف صنع بهم ؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه . قال لهم : قد كان ذلك ؟ ! قلنا : نعم . قال : أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه ، وإني مخبركم عني : إني أنا المسيح « ! » وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غيرمكة وطيبة ، فهما محرمتان عليَّ كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحداً منهما استقبلني ملك بيده السيف مصلتاً يصدني عنها ، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها .
قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وطعن بمخصرته في المنبر : هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة يعنى المدينة ، ألا هل كنت حدثتكم ذلك ؟ فقال الناس : نعم . قال صلى الله عليه وآله : فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ! ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن ، لا بل من قبل المشرق ، ما هو من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو . وأومأ بيده إلى المشرق . قالت : فحفظت هذا من رسول الله » .
أقول : هذه القصة واضحة الكذب والتناقض ، ويظهر أنها واضعتها بنت قيس وهي كذابة ولا حافظة لكذوب ، ففي بعضها أن تميماً كان في السفينة وفي بعضها لم يكن ! وفي بعضها أخذهم موج البحر شهراً ، وفي بعضها كانوا يسيرون فظهرت لهم جزيرة ، فذهبوا ليشتروا خبزاً ! وفي بعضها أن الجزيرة في ساحل فلسطين ، وفي بعضها في المغرب ! وفي بعضها أن النبي صلى الله عليه وآله تحير فيها أين هي ! كما أن الجساسة عند بنت قيس مرة دابة ومرة امرأة ! أما الدجال فإنسان ضخم ، أو شيطان ، مقيدٌ في دير في جزيرة . ثم تتعجب لماذا سألهم الدجال عن مناطق ، ولم يرسل أحداً ليتعرف خبرها . . الخ . !
9 - عقيدة الدجال التي نشرها كعب الأحبار
عمل اليهود للتأثير الثقافي على المسلمين فترجموا توراتهم إلى العربية وكلفوا عمر بن الخطاب أن يقنع النبي بأن يعتمدها كتاباً للمسلمين ! فغضب النبي صلى الله عليه وآله وقال : « والذي نفس محمد بيده ، لو أصبح موسى فيكم ثم اتبعتموه وتركتموني ، لضللتم » ! وفي عبد الرزاق : 6 / 113 : « فتغير وجه رسول الله ! قال عبد الله : فقلت : مسخ الله عقلك ! ألا ترى ما بوجه رسول الله ؟ ! » . وفتح الباري : 13 / 438 .
--------------------------- 62 ---------------------------
وكان لليهود في المدينة مدرستان : المدراس لتدريس التوراة ، والمشنا لتدريس التلمود ، وكان عمر ومعه جماعة يحضرون عندهم كل سبت ، وطلب من النبي صلى الله عليه وآله أن يأذن لهم بكتابة أحاديثهم فنهاه وقال : كيف يهدونكم وقد أضلوا أنفسهم ! لكنهم تابعوا حضورهم ! فاستنفر النبي صلى الله عليه وآله المسلمين وخطب وحذرهم من المتأثرين باليهود وأطلق عليهم اسم « المُتَهَوِّكين » ! « الدر المنثور : 4 / 3 » .
ومعنى ذلك أن نشر الإسرائيليات كان من زمن النبي صلى الله عليه وآله وعندما جاء كعب في عهد عمر ، وجد الإسرائيليات في الدجال قائمة ، فطورها ونفى أن يكون الدجال يهودياً وجعله عربياً عراقياً ، وزاد من تخويف المسلمين منه ، كما خوفهم من فتح القسطنطنية لأنه يوجب خروج الدجال وقيام الساعة ! وجعل فتح القسطنطينية بيد اليهود من بني إسحاق كما روى مسلم ! لا بيد المسلمين . . الخ . وتجد من العجائب أن كعباً يروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله مع أنه لم يره ! لكن تلاميذه أبا هريرة وعبد الله بن عمر وابن عمرو العاص ، جعلوا كلامه أحاديث نبوية !
10 - جعل كعب حركة الدجال حركة عربية !
رووا عن أنس أن الدجال يهودي ، ففي مسند أحمد : 3 / 224 ، عن أنس : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « يخرج الدجال من يهودية أصبهان ، معه سبعون ألف من اليهود عليهم التيجان » . ويهودية أصفهان : محلة فيها يسكنها اليهود .
وفي مسلم : 8 / 207 : « يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً ، عليهم الطيالسة » .
لكن كعباً جعل أتباعه من العرب الأقحاح ! ففي مصنف ابن أبي شيبة : 8 / 671 : « كأني بمقدمة الأعور الدجال ست مائة ألف من العرب يلبسون السيجان » . وفي كنى البخاري / 65 : « يتبع الدجال أربعون ألفاً من صلب العرب » .
ثم جعل الدجال عراقياً ، لأن كعباً كان يكره العراق لأن القبائل اليمانية فيه يعرفون زيفه ، ففي مصنف عبد الرزاق : 11 / 396 ، عن كعب قال : « يخرج الدجال من العراق » . وفي / 251 : أراد عمر أن يسكن العراق فقال له كعب : « لا تفعل ، فإن فيها الدجال ، وبها مردة الجن ، وبها تسعة أعشار السحر ، وبها كل داء عضال يعني الأهواء » .
--------------------------- 63 ---------------------------
وتكرم كعب على بني تميم فقال لابن فاتك التميمي : « إن أشد أحياء العرب على الدجال قومك يعني بني تميم » . « الآحاد والمثاني : 2 / 372 » . ولعله خاف من ابن فاتك ! وبذلك خالف كعب عمر لأنه قال إن الدجال مولود ويعيش حتى يخرج .
كما رد حديث النبي صلى الله عليه وآله المعروف عندهم أن الدجال من يهود أصفهان ! فزعم كعب أنه ، ليجعله يهودياً شبيهاً بموسى عليه السلام لأنه المهدي المنتظر عندهم !
قال في فتح الباري : 13 / 277 : « وأخرج أبو نعيم أيضاً من طريق كعب الأحبار ، أن الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر ، قال : وبين مولده ومخرجه ثلاثون » .
11 - من لم يؤمن بدجال كعب فقد كفر !
في فرائد السمطين : 2 / 334 : « عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمد ، ومن أنكر نزول عيسى فقد كفر ، ومن أنكر خروج الدجال فقد كفر » .
والمقصود بهذا الدجال دجال كعب ، وقد قال ذلك لأن هرطقته واجهت رفضاً من عقلاء المسلمين ، فأعلن بعضهم كفره بهذا الدجال أو موافقتهم لأهل البيت عليهم السلام ، فوضع لهم كعب وتلاميذه هذا الحديث وربط دجاله بالمهدي عليه السلام !
ولو سلَّمنا جدلاً صحة هذا الحديث ، فلا بد أن يكون الكفر فيه بمعناه اللغوي ، أي تغطية الحق ، وليس الكفر المصطلح المُخرج عن الدين .
12 - حرف كعب أحاديث المهدي والدجال ليطعن بالإسلام !
أخذ كعب البشارة النبوية بالمهدي ونزول عيسى صلى الله عليه وآله وخلطها بهرطقة اليهود ، وأضاف إليها أكاذيب لمصلحة الروم تمنع المسلمين من فتح القسطنطينية ، فزعم أن الدجال يخرج بعد فتحها مباشرة ، وأن المهدي عليه السلام سيقتل ، والكعبة ستهدم ، ومكة تخرب ، ولا تسكن أبداً !
والعجيب أن عمر قبل هرطقاته وتبعه رواة الخلافة وجعلوها أحاديث نبوية ، ودونوها في أصح مصادرهم ، فصارت ديناً ، بل فضيحةً موصوفة !
--------------------------- 64 ---------------------------
روى ابن حماد : 2 / 457 ، عن كعب قال : « المنصور مهدي يصلي عليه أهل السماء والأرض وطير السماء ، يبتدي بقتال الروم والملاحم عشرين سنة ، ثم يقتل شهيداً في الملحمة العظمى هو وألفان معه كلهم أمير وصاحب راية . ولم يصب المسلمون بمصيبة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أعظم منها » .
وفي : 1 / 393 ، قال كعب : « بلغني أن المهدي يمكث أربعة عشر سنة ببيت المقدس ، ثم يموت ، ثم يكون من بعده شريف الذكر ، من قوم تُبَّع يقال له منصور ببيت المقدس ، إحدى وعشرين سنة ، خمسة عشر منها عدل وثلاث سنين جور ، وثلاث سنين منها حرمان الأموال ، لا يعطي أحداً درهماً » .
وفي معارج الوصول للزرندي الشافعي / 198 : « وعن كعب قال : يموت المهدي موتاً ثم يلي الناس بعده رجل من أهل بيته ، فيه خير وشر ، وشره أكثر من خيره ، يُغضب الناس يدعوهم إلى الفرقة بعد الجماعة ، بقاؤه قليل ، يثور به رجل من أهل بيته يقتله ويقتل الناس بعده قتلاً شديداً . وبقاء الذي قتله بعده قليل ، ثم يموت موتاً ويليهم رجل من مضر من الشرق ، يُكفر الناس ويخرجهم من دينهم » ! انتهى .
فانظر كيف وجَّه كعب طعنته إلى قلب عقيدة الإسلام بدولة العدل الإلهي وإنهاء الظلم ! فجعلها لعبةً ، ونسب إلى الله تعالى أن المهدي عليه السلام يقتل ويعود الظلم ! ثم لاحظ كيف قبل ابن عمر وابن عمرو وابن منبه والزهري ، أفكار كعب ونشروها ، ولم يسألوا من أين جاء علم الغيب إلى كعب ، إلا من أمنيات اليهود ؟ !
13 - زعم كعب أن اليهود سيفتحون القسطنطينية !
من عجائب ما رواه مسلم النيسابوري : 8 / 187 عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر ؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق ، فإذا جاؤها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم ، قالوا : لا إله إلا الله والله أكبر ، فيسقط أحد جانبيها . قال ثور : لا أعلمه إلا قال : الذي في البحر ، ثم يقولوا الثانية : لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر ثم يقولوا
--------------------------- 65 ---------------------------
الثالثة : لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا فبينما هم يقتسمون المغانم ، إذ جاءهم الصريخ فقال : إن الدجال قد خرج فيتركون كل شئ ويرجعون » .
ورواه الحاكم : 4 / 476 ، والبغوي : 3 / 482 ، من صحاحه ، وجامع الأصول : 11 / 75 ، وتذكرة القرطبي / 707 .
وقال النووي في شرح مسلم : 18 / 43 : « قال القاضي : كذا هو في جميع أصول صحيح مسلم « من بني إسحاق » قال بعضهم : المعروف المحفوظ من بنى إسماعيل وهو الذي يدل عليه الحديث وسياقه ، لأنه إنما أراد العرب وهذه المدينة هي القسطنطينية » . انتهى .
أقول : سمع كعب أن المهدي عليه السلام يفتح مدينة غربية بالتكبير ، وقال بعض الرواة : إنها القسطنطينية ، وكان المسلمون يتحفزون لفتحها ، فنسب كعب فتحها إلى قومه . وعلَّمَ كعب ذلك لأبي هريرة فجعله حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله ، كما سترى !
14 - كعب يخوِّف المسلمين بالدجال إن فتحوا القسطنطينية !
أوردنا في المجلد الثالث من جواهر التاريخ رد الإمام زين العابدين والإمام الباقر عليه السلام على افتراء كعب بأن قبلة اليهود صخرة بيت المقدس أفضل من الكعبة ، وأوردنا في المجلد الثاني في فصل الذين قتلهم معاوية ، سخرية رشيد الهجري ومحمد بن أبي حذيفة رحمهما الله من كعب وتنبؤاته ! راجع تدوين القرآن / 429 .
وقد وجد كعب أن الدجال حقلٌ حيويٌّ لأكاذيبه ، فبث سمومه في نفوس المسلمين ، وأقنعهم بأن هذه الأمة ستنتهي قريباً ! وأقنع عمر بذلك ، وأن الكعبة ستهدم ومكة تخرب ، فلا تَعمر بعدها أبداً ! وتحوَّل هذيانه بأيدي تلاميذه إلى أحاديث نبوية ! قال ابن حماد : 2 / 529 : « عن كعب قال : يفتتحون القسطنطينية ، فيأتيهم خبر الدجال فيخرجون إلى الشام فيجدونه لم يخرج ، ثم قلَّ ما يلبثُ حتى يخرج » . وفي : 2 / 522 : عن كعب قال : « يأتيهم الخبر وهم يقسمون غنائمهم إن الدجال قد خرج ، وإنما هو كذب ، فخذوا ما استطعتم ، فإنكم تمكثون ست سنين ، ثم يخرج في السابعة » . وفي / 147 ، عن كعب قال : « لا يخرج الدجال حتى تفتح القسطنطينية » .
وروى الحاكم : 4 / 462 ، عن كعب : « الجزيرة
--------------------------- 66 ---------------------------
آمنة من الخراب حتى تخرب أرمينية ، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب الجزيرة ، والكوفة آمنة من الخراب حتى تخرب مصر ، ولا تكون الملحمة حتى تخرب الكوفة ، ولا تفتح مدينة الكفر حتى تكون الملحمة ، ولا يخرج الدجال حتى تفتح مدينة الكفر » .
وروى ابن حماد : 2 / 548 ، عن ابن عمر قال : « ملاحم الناس خمس : فثنتان قد مضتا وثلاث في هذه الأمة : ملحمة الترك وملحمة الروم وملحمة الدجال . ليس بعد ملحمة الدجال ملحمة » .
وفي : 2 / 161 ، عن كعب : « بينما هم يقتسمون غنائم القسطنطينية ، إذ يأتيهم خبر الدجال فيرفضون ما في أيديهم ثم يقبلون فيلحقون ببيت المقدس ، فيصلي خلف من يلي أمر المسلمين ، ثم يوحي الله تعالى إلى عيسى بن مريم أن يسير إلى يأجوج ومأجوج ، ثم يرجع إلى بيت المقدس . ثم إن الأرض تخرج زكاتها على ما كانت في أول الدنيا ، ثم يلبث سبعاً ، ثم يبعث الله ريحاً فتقبض أرواح المؤمنين » .
وروى ابن حماد : 2 / 499 ، عن كعب قال : « الملحمة العظمى وخراب القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر ، أو ما شاء الله من ذلك » .
ثم صار كلام كعب هذا قولاً لصحابي ! قال ابن حماد : 2 / 469 ، عن بشير بن عبد الله بن يسار قال : « أخذ عبد الله بن بسر المازني صاحب رسول الله بأذني فقال : يا ابن أخي لعلك تدرك فتح قسطنطينية ، فإياك إن أدركت فتحها أن تترك غنيمتك منها ، فإن بين فتحها وبين خروج الدجال سبع سنين » .
ثم ترقى كلام كعب فصار حديثاً نبوياً « ص 147 و 148 » ! فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر » ! ورواهما أحمد « 4 / 189 » عن عبد الله بن بسر أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين ، ويخرج مسيح الدجال في السابعة » .
ورواه أحمد : 5 / 234 ، عن معاذ بن جبل ! ومثله تاريخ بخاري : 8 / 431 ، عن بسر . وفي ابن ماجة : 2 / 1370 ، عن معاذ بن جبل ، وابن بسر . وفي سنن أبي داود : 4 / 110 ، كرواية ابن حماد الثالثة ، عن معاذ ، وبرواية أخرى ، وقال : هذا أصح من حديث عيسى . وفي الترمذي : 4 / 509 ، كرواية ابن حماد الثالثة عن معاذ .
وفي البدء والتاريخ : 2 / 185 : « قالوا : وبين فتح القسطنطينية وخروج الدجال سبع سنين ،
--------------------------- 67 ---------------------------
فبينا هم كذلك إذ جاء الصريخ أن الدجال في داركم ، فيرفضون ما في أيديهم وينفرون إليه » .
وفي الحاكم : 4 / 426 ، كرواية ابن حماد الثالثة ، عن معاذ بن جبل . وفي مصابيح البغوي : 3 / 483 كرواية ابن حماد الثالثة ، من حسانه . وفي الدر المنثور : 6 / 59 ، كرواية ابن حماد الثانية ، وقال : وأخرج أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجة ، وأبو يعلى ، ونعيم بن حماد ، والطبراني ، والبيهقي في البعث ، والضياء المقدسي عن عبد الله بن بسر . وفيه : بين الملحمة وفتح القسطنطينية ست سنين . ثم رواه كرواية ابن حماد الثالثة ، وقال : وأخرج أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، وابن ماجة .
ومن هذه الخرافات ما رواه مسلم : 8 / 175 عن أبي هريرة : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق ، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيارأهل الأرض يومئذ ، فإذا تصافوا قالت الروم : خلوا بيننا وبين الذين سبقوا منا نقاتلهم ، فيقول المسلمون : لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا ، فيقاتلونهم فيهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً ، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ، ويفتح الثلث لا يفتنون أبداً فيفتحون قسطنطينية ، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون ، إذ صاح فيهم الشيطان أن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل ، فإذا جاءوا الشام خرج حينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فأمهم ، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فلو تركه لذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده ، فيريهم دمه في حربته » .
ومثله ابن حبان : 8 / 286 ، والحاكم : 4 / 482 ، وصححه . وكذا البغوي : 3 / 480 . وقال الحاكم : 4 / 476 ، بعد حديث فتح بني إسحاق : يقال إن هذه المدينة هي القسطنطينية ، وقد صحت الرواية أن فتحها مع قيام الساعة » .
وبذلك صار كذب كعب أحاديث نبوية صحيحة ، روتها المصادر المعتمدة ! فهل رأيت كيف استحمر اليهود رواة الخلافة الأغرار لخدمة مؤامرتهم ؟ ! وكيف قبلت الحكومات هرطقة اليهود إلى يومنا هذا ، ثم لا تجد أحداً منهم يسأل نفسه : لقد فتحت القسطنطينية ومضت سبع سنوات ، وسبعون ، وست مائة سنة ، فأين دجال كعب ، ومهديه ، وقيامته ؟ !
--------------------------- 68 ---------------------------
15 - كان كعب بن ماتع يتفنن في تأييد مكذوباته
في فائق الزمخشري : 2 / 185 : قال كعب لأبي عثمان النهدي : « إلى جانبكم جبل مشرف على البصرة يقال له سنام ؟ فقال : نعم ، قال : فهل إلى جانبه ماء كثير السافي ؟ قال : نعم . قال : فإنه أول ماء يرده الدجال من مياه العرب » !
ورواه عنه أبو نعيم في الحلية : 6 / 13 . وروى ابن حماد : 2 / 325 : « أول ما يَرِدُهُ الدجال سنام ، جبل مشرف على البصرة وماء إلى جنبه ، كثير الساف يعني الرمل ، هو أول ما يرده الدجال » !
ثم صار كلامه حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله ! « ابن حماد / 149 »
16 - كعب يرد على رسول الله صلى الله عليه وآله وأتباع الخلافة يطيعونه !
تقدم أن المغيرة بن شعبة سأل النبي صلى الله عليه وآله : « إن الناس يزعمون أن معه الطعام والشراب ، قال : هو أهون على الله تعالى من ذلك » ! لكن كعباً أكد أساطير اليهود وصدقه المسلمون في جبل الثريد ! « ومنه حديث كعب : والدجال يُسَخَّرُ معه جبل ماتعٌ خلاطه ثريد ، أي طويل شاهق » ! « لسان العرب : 8 / 328 ، وغريب ابن قتيبة : 1 / 271 ، ونهاية ابن الأثير : 4 / 293 » . فجعله جبلاً ماتعاً شاهقاً ، ليكفي قبائل العرب ! فالجبل على اسم أبيه ، لأنه كعب بن ماتع !
17 - رد أهل البيت عليه السلام مكذوبات كعب !
قالت مصادرنا إن ظهور المهدي عليه السلام مرحلة جديدة في حياة الناس على الأرض ، تستمر إلى يوم القيامة فلا ظلم بعدها أبداً . وروينا أن الإمام المهدي عليه السلام يملك طويلاً بعدد سنيِّ أهل الكهف ، ثم يرجع النبي صلى الله عليه وآله وبعض الأئمة عليهم السلام ويحكمون . . الخ . فتسلسل الأحداث : ظهور المهدي ثم نزول المسيح عليه السلام ، ثم خروج الدجال في عصرهما والقضاء عليه ، ثم وفاة عيسى ثم المهدي عليه السلام ، وتستمر ودولة العدل إلى يوم القيامة .
فخروج الدجال يكون بعد ظهور المهدي ونزول المسيح عليه السلام . بينما تبنت مصادر السنيين مقولات اليهود التي زعمت أن المسلمين إذا فتحوا القسطنطينية وغلبوا الروم قُتِلَ المهدي عليه السلام ، وخرج الدجال ، ثم نزل المسيح عليه السلام ، ثم ظهرت يأجوج ومأجوج ، ثم قامت القيامة ! فقد
--------------------------- 69 ---------------------------
جعلوا هذه الأحداث العظيمة المتباعدة متتابعة ، وجمعوها في سبعة أشهر أو سنين ، ثم جعلوها أحاديث نبوية !
ويواجهك في أمر القسطنطينية سؤال عن موقف كعب المريب لمصلحة الروم ؟ ! فبعد هزيمتهم في سورية واتجاه المسلمين إلى فتح القسطنطينية ، جعل كعب فتحها يستوجب خروج الدجال ، وقتل مهدي المسلمين ، وقيام القيامة ، ونهاية العالم ؟ ! إقرأ ما رواه ابن أبي شيبة : 8 / 650 ، عن معاذ بن جبل قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : عُمْرَانُ بيت المقدس خرابُ يثرب ، وخرابُ يثرب خروج الملحمة ، وخروجُ الملحمة فتح القسطنطينية ، وفتحُ القسطنطينية خروج الدجال ! ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدَّثه أو منكبيه ، ثم قال : إن هذا هو الحق كما أنك ها هنا ، أو كما أنت قاعد ، يعني معاذاً » !
ومثله أحمد : 5 / 232 و 245 ، وأبو داود : 4 / 110 ، كرواية أحمد الثانية بتفاوت يسير ، والحاكم : 4 / 420 ، وصححه وفيه : ثم ضرب معاذ على منكب عمر بن الخطاب فقال : والله إن ذلك لحق كما أنك جالس ! والبغوي : 3 / 482 ، والدر المنثور : 6 / 60 .
أقول : إن صحت روايتهم عن معاذ ، فهي تدل على أنه من مجموعة المتهوكين تلاميذ الحاخامات ، وممن أخذوا عنهم أحاديث التخويف بالدجال !
واقرأ ما رواه ابن ماجة : 2 / 1370 ، عن عمرو بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لا تقوم الساعة حتى تكون أدنى مسالح المسلمين ببولاء ، ثم قال : يا علي ، يا علي ، يا علي ، قال : بأبي وأمي ، قال : إنكم ستقاتلون بني الأصفر ويقاتلهم الذين من بعدكم ، حتى تخرج إليهم رُوقة الإسلام أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لومة لائم ، فيفتتحون القسطنطينية بالتسبيح والتكبير ، فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها حتى يقتسموا بالأترسة ، ويأتي آت فيقول : إن المسيح قد خرج في بلادكم ، ألا وهي كذبة ، فالآخذ نادم والتارك نادم » .
وفي فتن ابن حماد : 1 / 55 ، عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « تكون أربع فتن ؛ الأولى يستحل فيها الدم ، والثانية يستحل الدم والمال ، والثالثة يستحل فيها الدم والمال والفرج ، والرابعة الدجال » .
وفي فتن ابن حماد : 2 / 555 : « يخرج الدجال في الفتنة الرابعة ، بقاؤه أربعون سنة » .
--------------------------- 70 ---------------------------
وفي فتن ابن حماد : 2 / 517 : « عن كعب قال : كان يقال كلب الساعة الدجال » . أي خروجه ملازم للقيامة كما يلازم الكلب صاحبه ! ولا بد أن يكون كعب ترجم ذلك من تلمودهم ، لأن أحاديث الدجال لم ترد في التوراة ، كما قال ابن حجر .
وقد حذف كعب الأحبار تطبيق قومه اليهود للدجال على نبي الله المسيح عليه السلام ! كما أضاف اليه ظهور المهدي ونزول المسيح عليه السلام وقتالهما للدجال وذلك مداراة للمسلمين ! لكنه في نفس الوقت أدخل مفاهيم يهوديته في عقيدة المهدي والدجال ، مثل أن الدجال عربي ، وأن المهدي لا يحقق هدفه ، بل يُقتل ، وأن الكعبة تُهدم ، ومكة تخرب !
ختاماً ، اتضح لك خطورة أحاديث كعب ، وأنها تحولت إلى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله مع أنه لم يره ! وقد ذكرنا تقديس عمر لكعب ، ثم عثمان بعده ، ثم معاوية ، وكان يتنقل بين المدينة والشام ومصر والقسطنطينية !
وقد بلغ تقديس كعب عند رواة الخلافة أنه يقول ما شاء فيحوله أبو هريرة ، وعبد الله بن عمرو العاص ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن سلام ، ووهب بن منبه ، وغيرهم ، إلى حديث يسنده إلى النبي صلى الله عليه وآله ، تصديقاً لكعب !
18 - الكذابون قبل الدجال !
روى السنيون أنه يكون قبل الدجال ثلاثون كذاباً ، أو سبعون . ورواية الثلاثين عندهم صحيحة . وورد عندنا أنه يكون في هذه الأمة اثنا عشر إمام هدى ، واثنا عشر إمام ضلال ، وثلاثون كذاباً . والمقصود الدجالون البارزون قبل الدجال الأصلي ، وإلا فهم مئات ! ومنهم بعض رواة أحاديث الدجال !
روى عبد الرزاق : 11 / 392 ، عن أبي بكرة قال : « أكثرَ الناسُ في مسيلمة قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وآله فيه شيئاً ، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله خطيباً فقال : أما بعد ، ففي شأن هذا الدجال الذي قد أكثرتم فيه فإنه كذاب من ثلاثين كذاباً يخرجون بين يدي المسيح ، وإنه ليس من بلد إلا يبلغه رعب المسيح إلا المدينة ، على كل نقب من أنقابها ملكان يذبان عنها رعب المسيح » . انتهى . فهم يعبرون عن الدجال عن لسان النبي صلى الله عليه وآله بالمسيح وهو تعبير كعب واليهود ! ومعنى
--------------------------- 71 ---------------------------
أنقابها : مداخلها من بين الجبال . وابن حماد : 2 / 551 ، وأحمد : 5 / 41 ، وبخاري : 9 / 75 ، وابن حبان : 8 / 225 ، والحاكم : 4 / 541 ، والزوائد : 7 / 332 .
وروى ابن أبي شيبة : 8 / 665 ، عن عبيد بن عمير الليثي قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً ، كلهم يزعم أنه نبي قبل يوم القيامة » .
ونحوه أحمد : 2 / 95 و 103 ، و 117 و 236 و 312 و 429 و 530 ، وصحيح بخاري : 4 / 243 ، كرواية أحمد الرابعة بتفاوت يسير ، عن عبد الرزاق ، وفي : 9 / 74 ، كرواية أحمد الخامسة ، ورواه في عدة مواضع . ومسلم : 8 / 189 ، كرواية أحمد الرابعة ، وفي ابن أبي شيبه : 8 / 655 ، عن أنس : إن بين يدي الدجال لستاً وسبعين دجالاً . وفي مجمع الزوائد : 7 / 333 ، عن أبي يعلى : نيف وسبعون دجالاً . . .
هذا ، وتزيد أحاديثهم في الدجال على مجلد ! وهي من نوع ما قدمناه ، وأسوأ .
ختام في دابة الأرض ويأجوج ومأجوج
خلط رواة الخلافة أحاديث المهدي عليه السلام بأحاديث الدجال وأحاديث علامات القيامة ، فجعلوها قطعة واحدة !
وكذلك فعلوا بآية دابة الأرض ، ويأجوج ، المذكورتين في القرآن ، فجعلوا وقتهما عند ظهورالمهدي ونزول عيسى عليه السلام . بل زعموا أن عيسى عليه السلام يقاتل الدجال ثم يأجوج ومأجوج ! مع أن وقت دابة الأرض في الرجعة أي بعد ظهور المهدي عليه السلام ، ويأجوج قرب القيامة ! وقد جاءتهم هذه التصورات للمستقبل ، من الإسرائيليات وخيالات كعب !
آية دابة الأرض التي تُكلم الناس !
قال الله تعالى : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ . وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ . إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ . فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ . إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ . وَمَا أَنْتَ بِهَادِى الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ . وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ . وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ
--------------------------- 72 ---------------------------
كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِى وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ » . سورة النمل : 76 - 85
فالآيات خطاب لليهود ومعهم المعاندون الذين تعمدوا أن لا يسمعوا ولا يَرَوْا حقائق الكون ! فسماهم الله موتى وأمر رسوله صلى الله عليه وآله أن يصرف النظر عنهم ، لأنهم سيبقون هكذا حتى يقع القول عليهم ، ويخرج الله لهم دابة من الأرض تكلمهم !
ولم تحدد الآية وقت هذه الحدث ، فقد يكون قرب القيامة ، وقد يكون قبلها بألوف السنين ، كما أن تعبير : وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ، لم يستعمل في القرآن إلا في دابة الأرض ، واستعمل : حَقَّ القَوْل للقيامة : وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لامْلأنَّ جَهَنَّمَ . « السجدة : 13 » لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ . « يس : 7 » . قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ . « القصص : 62 » .
كما أن كلمة « وقع » استعملت في القرآن لوقوع الرجز « الأعراف 134 » والرجس « الأعراف 71 » ووقوع العذاب الدنيوي « يونس 51 » .
وهذا يقرِّب ما في أحاديثنا من أن دابة الأرض تكون في الرجعة ، وهي مرحلة من الحياة تبدأ بظهورالمهدي عليه السلام ويرجع فيها النبي صلى الله عليه وآله وعدد من الأنبياء والأئمة عليهم السلام إلى الدنيا ، بعضهم زائراً لمدة قصيرة ، وبعضهم يحكم في الأرض مدة . ويدل على ذلك الآية التي تليها فقد نصت على حشرٍ خاص لفئات قبل الحشر العام : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ .
وفي تفسير القمي : 1 / 198 : « عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً . . وسيريكم في آخر الزمان آيات ، منها دابة في الأرض ، والدجال ، ونزول عيسى بن مريم ، وطلوع الشمس من مغربها » .
وقد استعمل تعبير آخر الزمان لفترة كبيرة من عمر الحياة تبدأ من بعثة النبي صلى الله عليه وآله إلى آخر الدنيا . كما أن التسلسل في الرواية جاء من الراوي ، لأن الأئمة عليهم السلام نصوا على أن ظهور المهدي عليه السلام قبل الدجال ودابة الأرض .
وفي الكافي : 1 / 197 ، والبصائر / 199 ، وطبعة / 219 ، عن أبي جعفر عليه السلام أن علياً عليه السلام قال في حديث طويل : « ولقد أعطيتُ الستَّ : علم المنايا والبلايا والوصايا والأنساب وفصل الخطاب . وإني لصاحب الكرَّات ودولة الدول ، وإني لصاحب العصا والميسم ، والدابة التي تكلم الناس » .
--------------------------- 73 ---------------------------
وهو نصٌّ على أن علياً عليه السلام يكرُّ أي يرجع إلى الدنيا مع النبي صلى الله عليه وآله ويكون صاحب الدابة أي تأتمر بأمره فتكلم الناس ، والعصا هنا لعلها عصى موسى عليه السلام وقد ورد أنها عصا آدم عليه السلام ، فتكون آية في الرجعة . ويكون المَيْسَم أي الآلة التي تضع علامة على جبهة بعض الكفار ، ومعناه تصنيف الناس الذين لايؤمل صلاحهم في دولة الإمام المهدي عليه السلام ليعرفهم الناس ويحذروا منهم ، لأن الميسم يرافق دابة الأرض والدابة آية للمعاندين من اليهود وأمثالهم ، فلعل الوسم لهم أيضاً .
وقد نصت أحاديث أهل البيت عليهم السلام على أن دابة الأرض من آيات الرجعة ، وليست من آيات القيامة ، قال الله تعالى : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً .
ففي مختصر البصائر / 210 عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن العذاب الأدنى الدابة والدجال .
وفي المحاسن / 236 ، عن عبد الله بن سليمان العامري ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « ما زالت الأرض ولله فيها حجة يعرف الحلال والحرام ويدعو إلى سبيل الله ، ولا تنقطع الحجة من الأرض إلا أربعين يوماً قبل يوم القيامة ، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة ولم يَنْفَع نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْل أن ترفع الحجة . وأولئك شرار من خلق الله ، وهم الذين تقوم عليهم القيامة » .
دابة الأرض في مصادر السنيين
تكثر في مصادرهم الإسرائيليات ، وتتشابه عناصر الأسطورة في أحاديثهم في الدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج ! وأول ما تلاحظه أنهم ربطوا دابة الأرض بآية : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً . فقد روى ابن أبي شيبة : 8 / 669 ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل : طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، والدابة » . ومثله أحمد : 2 / 445 ومسلم : 1 / 95 ، وأبو عوانة : 1 / 107 ، والترمذي : 5 / 264 ، وصححه ، وتفسير الطبري : 8 / 76 ، وكثير من مصادرهم .
--------------------------- 74 ---------------------------
وفي الطبراني الكبير : 9 / 214 ، عن ابن عمر قال : « التوبة معروضة على ابن آدم إن قبلها ، ما لم يخرج إحدى ثلاث : ما لم تطلع الشمس من مغربها ، أو تخرج الدابة ، أو تخرج يأجوج ومأجوج » .
مع أنهم رووا ما يوافق مذهب أهل البيت عليهم السلام وأن التوبة تبقى مفتوحة ، وصححوه ، لكنهم أعرضوا عنه حباً بأحاديث كعب وتلاميذه ! فقد روى الحاكم : 4 / 485 ، في وصف دابة الأرض : « ثم يخرج الدجال فيأخذ المؤمن منه كهيئة الزكمة ، وتدخل في مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالشئ الحنيذ ، وإن التوبة لمفتوحة ، ثم تطلع الشمس من مغربها . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » .
من مبالغاتهم وإسرائيلياتهم في دابة الأرض
1 . في كيفية خروج الدابة : في الطبراني الأوسط : 1 / 98 ، عن عبد الله بن عمرو العاص قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : « إذا طلعت الشمس من مغربها يخر إبليس ساجداً ينادي إلهي مرني أن أسجد لمن شئت فتجتمع إليه زبانيته فيقولون : ياسيدهم ما هذا التضرع ؟ فيقول : إنما سألت ربي أن ينظرني إلى الوقت المعلوم وهذا الوقت المعلوم ، ثم تخرج دابة الأرض من صدع في الصفا فأول خطوة تضعها بأنطاكية ، ثم تأتي إبليس فتلطمه » .
وعلق عليه ابن كثير في تفسيره : 2 / 202 : « حديث غريب جداً وسنده ضعيف ، ولعله من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله يوم اليرموك ! فأما رفعه فمنكر ، والله أعلم » .
وهذا الكلام من ابن كثير يوجب الشك في كل ما رواه عبد الله بن العاص ، لأنه كان عنده حمل بعير أو حملان من كتب حصل من الشام وكان يحدث منها ! وأخطر ما في الأمر أن ابن كثير يقول إن ابن العاص قد يكذب على النبي صلى الله عليه وآله في نسبته اليه ما يرويه من الزاملتين ! ويسري هذا الشك إلى عبد الله بن عمر ، فهو مثله ، بل قد يختلط مع ا بن العاص عندما يقال في السند « عن عبد الله » بدون اسم أبيه !
2 . زعموا أن دابة الأرض تطارد الناس ! روى الطيالسي / 144 ، عن طلحة ، قال : « ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله الدابة فقال : لها ثلاث خرجات من الدهر ، فتخرج في أقصى البادية
--------------------------- 75 ---------------------------
ولا يدخل ذكرها القرية يعني مكة ، ثم تكمن زماناً طويلاً ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك ، فيعلو ذكرها أهل البادية ويدخل ذكرها القرية يعني مكة . قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وخيرها وأكرمها المسجد الحرام ، لم يَرُعْهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام ، تنفض عن رأسها التراب فأرفض الناس معها شتى ومعاً ، وثبت عصابة من المؤمنين وعرفوا أنهم لن يعجزوا الله ، فبدأت بهم فجلت وجوههم حتى تجعلها كأنها الكوكب الدري ، وولت في الأرض لا يدركها طالب ولا ينجو منها هارب ، حتى أن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول : يا فلان يا فلان الآن تصلي ! فيقبل عليها فتسِمُه في وجهه ثم تنطلق ، ويشترك الناس في الأموال ويصطحبون في الأمصار يعرف المؤمن من الكافر حتى أن المؤمن يقول : يا كافر إقضني حقي ، وحتى أن الكافر يقول : يا مؤمن إقضني حقي » .
ورواه ابن حماد في : 2 / 666 وبعدها ، بصيغ أخرى وإضافات ، وفيها : فيهريق الأمراء فيها الدماء . وفي تفسير الطبري : « تخرج الدابة من الصفا أول ما يبدو رأسها ملمعة ذات وبر وريش ، لم يدركها طالب ولن يفوتها هارب » والطبراني الكبير : 3 / 193 ، والحاكم : 4 / 484 ، وصححه ، وبسند آخر وصححه على شرط الشيخين ! ونحوه الدر المنثور : 5 / 116 ، وفيه : « ولها عنق مشرف يراها من بالمشرق كما يراها من بالمغرب ، ولها وجه كوجه إنسان ومنقار كمنقار الطير ، ذات وبر وزغب ، معها عصا موسى وخاتم سليمان بن داود ، تنادي بأعلى صوتها : إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ، ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقيل : يا رسول الله وما بعد ؟ قال : هنات وهنات ثم خصب وريف حتى الساعة » .
وفي زهر الفردوس 4 / 64 : قال صلى الله عليه وآله : « مثل أمتي ومثل الدابة التي تخرج كمثل حِيزٍ بُنيَ ورفعت حيطانه وسُدت أبوابه وطُرح فيه من الوحوش كلها ، ثم جئ بالأسد فطرح وسطها فانذعرت وأقبلت إلى النفق تلمسه من كل جانب ، كذلك أمتي عند خروج الدابة لا يفر منها أحد إلا مثلت بين عينيه ، ولها سلطان من ربنا عظيم » .
3 . واخترعوا لها صفات أسطورية : قال ابن حماد : 2 / 665 ، عن الشعبي قال : « دابة الأرض ذات وبر ، تنال رأسها السماء » .
--------------------------- 76 ---------------------------
وفي الدر المنثور : 5 / 116 ، عن الشعبي : « إن دابة الأرض ذات وبر تناغي السماء . وعن ابن عباس : الدابة مؤلفة ذات زغب وريش ، فيها من ألوان الدواب كلها » !
وفي التبيان 8 / 119 ، عن ابن عمر : « تخرج حتى يبلغ رأسها الغيم فيراها جميع الخلق » .
وفي تفسير ابن كثير : 3 / 388 ، عن أبي الزبير : « رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن إبل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعاً ، تخرج معها عصا موسى وخاتم سليمان ، فلا يبقى مؤمن إلا نكتت في وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة حتى يبيض لها وجهه ، ولا يبقى كافر إلا نكتت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان ، فتفشو تلك النكتة حتى يسود بها وجهه . وعن أبي هريرة : ما بين قرنيها فرسخ للراكب » .
وفي سنن الداني / 104 ، حديث في عدة صفحات عن حذيفة قال : « قلت : يا رسول الله وما الدابة ؟ قال : ذات وبَر وريش ، عظمها ستون ميلاً ، ليس يدركها طالب ، ولا يفوتها هارب ، تَسِمُ الناس مؤمناً وكافراً ، فأما المؤمن فتترك في وجهه كالكوكب الدري ، وتنكت بين عينيه مؤمن ، وأما الكافر فتكتب بين عينيه نكتة سوداء ، وتكتب بين عينيه كافر » .
وفي تاريخ بخاري : 3 / 316 : عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله : « تخرج الدابة فتصرخ ثلاث صرخات » ! وفي الزوائد : 8 / 6 ، عن أحمد : « فَتَسِمُ الناس على خراطيمهم ، ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل البعير فيقول : ممن اشتريته ؟ فيقول : اشتريته من أحد المخطَّمين » . ويفهم منه أن خَطْمَها على الجباه خاص بفئة من الناس ، وهذا يردُّ ما نصوا عليه من أن خطمها شامل . فانظر إلى خيال هؤلاء البدو الكذبة ، كيف اختلط مع الإسرائيليات !
4 . وكذَبوا على النبي صلى الله عليه وآله فقالوا إنه حدد مكان خروجها ، للصحابي بريدة الأسلمي ، فروى عنه أحمد : 5 / 357 ، أنه قال : « ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وآله إلى موضع بالبادية قريباً من مكة فإذا أرض يابسة حولها رمل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : تخرج الدابة من هذا الموضع ، فإذا فِتْرٌ في شبر » !
وفي الدر المنثور : 5 / 117 : أخرج البخاري في تاريخه ، وابن ماجة ، وابن مردويه عن بريدة . . لكن ابن عمرو العاص صاحب الزاملتين جعل مكان خروجها الصفا ، فقال كما في تفسير
--------------------------- 77 ---------------------------
الطبري : 20 / 10 : « لو شئت لانتعلت بنعليَّ هاتين فلم أمس الأرض قاعداً حتى أقف على الأحجار التي تخرج الدابة من بينها ، ولكأني بها قد خرجت في عقب ركب من الحاج . قال : فما حججت قط إلا خفت أن تخرج بعقبنا » !
وفي ابن حماد : 2 / 662 ، وبعدها ، عن عطاء ، قال : « رأيت عبد الله بن عمرو وكان منزله قريباً من الصفا ، رفع قدمه وهو قائم وقال : لو شئت لم أضعها حتى أضعها على المكان الذي تخرج منه الدابة » !
ثم أبعدها ابن العاص قليلاً عن الصفا وزعم أنها تخرج من مكة من « شعب بالأجياد » ! كما في ابن حماد ، وابن أبي شيبة : 15 / 67 ، ووافقه أبو هريرة : 7 / 2569 .
أما زميله ابن عمر فوافقه على أنها تخرج من الصفا ، وقال إنها لاتكلم الناس ! بل تختمهم في الحج وتنتهي مهمتها ، فترفع قدمها من مكة وتضع أول خطوة لها في أنطاكية وتذهب ! وروى عنه ابن حماد : 2 / 667 ، قال : « ألا أريكم المكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن دابة الأرض تخرج منه ؟ فضرب بعصاه الشق الذي في الصفا » .
وأنت ترى الكذب والهرطقة في هذه الروايات في دابة الأرض والدجال ويأجوج ، حتى لو صححوها على شرط الشيخين وشرط كل الشيوخ ! والعجيب أنهم أكثروا منها وقللوا الرواية في القضايا المصيرية التي سفكت فيها دماء المسلمين ، كالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله !
رواية أن علياً عليه السلام دابة الأرض ورواية نفي ذلك
في الدر المنثور : 5 / 117 : وأخرج ابن أبي حاتم ، عن النزال بن سبرة قال : « قيل لعلي بن أبي طالب : إن ناساً يزعمون أنك دابة الأرض ، فقال : والله إن لدابة الأرض ريشاً وزغباً وما لي ريش ولا زغب ، وإن لها لحافراً وما لي من حافر ، وإنها لتخرج حضر الفرس الجواد ثلاثاً ، وما خرج ثلثاها » .
وابن سبرة عثماني الهوى ، ويقصد أن بعض الشيعة في زمن أمير المؤمنين عليه السلام كانوا يقولون إن علياً هو دابة الأرض الموعودة ! وإنه سأل علياً عليه السلام فنفى ذلك ووصف دابة الأرض كما يصفها رواة الخلافة ، وأن طولها أكثر من ميدان تقطعه الفرس السريعة حتى تتعب ، وهو نحو خمسة كيلو مترات !
--------------------------- 78 ---------------------------
وقد روت مصادرنا أن معاوية سأل الأصبغ بن نباتة نفس سؤال ابن سبرة ، قال الأصبغ : « قال لي معاوية : يا معشر الشيعة تزعمون أن علياً دابة الأرض ؟ فقلت : نحن نقول ! اليهود تقوله ! قال : فأرسل إلى رأس الجالوت فقال : ويحك تجدون دابة الأرض عندكم ؟ فقال : نعم . فقال : وما هي ؟ فقال : رجل . فقال : أتدري ما اسمه ؟ قال : نعم ، اسمه إيليا ، قال : فالتفت إليَّ فقال : ويحك يا أصبغ ، ما أقرب إيليا من علي » ! « مختصر البصائر / 208 ، تأويل الآيات 1 / 404 » .
ويبدو أن الأمويين كانوا يشيعون ذلك لتشويه صورة علي عليه السلام بسبب أنه صاحب دابة الأرض فجعلوه نفس دابة الأرض ! وقد يكون ذلك تسرب منهم إلى مصادرنا ! ففي رواية تفسير القمي : 2 / 130 : « عن علي عليه السلام وأبي ذر وعمار ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه فحركه برجله ثم قال له : قم يا [ صاحب ] دابة الله ! فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله أيسمي بعضنا بعضاً بهذا الاسم ؟ فقال : لا والله ما هو إلا له خاصة وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه : وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لايُوقِنُونَ ، ثم قال : يا علي إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ، ومعك مَيْسَمٌ تَسِمُ به أعداءك . فقال رجل لأبي عبد الله عليه السلام : إن الناس يقولون هذه الدابة إنما تَكلِمُهم . فقال أبو عبد الله عليه السلام : كلمهم الله في نار جهنم ، إنما هو يُكَلِّمُهم من الكلام ! والدليل على أن هذا في الرجعة قوله : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ؟ !
قال : الآيات أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام . فقال الرجل لأبي عبد الله عليه السلام : إن العامة تزعم أن قوله : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ، عنى يوم القيامة ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : أفيحشر الله من كل أمة فوجاً ويدع الباقين ؟ لا ، ولكنه في الرجعة ، وأما آية القيامة فهي : وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً » .
أقول : يحتمل أن يكون أصل الرواية « صاحب دابة الله » ! فسقطت كلمة « صاحب » التي جاءت في رواية الكافي وبصائر الدرجات . وفي مقابلها روى مصدران هما تفسير القمي ومختصر
--------------------------- 79 ---------------------------
البصائر ، أن دابة الأرض هي علي عليه السلام ! ففي مختصر البصائر / 206 ، عن أبي عبد الله الجدلي قال : « دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : ألا أحدثك ثلاثاً قبل أن يدخل علي وعليك داخل ؟ أنا عبد الله أنا دابة الأرض صدقُها وعدلُها وأخو نبيها ، ألا أخبرك بأنف المهدي وعينه ؟ قال : قلت : نعم ، فضرب بيده إلى صدره فقال : أنا » .
وعن الجدلي أيضاً في / 207 ، قال : « دخلت على علي عليه السلام فقال : أحدثك بسبعة أحاديث إلا أن يدخل علينا داخل ، قال : قلت : إفعل جعلت فداك ، قال : أتعرف أنف المهدي وعينه ؟ قال : قلت : أنت يا أمير المؤمنين . فقال : الدابة وما الدابة ، عدلها وصدقها وموقع بعثها والله مهلك من ظلمها ، وذكر الحديث » .
وفي / 208 ، عن الأصبغ بن نباتة قال : « دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل خبزاً وخلاً وزيتاً فقلت : يا أمير المؤمنين قال الله عز وجل : وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهم دَابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لايُوقِنُونَ ، فما هذه الدابة ؟ قال : هي دابة تأكل خبزاً وخلاً وزيتاً » !
أما رواية تفسير القمي : 2 / 131 ، فهي عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال رجل لعمار بن ياسر : « يا أبا اليقظان آية في كتاب الله قد أفسدت قلبي وشككتني ، قال عمار : وأي آية هي ؟ قال : قول الله وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهم دَابَّةً مِنَ الأرض الآية ، فأي دابة هي ؟ قال عمار : والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أريكها ، فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل تمراً وزبداً ، فقال له : يا أبا اليقظان هلمَّ ! فجلس عمار وأقبل يأكل معه ، فتعجب الرجل منه ، فلما قام عمار قال له الرجل : سبحان الله يا أبا اليقظان حلفت أنك لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتى ترينيها ؟ ! قال عمار : قد أريتكها إن كنت تعقل » .
أقول : القدر المتيقن من الروايات أن علياً عليه السلام صاحب دابة الأرض ، وأنها تخرج في رجعته مع النبي صلى الله عليه وآله ، ولعل أصل القول بأن علياً عليه السلام دابة الأرض جاء من قوله عليه السلام : « وإني لصاحب العصا والميسم والدابة التي تكلم الناس » أي في الرجعة . ولعل الشبهة من قراءة الدابة بالضم مع أنها بالكسر ، عطفٌ على الميسم والعصا .
--------------------------- 80 ---------------------------
آيات يأجوج ومأجوج
قال الله تعالى في قصة ذي القرنين : « ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا . حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا . كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا . ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا . حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لايَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً . قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يأجوج وَمأجوج مُفْسِدُونَ فِي الأرض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً . قَالَ مَا مَكَّنِّى فِيهِ رَبِّى خَيْرٌ فَأَعِينُونِى بِقُوَةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً . آتُونِى زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً . فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً . قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّى فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّى جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى حَقّاً . وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً . وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً . « الكهف : 89 - 100 » .
والمعنى : أن ذا القرنين رحمه الله الذي بعثه الله في مهمة عالمية ، توجه بوسائله نحو مشرق الشمس فبلغ منطقة فيها قومٌ تحت أشعة الشمس الحارقة ، وقد يكونون يأجوج ومأجوج ، فلم يصنع لهم شيئاً . ثم سار بوسائله حتى وصل إلى منطقة بين السدين ، فوجد قوماً شكوا له هجوم يأجوج ومأجوج عليهم ، فصنع السد لحمايتهم منهم وعرف باسمه « سد ذي القرنين » فعجزت يأجوج عن نقبه أو تسلقه ، وأخبرهم ذو القرنين أن السد رحمة لهم ، وأن الله سيدكه قرب يوم القيامة .
قال تعالى في سياق كلامه عن بعثة الأنبياء عليهم السلام : إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ . وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ . فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ . وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ . حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يأجوج وَمأجوج وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ . وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ . « الأنبياء : 92 - 97 » .
والمعنى : أن الله تعالى أرسل الأنبياء عليهم السلام وأمر الناس أن يهتدوا بهم ويكونوا أمة واحدة ، لكنهم اختلفوا وسلكوا طرق التفرق ، وأنهم سيرجعون إلى الله فيجازيهم . ثم تحدث عز وجل عن القرى التي أهلكها بظلمها ، أي الحضارات الجائرة ، وقال إنه حرَّم عليهم الرجوع !
وتحير المفسرون في هذا الرجوع المحرم ، فقال بعضهم : « ممتنع عليهم أن يرجعوا فيتداركوا
--------------------------- 81 ---------------------------
ما فاتهم من السعي المشكور والعمل المكتوب المقبول » . « الميزان : 14 / 325 » . وفالصحيح ما قاله أهل البيت عليهم السلام أنه تحريم رجوع المهلكين في الرجعة لا في القيامة . ففي تفسير القمي : 2 / 75 ، بسند صحيح عن الصادق والباقر صلى الله عليه وآله : « كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة » . ثم قال القمي : « فهذه الآية من أعظم الدلالة في الرجعة لأن أحداً من أهل الإسلام لا ينكر أن الناس كلهم يرجعون إلى القيامة ، من هلك ومن لم يهلك » . انتهى .
وتحدثت الآية التالية عن انفتاح يأجوج ومأجوج وانسيابهم في الأرض قرب القيامة ، التي هي الوعد الحق ! ولم تذكر أن يأجوجاً يأتون من جهة السد أو غيره ، ولا أنهم يخوضون قتالاً مع أحد ! ونسجل حولهم ملاحظات :
1 - الظاهر أن يأجوج ومأجوج في مكان آخر غير أرضنا ، ويشير اليه قوله تعالى : « ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ . . » ، فقد يكون هذا السبب وسيلة فضائية ويكون مطلع الشمس الذي وصل اليه في غير الأرض . . الخ .
2 - ورد أن يأجوجاً ليسوا من أبناء آدم عليه السلام ، ففي الكافي : 8 / 220 عن علي عليه السلام قال : « وأجناس بني آدم سبعون جنساً ، والناس ولد آدم ما خلا يأجوج ومأجوج » . وهنا أدخل كعب أنفه فقال : « هم نادرة من ولد آدم ، وذلك أن آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب ، فخلق الله من ذلك الماء والتراب يأجوج ومأجوج ، فهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم » . « شرح مسلم : 3 / 98 ، وفتح الباري : 13 / 94 » .
3 - لم تذكر روايات أهل البيت عليهم السلام أي حرب مع يأجوج ومأجوج ، بينما طفحت مصادر السنيين بمعارك خيالية معهم ، بقيادة عيسى بن مريم عليه السلام .
4 - وصف أمير المؤمنين عليه السلام المغول وغزوهم للأمة ، ولم يربطهم بيأجوج أو بالقيامة ، بينما طبقت مصادرأتباع الخلافة يأجوج على المغول ! وقد انتهى المغول ولم تقم القيامة فثبت كذبهم ! ففي مسند أحمد : 5 / 271 : « خطب رسولالله صلى الله عليه وآله وهوعاصب إصبعه من لدغة عقرب فقال : إنكم تقولون لا عدو وإنكم لا تزالون تقاتلون عدواً حتى يأتي يأجوج ومأجوج ، عراض الوجوه صغار العيون شهب الشعاف ، من كل حدب ينسلون ، كأن وجوههم المجان المطرقة » .
الشِّعَاف : جمع شَعْفَة : أعلى الشئ والمعنى صفر الشعور . والمجان المطرَّقة : أي وجوههم مبقعة كترس الحديد
--------------------------- 82 ---------------------------
المبقع من الطرق . ومثله الفائق : 2 / 204 ، وعنه فتن ابن كثير : 2 / 183 ، وتفسيره : 3 / 205 ، ومجمع الزوائد : 8 / 6 ، وعن الطبراني ، والدر المنثور : 4 / 336 . . الخ .
5 - روى أتباع الخلافة أن النبي صلى الله عليه وآله أخبر بقرب هلاك العرب وخروج يأجوج ، في أقل من قرن ! ولا شئ من ذلك في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ! ففي صحيح بخاري : 8 / 88 : « استيقظ النبي صلى الله عليه وآله من النوم محمراً وجهه يقول : لا إله إلا الله ، ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب ! فُتِحَ اليوم من رَدْمِ يأجوج ومأجوج مثل هذه ! وعقد سفيان « بأصابعه » تسعين أو مائة . قيل : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث » . ورواه أيضاً في : 4 / 176 وفي : 4 / 109 ، عن أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وكأنها تطبقه على قتل عثمان ، لكن رواه عن أبي هريرة أيضاً وطبقه على غَلَمَة قريش الذين تهلك الأمة بأيديهم !
ومعنى عقد تسعين أو مئة ، أنه رسم دائرة بضم الخنصر والإبهام .
نموذج من مبالغاتهم في يأجوج ومأجوج
أكثرت رواياتهم عن يأجوج ومأجوج غثٌّ ينادي بأنه موضوع ، لكنه صحيح على شرط الشيخ والشيخين والشيوخ ! بينما لا تجد في قضايا الأمة المصيرية كقضية الخلافة ومستقبل الأمة عشر معشارها !
وتقدم من صحيح بخاري : 4 / 167 ، أن رجلاً أخبر النبي أنه رأى السد ووصفه له كأنه البُرْد المحبر ، أي العباءة المخططة فصدقه النبي صلى الله عليه وآله ! ثم عقد بخاري باباً بعنوان : باب قصة يأجوج ومأجوج : 4 / 108 ، وباباً آخربعنوان : باب يأجوج ومأجوج : 8 / 104 ، وروى عنهم في : 5 / 241 ، و : 6 / 175 ، و : 7 / 196 .
وروى أحمد : 2 / 510 ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم ، حتى إذا كان شعاع الشمس قال الذي عليهم : إرجعوا فستحفرون غداً ، فيعودون إليه كأشد ما كان . حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله عز وجل أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : إرجعوا فستحفرونه غداً إن شاء الله ، ويستثني فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون المياه ، ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء
--------------------------- 83 ---------------------------
فترجع وعليها كهيئة الدم فيقولون : قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء ، فيبعث الله عليهم نغفاً في أقفائهم فيقتلهم بها . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن شَكَراً من لحومهم ودمائهم » . والنغف بفتح الغين : دودٌ يظهر في أنوف الجمال . وشَكِرَت الدابة شَكَراً بفتحها : سمنت وكثر لبنها . ونحوه ابن ماجة : 2 / 1364 ، والترمذي : 5 / 313 .
وروى الطبري في تفسيره : 17 / 71 ، عن كعب حديثاً طويلاً جاء فيه : « حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم فإذا كان الليل قالوا نجئ غداً فنخرج فيعيدها الله كما كانت ، فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله كما كان ، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم أن يقول نجئ غداً فنخرج إن شاء الله ، فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه فيحفرون ثم يخرجون ، فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها ، ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها ، ثم تمر الزمرة الثالثة فيقولون قد كان ههنا مرة ماء ، وتفر الناس منهم فلا يقوم لهم شئ . فيدعو عليهم عيسى بن مريم فيقول : اللهم لا طاقة ولا يَدَينِ لنا بهم فاكفناهم بما شئت ، فيسلط الله عليهم دوداً يقال له النغف فتفرس رقابهم ، ويبعث الله عليهم طيراً فتأخذهم بمناقرها فتلقيهم في البحر ، ويبعث الله عيناً يقال لها الحياة تطهر الأرض منهم وتنبتها ، حتى أن الرمانة ليشبع منها السكن ! قيل : وما السكن يا كعب ؟ قال : أهل البيت ! قال : فبينا الناس كذلك إذ أتاهم الصريخ أن ذا السويقتين يريده ، فيبعث عيسى طليعة سبع مائة أو بين السبع مائة والثمان مائة حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله ريحاً يمانية طيبة فيقبض الله فيها روح كل مؤمن ، ثم يبقى عجاج من الناس يتسافدون كما يتسافد البهائم ، فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظرها حتى تضع ، فمن تكلف بعد قولي هذا شيئاً أو على هذا شيئاً فهو المتكلف » .
ونحوه الحاكم : 4 / 488 ، وصححه على شرط الشيخين ، والدر المنثور : 4 / 250 ، وقال : « وأخرج أحمد ، والترمذي ، وحسنه ، وابن ماجة ، وابن حبان ، والحاكم ، وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي عن أبي هريرة » . وقال في / 252 : « وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن كعب » .
وروى في سنن الداني / 104 ، عن حذيفة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث طويل : « يأجوج أمة ، ومأجوج أمة ، كل أمة أربعمائة ألف أمة ، لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف
--------------------------- 84 ---------------------------
عين تطرف بين يديه من صلبه . قال : قلت : يا رسول الله صف لنا يأجوج ومأجوج ، قال : هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز الطوال ، وصنف آخر منهم عرضه وطوله سواء عشرون ومائة ذراع في مائة وعشرين ذراعاً ، وهم الذين لا يقوم لهم الحديد ، وصنف يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى » .
والفردوس : 5 / 441 ، وتهذيب ابن عساكر : 1 / 196 ، ومجمع الزوائد : 8 / 6 ، عن الطبراني في الأوسط . والدر المنثور : 4 / 155 ، عن ابن مردويه ، وفي / 250 ، عن ابن حماد ، وابن مردويه وقال : وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه وابن عدي وابن عساكر وابن النجار ، عن حذيفة قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن يأجوج ومأجوج فقال . . . الخ .
وعلى هذا فقس عشرات من أمثالها .
والنتيجة : أن يأجوج ومأجوج بنص القرآن من علامات الساعة ، ولا علاقة لهما بعلامات الإمام المهدي ولا بنزول المسيح عليه السلام ، وقد تكون الفاصلة بينهما مئات السنين أو ألوفها ! ولا صحة لأساطير بني إسرائيل وبني الخلافة القرشية عنهم . أما دابة الأرض فهي آية لليهود وأمثالهم من المكذبين ، تكون في فترة رجعة النبي صلى الله عليه وآله وأميرالمؤمنين عليه السلام إلى الدنيا ، ويكون هو صاحبها .
- *
--------------------------- 85 ---------------------------
الفصل الثالث : ( الطائفة الثابتة ، حتى يظهر إمامها المهدي عليه السلام )
--------------------------- 86 ---------------------------
الغرباء والطائفة الثابتة حتى يظهرالمهدي عليه السلام
روت مصادر السنيين أن النبي صلى الله عليه وآله أخبر أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً ، وأنه سيبقى من المسلمين عصابة أو طائفة ثابتة على الحق ، لا يضرهم تكذيب من كذَّبهم حتى تقوم الساعة ، وفي بعضها حتى يخرج الدجال ، وفي بعضها حتى يأتي أمر الله ، وحتى ينزل عيسى بن مريم عليه السلام ، وحتى يظهر إمامهم المهدي عليه السلام .
وقد اهتم معاوية بهذه الأحاديث ، وأضاف لها صفاتٍ لهؤلاء الغرباء لتنطبق على أهل الشام ! ثم وضع رواته أحاديث تصرح بأنهم أهل الشام ، وإمامهم معاوية !
وفي عصرنا ، حاول الإخوان المسلمون أن يطبقوا أحاديث الغرباء على حركتهم ، لأنهم أمة وطائفة من الأمة ، ثابتة على الحق تدعو إلى الإسلام .
كما حاول الفلسطينيون تطبيقها عليهم ، لأنه في بعض رواياتها أن الفئة الظاهرة في بيت المقدس وأكنافه ، وفي بعضها أنهم يقاتلون فهي تنطبق على المقاومين لإسرائيل .
كما حاول الوهابيون أن يطبقوها عليهم ، لأنها تصف الثابتين من الأمة بأنهم طائفة أوعصابة أي فئة قليلة وهم فئة قليلة . وفي السنوات الأخيرة حَفَّظوا جماعتهم الطالبان هذه الأحاديث ، وسموا أنفسهم الطائفة المنصورة التي وصفها النبي صلى الله عليه وآله !
أما مصادرنا فروت أن النبي صلى الله عليه وآله لم يترك حديثه مهملاً ، بل سمى هؤلاء الغرباء الظاهرين بالحجة ، وأنهم الأئمة من عترته عليهم السلام وشيعتهم ، فهم الذين أوصى بهم أمته وقال : « إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروني بم تخلفوني فيهما » . « مسند أحمد : 3 / 17 » . فهم الذين بَشَّر بإمامتهم الربانية ، وأخبر أن الأمة ستضطهدهم وتكذبهم وتقتلهم ولا يضرهم تكذيب من كذبهم وعداء من عاداهم ، حتى يظهر الإمام المهدي الموعود منهم عليهم السلام فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .
فقد روى الطبراني في الكبير : 2 / 213 ، عن جابر بن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيِّماً لا يضرهم من خذلهم » . وفي : 2 / 265 ، عن جابر بن سمرة قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يخطب على المنبر ويقول : اثنا عشر قيماًَ من قريش لا يضرهم عداوة من عاداهم » .
--------------------------- 87 ---------------------------
وقال في الزوائد : 5 / 191 : « رواه البزار عن جابر بن سمرة وحده ، وزاد فيه : ثم رجع النبي إلى بيته فأتيته فقلت : ثم يكون ماذا ؟ قال : ثم يكون الهرج . ورجاله ثقات » .
لذلك نعتقد أن رواة الخلافة القرشية حذفوا صفات هؤلاء الثابتين الغرباء ، وجردوها من القرائن التي تدل عليهم . وإليك مجموعة أحاديثهم :
من أحاديث المخالفين في الطائفة الظاهرة أو المنصورة
نورد أولاً الأحاديث التي وصفتها بأنها ظاهرة ولم تعين أنه ظهور بالحجة أو بالقتال ، فيصح تفسيره بالأعم .
ففي مسند الطيالسي / 9 ، عن سليمان بن الربيع العدوي قال : « لقينا عمر فقلنا له : إن عبد الله بن عمرو حدثنا بكذا وكذا ، فقال عمر : عبد الله بن عمرو أعلم بما يقول قالها ثلاثاً ! ثم نودي بالصلاة جامعة فاجتمع إليه الناس فخطبهم عمر فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى يأتي أمر الله » .
ورواه سعيد بن منصور : 2 / 144 ، عن ثوبان ، وفيه : ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم . وأحمد : 2 / 321 ، عن أبي هريرة ، وفيه : عصابة على الحق ولا يضرهم خلاف من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله . وفي صحيح بخاري : 4 / 252 ، عن مغيرة بن شعبة ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : لا يزال ناسٌ من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون .
ونحوه مسلم : 6 / 53 ، عن المغيرة ، والجواهر الحسان : 2 / 279 ، عن ابن مسعود وفيه : حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون . والمسند الجامع : 14 / 14 . وابن حبان : 8 / 294 ، عن أبي هريرة : لا يزال على هذا الأمر عصابة على الحق لا يضرهم خلاف من خالفهم .
وفي مسلم : 6 / 54 ، عن ابن عمرو : « لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم ، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك . فقال عبد الله : أجل ، ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك ، مسها مس الحرير فلا تترك نفساً في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته ، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة » .
لاحظ أن ابن عمرو لم يذكر القتال ، وفسر أمر الله بالساعة ، على مذهب أستاذه كعب بأن قيام الساعة بعد فتح القسطنطينية بسنوات قليلة !
وفي جمع الفوائد : 3 / 157 ، عن ثوبان رفعه : « ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي
--------------------------- 88 ---------------------------
بالمشركين ، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان ! وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كل يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي . ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ، حتى يأتي أمر الله » وتذكرة القرطبي : 2 / 638 .
فهذه الأحاديث جعلت وجود هؤلاء الثابتين إلى أن « يأتي أمر الله » وهو يشير إلى ظهور المهدي عليه السلام وليس إلى أن تقوم الساعة ، ولم تصفهم بأنهم مقاتلون .
الأحاديث التي وصفتهم بأنهم يقاتلون وينتصرون
قال ابن منصور : 2 / 145 ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لا تبرح عصابة من أمتي ظاهرين على الحق لا يبالون من خالفهم ، حتى يخرج المسيح الدجال فيقاتلونه » .
وفي مسند أحمد : 4 / 434 : « قال لي عمران : واعلم أنه لن تزال طائفة من أهل الإسلام يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناواهم ، حتى يقاتلوا الدجال » .
وفي طبقات ابن سعد : 2 / 167 : « عصابة من أمتي يجاهدون على الحق حتى يخرج الدجال » . وفي تهذيب ابن عساكر : 1 / 65 : وفي لفظ : إذا هلك أهل الشام فلا خير في أمتي ، ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتلوا الدجال . . . الخ . وفي أحمد : 3 / 345 ، يقول : « لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال : فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم : تعال صل بنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمير ليكرم الله هذه الأمة » .
ونحوه في أحمد : 3 / 384 ، وفيه : تكرمة الله عز وجل . ومثله مسلم : 1 / 95 . وأبو يعلى : 4 / 59 ، وفيه : فيقول إمامهم : تقدم فيقول : أنتم أحق بعضكم أمراء بعض ، أمر أكرم الله به هذه الأمة . ونحوه جامع المسانيد : 25 / 26 . وفي سنن الداني / 43 : « تقدم يا نبي الله فصل لنا فيقول : إن هذه الأمة أمير بعضهم على بعض لكرامتهم على الله عز وجل » .
اهتم معاوية بتطبيق أحاديثهم على نفسه وأهل الشام !
في مسند أحمد : 4 / 97 و 101 ، عن عمير بن هاني قال : « سمعت معاوية بن أبي سفيان على هذا المنبر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ، ولن تزال من هذه الأمة أمة قائمة على أمر الله ، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم
--------------------------- 89 ---------------------------
ظاهرون على الناس . وفي أخرى : فقام مالك بن يخامر السكسكي فقال : يا أمير المؤمنين سمعت معاذ بن جبل يقول : وهم أهل الشام ، فقال معاوية ورفع صوته : هذا مالك يزعم أنه سمع معاذاً يقول وهم أهل الشام » . وفي مسند الشاميين للطبراني : 1 / 315 ، وسعيد بن منصور : 2 / 369 ، عن أبي عبد الله الشامي ، قال : « سمعت معاوية يخطب يقول : يا أهل الشام حدثني الأنصاري قال : قال شعبة يعني زيد بن أرقم : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال . . وفيه : وإني لأرجو أن تكونوا هم يا أهل الشام » .
ورواه بخاري : 9 / 167 كرواية أحمد الأولى . ومسلم : 6 / 53 ، كالثانية . وفي تاريخ بخاري : 7 / 327 ، وعلل الدارقطني : 7 / 61 ، ومسند الشاميين لجماز : 1 / 109 و / 135 و 96 و 101 و 103 و 118 و 129 و 131 و 133 و 144 و 149 ح 31 و 49 و 63 و 7 و 69 و 83 و 92 .
وكلها عن معاوية ، وفي عدد منها أنه كان يخطب بها على المنبر ! وهدفه مدح نفسه وأهل الشام في مقابل مخالفيه أهل العراق والحجاز . وهذا كافٍ لسقوط رواياتها !
أحاديث مكذوبة ومحرفة لمدح معاوية وأهل الشام
قال الطيالسي / 145 : « حدثنا معاوية بن قرة ، عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة » . لكن ابن منصور : 2 / 145 ، وأحمد : 3 / 436 ، وابن ماجة : 1 / 45 ، وغيرهم ، رووه بدون ذكر أهل الشام ، فهي زيادة لمصلحة بني أمية تُسقط الرواية .
ففي مسند أحمد : 4 / 429 ، عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « لا تزال طائفة من أمتي على الحق ، ظاهرين على من ناواهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى وينزل عيسى بن مريم عليه السلام » .
وفي تهذيب ابن عساكر : 1 / 56 : « قال أبو عمرو : فحدثت قتادة بهذا الحديث فقال : لا أعلم أولئك إلا أهل الشام » ! ثم صار تفسير قتادة حديثاً نبوياً في حلية الأولياء : 9 / 307 ، عن أبي هريرة : « لا تزال طائفة من أمتي قائمة على أمر الله لا يضرها من خالفها تقاتل أعداءها . . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : هم أهل الشام » !
--------------------------- 90 ---------------------------
وروى نحوه الطبراني في الشاميين : 1 / 56 ، عن الجرشي ، وفيه : « والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، وعقر دار المؤمنين بالشام » .
ونحوه مسند الشاميين لجماز : 1 / 191 ، والمعجم الكبير : 7 / 61 ، وابن ماجة : 2 / 1369 ، والحاكم : 4 / 548 ، فاتضح لك أنهم زادوا اسم أهل الشام على لسان النبي صلى الله عليه وآله !
ومثلها في مدح سكان بيت المقدس وحوله
في أحمد : 5 / 269 ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين ، لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من لأواء ، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك ، قالوا : يا رسول الله وأين هم ؟ قال : ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس » .
ونحوه في تهذيب الآثار ، مسند عمر : 2 / 823 .
وفي مسند أبي يعلى : 11 / 302 ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله ، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله ، لا يضرهم خذلان من خذلهم ، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة » .
ومثلها في مدح أهل الطالقان !
في تهذيب ابن عساكر : 1 / 55 ، عن تاريخ داريا وقال : وفي لفظ آخر : « لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب بيت المقدس وما حولها ، وعلى أبواب أنطاكية وما حولها ، وعلى باب دمشق وما حولها ، وعلى أبواب الطالقان وما حولها ، ظاهرين على الحق ، لا يبالون بمن خذلهم ولا من نصرهم ، حتى يخرج الله كنزه من الطالقان فيحيي به دينه كما أميت من قبل » .
ونحوه عقد الدرر / 122 ، وبعضه 283 .
وفي مشارق الأشواق : 1 / 407 : « لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب بيت المقدس وما حولها ، وعلى أبواب أنطاكية وما حولها ، وعلى أبواب دمشق وما حولها ، وعلى أبواب الطالقان وما حولها ، ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خذلهم ولا من نصرهم ، حتى يخرج الله كنزه من الطالقان فيحيي به دينه » .
--------------------------- 91 ---------------------------
أقول : جبال الطالقان جزء من سلسلة جبال آلبرز في إيران ، ويراد بها في الأحاديث منطقة إيران ، فقد عرفت باسم بلاد المشرق أو خراسان أو جبال الطالقان كما يأتي .
والإشكال على تطبيق الفئة الظاهرة على أهل الشام ، يشمل تطبيقها على أهل الطالقان ، فرواته الأمويون أوالفرس أرادوا مدح مناطقهم ! نعم وردت أحاديث صحيحة في أنصار المهدي عليه السلام أهل المشرق ، ولا يرد عليها هذا الإشكال .
وستعرف أن السنيين أكثروا من أحاديث مدح الفرس ، وهذا ليس عجيباً ، لأن الفرس أسسوا لهم مذاهبهم ، وكتبوا لهم مصادرهم في الحديث والفقه والتفسير !
مكذوبات اليهود في تفضيل بلاد الشام !
وضع اليهود وأتباعهم أحاديث مغالية في مدح الشام وفلسطين ، تُفضلهما على الحجاز والعراق ، وتُفضل بيت المقدس على مكة ، وصخرتها على الكعبة ، وتنتقص من الحجاز والعراق وأهلهما ! وقد تبناها معاوية وبنو أمية ، وأتباع الخلافة ، وتلقاها عوام المسلمين على أنها جزء من الدين ، لأن عدداً منها جعلت له الحكومات سنداً صحيحاً !
1 - أشاع كعب أن النبي الخاتم صلى الله عليه وآله يبعث في الحجاز ، لكن عاصمته وملكه يكون في الشام لا في الحجاز ولا العراق ! ففي الدارمي 1 / 4 : « قال كعب : نجده مكتوباً : محمد رسول الله ، لا فظٌّ ولا غليظٌ ولا صخَّابٌ بالأسواق ، ولا يُجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر . . . ومولده بمكة ، ومهاجره بطيبة ، وملكه بالشام » .
وقوله : « وملكه بالشام » زيادة منه ، كما قال ابن حجر في فتح الباري : 8 / 450 : « زاد في رواية كعب : مولده بمكة ومهاجره طيبة وملكه بالشام » . انتهى .
فهي زيادة يهودية لتكون الخلافة لأحبائهم بني أمية في الشام ، بعيداً عن الحجاز والعراق ، لأن أهلهما لا يحبون اليهود كأهل الشام ! لكن مصادرهم روت هذه الزيادة وصححتها مع الأسف !
كابن سعد : 1 / 360 ، وحلية الأولياء : 5 / 387 ، وتفسير البغوي : 2 / 205 ، وخصائص السيوطي : 1 / 19 ، وفيض القدير : 3 / 768 ، ودلائل الأصبهاني : 4 / 1332 ، وتفسير ابن كثير : 4 / 383 ، والدر المنثور : 3 / 132 ، وتاريخ دمشق : 1 / 186 . وغيرها !
--------------------------- 92 ---------------------------
كما وجد رواة الخلافة يهودياً اسمه جريجرة أكد قول صاحبه كعب فشكروه !
« المستدرك : 2 / 622 ، وتاريخ دمشق : 1 / 184 ، وخصائص السيوطي : 1 / 23 » .
وبذلك تعرف أن اليهود كانوا يخططون لنقل عاصمة الإسلام إلى الشام بدل الحجاز أو العراق ! ولذلك طلب معاوية من عثمان أن ينتقل إلى الشام ، ليكون ضيفاً عليه ، ويرتب له الأمر بعده كما رتبه أبو بكر لعمر ! « راجع جواهر التاريخ / ج 2 » .
2 - جاء كعب الأحبار من اليمن إلى المدينة وهو حاخام ، فخرج عمر لاستقباله ، واحترمه كاحترام الأنبياء عليهم السلام ، وجعله مستشار الخليفة الثقافي والمقدم في مجلسه ! وبقي كعب على يهوديته وسكن في حمص ، وكان يتردد على المدينة ويمضي فيها مدة طويلة ، وبعد مدة أعلن إسلامه ، فطلب منه عمر أن يسكن في المدينة فقال : « إني أجد في كتاب الله المنزل أن الشام كنز الله في الأرض ، وبها كنزه من عباده » ! « تاريخ دمشق : 1 / 122 » .
3 - روى ابن حماد : 1 / 236 : « عن كعب قال : رأس الأرض الشام وجناحاها ، مصر والعراق ، والذنباء أي الحجاز ! وعلى الذنباء يسلح الباز » ! والذنباء : المؤخرة ! وهذا ذم يهودي خبيث للحجاز بل لمصر والعراق ، والعجيب أن رواة الخلافة وعلماء المذاهب ، ومنهم عراقيون وحجازيون ، قبلوه ورووه ! وروى نحوه الدر المنثور : 3 / 113 ، عن وهب بن منبه ، وهو تلميذ كعب في اليهودية وفي بعض رواياته : وجناحاها مصر والعراق ، لكن وصف الذنباء ثابت للحجاز !
4 - « عن كعب قال : لا تقوم الساعة حتى يزفُّ البيت الحرام إلى بيت المقدس ، فينقادان إلى الجنة وفيهما أهلهما والعرض والحساب ببيت المقدس » « الدر المنثور : 1 / 136 » .
وفي الكافي : 4 / 239 : « عن زرارة قال : كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر « الإمام الباقر عليه السلام » وهو مُحْتبٍ مستقبلَ الكعبة فقال : أمَا إن النظر إليها عبادة ، فجاءه رجل من بجيلة يقال له عاصم بن عمر ، فقال لأبي جعفر : إن كعب الأحبار كان يقول : إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة ، فقال أبو جعفر : فما تقول فيما قال كعب ؟ فقال : صدق ، القول ما قال كعب ! فقال أبو جعفر : كذبت وكذب كعب الأحبار معك ! وغضب ! قال زرارة : ما رأيته استقبل أحداً بقول كذبت غيره ! ثم قال : ما خلق الله عز وجل بقعة في الأرض أحب إليه منها ، ثم أومأ بيده نحو الكعبة ولا أكرم على الله عز وجل منها ، لها حرَّم الله الأشهر الحرم
--------------------------- 93 ---------------------------
في كتابه يوم خلق السماوات والأرض ، ثلاثة متوالية للحج : شوال وذو القعدة وذو الحجة ، وشهر مفرد للعمرة ، وهو رجب » .
5 - في تاريخ دمشق : 1 / 152 : « قال كعب : ما شُرب ماء عذبٌ قط إلا ما يخرج من تحت هذه الصخرة ! حتى أن العين التي بدارِين ليخرج ماؤها من تحت هذه الصخرة » !
6 - ألفوا كتباً شحنوها بأحاديث مدح الشام والقدس ، وروى العجلوني في كشف الخفاء : 2 / 2 ، نصوصاً وأحاديث في فضل الشام ، ولم يوثق أياً منها !
7 - روى السيوطي في الدر المنثور : 3 / 111 ، غرائب في فضل الشام عن كعب وتلاميذه ، من مصادر متعددة ! وبعضها تحول بقدرة قادر إلى حديث نبوي ! منها ، عن كعب : مكتوب في التوراة أن الشام كنز الله عز وجل من أرضه بها كنز الله من عباده .
وعن كعب قال : أحب البلاد إلى الله الشام ، وأحب الشام إليه القدس ، وأحب القدس إليه جبل نابلس ، ليأتين على الناس زمان يتقاسمونه بالحبال بينهم !
وعن كعب قال : إني لأجد في كتاب الله المنزل أن خراب الأرض قبل الشام بأربعين عاماً .
إني لأجد تردد الشام في الكتب ، حتى كأنه ليس لله حاجة إلا بالشام .
وعن ابن عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : دخل إبليس العراق فقضى منها حاجته ، ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ بيسان ، ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ ، وبسط عبقريه . « أي بساطه » .
وعن وهب بن منبه قال : رأس الأرض الشام .
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال : اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا ، قالوا : وفي نجدنا ؟ وفي لفظ وفي مشرقنا ؟ قال : هناك الزلازل والفتن ، وبها يطلع قرن الشيطان . زاد ابن عساكر في رواية : وبها تسعة أعشار الشر .
وعن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الخير عشرة أعشار ، تسعة بالشام وواحد في سائر البلدان . والشر عشرة أعشار واحد بالشام وتسعة في سائر البلدان ! وإذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم !
عن زيد بن ثابت : قال النبي صلى الله عليه وآله : طوبى للشام ! قيل له : ولم َ ؟ قال : إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليهم . وقال صححه الحاكم !
--------------------------- 94 ---------------------------
قال رجل : يا رسول الله خِرْ لي ، فقال صلى الله عليه وآله : عليك بالشام ، فإنها صفوة الله من بلاده فيها خيرة الله من عباده ! فمن رغب عن ذلك فليلحق بنجدة ، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله . . . ولفظ أحمد فإنه خيرة الله من أرضه . . . فإن أبيتم فعليكم بيمنكم ! عن واثلة بن الأسقع . . . فمن أبى فليلحق بيمنه ويسق من غدره !
وأخرج أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم عن عبد الله بن حوالة الأزدي عن رسولالله صلى الله عليه وآله : فمن أبى فليلحق بيمنه وليُسْقَ من غدره ! انتهى .
ولا يمكن قبول هذه الأحاديث ومنها ذم نجد وإن رواها البخاري ، لأن رواة الخلافة الأموية متهمون ، بعكس أهل البيت الصادقين الطاهرين عليهم السلام . .
قال الشيخ محمود أبو رية ، وهو من علماء الأزهر في كتابه : أضواء على السنة المحمدية / 176 ، بعد أن نقل طعن عدد من العلماء السنيين بكعب ووهب بن منبه وأمثالهما من أحبار اليهود : « إن الأئمة المحققين قد طعنوا في رواية هذين الكاهنين ، ولا يزال يوجد بيننا وا أسفاه من يثق بهما ويصدق ما يرويانه ، ولا يقبل أي كلام فيهما . . . نكشف لك عن جانب آخر من عمل دهاة اليهود ، ذلك هو الجانب السياسي ، فلقد كان كيدهم في محاربة الإسلام يتجه إلى ضربه من ناحيتين : ناحية دينية ، وأخرى سياسية . . . الخ » .
أحاديث الغرباء وغربة الإسلام في مصادر الطرفين
ابن حماد : 1 / 78 ، عن عبد الله بن عمرو العاص قال : « أحب شئ إلى الله تعالى الغرباء . قيل : أي شئ الغرباء ؟ قال : الذين يفرون بدينهم ، يجمعون إلى عيسى بن مريم عليه السلام » . وتاريخ بخاري : 4 / 130 ، وفيه : « فرَّارون بدينهم يجتمعون إلى عيسى بن مريم يوم القيامة » . وحلية الأولياء : 1 / 25 ، وفيه : « الفرَّارون بدينهم يبعثهم الله يوم القيامة مع عيسى بن مريم » . وفي مسند أحمد : 1 / 184 ، عن سعد بن أبي وقاص قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول : إن الإيمان بدأ غريباً وسيعود كما بدأ ، فطوبى للغرباء إذا فسد الناس . والذي نفس أبي القاسم بيده ليأزرنَّ الإيمان بين هذين المسجدين « مكة والمدينة » كما تأرز الحية في جحرها » .
وطوبى : شجرة مميزة في الجنة وتطلق على الجنة . يأرز : يجتمع بعضه إلى بعض .
--------------------------- 95 ---------------------------
وفي مسند أحمد : 1 / 398 ، عن ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « قيل : ومن الغرباء ؟ قال : النُّزَّاع من القبائل » . وفي : 2 / 177 ، عن ابن عمرو العاص ، وفيه : « قال : أناس صالحون في أناس سوء كثير ، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم » . وفي أحمد : 4 / 73 ، عن عبد الرحمن بن سنة ، وفيه : « قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس ، والذي نفسي بيده ، لينحازن الإيمان إلى المدينة كما يحوز السيل . والذي نفسي بيده ليأرزنَّ الإسلام إلى ما بين المسجدين كما تأزر الحية إلى حجرها » . ورواه مسلم : 1 / 90 ، كرواية أحمد الخامسة عن أبي هريرة . وابن ماجة : 2 / 1319 ، كرواية مسلم الأولى ، والبزار : 1 / 314 ، والترمذي : 5 / 18 ، كرواية أحمد الثانية إلى قوله للغرباء ، وبآخر فيه : إن الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها ، وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل ، إن الدين بدأ غريباً ويرجع غريباً ، فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي . وقال : هذا حديث حسن .
ورواه في مشكل الآثار : 1 / 297 ، كرواية أحمد الثانية . وبنحوه المعجم الأوسط : 2 / 551 عن أنس . وفي : 5 / 478 ، و : 6 / 377 ، والمسند الجامع : 12 / 317 ، و : 6 / 155 ، عن ابن سعد بن أبي وقاص . وفي : 14 / 192 ، عن ابن عوف . . .
وروت مصادرنا أحاديث حول غربة الإسلام كما في الجعفريات / 192 ، عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء ، فقيل : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس ، إنه لا وحشة ولاغربة على مؤمن ، وما من مؤمن يموت في غربة إلا بكت الملائكة رحمة له حيث قلت بواكيه ، وإلا فسح له في قبره بنور يتلألأ من حيث دفن إلى مسقط رأسه » .
ورواه الصدوق في كمال الدين : 1 / 200 ، ثم قال : « فقد عاد الإسلام كما قال عليه السلام غريباً في هذا الزمان كما بدأ ، وسيقوى بظهور ولي الله وحجته كما قوي بظهور نبي الله ورسوله صلى الله عليه وآله ، وتقر بذلك أعين المنتظرين له والقائلين بإمامته كما قرت أعين المنتظرين لرسول الله صلى الله عليه وآله والعارفين به بعد ظهوره . وإن الله عز وجل لينجز لأوليائه ما وعدهم ويُعلي كلمته ، ويتم نوره ولو كره المشركون » .
وفي شرح الأخبار : 3 / 371 ، أن أبا بصير طلب من الإمام الصادق عليه السلام أن يشرح له هذا الحديث : « قال أبو بصير : فقلت له : إشرح لي هذا جعلت فداك يا ابن رسول الله . قال عليه السلام :
--------------------------- 96 ---------------------------
يستأنف الداعي منا دعاءً جديداً كما دعا رسول الله ، وكذلك المهدي يستأنف دعاء جديداً إلى الله لمَّا غُيِّرت السنن وكثرت البدع ، وتغلَّب أئمة الضلال ، واندرس ذكر أئمة الهدى ، الذين افترض الله طاعتهم على العباد ، وأقامهم للدعاء إليه والدلالة بآياته عليه ، ونُسي ذكرهم وانقطع خبرهم ، لغلبة أئمة الجور عليهم . فلما أنجز الله بالدعاء للأئمة ما وعدهم به من ظهور مهديهم ، احتاج أن يدعوهم دعاء جديداً ، كما ابتدأهم رسول الله بالدعاء أولاً » .
وفي الإرشاد / 364 ، محمد بن عجلان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إذا قام القائم عليه السلام دعا الناس إلى الإسلام جديداً ، وهداهم إلى أمر قد دثر فضل عنه الجمهور ، وإنما سمي القائم مهدياً لأنه يهدى إلى أمر مضلول عنه ، وسمي بالقائم لقيامه بالحق » .
وفي النعماني / 230 ، عن ابن عطاء المكي : « عن شيخ من الفقهاء يعني أبا عبد الله قال : سألته عن سيرة المهدي كيف سيرته ؟ فقال : يصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله ، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله أمر الجاهلية ، ويستأنف الإسلام جديداً » .
وفي الكافي : 1 / 536 ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، أنه سئل عن القائم فقال : « كلنا قائم بأمر الله واحد بعد واحد حتى يجئ صاحب السيف ، فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي كان » .
أقول : المقصود بغربة الإسلام غربته عن التطبيق . وقد صرح بذلك الصدوق رحمه الله وربطه بظهورالمهدي عليه السلام وقد حاولت مصادرهم توظيف الحديث للصراع بين أهل الحجاز وأهل الشام ، كما وظفوا حديث الفئة الظاهرة لمصلحة أهل الشام وبني أمية ! ومعنى : يأرز الإيمان أو العلم إلى المدينة ومكة : أن وعي الدين ينحسر من الأمة ، وتكون المدينة ومكة مركزاً لتجديد الإسلام وانطلاقته في آخر الزمان على يد الإمام المهدي عليه السلام ، كما كانتا مركزاً لانطلاقته على يد جده خاتم النبيين صلى الله عليه وآله .
من هم الغرباء والطائفة المنصورة ؟
ينبغي الالتفات إلى أن سبب كثرة طرق الحديث ورواته عندهم ، أن معاوية دخل في رواته ، وطبقه عليه وعلى أهل الشام ! ومحاولته تضعف صِيَغَ الحديث ولا تضعف أصله الذي رويناه عن
--------------------------- 97 ---------------------------
أهل البيت عليهم السلام . . وهي شبيهة بمحاولة العباسيين تطبيق أحاديث الرايات السود على حركتهم ، وبمحاولة تطبيق صفات المهدي عليه السلام على ابن طلحة التيمي ، أو على حسني ، أوعباسي ، فهي لا تؤثر في قيمة أصل أحاديث المهدي عليه السلام لكن يجب معرفة صيغه التحريفية .
ويكفي دليلاًعلى بطلان تطبيقاتهم لحديث الغرباء على غير أهل البيت وشيعتهم ، أن الحديث نص على أنهم جماعة في كل جيل حتى يظهرإمامهم المهدي وينزل المسيح ، وأنهم أقلية ولهم أعداء ، وهذه صفة أئمة العترة وأتباعهم .
أحاديث مجددي الإسلام
روت المصادرالسنية نصاً عن أبي هريرة ظن الراوي أنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله ، قال أبو داود : 4 / 109 : « عن أبي هريرة ، فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها » .
ورواه البيهقي في المعرفة : 1 / 137 ، والخطيب البغدادي : 2 / 61 ، والجامع الصغير : 1 / 282 ، والمسند الجامع : 17 / 843 ، وصحيح بخاري بشرح الكرماني : 1 / 72 .
وروى الحاكم : 4 / 522 ، أن رجلاً قرأ هذا النص في مجلس القاضي أبي العباس بن شريح وقال له : « فأبشر أيها القاضي فإن الله بعث على رأس المائة عمر بن عبد العزيز ، وبعث على رأس المأتين محمد بن إدريس الشافعي ، وأنت على رأس الثلاث مائة » .
ولو صح الحديث وكان يشمل غيرالعترة عليهم السلام ، فلا يمكن معرفة المجددين لكثرة ادعائه لحكام وعلماء !
كما أنه حديث مجملٌ ، فهل تحسب المئة من بعثة النبي صلى الله عليه وآله أو من هجرته أو وفاته ، وهل المقصود المئة السنة الأولى منها ، أم المعنى العرفي الذي يشمل عدة سنوات من الثانية ؟
وما معنى تجديد الدين للأمة ، هل هو التجديد النظري أو العملي ؟ وهل هو نفي التحريف عن عقائده ، أم نفي الانحرافات العملية عنه ؟
ثم ، ما معنى هذا المجدد ، هل هو مبعوث من ربه يعمل بالعلم الرباني ، أم مجتهد في الدين ، يدعو الناس إلى اجتهاد رأيه . وهل هو حاكم يقدر على تنفيذ تجديده للدين ، أم داعية يدعو
--------------------------- 98 ---------------------------
المسلمين ، ويوصل صوته إليهم ؟
وقد اعتبر المودودي أن المهدي عليه السلام هو المجدد العالمي العام للإسلام ، في عداد المجددين على رأس كل مئة سنة ، مع أنه عجل الله تعالى فرجه الشريف لا يحسب ظهوره بمقياس المصلحين العاديين ، بل بمقياس حياة البشرية كلها .
والذي أرجحه أن أصل الحديث عن دورالعترة في حفظ الإسلام ، ونفي زيف المحرفين له ، فزادوا فيه ، وصادروه لمن يتولونهم ! فالقدرالمتيقن أن أئمة العترة عليهم السلام والإمام المهدي عليه السلام هم المجددون للإسلام .
ونقل في إحقاق الحق عن ابن حنبل تخصيص المجدد بالعترة الطاهرة عليهم السلام ، ولعل ابن حنبل فهمه من قول النبي صلى الله عليه وآله عن عترته : ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض . فهو يدل على وجود إمام منهم في كل عصر .
وقد نصت أحاديثنا على أن الإمام المهدي عليه السلام يجدد الإسلام ، ويخرجه من غربته . ففي عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 / 200 ، عن الحسن بن الجهم قال : « حضرت مجلس المأمون يوماً وعنده علي بن موسى الرضا عليه السلام وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة . . . فقال المأمون : يا أبا الحسن فما تقول في الرجعة ؟ فقال الرضا عليه السلام : إنها لَحَقٌّ قد كانت في الأمم السالفة ، ونطق بها القرآن ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يكون في هذه الأمة كل ما كان في الأمم السالفة ، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة . وقال صلى الله عليه وآله : إذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن مريم عليه السلام فصلى خلفه . وقال صلى الله عليه وآله : إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء ، قيل : يا رسول الله ثم يكون ماذا ؟ قال : ثم يرجع الحق إلى أهله » .
وفي تفسير فرات / 44 ، عن خيثمة الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام قال في تفسير قوله تعالى : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً : « يعني صفوتنا ونصرتنا . قلت : إنما قدر الله عنه باللسان واليدين والقلب ؟ قال : يا خيثمة ألم تكن نصرتنا باللسان كنصرتنا بالسيف ، ونصرتنا باليدين أفضل والقيام فيها . يا خثيمة إن القرآن نزل أثلاثاً ، فثلث فينا وثلث في عدونا وثلث فرائض وأحكام . ولو أن آية نزلت في قوم ثم ماتوا أولئك ماتت الآية إذا ما بقي من القرآن شئ . إن القرآن يجري من أوله
--------------------------- 99 ---------------------------
إلى آخره وآخره إلى أوله ، ما قامت السماوات والأرض ، فلكل قوم آية يتلونها . يا خيثمة : إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء ، وهذا في أيدي الناس فكل على هذا . يا خثيمة : سيأتي على الناس زمان لا يعرفون الله وما هو التوحيد ، حتى يكون خروج الدجال ، وحتى ينزل عيسى بن مريم من السماء ، ويقتل الله الدجال على يده ، ويصلي بهم رجل منا أهل البيت . ألا ترى أن عيسى يصلي خلفنا وهو نبي ، إلا ونحن أفضل منه » .
وفي غيبة النعماني / 320 ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء » .
وروى النعماني / 232 ، عن الإمام الباقر عليه السلام أيضاً أن عبد الله بن عطاء سأله : « إذا قام القائم بأي سيرة يسير في الناس ؟ فقال : يهدم ما قبله كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله ويستأنف الإسلام جديداً . » وروى / 322 ، أن أبا بصير سأله عليه السلام : « أخبرني عن قول أمير المؤمنين عليه السلام : إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء ، فقال : يا أبا محمد ، إذا قام القائم استأنف دعاء جديداً كما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله » .
حديث بعثت بين جاهليتين
في أمالي الشجري : 2 / 277 ، بسنده عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : بعثت بين جاهليتين لأخراهما شر من أولاهما » . ولم أجد لهذا الحديث المهم مصادر أخرى ، وهو يدل على أن الجاهلية الثانية التي تكون بعد النبي صلى الله عليه وآله أسوأ من الجاهلية الأولى التي كانت قبله . وهو مفاد قوله تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولى . « الأحزاب : 33 » والجاهلية الثانية بعد النبي صلى الله عليه وآله تشمل الجاهلية المعاصرة .
- *
--------------------------- 100 ---------------------------
--------------------------- 101 ---------------------------
الفصل الرابع : ( الفتن الموعودة ، الفتن الموعودة في هذه الأمة )
--------------------------- 102 ---------------------------
1 - تحذير النبي صلى الله عليه وآله لأمته من الفتن بعده !
عرض النبي صلى الله عليه وآله وهو على فراش المرض على أمته كنزاً ، لم يعرضه نبي على أمته أبداً ! وهو أن تطيعه فيكتب لها عهداً يضمن لها أن تكون على الهدى فلا تضل أبداً ، وتكون سيدة الأمم إلى يوم القيامة ، فواجهه عمر ورفض ذلك ! وأيده طلقاء قريش وكانوا كثروا في المدينة وصاحوا : القول ما قاله عمر ، لا تقربوا له دواة ولا قرطاساً ، حسبنا كتاب الله ، أي نرفض سنته ، ولا نريد أن يكتب لنا عهداً وأماناً من الضلال ! وروى البخاري موقف عمر هذا ضد النبي صلى الله عليه وآله في ست مواضع من صحيحه ! ودافع أتباع الخلافة عن عمر وما زالوا يدافعون عنه إلى اليوم !
وهكذا واجهت الأمة نبيها صلى الله عليه وآله بالمعصية في حياته ، ورفضت قيادته واختارت قيادة عمر ، ورفضت تأمين مستقبلها من الضلال والفتن ! وهو أغرب موقف لأمة مع رسولها .
وقد قال لهم النبي صلى الله عليه وآله كما في مسند الشاميين : 1 / 56 : « يوحى إليَّ أني مقبوضٌ غير مُلَبَّث ، وأنكم مُتِّبِعِيَّ أفناداً ، يضرب بعضكم رقاب بعض » ! أي تطمعون في رئاسة دولتي ، وتتقاتلون !
وقال كما في الطبراني في الكبير : 22 / 69 ، ومسند الشاميين : 3 / 124 صلى الله عليه وآله : « إنكم تزعمون أني آخركم موتاً ! وإني أولكم ذهاباً ، ثم تأتون من بعدي أفناداً ! يقتل بعضكم بعضاً » .
وهو إخبار من النبي بما فعله عمر وقال إن النبي لم يمت ، وإنه آخرنا موتاً . لغرض عنده وعند أبي بكر !
2 - استغلال رواة الخلافة أحاديث الفتن !
أضاف رواة الخلافة إلى أحاديث الفتن من عاميتهم وإسرائيلياتهم ، ثم وظفوها لخدمة الخلافة !
وقد وصف الحسن البصري الذين سقطوا في الفتن فقال : « والله لقد رأيتهم صوراً ولاعقول ، أجساماً ولا أحلام ، فراش نار وذبان طمع ، يغدون بدرهمين ، ويروحون بدرهمين ، يبيع أحدهم دينه بثمن عنز » . « حلية الأولياء : 10 / 170 » .
وقد اعترف أبو هريرة في آخر عمره بأن النبي صلى الله عليه وآله حذر المسلمين من فتنة قريش ! واعترف بأنه أخفى هذه الأحاديث ، خوفاً من القتل ! « راجع البخاري : 8 / 88 » .
ومن أشهرالمحرفين لأحاديث الفتن أبو موسى الأشعري ، فقد حرفها ليخذل المسلمين
--------------------------- 103 ---------------------------
عن نصرة أمير المؤمنين عليه السلام في حربه للبغاة في البصرة بحجة أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن القتال ! « راجع المجلد الأول من جواهر التاريخ » .
رواه أحمد : 4 / 416 ، قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي ! فاكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا بسيوفكم الحجارة ، فإن دخل على أحدكم بيته فليكن كخير ابني آدم » . أي كهابيل الذي تحمَّل القتل ولم يبسط يده لأخيه !
ونحوه : نعيم بن حماد : 1 / 30 ، وابن ماجة : 2 / 1310 ، وأبو داود : 2 / 305 ، والحاكم : 4 / 555 ، وسنن البيهقي : 8 / 191 ، وصححه الألباني في إرواء الغليل : 8 / 102 .
وتتعجب من حكمهم بصحته مع أنه يحكم على الطرفين باستحقاق النار ، ويخالف القرآن في قوله تعالى : وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخرى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِئَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . « الحجرات : 9 » .
ورواه بخاري في صحيحه : 4 / 177 ، و : 8 / 91 ، عن أبي هريرة ، تحت عنوان : باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم ، ثم عقد عنواناً : باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، وروى فيه قصة الحسن البصري مع أبي بكرة أخ زياد بن أبيه ، قال : « خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة فقال : أين تريد ؟ قلت : أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله . قال : قال رسول الله : إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار ! قيل : فهذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه أراد قتل صاحبه » .
ومن أعمال البخاري أنه تغافل عن رد أبي سعيد الخدري وعبد الله بن جارية لأبي بكرة ، قالا : « لعن الله أبا بكرة ، أساء سمعاً فأساء إجابة ! إنما قال النبي صلى الله عليه وآله لأبي موسى : تكون بعدي فتنة ، أنت فيها نائم خير منك قاعد ، وأنت فيها قاعد خير منك ساع » . فقد شهدا بأن أبا موسى حرف الحديث وشهد بذلك عمار ، كما روى الطبري في تاريخه : 3 / 497 ، والغارات : 2 / 918 ، عندما أرسله أمير المؤمنين عليه السلام إلى الكوفة : « فقال : يا أبا موسى لمَ تُثَبِّط الناس عنَّا ؟ فوالله ما أردنا إلا الإصلاح ، ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شئ ! فقال : صدقت
--------------------------- 104 ---------------------------
بأبي أنت وأمي ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الراكب . فغضب عمار وساءه وقام وقال : يا أيها الناس ، إنما قال له خاصة : أنت فيها قاعداً خير منك قائماً » .
وفي تاريخ دمشق : 32 / 93 ، أن عماراً واجهه بأنه من أهل ليلة العقبة الذين تآمروا لقتل النبي صلى الله عليه وآله : « جاء أبو موسى فقال ما لي ولك ، ألست أخاك ؟ قال : ما أدري إلا أني سمعت رسول الله يلعنك ليلة الجبل ! قال : إنه قد استغفر لي . قال عمار : قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار » ! وقد ضعفوا الحديث بالعطار ، لكن الخطيب وثقه .
والنتيجة أنهم شهدوا على أبي موسى أنه حرف حديث الفتنة ، وقد عزله أمير المؤمنين عليه السلام عن ولاية الكوفة وسماه السامري لأنه قال لاقتال ، كقول السامري : لامساس ! بل اعترف أبو موسى على نفسه بأن النبي صلى الله عليه وآله وصفه بأنه مُضِلّ !
ففي المناقب : 2 / 363 ، وشرح النهج : 13 / 507 ، عن ابن مردويه بأسانيده : « عن سويد بن غفلة أنه قال : كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات فقال : سمعت رسول الله يقول : إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتى بعثوا حكمين ضالين ضلَّ من اتبعهما ولا تنفك أموركم تختلف حتى تبعثوا حكمين يضلان ويضل من تبعهما ! فقلت : أعيذك بالله أن تكون أحدهما ! قال : فخلع قميصه فقال : برأني الله من ذلك كما برأني من قميصي » . وفي اليعقوبي : 2 / 190 : « فقال سويد : لربما كان البلاء موكلاً بالمنطق . ولقيته بعد التحكيم فقلت : إن الله إذا قضى أمراً لم يغالب » !
أقول : كيف يمكن أن نثق بأحاديث الفتن التي يرويها أمثال أبي موسى ، وقد حرفوها جهاراً نهاراً فجعلوا أعظم الفتن قتل عثمان ، وجعلوا معركهم مع علي عليه السلام ومع الأمة أخذاً بثأره .
والذي يدخل في غرضنا هنا : الفتن المتصلة بظهورالإمام المهدي عليه السلام ، وقد نصت الأحاديث على أنها تستمرحتى ظهوره عليه السلام ، رواه الطرفان وصححوه ، كالذي في الطبراني الكبير : 18 / 51 ، عن عوف بن مالك : « قلتُ : وهل يفتح الشام ؟ قال : نعم وشيكاً ثم تقع الفتن بعد فتحها ، ثم تجئ فتنة غبراء مظلمة ، ثم تتبع الفتن بعضها بعضاً ، حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي ، فإن أدركته فاتبعه وكن من المهتدين » .
--------------------------- 105 ---------------------------
3 - الفتنة العالمية وامتلاء الأرض بظلم الجبارين وجورهم
اتفقت المصادر على أن مهمة الإمام المهدي عليه السلام أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن يملأها الجبارون ظلماً وجوراً . فظهوره عليه السلام يكون بعد فتنة عامة .
وامتلاء الأرض بالظلم مفهوم عرفي ، يصدق على أكثرعصورالأرض ، فقد قال الله تعالى : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . « الروم : 41 »
أما في عصرنا فقد ظهر الفساد في البر والبحر والجو ، وامتلأت الأرض بالجور حتى غصت !
وهذه نماذج من أحاديث الطرفين : روى الصدوق في كمال الدين : 1 / 286 ، عن جابر قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي من ولدي ، اسمه اسمي وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلْقاً وخُلُقاً ، تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً »
وفي كمال الدين : 1 / 287 ، عن أمير المؤمنين : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي من ولدي ، تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ، يأتي بذخيرة الأنبياء عليهم السلام فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
أي تكون له غيبة وتكون في أثنائها حيرة الأمم وضلالها . وذخيرة الأنبياء : مواريثهم من الكتب والعلم وآثار النبوة .
وفي مسند أحمد : 3 / 37 ، عن أبي سعيد الخدري قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً . . الخ . » .
وفي مسند أحمد : 3 / 17 : « لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي ، أجلى أقنى يملأ الأرض عدلاً ، كما ملئت قبله ظلماً » .
4 - أهل البيت عليهم السلام أمان الأمة وسفينة النجاة من الفتن
تواترعند الجميع حديث وصية النبي صلى الله عليه وآله بالقرآن والعترة ، ووصف أهل بيته عليهم السلام بأنهم
--------------------------- 106 ---------------------------
سفينة نجاة أمته من الفتن والضلال ، فقال : « مَثَلُ أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق » !
قال الصدوق رحمه الله في الإعتقادات / 94 : « واعتقادنا فيهم عليهم السلام : أنهم أولوا الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم ، وأنهم الشهداء على الناس ، وأنهم أبواب الله ، والسبيل إليه ، والأدلاء عليه ، وأنهم عيبة علمه ، وتراجمة وحيه ، وأركان توحيده ، وأنهم معصومون من الخطأ والزلل ، وأنهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، وأن لهم المعجزات والدلائل ، وأنهم أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، وأن مثلهم في هذه الأمة كسفينة نوح أو كباب حطة ، وأنهم عباد الله المكرمون ، الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون » .
وفي الخصال / 573 : « يا علي ، مثلك في أمتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق » . وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 30 : « ومن تخلف عنها زج في النار » .
وفي كفاية الأثر / 29 ، عن أبي سعيد الخدري قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء . قيل : يا رسول الله فالأئمة بعدك من أهل بيتك ؟ قال : نعم الأئمة بعدي اثنا عشر ، تسعة من صلب الحسين أمناء معصومون ، ومنا مهدي هذه الأئمة ، ألا إنهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي . ما بال أقوام يؤذونني فيهم ! لا أنالهم الله شفاعتي » .
وروى الجميع أن أبا ذر رحمه الله كان يأخذ بحلقة الكعبة ويخطب بالمسلمين هذه الخطبة . . ففي الطبراني الكبير : 3 / 46 : « عن حنش بن المعتمر قال : رأيت أبا ذر الغفاري أخذ بعضادتي باب الكعبة وهو يقول : من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله قال : مَثَلُ أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها هلك ، ومثل باب حطة في بني إسرائيل » .
والطبراني الأوسط : 4 / 9 ، و : 5 / 306 ، والصغير : 1 / 139 و : 2 / 22 ، ومجمع الزوائد : 9 / 168 ، وشواهد التنزيل : 1 / 360 ، وتاريخ بغداد : 12 / 90 ، وإكمال الخطيب / 59 ، وصححه . وقال الصالحي في سبل الهدى : 11 / 11 : قواه السخاوي .
--------------------------- 107 ---------------------------
وقد بحث السيد الميلاني في نفحات الأزهار : 1 / 60 ، طرقه وأثبت صحته عند علمائهم على اختلاف مذاهبهم ، وأثبت أن تضعيفه مكابرة بدون حجة !
وقال الشيخ الصافي في أمان الأمة من الاختلاف / 171 : « روى أحاديث الأمان بطرق كثيرة وألفاظ متقاربة جمع كثير من أعلام أهل السنة عن أمير المؤمنين عليه السلام وأنس وأبي سعيد الخدري وجابر وأبي موسى وابن عباس وسلمة بن الأكوع . . . قال ابن حجر : الآية السابعة « من الآيات الواردة في أهل البيت عليهم السلام » قوله تعالى : وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ، أشار صلى الله عليه وآله إلى أنه وجد ذلك المعنى في أهل بيته عليهم السلام وأنهم أمان لأهل الأرض كما كان هو صلى الله عليه وآله أماناً لهم ، وفي ذلك أحاديث كثيرة » .
لكن تعال انظر إلى الفخر الرازي كيف تحايل على الحديث ليفرغه من معناه !
قال في تفسيره : 27 / 167 : « والحاصل أن هذه الآية « آية المودة » تدل على وجوب حب آل رسول الله صلى الله عليه وآله وحب أصحابه ! وهذا المنصب لا يسلم إلا على قول أصحابنا أهل السنة والجماعة الذين جمعوا بين حب العترة والصحابة . وسمعت بعض المذكرين قال إنه صلى الله عليه وآله قال : مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ، وقال : صلى الله عليه وآله أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم . ونحن الآن في بحر التكليف ، وتضربنا أمواج الشبهات والشهوات وراكب البحريحتاج إلى أمرين : أحدهما ، السفينة الخالية عن العيوب والثقب . والثاني ، الكواكب الظاهرة الطالعة النيرة ، فإذا ركب تلك السفينة ووقع نظره على تلك الكواكب الظاهرة ، كان رجاء السلامة غالباً ، فكذلك ركب أصحابنا أهل السنة سفينة حب آل محمد ، ووضعوا أبصارهم على نجوم الصحابة ، فرجوا من الله تعالى أن يفوزوا بالسلامة والسعادة في الدنيا والآخرة » .
ونلاحظ أنه جعل سند حديث أهل بيتي كسفينة نوح ، قولَ واعظٍ مُذَكِّر ، مع أنه حديث صحيح عندهم !
وجعل أصحابي كالنجوم حديثاً نبوياً صحيحاً مع أن كبارعلمائهم حكموا بأنه موضوع !
فهو يعرف أن حديث السفينة صحيح ، وحديث أصحابي كالنجوم ، مكذوبٌ ! لكنه ارتكب التعصب والتزوير !
--------------------------- 108 ---------------------------
قال ابن حزم في الاحكام : 6 / 810 : « وأما الرواية : أصحابي كالنجوم فرواية ساقطة . . . وسلام بن سليمان يروي الأحاديث الموضوعة ، وهذا منها بلا شك » . وفي تحفة الأحوذي : 10 / 125 : « قال أبو بكر البزار : هذا الكلام لم يصح عن النبي صلى الله عليه وآله » . والرازي يعرف ذلك ، لكنه لتعصبه جعل أهل البيت عليهم السلام سفينةً لا تهدي الراكب فيها ! وجعل الصحابة نجوماً تهدي ركاب السفينة !
5 - اختلاف الروايات في عدد الفتن في هذه الأمة
اختلفت الأقوال في عدد الفتن الموعودة في هذه الأمة ، لكن ذلك لا يضرُّ ببحثنا الذي هو معرفة الفتنة الأخيرة المتصلة بظهور الإمام المهدي عليه السلام .
عدَّتها بعض النصوص ثلاث فتن
في تاريخ ابن معين : 1 / 317 ، عن أبي هريرة ، قال النبي صلى الله عليه وآله : « أتتكم الدهيماء ترمي بالنشف ، والثانية ترمى بالرضف ، والثالثة سوداء مظلمة إلى يوم القيامة قتلاها قتلى الجاهلية » .
وقال ابن حماد : 1 / 234 : عن كعب قال : « ثلاث فتن تكون بالشام : فتنة إهراقة الدماء وفتنة قطع الأرحام ونهب الأموال ، ثم يليها فتنة المغرب وهي العمياء » .
وفيه : 1 / 57 : « عن كعب قال : تكون فتن ثلاث كأمسكم أنه الذاهب : فتنة تكون بالشام ، ثم الشرقية هلاك الملوك ، ثم تتبعها الغربية وذكر الرايات الصفر . قال والغربية هي العمياء » . كأمسكم الذاهب : أي حتمية كأمسكم الذي حدث وتحقق . والرضَف : الحجارة المحماة ، فكأن الذي تصيبه يجلس عليها . والنشَف : البلل فكأن الذي تصيبه مبلل الثياب . وأكثر الروايات قدمت فتنة النشف على الرضف وطبقوها على قتل عثمان . ومقصود الراوي بالفتنة الغربية والرايات الصفر التي رواها عن كعب : حركة الفاطميين ، لأنهم أقبلوا من مغرب العالم الإسلامي إلى مصر وغيرها . وهذا يوجب الشك في أن الرواية مكذوبة على كعب ضد حركة الفاطميين التي يسميها أعداؤها : فتنة المغرب ، وكانت راياتهم صفراء كراية الأنصار ، وفي رواية القرطبي أن رايات الإمام المهدي عليه السلام فيها رايات صفر ، وفسرها بعض إخواننا براية المقاومة في لبنان .
--------------------------- 109 ---------------------------
وأنت تلاحظ أن هذه النصوص ليست أحاديث ، بل أقوال لكعب وأبي هريرة وحذيفة ، ومن هو دونهم ، فقد كان المسلمون يهتمون بأي كلام للصحابة في الفتن ، خاصة كلام حذيفة لأنه موضع سر النبي صلى الله عليه وآله ويعرف أسماء المنافقين وأخبار الفتن . بل لعل الرواية كانت لأبي هريرة ونسبوها إلى حذيفة !
ولا قيمة علمية لهذه الأقوال مضافاً إلى توظيفها لفتن ذلك العصر ، كما رأيت من أبي موسى الأشعري .
ويوضح ما قلناه ما رواه في تاريخ دمشق « 39 / 478 » « عن زيد بن وهب قال . . فدخلنا على أبي موسى وهو أمير الكوفة فكان قوله نهياً عن الفتنة والأمر بالجلوس في البيوت ، فخرجنا فأتينا منزل حذيفة فلم نجده ، فأتينا المسجد فوجدناه مسنداً ظهره إلى سارية ، ومعه رجل فقلت : إني أظن أن له حاجة فجلسنا دونهما ، فجاء رجل فجلس إليهما فقمنا فجلسنا إليه وهو عاض على إبهامه ، وهو يقول : أتتكم ترمى بالنشف ، ثم يليها أخرى ترمى بالرضف ، ثم المظلمة التي يصبح المرء فيها مهتدياً ويمسي ضالاً ، ويمسي مهتدياً ويصبح ضالاً ، والعاقل حيران بين ذلك لا يدري أضل أم اهتدى ؟ ألا إن لها دفعات ومثاعب ، فإن استطعت أن تموت أو تكون في وقفاتها فافعل ! فقال الرجل الذي جلس إليه : جزاكم الله أصحاب محمد شراً ، فوالله لقد لبَّستم علينا ، حتى ما ندري أنقعد أم نقوم ، فهلا نهيت الناس يوم الجرعة « لما اعترض أهل الكوفة على عثمان » قال : قد نهيت عنها نفسي وابن الخضرامة ، ولو لم أنهه لكان من القائمين فيها والقائلين » .
ويقصد الراوي : بالفتنة الأولى التي ترمى بالنشف فتنة قتل عثمان ، والتي ترمي بالرضف فتنة الحروب على علي عليه السلام ، والثالثة التي لها دفعات ومثاعب أي ميازيب تصب فيها : فتنة بني أمية .
وغرضه أن يثبت أن حذيفة رحمه الله كان ضد قتل عثمان وضد حروب علي عليه السلام ! مع أن حذيفة رحمه الله كان والياً لعثمان على المدائن ، وعندما وصل اليه خبر بيعة علي عليه السلام فرح بذلك وكان مريضاً ، فقال : إحملوني إلى المنبر وخطب مبيناً حق علي عليه السلام بالخلافة بوصية النبي صلى الله عليه وآله وأعلن بيعته له وأمر المسلمين أن يبايعوه ، وأوصى ولديه أن يكونا معه ويحرصا على الشهادة بين يديه ، وقد عملا بوصيته واستشهدا مع علي عليه السلام في صفين .
--------------------------- 110 ---------------------------
ومات حذيفة رحمه الله بعد أيام في المدائن ، بينما زعمت الرواية أنه كان في الكوفة ، وهذا دليل على الوضع !
وروى ابن حماد : 1 / 53 : « عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تكون فتنة ثم تكون جماعة ، ثم فتنة ثم تكون جماعة ، ثم فتنة تعوج فيها عقول الرجال » .
وقصده بالفتنة الأولى : قتل عثمان ، وبالثانية : حروبهم على علي عليه السلام ، وبالثالثة فتنة بني أمية ! وهذا يتفق مع عقيدة الخوارج .
وبعض النصوص عدَّتها أربعاً
ففي فتن ابن حماد : 1 / 54 ، عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « تكون أربع فتن : الأولى يستحل فيها الدم ، والثانية يستحل فيها الدم والمال ، والثالثة يستحل فيها الدم والمال والفروج ، والرابعة الدجال » .
ورواه الطبراني الكبير : 18 / 180 ، بنحوه وليس فيه : والرابعة الدجال ، مما يشير إلى أصابع كعب ! والأوسط : 8 / 109 و : 9 / 55 ، وحلية الأولياء : 6 / 23 ، وجامع الجوامع : 1 / 481 وجامع المسانيد : 9 / 434 والزوائد : 7 / 308 ، عن الطبراني وضعفه بابن لهيعة ، مع أن عدداً منهم وثقه .
وروى ابن حماد : 1 / 57 ، عن حذيفة : « الفتن ثلاث تسوقهم الرابعة إلى الدجال : التي ترمي بالرضف ، والتي ترمي بالنشف ، والسوداء المظلمة والتي تموج موج البحر » .
وفي ابن حماد : 1 / 53 : عن عبد الله قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تكون في أمتي أربع فتن : يكون في الرابعة الفناء . . . في الإسلام أربع فتن تسلمهم الرابعة إلى الدجال » .
وفي ابن حماد : 1 / 67 : عن أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « تأتيكم من بعدي أربع فتن ، فالرابعة منها الصماء العمياء المطبقة تعرك الأمة فيها بالبلاء عرك الأديم ، حتى ينكر فيها المعروف ويعرف فيها المنكر ، تموت فيها قلوبهم كما تموت أبدانهم » .
وفي : 1 / 55 : « قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أربع فتن تكون بعدي ، الأولى تسفك فيها الدماء ، والثانية يستحل فيها الدماء والأموال ، والثالثة يستحل فيها الدماء والأموال والفروج والرابعة عمياء صماء تعرك فيها أمتي عرك الأديم » .
--------------------------- 111 ---------------------------
وفي : 1 / 56 : « والرابعة صماء عمياء مطبقة ، تمور مورالموج في البحر ، حتى لا يجد أحد من الناس منها ملجأ . تطيف بالشام وتغشى العراق وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها ، وتعرك به الأمة فيها بالبلاء عرك الأديم ، ثم لا يستطيع أحد من الناس يقول فيها مه مه . ثم لا يرفعونها من ناحية إلا انفتقت من ناحية أخرى . . .
ثم قال ابن حماد : قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله تعالى : قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ . قال : أربع فتن تأتي : الفتنة الأولى : يستحل فيها الدماء ، والثانية : تستحل فيها الدماء والأموال ، والثالثة : تستحل فيها الدماء والأموال والفروج . والرابعة : عمياء مظلمة تمور مَوْرَ البحر ، تنتشر حتى لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته . .
عن أرطاة بن المنذر قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : تكون في أمتي أربع فتن ، يصيب أمتي في آخرها فتن مترادفة ، فالأولى : تصيبهم فيها بلاء حتى يقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف . والثانية : حتى يقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف ، والثالثة : كلما قيل انقضت تمادت . والفتنة الرابعة : تصيرون فيها إلى الكفر ، إذا كانت الأمة مع هذا مرة ، ومع هذا مرة بلا إمام ولا جماعة ، ثم المسيح ، ثم طلوع الشمس من مغربها . ودون الساعة اثنان وسبعون دجالاً ، منهم من لايتبعه إلا رجل واحد » .
أقول : هذه « الأحاديث » ليست إلا خيالات وأمنيات من كعب وأمثاله بقرب انتهاء هذه الأمة بخروج الدجال ملك اليهود ! وقد صيرها الحمقى أحاديث نبوية ! ويشهد على كذبها أن الدجال الذي وعدت به عند فتح القسطنطينية لم يخرج ! ويشهد أيضاً ما رواه ابن حماد نفسه : 1 / 57 : « عن عمير بن هانئ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : فتنة الأحلاس فيها حرب وهرب ، وفتنة السراء يخرج دخنها من تحت قدمي رجل يزعم أنه مني وليس مني ، إنما أوليائي المتقون « يقصد علياً عليه السلام » ! ثم يصطلح الناس على رجل « يقصد معاوية » . ثم تكون فتنة الدهيماء ، كلما قيل انقطعت تمادت حتى لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ، يقاتل فيها لا يدرى على حق يقاتل أم على باطل « يقصد فتنة ابن الزبير وغيره » فلا يزالون كذلك حتى يصيروا إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه ، فإذا هما اجتمعا فأَبْصِرِ الدجال اليوم أو غداً » .
--------------------------- 112 ---------------------------
وغرضهم أن حرب علي عليه السلام للبغاة الخارجين عليه « فتنة » يتحمل هو مسؤوليتها وإن النبي صلى الله عليه وآله تبرأ منه ! فكان الواجب عليه برأيهم أن يسكت على الخارجين عليه حتى يأخذوا البلاد وينتصروا عليه ! أما أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية ، فالخارج عليهم كافر باغ شاق لعصا المسلمين ، ويجب عليهم وعلى المسلمين أن يقاتلوه ، ليمنعوا الفساد في الأمة ! وقد أكثروا من رواية هذه العبارة المحببة إلى قلوبهم : « فتنة السراء دَخْلها أو دُخْنُها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني » . فرواه أحمد : 2 / 133 ، عن عبد الله بن عمر ولفظه : « كنا عند رسول الله قعوداً فذكر الفتن فأكثر ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس ، فقال قائل : يا رسول الله وما فتنة الأحلاس ؟ قال : هي فتنة هرب وحرب ، ثم فتنة السراء دخلها أو دُخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي ، يزعم أنه مني وليس مني إنما وليي المتقون ، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضَلَع « عَرَج » ثم فتنة الدهيماء ، لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة ، فإذا قيل انقطعت تمادت ، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ، حتى يصير الناس إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه وإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من اليوم أو غد » .
وأبو داود : 2 / 299 ، والحاكم : 4 / 466 وصححه ، وحلية الأولياء : 5 / 158 ، ومسند الشاميين : 3 / 401 وعلل الحديث لابن أبي حاتم : 2 / 417 والدر المنثور : 6 / 56 . وفي معالم السنن : 4 / 336 : أضيفت الفتنة إلى الأحلاس لدوامها وطول لبثها ، يقال للرجل إذا كان يلزم بيته لايبرح منه هو حلس بيته ، لأن الحلس يفترش فيبقى على المكان ما دام لا يرفع . . . والحَرَب ذهاب المال والأهل . . والدخن الدخان » .
أقول : وأصل كل هذه الفرية ما رواه بخاري عن عمرو العاص أن النبي صلى الله عليه وآله أعلن براءته من آل أبي طالب !
قال بخاري في صحيحه : 7 / 73 : « عن قيس بن أبي حازم أن عمرو بن العاص قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله جهاراً غير سر يقول : إن آل أبي « قال عمر : وفي كتاب محمد بن جعفر بياض » ليسوا بأوليائي ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين » . وقد حاول ابن القيم في زاد المعاد : 5 / 158 ، أن يُرقِّع كلام بخاري فزعم أن النبي صلى الله عليه وآله يقصد بآل أبي . . . ليسوا لي بأولياء : آل أبيه صلى الله عليه وآله ! لكن ابن حجر « 10 / 352 » اعترف بأن أصل نص بخاري « آل أبي طالب » وحاول أن يرقِّعه من جانب آخر فقال : « وقال الخطابي : الولاية المنفية ولاية القرب والاختصاص ، لا ولاية الدين ،
--------------------------- 113 ---------------------------
ورجح ابن التين الأول وهو الراجح ، فإن من جملة آل أبي طالب علياً وجعفراً ، وهما من أخص الناس بالنبي صلى الله عليه وآله لما لهما من السابقة والقدم في الإسلام ، ونصر الدين . وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث ، لما نسب إلى بعض رواته من النصب ، وهو الانحراف عن علي وآل بيته . . . وأما عمرو بن العاص وإن كان بينه وبين علي ما كان فحاشاه أن يُتَّهم « ! » وللحديث محمل صحيح لا يستلزم نقصاً في مؤمني آل أبي طالب ، وهو أن المراد بالنفي المجموع كما تقدم ، ويحتمل أن يكون المراد بآل أبي طالب أبو طالب نفسه ، وهو إطلاق سائغ » !
فالقضية عند النواصب أن لا تتهم ابن العاص بالكذب بينما تراهم مستبشرين بحديث بخاري ، كأنه إعلان نبوي للبراءة من علي والعترة عليهم السلام ! إنهم يتمنون أن يتراجع النبي عن حديث الثقلين ، وعن فرض الصلاة على آله صلى الله عليه وآله معه ، وعن عشرات الأحاديث في فضلهم ! بل يتمنون أن تنسخ آيات القرآن فيهم !
قال ابن تيمية في منهاجه : 7 / 76 : « كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وآله قال : إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء ، وإنما وليي الله وصالح المؤمنين ، فبيَّنَ أن أولياءه صالح المؤمنين . وكذلك في حديث آخر : إن أوليائي المتقون ، حيث كانوا وأين كانوا » .
وطبَّلَ به في فتاويه : 10 / 543 ، وتفسيره : 2 / 48 ومجموع الفتاوى : 11 / 164 ، و : 27 / 435 , و : 28 / 227 ، و 543 ، وجامع الرسائل / 510 . وطبَّل معه ابن قيم في جلاء الأفهام / 226 ، وابن رجب في جامعه / 347 ، وابن حجر في التغليق : 5 / 86 . لكن الله تعالى كشف كذبهم ، لأن حديثهم نص على خروج الدجال بعد « فتنة علي عليه السلام » بأربعين سنة ! فقد روى ابن حماد في الفتن : 2 / 686 : « عن حذيفة قال : الفتن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أن تقوم الساعة ، أربع فتن : فالأولى خمس « يقصد خلافة علي عليه السلام وكانت خمس سنين » والثانية عشرون ، والثالثة عشرون ، والرابعة الدجال » . ولم يظهر الدجال بعد أربعين سنة من خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، كما زعم الكذابون !
وبعض النصوص عدَّتها خمساً
في علل الحديث لابن أبي حاتم : 2 / 411 : « عن عمارة بن عبيد شيخ من جشعم كبيرقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يذاكرنا خمس فتن ، أعلم أربعة قد مضت ، والخامسة هي فيكم يا أهل الشام ، قال : إن أدركت الخامسة واستطعت أن تقعد في بيتك فافعل ، وإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض فتدخل فيه فافعل » .
--------------------------- 114 ---------------------------
وفي ابن حماد : 1 / 51 : « عن حزن بن عبد عمرو ، قال : دخلنا أرض الروم في غزوة الطوانة ، فنزلنا مرجاً فأخذت أنا برؤوس دواب أصحابي فطولت لها ، فانطلق أصحابي يتعلفون ، فبينا أنا كذلك إذ سمعت : السلام عليك ورحمة الله ، فالتفت فإذا أنا برجل عليه ثياب بياض فقلت : السلام عليك ورحمة الله فقال : أمن أمة أحمد ؟ قلت : نعم ، قال : فاصبروا فإن هذه الأمة أمة مرحومة ، كتب الله عليها خمس فتن وخمس صلوات . قال قلت : سمِّهِنَّ لي . قال أمْسِكْ : إحداهن موت نبيهم واسمها في كتاب الله تعالى بغتة ، ثم قتل عثمان واسمها في كتاب الله الصماء ، ثم فتنة ابن الزبير واسمها في كتاب الله العمياء ، ثم فتنة ابن الأشعث واسمها في كتاب الله البتيراء . ثم تولى وهو يقول : وبقيت الصيلم وبقيت الصيلم ، فلم أدر كيف ذهب » . والطوانة : قرب أنطاكية داخل بلاد الروم ، تراوح حكمها بين المسلمين والروم ، وأصاب المسلمين فيها شدة وهزيمة سنة 88 هجرية . تاريخ ابن عساكر : 26 / 444 .
وابن الأشعث : هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي ، وكان الأشعث رأس المنافقين في عهد علي عليه السلام وتاريخه غدرٌونفاق ، فقد جاء في وفد كندة إلى النبي صلى الله عليه وآله وأعلن إسلامه ، ثم أعلن ارتداده مع بني وليعة فأسره المسلمون وطلب منهم أن يأخذوه إلى أبي بكر ، فأطلقه وأكرمه وزوجه أخته ! ثم ندم أبو بكر لأنه لم يقتله !
فقد روى اليعقوبي : 2 / 137 ، أنه كان يتحسر في مرض وفاته على أشياء يتمنى أنه لم يفعلها منها هجومه على بيت فاطمة الزهراء عليها السلام ، وأشياء ليته فعلها منها قتل الأشعث قال : « فليتني قدمت الأشعث بن قيس تضرب عنقه ، فإنه يخيل إليَّ أنه لا يرى شيئاً من الشر إلا أعان عليه » !
وكان الأشعث أشد عداوةً لأمير المؤمنين عليه السلام من ابن سلول للنبي صلى الله عليه وآله ! قال الإمام الصادق عليه السلام : « إن الأشعث بن قيس شَرِكَ في دم أمير المؤمنين عليه السلام ، وابنته جعدة سمَّت الحسن ، ومحمد ابنه شرك في دم الحسين عليهم السلام » . « الكافي : 8 / 167 » .
وكان الأشعث عميلاً لمعاوية ، وبعد هلاكه صار ولده محمد مكانه رئيس كندة ، ثم ابنه عبد الرحمن ، وكانا مع معاوية ثم مع يزيد . ثم خرج عبد الرحمن على المروانيين في البصرة وجنوب إيران ، وطالت حربه معهم حتى قتله عبد الملك بن مروان . فحركته محدودة في المكان والزمان ، ولا يصح أن تكون فتنة للأمة كلها ، لكن الراوي حرف رواية الخمس فتن وعدَّها الخامسة
--------------------------- 115 ---------------------------
الموعودة ، ثم زعم أن الهاتف كلمه بذلك في مرج الطَّوَّانة .
فهذه النصوص كلها لا قيمة لها ، والنص الوحيد الذي يستحق الاهتمام هنا ، رواه ابن حماد : 1 / 51 ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي قال : « جعل الله في هذه الأمة خمس فتن : فتنة عامة ، ثم فتنة خاصة ، ثم فتنة عامة ، ثم فتنة خاصة ، ثم الفتنة السوداء المظلمة التي يصير الناس كالبهائم ، ثم هدنة ، ثم دعاة إلى الضلالة ، فإن بقي لله يومئذ خليفة فالزمه » . ورواه عبد الرزاق : 11 / 356 ، بلفظ : « جعلت في هذه الأمة خمس فتن : فتنة عامة ، ثم فتنة خاصة ، ثم فتنة عامة ، ثم فتنة خاصة . ثم تأتي الفتنة العمياء الصماء المطبقة التي يصير الناس فيها كالأنعام » . وابن أبي شيبة : 8 / 599 ، والحاكم : 4 / 437 و 504 ، وصححه ، وابن المنادي / 75 . ويصعب تفسير معنى الخاص والعام في هذه الفتن ، وأصعب منه تحديد زمنها .
وبعض النصوص جعلتها سبعاً
في فتن ابن حماد : 1 / 55 : « عبد الله بن مسعود : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله : أحذركم سبع فتن تكون بعدي : فتنة تقبل من المدينة ، وفتنة بمكة ، وفتنة تقبل من اليمن ، وفتنة تقبل من الشام ، وفتنة تقبل من المشرق ، وفتنة من قبل المغرب ، وفتنة من بطن الشام ، وهي فتنة السفياني . قال فقال ابن مسعود : منكم من يدرك أولها ، ومن هذه الأمة من يدرك آخرها . قال الوليد بن عياش : فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة والزبير ، وفتنة مكة فتنة ابن الزبير ، وفتنة اليمن من قبل نجدة ، وفتنة الشام من قبل بني أمية ، وفتنة المشرق من قبل هؤلاء » . وصححه الحاكم : 4 / 468 . والوليد بن عياش أموي الهوى . وقوله من قبل هؤلاء : يقصد العباسيين .
6 - الفتن المتصلة بظهور المهدي عليه السلام
وهي التي تنفع في بحثنا ، ويتضمَّن نصها صراحة أو بقرائن أن زمنها متصل بظهورالإمام المهدي عليه السلام . وأحاديثها كثيرة ، منها ما رواه عبد الرزاق : 11 / 371 ، عن أبي سعيد الخدري قال : « ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم ، فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ،
--------------------------- 116 ---------------------------
يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ، لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلا صبته مدراراً ، ولا تدع الأرض من مائها شيئاً إلا أخرجته ، حتى تتمنى الأحياء الأموات . يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمان أو تسع سنين » .
ورواه ابن حماد : 1 / 358 ، بدون الفقرة الأخيرة عن مدة ملكه عليه السلام . والحاكم : 4 / 465 وصححه ، وتذكرة القرطبي : 2 / 700 ، وشرح المقاصد : 2 / 307 ، أوله كعبد الرزاق ، وقال : فذهب العلماء إلى أنه إمام عادل من ولد فاطمة رضي الله عنها يخلقه الله تعالى متى شاء ويبعثه نصرة لدينه . والدر المنثور : 6 / 58 ، وابن حجر / 63 في الصواعق .
وهذا الحديث من أوضح أحاديث الفتن ، وهو ينص على أن الفتنة الأخيرة تَعُمُّ المسلمين وتمتدُّ حتى يظهر المهدي عليه السلام ، وفيه دلالات على المسار العام للأمة .
يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل
روى أحمد : 3 / 37 : « عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ، يقسم المال صحاحاً . فقال له رجل : ما صحاحاً ؟ قال بالسوية بين الناس ، قال : ويملأ الله قلوب أمة محمد غنى ، ويسعهم عدله حتى يأمر منادياً فينادي فيقول : من له من مال حاجة ؟ فما يقوم من الناس إلا رجل فيقول : إئت السدان يعني الخازن فقل له إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً ، فيقول له : أحثُ ، حتى إذا جعله في حجره وأحرزه ندم ، فيقول : كنت أجشع أمة محمد نفساً ، أوَ عجز عني ما وسعهم ! قال : فيرده فلا يقبل منه ، فيقال له : إنا لا نأخذ شيئاً أعطيناه ، فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين ، ثم لاخير في العيش بعده ، أو قال ثم لاخير في الحياة بعده » .
والمقصود بالزلازل : الاجتماعية منها ، بقرينة ذكرها بعد اختلاف الناس . وصحاحاً : أي كاملة . وأحْثُ : أي خذ منه بغير عد . والجشع : الحرص والنهم . ورواه أحمد بنحوه : 3 / 52 ، وملاحم ابن المنادي / 42 ، بتفاوت يسير . ومجمع الزوائد : 7 / 313 ، وقال : رواه الترمذي وغيره باختصار كثير ، ورواه أحمد بأسانيد ، وأبو يعلي باختصار كثير ورجالهما ثقات . والدر المنثور : 6 / 57 ، عن رواية أحمد الأولى ، وصواعق ابن حجر / 166 ، كرواية أحمد الثانية ، وعن الماوردي . إلى آخر المصادر .
--------------------------- 117 ---------------------------
ورواه من مصادرنا : دلائل الإمامة / 249 : « عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أبشروا بالمهدي ، فإنه يأتي في آخر الزمان على شدة وزلازل ، يسع الله له الأرض عدلاً وقسطاً » . وفي / 252 ، بنحو حديث أحمد .
وغيبة الطوسي / 111 ، عن أبي سعيد ، أوله كرواية أحمد الأولى إلى قوله : وساكن الأرض . ثم روى بالسند المتقدم : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « أبشروا بالمهدي ، قالها ثلاثاً ، يخرج على حين اختلاف من الناس وزلزال شديد ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، يملأ قلوب عباده غنى ويسعهم عدله » .
ويظهر من رواية الطوسي ، أن رواة الحكومة زادوا في رواية أبي سعيد ، وهذا هو دأبهم !
يكون على تظاهرالعمر وانقطاع من الزمان
روى أبو يعلى : 2 / 356 ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « يكون في آخر الزمان على تظاهر العمر وانقطاع من الزمان إمام يكون أعطى الناس ، يجيئه الرجل فيحثو له في حجره يهمه من يقبل عنه صدقة ذلك المال ما بينه وبين أهله ، لما يصيب الناس من الخير » .
ومسند ابن الجعد : 2 / 795 وفي الحاوي : 2 / 63 : أخرج أبو يعلى ، وابن عساكر ، عن أبي سعيد . وجمع الجوامع : 1 / 1012 ، عن حلية الأولياء ، وابن عساكر ، عن أبي سعيد .
وفي ابن حماد : 1 / 361 ، عن أبي سعيد الخدري ، قال النبي صلى الله عليه وآله : « يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن ، يكون عطاؤه حَثْياً يقال له السفاح » .
وحثياً : مقداراً كثيراً دون عد ، أو يقول للآخذ : أُحْثُ ، أي إحمل مقداراً كما في بعض الأحاديث ، وفي بعض الروايات : حسياً بالسين وهو قريب منه . والسفاح : سفاك دماء أعدائه . وقد ورد اسم السفاح صفة للمهدي عليه السلام في أحاديث من طرق الفريقين ، لكن قد يكون من إضافة رواة العباسيين لينطبق على سفاحهم ، فقد رواه عدد من المصادر بدونها ، كابن أبي شيبة : 8 / 678 . . الخ .
إذا كثرت الشرط ، وملكت الإماء
الطبراني الكبير : 18 / 51 : « عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كيف أنت يا عوف
--------------------------- 118 ---------------------------
إذا افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة وسائرهن في النار ! قلت : ومتى ذلك يا رسول الله ؟ قال : إذا كثرت الشرط ، وملكت الإماء ، وقعدت الحملان على المنابر ، واتخذ القرآن مزامير ، وزخرفت المساجد ، ورفعت المنابر ، واتخذ الفئ دولاً ، والزكاة مغرماً ، والأمانة مغنماً ، وتفقه في الدين لغير الله ، وأطاع الرجل امرأته ، وعق أمه وأقصى أباه ، ولعن آخر هذه الأمة أولها ، وساد القبيلة فاسقهم ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الرجل اتقاء شره . فيومئذ يكون ذلك ، ويفزع الناس يومئذ إلى الشام يعصمهم من عدوهم ، قلت : وهل يفتح الشام ؟ قال : نعم وشيكاً ، ثم تقع الفتن بعد فتحها ، ثم تجئ فتنة غبراء مظلمة ، ثم يتبع الفتن بعضها بعضها حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي ، فإن أدركته فاتبعه وكن من المهتدين » . ومجمع الزوائد : 7 / 323 ، ووثقه على مبنى ابن حبان .
ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت !
ابن حماد : 1 / 57 : « عن أبي سعيد الخدري : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ستكون بعدي فتن : منها فتنة الأحلاس يكون فيها حرب وهرب ، ثم بعدها فتن أشد منها ، ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت ، حتى لا يبقى بيت إلا دخلته ولا مسلم إلا صكته ، حتى يخرج رجل من عترتي » . ورواه في المعجم الأوسط : 5 / 338 : « ستكون فتنة لايهدأ منها جانب إلاجاش منها جانب ، حتى ينادي مناد من السماء إن أميركم فلان » .
أقول : يتعجب الإنسان من رواية طلحة بن عبيد الله حديث النداء باسم المهدي عليه السلام مع أن المهدي عليه السلام من ولد علي وفاطمة عليها السلام ، وموقف طلحة من العترة معروف ! لكن يزول العجب عندما نعرف أن بني تيم كانوا يعملون للوصول إلى الخلافة بعد أبي بكر ، وما زالت رواية عائشة في صحيح مسلم : « قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه : ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً ، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل أنا أولى » ! « صحيح مسلم : 7 / 110 » .
ثم تنازلت عائشة عن النص النبوي بالخلافة لأبيها وأخيها ، وأرادتها لابن عمها طلحة فلم تنجح . ثم ادعى أنصارها أن ابنه موسى بن طلحة هو المهدي الموعود ! فحديث طلحة يقع في هذا السياق !
--------------------------- 119 ---------------------------
شرُّ الفتن كلها تكون قبل ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف !
سنن الداني / 161 ، أن الحكم بن عتيبة سأل الإمام الباقر عليه السلام : « سمعنا أنه سيخرج منكم رجل يعدل في هذه الأمة ؟ فقال : إنا نرجو ما يرجو الناس ، وإنا نرجو لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد سيطول ذلك اليوم حتى يكون ما ترجو هذه الأمة . وقبل ذلك فتنة شر فتنة ، يُمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً ، ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً ! فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله ، وليحرز دينه وليكن من أحلاس بيته » .
7 - فتنة كنز الكعبة وجبل الذهب في مجرى الفرات
روت مصادر السنيين أحاديث عديدة صحيحة ، عن نزاع يقع بين فئتين أو أكثر على كنز مدفون في بئر تحت الكعبة ، وأنه يكون على أثره ظهور المهدي عليه السلام .
كما رووا عن نزاع يقع على جبل من ذهب ينحسرعنه مجرى الفرات ، وقتال عليه بين فئات ولا يصلون اليه ، ويكون على أثره ظهور المهدي عليه السلام . ولم ترد في هذا رواية في مصادرنا .
وقد اختلطت أحاديث كنز الكعبة وكنز الفرات عند بعضهم . روى ابن ماجة : 2 / 1367 ، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ، ثم لا يصير إلى واحد منهم ، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم ، ثم ذكر شيئاً لا أحفظه فقال : فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله المهدي » . وفي هامشه : « وفي الزوائد : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات ، ورواه الحاكم في المستدرك « 4 / 463 » وقال : صحيح على شرط الشيخين . والروياني في مسنده / 123 ، عن ثوبان . وابن المنادي في الملاحم / 44 ، والبيهقي في دلائل النبوة : 6 / 515 ، والشافعي في البيان / 489 ، وصححه .
وقال الشافعي / 520 : حديث حسن المتن ، وقع إلينا عالياً من هذا الوجه بحمد الله وحسن توفيقه ، وفيه دليل على شرف المهدي عليه السلام بكونه خليفة الله في الأرض على لسان أصدق ولد آدم .
وقال السقاف في تناقضات الألباني : 1 / 43 : « ضعفه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح : 3 / 1495 برقم 5429 فقال : بسند ضعيف . ثم وجدنا أنه تناقض حيث صححه في صحيحته : 2 / 415 ، حديث رقم 772 . ! ! انتهى .
--------------------------- 120 ---------------------------
ورواه ابن كثير في الفتن : 1 / 42 ، عن ابن ماجة وقال : « تفرد به ابن ماجة ، وهذا إسناد قوي صحيح ، والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة يقتتل عنده ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء ، حتى يكون آخر الزمان ، فيخرج المهدي ويكون ظهوره من بلاد المشرق ، لا من سرداب سامراء كما يزعمه جهلة الرافضة » .
ملاحظات
1 - المتواتر عند الفريقين أن المهدي عليه السلام يظهر من مكة ، ولا بد أن يكون المقصود بظهوره من المشرق أن أمره يبدأ من المشرق كما ف ي روايتنا ، وذلك على يد أصحابه الممهدين الخراسانيين . وما ذكره ابن كثيرعن ظهوره من سرداب سامراء لم يَدَّعِهِ جَهَلة الشيعة فضلاً عن علمائهم ، فهو من نبز خصومهم وافترائهم !
2 - ادعى الوهابيون المهدية لشخص من مدينة بريدة في نجد ، اسمه محمد بن عبد الله ، وأيد ذلك وباركه إمامهم ابن باز ، وأرسلوه إلى الشيشان لينطبق عليه أنه خرج من المشرق ، وأعرضوا عن الأحاديث الصحيحة التي تنص على خروجه من مكة ، وفسروا رايات خراسان التي تأتي لنصرته برايات الطالبان . وهذا غاية التعصب والإعراض عن الأحاديث الصحيحة عندهم !
3 - مما يتناقله أهل مكة أنه يوجد كنز للكعبة مدفون تحتها ، وقد روت كتب التاريخ والسيرة والحديث حوله روايات كثيرة ، ولا نعرف مدى صحة ذلك .
راجع : تاريخ الطبري : 2 / 36 ، وابن هشام : 1 / 124 ، وسبل الهدى للصالحي : 10 / 190
وحديث كنز الكعبة خارج عن موضوعنا لأنه لاربط له صريحاً بالإمام المهدي عليه السلام ، كما لا يصح الأخذ به لأنه يوافق مزاعم كعب بأن الكعبة ستهدم !
أما حديث كنز الفرات وجبل الذهب فيه ، فرواه عبد الرزاق : 11 / 382 ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « يحسر الفرات عن جبل من ذهب ، فيقتتل الناس عليه ، فيقتل من كل مئة تسعون ، أو قال : تسعة وتسعون ، كلهم يرى أنه ينجو » . وفي ابن حماد : 1 / 57 ، عن عبد الله بن زرير الغافقي : سمعت علياً رضي الله عنه يقول : « الفتن أربع : فتنة السراء ، وفتنة الضراء ، وفتنة كذا ، فذكر معدن الذهب ، ثم يخرج رجل من عترة النبي يصلح الله على يديه أمرهم » .
--------------------------- 121 ---------------------------
ورواه السلمي في عقد الدرر / 57 ، عن ابن حماد ، والحاوي : 2 / 67 ، وصححه بشرط مسلم . ومثله جمع الجوامع : 2 / 30 . ونحوه ابن حماد : 1 / 239 ، وفيه : من ذهب وفضة ، فيقتل عليه من كل تسعة سبعة ، فإن أدركتموه فلا تقربوه . وفي رواية : تدوم الفتنة الرابعة اثنا عشر عاماً ، تنجلي حين تنجلي وقد أحسرت الفرات عن جبل من ذهب ، فيقتل عليه من كل تسعة سبعة . وفي رواية : الفتنة الرابعة ثمانية عشر عاماً ، ثم تنجلي حين تنجلي وقد انحسر . . . تكب عليه الأمة فيقتل علىه من كل تسعة سبعة . وأحمد : 2 / 261 .
وفي أحمد : 5 / 139 ، عن عبد الله بن الحرث قال : « وقفت أنا وأبي بن كعب في ظل أَجَمٍ حِسَان فقال لي أبي : ألا ترى الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا ؟ قال قلت : بلى ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب فإذا سمع به الناس ساروا إليه ، فيقول من عنده : والله لئن تركنا الناس يأخذون فيه ليذهبن ، فيقتتل الناس حتى يقتل من كل مائة تسعة وتسعون ! وقال : وهذا اللفظ حديث أبي عن عفان » .
ورواه بخاري : 9 / 73 ، كرواية أحمد ، وفيه : عن كنز من ذهب ، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً . والحميدي : 3 / 98 ، عن أبي هريرة وفيه : « لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب ، يقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون » .
وروى ابن حماد : 1 / 239 ، عن كعب قال : « يكون ناحية الفرات في ناحية الشام أو بعدها بقليل مجتمع عظيم فيقتتلون على الأموال ، فيقتل من كل تسعة سبعة ، وذاك بعد الهدة والواهية في شهر رمضان ، وبعد افتراق ثلاث رايات يطلب كل واحد منهم الملك لنفسه فيهم رجل اسمه عبد الله » . انتهى .
أقول : وقت الصراع على كنز الفرات بقول كعب ، بعد النداء السماوي . لكن لا يمكننا الأخذ بأحاديث الصراع على كنز الفرات ، لأنه لم يثبت بنص صحيح عن أهل البيت عليهم السلام .
والحديث اليتيم في مصادرنا حول كنز الكعبة ، ما رواه الحميري في قرب الإسناد / 82 : عن الإمام الباقرعن آبائه عليهم السلام : « أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : تاركوا الحبشة ما تاركوكم ، فوالذي نفسي بيده لايستخرج كنزالكعبة إلا ذو السويقتين » .
ولا يمكن الأخذ به على قواعدنا لأنه موافق لما روته رواة السلطة . وقد رواه أحمد : 5 / 371 ، عن أبي أمامة عن رجل ، قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : اتركوا الحبشة ما تركوكم ، فإنه لايستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة » .
والنسائي : 9 / 176 ، وأبو داود : 2 / 316 ، والمستدرك : 4 / 453 وصححه .
--------------------------- 122 ---------------------------
8 - الفتنة التي تكون بعد موت الخامس من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله
روى ابن حماد : 1 / 117 ، حديثاً عجيباً ، لا يتم معناه إلا على مذهبنا ، قال : « حدثنا ابن أبي هريرة عن أبيه ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا مات الخامس من أهل بيتي فالهرج الهرج ، حتى يموت السابع ، ثم كذلك حتى يقوم المهدي . قال بلغني عن شريك أنه قال : هو ابن العَفَر ، يعني هارون وكان الخامس . ونحن نقول هو السابع ، والله أعلم » .
ورواه السيوطي في الحاوي : 2 / 83 ، وفيه : حتى يموت السابع قالوا : وما الهرج ؟ قال : القتل كذلك . وكنز العمال : 11 / 247 ، وفيه : حتى يموت السابع ، قالوا : وما الهرج ؟ قال : الفتن ، كذلك حتى يقوم المهدي » . انتهى .
أقول : طبَّق ابن حماد كثرة القتل بعد الخامس إلى أن يموت السابع ، على ملوك بني عباس ، فاعتبر السابع الرشيد المتوفى قبل المئتين ، ولذلك استبشر بقرب ظهور المهدي عليه السلام ! وقد توفي ابن حماد سنة 227 .
ولا يصح به معنى الحديث ، لأنه إن كان المقصود أنه لا يحكم من بني العباس أكثر من سبعة ، فقد حكم أكثر ، وإن أراد أن المهدي عليه السلام يظهر بعد السابع ، فلم يظهر !
كما لا يصح من جهة أخرى ، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال : « مات الخامس من أهل بيتي » وبنو العباس ليسوا من أهل بيته ، فقد حددهم صلى الله عليه وآله بعلي وفاطمة والحسنين والأئمة من ذريتهما عليهم السلام . وقد روى أحمد : 4 / 107 : « اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق » . وروى في : 6 / 323 : « قال لفاطمة إئتيني بزوجك وابنيك فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساء فدكياً ، قال : ثم وضع يده عليهم ثم قال : اللهم إن هؤلاء آل محمد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد . قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال إنك على خير » . انتهى .
وعليه فلا بد أن يكون في الحديث سقطاً ، لأنه لا يصح إلا بالخامس والسابع من الأئمة الربانيين الاثني عشر من عترته عليهم السلام ، الذين بشر بهم ، وأولهم علي وخاتمهم المهدي عليهم السلام . فالحديث محرفٌ عن أحاديث مصادرنا الآتية .
--------------------------- 123 ---------------------------
9 - الفتنة في العقيدة بعد فقدان الخامس من ولد السابع
روى الخزاز كفاية الأثر / 156 ، عن محمد بن الحنفية قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ، في حديث طويل في فضل أهل البيت عليهم السلام : وسيكون بعدي فتنة صمَّاء صيْلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة ، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك ، يحزن لفقده أهل الأرض والسماء ، فكم مؤمن ومؤمنة متأسف متلهف حيران عند فقده ! ثم أطرق ملياً ثم رفع رأسه ، وقال : بأبي وأمي سميي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران عليه جيوب النور « أو قال جلابيب النور » تتوقد من شعاع القدس !
كأني بهم آيس ما كانوا ثمَّ نودي بنداء يسمع من البعد كما يسمع من القرب ، يكون رحمة على المؤمنين وعذاباً على المنافقين . قلت : وما ذلك النداء ؟ قال : ثلاثة أصوات في رجب أولها : ألا لعنة الله على الظالمين ، والثاني : أزفت الأزفة ، والثالث : ترون بدرياً بارزاً مع قرن الشمس ، ينادي : ألا إن الله قد بعث فلان بن فلان حتى ينسبه إلى علي عليه السلام ، فيه هلاك الظالمين ، فعند ذلك يأتي الفرج ويشفي الله صدورهم ويذهب غيظ قلوبهم . قلت : يا رسول الله ، فكم يكون بعدي من الأئمة ؟ قال : بعد الحسين تسعة والتاسع قائمهم » .
ومعنى الحديث : أن الناس سيفقدون الإمام الخامس بعد السابع من عترة النبي صلى الله عليه وآله ، وهو الإمام المهدي بن الحسن العسكري عليه السلام ، ويبتلى المؤمنون بفتنة غيبة إمامهم عليه السلام ، ويسقط في الفتنة من لا بصيرة له في دينه ، ولا يثبت على القول بولادته وغيابه إلا القليل ، المتلهفون لفقده المؤمنون به مهما طال الزمان .
لاحظ قوله صلى الله عليه وآله : « وسيكون بعدي فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة ، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك ، يحزن لفقده أهل الأرض والسماء ، فكم مؤمن ومؤمنة متأسف متلهف حيران عند فقده » .
وروت مصادرنا أحاديث أخرى صحيحةً بمعناه ، منها ما رواه الخزار رحمه الله في كفاية الأثر / 147 ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : قال علي عليه السلام : كنت عند النبي صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة إذ دخل علينا جماعة من أصحابه ، منهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعبد الرحمن بن عوف ، فقال سلمان : يا رسول الله إن لكل نبي وصياً وسبطين فمن وصيك وسبطاك ؟ فأطرق ساعة ثم قال : يا سلمان
--------------------------- 124 ---------------------------
إن الله بعث أربعة آلاف نبي وكان لهم أربعة آلاف وصي وثمانية آلاف سبط ، فوالذي نفسي بيده لأنا خير الأنبياء ووصيي خير الأوصياء ، وسبطاي خير الأسباط . في حديث طويل عدَّد فيه النبي صلى الله عليه وآله الأئمة من أهل بيته ، ثم قال : « ثم يغيب عنهم إمامهم ما شاء الله ، ويكون له غيبتان إحداهما أطول من الأخرى . ثم التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رافعاً صوته : الحذر إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي ! قال علي : فقلت : يا رسول الله فما تكون هذه الغيبة ؟ قال : الصمت حتى يأذن الله له بالخروج فيخرج من اليمن من قرية يقال لها أكرعة على رأسه غمامة ، متدرع بدرعي متقلد بسيفي ذي الفقار ، ومناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، ذلك عندما تصير الدنيا هرجاً ومرجاً يَغار بضعهم على بعض ، فلا الكبير يرحم الصغير ولا القوي يرحم الضعيف ، فحينئذ يأذن الله له بالخروج » .
ملاحظات
1 - المتفق عليه في مصادر الجميع أن عدد الأنبياء عليهم السلام مئة وأربع وعشرون ألفاً ، وعدد الرسل منهم ثلاث مئة وستون ، وفي رواية ثلاث مئة وثلاثة عشر . وعندنا أن لكل نبي وصياً ، والأربعة آلاف نبي عليهم السلام قد يكونون كبار الأنبياء ، ولكل واحد منهم وصي وسبطان .
2 - وردت في مصادرنا أحاديث صحيحة السند عن أئمة أهل البيت عليهم السلام حول اليماني الذي يظهر قبل الإمام المهدي عليه السلام ، ويكون من خاصة أنصاره . أما المصادر السنية فنصوصها في اليماني أو القحطاني متعارضة منتاقضة .
10 - تربية الشيعة على مواجهة الفتن وانتظار الإمام المهدي عليه السلام
كفاية الأثر / 260 ، عن مسعدة قال : « كنت عند الصادق عليه السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى متكئاً على عصاه ، فسلم فرد أبو عبد الله عليه السلام الجواب ، ثم قال : يا ابن رسول الله ناولني يدك أقبلها ، فأعطاه يده فقبلها ثم بكى ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : ما يبكيك يا شيخ ؟ قال : جعلت فداك أقمت على قائمكم منذ مائة سنة أقول هذا الشهر وهذه السنة ، وقد كبرت سني ودق
--------------------------- 125 ---------------------------
عظمي واقترب أجلي ، ولا أرى ما أحب ، أراكم مقتلين مشردين ، وأرى عدوكم يطيرون بالأجنحة ، فكيف لا أبكي ! فدمعت عينا أبي عبد الله عليه السلام ثم قال : يا شيخ إن أبقاك الله حتى ترى قائمنا كنت معنا في السنام الأعلى ، وإن حلت بك المنية جئت يوم القيامة مع ثقل محمد ونحن ثقله ، قال صلى الله عليه وآله : إني مخلف فيكم الثقلين فتمسكوا بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي . فقال الشيخ : لا أبالي بعد ما سمعت هذا الخبر .
قال : يا شيخ ، إن قائمنا يخرج من صلب الحسن « أي العسكري » والحسن يخرج من صلب علي ، وعلي يخرج من صلب محمد ، ومحمد يخرج من صلب علي ، وعلي يخرج من صلب ابني هذا ، وأشار إلى موسى عليه السلام ، وهذا خرج من صلبي . نحن اثنا عشر كلنا معصومون مطهرون .
فقال الشيخ : يا سيدي بعضكم أفضل من بعض ؟ قال : لا ، نحن في الفضل سواء ، ولكن بعضنا أعلم من بعض . ثم قال : يا شيخ ، والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت ، ألا وإن شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته ، هناك يثبت الله على هداه المخلصين ، اللهم أعنهم على ذلك » .
وروى نحوه في أمالي الطوسي / 161 ، وفيه : « ثم قال يا شيخ ما أحسبك من أهل الكوفة ؟ قال : لا ، قال : فمن أين ؟ قال : من سوادها جعلت فداك . قال : أين أنت من قبر جدي المظلوم الحسين عليه السلام ؟ قال : إني لقريب منه . قال : كيف إتيانك له ؟ قال : إني لآتيه وأكثر . قال عليه السلام : يا شيخ دمٌ يطلب الله تعالى به . وما أصيب ولد فاطمة ولا يصابون بمثل الحسين عليه السلام . ولقد قتل في سبعة عشر من أهل بيته نصحوا لله وصبروا في جنب الله ، فجزاهم الله أحسن جزاء الصابرين . إنه إذا كان يوم القيامة أقبل رسول الله ومعه الحسين ، ويده على رأسه تقطر دماً فيقول : يا رب سل أمتي فيمَ قتلوا ولدي ! » .
وفي كمال الدين : 2 / 510 ، خرج « توقيع » إلى العمري وابنه رضي الله عنهما ، رواه سعد بن عبد الله قال : قال الشيخ أبو عبد الله جعفر رضي الله عنه وجدته مثبتاً عنه رحمه الله : وفقكما الله لطاعته وثبتكما على دينه وأسعدكما بمرضاته . انتهى إلينا ما ذكرتما أن الميثمي أخبركما عن المختار ومناظراته من لقي ، واحتجاجه بأنه لا خلف غير جعفر بن علي وتصديقه إياه ، وفهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابكما عنه ، وأنا أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء ،
--------------------------- 126 ---------------------------
ومن الضلالة بعد الهدى ، ومن موبقات الأعمال ومرديات الفتن ، فإنه عز وجل يقول : ألم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لايُفْتَنُونَ . كيف يتساقطون في الفتنة ، ويترددون في الحيرة ، ويأخذون يميناً وشمالاً ، فارقوا دينهم أم ارتابوا أم عاندوا الحق ، أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة ؟ ! أو علموا ذلك فتناسوا ؟ ما يعلمون أن الأرض لا تخلو من حجة ، إما ظاهراً وإما خائفاً مغموراً ؟ ! أولم يعلموا انتظام أئمتهم بعد نبيهم صلى الله عليه وآله واحداً بعد واحد ، إلى أن أفضى الأمر بأمر الله عز وجل إلى الماضي ، يعني الحسن بن علي عليه السلام ، فقام مقام آبائه عليهم السلام يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ! كان نوراً ساطعاً ، وشهاباً لامعاً ، وقمراً زاهراً ، ثم اختار الله عز وجل له ما عنده فمضى على منهاج آبائه عليهم السلام حذو النعل بالنعل على عهد عهده ، ووصية أوصى بها إلى وصي ستره الله عز وجل بأمره إلى غاية ، وأخفى مكانه بمشيئة للقضاء السابق والقدر النافذ ، وفينا موضعه ولنا فضله ، ولو قد أذن الله عز وجل فيما قد منعه عنه ، وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه ، لأراهم الحق ظاهراً بأحسن حلية ، وأبين دلالة ، وأوضح علامة ، ولأبان عن نفسه ، وقام بحجته . ولكن أقدار الله عز وجل لاتغالب ، وإرادته لا ترد ، وتوفيقه لا يسبق ، فليَدعوا عنهم اتباع الهوى ، وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه ، ولا يبحثوا عما سترعنهم فيأثموا ، ولا يكشفوا ستر الله عز وجل فيندموا ، وليعلموا أن الحق معنا وفينا ، لا يقول ذلك سوانا إلا كذاب مفتر ، ولا يدعيه غيرنا إلا ضال غوي . فليقتصروا منا على هذه الجملة دون التفسير ، ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح ، إن شاء الله » .
11 - فتنة بلاد الشام الموعودة قبل ظهور المهدي عليه السلام
عبد الرزاق : 11 / 361 : « تكون فتنة بالشام ، كأن أولها لعب الصبيان ، تطفو من جانب وتسكن من جانب ، فلا تتناهى حتى ينادي مناد : إن الأمير فلان . وقال : فيُقَلِّبُ ابن المسيب يديه حتى أنهما لتنتفضان ، ثم يقول : ذاكم الأمير حقاً ذاكم الأمير حقاً » .
وفي ابن حماد : 1 / 338 : « ولا تكون لهم جماعة حتى ينادي مناد من السماء عليكم بفلان وتطلع كف تشير . . عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أمه وكانت قديمة : قال : قلت لها في فتنة
--------------------------- 127 ---------------------------
ابن الزبير : إن هذه الفتنة يهلك فيها الناس ؟ فقالت : كلا يا بنيَّ ولكن بعدها فتنة يهلك فيها الناس ولا يستقيم أمرهم حتى ينادي مناد من السماء عليكم بفلان » .
12 - شدة الفتنة قبل ظهور المهدي عليه السلام وحدث يكون في الحجاز
ذكرت أحاديث الطرفين فتنة تكون في الحجاز ، حيث يموت حاكمهم ويختلفون بعده على السلطة ، وينتهي ملك السنين ، ويكون ملك الشهور والأيام ، ولا يجتمع أمرهم على أحد ، فيبحث الناس عن الإمام عليه السلام ويطلبون منه أن يقبل بيعتهم ، وسيأتي ذلك في فصل الحجاز .
13 - نصوص كثيرة تشبه الأحاديث وليست بها
وكلها تصف فتنة تتصل بظهور الإمام المهدي عليه السلام ، كالذي رواه عبد الرزاق : 11 / 372 ، عن أبي الجلد قال : « تكون فتنة ثم تتبعها أخرى ، لا تكون الأولى في الآخرة إلا كثمرة السوط تتبعه ذباب السيف ، ثم تكون فتنة فلا يبقى لله محرم إلا استحل ، ثم يجتمع الناس على خيرهم رجلاً ، تأتيه إمارته هنيئاً وهو في بيته » .
وعنه ابن حماد : 1 / 344 ، وابن أبي شيبة : 8 / 702 ، وفيه : « ثم تأتي الخلافة خير أهل الأرض وهو قاعد في بيته هنياً » . وثمرة السوط : طرفه من أسفله . وذباب السيف : طرفه الذي يضرب به ، والمقصود تفاقم الفتن من الشديد إلى الأشد .
وفي القول المختصر / 70 : « لا يخرج حتى تكون قبله فتنة تستحل فيها المحارم كلها ، ثم تأتيه الخلافة وهو قاعد في بيته ، وهو خير أهل الأرض » .
وفي ملاحم ابن طاووس / 121 ، من كتاب الفتن للسليلي ، عن عبد الله بن عمر قال : « تكون فتنة يقال لها السبيطة قتلاها في النار ، فقلت : وهما مسلمان ؟ قال : وهما مسلمان ، قلت : وهما مسلمان ! قال : وهما مسلمان ، قلت : لمَ ؟ قال : لأنهم تغالبوا على أمر الدنيا ولم يتغالبوا على أمر الله ، فقلت قد كان ذلك . قال : متى لله أبوك ؟ فقلت فتنة عثمان . قال : كلا والذي بعث محمداً بالحق حتى يدخل على العرب كلهم حجرها وحتى يأتي الرجل القبر فيقول : يا ليتني كنت مكانك ! وحتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً ! قلت ثم مَهْ ؟ قال : ثم يبعث الله رجلاً يملؤها
--------------------------- 128 ---------------------------
قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، يعيش بضع سنين ، فقلت : وما البضع ؟ قال : زعم أهل الكتاب أنه تسع أو سبع » . والجمع بين الصحيحين : 3 / 203 ، عن أبي هريرة . والسبيطة : الطويلة ، ولعلها من السباطة أي الكناسة ، شبهت بها لاجتماع الصفات السيئة فيها . وقد تكون السبيتة من السبت والسكون ، لاستقرارها ودوامها .
وفي الداني / 95 ، والسنن / 1042 ، عن قتادة قال : « يجاء إلى المهدي وهو في بيته والناس في فتنة تهراق فيها الدماء ، فيقال له : قم علينا فيأبى حتى يُخَوَّف القتل ، فإذا خُوِّفَ بالقتل قام عليهم فلا يهراق في سببه محجمة دم .
وقد فسرت الأحاديث التخويف بالقتل في هذا الحديث وغيره بالتخويف بانكشاف أمره عليه السلام قرب مجئ جيش السفياني ، لا أن الذين يريدونه للبيعة يخوفونه بالقتل .
- *
--------------------------- 129 ---------------------------
الفصل الخامس : ( حكام السوء ، ذم حكام السوء وعلماء آخر الزمان )
--------------------------- 130 ---------------------------
علماء السوء أتباع الأئمة المضلين !
روى الجميع أن النبي صلى الله عليه وآله أخبرالأمة بأنها ستبتلى بحكام جور ، وعلماء سوء يبررون لهم أعمالهم ! وحاول بعضهم إبعاد وقتهم عن الصحابة ويجعلهم في آخر الزمان قرب قيام الساعة ! لكن بعضها ذكر أن زمنهم بعد النبي صلى الله عليه وآله مباشرة ، وأن ذلك البلاء يستمر حتى ظهور المهدي عليه السلام !
على أن عدداً من الصحابة كانوا يتصورون أن عصرهم آخر الزمان ، فقد فسروا قوله صلى الله عليه وآله : « بعثت أنا والساعة كهاتين وجمع بين إصبعيه » « بخاري : 6 / 177 » بأنهم في قرن القيامة ، وكذا فهموا صفة النبي صلى الله عليه وآله بأنه نبي آخر الزمان . « كمال الدين / 190 » .
والصحيح أن آخر الزمان وصف نسبي فيصح إطلاقه على مرحلة ما بعد النبي صلى الله عليه وآله كلها أو بعض أجزائها ، وأن يسمى علماؤه : علماء آخر الزمان . والأحاديث في ذمهم كثيرة ، لكن غرضنا منها ما يرتبط بظهور الإمام عليه السلام : ففي مجمع الزوائد : 5 / 233 : « عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تقوم الساعة حتى يبعث الله أمراء كذبة ، ووزراء فجرة ، وأمناء خونة ، وقراء فسقة سمتهم سمة الرهبان وليس لهم رعية أو قال رعة ، فيلبسهم الله فتنة غبراء مظلمة يتهوكون فيها تهوك اليهود في الظلم . رواه البزار وفيه حبيب بن عمران كلاعي ولم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح » .
والقراء الفسقة : حملة القرآن من الرواة والعلماء . سمتهم : أي هيئتهم المعنوية الظاهرة مثل الرهبان . والرِّعْيَة : بمعنى ورع عن المحارم . يتهوكون فيها : أي يقعون في الفتنة ويتخبطون كاليهود . والتهوك مصطلح نبوي لمن تأثر باليهود من أصحابه . وتعبير : لا تقوم الساعة حتى . . يدل على حتميته فقط ، ولا يدل على أنه سيكون قرب الساعة !
أما رواية ابن أبي شيبة : 8 / 698 ، « في آخر هذا الزمان قراء فسقة » فتدل على أنهم عند ظهور المهدي عليه السلام ، ومثله تاريخ بخاري : 4 / 330 ، والزهد لابن عاصم : 1 / 212 .
وفي الدر المنثور : 6 / 53 : « وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : حج النبي صلى الله عليه وآله حجة الوداع ثم أخذ بحلقة باب الكعبة فقال : أيها الناس ألا أخبركم بأشراط الساعة ؟ فقام إليه سلمان فقال : أخبرنا فداك أبي وأمي يا رسول الله . قال : إن من أشراط الساعة إضاعة الصلاة والميل مع الهوى وتعظيم رب المال . فقال سلمان : ويكون هذا يا رسول الله ؟
--------------------------- 131 ---------------------------
قال : نعم والذي نفس محمد بيده ، فعند ذلك يا سلمان تكون الزكاة مغرماً والفئ مغنماً ، ويُصَدَّقُ الكاذب ويُكذَّب الصادق ، ويؤتمن الخائن ويخون الأمين ، ويتكلم الرويبضة . قال : وما الرويبضة ؟ قال : يتكلم في الناس من لم يتكلم . وينكر الحق تسعة أعشارهم ، ويذهب الإسلام فلا يبقى إلا اسمه ، ويذهب القرآن فلا يبقى إلا رسمه ، وتحلى المصاحف بالذهب ، وتتسمن ذكور أمتي وتكون المشورة للإماء ! ويخطب على المنابر الصبيان ، وتكون المخاطبة للنساء ! فعند ذلك تزخرف المساجد كما تزخرف الكنائس والبيَع ، وتطوَّل المنائر ، وتكثر الصفوف مع قلوب متباغضة ، وألسن مختلفة ، وأهواء جمة !
قال سلمان : ويكون ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم والذي نفس محمد بيده ، عند ذلك يا سلمان يكون المؤمن فيهم أذل من الأمة ، يذوب قلبه في جوفه كما يذوب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره . ويكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية البكر ! فعند ذلك يا سلمان يكون أمراء فسقة ووزراء فجرة وأمناء خونة ، يضيعون الصلوات ويتبعون الشهوات ، فإن أدركتموهم فصلوا صلاتكم لوقتها . عند ذلك يا سلمان يجئ شئ من المشرق وشئ من المغرب جثاؤهم جثاء الناس وقلوبهم قلوب الشياطين ، لا يرحمون صغيراً ولا يوقرون كبيراً . عند ذلك يا سلمان يحج الناس إلى هذا البيت الحرام ، تحج ملوكهم لهواً وتنزهاً ، وأغنياؤهم للتجارة ومساكينهم للمسألة ، وقراؤهم رياءً وسمعة !
قال : ويكون ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم والذي نفسي بيده ، عند ذلك يا سلمان يفشو الكذب ويظهر الكوكب له الذنب ، وتشارك المرأة زوجها في التجارة ، وتتقارب الأسواق ! قال : وما تقاربها ؟ قال كسادها وقلة أرباحها .
عند ذلك يا سلمان يبعث الله ريحاً فيها حيات صفر فتلقط رؤساء العلماء لما رأوا المنكر فلم يغيروه ! قال : ويكون ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم والذي بعث محمداً بالحق » . ونحوه عدد من مصادر السنيين ، ورواه في البحار : 52 / 262 ، عن جامع الأخبار لتاج الدين الشعيري / 72 ، عن جابر ، وليس فيه ذكر أشراط الساعة .
وفي تاريخ دمشق : 36 / 282 : « عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « إن في جهنم رحى تطحن
--------------------------- 132 ---------------------------
علماء السوء طحناً » . وفي المستطرف : 1 / 47 : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « ويل لأمتي من علماء السوء يتخذون العلم تجارة يبيعونها لا أربح الله تجارتهم » .
وفي فيض القدير : 1 / 183 ، أن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن أشر الخلق على الإطلاق ، فأجاب : « هم علماء السوء » . وفي : 6 / 478 : « ويل لأمتي من علماء السوء » .
وهي أحاديث مطلقة من حيث الزمان . وهي كثيرة جداً في مصادر الطرفين . وقد روت مصادرنا أحاديث في ذم علماء السوء تدل على أن زمنهم بعد النبي صلى الله عليه وآله إلى ظهور الإمام المهدي عليه السلام . وهذه نماذج منها :
في الكافي : 8 / 307 ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه ، يُسمَّوْنَ به وهم أبعد الناس منه ، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى ، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء ! منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود » . ومثله ثواب الأعمال / 301 ، وأعلام الدين / 406 . ورسم القرآن : خطه . منهم خرجت الفتنة : لأنهم يؤيدون حكام الجوْر ويحرفون الإسلام لأجلهم .
وفي جامع الأخبار / 129 : « علماؤهم شر خلق الله على وجه الأرض ، حينئذ ابتلاهم الله بأربع خصال : جور من السلطان ، وقحط من الزمان ، وظلم من الولاة ، والحكام فتعجب الصحابة وقالوا : يا رسول الله أيعبدون الأصنام ؟ قال : نعم كل درهم عندهم صنم » .
وأورد في البحار : 2 / 107 ، آيات ذم علماء السوء وأحاديثه تحت عنوان : « ذم علماء السوء ولزوم التحرز عنهم » ، وهي 25 حديثاً ، منها : عن النبي صلى الله عليه وآله : « الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا . قيل : يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا ؟ قال : اتباع السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم » .
وقوله صلى الله عليه وآله : « ألا إن شر الشر شرار العلماء ، وإن خير الخير خيار العلماء » . وقوله صلى الله عليه وآله : « أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدك عن طريق محبتي ، فإن أولئك قطاع طريق عبادي المريدين » .
وعن الإمام الباقر عليه السلام في قول الله عز وجل : وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ، قال : هل رأيت شاعراً يتبعه أحد ؟ إنما هم قوم تفقهوا لغير الدين فضلوا وأضلوا » . انتهى .
--------------------------- 133 ---------------------------
وفي الإحتجاج : 2 / 262 : « فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء ، فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة فقهائهم . فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلدوه ، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم . فإن من ركب من القبايح والفواحش مراكب فَسَقة العامة فلا تقبلوا منا عنه شيئاً ولا كرامة . . » .
وفي تفسير الإمام العسكري عليه السلام / 344 ، عن الإمام الهادي عليه السلام في مدح العلماء المتقين : « لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ، ومن فخاخ النواصب ، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله ! ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها ، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل » .
- *
--------------------------- 134 ---------------------------
--------------------------- 135 ---------------------------
الفصل السادس : ( بشارة النبوية ، أحاديث البشارة النبوية بالمهدي من عترته عليهم السلام )
--------------------------- 136 ---------------------------
المهدي من عترتي ، اسمه اسمي وكنيته كنيتي
روى أحمد : 3 / 36 ، عن أبي سعيد الخدري : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً ، قال ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي ، يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً » . ومثله أبو يعلى : 2 / 274 ، وابن حبان : 8 / 290 ، والحاكم : 4 / 557 ، عن أبي سعيد الخدري ، وصححه على شرط الشيخين . ومن مصادرنا : دلائل الإمامة / 249 ، بنحوه .
وقال الحافظ المغربي / 515 : « أخرجه الحاكم ، عن عوف بن أبي جميلة المذكور من طريقين : الطريق الأول : عن أبي بكر بن إسحاق وعلي بن حماد العدل وأبي بكر محمد بن أحمد بن بالويه كلهم عن بشر بن موسى الأسدي ، عن هارون بن خليفة ، عن عوف بن أبي جميلة الأعرابي به . الطريق الثاني : عن الحسين بن علي الدارمي ، عن محمد بن إسحاق الإمام ، عن محمد بن يسار ، عن ابن أبي عدي ، عن عوف الأعرابي به . وأخرجه الإمام أحمد عن محمد بن جعفر ، حدثنا عوف الأعرابي به . وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، وأقره الحافظ الذهبي في المستدرك ، وفي هذا كفاية للمنصف » .
وفي الجامع الصحيح : 1 / 147 ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً قال : ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » . ومثله / 164 و / 382
وفي المقصد العلي : 4 / 406 ، عن أبي سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه وآله : « لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً ، ثم يخرج رجل من أهل بيتي ، أو قال من عترتي ، فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً » .
وفي جامع الأحاديث : 8 / 81 ، عن ابن مسعود : « يخرج رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي وخلقه خلقي فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً » .
أحمد : 1 / 376 ، عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله : « لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » .
ورواه الترمذي : 4 / 505 ، عن عبد الله ، وأبي هريرة قال : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي . . وحسنه وصححه ، والبدء والتاريخ : 2 / 180 ، وقال : وأحسن ما جاء في هذا الباب خبر أبي بكر بن عياش ، عن عاصم بن ذر ، عن عبد الله بن مسعود .
--------------------------- 137 ---------------------------
وفي ملاحم ابن المنادي / 41 ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وآله : « لا تقوم الساعة حتى يملك الأرض أحد من أهل بيتي اسمه كاسمي » . وفي رواية : اسمه اسمي .
وفي أحمد : 3 / 28 و : 3 / 70 ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « تملأ الأرض ظلماً وجوراً ، ثم يخرج رجل من عترتي ، يملك سبعاً أو تسعاً ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً » .
ورواه الحاكم : 4 / 558 ، كأحمد ، بتفاوت يسير ، عن أبي سعيد ، وصححه على شرط مسلم واستدراك الذهبي : 7 / 3461 . ونحوه حلية الأولياء : 3 / 101 ، وليس فيه مدته .
وفي تذكرة الخواص / 363 ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي ، اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً . وقال : فذلك هو المهدي ، وهذا حديث مشهور » .
المهدي عليه السلام حتمي ودولته العالمية حتمية
ابن أبي شيبة : 8 / 679 ، عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً » .
ومثله مسند البزار : 2 / 134 ، وأحمد : 1 / 99 ، بتفاوت يسير . والبدء والتاريخ : 2 / 181 ، والجامع الصغير : 2 / 438 ، أحمد ، وأبي داود . والدر المنثور : 6 / 58 ، وقال : وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ، وأبو داود .
ومسند الشاشي : 2 / 109 ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله تعالى فيه رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً » . وفي جامع المسانيد : 20 / 300 : « لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي ، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً » .
وفي مسند أحمد : 1 / 376 و 377 : « لا تنقضي الأيام ولا يذهب الدهر حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي ، اسمه يواطئ اسمي » .
ومثله أبو داود : 4 / 107 ، والترمذي : 4 / 505 ، وصححه . والطبراني الكبير : 10 / 164 و 166 ، والبزار : 5 / 204 ، عن عبد الله ، ومثله الأوسط : 7 / 425 ، عن عبد الله بن مسعود .
وفي الطبراني الكبير : 10 / 168 ، عن ابن عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لا تذهب الأيام
--------------------------- 138 ---------------------------
والليالي ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم حتى يبعث الله رجلاً من أمتي ، يواطئ اسمه اسمي » . ومثله تحفة الأشراف : 7 / 23 ، أوله ، والفصول المهمة / 291 ، عن إرشاد المفيد . وفي / 294 ، عن أبي داود ، والترمذي . .
وفي ابن حبان : 7 / 576 ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل بيت النبي » .
ومثله ابن حبان : 7 / 576 ، عن ابن مسعود وفيه : يواطئ اسمه اسمي . وملاحم ابن المنادي / 41 ، عن ابن مسعود ، كرواية ابن حبان الثانية . والطبراني الكبير : 10 / 161 ، عن ابن مسعود ، وفيه : « رجل من أهل بيتي يوافق اسمه اسمي » . ورواه من مصادرنا : دلائل الإمامة / 255 ، كما في رواية الطبراني الثانية ، بسند آخر ، وفيه : « رجل من ولدي يوافق اسمه اسمي » وبشارة المصطفى / 258 ، كالطبراني الثالثة .
وفي سنن الداني / 100 ، عن أبي سعيد : « يخرج رجل من أمتي يعمل بسنتي ، ينزل الله له البركة من السماء ، وتخرج له الأرض بركتها ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً يعمل سبع سنين على هذه الأمة ، وينزل بيت المقدس » .
وفي عقد الدرر / 20 ، عن الداني وأبي نعيم ، وفيه : من أهل بيتي ، وتملأ به عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً . ومجمع الزوائد : 7 / 317 ، كالداني بتفاوت يسير ، وقال : رواه الترمذي ، وابن ماجة باختصار ، رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه : ينزل الله عز وجل له القطر من السماء وينبت الله له الأرض من بركتها . والمعجم الأوسط : 2 / 47 .
ومن مصادرنا : غيبة الطوسي / 111 ، عن أبي سعيد الخدري قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول على المنبر : إن المهدي من عترتي ، من أهل بيتي ، يخرج في آخر الزمان ينزل الله له من السماء قطرها ، ويخرج له من الأرض بذرها ، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً ، كما ملأها القوم ظلماً وجوراً » .
وفي / 113 ، عن ابن مسعود : « لا تذهب الدنيا حتى يلي أمتي رجل من أهل بيتي يقال له المهدي » .
المهدي حق وهو من ولد فاطمة عليها السلام
روى ابن ماجة : 2 / 1368 ، عن سعيد بن المسيب قال : « كنا عند أم سلمة فتذاكرنا المهدي فقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : المهدي حق وهو من ولد فاطمة عليها السلام » .
--------------------------- 139 ---------------------------
ومثله تاريخ بخاري : 3 / 346 ، عن ابن المسيب ، عن أم سلمة . وأبو داود : 4 / 107 ، والطبراني الكبير : 23 / 267 ، والحاكم : 4 / 577 ، بروايتين : نعم هو حق وهو من بني فاطمة . ومشكاة المصابيح : 3 / 24 ، عن أبي داود وفيه : من أولاد فاطمة ، وفي هامشه : وإسناده جيد . ومثله تذكرة الحفاظ : 2 / 463 ، عن أم سلمة . وفي الدر المنثور : 6 / 58 : وأخرج أبو داود ، وابن ماجة ، والطبراني ، والحاكم ، عن أم سلمة . وصواعق ابن حجر / 163 ، كأبي داود ، وقال : ومن ذلك ما أخرجه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة ، والبيهقي ، وآخرون . ومن مصادرنا : غيبة الطوسي / 114 ، كأبي داود عن أم سلمة . والطرائف : 1 / 175 ، كأبي داود ، عن الجمع بين الصحاح ، والفردوس ، ومصابيح الفراء .
وفي عقيدة أهل السنة والأثر للوهابي العباد / 18 ، عن أبي داود ، وابن ماجة ، وقال : « وقد أورد هذا الحديث في الجامع الصغير ، ورمز لصحته ، وأورده في مصابيح السنن في فصل الحسان ، وقال الألباني في تخريج أحاديث المشكاة : وإسناده جيد ، وقال : رواه الترمذي وأبو داود . وقال : أخرج أبو داود ، وابن ماجة ، والطبراني ، والحاكم عن أم سلمة » .
وفي الفتن لابن حماد : 1 / 368 ، عن قتادة قال : « قلت لسعيد بن المسيب : المهدي حق هو ؟ قال : حق ، قال قلت : ممن هو ؟ قال من قريش ، قلت : من أي قريش ؟ قال : من بني هاشم ، قلت : من أي بني هاشم ؟ قال : من بني عبد المطلب ، قلت : من أي عبد المطلب ؟ قال : من ولد فاطمة » .
وفي مناقب ابن المنادي / 41 : « أخبرنا عبد الرزاق بن همام قال : قلت لسعيد بن المسيب أحق المهدي ؟ فقال . . . كابن حماد ، وفيه : قال : حسبك الآن . وفيها ، عن سعيد بن المسيب يحدث عن أم سلمة قالت : ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وآله المهدي فقال : نعم هو حق ، وهو من ولد فاطمة ، أو قال : من بني فاطمة .
وملاحم ابن طاووس / 164 ، عن فتن زكريا ، عن ابن المسيب ، عن ابن عباس ، قال : وفيه : المهدي من قريش ، قالوا : من أي قريش ؟ قال من بني هاشم ، من ولد فاطمة عليها السلام . وفي فرائد الفكر / 65 ، عن قتادة ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : أحق المهدي ؟ فقال : نعم هو حق . قلت : ممن هو . . . قال : من ولد فاطمة . قلت : من أي ولد فاطمة ؟ قال : حسبك الآن ! ونحوه تيسير المطالب / 88 ، عن أم سلمة ، وزين الفتى : 1 / 402 ، عن قتادة . ونحوه ابن حماد : 1 / 375 ، بعدة أحاديث / 345 ، و 350 ، و 369 ، و 373 ، و 375 ، والحاوي : 2 / 78 وجمع الجوامع : 2 / 104 ، ومقتضب الأثر / 166 .
وفي غيبة الطوسي / 114 ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « المهدي رجل من ولد فاطمة عليها السلام ، وهو رجل آدم » .
--------------------------- 140 ---------------------------
بشر النبي صلى الله عليه وآله فاطمة الزهراء بالمهدي عليه السلام
من عجائب ما رواه أتباع الخلافة حديث النبي صلى الله عليه وآله مع فاطمة عليها السلام ، الذي فيه ذكر المهدي ، وذكر فضل عترة النبي صلى الله عليه وآله على جميع الصحابة ونص على وصية علي عليه السلام ! فهو إحدى الحجج النبوية التي أفلتت من رقابة الخلافة !
وقد أغاض ذلك الذهبي ، فحاول أن يضعفه بالهيثم بن حبيب ، لكن وثقه كبار أئمة الجرح والتعديل كأحمد بن حنبل ، وأبي عوانة ، وشعبة ، وإسحاق بن منصور ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم ، وابن حبان ! « تهذيب التهذيب : 11 / 81 » .
ورووه بصيغ متشابهة ، عن أبي أيوب الأنصاري ، وأبي سعيد الخدري ، وسلمان ، وعلي الهلالي ، وابن عباس ، وغيرهم . وتبلغ طرقه وأسانيده أكثر من مئة صفحة .
فمن صيغه في الطبراني الصغير : 1 / 37 ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة : نبينا خير الأنبياء وهو أبوك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك حمزة ، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء ، وهو ابن عم أبيك جعفر ، ومنَّا سبطا هذه الأمة الحسن والحسين ، وهما ابناك ، ومنا المهدي » .
وفي الطبراني الأوسط : 7 / 276 ، والكبير : 3 / 52 ، بروايتين عن علي المكي الهلالي ، قال : « دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله في شكاته التي قبض فيها ، فإذا فاطمة رضي الله عنها عند رأسه ، قال فبكت حتى ارتفع صوتها فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله طرفه إليها فقال : حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك ؟ فقالت : أخشى الضيعة من بعدك ! فقال : يا حبيبتي أما علمت أن الله عز وجل أطلع إلى الأرض إطلاعة فاختار منها أباك ، فبعثه برسالته ، ثم أطلع إطلاعة فاختار منها بعلك ، وأوحى إلي أن أنكحك إياه . يا فاطمة : ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم يعط أحد قبلنا ، ولايعطى أحد بعدنا : أنا خاتم النبيين وأكرم النبيين على الله وأحب المخلوقين إلى الله عز وجل وأنا أبوك . ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك . وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله وهو عمك حمزة بن عبد المطلب وهو عم أبيك وعم بعلك .
ومنا من له جناحان أخضران يطير في الجنة مع الملائكة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك . ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين ، وهما سيدا شباب
--------------------------- 141 ---------------------------
أهل الجنة . وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما .
يا فاطمة : والذي بعثني بالحق إن منهما مهدي هذه الأمة ، إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً ، وتظاهرت الفتن وتقطعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض ، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقر كبيراً ، فيبعث الله عز وجل عند ذلك منهما من يفتتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً ، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ويملأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً .
يا فاطمة : لا تحزني ولا تبكي فإن الله عز وجل أرحم بك ، وأرأف عليك مني ، وذلك لمكانك مني وموضعك من قلبي ، زوجك الله زوجك وهو أشرف أهل بيتك حسباً وأكرمهم منصباً ، وأرحمهم بالرعية ، وأعدلهم بالسوية ، وأبصرهم بالقضية ، وقد سألت ربي عز وجل أن تكوني أول من يلحقني من أهل بيتي . قال علي « بن هلال » : فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله لم تبق فاطمة رضي الله عنها بعده إلا خمسة وسبعين يوماً حتى ألحقها الله به » .
ومعنى أخشى الضيعة من بعدك : أي ظلم الأمة . الهرج والمرج : القتل والفوضى . تظاهرت الفتن : توالت وتعاونت في تأثيرها . تقطعت السبل : أي فُقد الأمن . حصون الضلالة : مراكزها . قلوباً غلفاً : عليها غلافٌ وغشاء عن سماع الحق واتباعه .
وفي مناقب ابن المغازلي / 101 ، عن أبي أيوب قال : « يا فاطمة : إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين ولا الآخرين قبلنا أو قال : ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا : نبينا أفضل الأنبياء وهو أبوك ، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك ، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء ، وهو جعفر ابن عمك ، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك ، ومنا والذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة » .
وفي مسند فاطمة للسيوطي / 47 و 93 : « أبشري يا فاطمة ، فإن المهدي منك » وفي ينابيع المودة / 81 ، عن مناقب الخوارزمي : ومنا سبطان وسيدا شبان أهل الجنة ، ابناك ، والذي نفسي بيده إن مهدي هذه الأمة يصلي عيسى بن مريم خلفه ، فهو من ولدك .
وفي البيان للشافعي / 501 ، عن أبي هارون العبدي قال : « أتيت أبا سعيد الخدري فقلت له : هل شهدت بدراً ؟ فقال : نعم ، قلت ألا تحدثني بشئ مما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله في علي وفضله ؟ فقال : بلى أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وآله مرض مرضة نقه منها ، فدخلت عليه فاطمة تعوده وأنا جالس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وآله . . . ومنا مهدي الأمة الذي يصلي عيسى خلفه .
--------------------------- 142 ---------------------------
ثم ضرب على منكب الحسين فقال : من هذا مهدي الأمة . هكذا أخرجه الدارقطني صاحب الجرح والتعديل » .
ورواه عدد من مصادرنا كأمالي الطوسي : 1 / 154 ، عن أبي أيوب الأنصاري .
وفي عوالم العلوم / 487 ، عن سلمان : « كنت جالساً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي قبض فيه ، فدخلت فاطمة عليها السلام . . . وأول الأوصياء بعدي أخي علي ، ثم حسن ، ثم حسين ، ثم تسعة من ولد الحسين في درجتي . . . يا بنية : إنا آل بيت أعطانا الله عز وجل ست خصال لم يعطها أحداً من الأولين كان قبلكم ولم يعطها أحداً من الآخرين غيرنا . . » .
وفي مقاتل الطالبيين : 1 / 97 ، عن الوليد بن المروزي قال : « كنت مع الزهري بالرصافة « لعلها رصافة الكوفة » فسمع أصوات لعابين فقال لي : يا وليد انظر ما هذا ؟ فأشرفت من كوة في بيته ، فقلت : هذا رأس زيد بن علي ، فاستوى جالساً ثم قال : أهلكَ أهل هذا البيت العجلة ، فقلت : أوَيملكون ؟ قال : حدثني علي بن الحسين عن أبيه عن فاطمة ، أن رسولالله صلى الله عليه وآله قال لها : المهدي من ولدك » . ومثله تهذيب ابن عساكر : 6 / 26 .
وفي دلائل الإمامة / 234 ، عن الوليد بن محمد المروزي ، قال : كنت واقفاً بالرصافة نصف النهارعلى باب الزهري ، فمر اللعابون يطوفون برأس زيد بن محمد ، فبكى ثم قال : يملك أهل هذا البيت ولكن العجلة ، قلت يا أبا بكرأو يملكون ؟ قال : حدثني علي بن الحسين ، عن أبيه ، أن النبي صلى الله عليه وآله قال لفاطمة : المهدي من ولدك » .
وفي كفاية الأثر / 62 ، عن جابر بن عبد الله قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وآله في الشكاة التي قبض فيها ، إذا فاطمة عند رأسه قال فبكت حتى ارتفع صوتها ، فرفع رسول الله طرفه إليها فقال : حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك ؟ قالت : أخشى الضيعة من بعدك ! قال : يا حبيبتي لا تبكين فنحن أهل بيت أعطانا الله سبع خصال لم يعطها قبلنا ولا يعطيها أحداً بعدنا : أنا خاتم النبيين وأحب الخلق إلى الله عز وجل وهو أنا أبوك ، ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله وهو عمك ، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين وسوف يخرج الله من صلب الحسين تسعة من الأئمة أمناء معصومين ، ومنا مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن ، وتقطعت السبل
--------------------------- 143 ---------------------------
وأغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقر كبيراً ، فيبعث الله عند ذلك مهدينا التاسع من صلب الحسين ، يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً » . انتهى .
وكتاب سُليم بن قيس / 69 . ونحوه تفسير فرات الكوفي / 179 ، عن عبد الله بن عباس عن سلمان ، وأمالي الطوسي : 2 / 219 ، عن أبي الطفيل ، عن سلمان ، وفي آخره : والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، ومن ذريتكما المهدي يملأ الله عز وجل به الأرض عدلاً كما ملئت قبله جوراً .
النبي صلى الله عليه وآله بشر علياً بالمهدي عليه السلام
في دلائل الإمامة / 250 ، عن أنس بن مالك قال : « خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم فرأى علياً فوضع يده بين كتفيه ، ثم قال : يا علي ، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من عترتك ، يقال له المهدي ، يهدي إلى الله عز وجل ويهتدي به العرب كما هديت أنت الكفار والمشركين من الضلالة . ثم قال : ومكتوب على راحتيه : بايعوه ، فإن البيعة لله عز وجل » .
النعماني / 92 ، عن عبد خير قال : « سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه يقول : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي الأئمة الراشدون المهتدون المعصومون من ولدك أحد عشر إماماً . أنت أولهم ، وآخرهم اسمه اسمي ، يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، يأتيه الرجل والمال كدس فيقول يا مهدي أعطني فيقول : خذ » .
وفي غيبة النعماني / 57 ، عن الحسن بن أبي الحسن البصري ، يرفعه : « أتى جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد إن الله عز وجل يأمرك أن تزوج فاطمة من علي أخيك ، فأرسل رسول الله إلى علي عليه السلام فقال له : يا علي إني مزوجك فاطمة ابنتي سيدة نساء العالمين ، وأحبهن إليَّ بعدك ، وكائنٌ منكما سيدا شباب أهل الجنة ، والشهداء المضرجون المقهورون في الأرض من بعدي ، والنجباء الزهر ، الذين يطفئ الله بهم الظلم ويحيي بهم الحق ويميت بهم الباطل ، عدتهم عدة أشهر السنة ، آخرهم يصلي عيسى بن مريم خلفه » .
--------------------------- 144 ---------------------------
النبي صلى الله عليه وآله بشر الحسين بالمهدي عليه السلام
روى السلمي في عقد الدرر / 24 ، عن أبي نعيم في صفة المهدي ، قال : « عن حذيفة رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله فذكرنا بما هو كائن ، ثم قال : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد ، لطول الله عز وجل ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي اسمه اسمي ، فقام سلمان الفارسي رضي الله عنه ، فقال يا رسول الله من أي ولدك ؟ قال : من ولدي هذا ، وضرب بيده على الحسين » .
ورواه في ذخائر العقبى / 136 ، وفرائد السمطين : 2 / 325 ، عن حذيفة ، قال : خطبنا رسولالله صلى الله عليه وآله فذكر ماهوكائن ، وفيه : فضرب بيده على ظهر الحسين . .
وفي المنار المنيف / 148 ، عن الطبراني ، والقول المختصر / 7 ، عن أبي نعيم ، وفيه : « حتى يملك رجل من أهل بيتي ، تجري الملاحم على يديه ، ويُظهر الإسلام ، لا يخلف الله وعده وهو سريع الحساب » . ونحوه كفاية الطالب / 510 ، عن حذيفة وفيه : « اسمه اسمي وخلقه خلقي ، يكنى أبا عبد الله ، يبايع له الناس بين الركن والمقام ، يردُّ الله به الدين ويفتح له فتوحاً ، فلا يبقى على ظهر الأرض إلا من يقول لا إله إلا الله . . قال : من ولد ابني هذا ، وضرب بيده على الحسين عليه السلام » .
أقول : تفردت هذه الرواية بذكر أن كنيته أبو عبد الله ، والصحيح المتواتر عند الجميع أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : وكنيته كنيتي ، أي أبا القاسم .
وفي دلائل الإمامة / 234 ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي نفسي بيده إن مهدي هذه الأمة الذي يصلي خلفه عيسى منا ، ثم ضرب يده على منكب الحسين وقال : من هذا ، من هذا » .
وفي النجاة في القيامة / 167 ، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال للحسين عليه السلام : « ابني هذا إمام ، ابن إمام ، أخو إمام ، أبو أئمة تسعة ، تاسعهم قائمهم . حجة ابن حجة ، أخو حجة أبو حجج تسع » .
وفي البرهان / 46 ، والدر النظيم / 791 ، عن سلمان الفارسي قال : « دخلت على رسولالله صلى الله عليه وآله فإذا الحسين على فخذه وهو يقبل خديه ويلثم فاه ويقول : أنت سيد ، ابن سيد ، أخو سيد ، وأنت إمام ، ابن إمام ، أخو إمام ، وأنت حجة ، أخو حجة ، أبو حجج تسعة ، تاسعهم قائمهم المهدي » .
--------------------------- 145 ---------------------------
وفي عوالم النصوص على الأئمة / 146 ، عن أبي سعيد ، وفيه : « فقيل يا رسول الله كم الأئمة بعدك ؟ قال : إثنا عشر تسعة من صلب الحسين » .
وبشَّر عليٌّ ولده الحسين عليه السلام
كمال الدين : 1 / 304 ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : « التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق ، المظهر للدين والباسط للعدل . قال الحسين : فقلت له : يا أمير المؤمنين وإن ذلك لكائن ؟ فقال عليه السلام : إي والذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله بالنبوة واصطفاه على جميع البرية ، ولكن بعد غيبة وحيرة ، فلا يثبت فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون لروح اليقين الذين أخذ الله عز وجل ميثاقهم بولايتنا ، وكتب في قلوبهم الإيمان ، وأيدهم بروح منه » .
إبتكار النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام أساليب جديدة في التحديد
ينحني الإنسان إجلالاً لطريقة النبي صلى الله عليه وآله في التحديد ، عندما يقرأ أحاديثه في تفسير آية التطهير وتحديده لآله وأهل بيته صلى الله عليه وآله ، فقد أحضر علياً وفاطمة والحسنين عليهم السلام وأدار عليهم كساءً ، ثم قرأ الآية وقال : هؤلاء أهل بيتي ، ودعا لهم . وقد أرادت أم سلمة أن تدخل معهم فجذب منها الكساء ، كما روى أحمد ! ثم كرر ذهابه بعد نزول الآية إلى باب علي وفاطمة ستة أشهر ، كما روى أحمد وغيره ، ينبههم لصلاة الفجر ، ويقرأ آية التطهير !
ومضافاً إلى هذا التحديد الحسي ، تضمن كلامه صلى الله عليه وآله بلاغات رووا بعضها ورويناها كاملة ، منها أنه قال : « علي وفاطمة والحسن والحسين ، وتسعة من ذرية الحسين ، تاسعهم مهديهم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً » . « الكافي : 1 / 529 وكفاية الأثر / 66 » .
ومن أفعاله المبتكرة صلى الله عليه وآله ، أنه أصعد علياً عليه السلام في حجة الوداع المنبر معه ورفع بيده وبلغ رسالة ربه فيه ، ثم طلب من المسلمين أن يهنؤوه ويبايعوه بالولاية بعده !
ومن ابتكارته قوله صلى الله عليه وآله : « الأئمة بعدي اثنا عشر غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ولاتصلح الولاة من غيرهم » . « نهج البلاغة : 2 / 27 » .
وقوله صلى الله عليه وآله : « الأئمة بعدي اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل ، تسعة من صلب الحسين
--------------------------- 146 ---------------------------
والتاسع قائمهم ، يخرج في آخر الزمان فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » « كفاية الأثر / 250 » .
وقوله صلى الله عليه وآله : « إذا توالت ثلاثة أسماء من الأئمة من ولدي محمد وعلي والحسن ، فرابعها هو القائم المأمول المنتظر » . « دلائل الإمامة / 236 » .
وكذلك تعابيره البليغة عن المهدي ، مثل قوله : المهدي من عترتي . . من أولاد فاطمة . . التاسع من صلب الحسين . . ابن خيرة الإماء . . بنا فتح الله وبنا يختم . . لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوله الله ذلك اليوم حتى يبعثه . . يملأ الأرض قسطاً وعدلاً . . نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة . . الخ . وكلها من جوامع الكلم .
الإمام الكاظم عليه السلام يحدد الخامس من ولده
روى في الكافي : 1 / 336 ، بسند صحيح أن الإمام الكاظم عليه السلام قال لخاصته : « إذا فُقد الخامس من ولد السابع ، فالله الله في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد . يابنيَّ إنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ! إنما هي محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه . لو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحَّ من هذا لاتبعوه . قال فقلت : يا سيدي مَن الخامس من ولد السابع ؟ فقال : يا بني عقولكم تصغرعن هذا وأحلامكم تضيق عن حمله ، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه » .
ومثله النعماني / 154 ، والهداية الكبرى / 361 ، وفيه : أنا السابع وابني علي الرضا الثامن ، وابنه محمد التاسع ، وابنه علي العاشر ، وابنه الحسن حادي عشر ، وابنه محمد سمي جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيه المهدي الخامس بعد السابع ، قلت : فرج الله عنك يا سيدي كما فرجت عني » . وإثبات الوصية / 224 ، وكمال الدين : 2 / 359 وعلل الشرائع : 1 / 244 ، وكفاية الأثر / 264 ، ودلائل الإمامة / 292 ، وغيبة الطوسي / 104 ، و 204 ، وإعلام الورى / 406 .
أمير المؤمنين عليه السلام : يبشر بالمهدي الحادي عشر من ولده
الكافي : 1 / 338 : « عن الأصبغ بن نباتة قال : أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته متفكراً ينكت في الأرض ، فقلت : يا أمير المؤمنين ما لي أراك متفكراً تنكت في الأرض ، أرغبةً منك فيها ؟ فقال : لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط ، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي ، هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ،
--------------------------- 147 ---------------------------
تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون . فقلت : يا أمير المؤمنين وكم تكون الحيرة والغيبة ؟ قال « سبتٌ من الدهر » . فقلت : وإن هذا لكائن ؟ فقال : نعم كما أنك مخلوق . وأنى لك بهذا الأمر يا أصبغ ، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة . فقلت : ثم ما يكون بعد ذلك ؟ فقال : ثم يفعل الله ما يشاء ، فإن له بداءات ، وإرادات ، وغايات ، ونهايات » .
ورواه في إثبات الوصية / 225 ، كالكافي ، بتفاوت ، و / 229 ، وفيه : وذلك إذا فقد الباب بينه وبين شيعتنا ، تكون الحيرة . ورواه في غيبة النعماني / 60 ، وفيه : سبت من الدهر . . وكمال الدين : 1 / 288 ، . وكفاية الأثر / 219 ، ودلائل الإمامة / 289 ، والاختصاص / 209 ، وغيبة الطوسي / 103 ، كالكافي ، بسندين عن الأصبغ . . الخ . ورسائل المفيد / 400 وقال : هذا الخبر الذي روته العامة والخاصة وهو خبر كميل بن زياد . وفيه : ما رغبت فيها ساعة قط . . التاسع من ولد الحسين عليه السلام . . يكون له غيبة يرتاب فيها المبطلون . . لابد له من حجة ، إما ظاهر مشهور شخصه وإما باطن مغمور ، لكيلا تبطل حجج الله » . . الخ .
وفي معاني الأخبار / 58 ، عن أبي جعفر محمد بن علي قال : « خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالكوفة بعد منصرفه من النهروان ، وبلغه أن معاوية يسبه ويلعنه ويقتل أصحابه ، فقام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله صلى الله عليه وآله ، وذكر ما أنعم الله على نبيه وعليه ، ثم قال في حديث طويل : ومن ولدي مهدي هذه الأمة » .
الإمام الحسن عليه السلام يبشر بالمهدي
كمال الدين : 1 / 316 ، عن أبي سعيد عقيصا في حديث طويل عن الإمام الحسن بن علي صلى الله عليه وآله قال : « أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، إلا القائم الذي يصلي روح الله عيسى بن مريم عليه السلام خلفه ، فإن الله عز وجل يخفي ولادته ويُغَيِّبُ شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ، ابن سيدة الإماء ، يطيل الله عمره في غيبته ، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة ، ذلك ليعلم أن الله على كل شئ قدير » .
الإمام الحسين عليه السلام يبشر بالمهدي التاسع من ولده !
في كمال الدين : 1 / 317 ، عن الحسين بن علي عليه السلام قال : « قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي ، وهو صاحب الغيبة ، وهو الذي يقسم ميراثه وهو حي » .
--------------------------- 148 ---------------------------
وفي كفاية الأثر / 232 ، عن يحيى بن نعمان قال : « كنت عند الحسين عليه السلام إذ دخل عليه رجل من العرب متلثماً أسمر شديد السمرة ، فسلم ورد الحسين عليه السلام فقال : يا ابن رسول الله مسألة ؟ قال : هات . قال : كم بين الإيمان واليقين ؟ قال : أربع أصابع . قال : كيف ؟ قال : الإيمان ما سمعناه ، واليقين ما رأيناه ، وبين السمع والبصر أربع أصابع . قال : فكم بين السماء والأرض ؟ قال : دعوة مستجابة . قال : فكم بين المشرق والمغرب ؟ قال : مسيرة يوم للشمس . قال : فما عز المرء ؟ قال : استغناؤه عن الناس . قال : فما أقبح شئ ؟ قال : الفسق في الشيخ قبيح ، والحدة في السلطان قبيحة ، والكذب في ذي الحسب قبيح ، والبخل في ذي الغنا ، والحرص في العالم .
قال : صدقت يا ابن رسول الله ، فأخبرني عن عدد الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله قال : اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل . قال : فسمهم لي قال : فأطرق الحسين عليه السلام ملياً ثم رفع رأسه فقال : نعم أخبرك يا أخا العرب ، إن الإمام والخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين علي عليه السلام والحسن ، وأنا وتسعة من ولدي ، منهم علي ابني وبعده محمد ابنه ، وبعده جعفر ابنه ، وبعده موسى ابنه ، وبعده علي ابنه ، وبعده محمد ابنه ، وبعده علي ابنه ، وبعده الحسن ابنه ، وبعده الخلف المهدي هو التاسع من ولدي ، يقوم بالدين في آخر الزمان . قال : فقام الأعرابي وهو يقول :
مَسَحَ النبيُّ جَبينهُ فلهُ بريقٌ في الخدود
أبواهُ من عليا قريشِ وجدُّهُ خيرُ الجُدود » .
وفي كمال الدين : 1 / 317 ، عن الحسين بن علي عليه السلام قال : « في التاسع من ولدي سنة من يوسف وسنة من موسى بن عمران . وهو قائمنا أهل البيت ، يُصلح الله تبارك وتعالى أمره في ليلة واحدة . . منا إثنا عشر مهدياً ، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وآخرهم التاسع من ولدي ، وهو القائم بالحق ، يحيي الله به الأرض بعد موتها ، ويظهر به دين الحق على الدين كله ، ولو كره المشركون . له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون ، فيؤذون ويقال لهم : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ! أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله » .
--------------------------- 149 ---------------------------
وروى في إثبات الهداة : 3 / 569 ، عن إثبات الرجعة للفضل بن شاذان ، عن أبي جعفر ، عن جده الحسين عليه السلام قال : « يظهر الله قائمنا فينتقم من الظالمين ، فقيل له : يا ابن رسول الله من قائمكم ؟ قال : السابع من ولد ابني محمد بن علي ، وهو الحجة بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابني ، وهو الذي يغيب مدة طويلة ثم يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كماً ملئت جوراً وظلماً » .
الإمام زين العابدين عليه السلام : كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم
في أمالي المفيد / 45 عن أبي خالد الكابلي قال : « قال لي علي بن الحسين عليه السلام : يا أبا خالد ، لتأتين فتنٌ كقطع الليل المظلم ، لا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه . أولئك مصابيح الهدى ، وينابيع العلم ، ينجيهم الله من كل فتنة مظلمة . كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان ، في ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً ، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله وإسرافيل أمامه ، معه راية رسول الله صلى الله عليه وآله قد نشرها ، لا يهوي بها إلى قوم إلا أهلكهم الله عز وجل » .
الإمام الباقر عليه السلام : قائمنا السابع من ولدي
كفاية الأثر / 297 ، عن زيد بن علي ، قال : « كنت عند أبي علي بن الحسين ، إذ دخل عليه جابر بن عبد الله الأنصاري ، فبينما هو يحدثه إذ خرج أخي محمد من بعض الحجر ، فأشخص جابر ببصره نحوه ثم قام إليه فقال : يا غلام أقبل فأقبل ، ثم قال : أدبر فأدبر ، فقال : شمائل كشمائل رسول الله صلى الله عليه وآله ما اسمك يا غلام ؟ قال : محمد . قال : ابن من ؟ قال : ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، قال : أنت إذاً الباقر ، قال : فانكبَّ عليه وقبل رأسه ويديه ، ثم قال : يا محمد إن رسول الله صلى الله عليه وآله يقرؤك السلام ، قال : على رسول الله أفضل السلام وعليك يا جابر ، بما أبلغت السلام ، ثم عاد إلى مصلاه ، فأقبل يحدث أبي ويقول : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي يوماً : يا جابر إذا أدركت ولدي الباقر فاقرأه مني السلام ، فإنه سميي وأشبه الناس بي ، علمه علمي وحكمه حكمي ، سبعة من ولده أمناء معصومون أئمة أبرار ، والسابع مهديهم
--------------------------- 150 ---------------------------
الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله : وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ » .
كفاية الأثر / 250 ، عن أبي مريم عبد الغفار بن القاسم ، قال : « دخلت على مولاي الباقر عليه السلام وعنده أناس من أصحابه فجرى ذكرالإسلام فقلت : يا سيدي فأي الإسلام أفضل ؟ قال : من سلم المؤمنون من لسانه ويده . قلت : فما أفضل الأخلاق ؟ قال : الصبر والسماحة . قلت : فأي المؤمنين أكمل إيماناً ؟ قال : أحسنهم خلقاًٍ . قلت : فأي الجهاد أفضل ؟ قال : من عقر جواده وأهريق دمه . قلت : فأي الصلاة أفضل ؟ قال : طول القنوت . قلت : فأي الصدقة أفضل ؟ قال : أن تهجر ما حرم الله عز وجل عليك . قلت : يا سيدي فما تقول في الدخول على السلطان ؟ قال : لا أرى لك ذلك . قلت : فإني ربما سافرت إلى الشام فأدخل على إبراهيم بن الوليد . قال يا عبد الغفار إن دخولك على السلطان يدعو إلى ثلاثة أشياء : محبة الدنيا ، ونسيان الموت ، وقلة الرضا بما قسم الله . قلت : يا ابن رسول الله فإني ذو عَيلة وأتَّجر إلى ذلك المكان لجر المنفعة فما ترى في ذلك ؟ قال : يا عبد الله إني لست آمرك بترك الدنيا بل آمرك بترك الذنوب . فترك الدنيا فضيلة وترك الذنوب فريضة ، وأنت إلى إقامة الفريضة أحوج منك إلى اكتساب الفضيلة . قال : فقبلت يده ورجله وقلت : بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله فما نجد العلم الصحيح إلا عندكم ، وإني قد كبرت سني ودق عظمي ، ولا أرى فيكم ما أسره أراكم مقتلين مشردين خائفين ، وإني أقمت على قائمكم منذ حين أقول : يخرج اليوم أو غداً .
قال : يا عبد الغفار إن قائمنا هو السابع من ولدي ، وليس هو أوان ظهوره ، ولقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الأئمة بعدي اثنا عشر ، عدد نقباء بني إسرائيل ، تسعة من صلب الحسين والتاسع قائمهم ، يخرج في آخر الزمان فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً . قلت : فإن كان هذا كائن يا ابن رسول الله فإلى من بعدك ؟ قال : إلى جعفر وهو سيد أولادي وأبو الأئمة ، صادق في قوله وفعله ، ولقد سألت عظيماً يا عبد الغفار وإنك لأهل الإجابة ، ثم قال : ألا إن مفاتيح العلم السؤال ، وأنشأ يقول :
شفاءُ العَمَى طولُ السؤال وإنماُ تمامُ العمى طولُ السكوت على الجهلِ » .
--------------------------- 151 ---------------------------
الإمام الصادق عليه السلام يبشر بالسادس من ولده
كمال الدين : 1 / 33 ، عن السيد بن محمد الحميري قال : « كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمد بن علي بن الحنفية ، قد ضللت في ذلك زماناً ، فمنَّ الله عليَّ بالصادق جعفر بن محمد ، وأنقذني به من النار ، وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله عليَّ وعلى جميع أهل زمانه ، وأنه الإمام الذي فرض الله طاعته وأوجب الاقتداء به ، فقلت له : يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحة كونها ، فأخبرني بمن تقع ؟ فقال : إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي ، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله ، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض وصاحب الزمان عليه السلام ، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه ، لم يخرج من الدنيا حتى يظهر ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً .
قال السيد : فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد صلى الله عليه وآله تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه ، وقلت قصيدتي التي أولها :
أيا راكباً نحو المدينة جَسْرة
عذافرةً يطوى بها كل سبسب
إذا ما هداك الله عاينت جعفراً
فقل لولي الله وابن المهذب
ألا يا أمين الله وابن أمينه
أتوبُ إلى الرحمن ثم تأوبي
إليك من الأمر الذي كنت مطنباً
أحارب فيه جاهداً كل معرب
وما كان قولي في ابن خولةَ مطنباً
معاندةً مني لنسل المطيب
ولكن روينا عن وصي محمد
وما كان فيما قال بالمتكذب
بأن وليَّ الأمر يفقد لا يرى
ستيراً كفعل الخائف المترقب
فتقسم أموال الفقيد كأنما
تغيبه بين الصفيح المنصب
فيمكث حيناً ثم ينبع نبعةً
كنبعة جديٍ من الأفق كوكب
يسير بنصر الله من بيت ربه
على سؤدد منه وأمر مسبب
يسير إلى أعدائه بلوائه
فيقتلهم قتلاً كحرَّانَ مغضب
فلما روي أن ابن خولةَ غائبٌ
صرفنا إليه قولنا لم نكذب
--------------------------- 152 ---------------------------
وقلنا هو المهديُّ والقائم الذي
يعيش به من عدله كل مجدب
فإن قلت لا فالحق قولك والذي
أمرت فحتمٌ غير ما متعصب
وأشهد ربي أن قولك حجة
على الناس طراً من مطيع ومذنب
بأن ولي الأمر والقائم الذي
تطلُّع نفسي نحوه بتطرب
له غيبةٌ لابد من أن يغيبها
فصلى عليه الله من متغيب
فيمكث حيناً ثم يظهر حينه
فيملك من في شرقها والمغرّب
بذاكَ أدين الله سراً وجهرةً
ولست وإن عوتبت فيه بمعتب » .
الإمام الكاظم عليه السلام : القائم هو الخامس من ولدي
روى الصدوق في كمال الدين : 2 / 361 ، عن يونس بن عبد الرحمن قال : « دخلت على موسى بن جعفر عليه السلام فقلت له : يا ابن رسول الله ، أنت القائم بالحق ؟ فقال : أنا القائم بالحق ، ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله عز وجل ويملؤها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، هو الخامس من ولدي ، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه ، يرتدّ فيها أقوام ويثبت فيها آخرون . ثم قال عليه السلام : طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا ، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا ، أولئك منا ونحن منهم ، قد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة ، فطوبى لهم ثم طوبى لهم ، وهم والله معنا في درجتنا يوم القيامة » .
وكفاية الأثر / 265 ، وإعلام الورى / 407 . . الخ .
الإمام الرضا عليه السلام يبشر بالمهدي الرابع من ولده
كمال الدين : 2 / 376 ، عن الريان بن الصلت ، قال : « قلت للرضا : أنت صاحب هذا الأمر ؟ فقال : أنا صاحب هذا الأمر ، ولكني لست بالذي أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً ، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني ، وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشبان ، قوياً في بدنه حتى لو مدَّ يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها ، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها ، يكون معه عصا موسى وخاتم سليمان ، ذاك
--------------------------- 153 ---------------------------
الرابع من ولدي ، يغيبه الله في ستره ما شاء ، ثم يظهره فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً » .
وفي كمال الدين : 1 / 371 ، عن الحسين بن خالد قال : « قال علي بن موسى الرضا عليه السلام : لا دينَ لمن لا ورع له ، ولا إيمان لمن لا تقية له ، إن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية ، فقيل له : يا ابن رسول الله إلى متى ؟ قال : إلى يوم الوقت المعلوم ، وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت ، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا ! فقيل له : يا ابن رسول الله ومَن القائم منكم أهل البيت ؟ قال الرابع من ولدي ، ابن سيدة الإماء ، يُطهر الله به الأرض من كل جور ، ويقدسها من كل ظلم . وهو الذي يشك الناس في ولادته ، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه ، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره ، ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحداً . وهو الذي تطوى له الأرض ولا يكون له ظل . وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه يقول : ألا إن حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه فإن الحق معه وفيه ، وهو قول الله عز وجل : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ . إن دولة أهل البيت هي الآية في الآية » .
وفي إثبات الوصية / 227 ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : « لا بدَّ من فتنة صماء صيْلم تظهر فيها كل بطانة ووليجة ، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي ، يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض !
ثم قال من بعد كلام طويل : كأني بهم شرَّما كانوا ، وقد نودوا ثلاثة أصوات : الصوت الأول أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين . والصوت الثاني : ألا لعنة الله على الظالمين . والثالث : بدن يظهر فيرى في قرن الشمس يقول : إن الله بعث فلاناً فاسمعوا وأطيعوا » .
وروى نحوه النعماني / 180 ، وفيه : « قال لي الرضا عليه السلام : إنه يا حسن سيكون فتنة صماء صيلم ، يذهب فيها كل وليجة وبطانة ، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي ، يحزن لفقده أهل الأرض والسماء . كم من مؤمن ومؤمنة متأسف متلهف حيران حزين لفقده . ثم أطرق ، ثم رفع رأسه وقال : بأبي وأمي سميُّ جدي وشبيهي ، وشبيه موسى بن عمران ، عليه جيوب النور تتوقد من شعاع ضياء القدس ، كأني بهم آيس ما كانوا قد نودوا نداء
--------------------------- 154 ---------------------------
يسمعه من بالبعد كما يسمعه من بالقرب ، يكون رحمةً على المؤمنين وعذاباً على الكافرين . فقلت : بأبي وأمي أنت وما ذلك النداء ؟ قال ثلاثة أصوات في رجب ، أولها : ألا لعنة الله على الظالمين ، والثاني : أزفت الأزفة يا معشر المؤمنين ، والثالث : يرون بدناً بارزاً مع قرن الشمس ينادي ألا إن الله قد بعث فلاناً على هلاك الظالمين ، فعند ذلك يأتي المؤمنين الفرج ويشفي الله صدورهم ، ويذهب غيظ قلوبهم » .
أقول : معنى قول الإمام الرضا عليه السلام فقدان الشيعة الثالث من ولدي ، أي عند فقدانهم الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، لأنه يتزامن مع غيبة خليفته الإمام المهدي عليه السلام . وستأتي بشارة الإمام الجواد والهادي والعسكري بالمهدي عليهم السلام . .
- *
--------------------------- 155 ---------------------------
الفصل السابع : ( الخطة الإلهية ، موقع الإمام المهدي عليه السلام من الخطة الإلهية )
--------------------------- 156 ---------------------------
قال النبي صلى الله عليه وآله : بنا فتح الله وبنا يختم
روى ابن حماد في كتابه الفتن : 1 / 370 ، عن علي عليه السلام قال : « قلت يا رسول الله ، المهدي منا أئمة الهدى أم من غيرنا ؟ قال : بل منا ، بنا يختم الدين كما بنا فتح ، وبنا يستنقذون من ضلالة الفتنة ، كما استنقذوا من ضلالة الشرك ، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم في الدين ، بعد عداوة الفتنة ، كما ألف الله بين قلوبهم ودينهم بعد عداوة الشرك » .
ونحوه الطبراني الأوسط : 1 / 136 ، وقال عنه في شرح النهج : 9 / 206 خطبة 155 : « وهذا الخبر مروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قد رواه كثير من المحدثين عن علي عليه السلام أن رسولالله صلى الله عليه وآله قال له : إن الله قد كتب عليك جهاد المفتونين ، كما كتب عليَّ جهاد المشركين ، فقلت : يا رسول الله فبأي المنازل أنزل هؤلاء المفتونين من بعدك ، أبمنزلة فتنة أم بمنزلة ردة ؟ فقال : بمنزلة فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل . فقلت : يا رسول الله ، أيدركهم العدل منا أم من غيرنا ؟ قال : بل منا ، بنا فتح وبنا يختم ، وبنا ألف الله بين القلوب بعد الشرك ، وبنا يؤلف بين القلوب بعد الفتنة . فقلت : الحمد لله على ما وهب لنا من فضله » .
ورواه الشافعي في البيان / 506 ، وقال : حديث حسن عال رواه الحفاظ في كتبهم . والسلمي في عقد الدرر / 25 ، وقال : أخرجه جماعة من الحفاظ في كتبهم ، منهم أبو القاسم الطبراني ، وأبو نعيم الأصبهاني ، وعبد الرحمن بن أبي حاتم ، وأبو عبد الله نعيم بن حماد ، وغيرهم . ورواه في عقد الدرر / 145 ، وقال : أخرجه الحافظ أبو بكر البيهقي . والطبراني في المعجم الأوسط : 1 / 136 .
وقال عنه الحافظ المغربي / 535 : « رواه الطبراني من طريق عبد الله بن لهيعة ، عن عمرو بن جابر الحضرمي ، عن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه ، به . أما ابن لهيعة فسيأتي الكلام عليه ، وأما الحضرمي فقد روى له الترمذي وابن ماجة ، وقال أبو حاتم : صالح الحديث عنده نحو عشرين حديثاً ، وذكره البرقي فيمن ضعف بسبب التشيع وهو ثقة ، وذكره يعقوب بن سفيان في الثقات ، وصحح الترمذي حديثه » .
وفي فتن ابن حماد : 1 / 375 : « عن سالم قال : كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن المهدي ، فقال : إن الله تعالى هدى هذه الأمة بأول أهل هذا البيت ، ويستنفذها بآخرهم ، لا ينتطح فيه عنزان ، جماء وذات قرن » !
ورواه من مصادرنا : الإمامة والتبصرة / 92 ، عن الحارث بن نوفل قال : « قال علي
--------------------------- 157 ---------------------------
لرسول الله صلى الله عليه وآله : يا رسول الله أمنا الهداة أو من غيرن . . االخ .
وفي أمالي المفيد / 288 : « لما نزلت على النبي صلى الله عليه وآله : إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ، قال لي : يا علي إنه قد جاء نصر الله والفتح . يا علي إن الهدى هو اتباع أمر الله دون الهوى والرأي ، وكأنك بقوم قد تأولوا القرآن وأخذوا بالشبهات ، واستحلوا الخمر بالنبيذ والبخس بالزكاة ، والسحت بالهدية ! قلت : يا رسول الله فما هم إذا فعلوا ذلك ، أهم أهل ردة أم أهل فتنة ؟ قال : هم أهل فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل ، فقلت : يا رسول الله العدل منا أم من غيرنا ؟ فقال : بل منا ، بنا فتح الله وبنا يختم الله ، وبنا ألف الله بين القلوب بعد الشرك ، وبنا يؤلف الله بين القلوب بعد الفتنة . فقلت : الحمد لله على ما وهب لنا من فضله » .
أقول : الختم في الحديث بمعنى بلوغ الأوج في إثمار المشروع الإلهي وتحقيق هدفه . والحديث يعني أن نبوة نبينا صلى الله عليه وآله كانت افتتاحاً لمشروع الإسلام ، وأنه سيصل إلى أوجه على يد الإمام المهدي عليه السلام . قال عز وجل بقوله : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ .
وما من سِرٍّ إلا والمهدي عليه السلام يختمه
روى ابن شعبة الحراني رحمه الله في تحف العقول / 171 ، وبشارة المصطفى / 24 ، خلاصة وصية أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد عليه السلام ، وهي طويلة مليئة بالعلم والحكمة ، جاء فيها : « عن سعيد بن زيد بن أرطاة ، قال : لقيت كميل بن زياد وسألته عن فضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : ألا أخبرك بوصية أوصاني بها يوماً ، هي خير لك من الدنيا بما فيها ؟ فقلت : بلى . قال : قال لي علي عليه السلام : يا كميل ، سمِّ كل يوم باسم الله ، وقل : لاحول ولا قوة إلا بالله ، وتوكل على الله ، واذكرنا وسمِّ بأسمائنا . . .
يا كميل ، إن رسول صلى الله عليه وآله أدبه الله عز وجل وهو عليه السلام أدبني ، وأنا أؤدب المؤمنين وأورث الأدب المكرمين . يا كميل ، ما من علم إلا وأنا أفتحه ، وما من سر إلا والقائم عليه السلام يختمه . ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
يا كميل ، لا تأخذ إلا عنا تكن منا . يا كميل ، ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة . . .
--------------------------- 158 ---------------------------
يا كميل ، أنتم مُمتعون بأعدائكم ، تطربون بطربهم ، وتشربون بشربهم ، وتأكلون بأكلهم ، وتدخلون مداخلهم ، وربما غلبتم على نعمتهم ، إي والله على إكراه منهم لذلك ، ولكن الله عز وجل ناصركم وخاذلهم ، فإذا كان والله يومكم وظهر صاحبكم لم يأكلوا والله معكم ، ولم يردوا مواردكم ، ولم يقرعوا أبوابكم ، ولم ينالوا نعمتكم ، أذلة خائبين ، مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً .
يا كميل ، لا تغتر بأقوام يُصلون فيطيلون ، ويصومون فيداومون ، ويتصدقون فيحسبون أنهم موفقون . يا كميل ، أقسم بالله لسمعت رسول صلى الله عليه وآله يقول : إن الشيطان إذا حمل قوماً على الفواحش مثل الزنا وشرب الخمر وما أشبه ذلك من الخنا والمآثم ، حبب إليهم العبادة الشديدة والخشوع والركوع والخضوع والسجود ، ثم حملهم على ولاية الأئمة الذين يدعون إلى النار ، ويوم القيامة لا ينصرون . . .
يا كميل ، إنه مستقر ومستودع ، فاحذر أن تكون من المستودعين ، وإنما تستحق أن تكون مستقراً إذا لزمت الجادة الواضحة التي لا تخرجك إلى عوج ، ولا تزيلك عن منهج ، ما حملناك عليه وما هديناك إليه .
يا كميل ، لا غزو إلا مع إمام عادل ، ولا نفل إلا مع إمام فاضل !
يا كميل ، أرأيت لو لم يظهر نبيٌّ وكان في الأرض مؤمن تقي لكان في دعائه إلى الله مخطئاً أو مصيباً ؟ بلى والله مخطئاً حتى ينصبه الله عز وجل ويؤهله له !
يا كميل ، الدين لله ، فلا تغترن بأقوال الأمة المخدوعة التي قد ضلت بعد ما اهتدت وجحدت بعد ما قبلت . يا كميل ، الدين لله تعالى فلا يقبل الله تعالى من أحد القيام به إلا رسولاً أو نبياً أو وصياً ! يا كميل ، هي نبوة ورسالة وإمامة ، وليس بعد ذلك إلا متولون ومتغلبون ، وضالون ومعتدون .
يا كميل ، إن النصارى لم تعطل الله تعالى ولا اليهود ، ولا جحدت موسى ولا عيسى ، ولكنهم زادوا ، ونقصوا ، وحرفوا ، وألحدوا ، فلُعنوا ومُقتوا ولم يتوبوا . . .
يا كميل ، قال رسول صلى الله عليه وآله قولاً أعلنه والمهاجرون والأنصارمتوافرون يوماً بعد العصر ، يوم النصف من شهر رمضان ، وهو قائمٌ على قدميه من فوق منبره : عليٌّ مني ، وابناي منه
--------------------------- 159 ---------------------------
والطيبون مني ومنهم ، وهم الطيبون بعد أمهم ، وهم سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها هوى ، الناجي في الجنة والهاوي في لظى » .
ومعنى قوله عليه السلام : ما من علم إلا وأنا أفتحه : أن النبي صلى الله عليه وآله جاء بأصول العلوم التي يحتاج إليها الناس ، وفتح أصول بعضها ثم يفتح أمير المؤمنين عليه السلام وأبناؤه المعصومون عدداً منها حتى يصل الأمر إلى المهدي عليه السلام فيكملها ويختمها . ويكفي أن يكشف أسرار القرآن ، ويبني به المعرفة الإنسانية العالية ، والحياة المتطورة ، مادياً ومعنوياً .
وقد استدل ابن أبي الحديد في مقدمة شرحه على أن العلوم الإسلامية كلها ترجع إلى أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله ، فهو مؤسسها أو مرسيها .
أمير المؤمنين عليه السلام : بنا فتح الله وبنا يختم ، لا بكم
في ملاحم ابن المنادي / 64 ، عن الأصبغ بن نباتة قال : « خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إن قريشاً أئمة العرب ، أبرارها لأبرارها وفجارها لفجارها ، ألا ولا بد من رحاً تطحن على ضلالة وتدور ، فإذا قامت على قطبها طحنت بحدِّها ، ألا وإن لطحنها رُوقاً ، ورُوقها حدتها ، وفَلُّها على الله عز وجل . ألا وإني وأبرار عترتي وأهل بيتي ، أعلم الناس صغاراً وأحلم الناس كباراً ، معنا راية الحق ، من تقدمها مرق ومن تأخر عنها محق ، ومن لزمها لحق . وإنا أهل بيت الرحمة ، وبنا فتحت أبواب الحكمة ، وبحكم الله حكمنا ، وبعلم الله علمنا ، ومن صادق سمعنا ، فإن تتبعونا تنجوا ، وإن تتولوا يعذبكم الله بأيدينا ، بنا فك الله ربق الذل من أعناقكم ، وبنا يختم لا بكم ، بنا يلحق التالي وإلينا يفئ الغالي .
ولولا أن تستعجلوا وتستأخروا القدر لأمر قد سبق في البشر ، لحدثتكم بشباب من الموالي وأبناء العرب ونبذ من الشيوخ ، كالملح في الزاد وأقل الزاد الملح ! فينا معتبر ولشيعتنا منتظر ، وإنا وشيعتنا نمضي إلى الله عز وجل بالبَطَن والحُمى والسيف ، وإن عدونا يهلك بالداء والدبيلة ، وبما شاء الله من البلية والنقمة .
وأيم الله أن لو حدثتكم بكل ما أعلم لقالت طائفة ما أكذب وأرجم ، ولو انتقيت منكم
--------------------------- 160 ---------------------------
مائة قلوبهم كالذهب ، ثم انتقيت من المائة عشرة ، ثم حدثتهم فينا أهل البيت حديثاً ليناً لا أقول فيه إلا حقاً ، ولا أعتمد فيه إلا صدقاً ، لخرجوا وهم يقولون علي من أكذب الناس ! ولو اخترت من غيرهم عشرة فحدثتهم في عدونا وأهل البغي علينا أحاديث كثيرة ، لخرجوا وهم يقولون علي من أصدق الناس !
هلك خاطب الخطب ، وحاص صاحب العَصَب ، وبقيت القلوب تَقلَّب ، منها مشغب ، ومنها مجدب ، ومنها مخصب ، ومنها مشتت . يا بنيَّ لِيبرَّ صغاركم كباركم ، وليرأف كباركم بصغاركم ، ولا تكونوا كالغواة الجفاة ، الذين لم يتفقهوا في الدين ولم يعطوا في الله عز وجل محض اليقين ، كبيض في أداح .
وويحُ الفراخ فراخ آل محمد من خليفة جبار عتريف مترف ، مستخفٍّ بخلفي وخلف الخلف ! وبالله لقد علمت تأويل الرسالات ، وإنجاز العداة ، وتمام الكلمات .
وليكونن من أهل بيتي رجل يأمر بأمر الله ، قوي يحكم بحكم الله ، وذلك بعد زمان مكلح مفضح ، يشتد فيه البلاء ، وينقطع فيه الرجاء ، ويقبل فيه الرشاء ، فعند ذلك يبعث الله عز وجل رجلاً من شاطئ دجلة لأمر حزبه يحمله الحقد على سفك الدماء ، قد كان في ستر وغطاء ، فيقتل قوماً هو عليهم غضبان شديد الحقد حران ، في سنة بخت نصر ، يسومهم خسفاً ويسقيهم كأساً مُصَبَّرة ، سوط عذاب ، وسيف دمار ، ثم يكون بعده هنات ، وأمور مشتبهات .
ألا إن من شط الفرات إلى النجفات باباً إلى القطقطانيات ، في آيات وآفات متواليات ، يحدثن شكاً بعد يقين ، يقوم بعد حين ، تبنى المدائن وتفتح الخزائن وتجمع الأمم ، ينفذها شخص البصر وطمح النظر ، وعنتُ الوجوه وكَسْفُ البال ، حين يرى مقبلاً مدبراً ، فيا لهفاه على ما أعلم ، رجب شهر ذكر ، رمضان تمام السنين ، شوال يشال فيه من القوم ، ذو القعدة يقتعدون فيه ، ذو الحجة الفتح من أول العشر .
ألا إن العجب كل العجب بعد جمادى ورجب ، جمع أشتات وبعث أموات ، وحديثات هونات هونات ، بينهن موتات ، رافعة ذيلها داعية عولها معلنة قولها ، بدجلة أو حولها .
ألا إن منا قائماً عفيفةٌ أحسابه ، سادةٌ أصحابه ، تنادون عند اصطلام أعداء الله باسمه
--------------------------- 161 ---------------------------
واسم أبيه ، في شهر رمضان ثلاثاً ، بعد هرج وقتال وضنك وخبال ، وقيام من البلاء على ساق ، وإني لأعلم إلى من تخرج الأرض ودايعها وتسلم إليه خزائنها ، ولو شئت أن أضرب برجلي فأقول أخرجوا من هاهنا بيضاً ودروعاً !
كيف أنتم يا بني هنات ، إذا كانت سيوفكم بأيمانكم مصلتات ، ثم رملتم رملات ليلة البيات ، ليستخلفن الله خليفة يثبت على الهدى ، ولا يأخذ على حكمه الرشى ، إذا دعا دعوات بعيدات المدى ، دامغات المنافقين ، فارجات عن المؤمنين . ألا إن ذلك كائن على رغم الراغمين ، والحمد لله رب العالمين » . انتهى .
وروى الجاحظ في البيان والتبيين / 238 ، بعضها ، قال : « قال أبو عبيدة : وروى فيها جعفر بن محمد : إن أبرار عترتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغاراً وأعلمهم كباراً ألا وإنا من أهل بيتٍ من عِلم الله علمنا ، وبحكم الله حكمنا ، ومن قول صادق سمعنا ، وإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا ، وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا ، معنا راية الحق ، من تبعنا لحق ومن تأخر عنا غرق . ألا وإن بنا ترد دبَرة كل مؤمن ، وبنا تخلع ربقة الذل من أعناقكم ، وبنا فتح وبنا ختم ، لا بكم » .
ورواها في شرح النهج : 1 / 276 ، عن الجاحظ ، وقال / 281 : « وقوله في آخرها : وبنا تختم لا بكم ، إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان ، وأكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة وأصحابنا المعتزلة لاينكرونه ، وقد صرحوا بذكره في كتبهم ، واعترف به شيوخهم ، إلا أنه عندنا لم يخلق بعد وسيخلق » . وكنز العمال : 14 / 592 .
ورواها في الإرشاد / 128 ، كالبيان والتبيين وقال : « ما رواه الخاصة والعامة عنه ، وذكر ذلك أبو عبيدة معمر بن المثنى وغيره ممن لا يتهمه خصوم الشيعة في روايته ، أن أمير المؤمنين عليه السلام قال في أول خطبة خطبها بعد بيعة الناس له على الأمر ، وذلك بعد قتل عثمان بن عفان » .
ورواها في المسترشد / 75 ، وقال إنه خطبها عندما ولي الأمر ، ونصها : « والذي نفسي بيده لتُخلخلن خلخلة ، ولتُبلبلن بلبلة ، ولتُغربلن غربلة ، ولتُساطن سوطة القدر ، حتى يعود أعلاكم أسفلكم وأسفلكم أعلاكم ، ولقد عدتم كهيئتكم يوم بعث فيكم نبيكم صلى الله عليه وآله ، ولقد نبئت بهذا الموقف وبهذا الأمر . . ألا إن أبغض عبد خلقه الله إلى الله لعبدٌ وكَلَه إلى نفسه ،
--------------------------- 162 ---------------------------
ورجل قَمَش في أشباه الناس علماً فسماه الناس عالماً ، حتى إذا ورد من آجن ، وارتوى من غير طائل ، قعد قاضياً للناس لتخليص ما اشتبه من غيره ، فإن قاس شيئاً بشئ لم يكذب بصره ، وإن أظلم عليه شئ كتم ما يعرف من نفسه لكيلا يقال لا يعرف ، خباط عشوات ، ومفتاح جهالات ، لا يسأل عما لا يعلم فيعَلَّم ، ولاينهض بعلم قاطع ، يذري الرواية إذراء الريح الهشيم ، تصرخ منه المواريث ، يحل بقضائه الفرج الحرام ، ويحرم بقضائه الفرج الحلال ، لامليٌّ بتصدير ما ورد عليه ، ولا ذاهل عما فرط عنه .
ألا إن العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فضلت به الأنبياء عليهم السلام ، في عترة نبيكم ، فأين يتاه بكم وأين تذهبون . يا معشر من نجا من أصحاب السفينة ، هذا مثلها فيكم كما نجا في هاتيك من نجا ، فكذلك من ينجو في هذه منكم من ينجو ! ويل لمن تخلف عنهم ، إنهم لكم كالكهف لأصحاب الكهف ، سموهم بأحسن أسمائهم ، وبما سموا به في القرآن ، هذا عذب فرات سائغ شرابه فاشربوا ، وهذا ملح أجاج فاحذروا ، إنهم باب حطة فأدخلوا .
ألا إن الأبرار من عترتي وأطائب أرومتي أعلم الناس صغاراً وأحلمهم كباراً . من عِلم الله علمنا ، ومن قول صادقٍ سمعنا ، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا ، وإن تدبروا عنا يهلككم الله بأيدينا أو بما شاء . معنا راية الحق ، من تبعها لحق ومن تخلف عنها محق ، وبنا ينير الله الزمان الكلف ، وبنا يدرك الله ترة كل مؤمن ، وبنا يفك الله ربقة الذل عن أعناقكم ، وبنا يختم الله لابكم » .
وروى بعضها ابن شعبة الحراني في تحف العقول / 115 ، وفيه : « بنا فتح الله عز وجل وبنا يختم الله ، وبنا يمحو الله ما يشاء ، وبنا يدفع الله الزمان الكَلِب ، وبنا ينزل الغيث . لا يغرنكم بالله الغرور ، لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ، ولأخرجت الأرض نباتها ، وذهبت الشحناء من قلوب العباد ، واصطلحت السباع والبهائم ، حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلا على نبات ، وعلى رأسها زنبيلها ، لايهيجها سبع ولا تخافه » .
أقول : روى مسلم « 3 / 84 » أن بلاد العرب تعود في عهده عليه السلام مروجاً وأنهاراً ، ومعنى أن المرأة تمشي بين العراق والشام والحجاز وزنبيلها على رأسها لا تخاف : أن الأمن يكون مستتباً ، والمواصلات متيسرة ، وقد قرَّبَ لهم ذلك بمَثَلٍ من عصرهم .
--------------------------- 163 ---------------------------
خاتم الأوصياء من ذرية خاتم الأسباط
في أمالي الطوسي : 2 / 113 ، عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : « كنت أمشي خلف عمي الحسن وأبي الحسين عليه السلام في بعض طرقات المدينة في العام الذي قبض فيه عمي الحسن عليه السلام ، وأنا يومئذ غلام لم أراهق ، أو كدت ، فلقيهما جابر بن عبد الله وأنس بن مالك الأنصاريان ، في جماعة من قريش والأنصار ، فما تمالك جابر بن عبد الله حتى أكب على أيديهما وأرجلهما يقبلهما ، فقال رجل من قريش كان نسيباً لمروان : أتصنع هذا يا أبا عبد الله ، وأنت في سنك هذا وموضعك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان جابر قد شهد بدراً ، فقال له : إليك عني ، فلو علمت يا أخا قريش من فضلهما ومكانهما ما أعلم ، لقبلت ما تحت أقدامهما من التراب .
ثم أقبل جابر على أنس بن مالك فقال : يا أبا حمزة أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله فيهما بأمر ما ظننته أنه يكون في بشر . قال : له أنس : وبماذا أخبرك يا أبا عبد الله ؟ قال علي بن الحسين : فانطلق الحسن والحسين عليه السلام ووقفت أنا أسمع محاورة القوم ، فأنشأ جابر يحدث قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم في المسجد وقد خفَّ مَن حوله إذ قال لي : يا جابر ادع لي حسناً وحسيناً ، وكان شديد الكلف بهما ، فانطلقت فدعوتهما وأقبلت أحمل هذا مرة وهذا أخرى حتى جئته بهما ، فقال لي وأنا أعرف السرور في وجهه لما رأى من محبتي لهما وتكريمي إياهما : أتحبهما يا جابر ؟ فقلت : وما يمنعني من ذلك فداك أبي وأمي وأنا أعرف مكانهما منك ؟ قال : أفلا أخبرك عن فضلهما ؟ قلت : بلى بأبي أنت وأمي . قال : إن الله تعالى لما أحب أن يخلقني خلقني نطفة بيضاء طيبة ، فأودعها صلب أبي آدم عليه السلام فلم يزل ينقلها من صلب طاهر إلى رحم طاهر ، إلى نوح وإبراهيم عليه السلام ثم كذلك إلى عبد المطلب ، فلم يصبني من دنس الجاهلية ، ثم افترقت تلك النطفة شطرين إلى عبد الله وأبي طالب ، فولدني أبي فختم الله بي النبوة ، وولد أبو طالب علياً فختمت به الوصية ، ثم اجتمعت النطفتان مني ومن علي فولدنا الجهر والجهير الحسنين ، فختم بهما أسباط النبوة ، وجعل ذريتي منهما ، وأمرني بفتح مدينة أو قال مدائن الكفر . ومن ذرية هذا ، وأشار إلى الحسين عليه السلام ، رجل يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، فهما طاهران مطهران ، وهما سيدا شباب أهل الجنة ، طوبي لمن أحبهما وأباهما وأمهما وويل لمن حاربهم وأبغضهم » .
--------------------------- 164 ---------------------------
وبمهدينا تنقطع الحجج
روى المسعودي في مروج الذهب : 1 / 32 : « عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : إن الله حين شاء تقدير الخليقة وذَرْأَ البرية ، وإبداع المبدعات ، نصب الخلق في صور كالهباء ، قبل دحو الأرض ورفع السماء ، وهو في انفراد ملكوته وتوحد جبروته ، فأتاح نوراً من نوره فلمع ، ونزع قبساً من ضيائه فسطع ، ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفية ، فوافق ذلك صورة نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، فقال الله عز من قائل : أنت المختار المنتخب ، وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي ، من أجلك أسطح البطحاء ، وأمرج الماء ، وأرفع السماء ، وأجعل الثواب والعقاب ، والجنة والنار ، وأنصب أهل بيتك للهداية ، وأوتيهم من مكنون علمي ، ما لا يشكل عليهم دقيق ولا يعييهم خفي ، وأجعلهم حجتي على بريتي ، والمنبهين على قدرتي ووحدانيتي ، ثم أخذ الله الشهادة عليهم بالربوبية والإخلاص بالوحدانية .
فبعد أخذ ما أخذ من ذلك ، شابَ ببصائر الخلق انتخاب محمد وآله ، وأراهم أن الهداية معه والنور له والإمامة في آله ، تقديماً لسنة العدل ، وليكون الإعذار متقدماً ، ثم أخفى الله الخليقة في غيبه ، وغيبها في مكنون علمه ، ثم نصب العوالم وبسط الزمان ، ومرج الماء وأثار الزبد وأهاج الدخان ، فطفا عرشه على الماء ، فسطح الأرض على ظهر الماء [ وأخرج من الماء دخاناً فجعله السماء ] ثم استجلبهما إلى الطاعة فأذعنتا بالاستجابة ، ثم أنشأ الله الملائكة من أنوار أبدعها وأرواح اخترعها ، وقرن بتوحيده نبوة محمد صلى الله عليه وآله ، فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض .
فلما خلق آدم أبان فضله للملائكة ، وأراهم ما خصه به من سابق العلم ، من حيث عرفه عند استنبائه إياه أسماء الأشياء ، فجعل الله آدم محراباً وكعبة وباباً ، وقبلة أسجد إليها الأبرار والروحانيين الأنوار ، ثم نبه آدم على مستودعه ، وكشف له خطر ما ائتمنه عليه ، بعد ما سماه إماماً عند الملائكة ، فكان حظ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا ، ولم يزل الله تعالى يخبأ النور تحت الزمان ، إلى أن فضل محمداً صلى الله عليه وآله في ظاهر الفترات ، فدعا الناس ظاهراً وباطناً ، وندبهم سراً وإعلاناً ، واستدعى التنبيه على العهد الذي قدمه إلى الذر قبل النسل ، فمن وافقه وقبس من مصباح النور المقدم اهتدى إلى سره ، واستبان واضح أمره ، ومن أبلسته الغفلة استحق السخط .
--------------------------- 165 ---------------------------
ثم انتقل النور إلى غرائزنا ولمع في أئمتنا ، فنحن أنوار السماء ، وأنوار الأرض ، فبنا النجاة ، ومنا مكنون العلم ، وإلينا مصير الأمور ، وبمهدينا تنقطع الحجج ، خاتمة الأئمة ، ومنقذ الأمة ، وغاية النور ، ومصدر الأمور . فنحن أفضل المخلوقين ، وأشرف الموحدين ، وحجج رب العالمين ، فليهنأ بالنعمة من تمسك بولايتنا ، وقبض على عروتنا » . وفي تذكرة الخواص لابن الجوزي / 128 : « وبمهدينا تقطع الحجج ، فهو خاتم الأئمة . . وغامض السرفليهنأ من استمسك بعروتنا ، وحُشر على محبتنا » . ومعنى تقطع الحجج : لا يبقى لأحد حجة مقابل أهل البيت عليه السلام .
الإمام العسكري عليه السلام : خاتم حجج الله وآخر خلفائه
في إثبات الهداة : 3 / 569 : « عن الفضل بن شاذان ، عن محمد بن عبد الجبار قال : قلت لسيدي الحسن بن علي عليه السلام : يا ابن رسول الله جعلني الله فداك : أحب أن أعلم من الإمام وحجة الله على عباده من بعدك ؟ فقال : إن الإمام وحجة الله من بعدي ابني سميُّ رسولالله صلى الله عليه وآله وكنِيُّه ، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه ، قلت : ممن هو يا ابن رسول الله ؟ قال : من ابنة ابن قيصر ملك الروم . ألا إنه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ثم يظهر » .
وفي مصباح المتهجد / 287 ، عن الإمام الصادق عليه السلام في التوسل بالأئمة المعصومين عليهم السلام : « اللهم . . . وأتقرب إليك بالبقية الباقي ، المقيم بين أوليائه الذي رضيته لنفسك ، الطيب الطاهر الفاضل الخير ، نور الأرض وعمادها ، ورجاء هذه الأمة وسيدها ، الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ، الناصح الأمين ، المؤدي عن النبيين ، وخاتم الأوصياء النجباء الطاهرين » .
وفي غيبة الطوسي / 165 ، « عن أبي سليمان داود بن عنان البحراني قال : قرأت على أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي : دخلت على أبي محمد في المرضة التي مات فيها وأنا عنده ، إذ قال لخادمه عقيد وكان الخادم أسود نوبياً ، قد خدم من قبله علي بن محمد ، وهو رَبِيُّ الحسن عليه السلام ، فقال : يا عقيد أغل لي ماء بمصطكى فأغلى له ، ثم جاءت به صقيل الجارية أم الخلف عليه السلام « أي مربيته » فلما صار القدح في يديه وهمَّ بشُربه ، فجعلت يده ترتعد حتى ضرب القدح ثنايا الحسن ، فتركه من يده وقال لعقيد : أدخل البيت فإنك ترى صبياً ساجداً فأتني
--------------------------- 166 ---------------------------
به ، قال أبو سهل : قال عقيد فدخلت أتحرى فإذا أنا بصبي ساجد ، رافع سبابته نحو السماء فسلمت عليه ، فأوجز في صلاته فقلت : إن سيدي يأمرك بالخروج إليه ، إذ جاءت أمه صقيل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن عليه السلام ، قال أبو سهل : فلما مَثُلَ الصبي بين يديه سلَّم ، وإذا هو دري اللون وفي شعر رأسه قطط ، مفلج الأسنان ، فلما رآه الحسن عليه السلام بكى وقال : يا سيد أهل بيته ، إسقني الماء فإني ذاهب إلى ربي ، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكى بيده ، ثم حرك شفتيه ثم سقاه ، فلما شربه قال : هيئوني للصلاة ، فطرح في حجره منديل فوضأه الصبي واحدة واحدة ، ومسح على رأسه وقدميه ، فقال له أبو محمد عليه السلام : أبشر يا بني فأنت صاحب الزمان ، وأنت المهدي ، وأنت حجة الله على أرضه ، وأنت ولدي ووصيي ، وأنا ولدتك ، وأنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ولدك رسول الله صلى الله عليه وآله وأنت خاتم الأئمة الطاهرين ، وبشر بك رسول الله صلى الله عليه وآله وسماك وكناك ، بذلك عهد إلي أبي عن آبائك الطاهرين ، صلى الله على أهل البيت ربنا إنه حميد مجيد ، ومات الحسن بن علي من وقته صلوات الله عليهم أجمعين » .
الإمام المهدي عليه السلام : أنا خاتم الأوصياء وبي يرفع الله البلاء
في إثبات الوصية للمسعودي / 221 : « حدثني أبو نصر ضرير الخادم قال : دخلت على صاحب الزمان فقال لي : علي بالصندل الأحمر فأتيته به ، فقال : أتعرفني ؟ قلت نعم قال من أنا ؟ فقلت أنت سيدي وابن سيدي . فقال ليس عن هذا سألتك ، قال ضرير فقلت : جعلت فداك فسر لي ، فقال : أنا خاتم الأوصياء ، وبي يرفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي » .
- *
--------------------------- 167 ---------------------------
الفصل الثامن : ( تحريف البشارة ، من تحريف السلطة للبشارة النبوية ! )
--------------------------- 168 ---------------------------
1 - قال النبي صلى الله عليه وآله « من عترتي » فجعلوها « من أمتي »
اقرأ هذا الحديث الصحيح عندهم ، الذي رواه الحافظ الإمام ابن المنادي / 41 ، قال : « أخبرنا عبد الرزاق بن همام قال : قلت لسعيد بن المسيب : أحقٌّ المهدي ؟ قال حق ، قال قلت : ممن هو ؟ قال من قريش ، قلت : من أي قريش ؟ قال : من بني هاشم قلت : من أي بني هاشم ؟ قال : من بني عبد المطلب ، قلت : من أي عبد المطلب ؟ قال : من ولد فاطمة . قلت : من أي ولد فاطمة ؟ قال : حسبك الآن » !
ورواه فوائد الفكر / 65 عن قتادة . وابن طاووس / 164 ، عن فتن زكريا . وينابيع المودة : 3 / 262 ، وشرح المقاصد : 8 / 232 ، وفي جميعها : قلت : من أي ولد فاطمة ؟ قال : حسبك الآن » .
وسبب كتمان ابن المسيب حديث رسول الله صلى الله عليه وآله أن مدح أهل البيت عليهم السلام كان جريمة عند السلطة فهو يخاف منها ، حتى لو كان حديثه تحديد هوية المهدي عليه السلام ، فكان بعضهم يغيرعترتي بأمتي لئلا يغضبون عليه ، كما ترى في صحيح ابن حبان : 8 / 11 ، ومسند أبي يعلى : 2 / 291 ، عن ابن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : « يخرج رجل من أمتي يواطئ اسمه اسمي وخلقه خلقي ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » . والطبراني الكبير : 10 / 168 ، عن ابن عمر ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لاتذهب الأيام والليالي ، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم حتى يبعث الله رجلاً من أمتي ، يواطئ اسمه » .
ولهذا يجب ان تضع كلمة « عترتي » بدل « أمتي » في أحاديثهم في المهدي عليه السلام !
وتجد التحريف مرة عن ابن عمر ، ومرة عن ابن عمرو ، ومرة عن ابن مسعود ، أو أبي سعيد الخدري وهو أصدقهم وأجرؤهم في الرواية ، وقد رفض البيعة ليزيد عندما استباح جيشه المدينة في وقعة الحرة ، فنتفوا لحيته وكادوا يقتلونه ! وروى تلميذه أبو الصديق الناجي ، كما في سنن الداني / 93 ، أن أبا سعيد كان جالساً عند منبر النبي صلى الله عليه وآله يبكي وله حنين : « قلت : ما يبكيك ؟ قال : تذكرت النبي صلى الله عليه وآله ومقعده على هذا المنبر ، قال : إن من أهل بيتي الأقنى الأجلى ، يأتي الأرض وقد ملئت ظلماً وجوراً ، فيملؤها قسطاً وعدلاً » !
--------------------------- 169 ---------------------------
2 - غيروا « اسمه اسمي » إلى « يواطئ اسمه اسمي » !
كنت أقرأ في أحاديثهم أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « يواطئ اسمه اسمي » فأتساءل : هل يمكن أن يعبر النبي صلى الله عليه وآله بتعبيرمن يظن ظناً ، وهو مصدر اليقين ، وهل يريد أن يبهم ويقول : « اسمه قريب من اسمي » لهدفٍ له في إبهام اسم المهدي عليه السلام ؟ !
أما أحاديث أهل البيت عليهم السلام فكلها تقول : « اسمه اسمي » وليس فيها أثرٌ لكلمة يواطي أو يقارب أو يوافق ! ففي كمال الدين : 1 / 286 ، مثلاً عن جابر رحمه الله قال : « قال رسول الله : المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلْقاً وخُلُقاً ، تكون له غيبة وحيرة ، تضل فيها الأمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب ، يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً » . فالقضية إذن ، أن الذين يدعون المهدوية لمعاوية وموسى بن طلحة ، يريدون زحزحة اسم المهدي عن اسم النبي صلى الله عليه وآله إلى ما يواطيه ، أي يوافقه أو يقاربه ، ليجعلوا اسم موسى ومعاوية موافقين له في المعنى !
ويلاحظ أنهم كذبوا ذلك أولاً عن لسان ابن مسعود : » قال ابن المنادي في سننه / 41 : « سألت عاصم بن أبي النجود فقلت له : يا أبا بكر أذكرت زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تنقضي الدنيا حتى يملك الأرض رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ؟ فقال : نعم ، وكذلك خليفة » . انتهى .
ولعل تحريفهم بدأ بإضافة كاف فصار الحديث : اسمه كاسمي ، ثم صار : يوافق اسمي ، ويواطي اسمي ! « الطبراني الكبير : 10 / 161 ، وابن المنادي / 41 ، عن ابن مسعود » ! بينما أصل رواية حذيفة « اسمه اسمي » كما في عقد الدرر / 24 ، عن أبي نعيم في صفة المهدي قال : « وعن حذيفة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله فذكَّرنا رسول الله بما هو كائن ثم قال : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد ، لطول الله عز وجل ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي اسمه اسمي ، فقام سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ، من أي ولدك ؟ قال من ولدي هذا ، وضرب بيده على الحسين » . انتهى .
--------------------------- 170 ---------------------------
3 - أضافوا إلى النص : « واسم أبيه اسم أبي »
والد الإمام المهدي هو الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، وجاءه اللقب لأن الخليفة فرض عليه وعلى أبيه الإمام الهادي عليه السلام الإقامة الجبرية في عاصمته سامراء ، وكان اسمها العسكر ، فعرفا باسم : « العسكرييْن » .
لكن رواة الخلافة جعلوا اسم والد المهدي اسم والد النبي صلى الله عليه وآله ، لأن عبد الله بن الحسن المثنى ادعاها لابنه محمد ، وعبد الله المنصور العباسي ادعاها لابنه محمد . وقد تبنى هذه الزيادة أتباع ابن تيمية ، ثم أمعنوا في التطرف وألغوا كافة الأحاديث التي تنص على أن المهدي من أولاد علي وفاطمة عليهم السلام ليفسحوا المجال بذلك لمهديهم غيرالهاشمي أيضاً !
فقد قامت حركة محمد بن عبد الله العتيبي في مطلع القرن الخامس عشر عام 1400 هجرية ، على ادعاء أنه المهدي الموعود وسيطرعلى الحرم المكي أياماً ، وكان وزيره أخ زوجته جهيمان ، ودعا المسلمين إلى بيعة صهره المهدي محمد بن عبد الله العتيبي ! وقد قتل هذا « المهدي » ولم يملأ شيئاً قسطاً وعدلاً !
ثم ادعى الوهابيون المهدية لشخص آخر من مدينة بريدة ، اسمه محمد بن عبد الله وما زال حياً ، ولعله من قبائل هوازن ، فزعموا أن فيه صفات المهدي عليه السلام وأخذوه إلى مفتيهم الأكبر ابن باز وامتحنه فأعجبه ، ووافقهم على انطباق الصفات عليه وتمنى له التوفيق ! وقد نشرت هذا الخبر مواقعهم قبل نحو سنتين من وفاة شيخهم ابن باز ثم قرأنا عن مهدي بريدة أنهم أخذوه إلى الشيشان وأفغانستان لينطبق عليه الحديث أنه يخرج من المشرق ، ثم غيبوه في سردابهم الذي يتهموننا به ! لكن الصحيح أن الإمام المهدي عليه السلام يخرج من مكة ، وأنه يبدأ أمره من المشرق ، أي حركة أنصاره أهل المشرق ، وليس ظهوره .
وأصل هذه الزيادة من نص نسبوه إلى ابن مسعود : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهلي ، يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » . وابن حماد : 1 / 367 ، وابن أبي شيبة : 8 / 678 ، وأوسط الطبراني : 2 / 135 ، والداني / 94 ، وغيرهم .
ولم يدخل هذا التحريف إلا في مصادرهم من الدرجة الثانية أو الثالثة ، مثلاً رواه أحمد : 1 / 376
--------------------------- 171 ---------------------------
عن زر بن حبيش ، عن ابن مسعود ، وليس فيه : واسم أبيه اسم أبي . وفي الروض الداني على المعجم الصغير : 2 / 290 ، عن ابن مسعود قال : قال رسولالله صلى الله عليه وآله : لاتذهب الدنيا حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي .
ومثله جامع الأحاديث للسيوطي : 7 / 264 ، بروايتين عن ابن مسعود ، ولفظهما : يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي . ومسند البزار : 5 / 225 ، وزين الفتى : 1 / 382 ، وأبو داود : 4 / 106 ، بثلاثة أسانيد عن عبد الله بن مسعود ، وليس فيها : اسم أبيه اسم أبي . والترمذي : 4 / 505 ، كرواية أحمد الثانية ، والطبراني الكبير : 10 / 166 ، والداني / 98 ، كأبي داود بتفاوت ، عن عبد الله بن مسعود . ومصابيح البغوي : 3 / 492 ، وجامع الأصول : 11 / 48 ، وكلها بدون : اسم أبيه اسم أبي . ورواه البيهقي في الإعتقاد / 173 ، عن علي بدونها ، ثم قال : ورواه عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش ، عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله : وذكر فيه : يواطئ اسمه اسمي . .
وكشف هذه الزيادة الشافعي الكنجي ، وهو من كبار علمائهم فقال في كتابه البيان / 482 : « أخبرنا الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم الآبري في كتاب مناقب الشافعي ، ذكر هذا الحديث وقال فيه : وزاد زائدة في روايته : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً مني ، أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً . قلت : وذكر الترمذي الحديث ، ولم يذكر قوله واسم أبيه اسم أبي ، وذكره أبو داود ، وفي معظم روايات الحفاظ والثقات من نقلة الأخبار : اسمه اسمي فقط ، والذي رواه اسم أبيه اسم أبي ، فهو زائدة وهو يزيد في الحديث . والقول الفصل في ذلك أن الإمام أحمد مع ضبطه وإتقانه روى هذا الحديث في مسنده في عدة مواضع : واسمه اسمي » .
وقال السلمي في عقد الدرر / 27 : « أخرجه جماعة من أئمة الحديث في كتبهم منهم الإمام أبو عيسى الترمذي في جامعه ، والإمام أبو داود في سننه ، والحافظ أبو بكر البيهقي ، والشيخ أبو عمرو الداني ، كلهم هكذا ، وليس فيه : واسم أبيه اسم أبي » .
أقول : فقد نصوا على أن الكذاب الذي وضع الزيادة هو زائدة بن قدامة الثقفي ، وكان قائداً عند الحجاج ، وذكروا في ترجمته تعصبه وأنه كان يطرد من بيته من يروي طعناً في أبي بكر وعمر وعثمان ، ولذلك وثقوه .
ومع شهادتهم بأن الزيادة موضوعة ، لا تبقى حاجة لتأويلها كما حاول الشبلنجي والإربلي
--------------------------- 172 ---------------------------
والهروي والنوري والمجلسي وغيرهم ، فقالوا ربما كان أصلها : واسم أبيه اسم نبي ، أو اسم ابني ، أي الحسن عليه السلام !
ولا يرد الإشكال علينا بأن بعض علماء الشيعة أورد هذه الزيادة في بعض ما رواه ، كما في أمالي الطوسي : 1 / 361 ، وابن طاووس ، فإن ذلك يدل على أمانتهم في النقل ، فقد نصّوا على أن اسم أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام . . بل هو من ضرورات مذهبنا .
4 - « من وُلْد الحسين » جعلوها « من وُلْد الحسن » !
وثَّقنا في المجلد الثالث من جواهر التاريخ استغلال الأمويين لصلح الإمام الحسن لمعاوية ، ومحاولتهم أن يصوروه مخالفاً لأبيه وأخيه عليهم السلام ، ومعارضاً لحرب الجمل وصفين ، وأنه أوصى الحسين أن لا يخرج على بني أمية !
ورووا أحاديث ظاهرها المدح له ، وغرضها الطعن بأبيه وأخيه عليه السلام !
ومن أعمالهم هنا أنهم انتقموا من الحسين عليه السلام فصادروا منه أن المهدي عليه السلام من ولده وأعطوه إلى الإمام الحسن عليه السلام ، ونسبوا روايتهم إلى علي عليه السلام ! فقال ابن حماد : 1 / 374 : « عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : سمى النبي صلى الله عليه وآله الحسن سيداً وسيخرج الله من صلبه رجلاً اسمه اسم نبيكم ، يملأ الأرض عدلاً كماً ملئت جوراً » .
ورواه أبو داود : 4 / 108 : « عن أبي إسحاق ، قال : قال علي ونظر إلى ابنه الحسن فقال : إن ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وآله وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق . ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلاً » .
وجامع الأصول : 11 / 49 ، وعقد الدرر / 23 ، ومشكاة المصابيح : 3 / 26 وفتن ابن كثير : 1 / 38 ، والحاوي : 2 / 59 ، وعون المعبود : 11 / 381 ، وعقيدة أهل السنة / 16 . . الخ .
وقد فرح أتباع بني أمية بهذا « الحديث » وتجاهلوا وجود رواية عندهم بلفظ : « قال علي ونظر إلى ابنه الحسين عليه السلام » .
قال في فيض القدير : 6 / 362 : « بالغ الحسن في ترك الخلافة ونهى أخاه عنها ، وتذكر ذلك ليلة مقتله فترحم على أخيه ! وما روى من كونه من ولد الحسين فواهٍ جداً » .
--------------------------- 173 ---------------------------
وقال ابن تيمية في منهاجه : 4 / 95 : « فالمهدي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وآله اسمه محمد بن عبد الله لا محمد بن الحسن ، وقد روى عن علي رضي الله عنه أنه قال : هو من ولد الحسن بن علي ، لا من ولد الحسين بن علي » . ونحوه : 8 / 258 .
وزاد تلميذه ابن قيم في المنار المنيف / 151 : « وأكثر الأحاديث على هذا تدل . وفي كونه من ولد الحسن سر لطيف وهو أن الحسن رضي الله تعالى عنه ترك الخلافة لله ، فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض . . . وهذا بخلاف الحسين رضي الله عنه فإنه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها » !
فانظر إلى خبثهم ونصبهم وتهمتهم للحسين سيد شباب أهل الجنة عليه السلام ، وراجع فرحتهم وطعنهم به عليه السلام في : صواعق ابن حجر : 2 / 480 و 680 ، والحاوي : 2 / 85 ، والفتاوى الحديثية / 30 ، وعون المعبود : 11 / 256 ، والفائق : 1 / 230 .
وأفضل ما وجدته في الرد عليهم ما كتبه السيد الميلاني في مجلة تراثنا : 43 / 59 ، ملخصاً :
1 - يلاحظ عليه : أنه لم يخرِّجه أحد من المحدثين غير أبي داود ، لا قبله ولا بعده .
2 - اختلف النقل عن أبي داود فقال الجزري الشافعي « ت 833 ه - » في كتابه أسمى المناقب : « والأصح أنه من ذرية الحسين بن علي لنص أمير المؤمنين علي على ذلك فيما أخبرنا به شيخنا المسند ، رحالة زمانه عمر بن الحسن الرقي قراءة عليه ، قال : أنبأنا أبو الحسن البخاري أنبأنا عمر بن محمد الدارقزي ، أنبأنا أبو البدر الكرخي ، أنبأنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا أبو عمر الهاشمي ، أنبأنا أبو علي اللؤلؤي ، أنبأنا أبو داود الحافظ قال : حدثت عن هارون بن المغيرة قال : حدثنا عمر بن أبي قيس ، عن شعيب بن خالد ، عن أبي إسحاق قال علي ونظر إلى ابنه الحسين . . . هكذا رواه أبو داود في سننه وسكت عنه » .
3 - الحديث منقطع ولا حجة في المنقطع ، لأنه راويه عن علي عليه السلام أبو إسحاق السبيعي ، ولم تثبت له رواية عن علي عليه السلام كما نص المنذري ، وكان عمره عند شهادة أمير المؤمنين عليه السلام سبع سنين . قال ابن حجر إنه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان » .
4 - مضافاً إلى انقطاعه فقد رواه أبو داود عن مجهول لم يسمه حيث قال : « حُدِّثت عن هارون » ، وهذا وحده يكفي لإبطاله ! على أن السيد صدر الدين الصدر ناقش هذا الحديث
--------------------------- 174 ---------------------------
بستة وجوه ، فقال ما نصه : « أقول : بحسب القواعد المقررة في أصول الفقه لا يصح الاستناد إلى رواية أبي داود المذكورة لأمور : الأول : اختلاف النقل عن أبي داود ، ففي عقد الدرر نقلها عن أبي داود في سننه وفيها : أن علياً نظر إلى ابنه الحسين . الثاني : أن جماعة من الحفاظ نقلوا هذه القصة بعينها وفيها : أن علياً نظر إلى ابنه الحسين ، كالترمذي ، والنسائي ، والبيهقي كما في عقد الدرر . الثالث : احتمال التصحيف فيها فإن لفظ الحسين والحسن في الكتابة وقوع الاشتباه فيه قريب جداً ، سيما في الخط الكوفي . الرابع : أنها مخالفة لما عليه المشهور من علمائهم ، كما نص عليه بعضهم . الخامس : أنها معارضة بأخبار كثيرة أصح سنداً وأظهر دلالة . السادس : أن احتمال الوضع وكونها صنيعة الدرهم والدينار قريب جداً ، تقرباً إلى محمد بن عبد الله المعروف بالنفس الزكية » . وذكر في هامشه مصادر أحاديث تنص على أنه من ولد الحسين عليه السلام ، وقال : أنظر : المنار المنيف : 148 ، رقم : 329 ، فصل 50 عن المعجم الأوسط للطبراني ، عقد الدرر / 24 باب 1 ، عن كتاب الأربعين لأبي نعيم الأصبهاني . ذخائر العقبى : 136 ، وقد جعل حديث المهدي من ولد الإمام الحسين عليه السلام مقيداً لما أطلق قبله . فرائد السمطين : 2 / 325 ، رقم 575 باب 61 . القول المختصر : 7 / 37 باب 1 . فرائد فوائد الفكر : 2 باب 1 . السيرة الحلبية : 1 / 193 . مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي الحنفي : 1 / 196 ، ينابيع المودة : 224 باب 56 و 492 . غاية المرام : 694 رقم 17 باب 141 ، منتخب الأثر / 154 رقم 40 باب 1 . وفيه أحاديث كثيرة جداً من طرق أهل السنة تثبت كون الإمام المهدي من ولد الحسين عليه السلام » .
أقول : يظهر لك شكهم في هذه الرواية ، من محاولته الصلح بين النصين بأنه يحتمل أن تكون أمه من ذرية الحسن عليه السلام « فوائد الفكر / 101 » .
أما مصادرنا فهي صريحة متواترة بأن النبي صلى الله عليه وآله نص على أن الأئمة التسعة المعصومين من ذرية الحسين لا من ذرية الحسن عليهم السلام . ففي تفسير العياشي : 2 / 291 ، عن حمران ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « قلت له : يا ابن رسول الله زعم ولد الحسن عليه السلام أن القائم منهم ، وأنهم أصحاب الأمر ، ويزعم ولد ابن الحنفية مثل ذلك ، فقال : نحن والله أصحاب الأمر وفينا القائم ، ومنا السفاح والمنصور ، وقد قال الله : وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً ، نحن أولياء الحسين بن علي عليه السلام وعلى دينه » .
--------------------------- 175 ---------------------------
وفي كمال الدين : 2 / 358 ، عن المفضل بن عمر ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « سألته عن قول الله عز وجل : وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ؟ ما هذه الكلمات ؟ قال : هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب الله عليه ، وهو أنه قال : أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، إلا تبت عليَّ ، فتاب الله عليه إنه هو التواب الرحيم . فقلت له : يا ابن رسول الله فما يعني عز وجل بقوله فأتمهن ؟ قال : يعني فأتمهن إلى القائم اثني عشر إماماً ، تسعة من ولد الحسين عليه السلام . قال المفضل فقلت : يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول الله عز وجل : وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ؟ قال : يعني بذلك الإمامة جعلها الله تعالى في عقب الحسين إلى يوم القيامة .
قال فقلت له : يا ابن رسول الله فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن وهما جميعاً ولدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسبطاه وسيدا شباب أهل الجنة ؟ فقال : إن موسى وهارون كانا نبيين مرسلين وأخوين ، فجعل الله عز وجل النبوة في صلب هارون دون صلب موسى ، ولم يكن لأحد أن يقول لم فعل الله ذلك ؟ وإن الإمامة خلافة الله عز وجل في أرضه ، وليس لأحد أن يقول لمَ جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن ؟ لأن الله تبارك وتعالى هو الحكيم في أفعاله : لايُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ » .
ومعاني الأخبار / 126 ، والخصال / 304 ، والمناقب : 1 / 283 ، ومجمع البيان : 1 / 200 ، وإرشاد القلوب / 421 ، وتأويل الآيات : 1 / 77 ، وإثبات الهداة : 1 / 645 .
ويدل ما رواه في تفسير العياشي : 2 / 72 ، على أن الله تعالى أجرى اختياره للإمامة طبق أولوية الرحم في الإرث : عن أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « قلت له أخبرني عن خروج الإمامة من ولد الحسن إلى ولد الحسين ، كيف ذلك وما الحجة فيه ؟ قال : لما حضر الحسين ما حضره من أمر الله لم يجز أن يردها إلى ولد أخيه ولا يوصى بها فيهم ، يقول الله : وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ ، فكان ولده أقرب رحماً إليه من ولد أخيه ، وكانوا أولى بالإمامة . وأخرجت هذه الآية ولد الحسن منها ، فصارت الإمامة إلى الحسين ، وحكمت بها الآية لهم ، فهي فيهم إلى يوم القيمة » . انتهى .
--------------------------- 176 ---------------------------
5 - معاوية أول من ادعى أنه المهدي الموعود !
قال ابن حماد في الفتن : 1 / 370 : « عن الوليد بن هشام المعيطي عن أبان بن الوليد قال : سمعت ابن عباس وهو عند معاوية يقول : « يبعث الله المهدي منا أهل البيت » .
أقول : هذا هو السبب في ادعاء معاوية أنه المهدي رداً على مهدي بني هاشم ! فقد روى السيد ابن طاوس رحمه الله في الملاحم والفتن / 115 ، وطبعة / 238 ، عن الطبري المؤرخ المعروف ، في كتابه « عيون أخبار بني هاشم » الذي صنفه للوزير علي بن عيسى بن الجراح ، قال ابن طاووس : « وجدته ورويته من نسخة عتيقة ظاهرحالها أنها كتبت في حياته ، فقال ما هذا لفظه : ذكر المهدي والإمام ، قال : وبإسناده : إن معاوية أقبل يوماً على بني هاشم فقال : إنكم تريدون أن تستحقوا الخلافة بما استحققتم به النبوة ، ولم يجتمعا لأحد ، ولعمري إن حجتكم في الخلافة مشتبهة على الناس ! إنكم تقولون نحن أهل بيت الله فما بال النبوة محلها فينا والخلافة في غيرنا ؟ وهذه شبهة لها تمويه ، وإنما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق حتى تعرف ، وإنما الخلافة تنقلب في أحياء قريش برضا العامة وشورى الخاصة ، فلم يقل الناس ليت بني هاشم ولَوْنا ، وإن بني هاشم لو ولونا لكان خيراً لنا في ديننا ودنيانا ، فلا هم اجتمعوا عليكم ، ولا هم إذ اجتمعوا على غيركم يمنعونكم ، ولو زهدتهم فيها أمس لمَ تقاتلوننا عليها اليوم ؟ وقد زعمتم أن لكم ملكاً هاشمياً ومهدياً قائماً ، والمهدي عيسى بن مريم ، وهذا الأمر في أيدينا حتى نسلمه إليه ، ولعمري لئن ملكتم ، ما ريح عاد ولاصاعقة ثمود بأهلك للناس منكم ، ثم سكت ! فقام فيهم عبد الله بن عباس ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما قولك إنا لا نستحق الخلافة بالنبوة ، فإذا لم نستحق الخلافة بالنبوة فبمَ نستحق ؟ !
وأما قولك إن الخلافة والنبوة لم يجتمعا لأحد ، فأين قول الله سبحانه وتعالى : فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً . فالكتاب النبوة ، والحكمة السنة والملك الخلافة ، ونحن آل إبراهيم ، أمر الله فينا وفيهم واحد ، والسنة فينا وفيهم جارية . وأما قولك : إن حجتنا مشتبهة فهي والله أضوأ من الشمس وأنور من القمر ، وإنك لتعلم ذلك ولكن ثنى عطفَك وصعَّرَ خَدَّك قَتْلُنا أخاك وجدك وعمك وخالك ، فلا تبك على عظام حائلة وأرواح زائلة في الهاوية ، ولا تغضبن لدماء أحلها الشرك ووضعها الإسلام ! فأما ترك الناس أن يجتمعوا
--------------------------- 177 ---------------------------
علينا ، فما حرموا منا أعظم مما حرمنا منهم ، وكل أمر إذا حصل حاصله ثبت حقه وزال باطله !
وأما قولك إنا زعمنا أن لنا ملكاً مهدياً ، فالزعم في كتاب الله شك ، قال الله سبحانه وتعالى : زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُن ، فكلٌّ يشهد أن لنا مُلْكاً ، وأن لنا مهدياً لو لم يبق إلا يوم واحد لبعثه الله لأمره يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، لا تملكون يوماً إلا ملكنا يومين ، ولا شهراً إلا ملكنا شهرين ، ولا حولاً إلا ملكنا حولين !
وأما قولك إن المهدي عيسى بن مريم ، فإنما ينزل عيسى على الدجال ، فإذا رآه ذاب كما تذوب الشحمة ، والإمام رجل منا يصلي عيسى خلفه ولو شئت سميته . وأما ريح عاد وصاعقة ثمود فإنهما كانتا عذاباً وملكنا رحمة » .
لكن معاوية لم يكتف بذلك ، بل رتب من يروي له أن النبي صلى الله عليه وآله دعا له ووصفه بأنه الهادي المهدي ! فصرت ترى في مسند أحمد : 4 / 216 ، « عن عبد الرحمن بن أبي عميرة الأزدي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه ذكر معاوية وقال : اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به » . ورواه الترمذي : 5 / 350 ، ثم رتب معاوية شهادات علماء البلاط بأن معاوية هو المهدي الموعود ! ففي نهاية ابن كثير : 8 / 143 « عن الأعمش عن مجاهد قال : لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي »
وقد ضعَّف الخلال نسبة القولين إلى قتادة ومجاهد ، فقال في السنة : 2 / 438 : « عن قتادة قال : لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم : هذا المهدي . في إسناده عمرو بن جبلة لم أتوصل إلى معرفته ، أخبرنا محمد بن سليمان بن هشام قال : ثنا أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن مجاهد قال : لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي . إسناده ضعيف » . كما ضعف الهيثمي في مجمع الزوائد : 9 / 357 ، نسبته إلى الأعمش ، قال : « وعن الأعمش قال : لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي . رواه الطبراني مرسلاً ، وفيه يحيى الحماني وهو ضعيف » . انتهى .
لكن ابن تيمية أشد أمويةً من بني أمية ، فلم يهتم لتضعيف الخلال والهيثمي وصححه في منهاجه : 6 / 233 ، فقال : « يونس عن قتادة قال : لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم هذا المهدي ، وكذلك رواه ابن بطة بإسناده الثابت من وجهين عن الأعمش عن مجاهد قال : لو أدركتم معاوية لقلتم هذا المهدي ! عن أبي إسحاق السبيعي أنه ذكر معاوية فقال : لو أدركتموه أو أدركتم أيامه لقلتم كان المهدي » !
--------------------------- 178 ---------------------------
كما ضرب بعرض الحائط شهادة إمامه عبد الله بن عمرو العاص بأن معاوية لا كرامة له حتى يوصف بأنه المهدي ! فقد روى ابن طاووس في الملاحم / 326 ، أن عبد الله بن عمرو ذكر المهدي ، فقال أعرابي : « هو معاوية بن أبي سفيان ! فقال عبد الله بن عمرو : لا ولا كرامة ، بل هو الذي ينزل عليه عيسى بن مريم » . انتهى .
وقال الحافظ السقاف في تناقضات الألباني : 2 / 229 : « أورد الألباني حديث عبد الرحمن بن أبي عميرة مرفوعاً : اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به ! يعني معاوية . وهذا حديث لا يصح بحال لوجوه :
أولاً : قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء : 3 / 132 ، عن إسحاق بن راهويه أنه قال : لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله في فضل معاوية شئ .
ثانياً : هذا الحديث بالخصوص نص حذاق المحدثين على أنه لا يصح . قال أبو حاتم الرازي كما في علل الحديث لابنه : 2 / 362 : إن عبد الرحمن بن أبي عميرة لم يسمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وآله . وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب : 6 / 220 ، نقلاً عن الحافظ ابن عبد البر إن عبد الرحمن بن أبي عمير هذا : لا تصح صحبته ، ولا يثبت إسناد حديثه !
ثالثاً : طرق هذا الحديث تدور على سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد عن عبد الرحمن بن عميرة به . وسعيد بن عبد العزيز اختلط كما أقر واعترف هناك .
وقد زعم الألباني أنه قد تابعه جمع ، ولم يَصْدُق ! لأن من رجع إلى المتابعات التي زعمها في كتابه وجدها كلها تدور على سعيد بن عبد العزيز ، وسعيد هذا اختلط كما قال أبو مسهر ، وكذا قال أبو داود ويحيى بن معين ، كما تجد ذلك في التهذيب : 4 / 54 ، وقد اعترف الألباني باختلاطه في مواضع منها في ضعيفته : 3 / 393 ، ومنها في صحيحته : 2 / 647 ، وغير ذلك فكيف يصح هذا أيضاً ؟ ! فما على الألباني إلا أن ينقل الحديث للضعيفة » !
أقول : راجع تحقيق السقاف لكتاب دفع شبه التشبيه لابن الجوزي / 235 . ويكفي للجواب على ابن تيمية والألباني ، أن يقال لهم : ما بال إمامكم معاوية المهدي من ربه لم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ؟ !
--------------------------- 179 ---------------------------
6 - موسى بن طلحة ثاني من ادعى أنه المهدي الموعود !
كان لعائشة مشروع في زمن أبيها ، أن تبقي الخلافة لبني تَيْم ، لأخيها عبد الرحمن ، فإن لم يمكن فلابن عمها طلحة بن عبيد الله ، لكنها تفاجأت بموت أبي بكر مسموماً ، وإعلانهم أنه أوصى إلى عمر ، فغضب طلحة واعترض : « لما استخلفه أبو بكر كره خلافته طائفة حتى قال له طلحة : ماذا تقول لربك إذْ وليت علينا فظاً غليظاً ؟ ! فقال : أبالله تخوفوني ؟ ! أقول : وليت عليهم خير أهلك » .
منهاج السنة : 2 / 170 ط . بولاق . وقد حرفه الوهابية في الطبعات التالية ! راجع : 6 / 155 ، و 349 ، و : 7 / 461 ، من برنامج مؤلفاته .
لكن عائشة واصلت عملها لأخذ الخلافة لبني تيم وحققت تقدماً في عهد عمرلأنها أدخلت طلحة في الشورى ، مع أنها شورى شكلية ، لأن حق النقض فيها لعبد الرحمن بن عوف .
أما في عهد عثمان فاصطدمت به عائشة ، ودعت إلى عزله وقتله ، وكان حسابها مبنياًعلى أن طلحة يستطيع بمساعدتها أن يطرح نفسه بعد عثمان ! لكنها كانت في مكة ، ففوجئت ببيعة الصحابة لعلي عليه السلام فغضبت وقادت حرب الجمل ! لكنها خسرت الحرب وخسرت معها ابن عمها طلحة .
وعندما حكم معاوية اختارت عائشة المعارضة الهادئة ، ثم صعدتها هي وأخوها عبد الرحمن كما بيناه في المجلد الثاني من جواهر التاريخ ، فما كان من معاوية إلا أن قتل عبد الرحمن ، ويقال إنه قتل عائشة !
وبموتها انتهى مشروع بني تيم لأخذ الخلافة ، لكن عائشة بقيت في مصادر المسلمين تنادي بأن النبي صلى الله عليه وآله أوصى بالخلافة إلى أبي بكر وأولاده ! ففي صحيح مسلم : 7 / 110 ، قالت عائشة : « قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه : ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً ، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل : أنا أولى » . ولا بد أن تكون دعواها هذه بعد وفاة عمر لأن أبا بكر وعمر قالا إن النبي صلى الله عليه وآله لم يوص إلى أحد ، فلو كان هذا النص موجوداً لاحتجَّا به في السقيفة ! بل احتجَّا بأن محمداً قرشي وأنهما أولى به ! قال عمر : « ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين . مَنْ ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مُدْلٍ بباطل أومتجانفٌ لإثم أومتورطٌ في هلكة » .
--------------------------- 180 ---------------------------
« ولو كان صحيحاً لاحتج به طلحة عندما اعترض على أبي بكر في توليته لعمر !
وبعد موت طلحة ادعوا لابنه موسى أنه المهدي الموعود ، ولم تنفع هذه الدعوى في دعم جهود عائشة الفاشلة ، ويبدو أنها لم تنتشر إلا بعد موتها فقد رووا : « لما خرج المختار بالكوفة قدم علينا « إلى البصرة » موسى بن طلحة ، وكانوا يرونه في زمانهم المهدي فغشيه الناس » !
« تاريخ دمشق 60 / 431 وسيرالذهبي : 4 / 365 ، وابن حماد : 1 / 158 ، والداني : 1 / 158 » .
7 - وادعى الحسنيون مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى
ويظهر أن ادعاء المهدوية صار موجة في أواخر القرن الأول ، بعد أن ضاق المسلمون ذرعاً بالتسلط الأموي ، فانتشرت أحاديث النبي صلى الله عليه وآله عن ظلامة أهل بيته عليهم السلام والبشارة بمهديهم ، فكان ذلك أرضية لادعاء المهدوية لأشخاص من بني هاشم وبني تيْم . وقد ادعيت لاثنين اسم كل منهما محمد واسم أبيه عبد الله ، وهما محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى ، ومحمد بن عبد الله المنصور المعروف بالمهدي العباسي ، وحاول أنصار كل منهما أن يطبقوا أحاديث المهدي على صاحبهم ، ولذلك رجحنا أن تكون زيادة واسم أبيه اسم أبي في الحديث ، لمصلحة أحدهما أو كليهما !
ثم أفرط العباسيون فوضعوا أحاديث تنص على أن المهدي من أولاد العباس ! لكن شهد العلماء أنها مكذوبة كالتي تزعم أنه من أولاد عمر أو من بني أمية !
إن مغامرة ادعاء المهدوية مغرية لأصحابها ، لكن الضبط النبوي لصفاته يكشف الزيف بسرعة ، عندما لايملأ المهدي المدعى الأرض عدلاً ، ولا يعطي المال حثياً بغير عد . . الخ . !
ويظهر أن عبد الله بن الحسن المثنى كان أبرع من ادعاها لولده محمد ، فقد خطط له من طفولته فسماه محمداً ، ثم حجبه عن الناس وأشاع حوله الأساطير ! قال في مقاتل الطالبيين / 162 : « لم يزل محمد بن عبد الله بن الحسن منذ كان صبياً يتوارى ويراسل الناس بالدعوة إلى نفسه ، ويسمى بالمهدي » !
وفي تهذيب الكمال : 25 / 467 : « وقال داود بن عبد الله الجعفري ، عن الدراوردي عن ابن أخي الزهري : تجالسنا بالمدينة أنا وعبد الله بن حسن فتذاكرنا المهدي ، فقال عبد الله بن حسن : المهدي
--------------------------- 181 ---------------------------
من ولد الحسن بن علي . فقلت : يأبى ذاك علماء أهل بيتك . فقال عبد الله : المهدي والله من ولد الحسن بن علي ، ثم من ولدي خاصة » .
وقد وصفوا عبد الله هذا بقوة الشخصية والقدرة على الإقناع ، فقد ادعاها لابنه وأقنع حلفاءه العباسيين ومنهم المنصور ، ففي مقاتل الطالبيين / 161 ، عن عمير بن الفضل الخثعمي قال : « رأيت أبا جعفر المنصور يوماً وقد خرج محمد بن عبد الله بن الحسن من دار ابنه ، وله فرس واقف على الباب مع عبد له أسود وأبو جعفر ينتظره ، فلما خرج وثب أبو جعفر فأخذ بردائه حتى ركب ، ثم سوى ثيابه على السرج ومضى محمد ، فقلت وكنت حينئذ أعرفه ولا أعرف محمداً : من هذا الذي أعظمته هذا الإعظام حتى أخذت بركابه وسويت عليه ثيابه ؟ قال : أو ما تعرفه ؟ ! قلت : لا . قال : هذا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، مهدينا أهل البيت » ! وقال في / 244 : « لهجت العوام بمحمد تسميه بالمهدي » !
وذلك قبل أن ينقلب عليهم العباسيون ، ويدَّعوا المهدوية لأنفسهم !
وقد روت مصادر التاريخ بيعتهم للمهدي في مؤتمر الأبواء الذي دعا له الحسنيون من أجل بيعة المهدي !
ففي مقاتل الطالبيين / 140 ، عن عمر بن شبة وعدة رواة ومؤرخين عاصروا تلك الفترة قال : « إن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء ، وفيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، وأبو جعفر المنصور ، وصالح بن علي ، وعبد الله بن الحسن بن الحسن ، وابناه محمد وإبراهيم ، ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان . فقال صالح بن علي : قد علمتم أنكم الذين تمد الناس أعينهم إليهم ، وقد جمعكم الله في هذا الموضع ، فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إياها من أنفسكم ، وتواثقوا على ذلك حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين . فحمد الله عبد الله بن الحسن وأثنى عليه ثم قال : قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي ، فهلموا فلنبايعه . وقال أبو جعفر « المنصور » : لأي شئ تخدعون أنفسكم ووالله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أطول أعناقاً ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى ، يريد محمد بن عبد الله . قالوا : قد والله صدقت إن هذا لهو الذي نعلم ! فبايعوا جميعاً محمداً ومسحوا على يده .
قال عيسى : وجاء رسول عبد الله بن الحسن إلى أبي ، أن ائتنا فإننا مجتمعون لأمر وأرسل بذلك إلى جعفر بن محمد ، هكذا قال عيسى . وقال غيره : قال لهم عبد الله بن الحسن : لا نريد
--------------------------- 182 ---------------------------
جعفراً لئلا يفسد عليكم أمركم ! قال عيسى : فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا عليه ، وأرسل جعفر بن محمد محمدَ بن عبد الله الأرقط بن علي بن الحسين ، فجئناهم فإذا بمحمد بن عبد الله يصلي على طنفسة رحل مثنية ، فقلت : أرسلني أبي إليكم لأسألكم لأي شئ اجتمعتم ؟ فقال عبد الله : اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد الله . قالوا : وجاء جعفر بن محمد ، فأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه فتكلم بمثل كلامه ، فقال جعفر : لا تفعلوا فإن هذا الأمر لم يأت بعد ! إن كنت ترى يعني عبد الله أن ابنك هذا هو المهدي ، فليس به ولا هذا أوانه ، وإن كنت إنما تريد أن تخرجه غضباً لله وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك . فغضب عبد الله وقال : علمتَ خلاف ما تقول ! ووالله ما أطلعك الله على غيبه ، ولكن يحملك على هذا الحسد لابني ! فقال : والله ما ذاك يحملني ، ولكن هذا وإخوته وأبناؤهم دونكم ، وضرب بيده على ظهر أبي العباس ، ثم ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن ، وقال : إنها والله ما هي إليك ، ولا إلى ابنيك ، ولكنها لهم ، وإن ابنيك لمقتولان ! ثم نهض وتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري ، فقال : أرأيت صاحب الرداء الأصفر يعني أبا جعفر ؟ قال : نعم . قال : فإنا والله نجده يقتله ! قال له عبد العزيز : أيقتل محمداً ؟ قال : نعم . قال : فقلت في نفسي : حسده ورب الكعبة ! قال : ثم والله ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتلهما ! قال : فلما قال جعفر ذلك ، انفضَّ القوم فافترقوا ولم يجتمعوا بعدها ، وتبعه عبد الصمد وأبو جعفر فقالا : يا أبا عبد الله أتقول هذا ؟ قال : نعم أقوله والله ، وأعلمه » . انتهى .
وفي مقاتل الطالبيين / 142 : « كان جعفر بن محمد إذا رأى محمد بن عبد الله بن حسن تغرغرت عيناه ثم يقول : بنفسي هو ، إن الناس ليقولون فيه إنه المهدي ، وإنه لمقتول ! ليس هذا في كتاب أبيه علي من خلفاء هذه الأمة » .
ثم روى ذلك أيضاً برواية ثانية في / 171 ، عن عدة مؤرخين وشهود ، قال : « إن بني هاشم اجتمعوا فخطبهم عبد الله بن الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إنكم أهل البيت قد فضلكم الله بالرسالة واختاركم لها ، وأكثركم بركة يا ذرية محمد بنو عمه وعترته ، وأولى الناس بالفزع في أمر الله ، من وضعه الله موضعكم من نبيه ، وقد ترون كتاب الله معطلاً وسنة نبيه متروكة والباطل حياً والحق ميتاً . قاتلوا لله في الطلب لرضاه بما هو أهله ، قبل أن ينزع
--------------------------- 183 ---------------------------
منكم اسمكم وتهونوا عليه كما هانت بنو إسرائيل وكانوا أحب خلقه إليه . وقد علمتم أنا لم نزل نسمع أن هؤلاء القوم إذا قتل بعضهم بعضاً خرج الأمر من أيديهم ، فقد قتلوا صاحبهم يعني الوليد بن يزيد فهلمَّ نبايع محمداً فقد علمتم أنه المهدي . فقالوا : لم يجتمع أصحابنا بعد ولو اجتمعوا فعلنا ، ولسنا نرى أبا عبد الله جعفر بن محمد ! فأرسل إليه ابن الحسن فأبى أن يأتي ، فقام وقال : أنا آت به الساعة ، فخرج بنفسه حتى أتى مضرب الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحرث ، فأوسع له الفضل ولم يُصَدِّرْهُ ، فعلمت أن الفضل أسن منه ، فقام له جعفر وصدَّره فعلمت أنه أسن منه . ثم خرجنا جميعاً حتى أتينا عبد الله فدعا إلى بيعة محمد ، فقال له جعفر : إنك شيخ وإن شئت بايعتك وأما ابنك فوالله لا أبايعه وأدعك . وقال عبد الله الأعلى في حديثه : إن عبد الله بن الحسن قال لهم : لاترسلوا إلى جعفر فإنه يفسد عليكم فأبوا ، قال : فأتاهم وأنا معهم فأوسع له عبد الله إلى جانبه وقال : قد علمت ما صنع بنا بنو أمية ، وقد رأينا أن نبايع لهذا الفتى . فقال : لا تفعلوا فإن الأمر لم يأت بعد ! فغضب عبد الله . . إلى آخر ما مر » .
وفي مناقب ابن شهرآشوب : 4 / 228 : « إنها والله ما هي إليك ولا إلى ابنك ، وإنما هي لهذا يعني السفاح ، ثم لهذا يعني المنصور ، يقتله على أحجار الزيت ، ثم يقتل أخاه بالطفوف وقوائم فرسه في الماء !
فتبعه المنصور فقال : ما قلت يا أبا عبد الله ؟ فقال : ما سمعته وإنه لكائن ، قال : فحدثني من سمع المنصور أنه قال : انصرفت من وقتي فهيأت أمري ، فكان كما قال » .
وفي النعماني / 229 ، عن يزيد بن أبي حازم قال : « خرجت من الكوفة فلما قدمت المدينة دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فسلمت عليه فسألني : هل صاحبك أحد ؟ فقلت : نعم ، فقال : أكنتم تتكلمون ؟ قلت : نعم ، صحبني من المغيرية . قال فما كان يقول ؟ قلت : كان يزعم أن محمد بن عبد الله بن الحسن هو القائم ، والدليل على ذلك أن اسمه اسم النبي ، واسم أبيه اسم أبي النبي صلى الله عليه وآله ، فقلت له في الجواب : إن كنت تأخذ بالأسماء فهو ذا في ولد الحسين محمد بن عبد الله بن علي ، فقال لي : إن هذا ابن أمَة ، يعني محمد بن عبد الله بن علي ، وهذا ابن مهيرة يعني محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، فقال أبو عبد الله عليه السلام :
--------------------------- 184 ---------------------------
فما رددت عليه ؟ فقلت : ما كان عندي شئ أرد عليه فقال : أو لم تعلموا أنه ابن سبية يعني القائم عليه السلام » .
هذا ، ويبدوأن مهدي الحسنيين أو العباسيين في لسانه ثقلٌ يحتبس عليه الكلام فيضرب بيده على فخذه ، فوصفوا بذلك المهدي الموعود عليه السلام ، لينطبق الوصف على صاحبهم ! راجع ابن حماد : 1 / 365 .
8 - كذِبَ العباسيون على النبي صلى الله عليه وآله وزعموا أن المهدي عليه السلام منهم !
في تاريخ بغداد : 2 / 63 ، عن ابن عباس قال : « حدثتني أم الفضل بنت الحارث الهلالية قالت : مررت بالنبي صلى الله عليه وآله وهو في الحجر فقال : يا أم الفضل إنك حامل بغلام . قالت : يا رسول الله وكيف وقد تحالف الفريقان أن لا يأتوا النساء ؟ قال : هو ما أقول لك ، فإذا وضعتيه فأتني به . قالت : فلما وضعته أتيت به رسول الله صلى الله عليه وآله فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى وقال : اذهبي بأبي الخلفاء ، قالت : فأتيت العباس فأعلمته ، فكان رجلاً جميلاً لبَّاساً ، فأتى النبي فلما رآه رسول الله قام إليه فقبل بين عينيه ، ثم أقعده عن يمينه ، ثم قال : هذا عمي فمن شاء فليباه بعمه .
قال : يا رسول الله بعض هذا القول ، فقال : يا عباس لم لا أقول هذا القول وأنت عمي وصنو أبي ، وخير من أخلف بعدي من أهلي ! فقلت : يا رسول الله ، ما شئ أخبرتني به أم الفضل عن مولودنا هذا ؟ قال : نعم يا عباس ، إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة فهي لك ولولدك ، منهم السفاح ، ومنهم المنصور ، ومنهم المهدي » .
والوضع على هذا الحديث ظاهر ! وفي تاريخ بغداد : 3 / 343 ، « عن هشام بن محمد الكلبي أنه كان عند المعتصم في أول أيام المأمون حين قدم المأمون بغداد ، فذكر قوماً بسوء السيرة فقلت له : أيها الأمير إن الله تعالى أمهلهم فطغوا ، وحلم عنهم فبغوا ، فقال لي : حدثني أبي الرشيد ، عن جدي المهدي ، عن أبيه المنصور ، عن أبيه محمد بن علي ، عن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه وآله نظر إلى قوم بني فلان يتبخترون في مشيهم ، فعرف الغضب في وجهه ثم قرأ : وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ، فقيل له : أي الشجر هي يا رسول الله حتى نجتثها ؟
--------------------------- 185 ---------------------------
فقال : ليست بشجرة نبات ، إنما هم بنو فلان ، إذا ملكوا جاروا وإذا ائتمنوا خانوا ثم ضرب بيده على ظهر العباس قال : فيخرج الله من ظهرك يا عم رجلاً يكون هلاكهم على يديه » .
وفي ابن حماد : 1 / 121 ، و 400 ، عن كعب : « المنصور والمهدي والسفاح من ولد العباس » . وفي عيون الأخبار لابن قتيبة : 1 / 302 ، عن ابن عباس « أنه كان إذا سمعهم يقولون : يكون في هذه الأمة اثنا عشر خليفة ، قال : ما أحمقكم ! إن بعد الاثني عشر ثلاثة منا : السفاح والمنصور والمهدي يسلمها إلى الدجال » .
قال أبو أسامة : تأويل هذا عندنا أن ولد المهدي يكونون بعده إلى خروج الدجال . ورواه الحاكم : 4 / 514 ، وصححه ، عن مجاهد قال : قال لي عبد الله بن عباس : « لو لم أسمع أنك مثل أهل البيت ما حدثتك بهذا الحديث !
قال فقال مجاهد : فإنه في سترلا أذكره لمن نكره ، قال فقال ابن عباس : منا أهل البيت أربعة : منا السفاح ، ومنا المنذر ، ومنا المنصور ، ومنا المهدي . قال فقال له مجاهد : فبين لي هؤلاء الأربعة ، فقال : أما السفاح فربما قتل أنصاره وعفا عن عدوه ، وأما المنذر قال فإنه يعطي المال الكثير لا يتعاظم في نفسه ، ويمسك القليل من حقه . وأما المنصور فإنه يعطى النصرعلى عدوه الشطرمما كان يعطى رسول الله صلى الله عليه وآله يرعب منه عدوه على مسيرة شهرين ، والمنصور يرعب عدوه منه على مسيرة شهر . وأما المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، وتأمن البهائم والسباع ، وتلقي الأرض أفلاذ كبدها . قال قلت : وما أفلاذ كبدها ؟ قال : أمثال الأسطوانة من الذهب والفضة » .
وفي دلائل النبوة : 6 / 513 ، عن سعيد بن جبير قال : « سمعنا عبد الله بن عباس ونحن نقول : اثنا عشر أميراً ، ثم لا أمير . واثنا عشر أميراً ، ثم هي الساعة . فقال ابن عباس : ما أحمقكم : إن منا أهل البيت بعد ذلك المنصور ، والسفاح ، والمهدي ، يدفعها إلى عيسى بن مريم » . وفي / 514 : « يكون منا ثلاثة أهل البيت : سفاح ومنصور ومهدي » .
والأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وآله في مدح العباس وأولاده كثيرة ، نكتفي منها بما تقدم !
وقد نصوا على عدد من الذبابين الوضاعين فيها مثل محمد بن الوليد غلام بني عباس ، ففي فيض القدير : 6 / 278 : « وقال السمهودي : وأما هذا ففيه محمد بن الوليد وضاع . قال ابن عدي :
--------------------------- 186 ---------------------------
يضع الحديث ويصله ويسرق ويقلب الأسانيد والمتون . وقال ابن أبي معشر : هو كذاب . » .
قال السيوطي في الجامع : 5 / 375 ، عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وآله : « لن تزال الخلافة في ولد عمي صنو أبي العباس ، حتى يسلموها إلى الدجال » . وفي إسعاف الراغبين / 151 : « وفي إسناده وضاع » .
9 - أحاديثهم الموضوعة تحريفٌ لحديث صحيح !
يظهر أن أحاديثهم المكذوبة في أن المهدي من ولد العباس ، تغطية للأحاديث التي روتها العترة النبوية بأن النبي صلى الله عليه وآله أخبر العباس بما يكون من أولاده ! t وفي النعماني / 248 : « عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي : يا عباس ويلٌ لذريتي من ولدك ، وويلٌ لولدك من ولدي ، فقال : يا رسول الله أفلا أجتنب النساء ، أو قال : أفلا أجبُّ نفسي ؟ قال : إن علم الله عز وجل قد مضى ، والأمور بيده ، وإن الأمر سيكون في ولدي » !
وفي كتاب سُليم / 427 : « إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة ولم يرض لنا الدنيا . قال : ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على ابن عباس فقال : أما إن أول هلاك بني أمية بعد ما يملك منهم عشرة على يد ولدك ، فليتقوا الله وليرقبوا في ولدي وعترتي ، فإن الدنيا لم تبق لأحد قبلنا ولا تبقى لأحد بعدنا . دولتنا آخر الدول ، يكون مكان كل يوم يومين ، ومكان كل سنة سنتين . ومنا من وُلدي من يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً » .
ففي غيبة النعماني / 247 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « بينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم في البقيع حتى أقبل علي عليه السلام فسأل عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقيل إنه بالبقيع ، فأتاه علي عليه السلام فسلم عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : اجلس فأجلسه عن يمينه ، ثم جاء جعفر بن أبي طالب فسأل عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقيل له هو بالبقيع ، فأتاه فسلم عليه فأجلسه عن يساره ، ثم جاء العباس فسأل عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقيل له هو بالبقيع ، فأتاه فسلم عليه فأجلسه أمامه ، ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام فقال : ألا أبشرك ألا أخبرك يا علي ؟ فقال : بلى يا رسول الله . فقال : كان جبرئيل عندي آنفاً ، وأخبرني أن القائم الذي يخرج في آخر الزمان فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، من ذريتك من ولد الحسين . فقال علي : يا رسول الله ما أصابنا خير قط من الله إلا على يديك .
--------------------------- 187 ---------------------------
ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جعفر بن أبي طالب فقال : يا جعفر ألا أبشرك ألا أخبرك ؟ قال : بلى يا رسول الله فقال : كان جبرئيل عندي آنفاً فأخبرني أن الذي يدفعها إلى القائم من ذريتك ، أتدري من هو ؟ قال لا ، قال : ذاك الذي وجهه كالدينار ، وأسنانه كالمنشار ، وسيفه كحريق النار ، يدخل الجند ذليلاً ، ويخرج منه عزيزاً ، يكتنفه جبرئيل وميكائيل .
ثم التفت إلى العباس فقال : يا عم النبي ألا أخبرك بما أخبرني به جبرئيل عليه السلام ؟ فقال : بلى يا رسول الله ، قال : قال لي جبرئيل ويلٌ لذريتك من ولد العباس ! فقال : يا رسول الله أفلا أجتنب النساء ؟ فقال له صلى الله عليه وآله : قد فرغ الله مما هو كائن » .
أقول : يحتمل أن يكون ابن جعفر الطيار المذكور هو الخراساني الذي يسلم الراية إلى المهدي عليه السلام .
10 - وادعى المنصور أن ابنه هو المهدي الموعود !
لم يكتف العباسيون بادعاء أن رايات خراسان الموعودة لنصرة المهدي عليه السلام هي رايات ثورتهم بيد أبي مسلم الخراساني ، ولا بالأحاديث التي زعموا فيها أن النبي بشر العباس بأن الملك في أولاده حتى يخرج الدجال !
بل قرر المنصور بعد أن قتل محمد بن عبد الله الذي ادعوا له المهدوية وأخاه إبراهيم ، أن يجعل ابنه محمد بن عبد الله المهدي الموعود ! وقد وصف الذهبي في تاريخه : 9 / 49 ، تحايل المنصور وإجباره أخاه عيسى على خلع نفسه قال : « وكان السفاح لما احتضر جعل الخلافة للمنصور ثم بعده لعيسى ، وقد لاطفه المنصور وكلمه بألين الكلام في ذلك « خلع نفسه » فقال : يا أمير المؤمنين فكيف بالأيمان والعهود والمواثيق التي عليَّ وعلى المسلمين ، فلما رأى المنصور امتناعه تغير له وأعرض عنه ، وجعل يقدم المهدي عليه في المجالس ، ثم شرع المنصور يدس من يحفر عليه بيته ليسقط عليه ، فجعل يتحفظ ويتمارض . وقيل بل سقاه المنصور « السم » فاستأذن في الذهاب إلى الكوفة ليتداوى ، وكان الذي جرأه على ذلك طبيبه بختيشوع وقال له : والله ما أجسر على معالجتك وما آمن على نفسي ، فأذن له المنصور ، وبلغت العلة من عيسى كل مبلغ حتى تمعط شعره ! ثم إنه نصل من علته ثم سعى موسى ولد عيسى بن موسى
--------------------------- 188 ---------------------------
في أن يطيع أبوه المنصور خوفاً عليه منه وعلى نفسه ، ودبر حيلة أوحاها إلى المنصور فقال : مُرْ بخنقي قُدَّامَ أبي إن لم يخلع نفسه ! قال : فبعث المنصور من فعل به ذلك فصاح أبوه وأذعن بخلع نفسه وقال : هذه يدي بالبيعة للمهدي » !
وهكذا تم للمنصور ما أراد فخلع أخاه ، وعقد المجلس في قصرالرصافة الذي بناه خصيصاً لولده المهدي ! وأحضر الفقهاء والقضاة فشهدوا وبايعوا ولي عهده المهدي المنتظر ! « وخطب المنصور الناس وأعلمهم ما جرى في أمر عيسى من تقديم المهدي عليه ورضاه بذلك ، وتكلم عيسى وسلم الأمر للمهدي فبايع الناس على ذلك بيعة محددة للمهدي ، ثم لعيسى من بعده » . « تاريخ دمشق : 48 / 9 » .
وفي الأغاني : 13 / 313 : « عن الفضل بن إياس الهذلي الكوفي ، أن المنصور كان يريد البيعة للمهدي ، وكان ابنه جعفر يعترض عليه في ذلك ، فأمر بإحضار الناس فحضروا وقامت الخطباء فتكلموا ، وقالت الشعراء فأكثروا في وصف المهدي وفضائله ، وفيهم مطيع بن إياس ، فلما فرغ من كلامه في الخطباء وإنشاده في الشعراء ، قال للمنصور : يا أمير المؤمنين حدثنا فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وآله قال : المهدي منا محمد بن عبد الله ، وأمه من غيرنا ، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً ! وهذا العباس بن محمد أخوك يشهد على ذلك ! ثم أقبل على العباس فقال له : أنشدك الله هل سمعت هذا ؟ فقال : نعم ، مخافةً من المنصور ! فأمرالمنصور الناس بالبيعة للمهدي . قال : ولما انقضى المجلس وكأن العباس بن محمد لم يأنس به ، قال : أرأيتم هذا الزنديق إذ كذب على الله عز وجل ورسوله ، حتى استشهدني على كذبه فشهدت له خوفاً ، وشهد كل من حضر عليَّ بأني كاذب ! وبلغ الخبر جعفر بن أبي جعفر ، وكان مطيع منقطعاً إليه يخدمه ، فخافه وطرده عن خدمته ! قال : وكان جعفر ماجناً ، فلما بلغه قول مطيع هذا غاظه وشقت عليه البيعة لمحمد فأخرج « آلته » ثم قال : إن كان أخي محمد هو المهدي ، فهذا القائم من آل محمد » .
راجع في تحريفهم وقبائحهم : تاريخ الطبري : 6 / 269 ، واليعقوبي : 2 / 395 ، ومعارف ابن قتيبة / 379 ، والنهاية : 10 / 111 ، وسمط النجوم / 1094 ، وشذرات الذهب : 1 / 219 ، وعبر الذهبي : 1 / 207 ، والتحفة اللطيفة : 2 / 26 ، والمنار المنيف / 149 .
ولكنهم شهدوا أن هذا « المهدي » كان فاجراً فزاد الأرض ظلماً وجوراً ! وصادر أموال
--------------------------- 189 ---------------------------
المسلمين حثياً وزادهم فقراً ! ورووا أنه كان خماراً زماراً سفاكاً للدماء ، وأنجب للمسلمين ابنة مغنية ضرابة عود هي عُلَيّة العباسية . « خزانة الأدب : 11 / 217 » وكان مغرماً بتطيير الحمام ، فحرَّف الرواة له حديث النبي صلى الله عليه وآله : « لاسبق إلا في نصل أو خف أو حافر » فأضافوا له « أو جناح » فأمر للراوي بصرة ذهب . « مجموعة الرسائل للصافي : 2 / 424 » !
وكان عنيفاً فقتل رجلاً لروايته حديثاً عن الأعمش « الصحيح من السيرة : 1 / 88 » ورأى مناماً أن وجهه أسود فرزق بأنثى فكان كذلك . « الكنى والألقاب : 1 / 319 » وظل يطارد ابن عم أبيه ولي عهده ، الذي خلع نفسه من أجله حتى قتله ، وجعل ابنه موسى ولي عهده ! « تهذيب المقال 2 / 320 » . وسلط زوجته الخيزران فكانت الدولة بيدها « الطبري : 3 / 466 » وبنى مدينة سيروان في جبال إيران ، وبها مات ودفن . « صبح الأعشى : 4 / 368 » . وحكم عشر سنين ومات سنة 169 ، وعمر ه 43 سنة . « الأخبار الطوال / 386 » . لذلك اضطر النواصب للقول إنه ليس المهدي ! « منهاج السنة : 4 / 98 ، والنهاية : 6 / 277 » .
11 - اعترف هارون الرشيد بكذبة أبيه وجده !
في إعلام الورى / 365 وطبعة : 2 / 165 ، « عن سليمان بن إسحاق بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس قال : حدثني أبي قال : كنت يوماً عند الرشيد فذُكر المهدي وما ذكر من عدله فأطنب في ذلك ، فقال الرشيد : أحسبكم تحسبونه أبي المهدي ! حدثني عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس ، عن أبيه العباس بن عبد المطلب ، أن النبي صلى الله عليه وآله قال له : يا عم ، يملك من ولدي اثنا عشر خليفة ، ثم تكون أمور كريهة شديدة عظيمة ، ثم يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة ، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ويمكث في الأرض ما شاء الله ، ثم يخرج الدجال » .
12 - اثنا عشر كذاباً سيدعون المهدية قبيل ظهور الإمام عليه السلام
الإرشاد / 358 : « عن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يخرج القائم حتى يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه » .
--------------------------- 190 ---------------------------
وفي الكافي : 1 / 338 ، والنعماني / 151 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « ولتُرفعنَّ اثنتا عشرة راية مشتبهة ، لا يُدرى أيٌّ من أي ! قال المفضل : فبكيت ، فقال ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ فقلت : كيف لا أبكي وأنت تقول ترفع اثنتا عشرة راية لا يدرى أيٌّ من أي ، فكيف نصنع ؟ قال فنظر إلى شمس داخلة في الصُّفَّة فقال : يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس ؟ قلت : نعم . قال : والله لأمرنا أبين من هذه الشمس » .
وفي ابن حماد : 1 / 291 : « ثم يسير إلى العراق ، وترفع قبل ذلك ثنتا عشرة راية بالكوفة ، معروفة منسوبة . ويقتل بالكوفة رجل من ولد الحسن أو الحسين ، يدعو إلى أبيه » .
13 - حرفوا نسخة كتاب ابن عربي وحذفوا نسب الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
ننبه إلى التحريف الذي اقترفته يد من طبع كتاب الفتوحات لابن عربي ، فإن عدداً من المصادر نقلت نصه على نسب الإمام المهدي عليه السلام وأنه ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، ثم أورد نسبه إلى علي وفاطمة عليهم السلام ، لكن النواصب حذفوا ذلك من طبعته ! قال في إلزام الناصب : 1 / 292 : « الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات : واعلموا أنه لا بد من خروج المهدي لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً ، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد طول الله ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة ، وهو من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله من ولد فاطمة ، جده الحسين بن علي بن أبي طالب ، ووالده الحسن العسكري ، بن الإمام علي النقي بالنون ، بن الإمام محمد التقي بالتاء ، بن الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب يواطئ اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه وآله ، يبايعه المسلمون ما بين الركن والمقام ، يشبه رسول الله في الخلق بفتح الخاء وينزل عنه في الخلق بضمها ، إذ لا يكون أحد مثل رسولالله صلى الله عليه وآله في أخلاقه ، والله تعالى يقول : وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ .
وهو أجلى الجبهة أقنى الأنف ، أسعد الناس به أهل الكوفة ، يقسم المال بالسوية ويعدل في الرعية ، يمشي الخضر بين يديه ، يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً ، يقفو أثر رسول الله لا يخطئ ،
--------------------------- 191 ---------------------------
له ملك يسدده من حيث لا يراه ، يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألفاً من المسلمين ، يعز الله به الإسلام بعد ذله ، ويحييه بعد موته ، ويضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف فمن أبى قتل ومن نازعه خذل ، يحكم بالدين الخالص عن الرأي . إلى آخر كلامه » . انتهى .
وقد حفوا نسبه من نسخة الفتوحات المتداولة ، ونص كلامه : 3 / 327 : « إعلم أيدنا الله أن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً ، فيملؤها قسطاً وعدلاً ، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد طول الله ذلك اليوم حتى يلي هذا الخليفة من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله من ولد فاطمة ، يواطئ اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه وآله جده الحسين بن علي بن أبي طالب ، يبايع بين الركن والمقام ، يشبه رسول الله في خلقه بفتح الخاء ، وينزل عنه في الخلق بضم الخاء ، لأنه لا يكون أحد مثل رسول الله في أخلاقه والله يقول فيه : وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ . هو أجلى الجبهة أقنى الأنف ، أسعد الناس به أهل الكوفة ، يقسم المال بالسوية ، ويعدل في الرعية ، ويفصل في القضية ، يأتيه الرجل فيقول له : يا مهدي أعطني ، وبين يديه المال ، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله ! يخرج على فترة من الدين ، يزع الله به ما لا يزع بالقرآن ، يمسي جاهلاً بخيلاً جباناً ويصبح أعلم الناس أكرم الناس أشجع الناس ، يصلحه الله في ليلة ! يمشي النصر بين يديه ، يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً ، يقفو أثر رسول الله لا يخطئ ، له ملك يسدده من حيث لا يراه ، يحمل الكل ويقوي الضعيف في الحق ، ويقري الضيف ، ويعين على نوائب الحق ، يفعل ما يقول ويقول ما يعلم ، ويعلم ما يشهد .
يفتح المدينة الرومية بالتكبير في سبعين ألفاً من المسلمين من ولد إسحاق ، يشهد الملحمة العظمى مأدبة الله بمرج عكا . يبيد الظلم وأهله يقيم الدين ، ينفخ الروح في الإسلام ، يعز الإسلام به بعد ذله ويحيا بعد موته ، يضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف ، فمن أبى قتل ، ومن نازعه خذل ، يُظهر من الدين ما هو الدين عليه في نفسه ، ما لو كان رسول الله لحكم به . يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلا الدين الخالص . أعداؤه مقلدة العلماء أهل الإجتهاد لما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهبت إليه أئمتهم ، فيدخلون كرهاً تحت حكمه خوفاً من سيفه وسطوته ورغبة فيما لديه .
--------------------------- 192 ---------------------------
يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم ، يبايعه العارفون بالله من أهل الحقائق عن شهود وكشف ، بتعريف إلهي .
له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه ، هم الوزراء يحملون أثقال المملكة ويعينونه على ما قلده الله . ينزل عليه عيسى بن مريم بالمنارة البيضاء بشرقي دمشق بين مهرودتين ، متكأ على ملكين ملك عن يمينه وملك عن يساره ، يقطر رأسه ماء مثل الجمان يتحدر ، كأنما خرج من ديماس ، والناس في صلاة العصر ، فيتنحى له الإمام من مقامه ، فيتقدم فيصلي بالناس يؤم الناس بسنة محمد .
يكسر الصليب ويقتل الخنزير ، ويقبض الله المهدي إليه طاهراً مطهراً ، وفي زمانه يقتل السفياني عند شجرة بغوطة دمشق ، ويخسف بجيشه في البيداء بين المدينة ومكة حتى لا يبقى من الجيش إلا رجل واحد من جهينة ، يستبيح هذا الجيش مدينة الرسول صلى الله عليه وآله ثلاثة أيام ثم يرحل يطلب مكة ، فيخسف الله به في البيداء ، فمن كان مجبوراً من ذلك الجيش مكرهاً يحشر على نيته . القرآن حاكم والسيف مبيد ، ولذلك ورد في الخبر : إن الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن :
ألا إن ختمَ الأولياء شهيد - وعينُ إمام العالمين فقيدُ
هو السيد المهديُّ من آل أحمدٍ - هو الصارم الهندي حين يبيد
هو الشمس يجلو كل غم وظلمة - هو الوابل الوسميُّ حين يجود
وقد جاءكم زمانه وأظلكم أوانه ، وظهر في القرن الرابع اللاحق بالقرون الثلاثة الماضية قرن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو قرن الصحابة ، ثم الذي يليه ، ثم الذي يلي الثاني ، ثم جاء بينهما فترات وحدثت أمور ، وانتشرت أهواء ، وسفكت دماء ، وعاثت الذئاب في البلاد ، وكثر الفساد ، إلى أن طم الجور وطما سيله ، وأدبر نهار العدل بالظلم حين أقبل ليله . فشهداؤه خير الشهداء ، وأمناؤه أفضل الأمناء . وإن الله يستوزر له طائفة خبأهم له في مكنون غيبه ، أطلعهم كشفاً وشهوداً على الحقائق ، وما هو أمر الله عليه في عباده ، فبمشاورتهم يفصل ما يفصل ، وهم العارفون الذين عرفوا ما ثَمَّ .
وأما هو في نفسه فصاحب سيف حق وسياسة مدنية ، يعرف من الله قدر ما تحتاج إليه مرتبته ومنزله ، لأنه خليفة مسدد ، يفهم منطق الحيوان ، يسري عدله في الإنس والجان ،
--------------------------- 193 ---------------------------
من أسرار علم وزرائه الذين استوزرهم الله له قوله تعالى : وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ . وهم على أقدام رجال من الصحابة ، صدقوا ما عاهدوا الله عليه . وهم من الأعاجم ما فيهم عربي ! لكن لا يتكلمون إلا بالعربية ، لهم حافظ ليس من جنسهم ما عصى الله قط ، هو أخص الوزراء وأفضل الأمناء ، فأعطاهم الله في هذه الآية التي اتخذوها هجيراً وفي ليلهم سميراً ، أفضل علم الصدق حالاً وذوقاً ، فعلموا أن الصدق سيف الله في الأرض ، ما قام بأحد ولا اتصف به إلا نصره الله ، لأن الصدق نعته والصادق اسمه ، فنظروا بأعين سليمة من الرمد ، وسلكوا بأقدام ثابتة في سبيل الرشد ، فلم يروا الحق قيد مؤمناً من مؤمن ، بل أوجب على نفسه نصر المؤمنين » .
- *
--------------------------- 194 ---------------------------
--------------------------- 195 ---------------------------
الفصل التاسع : ( صفات المهدي ، من صفات الإمام المهدي عليه السلام البدنية والمعنوية )
--------------------------- 196 ---------------------------
1 - أجلى الجبهة أقنى الأنف أفلج الثنايا
روى أبو داود في سننه : 4 / 107 : « عن أبي سعيد الخدري ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي مني ، أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً . يملك سبع سنين » . ورواه ابن حماد : 1 / 369 ، و 373 ، بعدة أحاديث ، وعبد الرزاق : 11 / 372 . وأحمد : 3 / 17 ، عن أبي سعيد : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي ، أجلى أقنى ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت قبله ظلماً ، يكون سبع سنين » .
وفي الدر المنثور : 6 / 57 : « وأخرج أحمد ، وأبو داود ، عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وآله . . يكون سبع سنين » .
وفي مسند أبي يعلى : 2 / 367 ، عن أبي سعيد : « ليقومن على أمتي من أهل بيتي أقنى أجلى ، يوسع الأرض عدلاً كما وسعت ظلماً وجوراً ، يملك سبع سنين » .
وفي سنن الداني / 94 ، « عن أبي سعيد الخدري : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يقوم في آخر الزمان رجل من عترتي ، شاب حسن الوجه ، أجلى الجبين ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، ويملك كذا سبع سنين » .
ورواه الحاكم : 4 / 557 : وصححه على شرط مسلم : « عن أبي سعيد : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي منا أهل البيت أشم الأنف أقنى أجلى ، يعيش هكذا ، وبسط يساره وإصبعين من يمينه المسبحة والإبهام ، وعقد ثلاثة » .
وابن حماد : 1 / 373 ، عن أبي سعيد : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي أجلى الجبين ، أقنى الأنف » .
ونحوه عبد الرزاق : 11 / 372 ، ومعالم السنن : 4 / 344 ، والسنن في الفتن : 5 / 1038 . الخ
وأجلى الجبهة : أي جبهته عريضة عالية . أقنى الأنف : أنفه طويل مع دقة أرنبته واحديداب فيه .
وقوله : يملك سبع سنين ، فالصحيح أن هدنته مع الروم تطول سبع سنين ، ويأتي بيانه في فصل مدة ملكه عليه السلام .
ورواه من مصادرنا : دلائل الإمامة / 251 ، كأبي يعلى ، وفي / 258 ، كرواية أحمد ، عن أبي سعيد
وروى في الفردوس : 4 / 221 : « عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وآله : المهدي رجل من ولدي وجهه كالقمر الدري ، اللون لون عربي والجسم جسم إسرائيلي ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ،
--------------------------- 197 ---------------------------
يرضى بخلافته أهل السماء وأهل الأرض والطير في الهواء . يملك عشرين سنة » . والعلل المتناهية : 2 / 858 ، ودلائل الإمامة / 233 ، وعنه العمدة / 439 ، والطرائف : 1 / 178 ، بتفاوت يسير . ولون عربي : أي حنطي أو أبيض ، وقد ورد في صفة المهدي عليه السلام أن لونه لون النبي صلى الله عليه وآله أبيض مشرب بحمرة . وجسم إسرائيلي : أي طويل مملوء كأجسام أبناء يعقوب عليه السلام وقد كان بنو إبراهيم معروفين بكمال أجسامهم وجمالهم ، فصفات إبراهيم عليه السلام ظاهرة في المهدي عليه السلام . الطير في الهواء : أي يكون الرضا بالمهدي عليه السلام عاماً يشمل المجتمع والطبيعة .
2 - شيخ السن شاب المنظر لايهرم بمرور الأيام
في كمال الدين : 2 / 652 : « عن أبي الصلت الهروي قال قلت للرضا عليه السلام : ما علامات القائم منكم إذا خرج ؟ قال : علامته أن يكون شيخ السن شاب المنظر ، حتى أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها ، وإن من علاماته أن لايهرم بمرور الأيام والليالي ، حتى يأتيه أجله » .
وفي النعماني / 188 و 211 : « عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : لو قد قام القائم لأنكره الناس ، لأنه يرجع إليهم شاباً موفقاً ، لا يثبت عليه إلا من قد أخذ الله ميثاقه في الذر الأول . وفي غير هذه الرواية أنه قال عليه السلام : وإن أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شاباً وهم يحسبونه شيخاً كبيراً » .
3 - أبيض اللون ، مشرب بحمرة ، مبدَّح البطن
في كمال الدين : 2 / 653 : « عن أبي الجارود زياد بن المنذر ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام وهو على المنبر : يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون ، مشرب بالحمرة ، مبدح البطن عريض الفخذين ، عظيم مشاش المنكبين ، بظهره شامتان ، شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النبي صلى الله عليه وآله ، له اسمان : اسم يخفى واسم يعلن ، فأما الذي يخفى فأحمد ، وأما الذي يعلن فمحمد ، إذا هز رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب ، ووضع يده على رؤوس العباد ، فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد ، وأعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلاً ، ولا يبقى ميت إلا دخلت عليه تلك الفرحة
--------------------------- 198 ---------------------------
وهو في قبره ، وهم يتزاورون في قبورهم ، ويتباشرون بقيام القائم صلوات الله عليه » .
4 - غائر العينين مشرف الحاجبين عريض ما بين المنكبين
النعماني / 215 : « عن حمران بن أعين قال : قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام : جعلت فداك إني قد دخلت المدينة وفي حِقْوَيَّ هميان فيه ألف دينار ، وقد أعطيت الله عهداً أنني أنفقها ببابك ديناراً ديناراً ، أو تجيبني فيما أسألك عنه ! فقال : يا حمران سل تجب ، ولا تنفقن دنانيرك ، فقلت : سألتك بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله أنت صاحب هذا الأمر والقائم به ؟ قال : لا . قلت : فمن هو بأبي أنت وأمي ؟ فقال : ذاك المشرب حمرة الغائر العينين ، المشرف الحاجبين ، العريض ما بين المنكبين ، برأسه حزاز ، وبوجهه أثر ، رحم الله موسى » .
وفيها : عن حمران ، قال : فقلت له : أنت القائم ؟ فقال : قد ولدني رسول الله صلى الله عليه وآله وإني المطالب بالدم ويفعل الله ما يشاء ، ثم أعدت عليه ، فقال : قد عرفت حيث تذهب . صاحبك المبدح البطن ، ثم الحزاز برأسه ، ابن الأرواع رحم الله فلاناً » .
وفي النعماني / 216 : « بالقائم علامتان : شامة في رأسه وداء الحزاز برأسه ، وشامة بين كتفيه من جانبه الأيسر ، تحت كتفه الأيسر ورقة ، مثل ورقة الآس » .
ومشرف الحاجبين : أي في وسطهما ارتفاع . والحزاز : ما يكون في الشعر مثل النخالة . ويبدو لي أن الحزاز كان صفة أحد مدعي المهدية ، فجعلوها للمهدي صلوات الله عليه ، كقولهم إنه يُتأتي بالكلام ، وسيأتي القول في مبدح البطن !
5 - اسمه اسمي . . وشمائله شمائلي
كمال الدين : 2 / 411 : « عن الإمام الصادق عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : القائم من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي ، وشمائله شمائلي ، وسنته سنتي ، يقيم الناس على ملتي وشريعتي ، ويدعوهم إلى كتاب ربي عز وجل . من أطاعه فقد أطاعني ، ومن عصاه فقد عصاني ، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني ، ومن كذبه فقد كذبني ، ومن صدقه فقد صدقني . إلى الله أشكو المكذبين لي في أمره ، والجاحدين لقولي في شأنه ، والمضلين لأمتي عن طريقته ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون » . والشمائل : الطبائع ، وتطلق على ملامح البدن . وقد دلت هذه
--------------------------- 199 ---------------------------
الأحاديث على شبهه بجده رسول الله صلى الله عليه وآله في خلقه وخلقه واتباعه لسنته ، وتجديده الإسلام وبسط نوره . وكفى به مقاماً عظيماً .
6 - سيرة المهدي عليه السلام في ملبسه
الكافي : 1 / 411 و : 6 / 444 : « عن حماد بن عثمان قال : حضرت أبا عبد الله عليه السلام وقال له رجل : أصلحك الله ذكرت أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس الخشن ، يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك ، ونرى عليك اللباس الجديد ؟ فقال له : إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر عليه ، ولو لبس مثل ذلك اليوم شهِّرَ به ، فخير لباس كل زمان لباس أهله ، غير أن قائمنا أهل البيت ، إذا قام لبس ثياب علي ، وسار بسيرة علي عليه السلام » .
وفي تحف العقول / 446 : « عن معمر بن خلاد أنه قال للرضا عليه السلام : عجل الله فرجك . فقال عليه السلام : يا معمر ذاك فرجكم أنتم ، فأما أنا فوالله ما هو إلا مِزْوَدٌ فيه كفُّ سويق مختوم بخاتم » . أي إذا ملكنا تتنعمون أنتم ، أما أنا فأساوي فقراء الناس ، ويكون طعامي كأقل الناس ، كما كان يفعل أمير المؤمنين عليه السلام .
7 - عدم ثبوت صفة : أزْيَلُ الفخذين
شرح النهج : 1 / 281 : « إسماعيل بن عباد عن علي عليه السلام أنه ذكر المهدي وقال إنه من ولد الحسين عليه السلام وذكرحليته فقال : رجل أجلى الجبين أقنى الأنف ضخم البطن ، أزْيَلُ الفخذين ، أبلج الثنايا بفخذه اليمنى شامة . وذكر هذا الحديث بعينه عبد الله بن قتيبة في كتاب غريب الحديث » . وذكره في : 19 / 130 ، وفي غريب الحديث لابن الجوزي : 1 / 449 ، وقال : أزيل الفخذين ، والمراد انفراج فخذيه وتباعد ما بينهما وهو الزَّيَل .
وفي النعماني / 214 ، عن أبي وائل قال : « نظر أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى الحسين عليه السلام فقال : إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وآله سيداً ، وسيخرج الله من صلبه رجلاً باسم نبيكم ، يشبهه في الخلق والخلق ، يخرج على حين غفلة من الناس ، وإماتة للحق وإظهار للجور ، والله لو لم يخرج لضربت عنقه ، يفرح بخروجه أهل السماوات وسكانها ، وهو رجل أجلى
--------------------------- 200 ---------------------------
الجبين ، أقنى الانف ، ضخم البطن ، أزيل الفخذين ، بفخذه اليمنى شامة ، أفلج الثنايا ، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » .
أقول : لم ترد صفة « أزْيَل الفخذين » من طريق أهل البيت عليهم السلام ، وهذه الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام من رواة غير شيعة ، وقد تكون هذه الصفة مثل الحزاز موضوعة لتنطبق على شخص أفحج ادعى المهدية .
نعم ورد في كمال الدين : 2 / 653 ، عن الإمام الباقر عليه السلام : « مُشْرَبٌ بالحمرة ، مُبَدَّح البطن ، عريض الفخذين ، عظيم مشاش المنكبين » . وعرض الفخذين ضخامتهما ، وهو غير الأزيل الأفحج .
وقد رووا أن عمر كان أفحج ، ففي تفسير الطبري 2 / 794 : « بينما عمر يصلي ويهوديان خلفه وكان عمر إذا أراد أن يركع خوى ، فقال أحدهم لصاحبه : أهو هو ؟ فلما انفتل عمر قال : رأيت قول أحدكم لصاحبه أهو هو ! فقالا : إنا نجد في كتابنا قرناً من حديد يعطى ما يعطى حزقيل الذي أحيا الموتى بإذن الله » .
ومعنى خوى : أنه كان لا يستطيع الركوع بشكل طبيعي ، فزعم اليهوديان تقرباً إلى عمر ، أن ذلك علامة رجل يحيي الموتى كحزقيل ! والزَّيَل : الفحَج . « الفايق : 1 / 200 » وخففه بعضهم فجعله شبيهاً بالفَحَج .
قال ابن الأثير في النهاية : 2 / 325 : « في حديث علي رضي الله عنه ، ذكر المهدى فقال : إنه أزيل الفخدين أي منفرجهما ، وهو الزيل ، والتزيل » .
وفي لسان العرب : 11 / 317 : « والزَّيَل بالتحريك : تباعد ما بين الفخذين كالفحج . ورجل أزيل الفخذين : منفرجهما متباعدهما ، وهو من ذلك لأن المتباعد مفارق .
والنتيجة : أن الزَّيَل هو الفَحَج أوشبهه ، وهو عيبٌ لا يكون في المعصوم عليه السلام .
--------------------------- 201 ---------------------------
من صفاته المعنوية
1 - يعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي
في نهج البلاغة : 2 / 21 و : 4 / 36 : « يعطف الهوى على الهدى ، إذا عطفوا الهدى على الهوى ، ويعطف الرأي على القرآن ، إذا عطفوا القرآن على الرأي . حتى تقوم الحرب بكم على ساق ، بادياً نواجذها ، مملوءة أخلافها ، حلواً رضاعها ، علقماً عاقبتها ! ألا وفي غد ، وسيأتي غد بما لا تعرفون ، يأخذ الوالي من غيرها عمالها على مساوئ أعمالها ، وتخرج له الأرض أفاليذ كبدها ، وتلقي إليه سلماً مقاليدها ، فيريكم كيف عدل السيرة ، ويحيي ميت الكتاب والسنة » .
وفي نهج البلاغة ، شرح الصالح / 208 : « وأخذوا يميناً وشمالاً ، ضعناً في مسالك الغي ، وتركاً لمذاهب الرشد ، فلا تستعجلوا ما هو كائن مرصد ، وتستبطئوا ما يجئ به الغد . فكم من مستعجل بما إن أدركه ودَّ أنه لم يدركه . وما أقرب اليوم من تباشير غد . يا قوم هذا أبان ورود كل موعود ، ودنُوُّ من طلعة ما لا تعرفون .
ألا إن من أدركها منا يسري فيها بسراج منير ، ويحذو فيها على مثال الصالحين ، ليحل فيها ربقاً ، ويعتق فيها رقاً ، ويصدع شعباً ، ويشعب صدعاً .
في سترة عن الناس ، لايبصرالقائف أثره ولو تابع نظره ، ثم ليشحذن فيها قوم شحذ القين النصل ، تُجلى بالتنزيل أبصارهم ، ويُرمى بالتفسير في مسامعهم ، ويغبقون كأس الحكمة بعد الصبوح » .
2 - معدنٌ عريق وشخصيةٌ ربانية
النعماني / 212 : « عن الحسين بن علي عليهم السلام قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين فقال له : يا أمير المؤمنين نبئنا بمهديكم هذا ؟ فقال : إذا درج الدارجون وقلَّ المؤمنون ، وذهب المجلبون ، فهناك هناك ، فقال : يا أمير المؤمنين ممن الرجل ؟ فقال : من بني هاشم ، من ذروة طود العرب ، وبحر مغيضها إذا وردت ، ومخفر أهلها إذا أُتيت ، ومعدن صفوتها إذا اكتدرت ، لا يجبن إذا المنايا هكعت ، ولا يخور إذا المنون اكتنعت ، ولاينكل إذا الكماة اصطرعت ، مشمرٌ مغلولب ،
--------------------------- 202 ---------------------------
ظفرٌ ضرغامة ، حصد مخدش ذكر ، سيف من سيوف الله ، رأس قثم ، نشو رأسه في باذخ السؤدد ، وغارز مجده في أكرم المحتد . فلا يصرفنك عن بيعته صارف عارض ، ينوص إلى الفتنة كل مناص ، إن قال فشر قائل ، وإن سكت فذو دعاير .
ثم رجع إلى صفة المهدي عليه السلام فقال : أوسعكم كهفاً ، وأكثركم علماً ، وأوصلكم رحماً ، اللهم فاجعل بعثه خروجاً من الغُمة ، واجمع به شمل الأمة . فإن خار الله لك فاعزم ، ولا تنثنِ عنه إن وُفقت له ، ولا تجوزنَّ عنه إن هديت إليه ، هاه ، وأومأ بيده إلى صدره ، شوقاً إلى رؤيته » .
3 - قد لبس للحكمة جنتها وأخذها بجميع أدبها
نهج البلاغة شرح الصالح / 263 خطبة 182 : « قد لبس للحكمة جنتها ، وأخذها بجميع أدبها من الإقبال عليها والمعرفة بها ، والتفرغ لها ، فهي عند نفسه ضالته التي يطلبها ، وحاجته التي يسأل عنها ، فهو مغترب إذا اغترب الإسلام ، وضرب بعسيب ذنبه ، وألصق الأرض بجرانه . بقية من بقايا حجته ، خليفة من خلائف أنبيائه » .
وقال في شرح النهج : 10 / 95 : « هذا الكلام فسره كل طائفة على حسب اعتقادها ، فالشيعة الإمامية تزعم أن المراد به المهدى المنتظر عندهم . والصوفية يزعمون أنه يعنى به ولي الله في الأرض ، وعندهم أن الدنيا لا تخلو من الأبدال وهم أربعون ، ومن الأوتاد وهم سبعة ، ومن القطب وهو واحد ، فإذا مات القطب صار أحد السبعة قطباً عوضه ، وصار أحد الأربعين وتداً عوض الوتد ، وصار بعض الأولياء الذين يصطفيهم الله تعالى أبدالاً ، عوض ذلك البدل .
وأصحابنا « المعتزلة » يزعمون أن الله تعالى لا يخلي الأمة من جماعة من المؤمنين العلماء بالعدل والتوحيد ، وأن الإجماع إنما يكون حجة باعتبار أقوال أولئك العلماء ، لكنه لما تعذرت معرفتهم بأعيانهم ، اعتبر إجماع سائر العلماء ، وإنما الأصل قول أولئك . قالوا : وكلام أمير المؤمنين عليه السلام ليس يشير فيه إلى جماعة أولئك العلماء من حيث هم جماعة ، ولكنه يصف حال كل واحد منهم فيقول : من صفته كذا ، ومن صفته كذا . والفلاسفة يزعمون أن مراده عليه السلام بهذا الكلام العارف ، ولهم في العرفان وصفات أربابه كلام يعرفه من له أنس بأقوالهم .
--------------------------- 203 ---------------------------
وليس يبعد عندي أن يريد به القائم من آل محمد عليه السلام في آخر الوقت إذا خلقه الله تعالى ، وإن لم يكن الآن موجوداً ، فليس في الكلام ما يدل على وجوده الآن ، وقد وقع اتفاق الفرق من المسلمين أجمعين على أن الدنيا والتكليف لا ينقضي إلا عليه » .
4 - يطبق القرآن ويعلمه للناس كما أنزل
الكافي : 8 / 396 : « عن أحمد بن عمر : قال أبو جعفر عليه السلام وأتاه رجل فقال له : إنكم أهل بيت رحمة اختصكم الله تبارك وتعالى بها ، فقال له : كذلك نحن والحمد لله ، لا ندخل أحداً في ضلالة ، ولا نخرجه من هدى . إن الدنيا لا تذهب حتى يبعث الله عز وجل رجلاً منا أهل البيت يعمل بكتاب الله ، لا يرى فيكم منكراً إلا أنكره » .
وفي الإرشاد / 365 ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : « إذا قام قائم آل محمد عليه السلام ضرب فساطيط يعلم الناس القرآن على ما أنزل الله عز وجل ، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف » . وإثبات الهداة : 3 / 556 .
وفي البصائر / 193 ، عن سالم بن أبي سلمة : « قال قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أسمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : مَهْ مَهْ كُفَّ عن هذه القراءة ، إقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم ، فإذا قام قرأ كتاب الله على حدِّه ، وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام . وقال : أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حيث فرغ منه وكتبه ، فقال لهم : هذا كتاب الله كما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله وقد جمعته بين اللوحين ، قالوا : هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن ، لا حاجة لنا فيه ! قال : أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبداً ! إنما كان عليَّ أن أخبركم به حين جمعته لتقرؤوه » .
وفي النعماني / 317 ، عن حبة العرني ، قال : « قال أمير المؤمنين عليه السلام : كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة قد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما أنزل . أما إن قائمنا إذا قام كسره وسوى قبلته » .
وفي الكافي : 8 / 287 : « عن عاصم بن حميد ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ؟ قال : اختلفوا كما اختلفت هذه الأمة في الكتاب وسيختلفون
--------------------------- 204 ---------------------------
في الكتاب الذي مع القائم الذي يأتيهم به حتى ينكره ناس كثير فيقدمهم فيضرب أعناقهم » .
أقول : يقصد عليه السلام أنهم يعلمونهم القرآن على نسخة علي عليه السلام التي توارثها الأئمة عليهم السلام وهي تتفاوت مع القرآن في ترتيب بعض آياته ، وليس في الزيادة والنقصان .
ففي الإحتجاج : 1 / 155 : « عن أبي ذر الغفاري : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله جمع علي عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم ، لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله . . . فلما استخلف عمر سأل علياً أن يدفع إليهم القرآن فقال : يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه فقال عليه السلام : هيهات ليس إلى ذلك سبيل ، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين ، أو تقولوا : ما جئتنا به ، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي ! قال عمر : فهل لإظهاره وقت معلوم . فقال : نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري السنة به » .
5 - الشريد الطريد الفريد الوحيد ، المفرد من أهله !
في النعماني / 178 : « عن عبد الأعلى بن حصين الثعلبي عن أبيه قال : لقيت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام في حج أو عمرة فقلت له : كبرت سني ودق عظمي فلست أدري يقضى لي لقاؤك أم لا فاعهد إلي عهداً وأخبرني متى الفرج ؟ فقال : إن الشريد الطريد الفريد الوحيد ، المفرد من أهله ، الموتور بوالده ، المكنى بعمه ، هو صاحب الرايات ، واسمه اسم نبي . فقلت : أعد علي ، فدعا بكتاب أديم أو صحيفة فكتب لي فيها » . وفي رواية : « فقال : أحفظت أم أكتبها لك ؟ فقلت : إن شئت ، فدعا بكراع من أديم أو صحيفة فكتبها لي ثم دفعها إلي . وأخرجها حصين إلينا فقرأها علينا ثم قال : هذا كتاب أبي جعفر عليه السلام » .
وفي النعماني / 179 ، عن الإمام الباقر عليه السلام : « صاحب هذا الأمر هو الطريد ، الشريد ، الموتور بأبيه ، المكنى بعمه ، المفرد من أهله ، اسمه اسم نبي » .
وفي كمال الدين : 1 / 303 ، عن الأصبغ بن نباتة قال : « سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : صاحب هذا الأمر : الشريد ، الطريد ، الفريد ، الوحيد » .
--------------------------- 205 ---------------------------
6 - معه راية النبي صلى الله عليه وآله ومواريثه ، ومواريث الأنبياء عليهم السلام
النعماني / 315 ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام : « إن القائم يهبط من ثنية ذي طوى ، في عدة أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، حتى يسند ظهره إلى الحجر الأسود ، ويهز الراية الغالبة . قال علي بن أبي حمزة : فذكرت ذلك لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام فقال : كتاب منشور » . وعنه البحار : 52 / 370 ، وقال : « أي هذا مثبت في الكتاب المنشور ، أو معه الكتاب ، أو الراية كتاب منشور » .
وفي النعماني / 307 : « عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لما التقى أمير المؤمنين عليه السلام وأهل البصرة نشر الراية راية رسول الله صلى الله عليه وآله فزلزلت أقدامهم ، فما اصفرت الشمس حتى قالوا : آمنا يا بن أبي طالب ، فعند ذلك قال : لا تقتلوا الأسرى ولا تجهزوا على الجرحى ، ولا تتبعوا مولياً ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن . ولما كان يوم صفين سألوه نشر الراية فأبى عليهم فتحملوا عليه بالحسن والحسين وعمار بن ياسر ، فقال للحسن : يا بنيَّ إن للقوم مدة يبلغونها وإن هذه راية لاينشرها بعدي إلا القائم صلوات الله عليه » .
7 - معه سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله
الإرشاد / 274 ، عن الصادق عليه السلام : « عِلْمُنَا غابرٌ ، ومزبورٌ ، ونَكْتٌ في القلوب ، ونَقْرٌ في الأسماع . وإن عندنا الجفر الأحمر ، والجفر الأبيض ، ومصحف فاطمة عليها السلام . وإن عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه . فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال : أما الغابر فالعلم بما يكون ، وأما المزبور : فالعلم بما كان ، وأما النكت في القلوب فهو الإلهام ، والنقر في الأسماع : حديث الملائكة ، نسمع كلامهم ولا نرى أشخاصهم ، وأما الجفر الأحمر : فوعاء فيه سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولن يخرج حتى يقوم قائمنا أهل البيت . وأما الجفر الأبيض : فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله الأولى . وأما مصحف فاطمة عليها السلام ففيه ما يكون من حادث ، وأسماء كل من يملك إلى أن تقوم الساعة . وأما الجامعة : فهي كتاب طوله سبعون ذراعاً ، أملاه رسول الله صلى الله عليه وآله من فلق فيه وخط علي بن أبي طالب عليه السلام بيده ، فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة ، حتى أن فيه
--------------------------- 206 ---------------------------
أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة . وكان عليه السلام يقول : إن حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وحديث علي أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله ، وحديث رسول الله قول الله عز وجل » .
وفي البصائر / 188 : « عن أبي بصير أنه قال للإمام الصادق عليه السلام : جعلت فداك إني أريد أن ألمس صدرك ، فقال : إفعل ، فمسست صدره ومناكبه فقال : ولمَ يا أبا محمد ؟ فقلت : جعلت فداك إني سمعت أباك وهو يقول : إن القائم واسع الصدر مسترسل المنكبين عريضُ ما بينهما ، فقال : يا أبا محمد إن أبي لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله وكانت تسحب على الأرض ، وأنا لبستها فكانت وكانت ، وإنها تكون من القائم كما كانت من رسول الله صلى الله عليه وآله مشمرة ، كانت ترفع نطاقها بحلقتين ، وليس صاحب هذا الأمر من جاز أربعين » .
وفي إثبات الوصية / 223 : « عن الحسن بن علي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أنت صاحبنا أعني صاحب الأمر ؟ فقال : ألبست درع رسول الله صلى الله عليه وآله فانجرَّت عليَّ ، وإنه ليؤخذ لي بالركاب ، وإن صاحبكم يلبس الدرع فتستوي عليه ، ولا يؤخذ له بالركاب . ثم قال لي : أنَّى يكون ذلك ولم يولد الغلام الذي تربيه جدته » .
وفي البصائر / 184 ، والإرشاد / 275 : « عن عبد الأعلى بن أعين قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : عندي سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله لا أنازع فيه ، ثم قال : إن السلاح مدفوع عنه لو وضع عند شر خلق الله كان أخيرهم ، ثم قال : إن هذا الأمر يصير إلى من يُلوى له الحنك ، فإذا كانت من الله فيه المشية خرج فيقول الناس ما هذا الذي كان . ويضع الله له يده على رأس رعيته » .
ومعنى الحديث : أن من يرى الإمام عليه السلام قبل أن يخرج يراه شخصاً مؤمناً كالمسكين ، وقد يلوي فمه استهزاءً به ، فإذا خرج ورأى ما خصه الله تعالى به يقول : ليس هذا الذي رأيته . ويعطيه الله الهيبة في قلوب الناس ، كأنما وضع الله يده على رؤوسهم .
الكافي : 1 / 284 : « عن عبد الأعلى قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : المتوثب على هذا الأمر المدعي له ، ما الحجة عليه ؟ قال : يسأل عن الحلال والحرام قال : ثم أقبل علي فقال : ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الأمر : أن يكون أولى الناس بمن كان قبله ،
--------------------------- 207 ---------------------------
ويكون عنده السلاح ، ويكون صاحب الوصية الظاهرة ، التي إذا قدمت المدينة سألت عنها العامة والصبيان : إلى من أوصى فلان ؟ فيقولون : إلى فلان بن فلان » .
وفي النعماني / 243 : « عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : « ألا أريك قميص القائم الذي يقوم عليه ؟ فقلت بلى ، قال : فدعا بقَمْطَر « محفظة للكتب ونحوها » ففتحه وأخرج منه قميص كرابيس فنشره فإذا في كمه الأيسر دم ، فقال : هذا قميص رسول الله صلى الله عليه وآله الذي عليه يوم ضربت رباعيته ، وفيه يقوم القائم . فقبَّلت الدم ووضعته على وجهي ، ثم طواه أبو عبد الله عليه السلام ورفعه » .
وفي البصائر / 162 : « عن عبد الملك بن أعين قال : أراني أبو جعفر بعض كتب علي ثم قال لي : لأي شئ كتبت هذه الكتب ؟ قلت : ما أبين الرأي فيها قال : هات قلت : علم أن قائمكم يقوم يوماً ، فأحب أن يعمل بما فيها ، قال : صدقت » .
وفي النعماني / 238 : « عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : عصا موسى قضيب آس من غرس الجنة ، أتاه بها جبرئيل عليه السلام لما توجه تلقاء مدين ، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية ، ولن يبليا ولن يتغيرا حتى يخرجهما القائم عليه السلام إذا قام » .
وفي البصائر / 183 : « عن محمد بن الفيض ، عن محمد بن علي عليه السلام قال : كانت عصا موسى لآدم فصارت إلى شعيب ، ثم صارت إلى موسى بن عمران ، وإنها لعندنا وإن عهدي بها آنفاً ، وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرها ، وإنها لتنطق إذا استنطقت ، أعدت لقائمنا ليصنع كما كان موسى يصنع بها ، وإنها لتروع وتلقف ! قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أراد الله أن يقبضه أورث علياً عليه السلام علمه وسلاحه وما هناك ، ثم صار إلى الحسن والحسين ، ثم حين قتل الحسين استودعه أم سلمة ، ثم قبض بعد ذلك منها . قال فقلت : ثم صار إلى علي بن الحسين ثم صار إلى أبيك ثم انتهى إليك ؟ قال : نعم » .
ونحوه الكافي : 1 / 231 ، وفيه : إنها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون ، يفتح لها شعبتان : إحداهما في الأرض والأخرى في السقف وبينهما أربعون ذراعاً تلقف ما يأفكون بلسانها » .
--------------------------- 208 ---------------------------
8 - معه عهدٌ معهود من النبي صلى الله عليه وآله
البحار : 52 / 305 ، عن السيد علي بن عبد الحميد : « إذا خسف بجيش السفياني ، والقائم يومئذ بمكة عند الكعبة مستجيراً بها يقول : أنا ولي الله ، فيبايعونه بين الركن والمقام . ومعه عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله قد تواترت عليه الآباء . فإن أشكل عليهم من ذلك الشئ فإن الصوت من السماء لايشكل عليهم ، إذا نودي باسمه واسم أبيه » .
9 - الإمام المهدي عليه السلام ساقي الأمة في المحشر
مائة منقبة / 24 : « عن عبد الله بن عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي بن أبي طالب عليه السلام : يا علي أنا نذير أمتي ، وأنت هاديها ، والحسن قائدها ، والحسين سائقها ، وعلي بن الحسين جامعها ، ومحمد بن علي عارفها ، وجعفر بن محمد كاتبها ، وموسى بن جعفر محصيها ، وعلي بن موسى معبرها ومنجيها وطارد مبغضيها ومدني مؤمنيها ، ومحمد بن علي قائدها وسائقها ، وعلي بن محمد ساترها وعالمها ، والحسن بن علي مناديها ومعطيها ، والقائم الخلف ساقيها ومناشدها : إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » .
ومن العجيب أن يروي ذلك عبد الله بن عمر ، لكن له روايات عجيبة منها أن الله تعالى كلم النبي صلى الله عليه وآله في المعراج بصوت علي بن أبي طالب عليه السلام .
10 - وهو الصراط السوي
في تأويل الآيات : 1 / 323 ، عن الإمام الكاظم عليه السلام قال : « سألت أبي عن قول الله عز وجل : فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى ؟ قال : الصراط السوي هو القائم عليه السلام ، واهتدى من اهتدى إلى طاعته . ومثلها في كتاب الله عز وجل : وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى . قال : إلى ولايتنا » .
11 - وهو صاحب ليلة القدر
في تفسير القمي : 2 / 431 : « علي بن إبراهيم في قوله : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، قال :
--------------------------- 209 ---------------------------
فهو القرآن أنزل إلى البيت المعمور في ليلة القدر جملة واحدة ، وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله في طول ثلاث وعشرين سنة . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ : ومعنى ليلة القدر أن الله يقدر فيها الآجال والأرزاق وكل أمر يحدث من موت أو حياة ، أو خصب أو جدب ، أو خير أو شر ، كما قال الله : فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ، إلى سنة . قوله : تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ، قال : تنزل الملائكة وروح القدس على إمام الزمان ، ويدفعون إليه ما قد كتبوه من هذه الأمور » .
وفي تفسير القمي : 2 / 290 : « عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن عليهم السلام : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ : يعني القرآن . فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ . وهي ليلة القدر ، أنزل الله القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة . ثم نزل من البيت المعمور على رسول الله صلى الله عليه وآله في طول ثلاث وعشرين سنة . فِيهَا يُفْرَقُ : في ليلة القدر . كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ : أي يقدر الله كل أمر من الحق ومن الباطل ، وما يكون في تلك السنة ، وله فيه البداء والمشية ، يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، من الآجال والأرزاق والبلايا والأعراض والأمراض ، ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء ، ويلقيه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام ويلقيه أمير المؤمنين إلى الأئمة عليهم السلام حتى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان . ويشترط له ما فيه البداء والمشية والتقديم والتأخير » .
12 - وهو بقية الله في أرضه
الكافي : 1 / 411 : عن عمر بن زاهر ، عن أبي عبد الله عليه السلام : « قال سأله رجل عن القائم يسلم عليه بإمرة المؤمنين قال : لا ، ذاك إسمٌ سمى الله به أمير المؤمنين عليه السلام لم يسم أحد قبله ولا يتسمى به بعده إلا كافر . قلت : جعلت فداك كيف يسلم عليه ؟ قال يقولون السلام عليك يا بقية الله ، ثم قرأ : بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » .
أقول : لعل الكافر هنا بالمعنى اللغوي .
وفي الإحتجاج : 1 / 240 : « جاء بعض الزنادقة إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقال له : لولا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلت في دينكم . . . قال علي عليه السلام : الذي تنزل به الملائكة في الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم من خلق ورزق وأجل وعمل ، وعمر وحياة وموت ،
--------------------------- 210 ---------------------------
وعلم غيب السماوات والأرض ، والمعجزات التي لا تنبغي إلا لله وأصفيائه والسفرة بينه وبين خلقه . وهم وجه الله الذي قال : فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ، هم بقية الله ، يعني المهدي ، يأتي عند انقضاء هذه النظرة فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً » .
13 - وهو الكوكب الدري والنور الإلهي في الآية
في المحكم والمتشابه / 112 ، عن أمير المؤمنين عليه السلام في أقسام النور في القرآن ، قال : « النور : القرآن ، والنور اسم من أسماء الله تعالى ، والنور النورية ، والنور ضوء القمر والنور ضوء المؤمن ، وهو الموالاة التي يلبس لها نوراً يوم القيامة ، والنور في مواضع من التوراة والإنجيل والقرآن حجة الله على عباده ، وهو المعصوم . . . فقال تعالى : وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . فالنور في هذا الموضع هو القرآن ، ومثله في سورة التغابن قوله تعالى : فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا . يعني سبحانه : القرآن وجميع الأوصياء المعصومين من حملة كتاب الله تعالى وخزانه وتراجمته ، الذين نعتهم الله في كتابه فقال : وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ، فهم المنعوتون الذين أنار الله بهم البلاد وهدى بهم العباد ، قال الله تعالى في سورة النور : اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ، يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمٌ . فالمشكاة رسول الله صلى الله عليه وآله والمصباح الوصي والأوصياء عليهم السلام والزجاجة فاطمة عليها السلام والشجرة المباركة رسول الله ، والكوكب الدري القائم المنتظر عليه السلام الذي يملأ الأرض عدلاً » .
التوحيد للصدوق / 158 ، عن عيسى بن راشد ، عن محمد بن علي بن الحسين عليه السلام في قوله عز وجل : كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ، قال : « المشكاة نور العلم في صدر النبي صلى الله عليه وآله . الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ : الزجاجة صدر علي عليه السلام . صار علم النبي صلى الله عليه وآله إلى صدر علي عليه السلام . الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ : قال : نور . لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ : قال : لا يهودية ولا نصرانية . يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ : يكاد العالم من آل محمد عليهم السلام يتكلم بالعلم قبل
--------------------------- 211 ---------------------------
أن يسأل . نُورٌ عَلَى نُورٍ : يعني إماماً مؤيداً بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمد عليهم السلام ، وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة ، فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله عز وجل خلفاءه في أرضه وحججه على خلقه ، لا تخلو الأرض في كل عصر من واحد منهم » .
14 - المهدي والأئمة عليهم السلام هم السبع المثاني
تفسير العياشي : 2 / 250 : « عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله : وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ، قال : سبعة أئمة والقائم عليه السلام . وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : إن ظاهرها الحمد ، وباطنها ولد الولد . والسابع منها القائم عليه السلام » .
15 - له سيف مذخور من جده عبد المطلب رحمه الله
الكافي : 4 / 220 : « عن الحسن بن راشد قال : سمعت أبا إبراهيم عليه السلام يقول : لما احتفر عبد المطلب زمزم وانتهى إلى قعرها ، خرجت عليه من إحدى جوانب البئر رائحة منتنة أفظعته ، فأبى أن ينثني ، وخرج ابنه الحارث عنه ، ثم حفر حتى أمعن فوجد في قعرها عيناً تخرج عليه برائحة المسك ، ثم احتفر فلم يحفر إلا ذراعاً حتى تجلاه النوم ، فرأى رجلاً طويل الباع حسن الشعر جميل الوجه جيد الثوب طيب الرائحة ، وهو يقول : إحفرْ تَغْنَمْ ، وجُدَّ تسلم ، ولا تدخرها للمقسم ، الأسياف لغيرك والبئر لك ، أنت أعظم العرب قدراً ، ومنك يخرج نبيها ووليها ، والأسباط النجباء الحكماء العلماء البصراء ، والسيوف لهم وليسوا اليوم منك ولا لك ، ولكن في القرن الثاني منك ، بهم ينيرالله الأرض ويخرج الشياطين من أقطارها ، ويذلها في عزها ، ويهلكها بعد قوتها ، ويذل الأوثان ويقتل عبادها حيث كانوا ، ثم يبقى بعده نسل من نسلك هو أخوه ووزيره ودونه في السن . . . فوجد ثلاثة عشر سيفاً مسندة إلى جنبه ، فأخذها وأراد أن يبتَّ فقال : وكيف ولم أبلغ الماء ، ثم حفر فلم يحفر شبراً حتى بدا له قرن الغزال ورأسه ، فاستخرجه وفيه طبع : لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله فلان خليفة الله ، فسألته فقلت : فلان متى كان قبله أو بعده ؟ قال : لم يجئ بعد ولا جاء شئ من أشراطه . . . رأى عبد المطلب أن يبطل الرؤيا التي رآها في البئر ، ويضرب السيوف
--------------------------- 212 ---------------------------
صفائح للبيت ، فأتاه رسول الله بالنوم فغشيه وهو في حجر الكعبة ، فرأى ذلك الرجل بعينه ، وهو يقول : يا شيبة الحمد ضع السيوف في مواضعها . . . فادفع هذه الثلاثة عشر سيفاً إلى ولد المخزومية ، ولا يبان لك أكثر من هذا ، وسيف لك منها واحد سيقع من يدك ، فلا تجد له أثراً ، إلا أن يستجنه جبل كذا وكذا فيكون من أشراط قائم آل محمد !
فانتبه عبد المطلب وانطلق والسيوف على رقبته فأتى ناحية من نواحي مكة ففقد منها سيفاً كان أرقها عنده ، فيظهر من ثَمَّ . ونحن نقول : لا يقع سيف من أسيافنا في يد غيرنا إلا رجل يعين به معنا إلا صار فحماً ، قال : وإن منها لواحداً في ناحية يخرج كما تخرج الحية فيبين منه ذراع وما يشبهه ، فتبرق له الأرض مراراً ثم يغيب ، فإذا كان الليل فعل مثل ذلك ، فهذا دأبه حتى يجئ صاحبه ، ولو شئت أن أسمي مكانه لسميته ولكن أخاف عليكم من أن أسميه فتسموه فينسب إلى غير ما هو عليه » .
16 - يجتمع أبناء الزهراء عليها السلام في العالم على تأييده
وروايته صحيحة السند تقدمت في فصل السفياني ، وهي تدل على أن السادة أبناء علي وفاطمة عليها السلام في كل العالم على اختلاف مذاهبهم يُجمعون على تأييده واتِّباعه عجل الله تعالى فرجه الشريف ! وهو أمرٌ لم يحدث بعد أن كثر أولاد الحسنين عليه السلام وتفرقوا .
ففي الكافي : 8 / 264 : « عن عيص بن القاسم قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن أتاكم آت منا فانظروا على أي شئ تخرجون ؟ . . . إلا مع من اجتمعت بنو فاطمة معه ، فوالله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه » .
فكل من صح نسبه إلى فاطمة يتحرك عرقها فيه وينصره ! .
17 - يقاتل على السنة ويكمل مهمة جده المصطفى صلى الله عليه وآله
ابن حماد : 1 / 379 : « عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله قال : هو رجل من عترتي ، يقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي » . وصواعق ابن حجر / 164 ، والقول المختصر / 7 و 12 ، وفيه : « يضرب الناس حتى يرجعوا للحق » .
--------------------------- 213 ---------------------------
وفي فتوحات ابن عربي : 3 / 332 : « وكذا ورد الخبر في صفة المهدي أنه قال صلى الله عليه وآله : يقفو أثري لا يخطئ » . وفي / 335 : « فعرفنا أنه متبع لا متبوع ، وأنه معصوم ولا معنى للمعصوم في الحكم إلا أنه لا يخطئ ، فإن حكم الرسول لا ينسب إليه خطأ ، فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
وقال في / 327 : يقفو أثر رسول الله صلى الله عليه وآله لا يخطئ ، له ملك يسدده من حيث لا يراه ، يحمل الكَلّ ويُقوي الضعيف في الحق ، ويُقري الضيف ، ويُعين على نوائب الحق ، يفعل ما يقول ويقول ما يعلم ، ويعلم ما يشهد » .
18 - تنتهي التقية بظهوره عليه السلام
في تفسير العياشي : 2 / 351 : « عن المفضل قال : وسألته عن قوله : فإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ؟ قال : رفع التقية عند الكشف ، فينتقم من أعداء الله » . ورواه في البحار : 12 / 207 ، وقال : « هذا كلام على سبيل التمثيل والتشبيه ، أي جعل الله التقية لكم سداً لرفع ضرر المخالفين عنكم إلى قيام القائم عليه السلام ورفع التقية ، كما أن ذا القرنين وضع السد لرفع فتنة يأجوج ومأجوج ، إلى أن يأذن الله لرفعها » .
- *
--------------------------- 214 ---------------------------
--------------------------- 215 ---------------------------
الفصل العاشر : ( مقام المهدي ، مقام الإمام المهدي عليه السلام عند الله تعالى )
--------------------------- 216 ---------------------------
المهدي عليه السلام أحد سبعة سادة أهل الجنة
في كتاب سُلَيْم بن قيس رحمه الله / 245 ، قال : « كانت قريش إذا جلست في مجالسها فرأت رجلاً من أهل البيت قطعت حديثها ، فبينما هي جالسة إذ قال رجل منهم : ما مَثَلُ محمد في أهل البيت إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة « أي مزبلة » ! فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فغضب ثم خرج فأتى المنبر فجلس عليه حتى اجتمع الناس ، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال . . . وأورد خطبة في فضله وفضل أهل بيته صلى الله عليه وآله جاء فيها : « ألا ونحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة ، أنا ، وعلي ، وجعفر ، وحمزة ، والحسن ، والحسين ، وفاطمة ، والمهدي » .
وروى نحوه الصدوق في أماليه / 384 ، عن أنس ، وفيه : نحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة : رسول الله ، وحمزة سيد الشهداء ، وجعفر ذو الجناحين ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، والمهدي . ورواه الطوسي في الغيبة / 113 ، والعمدة / 52 و 430 ، والطرائف : 1 / 176 ، عن الثعلبي . وتأتي بقية مصادره .
وفي سنن ابن ماجة : 2 / 1368 : « عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله يقول : نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة ، أنا ، وحمزة ، وعلي ، وجعفر ، والحسن ، والحسين ، والمهدي » .
ومثله الحاكم : 3 / 211 ، وصححه بشرط مسلم ، وفيه : « أنا وعلي وجعفر وحمزة . وتاريخ بغداد : 9 / 434 ، وفيه : نحن سبعة بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة ، أنا وعلي أخي وعمي حمزة وجعفر والحسن والحسين والمهدي » .
ورواه في تلخيص المتشابه : 1 / 197 ، والفردوس : 1 / 53 ، وفيه : بني المطلب سادة . ومقتل الحسين للخوارزمي : 1 / 108 ، عن أبي نعيم . وبيان الشافعي / 488 ، كابن ماجة ، وقال : هذا الحديث صحيح أخرجه ابن ماجة الحافظ في صحيحه كما سقناه ، ورزقناه عالياً بحمد الله ، وأخرجه الطبراني عن جعفر بن عمر الصباح ، عن سعد بن عبد الحميد كما أخرجناه ، ورواه أبو نعيم الحافظ في مناقب المهدي بطرق شتى . وذخائر العقبى / 15 ، و 89 ، كابن ماجة بتفاوت يسير . ورواه السلمي في عقد الدرر / 144 ، كتاريخ بغداد ، وفتن ابن كثير : 1 / 44 ، عن ابن ماجة ، وقال : أورده البخاري في التاريخ ، وابن حاتم في الجرح والتعديل .
وفي المسند الجامع : 2 / 446 : « عن أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة : أنا ، وحمزة ، وعلي ، وجعفر ، والحسن ، والحسين ، والمهدي » .
وجامع الأحاديث : 6 / 723 ، وزوائد ابن ماجة / 528 ، وجامع المسانيد : 21 / 51 ، ومصباح الزجاجة : 2 / 314 ، واعتقاد أهل السنة : 8 / 141 ، والدر النظيم / 755 و 798 ، وارتقاء الغرف / 214 و 253 والكشف والبيان : 8 / 312 ،
--------------------------- 217 ---------------------------
ومسند شمس الأخبار : 2 / 305 ، وكفاية الطالب / 488 ، وعوالم النصوص / 304 ، وكلها عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله كالمسند الجامع . ونحوه العلل المتناهية : 1 / 223 .
وفي : 2 / 549 ، عن ابن سيرين : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « خير هذه الأمة بعد نبيها ستة . قالوا يا رسول الله من هم ؟ قال : علي وحمزة وجعفر والحسن والحسين والمهدي » .
قال ابن الصديق المغربي / 542 : « وقد وجدت ما يصلح أن يكون للحديث شاهداً ، قال الطبراني في المعجم الصغير : حدثنا أحمد بن محمد بن العباس المري القنطري . . . عن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة : « نبينا خير الأنبياء وهو أبوك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك حمزة ، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك جعفر ، ومنا سبطا هذه الأمة الحسن والحسين وهما ابناك ، ومنا المهدي » . انتهى .
وفي قرب الإسناد / 13 ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : « منا سبعة خلقهم الله عز وجل ، لم يخلق في الأرض مثلهم : منا رسول الله صلى الله عليه وآله سيد الأولين والآخرين وخاتم النبيين ، ووصيه خير الوصيين ، وسبطاه خير الأسباط حسناً وحسيناً ، وسيد الشهداء حمزة عمه ، ومن قد طار مع الملائكة جعفر ، والقائم » .
وفي دلائل الإمامة / 256 : « عن الأصبغ بن نباتة ، قال : كنا مع علي عليه السلام بالبصرة وهو على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد اجتمع هو وأصحاب محمد صلى الله عليه وآله فقال : ألا أخبركم بأفضل خلق الله عند الله يوم يجمع الرسل ؟ قلنا : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : أفضل الرسل محمد ، وإن أفضل الخلق بعدهم الأوصياء ، وأفضل الأوصياء أنا ، وأفضل الناس بعد الرسل والأوصياء الأسباط ، وإن خير الأسباط سبطا نبيكم يعني الحسن والحسين ، وإن أفضل الخلق بعد الأسباط الشهداء ، وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، قال ذلك النبي ، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين ، مختصان بكرامة خص الله عز وجل بها نبيكم . والمهدي منا في آخر الزمان ، لم يكن في أمة من الأمم مهدى ينتظر غيره » .
المهدي عليه السلام مختارٌ مصطفىً من الله عز وجل
في الكافي : 8 / 49 : عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « خرج النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم وهو مستبشر
--------------------------- 218 ---------------------------
يضحك سروراً ، فقال له الناس : أضحك الله سنك يا رسول الله وزادك سروراً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنه ليس من يوم ولا ليلة إلا ولي فيهما تحفة من الله ، ألا وإن ربي أتحفني في يومي هذا بتحفة لم يتحفني بمثلها فيما مضى ، إن جبرئيل أتاني فأقرأني من ربي السلام وقال : يا محمد إن الله عز وجل اختار من بني هاشم سبعة لم يخلق مثلهم فيمن مضى ولا يخلق مثلهم فيمن بقي : أنت يا رسول الله سيد النبيين ، وعلي بن أبي طالب وصيك سيد الوصيين ، والحسن والحسين سبطاك سيدا الأسباط ، وحمزة عمك سيد الشهداء ، وجعفر بن عمك الطيار في الجنة يطير مع الملائكة حيث يشاء ، ومنكم القائم يصلي عيسى بن مريم خلفه إذا أهبطه الله إلى الأرض ، من ذرية علي وفاطمة ، من ولد الحسين » .
وفي المسترشد / 150 ، عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة عليها السلام : « إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين قبلنا ، ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا : نبينا خير الأنبياء وهو أبوك ، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عمك ، ومن له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء ، وهو جعفر بن أبي طالب ابن عمك ، ومنا سبطا هذه الأمة ، ومهديهم وُلْدُك » .
وفي الإرشاد / 24 ، عن ابن عباس : « لنا أهل البيت سبع خصال ما منهن خصلة في الناس ، منا النبي ، ومنا الوصي خير هذه الأمة بعده علي بن أبي طالب ، ومنا حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء ، ومنا جعفر بن أبي طالب المزين بالجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء ، ومنا سبطا هذه الأمة وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين ، ومنا قائم آل محمد الذي أكرم الله به نبيه ، ومنا المنصور » .
قال في البحار : 37 / 48 : « لعل المراد بالمنصور أيضاً القائم عليه السلام بقرينة أنه بالقائم يتم السبع ، ويحتمل أن يكون المراد به الحسين عليه السلام فإنه منصور في الرجعة » .
أقول : ورد وصف الإمام المهدي عليه السلام بأنه منصور في أكثر من حديث ، كما ورد لقباً له في تفسير قوله تعالى : وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً . كما ورد إسماً أو لقباً لوزيره المنصور اليماني . . الخ . أما السفاح فلعله ورد وصفاً للإمام المهدي عليه السلام لأنه يُنهي الظلم ويسفح دم أعداء الله تعالى . وكان المسلمون يتداولون أسماء هؤلاء
--------------------------- 219 ---------------------------
الموعودين ويتصورون أنهم سيظهرون قريباً ! وكان اليمانيون يفتخرون بالمنصور الموعود منهم ، وأنه وزير المهدي عليه السلام ، وكان القرشيون المتعصبون يدعون أن المنصور منهم .
وروى البخاري توبيخ معاوية لعبد الله بن عمرو بن العاص عندما روى أن المنصور يماني ، فتراجع ابن العاص وقال : « إنه لقرشي أبوه ، ولو أشاء أن أسميه إلى أقصى جد هو له لفعلت » ! « ابن حماد : 1 / 120 و 383 » .
وفي سياق هذا التنافس تبنى العباسيون السفاح والمنصور والمهدي ، وسموا بهم أبناءهم ! وهم يعلمون أنهم يكذبون ويسرقون فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله .
وفي النعماني / 67 ، بسندين عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « إن الله عز وجل اختار من كل شئ شيئاً . اختار من الأرض مكة ، واختار من مكة المسجد ، واختار من المسجد الموضع الذي فيه الكعبة ، واختار من الأنعام إناثها ومن الغنم الضأن ، واختار من الأيام يوم الجمعة ، واختار من الشهور شهر رمضان ، ومن الليالي ليلة القدر ، واختار من الناس بني هاشم ، واختارني وعلياً من بني هاشم ، واختار مني ومن علي الحسن والحسين ، وتكملة اثني عشر إماماً من ولد الحسين ، تاسعهم باطنهم وهو ظاهرهم ، وهو أفضلهم ، وهو قائمهم ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين » .
وفي إثبات الوصية / 225 ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « إن الله عز وجل اختار من الأيام يوم الجمعة ومن الليالي ليلة القدر ، ومن الشهور شهر رمضان ، واختارني من الرسل ، واختار مني علياً ، واختار من علي الحسن والحسين ، واختار منهما تسعة تاسعهم قائمهم ، وهو ظاهرهم وهو باطنهم » .
ومثله كمال الدين : 1 / 281 ، ودلائل الإمامة / 240 ، ومقتضب الأثر / 9 ، عن جابر ، وفيه : واختار من الحسين حجج العالمين ، تاسعهم قائمهم أعلمهم أحكمهم .
وفي المسلك في أصول الدين / 273 : « عن ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله أطلع إلى الأرض إطلاعة فاختارني منها ، ثم أطلع ثانية فاختار منها علياً ، وهو أبو سبطيَّ الحسن والحسين . إن الله جعلني وإياهم حججاً على عباده ، وجعل من صلب الحسين عليه السلام أئمة يقومون بأمري ، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتي » .
--------------------------- 220 ---------------------------
عن الإمام الصادق عليه السلام ، وفيه : « إن الله عز وجل اختار من الأيام الجمعة ، ومن الليالي ليلة القدر ، ومن الشهور شهر رمضان ، واختار جدي رسول الله من الرسل ، واختار منه علياً ، واختار من علي الحسن والحسين ، واختار من الحسين تسعة أئمة ، وتاسعهم ظاهرهم وباطنهم ، وهو سمي جده وكنيُّه » . غيبة الطوسي / 93 .
وفي الهداية / 374 ، عن الحسين عليه السلام قال : « دخلت أنا وأخي الحسن على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله فأجلسني على فخذه وأجلس أخي على فخذه الآخر وقبّلنا ، وقال : بأبي وأمي أنتما من إمامين زكيين صالحين ، اختاركما الله عز وجل مني ومن أبيكما وأمكما واختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم ، وكلاكما في المنزلة سواء » .
وفي تقريب المعارف / 182 : « أنت إمام ، ابن إمام ، أخو إمام ، أبو أئمة حجج تسع ، تاسعهم قائمهم ، أعلمهم أحكمهم أفضلهم » . وفي تقريب المعارف / 447 ، عن سلمان رحمه الله قال : « رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أجلس الحسين بن علي على فخذه وتفرس في وجهه ، ثم قال : إمام ابن إمام أبو أئمة حجج تسع ، تاسعُهم قائمُهم أحلمُهم أعلمُهم » . وفي / 425 ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « تاسعهم قائمهم » .
وفي أمالي الصدوق / 504 ، عن ابن عباس : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما عرج بي إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى ، ومن السدرة إلى حجب النور ، ناداني ربي جل جلاله : يا محمد أنت عبدي وأنا ربك ، فلي فاخضع ، وإياي فاعبد ، وعليَّ فتوكل ، وبي فثق ، فإني قد رضيت بك عبداً وحبيباً ورسولاً ونبياً ، وبأخيك علي خليفة وباباً ، فهو حجتي على عبادي وإمام لخلقي ، به يعرف أوليائي من أعدائي ، وبه يميز حزب الشيطان من حزبي ، وبه يقام ديني وتحفظ حدودي وتنفذ أحكامي . وبك وبه وبالأئمة من ولده أرحم عبادي وإمائي ، وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي ، وبه أطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي ، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلى وكلمتي العليا ، وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي ، وله أظهر الكنوز والذخائر بمشيتي ، وإياه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي ، وأمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري وإعلان ديني . ذلك وليي حقاً ، ومهديُّ عبادي صدقاً » .
--------------------------- 221 ---------------------------
أخذ الله الميثاق للمهدي عليه السلام
البصائر / 70 ، عن حمران ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إن الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق ، خلق ماءً عذباً وماءً مالحاً أجاجاً ، فامتزج الماءان ، فأخذ طيناً من أديم الأرض فعركه عركاً شديداً ، فقال لأصحاب اليمين وهم فيهم كالذر يدبُّون إلى الجنة بسلام ، وقال لأصحاب الشمال وهم يدبُّون إلى النار ولا أبالي . ثم قال : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ، قال : ثم أخذ الميثاق على النبيين فقال : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ ثم قال : وأن هذا محمد رسول الله ، وأن هذا علي أمير المؤمنين ؟ قالوا : بلى . فثبتت لهم النبوة . وأخذ الميثاق على أولي العزم ألا إني ربكم ، ومحمد رسولي ، وعلي أمير المؤمنين ، وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي ، وإن المهدي أنتصر به لديني ، وأظهر به دولتي ، وأنتقم به من أعدائي ، وأعبد به طوعاً وكرهاً ؟ قالوا : أقررنا وشهدنا يا رب .
ولم يجحد آدم ولم يقر فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ، ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به ، وهو قوله عز وجل : وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً . قال : إنما يعني فترك . ثم أمر ناراً فأججت فقال لأصحاب الشمال : ادخلوها فهابوها ، وقال لأصحاب اليمين : ادخلوها فدخلوها فكانت عليهم برداً وسلاماً ، فقال أصحاب الشمال : يا رب أقلنا ، فقال : قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها فهابوها ، فثم ثبتت الطاعة والمعصية والولاية » .
أقول : إذا صحت الرواية فينبغي أن تكون نسبة الضعف اليه قبل نزوله إلى الدنيا لأن الله تعالى اجتباه وجعله نبياً معصوماً : ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى .
المهدي عليه السلام أحد أربعة أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله بحبهم
في كشف اليقين / 328 : « عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الجنة تشتاق إلى أربعة من أهلي قد أحبهم الله ، وأمرني بحبهم : علي بن أبي طالب والحسن والحسين والمهدي الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم » .
واشتهرت صيغة هذا لحديث كما في مجمع الزوائد : 9 / 307 ، بسند موثق : « عن أنس : قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الجنة تشتاق إلى أربعة : علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وسلمان
--------------------------- 222 ---------------------------
الفارسي والمقداد بن الأسود . قلت : رواه الترمذي غير ذكر المقداد ، رواه الطبراني » . ولا تنافي بين الحديثين ، فيكون كل منهما مؤيداً للآخر .
تُرافقهُ غمامةٌ تُظِلُّه وفيها ملَك
بيان الشافعي / 511 ، عن عبد الله بن عمرو قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يخرج المهدي على رأسه غمامة ، فيها مناد ينادي : هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه . وقال : هذا حديث حسن ما رويناه إلا من هذا الوجه ، أخرجه أبو نعيم في مناقب المهدي عليه السلام » .
ومثله عقد الدرر / 135 ، وفرائد السمطين : 2 / 316 ، وعنه الفصول المهمة / 298 ، وقال : روته الحفاظ كأبي نعيم والطبراني وغيرهما . وتاريخ الخميس : 2 / 288 ، وفرائد الفكر / 30 . وفي بعض الروايات على رأسه عمامة بالعين ، وهو تصحيف . وفي تلخيص المتشابه : 1 / 417 : « يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي : إن هذا المهدي فاتبعوه » . وبيان الشافعي / 512 ، ومثله المغربي / 573 ، وحسَّنه . ومسند الشاميين : 2 / 71 .
تظهر على يده معجزات الأنبياء عليهم السلام
إثبات الهداة : 3 / 700 ، عن إثبات الرجعة للفضل بن شاذان بسندين عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء إلا ويظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا ، لإتمام الحجة على الأعداء » .
حتى المتعصبين فضلوه على أبي بكر وعمر
ابن أبي شيبة : 8 / 679 : « أبو أسامة ، عن عوف ، عن محمد « بن سيرين » قال : يكون في هذه الأمة خليفة لا يفضل عليه أبو بكر ولا عمر » . ورواه الداني / 81 ، وتاريخ الخميس : 2 / 288 . وفي ابن حماد : 1 / 358 . « قيل لابن سيرين : المهدي خير أو أبو بكر وعمر ؟ قال : هو خير منهما ويعدل بنبي . . . ذكر فتنة تكون فقال : إذا كان ذلك فأجلسوا في بيوتكم حتى تسمعوا على الناس بخير من أبي بكر وعمر ، قيل : يا أبا بكر ، خير من أبي بكر وعمر ؟ قال : قد كان يفضل على بعض الأنبياء » .
ورواه الحاوي : 2 / 77 ، والقول المختصر / 27 و 109 ، وعقد الدرر / 148 ، وتاريخ الخميس : 2 / 289 .
--------------------------- 223 ---------------------------
رواية أنه طاووس أهل الجنة
الفردوس : 4 / 222 : « عن ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وآله : المهدي طاووس أهل الجنة » . وفي ابن حماد : 1 / 364 : « عن كعب قال : المهدي خاشع لله كخشوع النسر بجناحه » . وهذه أقوال تابعين يرون أن الشيخين أفضل الناس ، وليست أحاديث نبوية ، وهي تدل على مكانة المهدي عليه السلام عند أتباع أبي بكر وعمر ! ويكفي لتفضيل المهدي تسمية الله له بالمهدي ، فهو يدل على العصمة الكاملة . كما شبهوا خشوعه بخضوع النسر بجناحيه : لأنه يخفضهما عند مشيه أو طيرانه . وكخشوع الزجاجة : أي شفاف الروح كالزجاجة .
- *
--------------------------- 224 ---------------------------
--------------------------- 225 ---------------------------
الفصل الحادي عشر : ( ملك المهدي ، مدة ملك الإمام المهدي عليه السلام وما يكون بعده )
1 - تفاوت الروايات في مدة حكم الإمام المهدي عليه السلام
--------------------------- 226 ---------------------------
- تفاوت الروايات في مدة حكم الإمام المهدي عليه السلام
1 - المشهور في مصادر السنيين أنه يحكم سبع سنين أو تسعاً ، لكن رووا ما يعارضه ، وعقد ابن حماد فصلاً في كتابه الفتن : 1 / 376 ، بعنوان : قدر ما يملك المهدي ، روى فيه أحاديث عن أبي سعيد الخدري وغيره ، منها : المهدي يعيش في ذلك ، يعني بعدما يملك سبع سنين أو ثمان أو تسع . يكون المهدي في أمتي إن قصر فسبعاً وإلا فثمان وإلا فتسعاً . .
عن أبي زرعة عن صباح قال : يمكث المهدي فيكم تسعاً وثلاثين سنة ، يقول الصغير يا ليتني قد بلغت ، ويقول الكبير يا ليتني صغيراً . .
عن ضمرة بن حبيب قال : حياة المهدي ثلاثون سنة . .
عن الصقر بن رستم عن أبيه قال : يملك المهدي سبع سنين ، وشهرين وأيام . .
عن دينار بن دينار قال : بقاء المهدي أربعون سنة . وقال أحدهما مرة أربعين ومرة أربع وعشرين . .
عن الزهري قال : يعيش المهدي أربع عشرة سنة ثم يموت موتاً . .
عن علي قال : يلي المهدي أمر الناس ثلاثين أو أربعين سنة .
ويرد الإشكال على رواية السبع سنين بأن مهمة الإمام عليه السلام استثمار جهود جميع الأنبياء عليهم السلام خاصة نبينا صلى الله عليه وآله ، وإقامة دولة العدل الإلهي العالمية ، وهذا مشروع ضخم لا يكفي له بضع سنين . وستعرف أن سبب روايتها اشتباه من الراوي بين مدة ملكه ومدة الهدنة مع الروم .
2 - كما روت مصادر الطرفين أنه يحكم تسع عشرة سنة ، ففي النعماني / 331 و 332 و 353 ، بطرق عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يملك القائم عليه السلام تسع عشرة سنة وأشهراً .
وفي مختصر البصائر / 193 : فمن ذلك ما رويناه عن النعماني . . . عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : يملك القائم تسع عشرة سنة وأشهراً . . . الخ . ثم قال مؤلف المختصر : فأين موقع هذه التسع عشرة سنة وأشهر من الدعاء له بطول العمر والتمتع في الأرض طويلاً ؟ ! والذي يظهر من هذا ويتبادر إليه الذهن أنه يكون أطول من الزمان الذي انقضى في غيبته ، وعمره الشريف اليوم ينيف على الخمس مائة والثلاثين سنة ، ويدل على ما قلناه ما تقدم ورويناه عن الصادق عليه السلام أنه سئل : أي العمرين له أطول ؟ قال : الثاني بالضعف . وهذا صريح في رجعته » . انتهى .
--------------------------- 227 ---------------------------
3 - وروى ابن حماد : 1 / 378 ، عن علي عليه السلام أنه قال : « يلي المهدي أمر الناس ثلاثين أو أربعين سنة » .
4 - كما روي أن المهدي عليه السلام يظهر كأنه ابن ثلاثين سنة ، ويعيش عمر الخليل إبراهيم عليه السلام . كما يفهم من بعض رواياته أنه يحكم تسعين سنة ، ومن بعضها أربعين . ففي غيبة النعماني / 189 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « القائم من ولدي ، يُعَمّرعمر الخليل عشرين ومائة سنة يُدرى به ، ثم يغيب غيبة في الدهر ويظهر في صورة شاب موفق ابن اثنين وثلاثين سنة ، حتى ترجع عنه طائفة من الناس . يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » .
وفي غيبة الطوسي / 259 : « إن ولي الله عُمِّرَ عُمر إبراهيم الخليل عشرين ومائة سنة ، ويظهر في صورة فتى موفق ابن ثلاثين سنة » .
وفي دلائل الإمامة / 258 : « القائم من ولدي يعمَّر عمر خليل الرحمن ، يقوم في الناس وهو ابن ثلاثين سنة ، ويلبث فيها أربعين سنة ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
5 - ورد في مصادر الطرفين أن السنين تطول في عصره ، فتكون السبع سنين سبعين سنة . ففي الارشاد / 365 ، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل قال : « إذا قام القائم سار إلى الكوفة فهدم بها أربعة مساجد ، ولم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلا هدمها وجعلها جماء ، ووسع الطريق الأعظم ، وكسر كل جناح خارج في الطريق ، وأبطل الكنف والميازيب إلى الطرقات ، ولا يترك بدعة إلا أزالها ، ولا سنة إلا أقامها ، ويفتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم ، فيمكث على ذلك سبع سنين ، كل سنة عشر سنين من سنيكم هذه ، ثم يفعل الله ما يشاء . قال قلت له : جعلت فداك فكيف تطول السنون ؟ قال : يأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلة الحركة فتطول الأيام لذلك والسنون . قال قلت له : إنهم يقولون : إن الفلك إن تغير فسد قال : ذلك قول الزنادقة ، فأما المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك ، وقد شق الله تعالى القمر لنبيه صلى الله عليه وآله ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون ، وأخبر بطول يوم القيامة وأنه كألف سنة مما تعدون » .
وفي الإرشاد : 2 / 381 : « روى عبد الكريم الخثعمي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : كم يملك القائم ؟ قال : سبع سنين ، تطول له الأيام والليالي حتى تكون السنة من سنيه مقدار
--------------------------- 228 ---------------------------
عشر سنين من سنيكم ، فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه » .
6 - روى الجميع عن أمير المؤمنين وعن الإمام الحسن عليه السلام وابن عباس ، أن مدة دولة أهل البيت عليهم السلام ستكون أضعاف مدة دولة بني أمية ، ففي شرح الأخبار : 2 / 289 عن أبي سالم قال : « كنا مع علي عليه السلام بالكوفة فقال يوماً من الأيام ونحن عنده : إني سبطٌ من الأسباط أقاتل على حق ليقوم ولن يقوم ، والأمر لهم فإذا كثروا فتنافسوا بعث الله عز وجل عليهم أقواماً من هذا المشرق ، فقتلهم بدداً وأحصاهم بهم عدداً . والله لا يملكون سنة إلا ملكنا سنتين ولا يملكون سنتين إلا ملكنا أربعاً ، وما من فئة تخرج إلى يوم القيامة إلا ولو شئت لسميت لكم سائقها وناعقها . قال فقلت لأصحابي : فما المقام وقد أخبركم أن الأمر لهم ؟ ! قالوا : لا شئ . واستأذناه إلى مصر ، فأذن لمن شاء وأقام معه قوم منا » . ونحوه ابن حماد : 1 / 193
وفي شرح الأخبار : 3 / 96 : « عن الحسن بن علي عليه السلام أنه مر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله بحلقة فيها قوم من بني أمية فتغامزوا به ، وذلك عندما تغلب معاوية على ظاهر أمره ، فرآهم وتغامزهم به ، فصلى ركعتين ثم جاءهم ، فلما رأوه جعل كل واحد منهم يتنحى عنه مجلسه له فقال لهم : كونوا كما أنتم فإني لم أرد الجلوس معكم ، ولكن قد رأيت تغامزكم بي : أما والله لا تملكون يوماً إلا ملكنا يومين ، ولا شهراً إلا ملكنا شهرين ، ولا سنة إلا ملكنا سنتين ! وإنا لنأكل في سلطانكم ونشرب ونلبس ونركب وننكح ، وأنتم لا تأكلون في سلطاننا ولا تشربون ولا تلبسون ولا تنكحون . فقال له رجل : وكيف يكون ذلك يا أبا محمد وأنتم أجود الناس وأرأفهم وأرحمهم ، تأمنون في سلطان القوم ولا يأمنون في سلطانكم ؟ فقال : لأنهم عادونا بكيد الشيطان وكيد الشيطان كان ضعيفاً ، وإنا عاديناهم بكيد الله ، وكيد الله شديد » !
وتقدم قول ابن عباس من أمالي المفيد / 14 ، جواباً على ادعاء معاوية المهدية مقابل مهدي أهل البيت عليهم السلام ، قال : « وأما افتخارك بالملك الزائل الذي توصلت إليه بالمحال الباطل ، فقد ملك فرعون من قبلك فأهلكه الله ، وما تملكون يوماً يا بني أمية إلا ونملك بعدكم يومين ، ولا شهراً إلا ملكنا شهرين ، ولا حولاً إلا ملكنا حولين » . والدر المنثور : 2 / 173
7 - ثبت استحباب الدعاء لكل إمام ومنهم الإمام المهدي عليهم السلام بهذا الدعاء : « اللهم كن لوليك في هذه الساعة وفي كل ساعة ، ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً ،
--------------------------- 229 ---------------------------
حتى تسكنه أرضك طوعاً ، وتمتعه فيها طويلاً » . « مصباح المتهجد / 630 » . وعبارة : وتمتعه فيها طويلاً ، لاتتناسب مع حكمه لمدة قصيرة كسبع سنين .
وفي الكافي : 4 / 162 : « محمد بن عيسى بإسناده عن الصالحين عليهم السلام قال : تكرر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ، ساجداً وقائماً وقاعداً وعلى كل حال ، وفي الشهر كله وكيف أمكنك ومتى حضرك من دهرك . تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله : اللهم كن لوليك فلان بن فلان ، في هذه الساعة وفي كل ساعة ، ولياً وحافظاً ، وناصراً ودليلاً ، وقائداً وعيناً ، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً » .
8 - وروينا أنه عليه السلام يحكم عدد سني أهل الكهف ، ثلاث مئة وتسع سنين ، ففي دلائل الإمامة / 241 ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « سألته متى يقوم قائمكم ؟ قال : يا أبا الجارود لا تدركه . فقلت : أهل زمانه ، فقال : ولن تدرك أهل زمانه ، يقوم قائمنا بالحق بعد إياس من الشيعة ، يدعو الناس ثلاثاً فلا يجيبه أحد ، فإذا كان اليوم الرابع تعلق بأستار الكعبة فقال : يا رب انصرني ، ودعوته لا تسقط ، فيقول تبارك وتعالى للملائكة الذين نصروا رسولالله صلى الله عليه وآله يوم بدر ولم يحطوا سروجهم ولم يضعوا أسلحتهم ، فيبايعونه ، ثم يبايعه من الناس ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً .
ويسير إلى المدينة فيسير الناس « فيقتل مقاتليها » حتى يرضى الله عز وجل ، فيقتل ألفاً وخمس مائة قرشي ، ليس فيهم إلا فرخ زنية . . . ويهدم قصر المدينة .
ويسير إلى الكوفة فيخرج منها ستة عشرألفاً من البترية ، شاكين في السلاح ، قراء قرآن فقهاء في الدين ، قد قرحوا جباههم وشمّروا ثيابهم وعمهم النفاق ، وكلهم يقولون : يا ابن فاطمة إرجع لا حاجة لنا فيك ! فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الاثنين من العصر إلى العشاء ، فيقتلهم أسرع من جزر جزور ، فلا يفوت منهم رجل ، ولا يصاب من أصحابه أحد ، دماؤهم قربان إلى الله !
ثم يدخل الكوفة فيقتل مقاتليها حتى يرضى الله . قال : فلم أعقل المعنى ، فمكثت قليلاً ثم قلت : جعلت فداك وما يدريه جعلت فداك متى يرضى الله عز وجل ؟ قال : يا أبا الجارود إن الله أوحى إلى أم موسى وهو خير من أم موسى ، وأوحى الله إلى النحل وهو خير من النحل ،
--------------------------- 230 ---------------------------
فعقلت المذهب ! فقال لي : أعقلت المذهب ؟ قلت : نعم . فقال : إن القائم ليملك ثلاث مائة وتسع سنين كما لبث أصحاب الكهف في كهفهم ، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، ويفتح الله عليه شرق الأرض وغربها . يقتل الناس حتى لا يرى إلا دين محمد صلى الله عليه وآله ، يسير بسيرة سليمان بن داود ، يدعو الشمس والقمر فيجيبانه ، وتطوى له الأرض فيوحي الله إليه فيعمل بأمر الله » .
ومثله غيبة الطوسي / 283 ، و 474 ، وفيه : كما لبث أهل الكهف في كهفهم . . ويفتح الله له شرق الأرض وغربها » .
فالرواية صريحة في أنه يملك بعدد سني أهل الكهف .
9 - يؤيد ما تقدم رواية صحيحة السند مشكلة المتن ، روتها عدة مصادر ، وهي في تفسير العياشي : 2 / 326 ، وغيبة النعماني / 331 : « أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال : حدثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس بن رمانة الأشعري ، وسعدان بن إسحاق بن سعيد ، وأحمد بن الحسين بن عبد الملك الزيات ومحمد بن أحمد بن الحسن القطواني ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن ثابت ، عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام يقول : والله ليملكن رجل منا أهل البيت الأرض بعد موته ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً . قال قلت : فمتى ذلك ؟ قال : بعد موت القائم . قال قلت : وكم يقوم القائم في عالمه حتى يموت ؟ قال : تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلى يوم موته ، قال قلت : فيكون بعد موته هرج ؟ قال : نعم ، خمسين سنة ، قال : ثم يخرج المنصور إلى الدنيا ، فيطلب بدمه ودم أصحابه فيقتل ويسبي حتى يقال لو كان هذا من ذرية الأنبياء ما قتل الناس كل هذا القتل ، فيجتمع الناس عليه أبيضهم وأسودهم فيكثرون عليه حتى يلجؤونه إلى حرم الله ، فإذا اشتد البلاء عليه مات المنتصر ، وخرج السفاح إلى الدنيا غضباً للمنتصر فيقتل كل عدو لنا جائر ، ويملك الأرض كلها ، ويصلح الله له أمره ويعيش ثلاث مائة سنة ويزداد تسعاً .
ثم قال أبو جعفر : يا جابر ، وهل تدري من المنتصر والسفاح ؟ يا جابر المنتصر الحسين والسفاح أمير المؤمنين ، صلوات الله عليهم أجمعين » .
أقول : في هذه الرواية غموض ، ولعلها تتحدث عن الرجعة وليس عن الظهور بعد الغيبة .
--------------------------- 231 ---------------------------
وقد يعبرعن الغيبة بالموت مجازاً كما ورد في رواية غيبة الطوسي / 282 .
عن أبي سعيد الخراساني ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليه السلام : المهدي والقائم واحد ؟ فقال : نعم . فقلت : لأي شئ سمي المهدي ؟ قال : لأنه يهدى إلى كل أمر خفي وسمي القائم لأنه يقوم بعدما يموت ، إنه يقوم بأمر عظيم » .
وفي رواية معاني الأخبار / 64 : « وسمي القائم قائماً ، لأنه يقوم بعد موت ذكره » .
ونحوها مختصر البصائر / 18 و 106 : « عن بريدة الأسلمي : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كيف أنت إذا استيأست أمتي من المهدي فيأتيها مثل قرن الشمس ، يستبشر به أهل السماء وأهل الأرض ! فقلت : يا رسول الله بعد الموت ؟ فقال : والله إن بعد الموت هدى وإيماناً ونوراً ! قلت : يا رسول الله أي العمرين أطول ؟ قال الآخر بالضعف » .
ويرد الإشكال في عبارة : « قلت : متى يكون ذلك ؟ قال : بعد القائم عليه السلام . قلت : وكم يقوم القائم في عالمه ؟ قال : تسع عشرة سنة » فلعل فيها سقطاً وأصلها « بعد غيبة القائم » كما أن سؤاله الثاني : كم يقوم في عالمه ؟ غير مفهوم ، فهي فقرةٌ مضطربة ، ويبدو أن فيها خللاً من النساخ .
ملاحظات
الملاحظة الأولى : لعل أصل الأحاديث التي تذكر أن مدة حكمه عليه السلام سبع سنين ، أن النبي صلى الله عليه وآله سئل فعقد بيده الشريفة أصابعها الخمس ، ثم عقد من الثانية إصبعين ، ففسره الرواة بسبع ، ومن الشائع في العربية تصحيف سبع بتسع .
لكن قد يكون قصده سبع مراحل أو سبعة عقود مثلاً ، فحصروها بالسنين . لاحظ أصل رواياتها : روى الحاكم : 4 / 557 ، وصححه على شرط مسلم ، عن أبي سعيد : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « المهدي منا أهل البيت ، أشم الأنف أقنى أجلى ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، يعيش هكذا ، وبسط يساره وإصبعين من يمينه : المسبحة والإبهام ، وعقد الثلاثة » . وأشم الأنف أقنى : مرتفع قصبته مع إشراف أرنبته . أجلى : منحسر الشعر عن جبهته .
وفي المعجم الأوسط : 10 / 209 : « عن أبي سعيد : يعيش هكذا ، وبسط كفه اليمنى وبسط إلى جنبها إصبعين ، وبسط كفه اليسرى » .
--------------------------- 232 ---------------------------
وفي جمع الفوائد : 3 / 181 : « عن أبي سعيد : قال النبي صلى الله عليه وآله : منا أهل البيت أشم الأنف أقنى أجلى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، يعيش هكذا ، وبسط يساره وإصبعين من يمينه : السبابة والإبهام وعقد ثلاثة » .
وفي مسند أبي يعلى : 12 / 19 : عن أبي هريرة : « لا تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل من أهل بيتي ، فيضربهم حتى يرجعوا إلى الحق . قال قلت : وكم يكون ؟ قال : خمس واثنين ، قال : قلت : ما خمس واثنين ؟ قال : لا أدري » .
أقول : أساس قول الرواة سبع سنين أن النبي صلى الله عليه وآله عقد بيده خمساً واثنين ، لكن لا دليل على أن مقصوده سبع سنين !
الملاحظة الثانية : ولعل بعض الرواة وقع في اشتباه في الهدنة التي تكون بين الإمام المهدي عليه السلام والروم ، والتي ورد أنها تدوم سبع سنين ، فتصور أنها ملكه يدوم سبعاً ! ففي الطبراني الكبير : 8 / 101 و 120 ، عن أبي أمامة : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : سيكون بينكم وبين الروم أربع هدن ، يوم الرابعة على يد رجل من أهل هرقل ، يدوم سبع سنين . فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستورد بن خيلان : يا رسول الله مَن إمام الناس يومئذ ؟ قال : المهدي من ولدي ابن أربعين سنة ، كأن وجهه كوكب دري في خده الأيمن خال أسود ، عليه عباءتان قطوانيتان كأنه من رجال بني إسرائيل ، يملك عشرين سنة ، يستخرج الكنوز ويفتح مدائن الشرك » .
ونحوه مسند الشاميين : 2 / 410 ، وعقد الدرر للسلمي / 15 ، عن أبي نعيم . والإصابة : 6 / 71 و : 3 / 407 ، وأسد الغابة : 4 / 353 والفصول المهمة / 298 ، وجمع الجوامع : 1 / 545 ، وصواعق بن حجر / 98 ، وبيان الشافعي / 514 . ومثله أسد الغابة : 4 / 353 ، وفرائد السمطين : 2 / 314 ، وكشف الغمة : 3 / 260 ، وعنه إثبات الهداة : 3 / 593 ، والبحار : 51 / 80 . وضعفه في مجمع الزوائد : 7 / 319 ، ورده ابن حجر في لسان الميزان : 4 / 383 ، ولكنهما لم يستوفيا طرقه .
ويوم الرابعة : أي يوم عقد الهدنة الرابعة . والعباءة القطوانية : البيضاء القصيرة الخمل . كأنه من رجال بني إسرائيل : أي جميل ، يشبه في كمال بدنه أبناء يعقوب وإبراهيم عليهم السلام .
وروى ابن حماد : 1 / 399 : « عن محمد بن الحنفية قال : ينزل خليفة من بني هاشم بيت المقدس يملأ الأرض عدلاً ، يبني بيت المقدس بناءً لم يبن مثله ، يملك أربعين سنة ، وتكون هدنة الروم على يديه في سبع سنين بقين من خلافته ثم يغدرون به ، ثم يجتمعون
--------------------------- 233 ---------------------------
له بالعمق فيموت فيها غماً ، ثم يلي بعده رجل من بني هاشم ، ثم تكون هزيمتهم وفتح القسطنطينية على يديه ، ثم يسير إلى رومية فيفتحها ويستخرج كنوزها ومائدة سليمان بن داود ، ثم يرجع إلى بيت المقدس فينزلها ويخرج الدجال في زمانه وينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيصلي خلفه » .
أقول : ما رواه ابن حماد مردود ، ويظهر أنه خيال من راوٍ نسبه إلى محمد ابن الحنفية رحمه الله .
2 - عظمة الملك الذي يعطيه الله لوليه المهدي عليه السلام
تواترت أحاديث الجميع أن الإمام المهدي عليه السلام يملك مشارق الأرض ومغاربها ويملؤها قسطاً وعدلاً ، وهو أمر لا سابقة له في تاريخ الأنبياء وأوصيائهم عليهم السلام ! وتقدم من غيبة الطوسي / 283 : « ويفتح الله عليه شرق الأرض وغربها . . . يدعو الشمس والقمر فيجيبانه ، وتطوى له الأرض فيوحي الله إليه فيعمل بأمر الله » .
وفي الخصال / 248 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى لم يبعث الأنبياء ملوكاً في الأرض إلا أربعة بعد نوح : ذو القرنين واسمه عياش ، وداود ، وسليمان ، ويوسف عليهم السلام . فأما عياش فملك ما بين المشرق والمغرب ، وأما داود فملك ما بين الشامات إلى بلاد إصطخر ، وكذلك كان ملك سليمان . وأما يوسف فملك مصر وبراريها ، لم يجاوزها إلى غيرها . قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : جاء هذا الخبر هكذا ، والصحيح الذي أعتقده في ذي القرنين أنه لم يكن نبياً ، وإنما كان عبداً صالحاً أحب الله فأحبه الله ونصح لله فنصحه الله ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : وفيكم مثله ، وذو القرنين ملك مبعوث وليس برسول ولا نبي ، كما كان طالوت ، قال الله عز وجل : وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً . وقد يجوز أن يذكر في جملة الأنبياء من ليس بنبي ، كما يجوز أن يذكر في جملة الملائكة من ليس بملك قال الله عز وجل ثناؤه : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ » .
وفي كمال الدين : 1 / 282 ، عن أمير المؤمنين عليه السلام : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الأئمة بعدي اثنا عشر أولهم أنت يا علي ، وآخرهم القائم الذي يفتح الله عز وجل على يديه مشارق الأرض ومغاربها » .
--------------------------- 234 ---------------------------
ومثله عيون أخبار الرضا : 1 / 56 ، ونحوه أمالي الصدوق / 97 ، و 502 . وروضة الواعظين : 1 / 102 ، والمناقب : 1 / 298 ، وإثبات الهداة : 1 / 616 ، ونوادر الأخبار / 128 : « عن السجاد عن أبيه عن جده : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الأئمة من بعدي اثنا عشر ، أولهم أنت يا علي ، وآخرهم القائم الذي يفتح الله عز وجل على يديه مشارق الأرض ومغاربها » .
وفي تفسير القمي : 2 / 87 : « أبو الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ . . الآية . قال عليه السلام : « وهذه الآية لآل محمد عليهم السلام . . والمهدي وأصحابه يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ، ويظهر الدين ويميت الله به وأصحابه البدع والباطل ، كما أمات السُّفَّهُ الحق حتى لا يرى أثر للظلم » .
وفي العياشي : 1 / 183 ، عن رفاعة بن موسى قال : « سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ، قال : إذا قام القائم عليه السلام لا يبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله » .
عن ابن بكير قال : « سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوله : وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ؟ قال : أنزلت في القائم إذا خرج « أمر » باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفار ، في شرق الأرض وغربها ، فعرض عليهم الإسلام ، فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه ، ومن لم يسلم ضرب عنقه ، حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلا وحد الله ! قلت له : جعلت فداك ، إن الخلق أكثر من ذلك فقال : إن الله إذا أراد أمراً قلل الكثير وكثر القليل » .
أقول : يشكل قبول ما في هذه الرواية : ومن لم يسلم ضرب عنقه ، لأنه عليه السلام يستعمل طرق الإقناع للناس ويخيرهم ، ولا يجبرهم .
وفي الإرشاد / 364 ، عن علي بن عقبة ، عن أبيه قال : « إذا قام القائم عليه السلام حكم بالعدل ، وارتفع في أيامه الجور ، وأمنت به السبل ، وأخرجت الأرض بركاتها ، وردّ كل حق إلى أهله ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان .
أما سمعت الله سبحانه يقول : وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ
--------------------------- 235 ---------------------------
يُرْجَعُونَ ، وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد صلى الله عليه وآله ، فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها ، ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته ولبره ، لشمول الغنى جميع المؤمنين ! ثم قال : إن دولتنا آخر الدول ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا ، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء ، وهو قول الله تعالى : والعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِين » .
وفي غيبة الطوسي / 283 : عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام ، جاء فيه : « ثم يتوجه إلى كابل شاه وهي مدينة لم يفتحها أحد قط غيره فيفتحها ، ثم يتوجه إلى الكوفة فينزلها وتكون داره ، ويبهرج سبعين قبيلة من قبائل العرب . . تمام الخبر . وفي خبر آخر : يفتح قسطنطينية والرومية وبلاد الصين » .
وفي ينابيع المودة : 3 / 238 ، قال جابر الأنصاري : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي من ولدي الذي يفتح الله به مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان » .
وفي كتاب سليم / 152 ، والنعماني / 74 ، في حديث شمعون بن حمون الراهب الذي لقي أمير المؤمنين عليه السلام في رجوعه من صفين ، وهو طويل فيه وصف النبي صلى الله عليه وآله والأئمة بعده ، جاء فيه : « حتى يبعث الله رجلاً من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله ، من أرض تدعى تهامة ، من قرية يقال لها مكة ، يقال له أحمد ، الأنجل العينين ، المقرون الحاجبين ، صاحب الناقة والحمار والقضيب والتاج يعني العمامة . له اثنا عشر إسماً . ثم ذكر مبعثه ومولده وهجرته ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه ، وكم يعيش ، وما تلقى أمته بعده إلى أن ينزل الله عيسى بن مريم من السماء ، فذكر في الكتاب ثلاثة عشر رجلاً من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله صلى الله عليهم ، هم خير من خلق الله وأحب من خلق الله إلى الله ، وأن الله ولي من والاهم وعدو من عاداهم ، من أطاعهم اهتدى ومن عصاهم ضل ، طاعتهم لله طاعة ومعصيتهم لله معصية . مكتوبة فيه أسماؤهم وأنسابهم ونعتهم وكم يعيش كل رجل منهم ، واحداً بعد واحد ، وكم رجل منهم يستتر بدينه ويكتمه من قومه ، ومن يظهر حتى ينزل الله عيسى صلى الله عليه على آخرهم ، فيصلي عيسى خلفه ويقول : إنكم أئمة لا ينبغي لأحد أن يتقدمكم ، فيتقدم فيصلي بالناس وعيسى خلفه إلى الصف الأول ،
--------------------------- 236 ---------------------------
أولهم أفضلهم ، وآخرهم له مثل أجورهم وأجور من أطاعهم واهتدى بهداهم . . فأول من يظهر منهم يملأ جميع بلاد الله قسطاً وعدلاً ، ويملك ما بين المشرق والمغرب حتى يظهره الله على الأديان كلها » .
وسيأتي في فصل تطور العلوم أنه عليه السلام يركب السحاب ويرقى في أسباب السماوات السبع والأرضين السبع ، خمس عوامر واثنان خرابان » . « الإختصاص / 199 » وأن مجتمع الأرض ينفتح على مجتمعات الكواكب الأخرى !
كما يأتي في فصل الآيات المفسرة ما يدل على سعة ملكه عليه السلام كقوله تعالى : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ . « التوبة : 33 » . وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً » . « النور : 55 » . وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ . . « البقرة : 193 » .
كما ينبغي أن نشير إلى تفسير أهل البيت عليهم السلام للملك العظيم في قوله تعالى : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ، وأنه الطاعة المفروضة للنبي وآله صلى الله عليه وآله وهي أعظم مما أعطي الأنبياء عليهم السلام . « بصائر الدرجات / 55 » .
3 - هل يقتل الإمام عليه السلام أم يموت موتاً طبيعياً ؟
كنت أشك في عموم حديث : « ما منَّا إلا مقتولٌ أو مسموم » لكني وصلت إلى الاطمئنان بصحته ، وشموله لجميع الأئمة الاثني عشر عليهم السلام . وعليه فالإمام المهدي عليه السلام يموت شهيداً بالسم ، لكن الدولة تستمر بعده . وقد صح أن الإمام الحسين عليه السلام يتولى تجهيزه والصلاة عليه ، ويحكم بعده مباشرة ، ثم تكون رجعة النبي صلى الله عليه وآله . . الخ .
والروايات التي تدل على شهادة الإمام عليه السلام خمس روايات فيها صحيح السند ، ففي كفاية الأثر / 160 : « عن هشام بن محمد ، عن أبيه قال : لما قتل أمير المؤمنين عليه السلام رقى الحسن بن علي عليه السلام فأراد الكلام فخنقته العبرة ، فقعد ساعة ثم قام وقال : الحمد لله الذي كان في أوليته وحدانياً وفي أزليته متعظماً . . والحمد لله الذي أحسن الخلافة علينا أهل البيت ،
--------------------------- 237 ---------------------------
وعند الله نحتسب عزاءنا في خير الآباء رسول الله صلى الله عليه وآله وعند الله نحتسب عزاءنا في أمير المؤمنين عليه السلام وقد أصيب به الشرق والغرب ، ولقد حدثني جدي رسول الله صلى الله عليه وآله أن الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته ، ما منا إلا مقتول أو مسموم » .
وفي كفاية الأثر / 226 : « عن جنادة بن أبي أمية قال : دخلت على الحسن بن علي في مرضه الذي توفي فيه ، وبين يديه طشت يقذف فيه الدم ، ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه معاوية لعنه الله ، فقلت : يا مولاي ما لك لا تعالج نفسك ؟ فقال : يا عبد الله بماذا أعالج الموت ؟ ! قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ! ثم التفت إليَّ وقال : والله إنه لعهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله أن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد علي وفاطمة ، ما منا إلا مسموم أو مقتول ! ثم رُفعت الطشت واتكأ صلوات الله عليه فقلت : عظني يا ابن رسول الله . قال : نعم ، إستعد لسفرك وحصِّل زادك قبل حلول أجلك ، واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك ، واعلم أنك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلا كنت فيه خازناً لغيرك ، واعلم أن في حلالها حساباً وفي حرامها عقاباً وفي الشبهات عتاباً ، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك ، فإن كان ذلك حلالاً كنت قد زهدت فيها ، وإن كان حراماً لم تكن قد أخذت من الميتة ، وإن كان العتاب فإن العتاب يسير . . الخ . » .
وفي أمالي الصدوق / 120 ، وعيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 287 ، عن أبي الصلت الهروي قال : « سمعت الرضا عليه السلام يقول : والله ما منا إلا مقتول شهيد . فقيل له : فمن يقتلك يا ابن رسول الله ؟ قال : شر خلق الله في زماني يقتلني بالسم ، ثم يدفنني في دار مضيعة وبلاد غربة » .
وعنه أيضاً عليه السلام في : 2 / 220 : « وما منا إلا مقتول ، وإني والله لمقتول بالسم باغتيال من يغتالني ! أعرف ذلك بعهد معهود إلي من رسول الله صلى الله عليه وآله أخبره به جبرئيل عن رب العالمين عز وجل . وأما قول الله عز وجل : وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ، فإنه يقول لن يجعل الله لكافر على مؤمن حجة ، ولقد أخبر الله عز وجل عن كفار قتلوا النبيين بغير الحق ، ومع قتلهم إياهم لن يجعل لهم على أنبيائه عليهم السلام سبيلاً من طريق الحجة » .
وفي غيبة الطوسي / 388 : « محمد بن أحمد الصفواني قال : حدثني الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه أن يحيى بن خالد سم موسى بن جعفر في إحدى وعشرين رطبة ، وبها مات ،
--------------------------- 238 ---------------------------
وأن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام ما ماتوا إلا بالسيف أو السم ، وقد ذكر عن الرضا عليه السلام أنه سم وكذلك ولده وولد ولده » .
فشهادة المعصومين عليهم السلام بالقتل أو بالسم صحيحة ، وهنا بحوث لا يتسع لها المجال .
4 - ما يكون بعد المهدي عليه السلام
تدخل الحياة على الأرض في عصر الإمام المهدي عليه السلام طّوْراً جديداً كلياً ، من معالمه : الانفتاح على العوالم والكواكب الأخرى في الكون الفسيح ، وإحياء الله تعالى لعدد من الأموات ، وبدءالإنفتاح على الآخرة والجنة !
ولعل السبب في أن النبي صلى الله عليه وآله لم يذكر السنين أنه يتبادر إلى الذهن منها المعروفة . وهذا ينفع لفهم روايات الرجعة ، وموت الإمام المهدي عليه السلام ورجعته !
ففي الإرشاد : 2 / 211 : « عن عبد الكريم الخثعمي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : كم يملك القائم ؟ قال : سبع سنين ، تطول له الأيام والليالي حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم ، فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه ، وإذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطراً لم ير الخلائق مثله ، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم ، فكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم من التراب » .
5 - دولة أهل البيت عليهم السلام تمتد إلى يوم القيامة
في غيبة الطوسي / 282 ، وطبعة 472 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : دولتنا آخر الدول ، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا ، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا : إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء ، وهو قول الله عز وجل : والعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِين » .
والإرشاد / 364 ، وروضة الواعظين : 2 / 265 ، وإعلام الورى / 432 ، وكشف الغمة : 3 / 255 ، وإثبات الهداة : 3 / 528 ، ومنتخب الأنوار / 194 .
وفي غيبة النعماني / 274 : « عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ما يكون هذا الأمرحتى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد وَلُوا على الناس ، حتى لا يقول قائل إنا لو ولينا لعدلنا ثم يقوم
--------------------------- 239 ---------------------------
القائم بالحق والعدل » .
وفي تفسير العياشي : 1 / 199 : « عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله : وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ؟ قال : ما زال مذ خلق الله آدم : دولة لله ودولة لإبليس ، فأين دولة الله ؟ ما هو إلا قائم واحد » .
وفي الكافي : 8 / 287 : « عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل : وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ؟ قال : إذا قام القائم ذهبت دولة الباطل » .
عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل : قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ، إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ : قال : هو أمير المؤمنين عليه السلام . وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ : قال : عند خروج القائم عليه السلام . وفي قوله عز وجل : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ : قال : اختلفوا كما اختلفت هذه الأمة في الكتاب ، وسيختلفون في الكتاب الذي مع القائم الذي يأتيهم به حتى ينكره ناس كثير ، فيقدمهم فيضرب أعناقهم . وأما قوله عز وجل : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : قال : لولا ما تقدم فيهم من الله عز وجل ما أبقى القائم عليه السلام منهم واحداً . وفي قوله عز وجل : وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ : قال : بخروج القائم عليه السلام . وفي قوله عز وجل : ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ : قال : يعنون بولاية علي عليه السلام . وفي قوله عز وجل : وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً : قال : إذا قام القائم ذهبت دولة الباطل » .
وفي أمالي الصدوق / 396 : « كان الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول :
لكلِّ أُنَاسٍ دولةٌ يَرْقُبُونَهَا - ودولتُنا في آخر الدَّهْرِ تَظْهَرُ » .
وتقدم ما يدل على استمرار دولتهم عليهم السلام وأنه لا ظلم بعدها ولا دولة بعدها .
6 - من هم الذين يحكمون بعد المهدي عليه السلام
تمتد الدولة الإلهية قروناً على يد المهدي عليه السلام وتتطور الحياة كثيراً ، ويرجع النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام إلى الحياة الدنيا في زيارات ، وبعضهم يحكم مدةً . كما يحكم أخيارٌ من أبناء الحسين
--------------------------- 240 ---------------------------
أو أبناء المهدي عليه السلام . أما نزول عيسى فيكون في زمن المهدي عليه السلام ويبقى مدة ويتوفى . وأما الدجال فيخرج في زمن المهدي عليه السلام فيقتله المهدي .
وذكرت الروايات أن الحياة على الأرض تختم بعلامات الساعة ، ولعل أولها دابة الأرض التي تكلم الناس ، وآخرها النفخ في الصور بداية قيام القيامة . وقد صح عندنا أن أول من يرجع الإمام الحسين عليه السلام : « فيدفع إليه القائم الخاتم فيكون الحسين عليه السلام هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ، ويواريه في حفرته . . . فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من الكبر » . « مختصر البصائر / 48 و 22 و 27 »
ووردت الرواية بأنه يملك بعد المهدي عليه السلام أيضاً اثنا عشر من ولد الحسين عليه السلام ولم أرَ رواية تعين وقت ملكهم ، وهل هم متتالون أم لا ؟ والمفهوم من تعبير « وُلْد الحسين » أنهم أعم من أبناء المهدي عليه السلام أو غيره من ذرية الحسين عليه السلام .
ففي غيبة الطوسي / 285 ، عن الصادق عليه السلام من حديث : « يا أبا حمزة ، إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين » . وفي مختصر البصائر / 182 : « إن منا بعد القائم إثنا عشر مهدياً من ولد الحسين » .
وفي شرح الأخبار : 3 / 400 : « يقوم القائم منا ، ثم يكون بعده اثنا عشر مهدياً » .
وقد صرحت الرواية بأنهم حكام يدعون إلى ولاية الأئمة عليهم السلام وليسوا أئمة ، ففي كمال الدين : 2 / 358 ، عن أبي بصير قال : « قلت للصادق جعفر بن محمد عليه السلام : يا ابن رسول الله إني سمعت من أبيك عليه السلام أنه قال : يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً ؟ فقال : إنما قال اثنا عشر مهدياً ولم يقل اثنا عشر إماماً ، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا » .
وقد أوضحت الرواية التالية أن حجج الله على خلقه بعد النبي صلى الله عليه وآله هم الأئمة الإثنا عشر عليهم السلام فقط ، وأن غيرهم لا يكون حجة بهذا المعنى . ففي الإحتجاج : 1 / 81 ، عن الإمام الباقر عليه السلام في حديث طويل عن خطبة النبي صلى الله عليه وآله في الغدير جاء فيه : « معاشر الناس : النور من الله عز وجل فيَّ مسلوكٌ ثم في علي ، ثم في النسل منه إلى القائم المهدي ، الذي يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا ، لأن الله عز وجل قد جعلنا حجة على المقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين . ألا إن خاتم الأئمة منا القائم المهدي ، ألا إنه الظاهر
--------------------------- 241 ---------------------------
على الدين ، ألا إنه المنتقم من الظالمين ، ألا إنه فاتح الحصون وهادمها ، ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك ، ألا إنه مدرك بكل ثار لأولياء الله ، ألا إنه الناصر لدين الله ، ألا إنه الغراف في بحر عميق ، ألا إنه يَسِمُ كل ذي فضل بفضله ، وكل ذي جهل بجهله ، ألا إنه خيرة الله ومختاره ، ألا إنه وارث كل علم والمحيط به ، ألا إنه المخبر عن ربه عز وجل ، والمنبه بأمر إيمانه ، ألا إنه الرشيد السديد ، ألا إنه المفوض إليه ، ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه ، ألا إنه الباقي حجةً ولا حجة بعده ، ولا حق إلا معه ولا نور إلا عنده ، ألا إنه لا غالب له ولا منصور عليه ألا وإنه ولي الله في أرضه ، وحكمه في خلقه ، وأمينه في سره وعلانيته .
ألا إن الحلال والحرام أكثر من أن أحصيهما وأعرفهما ، فآمر بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام واحد ، فأمرت أن آخذ البيعة منكم والصفقة بقبول ما جئت به عن الله عز وجل في علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده ، الذين هم مني ومنه ، أئمة قائمة منهم المهدي إلى يوم القيامة الذي يقضي بالحق » .
وفي المقابل توجد رواية واحدة غير تامة السند تدل على أنه يحكم بعد المهدي عليه السلام إثنا عشر من ذريته .
ففي غيبة الطوسي / 151 ، في حديث ذكر فيه النبي صلى الله عليه وآله الأئمة من عترته عليهم السلام قال : « فذلك اثنا عشر إماماً ، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين ، له ثلاثة أسامي : اسم كإسمي ، واسم أبي وهو عبد الله وأحمد ، والاسم الثالث المهدي هو أول المؤمنين » .
وبهذه الرواية حاول شخص من البصرة اسمه أحمد أن يستدل على أنه ابن المهدي وسفيره ووصيه عليه السلام ، وأن اسمه أحمد ومحمد وعبد الله ! وفي نفس الوقت ادعى أنه اليماني ! واستعمل التزوير وأساليب التضليل والإغراء بالمال .
وقد رددنا على أباطيله في كتاب باسم : دجال البصرة ، وقلنا : لم يذكر المدعي وجه الإستدلال بالرواية ، لكن غرضه الفقرة الأخيرة منها ، وهي التي تأمر الإمام المهدي بأن يسلم الوصية أو الإمامة عندما تحضره الوفاة إلى « ابنه أول المقربين » الذي له ثلاثة أسماء أو أربعة أحدها أحمد ! وقد فسرها أحمد إسماعيل بنفسه ، وهذه هرطقة ركيكة لأن الرواية إن صحت فهي تأمر
--------------------------- 242 ---------------------------
الإمام المهدي عليه السلام بعد أن يظهر ويقيم دولة العدل الإلهي ، أن يسلم الإمامة إلى ابنه ! فزمن الرواية يومذاك وليس زماننا ، فكيف يجعلها هذا المزيف على زماننا ويجعل نفسه ابن الإمام الذي سيتسلم الإمامة منه عند احتضاره ؟ ! فلا زمان الرواية زماننا ، ولا الشخص الذي تأمر الوصية المهدي عليه السلام أن يسلمه إياها ينطبق على أحمد إسماعيل كاطع !
ثم لو صحت الرواية ، فالأمر فيها أن يسلم الإمام عليه السلام الحكم إلى ابنه أي المباشر وقد اعترف أحمد إسماعيل بأنه ليس ابناً مباشراً للإمام المهدي عليه السلام وادعى أنه من ذريته !
على أن سند الرواية لا يتم ، فقد قال عنها الحر العاملي : « وروى الشيخ في كتاب الغيبة في جملة الأحاديث التي رواها من طرق العامة » . « الإيقاظ / 362 » . وسببه أن في سندها مجهولين لم يوثقهم أحد من علماء الرجال ، مثل : علي بن سنان الموصلي ، وأحمد بن محمد بن الخليل ، وجعفر بن أحمد البصري .
ويضاف إلى ما ذكرنا أن الرواية معارضة برواية تنفي وجود عقب للإمام المهدي عليه السلام ، رواها الطوسي في الغيبة / 223 : « عن الحسن بن علي الخزاز قال : دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال له : أنت إمام ؟ قال : نعم ، فقال له : إني سمعت جدك جعفر بن محمد يقول : لا يكون الإمام إلا وله عقب . فقال : أنسيت يا شيخ أو تناسيت ؟ ليس هكذا قال جعفر عليه السلام إنما قال جعفر عليه السلام : لا يكون الإمام إلا وله عقب إلا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي عليه السلام فإنه لا عقب له ، فقال له : صدقت جعلت فداك ، هكذا سمعت جدك يقول » . والذي يخرج في زمنه الحسين هو المهدي ’ .
والنتيجة : أن القدر المتيقن أن الإمام الحسين عليه السلام يحكم بعده مباشرة ، ثم لا تدل الروايات على ترتيب من يحكم بعده من الأئمة عليهم السلام أو الحكام المهديين من ذرية الحسين ، والذين قد يكون بعضهم من أبناء المهدي عليه السلام .
هذا ، وقد رد البياضي روايات حكم اثني عشر مهدياً بعد المهدي عليه السلام ، وناقش الشريف المرتضى في ذلك . وقد أجاد في نفيه أن يكونوا أئمة أو حججاً لله تعالى بعد الأئمة عليهم السلام ، لكنه أخطأ في نفي حديثهم مطلقاً قال رحمه الله في الصراط المستقيم : 2 / 152 : « وفي بعضها : سيكون بعدي اثنا عشر إماماً أولهم أنت ، ثم عد أولاده ، وأمر أن يسلمها كل إلى ابنه ، قال : ومن بعدهم اثنا
--------------------------- 243 ---------------------------
عشر مهدياً . قلت : الرواية بالاثني عشر بعد الاثني عشر ، شاذة ومخالفة للروايات الصحيحة المتواترة الشهيرة بأنه ليس بعد القائم دولة ، وأنه لم يمض من الدنيا إلا أربعين يوماً فيها الهرج ، وعلامة خروج الأموات وقيام الساعة . على أن البعدية في قوله من بعدهم لا تقتضي البعدية الزمانية كما قال تعالى : فمن يهديه من بعد الله ، فجاز كونهم في زمان الإمام وهم نوابه عليه السلام .
إن قلت : قال في الرواية : فإذا حضرته يعني المهدي الوفاة فليسلمها إلى ابنه ينفي هذا التأويل ؟ قلت : لا يدل هذا على البقاء بعده ، ويجوز أن يكون لوظيفة الوصية لئلا يكون ميتة جاهلية ، ويجوز أن يبقى بعده من يدعو إلى إمامته ، ولا يضر ذلك في حصر الاثني عشر فيه وفي آبائه .
قال المرتضى : لا يقطع بزوال التكليف عند موته عليه السلام بل يجوز أن يبقى حصر الاثني عشر فيه بعد أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله ، ولا يخرجنا هذا القول عن التسمية بالاثني عشرية ، لأنا كلفنا بأن نعلم إمامتهم إذ هو موضع الخلاف ، وقد بينا ذلك بياناً شافياً فيهم ، ولا موافق لنا عليهم ، فانفردنا بهذا الاسم عن غيرنا من مخالفيهم . وأنا أقول : هذه الرواية آحادية توجب ظناً ، ومسألة الإمامة علمية ، ولأن النبي صلى الله عليه وآله إن لم يبين المتأخرين بجميع أسمائهم ، ولاكشف عن صفاتهم مع الحاجة إلى معرفتهم ، فيلزم تأخير البيان عن الحاجة . وأيضاً فهذه الزيادة شاذة لا تعارض الشائعة الذائعة .
إن قلت : لامعارضة بينهما ، لأن غاية الروايات يكون بعدي اثنا عشر خليفة . الأئمة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل ، ونحوها . قلت : لو أمكن ذلك لزم العبث والتعمية في ذكر الاثني عشر ، ولأن في أكثر الروايات وتسعة من ولد الحسين ، ويجب حصر المبتدأ في الخبر ، ولأنهم لم يذكروا في التوراة وأشعار قِسٍّ وغيرها ، ولا أخبر النبي صلى الله عليه وآله برؤيتهم ليلة إسرائه إلى حضرة ربه ولما عد الأئمة الاثني عشر ، قال للحسن : لا تخلو الأرض منهم ، ويعني به زمان التكليف ، فلو كان بعدهم أئمة لخلت الأرض منهم ، ويبعد حمل الخلو على أن المقصود به أولادهم ، لأنه من المجاز ولا ضرورة تحوج إليه » . انتهى .
ومعنى كلامه رحمه الله : أن المرتضى رحمه الله دافع عن روايات استمرار التكليف والإمامة العامة بعد المهدي عليه السلام بالمهديين من أولاده أو أولاد الحسين عليه السلام ، وقال إن ذلك لا ينافي أن الأئمة عليهم السلام اثنا عشر لا أكثر ، لأن الاثني عشر هم الأصل والحكام المهديون من فروعهم وامتدادهم . وهو
--------------------------- 244 ---------------------------
كلام متين ، لكن البياضي ردَّه بالإستبعاد ، وتكلف في تأويل حديث الاثني عشر مهدياً !
أما مصادر السنة فقد روت أنه يحكم بعد المهدي عليه السلام اثنا عشر من ذرية الحسن والحسين قال ابن حجر في فتح الباري : 13 / 184 : « فقال أبو الحسين بن المنادي في الجزء الذي جمعه في المهدي : يحتمل في معنى حديث يكون اثنا عشر خليفة ، أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان ، فقد وجدت في كتاب دانيال : إذا مات المهدي ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر ، ثم خمسة من ولد السبط الأصغر ، ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر ، ثم يملك بعده ولده ، فيتم بذلك اثنا عشر ملكاً ، كل واحد منهم إمام مهدي . . . »
وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس : « المهدي اسمه محمد بن عبد الله وهو رجل ربعة مشرب بحمرة ، يفرج الله به عن هذه الأمة كل كرب ، ويصرف بعدله كل جور ، ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلاً ، ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين ، وآخر من غيرهم ، ثم يموت فيفسد الزمان » ! انتهى .
وفي فيض القدير : 2 / 582 : « وحمل بعضهم الحديث على من يأتي بعد المهدي لرواية : ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلاً ستة من ولد الحسن ، وخمسة من ولد الحسين ، وآخر من غيرهم ، لكن هذه الرواية ضعيفة جداً » .
وفي عمدة القاري للعيني : 24 / 282 : « وقيل : يحتمل أن يكون اثنا عشر بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان ، وقيل : وجد في كتاب دانيال : إذا مات المهدي ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر ، ثم خمسة من ولد السبط الأصغر ، ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر ، ثم يملك بعده ولده ، فيتم بذلك اثنا عشر ملكاً ، كل واحد منهم إمام مهدي . وعن كعب الأحبار : يكون اثنا عشر مهدياً ثم ينزل روح الله فيقتل الدجال .
وقيل : المراد من وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق ، وأن تتوالى أيامهم . ويؤيد هذا ما أخرجه مسدد في مسنده الكبير من طريق أبي بحر أن أبا الجلد حدثه أنه لا يهلك هذه الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق ، منهم رجلان من أهل بيت محمد ، يعيش أحدهما أربعين سنة ، والآخر ثلاثين سنة » . . الخ .
--------------------------- 245 ---------------------------
وقال ابن حجر في الصواعق : 2 / 478 : « ورواية أنه : يلي الأمر بعد المهدي اثنا عشر رجلاً ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين ، وآخر من غيرهم ، واهية جداً كما قاله شيخ الإسلام والحافظ الشهاب ابن حجر ، أي مع مخالفتها للأحاديث الصحيحة أنه آخر الزمان ، وأن عيسى يأتم به . ولخبر الطبراني : سيكون من بعدي خلفاء ثم من بعد الخلفاء أمراء ثم من بعد الأمراء ملوك ومن بعد الملوك جبابرة ، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، ثم يؤمَّر القحطاني فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه » . انتهى .
ملاحظات
1 . أن تضعيفهم للسند باطل ، لأن سند أبي صالح عن ابن عباس صحيح ، لكنهم رجحوا كذبة كعب بأن الظلم يرجع بعد المهدي عليه السلام ، لأن الروم يقتلونه في فتح القسطنطينية ! ولا يقلّل من هذه الكذبة اعترافهم باثني عشر مهدياً بعد المهدي عليه السلام .
2 . قد يقال : إن أهل البيت عليه السلام امتنعوا عن الحديث عما يكون بعد المهدي عليه السلام ، فقد روى المفيد في الإرشاد : 2 / 382 : عن جابر الجعفي قال : « سمعت أبا جعفر عليه السلام قال : سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين عليه السلام فقال : أخبرني عن المهدي ما اسمه ؟ فقال : أما اسمه فإن حبيبي عهد إليَّ ألا أحدِّث به حتى يبعثه الله ، قال : فأخبرني عن صفته ؟ قال : هو شاب مربوع حسن الوجه حسن الشعر ، يسيل شعره على منكبيه ، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه ، بأبي ابن خيرة الإماء » .
وفي كمال الدين : 1 / 77 ، عن عبد الله بن الحارث قال : قلت لعلي عليه السلام : « يا أمير المؤمنين أخبرني بما يكون من الأحداث بعد قائمكم ؟ قال : يا ابن الحارث ذلك شئ ذكره موكول إليه وإن رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إلي أن لا أخبر به إلا الحسن والحسين » .
والجواب : قد يكون سبب عدم جواب أمير المؤمنين عليه السلام لعمر بسبب ذلك الظرف ، وقد يكون مقصوده بقوله : « حتى يبعثه الله » حتى يولد . ولا ينافي ذلك أن الأئمة عليه السلام أخبرونا بتفاصيل عن المهدي عليه السلام وعلاماته حسب المصلحة .
3 . روى الخاتون آبادي في أربعينه / 203 : « عن الفضل بن شاذان عن الإمام الصادق عن
--------------------------- 246 ---------------------------
آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال : الإسلام والسلطان العادل أخوان ، لا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه ، الإسلام أسّ ، والسلطان العادل حارس ، وما لا أسَّ له فمنهدم ، وما لا حارسَ له فضايع ، فلذلك إذا رحل قائمنا ، لم يبق أثر من الإسلام ، وإذا لم يبق أثر من الإسلام ، لم يبق أثر من الدنيا » . انتهى .
والجواب : أن القائم هنا ليس بمعنى المهدي المنتظر عليه السلام بل بمعنى الحاكم من ذرية أهل البيت عليهم السلام ، فهذه الرواية لا علاقة لها باستمرار دولتهم إلى يوم القيامة .
7 - جريمة كعب ورواة الخلافة في تشويه صورة المستقبل
ذكرنا في فصل الدجال بعض أعمال كعب وتلاميذه التخريبية ، وأنهم نشروا في ثقافة المسلمين من خيالهم التلمودي أكاذيب عما يكون بعد المهدي عليه السلام ومزجوه بالبشارة النبوية بالمهدي ونزول عيسى عليه السلام !
وكذبوا في أمر الدجال وفتح القسطنطينية وأشراط الساعة ! ومن أمثلة كذبهم : « عن كعب قال : المنصور مهدي يصلي عليه أهل السماء والأرض وطير السماء ، يبتلي بقتال الروم والملاحم عشرين سنة ، ثم يقتل شهيداً في الملحمة العظمى هو وألفان معه ، كلهم أمير وصاحب راية ، فلم يصب المسلمون بمصيبة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أعظم منها » . « الفتن لابن حماد : 2 / 457 » .
وفي فتن ابن حماد : 1 / 401 : « سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : الجابر ثم المهدي ثم المنصور ثم السلام ثم أمير العصب ، فمن استطاع أن يموت بعد ذلك فليمت » ! وفي : 1 / 387 ، عن ابن عمر قال : « ثلاثة أمراء يتوالون ، تفتح الأرضون كلها عليهم كلهم صالح : الجابر ثم المفرح ثم ذو العصب ، يمكثون أربعين سنة ، ثم لا خير في الدنيا بعدهم » . وكل ذلك خيالات منشؤها كعب الأحبار !
8 - زعم كعب أن مخزومياً ويمانياً يملكان بعد المهدي عليه السلام !
قال ابن حماد : 1 / 379 : « حدثنا عبد الله بن مروان عن سعيد بن يزيد التنوخي عن الزهري
--------------------------- 247 ---------------------------
قال : يموت المهدي موتاً ثم يصير الناس بعده في فتنة ، ويقبل إليهم رجل من بني مخزوم فيبايع له ، فيمكث زماناً ثم يمنع الرزق فلا يجد من يغير عليه ، ثم يمنع العطاء فلا يجد أحداً يغير عليه ، وهو ينزل بيت المقدس فيكون هو وأصحابه مثل العجاجيل المريبة ، وتمشي نساؤهم ببطيطات الذهب وثياب لا تواريهن ، فلا يجد من يغير عليه ، فيأمر بإخراج أهل اليمن قضاعة ومذحج وهمدان وحمير والأزد . . » .
وروى في : 1 / 379 ، تحت عنوان : « ما يكون بعد المهدي . عن دينار بن دينار قال : بلغني أن المهدي إذا مات صار الأمر هرجاً بين الناس ، ويقتل بعضهم بعضاً ، وظهرت الأعاجم واتصلت الملاحم ، فلا نظام ولا جماعة حتى يخرج الدجال . . . عن كعب قال : يموت المهدي موتاً ثم يلي الناس بعده رجل من أهل بيته فيه خير وشر وشره أكثر من خيره ، يغضب الناس يدعوهم إلى الفرقة بعد الجماعة ، بقاؤه قليل ، يثور به رجل من أهل بيته فيقتله فيقتتل الناس بعده قتالاً شديداً ، وبقاء الذي قتله بعده قليل ، ثم يموت موتاً ، ثم يليهم رجل من مضر من الشرق ، يكفر الناس ويخرجهم من دينهم ، يقاتل أهل اليمن قتالاً شديداً فيما بين النهرين فيهزمه الله » .
أقول : هذه الروايات وعشرات أمثالها من خيالات كعب نشرها بين المسلمين لأغراضه وأمراضه . فقد وزع وعوده ووعيده على قبائل اليمن ، وحرف البشارة النبوية بإقامة دولة العدل الإلهي حتى جعلها لعبةً بل كذبة ، فزعم أن هذا المهدي سرعان ما يقتل فيعود الظلم والجور !
9 - يماني كعب يكون بعد المهدي عليه السلام ويُبيد قريشاً
قال ابن حماد في فتنه : 1 / 402 : « حدثنا الحكم بن نافع ، عن جراح ، عن أرطاة قال : بلغني أن المهدي يعيش أربعين عاماً ، ثم يموت على فراشه ، ثم يخرج رجل من قحطان مثقوب الأذنين على سيرة المهدي ، بقاؤه عشرين سنة ثم يموت قتلاً ، ثم يخرج رجل من أهل بيت النبي مهدي حسن السيرة يفتح مدينة قيصر ، وهو آخر أمير من أمة محمد ، ثم يخرج في زمانه الدجال وينزل في زمانه عيسى بن مريم عليه السلام . . .
عن أرطأة قال : على يدي ذلك الخليفة اليماني الذي تفتح القسطنطينية ورومية على يديه ، يخرج الدجال في زمانه ، وينزل عيسى بن مريم عليه السلام في زمانه . . » .
--------------------------- 248 ---------------------------
وفي : 1 / 405 : « عن كعب قال : في ولاية القحطاني تقتتل قضاعة بحمص وحمير ، وعليها يومئذ رجل من كندة ، فتقتله قضاعة ويعلق رأسه في شجرة في المسجد فتغضب له حمير ، فيقتتلون بينهم قتالاً شديداً حتى تهدم كل دار عند المسجد ، كي تتسع صفوفهم للقتال » .
ولو سألت كعباً : من أين جئت بهذا الغيب ؟ لقال : من كتب الله التي عنده ! أي من التوراة والتلمود وخيالاته ! وقد أكثر منها ابن حماد في كتابه ، وبعضها صار أحاديث نبويةً في أصح مصادر أتباع الخلافة ، كعبد الرزاق ، وأحمد ، وبخاري ، ومسلم ، فتجد في البخاري : 9 / 73 : « لا تقوم الساعة حتى يسوق الناس رجل من قحطان » .
وعبد الرزاق : 11 / 388 ، وابن حماد : 1 / 121 ، و 381 ، و 382 ، وأحمد : 3 / 417 ، ومسلم : 4 / 2232 ، والبدء والتاريخ : 2 / 183 ، وجامع الأصول : 11 / 82 . . إلى آخر مكذوباتهم !
- *
--------------------------- 249 ---------------------------
الفصل الثاني عشر : ( أصحاب الإمام المهدي عليه السلام )
--------------------------- 250 ---------------------------
1 - أصحابه الخاصون في غيبته
عمل الإمام المهدي عليه السلام في غيبته
في الكافي : 1 / 340 ، قال الإمام الصادق عليه السلام : « لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة ، ولا بد له في غيبته من عزلة ، ونعم المنزل طيبة ، وما بثلاثين من وحشة » .
وفي غيبة النعماني / 171 ، عن المفضل بن عمر الجعفي ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إن لصاحب هذا الأمر غيبتين ، إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات وبعضهم يقول قتل وبعضهم يقول ذهب ، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير ، لا يطلع على موضعه أحد من وليّ ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره . قال النعماني : ولو لم يكن يروى في الغيبة إلا هذا لكان فيه كفاية لمن تأمله » .
أقول : معنى الغَيْبة التامة للإمام المهدي عليه السلام ، أن الناس حُرموا من نعمة رؤيته وحضوره بينهم ، حتى يأذن له الله بالظهور ، فيبدأ مهمته التي ادَّخره لها . ومعناها أيضاً : أن الله تعالى كلفه في غيبته بمهمة من نوع آخر ، ومعه أعوانه جنود الله ، وهم أصحابه الخاصون الذين يلتقي بهم ، ومنهم الخضر ، وربما إلياس ’ .
ومعناها أيضاً : أن الغيبة الثانية تختلف عن الأولى بقوانينها وشدتها .
ويدل قول الإمام الباقر عليه السلام : ولابد في عزلته من قوة . « غيبة الطوسي / 102 » على أنها ببرنامج وأعوان ، وليست مجرد اختفاء ، كما يتصوره البعض ! وإذا أردت أن تأخذ صورة عن هذه الغيبة وعن عمله فيها ، فاقرأ آيات نبي الله موسى والخضر ’ ، وتأمل فيما رأى من عجائبه في يومين أو ثلاثة .
أصحاب المهمات الخاصة مع الإمام المهدي عليه السلام
معنى قول الإمام الباقر عليه السلام « وما بثلاثين من وحشة » : أن الإمام المهدي عليه السلام يكون له في غيبته ثلاثون شخصاً يلتقي بهم على الأقل ، وقد سُمُّوا الأبدال لأنه إذا مات أحدهم استبدل الله به غيره ، فهم يعيشون بأعمارهم الطبيعية ولا يمد لهم في أعمارهم كالمهدي والخضر ’ .
أما كيف يتم اختيار البديل ، فالإمام عليه السلام مهديٌّ من ربه في كل أموره ، ومنها اختيار أصحابه ،
--------------------------- 251 ---------------------------
وقد نقل الثقاة قصة أحد المؤمنين الأبرار من أهل تبريز ، وقد أبلغوه أن الله اختاره ليكون من الأبدال ، وواعدوه ظهر اليوم الفلاني ليأخذوه ، فتفرغ أحدهم لمراقبته كيف يأخذونه ، ولما حان الموعد افتقده من أمامه ، وهو ينظر اليه !
وهؤلاء الثلاثون يأخذون التوجيهات والأوامر من الإمام المهدي عليه السلام ، ويمنح الله الواحد منهم القدرات التي يحتاجها في عمله ، ومنها الحركة في أنحاء الأرض ، وقد يحتاج إلى أعوان وجهاز ، فقد رأى بعضهم كرامة من أحد الأشخاص فسأله : هل أنت من أصحاب الإمام المهدي عليه السلام ؟ فقال : لا ، ولكن أستاذي أخبرني أن بينه وبينه من يتشرف بخدمة الإمام عليه السلام بضع وسائط ! وقد أخذ هذه الحقيقة المتصوفة فصاغوها بتصوراتهم وجعلوها لأنفسهم .
قال المجلسي رحمه الله في البحار : 53 / 301 : « قال الشيخ الكفعمي رحمه الله في هامش جنته عند ذكر دعاء أم داود : قيل : إن الأرض لا تخلو من القطب وأربعة أوتاد وأربعين أبدالاً وسبعين نجيباً وثلاث مائة وستين صالحاً ، فالقطب هو المهدي عليه السلام ، ولا يكون الأوتاد أقل من أربعة لأن الدنيا كالخيمة والمهدي كالعمود وتلك الأربعة أطنابها ، وقد يكون الأوتاد أكثر من أربعة ، والأبدال أكثر من أربعين ، والنجباء أكثر من سبعين والصلحاء أكثر من ثلاث مائة وستين والظاهر أن الخضر وإلياس ، من الأوتاد فهما ملاصقان لدائرة القطب . وأما صفة الأوتاد ، فهم قوم لا يغفلون عن ربهم طرفة عين ولايجمعون من الدنيا إلا البلاغ ، ولاتصدر منهم هفوات الشر ، ولا يشترط فيهم العصمة من السهو والنسيان ، بل من فعل القبيح ويشترط ذلك في القطب . وأما الأبدال فدون هؤلاء في المراقبة ، وقد تصدر منهم الغفلة فيتداركونها بالتذكر ، ولا يتعمدون ذنبا . وأما النجباء فهم دون الأبدال . وأما الصلحاء فهم المتقون الموفون بالعدالة ، وقد يصدر منهم الذنب فيتداركونه بالاستغفار والندم ، قال الله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ . جعلنا الله من القسم الأخير لأنا لسنا من الأقسام الأول ، لكن ندين الله بحبهم وولايتهم ومن أحب قوماً حشر معهم . وقيل : إذا نقص أحد من الأوتاد الأربعة وضع بدله من الأربعين وإذا نقص أحد من الأربعين وضع بدله من السبعين ، وإذا نقص أحد من السبعين ، وضع بدله من الثلاث مائة وستين ، وإذا نقص أحد من الثلاث مائة وستين وُضع بدله من سائر الناس » . انتهى .
--------------------------- 252 ---------------------------
أقول : هذا التصور عن هذا الجهاز من جنود الله تعالى ، وقدراتهم وأعمالهم ، ظنية استحسانية ما لم تقم على علم وتستند إلى المعصوم عليه السلام .
وفي الخرائج : 2 / 930 ، عن الإمام الباقر عليه السلام : « إن ذا القرنين كان عبداً صالحاً ناصح الله سبحانه فناصحه ، وسُخر له السحاب وطُويت له الأرض ، وبُسط له في النور فكان يبصر بالليل كما يبصر بالنهار .
وإن أئمة الحق كلهم قد سخر الله تعالى لهم السحاب ، وكان يحملهم إلى المشرق والمغرب لمصالح المسلمين ولإصلاح ذات البين ، وعلى هذا حال المهدي ، ولذلك يسمى : صاحب المرأى والمسمع ، فله نور يرى به الأشياء من بعيد كما يرى من قريب ، ويسمع من بعيد كما يسمع من قريب ، وإنه يسيح في الدنيا كلها ، على السحاب مرة وعلى الريح أخرى ، وتطوى له الأرض مرة ، فيدفع البلايا عن العباد والبلاد شرقاً وغرباً » .
وفي كمال الدين : 2 / 481 ، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : « سمعت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول : إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها ، يرتاب فيها كل مبطل ، فقلت : ولمَ جعلت فداك ؟ قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم ، قلت : فما وجه الحكمة في غيبته ؟ قال : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره ، إن وجه الحكمة في ذلك لاينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى عليه السلام ، إلى وقت افتراقهما . يا ابن الفضل : إن هذا الأمر أمرٌ من أمر الله تعالى ، وسرٌّ من سر الله ، وغيبٌ من غيب الله ، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم ، صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة ، وإن كان وجهها غير منكشف » .
هل لجبل رضوى علاقة بالإمام عليه السلام وأصحابه ؟
في المحتضر / 20 ، عن كتاب القائم لابن شاذان بسنده إلى الإمام الصادق عليه السلام قال : « إن أرواح المؤمنين ترى آل محمد عليهم السلام في جبال رضوى ، فتأكل من طعامهم ، وتشرب من شرابهم ، وتتحدث معهم في مجالسهم ، حتى يقوم قائمنا أهل البيت ، فإذا قام قائمنا بعثهم الله تعالى وأقبلوا معه يلبون زمراً زمراً ، فعند ذلك يرتاب المبطلون ، ويضمحل المنتحلون ، وينجو
--------------------------- 253 ---------------------------
المقربون . وهذا الحديث يدل على ما رويناه من القالب للروح بعد خروجها من الأول كما يدل عليه أكلهم وشربهم وحديثهم » .
وفي غيبة الطوسي / 103 : « عن عبد الأعلى مولى آل سام قال : خرجت مع أبي عبد الله عليه السلام فلما نزلنا الروحاء نظر إلى جبلها مطلاً عليها فقال لي : ترى هذا الجبل هذا جبل يدعى رضوى من جبال فارس ، أحبنا فنقله الله إلينا ، أما إن فيه كل شجرة مطعم ، ونعم أمان للخائف مرتين ، أما إن لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين : واحدة قصيرة والأخرى طويلة » .
وفي البحار : 52 / 306 ، عن الإمام زين العابدين عليه السلام ، في خبر طويل في خروج الإمام المهدي عليه السلام وأنه يجتمع بالنبي صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام في جبل رضوى ، جاء فيه : « ثم يأتي إلى جبل رضوى ، فيأتي محمد وعلي فيكتبان له عهداً منشوراً يقرؤه على الناس ، ثم يخرج إلى مكة والناس يجتمعون بها » .
وفي معجم البلدان : 3 / 51 ، في جبل رضوى : « وهو من ينبع على مسيرة يوم ومن المدينة على سبع مراحل . . . وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية ، ورأيته من ينبع أخضر ، وأخبرني من طاف في شعابه أن به مياهاً كثيرة وأشجاراً . وهو الجبل الذي يزعم الكيسانية أن محمد بن الحنيفة به مقيم ، حيٌّ يرزق » .
وروى البلاذري في أنساب الأشراف 2 / 202 ، والسمعاني : 1 / 207 ، قول كُثَيِّر والسيد الحميري ، وكانا أول أمرهما يعتقدان بمهدوية محمد بن الحنفية ، قال كثير :
ألا إن الأئمة من قريش ولاة الحق أربعة سواءُ
عليٌّ والثلاثة من بنيهِ هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبطٌ سبط إيمان وبر وسبطٌ غيبته كربلاء
وسبطٌ لا تراهُ العين حتى يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيَّبَ لا يُرى فيهم زمانا برضوى عنده عسلٌ وماء
وقال السيد الحميري رحمه الله :
يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى ويهيج قلبي بالصبابة أولقُ
حتى متى وإلى متى وكم المدى ؟ يا ابن الوصي وأنت حيٌّ ترزق
--------------------------- 254 ---------------------------
وكان السيد الحميري رحمه الله كيسانياً فرجع عنها وصار إماميا اثني عشرياً ، وقال :
فلما رأيت الناس في الدين قد غووا تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا
وناديت باسم الله والله أكبرُ وأيقنت أن الله يعفو ويغفرُ . . الخ .
والكيسانية نسبة إلى كيسان من وزراء المختار ، وقد طبقوا أحاديث النبي وآله صلى الله عليه وآله في أن المهدي الموعود لا بد أن يغيب ، على محمد بن الحنفية بعد موته رحمه الله كما صرح بذلك السيد الحميري . واختاروا جبل رضوى مكاناً لغيبته ، بسبب أحاديث عن النبي وآله صلى الله عليه وآله أيضاً .
وتدل هذه الأحاديث على أن لجبل رضوى موقعاً في عالم الأرواح ، وكأنه من الأمكنة التي هي نقاط التقاء أرواح الأموات ، وقد عدَّت منها بيت المقدس ، وحضرموت اليمن ، ووادي السلام التي تسمى ظهر الكوفة والنجف ، وغيرها . ومعلوماتنا قليلة عن تحرك الأرواح ، ونقاط التقائها ، أو نزول الملائكة وصعودها ، وصعود الأعمال . . لكن يبدو لي أن جبل رضوى واحدٌ منها .
كما لا يصح رد قول الإمام الصادق عليه السلام : « رضوى من جبال فارس أحبنا فنقله الله إلينا » بعد أن روى الجميع أن جبل الطائف من جبال الشام وقد نقله الله تعالى إلى الحجاز ! فمعلوماتنا عن تكوين الأرض وجبالها وتحرك أمكنتها قليلة .
وقد روى بخاري : 2 / 133 ، قول النبي صلى الله عليه وآله : « أُحُدٌ جبل يحبنا ونحبه . وكرره في كتابه سبع مواضع ! وهذا يدل على أنَّ للجمادات شعوراً وإحساساً وتكليفاً كالنبات والحيوان ، كل بمستواه ، فلا يوجد ميت بالكامل في الكون ، بل الموت والحياة نسبيان ، كما قال تعالى : تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرض وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً » . « الإسراء : 44 » .
وعليه ، فإن ما ورد في دعاء الندبة : « ليت شعري أين استقرت بك النوى ، أم أي أرض تقلك أم ثرى ، أبرضوى أم غيرها أم ذي طوى ، عزيزٌ عليَّ أن تَرى الخلق ولا تُرى ، ولا يُسمع لك حسيس ولا نجوى ، عزيزٌ عليَّ أن تحيط بك الأعداء ، بنفسي أنت من مغيب ما غاب عنا ، بنفسي أنت من نازح ما نزح عنا » . « الإقبال : 1 / 510 » .
يقصد به التساؤل بشوق عن مكان الإمام عليه السلام ، الذي يتحرك في أرض الله تعالى بهداية ربه ، وأن له علاقة بجبل رضوى ، الذي هو من مراكز نزول الأرواح العلوية .
--------------------------- 255 ---------------------------
الخضر من أصحاب المهدي عليه السلام
وأحاديثه كثيرة في مصادر الجميع ، وفيها صحيح السند ، تجدها في قصص الأنبياء عليهم السلام وفي تفسير آيات الخضر في سورة الكهف . قال الله تعالى : وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً . فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً . فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً . قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً . قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً . فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً . قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً . قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً . وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً . قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً . قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَئٍْ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً . فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً . قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْري عُسْراً . فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً . قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَئٍْ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً . فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً . قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً . أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً . وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً . فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَوةً وَأَقْرَبَ رُحْماً . وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً » . « سورة الكهف : 60 - 82 » .
وهي تدل على أن الخضر من جنود الله تعالى أصحاب المهمات الخاصة في الأرض ، وقد ورد أنه كان يظهر للنبي صلى الله عليه وآله ، وأنه عزَّى أهل البيت بوفاته صلى الله عليه وآله ، ثم كان يظهر للأئمة عليهم السلام ،
--------------------------- 256 ---------------------------
ورويت أخبار ظهوره لعدد منهم ، وروي أنه جوال في الأرض ، ويحج في كل عام ، ويصلي أحياناً في مسجد الكوفة والسهلة ، وأنه مع المهدي عليه السلام في غيبته .
ففي كمال الدين : 2 / 390 : « عن الإمام الرضا عليه السلام قال : إن الخضر عليه السلام شرب من ماء الحياة فهو حيٌّ لا يموت حتى ينفخ في الصور ، وإنه ليأتينا فيسلّم فنسمع صوته ولا نرى شخصه ، وإنه ليحضر ما ذكر ، فمن ذكره منكم فليسلّم عليه ، وإنه ليحضر الموسم كل سنة فيقضي جميع المناسك ، ويقف بعرفة فيؤمِّن على دعاء المؤمنين ، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته » .
وذكر في البحار : 13 / 303 أن اسم الخضر خضرويه ، سمي به لأنه جلس على أرض بيضاء فاهتزت خضراء ، وأنه أطول الآدميين عمراً ، والصحيح أن اسمه إلياس بن ملكان بن عامر بن أرفخشد بن سام بن نوح . لكن لا يمكن الأخذ بروايات أنساب الأنبياء عليهم السلام لتأثرها بالإسرائيليات . هذا ، وسيأتي في غيبة الإمام عليه السلام ما يدل على حضور الخضر عليه السلام موسم الحج كل عام .
ربما كان نبي الله إلياس من أصحابه عليه السلام
وردت في نبي الله إلياس عليه السلام وحياته ، أحاديث وقصص في مصادر الطرفين ، لكنها لاتبلغ في قوتها وصحتها أحاديث الخضر عليه السلام .
فقد روى في كمال الدين 2 / 545 ، قصة أبي الدنيا ، وأنه كان معمّراً رأى في الجاهلية الخضر وإلياس وبشراه بالنبي صلى الله عليه وآله وأخبراه أنه يعيش حتى يرى المهدي وعيسى عليه السلام . وروى في البحار : 13 / 319 ، ومستدرك الوسائل : 5 / 386 ، عن النبي صلى الله عليه وآله أن الخضر عليه السلام وإلياس يلتقيان في كل موسم فإذا تفرقا تفرقا عن هذه الكلمات : بسم الله ، ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ، ما شاء الله ، كل نعمة فمن الله ، ما شاء الله ، الخير كله بيد الله ، ما شاء الله ، لا يصرف السوء إلا الله » .
وفي الكافي : 1 / 227 ، عن مفضل بن عمر أنه دخل على الإمام الصادق عليه السلام وهو يقرأ دعاءً بالسريانية ويبكي ، وفسره لهم بأنه دعاء الياس عليه السلام : « كان يقول في سجوده : أتراك معذبي وقد أظمأت لك هواجري ، أتراك معذبي وقد عفرت لك في التراب وجهي ، أتراك معذبي وقد اجتنبت لك المعاصي ، أتراك معذبي وقد أسهرت لك ليلي ؟ قال : فأوحى الله إليه أن ارفع
--------------------------- 257 ---------------------------
رأسك فإني غير معذبك ، قال فقال : إن قلت لا أعذبك ثم عذبتني ماذا ؟ ألست عبدك وأنت ربي ؟ قال : فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك ، إني إذا وعدت وعداً وفيت به » .
وفي المحاسن : 2 / 515 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : عليكم بالكرفس ، فإنه طعام إلياس واليسع ويوشع بن نون » . والكافي : 6 / 366 .
وروى في البحار : 13 / 393 ، قصة نبي الله إلياس عليه السلام عن وهب بن منبه ، وابن عباس ، وحاصلها : أنه من أنبياء بني إسرائيل ، بعثه الله إلى سبط بني إسرائيل في بعلبك ، وكان بعد داود عليه السلام أي في حكم الرومان ، وكانت زوجة ملكهم رومانية فاجرة وكانوا يعبدون بعلاً ، كما ورد في آيات إلياس عليه السلام : وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ . أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ . اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأولينَ . فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ . إِلا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ . وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ . « الصافات : 123 - 129 » فكذبوه وأهانوه وأخافوه وهموا بتعذيبه ، فهرب منهم ولحق بأصعب جبل ، فبقي فيه وحده سبع سنين ، يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر ، فابتلى الله قومه بالقحط ، ومرض ابن الملك حتى يئس منه وكان أعز ولده إليه ، فاستشفعوا إلى عبدة الصنم ليستشفعوا له فلم ينفع ، فبعثوا إلى إلياس عليه السلام في الجبل أن يهبط إليهم ويشفع لهم ، فنزل إلياس من الجبل ودعا الله فشافى ابن الملك وأنزل المطر . . وفي آخر الرواية : « ثم وصى إلياس إلى اليسع ، وأنبت الله لإلياس الريش ، وألبسه النور ورفعه إلى السماء ، وقذف بكسائه من الجو على اليسع ، فنبأه الله على بني إسرائيل وأوحى إليه وأيده ، فكان بنو إسرائيل يعظمونه ويهتدون بهداه » .
ونقل عن الطبرسي قوله : « ورفعه الله تعالى من بين أظهرهم ، وقطع عنه لذة الطعام والشراب وكساه الريش ، فصار إنسياً ملكياً ، أرضياً سماوياً ، وسلط الله على الملك وقومه عدواً لهم فقتل الملك وامرأته ، وبعث الله اليسع رسولا ، فآمنت به بنو إسرائيل وعظموه وانتهوا إلى أمره » .
وروى في البحار : 13 / 399 : « عن الإمام الصادق عليه السلام أن ملك بني إسرائيل هويَ امرأة من قوم يعبدون الأصنام من غير بني إسرائيل ، فخطبها فقالت : على أن أحمل الصنم فأعبده في بلدتك ، فأبى عليها ثم عاودها مرة بعد مرة حتى صار إلى ما أرادت فحولها إليه ومعها صنم ،
--------------------------- 258 ---------------------------
وجاء معها ثمان مائة رجل يعبدونه . . . وانتهت القصة بأن القحط أصابهم فاستغاثوا بإلياس ، وتاب الملك توبة حسنة حتى لبس الشعر ، وأرسل الله إليهم المطر والخصب » . انتهى .
أقول : يؤخذ على هذه الروايات ضعف أسانيدها ، وأنها تشبه الإسرائيليات وسياقها غير المنطقي في تعامل الله تعالى مع الأنبياء عليهم السلام ! ثم في ادعائها أن بني إسرائيل اهتدوا وآمنوا بإلياس واليسع عليه السلام ، وأن اليهود كانوا مستقلين يحكمون أنفسهم ، مع أنهم كانوا تحت حكم الروم ، وكانت قلعة بعلبك معبد الرومان الوثنيين . ويدل قول إلياس عليه السلام : أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ، على أنه بُعث إلى وثنيين من الرومان وأتباعهم اليهود .
وروى في الكافي : 1 / 242 : « عن ابن الحريش عن الإمام محمد الجواد عليه السلام قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : بينا أبي عليه السلام يطوف بالكعبة إذا رجل معتجر قد قيض له فقطع عليه أسبوعه ، حتى أدخله إلى دار جنب الصفا ، فأرسل إليَّ فكنا ثلاثة فقال : مرحباً يا ابن رسول الله ، ثم وضع يده على رأسي وقال : بارك الله فيك يا أمين الله بعد آبائه . يا أبا جعفر إن شئت فأخبرني وإن شئت فأخبرتك ، وإن شئت سلني وإن شئت سألتك ، وإن شئت فأصدقني ، وإن شئت صدقتك ؟
قال : كل ذلك أشاء . قال : فإياك أن ينطق لسانك عند مسألتي بأمر تضمر لي غيره . قال : إنما يفعل ذلك من في قلبه علمان يخالف أحدهما صاحبه ، وإن الله عز وجل أبى أن يكون له علم فيه اختلاف ! قال : هذه مسألتي وقد فسرتَ طرفاً منها ! أخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه اختلاف مَن يعلمه ؟ قال : أما جملة العلم فعند الله جل ذكره ، وأما ما لابد للعباد منه فعند الأوصياء عليهم السلام ، قال : ففتح الرجل عجيرته واستوى جالساً وتهلل وجهه ، وقال : هذه أردت ولها أتيت ، زعمت أن علم ما لا اختلاف فيه من العلم عند الأوصياء ، فكيف يعلمونه ؟ قال : كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعلمه ، إلا أنهم لا يرون ما كان رسول الله يرى لأنه كان نبياً وهم محدّثون ، وأنه كان يفد إلى الله عز وجل فيسمع الوحي ، وهم لا يسمعون .
فقال : صدقت يا ابن رسول الله . . . . سآتيك بمسألة صعبة : أخبرني عن هذا العلم ما له لا يظهر كما كان يظهر مع رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : فضحك أبي عليه السلام وقال : أبى الله عز وجل أن يطلع على علمه إلا ممتحناً للإيمان به ، كما قضى على رسول الله أن يصبر على أذى قومه
--------------------------- 259 ---------------------------
ولا يجاهدهم إلا بأمره ، فكم من اكتتام قد اكتتم به حتى قيل له : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ! وأيم الله أن لو صدع قبل ذلك لكان آمناً ، ولكنه إنما نظر في الطاعة وخاف الخلاف فلذلك كفَّ .
فوددتَ أن عينك تكون مع مهدي هذه الأمة ، والملائكة بسيوف آل داود بين السماء والأرض تعذب أرواح الكفرة من الأموات ، وتلحق بهم أرواح أشباههم من الأحياء ، ثم أخرج سيفاً ثم قال : ها إن هذا منها ، قال فقال أبي : إي والذي اصطفى محمداً على البشر ، قال : فرد الرجل اعتجاره وقال : أنا إلياس ، ما سألتك عن أمرك وبي منه جهالة ، غير أني أحببت أن يكون هذا الحديث قوة لأصحابك . . .
وجاء في آخر الحديث : فقال الرجل : أشهد أنكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه ! ثم قام الرجل وذهب فلم أره » . وعنه البحار : 25 / 74 ، ولعله أقوى نص في حياة إلياس عليه السلام . لكن النجاشي / 45 ، ضعف ابن الحريش ، قال : ضعيف جداً ، له كتاب إنا أنزلناه في ليلة القدر ، وهو كتاب ردي الحديث مضطرب الألفاظ . . الخ .
أما مصادر السنيين فقد روت في الياس إسرائيليات كثيرة ! ففي الجامع الصغير : 1 / 636 : « الخضر في البحر وإلياس في البر ، يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج ، ويحجان ويعتمران كل عام ، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل » .
وشرحه في فيض القدير : 3 / 672 : فقال : « أي معظم إقامته فيه . وإلياس بكسر الهمزة من الأيس الخديعة والخيانة واختلاط العقل ، أو هو إفعال من قولهم رجل أليس أي شجاع لا يفر ، والأليس الثابت الذي لا يبرح ، كذا ذكره ابن الأنباري . قال السهيلي : والأصح أن إلياس سمي بضد الرجاء ، ولامه للتعريف ، وهمزته همزة وصل ، وقيل قطع » !
« في البر يجتمعان كل ليلة . . ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل » تمامه طعامهما ذلك اه - . فكأنه سقط من قلم المصنف . . ثم قال المناوي : « وهذا حديث ضعيف ، لكنه يتقوى بوروده من عدة طرق بألفاظ مختلفة ، فمنها ما في المستدرك عن أنس كنا مع النبي صلى الله عليه وآله في سفر فنزل منزلاً فإذا رجل في الوادي يقول : اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة المغفور لها المتاب عليها ، فأشرفتُ على الوادي فإذا رجل طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع فقال :
--------------------------- 260 ---------------------------
من أنت ؟ قلت : أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وآله قال : وأين هو ؟ قلت : هو ذا يسمع كلامك . قال : أقرئه السلام وقل له أخوك إلياس يقرؤك السلام فأتيته فأخبرته ، فجاء حتى اعتنقه ثم قعدا يتحدثان ، فقال : يا رسول الله إني إنما آكل في السنة مرة ، وهذا يوم فطري ، فآكل أنا وأنت . فنزلت عليهما مائدة من السماء عليها خبز وحوت وكرفس ، وأكلا وصليا العصر ، ثم ودعته فرأيته مشى في السحاب نحو السماء اه .
وأخرج الحاكم في المستدرك أن إلياس اجتمع بالمصطفى وأكلا جميعاً وأن طوله ثلاث مائة ذراع ، وأنه لا يأكل في السنة إلا مرة واحدة كما مر ، وأورده الذهبي في ترجمة يزيد بن يزيد البلوي ، وقال إنه خبر باطل .
وفي البخاري : يذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس . قال ابن حجر : أما قول ابن مسعود فوصله عبد بن حميد وابن حاتم بإسناد حسن عنه وأما قول ابن عباس فوصله جويبر عن الضحاك عنه ، وإسناده ضعيف ولهذا لم يجزم به البخاري . وقيل : إلياس إنما هو من بني إسرائيل » .
أقول : في كلامهم تكلف ورجم بالغيب ، في تفسير اسم عبري أصله سرياني .
وفي الدر المنثور : 4 / 240 : « وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده ، بسند واهٍ عن أنس . . كما تقدم ، وقال : وأخرج ابن عساكر عن ابن أبي داود قال : إلياس والخضر يصومان شهر رمضان في بيت المقدس ، ويحجان في كل سنة ، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من قابل . وأخرج العقيلي والدارقطني في الإفراد وابن عساكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله قال : يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم ، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ، ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات . . . قال ابن عباس : من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات أمنه الله من الغرق والحرق والسرق ، ومن الشياطين والسلطان والحية والعقرب » . ورواه في الإصابة : 2 / 251 ، عن أنس ، وقال : قلت وعبد الرحيم وأبان متروكان .
وفي ربيع الأبرار / 126 ، عن مقاتل : « من الأنبياء أربعة أحياء : اثنان في السماء عيسى وإدريس ، واثنان في الأرض : إلياس والخضر ، فإلياس في البر والخضر في البحر » .
وفي فتح الباري : 7 / 342 : « وأغرب ابن التين فجزم أن الياس ليس بنبي ، وبناه على قول
--------------------------- 261 ---------------------------
من زعم أنه أيضاً حي ، وهو ضعيف أعني كونه حياً ، وأما كونه ليس بنبي فنفيٌ باطل ففي القرآن العظيم : وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ، فكيف يكون أحد من بني آدم مرسلاً وليس بنبي » .
أقول : شطحة ابن التين مثلٌ لمن تستهويه الإسرائيليات فينسى نص القرآن ، أو يتحايل عليه !
ولا يمكننا الاعتماد على أخبار إلياس عليه السلام هذه لأنها حتى في مصادرنا متأثرة بالإسرائيليات ، ما لم يؤيدها حديث النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام وهو هنا قليل . وأما أحاديث الخضر عليه السلام فكثيرة وفيها الصحيح ، وأنه حي يرزق ، وأنه من أصحاب الإمام المهدي عليه السلام ويظهر معه عند ظهوره . وتجد بعضها في فصول الكتاب .
أصحاب الكهف أعوان المهدي عليه السلام
قال الله تعالى : أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً . إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً . فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عدداً . ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَىُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً . نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى . وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرض لَنْ نَدْعُوَاْ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً . هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً .
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللهَ فَاوُواْ إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً .
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَالْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً . وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً .
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً . إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي
--------------------------- 262 ---------------------------
مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً .
وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً . سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً . « الكهف : 9 - 22 » .
ذكر المفسرون في سبب نزولها أن مشركي قريش بعثو إلى حاخامات اليهود ثلاثة قرشيين هم : العاص السهمي ، وابن أبي معيط الأموي ، وابن كلدة العبدري ، ليأتوهم بمسائل يعجز عن جوابها النبي صلى الله عليه وآله ! فجاؤوا بمسائل : متى تقوم الساعة ، ومن هم أصحاب الكهف ، ومن هو ذو القرنين . « تفسير القمي : 1 / 249 ، والطبري : 15 / 285 » .
وفي تفسير القمي : 2 / 31 : « هم فتية كانوا في الفترة بين عيسى بن مريم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وآله . وأما الرقيم فهما لوحان من نحاس مرقومان ، أي مكتوب فيهما أمر الفتية وأمر إسلامهم ، وما أراد منهم دقيانوس الملك ، وكيف كان أمرهم وحالهم » .
وفي تفسير العياشي : 2 / 321 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « كتب ملك ذلك الزمان بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشايرهم ، في صحف من رصاص » .
وفي الفواكه الدواني : 1 / 70 : « ويكون مع المهدي أصحاب الكهف الذين هم من أتباع المهدي من جملة أتباعه ، ويصلي عيسى عليه السلام وراء المهدي صلاة الصبح ، وذلك لا يقدح في قدر نبوته ، ويسلّم المهدي لعيسى الأمر ويقتل الدجال . ويموت المهدي ببيت المقدس وينتظم الأمر كله لعيسى عليه السلام ، ويمكث في الأرض بعد نزوله أربعين سنة ، ثم يموت ويصلي عليه المسلمون . وقيل يمكث سبع سنين بعد نزوله ، ليس يبقى بين اثنين عداوة ، ثم يرسل الله الريح التي تقبض أرواح المؤمنين » . وهذه الرواية ترديد لأفكار كعب ، كأنها أحاديث نبوية قطعية !
وفي الدر المنثور : 4 / 215 : « عن ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن أهل الكهف من أصحاب المهدي عليه السلام . وأخرج الزجاجي في أماليه عن ابن عباس في قوله : أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيم ؟ قال : إن الفتية لما هربوا من أهليهم خوفاً على دينهم ، فقدوهم
--------------------------- 263 ---------------------------
فخبروا الملك خبرهم ، فأمر بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم وألقاه في خزانته ، وقال إنه سيكون لهم شأن » .
ومثله العطر الوردي / 70 ، وقال : وحينئذ فَسِرُّ تأخيرهم إلى هذا المدة إكرامهم بشرف دخولهم في هذه الأمة وإعانتهم الخليفة الحق . وقال في فتح الباري : 6 / 365 : « وسنده ضعيف ، فإن ثبت حمل على أنهم لم يموتوا بل هم في المنام إلى أن يبعثوا لإعانة المهدي » .
قصة البساط النبوي
روت مصادر السنة والشيعة حديثاً عجيباً ، مفاده : أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله طلبوا منه أن يريهم أهل الكهف ، فأمرهم أن يركبوا على بساط وبعث معهم علياً عليه السلام فطار بهم البساط حتى وصلوا إلى أهل الكهف ، فرأوهم نائمين فكلموهم فلم يجيبوهم وكلمهم علي عليه السلام فأجابوه : « فقال أبو بكر : يا علي ما بالهم ردوا عليك وما ردوا علينا ؟ فقال لهم علي ، فقالوا : إنا لا نردُّ بعد الموت إلا على نبي أو وصى نبي » . انتهى .
ورووا أن علياً عليه السلام استشهد بأنس بن مالك على هذه الكرامة ، فأبى أن يشهد ! فدعا عليه فأصابه البرص والعمى ! « راجع : عقد الدرر / 141 ، عن تفسير الثعلبي ، وعنه البرهان للهندي / 87 ، ومناقب ابن المغازلي / 232 ، عن أنس » .
ورواه سعد السعود لابن طاووس / 112 ، وقال : فصل فيما نذكره من كتاب التفسير مجلد واحد ، تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد القزويني نذكر منه حديثاً واحداً من تفسير سورة الكهف ، من الوجهة الأولة من القائمة الثانية من الكراس الرابعة ، بإسناده عن محمد بن أبي يعقوب الجوال الدينوري ، قال : حدثني جعفر بن نصر بحمص قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ثابت عن أنس بن مالك قال : أهدي لرسول الله بساط من قرية يقال لها بهندف . . . هذا الحديث رويناه من عدة طرق مذكورات ، وإنما ذكرناه هاهنا لأنه من رجال الجمهور ، وهم غير متهمين فيما ينقلونه لمولانا علي عليه السلام من الكرامات . .
ورواه الخرائج والجرائح : 1 / 210 ، والفضائل لابن شاذان / 164 ، ونحوه المناقب : 2 / 337 و 338 ، والثاقب في المناقب / 71 ، واليقين / 133 ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، وإرشاد القلوب / 268 ، وخلاصة عبقات الأنوار : 3 / 258 ، ونفحات الأزهار : 3 / 241 .
--------------------------- 264 ---------------------------
والطرائف لابن طاووس / 84 ، وقال : « وزاد الثعلبي في هذا الحديث على ابن المغازلي ، قال : فصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي ، فقال : إن المهدي يسلّم عليهم فيحييهم الله عز وجل له ثم يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون إلى يوم القيامة » .
ملاحظات
1 - في الإرشاد : 2 / 117 : « عن زيد بن أرقم أنه قال : مُرَّ به عليَّ « رأس الحسين عليه السلام » وهو على رمح وأنا في غرفة ، فلما حاذاني سمعته يقرأ : أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ، فقفَّ والله شعري وناديت : رأسك والله يا ابن رسول الله أعجب وأعجب » !
وقال ابن سليمان : 2 / 267 : « عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو قال : رأيت رأس الحسين عليه السلام على الرمح وهو يتلو هذه الآية : أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ، فقال رجل من عرض الناس : رأسك يا ابن رسول الله أعجب » !
2 - يظهر من آيات أصحاب الكهف أن الله تعالى ادّخرهم للإمام المهدي عليه السلام ، ولهذا كتب معاصروهم قصتهم على رقيم معدني وبنوا عليهم باب الكهف . ولذلك أخفى الله عددهم ولم يكشفه لعامة الناس . وقد روى في الهداية / 31 : « يأتيه الله ببقايا قوم موسى عليه السلام ويجئ له أصحاب الكهف ، ويؤيده الله بالملائكة » .
وفي الإرشاد / 365 ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « يُخرج القائم عليه السلام . . خمسة عشر من قوم موسى عليه السلام الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون ، وسبعة من أهل الكهف ويوشع بن نون . . . فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً » . ولا بد أن يكونوا عوناً له في إقامة الحجة على قومهم الروم الذين يحشدون نحو مليون جندي في منطقة أنطاكية ، فيرسل عليه السلام وفداً إلى أنطاكية هدفه الأساسي كشف أهل الكهف ، ليكونوا آية ويحتجوا على الروم ، ثم يلتحقون بالإمام عليه السلام .
وقد روى في فوائد الفكر / 103 : « عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله : لاتحشر أمتي حتى يخرج المهدي . . . ثم يتوجه إلى الشام وجبريل على مقدمته وميكائيل على يساره ، ومعه أهل الكهف أعوان له فيفرح به أهل السماء والأرض » .
--------------------------- 265 ---------------------------
3 - ومما يتصل بأهل الكهف مكانة أنطاكية في حركة الإمام المهدي عليه السلام ، وأنه سيكون لها شأن لأنها مركزٌ لحواريي المسيح عليه السلام ودعوته ، وأن الوفد الذي يرسله الإمام عليه السلام يستخرج نسخ التوراة الأصلية من مكان فيها .
ففي دلائل الإمامة / 249 ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « إنما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي لأمر خفي يهدي ما في صدور الناس ، ويبعث إلى الرجل فيقتله لا يدرى في أي شئ قتله ، ويبعث ثلاثة رَكْب ، أما ركبٌ فيأخذ ما في أيدي أهل الذمة من رقيق المسلمين فيعتقهم ، وأما ركب فيظهر البراءة من يغوث ويعوق في أرض العرب . وركب يخرج التوراة من مغارة بأنطاكية . ويعطى حكم سليمان » .
وفي غيبة النعماني / 237 : « عن عمرو بن شمر ، عن جابر قال : دخل رجل على أبي جعفر الباقر عليه السلام فقال له : عافاك الله ، اقبض مني هذه الخمس مائة درهم فإنها زكاة مالي . فقال له أبو جعفر عليه السلام : خذها أنت فضعها في جيرانك من أهل الإسلام والمساكين من إخوانك المؤمنين . ثم قال : إذا قام قائم أهل البيت قسم بالسوية وعدل في الرعية ، فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله . وإنما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي إلى أمر خفي ، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله عز وجل من غار بأنطاكية ، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة ، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل ، وبين أهل الزبور بالزبور ، وبين أهل القرآن بالقرآن . وتجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها فيقول للناس : تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء الحرام ، وركبتم فيه ما حرم الله عز وجل ، فيعطي شيئاً لم يعطه أحد كان قبله ، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً ، كما ملئت ظلماً وجوراً وشراً » .
أقول : لم يذكر الراوي ظرف الحديث الذي أوجب أن لا يقبل الإمام الباقر عليه السلام زكاة الرجل ، وأن يتحدث عن إعادة توزيع الإمام المهدي عليه السلام للثروة .
وفي فتن ابن حماد : 1 / 355 : « عن كعب قال : المهدي يبعث بقتال الروم ، يعطى فقه عشرة ، يستخرج تابوت السكينة من غار بأنطاكية ، فيه التوراة التي أنزل الله تعالى على موسى عليه السلام ، والإنجيل الذي أنزل الله عز وجل على عيسى عليه السلام ، يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم » .
--------------------------- 266 ---------------------------
وفي العرائس للثعلبي / 118 : « عن تميم الداري قال : قلت : يا رسول الله مررت بمدينة صفتها كيت وكيت ، قريبة من ساحل البحر ، فقال صلى الله عليه وآله : تلك أنطاكية ، أما إن في غار من غيرانها رضاضاً من ألواح موسى ، وما من سحابة شرقية ولا غربية تمر بها إلا ألقت عليها من بركاتها . ولن تذهب الأيام والليالي حتى يسكنها رجل من أهل بيتي يملؤها عدلاً وقسطاً ، كما ملئت جوراً وظلماً » . والرضراض : القطع الصغيرة .
وفي تاريخ بغداد : 9 / 471 : « عن تميم الداري قال : قلت : يا رسول الله ، ما رأيت للروم مدينة مثل مدينة يقال لها أنطاكية ، وما رأيت أكثر مطراً منها ! فقال النبي صلى الله عليه وآله نعم ، وذلك أن فيها التوراة ، وعصا موسى ورضراض الألواح ، ومائدة سليمان بن داود في غار من غيرانها ، ما من سحابة تشرف عليها من وجه من الوجوه إلا فرغت ما فيها من البركة في ذلك الوادي ، ولا تذهب الأيام ولا الليالي حتى يسكنها رجل من عترتي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ، يشبه خلقه خلقي وخلقه خلقي ، يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » .
أقول : لا قيمة علمية لما يقوله أو يرويه كعب وتميم ، لكن أوردنا ذلك ليطلع الباحث على التحريفات التي ارتكبوها في أحاديث المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف . على أن عدداً من الروايات قد تكون نسبت اليهما بعد عصرهما .
من أصحاب المهدي عليه السلام سبعة علماء من بلاد شتى
روى ابن حماد : 1 / 345 : « عن ابن مسعود ولم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وآله قال : إذا انقطعت التجارات والطرق وكثرت الفتن ، خرج سبعة رجال علماء من أفق شتى على غير ميعاد ، يبايع لكل رجل منهم ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً ، حتى يجتمعوا بمكة فيلتقي السبعة فيقول بعضهم لبعض : ما جاء بكم ؟ فيقولون : جئنا في طلب هذا الرجل الذي ينبغي أن تهدأ على يديه هذه الفتن وتفتح له القسطنطينية ، قد عرفناه باسمه واسم أبيه وأمه وحليته ، فيتفق السبعة على ذلك . فيطلبونه فيصيبونه بمكة : فيقولون له : أنت فلان بن فلان ، فيقول : لا ، بل أنا رجل من الأنصار ، حتى يفلت منهم . فيصفونه لأهل الخبرة والمعرفة به ، فيقال
--------------------------- 267 ---------------------------
هو صاحبكم الذي تطلبونه ، وقد لحق بالمدينة ، فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى مكة ، فيطلبونه بمكة فيصيبونه فيقولون : أنت فلان بن فلان وأمك فلانة بنت فلان وفيك آية كذا وكذا ، وقد أفلت منا مرة فمد يدك نبايعك فيقول : لست بصاحبكم أنا فلان بن فلان الأنصاري ، مروا بنا أدلكم على صاحبكم ، حتى يفلت منهم ، فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى مكة فيصيبونه بمكة عند الركن فيقولون : إثمنا عليك ودماؤنا في عنقك إن لم تمد يدك نبايعك ، هذا عسكر السفياني قد توجه في طلبنا عليهم رجل من جرم ، فيجلس بين الركن والمقام فيمد يده فيبايع له ، ويلقي الله محبته في صدور الناس ، فيسير مع قوم أسد بالنهار رهبان بالليل » .
أقول : هذه القصة تدل على نوع فهم السنيين للبشارة النبوية بالمهدي عليه السلام في القرن الثالث ، وقد أسندوا روايتها إلى ابن مسعود رحمه الله الذي كان يحدث بالبشارة النبوية بالأئمة الاثني عشر عليه السلام ، وأدخلوا فيها تصورهم للمهدي وتفسيرهم لمقولة إنه يبايع وهوكاره . وقد ذكرت الرواية أصحاب المهدي عليه السلام الثلاث مئة وثلاثة عشر ، الذين يجمعهم الله تعالى من بلاد شتى وجعلت لكل واحد من هؤلاء العلماء بعددهم ! وروى ابن حماد فيهم روايات طويلة وقصيرة ، وليس فيها رواية مسندة .
النفس الزكية في ظهر الكوفة من علامات المهدي عليه السلام
في الإرشاد : 2 / 368 : « جاءت الأخبار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي عليه السلام وحوادث تكون أمام قيامه ، وآيات ودلالات : فمنها : خروج السفياني ، وقتل الحسني ، واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي ، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان ، وخسوف القمر في آخره ، على خلاف العادات ، وخسف بالبيداء وخسف بالمغرب وخسف بالمشرق ، وركود الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر ، وطلوعها من المغرب ، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين ، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام ، وهدم سور الكوفة » .
أقول : مقصوده رحمه الله سرد العلامات بدون ترتيب ، وشاهدنا منها : « وقتل الحسني . . . وقتل
--------------------------- 268 ---------------------------
نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين ، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام ، وهدم سور الكوفة » .
ولم تعين الرواية بلد الحسني ، أما الهاشمي أو الحسني الذي يذبح بين الركن والمقام ففيه روايات صريحة ، ستأتي . وأما هدم سور الكوفة فيقصد به سور مسجدها من الجهة المقابلة للقبلة كما دلت الروايات . وأما النفس الزكية التي تقتل في سبعين من الصالحين بظهر الكوفة ، فأوضح من تنطبق عليهم ممن قتلوا في النجف إلى الآن ، هو الشهيد السيد محمد باقر الحكيم رحمه الله فقد قتل في أكثر من سبعين ، ومعناه أن سبعين منهم صالحون .
وتقدم من مختصر البصائر / 199 ، الخطبة المروية عن أمير المؤمنين عليه السلام التي تسمى المخزون جاء فيها : « ألا يا أيها الناس ، سلوني قبل أن تشرع برجلها فتنة شرقية ، وتطأ في خطامها بعد موت وحياة ، أو تشب نار بالحطب الجزل غربي الأرض ، رافعة ذيلها تدعو يا ويلها بذحلة أو مثلها ، فإذا استدار الفلك قلتم مات أو هلك بأي واد سلك ، فيومئذ تأويل هذه الآية : ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً . ولذلك آيات وعلامات ، أولهن إحصار الكوفة بالرصد والخندق ، وتحريق الزوايا في سكك الكوفة ، وتعطيل المساجد أربعين ليلة ، وتخفق رايات ثلاث حول المسجد الأكبر ، يُشبَّهْنَ بالهدى ، القاتل والمقتول في النار .
وقتل كثير وموت ذريع ، وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين ، والمذبوح بين الركن والمقام ، وقتل الأسبغ المظفر صبراً في بيعة الأصنام ، مع كثير من شياطين الإنس » . الخ .
فهي تتكلم عن الحجاز والعراق معاً ، والرايات التي تتنازع حول المسجد الأكبر تقصد المسجد الحرام . والقتل الذريع يحتمل أن يكون في البلدين ، والنفس الزكية بظهر الكوفة أي النجف . والأسبغ المظفر شخص يعتقل ويقتل صبراً ، أي يحكم عليه بالقتل ، ولم تعين بلده .
النفس الزكية في المدينة من علامات المهدي عليه السلام
في الفتن : 1 / 324 : « عن كعب قال : تستباح المدينة حينئذ وتقتل النفس الزكية » .
وفي الفتن : 1 / 329 : « عن ابن مسعود قال : يبعث جيش إلى المدينة فيخسف بهم بين
--------------------------- 269 ---------------------------
الحماوين ، وتقتل النفس الزكية » .
وفي الكافي : 1 / 337 ، بعدة روايات عن زرارة قال : « سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن للغلام غيبة قبل أن يقوم ، قال : قلت : ولم ؟ قال : يخاف وأومأ بيده إلى بطنه ، ثم قال : يا زرارة وهو المنتظر ، وهو الذي يشك في ولادته ، منهم من يقول مات أبوه بلا خلف ، ومنهم من يقول حمل ، ومنهم من يقول إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين وهو المنتظر ، غير أن الله عز وجل يحبُّ أن يمتحن الشيعة ، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة . قال قلت : جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شئ أعمل ؟ قال : يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء : اللهم عرفني نفسك ، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك ، اللهم عرفني رسولك ، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك ، اللهم عرفني حجتك ، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني . ثم قال : يا زرارة لا بد من قتل غلام بالمدينة ، قلت : جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني ؟ قال : لا ، ولكن يقتله جيش آل بني فلان ، يجئ حتى يدخل المدينة فيأخذ الغلام فيقتله ، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لايمهلون ، فعند ذلك توقع الفرج إن شاء الله » . والنعماني / 166 ، و 177 ، وكمال الدين : 2 / 342 و 346 و 481 ، ودلائل الإمامة / 293 كرواية كمال الدين الأخيرة ، وغيبة الطوسي / 202 ، كرواية النعماني الأولى . . الخ .
وفي الفتن لابن حماد : 1 / 323 : « عن علي عليه السلام قال : يكتب السفياني إلى الذي دخل الكوفة بخيله ، بعدما يعركها عرك الأديم ، يأمره بالسير إلى الحجاز ، فيسير إلى المدينة فيضع السيف في قريش فيقتل منهم ومن الأنصار أربع مائة رجل ، ويبقر البطون ويقتل الولدان ، ويقتل أخوين من قريش ، رجل وأخته يقال لهما محمد وفاطمة ويصلبهما على باب المسجد بالمدينة » . وفي ابن حماد : 1 / 323 : « عن أبي رومان قال : يبعث بجيش إلى المدينة فيأخذون من قدروا عليه من آل محمد ، ويُقتل من بني هاشم رجال ونساء ، فعند ذلك يهرب المهدي والمنصور من المدينة إلى مكة ، فيبعث في طلبهما ، وقد لحقا بحرم الله وأمنه » .
وهذا الغلام النفس الزكية ، غير النفس الزكية الذي يقتل في مكة قبيل الظهور .
وفي تفسير العياشي « 1 / 65 » عن الإمام الباقر عليه السلام : « ويظهر السفياني ومن معه حتى لا يكون له همة إلا آل محمد صلى الله عليه وآله وشيعتهم ، فيبعث بعثاً إلى الكوفة فيصاب بأناس من شيعة
--------------------------- 270 ---------------------------
آل محمد صلى الله عليه وآله بالكوفة قتلاً وصلباً . ويبعث بعثاً إلى المدينة فيقتل بها رجلاً ويهرب المهدي والمنصور منها ، ويؤخذ آل محمد صغيرهم وكبيرهم ، لا يترك منهم أحد إلا أخذ وحبس . ويخرج الجيش في طلب الرجلين ، ويخرج المهدي منها على سنة موسى خائفاً يترقب حتى يقدم مكة » . وسيأتي ذكر النفس الزكية التي في مكة .
النفس الزكية في مكة من أصحابه الخاصين
في غيبة النعماني / 257 : « قلنا له « الإمام الصادق عليه السلام » : السفياني من المحتوم ؟ فقال : نعم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، والقائم من المحتوم ، وخسف البيداء من المحتوم ، وكفٌّ تطلع من السماء من المحتوم ، والنداء من السماء من المحتوم . فقلت : وأي شئ يكون النداء ؟ فقال : مناد ينادي باسم القائم واسم أبيه .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام : ألا أخبركم بآخر ملك بني فلان ؟ قلنا : بلى أمير المؤمنين . قال : قتل نفس حرام في بلد حرام ، عن قوم من قريش ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لهم ملك بعده غير خمسة عشر ليلة » .
وفي النعماني / 264 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من المحتوم الذي لابد أن يكون من قبل قيام القائم خروج السفياني ، وخسف بالبيداء ، وقتل النفس الزكية ، والمنادي من السماء » .
وفي النعماني / 262 : « عن محمد بن الصامت ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : ما من علامة بين يدي هذا الأمر ؟ فقال : بلى ، قلت : وما هي ؟ قال : هلاك العباسي ، وخروج السفياني ، وقتل النفس الزكية ، والخسف بالبيداء ، والصوت من السماء . فقلت : جعلت فداك أخاف أن يطول هذا الأمر ، فقال : لا ، إنما هو كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً » .
وفي كمال الدين : 2 / 649 : « عن صالح مولى بني العذراء قال : سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول : ليس بين قيام قائم آل محمد وبين قتل النفس الزكية ، إلا خمس عشرة ليلة » .
وفي غيبة الطوسي / 464 : « عن عمار بن ياسر : إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان ولها أمارات . . . وإذا رأيتم أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن أبي سفيان ، فالحقوا بمكة فعند ذلك تقتل النفس الزكية وأخوه بمكة ضيعةً ، فينادي مناد من السماء : أيها الناس إن أميركم
--------------------------- 271 ---------------------------
فلان ، وذلك هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً » .
وفي غيبة الطوسي / 464 : « عن إبراهيم الجريري قال : النفس الزكية غلام من آل محمد ، اسمه محمد بن الحسن ، يقتل بلا جرم ولا ذنب ، فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر ، ولا في الأرض ناصر . فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمد في عصبةٍ لهمُ أدقُّ في أعين الناس من الكحل ، إذا خرجوا بكى لهم الناس ، لا يرون إلا أنهم يُختطفون ، يفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربها ، ألا وهم المؤمنون حقاً . ألا إن خير الجهاد في آخر الزمان » .
كما روت شهادة النفس الزكية بعض مصادر السنيين ، كابن أبي شيبة : 8 / 679 : « عن مجاهد : قال فلان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله : إن المهدي لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية ، فإذا قتلت النفس الزكية غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض فأتى الناس المهدي فزفوه كما تزف العروس إلى زوجها ليلة عرسها ، وهو يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، وتخرج الأرض نباتها وتمطر السماء مطرها ، وتنعم أمتي في ولايته نعمة لم تنعمها قط » .
فالنفس الزكية شخص ممدوح كان حديثه معروفاً عند الصحابة ، ولذا حاول بعضهم تطبيقه على محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى ، وسموه النفس الزكية .
وروى ابن حماد : 1 / 339 : « عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : إذا قتل النفس الزكية وأخوه يقتل بمكة ضيْعَةً ، نادى مناد من السماء إن أميركم فلان ، وذلك المهدي الذي يملأ الأرض حقاً وعدلاً » .
وأورد ابن حماد : 1 / 193 ، و : 1 / 324 ، و 329 ، و 330 ، و 339 ، أحاديث في النفس الزكية الذي يقتل في المدينة ، والذي يقتل في مكة ، منها / 93 : « إن المهدي لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية ، فإذا قتلت النفس الزكية غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض ، فأتى الناس المهدي فزفوه كما تزف العروس إلى زوجها ليلة عرسها ، وهو يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، وتخرج الأرض نباتها وتمطر السماء مطرها ، وتنعم أمتي في ولايته نعمة لم تنعمها قط » .
--------------------------- 272 ---------------------------
2 - أصحاب المهدي عليه السلام الخاصون الثلاث مئة وثلاثة عشر
مقام أصحاب الإمام المهدي عليه السلام
في نهج البلاغة : 2 / 126 : « ألا بأبي وأمي ، هم من عدة أسماؤهم في السماء معروفة ، وفي الأرض مجهولة . ألا فتوقعوا ما يكون من إدبار أموركم ، وانقطاع وصلكم ، واستعمال صغاركم . ذاك حيث تكون ضربة السيف على المؤمن أهون من الدرهم من حله . ذاك حيث يكون المعطى أعظم أجراً من المعطي . ذاك حيث تسكرون من غير شراب ، بل من النعمة والنعيم ، وتحلفون من غير اضطرار ، وتكذبون من غير إحراج . ذاك إذا عضكم البلاء كما يعض القتب غارب البعير . ما أطول هذا العناء ، وأبعد هذا الرجاء » .
وفي كمال الدين : 2 / 654 : « عن عبد الله بن عجلان قال : ذكرنا خروج القائم عليه السلام عند أبي عبد الله عليه السلام فقلت له : كيف لنا أن نعلم ذلك ؟ فقال : يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب : طاعة معروفة » .
وفي كمال الدين : 2 / 673 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : كأني بأصحاب القائم وقد أحاطوا بما بين الخافقين ، فليس من شئ إلا وهو مطيع لهم حتى سباع الأرض وسباع الطير يطلب رضاهم في كل شئ ، حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول مرَّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم عليه السلام » .
وفي علل الشرائع / 89 : « عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث جاء فيه : فقال أبو بكر الحضرمي : جعلت فداك الجواب في المسألتين الأولتين ؟ فقال : يا أبا بكر : سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ، فقال : مع قائمنا أهل البيت . وأما قوله : وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ، فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقد أصحابه ، كان آمناً » .
وفي الإختصاص / 325 : « عن أبي بصير قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده رجل من أهل خراسان وهو يكلمه بلسان لا أفهمه ، ثم رجع إلى شئ فهمته ، فسمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : اركض برجلك الأرض ، فإذا بحر تلك الأرض ، على حافَّتيها فرسان قد وضعوا رقابهم على قرابيس سروجهم ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : هؤلاء أصحاب القائم عليه السلام » .
ومثله دلائل الإمامة / 245 ، وفيه : فإذا نحن بتلك الأرض . ومعناه أن الإمام الصادق عليه السلام كشف له فرأى أصحاب المهدي عليه السلام على هيأة فرسان .
--------------------------- 273 ---------------------------
لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون !
روى الحاكم في المستدرك : 4 / 554 ، وصححه على شرط الشيخين « عن محمد بن الحنفية قال : كنا عند علي رضي الله عنه فسأله رجل عن المهدي فقال علي : هيهات ثم عقد بيده سبعاً فقال : ذاك يخرج في آخر الزمان ، إذا قال الرجل الله الله قتل ، فيجمع الله تعالى له قوماً قزع كقزع السحاب ، يؤلف الله بين قلوبهم ، لايستوحشون إلى أحد ولا يفرحون بأحد يدخل فيهم ، على عدة أصحاب بدر ، لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون ، وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ! قال أبو الطفيل : قال ابن الحنفية : أتريده ؟ قلت : نعم . قال : إنه يخرج من بين هذين الخشبتين . قلت : لاجرم والله لا أريمهما حتى أموت . فمات بها يعني مكة » .
ورويناه بصيغة أوضح في بصائر الدرجات / 104 : « عن أبي جعفر عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه : اللهم لقني إخواني مرتين ، فقال من حوله من أصحابه : أمَا نحن إخوانك يا رسول الله ؟ فقال : لا ، إنكم أصحابي ، وإخواني قوم في آخر الزمان ، آمنوا بي ولم يروني ، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ، لأحدُهم أشدُّ بُقيَةً على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء ، أو كالقابض على جمر الغضا ، أولئك مصابيح الدجى ، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة » .
ونحوه ما في صحيح مسلم : 1 / 150 : « وددت أنا قد رأينا إخواننا . قالوا : أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال : أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد . فقالوا : كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله ؟ فقال : أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض . ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال . أناديهم ألا هلمَّ ، فيقال إنهم قد بدلوا بعدك ، فأقول سحقاً سحقاً » !
أقول : إن تسمية النبي صلى الله عليه وآله لهم بإخوانه مقامٌ عظيمٌ يجعلهم أفضل من كافة صحابته غير المعصومين ، بل في حديثه عنهم صلى الله عليه وآله تعريض بصحابته ، خاصة أنه ختم كلامه بالحديث عن الأباعرالضالة منهم يوم القيامة الذين يذادون عن حوضه وعن صحبته ويؤمر بهم إلى النار !
--------------------------- 274 ---------------------------
فقوله صلى الله عليه وآله : إخواني ، بضميمة : لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون ، يدل على أفضليتهم على الصحابة ، بل ورد أنهم أفضل من أصحاب جميع الأنبياء عليهم السلام .
أقول : مقتضى هذه الأحاديث الصحيحة في مصادر السنة ، والواردة أيضاً في مصادنا أن أصحاب المهدي عليه السلام أفضل من جميع أصحاب الأنبياء والأئمة عليهم السلام وحتى من أصحاب الحسين عليه السلام .
لكني لا أستطيع تقديمها على نص صحيح رواه ابن قولويه رحمه الله في كامل الزيارة / 454 ، يقول : « خرج أمير المؤمنين علي عليه السلام يسير بالناس حتى إذا كان من كربلاء على مسيرة ميل أو ميلين ، تقدم بين أيديهم حتى صار بمصارع الشهداء ، ثم قال : قبض فيها مائتا نبي ومائتا وصي ومائتا سبط كلهم شهداء بأتباعهم ، فطاف بها على بغلته خارجاً رجله من الركاب ، فأنشأ يقول : مناخ ركاب ومصارع شهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من أتى بعدهم » يقصد الحسين عليه السلام وأصحابه .
يجمعهم الله من أنحاء الأرض في ليلة واحدة
في غيبة الطوسي / 284 : « عن الإمام الصادق عليه السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : لا يزال الناس ينقصون حتى لا يقال « الله » فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه ، فيبعث الله قوماً من أطرافها ، يجيئون قزعاً كقزع الخريف . والله إني لأعرفهم وأعرف أسماءهم وقبائلهم ، واسم أميرهم ، وهم قوم يحملهم الله كيف شاء من القبيلة الرجل والرجلين ، حتى بلغ تسعة ، فيتوافون من الآفاق ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر ، وهو قول الله : أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَئٍْ قَدِيرٌ . حتى أن الرجل ليحتبي « يشد حزامه » فلا يحل حبوته حتى يبلغه الله ذلك » .
وقال في البحار : 52 / 334 : قال الزمخشري : « الضرب بالذنب هاهنا مثل للإقامة والثبات ، يعني أنه يثبت هو ومن تبعه على الدين » .
وروى العياشي : 1 / 66 : « أبي سمينة عن مولى لأبي الحسن عليه السلام : عن قوله : أيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً ؟ قال : وذلك والله أن لو قد قام قائمنا ، يجمع الله إليه شيعتنا من جميع البلدان » .
--------------------------- 275 ---------------------------
وفي كمال الدين : 2 / 672 : « عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لقد نزلت هذه الآية في المفتقدين من أصحاب القائم عليه السلام . قوله عز وجل : أيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً . إنهم ليفتقدون عن فرشهم ليلاً فيصبحون بمكة ، وبعضهم يسير في السحاب يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه . قال : قلت : جعلت فداك أيهم أعظم إيماناً ؟ قال : الذي يسير في السحاب نهاراً » .
وفي العياشي : 1 / 67 : « قال أبو عبد الله عليه السلام : إذا أوذن الإمام ، دعا الله باسمه العبراني الأكبر ، فانتحيت له أصحابه الثلاث مائة والثلاثة عشر ، قزعاً كقزع الخريف ، وهم أصحاب الولاية ، ومنهم من يفتقد من فراشه ليلاً فيصبح بمكة ، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً ، يُعرف باسمه واسم أبيه وحسبه ونسبه . قلت : جعلت فداك أيهم أعظم إيماناً ؟ قال : الذي يسير في السحاب نهاراً ، وهم المفقودون ، وفيهم نزلت هذه الآية : أيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً » .
« عن ابن عباس في قوله تعالى : وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ . فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُون ؟ قال : قيام القائم عليه السلام ومثله : أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً . قال : أصحاب القائم عليه السلام يجمعهم الله في يوم واحد » . « غيبة الطوسي / 110 » .
وفي النعماني / 316 : « عن سليمان بن هارون العجلي قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن صاحب هذا الأمر محفوظ له أصحابه ، لو ذهب الناس جميعاً أتى الله له بأصحابه ، وهم الذين قال الله عز وجل : فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ . وهم الذين قال الله فيهم : فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ » .
وفي النعماني / 315 : « عن أبي جعفر الباقر صلى الله عليه وآله قال : أصحاب القائم ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً أولاد العجم . بعضهم يحمل في السحاب نهاراً ، ويعرف باسمه واسم أبيه ، ونسبه وحليته ، وبعضهم نائم على فراشه ، فيوافيه في مكة على غير ميعاد » .
وفي كمال الدين : 2 / 377 : « عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، قال : قلت لمحمد بن علي بن موسى عليهم السلام : إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، فقال عليه السلام : يا أبا القاسم : ما منا إلا وهو قائم بأمر الله عز وجل
--------------------------- 276 ---------------------------
وهاد إلى دين الله ، ولكن القائم الذي يطهر الله عز وجل به الأرض من أهل الكفر والجحود ، ويملؤها عدلاً وقسطاً ، هو الذي تخفى على الناس ولادته ، ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته . وهو سميُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيه ، وهو الذي تطوى له الأرض ، ويذل له كل صعب ، ويجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر : ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، من أقاصي الأرض ، وذلك قول الله عز وجل : أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إنَّ الله على كُلِّ شَئٍْ قَدِير ، فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره ، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل ، خرج بإذن الله عز وجل ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عز وجل . قال عبد العظيم : فقلت له : يا سيدي وكيف يعلم أن الله عز وجل قد رضي ؟ قال : يلقي في قلبه الرحمة ، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما » .
وفي مختصر تاريخ دمشق : 1 / 114 : « عن علي عليه السلام : إذا قام قائم أهل محمد ، جمع الله له أهل المشرق وأهل المغرب ، فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف ، فأما الرفقاء فمن أهل الكوفة ، وأما الأبدال فمن أهل الشام » والصواعق / 165 ، وصححه المغربي / 572 .
ابن حماد : 1 / 390 : « عن التيمي ، عن علي رضي الله عنه قال : يُنقض الدين حتى لا يقول أحد لا إله إلا الله . وقال بعضهم : حتى لا يقال : الله الله ، ثم يضرب يعسوب الدين بذنبه ، ثم يبعث الله قوماً قزع كقزع الخريف ، إني لأعرف اسم أميرهم ومناخ ركابهم » . ومثله ابن أبي شيبة : 15 / 23 ، عن الحارس بن سويد ، عن علي عليه السلام ، وغريب الحديث للهروي : 1 / 115 ، بعضه ، وتهذيب اللغة للأزهري : 1 / 185 بعضه ، وغريب الحديث لابن الجوزي : 2 / 241 ، ولسان العرب : 8 / 271 ،
وفي غيبة الطوسي / 284 ، عن أبي عبد الله عليه السلام . . وفيه : « لا يزال الناس ينقصون حتى لا يقال الله فإذا كان ذلك ضرب . . فيبعث الله قوماً من أطرافها يجيئون قزعاً . . لأعرفهم وأعرف أسماءهم وقبائلهم واسم أميرهم ، وهم قوم يحملهم الله كيف شاء من القبيلة الرجل والرجلين حتى بلغ تسعة ، فيتوافون من الآفاق ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، عدة أهل بدر وهو قول الله : أين مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَئْ قَدِيرٌ » .
وفي شرح النهج : 19 / 104 : « وهذا الخبر من أخبار الملاحم التي كان يخبر بها عليه السلام وهو يذكر فيه المهدي الذي يوجد عند أصحابنا في آخر الزمان . . فإن قلت : فهذا يشيد مذهب الإمامية في أن المهدي خائف مستتر ينتقل في الأرض ، وأنه يظهر آخر الزمان ويثبت ويقيم في دار ملكه .
--------------------------- 277 ---------------------------
قلت : لا يبعد على مذهبنا أن يكون الإمام المهدي الذي يظهر في آخر الزمان مضطرب الأمر ، منتشر الملك في أول أمره لمصلحة يعلمها الله تعالى ، ثم بعد ذلك يثبت ملكه وتنتظم أموره » .
وهم الأمة المعدودة في القرآن
في تفسير القمي : 1 / 323 : « عن علي عليه السلام في قوله تعالى : وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ؟ قال : الأمة المعدودة أصحاب القائم الثلاث مائة والبضعة عشر » .
وفي تفسير العياشي : 2 / 57 : « عن الإمام الباقر عليه السلام قال : أصحاب القائم عليه السلام الثلاث مائة والبضعة عشر رجلاً ، هم والله الأمة المعدودة ، التي قال الله في كتابه : وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ ، قال : يجمعون له في ساعة واحدة قَزعاً كقزع الخريف » .
وفي تفسير القمي : 2 / 205 : « عن الإمام الباقر عليه السلام قال في تفسيرها : وهم والله أصحاب القائم يجتمعون والله إليه في ساعة واحدة ، فإذا جاء إلى البيداء يخرج إليه جيش السفياني فيأمر الله الأرض فتأخذ أقدامهم ، وهو قوله : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيب : يعني بالقائم من آل محمد عليهم السلام . وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ . . إلى قوله : وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ : يعني أن لا يُعذبوا . كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ : يعني من كان قبلهم من المكذبين هلكوا من قبل ، إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ » .
وفي النعماني / 241 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : العذاب خروج القائم عليه السلام ، والأمة المعدودة عدة أهل بدر .
وهم الموعودون بالاستخلاف والتمكين في الأرض
الكافي : 1 / 193 : « عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله جل جلاله : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ؟ قال : هم الأئمة عليهم السلام » .
ومثله تأويل الآيات : 1 / 368 ، وفيه : « نزلت في علي بن أبي طالب والأئمة من ولده ، وعنى به ظهور القائم عليه السلام » .
--------------------------- 278 ---------------------------
وفي كفاية الأثر / 56 : « عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : دخل جندب بن جنادة اليهودي من خيبر ، على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد أخبرني عما ليس لله ، وعما ليس عند الله ، وعما لا يعلمه الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أما ما ليس لله فليس لله شريك . وأما ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد . وأما ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود إنه عزير ابن الله ، والله لا يعلم له ولداً .
فقال جندب : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله حقاً . ثم قال : يا رسول الله إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران عليه السلام فقال لي : يا جندب أسلم على يد محمد واستمسك بالأوصياء من بعده ، فقد أسلمت فرزقني الله ذلك ، فأخبرني بالأوصياء بعدك لأتمسك بهم . فقال : يا جندب أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل . فقال : يا رسول الله إنهم كانوا اثني عشر ، هكذا وجدنا في التوراة ، قال : نعم ، الأئمة بعدي اثنا عشر . فقال : يا رسول الله كلهم في زمن واحد ؟ قال : لا ولكنهم خلف بعد خلف ، فإنك لا تدرك منهم إلا ثلاثة ، قال : فسمهم لي يا رسول الله ، قال : نعم إنك تدرك سيد الأوصياء ووارث الأنبياء وأبا الأئمة علي بن أبي طالب بعدي ، ثم ابنه الحسن ، ثم الحسين ، فاستمسك بهم من بعدي ، ولا يغرنك جهل الجاهلين . فإذا كانت وقت ولادة ابنه علي بن الحسين سيد العابدين يقضي الله عليك ، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه .
فقال : يا رسول الله هكذا وجدت في التوراة البانقطة : شبراً وشبيراً ، فلم أعرف أساميهم ، فكم بعد الحسين من الأوصياء وما أساميهم ؟ فقال : تسعة من صلب الحسين والمهدي منهم ، فإذا انقضت مدة الحسين قام بالأمر بعده ابنه علي ويلقب بزين العابدين ، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه يدعى بالباقر ، فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده ابنه جعفر يدعى بالصادق ، فإذا انقضت مدة جعفر قام بالأمر بعده ابنه موسى يدعى بالكاظم ، ثم إذا انتهت مدة موسى قام بالأمر بعده ابنه علي يدعى بالرضا ، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه يدعى بالزكي ، فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده علي ابنه يدعى بالنقي ، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده الحسن ابنه يدعى بالأمين . ثم يغيب عنهم إمامهم . قال : يا رسول الله هو الحسن يغيب عنهم ، قال : لا ولكن ابنه الحجة . قال : يا رسول الله فما اسمه ؟ قال : لا يسمى حتى يظهره الله .
--------------------------- 279 ---------------------------
قال جندب : يا رسول الله قد وجدنا ذكرهم في التوراة ، وقد بشرنا موسى بن عمران بك وبالأوصياء بعدك من ذريتك . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ، فقال جندب : يا رسول الله فما خوفهم ؟ قال : يا جندب في زمن كل واحد منهم سلطان يعتريه ويؤذيه ، فإذا عجل الله خروج قائمنا يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً . ثم قال عليه السلام : طوبى للصابرين في غيبته ، طوبى للمتقين على محجتهم ، أولئك وصفهم الله في كتابه وقال : الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ، وقال : أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُون » .
وهم الصالحون الموعودون بوراثة الأرض
في تأويل الآيات : 1 / 332 : « عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى : وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ . قال : الكتب كلها ذكر وأَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ : قال : القائم عليه السلام وأصحابه » .
وفي تفسير القمي : 2 / 126 : « في قوله : وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ . قال : أعطى داود وسليمان ما لم يُعط أحداً من أنبياء الله من الآيات ، علمهما منطق الطير ، وألانَ لهما الحديد والصِّفر من غير نار ، وجعل الجبال يسبِّحن مع داود وأنزل الله عليه الزبور فيه توحيد وتمجيد ودعاء ، وأخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وأميرالمؤمنين عليه السلام والأئمة من ذريتهما عليهم السلام ، وأخبار الرجعة والقائم عليه السلام لقوله : وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ » .
وهم المبشر بهم في الآية : فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ . .
العياشي : 1 / 326 : « عن سليمان بن هارون أنه قال للإمام الباقر عليه السلام : إن بعض هذه العجلية يزعمون أن سيف رسول الله صلى الله عليه وآله عند عبد الله بن الحسن ، فقال : والله ما رآه هو ولا أبوه بواحدة من عينيه ، إلا أن يكون رآه أبوه عند الحسين عليه السلام ، وإن صاحب هذا الأمر محفوظ له
--------------------------- 280 ---------------------------
فلا تذهبن يميناً ولا شمالاً ، فإن الأمر والله واضح . والله لو أن أهل السماء والأرض اجتمعوا على أن يحولوا هذا الأمر من موضعه الذي وضعه الله فيه ما استطاعوا ، ولو أن الناس كفروا جميعاً حتى لا يبقى أحد ، لجاء الله لهذا الأمر بأهل يكونون من أهله . ثم قال : أما تسمع الله يقول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . حتى فرغ من الآية . وقال في آية أخرى : فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ . ثم قال : إن أهل هذه الآية هم أهل تلك الآية » . ونحوه الكافي : 1 / 232
وفي تفسير القمي : 1 / 170 : « قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ : قال : هو مخاطبة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذين غصبوا آل محمد حقهم ، وارتدوا عن دين الله . فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه : نزلت في القائم عليه السلام وأصحابه ، يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ » .
وهم الركن الشديد للإمام المهدي عليه السلام
في العياشي : 2 / 156 : « عن الإمام الصادق عليه السلام في قول الله : قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ : قال : قوة القائم والركن الشديد : الثلاث مئة وثلاثة عشر أصحابه » .
وفي كمال الدين / 673 : « قال أبو عبد الله عليه السلام : ما كان قول لوط عليه السلام لقومه : لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ، إلا تمنياً لقوة القائم عليه السلام ولا ذكر إلا شدة أصحابه ، وإن الرجل منهم ليعطى قوة أربعين رجلاً ، وإن قلبه لأشد من زبر الحديد ، ولو مروا بجبال الحديد لقلعوها ، ولا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله عز وجل » .
وهم المظلومون المأذون لهم بالقتال
في النعماني / 241 : « عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ : قال : هي في القائم عليه السلام وأصحابه » .
--------------------------- 281 ---------------------------
وهم وإمامهم عليه السلام وعد الآخرة لليهود
تفسير القمي : 2 / 14 : « إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ : يعني القائم صلوات الله عليه وأصحابه » .
وفي الكافي : 8 / 255 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قول الله عز وجل : وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً : قال : نزلت في الحسين عليه السلام ، لو قتل وليه أهل الأرض به ما كان سرفاً » .
وهم المنتصرون في الآية . .
في تفسير فرات / 150 : « عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ : قال : القائم وأصحابه ، قال الله : فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ : القائم إذا قام انتصر من بني أمية والمكذبين والنصاب ، وهو قوله : إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ » .
وهم المتوسمون في الآية
في المناقب : 4 / 284 ، عن علي عليه السلام في قوله تعالى : « إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ . وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ . قال : فكان رسول الله المتوسم والأئمة من ذريتي المتوسمون إلى يوم القيامة . وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ : فذلك السبيل المقيم هو الوصي بعد النبي صلى الله عليه وآله » .
وفي الإرشاد / 365 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا قام قائم آل محمد صلى الله عليه وآله حكم بين الناس بحكم داود عليه السلام لا يحتاج إلى بينة ، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه ويخبر كل قوم بما استبطنوه ، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم ، قال الله سبحانه : إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ، وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ .
وفي كمال الدين / 671 : « إذا قام القائم لم يقم بين يديه أحد من خلق الرحمن إلاعرفه صالح هو أم طالح ، لأن فيه آية لِلمتوَسِّمينَ وهي بسبيلٍ مُقيم » .
وفي منتخب الأنوار / 195 : « عن الإمام الباقر عليه السلام : كأني أنظر إلى القائم عليه السلام وأصحابه في نجف الكوفة كأن على رؤوسهم الطير ، فنيت أزوادهم وخلقت ثيابهم متنكبين قِسِيَّهم ، قد
--------------------------- 282 ---------------------------
أثر السجود بجباههم ، ليوثٌ بالنهار ورهبان بالليل ، كأن قلوبهم زبر الحديد ، يعطى الرجل منهم قوة أربعين رجلاً ، ويعطيهم صاحبهم التوسم ، لا يقتل أحد منهم إلا كافراً أو منافقاً ، فقد وصفهم الله بالتوسم في كتابه : إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » .
وفي بصائر الدرجات / 356 : « عن معاوية الدهني ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَام ، فقال : يا معاوية ما يقولون في هذا ؟ قال : قلت : يزعمون أن الله تبارك وتعالى يعرف المجرمين بسيماهم يوم القيامة ، فيأمر بهم فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم ويلقون في النار . قال : فقال لي : وكيف يحتاج الجبار تبارك وتعالى إلى معرفة خلق أنشأهم وهو خلقهم ؟ قال : فقلت : فما ذاك جعلت فداك ؟ قال : ذلك لو قد قام قائمنا أعطاه الله السيما ، فيأمر بالكافر فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم ، ثم يُخبط بالسيف خبطاً » .
ومنهم أبدال الشام ونجباء مصر والعراق
في أمالي المفيد / 30 : « عن محمد بن سويد الأشعري قال : دخلت أنا وفطر بن خليفة على جعفر بن محمد عليه السلام فقرب إلينا تمراً فأكلنا ، وجعل يناول فطراً منه ، ثم قال له : كيف الحديث الذي حدثتني عن أبي الطفيل في الأبدال ؟ فقال فطر : سمعت أبا الطفيل يقول : سمعت علياً أمير المؤمنين عليه السلام يقول : الأبدال من أهل الشام والنجباء من أهل الكوفة يجمعهم الله لشر يوم لعدونا . فقال جعفر الصادق : رحمكم الله بنا يبدأ البلاء ثم بكم ، وبنا يبدأ الرخاء ثم بكم ، رحم الله من حببنا إلى الناس ولم يكرهنا إليهم » .
وفي غيبة الطوسي / 284 : « قال أبو جعفر عليه السلام : يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاث مائة ونيف عدة أهل بدر . فيهم النجباء من أهل مصر ، والأبدال من أهل الشام ، والأخيار من أهل العراق ، فيقيم ما شاء الله أن يقيم » .
وفي الفائق : 1 / 87 ، وتهذيب ابن عساكر : 1 / 62 : « عن علي : قبة الإسلام بالكوفة ، والهجرة بالمدينة ، والنجباء بمصر ، والأبدال بالشام وهم قليل » .
وفي تهذيب ابن عساكر : 1 / 63 : « الأبدال من الشام ، والنجباء من أهل مصر ، والأخيار من أهل العراق . وعن أبي الطفيل قال : خطبنا علي رضي الله عنه فذكر الخوارج ، فقام رجل
--------------------------- 283 ---------------------------
فلعن أهل الشام ، فقال له : ويحك لا تعم ، إن كنت لاعناً ففلاناً وأشياعه ، فإن منهم الأبدال ومنهم النجباء » .
أصحاب الإمام المهدي عليه السلام فيهم خمسون امرأة
توجد روايتان في أن من أصحاب الإمام عليه السلام نساء ، أولاهما في دلائل الإمامة / 259 : « عن مفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : يكون مع القائم ثلاث عشرة امرأة ، قلت : وما يصنع بهن ؟ قال : يداوين الجرحى ويقمن على المرضى ، كما كنَّ مع رسول الله صلى الله عليه وآله . قلت : فسمهن لي قال : القنواء بنت رُشَيْد ، وأم أيمن ، وحبابة الوالبية ، وسمية أم عمار بن ياسر ، وزبيدة ، وأم خالد الأحمسية ، وأم سعيد الحنفية ، وصبانة الماشطة ، وأم خالد الجهنية » .
فالرواية تتحدث عن نساء يُحْيَيْنَ من قبورهن ، وسمَّت بعضهن ، ومهنتهن التمريض ، ولم تذكر أنهن من وزرائه .
لكن رواية تفسير العياشي رحمه الله : 1 / 65 ، عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام نصت على أنهن خمسين امرأة ، وهي رواية طويلة ، وهذا نصها الكامل :
« يا جابر : الزم الأرض ولا تحركن يدك ولا رجلك أبداً ، حتى ترى علامات أذكرها لك في سنة ، وترى منادياً ينادي بدمشق ، وخسفاً بقرية من قراها ، ويسقط طائفة من مسجدها ، فإذا رأيت الترك جازوها ، فأقبلت الترك حتى نزلت الجزيرة ، وأقبلت الروم حتى نزلت الرملة ، وهي سنة اختلاف في كل أرض من أرض العرب . وإن أهل الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات : الأصهب والأبقع والسفياني . مع بني ذنب الحمار مضر ، ومع السفياني أخواله من كلب ، فيظهر السفياني ومن معه على بني ذنب الحمار ، حتى يُقتلوا قتلاً لم يقتله شئ قط ، ويحضر رجل بدمشق فيُقتل هو ومن معه قتلاً لم يقتله شئ قط ، وهو من بني ذنب الحمار . وهي الآية التي يقول الله : فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ . ويظهر السفياني ومن معه حتى لا يكون له همة إلا آل محمد صلى الله عليه وآله وشيعتهم ، فيبعث بعثاً إلى الكوفة فيصاب أناس من شيعة آل محمد بالكوفة قتلاً وصلباً ، وتقبل راية من خراسان حتى تنزل ساحل دجلة ، ويخرج رجل من الموالي ضعيف ومن تبعه فيصاب
--------------------------- 284 ---------------------------
بظهر الكوفة . ويبعث بعثاً إلى المدينة فيقتل بها رجلاً ، ويهرب المهدي والمنصور منها ، ويؤخذ آل محمد صغيرهم وكبيرهم لا يترك منهم أحد إلا حبس . ويخرج الجيش في طلب الرجلين . ويخرج المهدي منها على سنة موسى ، خائفاً يترقب حتى يقدم مكة . ويقبل الجيش حتى إذا نزلوا البيداء وهو جيش الهملات خسف بهم فلا يفلت منهم إلا مخبر !
فيقوم القائم بين الركن والمقام فيصلي وينصرف ومعه وزيره ، فيقول : يا أيها الناس إنا نستنصر الله على من ظلمنا وسلب حقنا . من يحاجنا في الله فأنا أولى بالله . ومن يحاجنا في آدم فأنا أولى الناس بآدم . ومن حاجنا في نوح فأنا أولى الناس بنوح . ومن حاجنا في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم . ومن حاجنا بمحمد فأنا أولى الناس بمحمد صلى الله عليه وآله . ومن حاجنا في النبيين فنحن أولى الناس بالنبيين . ومن حاجنا في كتاب الله فنحن أولى الناس بكتاب الله . إنا نشهد وكل مسلم اليوم أنا قد ظُلمنا وطُردنا وبُغِيَ علينا ، وأُخرجنا من ديارنا وأموالنا وأهالينا وقُهرنا . ألا إنا نستنصر الله اليوم وكل مسلم . ويجئ والله ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة ، يجتمعون بمكة على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف يتبع بعضهم بعضاً ، وهي الآية التي قال الله : أيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَئ قَدِيرٌ . فيقول رجل من آل محمد صلى الله عليه وآله : أخرج منها فهي القرية الظالمة أهلها . ثم يخرج من مكة هو ومن معه الثلاث مائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام .
ومعه عهد نبي الله ورايته وسلاحه ووزيره معه ، فينادي المنادي بمكة باسمه وأمره من السماء ، حتى يسمعه أهل الأرض كلهم . اسمه اسم نبي . ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله صلى الله عليه وآله ورايته وسلاحه ، والنفس الزكية من ولد الحسين . فإن أشكل عليكم هذا فلا يشكل عليكم الصوت من السماء باسمه وأمره . وإياك وشذاذاً من آل محمد صلى الله عليه وآله فإن لآل محمد وعلي عليها السلام راية ولغيرهم رايات ، فالزم الأرض ولا تتبع منهم رجلاً أبداً ، حتى ترى رجلاً من ولد الحسين عليه السلام ، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه ، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين ، ثم صار عند محمد بن علي ، ويفعل الله ما يشاء ، فالزم هؤلاء أبداً وإياك ومن ذكرت لك .
فإذا خرج رجل منهم معه ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله عامداً
--------------------------- 285 ---------------------------
إلى المدينة حتى يمر بالبيداء ، حتى يقول هذا مكان القوم الذين يخسف بهم ، وهي الآية التي قال الله : أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأرض أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لايَشْعُرُونَ . أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ . فإذا قدم المدينة أخرج محمد بن الشجري على سنة يوسف .
ثم يأتي الكوفة فيطيل بها المكث ما شاء الله أن يمكث ، حتى يظهر عليها . ثم يسير حتى يأتي العذراء هو ومن معه وقد لحق به ناسٌ كثير والسفياني يومئذ بوادي الرملة حتى إذا التقوا وهو يوم الأبدال ، يخرج أناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله ، ويخرج ناس كانوا مع آل محمد صلى الله عليه وآله إلى السفياني فهم من شيعته حتى يلحقوا بهم ، ويخرج كل ناس إلى رايتهم وهو يوم الأبدال . قال أمير المؤمنين عليه السلام : ويقتل يومئذ السفياني ومن معه ، حتى لا يُترك منهم مخبر ، والخايب يومئذ من خاب من غنيمة كلب .
ثم يقبل إلى الكوفة فيكون منزله بها ، فلا يترك عبداً مسلماً إلا اشتراه وأعتقه ، ولا غارماً إلا قضى دينه ، ولا مظلمة لأحد من الناس إلا ردها ، ولا يقتل منهم عبداً إلا أدى ثمنه دية مسلمة إلى أهلها ، ولا يقتل قتيل إلا قضى عنه دينه وألحق عياله في العطاء ، حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً .
ويسكن هو وأهل بيته الرحبة ، والرحبة إنما كانت مسكن نوح ، وهي أرض طيبة ولا يسكن رجل من آل محمد عليهم السلام ولا يقتل ، إلا بأرض طيبة زاكية ، فهم الأوصياء الطيبون » . وفي هذه الرواية الشريفة تفصيلات مهمة عن الاختلاف في بلاد العرب ، وعن الصراع على السلطة في دمشق بين الأصهب والأبقع والسفياني ، ثم عن سيطرة السفياني على سوريا ، ثم إرساله قوات إلى العراق والحجاز ، وظهور الإمام عليه السلام وحركته من مكة إلى العراق ، ثم معركته في دمشق .
وفيها نص على وجود خمسين امرأة في مجموع وزراء الإمام المهدي عليه السلام . وقد ذكرت أن أنصار السفياني من بني ذنب الحمار مضر ، وهو كناية عن قبائل قريش وحلفائهم من قبائل مضر ، المنحرفين عن أهل البيت عليهم السلام .
والإشكال على الرواية بإرسالها في العياشي ، يجبره أنها مسندة بطرق فيها الصحيح ، في غيبة
--------------------------- 286 ---------------------------
النعماني / 297 وغيرها . وقد يشكل بأنها ليس فيها خمسون امرأة » وجوابه : أنه صح بتعويض السند ، وبالإطمئنان بالصدور .
وقد روى رواية جابر رحمه الله : العياشي ، قسماً منها : 1 / 244 ، وقسماً آخر : 2 / 261 ، والنعماني / 279 ، بعدة أسانيده ، والاختصاص / 255 ، والإرشاد / 359 ، أولها كالنعماني بتفاوت ، وغيبة الطوسي / 269 ، وإعلام الورى / 427 ، والخرائج : 3 / 1156 ، ومنتخب الأنوار / 33 ، وإثبات الهداة : 3 / 548 ، وعقد الدرر / 49 ، والبحار : 51 / 56 ، و : 52 / 212 .
وهنا سؤال : هل تجوز أن تكون المرأة حاكماً ؟ والجواب : أن عامة فقهاء المذاهب يفتون بأنها لا تتولى القضاء والولاية ، ويستدلون له بنصوص ، ويعللونه بسرعة تأثر المرأة واحتياج منصب القضاء والوزارة إلى قدرة أكبر .
لكن هذه الفتاوى لا يصح أن نلزم بها الإمام المهديّ من ربه عجل الله تعالى فرجه الشريف . فهو أعلم بحكم الله تعالى . ومعناه أن المرأة يمكن أن تكون من الأصحاب الخاصين للإمام عليه السلام ، وحاكمة لخمسين إقليماً في العالم ! وهو أمر لم تصل اليه المرأة في تاريخ المجتمعات وأنظمة الحكم ! لكن الإمام يرفع ظلامتها ويحقق لها إنسانيتها .
كما أشكل بعضهم بأن الرواية قالت : فيهم خمسون امرأة ، ولم تقل : منهم ، وأيد ذلك بأن عدة روايات نصت على أنهم ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً . فتكون النساء الخمسون معهم ، ولسن منهم .
وجوابه أنه لو صح هذه الإشكال تبقى الخمسون امرأة في أصحابه عليه السلام سواء كن منهم أو فيهم أو معهم ، غايته أنهن درجة ثانية دونهم ويبقى مقامهن رفيعاً .
يتجمعون في المسجد الحرام
في غيبة النعماني / 313 و 314 : « عن أبان بن تغلب قال : كنت مع جعفر بن محمد عليه السلام في مسجد بمكة وهو آخذ بيدي ، فقال : يا أبان سيأتي الله بثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً في مسجدكم هذا ، يعلم أهل مكة أنه لم يخلق آباؤهم ولا أجدادهم بعد ، عليهم السيوف مكتوب على كل سيف اسم الرجل واسم أبيه وحليته ونسبه ، ثم يأمر منادياً فينادي : هذا المهدي يقضي بقضاء داود وسليمان ، لا يسأل على ذلك بينة » .
وفي النعماني / 316 : « عن علي بن أبي حمزة قال : قال أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام :
--------------------------- 287 ---------------------------
بينا شباب الشيعة على ظهور سطوحهم نيام إذ توافوا إلى صاحبهم في ليلة واحدة على غير ميعاد ، فيصبحون بمكة » .
وفي النعماني / 244 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا قام القائم نزلت سيوف القتال ، على كل سيف اسم الرجل واسم أبيه » . وفي البصائر / 311 : « عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : سيأتي من مسجدكم هذا يعني مكة ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، يعلم أهل مكة أنه لم يلدهم آباءهم ولا أجدادهم ، عليهم السيوف مكتوب على كل سيف كلمة تفتح ألف كلمة تبعث الريح فتنادي بكل واد : هذا المهدي هذا المهدي ، يقضي بقضاء آل داود ولا يسأل عليه بينة » .
أقول : قد يكون نزول السيوف كرامة رمزية لأصحاب المهدي عليه السلام بمعنى القوة والإذن من الله تعالى لهم بالقتال ، وقد تكون آلات حقيقية تقوم مقام السلاح .
يبايعون المهدي عليه السلام بين الركن والمقام
العياشي : 2 / 56 : « عن عبد الأعلى الحلبي قال : قال أبو جعفر عليه السلام : يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب ، ثم أومأ بيده إلى ناحية ذي طوى ، حتى إذا كان قبل خروجه بليلتين ، انتهى المولى الذي يكون بين يديه حتى يلقى بعض أصحابه فيقول : كم أنتم هاهنا ؟ فيقولون : نحو من أربعين رجلاً ، فيقول : كيف أنتم لو قد رأيتم صاحبكم ؟ فيقولون : والله لو يأوي بنا الجبال لأويناها معه ، ثم يأتيهم من القابلة فيقول لهم : أشيروا إلى ذوي أسنانكم وأخياركم عشرة ، فيشيرون له إليهم ، فينطلق بهم حتى يأتوا صاحبهم ، ويعدهم إلى الليلة التي تليها .
ثم قال أبو جعفر عليه السلام : والله لكأني أنظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر ، ثم ينشد الله حقه ، ثم يقول : يا أيها الناس : من يحاجني في الله فأنا أولى الناس بالله ، ومن يحاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم .
يا أيها الناس : من يحاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح ، يا أيها الناس : من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم . يا أيها الناس من يحاجني في موسى فأنا أولى الناس
--------------------------- 288 ---------------------------
بموسى . يا أيها الناس : من يحاجني في عيسى فأنا أولى الناس بعيسى .
يا أيها الناس : من يحاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد صلى الله عليه وآله . يا أيها الناس من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله . ثم ينتهي إلى المقام فيصلي ركعتين ، ثم ينشد الله حقه .
قال أبو جعفر عليه السلام : هو والله المضطر في كتاب الله ، وهو قول الله : أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرض . وجبرئيل على الميزاب في صورة طاير أبيض ، فيكون أول خلق الله يبايعه جبرئيل ، ويبايعه الثلاث مائة والبضعة عشر رجلاً . قال : قال أبو جعفر عليه السلام : فمن ابتلي في المسير وافاه في تلك الساعة ، ومن لم يبتل بالمسير فُقد عن فراشه . ثم قال : هو والله قول علي بن أبي طالب عليه السلام : المفقودون عن فرشهم ، وهو قول الله : فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً : أصحاب القائم الثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً . قال : هم والله الأمة المعدودة التي قال الله في كتابه : وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ ، قال : يجمعون في ساعة واحدة قزعاً كقزع الخريف ، فيصبح بمكة فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله فيجيبه نفر . ثم يسير ويستعمل على مكة فيبلغه أن قد قتل عامله ، فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة لا يزيد على ذلك شيئاً يعني السبي .
ثم ينطلق فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه عليه وآله السلام ، والولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام والبراءة من عدوه ولا يسمي أحداً ، حتى ينتهي إلى البيداء ، فيخرج إليه جيش السفياني فيأمر الله الأرض فيأخذهم من تحت أقدامهم ، وهو قول الله : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ . وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ : يعني بقائم آل محمد . وَقَدْ كَفَرُوا بِه : يعني بقائم آل محمد . إلى آخر السورة ، ولا يبقى منهم إلا رجلان يقال لهما وتر ووتير من مراد ، وجوههما في أقفيتهما يمشيان القهقرى ، يخبران الناس بما فعل بأصحابهما ، ثم يدخل المدينة فتغيب عنه عند ذلك قريش ، وهو قول علي بن أبي طالب عليه السلام : والله لودَّت قريش أني عندها موقفاً واحداً جزر جزور ، بكل ما ملكت وكل ما طلعت عليه الشمس أو غربت ! ثم يُحدث حدثاً ، فإذا هو فعل ذلك قالت قريش : أخرجوا بنا إلى هذه الطاغية ، فوالله أن لو كان محمدياً ما فعل ، ولو كان علوياً ما فعل ، ولو كان فاطمياً ما فعل ! فيمنحه الله أكتافهم فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية ! ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة « خارج المدينة باتجاه العراق » فيبلغه أنهم
--------------------------- 289 ---------------------------
قد قتلوا عامله ، فيرجع إليهم فيقتلهم مقتلة ليس قتل الحرة إليها بشئ .
ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه والولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام والبراءة من عدوه ، حتى إذا بلغ إلى الثعلبية « بين الحجاز والعراق » قام إليه رجل من صلب أبيه ، وهو من أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ما خلا صاحب هذا الأمر ، فيقول : يا هذا ما تصنع ؟ فوالله إنك لتجفل الناس إجفال النعم ! أفبعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله أم بماذا ؟ فيقول المولى الذي ولي البيعة : والله لتسكتن أو لأضربن الذي فيه عيناك ، فيقول له القائم عليه السلام : أسكت يا فلان ، إي والله إن معي عهداً من رسول الله هات لي يا فلان العيبة أو الطيبة أو الزنفليجة « المحفظة » فيأتيه بها فيُقرؤه العهد من رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول : جعلني الله فداك أعطني رأسك أقبله فيعطيه رأسه فيقبله بين عينيه ، ثم يقول : جعلني الله فداك جدد لنا بيعة ، فيجدد لهم بيعة .
قال أبو جعفر عليه السلام : لكأني أنظر إليهم مصعدين من نجف الكوفة ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً ، كأن قلوبهم زبر الحديد ، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، يسير الرعب أمامه شهراً وخلفه شهراً ، أمدَّه الله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ، حتى إذا صعد النجف ، قال لأصحابه : تعبدوا ليلتكم هذه فيبيتون بين راكع وساجد يتضرعون إلى الله ، حتى إذا أصبح ، قال : خذوا بنا طريق النخيلة وعلى الكوفة جند مجند . قلت : جند مجند ؟ قال : إي والله حتى ينتهي إلى مسجد إبراهيم عليه السلام بالنخيلة ، فيصلي فيه ركعتين ، فيخرج إليه من كان بالكوفة من مرجئها وغيرهم من جيش السفياني ، فيقول لأصحابه : استطردوا لهم ثم يقول : كروا عليهم . قال أبو جعفر عليه السلام : ولا يجوز والله الخندق منهم مخبر . ثم يدخل الكوفة فلا يبقى مؤمن إلا كان فيها أو حن إليها ، وهو قول أمير المؤمنين عليه السلام .
ثم يقول لأصحابه سيروا إلى هذه الطاغية ، فيدعوه إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله فيعطيه السفياني من البيعة سلماً ، فتقول له كلب وهم أخواله : يا هذا ما صنعت ؟ والله ما نبايعك على هذا أبداً ، فيقول : ما أصنع ؟ فيقولون : إسْتَقِلْهُ فيستقيله ، ثم يقول له القائم عليه السلام : خذ حذرك فإنني أديت إليك وأنا مقاتلك . فيصبح فيقاتلهم فيمنحه الله أكتافهم ، ويأخذ السفياني أسيراً فينطلق به ويذبحه بيده .
ثم يرسل جريدة خيل إلى الروم فيستحضرون بقية بني أمية ، فإذا انتهوا إلى الروم قالوا :
--------------------------- 290 ---------------------------
أخرجوا إلينا أهل ملتنا عندكم ، فيأبون ويقولون والله لا نفعل ، فتقول الجريدة : والله لو أمرنا لقاتلناكم . ثم ينطلقون إلى صاحبهم فيعرضون ذلك عليه فيقول : إنطلقوا فأخرجوا إليهم أصحابهم ، فإن هؤلاء قد أتوا بسلطان عظيم ، وهو قول الله : فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ . لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ : قال : يعني الكنوز التي كنتم تكنزون . قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ . فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ . لا يبقى منهم مخبر .
ثم يرجع إلى الكوفة فيبعث الثلاث مائة والبضعة عشر رجلاً إلى الآفاق كلها ، فيمسح بين أكتافهم وعلى صدورهم ، فلا يتعايون في قضاء ، ولا تبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً رسول الله ، وهو قوله : وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ . ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو قول الله : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاتَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لله .
قال أبو جعفر عليه السلام : يقاتلون والله حتى يُوحد الله ولايُشرك به شيئاً ، وحتى تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب ولاينهاها أحد ، ويُخرج الله من الأرض بذرها ويُنزل من السماء قطرها ، ويخرج الناس خراجهم على رقابهم إلى المهدي عليه السلام ويوسع الله على شيعتنا . ولولا ما يدركهم من السعادة لبغوا .
فبينا صاحب هذا الأمر قد حكم ببعض الأحكام وتكلم ببعض السنن ، إذ خرجت خارجة من المسجد يريدون الخروج عليه ، فيقول لأصحابه : انطلقوا تلحقوا بهم في التمارين ، فيأتونه بهم أسرى فيأمر بهم فيذبحون . وهي آخر خارجة تخرج على قائم آل محمد صلى الله عليه وآله » .
الحج الأكبر : دعوة المهدي عليه السلام العالم إلى إمامته
في تفسير العياشي : 2 / 76 : « عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله : وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ؟ قال : خروج القائم وأذان دعوته إلى نفسه » .
وفي تأويل الآيات : 2 / 478 : « عن أبي خالد الكابلي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : يخرج القائم فيسير حتى يمر بمَرّ فيبلغه أن عامله قد قتل فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة ، ولا يزيد على ذلك
--------------------------- 291 ---------------------------
شيئاً ، ثم ينطلق فيدعو الناس حتى ينتهى إلى البيداء ، فيخرج جيشان للسفياني ، فيأمر الله عز وجل الأرض أن تأخذ بأقدامهم ، وهو قوله عز وجل : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ، وَقَدْ كَفَرُوا بِه مِنْ قَبْلُِ : يعني بقيام القائم . وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ . وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ » .
يبعث الإمام عليه السلام أصحابه حكاماً على العالم
في دلائل الإمامة / 249 : « عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : إذا قام قائمنا بعث في أقاليم الأرض . . فيقول : عهدك في كفك واعمل بما ترى » .
وفي النعماني / 319 : « عن الإمام الصادق عليه السلام : إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً يقول : عهدك في كفك فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه ، فانظر إلى كفك واعمل بما فيها . قال : ويبعث جنداً إلى القسطنطينية ، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء ، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء ، قالوا : هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو ؟ فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة فيدخلونها ، فيحكمون فيها ما يشاؤون » .
أقول : إذا صح هذا الحديث ، فلا بد أن يكون المقصود بالقسطنطينية عاصمة رومية ، وأن يكون ذلك بعد نزول عيسى عليه السلام .
3 - أصحابه الذين يتحرك بهم من مكة
عدتهم عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألفاً
في كمال الدين : 2 / 654 : « سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبد الله عليه السلام : كم يخرج مع القائم عليه السلام فإنهم يقولون إنه يخرج معه مثل عدة أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ؟ قال : وما يخرج إلا في أولي قوة ، وما تكون أولوا القوة أقل من عشرة آلاف » .
وفي تفسير العياشي : 1 / 134 : « عن حماد بن عثمان قال أبو عبد الله عليه السلام : لا يخرج القائم
--------------------------- 292 ---------------------------
في أقل من الفئة ، ولا تكون الفئة أقل من عشرة آلاف » .
وفي الخصال / 424 : « عن العوام بن الزبير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يقبل القائم عليه السلام في خمسة وأربعين من تسعة أحياء : من حيٍّ رجل ، ومن حيٍّ رجلان ، ومن حي ثلاثة ومن حي أربعة ، ومن حي خمسة ، ومن حي ستة ، ومن حي سبعة ، ومن حي ثمانية ومن حي تسعة ، ولا يزال كذلك حتى يجتمع له العدد » .
وفي الكافي : 5 / 352 : « عن أبي الربيع الشامي قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : لاتشترِ من السودان أحداً ، فإن كان لابد فمن النُّوبة فإنهم من الذين قال الله عز وجل : وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ . أما إنهم سيذكرون ذلك الحظ ، وسيخرج مع القائم عليه السلام منا عصابة منهم » .
أقول : قد يكون نهي الإمام عليه السلام عن شراء العبيد السود لمصلحة تحريرهم . والنوبة منطقة قرب السودان تمتد على نهر النيل .
حركة الإمام عليه السلام إلى العراق
في بصائر الدرجات / 188 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أبو جعفر عليه السلام : إذا قام القائم بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة ، نادى مناديه ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً ، ويحمل حجر موسى بن عمران ، وهو وقر بعير ، ولا ينزل منزلاً إلا انبعث عين منه ، فمن كان جائعاً شبع ومن كان ظمآن روي ، فهو زادهم حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة » .
ورواه في الخرائج : 2 / 690 ، وفيه : « ويحمل معه حجر موسى بن عمران التي انبجست منه اثنتا عشرة عيناً ، فلا ينزل منزلاً إلا نصبه فانبعثت منه العيون ، انبعث منه الماء واللبن دائماً ، فمن كان جائعاً شبع ومن كان عطشان روي » .
أقول : يظهر أن الإمام عليه السلام يرسل قائداً من أصحابه مع قواته المتوجهة إلى العراق ، أما هو فيكون عنده برنامج آخر ، ويدخل العراق جوّاً بسبع قباب مضيئة لا يعرف في أيها هو ! فعن الإمام الباقر عليه السلام عن جابر في تفسير قوله تعالى : يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرض فَانْفُذُوا لاتَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ ، وقوله تعالى : هَلْ يَنْظُرُونَ
--------------------------- 293 ---------------------------
إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأمر وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ، قال : ينزل القائم يوم الرجفة بسبع قباب من نور لا يعلم في أيها هو ، حتى ينزل ظهر الكوفة . وفي رواية : إنه نازل في قباب من نور حين ينزل بظهر الكوفة على الفاروق ، فهذا حين ينزل » . « العياشي : 1 / 103 »
ومضافاً إلى الإعجاز في ذلك فهو يدل على أن الوضع الأمني يوجب على الإمام عليه السلام هذا الاحتياط ، فالوضع العالمي معاد له والعراق لم يتم تطهيره بعد . ويظهر أنه ينزل في النجف ، فينضم إليه جيشه الذي يأتي وراءه من المدينة .
أما الرواية التي تذكر أنه عندما يقصد العراق ينزل في الشقرة ثم في الثعلبية ، وهما مكانان بين الحجاز والعراق ، فالمرجح أن المقصود به جيشه الذي يقصد العراق ، وليس شخصه ، أو المقصود قبل أن يصل إلى العراق .
تجري فيهم سنة أصحاب طالوت عليه السلام
في غيبة النعماني / 316 : « عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن أصحاب طالوت ابتلوا بالنهر الذي قال الله تعالى : قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ ، وإن أصحاب القائم عليه السلام يبتلون بمثل ذلك » .
امتحان الإمام المهدي عليه السلام لأصحابه
في الكافي : 8 / 167 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كأني بالقائم عليه السلام على منبر الكوفة عليه قباء ، فيخرج من وريان قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب ، فيفكه فيقرؤه على الناس ، فيجفلون عنه إجفال الغنم ، فلا يبقى إلا النقباء ، فيتكلم بكلام فلا يلحقون ملجأ حتى يرجعوا إليه ، وإني لأعرف الكلام الذي يتكلم به » !
وفي كمال الدين : 2 / 672 : « عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : كأني أنظر إلى القائم عليه السلام على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر ، وهم أصحاب الألوية ، وهم حكام الله في أرضه على خلقه ، حتى يستخرج من قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب ، عهدٌ معهودٌ من رسول الله صلى الله عليه وآله فيجفلون عنه إجفال النعم البُكم ،
--------------------------- 294 ---------------------------
فلا يبقى منهم إلا الوزير وأحد عشر نقيباً ، كما بقوا مع موسى بن عمران عليه السلام فيجولون في الأرض ولا يجدون عنه مذهباً فيرجعون إليه ، والله إني لأعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به » !
وفي البحار : 52 / 389 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : يقضي القائم بقضايا ينكرها بعض أصحابه ممن قد ضرب قدامه بالسيف ، وهو قضاء آدم عليه السلام فيقدمهم فيضرب أعناقهم ، ثم يقضي الثانية فينكرها قوم آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف ، وهو قضاء داود فيقدمهم فيضرب أعناقهم ، ثم يقضي الثالثة فينكرها قوم آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف ، وهو قضاء إبراهيم عليه السلام فيقدمهم فيضرب أعناقهم ، ثم يقضي الرابعة وهو قضاء محمد صلى الله عليه وآله ، فلا ينكرها أحد عليه » .
أقول : إذا صحت الرواية فهذا امتحان ليقين أصحابه وطاعتهم له ، ليُعرف من آمن به مهدياً من ربه لا ينطق عن الهوى كجده صلى الله عليه وآله . ووقت هذا الامتحان في العراق ، في المرحلة الثانية أو الثالثة من حركته عليه السلام . ومعنى قضائه عليه السلام بقضاء آل داود أي بالواقع الذي طلب داود عليه السلام من ربه أن يريه إياه ، فأراه منه نموذجاً ، لكن مع ذلك أمره أن يقضي بالظاهر ، كما أمر نبينا صلى الله عليه وآله أن يقضي بين الناس بالبينات والأيْمان . أما المهدي عليه السلام فيأمره أن يقضي بالواقع كما يريه ربه ، فلا يتحمل ذلك بعض أصحابه ، فعمله هذا تدريبٌ للناس على تقبل قضائه بالواقع .
4 - أصحاب الإمام عليه السلام الذين يُحْيَوْنَ من قبورهم
بعض المؤمنين يخبرون في قبورهم بظهور الإمام عليه السلام
دلائل الإمامة / 257 : « عن سيف بن عميرة قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : إن المؤمن ليخبر في قبره ، فإذا قام القائم فيقال له : قد قام صاحبك ، فإن أحببت أن تلحق به فالحق ، وإن أحببت أن تقيم في كرامة الله فأقم » .
وفي غيبة الطوسي / 276 : « عن المفضل بن عمر قال : ذكرنا القائم عليه السلام ومن مات من أصحابنا تنتظره ، فقال لنا أبو عبد الله عليه السلام : إذا قام أتي المؤمن في قبره ، فيقال له : يا هذا إنه قد
--------------------------- 295 ---------------------------
ظهر صاحبك ، فإن تشأ أن تلحق به فالحق ، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم » .
دلائل الإمامة / 248 : « عن المفضل بن عمر : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا مفضل ، أنت وأربعة وأربعون رجلاً تحشرون مع القائم ، أنت على يمين القائم تأمر وتنهى ، والناس إذ ذاك أطوع لك منهم اليوم » .
وفي رجال الكشي / 402 : « نظر أبو عبد الله عليه السلام إلى داود الرقي وقد ولَّى فقال : من سرَّهُ أن ينظر إلى رجل من أصحاب القائم عليه السلام فلينظر إلى هذا ! وقال في موضع آخر : أنزلوه فيكم بمنزلة المقداد رحمه الله » .
وفي الكشي / 217 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : كأني بعبد الله بن شريك العامري عليه عمامة سوداء وذؤابتاه بين كتفيه ، مصعداً في لحف الجبل بين يدي قائمنا أهل البيت ، في أربعة آلافٍ مُكِرُّونَ يُكبرون » .
وفي مختصر البصائر / 25 ، عن ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : « كأني بحمران بن أعين وميسر بن عبد العزيز يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا والمروة » .
رجعة سبع وعشرين رجلاً إلى الدنيا لنصرة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
في تفسير العياشي : 2 / 32 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا قام قائم آل محمد استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين رجلاً ، خمسة عشر من قوم موسى الذين يقضون بالحق وبه يعدلون ، وسبعة من أصحاب الكهف ، ويوشع وصي موسى ، ومؤمن آل فرعون ، وسلمان الفارسي ، وأبا دجانة الأنصاري ، ومالك الأشتر » .
وفي دلائل الإمامة / 247 و 464 : « إذا ظهر القائم من ظهر هذا البيت ، بعث الله معه سبعة وعشرين رجلاً ، منهم أربعة عشر رجلاً من قوم موسى عليه السلام وهم الذين قال الله : وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ . وأصحاب الكهف ثمانية ، والمقداد ، وجابر الأنصاري ، ومؤمن آل فرعون ، ويوشع بن نون وصي موسى » .
وفي الإرشاد / 365 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يخرج مع القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً خمسة عشر من قوم موسى عليه السلام الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون ،
--------------------------- 296 ---------------------------
وسبعة من أهل الكهف ، ويوشع بن نون ، وسلمان ، وأبو دجانة الأنصاري ، والمقداد ، ومالك الأشتر ، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً » .
سلمان الفارسي من أنصار المهدي عليه السلام
دلائل الإمامة / 237 : « عن سلمان قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله تعالى لم يبعث نبياً ولا رسولاً إلا جعل له اثني عشر نقيباً ، فقلت : يا رسول الله لقد عرفت هذا من أهل الكتابين ، فقال : هل علمت من نقبائي الاثني عشر الذين اختارهم للأمة من بعدي ، فقلت : الله ورسوله أعلم . فقال : يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره ودعاني فأطعته ، وخلق من نوري علياً ودعاه فأطاعه ، وخلق من نور علي فاطمة ودعاها فأطاعته ، وخلق مني ومن علي وفاطمة الحسن ودعاه فأطاعه ، وخلق مني ومن علي وفاطمة الحسين ودعاه فأطاعه . ثم سمانا بخمسة أسماء من أسماءه : فالله المحمود وأنا محمد ، والله العلي وهذا علي ، والله الفاطر وهذه فاطمة ، والله ذو الإحسان وهذا الحسن ، والله المحسن وهذا الحسين . ثم خلق منا ومن نور الحسين تسعة أئمة ودعاهم فأطاعوه ، قبل أن يخلق سماء مبنية وأرضاً مدحية ولا ملكاً ولا بشراً ، وكنا نوراً نسبح الله ثم نسمع له ونطيع .
فقلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي فما لمن عرف هؤلاء ؟ فقال : من عرفهم حق معرفتهم واقتدى بهم ووالى وليهم وعادى عدوهم ، فهو والله منا يَرِدُ حيث نرد ويسكن حيث نسكن . فقلت : يا رسول الله وهل يكون إيمان بهم بغير معرفة بأسمائهم وأنسابهم ؟ فقال : لا . فقلت : يا رسول الله : فأنى لي بهم ، وقد عرفت إلى الحسين ؟ قال : ثم سيد العابدين علي بن الحسين ، ثم ابنه محمد بن علي باقر علم الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين ، ثم ابنه جعفر بن محمد لسان الله الصادق ، ثم ابنه موسى بن جعفر الكاظم الغيظ صبراً في الله ، ثم ابنه علي بن موسى الرضا لأمر الله ، ثم ابنه محمد بن علي المختار لأمر الله ، ثم ابنه علي بن محمد الهادي إلى الله ، ثم ابنه الحسن بن علي الصامت الأمين لسر الله ، ثم ابنه محمد بن الحسن المهدي القائم بأمر الله . ثم قال : يا سلمان إنك مدركه ومن كان مثلك ممن تولاه بحقيقة المعرفة .
فشكرت الله وقلت : وإني مؤجل إلى عهده ؟ فقرأ قوله تعالى : فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا
--------------------------- 297 ---------------------------
عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً . ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً .
قال سلمان فاشتد بكائي وشوقي وقلت : يا رسول الله أبعهد منك ؟ فقال : إي والله الذي أرسلني بالحق ، مني ومن علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة ، وكل من هو منا ومعنا ومضام فينا ، إي والله وليحضرن إبليس له وجنوده ، وكل من محض الإيمان محضاً ، ومحض الكفر محضاً ، حتى يؤخذ له بالقصاص والأوتار ، ولا يظلم ربك أحداً ، وذلك تأويل هذه الآية : وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ . قال : فقمت من بين يديه ، وما أبالي لقيت الموت أو لقيني » .
رجعة المؤمنين الخاصين لنصرة الإمام المهدي عليه السلام
العياشي : 2 / 276 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من قرأ سورة بني إسرائيل في كل ليلة جمعة ، لم يمت حتى يدرك القائم ، ويكون من أصحابه » .
مختصر البصائر / 32 : « عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : فيا عجباه وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء ، يلبون زمرة زمرةً بالتلبية : لبيك لبيك يا داعي الله ، قد أطلوا بسكك الكوفة ، قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ، لَيضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم وأتباعهم من جبابرة الأولين والآخرين ، حتى ينجز الله ما وعدهم في قوله عز وجل : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لايُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً . أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحداً من عبادي ، ليس عندهم تقية .
وإن لي الكرة بعد الكرة والرجعة بعد الرجعة ، وأنا صاحب الرجعات والكرات ، وصاحب الصولات والنقمات ، والدولات العجيبات ، وأنا قرنٌ من حديد ، وأنا عبد الله وأخو رسول الله صلى الله عليه وآله » .
--------------------------- 298 ---------------------------
وفي كتاب الزهد للحسين بن سعيد / 81 : « عن عمار بن مروان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : منكم والله يقبل ، ولكم والله يغفر ، إنه ليس بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى السرور وقرة العين ، إلا أن تبلغ نفسه ها هنا ، وأومأ بيده إلى حلقه . ثم قال : إنه إذا كان ذلك واحتضرَ حضره رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة وعلي وجبرئيل وملك الموت عليهم السلام فيدنو منه جبرئيل فيقول لرسول الله : إن هذا كان يحبكم أهل البيت فأحبه ، فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله : يا جبرئيل إن هذا كان يحب الله ورسوله وآل رسوله فأحبه وارفق به ، ويقول جبرئيل لملك الموت : إن هذا كان يحب الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبه وارفق به ، فيدنو منه ملك الموت فيقول له : يا عبد الله أخذت فكاك رقبتك ، أخذت أمان برائتك ، تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا ؟ قال : فيوفقه الله عز وجل فيقول : نعم ، فيقول له : وما ذاك ؟ فيقول : ولاية علي بن أبي طالب فيقول : صدقت ، أما الذي كنت تحذر فقد آمنك الله منه ، وأما الذي كنت ترجو فقد أدركته ، أبشر بالسلف الصالح ، مرافقة رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والأئمة من ولده عليهم السلام ، ثم يسل نفسه سلاً رفيقاً ، ثم ينزل بكفنه من الجنة وحنوطه حنوط كالمسك الأذفر ، فيكفن ويحنط بذلك الحنوط ، ثم يكسى حلة صفراء من حلل الجنة .
فإذا وضع في قبره فتح الله له باباً من أبواب الجنة يدخل عليه من روحها وريحانها ، ثم يفسح له عن أمامه مسيرة شهر ، وعن يمينه وعن يساره ، ثم يقال له : نم نومة العروس على فراشها ، أبشر بروح وريحان وجنة نعيم ، ورب غير غضبان ، ثم يزور آل محمد في جنان رضوى فيأكل معهم من طعامهم ، ويشرب معهم من شرابهم ، ويتحدث معهم في مجالسهم ، حتى يقوم قائمنا أهل البيت ، فإذا قام قائمنا بعثهم الله فأقبلوا معه يلبون زمراً زمراً ، فعند ذلك يرتاب المبطلون ، ويضمحل المحلون ، وقليل ما يكونون . هلكت المحاضير ونجا المقربون . من أجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : أنت أخي وميعاد ما بيني وبينك وادي السلام .
قال : وإذا حضر الكافر الوفاة حضره رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي والأئمة وجبرئيل وملك الموت عليهم السلام فيدنو منه جبرئيل فيقول : يا رسول الله إن هذا كان مبغضاً لكم أهل البيت فأبغضه ، فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله : يا جبرئيل إن هذا كان يبغض الله ورسوله
--------------------------- 299 ---------------------------
وأهل بيت رسوله ، فأبغضه واعنف عليه ، ويقول جبرئيل : يا ملك الموت إن هذا كان يبغض الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه واعنف عليه ، فيدنو منه ملك الموت فيقول : يا عبد الله أخذت فكاك رهانك ، أخذت أمان براءتك ، تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا ؟ فيقول : لا ! فيقول : أبشر يا عدو الله بسخط الله عز وجل وعذابه والنار ، أما الذي كنت ترجو فقد فاتك ، وأما الذي كنت تحذر فقد نزل بك ، ثم يسل نفسه سلاً عنيفاً ، ثم يوكل بروحه ثلاث مأة شيطان يبصقون في وجهه ، ويُتأذى بريحه ، فإذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب النار فيدخل عليه من قيحها ولهبها » .
عجباً كل العجب بين جمادى ورجب
ينابيع المودة / 512 : « عن كتاب صفين للمدائني : خطب علي عليه السلام بعد انقضاء أمر النهروان فذكر طرفاً من الملاحم فقال : ذلك أمر الله وهو كائن وقتاً مريحاً ، فيا ابن خيرة الإماء متى تنتظر ، أبشر بنصر قريب من رب رحيم ، فبأبي وأمي من عدة قليلة أسماؤهم في الأرض مجهولة ، قد دان حينئذ ظهورهم . يا عجباً كل العجب بين جمادى ورجب ، من جمع شتات وحصد نبات ، ومن أصوات بعد أصوات ، ثم قال : سبق القضاء سبق .
وقال : قال رجل من أهل البصرة إلى رجل من أهل الكوفة في جنبه : أشهد أنه كاذب ! قال الكوفي : والله ما نزل علي من المنبر حتى فُلج الرجل فمات من ليلته » !
وفي شرح ابن أبي الحديد : 2 / 49 ، ونهج السعادة : 3 / 449 : « وخطب علي عليه السلام بعد انقضاء أمر النهروان ، فذكر طرفاً من الملاحم قال : إذا كثرت فيكم الأخلاط واستولت الأنباط ، دنا خراب العراق ، وذاك إذا بنيت مدينة ذات أثل وأنهار ، فإذا غلت فيها الأسعار وشيد فيها البنيان ، وحكم فيها الفساق ، واشتد البلاء وتفاخر الغوغاء ، دنا خسوف البيداء ، وطاب الهرب والجلاء .
وستكون قبل الجلاء أمور يشيب منها الصغير ، ويعطب منها الكبير ، ويخرس الفصيح ، ويبهت اللبيب ، يعاجلون بالسيف صلتاً ، وقد كانوا قبل ذلك في غضارة من عيشهم يمرحون . فيالها من مصيبة حينئذ من البلاء العقيم ، والبكاء الطويل ، والويل والعويل ، وشدة الصريخ ، وفناء مريح ، ذلك أمر الله وهو كائن .
--------------------------- 300 ---------------------------
فيا ابن خيرة الإماء متى تنتظر ، أبشر بنصر قريب من رب رحيم ! ألا فويل للمتكبرين عند حصاد الحاصدين ، وقتل الفاسقين ، عصاة ذي العرش العظيم . فبأبي وأمي من عدة قليلة أسماؤهم في السماء معروفة ، وفي الأرض مجهولة ، قد دان حينئذ ظهورهم . ولو شئت لأخبرتكم بما يأتي ويكون من حوادث دهركم ونوائب زمانكم ، وبلايا أممكم ، وغمرات ساعاتكم ، لفعلت ، ولكن أفضيه إلى من أفضيه إليه مخافة عليكم ، ونظراً لكم ، علماً مني بما هو كائن وما تلقون من البلاء الشامل ، ذلك عند تمرد الأشرار ، وطاعة أولي الخسار ، أوان الحتف والدمار ، ذاك عند إدبار أمركم ، وانقطاع أصلكم ، وتشتت أنفسكم . وإنما يكون ذلك عند ظهور العصيان وانتشار الفسوق ، حيث يكون الضرب بالسيف أهون على المؤمن من اكتساب درهم حلال ! حين لا تنال المعيشة إلابمعصية الله في سمائه ، حين تسكرون من غير شراب ، وتحلفون من غير اضطرار ، وتظلمون من غير منفعة ، وتكذبون من غير إحراج ، تتفكهون بالفسوق وتبادرون بالمعصية ، قولكم البهتان ، وحديثكم الزور ، وأعمالكم الغرور !
فعند ذلك لا تأمنون البيات ، فيا له من بيات ما أشد ظلمته ، ومن صائح ما أفظع صوته ! ذلك بيات لا يتمنى صباحه صاحبه ، فعند ذلك تُقتلون ، وبأنواع البلاء تُضربون ، وبالسيف تحُصدون ، وإلى النار تصيرون ، ويعضُّكم البلاء كما يعضُّ الغارب القتب ! يا عجباً كل العجب بين جمادى ورجب ، من جمع أشتات وحصد نبات ، ومن أصوات بعدها أصوات ! ثم قال عليه السلام : سبق القضاء سبق القضاء » .
وفي مصنف ابن أبي شيبة : 8 / 698 : « عن قيس بن السكن قال : قال علي على منبره : إني أنا فقأت عين الفتنة ، ولو لم أكن فيكم ما قوتل فلان وفلان وفلان أهل النهر ، وأيمُ الله لولا أن تتكلوا فتدعوا العمل لحدثتكم بما سبق لكم على لسان نبيكم ، لمن قاتلهم ، مبصراً لضلالتهم ، عارفاً بالذي نحن عليه ! قال ثم قال : سلوني ، فإنكم لا تسألوني عن شئ فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة ، إلا حدثتكم بناعقها وسائقها .
قال فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين حدثنا عن البلاء ، فقال أمير المؤمنين : إذا سأل سائل فليعقل ، وإذا سئل مسؤول فليتثبت : إن من ورائكم أموراً جللاًً ، وبلاءً مبلحاًً مكلحاً ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو قد فقدتموني ونزلت كرائه الأمور وحقائق البلاء ، لفشل
--------------------------- 301 ---------------------------
كثير من السائلين ولأطرق كثير من المسؤولين ، وذلك إذا فصلت حربكم وكشفت عن ساق لها ، وصارت الدنيا بلاء على أهلها حتى يفتح الله لبقية الأبرار .
قال : فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين ! حدثنا عن الفتنة فقال : إن الفتنة إذا أقبلت شبهت ، وإذا أدبرت أسفرت ، وإنما الفتن تحوم كحوم الرياح ، يُصبن بلداً ويخطئن آخر ، فانصروا أقواماً كانوا أصحاب رايات يوم بدر ويوم حنين تُنصروا وتُؤجروا . ألا إن أخوف الفتنة عندي عليكم فتنة عمياء مظلمة ، خصت فتنتها وعمت بليتها ، أصاب البلاء من أبصر فيها ، وأخطأ البلاء من عمي عنها ، يظهر أهل باطلها على أهل حقها ، حتى تملأ الأرض عدواناً وظلماً ، وإن أول من يكسر عمدها ويضج جبروتها وينزع أوتادها ، الله رب العالمين . ألا وإنكم ستجدون أرباب سوء لكم من بعدي ، كالناب الضروس ، تعض بفيها وتركض برجلها وتخبط بيدها ، وتمنع درها !
ألا إنه لا يزال بلاؤهم بكم حتى لا يبقى في مصركم إلا نافع لهم أو غير ضار ! وحتى لا يكون نصرة أحدكم منهم إلا كنصرة العبد من سيده ! وأيم الله لو فرقوكم تحت كل كوكب ، لجمعكم الله لشر يوم لهم . قال : فقام رجل فقال : هل بعد ذلكم جماعة يا أمير المؤمنين ؟ قال : إنها جماعة شتى غير أن أعطياتكم وحجكم وأسفاركم واحد ، والقلوب مختلفة هكذا ، ثم شبك بين أصابعه . قال : مم ذاك يا أمير المؤمنين ؟ قال : يقتل هذا هذا ! فتنة فظيعة جاهلية ، ليس فيها إمام هدى ولا علم يرى ، نحن أهل البيت منها بمنجاة ، ولسنا بدعاة .
قال : وما بعد ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : يفرج الله البلاء برجل من أهل البيت ، تفريج الأديم . بأبي ابن خبره يسومهم الخسف ، ويسقيهم بكأس مصبرة ، ودت قريش بالدنيا وما فيها لو يقدرون على مقام جزر جزور ، لأقبل منهم بعض الذي أعرض عليهم اليوم فيردونه ، ويأبى إلا قتلاً » .
وفي نهج البلاغة : 1 / 182 ، بعضه ، قال : « ومن خطبة له عليه السلام : أما بعد أيها الناس فأنا فقأت عين الفتنة ولم تكن ليجرأ عليها أحد غيري ، بعد أن ماج غيهبها واشتد كلبها . فاسألوني قبل أن تفقدوني ، فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شئ فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة ، إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها ، ومناخ ركابها ومحط رحالها ،
--------------------------- 302 ---------------------------
ومن يقتل من أهلها قتلاً ، ومن يموت منهم موتاً !
ولو قد فقدتموني ونزلت بكم كرائه الأمور وحوازب الخطوب ، لأطرق كثير من السائلين ، وفشل كثير من المسؤولين . وذلك إذا قلصت حربكم وشمرت عن ساق ، وضاقت الدنيا عليكم ضيقاً تستطيلون معه أيام البلاء عليكم ، حتى يفتح الله لبقية الأبرار منكم . إن الفتن إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت نبهت ، يُنكرن مقبلات ويُعرفن مدبرات ، يحمن حوم الرياح يصبن بلداً ويخطئن بلداً . ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية فإنها فتنة عمياء مظلمة ، عمت خطتها وخصت بليتها ، وأصاب البلاء من أبصر فيها ، وأخطأ البلاء من عمي عنها .
وأيم الله لتجدن بني أمية لكم أرباب سوء بعدي ، كالناب الضروس تعذم بفيها ، وتخبط بيدها ، وتزبن برجلها ، وتمنع درها ! لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعاً لهم أو غير ضائر بهم ، ولا يزال بلاؤهم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبد من ربه ، والصاحب من مستصحبه ! ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشية ، وقطعاً جاهلية ، ليس فيها منار هدى ولا علم يرى ، نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة . ثم يفرجها الله عنكم كتفريج الأديم بمن يسومهم خسفاً ويسوقهم عنفاً ، ويسقيهم بكأس مصبرة ، لايعطيهم إلا السيف ، ولا يحلسهم إلا الخوف ! فعند ذلك تود قريش بالدنيا وما فيها لو يرونني مقاماً واحداً ، ولو قدر جزر جزور ، لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلايعطونني » .
5 - للإمام المهدي عليه السلام أنصار من كواكب أخرى
البصائر / 490 : « عن هشام الجواليقي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن لله مدينة خلف البحر سعتها مسيرة أربعين يوماً ، فيها قوم لم يعصوا الله قط ، ولا يعرفون إبليس ولا يعلمون خلق إبليس ، نلقاهم في كل حين ، فيسألوننا عما يحتاجون إليه ، ويسألوننا الدعاء فنعلمهم ، ويسألوننا عن قائمنا حتى يظهر .
وفيهم عبادة واجتهاد شديد ولمدينتهم أبواب ما بين المصراع إلى المصراع مئة فرسخ . لهم تقديس واجتهاد شديد ، لو رأيتموهم لاحتقرتم عملكم ، يصلي الرجل منهم شهراً لا يرفع رأسه من سجوده ، طعامهم التسبيح ولباسهم الورق ، ووجوههم مشرقة بالنور . إذا رأوا منا
--------------------------- 303 ---------------------------
واحداً احتوشوه واجتمعوا إليه ، وأخذوا من أثره إلى الأرض يتبركون به ، لهم دوي إذا صلوا أشد من دوي الريح العاصف ، فيهم جماعة لم يضعوا السلاح منذ كانوا ينتظرون قائمنا ، يدعون أن يريهم إياه ، وعمر أحدهم ألف سنة . إذا رأيتهم رأيت الخشوع والاستكانة ، وطلب ما يقربهم إليه .
إذا حُبسنا ظنوا أن ذلك من سخط ، يتعاهدون الساعة التي نأتيهم فيها ، لا يسأمون ولا يفترون ، يتلون كتاب الله كما علمناهم ، وإن فيما نعلمهم ما لو تلي على الناس لكفروا به ولأنكروه ! يسألوننا عن الشئ إذا ورد عليهم من القرآن ولا يعرفونه ، فإذا أخبرناهم به انشرحت صدورهم لما يسمعون منا ، ويسألون الله طول البقاء وأن لا يفقدونا ، ويعلمون أن المنة من الله عليهم فيما نعلمهم عظيمة .
ولهم خرجة مع الإمام ، إذا قاموا يسبقون فيها أصحاب السلاح منهم ، ويدعون الله أن يجعلهم ممن ينتصر به لدينهم ، فيهم كهول وشبان ، وإذا رأى شاب منهم الكهل جلس بين يديه جلسة العبد ، لا يقوم حتى يأمره . لهم طريق هم أعلم به من الخلق إلى حيث يريد الإمام ، فإذا أمرهم الإمام بأمر قاموا أبداً حتى يكون هو الذي يأمرهم بغيره . لو أنهم وردوا على ما بين المشرق والمغرب من الخلق لأفنوهم في ساعة واحدة . لا يعمل الحديد فيهم ، ولهم سيوف من حديد غير هذا الحديد ، لو ضرب أحدهم بسيفه جبلاً لقده حتى يفصله ، يغزو بهم الإمام الهند ، والديلم ، والكرك ، والترك ، والروم ، وبربر .
وما بين جابرسا إلى جابلقا ، وهما مدينتان واحدة بالمشرق وأخرى بالمغرب ، لا يأتون على أهل دين إلا دعوهم إلى الله وإلى الإسلام وإلى الإقرار بمحمد صلى الله عليه وآله ، ومن لم يسلم قتلوه ، حتى لا يبقى بين المشرق والمغرب وما دون الجبل أحد إلا أقر » .
أقول : لا بد أن يكون هؤلاء المؤمنون في كوكب غير الأرض ، لأن قوله عليه السلام : « إن لله مدينة خلف البحر سعتها مسيرة أربعين يوماً . . ولا يعرفون إبليس ولا يعلمون خلق إبليس » يدل على أنهم ليسوا من نسل آدم ، وإن أشبهوهم .
وقوله : « لا يعمل الحديد فيهم ولهم سيوف من حديد غير هذا الحديد ، لو ضرب أحدهم بسيفه جبلاً لقده حتى يفصله » يدل على أن أبدانهم ومعادنهم تختلف عنا .
--------------------------- 304 ---------------------------
نقد مقولة أن الإمام عليه السلام ينتظر وجود أصحابه
إن ظهور الإمام المهدي صلوات الله عليه من أمر الله المحتوم ، وهو مرحلة كبرى في حياة آدم عليه السلام وأبنائه على الأرض ، وتوقيته وظروفه من تقدير الله تعالى في خلق الكون . وقد أخبرنا بصفاته وعلاماته ، وأن ظهوره كالساعة يأتينا بغتة ، وأنه تعالى قدَّر له أصحاباً خاصين ، من أقاصي الأرض ، يأتيه بهم فيوافونه بمعجزة في ليلة واحدة ، هم وزراؤه وحواريوه . وهذا لا يعني أنه جعل ظهوره عليه السلام متوقفاً عليهم ، وأنه كما يتصور البعض ينتظر ويدعو ربه أن يولدوا ويوجدوا ، لأنه بدونهم لا يستطيع أن يظهر ، وأنهم لو كانوا قبل قرون لظهر من يوم وجودهم ، وكأنهم هم محور المشروع والإمام ينتظرهم !
فالصحيح أن لظهوره عليه السلام وقتاً لا يُقرِّبه عجلة المستعجلين ، ولا يُؤخره كُرْه الكارهين ، وأصحابه الخاصون ، قدرهم الله من الأزل أن يكونوا في عصره !
ولعل أصل شبهة أن الإمام عليه السلام ينتظر أصحابه ، جاء من بعض الأحاديث المتشابهة كالذي رواه النعماني / 203 : « عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه دخل عليه بعض أصحابه فقال له : جعلت فداك إني والله أحبك وأحب من يحبك . يا سيدي ما أكثر شيعتكم ! فقال له : أذكرهم ، فقال : كثير ، فقال : تحصيهم ؟ فقال : هم أكثر من ذلك ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاث مائة وبضعة عشركان الذي تريدون ، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه ولا شحناؤه بدنه ، ولا يمدح بنا معلناً ، ولا يخاصم بنا قالياً ، ولا يجالس لنا عايباً ، ولا يحدث لنا ثالباً ، ولا يحب لنا مبغضاً ، ولا يبغض لنا محباً . فقلت : فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنهم يتشيعون ؟ فقال : فيهم التمييز وفيهم التمحيص وفيهم التبديل ، يأتي عليهم سنون تفنيهم وسيف يقتلهم واختلاف يبددهم ! إنما شيعتنا من لا يَهِرُّ هرير الكلب ، ولا يطمع طمع الغراب ، ولا يسأل الناس بكفه وإن مات جوعاً ، قلت : جعلت فداك ، فأين أطلب هؤلاء الموصوفين بهذه الصفة ؟ فقال : أطلبهم في أطراف الأرض ، أولئك الخفيض عيشهم ، المنتقلة دارهم ، الذين إن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا ، وإن مرضوا لم يعادوا ، وإن خطبوا لم يزوجوا ، وإن ماتوا لم يشهدوا ، أولئك الذين في أموالهم يتواسون ، وفي قبورهم يتزاورون ، ولا تختلف أهواؤهم ، وإن اختلفت بهم البلدان » .
--------------------------- 305 ---------------------------
ونحوه في النعماني / 204 ، وفيه : « وإن رأوا مؤمناً أكرموه ، وإن رأوا منافقاً هجروه ، وعند الموت لايجزعون ، وفي قبورهم يتزاورون » . لكن الإمام الصادق عليه السلام أراد بقوله : « أمَا لو كمُلت العدة الموصوفة ثلاث مائة وبضعة عشر كان الذي تريدون . . الخ » . أن يفهم الذين يحثونه على الخروج ، أن ذلك يحتاج إلى كوادر مؤمنين من نوع خاص ، لكن علاقة ظهوره بهم ليست سببية بل عملية ، وقد قدر الله تعالى أن يوجدوا في وقت ظهوره عليه السلام . وهو يحث الشيعة على أن يرفعوا مستواهم .
ويبدو أن هذه شبهة انتظار الإمام لأصحابه هؤلاء كانت في أذهان المخالفين ، ففي رسائل في الغيبة للمفيد رحمه الله : 3 / 11 : « قال الشيخ المفيد رحمه الله : حضرت مجلس رئيس من الرؤساء فجرى كلام في الإمامة فانتهى إلى القول في الغيبة ، فقال صاحب المجلس : أليست الشيعة تروي عن جعفر بن محمد : أنه لو اجتمع للإمام عدة أهل بدر ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً لوجب عليه الخروج بالسيف ؟ فقلت : قد روي هذا الحديث . قال : أوَلسنا نعلم يقيناً أن الشيعة في هذا الوقت أضعاف عدة أهل بدر ، فكيف يجوز للإمام الغيبة مع الرواية التي ذكرناها ؟ فقلت له : إن الشيعة وإن كانت في وقتنا كثيراً عددها حتى تزيد على عدة أهل بدر أضعافاً مضاعفة ، فإن الجماعة التي عدتهم عدة أهل بدر إذا اجتمعت فلم يسع الإمام التقية ووجب عليه الظهور ، لم تجتمع في هذا الوقت ولا حصلت في هذا الزمان بصفتها وشروطها . وذلك أنه يجب أن يكون هؤلاء القوم معلوم من حالهم الشجاعة والصبر على اللقاء والإخلاص في الجهاد وإيثار الآخرة على الدنيا ، ونقاء السرائر من العيوب وصحة العقول ، وأنهم لا يهنون ولا ينتظرون عند اللقاء ، ويكون العلم من الله تعالى بعموم المصلحة في ظهورهم بالسيف . وليس كل الشيعة بهذه الصفة ، ولو علم الله تعالى أن في جملتهم العدد المذكور على ما شرطناه لظهر الإمام لا محالة ولم يغب بعد اجتماعهم طرفة عين ، لكن المعلوم خلاف ما وصفناه ، فلذلك ساغ للإمام الغيبة على ما ذكرناه .
قال : ومن أين لنا أن شروط القوم على ما ذكرت ، وإن كانت شروطهم هذه ، فمن أين لنا أن الأمر كما وصفت ؟
فقلت : إذا ثبت وجوب الإمامة وصحة الغيبة ، لم يكن لنا طريق إلى تصحيح الخبر إلا
--------------------------- 306 ---------------------------
بما شرحناه ، فمن حيث قامت دلائل الإمامة والعصمة وصدق الخبر حكمنا بما ذكرناه . ثم قلت : ونظير هذا الأمر ومثاله ما علمناه من جهاد النبي صلى الله عليه وآله أهل بدر بالعدد اليسير الذين كانوا معه ، وأكثرهم أعزل راجل ، ثم قعد عليه وآله السلام في عام الحديبية ومعه من أصحابه أضعاف أهل بدر في العدد ، وقد علمنا أنه صلى الله عليه وآله مصيبٌ في الأمرين جميعاً ، وأنه لو كان المعلوم من أصحابه في عام الحديبية ما كان المعلوم منهم في حال بدر لما وسعه القعود والمهادنة ، ولوجب عليه الجهاد كما وجب عليه قبل ذلك ، ولو وجب عليه ما تركه لما ذكرناه من العلم بصوابه وعصمته على ما بيناه . فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يوحى إليه فيعلم بالوحي العواقب ويعرف الفرق من صواب التدبير وخطئه بمعرفة ما يكون ، فمن قال في علم الإمام بما ذكرت وما طريق معرفته بذلك ؟
فقلت له : الإمام عندنا معهود إليه ، موقَفٌ على ما يأتي وما يذكر ، منصوبٌ له أمارات تدله على العواقب في التدبيرات والصالح في الأفعال ، وإنما حصل له العهد بذلك عن النبي صلى الله عليه وآله الذي يوحى إليه ويطلع على علم السماء ، ولو لم نذكر هذا الباب واقتصرنا على أنه متعبد في ذلك بغلبة الظن ، وما يظهر له من الصلاح لكفى وأغنى ، وقام مقام الإظهار على التحقيق كائناً ما كان بلا ارتياب ، لا سيما على مذهب المخالفين في الاجتهاد ، وقولهم في رأي النبي صلى الله عليه وآله وإن كان المذهب ما قدمناه .
فقال : لمَ لا يظهر الإمام وإن أدى ظهوره إلى قتله ، فيكون البرهان له والحجة في إمامته أوضح ويزول الشك في وجوده بلا ارتياب ؟
فقلت : إنه لا يجب ذلك عليه ، كما لا يجب على الله تعالى معاجلة العصاة بالنقمات وإظهار الآيات في كل وقت متتابعات ، وإن كنا نعلم أنه لو عاجل العصاة ، لكان البرهان على قدرته أوضح ، والأمر في نهيه أوكد ، والحجة في قبح خلافه أبين ، ولكان بذلك الخلق عن معاصيه أزجر ، وإن لم يجب ذلك عليه ولا في حكمته وتدبيره ، لعلمه بالمصلحة فيه على التفصيل ، فالقول في الباب الأول مثله . على أنه لا معنى لظهور الإمام في وقت يحيط العلم فيه بأن ظهوره منه فساد ، وأنه لا يؤول إلى إصلاح ، وإنما يكون ذلك حكمة وصواباً إذا كانت عاقبته الصلاح . ولو علم عليه السلام أن في ظهوره صلاحاً في الدين مع مقامه في العالم أو هلاكه وهلاك
--------------------------- 307 ---------------------------
جميع شيعته وأنصاره لما أبقاه طرفة عين ، ولا فتر عن المسارعة إلى مرضاة الله جل اسمه ، لكن الدليل على عصمته كاشف عن معرفته ، لرد هذه الحال عند ظهوره في هذا الزمان بما قدمناه من ذكر العهد إليه ، ونصب الدلائل والحد والرسم المذكورين له في الأفعال . فقال : لعمري إن هذه الأجوبة على الأصول المقررة لأهل الإمامة مستمرة ، والمنازع فيها بعد تسليم الأصول لا ينال شيئاً ، ولا يظفر بطائل » . انتهى .
أقول : قد يكون جواب المفيد رحمه الله مجاراة لذلك الرجل ، ولا يقصد أن الإمام عليه السلام هو الذي يعين وقت ظهوره ، وأنه ينتظر وجود هؤلاء الأصحاب ، لأن الله تعالى هو الذي يعينه كما نصت الأحاديث ، ومنها أنه عليه السلام يؤذن له فيدعو ويبدأ ظهوره .
فالأصح الجواب بما رواه الصدوق رحمه الله في أماليه / 539 ، وخلاصته : أن رجلاً مهموماً جاء إلى الإمام زين العابدين عليه السلام وشكى له فقره وديناً أثقله ، فلم يكن عند الإمام عليه السلام مال ، فأعطاه قرصيه قوت يومه ، وأمره أن يذهب إلى السوق ويشتري بهما شيئاً ، فوجد سمكتين غير مرغوبتين فاشتراهما ، فوجد في جوفها لؤلؤتين ثمينتين : « وباع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضى منه دينه ، وحسنت بعد ذلك حاله . فقال بعض المخالفين : ما أشد هذا التفاوت ! بينا علي بن الحسين لا يقدر أن يسد منه فاقة ، إذ أغناه هذا الغناء العظيم ! كيف يكون هذا ، وكيف يعجز عن سد الفاقة من يقدر على هذا الغناء العظيم ؟ فقال الإمام عليه السلام : هكذا قالت قريش للنبي صلى الله عليه وآله : كيف يمضي إلى بيت المقدس ويشاهد ما فيه من آثار الأنبياء عليهم السلام من مكة ويرجع إليها في ليلة واحدة ، مَن لا يقدر أن يبلغ من مكة إلى المدينة إلا في اثني عشر يوماً ، وذلك حين هاجر منها .
ثم قال الإمام السجاد عليه السلام : جهلوا والله أمر الله وأمر أوليائه معه . إن المراتب الرفيعة لا تنال إلا بالتسليم لله جل ثناؤه ، وترك الاقتراح عليه ، والرضا بما يدبرهم به ، إن أولياء الله صبروا على المحن والمكاره صبراً لمَّا يساوهم فيه غيرهم ، فجازاهم الله عز وجل عن ذلك بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم ، لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريده لهم » !
فالمعصوم عليه السلام لا يستعمل ولايته ولا يقترح على ربه ، بل ينتظر الإذن من ربه عز وجل بهاتف أو إلهام ، والأصل عنده أن يعمل ويعيش بالأسباب العادية ، إلا إذا أبلغه الله تعالى
--------------------------- 308 ---------------------------
شيئاً آخر . وهذا معنى امتياز النبي وآله صلى الله عليه وآله بأنهم لم يقترحوا على ربهم عز وجل شيئاً . فالإمام المهدي عليه السلام لا يقترح على ربه ظهوره ، ولا يدعوه بتعجيله إلا إذا أمره ربه بذلك ، وقد ورد أن الله يأمره بالصلاة عند الكعبة والدعاء بدعوة المضطر ثلاث ليالٍ ، ثم يجمع له أصحابه من جهات الأرض في ليلة واحدة .
شبهة أن ظهوره ينتظر أن تمتلئ الدنيا جوراً
كما توجد شبهة أخرى تقول : إن ظهوره عليه السلام لم يأت أوانه لأنه يكون بعد أن تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً ، ومعناه أنه لا يبقى عدل في الأرض ، ولا خير !
وجوابها : أن امتلاء الأرض جوراً وظلماً أمر عرفي ، وقد امتلأت قبل عصرنا ، قال تعالى : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . وامتلأت من عصر الإمام الصادق عليه السلام بشهادته التي رواها في الكافي : 3 / 536 ، عن بريد بن معاوية قال : « سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : يا بريد لا والله ما بقيت لله حرمة إلا انتهكت ، ولا عمل بكتاب الله ولا سنة نبيه في هذا العالم ، ولا أقيم في هذا الخلق حد منذ قبض الله أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ، ولا عمل بشئ من الحق إلى يوم الناس هذا ! ثم قال : أما والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى ويميت الأحياء ويرد الله الحق إلى أهله ، ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيه فأبشروا ثم أبشروا ثم أبشروا فوالله ما الحق إلا في أيديكم » . أما في عصرنا فامتلأت حتى بحارها وأجواؤها !
لا صحة لمقولة إن أصحاب المهدي عليه السلام من غير العرب
روت مصادر السنة والشيعة أن أصحاب المهدي عليه السلام أكثرهم شبان ، ففي ملاحم ابن المنادي / 64 ، عن علي عليه السلام أنه قال : « ولولا أن تستعجلوا وتستأخروا القدر ، لأمر قد سبق في البشر ، لحدثتكم بشباب من الموالي وأبناء العرب ، ونبذ من الشيوخ كالملح في الزاد ، وأقل الزاد الملح » .
وروى النعماني في الغيبة / 315 : « عن أبي يحيى حكيم بن سعد ، قال : سمعت علياً عليه السلام
--------------------------- 309 ---------------------------
يقول : « إن أصحاب المهدي القائم شباب لا كهول فيهم ، إلا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد ، وأقل الزاد الملح » .
وفي تاج المواليد / 151 : « من النجباء والأبدال والأخيار ، كلهم شاب لا كهل فيهم » . والمقصود بأصحابه هنا : الوزراء الخاصون ، الثلاث مئة وثلاثة عشر . ولا يبعد أن يكون معنى الشباب هنا : الفتوة والقوة ، وليس صغر السن .
كما ذكر بعضهم أن أصحاب الإمام المهدي عليه السلام من الموالي وليس فيهم عربي !
قال ابن عربي في فتوحاته المكية : 3 / 328 : « وهم على أقدام رجال من الصحابة ، صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، وهم من الأعاجم ما فيهم عربي لكن لا يتكلمون إلا بالعربية ، لهم حافظ ليس من جنسهم ما عصى الله قط ، هو أخص الوزراء وأفضل الأمناء ، فأعطاهم الله في هذه الآية التي اتخذوها هجيراً ، وفي ليلهم سميراً ، أفضل علم الصدق حالاً وذوقاً ، فعلموا أن الصدق سيف الله في الأرض ، ما قام بأحد ولا اتصف به إلا نصره الله ، لأن الصدق نعته والصادق اسمه ، فنظروا بأعين سليمة من الرمد ، وسلكوا بأقدام ثابتة في سبيل الرشد ، فلم يروا الحق قيد مؤمناً من مؤمن ، بل أوجب على نفسه نصر المؤمنين » .
وروى ابن ماجة : 2 / 1369 ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله : « إذا وقعت الملاحم بعث الله بعثاً من الموالي هم أكرم العرب فرساً ، وأجوده سلاحاً ، يؤيد الله بهم الدين » .
وروى الحاكم : 4 / 548 ، وصححه على شرط البخاري ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « إذا وقعت الملاحم خرج بعث من الموالي من دمشق هم أكرم العرب فرساً ، وأجوده سلاحاً ، يؤيد الله بهم الدين » . انتهى .
وروى الحاكم « 4 / 482 » ، عن أبي هريرة : « ويل للعرب من شر قد اقترب . على رأس الستين تصير الأمانة غنيمة ، والصدقة غرامة ، والشهادة بالمعرفة والحكم بالهوى . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » .
وفي مصادرنا : روى الطوسي في الغيبة / 284 ، عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : « اتق العرب فإن لهم خبر سوء ، أما إنه لا يخرج مع القائم منهم واحد » .
كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام « الكافي : 1 / 370 » : « ويل لطغاة العرب من أمر قد اقترب ،
--------------------------- 310 ---------------------------
قلت : جعلت فداك كم مع القائم من العرب ؟ قال : نفر يسير ، قلت : والله إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير ، قال : لابد للناس من أن يُمَحَّصُوا ويُميزوا ويُغربلوا ، ويُستخرج في الغربال خلق كثير » .
ولكن هذه النصوص معارضة بأخرى صحيحة تنص على أن أصحابه الخاصين أبدال الشام ، ونجباء مصر ، وأخيار العراق ، وعصائب العراق . نعم هم قليلون بالنسبة إلى عدد العرب الكثير .
أحاديث لم يصح سندها تُسمي أصحابه عليه السلام وبلدانهم
توجد أربع روايات تسمي أصحاب المهدي عليه السلام وبعضها تسمي بلدانهم ، وقد روى ثلاثاً منها محمد بن جرير الطبري الشيعي في آخر كتابه : دلائل الإمامة في الصفحة / 554 ، وما بعدها . وروى الرابعة السيد ابن طاووس رحمه الله في الملاحم والفتن / 145 ، نقلاً عن فتن السليلي ، لكن لم يصحح علماؤنا سند أي منها .
والملاحظات على هذه الروايات عديدة ، منها أن أسماءها محصورة بأهل القرن الثالث والرابع من العرب والفرس ، وفيهم بعض أسماء تدل على أصل تركي ، وأصحاب الإمام عليه السلام أوسع في قومياتهم من هؤلاء .
ومنها : أنها تتحدث عن الروم كأنهم يحكمون تركيا ، وعاصمتهم القسطنينية !
ومنها : أنها لم تذكر النساء من أصحابه عليه السلام ، وقد صح أن فيهم خمسين امرأة .
ومنها : أنها تضمنت أماكن وصفات قد زالت ، ولا نظنها تكون عند ظهوره عليه السلام .
ومنها : التعارض بينها . ومنها : أن تصور الظهور فيها يناسب عصراً مضى .
لهذه الأسباب مضافاً إلى إشكال السند ، لا يمكن قبول هذه الروايات ، نعم يمكن القول إن لها أصلاً موجزاً ، لكن الرواة أضافوا إليها ، من محيطهم وعصرهم !
الرواية الأولى : في دلائل الإمامة
قال في دلائل الإمامة / 562 : « عن سماعة بن مهران قال : سأل أبو بصير الصادق عليه السلام عن عدة أصحاب القائم ، فأخبره بعدتهم ومواضعهم ، فلما كان العام القابل قال :
--------------------------- 311 ---------------------------
عدت إليه فدخلت فقلت : ما قصة المرابط السائح قال : هو رجل من أصبهان من أبناء دهاقينها له عمود فيه سبعون منا لا يقلُّهُ غيره ، يخرج من بلده سياحاً في الأرض وطلب الحق ، فلا يخلو بمخالف إلا أراح منه ، ثم إنه ينتهي إلى طازبند ، وهو الحاكم بين أهل الإسلام ، فيصيب بها رجلاً من النصاب يتناول أمير المؤمنين عليه السلام ويقيم بها حتى يسري به . وأما الطوَّاف لطلب الحق فهو رجل من أهل يخشب ، وقد كتب الحديث وعرف الاختلاف بين الناس ، فلا يزال يطوف بالبلدان لطلب العلم حتى يعرف صاحب الحق ، فلا يزال كذلك حتى يأتيه الأمر وهو يسير من الموصل إلى الرها ، فيمضي حتى يوافي مكة .
وأما الهارب من عشيرته ببلخ ، فرجل من أهل المعرفة لا يزال يعلن أمره ويدعو الناس إليه وقومه وعشيرته ، فلا يزال كذلك حتى يهرب منهم إلى الأهواز ، فيقيم في بعض قراها حتى يأتيه أمر الله فيهرب منهم .
وأما المحتجّ بكتاب الله على الناصب من سرخس ، فرجل عارف يلهمه الله معرفة القرآن فلا يلق أحداً من المخالفين إلا حاجَّه ، فيثبت أمرنا في كتاب الله .
وأما المتخلي بصقلية ، فإنه رجل من أبناء الروم من قرية يقال يسلم فيبنوا من الروم ، ولا يزال يخرج إلى بلد الإسلام يجول بلدانها وينتقل من قرية إلى قرية ، ومن مقالة إلى مقالة حتى يمن الله عليه بمعرفة هذا الأمر الذي أنتم عليه ، فإذا عرف ذلك وأيقنه أيقن أصحابه ، فدخل صقلية مع عبد الله حتى يسمع الصوت فيجيبه .
وأما الهاربان إلى السروانية من الشعب ، رجلان أحدهما من أهل مدائن العراق ، والآخر من حبايا يخرجان إلى مكة فلا يزالان يتجران فيها ويعيشان حتى يتصل متجرهما بقرية يقال لها الشعب ، فيصيران إليها ويقيمان بها حيناً من الدهر ، فإذا عرفهما أهل الشعب آذوهما وأفسدوا كثيراً من أمرهما ، فيقول أحدهما لصاحبه : يا أخي إنا قد أوذينا في بلادنا حتى فارقنا مكة ، ثم خرجنا إلى الشعب ونحن نرى أن أهلها ثائرة علينا من أهل مكة ، وقد بلغوا بنا ما ترى ، فلو سرنا في البلاد حتى يأتي أمرالله من عدل أو فتح أو موت يريح ، فيتجهزان ويخرجان إلى برقة ، ثم يتجهزان ويخرجان إلى سروانة ، ولا يزالان بها إلى الليلة التي يكون بها أمر قائمنا .
--------------------------- 312 ---------------------------
وأما التاجران الخارجان من عانة إلى أنطاكية ، فهما رجلان يقال لأحدهما مسلم وللآخر سليم ولهما غلام أعجمي يقال له سلمونة ، يخرجون جميعاً في رفقة من التجار يريدون أنطاكية فلا يزالون يسيرون في طريقهم ، حتى إذا كان بينهم وبين أنطاكية أميال يسمعون الصوت فينصتون نحوه ، كأنهم لم يعرفوا شيئاً غير ما صاروا إليه من أمرهم ذلك الذي دعوا إليه ، ويذهلون عن تجارتهم ويصبح القوم الذين كانوا معهم من رفاقهم وقد دخلوا أنطاكية ، فيفقدونهم فلا يزالون يطلبونهم فيرجعون ويسألون عنهم من يلقون من الناس فلا يقعون على أثر ولا يعلمون لهم خبراً ، فيقول القوم بعضهم لبعض : هل تعرفون منازلهم فيقول بعضهم : نعم ، ثم يبيعون ما كان معهم من التجارة ، ويحملون إلى أهاليهم ويقتسمون مواريثهم ، فلا يلبثون بعد ذلك إلا ستة أشهر حتى يوافوا إلى أهاليهم على مقدمة القائم عليه السلام ، فكأنهم لم يفارقوهم .
وأما المستأمنة من المسلمين إلى الروم ، فهم قوم ينالهم أذى شديد من جيرانهم وأهاليهم ومن السلطان ، فلا يزال ذلك بهم حتى أتوا ملك الروم فيقصون عليه قصتهم ويخبرونه بما هم من أذى قومهم وأهل ملتهم ، فيؤمنهم ويعطيهم أرضاً من أرض قسطنطينية فلا يزالون بها حتى إذا كانت الليلة التي يسرى بهم فيها ، ويصبح جيرانهم وأهل الأرض التي كانوا بها قد فقدوهم ، فيسألون عنهم أهل البلاد فلا يحسّون لهم أثراً ، ولا يسمعون لهم خبراً ، ويخبرون ملك الروم بأمرهم وأنهم فقدوا فيوجه في طلبهم ، ويستقصي آثارهم وأخبارهم ، فلا يعود مخبر لهم بخبر ، فيغتم طاغية الروم غماً شديداً ، ويطالب جيرانهم بهم ويحبسهم ويلزمهم إحضارهم ويقول : ما قدمتم على قوم آمنتهم وأوليتهم جميلاً ؟ ويوعدهم القتل إن لم يأتوا بهم وبخبرهم وإلى أين صاروا ، فلا يزال أهل مملكته في أذية ومطالبة ما بين معاقب ومحبوس ومطلوب ، حتى يسمع بما هم فيه راهب قد قرأ الكتب ، فيقول لبعض من يحدثه حديثهم : إنه ما بقي في الأرض أحد يعلم علم هؤلاء القوم غيري وغير رجل من يهود بابل ، فيسألونه عن أحوالهم فلا يخبر أحداً من الناس حتى يبلغ ذلك الطاغية ، فيوجه في حمله إليه فإذا حضره قال الملك : قد بلغني ما قلت ، وقد ترى ما أنا فيه فأصدقني إن كانوا مرتابين قتلت بهم من قتلهم ، ويخلص من سواهم من التهمة .
قال الراهب : لا تعجل أيها الملك ولا تحزن على القوم ، فإنهم لن يقتلوا ولن يموتوا ولا
--------------------------- 313 ---------------------------
حدث بهم حدث يكرهه الملك ، ولا هم ممن يرتاب بأمرهم ونالتهم غيلة ، ولكن هؤلاء قوم حملوا من أرض الملك إلى أرض مكة إلى ملك الأمم ، وهو الأعظم الذي لم تزل الأنبياء تبشر به وتحدث عنه وتعد بظهوره وعدله وإحسانه . قال له الملك : من أين لك هذا ؟ قال : ما كنت لأقول إلا حقاً ، فإنه عندي في كتاب قد أتى عليه أكثر من خمس مائة سنة يتوارثه العلماء آخر عن أول ، فيقول له الملك : فإن كان ما تقول حقاً وكنت فيه صادقاً فأحضر الكتاب فيمضي في إحضاره ، ويوجه الملك معه نفراً من ثقاته ، فلا يلبث حتى يأتيه بالكتاب فيقرؤه فإذا فيه صفة القائم واسمه واسم أبيه وعدة أصحابه وخروجهم ، وأنهم سيظهرون على بلاده ، فقال له الملك : ويحك أين كنت عن إخباري بهذا إلى اليوم ؟
قال : لولا ما تخوفت أنه يدخل على الملك من الإثم في قتل قوم أبرياء ، ما أخبرته بهذا العلم حتى يراه بعينه ويشاهده بنفسه . قال : أو تراني أراه ؟ قال : نعم لا يحول الحول حتى تطأ خيله أواسط بلادك ويكون هؤلاء القوم أدلاء على مذهبكم ، فيقول له الملك : أفلا أوجه إليهم من يأتيني بخبر منهم وأكتب إليهم كتاباً ؟ قال له الراهب : أنت صاحبه الذي تسلم إليه وستتبعه وتموت فيصلي عليك رجل من أصحابه .
والنازلون بسرنديب وسمندر أربعة رجال : من تجار أهل فارس ، يخرجون عن تجاراتهم فيستوطنون سرانديب وسمندار حتى يسمعوا الصوت ويمضون إليه .
والمفقود من مركبه بشلاهط رجل من يهود أصبهان . تخرج من شلاهط قافلة فيها هو ، فبينما تسير في البحر في جوف الليل إذ نودي فيخرج من المركب في أعلى الأرض أصلب من الحديد وأوطأ من الحرير ، فيمضي الربان إليه وينظر فينادي أدركوا صاحبكم فقد غرق ، فيناديه الرجل لا بأس عليَّ إني على جدد ، فيحال بينهم وبينه ، وتطوى له الأرض فيوافي القوم حينئذ مكة لا يتخلف منهم أحد » .
الرواية الثانية : في دلائل الإمامة
قال في دلائل الإمامة / 554 : « حدثني أبو الحسين محمد بن هارون قال : حدثنا أبي هارون بن موسى بن أحمد قال : حدثنا أبو علي الحسن بن محمد النهاوندي قال : حدثنا أبو جعفر
--------------------------- 314 ---------------------------
محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن عبيد الله القمي القطان المعروف بابن الخزاز قال : حدثنا محمد بن زياد ، عن أبي عبد الله الخراساني قال : حدثنا أبو حسان سعيد بن جناح ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك ، هل كان أمير المؤمنين يعلم أصحاب القائم كما كان يعلم عدتهم ؟ قال أبو عبد الله عليه السلام : حدثني أبي عليه السلام قال : والله لقد كان يعرفهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم رجلاً فرجلاً ، ومواضع منازلهم ومراتبهم ، فكلما عرفه أمير المؤمنين عرفه الحسن ، وكلما عرفه الحسن فقد صار علمه إلى الحسين ، وكلما عرفه الحسين فقد عرفه علي بن الحسين ، وكلما علمه علي بن الحسين فقد صار علمه إلى محمد بن علي ، وكلما قد علمه محمد بن علي فقد علمه وعرفه صاحبكم ، يعني نفسه . قال أبو بصير : قلت مكتوب ؟ قال : فقال أبو عبد الله عليه السلام : مكتوب في كتاب محفوظ في القلب ، مثبت في الذكر لا ينسى . قال : قلت : جعلت فداك أخبرني بعددهم وبلدانهم ومواضعهم فذاك يقتضي من أسمائهم . قال : فقال : إذا كان يوم الجمعة بعد الصلاة فأتني ، قال : فلما كان يوم الجمعة أتيته فقال : يا أبا بصير أتيتنا لما سألتنا عنه ؟ قلت : نعم جعلت فداك . قال : إنك لا تحفظ فأين صاحبك الذي يكتب لك ، فقلت : أظن شغله شاغل وكرهت أن أتأخر عن وقت حاجتي فقال لرجل في مجلسه :
أكتب له هذا ما أملاه رسول الله على أمير المؤمنين وأودعه إياه ، من تسمية أصحاب المهدي وعدة من يوافيه من المفقودين عن فرشهم وقبائلهم ، والسائرين في ليلهم ونهارهم إلى مكة ، وذلك عند استماع الصوت في السنة التي يظهر فيها أمر الله عز وجل ، وهم النجباء والقضاة والحكام على الناس : من طاربند الشرقي رجل ، وهو المرابط السياح ، ومن الصامغان رجلان ومن أهل فرغانة رجل ، ومن أهل البريد رجلان ، ومن الديلم أربعة رجال ، ومن مرو الروذ رجلان ، ومن مرو اثنا عشر رجلاً ، ومن بيروت تسعة رجال ومن طوس خمسة رجال ، ومن القريات رجلان ، ومن سجستان ثلاثة رجال ، ومن الطالقان أربعة وعشرون رجلاً ، ومن الجبل الغرر ثمانية رجال ، ومن نيسابور ثمانية عشر رجلاً ، ومن هراة اثنا عشر رجلاً ، ومن وشيج أربعة رجال ، ومن الري سبعة رجال ، ومن طبرستان تسعة رجال ومن قم ثمانية عشر رجلاً ، ومن قرمس رجلان ، ومن جرجان اثنا عشر رجلاً ، ومن الرقة ثلاثة
--------------------------- 315 ---------------------------
رجال ، ومن الرافقة رجلان ، ومن حلب ثلاثة رجال ، ومن سلمية خمسة رجال ، ومن طبرية رجل ، ومن بافاد رجل ، ومن بلبيس رجل ، ومن دمياط رجل ، ومن أسوان رجل ، ومن الفسطاط أربعة رجال ، ومن القيروان رجلان ومن كور كرمان ثلاثة رجال ، ومن قزوين رجلان ، ومن همدان أربعة رجال ، ومن جوقان رجل ، ومن البدو رجل ، ومن خلاط رجل ، ومن جابروان ثلاثة رجال ، ومن النسوي رجل ، ومن سنجار أربعة رجال ، ومن قاليقلا رجل ، ومن سميساط رجل ومن نصيبين رجل ومن حران رجل ، ومن باغة رجل ، ومن قابس رجل ، ومن صنعاء رجلان ، ومن قارب رجل ، ومن طرابلس رجلان ، ومن القلزم رجلان ، ومن العبثة رجل ، ومن وادي القرى رجل ، ومن خيبر رجل ومن بدا رجل ، ومن الحار رجل ، ومن الكوفة أربعة عشر رجلاً ، ومن المدينة رجلان ، ومن الري رجل ، ومن الحيوان رجل ، ومن كوثا رجل ، ومن طهر رجل ، ومن بيرم رجل ، ومن الأهواز رجلان ، ومن إصطخر رجلان ، ومن المولتان رجلان ، ومن الدبيل رجل ، ومن صيدائيل رجل ، ومن المدائن ثمانية رجال ، ومن عكبرا رجل ، ومن حلوان رجلان ، ومن البصرة ثلاثة رجال ، وأصحاب الكهف وهم سبعة ، والتاجران الخارجان من عانة إلى أنطاكية وغلامهما وهم ثلاثة نفر ، والمستأمنون إلى الروم من المسلمين وهم أحد عشر رجلاً ، والنازلان بسرنديب رجلان ، ومن سمندر أربعة رجال ، والمفقود من مركبه بشلاهط رجل ، ومن شيراز أو قال سيراف الشك من مسعدة رجل ، والهاربان إلى السروانية من الشعب رجلان ، والمتخلي بصقلية رجل ، والطواف الطالب الحق من يخشب رجل ، والهارب من عشيرته رجل ، والمحتج بالكتاب على الناصب من سرخس رجل .
فذلك ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، بعدد أهل البدر ، يجمعهم الله إلى مكة في ليلة واحدة وهي ليلة الجمعة ، فيتوافون في صبيحتها إلى المسجد الحرام ، لا يتخلف منهم رجل واحد ، وينتشرون بمكة في أزقتها يلتمسون منازل يسكنونها فينكرهم أهل مكة ، وذلك أنهم لم يعلموا برفقة دخلت من بلد من البلدان لحج أو عمرة ولا تجارة ، فيقول بعضهم لبعض : إنا لنرى في يومنا هذا قوماً لم نكن رأيناهم قبل يومنا هذا ، ليسوا من بلد واحد ، ولا أهل بدو ، ولا معهم إبل ولا دواب ! فبينما هم كذلك وقد ارتابوا بهم ، قد أقبل رجل من بني مخزوم
--------------------------- 316 ---------------------------
يتخطى رقاب الناس حتى يأتي رئيسهم فيقول : لقد رأيت ليلتي هذه رؤيا عجيبة وإني منها خائف وقلبي منها وجل ، فيقول له : أقصص رؤياك ، فيقول : رأيت كبة نار انقضت من عنان السماء ، فلم تزل تهوي حتى انحطت على الكعبة فدارت فيها ، فإذا هي جراد ذوات أجنحة خضر كالملاحف ، فأطافت بالكعبة ما شاء الله ، ثم تطايرت شرقاً وغرباً لاتمر ببلد إلا أحرقته ، ولا بحصن إلا حطمته ، فاستيقظت وأنا مذعور القلب وجل . فيقولون : لقد رأيت هؤلاء ، فانطلق بنا إلى الأقرع ليعبرها وهو رجل من ثقيف فقص عليه الرؤيا ، فيقول الأقرع : لقد رأيت عجباً ، ولقد طرقكم في ليلتكم جند من جنود الله لا قوة لكم بهم . فيقولون : لقد رأينا في يومنا هذا عجباً ، ويحدثونه بأمر القوم ثم ينهضون من عنده ويهمون بالوثوب عليهم ، وقد ملأ الله قلوبهم منهم رعباً وخوفاً . فيقول بعضهم لبعض وهم يتآمرون بذلك : يا قوم لا تعجلوا على القوم إنهم لم يأتوكم بعد بمنكر ولا أظهروا خلافاً ، ولعل الرجل منهم يكون في القبيلة من قبائلكم ، فإن بدا لكم منهم شرفأنتم حينئذ وهم . وأما القوم فإنا نراهم متنسكين وسيماهم حسنة ، وهم في حرم الله تعالى الذي لا يباح من دخله حتى يحدث به حدثاً يوجب محاربتهم . فيقول المخزومي وهو رئيس القوم وعميدهم : إنا لا نأمن أن يكون وراءهم مادة لهم ، فإذا التأمت إليهم كشف أمرهم وعظم شأنهم ، فتهضّموهم وهم في قلة من العدد وغربة في البلد ، قبل أن تأتيهم المادة ، فإن هؤلاء لم يأتوكم مكة إلا وسيكون لهم شأن . وما أحسب تأويل رؤيا صاحبكم إلا حقاً ، فخلوا لهم بلدكم وأجيلوا الرأي والأمر ممكن . فيقول قائلهم : إن كان من يأتيهم أمثالهم فلا خوف عليكم منهم ، فإنه لا سلاح للقوم ولا كراع ولا حصن يلجؤون إليه وهم غرباء محتوون ، فإن أتى جيش لهم نهضتم إلى هؤلاء وهؤلاء ، وكانوا كشربة الظمآن . فلا يزالون في هذا الكلام ونحوه ، حتى يحجز الليل بين الناس ، ثم يضرب الله على آذانهم وعيونهم بالنوم ، فلا يجتمعون بعد فراقهم إلى أن يقوم القائم عليه السلام .
وإن أصحاب القائم يلقى بعضهم بعضا كأنهم بنو أب وأم وإن افترقوا عشاء التقوا غدوة ، وذلك تأويل هذه الآية : فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً .
قال أبو بصير : قلت : جعلت فداك ليس على الأرض يومئذ مؤمن غيرهم ؟ قال : بلى ، ولكن هذه التي يخرج الله فيها القائم ، وهم النجباء والقضاة والحكام والفقهاء في الدين ،
--------------------------- 317 ---------------------------
يمسح الله بطونهم وظهورهم ، فلا يشتبه عليهم حكم » .
ورواه ابن طاووس في الملاحم / 201 ، بتفاوت قال : « فيما رأيت من عدة أصحاب القائم عليه السلام وتعيين مواضعهم من كتاب يعقوب بن نعيم قرقارة كاتب أبي يوسف ، قال النجاشي الذي زكاه محمد بن النجار ، أن يعقوب بن نعيم المذكور روى عن الرضا عليه السلام وكان جليلاً في أصحابنا ثقة ، ورأينا ما ننقله في نسخة عتيقة لعلها كتبت في حياته ، وعليها خط السعيد فضل الله الراوندي قدس الله روحه ، فقال ما هذا لفظه : حدثني أحمد بن محمد الأسدي ، عن سعيد بن جناح ، عن مسعدة ، أن أبا بصير قال لجعفر بن محمد عليه السلام : هل كان أمير المؤمنين عليه السلام يعلم مواضع أصحاب القائم عليه السلام كما كان يعلم عدتهم ؟ فقال جعفر بن محمد عليه السلام : إي والله . . . فقال جعفر عليه السلام : إذا كان يوم الجمعة بعد الصلاة فأتني ، فأتيته فقال : أين صاحبك الذي يكتب لك . . الخ . » .
الرواية الثالثة : في دلائل الإمامة
قال في / 566 : « عن أبي بصير أن الصادق عليه السلام سمى أصحاب القائم لأبي بصير فيما بعد فقال : أما الذي في طاربند الشرقي بندار بن أحمد من سكة تدعى بازان ، وهو السياح المرابط ، ومن أهل الشام رجلين ، يقال لهما إبراهيم بن الصباح ، ويوسف بن صريا فيوسف عطار من أهل دمشق ، وإبراهيم قصاب من قرية سويقان .
ومن الصامغان : أحمد بن عمر الخياط من سكة بزيع ، وعلي بن عبد الصمد التاجر من سكة النجارين ، ومن أهل سيراف : سلم الكوسج البزاز من سكة الباغ ، وخالد بن سعيد بن كريم الدهقان ، والكليب الشاهد من دانشاه . ومن مرو رود : جعفر الشاه الدقاق وجور مولى الخصيب ، ومن مرو اثنا عشر رجلاً وهم : بندار بن الخليل العطار ، ومحمد بن عمر الصيدناني ، وعريب بن عبد الله بن كامل ، ومولى قحطبة وسعد الرومي ، وصالح بن الرحال ، ومعاذ بن هاني ، وكردوس الأزدي ، ودهيم بن جابر بن حميد ، وطاشف بن علي القاجاني ، وقرعان بن سويد ، وجابر بن علي الأحمر ، وحوشب بن جرير . ومن بارود تسعة رجال : زياد بن عبد الرحمان بن جحدب ، والعباس بن الفضل بن قارب ، وسحيق بن سليمان الحناط ،
--------------------------- 318 ---------------------------
وعلي بن خالد ، وسلم بن سليم بن الفرات البزاز ، ومحمويه بن عبد الرحمان بن علي ، وجرير بن رستم بن سعد الكيساني ، وحرب بن صالح ، وعمارة بن معمر .
ومن طوس أربعة رجال : شهمرد بن حمران ، وموسى بن مهدي ، وسليمان بن طليق من الواد ، وكان الواد موضع قبر الرضا عليه السلام ، وعلي بن السندي الصيرفي ، ومن الفارياب شاهويه بن حمزة ، وعلي بن كلثوم من سكة تدعى باب الجبل ، ومن الطالقان أربعة وعشرين رجلاً : المعروف بابن الرازي الجبلي ، وعبد الله بن عمير ، وإبراهيم بن عمرو ، وسهل بن رزق الله ، وجبريل الحداد ، وعلي بن أبي علي الوراق ، وعبادة بن جمهور ، ومحمد بن جيهار ، وزكريا بن حبة ، وبهرام بن سرح ، وجميل بن عامر بن خالد ، وخالد وكثير مولى جرير ، وعبد الله بن قرط بن سلام ، وفزارة بن بهرام ، ومعاذ بن سالم بن جليد التمار وحميد بن إبراهيم بن جمعة الغزال ، وعقبة بن وفر بن الربيع ، وحمزة بن العباس بن جنادة من دار الرزق ، وكائن بن حنيذ الصائغ ، وعلقمة بن مدرك ، ومروان بن جميل بن ورقاء وظهور مولى زرارة بن إبراهيم ، وجمهور بن الحسين الزجاج ، ورياش بن سعد بن نعيم ومن سجستان : الخليل بن نصر من أهل زنج ، وترك بن شبه ، وإبراهيم بن علي ، ومن غور ثمانية رجال : محج بن خربوذ ، وشاهد بن بندار ، وداود بن جرير ، وخالد بن عيسى وزياد بن صالح ، وموسى بن داود ، وعرف الطويل ، وابن كرد ، ومن نيسابور ثمانية عشر رجلاً : سمعان بن فاخر ، وأبو لبابة بن مدرك ، وإبراهيم بن يوسف القصير ، ومالك بن حرب بن سكين ، وزرود بن سوكن ، ويحيى بن خالد ، ومعاذ بن جبرئيل وأحمد بن عمر بن زفر ، وعيسى بن موسى السواق ، ويزيد بن درست ، ومحمد بن حماد بن شيت ، وجعفر بن طرخان ، وعلان ماهويه ، وأبو مريم ، وعمرو بن عمير بن مطرف وبليل بن وهايد بن هو مرديار .
ومن هرات اثنا عشر رجلاً : سعيد بن عثمان الوراق ، وسحر بن عبد الله بن نيل ، والمعروف بعلام الكندي ، وسمعان القصاب ، وهارون بن عمران ، وصالح بن جرير والمبارك بن معمر بن خالد ، وعبد الأعلى بن إبراهيم بن عبده ، ونزل بن حزم ، وصالح بن نعيم ، وآدم بن علي ، وخالد القواس .
ومن أهل بوسنج أربعة رجال : طاهر بن عمرو بن طاهر المعروف بالأصلع ، وطلحة بن طلحة السائح ، والحسن بن حسن بن مسمار ، وعمرو بن عمر بن هشام .
--------------------------- 319 ---------------------------
ومن الري سبعة رجال : إسرائيل القطان ، وعلي بن جعفر بن خرزاد ، وعثمان بن علي بن درخت ، ومسكان بن جبلة بن مقاتل ، وكردين بن شيبان ، وحمدان بن كر ، وسليمان بن الديلمي . ومن طبرستان أربعة رجال : حرشاد بن كردم ، وبهرام بن علي ، والعباس بن هاشم ، وعبد الله بن يحيى .
ومن قم ثمانية عشر رجلاً : غسان بن محمد بن غسان ، وعلي بن أحمد بن برة بن نعيم بن يعقوب بن بلال ، وعمران بن خالد بن كليب ، وسهل بن علي بن صاعد ، وعبد العظيم بن عبد الله بن الشاه ، وحسكة بن هاشم بن الداية ، والأخوص بن محمد بن إسماعيل بن نعيم بن طريف ، وبليل بن مالك بن سعد بن طلحة بن جعفر بن أحمد بن جرير ، وموسى بن عمران بن لاحق ، والعباس بن زفر بن سليم ، والحويد بن بشر بن بشير ، ومروان بن علابة بن جرير المعروف بابن رأس الزق ، والصقر بن إسحاق بن إبراهيم وكامل بن هشام .
ومن قومس رجلان : محمود بن محمد بن أبي الشعب ، وعلي بن حمويه بن صدقة ، من قرية الخرقان . ومن جرجان اثنا عشر رجلاً : أحمد بن هارون بن عبد الله ، وزرارة بن جعفر ، والحسين بن علي بن مطر ، وحميد بن نافع ، ومحمد بن خالد بن قرة بن حوية ، وعلان بن حميد بن جعفر بن حميد ، وإبراهيم بن إسحاق بن عمرو ، وعلي بن علقمة بن محمود ، وسلمان بن يعقوب ، والعريان بن الخفان الملقب بحال روت ، وشعبة بن علي وموسى بن كردويه . ومن موقان رجل ، وهو عبيد بن محمد بن مأجور .
ومن السند رجلان : سياب بن العباس بن محمد ، ونصر بن منصور يعرف بناقشت . ومن همدان أربعة رجال : هارون بن عمران بن خالد ، وطيفور بن محمد بن طيفور ، وأبان بن محمد بن الضحاك ، وعتاب بن مالك بن جمهور . ومن جابروان ثلاثة رجال : كرد بن حنيف ، وعاصم بن خليط الخياط ، وزياد بن رزين . ومن النوى رجل : لقيط بن فرات . ومن أهل خلاط : وهب بن خربند بن سروين . ومن تفليس خمسة رجال : جحدر بن الزيت ، وهاني العطاردي ، وجواد بن بدر ، وسليم بن وحيد ، والفضل بن عمير . ومن باب الأبواب : جعفر بن عبد الرحمان .
ومن سنجار أربعة رجال : عبد الله بن زريق ، وسحيم بن مطر ، وهبة الله بن زريق بن صدقة ،
--------------------------- 320 ---------------------------
وهبل بن كامل . ومن قاليقلا : كردوس بن جابر . ومن سميساط : موسى بن زرقان . ومن نصيبين رجلان : داود بن المحق ، وحامد صاحب البواري . ومن الموصل رجل يقال له سليمان بن صبيح من القرية الحديثة . ومن تل موزن رجلان يقال لهما : بادسنا بن سعد بن السحير ، وأحمد بن حميد بن سوار . ومن بلد رجل يقال له بور بن زائدة بن شروان . ومن الرها رجل يقال له كامل بن عفير . ومن حران زكريا السعدي . ومن الرقة ثلاثة رجال : أحمد بن سليمان بن سليم ، ونوفل بن عمر ، وأشعث بن مالك .
ومن الرافقة عياض بن عاصم بن سمرة بن جحش ، ومليح بن سعد . ومن حلب أربعة رجال : يونس بن يوسف ، وحميد بن قيس بن سحيم بن مدرك بن علي بن حرب بن صالح بن ميمون ، ومهدي بن هند بن عطارد ، ومسلم بن هوارمرد .
ومن دمشق ثلاثة رجال : نوح بن جرير ، وشعيب بن موسى ، وحجر بن عبد الله الفزاري . ومن فلسطين سويد بن يحيى . ومن بعلبك المنزل بن عمران . ومن الطبرية معاذ بن معاذ . ومن يافا صالح بن هارون . ومن قرمس رئاب بن الجلود ، والخليل بن السيد . ومن تيس يونس بن الصقر ، وأحمد بن مسلم بن سلم . ومن دمياط علي بن زائدة . ومن أسوان حماد بن جمهور . ومن الفسطاط أربعة رجال : نصر بن حواس ، وعلي بن موسى الفزاري ، وإبراهيم بن صفير ، ويحيى بن نعيم .
ومن القيراوان : علي بن موسى بن الشيخ ، وعنبرة بن قرطة . ومن باغة شرحبيل السعدي . ومن بلبيس علي بن معاذ . ومن بالس همام بن الفرات . ومن صنعاء الفياض بن ضرار بن ثروان ، وميسرة بن غندر بن المبارك . ومن مازن عبد الكريم بن غندر . ومن طرابلس ذو النورين عبيدة بن علقمة . ومن أبلة رجلان : يحيى بن بديل ، وحواشة بن الفضل . ومن وادي القرى الحر بن الزبرقان . ومن خيبر رجل يقال له سليمان بن داود . ومن ربدار طلحة بن سعد بن بهرام . ومن الجار الحارث بن ميمون . ومن المدينة رجلان حمزة بن طاهر ، وشرحبيل بن جميل . ومن الربذة حماد بن محمد بن نصير .
ومن الكوفة أربعة عشر رجلاً : ربيعة بن علي بن صالح ، وتميم بن إلياس بن أسد والعضرم بن عيسى ، ومطرف بن عمر الكندي ، وهارون بن صالح بن ميثم ، ووكايا
--------------------------- 321 ---------------------------
بن سعد ، ومحمد بن رواية ، والحر بن عبد الله بن ساسان ، وقودة الأعلم ، وخالد بن عبد القدوس ، وإبراهيم بن مسعود بن عبد الحميد ، وبكر بن سعد بن خالد ، وأحمد بن ريحان بن حارث ، وغوث الاعرابي .
ومن القلزم : المرجئة بن عمرو ، وشبيب بن عبد الله . ومن الحيرة بكر بن عبد الله بن عبد الواحد . ومن كوثى ربا حفص بن مروان . ومن طهنة الحباب بن سعيد ، وصالح بن طيفور . ومن الأهواز : عيسى بن تمام ، وجعفر بن سعيد الضرير يعود بصيرا .
ومن الشام علقمة بن إبراهيم . ومن إصطخر المتوكل بن عبيد الله ، وهشام بن فاخر . ومن المولتان حيدر بن إبراهيم . ومن النيل شاكر بن عبدة . ومن القندابيل عمرو بن فروة . ومن المدائن ثمانية نفر : الأخوين الصالحين محمد وأحمد ابني المنذر ، وميمون بن الحارث ، ومعاذ بن علي بن عامر بن عبد الرحمان بن معروف بن عبد الله ، والحرسي بن سعيد ، وزهير بن طلحة ، ونصر ومنصور . ومن عكبرا زائدة بن هبة . ومن حلوان ماهان بن كثير ، وإبراهيم بن محمد . ومن البصرة : عبد الرحمان بن الأعطف بن سعد ، وأحمد بن مليح ، وحماد بن جابر . وأصحاب الكهف سبعة نفر مكسلمينا وأصحابه . والتاجران الخارجان من أنطاكية موسى بن عون ، وسليمان بن حر ، وغلامهما الرومي . والمستأمنة إلى الروم أحد عشر رجلاً : صهيب بن العباس ، وجعفر بن . . . ، وحلال بن حميد ، وضرار بن سعيد ، وحميد القدوسي ، والمنادي ، ومالك بن خليد ، وبكر بن الحر وحبيب بن حنان ، وجابر بن سفيان .
والنازلان بسرنديب وهما : جعفر بن زكريا ، ودانيال بن داود . ومن سندرا أربعة رجال : خور بن طرخان ، وسعيد بن علي ، وشاه بن بزرج ، وحر بن جميل . والمفقود من مركبه بشلاهط اسمه المنذر بن زيد . ومن سيراف وقيل شيراز ، الشك من مسعدة ، الحسين بن علوان . والهاربان إلى سردانية السري بن الأغلب ، وزيادة الله بن رزق الله . والمتخلي بصقلية أبو داود الشعشاع . والطواف لطلب الحق من يخشب ، وهو عبد الله بن صاعد بن عقبة . والهارب من بلخ من عشيرته أوس بن محمد . والمحتج بكتاب الله على الناصب من سرخس نجم بن عقبة بن داود . ومن فرغانة أزدجاه بن الوابص . ومن الترمد صخر بن عبد الصمد القنابلي ، ويزيد بن القادر . فذلك ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدد أهل بدر » .
--------------------------- 322 ---------------------------
الرواية الرابعة : في ملاحم ابن طاووس
روى في / 145 : ، عن فتن السليلي ، عن الأصبغ بن نباتة قال : « خطب أمير المؤمنين علي عليه السلام خطبة فذكر المهدي وخروج من يخرج معه وأسماءهم ، فقال له أبو خالد الحلبي : صفه لنا يا أمير المؤمنين ؟ فقال علي : ألا إنه أشبه الناس خلقاً وخلقاً وحسناً برسول الله صلى الله عليه وآله ، ألا أدلكم على رجاله وعددهم ؟ قلنا : بلى يا أمير المؤمنين قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله قال : أولهم من البصرة وآخرهم من اليمامة ، وجعل علي يعدد رجال المهدي والناس يكتبون فقال : رجلان من البصرة ورجل من الأهواز ، ورجل من عسكر مكرم ، ورجل من مدينة تستر ، ورجل من دورق ، ورجل من الباستان واسمه علي ، وثلاثة من اسمه : أحمد وعبد الله وجعفر ، ورجلان عن عمان محمد والحسن ، ورجلان من سيراف شداد وشديد ، وثلاثة من شيراز حفص ويعقوب وعلي ، وأربعة من أصفهان موسى وعلي وعبد الله وغلفان ، ورجل من أبدح واسمه يحيى ، ورجل من المرج واسمه داود ، ورجل من الكرخ واسمه عبد الله ، ورجل من بروجرد اسمه قديم ، ورجل من نهاوند واسمه عبد الرزاق ، ورجلان من الدينور عبد الله وعبد الصمد ، وثلاثة من همدان جعفر وإسحاق وموسى ، وعشرة من قم أسماؤهم على أسماء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله ورجل من خراسان اسمه دريد ، وخمسة من الذين أسماؤهم على أهل الكهف ، ورجل من آمل ، ورجل من جرجان ، ورجل من هراة ، ورجل من بلخ ، ورجل من قراح ، ورجل من عانة ، ورجل من دامغان ، ورجل من سرخس ، وثلاثة من السيار ، ورجل من ساوة ، ورجل من سمرقند ، وأربعة وعشرون من الطالقان ، وهم الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وآله : وفي خراسان كنوز لا ذهب ولا فضة ولكن رجال يجمعهم الله ورسوله ، ورجلان من قزوين ، ورجل من فارس ، ورجل من أبهر ، ورجل من برجان من جموح ، ورجل من شاخ ، ورجل من صريح ، ورجل من أردبيل ، ورجل من مراد ، ورجل من تدمر ، ورجل من أرمينية ، وثلاثة من المراغة ، ورجل من خوى ، ورجل من سلماس ، ورجل من بدليس ، ورجل من نسور ، ورجل من بركري ، ورجل من سرخيس ، ورجل من منارجرد ، ورجل من قلقيلا ، وثلاثة من واسط ، وعشرة من الزوراء ، وأربعة من الكوفة ، ورجل من القادسية ، ورجل من سوراء ، ورجل من السراة ، ورجل من النيل ، ورجل من
--------------------------- 323 ---------------------------
صيداء ورجل من جرجان ، ورجل من القصور ، ورجل من الأنبار ، ورجل من عكبرا ، ورجل من الحنانة ، ورجل من تبوك ، ورجل من الجامدة ، وثلاثة من عبادان ، وستة من حديثة الموصل ، ورجل من الموصل ، ورجل من مغلثايا ، ورجل من نصيبين ورجل من كازرون ، ورجل من فارقين ، ورجل من آمد ، ورجل من رأس العين ، ورجل من الرقة ورجل من حران ، ورجل من بالس ، ورجل من قبج ، وثلاثة من طرطوس ، ورجل من القصر ، ورجل من أدنة ، ورجل من خمرى ، ورجل من عرار ، ورجل من قورص ، ورجل من أنطاكية ، وثلاثة من حلب ، ورجلان من حمص ، وأربعة من دمشق ، ورجل من سورية ، ورجلان من قسوان ، ورجل من قيموت ، ورجل من صور ، ورجل من كراز ، ورجل من أذرح ، ورجل من عامر ، ورجل من دكار ، ورجلان من بيت المقدس ، ورجل من الرملة ، ورجل من بالس ، ورجلان من عكا ، ورجل من صور ، ورجل من عرفات ، ورجل من عسقلان ، ورجل من غزة ، وأربعة من الفسطاط ، ورجل من قرميس ، ورجل من دمياط ، ورجل من المحلة ، ورجل من الإسكندرية ، ورجل من برقة ، ورجل من طنجة ، ورجل من أفرنجة ، ورجل من القيروان ، وخمسة من السوس الأقصى ، ورجلان من قبرص ، وثلاثة من حميم ، ورجل من قوص ، ورجل من عدن ، ورجل من علالي ، وعشرة من مدينة الرسول صلى الله عليه وآله ، وأربعة من مكة ، ورجل من الطائف ، ورجل من الدير ، ورجل من الشيروان ، ورجل من زبيد ، وعشرة من مرو ، ورجل من الأحساء ، ورجل من القطيف ، ورجل من هجر ، ورجل من اليمامة ، قال عليه الصلاة والسلام : أحصاهم لي رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً بعدد أصحاب بدر يجمعهم الله من مشرقها إلى مغربها في أقل مما يتم الرجل عيناه عند بيت الله الحرام ، فبينا أهل مكة كذلك فيقولون أهل مكة : قد كبسنا السفياني ، فيشرفون أهل مكة فينظرون إلى قوم حول بيت الله الحرام ، وقد انجلى عنهم الظلام ولاح لهم الصبح وصاح بعضهم ببعض النجاة ، وأشرف الناس ينظرون وأمراؤهم يفكرون .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : وكأني أنظر إليهم والزي واحد والقد واحد والجمال واحد واللباس واحد ، كأنما يطلبون شيئاً ضاع منهم فهم متحيرون في أمرهم ، حتى يخرج إليهم من تحت ستار الكعبة في آخرها رجل أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله خلقاً وخلقاً وحسناً وجمالاً
--------------------------- 324 ---------------------------
فيقولون : أنت المهدي ؟ فيجيبهم ويقول : أنا المهدي فيقول : بايعوا على أربعين خصلة ، واشترطوا عشرة خصال . قال الأحنف : يا مولاي ، وما تلك الخصال ؟
فقال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : يبايعون على ألا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا ولا يهتكوا حريماً محرماً ولا يسبوا مسلماً ولا يهجموا منزلاً ولا يضربوا أحداً إلا بالحق ، ولا يركبوا الخيل الهماليج ولا يتمنطقوا بالذهب ، ولا يلبسوا الخز ولا يلبسوا الحرير ، ولا يلبسوا النعال الصرارة ، ولا يخربوا مسجداً ولا يقطعوا طريقاً ولا يظلموا يتيماً ، ولا يخيفوا سبيلاً ، ولا يحتسبوا مكراً ، ولا يأكلوا مال اليتيم ، ولا يفسقوا بغلام ، ولا يشربوا الخمر ولا يخونوا أمانة ، ولا يخلفوا العهد ، ولايحبسوا طعاماً من بر أو شعير ، ولا يقتلوا مستأمناً ولا يتبعوا منهزماً ولا يسفكوا دماً ، ولا يجهزوا على جريح ، ويلبسون الخشن من الثياب ويوسدون التراب على الخدود ، ويأكلون الشعير ، ويرضون بالقليل ، ويجاهدون في الله حق جهاده ، ويشمون الطيب ويكرهون النجاسة .
ويشرط لهم على نفسه ألا يتخذ صاحباً ، ويمشي حيث يمشون ، ويكون من حيث يريدون يرضى بالقليل ، ويملأ الأرض بعون الله عدلاً كما ملئت جوراً .
يعبد الله حق عبادته ، يفتح له خراسان ويطيعه أهل اليمن ، وتقبل الجيوش أمامه من اليمن فرسان همدان وخولان وجده . يمده بالأوس والخزرج ويشد عضده بسليمان ، على مقدمته عقيل وعلى ساقته الحرث ، ويكثر الله جمعه فيهم ويشد ظهره بمضر يسيرون أمامه ، ويخالف بجيلة وثقيف ومجمع وغداف ، ويسير بالجيوش حتى يترك وادي الفتن .
ويلحقه الحسني في اثني عشر ألفاً فيقول له : أنا أحق بهذا الأمر منك ، فيقول له : هات علامات دالة ، فيومي إلى الطير فيسقط على كتفه ، ويغرس القضيب الذي بيده فيخضر ويعشوشب ، فيسلم إليه الحسني الجيش ، ويكون الحسني على مقدمته .
وتقع الصيحة بدمشق أن أعراب الحجاز قد جمعوا لكم ، فيقول السفياني لأصحابه : ما يقول هؤلاء القوم ؟ فيقال له : هؤلاء أصحاب ترك وإبل ، ونحن أصحاب خيل وسلاح فأخرج بنا إليهم .
قال الأحنف : ومن أي قوم السفياني ؟ قال أمير المؤمنين عليه السلام : هو من بني أمية وأخواله
--------------------------- 325 ---------------------------
كلب وهو عنبسة بن مرة بن كليب بن سلمة بن عبد الله بن عبد المقتدر بن عثمان بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس ، أشد خلق الله شراً ، وألعن خلق الله حياً ، وأكثر خلق الله ظلماً ، فيخرج بخيله وقومه ورجاله وجيشه ، ومعه مائة ألف وسبعون ألفاً فينزل بحيرة طبرية ويسير إليه المهدي عن يمينه وعن شماله وجبرئيل أمامه ، فيسير بهم في الليل ويكمن بالنهار ، والناس يتبعونه ، حتى يواقع السفياني على بحيرة طبرية فيغضب الله على السفياني ، ويغضب خلق الله لغضب الله تعالى ، فترشقهم الطير بأجنحتها والجبال بصخورها والملائكة بأصواتها ، ولا تكون ساعة حتى يهلك الله أصحاب السفياني كلهم ، ولا يبقى على الأرض غيره وحده ، فيأخذه المهدي يذبحه تحت الشجرة التي أغصانها مدلاة على بحيرة طبرية ، ويملك مدينة دمشق .
ويخرج ملك الروم في مائة ألف صليب تحت كل صليب عشرة آلاف ، فيفتح طرسوساً بأسنة الرماح وينهب ما فيها من الأموال والناس ، ويبعث الله جبرئيل عليه السلام إلى المصيصة ومنازلها وجميع ما فيها فيعلقها بين السماء والأرض ، ويأتي ملك الروم بجيشه حتى ينزل تحت المصيصة فيقول : أين المدينة التي كان يتخوف الروم منها والنصرانية ؟ فيسمع فيها صوت الديوك ونباح الكلاب وصهيل الخيل فوق رؤوسهم ، وذكر الحديث » .
- *
--------------------------- 326 ---------------------------
--------------------------- 327 ---------------------------
الفصل الثالث عشر : ( الأبدال ، أحاديث الأبدال في مصادر أتباع الخلافة )
--------------------------- 328 ---------------------------
تحريف رواة الخلافة أحاديث الأبدال
الأبدال في أحاديث النبي وآله صلى الله عليه وآله اسم مدح لأصحاب المهدي عليه السلام الثلاثين أو أكثر ، الذين يلتقي بهم ويعملون معه في غيبته . وقد يوصف به أصحابه الخاصون الثلاث مئة وثلاثة عشر ، الذين يبايعونه عند ظهوره .
لكن كعباً ورواة الخلافة مدوا أيديهم إلى أحاديث الأبدال ، وجعلوها لمدح معاوية وأهل الشام ، وزعموا أنهم أبدال الله في أرضه ! ثم أغار عليها بعض المتصوفة وجعلوا شيوخهم أولياء الله الأبدال ، بدل أصحاب الإمام المهدي عليه السلام ، أو معهم !
وبهذا دخلت إلى مصادر المسلمين أحاديث كثيرة عن الأبدال منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله تزعم أنهم كلهم في الشام ، ثم تنازلوا فأعطوا جزءً منهم لمناطق المسلمين الأخرى ! كما جعلوا عددهم أول الأمر ثلاثين في كل عصر ، ثم زادوهم إلى أربعين ، ثم ستين حتى وصلوا إلى خمس مئة .
كما أعطوهم منزلة نبي الله إبراهيم عليه السلام فقالوا إنهم مثله ، لأن قلوبهم سليمة كقلبه !
قال أبو هريرة : « لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الرحمن ، بهم تُغاثون ، وبهم تُرزقون ، وبهم تُمطرون » . « الجامع الصغير : 2 / 422 » .
وكعادتهم في محاولة تصحيح مكذوباتهم نسبوها إلى علي عليه السلام وأنه مدح أهل الشام وأنهم الأبدال ، وكذلك إلى عبادة بن الصامت ، المعروف بعدائه لعثمان ومعاوية ! ففي تاريخ دمشق : 1 / 296 : « والأبدال بالشام ، وهم قليل » .
وروى الحاكم : 4 / 553 : « فلا تسبوا أهل الشام وسبوا ظلمتهم فإن فيهم الأبدال » .
وروى أحمد : 5 / 322 ، عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : « الأبدال في هذه الأمة ثلاثون مثل إبراهيم خليل الرحمن ، كلما مات رجل أبدل الله تبارك وتعالى مكانه رجلاً » .
ومجمع الزوائد : 10 / 62 : ، ونوادر الأصول / 69 ، وتهذيب ابن عساكر : 1 / 61 62 ، والمقاصد الحسنة / 8 ، والجامع الصغير : 1 / 470 ، وصححه . وجمع الجوامع : 1 / 661 ، وفيض القدير : 3 / 168 ، وكشف الخفاء : 1 / 24 وكرامات الأولياء / 32 ، ومسند الشاشي : 3 / 215 ، وجامع المسانيد : 7 / 135 ، والمسند الجامع : 8 / 112 .
ثم زادوا عددهم إلي أربعين وثمانين وخمس مائة
روى أحمد : 1 / 112 ، عن علي عليه السلام : « قالوا له : إلعن أهل الشام يا أمير المؤمنين ، فقال : لا ،
--------------------------- 329 ---------------------------
إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : الأبدال يكونون بالشام ، وهم أربعون رجلاً ، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً . يُسقى بهم الغيث ، ويُنتصر بهم على الأعداء ، ويُصرف عن أهل الشام بهم العذاب » .
وفي الفردوس : 1 / 119 ، عن أنس : الأبدال أربعون رجلاً وأربعون امرأة ، كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلاً ، وكلما ماتت امرأة أبدل الله مكانها امرأة .
وفي الطبراني الكبير : 10 / 224 ، وكرامات الأولياء / 44 ، عن ابن مسعود قال : « قال رسولالله صلى الله عليه وآله : لا يزال أربعون رجل من أمتي قلوبهم على قلب إبراهيم ، يدفع الله بهم عن أهل الأرض يقال لهم الأبدال » . وفي تهذيب ابن عساكر : 1 / 63 ، . ومجمع الزوائد : 10 / 63 عن الطبراني . والجامع الصغير : 1 / 471 ، و : 2 / 422 ، وحسنه .
وفي كشف الخفاء / 25 و 26 ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « إن أبدال أمتي لم يدخلوا الجنة بالأعمال ، ولكن دخلوها برحمة الله تعالى ، وسخاوة النفس ، وسلامة الصدر ، والرحمة لجميع المسلمين » .
وفي فضائل الشام / 42 ، عن علي بن أبي طالب قال : « سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن الأبدال ؟ فقال : هم ستون رجلاً » .
وفي نوادر الأصول للترمذي / 69 ، عن أنس قال : « البدلاء أربعون رجلاً ، اثنان وعشرون بالشام ، وثمانية عشر بالعراق ، وكلما مات واحد بُدِّل بآخر ، فإذا كان عند القيامة ماتوا كلهم » .
وفي الطبراني الكبير : 18 / 65 : « لا تسبوا أهل الشام ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : فيهم الأبدال ، وبهم تنصرون وبهم ترزقون » .
وفي الجامع الصغير : 1 / 470 : « الأبدال بالشام وهم أربعون رجلاً ، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً . يُسقى بهم الغيث ويُنتصر بهم على الأعداء ، ويُصرف عن أهل الشامبهم العذاب . الأبدال أربعون رجلاً وأربعون امرأة ، كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلاً ، وكلما ماتت امرأة أبدل الله تعالى مكانها امرأة » .
ورجح ابن عربي أن يكونوا سبعة ، وطبيعي أنه جعل نفسه رئيسهم ! قال في فتوحاته : 2 / 13 : « لكونهم أربعين عند من يقول إن الأبدال أربعون نفساً ، ومنهم من يقول سبعة أنفس ،
--------------------------- 330 ---------------------------
وسبب ذلك أنهم لم يقع لهم التعريف من الله بذلك » .
وقال أبو نعيم في حلية الأولياء : 1 / 8 ، عن ابن عمر قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : خيار أمتي في كل قرن خمس مائة ، والأبدال أربعون ، فلا الخمس مائة ينقصون ولا الأربعون ، كلما مات رجل أبدل الله عز وجل من الخمس مائة مكانة ، وأدخل من الأربعين مكانهم . قالوا : يا رسول الله دلنا على أعمالهم ؟ قال : يعفون عمن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساء إليهم ، ويتواسون فيما آتاهم الله عز وجل » . وحلية الأولياء : 3 / 172 عن الطبراني ، والقول المسدد / 108 ، وكشف الخفاء / 25 ، عن ابن عمر . راجع الكثير الذي رووه فيهم ، وصححوه ، كما في الدر المنثور : 1 / 320 .
وفي حلية الأولياء : 1 / 8 ، عن ابن عمر : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : خيار أمتي في كل قرن خمس مائة ، والأبدال أربعون ، فلا الخمس مائة ينقصون ولا الأربعون ، كلما مات رجل أبدل الله عز وجل من الخمس مائة مكانة » . فأوصل عددهم إلى خمس مئة .
في كل وادٍ أثرٌ من ثعلبة !
وفي كل تحريف إبحث عن كعب الأحبار ! ولا مبالغة في ذلك بعد أن رأيت مزاعمه في الدجال ، ومدائحه لمعاوية والشام ، وذمه للحجاز ومصر ! وقد ضرب هذا المثل لكعب الشيخ أبو رية في كتابه أضواء على السنة النبوية / 134 ، لتدخل كعب في حديث الأبدال الذي رواه ابن عساكر : 1 / 296 ! فقد كان كعب صاحب نفوذ وقداسة وهيمنة على رواة الخلافة ، بل على الخليفة نفسه ، ويكفي أن تقرأ أنه أقنع عمر بن الخطاب وجماعته بكذبة مفضوحة هي أن الجراد يولد من أنف الحوت ، وأفتى بأن صيده للمحرم حلال ، لأنه من صيد البحر لا البر ، فالحوت يعطس وينثره من أنفه كل ستة أشهر مرة ، وسماه : نَثْرَة الحوت !
ففي موطأ مالك : 1 / 352 وعبد الرزاق : 4 / 435 : « لما كان ببعض الطريق طريق مكة مرَّت رِجْلٌ « قطعة » من جراد ، فأمرهم كعب أن يأخذوا فيأكلوا ، فلما قدموا على عمر ذكروا ذلك له فقال : ما حملك على أن تفتيهم بهذا ؟ قال : هو من صيد البحر ، قال : وما يدريك ؟ قال : يا أمير المؤمنين ! والذي نفسي بيده ، إن هو إلا نَثرةُ حوتٍ ينثرهُ في كل عام مرتين » .
وتبرع علماء الخلافة فجعلوا كذبة كعب فتوى دينية ، بل حديثاً نبوياً ! ورواه أبو داود ،
--------------------------- 331 ---------------------------
وابن ماجة : 2 / 1074 ، وزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « إن الجراد نثرة الحوت في البحر » ! وزاد الراوي الكذاب أنه شخصياً رأى الحوت يعطس وينثر الجراد ! قال ابن ماجة : « قال زياد : فحدثني من رأى الحوت ينثره » ! ثم أفتى به الشافعي وابن حنبل ! « المغني ابن قدامة : 3 / 534 » .
فهذه واحدة من هرطقات كعب الحسية المفضوحة التي ما زالت إلى يومنا تصيح وتصرخ ! ومع ذلك يصرون عليها ويجعلونها أحاديث نبوية ! وقد وقف أهل البيت عليهم السلام أمام هذه الهرطقة اليهودية ! ففي الكافي : 4 / 393 ، أن علياً عليه السلام : « مرَّ على قوم يأكلون جراداً ، فقال : سبحان الله وأنتم محرمون ؟ ! فقالوا : إنما هو من صيد البحر . فقال لهم : إرمسوه في الماء إذاً » !
وقالوا إن الأبدال خلفاء الأنبياء عليهم السلام وإنهم عجمٌ لا عربَ فيهم !
في تفسير القرطبي : 3 / 259 : « اختلف العلماء في الناس المدفوع بهم الفساد مَن هم ؟ فقيل : هم الأبدال ، وهم أربعون رجلاً ، كلما مات واحد بدَّل الله آخر ، فإذا كان عند القيامة ماتوا كلهم ! اثنان وعشرون منهم بالشام ، وثمانية عشر بالعراق . وخرج أيضاً عن أبي الدرداء قال : إن الأنبياء كانوا أوتاد الأرض ، فلما انقطعت النبوة أبدل الله مكانهم قوماً من أمة محمد صلى الله عليه وآله يقال لهم الأبدال فهم خلفاء الأنبياء ، قوم اصطفاهم الله لنفسه ، واستخلصهم بعلمه لنفسه ، وهم أربعون صدِّيقاً ، منهم ثلاثون رجلاً على مثل يقين إبراهيم خليل الرحمن . . . لا يموت الرجل منهم حتى يكون الله قد أنشأ من يخلفه » . وقصده بالمدفوع بهم الفساد ، أن علماء السنة متفقون على وجود جماعة يدفع الله بهم فساد المجتمع البشري واختلال نظام الطبيعة ، لكن الكلام في معرفتهم .
وقد أخذوا هذه الفكرة من قول النبي صلى الله عليه وآله في الأئمة من عترته عليهم السلام الذين يدفع الله بهم الفساد ، ولا تخلو الأرض من أحدهم ، ولو خليت لساخت بأهلها ! فانظر كيف أنكرت الأمة وصية نبيها بعترته ، وأغارت على ما خصهم الله به ، وجعلته لأناس من عوامها !
ويظهر أن المحرفين كانوا عجماً ، لأنهم حصروا الأبدال بهم وحرموا منهم العرب ! قال أبو داود في سننه : 2 / 30 ، يصف عنبسة بن عبد الواحد القرشي الأموي : « كنا نقول : إنه من الأبدال ، قبل أن نسمع أن الأبدال من الموالي » !
--------------------------- 332 ---------------------------
وفي سؤالات الآجري لأبي داود : 1 / 204 : « سئل أبو داود عن عنبسة بن عبد الواحد القرشي قال : سمعت محمد بن عيسى يقول : كنا نرى أنه من الأبدال ، حتى سمعنا أن الأبدال من الموالي . ثنا أبو داود ، نا محمد بن عيسى بن الطباع ، نا ابن فضيل عن أبيه عن الرحال بن سالم عن عطاء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الأبدال من الموالي ، ولا يبغض الموالي إلا منافق » . ومحمد بن عيسى موثق عندهم « سؤالات الآجري : 1 / 201 » فهو لا يقبل أن يكون عنبسة الأموي من الأبدال لأنه عربي والأبدال كلهم موالي ! ولا تعجب فأئمة مذاهب الخلافة ومؤلفو مصادرها ، كلهم من الموالي !
وقد حاول بعضهم « شرح أبي داود : 8 / 151 » أن يفسر الموالي بالشرفاء ليجعل بني أمية منهم ، وهي محاولة فاشلة ! قال المناوي في فيض القدير : 3 / 220 : « الأبدال من الموالي » : ظاهره أن هذا هو الحديث بتمامه وليس كذلك ، بل بقيته عند مخرجه الحاكم ولا يبغض الموالي إلا منافق . اه - .
وفي بعض الروايات أن من علامتهم أيضاً أنه لا يولد لهم ، وأنهم لا يلعنون شيئاً ! قال الغزالي : إنما استتر الأبدال عن أعين الناس والجمهور ، لأنهم لا يطيقون النظر إلى علماء الوقت ، لأنهم عندهم جهال بالله ، وهم عند أنفسهم وعند الجهلاء علماء ! خاتمة : قال ابن عربي الأوتاد الذين يحفظ الله بهم العالم أربعة فقط ، وهم أخص من الأبدال ، والإمامان أخص منهم ، والقطب أخص الجماعة . والأبدال لفظ مشترك يطلقونه على من تبدلت أوصافه المذمومة بالمحمودة ، ويطلقونه على عدد خاص ، وهم أربعون وقيل ثلاثون وقيل سبعة ، ولكل وتد من الأوتاد الأربعة ركن من أركان البيت ، ويكون على قلب عيسى له اليماني ، والذي على قلب نبي من الأنبياء . فالذي على قلب آدم له الركن الشامي ، والذي على قلب إبراهيم له العراقي ، والذي على قلب محمد له ركن الحجر الأسود ، وهو لنا بحمد الله » !
فانظر إلى هذه الدرجات التي يعطيها لنفسه ، وهي كدرجات الأنبياء عليهم السلام وأعظم !
هذا ، وقد أيد المناوي انتقاد السيوطي لابن تيمية لإنكاره أحاديث الأبدال ، فقال : « وإنما خالف المصنف « أي السيوطي » عادته باستيعاب هذه الطرق ، إشارة إلى بطلان زعم ابن تيمية أنه لم يرد لفظ الأبدال في خبر صحيح ولا ضعيف إلا في خبر منقطع ! فقد أبانت هذه الدعوى عن تهوره ومجازفته . وليته نفى الرواية بل نفى الوجود وكذَّب من ادعى
--------------------------- 333 ---------------------------
الورود . . وهذه الأخبار وإن فرض ضعفها جميعها ، لكن لا ينكر تقوي الحديث الضعيف بكثرة طرقه وتعدد مخرجيه ، إلا جاهل بالصناعة الحديثية ، أو معاند متعصب » .
وقالوا علامة الواحد من الأبدال أن يكون عقيماً !
قال ابن حجر في لسان الميزان : 2 / 506 : « قال الإمام أحمد رضي الله عنه : من علامة الأبدال أنه لا يولد لهم ، وكان حماد بن سلمة من الأبدال ، ولم يولد له » !
وفي تهذيب الكمال : 7 / 264 : « وقال شهاب بن المعمر البلخي : كان حماد بن سلمة يُعد من الأبدال ، وعلامة الأبدال أن لا يولد لهم ، تزوج سبعين امرأة فلم يولد له » . بل جعلوا ذلك حديثاً عن علي عليه السلام ! ففي مغني المحتاج : 1 / 11 : « عن علي رضي الله تعالى عنه : الأبدال بالشام والنجباء بمصر والعصائب بالعراق ، أي الزهاد ، وعلامة الأبدال أن لا يولد لهم » .
وهوكلام نسخوه من اليهودية والنصرانية نسخاً !
وبسبب الأبدال وقعوا في عقيدة الإمامة الربانية !
فرَّ أتباع الخلافة من عقيدة الإمامة الربانية ، لكنهم وقعوا فيها في عقيدة الأبدال ! فالأبدال عندهم نخبة مختارة في كل عصر ، وكلَّما مات منهم شخصٌ استبدله الله بآخر ، وهم سبب الرزق والمطر والنصر !
وبعملهم هذا فرضوا على الله تعالى منظومة أئمة ، لم ينزل بهم سلطاناً ! وجعلوهم خلفاء النبي صلى الله عليه وآله ووسائط الرحمة ، ثم فرضوا على الله إعطاء هذا المقام لمن هب ودب بشرط أن يكون من العجم لامن العرب ! وزعموا أن من قال كل يوم : « اللهم ارحم أمة محمد » يكون من الأبدال ، ويصير خليفة للنبي صلى الله عليه وآله به ترزق الأمة وتنصر وتحيا !
قال العجلوني في كشف الخفاء : 1 / 28 : « فائدة : للأبدال علامات : منها ما ورد في حديث مرفوع : ثلاث من كن فيه فهو من الأبدال : الرضا بالقضاء ، والصبر عن المحارم ، والغضب لله . ومنها : ما نقل عن معروف الكرخي أنه قال : من قال : اللهم ارحم أمة محمد في كل يوم كتبه الله من الأبدال . وهو في الحلية لأبي نعيم بلفظ : من قال في كل يوم عشر مرات اللهم أصلح أمة محمد ، اللهم فرج عن أمة محمد ، اللهم ارحم أمة محمد ، كتب من الأبدال . ومنها :
--------------------------- 334 ---------------------------
ما نقل عن بعضهم أنه قال : علامة الأبدال أنهم لا يولد لهم » . انتهى .
والعجيب أنهم رفضوا منظومة الأئمة الربانيين من العترة الطاهرة عليهم السلام وأحاديثهم صحيحة متواترة ! وآمنوا بالأبدال والأولياء ، وأحاديثهم قليلة وفيها مكذوب ! وقد تنبه ابن تيمية إلى لوازم عقيدة الأبدال فأنكرهم ، كما تنبه إلى أن لوازم حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » وأنه يحصر تلقي الدين الصحيح بعلي عليه السلام فأنكره !
لكنه وقع في تناقض فوقع من الجهة الأخرى من السطح ! فأعطى مقام الأبدال ومقام الأئمة عليهم السلام إلى السحرة وشياطين الجن ! وزعم أنهم يقدرون على المعجزات ، ونقل عنهم معجزات لا يقبلها للنبي والأئمة من عترته صلى الله عليه وآله ! وزعم أنه شخصياً عنده جني يتمثل به ، ويفعل له الخيرات !
قال الترمذي في نوادر الأصول : 1 / 263 : « عن حذيفة بن اليمان قال : الأبدال بالشام وهم ثلاثون رجلاً ، على منهاج إبراهيم عليه السلام ، كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر ، فالعصب بالعراق أربعون رجلاً ، كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر ، عشرون منهم على اجتهاد عيسى بن مريم ، وعشرون منهم قد أوتوا مزامير آل داود ، والعصب رجال تشبه الأبدال . . . وروي في الخبر أن الأرض شكت إلى الله تعالى ذهاب الأنبياء وانقطاع النبوة ، فقال لها : سوف أجعل على ظهرك صديقين أربعين فسكنت » !
وقال القيصري في شرح الفصوص / 129 : « وعند انقطاع النبوة أعني نبوة التشريع بإتمام دائرتها وظهور الولاية من الباطن ، انتقلت القطبية إلى الأولياء مطلقاً ، فلا يزال في هذه المرتبة واحد منهم قائم في هذا المقام ، لينحفظ به هذا الترتيب والنظام » .
وهكذا تمسك القوم بالظني ، وردوا حديث النبي صلى الله عليه وآله القطعي الذي دلهم على إمام الأبدال بقوله صلى الله عليه وآله : « إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي . . وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروني بم تخلفوني فيهما » . « مسند أحمد : 3 / 17 و 14 و 26 و 59 ، وعشرات المصادر » .
فالحمد لله الذي هدانا لولاية العترة الطاهرة عليهم السلام ، وأعاذنا من ولاية الأنداد الذين اخترعهم الناس !
- *
--------------------------- 335 ---------------------------
الفصل الرابع عشر : ( نصر بالملائكة ، ينصر الله الإمام المهدي بالملائكة )
--------------------------- 336 ---------------------------
ينادي جبرئيل باسم المهدي عليه السلام واسم أبيه عليه السلام
وقد روت أحاديث هذا النداء مصادر الجميع ، ومن رواياته : « ينادي منادٍ من السماء باسم القائم ، فيسمع ما بين المشرق إلى المغرب ، فلا يبقى راقد إلا قام ، ولا قائم إلا قعد ، ولا قاعد إلا قام على رجليه من ذلك الصوت ، وهو صوت جبرئيل الروح الأمين » . « غيبة الطوسي » / 274
أول من يبايعه جبرئيل عليه السلام وتأتيه أجناد الملائكة
الإرشاد / 363 : « عن الصادق عليه السلام قال : إذا أذن الله تعالى للقائم في الخروج ، صعد المنبر فدعا الناس إلى نفسه ، وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقه ، وأن يسير فيهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله ويعمل فيهم بعمله ، فيبعث الله جل جلاله جبرئيل عليه السلام حتى يأتيه ، فينزل على الحطيم يقول : إلى أي شئ تدعو ؟ فيخبره القائم فيقول جبرئيل : أنا أول من يبايعك ، أبسط يدك فيمسح على يده ، وقد وافاه ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً فيبايعونه ويقيم بمكة حتى يتم أصحابه عشرة آلاف نفس ، ثم يسير منها إلى المدينة » .
وفي العياشي : 2 / 254 : « عن الصادق عليه السلام : إن أول من يبايع القائم جبرئيل عليه السلام ينزل عليه في صورة طير أبيض فيبايعه ، ثم يضع رجلاً على البيت الحرام ورجلاً على بيت المقدس ، ثم ينادي بصوت رفيع يسمعه الخلائق : أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ » .
وفي النعماني / 314 : « عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى : أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ، قال : نزلت في القائم عليه السلام وكان جبرئيل عليه السلام على الميزاب في صورة طيرأبيض ، فيكون أول خلق الله مبايعة له أعني جبرئيل ، ويبايعه الناس الثلاث مائة وثلاثة عشر ، فمن كان ابتلي بالمسير وافى في تلك الساعة ، ومن لم يبتل بالمسير فُقد من فراشه ، وهو قول أمير المؤمنين عليه السلام : المفقودون من فرشهم وهو قول الله عز وجل : فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً . قال : الخيرات الولاية لنا أهل البيت » .
وفي دلائل الإمامة / 472 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا أراد الله قيام القائم بعث جبرئيل في صورة طائر أبيض ، فيضع إحدى رجليه على الكعبة والأخرى على بيت المقدس ثم ينادي بأعلى صوته : أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ، قال : فيحضر القائم فيصلي
--------------------------- 337 ---------------------------
عند مقام إبراهيم عليه السلام ركعتين ، ثم ينصرف وحواليه أصحابه ، وهم ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً إن فيهم لمن يسري من فراشه ليلاً . فيخرج ومعه الحجر فيلقيه فتُعشب الأرض » .
وفي غيبة النعماني / 204 ، و 251 : « عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله الله عز وجل : أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ، قال : هو أمرنا ، أمر الله عز وجل أن لا يُستعجل به حتى يؤيده الله بثلاثة أجناد : الملائكة ، والمؤمنين ، والرعب . وخروجه عليه السلام كخروج رسول الله صلى الله عليه وآله ، وذلك قوله تعالى : كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ » .
وفي الكافي : 4 / 184 : « عن بكير بن أعين قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : لأي علة وضع الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يوضع في غيره ، ولأي علة يُقَبَّل ، ولأي علة أخرج من الجنة ، ولأي علة وضع الميثاق والعهد فيه ولم يوضع في غيره ، وكيف السبب في ذلك ؟ تخبرني جعلني الله فداك فإن تفكري فيه لعجب .
قال : فقال عليه السلام : سألت وأعضلت في المسألة واستقصيت فافهم الجواب ، وفرغ قلبك وأصغ سمعك ، أخبرك إن شاء الله : إن الله تبارك وتعالى وضع الحجر الأسود وهي جوهرة أخرجت من الجنة إلى آدم عليه السلام فوضعت في ذلك الركن لعلة الميثاق ، وذلك أنه لما أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ، حين أخذ الله عليهم الميثاق في ذلك المكان ، وفي ذلك المكان تراءى لهم ، ومن ذلك المكان يهبط الطير على القائم ، فأول من يبايعه ذلك الطائر وهو والله جبرئيل ، وإلى ذلك المقام يسند القائم ظهره ، وهو الحجة والدليل على القائم عليه السلام ، وهو الشاهد لمن وافاه في ذلك المكان ، والشاهد على من أدى إليه الميثاق والعهد الذي أخذ الله عز وجل على العباد » .
وفي الهداية / 31 : « عن مدلج بن هارون بن سعيد قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول لعمر ، في كلام طويل ، إلى أن قال : فبكى عمر وقال : إني أعوذ بالله مما تقول ، قال : فهل لذلك علامة ؟ قال : نعم ، قتل فظيع وموت سريع وطاعون شنيع ، ولا يبقى من الناس في ذلك الوقت إلا ثلثهم ، وينادي مناد من السماء باسم رجل من ولدي ، وتكثر الآيات حتى يتمنى الأحياء الموت مما يرون من الأهوال ، فمن هلك استراح ، ومن يكون له عند الله خير نجا ، ثم يظهر رجل من ولدي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، يأتيه الله ببقايا
--------------------------- 338 ---------------------------
قوم موسى عليه السلام ويجئ له أصحاب الكهف ، ويؤيده الله بالملائكة والجن وشيعتنا المخلصين ، وينزل من السماء قطرها ، وتخرج الأرض نباتها » .
مع المهدي عليه السلام راية النبي صلى الله عليه وآله وملائكتها
النعماني / 307 : « عن أبي بصير : قال أبو عبد الله عليه السلام : لا يخرج القائم حتى يكون تكملة الحلقة ، قلت : وكم الحلقة ؟ قال : عشرة آلاف . جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، ثم يهز الراية ويسير بها فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلا لعنها . وهي راية رسول الله صلى الله عليه وآله نزل بها جبرئيل يوم بدر . ثم قال : يا أبا محمد ، ما هي والله قُطْنٌ ولا كتان ولا قزٌّ ولا حرير ، قلت : فمن أي شئ هي ؟ قال : من ورق الجنة . نشرها رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر ، ثم لفّها ودفعها إلى علي عليه السلام ، لم تزل عند علي حتى إذا كان يوم البصرة نشرها أمير المؤمنين عليه السلام ففتح الله عليه ثم لفها . وهي عندنا هناك لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم ، فإذا هو قام نشرها ، فلم يبق أحد في المشرق والمغرب إلا لعنها ، ويسير الرعب قدامها شهراً ووراءها شهراً ، وعن يمينها شهراً ، وعن يسارها شهراً ! ثم قال : يا أبا محمد إنه يخرج موتوراً غضبان أسفاً ، لغضب الله على هذا الخلق ، يكون عليه قميص رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كان عليه يوم أحد ، وعمامته السحاب ، ودرعه السابغة ، وسيفه ذو الفقار . يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً ، فأول ما يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة وينادي مناديه : هؤلاء سراق بيت الله . ثم يتناول قريشاً ، فلا يأخذ منها إلا السيف ، ولا يعطيها إلا السيف . ولا يخرج القائم عليه السلام حتى يُقرأ كتابان كتاب بالبصرة وكتاب بالكوفة بالبراءة من علي عليه السلام » .
وعنه في البحار : 52 / 367 ، وفيه : « يجتمعون قزعاً كقزع الخريف من القبائل ، ما بين الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة والستة والسبعة والثمانية والتسعة والعشرة » .
ولا بد أن يكون معنى قوله عليه السلام : ولا يخرج القائم عليه السلام حتى يُقرأ كتابان بالبراءة من علي . . الخ . أي تعلن البراءة من علي وشيعته ، في هذين البلدين من قبل حركانت ناصبية ، كما نشاهد في داعش وغيرها .
--------------------------- 339 ---------------------------
في مقدمته جبرئيل وفي ساقته إسرافيل عليهم السلام
الإختصاص / 208 : « عن حذيفة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إذا كان عند خروج القائم ، ينادي مناد من السماء : أيها الناس قُطع عنكم مدة الجبارين ، وولي الأمر خير أمة محمد ، فالحقوا بمكة . فيخرج النجباء من مصر ، والأبدال من الشام وعصائب العراق ، رهبان بالليل ليوث بالنهار ، كأن قلوبهم زبر الحديد ، فيبايعونه بين الركن والمقام . قال عمران بن الحصين : يا رسول الله صف لنا هذا الرجل ، قال : هو رجل من ولد الحسين ، كأنه من رجال شنوءة ، عليه عباءتان قطوانيتان ، اسمه اسمي ، فعند ذلك تفرح الطيور في أوكارها ، والحيتان في بحارها ، وتمد الأنهار وتفيض العيون ، وتُنبت الأرض ضعف أكلها ، ثم يسير مقدمته جبرئيل وساقته إسرافيل ، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
وروت نحو ذلك مصادر السنيين ، كابن حماد : 1 / 356 : « عن كعب قال : قادة المهدي خير الناس ، أهل نصرته وبيعته من أهل كوفان واليمن ، وأبدال الشام ، مقدمته جبريل وساقته ميكائيل ، محبوب في الخلائق ، يطفئ الله تعالى به الفتنة العمياء ، وتأمن الأرض ، حتى إن المرأة لتحج في خمس نسوة ما معهن رجل ، لا تتقي شيئاً إلا الله . تعطي الأرض زكاتها ، والسماء بركتها » .
وفي ابن حماد : 1 / 366 : « عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : المهدي مولده بالمدينة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله اسمه اسم نبي ومهاجره بيت المقدس ، كثُّ اللحية أكحل العينين ، براق الثنايا ، في وجهه خال ، أقنى أجلى ، في كتفه علامة النبي صلى الله عليه وآله . يخرج براية النبي من مرط مخملة سوداء مربعة فيها حجر ، لم تنشر منذ توفي رسول الله صلى الله عليه وآله ولا تنشر حتى يخرج المهدي عليه السلام ، يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة يضربون وجوه من خالفهم وأدبارهم ، يبعث وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين » .
وعنه الشافعي / 515 ، وعقد الدرر / 37 والحاوي : 2 / 73 ، وجمع الجوامع : 2 / 104 . وفي تذكرة القرطبي : 2 / 700 : وفيه : تكون الملائكة بين يديه .
--------------------------- 340 ---------------------------
وينصره الله بأنواع من الملائكة
في النعماني / 195 : « أن أمير المؤمنين عليه السلام قال على المنبر : إذا هلك الخاطب وزاغ صاحب العصر ، وبقيت قلوب تتقلب فمن مخصب ومجدب ، هلك المتمنون ، واضمحل المضمحلون ، وبقي المؤمنون وقليل ما يكونون ، ثلاث مائة أو يزيدون ، تجاهد معهم عصابة جاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر ، لم تقتل ولم تَمُت » . ثم قال النعماني رحمه الله : معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام وزاغ صاحب العصر : أراد صاحب هذا الزمان الغائب الزائغ عن أبصار هذا الخلق لتدبير الله الواقع . . ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام : « تجاهد معهم عصابة جاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر لم تقتل ولم تمت : يريد أن الله عز وجل يؤيد أصحاب القائم عليه السلام هؤلاء الثلاث مائة والنيف الخُلَّص بملائكة بدر ، وهم أعدادهم » .
وفي مختصر البصائر / 212 : « عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول : لو قد خرج قائم آل محمد لَينصره الله بالملائكة المسومين ، والمردفين ، والمنزلين ، والكروبيين . يكون جبرئيل عليه السلام أمامه ، وميكائيل عن يمينه ، وإسرافيل عن يساره ، والرعب مسيرة شهر أمامه ، وخلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، والملائكة المقربون حذاءه . أول ما يبايعه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي صلوات الله عليه . معه سيف مخترط . يفتح الله له الروم ، والصين ، والترك ، والديلم ، والسند ، والهند ، وكابل شاه ، والخزر . يا أبا حمزة ، لا يقوم القائم إلا على خوف شديد وزلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس ، وطاعون قبل ذلك ، وسيف قاطع بين العرب ، واختلاف شديد بين الناس ، وتشتت في دينهم ، وتغير من حالهم ، حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساء من عظم ما يرى من كَلَب الناس وأكل بعضهم بعضاً .
وخروجه إذا خرج عند الأياس والقنوط ، فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره ، والويل كل الويل لمن ناواه وخالف أمره ، وكان من أعدائه .
ثم قال : يقوم بأمر جديد ، وكتاب جديد ، وسُنة جديدة ، وقضاء جديد ، على العرب شديد . ليس شأنه إلا القتل ، لايستتيب أحداً ولا تأخذه في الله لومة لائم » .
وفي كامل الزيارات / 84 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : وكَّل الله تعالى بالحسين عليه السلام سبعين ألف ملك يصلون عليه كل يوم ، شعثاً غبراً منذ يوم قتل إلى ما شاء الله ، يعني بذلك قيام القائم » .
--------------------------- 341 ---------------------------
وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 233 : « عن الريان بن شبيب قال : دخلت على الرضا في أول يوم من المحرم . . فقال من حديث : ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فلم يؤذن لهم ، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم عليه السلام فيكونون من أنصاره ، وشعارهم يا لثارات الحسين » .
وفي كامل الزيارات / 119 : « عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كأني بالقائم على نجف الكوفة وقد لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله ، فينتفض هو بها فتستدير عليه ، فيغشِّيها بحداجة من إستبرق ، ويركب فرساً أدهم بين عينيه شمراخ ، فينتفض به انتفاضة لا يبقي أهل بلد إلا وهم يرون أنه معهم في بلادهم .
فينشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله عمودها من عمود العرش وسائرها من نصر الله ، لا يهوي بها إلى شئ أبداً إلا هتكه الله ، فإذا هزّها لم يبق مؤمن إلا صار قلبه كزبر الحديد ، ويعطى المؤمن قوة أربعين رجلاً ، ولا يبقى مؤمن إلا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره ، وذلك حين يتزاورون في قبورهم ويتباشرون بقيام القائم ، فينحط عليه ثلاثة عشر ألف ملك وثلاث مائة وثلاثة عشر ملكاً ! قلت : كل هؤلاء الملائكة ؟ قال : نعم ، الذين كانوا مع نوح عليه السلام في السفينة ، والذين كانوا مع إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار ، والذين كانوا مع موسى عليه السلام حين فلق البحر لبني إسرائيل ، والذين كانوا مع عيسى عليه السلام حين رفعه الله إليه ، وأربعة آلاف ملك مع النبي صلى الله عليه وآله مسومين وألف مردفين ، وثلاث مائة وثلاثة عشر ملائكة بدريين ، وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين عليه السلام فلم يؤذن لهم في القتال ، فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة ، ورئيسهم ملك يقال له منصور ، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه ولا يودعه مودع إلا شيعوه ، ولا يمرض مريض إلا عادوه ، ولا يموت ميت إلا صلوا على جنازته واستغفروا له بعد موته . وكل هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم عليه السلام إلى وقت خروجه » .
أقول : يسأل البعض كيف يعرف الإمام الصادق عليه السلام خبر الملائكة وهل يوحى اليه ؟ والجواب : أن الأئمة عليهم السلام عندهم علمٌ كتبه لهم جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله . كما أن الوحي الذي انقطع بوفاة النبي صلى الله عليه وآله هو وحي النبوة وليس وحي الإمامة ، وقد أوحى الله تعالى إلى أم موسى وإلى النحل !
--------------------------- 342 ---------------------------
« راجع في علم الأئمة عليهم السلام كتاب : ينابيع المعاجز وأصول الدلائل للسيد البحراني قدس سره » .
وفي النعماني / 244 : « عن علي بن أبي حمزة قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إذا قام القائم صلوات الله عليه ، نزلت ملائكة بدر وهم خمسة آلاف ، ثلثٌ على خيول شهب ، وثلثٌ على خيول بُلْق ، وثلث على خيول حُوّ ، قلت : وما الحُوُّ ؟ قال : هي الحمر » .
وفي تفسير العياشي : 1 / 197 : « عن ضريس عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الملائكة الذين نصروا محمداً صلى الله عليه وآله يوم بدر في الأرض ، ما صعدوا بعدُ ولايصعدون حتى ينصروا صاحب هذا الأمر ، وهم خمسة آلاف » .
- *
--------------------------- 343 ---------------------------
الفصل الخامس عشر : ( المؤمنون الثابتون ، فضل المؤمنين الثابتين في غيبته عليه السلام )
--------------------------- 344 ---------------------------
أيها المستعجلون : إن الله لا يعجل لعجلة العباد !
إن مشروع إنهاء الظلم من الأرض وإقامة دولة العدل الإلهي مشروعٌ ضخمٌ ، وهو من صلب المخطط الرباني لحياة الإنسان ، لكن استيعابه يحتاج إلى رقيٍّ فكري ، ورسوخِ إيمان . لهذا كانت مشكلة الناس أنهم يستعجلون النصر ، بينما بنى الله عز وجل فعله على قوانين وحِكم ، يعلمها هو ولا يعلمها الناس .
ولهذا وجه النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام الناس لأن يوسعوا أفقهم وينتظروا الفرج . ففي الكافي : 1 / 369 ، قال مُهزَّم : « ذكرنا عنده - الصادق عليه السلام - ملوك آل فلان فقال : إنما هلك الناس من استعجالهم لهذا الأمر ، إن الله عز وجل لا يعجل لعجلة العباد ، إن لهذا الأمر غاية ينتهي إليها ، فلو قد بلغوها لم يستقدموا ساعة ولم يستأخروا » .
وروت مصادر السنيين شبيهاً بذلك ففي في سنن الترمذي : 5 / 565 : « عن عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : سلوا الله من فضله ، فإن الله عز وجل يحب أن يسأل ، وأفضل العبادة انتظار الفرج »
والطبراني الكبير : 10 / 124 ، عن أبي الأحوص عن عبد الله . وفي مسند الشهاب : 1 / 62 ، عن ابن عمر : انتظار الفرج بالصبر عبادة . وفي / 63 ، عن ابن عباس ، وتاريخ بغداد : 2 / 154 ، عن أنس : انتظار الفرج عبادة . ورواه في تلخيص المتشابه : 1 / 228 ، كتاريخ بغداد ، ومصابيح البغوي : 2 / 140 ، كالترمذي من حسانه ، ومثله جامع الأصول : 5 / 19 ، والترغيب : 2 / 482 ، والجامع الصغير : 1 / 416 كتاريخ بغداد . وجمع الجوامع : 1 / 547 ، عن الترمذي والطبراني ، والمنهاج في شعب الإيمان : 3 / 376 ، كالشهاب ، وفيض القدير : 3 / 51 و / 52 و : 4 / 108 ، عن الجامع الصغير . والمسند الجامع : 12 / 74 ، وكشف الخفاء : 1 / 558 ، عن ابن مسعود ، وتفسير الماوردي : 1 / 478 ، وجمع الفوائد : 3 / 341 ، والمعجم الأوسط : 6 / 79 ، وجامع الأحاديث / 185 ، والوسيط : 2 / 44 ، والكشف والبيان : 3 / 300 .
النبي صلى الله عليه وآله : بعدي يجئ زمن الصبر !
في الطبراني الكبير : 10 / 225 : « عن ابن مسعود ، قال النبي صلى الله عليه وآله : إن من ورائكم زمان صبر ، للمتمسك فيه أجر خمسين شهيداً ، فقال عمر : يا رسول الله منا أو منهم ؟ قال : منكم » .
ومسند الشاميين : 1 / 3 . ومجمع الزوائد : 7 / 282 ، وجمع الجوامع : 1 / 276 ، ونحوه البزار : 5 / 178 ، وأبو داود : 4 / 123 ، وابن ماجة : 2 / 1330 ، والترمذي : 5 / 257 ، وكشف الخفاء : 2 / 535 .
--------------------------- 345 ---------------------------
ومن مصادرنا : غيبة الطوسي / 275 : « عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : سيأتي قوم من بعدكم ، الرجلُ الواحد منهم له أجر خمسين منكم ، قالوا : يا رسول الله نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين ونزل فينا القرآن ! فقال : إنكم لو تُحَمَّلون ما حُمِّلوا لم تصبروا صبرهم » .
وفي كمال الدين : 1 / 323 : « عن عمرو بن ثابت قال : قال علي بن الحسين سيد العابدين عليه السلام : من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا ، أعطاه الله عز وجل أجر ألف شهيد ، من شهداء بدر وأحد » .
وفي كمال الدين : 1 / 288 : « عن أمير المؤمنين عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث طويل : يا علي ، واعلم أن أعجب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً ، قوم يكونون في آخر الزمان ، لم يلحقوا النبي ، وحجبت عنهم الحجة ، فآمنوا بسواد على بياض » . أي لم يدركوا نبيهم ، وغاب عنهم إمامهم فآمنوا بما وصل إليهم مكتوباً من القرآن والسنة .
وفي كمال الدين : 2 / 287 و 644 : « عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ، عن أبيه سيد العابدين علي بن الحسين ، عن أبيه سيد الشهداء الحسين بن علي ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أفضل العبادة انتظار الفرج » .
وفي الكافي : 4 / 260 و : 5 / 22 : « عن محمد بن عبد الله قال : قلت للرضا عليه السلام : جعلت فداك إن أبي حدثني عن آبائك عليهم السلام أنه قيل لبعضهم : إن في بلادنا موضع رباط يقال له : قزوين ، وعدواً يقال له الديلم ، فهل من جهاد أو هل من رباط ؟ فقال : عليكم بهذا البيت فحُجوه ، ثم قال : فأعاد عليه الحديث ثلاث مرات كل ذلك يقول : عليكم بهذا البيت فحجوه ، ثم قال في الثالثة : أما يرضى أحدكم أن يكون في بيته ينفق على عياله ينتظر أمرنا ، فإن أدركه كان كمن شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله بدراً ، وإن لم يدركه كان كمن كان مع قائمنا في فسطاطه هكذا وهكذا ، وجمع بين سبابتيه ، فقال أبو الحسن عليه السلام : صدق ، هو على ما ذكر » .
وفي أمالي الطوسي : 2 / 19 : « عن علي بن الحسين عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من رضي من الله بالقليل من الرزق ، رضي الله منه بالقليل من العمل ، وانتظار الفرج عبادة » .
وفي تحف العقول / 403 : « عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في حديث طويل : أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج » . وفي غيبة الطوسي / 276 : « عن الحسن بن الجهم قال : سألت
--------------------------- 346 ---------------------------
أبا الحسن عليه السلام عن شئ من الفرج ، فقال : أو لست تعلم أن انتظار الفرج من الفرج ؟ قلت : لا أدري إلا أن تعلمني ، فقال : نعم انتظار الفرج من الفرج » .
وفي المناقب : 4 / 425 : « ومما كتب عليه السلام إلى أبي الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي : اعتصمت بحبل الله ، بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين والجنة للموحدين والنار للملحدين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، ولا إله إلا الله أحسن الخالقين ، والصلاة على خير خلقه محمد وعترته الطاهرين . منها : عليك بالصبر وانتظار الفرج . قال النبي صلى الله عليه وآله : أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، فاصبر يا شيخي يا أبا الحسن علي وأْمُر جميع شيعتي بالصبر ، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين . والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ورحمة الله وبركاته » .
وفي الكشي / 138 : « عن محمد بن عبد الله بن زرارة وابنيه الحسن والحسين ، عن عبد الله بن زرارة قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : إقرأ على والدك السلام وقل له : إني إنما أعيبك دفاعاً مني عنك ، فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى فيمن نحبه ونقربه ، ويرمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا ، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله ، ويحمدون كل من عبناه نحن .
ولو أذن لنا لعلمتم أن الحق في الذي أمرناكم به ، فردوا إلينا الأمر وسلموا لنا واصبروا لأحكامنا وارضوا بها ، والذي فرق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه ، وهو أعرف بمصلحة غنمه في فساد أمرها ، فإن شاء فرق بينها ، لتسلم ثم يجمع بينهما ، ليأمن من فسادها وخوف عدوها ، في آثارما يأذن الله « كذا ، والمعنى حسب ما يأذن الله » ويأتيها بالأمن من مأمنه والفرج من عنده . عليكم بالتسليم والرد إلينا وانتظار أمرنا وأمركم وفرجنا وفرجكم ، ولو قد قام قائمنا وتكلم متكلمنا ، ثم استأنف بكم تعليم القرآن وشرائع الدين والأحكام والفرائض كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله ، لأنكر أهل البصائر فيكم ذلك اليوم إنكاراً شديداً ، ثم لم تستقيموا على دين الله وطريقه إلا من تحت حد السيف فوق رقابكم .
إن الناس بعد نبي الله عليه السلام ركب الله بهم سنة من كان قبلكم ، فغيّروا وبدلوا وحرفوا
--------------------------- 347 ---------------------------
وزادوا في دين الله ونقصوا منه ، فما من شئ عليه الناس اليوم إلا وهو منحرف عما نزل به الوحي من عند الله ، فأجب رحمك الله من حيث تدعى إلى حيث تدعى ، حتى يأتي من يستأنف بكم دين الله استينافاً » .
روح الانتظار والأمل . . من الفرج
قال العياشي في تفسيره : 2 / 20 : « عن أحمد بن محمد ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سمعته يقول : ما أحسن الصبر وانتظار الفرج ، أما سمعت قول العبد الصالح : فانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ . أوليس تعلم أن انتظار الفرج من الفرج ؟ ثم قال : إن الله تبارك وتعالى يقول : وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ » .
وفي كمال الدين : 2 / 645 : « عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته عن شئ في الفرج فقال : أوليس تعلم أن انتظار الفرج من الفرج ، إن الله يقول : فانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ » .
قال أبو بصير : « قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك متى الفرج ؟ فقال : يا أبا بصير وأنت ممن يريد الدنيا ؟ من عرف هذا الأمر فقد فرج عنه لانتظاره » . « الكافي : 1 / 371 » .
وفي تفسير القمي : 1 / 384 : « عن الإمام الباقر عليه السلام : وقوله : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ : من العذاب ، والموت ، وخروج القائم . كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ . وقوله : فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ : من العذاب في الرجعة » .
الخطأ في الأمل لا يضر . . واليأس كله خطأ
في الكافي : 1 / 369 : « عن علي بن يقطين : قال لي أبو الحسن عليه السلام : الشيعة تُرَبَّى بالأماني منذ مئتي سنة ، قال : وقال يقطين لابنه علي بن يقطين : ما بالنا قيل لنا فكان وقيل لكم فلم يكن ؟ قال : فقال له علي : إن الذي قيل لنا ولكم كان من مخرج واحد ، غير أن أمركم حضر فأعطيتم محضه ، فكان كما قيل لكم ، وإن أمرنا لم يحضر فعُلِّلنا بالأماني ، فلو قيل لنا : إن هذا الأمر لا
--------------------------- 348 ---------------------------
يكون إلى مئتي سنة أو ثلاث مائة سنة لقست القلوب ، ولرجع عامة الناس عن الإسلام ، ولكن قالوا : ما أسرعه وما أقربه ، تألفاً لقلوب الناس ، وتقريباً للفرج » .
فضل المؤمنين المنتظرين لظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف
في كمال الدين : 1 / 338 ، عن المفضل قال : « سمعت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول : من مات منتظراً لهذا الأمر ، كان كمن كان مع القائم في فسطاطه ، لا بل كان كالضارب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله بالسيف » .
وفي المحاسن / 173 : « عن عبد الحميد الواسطي قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : أصلحك الله والله لقد تركنا أسواقنا انتظاراً لهذا الأمر ، حتى أوشك الرجل منا يسأل في يديه ! فقال : يا عبد الحميد أترى من حبس نفسه على الله لا يجعل الله له مخرجاً ؟ بلى والله ليجعلن الله له مخرجاً ، رحم الله عبداً حبس نفسه علينا ، رحم الله عبداً أحيا أمرنا . قال : فقلت : فإن متُّ قبل أن أدرك القائم ؟ فقال : القائل منكم إن أدركتُ القائم من آل محمد نصرته كالمقارع معه بسيفه ، والشهيد معه له شهادتان » .
وفي كمال الدين : 1 / 357 : « عن أبي بصير قال : قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام في قول الله عز وجل : يَوْمَ يأتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ، يعني خروج القائم المنتظر منا . ثم قال : يا أبا بصير طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته ، والمطيعين له في ظهوره ، أولئك أولياء الله : أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » .
كمال الدين : 2 / 656 ، عن المفضل قال : سألت الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل : وَالْعَصْرِ إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ؟ قال : « العصرعصر خروج القائم . إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ : يعني أعداءنا . إِلا الَّذِينَ آمَنُوا : يعني بآياتنا . وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ : يعني بمواساة الإخوان . وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ : يعني بالإمامة . وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ : يعني في الفترة » .
فالمؤمنين المنتظرين في الروايتين ، لأنهم مسثنون من الخسران والذم .
--------------------------- 349 ---------------------------
الأئمة يهدئون اندفاع شيعتهم ويعلمونهم انتظارالفرج
أمير المؤمنين عليه السلام : لاتيأسوا من رَوْح الله
الخصال : 2 / 610 : « عن أبي بصير ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : حدثني أبي عن جدي عن آبائي عليهم السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام علَّمَ أصحابه في مجلس واحد أربع مائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه . . . جاء فيها : انتظروا الفرج ولا تيأسوا من رَوْح الله ، فإن أحب الأعمال إلى الله عز وجل انتظار الفرج ، ما دام عليه العبد المؤمن ، والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله » .
سنة الله في غربلة المؤمنين وتنقية الشيعة
النعماني / 209 : « عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : كونوا كالنحل في الطير ، ليس شئ من الطير إلا وهو يستضعفها ، ولو علمت الطير ما في أجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك ، خالطوا الناس بألسنتكم وأبدانكم ، وزايلوهم « انفصلوا عنهم » بقلوبكم وأعمالكم ، فوالذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض ، وحتى يسمي بعضكم بعضاً كذابين ، وحتى لا يبقى منكم - أو قال من شيعتي - إلا كالكحل في العين والملح في الطعام . وسأضرب لكم مثلاً ، وهو مثل رجل كان له طعام فنقَّاه وطيبه ، ثم أدخله بيتاً وتركه فيه ما شاء الله ، ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابه السوس فأخرجه ونقاه وطيبه ، ثم أعاده إلى البيت فتركه ما شاء الله ، ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابته طائفة من السوس فأخرجه ونقاه وطيبه وأعاده ، ولم يزل كذلك حتى بقيت منه رزمة كرزمة الأندر لا يضره السوس شيئاً ! وكذلك أنتم تميزون حتى لا يبقى منكم إلا عصابة لاتضرها الفتنة شيئاً » . والأندر : بالضم كدس سنابل الحنطة .
ابن حماد : 1 / 333 : « عن علي قال : لا يخرج المهدي حتى يبصق بعضكم في وجه بعض » . وعنه جمع الجوامع : 2 / 103 ، والحاوي : 2 / 68 ، وكنز العمال : 14 / 587 ، والمغربي / 578 .
النعماني / 109 ، وطبعة / 205 : « عن عميرة بنت نفيل قالت : سمعت الحسين بن علي عليه السلام
--------------------------- 350 ---------------------------
يقول : لا يكون الأمر الذي ينتظر حتى يبرأ بعضكم من بعض ، ويتفل بعضكم في وجوه بعض ، فيشهد بعضكم على بعض بالكفر ، ويلعن بعضكم بعضاً ! فقلت له : ما في ذلك الزمان من خير ، فقال الحسين عليه السلام : الخير كله في ذلك الزمان يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله » .
غيبة الطوسي / 207 : « عن عباية الأسدي ، عن أمير المؤمنين عليه السلام يقول : كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم يرى ، يبرأ بعضكم من بعض » .
وفي كمال الدين : 1 / 303 : « عن الحسين عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وفيه : للقائم منا غيبة أمدها طويل ، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه . ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه ، فهو معي في درجتي يوم القيامة » .
وفي النعماني / 191 و 192 : « عن عبد الله بن عقبة عن علي عليه السلام : كأني بكم تجولون جولان الإبل تبتغون مرعى ولا تجدونها يا معشر الشيعة » .
الإمام الباقر عليه السلام : المنتظر المحتسب كالمجاهد مع الإمام
في مجمع البيان : 9 / 238 : « عن العياشي عن الحرث بن المغيرة قال : كنا عند أبي جعفر عليه السلام فقال : العارف منكم هذا الأمر المنتظر له المحتسب فيه الخير ، كمن جاهد والله مع قائم آل محمد صلى الله عليه وآله بسيفه . ثم قال : بل والله كمن جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله بسيفه . ثم قال الثالثة : بل والله كمن استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله في فسطاطه .
وفيكم آية من كتاب الله ، قلت : وأي آية جعلت فداك ؟ قال : قول الله عز وجل : وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِم . ثم قال : صرتم والله صادقين شهداء عند ربكم » .
وفي الكافي : 2 / 21 : « عن أبي الجارود قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : يا بن رسول الله هل تعرف مودتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاتي إياكم ؟ قال : فقال : نعم ، قال : فقلت : فإني أسألك مسألة تجيبني فيها فإني مكفوف البصر قليل المشي ولا أستطيع زيارتكم كل حين . قال : هات حاجتك ، قلت : أخبرني بدينك الذي تدين الله عز وجل به أنت وأهل بيتك ، لأدين الله عز وجل به ؟ قال عليه السلام : إن كنت أقصرت الخطبة فقد أعظمت المسألة ، والله لأعطينك ديني
--------------------------- 351 ---------------------------
ودين آبائي الذي ندين الله عز وجل به : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله ، والإقرار بما جاء من عند الله ، والولاية لولينا ، والبراءة من عدونا ، والتسليم لأمرنا ، وانتظار قائمنا ، والاجتهاد والورع » .
وفي دعوات الراوندي / 135 : « قلت لأبي جعفر عليه السلام : إني امرؤ ضرير البصر ، كبير السن ، والشقة فيما بيني وبينكم بعيدة ، وأنا أريد أمراً أدين الله به وأتمسك به ، وأبلغه من خلفت . قال : فأعجب بقولي ، فاستوى جالساً فقال : يا أبا الجارود كيف قلتَ رُدَّ عليَّ ، قال : فرددتُ عليه ، فقال : نعم يا أبا الجارود : شهادة ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحج البيت ، وولاية ولينا وعداوة عدونا ، والتسليم لأمرنا ، وانتظار قائمنا ، والورع ، والاجتهاد » .
وفي الكافي : 8 / 80 : « قلت « للإمام الباقر عليه السلام » : أصلحك الله إن هؤلاء المرجئة يقولون : ما علينا أن نكون على الذي نحن عليه ، حتى إذا جاء ما تقولون كنا نحن وأنتم سواء ! فقال : يا عبد الحميد صدقوا من تاب تاب الله عليه ، ومن أسرَّ نفاقاً فلا يرغم الله إلا بأنفه ، ومن أظهر أمرنا أهرق الله دمه ، يذبحهم الله على الإسلام كما يذبح القصاب شاته ! قلت : فنحن يومئذ والناس فيه سواء ؟ قال : لا ، أنتم يومئذ سنام الأرض وحكامها ، لا يسعنا في ديننا إلا ذلك . قلت : فإن مت قبل أن أدرك القائم عليه السلام ؟ قال : إن القائل منكم إذا قال : إن أدركت قائم آل محمد نصرته ، كالمقارع معه بسيفه ، والشهادة معه شهادتان » .
المنتظر المخلص في ولائه من أهل الجنة
الكافي : 8 / 76 : « عن الحكم بن عتيبة قال : بينا أنا مع أبي جعفر عليه السلام والبيت غاصٌّ بأهله ، إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنَزة له « عصا » حتى وقف على باب البيت فقال : السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ، ثم سكت ، فقال أبو جعفر عليه السلام : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال : السلام عليكم ، ثم سكت حتى أجابه القوم جميعاً وردوا عليه السلام ، ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر ثم قال : يا ابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك ، فوالله إني لأحبكم وأحب من يحبكم ،
--------------------------- 352 ---------------------------
ووالله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمع في دنياً . والله إني لأبغض عدوكم وأبرأ منه ، ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه ، والله إني لأحل حلالكم وأحرم حرامكم وأنتظر أمركم ، فهل ترجو لي جعلني الله فداك ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : إليَّ إليَّ ، حتى أقعده إلى جنبه ، ثم قال : أيها الشيخ إن أبي علي بن الحسين صلى الله عليه وآله أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه ، فقال له أبي عليه السلام : إن تَمُتْ تَرِدْ على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ، ويثلج قلبك ، ويبرد فؤادك ، وتقرَّ عينك ، وتُستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين ، لو قد بلغت نفسك هاهنا ، وأهوى بيده إلى حلقه ، وإن تعش ترَ ما يقر الله به عينك ، وتكون معنا في السنام الأعلى .
فقال الشيخ : كيف قلت : يا أبا جعفر ؟ فأعاد عليه الكلام فقال الشيخ : الله أكبر يا أبا جعفر إن أنا متُّ أرد على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم السلام وتقر عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي ، وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين ، لو قد بلغت نفسي إلى هاهنا ، وإن أعش أرَ ما يقر الله به عيني فأكون معكم في السنام الأعلى ! ثم أقبل الشيخ ينتحب ، ينشج ها ها ها ، حتى لصق بالأرض ، وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون لما يرون من حال الشيخ ، وأقبل أبو جعفر عليه السلام يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينه وينفضها .
ثم رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر عليه السلام : يا ابن رسول الله ناولني يدك جعلني الله فداك ، فناوله يده فقبلها ووضعها على عينيه وخده ، ثم حسر عن بطنه وصدره فوضع يده على بطنه وصدره ثم قام فقال : السلام عليكم . وأقبل أبو جعفر عليه السلام ينظر في قفاه وهو مدبر ، ثم أقبل بوجهه على القوم فقال : من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ، فقال الحكم بن عتيبة : لم أرَ مأتماً قط يشبه ذلك المجلس » .
المؤمن شهيد وإن مات على فراشه
أمالي الطوسي : 2 / 288 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : كل مؤمن شهيد ، وإن مات على فراشه فهو شهيد ، وهو كمن مات في عسكر القائم . قال : أيحبس نفسه على الله ، ثم لا يدخله الجنة » ؟
--------------------------- 353 ---------------------------
أعلام الدين / 459 : « سأله أبو بصير عن قول الله تعالى : وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ، ما عنى بذلك ؟ فقال : معرفة الإمام واجتناب الكبائر ، ومن مات وليس في رقبته بيعة لإمام مات ميتة جاهلية .
ولا يعذر الناس حتى يعرفوا إمامهم ، فمن مات وهو عارف بالإمامة لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر ، فكان كمن هو مع القائم في فسطاطه . قال : ثم مكث هنيئة ثم قال : لا بل كمن قاتل معه . ثم قال : لا بل والله كمن استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله » .
وفي المحاسن / 173 : « عن ابن سيابة قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : من مات منكم على أمرنا هذا فهو بمنزلة من ضرب فسطاطه إلى رواق القائم عليه السلام بل بمنزلة من يضرب معه بسيفه ، بل بمنزلة من استشهد معه ، بل بمنزلة من استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله » .
ونحوه في / 172 ، و 173 ، ونحوه في / 150 ، والنعماني / 200 ، كالمحاسن . وفي كمال الدين : 2 / 338 ، وفي / 644 ، كالمحاسن . وعنه وعن المحاسن إثبات الهداة : 3 / 471 و 489 ، و 519 .
الكافي : 1 / 371 ، ونحوه : 372 : « عن الفضيل بن يسار قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى : يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ؟ فقال : يا فضيل اعرف إمامك فإنك إذا عرفت إمامك لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخر ، ومن عرف إمامه ثم مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر ، كان بمنزلة من كان قاعداً في عسكره ، لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه . قال : وقال بعض أصحابه : بمنزلة من استشهد مع رسول الله » .
الإمام الصادق عليه السلام : طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا
كمال الدين : 2 / 358 : « عن أبي بصير : قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام : طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا ، فلم يزغ قلبه بعد الهداية ، فقلت له : جعلت فداك وما طوبى ؟ قال : شجرة في الجنة أصلها في دار علي بن أبي طالب عليه السلام وليس من مؤمن إلا وفي داره غصن من أغصانها ، وذلك قول الله عز وجل : طوبى لهم وحسن مآب » .
--------------------------- 354 ---------------------------
الإيمان في دولة الباطل أفضل منه في دولة الحق
الكافي : 1 / 333 : « عن عمار الساباطي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أيما أفضل : العبادة في السرمع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل ، أو العبادة في ظهور الحق ودولته ، مع الإمام منكم الظاهر ؟ فقال : يا عمار الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية ، وكذلك والله عبادتكم في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل ، وتخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة ، أفضل ممن يعبد الله عز وجل ذكره في ظهور الحق مع إمام الحق الظاهر في دولة الحق . وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحق . واعلموا أن من صلى منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة مستتراً بها من عدوه في وقتها فأتمها ، كتب الله له خمسين صلاة فريضة في جماعة ، ومن صلى منكم صلاة فريضة واحدة مستتراً بها من عدوه في وقتها فأتمها ، كتب الله عز وجل بها له خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانية ، ومن صلى منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمها كتب الله له بها عشر صلوات نوافل .
ومن عمل منكم حسنة كتب الله عز وجل له بها عشرين حسنة ، ويضاعف الله عز وجل حسنات المؤمن منكم ، إذا أحسن أعماله ودان بالتقية على دينه وإمامه ونفسه ، وأمسك من لسانه ، أضعافاً مضاعفة ، إن الله عز وجل كريم .
قلت : جعلت فداك ، قد والله رغبتني في العمل وحثثتني عليه ، ولكن أحب أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام الظاهر منكم في دولة الحق ، ونحن على دين واحد ؟ فقال : إنكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله عز وجل إلى الصلاة والصوم والحج ، وإلى كل خير وفقه ، وإلى عبادة الله عز ذكره سراً من عدوكم ، مع إمامكم المستتر ، مطيعين له صابرين معه ، منتظرين لدولة الحق ، خائفين على إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة ، تنظرون إلى حق إمامكم وحقوقكم في أيدي الظلمة ، قد منعوكم ذلك واضطروكم إلى حرث الدنيا وطلب المعاش ، مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم ، والخوف مع عدوكم . فبذلك ضاعف الله عز وجل لكم الأعمال فهنيئاً لكم .
قلت : جعلت فداك فما ترى إذاً أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحق ، ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أصحاب دولة الحق والعدل ؟ فقال : سبحان الله أما تحبون
--------------------------- 355 ---------------------------
أن يظهر الله تبارك وتعالى الحق والعدل في البلاد ، ويجمع الله الكلمة ، ويؤلف الله بين قلوب مختلفة ، ولا يعصون الله عز وجل في أرضه ، وتقام حدوده في خلقه ، ويرد الله الحق إلى أهله ، فيظهر حتى لا يستخفي بشئ من الحق مخافة أحد من الخلق ؟ ! أما والله يا عمار لا يموت منكم ميت على الحال التي أنتم عليها ، إلا كان أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر وأحد ، فأبشروا » .
وفي الإختصاص / 20 : « عن أمية بن علي ، عن رجل قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أيما أفضل نحن أو أصحاب القائم عليه السلام « أي الذين يظهرون معه » قال فقال لي : أنتم أفضل من أصحاب القائم ، وذلك أنكم تمسون وتصبحون خائفين على إمامكم وعلى أنفسكم من أئمة الجور ، إن صليتم فصلاتكم في تقية ، وإن صمتم فصيامكم في تقية ، وإن حججتم فحجكم في تقية ، وإن شهدتم لم تقبل شهادتكم ، وعد أشياء من نحو هذا مثل هذه ، فقلت : فما نتمنى القائم عليه السلام إذا كان على هذا ؟ قال فقال لي : سبحان الله أما تحب أن يظهر العدل ، وتأمن السبل وينصف المظلوم » .
لا فرق على المؤمن إن مات قبل ظهورالإمام عليه السلام أو بعده
في الكافي : 1 / 371 : « أن أبا بصير سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال : تراني أدرك القائم عليه السلام ؟ فقال : يا أبا بصير ألست تعرف إمامك ؟ فقال : إي والله وأنت هو ، وتناول يده ، فقال : والله ما تبالي يا أبا بصيرألا تكون محتبياً بسيفك في ظل رواق القائم عليه السلام » .
وفي الكافي : 8 / 146 : « عن مالك الجهني قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا مالك أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفوا ، وتدخلوا الجنة ؟ يا مالك إنه ليس من قوم ائتموا بإمام في الدنيا ، إلا جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه ، إلا أنتم ومن كان على مثل حالكم . يا مالك إن الميت والله منكم على هذا الأمر لشهيد ، بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله » .
وفي الكافي : 1 / 372 : « عن علي بن هاشم ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : ما ضرَّ من مات منتظراً لأمرنا ، ألا يموت في وسط فسطاط المهدي عليه السلام وعسكره » .
تأويل الآيات الظاهرة : 2 / 665 ، عن أبي حمزة قال : « قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك قد كبر سني ودق عظمي واقترب أجلي ، وقد خفت أن يدركني قبل هذا الأمر الموت .
--------------------------- 356 ---------------------------
قال : فقال لي : يا أبا حمزة أوَما ترى الشهيد إلا من قتل ؟ قلت : نعم جعلت فداك ، فقال لي : يا أبا حمزة من آمن بنا وصدق حديثنا وانتظر أمرنا ، كان كمن قتل تحت راية القائم ، بل والله تحت راية رسول الله صلى الله عليه وآله » .
وفي النعماني / 200 : « عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال ذات يوم : ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العباد عملاً إلا به ؟ فقلت : بلى ، فقال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، والإقرار بما أمر الله ، والولاية لنا والبراءة من أعدائنا يعني الأئمة خاصة والتسليم لهم والورع والاجتهاد والطمأنينة والإنتظار للقائم عليه السلام .
ثم قال : إن لنا دولة يجئ الله بها إذا شاء . ثم قال : من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر ، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر ، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه ، فجدّوا وانتظروا ، هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة » .
وفي غيبة الطوسي / 277 : « عن عبد الله بن عجلان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من عرف بهذا الأمر ثم مات قبل أن يقوم القائم كان له أجر مثل من قتل معه » .
نَفَسُ المهموم لنا تسبيح
الكافي : 2 / 226 : « عن عيسى بن أبي منصور قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : نَفَس المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيح ، وهمه لأمرنا عبادة ، وكتمانه لسرنا جهاد في سبيل الله . قال لي محمد بن سعيد : اكتب هذا بالذهب ، فما كتبت شيئاً أحسن منه » .
قلة عدد المؤمنين في زمن الغيبة
دلائل الإمامة / 292 : « عن يعقوب بن شعيب قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن الناس ما يمدّون أعناقهم إلى أحد من ولد عبد المطلب إلا هلك ، حتى يستوي ولد عبد المطلب لا يدرون أياً من أي ، فيمكثون بذلك سنين من دهرهم ، ثم يبعث لهم صاحب هذا الأمر » .
وفي رسائل المفيد / 400 : « عن الصادق عليه السلام قال : كيف بكم إذا التفتم يميناً فلم تروا أحداً ، والتفتم شمالاً فلم تروا أحداً ، واستوت بنو عبد المطلب ، ورجع عن هذا الأمر كثير ممن
--------------------------- 357 ---------------------------
يعتقده ، يمسي أحدكم مؤمناً ويصبح كافراً ، فالله الله في أديانكم ، هنالك فانتظروا الفرج » .
وفي كمال الدين : 2 / 409 : « عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي قال : سمعت أبا محمد الحسن بن علي عليه السلام يقول : كأني بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف مني ، أما إن المقر بالأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنكر لولدي كمن أقر بجميع أنبياء الله ورسله ثم أنكر نبوة رسول الله والمنكر لرسول الله صلى الله عليه وآله كمن أنكر جميع الأنبياء عليهم السلام ، لأن طاعة آخرنا كطاعة أولنا والمنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا . أما إن لولدي غيبة يرتاب فيها الناس ، إلا من عصمه الله عز وجل » .
وفي كمال الدين : 2 / 408 : « عن محمد بن أحمد المدائني ، عن أبي غانم قال : سمعت أبا محمد الحسن بن علي عليه السلام يقول : في سنة مائتين وستين تفترق شيعتي !
وقال الصدوق رحمه الله : ففيها قبض أبو محمد عليه السلام وتفرقت الشيعة وأنصاره ، فمنهم من انتمى إلى جعفر ، ومنهم من تاه ، ومنهم من شك ، ومنهم من وقف على تحيره ، ومنهم من ثبت على دينه بتوفيق الله عز وجل » .
وفي كمال الدين : 2 / 524 : « عن الحسن بن محمد بن صالح البزاز قال : سمعت الحسن بن علي العسكري عليه السلام يقول : إن ابني هو القائم من بعدي ، وهو الذي تجري فيه سنن الأنبياء عليهم السلام بالتعمير والغيبة ، حتى تقسو القلوب لطول الأمد ، فلا يثبت على القول به إلا من كتب الله عز وجل في قلبه الإيمان وأيده بروح منه » .
لا تخلو الأرض من مؤمنين كاملين كأصحاب الإمام عليه السلام
في الأصول الستة عشر / 6 : « عن زيد الزراد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : نخشى أن لا نكون مؤمنين ! قال : ولم ذاك ؟ فقلت : وذلك أنا لا نجد فينا من يكون أخوه عنده آثر من درهمه وديناره ، ونجد الدينار والدرهم آثرعندنا من أخ قد جمع بيننا وبينه موالاة أمير المؤمنين عليه السلام . فقال : كلا ، إنكم مؤمنون ولكن لاتكملون إيمانكم حتى يخرج قائمنا ، فعندها يجمع الله أحلامكم فتكونون مؤمنين كاملين . ولو لم يكن في الأرض مؤمنون كاملون إذاً لرفعنا الله إليه ، وأنكرتكم الأرض وأنكرتكم السماء . بلى والذي نفسي بيده إن في الأرض في أطرافها مؤمنين ما قدر الدنيا كلها عندهم تعدل جناح بعوضة » .
--------------------------- 358 ---------------------------
وقوله عليه السلام فتكونون مؤمنين كاملين يشمل كل المؤمنين في عصرالمهدي عليه السلام ، والقدر المتيقن أصحابه . والمؤمن الكامل أعلى أنواع المؤمنين . ويأتي أن المؤمن في عصره عليه السلام يتحدث مع الملائكة ، ويستنزل الطيرمن السماء ، ويحيي الموتى بإذن الله !
أهمية الاستعداد حتى الشكلي لنصرة الإمام المهدي عليه السلام
النعماني / 320 : « عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : ليُعِدَّنَّ أحدُكم لخروج القائم ولو سهماً ، فإن الله تعالى إذا علم ذلك من نيته ، رجوت أن ينسئ في عمره حتى يدركه ، فيكون من أعوانه وأنصاره » . وهو تعليم على الأمل واليقين بوعد الله تعالى . والإنساء في العمر بمعنى تمديده وتطويله ، وقد يكون التمديد بأن يميته الله ، ثم يحييه بعد الموت عند ظهور المهدي عليه السلام ليستكمل ما بقي من عمره .
ومن الاستعداد لنصرته الدعاء له بالمأثور ، كالذي روي عن الإمام الكاظم عليه السلام « فلاح السائل / 199 » : « عن يحيى بن الفضل النوفلي قال : دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ببغداد حين فرغ من صلاة العصر ، فرفع يديه إلى السماء ، وسمعته يقول : أسألك باسمك المكنون المخزون الحي القيوم ، الذي لا يخيب من سألك به ، أن تصلي على محمد وآله ، وأن تعجل فرج المنتقم لك من أعدائك ، وأنجز له ما وعدته ، يا ذا الجلال والاكرام » .
التقية واجبة إلى ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
كفاية الأثر / 274 : « عن الرضا عليه السلام : من ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا » .
وفي الهداية / 47 : « عن الصادق عليه السلام : الرياء مع المنافق عبادة ، ومع المؤمن شرك ، والتقية واجبة لا يجوز تركها إلى أن يخرج القائم ، فمن تركها فقد دخل في نهي الله عز وجل ، ونهي رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة صلوات الله عليهم » .
وفي الكافي « 2 / 219 » : « عن الصادق عليه السلام : كلما تقارب هذا الأمركان أشد للتقية » .
وعن الباقر عليه السلام : التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به .
- *
--------------------------- 359 ---------------------------
الفصل السادس عشر : ( بلاد العرب ، بلاد العرب في عصر ظهور المهدي عليه السلام )
--------------------------- 360 ---------------------------
ذم العرب في مصادر الحديث
روت المصادر السنية والشيعية أحاديث في مدح العرب وبلادهم ، وأحاديث في ذمهم ، وينبغي التثبت في كل ما روي في مدح بلاد وأقوام أو ذمهم ، لأن رواياتها في معرض الكذب بسبب الصراعات بين الأقوام والأقاليم والمناطق . فيجب فحص السند ، والظروف والقرائن المتعلقة بالنص .
وقد اشتهرحديث ذم العرب في مصادر السنيين ، وممن رواه أحمد « 2 / 390 » : « ويلٌ للعرب من شر قد اقترب ، فتناً كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمناً ويمسى كافراً ، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل ، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر أو قال على الشوك » .
وأصل حديث الويل للعرب أن النبي صلى الله عليه وآله حذر من بني أمية وشرهم على العرب ! فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه : 8 / 611 : « ويل للعرب من شر قد اقترب : إمارة الصبيان ، إن أطاعوهم أدخلوهم النار ، وإن عصوهم ضربوا أعناقهم » ! وشهد أبو هريرة أن ويل العرب والخطرعلى الأمة من بني أمية ! وروى عنه البخاري : 8 / 88 ، أن حفيد سعيد بن العاص قال : « كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة ومعنا مروان ، قال أبو هريرة : سمعت الصادق المصدوق يقول : هَلَكةُ أمتي علي يدي غِلْمَةٍ من قريش ! فقال مروان : لعنةُ الله عليهم من غِلْمة !
فقال أبو هريرة : لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان ، لفعلت ! فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام ، فإذا رآهم غلماناً أحداثاً قال لنا : عسى هؤلاء أن يكونوا منهم ! قلنا : أنت أعلم » .
وصححه الحاكم على شرط الشيخين : 1 / 108 : « أن أبا هريرة كان يقوم يوم الجمعة إلى جانب المنبر فيطرح أعقاب نعليه في ذراعيه ، ثم يقبض على رمانة المنبر يقول : قال أبو القاسم ، قال محمد ، قال رسول الله ، قال الصادق المصدوق ، ثم يقول في بعض ذلك : ويلٌ للعرب من شر قد اقترب ، فإذا سمع حركة باب المقصورة بخروج الإمام جلس » !
وفي مصنف عبد الرزاق : 11 / 373 ، عن أبي هريرة : « ويلٌ للعرب من شر قد اقترب على رأس الستين تصير الأمانة غنيمة ، والصدقة غريمة ، والشهادة بالمعرفة ، والحكم بالهوى » .
--------------------------- 361 ---------------------------
وفي فتن ابن حماد : 1 / 204 : عن أبي هريرة : « ويلٌ للعرب بعد الخمس والعشرين والمائة ، ويل لهم من هرج عظيم » .
وزعم الأمويون بعد مقتل عثمان على يد الصحابة أن قتله هو الويل الموعود بأن يحل بالعرب ! كما روت أم حبيبة بنت أبي سفيان رواه عنها أحمد في : 6 / 428 و 429 ، وبخاري في مواضع : 4 / 109 و 176 و : 8 / 88 و 104 ، ومسلم : 8 / 166 . وهي برأيي أحاديث مكذوبة في أصلها ، أو في تطبيقها .
زعموا أن العرب يفنون وتزول الكعبة !
الخط البياني لمستقبل الإسلام عند أتباع الخلافة خطٌّ نزولي ، فقد أقنعهم بذلك كعب الأحبار ، وأقنعهم أن الصحابة خير الأمة وأفضل عصورها ، وبعدهم ستنهار الأمة ويفنى العرب وكعبتهم ! وقد صدقوا كذب كعب ، ورووه في أصح صحاحهم ! وقد بحثنا في المجلد الأول من « ألف سؤال وإشكال » نظرتهم إلى مستقبل الإسلام وقول عمر : « إن الإسلام بدأ جذعاً ، ثم ثنياً ثم رباعياً ، ثم سداسياً ، ثم بازلاً ، فما بعد البزول إلا النقصان » ! « مسند أحمد : 3 / 463 » فكان يرى أن الإسلام بعير سيهرم ويموت ! ويقول : « سيخرج أهل مكة ثم لا يعبر بها إلا قليل ، ثم تمتلئ وتبنى ، ثم يخرجون منها فلا يعودون فيها أبداً » !
« مسند أحمد : 1 / 23 . وحسنه الهيثمي : 3 / 298 » .
وقد وضع البخاري « 2 / 159 » باباً بعنوان : « هدم الكعبة » قال فيه : « قالت عائشة : قال النبي صلى الله عليه وآله : يغزو جيشٌ الكعبة فيخسف بهم . وعن ابن عباس : كأني به أسود أفحج يقلعها حجراً حجراً . وعن أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يُخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة » .
ووضعوا ذلك على لسان علي عليه السلام ، فقد رواه الحاكم « 1 / 449 » لكن لم يصححه قال : « عن الحارث بن سويد قال سمعت علياً يقول : حجوا قبل أن لا تحجوا ، فكأني أنظر إلى حبشي أصمع أفدع ، بيده معول ، يهدمها حجراً حجراً !
فقلت له : شئ تقوله برأيك أو سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، ولكني سمعته من نبيكم صلى الله عليه وآله . والأصمع : صغير الأذنين . والأفدع : المنحرف مشط الرجل عن عظم الساق » .
--------------------------- 362 ---------------------------
لكن أهل البيت عليهم السلام كشفوا تحريف هذه الأحاديث ، ففي إقبال الأعمال / 582 : « عن أبان بن محمد المعروف بالسندي نقلناه من أصله ، قال : كان أبو عبد الله عليه السلام تحت الميزاب وهو يدعو وعن يمينه عبد الله بن الحسن ، وعن يساره حسن بن حسن ، وخلفه جعفر بن حسن ، قال فجاءه عباد بن كثير البصري ، قال فقال له : يا أبا عبد الله ، قال : فسألت عنه حتى قالها ثلاثاً ، ثم قال له : يا جعفر ، فقال له : قل ما تشاء يا أبا كثير . قال : إني وجدت في كتاب لي علم هذه البنية رجل ينقضها حجراً حجراً ! قال فقال له : كذب كتابك يا أبا كثير ، ولكن كأني والله بأصفر القدمين حمش الساقين ، ضخم البطن ، رقيق العنق ، ضخم الرأس ، على هذا الركن ، وأشار بيده إلى الركن اليماني ، يمنع الناس من الطواف حتى يتذعروا منه . قال : ثم يبعث الله له رجلاً مني ، وأشار بيده إلى صدره ، فيقتله قتل عاد وثمود وفرعون ذي الأوتاد . قال : فقال له عند ذلك عبد الله بن الحسن : صدق والله أبو عبد الله ، حتى صدقوه كلهم جميعاً » .
فالحديث إذن في حركة ظهور المهدي عليه السلام في حدث يكون يومها في الحرم ، وشخص أسود ينفذ أمر السلطة بمنع الناس من الطواف . فأخذ رواة السلطة منه جزءاً وحرفوه ، وجعلوه في هدم الكعبة وزوالها !
وكذلك ردَّ أهل البيت عليهم السلام حديث أن الإسلام يهرم كالبعير ، وقالوا إن النبي صلى الله عليه وآله بشَّر بمستقبل الإسلام ، وأنه حديقة لعل فوجها الأخير أينع ثمراً ! فقد روى الصدوق في الخصال / 475 ، وكمال الدين / 269 ، عن الإمام الصادق عن آبائه ، عن علي عليهم السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أبشروا ثم أبشروا ، ثلاث مرات ، إنما مثل أمتي كمثل غيث لا يدرى أوله خير أم آخره ، إنما مثل أمتي كمثل حديقة أطعم منها فوج عاماً ، ثم أطعم منها فوج عاماً ، لعل آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً ، وأعمقها طولاً وفرعاً ، وأحسنها جَنىً . وكيف تهلك أمة أنا أولها واثنا عشر من بعدي من السعداء وأولي الألباب ، والمسيح عيسى بن مريم آخرها ؟ ولكن يهلك بين ذلك نتج الهرج ، ليسوا مني ولست منهم » !
--------------------------- 363 ---------------------------
أحاديث تمدح الشام واليمن وتذم العراق ونجد !
في مسند أحمد : 2 / 118 : « عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال : اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا ، قالوا : وفي نجدنا ، قال : اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا ، قالوا : وفي نجدنا ، قال : هنالك الزلازل والفتن ، منها أو قال بها يطلع قرن الشيطان » .
وفي مسند أحمد : 2 / 40 و 50 و 90 ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا مرتين ، فقال رجل : وفي مشرقنا يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من هنالك يطلع قرن الشيطان لها تسعة أعشار الشر » .
ونحوه في / 121 ، والموطأ : 2 / 975 ، وعبد الرزاق : 11 / 463 ، كرواية أحمد الثانية عن ابن عمر . ونحوه بخاري : 9 / 67 ، ومسلم : 4 / 2228 . وفي الترمذي : 4 / 530 ، والطبراني الصغير : 2 / 36 ، والأوسط : 1 / 247 ، كرواية مسلم الأولى ، والكبير : 12 / 384 .
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا ، فقالها مراراً فلما كان في الثالثة أو الرابعة ، قالوا : يا رسول الله ، وفي عراقنا ، قال : إن بها الزلازل والفتن ، وبها يطلع قرن الشيطان . » وحلية الأولياء : 6 / 348 ، بتفاوت يسير .
وفي تهذيب ابن عساكر : 1 / 34 : « عن ابن عمر ، وفيه : اللهم بارك لنا في مكتنا ، وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في شامنا ، وبارك لنا في يمننا ، وبارك لنا في صاعنا ، وبارك لنا في مدنا ، فقال رجل : يا رسول الله وفي عراقنا ، فأعرض عنه فرددها ثلاثاً ، كل ذلك يقول الرجل : وفي عراقنا ، فيعرض عنه فقال : بها الزلازل والفتن ، وفيها يطلع قرن الشيطان . وقال : رواه الحاكم بلفظ : فقال رجل : يا رسول الله العراق ومصر ، فقال : هناك ينبت قرن الشيطان ، وثَم الزلازل والفتن . . . ورواه أيضاً عن معاذ بن جبل : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا وفي شامنا وفي يمننا وفي حجازنا ، فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله وفي عراقنا ، فأمسك عنه ، فلما كان في اليوم الثاني قال مثل ذلك ، فقام إليه الرجل فأعاد مقالته ، فأمسك عنه ، فولى وهو يبكي فدعاه النبي صلى الله عليه وآله وقال : أمن العراق أنت ؟ قال : نعم . فقال : إن أبي إبراهيم عليه السلام أراد أن يدعو عليهم فأوحى الله إليه : لا تفعل ، فإني جعلت خزائن علمي فيهم ، وأسكنت الرحمة قلوبهم .
--------------------------- 364 ---------------------------
وفي مسند الشاميين للطبراني : 2 / 246 : « فقال رجل : يا رسول الله وعراقنا ؟ فأعرض عنه فرددها ثلاثاً ، وكان ذلك الرجل يقول : وعراقنا ؟ فيعرض عنه » .
أقول : من الواضح أن الحديث موظف لخدمة الشام ومعاوية وأهل الكتاب ، وصيغه وظرف صدوره المزعوم يزيد في الشك ، مضافاً إلى التفاوت والتهافت والمرجح عندي أن الحديث لا أصل له في كلام النبي صلى الله عليه وآله .
حديث تفضيل جند الشام على غيره
روى أحمد : 4 / 110 : « عن ابن حوالة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : سيصير الأمر إلى أن تكون جنود مجندة ، جند بالشام وجند باليمن ، وجند بالعراق . فقال ابن حوالة : خِرْ لي يا رسول الله إن أدركت ذاك ، قال : عليك بالشام فإنه خيرة الله من أرضه ، يجتبي إليه خيرته من عباده ، فإن أبيتم فعليكم بيمنكم واستقوا من غدركم ، فإن الله عز وجل قد توكل لي بالشام وأهله » .
ونحوه في مسند أحمد : 5 / 33 و 299 ، والبيهقي : 9 / 179 ، وتاريخ بخاري : 5 / 33 ، وحلية الأولياء : 2 / 3 / 87 ، وكلها عن ابن حوالة قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وآله فشكونا إليه الفقر والعري وقلة الشئ ، فقال : أبشروا فوالله لأنا من كثرة الشئ أخوف عليكم من قلته . . الخ .
وفي جامع الأحاديث القدسية : 3 / 292 ، أن ابن حوالة جعل مدح الشام حديثاً قدسياً فقال : قال صلى الله عليه وآله : عليك بالشام ثلاثاً ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله كراهيتي للشام قال : هل تدرون ما يقول الله عز وجل في الشام ؟ يقول : يا شام يا شام يدي عليك ، يا شام أنت صفوتي من بلادي ، أدخل فيك خيرتي من عبادي . أنت سيف نقمتي وسوط عذابي . أنت الأنذر وإليك المحشر ! ورأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤ تحمله الملائكة ، قلت : ما تحملون ؟ قالوا : عمود الإسلام ، أمرنا أن نضعه بالشام . وبينا أنا نائم رأيت كتاباً ، وفي لفظ عمود الكتاب اختلس من تحت وسادتي ، فظننت أن الله قد تخلى عن أهل الأرض فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع بين يدي ، حتى وضع بالشام ! فقال ابن حواله : يا رسول الله خر لي ، فقال : عليك بالشام ، فمن أبى أن يلحق بالشام فليلحق بيمنه وليستق من غدره ، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله » . انتهى .
--------------------------- 365 ---------------------------
وقال ابن قدامة شرحه : 10 / 376 : « وقد جاء في حديث مصرحاً به : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم بالشام . وفي حديث مالك بن يخامر عن معاذ قال : وهم بالشام ، رواه البخاري وروى في تاريخه عن أبي هريرة عنه عن النبي صلى الله عليه وآله قال : لا تزال طائفة بدمشق ظاهرين .
وقد روي في الشام أخبار كثيرة منها حديث عبد الله بن حوالة الأزدي أن النبي صلى الله عليه وآله قال . . فإن الله تكفل لي بالشام وأهله ، رواه أبو داود بمعناه ، وكان أبو إدريس إذا روى هذا الحديث قال : ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه » !
لكنا روينا تفضيل مصرعلى الشام وأهلها على أهلها ، ففي نهج البلاغة : 3 / 27 : « واعلم يا محمد بن أبي بكر أني قد وليتك أعظم أجنادي في نفسي : أهل مصر . . » .
وروى الثقفي في الغارات : 1 / 288 ، وهو أقدم من الطبري وأوثق ، عن جندب بن عبد الله قال : « والله إني لعند عليّ عليه السلام جالس ، إذ جاءه عبد الله بن قعين جد كعب يستصرخ من قبل محمد بن أبي بكر ، وهو يومئذ أمير على مصر ، فقام علي فنادى في الناس : الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال : أما بعد فهذا صريخ محمد بن أبي بكر وإخوانكم من أهل مصر ، وقد سار إليهم ابن النابغة عدو الله وعدوكم ، فلا يكونن أهل الضلال إلى باطلهم والركون إلى سبيل الطاغوت أشد اجتماعاً على باطلهم وضلالتهم منكم على حقكم فكأنكم بهم قد بدؤوكم وإخوانكم بالغزو ، فاعجلوا إليهم بالمواساة والنصر .
عباد الله إن مصرأعظم من الشام خيراً ، وخير أهلاً ، فلا تُغلبوا على مصر » .
وروى الحاكم : 4 / 448 : « عن عمرو بن الحمق رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ستكون فتنة أسلم الناس فيها ، أو قال لخير الناس فيها الجند الغربي ، فلذلك قدمت مصر . هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه » .
وأخرجه محمد بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة الذين دخلوا مصر ، وزاد فيه : « وأنتم الجند الغربي ، فهذه منقبة لمصر في صدر الملة ، واستمرت قليلة الفتن معافاة طول الملة ، لم يعترها ما اعترى غيرها من الأقطار ، وما زالت معدن العلم والدين ، ثم صارت في آخر
--------------------------- 366 ---------------------------
الأمر دار الخلافة ومحط الرحال ، ولا بلد الآن في سائر الأقطار بعد مكة والمدينة ، يظهر فيها من شعائر الدين ما هو ظاهر في مصر » . انتهى .
أقول : تفسير عمرو بن الحمق رضي الله عنه للجند الغربي بمصر بقوله : « ولذلك قدمت عليكم مصر » حجةٌ ، لأنه تفسير صحابيٍّ معاصر لصدور النص . ومعنى الحمِق : خفيف اللحية . وهو صحابي جليل يشبه أويساً القرني رضي الله عنهما ، فقد أخبر عنه النبي صلى الله عليه وآله المسلمين قبل أن يسلم ، وبعث إليه سلامه ودعاه إلى الإسلام ، فأسلم وجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله .
أحاديث تصف تطور بلاد العرب في عصر المهدي عليه السلام
روينا العديد من أحاديث تطور بلاد العرب على يد الأغمام المهدي عليه السلام ، تجدها في فصل الرخاء في ظل دولته ، ومن ذلك ما رواه ابن شعبة الحراني رحمه الله في تحف العقول / 115 ، عن النبي صلى الله عليه وآله : « بنا فتح الله عز وجل وبنا يختم الله ، وبنا يمحو الله ما يشاء ، وبنا يدفع الله الزمان الكَلِب ، وبنا ينزل الغيث . لا يغرنكم بالله الغرور ، لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ، ولأخرجت الأرض نباتها ، وذهبت الشحناء من قلوب العباد ، واصطلحت السباع والبهائم ، حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلا على نبات ، وعلى رأسها زنبيلها ، لايهيجها سبع ولا تخافه » .
وروت المصادر السنية شبيهه كما في مسند أحمد : 2 / 370 ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وآله : « لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً ، وحتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف ضلال الطريق ، وحتى يكثر الهرج . قالوا : وما الهرج يا رسول الله ؟ قال : القتل » . لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض ، حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلايجد أحداً يقبلها منه ، وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً » .
صحيح مسلم : 2 / 701 ، والحاكم : 4 / 477 ، أوله ، وصححه . ومصابيح البغوي : 3 / 488 ، كمسلم ، من صحاحه ، ومجمع الزوائد : 7 / 331 ، عن أحمد ، وصححه ، والدر المنثور : 6 / 51 ، أوله . والمسند الجامع : 18 / 413 ، وفيه : وحتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف ضلال الطريق .
- *
--------------------------- 367 ---------------------------
الفصل السابع عشر : ( مصر والمهدي ، مصر في عصر ظهور الإمام المهدي عليه السلام )
--------------------------- 368 ---------------------------
روى الجميع وصية النبي صلى الله عليه وآله بمصر وأهلها
روى الحر العاملي في وسائل الشيعة : 11 / 101 : « عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى عند وفاته أن تخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب ، وقال : الله في القبط فإنكم ستظهرون عليهم ، ويكونون لكم عدة وأعواناً في سبيل الله » . وأمالي الطوسي / 404 ، والمناقب : 1 / 95 . وروت نحوه مصادر السنيين مثل : مسند أحمد : 5 / 174 ، وصحيح مسلم : 7 / 190 ، والحاكم : 2 / 553 ، وصححه على شرط الشيخين .
أحاديث مصر في عصر الظهور
وردت عدة أحاديث عن مصر في عصر ظهور الإمام المهدي عليه السلام ، ومنها أحاديث تمدح أهل مصر ونجباءها الذين هم من الأصحاب الخاصين للإمام المهدي عليه السلام ، ومنها ما يخبر أن الإمام المهدي عليه السلام سيجعل مصر منبراً عالمياً للإسلام . كما وردت أحاديث تتعلق بحركة الفاطميين ودخولهم إلى مصر وبلاد الشام ، وقد خلطها الرواة بأحاديث خروج السفياني وظهور المهدي عليه السلام .
نجباء مصر وزراء الإمام المهدي عليه السلام
روت حديث نجباء مصر مصادر الطرفين . فمن مصادرنا : غيبة الطوسي / 284 ، بسنده : « عن جابر الجعفي ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاث مائة ونيف عدة أهل بدر ، فيهم النجباء من أهل مصر ، والأبدال من أهل الشام ، والأخيار من أهل العراق ، فيقيم ما شاء الله أن يقيم » .
وفي دلائل الإمامة للطبري الشيعي / 248 ، بسنده عن مقاتل ، « عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي ، عشر خصال قبل يوم القيامة ، ألا تسألني عنها ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : اختلاف وقتل أهل الحرمين ، والرايات السود ، وخروج السفياني ، وافتتاح الكوفة ، وخسف بالبيداء ، ورجل منا أهل البيت يبايع له بين زمزم والمقام ، يركب إليه عصائب أهل العراق ، وأبدال الشام ، ونجباء أهل مصر ، وتصير أهل اليمن ، عدتهم عدة أهل بدر . . . » .
--------------------------- 369 ---------------------------
وفي الإختصاص للمفيد / 208 ، بسنده « عن عامر السراج ، عن سفيان الثوري ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : سمعت حذيفة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إذا كان عند خروج القائم ، ينادي مناد من السماء : أيها الناس قُطع عنكم مدة الجبارين ، ووليَ الأمر خير أمة محمد ، فالحقوا بمكة . فيخرج النجباء من مصر ، والأبدال من الشام ، وعصائب العراق ، رهبان بالليل ليوث بالنهار ، كأن قلوبهم زبر الحديد ، فيبايعونه بين الركن والمقام .
قال عمران بن الحصين : يا رسول الله ، صف لنا هذا الرجل . قال : هو رجل من ولد الحسين ، كأنه من رجال شنوؤة ، عليه عباءتان قطوانيتان ، اسمه اسمي ، فعند ذلك تفرح الطيور في أوكارها ، والحيتان في بحارها ، وتُمد الأنهار ، وتفيض العيون ، وتنبت الأرض ضعف أكلها ، ثم يسير مقدمته جبرئيل وساقته إسرافيل ، فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جوراً وظلماً » .
ومن مصادر السنيين : سنن الداني / 104 ، بسنده عن : « مسلمة بن ثابت ، عن عبد الرحمن ، عن سفيان الثوري ، عن قيس بن مسلم ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة قال : قال رسولالله صلى الله عليه وآله . . بنحو حديث الإختصاص ، وفيه : « فقام عمران بن الحصين الخزاعي فقال : يا رسول الله كيف لنا بهذا حتى نعرفه ؟ فقال : هو رجل من ولدي كأنه من رجال بني إسرائيل ، عليه عباءتان قطوانيتان ، كأن وجهه الكوكب الدري في اللون ، في خده الأيمن خال أسود ، ابن أربعين سنة ، فيخرج الأبدال من الشام وأشباههم ، ويخرج إليه النجباء من مصر ، وعصائب أهل المشرق وأشباههم ، حتى يأتوا مكة فيبايع له بين زمزم والمقام . . . الخ . » .
وفردوس الأخبار : 5 / 523 ح 8963 ، بعضه ، كما في الداني . ومثله تفسير الطبري : 15 / 17 ، بعضه ، عن حذيفة ، والفائق للزمخشري : 1 / 87 ، وتهذيب ابن عساكر : 1 / 62 ، و 63 ، و 96 : « الأبدال من الشام ، والنجباء من أهل مصر ، والأخيار من أهل العراق » . « قبة الإسلام بالكوفة ، والهجرة بالمدينة ، والنجباء بمصر ، والأبدال بالشام ، وهم قليل » .
أقول : هذه فضيلة كبيرة لمصر وأهلها ، لأن أصحاب المهدي عليه السلام لهم مقام عظيم ، فهم ممدوحون على لسان النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام . وهم في دولته حكام في العالم . ولا ينافي ذلك وجود فقرات في حديث الداني لا يمكن قبولها .
--------------------------- 370 ---------------------------
وفد مصر الذي يحمل البيعة للإمام المهدي عليه السلام
روت مصادرنا أن رايات مصرتأتي إلى الإمام عليه السلام ، فتبايعه بعد انتصاره في معركة القدس أو قبلها !
ففي الإرشاد / 360 : « عن الإمام الرضا عليه السلام قال : كأني برايات من مصر مقبلات خضر مصبغات حتى تأتي الشامات فتؤدي [ تهدي البيعة ] إلى ابن صاحب الوصيات » . وهذا الوفد غير النجباء من أصحابه ، الذين يأتون اليه عند ظهوره في مكة . ومعنى تؤدي اليه البيعة أو تهديها ، أنها تبايعه نيابة عن أهل مصر ، فهو يشير إلى قيام حكومة موالية للمهدي عليه السلام في مصر .
أمير الأمرة في مصر سنة ظهور المهدي عليه السلام
روى النعماني في كتاب الغيبة / 283 ، بسنده عن عبيد الله بن العلاء « عن الإمام الصادق عليه السلام قال : إن أمير المؤمنين عليه السلام حدث عن أشياء تكون بعده إلى قيام القائم ، فقال الحسين : يا أمير المؤمنين ، متى يطهر الله الأرض من الظالمين ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لا يطهر الله الأرض من الظالمين حتى يسفك الدم الحرام ، ثم ذكر أمر بني أمية وبني العباس في حديث طويل ، ثم قال : إذا قام القائم بخراسان ، وغلب على أرض كوفان والملتان ، وجاز جزيرة بني كاوان ، وقام منا قائم بجيلان ، وأجابته الآبر والديلمان ، ظهرت لولدي رايات الترك متفرقات ، في الأقطار والجنبات ، وكانوا بين هنات وهنات . إذا خربت البصرة ، وقام أمير الإمرة بمصر » .
أقول : تعرض الحديث لمسار الأمة وحكم بني أمية ثم بني العباس ، والشاهد منه الفقرة الأخيرة التي تدل على أن قيام أمير الأمرة المصري بحركة لعلها مؤيدة للإمام عليه السلام ، أي إنه قائدٌ صاحب رتبة كبيرة في الجيش المصري .
وقد جعل قيامه علامة لظهورالإمام عليه السلام ومرافقاً لظهوره عليه السلام . ويؤيد ذلك أن القائم بخراسان وجيلان ورايات الترك بآذربيجان ، ورد أنها في سنة ظهور الإمام عليه السلام .
الإمام المهدي عليه السلام يدخل مصر ويجعلها مركزه الإعلامي العالمي
روت مصادرنا عن أمير المؤمنين : « لأبنين بمصر منبراً ، ولأنقضن دمشق حجراً حجراً ،
--------------------------- 371 ---------------------------
ولأخرجن اليهود من كل كور العرب ، ولأسوقن العرب بعصاي هذه . فقال الراوي وهو عباية الأسدي : قلت له : يا أمير المؤمنين كأنك تخبر أنك تحيا بعدما تموت ؟ فقال : هيهات يا عباية ، ذهبت غير مذهب . يفعله رجل مني أي المهدي عليه السلام » . « معاني الأخبار : 406 »
وهذا يشير إلى معركة المهدي عليه السلام مع السفياني في دمشق ووراءه اليهود ، فينتصرعليهم ويدخل القدس كما نصت الروايات ، وبعد انتصاره يُخرج اليهود من بلاد العرب ، ويجعل مصر مركزاً إعلامياً عالمياً .
وقد وصفت خطبة رويت له عليه السلام تسمى خطبة المخزون ، حركة المهدي عليه السلام وحروبه ، وذكرت دخوله إلى مصر ، وهي خطبة طويلة رواها الحسن بن سليمان في مختصر بصائر الدرجات / 195 ، وفي طبعة / 210 ، وطبعة / 519 ، كما رواها السيد بن طاووس بسنده عن : فرج بن فروة ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد عليه السلام ، وقد جاء فيها : « وإن لكل شئ إنىً يبلغه ، لا يعجل الله بشئ حتى يبلغ إناه ومنتهاه ، فاستبشروا ببشرى ما بشرتم به ، واعترفوا بقربان ما قرب لكم ، وتنجزوا من الله ما وعدكم . إن منا دعوة خالصةً ، يظهر الله بها حجته البالغة ، ويتم بها النعمة السابغة . . . يا عجبا كل العجب بين جمادى ورجب . . . ألا أيها الناس سلوني قبل أن تشرع برجلها فتنة شرقية ، وتطأ في خطامها بعد موت وحياة ، أو تشب نار بالحطب الجزل غربي الأرض ، رافعة ذيلها تدعو يا ويلها بذحلة أو مثلها ، فإذا استدار الفلك قلت مات أو هلك ، بأي واد سلك ، فيومئذ تأويل هذه الآية : ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً . . . ثم يسير إلى مصر فيعلو منبره ويخطب الناس ، فتستبشر الأرض بالعدل ، وتعطي السماء قطرها ، والشجر ثمرها والأرض نباتها ، وتتزين لأهلها ، وتأمن الوحوش حتى ترتعي في طرف الأرض كأنعامهم ، ويقذف في قلوب المؤمنين العلم ، فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من العلم . . . فيومئذ تأويل هذه الآية : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ . وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ . فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ . فيمكث فيما بين خروجه إلى يوم موته ثلاث مائة سنة ونيفاً ، وعدة أصحابه ثلاث مائة وثلاثة عشر » .
--------------------------- 372 ---------------------------
كما ذكرت روايةٌ أن للإمام المهدي عليه السلام في هرمي مصركنوزاً وذخائر من العلوم ! رواها الصدوق في كتابه كمال الدين / 564 ، عن أحمد بن محمد الشعراني ، الذي هو من ولد عمار بن ياسر رضي الله عنه ، عن محمد بن القاسم المصري ، أن ابن أحمد بن طولون شغَّل ألف عامل في البحث عن باب الهرم سنة ، فوجدوا صخرة مرمر وخلفها بناء لم يقدروا على نقضه ، وأن أسقفاً من الحبشة قرأها ، وكان فيها عن لسان أحد الفراعنة قوله : « وبنيت الأهرام والبراني ، وبنيت الهرمين وأودعتهما كنوزي وذخائري . فقال ابن طولون : هذا شئ ليس لأحد فيه حيلة إلا القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله . ورُدَّت البلاطة كما كانت مكانها » . وفي الرواية نقاط ضعف ، لكنها تصلح مؤيداً .
الأبقع الذي تسانده مصر
ذكرت روايات خروج السفياني أن أول علاماته أن الأبقع يخرج على حاكم الشام الأصهب ، ويكون بينهما صراع ، ثم يأتي السفياني من جهة حوران فيقاتلهما وينتصر عليهما ، ويسيطر على حكم سوريا . وورد في وصف الأبقع أن أنصاره من مصر ، أو هو مصري الأصل . ففي فتن ابن حماد / 77 عن علي عليه السلام قال : « تخرج بالشام ثلاث رايات : الأصهب ، والأبقع من مصر ، فيظهرالسفياني عليهم » . وقال ابن حماد : 1 / 285 : « عن أرطاة قال : إذا اجتمع الترك والروم ، وخسف بقرية بدمشق وسقط طايفة من غربي مسجدها ، رُفع بالشام ثلاث رايات : الأبقع والأصهب والسفياني ، ويحصر بدمشق رجل فيقتل ومن معه ويخرج رجلان من بني أبي سفيان فيكون الظفر للثاني ، فإذا أقبلت مادة الأبقع من مصر ، ظهر السفياني بجيشه عليهم فيُقتل الترك والروم بقرقيسيا ، حتى تشبع سباع الأرض من لحومهم » .
والأبقع : في وجهه بقع . والأصهب : اسم للأسد ، وصفة للأصفر الوجه . ومادة الأبقع : أنصاره . والصحيح أن حركة الأبقع تكون في الشام ، وهو مؤيد من مصر .
مصريون جاؤوا للبحث عن الإمام بعد وفاة أبيه عليه السلام
روى الكليني في الكافي : 1 / 523 : « عن الحسن بن عيسى العريضي أبي محمد قال : لما مضى أبو محمد عليه السلام ورد رجل من أهل مصر بمال إلى مكة للناحية ، فاختلف عليه ، فقال
--------------------------- 373 ---------------------------
بعض الناس : إن أبا محمد عليه السلام مضى من غير خلف والخلف جعفر . وقال بعضهم : مضى أبو محمد عن خلف ، فبعث رجلاً يكنى بأبي طالب ، فورد العسكر ومعه كتاب ، فصار إلى جعفر وسأله عن برهان ، فقال : لا يتهيأ في هذا الوقت ، فصار إلى الباب وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا فخرج إليه : آجرك الله في صاحبك فقد مات ، وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة ليعمل فيه بما يجب ، وأجيب عن كتابه » .
وفي كمال الدين / 491 ، بسنده : « عن الأعلم المصري ، عن أبي رجاء المصري ، قال : خرجت في الطلب بعد مضي أبي محمد عليه السلام بسنتين لم أقف فيهما على شئ ، فلما كان في الثالثة كنت بالمدينة في طلب ولد لأبي محمد عليه السلام بصرياء ، وقد سألني أبو غانم أن أتعشى عنده ، وأنا قاعد مفكر في نفسي وأقول : لو كان شئ لظهر بعد ثلاث سنين ، فإذا هاتف أسمع صوته ولا أرى شخصه وهو يقول : يا نصر بن عبد ربه ، قل لأهل مصر : آمنتم برسول الله صلى الله عليه وآله حيث رأيتموه ؟ قال نصر : ولم أكن أعرف اسم أبي ، وذلك أني ولدت بالمدائن فحملني النوفلي وقد مات أبي ، فنشأت بها ، فلما سمعت الصوت قمت مبادراً ولم أنصرف إلى أبي غانم ، وأخذت طريق مصر . قال : وكتب رجلان من أهل مصر في ولدين لهما فورد : أما أنت يا فلان فآجرك الله ودعا للآخر فمات ابن المعزى » .
بغض كعب الأحبار لمصر وكذبه عليها
نشط كعب الأحبار في نشر مدح الشام وذم الحجاز ومصر والعراق ، وتحولت أقواله على يد تلاميذه إلى أحاديث نبوية ! منها حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « دخل إبليس العراق فقضى حاجته ، ثم دخل الشام فطردوه ، ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ ، وبسط عبقريّه » ! أي فرش بساطه ، واستقر في مصر !
وروى في المعجم الأوسط : 6 / 286 ، والكبير : 12 / 262 ، وتاريخ دمشق : 1 / 99 ، عن إياس بن معاوية : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « إن الله تعالى قد تكفل لي بالشام وأهله ، وإن إبليس أتى العراق فباض فيها وفرخ ، وإلى مصر فبسط عبقريه واتكأ ! وقال : جبل الشام جبل الأنبياء » .
وفي تاريخ دمشق : 1 / 317 و 318 : « ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ بُساق » . ووثقه
--------------------------- 374 ---------------------------
في مجمع الزوائد : 10 / 60 ، بينما ضعفه ابن الجوزي في الموضوعات : 2 / 57 . وعقبةُ بَسَاق : في طريق الذاهب إلى مصر ، كما في معجم البلدان « 1 / 413 » .
كذبة كعب في أن الدجال من مصر
قال ابن حجر في فتح الباري « 13 / 277 » : « وأخرج أبو نعيم أيضاً من طريق كعب الأحبار ، أن الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر ، قال : وبين مولده ومخرجه ثلاثون سنة ! قال : ولم ينزل خبره في التوراة والإنجيل ، وإنما هو في بعض كتب الأنبياء . وأخلق بهذا الخبر أن يكون باطلاً ، فإن الحديث الصحيح أن كل نبي قبل نبينا أنذر قومه الدجال ، وكونه يولد قبل مخرجه بالمدة المذكورة مخالف لكونه ابن صياد ، ولكونه موثوقاً في جزيرة من جزائر البحر . . . وأقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم ، وكون ابن صياد هو الدجال ، أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثوقاً ، وأن ابن صياد شيطان تبدَّى في صورة الدجال في تلك المدة ، إلى أن توجه إلى أصبهان فاستتر مع قرينه ، إلى أن تجئ المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها » !
أقول : يقصد كعب أن الدجال ملك اليهود كموسى عليه السلام يولد في مصر ثم يقود بني إسرائيل ! لكن روينا أنه يهودي يخرج من بلخ ، وروى السنيون أنه يهودي يخرج من أصفهان ، ففي مسند أحمد « 3 / 224 » وصحيح مسلم « 8 / 207 » : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يخرج الدجال من يهودية أصبهان « محلة في أصفهان » معه سبعون ألفاً من اليهود ، عليهم التيجان » . لكن كعباً جعل الدجال عربياً ، وجعل أنصاره عرباً ! فقال كما روى عنه ابن أبي شيبة « 8 / 671 ، و : 15 / 182 » : « كأني بمقدمة الأعور الدجال ست مائة ألف من العرب يلبسون السيجان » . وأخذ ذلك منه ابن عمر فروى عنه البخاري في الكنى / 65 : « يتبع الدجال أربعون ألفاً من صلب العرب » .
ثم جعله كعب عراقياً ، لأن أهل العراق وخاصة القبائل اليمانية لا يحبون كعباً ! فقال كما في عبد الرزاق « 11 / 396 » : « يخرج الدجال من العراق » ! وقال لعمر لما أراد أن يسكن العراق : « لا تفعل فإن فيها الدجال ، وبها مردة الجن وبها تسعة أعشار السحر ، وبها كل داء عضال يعني الأهواء » . « عبد الرزاق : 11 / 251 » .
--------------------------- 375 ---------------------------
أحلام كعب بخراب مصر وبلاد العرب !
أشاع كعب أنه إذا فتح المسلمون القسطنطينية فسيخرج الدجال ، وتخرب مكة والمدينة ، وتخرب مصر ، وبلاد المسلمين ! وروى الحاكم : 4 / 462 ، عنه نبوءة عن خراب مصر ، قال : « الجزيرة آمنة من الخراب حتى تخرب أرمينية ، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب الجزيرة ، والكوفة آمنة من الخراب حتى تخرب مصر ، ولا تكون الملحمة حتى تخرب الكوفة ، ولا تفتح مدينة الكفر حتى تكون الملحمة ، ولا يخرج الدجال حتى تفتح مدينة الكفر » .
صحح العلماء حديث جند مصر ورده علماء بني أمية !
ذكرنا في جواهر التاريخ : 2 / 390 ، أن رواة الخلافة لتعصبهم لبني أمية ، لم يقبلوا حديث الصحابي عمرو بن الحمق الخزاعي في مدح مصر رغم تصحيح علمائهم له ! ففي مستدرك الحاكم : 4 / 448 : « عن عمرو بن الحمق عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ستكون فتنة أسلم الناس فيها أو قال : لخير الناس فيها الجند الغربي ، فلذلك قدمت مصر » . وأوسط الطبراني : 8 / 315 ، والبخاري في تاريخه الكبير : 6 / 313 . . الخ .
وقد علق على ذلك السيوطي في شرحه الديباج على مسلم « 4 / 514 » ، فقال : « روى الطبراني والحاكم وصححه ، عن عمرو بن الحمق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تكون فتنة أسلم الناس فيها الجند الغربي . قال ابن الحمق : فلذلك قدمت عليكم مصر . وأخرجه محمد بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة الذين دخلوا مصر ، وزاد فيه : وأنتم الجند الغربي . فهذه منقبة لمصر في صدر الملة ، واستمرت قليلة الفتن معافاة طول الملة ، لم يعترها ما اعترى غيرها من الأقطار ، وما زالت معدن العلم والدين ، ثم صارت في آخر الأمر دار الخلافة ومحط الرحال ، ولا بلد الآن في سائر الأقطار بعد مكة والمدينة يظهر فيها من شعائر الدين ، ما هو ظاهر في مصر » .
دخول جيش المغرب إلى مصر
روى ابن حماد في كتابه الفتن عدة روايات عن علاقة مصربأحداث خروج السفياني تذكر دخول أهل المغرب إلى مصر والشام ، وأكثرها روايات مرسلة ، ولو صحت فهي تنطبق على
--------------------------- 376 ---------------------------
دخول جيش المغرب الفاطمي إلى مصر والشام .
قال ابن حماد : 1 / 222 : « عن عمار بن ياسر قال : علامة المهدي إذا انساب عليكم الترك ، ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال ، ويستخلف بعده ضعيف فيخلع بعد سنتين من بيعته ، ويخسف بغربي مسجد دمشق ، وخروج ثلاثة نفر بالشام ، وخروج أهل المغرب إلى مصر ، وتلك أمارة السفياني » .
وقال ابن حماد : 1 / 285 : « عن أرطاة قال : إذا اجتمع الترك والروم ، وخسف بقرية بدمشق وسقط طايفة من غربي مسجدها ، رُفع بالشام ثلاث رايات : الأبقع والأصهب والسفياني ، ويحصر بدمشق رجل فيقتل ومن معه ، ويخرج رجلان من بني أبي سفيان فيكون الظفر للثاني ، فإذا أقبلت مادة الأبقع من مصر ، ظهر السفياني بجيشه عليهم فيُقتل الترك والروم بقرقيسيا ، حتى تشبع سباع الأرض من لحومهم » .
ومن نوعها : ما رواه الطوسي في الغيبة / 278 ، بنفس سند ابن حماد عن عمار بن ياسر أنه قال : « إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان ، ولها أمارات ، فالزموا الأرض وكفوا حتى تجئ أماراتها ، فإذا استثارت عليكم الروم والترك . . . ويتخالف الترك والروم وتكثر الحروب في الأرض وينادي مناد من سور دمشق : ويل لأهل الأرض من شر قد اقترب ، ويخسف بغربي مسجدها حتى يخر حائطها ، ويظهر ثلاثة نفر بالشام كلهم يطلب الملك : رجل أبقع ورجل أصهب ورجل من أهل بيت أبي سفيان ، يخرج في كلب ويحصر الناس بدمشق ، ويخرج أهل الغرب إلى مصر ، فإذا دخلوا فتلك أمارة السفياني » .
وهذه الرواية واضحة الانطباق على حركة الفاطميين ، ومثلها غيرها ، لكن بعضهم خلطها برواية السفياني ، فلا يمكن أن نثبت بها أن للسفياني علاقةً بمصر ، نعم للأبقع علاقة بمصر كما يأتي .
وتوجد روايات تتحدث عن أحداث مضت ، كالأزمة الاقتصادية في الحجاز بسبب منع المواد التموينية عنها من مصر ، وهي تخص القرون الأولى عندما كانت مصر مصدر تموين الحجاز . لكن الرواة خلطوها بأحاديث الإمام المهدي عليه السلام ومثالها رواية أحمد : 2 / 262 ، عن أبي هريرة : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : منعت العراق قفيزها ودرهمها ، ومنعت الشام مدها ودينارها ، ومنعت مصر إرْدَبَّها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم « ثلاثاً » !
--------------------------- 377 ---------------------------
وقال : يشهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه » ! والقفيز والمد والإردب : مكاييل للغلات . ومن نوعها الرواية عن حاكم مصر الذي يأتي بالروم إليها ، رواها ابن المنادي / 33 : « عن أبي ذر رحمه الله قال عن النبي صلى الله عليه وآله : سيكون رجل من بني أمية بمصر يلي سلطاناً ثم يغلب على سلطانه ، أو ينزع منه ، ثم يفر إلى الروم فيأتي بالروم إلى أهل الإسلام ، فذلك أول الملاحم » .
أقول : مضافاً إلى الإشكال في سندها ، فقد يكون حدثها وقع ، ولا ينافي ذلك قوله : فذلك أول الملاحم ، فهو يستعمل لأحداث ظهور المهدي عليه السلام ، وغيرها .
- *
--------------------------- 378 ---------------------------
--------------------------- 379 ---------------------------
الفصل الثامن عشر : ( بلاد الشام ، بلاد الشام في عصر الظهور )
--------------------------- 380 ---------------------------
بلاد الشام وحركة السفياني
يطلق اسم بلاد الشام أو الشامات في المصادر على منطقة سوريا ولبنان ، ويسمى لبنان : جبل لبنان وبرَّ الشام . وتشمل بلاد الشام سوريا الأردن وقد تشمل فلسطين . كما أن الشام أيضاً اسم لمدينة دمشق العاصمة .
وأحاديث بلاد الشام وأحداثها وشخصياتها في عصر الظهور كثيرة ، ومحورها الأساسي حركة السفياني الذي يسارع بعد السيطرة على بلاد الشام إلى إرسال قواته إلى العراق ، كما يرسل قوات إلى الحجاز لمساعدة حكومته على ضبط الأمن في المدينة المنورة ، ثم ينتدبونهم للقضاء على حركة المهدي عليه السلام ، فتقع المعجزة الموعودة في جيشه ، ويُخسف بهم وهم في طريقهم إلى مكة .
أما أكبر معارك السفياني فهي معركته ضد المهدي عليه السلام عندما يزحف المهدي بجيشه على الشام لفتح فلسطين ، ويكون مع السفياني اليهود والروم ، وتنتهي بهزيمته وانتصار المهدي عليه السلام عليه ، وفتحه فلسطين ودخوله القدس .
السفياني يخرج سنة ظهورالمهدي عليه السلام
النعماني / 267 ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام أنه قال : « السفياني والقائم في سنة واحدة » .
وفي الإرشاد / 360 عن أبي عبد الله عليه السلام : « خروج الثلاثة الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد ، وليس فيها راية أهدى من راية اليماني ، لأنه يدعو إلى الحق » .
بداية حركته بعد خروج الأبقع على الأصهب وزلزال
النعماني / 305 : « عن المغيرة بن سعيد عن أبي جعفر الباقر عليه السلام : قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا اختلف الرمحان بالشام لم تنجل إلا عن آية من آيات الله . قيل : وما هي يا أمير المؤمنين ؟ قال : رجفة تكون بالشام يهلك فيها أكثر من مائة ألف ، يجعلها الله رحمةً للمؤمنين وعذاباً على الكافرين ، فإذا كان ذلك فانظروا إلى أصحاب البراذين الشهب المحذوفة ، والرايات الصفر تقبل من المغرب حتى تحل بالشام ، وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر . فإذا كان ذلك
--------------------------- 381 ---------------------------
فانظروا خسف قرية من دمشق يقال لها حرستا ، فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس ، حتى يستوي على منبر دمشق ، فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي عليه السلام » .
وغيبة الطوسي / 277 ، بنحو النعماني ، ومثله العدد القوية / 76 بتفاوت يسير ، وفيه : فانتظروا ابن آكلة الأكباد بالوادي اليابس . ومنتخب الأنوار / 29 ، عن الخرائج ، وإثبات الهداة : 3 / 730 ، عن غيبة الطوسي ، وكذا البحار : 52 / 216 .
والبراذين الشهب المخذوفة : وصف لوسائل ركوب المغاربة أو الغربيين بأنها شهباء الألوان ، ومقطعة الآذان ! وابن آكلة الأكباد : من ذرية هند زوجة أبي سفيان . والوادي اليابس يمتد من حوران إلى الأردن ونابلس بفلسطين .
وفي البدء والتاريخ : 2 / 177 : « وفيما خُبِّرَ عن علي بن أبي طالب في ذكر الفتن بالشام قال : فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد على أثره ، ليستولي على منبر دمشق ، فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي . وقد قال بعض الناس : إن هذا قد مضى ، وذلك خروج زياد بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بحلب ، وبيضوا ثيابهم وأعلامهم وادعوا الخلافة ، فبعث أبو العباس عبد الله « بن محمد » بن علي بن عبد الله بن عباس ، أبا جعفر إليهم فاصطلموهم عن آخرهم .
ويزعم آخرون أن لهذا الموعود وصفاً لم يوجد لزياد بن عبد الله ، ثم ذكروا أنه من ولد يزيد بن معاوية ، بوجهه آثار الجدري وبعينه نكتة بياض ، يخرج من ناحية دمشق ، ويثيب خيله وسراياه في البر والبحر ، فيبقرون بطون الحبالى ، وينشرون الناس بالمناشير ويطبخونهم في القدور ، ويبعث جيشاً له إلى المدينة فيقتلون ويأسرون ويحرقون ، ثم ينبشون عن قبر النبي صلى الله عليه وآله وقبر فاطمة عليها السلام ، ثم يقتلون كل من اسمه محمد وفاطمة ، ويصلبونهم على باب المسجد ! فعند ذلك يشتد غضب الله عليهم فيخسف بهم الأرض ، وذلك قوله تعالى : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ . أي من تحت أقدامهم » .
وتقدم في فصل أصحاب الإمام المهدي عليه السلام من غيبة النعماني وتفسير العياشي : 1 / 65 ، وغيرهما من المصادر ، النص الكامل للحديث المهم عن الإمام الباقر عليه السلام الذي فيه تسلسل الأحداث في بداية حركة السفياني ، وفيه : « يا جابر إلزم الأرض ولا تحركن يدك ولا رجلك أبداً ، حتى ترى علامات أذكرها لك في سنة . . . وإن أهل الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات :
--------------------------- 382 ---------------------------
الأصهب والأبقع والسفياني مع بني ذنب الحمار مضر ، ومع السفياني أخواله من كلب ، فيظهر السفياني ومن معه على بني ذنب الحمار ، حتى يقتلوا قتلاً لم يقتله شئ قط ، ويحضر رجل بدمشق فيقتل هو ومن معه قتلاً لم يقتله شئ قط ، وهو من بني ذنب الحمار ، وهي الآية التي يقول الله : فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ . ويظهر السفياني ومن معه حتى لا يكون له همة إلا آل محمد صلى الله عليه وآله وشيعتهم . . » . ويستعمل تعبير ببني ذنب الحمار كناية عن بني العباس ، والحكومة التي تكون في خطهم وتعادي أهل البيت عليهم السلام .
من صفة السفياني : وحشُ الوجه ضخم الهامة
كمال الدين : 2 / 651 : « عن عمر بن أذينة : قال أبو عبد الله : قال أمير المؤمنين عليهم السلام : يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس ، وهو رجل ربعة وحش الوجه ، ضخم الهامة ، بوجهه أثر جدري ، إذا رأيته حسبته أعور ، اسمه عثمان وأبوه عنبسة ، وهو من ولد أبي سفيان ، حتى يأتي أرضا ذات قرار ومعين فيستوي على منبرها » .
النعماني / 306 : « عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : السفياني أحمر أشقر أزرق ، لم يعبد الله قط ، ولم ير مكة ولا المدينة قط ، يقول : يا رب ثاري والنار ، يا رب ثاري والنار » .
وفي كمال الدين : 2 / 651 « إنك لو رأيت السفياني لرأيت أخبث الناس ، أشقر أحمر أزرق ، يقول : يا رب ثاري ثاري ثم النار ، وقد بلغ من خبثه أنه يدفن أم ولد له وهي حية ، مخافة أن تدل عليه » .
وفي الإرشاد / 359 : عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « وخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية ونزول الترك الجزيرة ونزول الروم الرملة . واختلاف كثير عند ذلك في كل أرض ، حتى تخرب الشام ، ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها : راية الأصهب وراية الأبقع وراية السفياني » .
وفي غيبة الطوسي / 278 : « عن بشر بن غالب قال : يقبل السفياني من بلاد الروم متنصراً في عنقه صليب . وهو صاحب القوم » . ومعناه أن السفياني نصراني ، أو يتقرب إليهم .
السفياني من أولاد معاوية
كتاب سليم / 197 : « من كتاب علي عليه السلام إلى معاوية : يا معاوية إن رسول الله صلى الله عليه وآله
--------------------------- 383 ---------------------------
قد أخبرني أن بني أمية سيخضبون لحيتي من دم رأسي وأني مستشهد ، وستلي الأمة من بعدي ، وأنك ستقتل ابني الحسن غدراً بالسم ، وأن ابنك يزيد سيقتل ابني الحسين ، يلي ذلك منه ابن زانية . وأن الأمة سيليها من بعدك سبعة من ولد أبي العاص وولد مروان بن الحكم ، وخمسة من ولده ، تكملة اثني عشر إماماً ، قد رآهم رسول الله يتواثبون على منبره تواثب القردة يرُدُّون أمته عن دين الله على أدبارهم القهقرى ، وأنهم أشد الناس عذاباً يوم القيامة . وأن الله سيخرج الخلافة منهم برايات سود تقبل من الشرق ، يذلهم الله بهم ويقتلهم تحت كل حجر .
وأن رجلاً من ولدك مشوم ملعون ، جلفٌ جاف ، منكوس القلب ، فظٌّ غليظ ، قد نزع الله من قلبه الرأفة والرحمة ، أخواله من كلب ، كأني أنظر إليه ، ولو شئت لسميته ووصفته وابن كم هو ، فيبعث جيشاً إلى المدينة فيدخلونها ، فيسرفون فيها في القتل والفواحش ، ويهرب منهم رجل من ولدي ، زكيٌّ نقي ، الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، وإني لأعرف اسمه وابن كم هو يومئذ وعلامته ، وهو من ولد ابني الحسين الذي يقتله ابنك يزيد ، وهو الثائر بدم أبيه ، فيهرب إلى مكة ، ويقتل صاحب ذلك الجيش رجلاً من ولدي ، زكياً برياً عند أحجار الزيت . ثم يسير ذلك الجيش إلى مكة ، وإني لأعلم اسم أميرهم وأسماءهم وسمات خيولهم ، فإذا دخلوا البيداء واستوت بهم الأرض خسف الله بهم . قال الله عز وجل : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ، قال : من تحت أقدامهم ، فلا يبقى من ذلك الجيش أحد غير رجل واحد يقلب الله وجهه من قبل قفاه !
ويبعث الله للمهدي أقواماً يجتمعون من الأرض قزعاً كقزع الخريف ، والله إني لأعرف أسماءهم واسم أميرهم ، ومناخ ركابهم ، فيدخل المهدي الكعبة ويبكى ويتضرع . . الخ . » .
السفياني من المحتومات التي لابد منها
الكافي : 8 / 310 : « عن عمر بن حنظلة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : خمس علامات قبل قيام القائم : الصيحة ، والسفياني ، والخسف ، وقتل النفس الزكية ، واليماني . فقلت : جعلت فداك إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات ، أنخرج معه ؟ قال : لا . فلما كان من الغد تلوت هذه الآية : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا
--------------------------- 384 ---------------------------
خَاضِعِينَ ، فقلت له : أهي الصيحة ؟ فقال : أما لو كانت خضعت أعناق أعداء الله عز وجل » .
وفي كمال الدين : 2 / 652 : « عن أبي حمزة الثمالي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن أبا جعفر عليه السلام كان يقول : إن خروج السفياني من الأمر المحتوم . قال : نعم ، واختلاف ولد العباس من المحتوم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، وخروج القائم من المحتوم ، فقلت له : كيف يكون النداء ؟ قال : ينادي مناد من السماء أول النهار : ألا إن الحق في علي وشيعته ، ثم ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار : ألا إن الحق في السفياني وشيعته ، فيرتاب عند ذلك المبطلون » .
وفي النعماني / 252 : « عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : النداء من المحتوم والسفياني من المحتوم ، واليماني من المحتوم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، وكف يطلع من السماء من المحتوم ، قال : وفزعةٌ في شهر رمضان ، توقظ النائم ، وتفزع اليقظان ، وتخرج الفتاة من خدرها » .
وفي معاني الأخبار / 346 : « عن الحكم بن سالم عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله ، قلنا صدق الله ، وقالوا كذب الله . قاتل أبو سفيان رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقاتل معاوية علي بن أبي طالب عليه السلام ، وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي صلى الله عليه وآله ، والسفياني يقاتل القائم عليه السلام » .
وفي قرب الإسناد / 164 : « عن أبي الحسن عليه السلام قال : يقوم قائمنا لموافاة الناس سنة ، قال : يقوم القائم بلا سفياني ؟ إن أمر القائم حتم من الله وأمر السفياني حتم من الله ، ولا يكون القائم إلا بسفياني ، قلت : جعلت فداك فيكون في هذه السنة ؟ قال : ما شاء الله ، قلت : يكون في التي تليها ؟ قال : يفعل الله ما يشاء » .
ومعنى : يقوم قائمنا لموافاة الناس سنة : أنه يوافيهم سنة ظهوره في الحج . ويتصل بذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : يظهر في شبهة ليستبين أمره .
وفي النعماني / 301 : « عن عبد الملك بن أعين قال : كنت عند أبي جعفر عليه السلام فجرى ذكر القائم عليه السلام فقلت له : أرجو أن يكون عاجلاً ولا يكون سفياني ، فقال : لا والله إنه لمن المحتوم الذي لابد منه » .
النعماني / 302 : « عن أبي هاشم قال : كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام فجرى ذكر
--------------------------- 385 ---------------------------
السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم ، فقلت لأبي جعفر عليه السلام : هل يبدو له في المحتوم ؟ قال : نعم ، قلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم ، فقال : إن القائم من الميعاد والله لا يخلف الميعاد » .
أقول : لا يكون بداء في المحتوم ، والبداء في هذا الحديث بمعنى أنه محتوم منه تعالى لا محتوم عليه كما زعم اليهود وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ . . أي زعموا أنه تعالى فرغ من الخلق والأمر ولا يستطيع تغيير شئ !
وسيأتي من كمال الدين : 2 / 516 ، : توقيع الإمام عليه السلام لعلي بن محمد السمري رضي الله عنه وفيه : « وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة . ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر » .
مدة حركة السفياني سنة وأشهراً
النعماني / 299 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : السفياني من المحتوم وخروجه في رجب ، ومن أول خروجه إلى آخره خمسة عشر شهراً ، ستة أشهر يقاتل فيها ، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر ، ولم يزد عليها يوماً » .
النعماني / 304 ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إذا استولى السفياني على الكور الخمس فعُدّوا له تسعة أشهر . وزعم هشام أن الكور الخمس : دمشق وفلسطين والأردن وحمص وحلب » .
النعماني / 300 ، عن معلى بن خنيس : ومن المحتوم خروج السفياني في رجب . وفي / 302 عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « السفياني لابد منه ، ولا يخرج إلا في رجب ، فقال له رجل : يا أبا عبد الله إذا خرج فما حالنا ؟ قال : إذا كان ذلك فإلينا » .
كمال الدين : 2 / 651 ، عن عبد الله بن أبي منصور البجلي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اسم السفياني فقال : « وما تصنع باسمه ؟ إذا ملك كور الشام الخمس : دمشق وحمص وفلسطين والأردن وقنسرين ، فتوقعوا عند ذلك الفرج ، قلت : يملك تسعة أشهر ؟ قال : لا ، ولكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوماً » .
وفي غيبة الطوسي / 278 ، عن عمار الدهني ، قال أبو جعفر عليه السلام : « كم تعدون بقاء السفياني
--------------------------- 386 ---------------------------
فيكم ؟ قال : قلت : حمل امرأة تسعة أشهر ، قال : ما أعلمكم يا أهل الكوفة » .
وفي غيبة الطوسي / 273 ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « إن السفياني يملك بعد ظهوره على الكور الخمس حمل امرأة ، ثم قال : أستغفر الله حمل جمل ، وهو من الأمر المحتوم الذي لابد منه » .
أقول : أشكل صاحب إثبات الهداة على التردد في هذا النص وهو محق ، لأن التردد لايصدرمن المعصوم عليه السلام ، كما أن الجَمَل في اللغة اسم لمذكر الإبل خاصة . فلا بد أن يكون التردد من الراوي .
الناجون من متابعة السفياني في بلاد الشام
النعماني / 304 : « عن الحارث الهمداني ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : المهدي أقبل جعد ، بخده خال ، يكون مبدؤه من قبل المشرق ، وإذا كان ذلك خرج السفياني فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر ، يخرج بالشام فينقاد له أهل الشام ، إلا طوائف من المقيمين على الحق يعصمهم الله من الخروج معه ! ويأتي المدينة بجيش جرار ، حتى إذا انتهى إلى بيداء المدينة خسف الله به . وذلك قول الله عز وجل في كتابه : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ » .
يشير ذلك إلى أن حملة السفياني على الشيعة في الشام تبدأ في رمضان بعد شهرين من حكمه .
وفي النعماني / 300 : « عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول . . . أبشروا ثم أبشروا بالذي تريدون ، ألستم ترون أعداءكم يقتتلون في معاصي الله ويقتل بعضهم بعضاً على الدنيا دونكم ، وأنتم في بيوتكم آمنون في عزلة عنهم . وكفى بالسفياني نقمة لكم من عدوكم ، وهو من العلامات لكم ، مع أن الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهراً أو شهرين بعد خروجه ، لم يكن عليكم بأس حتى يقتل خلقاً كثيراً دونكم . فقال له بعض أصحابه : فكيف نصنع بالعيال إذا كان ذلك ؟ قال : يتغيب الرجال منكم عنه فإن حَنَقَهُ وشَرَهَهُ إنما هي على شيعتنا ، وأما النساء فليس عليهن بأس إن شاء الله تعالى . قيل : فإلى أين مخرج الرجال يهربون منه ؟ فقال : من أراد منهم أن يخرج يخرج إلى المدينة أو إلى مكة أو إلى بعض البلدان ، ثم قال : ما تصنعون بالمدينة وإنما يقصد جيش الفاسق إليها ، ولكن عليكم بمكة فإنها مجمعكم وإنما فتنته حمل امرأة : تسعة أشهر ولايجوزها إن شاء الله » .
--------------------------- 387 ---------------------------
فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا
الكافي : 8 / 274 : « عن الفضل الكاتب قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فأتاه كتاب أبي مسلم فقال : ليس لكتابك جواب ، أخرج عنا ، فجعلنا يسارُّ بعضنا بعضاً ، فقال : أي شئ تسارُّون ؟ يا فضل إن الله عز ذكره لا يعجل لعجلة العباد ، ولَإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقض أجله . ثم قال : إن فلان بن فلان حتى بلغ السابع من ولد فلان ، قلت : فما العلامة فيما بيننا وبينك جعلت فداك ؟ قال : لا تبرح الأرض يا فضل حتى يخرج السفياني ، فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا يقولها ثلاثاً ، وهو من المحتوم » .
وفي إثبات الوصية / 226 : « عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لا يكون ما ترجون حتى يخطب السفياني على أعوادها ، فإذا كان ذلك انحدر عليكم قائم آل محمد من قبل الحجاز » .
وفي الكافي : 8 / 264 : « عن عيص بن القاسم قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له ، وانظروا لأنفسكم ، فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها ، يخرجه ويجئ بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها ، والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها ، ثم كانت الأخرى باقية ، فعمل على ما قد استبان لها ، ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة ، فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم . إن أتاكم آت منا ، فانظروا على أي شئ تخرجون ؟ ولا تقولوا خرج زيد فإن زيداً كان عالماً وكان صدوقاً ، ولم يدعكم إلى نفسه ، إنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام ، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه ، إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه ، فالخارج منا اليوم إلى أي شئ يدعوكم ؟ إلى الرضا من آل محمد ، فنحن نشهدكم أنا لسنا نرضى به ، وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد ، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منا ، إلا مع من اجتمعت بنو فاطمة معه ، فوالله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه ، إذا كان رجب فأقبلوا على اسم الله عز وجل ، وإن أحببتم أن تتأخروا إلى شعبان فلا ضير ، وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم فلعل ذلك أن يكون أقوى لكم ، وكفاكم بالسفياني علامة » .
--------------------------- 388 ---------------------------
الكافي : 8 / 264 : « عن سدير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا سدير الزم بيتك وكن حلساً من أحلاسه ، واسكن ما سكن الليل والنهار ، فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك » .
ورواه في سائل الشيعة : 11 / 36 ، والبحار : 52 / 303 ، و 270 . وفيه رواية أخرى جاء فيها : « قلت : جعلت فداك هل قبل ذلك شئ ؟ قال : نعم وأشار بيده بثلاث أصابعه إلى الشام ، وقال : ثلاث رايات : راية حسنية ، وراية أموية ، وراية قيسية ، فبينا هم إذ قد خرج السفياني فيحصدهم حصد الزرع ، ما رأيت مثله قط » !
أقول : معناه أن هذه الرايات الثلاث قبل السفياني ، ولا يعني أنها قبله مبائشرة ، فلعلها قبله بمدة طويلة ، وتقصد حكم الحسنيين والأمويين واليمانيين ، وكانت الراية الحسنية مطروحة من زمن الأمويين . قال في العقد الفريد : 5 / 72 : « وإنما كان سبب قتل سديف « بيد المنصور العباسي » أنه قال أبياتاً مبهمة ، وكتب بها إلى أبي جعفر وهي هذه :
فاكفف يديك أضلها مهديها أسرفت في قتل الرعية ظالماً
فلتأتينك راية حسنية جرارة يقتادها حسنيها »
محاولاتهم إحراج الإمام الصادق والإمام الرضا عليه السلام
محاولاتهم إحراج الإمام الصادق والإمام الرضا عليه السلام
في النعماني / 253 : « عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : قبل هذا الأمر السفياني ، واليماني ، والمرواني ، وشعيب بن صالح ، فكيف يقول هذا هذا ؟ ! » .
أي المرواني الذي يظهر قبل السفياني وقد يكون من قادة معركة قرقيسيا ، وشعيب بن صالح القائد العسكري للخراسانيين . والمعنى كيف يقول إني أنا المهدي ولم يأت هؤلاء قبله ؟
وفي الكافي : 8 / 331 : « عن المعلى بن خنيس قال : ذهبت بكتاب عبد السلام بن نعيم وسدير ، وكتب غير واحد إلى أبي عبد الله عليه السلام حين ظهرت المسودة قبل أن يظهر ولد العباس ، بأنا قد قدرنا أن يؤول هذا الأمر إليك فما ترى ؟ قال : فضرب بالكتب الأرض ثم قال : أفٍّ أفٍّ ما أنا لهؤلاء بإمام أما علموا أنه إنما يقتل السفياني » .
ورواه الكشي / 353 ، وفيه : « ما أنا لهؤلاء بإمام ، ما علموا أن صاحبهم السفياني » .
--------------------------- 389 ---------------------------
وينبغي الالتفات إلى الضغوط التي كان الأئمة عليهم السلام يواجهونها من شيعتهم ومن الطامعين في الحكم ، الذين يريدون العمل السياسي والثورة باسمهم ! فكانوا يرفضون ذلك ، ويوضحون أن من شروط المهدي عليه السلام خروج السفياني قبله !
تأثير أحاديث السفياني على أتباع الأمويين
من الطبيعي أن يبادر الأمويون وأتباعهم بعد سقوط دولتهم ، إلى استغلال أحاديث السفياني ، بحجة أن النبي صلى الله عليه وآله أخبر بظهور هذا الحاكم القوي ، ولايهمهم أن يكون طاغية ملعوناً فالمهم أنه منهم ! لذلك ادعى عدد من بني أمية وغيرهم أنه هو السفياني الموعود ، وقاد حركة ضد العباسيين ، وكان لبعضهم أتباع ومقاتلون !
وذكر صاحب كتاب خطط الشام « 1 / 154 » عدة ثورات باسم السفياني ، منها : ثورة علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، وقدخرج في الشام سنة 195 ، في خلافة الأمين وكان يعرف بأبي العميطر .
ومنها : ثورة سعيد بن خالد الأموي ، بعد أبي العميطر . ومنها : 1 / 164 ، ثورة المبرقع بالشام أيضاً سنة 227 ، في خلافة المعتصم . وفي : 2 / 185 ، ثورة عثمان بن ثقالة الذي ثار في العجلون بالأردن سنة 816 ، وادعى أنه السفياني الموعود .
وذكر في : 1 / 161 ، قول المأمون العباسي : وأما قضاعة فسادتها تنتظر السفياني وخروجه فتكون من أشياعه ! إلى غير ذلك من ادعاء السفيانية .
والملاحظة الثانية على أحاديث المصادر السنية : أن فيها مبالغات في شخصية السفياني ، حتى زعموا له صفات غيبية ، وكأنه مبعوث من الله تعالى !
فقد روى ابن حماد : 2 / 699 ، و 1 / 279 ، و 283 و : 1 / 180 : « عن علي عليه السلام أنه قال : السفياني من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان ، رجل ضخم الهامة بوجهه آثار جدري ، وبعينه نكتة بياض ، يخرج من ناحية مدينة دمشق في واد يقال له وادي اليابس ، يخرج في سبعة نفر مع رجل منهم لواء معقود يعرفون في لوائه النصر ، يسير الرعب بين يديه على ثلاثين ميلاً ، لا يرى ذلك العلم أحد يريده إلا انهزم » !
« إنه يحمل بيده ثلاث قصبات لا يقرع بهن أحداً إلا مات . . يؤتى السفياني في منامه فيقال
--------------------------- 390 ---------------------------
له : قم فأخرج ، فيقوم فلا يجد أحداً ، ثم يؤتى الثانية فيقال له مثل ذلك ، ثم يقال له الثالثة : قم فأخرج فانظر من على باب دارك ، فينحدر في الثالثة على باب داره ، فإذا هو بسبعة نفر أو تسعة نفر معهم لواء ، فيقولون : نحن أصحابك ، فيخرج فيهم ويتبعه ناس من قريات وادي اليابس ، فيخرج إليه صاحب دمشق ليلقاه ويقاتله ، فإذا نظر إلى رايته انهزم ووالي دمشق يومئذ وال لبني العباس » !
وذكر بعض أهل الخبرة : أن الوادي اليابس يمتد من درعا في سوريا إلى قرب نابلس داخل فلسطين .
والملاحظة الثالثة : أن أكثر أحاديثهم عن السفياني مراسيل من أقوال تابعين ، وغالباً ما تكون محرفة عن أحاديث النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله مضافاً إليها عناصر خيالية !
معركة قرقيسيا
قرقيسا : مدينة عند مصب نهر الخابور في نهر الفرات ، وهي أطلال قرب مدينة دير الزور السورية ، عند الحدود السورية العراقية ، قريبة نسبياً من الحدود التركية . وفي معجم البلدان : 4 / 328 : « قال حمزة الأصبهاني : قرقيسيا معرب كركيسيا ، وهو مأخوذ من كركيس ، وهو اسم لإرسال الخيل ، المسمى بالعربية الحلبة » . انتهى .
وقد استفاضت الروايات أنه تقع عندها معركة عظيمة ، وبعضها ربطها بالسفياني الذي يكون في زمن الإمام المهدي عليه السلام ، وبعضها ذكر أن سببها كنز يظهر في مجرى الفرات ، ويختلف عليه السفياني والأتراك .
ومن رواياتها في الكافي : 8 / 295 : « أن الإمام الباقر عليه السلام قال لمُيَسَّر : يا مُيَسَّرُ كم بينكم وبين قرقيسا ؟ قلت : هي قريب على شاطئ الفرات . فقال : أما إنه سيكون بها وقعة لم يكن مثلها منذ خلق الله تبارك وتعالى السماوات والأرض ، ولا يكون مثلها ما دامت السماوات والأرض مأدبة للطير ، تشبع منها سباع الأرض وطيور السماء ، يهلك فيها قيس ولايدعى لها داعية . قال : وروى غير واحد وزاد فيه : وينادي مناد هلموا إلى لحوم الجبارين » .
وفي الكافي : 8 / 278 : عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إن لله مائدة [ مأدبة ] بقرقيسياء
--------------------------- 391 ---------------------------
يطَّلع مُطلع من السماء ، فينادي يا طير السماء ويا سباع الأرض هلموا إلى الشبع من لحوم الجبارين » .
وفي الكافي : 8 / 303 ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : « إن لولد العباس والمرواني لوقعة بقرقيسياء ، يشيب فيها الغلام الحَزَوَّر ، يرفع الله عنهم النصر ، ويوحي إلى طير السماء وسباع الأرض إشبعي من لحوم الجبارين ، ثم يخرج السفياني » . فالمرواني من قادة معركة قرقيسيا .
وروى المفيد في الإختصاص / 255 : « عن جابر الجعفي قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : « يا جابر الزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها : أولها اختلاف ولد فلان ، وما أراك تدرك ذلك ولكن حدث به بعدي ، ومناد ينادي من السماء ، ويجيؤكم الصوت من ناحية دمشق بالفتح ، ويخسف بقرية من قرى الشام تسمى الجابية ، وتسقط طائفة من مسجد دمشق الأيمن ، ومارقة تمرق من ناحية الترك ، ويعقبها مرج الروم ، وستقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة ، وستقبل مارقة الروم حتى تنزل الرملة ، فتلك السنة يا جابر فيها اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب ، فأول أرض تخرب الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات : راية الأصهب ، وراية الأبقع ، وراية السفياني ، فيلقى السفياني الأبقع فيقتتلون فيقتله ومن معه ويقتل الأصهب ، ثم لا يكون همه إلا الإقبال نحو العراق ، ويمر جيشه بقرقيسا فيقتلون بها مائة ألف رجل من الجبارين .
ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدتهم سبعون ألف رجل ، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً ، فبيناهم كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوى المنازل طياً حثيثاً ، ومعهم نفر من أصحاب القائم ، وخرج رجل من موالي أهل الكوفة ، فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة .
ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة ، فينفر المهدي منها إلى مكة ، فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج من المدينة ، فيبعث جيشاً على أثره فلا يدركه ، حتى يدخل مكة خائفاً يترقب على سنة موسى بن عمران عليه السلام ، وينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي مناد من السماء
--------------------------- 392 ---------------------------
يا بيداء أبيدي القوم ، فيخسف بهم البيداء فلا يفلت منهم إلا ثلاثة ، يحول الله وجوههم في أقفيتهم وهم من كلب ، وفيهم نزلت هذه الآية : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا . . الآية ، قال : والقائم يومئذ بمكة ، قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً به ينادي : يا أيها الناس إنا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس ، فإنا أهل بيت نبيكم ، ونحن أولى الناس بالله وبمحمد . . . الخ » .
ونقل ابن حماد : 1 / 285 ، قولاً لأرطاة ربط معركة قرقيسيا بالسفياني ، وجعل أطرافها الترك والروم ، لكنها كلام مقطوع غير مسند ! كما ربطتها روايات بالكنزالمختلف عليه ، منها : ما رواه ابن حماد : 1 / 239 ، ونحوه / 335 ، و : 2 / 611 ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « ينحسر الفرات عن جبل من ذهب وفضة فيقتل عليه من كل تسعة سبعة . فإن أدركتموه فلا تقربوه . . . الفتنة الرابعة ثمانية عشر عاماً ، ثم تنجلي حين تنجلي وقد انحسر الفرات عن جبل من ذهب ، تنكب عليه الأمة فيقتل من كل تسعة سبعة » .
وفي فتن ابن حماد : 1 / 82 : عن علي عليه السلام : « يظهر السفياني على الشام ، ثم يكون بينهم وقعة بقرقيسيا حتى تشبع طير السماء وسباع الأرض من جيفهم ، ثم يفتق عليهم فتق من خلفهم ، فتقبل طائفة منهم حتى يدخلوا أرض خراسان ، وتقبل خيل السفياني في طلب أهل خراسان ، فيقتلون شيعة آل محمد بالكوفة . ثم يخرج أهل خراسان في طلب المهدي » .
وإن صحت أحاديث هذه المعركة فقد يكون الكنز المذكور منبع نفط أو منجم ذهب تختلف عليه جهات ، والطرف المقابل للسفياني في المعركة هو الترك ، ويبدو أنهم أهل تركيا الفعلية ، لأن النزاع عند حدود سوريا وتركيا .
- *
--------------------------- 393 ---------------------------
الفصل التاسع عشر : ( الحجاز ، الحجاز في عصر الظهور )
--------------------------- 394 ---------------------------
أحداث الحجاز قبل ظهور المهدي عليه السلام
وردت أحاديث وآثار في أحداث تقع في الحجاز قبل ظهور الإمام المهدي عليه السلام وعند ظهوره وبعده ، وبالغت المصادر السنية في أحداثٍ تقع في موسم الحج قرب ظهوره عليه السلام . ونذكر أولاً ما ورد في مصادرنا ، ثم في المصادر الأخرى .
ففي قرب الإسناد / 164 : عن الإمام الرضا عليه السلام : « إن قدام هذا الأمر علامات ، حدثٌ يكون بين الحرمين ، قلت : ما الحدث ؟ قال : عصبة تكون ، ويَقتل فلان من آل فلان خمسة عشر رجلاً » .
وفي الإرشاد / 360 : « عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : لا يكون ما تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا وتمحصوا ، فلا يبقى منكم إلا القليل . ثم قرأ : ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لايُفْتَنُونَ ، ثم قال : إن من علامات الفرج حدثاً بين المسجدين ، ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشاً من العرب » .
وفي الكافي : 1 / 340 : « عن أبان بن تغلب : قال أبو عبد الله عليه السلام : كيف أنت إذا وقعت البطشة بين المسجدين فيأرز العلم كما تأرز الحية في جحرها ، واختلفت الشيعة وسمى بعضهم بعضاً كذابين وتفل بعضهم في وجوه بعض ؟ قلت : جعلت فداك ما عند ذلك من خير ، فقال لي : الخير كله عند ذلك ثلاثاً » .
وفي النعماني / 172 : « عن أبي بصير : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : كان أبو جعفر عليه السلام يقول : لقائم آل محمد غيبتان إحداهما أطول من الأخرى ؟ فقال : نعم ولا يكون ذلك حتى يختلف سيف بني فلان وتضيق الحلقة ويظهر السفياني ، ويشتد البلاء ، ويشمل الناس موت وقتل يلجؤون فيه إلى حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله » .
وفي النعماني / 267 : « عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : يشمل الناس موت وقتل حتى يلجأ الناس عند ذلك إلى الحرم ، فينادي مناد صادق من شدة القتال : فيم القتل والقتال ؟ صاحبكم فلان » .
وفي مختصر البصائر / 199 : « ووقفت على كتاب خطب لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وعليه خط السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاوس ، ما صورته : هذا الكتاب ذكر كاتبه رجلين بعد الصادق عليه السلام فيمكن أن يكون تاريخ كتابته بعد المائتين من الهجرة ،
--------------------------- 395 ---------------------------
لأنه عليه السلام انتقل بعد سنة مائة وأربعين من الهجرة ، وقد روى بعض ما فيه عن أبي روح فرج بن فروة ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد عليه السلام ، وبعض ما فيه عن غيرهما .
ذكر في الكتاب المشار إليه خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام تسمى المخزون ثم ذكر الخطبة بطولها جاء فيها : ألا يا أيها الناس سلوني قبل أن تشرع برجلها فتنة شرقية ، وتطأ في خطامها بعد موت وحياة ، أو تشب نار بالحطب الجزل غربي الأرض ، رافعة ذيلها تدعو يا ويلها بذحلة أو مثلها ، فإذا استدار الفلك قلتم مات أو هلك بأي واد سلك ، فيومئذ تأويل هذه الآية : ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً .
ولذلك آيات وعلامات ، أولهن إحصار الكوفة بالرصد والخندق ، وتخريق الزوايا في سكك الكوفة ، وتعطيل المساجد أربعين ليلة ، وتخفق رايات ثلاث حول المسجد الأكبر يشبهن بالهدى ، القاتل والمقتول في النار ، وقتل كثير وموت ذريع . وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين ، والمذبوح بين الركن والمقام ، وقتل الأسبع المظفر صبراً في بيعة الأصنام ، مع كثير من شياطين الإنس ، وخروج السفياني براية خضراء وصليب من ذهب أميرها رجل من كلب واثني عشر ألف عنان من خيل يحمل السفياني ، متوجهاً إلى مكة والمدينة ، أميرها أحد من بني أمية ، يقال له خزيمة أطمس العين الشمال ، على عينه طرفة ، تميل به الدنيا فلا ترد له راية حتى ينزل المدينة ، فيجمع رجالاً ونساء من آل محمد ، فيحبسهم في دار بالمدينة يقال لها دار أبي الحسن الأموي » . الخ .
أقول : معنى هذه الأحاديث أن حكم آل فلان يكون قوياً ، فيقع بينهم الخلاف فيضعف ملكهم ، ثم يموت خليفة فيكون في هلاكه الفرج ، ثم يخرج السفياني ويظهر اليماني ، ثم تكون هزة وهدة بين الحرمين مكة والمدينة ، ويشتد البلاء في الحجاز والصراع والقتال بين ثلاث رايات كلها في النار .
ثم يظهر الإمام عليه السلام فيقصده جيش السفياني ليقضي على حركته فيخسف الله بهم . ويتحرك الإمام عليه السلام إلى العراق ، ثم إلى دمشق ، ويخوض حرباً مع السفياني فينتصر المهدي على السفياني ويقتله ، ويحكم البلاد .
ومما يتعلق بوضع الحجاز قبل الظهور وإن لم يكن فيه تصريح ، ما رواه في غيبة الطوسي / 271 :
--------------------------- 396 ---------------------------
لا يكون فساد ملك بني فلان ، حتى يختلف سيفا بني فلان فإذا اختلفا كان عند ذلك فساد ملكهم » .
وفي النعماني / 159 : « عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : يأتي على الناس زمان يصيبهم فيها سبطة ، يأرز العلم فيها كما تأرز الحية في جحرها ، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم نجمهم ، قلت : فما السبطة ؟ قال : الفترة ، قلت : فكيف نصنع فيما بين ذلك ؟ فقال : كونوا على ما أنتم عليه حتى يطلع الله لكم نجمكم » .
موت حاكم في موته فرج الناس جميعاً
في النعماني / 267 : « عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : بينا الناس وقوف بعرفات إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة ، يخبرهم بموت خليفة يكون عند موته فرج آل محمد صلى الله عليه وآله ، وفرج الناس جميعاً » .
وفي النعماني / 257 : « عن الحسين بن المختار قال : أمسك بيدك : هلاك الفلاني اسم رجل من بني العباس ، وخروج السفياني ، وقتل النفس ، وجيش الخسف ، والصوت . قلت : وما الصوت ، أهو المنادي ؟ فقال : نعم ، وبه يعرف صاحب هذا الأمر . ثم قال : الفرج كله هلاك الفلاني » .
موت آخر من يحكم الحجاز قبل المهدي عليه السلام
موت آخر من يحكم الحجاز قبل المهدي عليه السلام
في غيبة الطوسي / 271 : « عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم ، ثم قال : إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد ، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله . ويذهب ملك السنين ويصير ملك الشهور والأيام ! فقلت : يطول ذلك ؟ قال : كلا » .
ومن الواضح أن هذا الحاكم غير الأول ، وأنه آخر من يحكم الحجاز ، وبعده يختلفون فلا يأتي حاكم يحكم سنة كاملة ، بل يتدهور وضعهم حتى ينتهي ملكهم .
--------------------------- 397 ---------------------------
نارٌ عظيمة في شرقي الحجاز
النعماني / 262 : « عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا رأيتم ناراً من المشرق شبه الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد عليهم السلام إن شاء الله عز وجل ، إن الله عزيز حكيم » .
والهردي : الثوب المصبوغ بالأخضر والأحمر . والهرد : صبغ الكركم الأصفر .
وفي النعماني / 267 : « عن الإمام الصادق عليه السلام قال : إذا رأيتم علامة في السماء ناراً عظيمة من قبل المشرق تطلع ليالي ، فعندها فرج الناس وهي قدام القائم عليه السلام بقليل » .
وفي ابن حماد : 1 / 232 : « عن ابن معدان قال : إذا رأيتم عموداً من نار من قبل المشرق في شهر رمضان في السماء ، فأعدوا ما استطعتم من الطعام ، فإنها سنة جوع » .
والظاهر أنها حريقٌ نفطي كبير ، ويحتمل أن تكون هذه النار بركاناً طبيعياً .
وفي الصراط المستقيم : 2 / 258 : « عن عجائب البلدان مرسلاً أن عليا عليه السلام قال : إذا وقعت النار في حجازكم وجرى الماء بنجفكم فتوقعوا ظهور قائمكم » .
وهي غير النار التي روي أنها تظهر في عدن من علامات القيامة : « ونار تخرج من قعر عدن ، تسوق الناس إلى المحشر » . الطيالسي / 143 ، ونحوه أحمد : 4 / 6 ، ومسلم : 4 / 2225 . ومن مصادرنا الخصال : 2 / 446 ، وغيبة الطوسي / 267
جيش السفياني في الحجاز
روت مصادر الجميع عن النبي صلى الله عليه وآله أحاديث « جيش الخسف » وأنه آية موعودة ، تقع في جيش السفياني الذي يتوجه إلى مكة فيخسف الله به في بيداء المدينة ، وتبلغ طرق حديثه وتصحيحات العلماء له أكثر من مئة صفحة !
وقد أبهمه البخاري : 2 / 159 ، و : 3 / 19 ، ووضعه تحت عنوان : « باب هدم الكعبة » وروى فيه « عن عائشة قالت : قال النبي صلى الله عليه وآله : يغزو جيش الكعبة فيخسف بهم » . فحذف ذكر الإمام المهدي عليه السلام وأوْهَمَ أنه مرتبط بذي السويقة الحبشي الذي زعموا أنه يهدم الكعبة ! لكن الحاكم ذكر في : 4 / 520 ، ماحذفوه وصححه بشرط البخاري ، وروى عن أبي هريرة
--------------------------- 398 ---------------------------
أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من يتبعه من كلب ، فيقتل حتى يبقر بطون النساء ، ويقتل الصبيان ، فتجمع لهم قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة . ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة ، فيبلغ السفياني فيبعث إليه جنداً من جنده فيهزمهم ، فيسير إليه السفياني بمن معه ، حتى إذا صار ببيداء من الأرض خسف بهم ، فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم » . وقوله : حتى لا يمنع ذنب تلعة : مثلٌ للسيل إذا بلغ التلعة ، وهي الأرض العالية .
أما مسلم فكان أكثر أمانة ، فروى : 8 / 166 : « عن عبيد الله بن القبطية قال : دخل الحارث بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان وأنا معهما ، على أم سلمة أم المؤمنين ، فسألاها عن الجيش الذي يخسف به ، وكان ذلك في أيام ابن الزبير . فقالت : قال رسول الله : صلى الله عليه وآله يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث ، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم ! فقلت : يا رسول الله فكيف بمن كان كارهاً ؟ قال : يخسف به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته . ثم روى الحكم أن الإمام الباقر عليه السلام قال إنها لَبيداء المدينة » .
كما روى عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « العجب أن ناساً من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت ، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم ! فقلنا : يا رسول الله إن الطريق قد يجمع الناس ، قال : نعم فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل ، يهلكون مهلكاً واحداً ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم » .
والمستبصر : المتعمد ، وابن السبيل : العابر ، وفي رواية أخرى : فيهم المنتفر والمجبور والمكره ، أي المستنفر باختياره ، والمجبور بالقهر ، والمشارك باختياره لكن بسبب إكراه . ويدل ذلك على أن الصحابة كانوا يعرفون الحديث ، وأن العائذ بالبيت ركن فيه !
وقد اختصرالبخاري ومسلم حديث جيش الخسف . راجع : الجمع بين الصحيحين للحميدي : 4 / 238 و / 245 ، وابن أبي شيبة : 15 / 43 وأحمد : 6 / 316 ، وأبا داود : 4 / 107 ، وتهذيب ابن عساكر : 3 / 450 ، وجامع الأصول : 10 / 179 ، وجمع الفوائد : 1 / 55 ، والمسند الجامع : 20 / 795 ، وتاريخ بخاري : 5 / 118 ، وابن ماجة : 2 / 1350 ، والنسائي : 5 / 207 ، والطبراني الكبير : 23 / 202 ، و : 24 / 75 ، والحاكم : 4 / 429 ، وصححه على شرط الشيخين ،
--------------------------- 399 ---------------------------
ورواه عبد الرزاق : 11 / 371 ، بلفظ : يكون اختلاف عند موت خليفة ، فيخرج رجل من المدينة فيأتي مكة ، فيستخرجه الناس من بيته وهو كاره ، فيبايعونه بين الركن والمقام ، فيبعث إليه جيش من الشام حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم ، فيأتيه عصائب العراق وأبدال الشام فيبايعونه ، فيستخرج الكنوز ويقسم المال ، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض » .
ورواه أحمد بروايات في : 6 / 316 ، وفي : 6 / 285 : « عن أم سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه وآله استيقظ من منامه وهو يسترجع ، قالت : قلت : يا رسول الله ما شأنك ؟ قال : طائفة من أمتي يخسف بهم ، ثم يبعثون إلى رجل فيأتي مكة فيمنعه الله منهم ويخسف بهم ، مصرعهم واحد ومصادرهم شتى ، قالت : قلت : يا رسول الله كيف يكون مصرعهم واحداً ومصادرهم شتى ؟ قال : إن منهم من يكره فيجئ مكرهاً » .
وفي المعجم الأوسط : 6 / 222 ، عن أم سلمة : « فيعوذ عائذ بالحرم فيجتمع الناس إليه كالطائر الوارد المتفرقة ، حتى يجتمع إليه ثلاث مائة وأربعة عشر ، فيهم نسوة ، فيظهر على كل جبار وابن جبار ، ويظهر من العدل ما يتمنى له الأحياء أمواتهم » .
وفي البدء والتاريخ : 2 / 178 : « وروي أن النبي صلى الله عليه وآله قال : لتتركن المدينة أحسن ما كانت ، حتى يجئ الكلب فيشغر على سارية المسجد ، قالوا : فلمن تكون الثمار يومئذ يا رسول الله ؟ قال : لعوافي السباع والطير ! قالوا في الخبر : ثم تسير خيل السفياني تريد مكة ، تنتهي إلى موضع يقال له بيداء ، فينادي مناد من السماء : يا بيداء بيدي بهم فيخسف بهم فلا ينجو منهم إلا رجلان من كلب تقلب وجوههما في أقفيتهما ، يمشيان القهقرى على أعقابهما ، حتى يأتيا السفياني فيخبرانه ، ويأتي البشير المهدي وهو بمكة فيخرج معه اثنا عشر ألفاً ، فهم الأبدال والأعلام ، حتى يأتي المباء ويأسر السفياني ، ويغير على كلب لأنهم أتباعه ويسبي نساءهم ، قالوا : فالخائب يومئذ من خاب عن غنائم كلب » .
وروى ابن حماد في الفتن مضامين من أحاديث أهل البيت عليهم السلام ، وأضاف إليها أساطير الإسرائيليات أو من خياله ، وبعض رواياته معقولة كروايته : 1 / 325 ، عن أبي جعفر « أي الإمام الباقر عليه السلام » قال : « فيبلغ أهل المدينة مخرج الجيش إليهم فيهرب منها من كان من آل محمد صلى الله عليه وآله إلى مكة يحمل الشديد الضعيف والكبير الصغير فيدركون نفساً من
--------------------------- 400 ---------------------------
آل محمد فيذبحونه عند أحجار الزيت » . وهو النفس الزكية الثانية المذكور في خطبة المخزون لأمير المؤمنين عليه السلام .
وروى عدة روايات فيه عن أبي جعفر عليه السلام كما في / 90 : « سيكون عائذ بمكة يبعث إليه سبعون ألفاً ، عليهم رجل من قيس حتى إذا بلغوا الثنية دخل آخرهم ولم يخرج منها أولهم ، نادى جبرئيل : يا بيداء يا بيداء ، يسمع مشارقها ومغاربها ، خذيهم فلا خير فيهم ! فلايظهر على هلاكهم أحد إلا راعي غنم في الجبل ينظر إليهم حين ساخوا فيخبر بهم ، فإذا سمع العائذ بهم خرج » .
روت مصادرنا حديث جيش الخسف ولم تظلم منه شيئاً !
ففي الإختصاص / 255 ، وغيبة الطوسي / 269 ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « يبعث السفياني بعثاً إلى المدينة فينفر المهدي منها إلى مكة ، فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلى مكة فيبعث جيشاً على أثره ، فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفاً يترقب على سنة موسى بن عمران عليه السلام . قال : فينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي مناد من السماء : يا بيداء أبيدي القوم ، فيخسف بهم فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر يحول الله وجوههم إلى أقفيتهم . وهم من كلب وفيهم نزلت هذه الآية : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا . . الآية . قال : والقائم يومئذ بمكة قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً به فينادي : يا أيها الناس إنا نستنصر الله ، فمن أجابنا من الناس فإنا أهل بيت نبيكم محمد ونحن أولى الناس بالله وبمحمد صلى الله عليه وآله . فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم . ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح . ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم . ومن حاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد . ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين .
أليس الله يقول في محكم كتابه : إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ . ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . فأنا بقية من آدم ، وذخيرة من نوح ومصطفىً من إبراهيم ، وصفوة من محمد صلى الله عليه وآله .
ألا فمن حاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله ، ألا ومن حاجني في سنة
--------------------------- 401 ---------------------------
رسول الله فأنا أولى الناس بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأنشد الله من سمع كلامي اليوم لمَّا بلَّغ الشاهد الغائب ، وأسألكم بحق الله وحق رسوله صلى الله عليه وآله وبحقي ، فإن لي عليكم حق القربى من رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أعنتمونا ومنعتمونا ممن يظلمنا ، فقد أُخفنا وظُلمنا وطُردنا من ديارنا وأبنائنا وبُغيَ علينا ، ودُفعنا عن حقنا ، وافترى أهل الباطل علينا ، فالله الله فينا لاتخذلونا ، وانصرونا ينصركم الله تعالى .
قال : فيجمع الله عليه أصحابه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، يجمعهم الله له على غير ميعاد ، قزعاً كقزع الخريف ، وهي يا جابر الآية التي ذكرها الله في كتابه : أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَئْ قَدِيرٌ ، فيبايعونه بين الركن والمقام .
ومعه عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله قد توارثته الأبناء عن الآباء . والقائم يا جابر رجل من ولد الحسين يصلح الله له أمره في ليلة ، فما أشكل على الناس من ذلك يا جابر ، فلا يشكلنَّ عليهم ولادته من رسول الله صلى الله عليه وآله ووراثته العلماء عالماً بعد عالم .
فإن أشكل هذا كله عليهم ، فإن الصوت من السماء لايشكل عليهم ، إذا نودي باسمه واسم أبيه وأمه » .
عدد جيش السفياني ومكان الخسف به
تصف أحاديث المصادر السنية دخول جيش السفياني إلى المدينة المنورة من العراق والشام ، وأنه يستعمل العنف والوحشية مع أنصار المهدي وشيعة أهل البيت عليهم السلام !
بل ذكرت أن بطشه في المدينة يكون أشد مما فعله في بعض مناطق العراق ، ففي ابن حماد : 1 / 323 : « عن ابن شهاب قال : يكتب السفياني إلى الذي دخل الكوفة بخيله بعد ما يعركها عرك الأديم ، يأمره بالسير إلى الحجاز ، فيسير إلى المدينة فيضع السيف في قريش ، فيقتل منهم ومن الأنصار أربع مائة رجل ، ويبقر البطون ، ويقتل الولدان ، ويقتل أخوين من قريش رجل وأخته يقال لهما فاطمة ومحمد ، ويصلبهما على باب مسجد المدينة » .
وفي مستدرك الحاكم : 4 / 442 ، وغيره ، أن أهل المدينة يخرجون منها أمام حملة السفياني ، ولاتذكر الأحاديث أماكن أخرى يدخلها جيش السفياني غير المدينة . وفي / 252 ، أنه يأتي المدينة
--------------------------- 402 ---------------------------
بجيش جرار . وفي ابن حماد : 1 / 328 : اثنا عشر ألفاً . وفي عقد الدرر / 76 ، أن عدده سبعون ألفاً ، وفي الكشاف : 3 / 467 ، ثمانون ألفاً !
ويظهر أن مدة بقاء جيشه في المدينة وجيزة ، ثم يتجه إلى مكة فتقع الآية الموعودة ويخسف بهم في البيداء . فعن حنان بن سدير أنه سأل الإمام الصادق عليه السلام عن خسف البيداء فقال : « أَمَا صِهْرا على البريد ، على اثني عشر ميلاً من البريد الذي بذات الجيش » . « البحار : 52 / 181 » . وبيداء المدينة منتهى الجبال وبداية الأرض المستوية للمسافر من المدينة إلى مكة . « هي الشُّرف الذي قدَّام ذي الحليفة في طريق مكة ، وذات الجيش هي على بريد من المدينة » . « شرح السيوطي على النسائي : 1 / 162 ، ومعجم البكري : 2 / 409 » وقد سلك النبي صلى الله عليه وآله إلى بدرعلى نقب المدينة ، ثم على العقيق ، ثم على ذي الحليفة ، ثم على ذات الجيش » . « ابن هشام : 3 / 160 » .
وفي فقه أهل البيت عليهم السلام : يكره الصلاة في أماكن ، منها البيداء لأنها محل خسف وغضب ، « قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : يا علي : لا تصل في جلد ما لا تشرب لبنه ولا تأكل لحمه ، ولا تصل في ذات الجيش ، ولا في ذات الصلاصل ، ولا في ضجنان » . « من لا يحضره الفقيه : 4 / 366 » . وفي المحاسن للبرقي رحمه الله : 2 / 365 : « عن أحمد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة في البيداء ؟ فقال : البيداء لا يصلى فيها ، قلت : وأين حد البيداء ؟ قال : أما رأيت ذلك الرفع والخفض ؟ قلت : إنه كثير ، فأخبرني أين حده ؟ فقال : كان أبو جعفر عليه السلام إذا بلغ ذات الجيش جد في السير ، ثم لم يصل حتى يأتي معرس النبي صلى الله عليه وآله . قلت : وأين ذات الجيش ؟ قال : دون الحفيرة بثلاثة أميال » .
الآيات النازلة في معجزة الخسف بالجيش
في الدر المنثور : 5 / 240 : « وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ، قال : هو جيش السفياني ، قال : من أين أخذ ؟ قال : من تحت أرجلهم » .
وفي تفسير الطبري : 22 / 72 : « عن حذيفة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وذكر فتنة بين أهل المشرق والمغرب : فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فوره ذلك حتى
--------------------------- 403 ---------------------------
ينزل دمشق ، فيبعث جيشين جيشاً إلى المشرق وجيشاً إلى المدينة ، حتى ينزلوا بأرض بابل في المدينة الملعونة والبقعة الخبيثة ، فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويبقرون بها أكثر من مائة امرأة ، ويقتلون بها ثلاث مائة كبش من بني العباس .
ثم ينحدرون إلى الكوفة ، فيخربون ما حولها ثم يخرجون متوجهين إلى الشام ، فتخرج راية هدى من الكوفة ، فتلحق ذلك الجيش منها على الفئتين فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر ، ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم .
ويخلو جيشه الثاني بالمدينة ، فينتهبونها ثلاثة أيام ولياليها ، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة ، حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله سبحانه جبرئيل فيقول : يا جبرائيل إذهب فأبدهم ، فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم . فذلك قوله عز وجل في سورة سبأ : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ، فلا ينفلت منهم إلا رجلان أحدهما بشير والآخر نذير ، وهما من جهينة ، فلذلك جاء القول : فعند جهينة الخبر اليقين » .
والكشاف : 3 / 467 ، وتذكرة القرطبي : 2 / 693 ، وتفسيره : 14 / 314 ، وعقد الدرر / 74 ، ونوادر الأخبار / 257 ، والاستيعاب : 3 / 928 ، وأبو الفتوح : 9 / 226 ، ومجمع البيان : 4 / 398 .
وفي ابن حماد : 1 / 329 : « عن علي رضي الله عنه قال : إذا نزل جيش في طلب الذين خرجوا إلى مكة ، فنزلوا البيداء خسف بهم ويُباد بهم ، وهو قوله عز وجل : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ . من تحت أقدامهم » .
وروى السلمي في عقد الدرر / 76 : « عن الإمام أبي بكر محمد بن الحسن النقاش المقري في تفسيره قال : نزلت يعني هذه الآية في السفياني ، وذلك أنه يخرج من الوادي اليابس في أخواله وأخواله من كلب يخطبون على منابر الشام ، فإذا بلغوا عين التمر محا الله تعالى الإيمان من قلوبهم ، فتجوز حتى ينتهوا إلى جبل الذهب فيقاتلون قتالاً شديداً فيقتل السفياني سبعين ألف رجل ، عليهم السيوف المحلاة والمناطق المفضضة . ثم يدخل الكوفة فيصير أهلها ثلاث فرق ، فرقة تلحق به وهم أشر خلق الله تعالى ، وفرقة تقاتله وهم عند الله تعالى شهداء ، وفرقة تلحق الأعراب وهم العصاة . . .
ثم ذكر فظائع السفياني في العراق ثم في البصرة ودخول جيشه إلى المدينة ، وقال : ويقتل
--------------------------- 404 ---------------------------
رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وامرأة ، واسم الرجل محمد ويقال اسمه علي والمرأة فاطمة فيصلبونهما عراة ! فعند ذلك يشتد غضب الله تعالى عليهم ، ويبلغ الخبر إلى ولي الله تعالى ، فيخرج من قرية من قرى جرش في ثلاثين رجلاً ، فيبلغ المؤمنين خروجه فيأتونه من كل أرض يحنّون إليه كما تحن الناقة إلى فصيلها ، فيجئ فيدخل مكة ، وتقام الصلاة فيقولون : تقدم يا ولي الله . فيقول : لا أفعل . . » الخ .
أقول : الخلط والإضافة في روايته واضحان . وأما مصادرنا فاستفاضت روايتها . ففي تفسير العياشي : 2 / 261 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن عهد نبي الله صلى الله عليه وآله صار عند علي بن الحسين عليه السلام ثم صار عند محمد بن علي ، ثم يفعل الله ما يشاء ، فالزم هؤلاء . فإذا خرج رجل منهم معه ثلاث مائة رجل ، ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله عامداً إلى المدينة ، حتى يمر بالبيداء فيقول : هذا مكان القوم الذين خسف الله بهم ، وهي الآية التي قال الله : أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأرض أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لايَشْعُرُونَ . أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ » .
وفي تفسير القمي : 2 / 205 : « عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا ، قال : من الصوت وذلك الصوت من السماء . وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ، قال : من تحت أقدامهم خسف بهم » .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام « النعماني / 163 » قال : « المهدي أقبلُ جعدٌ ، بخده خال ، يكون مبدؤه من قبل المشرق ، فإذا كان ذلك خرج السفياني فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر ، يخرج بالشام فينقاد له أهل الشام إلا طوائف مقيمين على الحق يعصمهم الله من الخروج معه ، ويأتي المدينة بجيش جرار ، حتى إذا انتهى إلى بيداء المدينة خسف الله به ، وذلك قول الله عز وجل : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ » .
وفي الكافي : 8 / 166 : « عن الطيار ، عن أبي عبد الله عليه السلام : في قول الله عز وجل : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ . قال : خسف وقذف . قال : قلت : حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ ؟ قال : دع ذا ، ذاك قيام القائم » .
--------------------------- 405 ---------------------------
الغلام أو النفس الزكية الذي يقتل في المدينة
الغلام أو النفس الزكية الذي يقتل في المدينة
تقدمت روايته في فصل أصحاب الإمام عليه السلام ، وذكرت بعض الروايات أن هذا السيد وأخته هم أبناء عم النفس الزكية . وأن الإمام عليه السلام يرسله في مكة إلى المسجد الحرام برسالة فيقتلونه في المسجد الحرام ، قبيل ظهوره عليه السلام ، وأنهما يكونان فارَّين من العراق من جيش السفياني ، ويدلهم عليهما جاسوس يكون معهما من العراق . والصحيح أن الذي يقتل في مكة سيدٌ آخر ، وقد ورد أنه حسني صغير السن .
النداء السماوي من مصادر السنيين
يتفق عدد من أحاديث النداء السماوي في مصادر الجميع ، وبعضها أضيف اليه مبالغات وتخيلات الرواة .
فقد روى ابن حماد : 1 / 337 : « عن سعيد بن المسيب قال : تكون فتنة كان أولها لعب الصبيان ، كلما سكنت من جانب طمت من جانب ، فلا تتناهى حتى ينادي مناد من السماء : ألا إن الأمير فلان ، وفتل ابن المسيب يديه حتى أنهما لتنتفضان فقال : ذلكم الأمير حقاً ثلاث مرات . . .
عن جابر عن أبي جعفر قال : ينادي مناد من السماء : ألا إن الحق في آل محمد ، وينادي مناد من الأرض : ألا إن الحق في آل عيسى أو قال العباس ، أنا أشك فيه ، وإنما الصوت الأسفل من الشيطان ليلبس على الناس . شك أبو عبد الله نعيم » .
وروى « 1 / 339 » : « عن علي رضي الله عنه قال : بعد الخسف ينادي مناد من السماء : إن الحق في آل محمد في أول النهار ، ثم ينادي مناد في آخر النهار إن الحق في ولد عيسى ، وذلك نخوة من الشيطان . . .
عن سعيد بن يزيد التنوخي عن الزهري قال : إذا التقى السفياني والمهدي للقتال يومئذ يسمع صوت من السماء : ألا إن أولياء الله أصحاب فلان يعني المهدي ، قال الزهري : وقالت أسماء بنت عميس : إن أمارة ذلك اليوم أن كفاً من السماء مدلاةً ينظر إليها الناس » .
ملاحظة : يشير الحديث إلى أن « آل عيسى » هم الذين يخترعون النداء الأرضي المكذوب
--------------------------- 406 ---------------------------
في آخر النهار ، لإبطال تأثير النداء السماوي في أول النهار ! ولعل الغربيين يقومون بهذه الكذبة ونشرها ! وفي رواية النعماني / 264 عن الإمام الصادق عليه السلام : « إن الشيطان لايدعهم حتى ينادي كما نادى برسول الله يوم العقبة » .
وفي ابن حماد : 1 / 228 : « عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله قال : إذا كانت صيحة في رمضان فإنه يكون معمعة في شوال ، وتمييز القبائل في ذي القعدة ، وتسفك الدماء في ذي الحجة ، والمحرم وما المحرم ، يقولها ثلاثاً ، هيهات هيهات ، يقتل الناس فيها هرجاً مرجاً ! قال : قلنا : وما الصيحة يا رسول الله ؟ قال : هدة في النصف من رمضان ليلة الجمعة ، فتكون هدة توقظ النائم وتقعد القائم وتخرج العواتق من خدورهن في ليلة جمعة في سنة كثيرة الزلازل ، فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة ، فأدخلوا بيوتكم وأغلقوا أبوابكم وسدوا كواكم ، ودثروا أنفسكم وسدوا آذانكم ، فإذا أحسستم بالصيحة فخروا لله سجداً ، وقولوا : سبحان القدوس ، سبحان القدوس ، ربنا القدوس ، فإنه من فعل ذلك نجا ومن لم يفعل ذلك هلك » . وفيه : « عن ابن حوشب عن النبي صلى الله عليه وآله : في المحرم ينادي مناد من السماء : ألا إن صفوة الله من خلقه فلان فاسمعوا له وأطيعوا ، في سنة الصوت والمعمعة » .
وفي البدء والتاريخ : 2 / 172 : « عن فيروز الديلمي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : يكون هدَّةٌ في رمضان توقظ النائم وتفزع اليقظان ، هذا في رواية قتادة .
وفي رواية الأوزاعي : يكون صوت في رمضان في نصف من الشهر يصعق فيه سبعون ألفاً ، ويعمى فيه سبعون ألفاً ، ويصمّ سبعون ألفاً ، ويخرس سبعون ألفاً ، ويتفلق له سبعون ألف باكرة ! قال : ثم يتبعه صوت آخر ، فالأول صوت جبرئيل عليه السلام والثاني صوت إبليس عليه اللعنة !
قال : الصوت في رمضان والمعمعة في شوال ، وتميز القبائل في ذي القعدة ، ويُغار على الحاج في ذي الحجة ، والمحرم أوله بلاء وآخره فرج . قالوا : يا رسول الله من يسلم منه ؟ قال : من يلزم بيته ويتعوذ بالسجود » .
وفي عقد الدرر / 105 ، عن ملاحم ابن المنادي ، عن شهر بن حوشب قال : « كان يقال : في شهر رمضان صوت ، وفي شوال همهمة ، وفي ذي القعدة تميز القبائل ، وفي ذي الحجة
--------------------------- 407 ---------------------------
تسفك الدماء ، وينهب الحاج في المحرم . قيل له : وما الصوت ؟ قال : هاد من السماء يوقظ النائم ويفزع اليقظان ويخرج الفتاة من خدرها ويسمعه الناس كلهم ، فلا يجئ رجل من أفق من الآفاق إلا حدث أنه سمعه » .
وفي الآحاد والمثاني : 5 / 143 : « عن فيروز الديلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : صوت يكون في رمضان ، قالوا : يا رسول الله يكون في أوله أو في وسطه أو في آخره ؟ قال : لا بل في النصف من رمضان ، إذا كان ليلة النصف ليلة الجمعة يكون صوت من السماء يصعق له سبعون ألفاً ويخرس له سبعون ألفاً ويعمي سبعون ألفاً ويفيق سبعون ألفاً ويصم سبعون ألفاً قالوا : يا رسول الله فمن السالم من أمتك ؟ قال : من لزم بيته وتعوذ بالسجود وجهر بالتكبير لله عز وجل ، ثم يتبعه صوت آخر ، فالصوت الأول صوت جبريل عليه السلام والثاني صوت شيطان . والصوت في شهر رمضان والمعمعة في شوال ، وتميز القبائل في ذي القعدة ، ويغار على الحاج في ذي الحجة ، وفي المحرم وما المحرم ؟ أوله بلاء على أمتي وآخره فرج لأمتي » .
ابن حماد : 1 / 344 ، عن أبي رومان ، عن علي رضي الله عنه قال : « إذا نادى مناد من السماء إن الحق في آل محمد ، فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس ويُشرَبون حبه ولا يكون لهم ذكر غيره » .
النداء هو الآية التي تظل أعناق الناس لها خاضعين !
النعماني / 251 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن قوله تعالى : فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ ، فقال : انتظروا الفرج من ثلاث ، فقيل : يا أمير المؤمنين وما هن ؟ فقال : اختلاف أهل الشام بينهم ، والرايات السود من خراسان ، والفزعة في شهر رمضان . فقيل : وما الفزعة في شهر رمضان ؟ فقال : أو ما سمعتم قول الله عز وجل في القرآن : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ : هي آيةٌ تُخرج الفتاة من خدرها وتوقظ النائم وتفزع اليقظان » .
وفي تأويل الآيات : 1 / 386 : « عن ابن عباس في قوله عز وجل : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ، قال : هذه نزلت فينا وفي بني أمية تكون لنا دولة تذل أعناقهم لنا ، بعد صعوبة وهوان بعد عز » .
--------------------------- 408 ---------------------------
تأويل الآيات : 1 / 386 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قول الله عز وجل : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ؟ قال : نزلت في قائم آل محمد صلوات الله عليهم ينادى باسمه من السماء » .
وفي النعماني / 260 : « عن عبد الله بن سنان بروايتين ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسمعت رجلاً من همدان يقول له : إن هؤلاء العامة يعيروننا ويقولون لنا : إنكم تزعمون أن منادياً ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر ، وكان متكئاً فغضب وجلس ، ثم قال : لا تروه عني واروه عن أبي ، ولا حرج عليكم في ذلك ! أشهد أني قد سمعت أبي عليه السلام يقول : والله إن ذلك في كتاب الله عز وجل لبيِّنٌ حيث يقول : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ، فلا يبقى في الأرض يومئذ أحد إلا خضع وذلت رقبته لها ، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء : ألا إن الحق في علي بن أبي طالب عليه السلام وشيعته . قال : فإذا كان من الغد صعد إبليس في الهواء حتى يتوارى عن أهل الأرض ، ثم ينادي : ألا إن الحق في عثمان بن عفان وشيعته فإنه قتل مظلوماً فاطلبوا بدمه . قال : فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت على الحق وهو النداء الأول ، ويرتاب يومئذ الذين في قلوبهم مرض ، والمرض والله عداوتنا ، فعند ذلك يتبرؤون منا ويتناولوننا فيقولون : إن المنادي الأول سحرٌ من سحر أهل هذا البيت ، ثم تلا أبو عبد الله عليه السلام قول الله عز وجل : وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ » .
وفي النعماني / 253 : « عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام من حديث طويل فيه ذكر أحداث وعلامات ، قال عليه السلام : إذا رأيتم ناراً من قبل المشرق شبه الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد عليهم السلام إن شاء الله عز وجل ، إن الله عزيز حكيم . ثم قال : الصيحة لا تكون إلا في شهر رمضان ، لأن شهر رمضان شهر الله ، والصيحة فيه هي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق . ثم قال : ينادي مناد من السماء باسم القائم فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب ، لا يبقى راقد إلا استيقظ ولا قائم إلا قعد ، ولا قاعد إلا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت ، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب ، فإن الصوت الأول هو صوت جبرئيل الروح الأمين .
--------------------------- 409 ---------------------------
ثم قال عليه السلام : يكون الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث وعشرين ، فلا تشكوا في ذلك واسمعوا وأطيعوا ، وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس ينادي ألا إن فلاناً قتل مظلوماً ليشكك الناس ويفتنهم ! فكم في ذلك اليوم من شاكٍّ متحير قد هوى في النار ، فإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان فلا تشكوا فيه إنه صوت جبرئيل ، وعلامة ذلك أنه ينادي باسم القائم واسم أبيه حتى تسمعه العذراء في خدرها ، فتحرض أباها وأخاها على الخروج .
وقال عليه السلام : لابد من هذين الصوتين قبل خروج القائم عليه السلام : صوت من السماء وهو صوت جبرئيل باسم صاحب هذا الأمر واسم أبيه ، والصوت الثاني من الأرض ، وهو صوت إبليس اللعين ينادي باسم فلان أنه قتل مظلوماً يريد بذلك الفتنة ، فاتبعوا الصوت الأول وإياكم والأخير أن تفتنوا به » .
وفي تفسير القمي : 2 / 118 : « عن هشام ، عن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ . قال : تخضع رقابهم يعني بني أمية وهي الصيحة من السماء باسم صاحب الأمر » .
وفي النعماني / 263 : « عن فضيل ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : أما إن النداء من السماء باسم القائم في كتاب الله لَبَيِّن . فقلت : فأين هو أصلحك الله ؟ فقال : في طسم . تلك آيات الكتاب المبين ، قوله : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ . قال : إذا سمعوا الصوت أصبحوا وكأنما على رؤوسهم الطير » .
وفي غيبة الطوسي / 110 : « عن الحسن بن زياد الصيقل قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام يقول : إن القائم لا يقوم حتى ينادي مناد من السماء يُسمع الفتاة في خدرها ويُسمع أهل المشرق والمغرب ، وفيه نزلت هذه الآية : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ » .
وفي مجمع البيان : 4 / 184 : « وذكر أبو حمزة الثمالي في هذه الآية : أنها صوت يسمع من السماء في النصف من شهر رمضان ، وتخرج له العواتق من البيوت » .
--------------------------- 410 ---------------------------
أبو جعفر المنصور يروي حديث النداء !
الكافي : 8 / 209 : « عن إسماعيل بن الصباح قال : سمعت شيخاً يذكر عن سيف بن عميرة قال : كنت عند أبي الدوانيق فسمعته يقول ابتداء من نفسه : يا سيف بن عميرة لابد من مناد ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب ! قلت : يرويه أحد من الناس ؟ قال : والذي نفسي بيده لسمعت أذني منه يقول : لابد من مناد ينادي باسم رجل . قلت : يا أمير المؤمنين ، إن هذا الحديث ما سمعت بمثله قط . فقال لي : يا سيف إذا كان ذلك فنحن أول من يجيبه ، أما إنه أحد بني عمنا ! قلت : أي بني عمكم ؟ قال : رجل من ولد فاطمة عليها السلام . ثم قال : يا سيف لولا أني سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقوله ، ثم حدثني به أهل الأرض ما قبلته منهم ، ولكنه محمد بن علي ! » .
أقول : سبب يقين المنصور بالإمام الباقر عليه السلام ، أنه لمس صحة ما يخبر به عن المستقبل في أمور تخصه ! وقد أخبر الحسنيين والعباسيين بنجاح ثورتهم على الأمويين ، وأنهم سيختلفون ، ويحكم السفاح ، ثم المنصور !
النداء من المحتومات الإلهية ، يسمعه الناس بلغاتهم !
وفي النعماني / 257 : « قال أبو جعفر وقد سألته عن القائم عليه السلام : إنه لا يكون حتى ينادي مناد من السماء ، يسمعه أهل المشرق والمغرب ، حتى تسمعه الفتاة في خدرها » .
وفي النعماني / 274 : « عن زرارة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : النداء حق ؟ قال : إي والله حتى يسمعه كل قوم بلسانهم » .
في الإرشاد / 358 ، عن أبي حمزة الثمالي : قلت : وكيف يكون النداء ؟ قال : ينادى مناد من السماء أول النهار ألا إن الحق مع علي وشيعته ، ثم ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض : ألا إن الحق مع عثمان وشيعته ، فعند ذلك يرتاب المبطلون » .
وفي غيبة الطوسي / 266 : « عن أبي حمزة الثمالي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن أبا جعفر عليه السلام كان يقول : خروج السفياني من المحتوم ، والنداء من المحتوم ، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم ، وأشياء كان يقولها من المحتوم . . الخ . » .
--------------------------- 411 ---------------------------
النداء هو الصيحة بالحق
تفسير القمي : 2 / 327 : « قوله : وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ : قال : ينادي المنادي باسم القائم عليه السلام واسم أبيه عليه السلام قوله : يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوج : قال : صيحة القائم من السماء . ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوج : قال : هي الرجعة » .
النداء في ظرف شديد على المسلمين وخاصة الشيعة
النعماني / 181 : « عن داود الرقي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك قد طال هذا الأمر علينا حتى ضاقت قلوبنا ، ومتنا كمداً ! فقال : إن هذا الأمر آيس ما يكون منه وأشده غماً ، ينادي مناد من السماء باسم القائم واسم أبيه . فقلت : جعلت فداك ما اسمه ؟ قال : اسمه اسم نبي ، واسم أبيه اسم وصي » .
وفي النعماني / 142 : « عن عمرو بن سعد ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال يوماً لحذيفة بن اليمان في حديث طويل : حتى إذا غاب المتغيب من ولدي عن عيون الناس ، وماج الناس بفقده أو بقتله أو بموته ، اطَّلعت الفتنة ونزلت البلية والتحمت العصبية ، وغلا الناس في دينهم ، وأجمعوا على أن الحجة ذاهبة والإمامة باطلة ، ويحج حجيج الناس في تلك السنة من شيعة علي ونواصبه للتحسس والتجسس عن خلف الخلف فلا يرى له أثر ، ولا يعرف له خبر ولاخلف . فعند ذلك سُبَّتْ شيعة عليٍّ ، سَبَّها أعداؤها ، وظهرت عليها الأشرار والفساق باحتجاجها ، حتى إذا بقيت الأمة حيارى وتدلهت وأكثرت في قولها إن الحجة هالكة والإمامة باطلة ، فورب عليٍّ إن حجتها عليها قائمة ماشية في طرقها ، داخلة في دورها وقصورها ، جوالة في شرق هذه الأرض وغربها ، تسمع الكلام وتسلم على الجماعة ، ترى ولا ترى إلى الوقت والوعد ونداء المنادي من السماء ، ألا ذلك يوم فيه سرور ولد علي وشيعته » .
يكون النداء على أثر قتال في الحجاز
النعماني / 266 : « عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إنه ينادي باسم صاحب هذا الأمر مناد من السماء : ألا إن الأمر لفلان بن فلان ، ففيمَ القتال ؟ وفيها :
--------------------------- 412 ---------------------------
عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لا يكون هذا الأمر الذي تمدون إليه أعناقكم حتى ينادي مناد من السماء : ألا إن فلاناً صاحب الأمر ، فعلامَ القتال ؟ » .
ويدل هذا على أن النداء السماوي يكون على أثر قتال ، وهو القتال الذي يحدث إثر فراغ سياسي وصراع دموي على السلطة في الحجاز ، وهو الحدث الموعود المتصل بظهور المهدي عليه السلام .
النداء في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان
كمال الدين : 2 / 650 و 652 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الصيحة التي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة لثلاث وعشرين مضين من شهر رمضان » .
النعماني / 289 : « عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك متى خروج القائم عليه السلام ؟ فقال : يا أبا محمد إنا أهل بيت لانوقت وقد قال محمد صلى الله عليه وآله : كذب الوقاتون . يا أبا محمد ، إن قدام هذا الأمر خمس علامات : أولاهن النداء في شهر رمضان ، وخروج السفياني ، وخروج الخراساني ، وقتل النفس الزكية ، وخسف بالبيداء . ثم قال : يا أبا محمد : إنه لابد أن يكون قدام ذلك الطاعونان : الطاعون الأبيض والطاعون الأحمر . قلت : جعلت فداك وأي شئ هما ؟ فقال : أما الطاعون الأبيض فالموت الجارف ، وأما الطاعون الأحمر فالسيف .
ولا يخرج القائم حتى ينادى باسمه من جوف السماء في ليلة ثلاث وعشرين ليلة جمعة . قلت : بمَ ينادى ؟ قال : باسمه واسم أبيه : ألا إن فلان بن فلان قائم آل محمد ، فاسمعوا له وأطيعوه ، فلا يبقى شئ خلق الله فيه الروح إلا يسمع الصيحة ، فتوقظ النائم ويخرج إلى صحن داره ، وتخرج العذراء من خدرها ، ويخرج القائم مما يسمع ، وهي صيحة جبرئيل عليه السلام » . ولا عبرة ببعض الروايات التي تذكر أن النداء في نصف رمضان .
تظهر آيات أخرى مع النداء السماوي
الإرشاد / 359 : « عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في قوله تعالى شأنه : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ : قال : سيفعل الله ذلك لهم ، قلت : ومن هم ؟ قال : بنو أمية وشيعتهم ، قلت : وما الآية ؟ قال : ركود الشمس ما بين زوال
--------------------------- 413 ---------------------------
الشمس إلى وقت العصر ، وخروج صدر رجل ووجه في عين الشمس يعرف بحسبه ونسبه وذلك في زمان السفياني ، وعندها يكون بواره وبوار قومه » .
النعماني / 279 : « عن أبي بصير قال : حدثنا أبو عبد الله عليه السلام وقال : ينادى باسم القائم يا فلان بن فلان قم » ! وهذا نداء وهاتف له عليه السلام ، وهو خاص للإمام عليه السلام غير النداء لعموم الناس .
علامة ظهوره عليه السلام : سراج يطفأ ويشع بدله نوره عليه السلام !
إثبات الوصية / 226 : « عن أبي نصر عن أبي جعفر عليه السلام : لصاحب هذا الأمر بيتٌ يقال له بيت الحمد ، فيه سراجٌ يزهر منذ يومَ ولد إلى أن يقوم بالسيف » .
النعماني / 239 : « عن المفضل قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن لصاحب هذا الأمر بيتاً يقال له بيت الحمد فيه سراجٌ يزهر ، منذ يوم ولد إلى يوم يقوم بالسيف ، لا يطفأ » .
تكون قبل النداء آية في رجب
النعماني / 252 : « عن داود بن سرحان ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : العام الذي فيه الصيحة قبله الآية في رجب ، قلت : وما هي ؟ قال : وجه يطلع في القمر ويدٌ بارزة » .
معنى أن الإمام عليه السلام يبايع على كره منه
النعماني / 263 : « عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : ينادى باسم القائم فيؤتى وهو خلف المقام فيقال له : قد نودي باسمك فما تنتظر ؟ ثم يؤخذ بيده فيبايع . قال : قال لي زرارة : الحمد لله قد كنا نسمع أن القائم عليه السلام يبايع مستكرهاً ، فلم نكن نعلم وجه استكراهه ، فعلمنا أنه استكراهٌ لا إثم فيه » .
النداء الأول من جبرئيل عليه السلام والثاني من إبليس
النعماني / 265 : « عن هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : هما صيحتان صيحة
--------------------------- 414 ---------------------------
في أول الليل ، وصيحة في آخر الليلة الثانية ، قال : فقلت : كيف ذلك ؟ قال : فقال : واحدة من السماء وواحدة من إبليس ، فقلت : وكيف نعرف هذه من هذه ؟ فقال : يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون » .
كمال الدين : 2 / 650 : « عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ينادي مناد باسم القائم . قلت : خاص أو عام ؟ قال : عام يسمعه كل قوم بلسانهم ، قلت : فمن يخالف القائم وقد نودي باسمه ؟ قال : لايدعهم إبليس حتى ينادي ويشكك الناس » .
كمال الدين : 2 / 650 : « عن ميمون البان قال : كنت عند أبي جعفر عليه السلام في فسطاطه فرفع جانب الفسطاط فقال : إن أمرنا لو قد كان لكان أبين من هذه الشمس . ثم قال : ينادى مناد من السماء فلان بن فلان هو الإمام باسمه . وينادي إبليس لعنه الله من الأرض كما نادى برسول الله صلى الله عليه وآله ليلة العقبة » .
كمال الدين : 2 / 652 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : صوت جبرئيل من السماء وصوت إبليس من الأرض ، فاتبعوا الصوت الأول وإياكم والأخير أن تفتنوا به » .
النعماني / 264 : « عن زرارة بن أعين قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ينادي مناد من السماء : إن فلاناً هو الأمير ، وينادي مناد : إن علياً وشيعته هم الفائزون .
قلت : فمن يقاتل المهدي بعد هذا ؟ فقال : إن الشيطان ينادي : إن فلاناً وشيعته هم الفائزون لرجل من بني أمية . قلت : فمن يعرف الصادق من الكاذب ؟ قال : يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا ويقولون إنه يكون قبل أن يكون ، ويعلمون أنهم هم المحقون الصادقون » .
النعماني / 264 : « عن ناجية القطان أنه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول : إن المنادي ينادي إن المهدي من آل محمد فلان بن فلان ، باسمه واسم أبيه ، فينادي الشيطان : إن فلاناً وشيعته على الحق ، يعني رجلاً من بني أمية » .
النعماني / 265 : « عن هشام بن سالم قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن الجريري أخا إسحاق يقول لنا : إنكم تقولون هما نداءان فأيهما الصادق من الكاذب ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : قولوا له : إن الذي أخبرنا بذلك وأنت تنكر أن هذا يكون ، هو الصادق » .
الكافي : 8 / 208 : « عن ابن مسلمة الجريري قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يوبخونا ويكذبونا
--------------------------- 415 ---------------------------
أنا نقول : إن صيحتين تكونان ، يقولون : من أين تعرف المحقة من المبطلة إذا كانتا ؟ قال : فماذا تردون عليهم ؟ قلت : ما نرد عليهم شيئاً . قال : قولوا : يصدق بها إذا كانت من كان يؤمن بها من قبل ، إن الله عز وجل يقول : أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون » .
الكافي : 8 / 209 : « عن داود بن فرقد قال : سمع رجل من العجلية هذا الحديث قوله : ينادي مناد ألا إن فلان بن فلان وشيعته هم الفائزون أول النهار ، وينادي آخر النهار : ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون ، قال : وينادي أول النهار منادٍ آخر النهار . فقال الرجل : فما يدرينا أيما الصادق من الكاذب ؟ فقال : يصدقه عليها من كان يؤمن بها قبل أن ينادي ، إن الله عز وجل يقول : أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى » .
النداء السماوي غير الصوت الذي يأتي من جهة الشام
النعماني / 279 : « عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : توقعوا الصوت يأتيكم بغته من قبل دمشق فيه لكم فرج عظيم » . وهذه الصيحة ليست النداء السماوي ، وهي كناية عن حدث بالشام كالهزة .
ملاحظات على أحاديث النداء السماوي عند الطرفين
نلاحظ أولاً : أن أحاديث المصادر السنية في النداء وظروف ظهور المهدي عليه السلام أضعاف ما رويناه عن أهل البيت عليهم السلام وما ذكرناه قسم قليل منها ، والباقي يشبهه .
ونلاحظ ثانياً : أنهم رووا أكثر المضامين التي رويناه عن أهل البيت عليهم السلام خاصة عن أمير المؤمنين والإمام الباقر عليه السلام ، لكنهم جردوها من العصمة والربانية !
ونلاحظ ثالثاً : أن أحاديث السنة ركزت على الصراع والقتل عند انتهاء موسم الحج أكثر من أحاديث أهل البيت عليهم السلام .
ورابعاً : مع أن عنصرالإعجاز متشابه في الطرفين ، لكن مصادرهم زادت عناصر أسطورية يشبه منطقها الإسرائيليات ، والذي اخترناه أقلها مبالغة وأسطورة . ونفس هذا المنطق تراه
--------------------------- 416 ---------------------------
عندهم في موت حاكم الحجاز وصراع القبائل بعده على الحكم ، وبقية الأحداث !
وخامساً : تصور أحاديث مصادرهم ظهور الإمام المهدي عليه السلام كأنه صدفة ، وأن المسلمين يهرعون بعد موت حاكم الحجاز وصراع القبائل ، إليه فيجبرونه على قبول بيعتهم فيقود الأمة في الحجاز ثم يتوجه إلى العراق وسوريا والقدس فيفتح الله عليه .
أما أحاديث أهل البيت عليهم السلام فتنص على أن ذلك خطة إلهية دقيقة ، وأن أهم عناصرها : الإمام عليه السلام ولي الله وخاتم الأوصياء المعصومين عليهم السلام المذخور لإنهاء الظلم إلى الأبد ، وأنه مهديُّ من ربه ، وحركته موعودة ومعدة وموجَّهة من الله تعالى ، وشخصيته قيادية فريدة ، يمنحها الله تعالى قدرات خاصة جداً ومصيرية . ثم أصحابه المذخورون الذين يوافونه من أقاصي العالم . ثم الظروف المهيأة لظهوره عربياً وعالمياً ، ومنها انهيار حكم الحجاز ، والوضع في العراق ، ووجود دولتين مواليتين له هما اليمن وإيران . . الخ . وهي مفردات واضحة في أحداث ظهوره عليه السلام .
في البحار : 52 / 389 : « عن أبي الجارود قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك أخبرني عن صاحب هذا الأمر ؟ قال : يمسي من أخوف الناس ويصبح من آمن الناس ، يوحى إليه هذا الأمر ليله ونهاره ! قال : قلت : يوحى إليه يا با جعفر ؟ قال : يا با جارود إنه ليس وحي نبوة ولكنه يوحى إليه كوحيه إلى مريم بنت عمران وإلى أم موسى وإلى النحل . يا أبا الجارود : إن قائم آل محمد لأكرم عند الله من مريم بنت عمران وأم موسى والنحل » .
- *
--------------------------- 417 ---------------------------
الفصل العشرون : ( حركة الظهور ، شريط حركة الظهور المقدس )
--------------------------- 418 ---------------------------
الستة عشر شهراً الأولى
تدل الأحاديث الشريفة على أن حركة الإمام المهدي عليه السلام وثورته المقدسة ، تتم في ستة عشر شهراً ، وأنه يكون في الستة أشهر الأولى خائفاً يترقب ، يوجه الأحداث سراً بواسطة أصحابه ثم يكون نحو شهرين في مكة ، ثم يتوجه إلى المدينة فيبقى فيها مدة قليلة ، ثم يتوجه إلى العراق ، ثم إلى الشام والقدس .
وتنص الأحاديث على أن معاركه مع أعدائه ثمانية أشهر ، فينتصر عليهم ، ويوحد العالم الإسلامي تحت حكمه ، ثم يعقد هدنة مع الغربيين بمساعدة عيسى عليه السلام .
ويقع حادثان قبل حركة ظهوره عليه السلام بنحو ستة أشهر ، يكونان إشارة إلهية له :
الأول : انقلاب في بلاد الشام بقيادة عثمان السفياني ، ويظهر من قرائن عديدة أن اليهود والغربيين يقفون وراءه ، ويعتبرونه إنجازاً مهماً في ضبط المنطقة المحيطة بفلسطين ، بيد زعامة قوية موالية لهم .
أما الذين يعرفون أحاديث السفياني وأنه مقدمة لظهور المهدي عليه السلام فيقولون : صدق الله ورسوله ، سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ، ويستعدون لنصرته عليه السلام .
والثاني : النداء السماوي إلى شعوب العالم يسمعونه بلغاتهم ، آتياً من السماء من كل صوب كأنه من فوق الكعبة ، فلا يبقى نائم إلا استيقظ ولا قاعد إلا نهض ، ويخرج الناس من بيوتهم لينظروا ما الخبر ؟ !
وهو نداء يعلن انتهاء الظلم وسفك الدماء ويأمر باتباع الإمام المهدي عليه السلام ويسميه باسمه واسم أبيه !
عندها يتحقق تأويل قوله تعالى : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ، وتخضع أعناق البشر لهذه الآية الإلهية ، ويعم العالم السؤال : من هو المهدي وأين هو ؟
لكن أتباع الشيطان يشككون الناس بالنداء وينشطون لقتل الإمام المهدي عليه السلام ! بينما يزداد المؤمنون إيماناً بأنه النداء الحق الموعود بالإمام المهدي عليه السلام ، ويتوافدون لنصرته .
هنا يبدأ الإمام عليه السلام بالظهور تدريجياً كما وصف أمير المؤمنين عليه السلام : « يظهر في شبهة ليستبين ، فيعلو ذكره ويظهر أمره » . « البحار : 52 / 3 » . أي ليتضح أمره للناس ويستبين أو ليختبر استجابة
--------------------------- 419 ---------------------------
الناس له ويستبين ذلك .
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « لا يقوم القائم حتى يقوم اثنا عشر رجلاً كلهم يجمع على قول أنهم قد رأوه فيكذبونهم » . « النعماني / 277 » . فهم صادقون لكن الناس لايصدقونهم في أول الأمر . ويقوم الإمام عليه السلام في تلك الفترة بتوجيه الممهدين اليمانيين والإيرانيين ، ويتصل بأنصاره في شتى بلاد المسلمين .
وتتركز أنظار العالم في تلك الفترة على الحجاز باحثةً عن المهدي عليه السلام لأنه من أهل المدينة وحركته ستبدأ من مكة . ويقوم جيش السفياني باعتقال كثير من بني هاشم في المدينة ، على أمل أن يكون المهدي عليه السلام منهم !
ويرافق ذلك موجة في الشعوب الإسلامية في الحديث عن المهدي ونداء جبرئيل عليه السلام باسمه فيكون ذلك تمهيداً لظهوره . لكنها تكون فترة خصبة للكذابين لادعاء المهدية ومحاولة تضليل الناس ! فقد ورد أن العديد يدعون المهدية قبل ظهوره عليه السلام ومنهم اثنا عشر شخصاً من آل أبي طالب ، وكلها رايات ضلال ، ومحاولات لاستغلال تطلع العالم إلى ظهوره عليه السلام .
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إياكم والتنويه ، أما والله ليغيبن إمامكم سبتاً من دهركم ، ولتمحصن حتى يقال مات أو هلك بأي واد سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ، ولتكفؤن كما تكفأ السفن أمواج البحر ، فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه . ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يُدرى أيٌّ من أي ! قال المفضل : فبكيت فقال : ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ فقلت : كيف لا أبكي وأنت تقول ترفع اثنتا عشرة راية لا يدرى أيٌّ من أي ، فكيف نصنع ؟ قال : فنظر إلى شمس داخلة في الصفة ، فقال : يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس ؟ قلت : نعم . قال : والله لأمرنا أبين من هذه الشمس » . « النعماني / 151 » . والمعنى : أن أمر المهدي عليه السلام متميز بآياته ، لا يلتبس بغيره ، فهو أوضح من الشمس .
بيعة المهدي عليه السلام على أثر موت حاكم وصراع القبائل
عبد الرزاق : 11 / 371 : « عن النبي صلى الله عليه وآله قال : يكون اختلاف عند موت خليفة ، فيخرج رجل من المدينة فيأتي مكة ، فيستخرجه الناس من بيته وهو كاره ، فيبايعونه بين الركن
--------------------------- 420 ---------------------------
والمقام ، فيبعث إليه جيش من الشام ، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم ، فيأتيه عصائب العراق وأبدال الشام فيبايعونه ، فيستخرج الكنوز ويقسم المال ، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض ، يعيش في ذلك سبع سنين ، أو قال تسع سنين » .
والعصائب : الجماعات القليلة العدد . يُلقي بجرانه : أي يتمكن في الأرض ويقوى .
وروى ابن شيبة : 15 / 45 : « عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يبايع لرجل بين الركن والمقام كعدة أهل بدر ، فتأتيه عصائب العراق وأبدال الشام ، فيغزوهم جيش من أهل الشام ، حتى إذا كانوا بالبيداء يخسف بهم ، ثم يغزوهم رجل من قريش أخواله كلب فيلتقون فيهزمهم الله فكان يقال : الخائب من خاب من غنيمة كلب » .
ورواه أحمد : 6 / 316 ، عن أم سلمة ، وفيه : « من المدينة هارب إلى مكة ، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه . فيبعث إليهم جيش من الشام فيخسف بهم بالبيداء ، فإذا رأى الناس ذلك أتته أبدال الشام وعصائب العراق فيبايعونه . ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليه المكي بعثاً فيظهرون عليهم ، وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب . فيقسم المال ويعمل في الناس سنة نبيهم . يمكث تسع سنين » .
وأبو داود : 4 / 107 و 108 ، عن أم سلمة وقتادة ومعاذ . وأبو يعلى : 1 / 322 ، وابن المنادي / 41 ، والطبراني الكبير : 23 / 295 و 389 ، والحاكم : 4 / 431 ، والبغوي : 3 / 493 ، من حسانه ، وتهذيب ابن عساكر : 1 / 62 ، كأبي داود . . إلى آخر المصادر وفيها الصحيح السند والحسن ، كما في المنار المنيف / 144 . وقال في مجمع الزوائد : 7 / 314 : رواه الطبراني في الأوسط ، ورجاله رجال الصحيح .
وقال الحافظ ابن الصديق في رده على ابن خلدون / 504 : « أغنانا بإقراره أن رجال الحديث رجال الصحيحين ، وأنه لامطعن فيهم ولا مغمز ، عن إيراد أقوال أهل النقد فيهم ، وعن تقرير ما يثبت صحة الحديث ، إذ أعلى الصحيح ما رواه الشيخان ، أو كان على شرطهما ، وإن لم يخرجاه كهذا الحديث » . انتهى .
وفي فتن ابن حماد : 1 / 340 : « عن أرطاة قال : إذا كان الناس بمنى وعرفات نادى مناد بعد أن تَحَازَبَ القبائل : ألا إن أميركم فلان ، ويتبعه صوت آخر : ألا إنه قد كذب ! ويتبعه صوت آخر : ألا إنه قد صدق ، فيقتتلون قتالاً شديداً فجلُّ سلاحهم البراذع وهو جيش البراذع !
--------------------------- 421 ---------------------------
وعند ذلك ترون كفاً معلمةً في السماء ، ويشتد القتال حتى لا يبقى من أنصار الحق إلا عدة أهل بدر ، فيذهبون حتى يبايعوا صاحبهم » .
ثم عقد ابن حماد باباً بعنوان : « اجتماع الناس بمكة وبيعتهم للمهدي فيها ، وما يكون تلك السنة بمكة من الاختلاط والقتال ، وطلبهم المهدي بعد القتال واجتماعهم عليه » . روى فيه : أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « في ذي القعدة تحازَبُ القبائل ، وعامئذ ينتهب الحاج ، فتكون ملحمة بمنى ، فيكثر فيها القتلى وتسفك فيها الدماء حتى تسيل دماؤهم على عقبة الجمرة ، حتى يهرب صاحبهم فيؤتى به بين الركن والمقام ، فيبايع وهو كاره ، ويقال له إن أبيت ضربنا عنقك ، فيبايعه مثل عدة أهل بدر ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض . . .
عن عبد الله بن عمرو قال : يحج الناس معاً ويعرفون معاً على غير إمام ، فبينما هم نزول بمنى إذ أخذهم كالكَلَب ، فثارت القبائل بعضهم إلى بعض ، فاقتتلوا حتى تسيل العقبة دماً ، فيفزعون إلى خيرهم فيأتونه وهو ملصق وجهه إلى الكعبة يبكي ، كأني أنظر إليه وإلى دموعه فيقولون : هلمَّ فلنبايعك ، فيقول : ويحكم كم من عهد قد نقضتموه ، وكم من دم قد سفكتموه ، فيبايع كرهاً . فإن أدركتموه فبايعوه فإنه المهدي في الأرض والمهدي في السماء . .
إلى آخر رواياته العديدة المشابهة عن عبد الله وابن المسيب ، وابن عباس ، وابن حوشب ، وغيرهم .
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله : « تكون آية في شهر رمضان ، ثم تظهر عصابة في شوال ، ثم تكون معمعة في ذي القعدة ، ثم يسلب الحاج في ذي الحجة ، ثم تنتهك المحارم في المحرم ، ثم يكون صوت في صفر ، ثم تنازع القبائل في شهري ربيع . ثم العجب كل العجب بين جمادى ورجب ، ثم ناقة مقتبة خير من دسكرة تغل مائة ألف » . وروى نحوه الطبراني الأوسط : 1 / 313 . والحاكم : 4 / 517 . كرواية نعيم . ومعنى ناقة مُقَتَّبة : أن الأمن يفقد حتى تكون الناقة المعدة للسفر والفرار خيراً من الأملاك الثابتة . والدسكرة : المزرعة .
وقد تقدمت رواية موت حاكم الحجاز من مصادرنا في الفتن المتصلة بظهوره عليه السلام وفي أحاديث النداء السماوي ، كالذي رواه النعماني / 267 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « بينا الناس وقوفٌ بعرفات ، إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة ، يخبرهم بموت خليفة يكون عند موته فرج آل محمد صلى الله عليه وآله ، وفرج الناس جميعاً » . ورواه عقد الدرر / 106 ،
--------------------------- 422 ---------------------------
وإثبات الهداة : 3 / 737 ، والبحار : 52 / 240 . والذعلبة : الخفيفة السريعة كناية عن الإسراع في إيصال الخبر ، والظاهر أن وقع الخبر يكون شديداً على أتباعه ففي رواية أنهم يقتلون الرجل الذي ينشر الخبر في عرفات . ولعل موت هذا الخليفة بعد موت عبد الله .
وفي النعماني / 262 : « عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا اختلفت بنو أمية وذهب ملكهم ، ثم يملك بنو العباس فلا يزالون في عنفوان من الملك وغضارة من العيش حتى يختلفوا فيما بينهم ، فإذا اختلفوا ذهب ملكهم ، واختلف أهل المشرق وأهل المغرب ، نعم وأهل القبلة ، ويلقى الناس جهداً شديداً مما يمر بهم من الخوف فلا يزالون بتلك الحال حتى ينادي مناد من السماء ، فإذا نادى فالنفْر النفْر ، فوالله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس بأمر جديد وكتاب جديد وسلطان جديد من السماء . أما إنه لا تُردُّ له راية أبداً حتى يموت » .
وذكرت بعض الروايات أن سبب قتل ذلك الحاكم مسألة أخلاقية ، وأن الذي يقتله أحد خدمه ويهرب ! فعن الإمام الباقر عليه السلام : « يكون سبب موته أنه ينكح خصياً له ، فيقوم فيذبحه ويكتم موته أربعين يوماً ، فإذا سارت الركبان في طلب الخصي لم يرجع أول من يخرج حتى يذهب ملكهم » ! « كمال الدين / 655 ، والخرائج : 3 / 1160 » .
وعن علي عليه السلام « مختصر البصائر / 199 » : « ولذلك آيات وعلامات : أولهن إحصار الكوفة بالرصد والخندق ، وخفق رايات حول المسجد الأكبر تهتز ، القاتل والمقتول في النار » . فالرايات المتصارعة تتنازع حول المسجد الحرام في الحجاز ، وليس فيها راية هدى .
وفي غيبة الطوسي / 271 ، عن الإمام الصادق عليه السلام : « من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم ، ثم قال : إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد ، ولم يتناهَ هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله ، ويذهب ملك السنين ويصير ملك الشهور والأيام ! فقلت : يطول ذلك ؟ قال : كلا » .
يصلح الله أمر المهدي عليه السلام في ليلة
ابن أبي شيبة : 15 / 197 ، بروايتين عن علي عليه السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة » .
--------------------------- 423 ---------------------------
ومثله أحمد : 1 / 84 ، ونحوه ابن حماد : 1 / 362 ، وتاريخ بخاري : 1 / 317 عن علي عليه السلام ، وابن ماجة : 2 / 1367 ، كابن أبي شيبة ، عن علي عليه السلام ، وأبو يعلى : 1 / 359 ، عن ابن أبي شيبة ، وحلية الأولياء : 3 / 177 ، وأخبار إصبهان : 1 / 170 .
وقال الشافعي في البيان / 487 : وانضمام هذه الأسانيد بعضها إلى بعض ، وإيداع الحفاظ ذلك في كتبهم يوجب القطع بصحته . ومال ابن كثير في الفتن : 1 / 38 ، إلى توثيقه .
وقال السيوطي في الدر المنثور : 6 / 58 : وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة . ورواه الجامع الصغير : 2 / 672 ، وحسنه . ومرقاة المفاتيح : 5 / 180 ، وفيه : من أهل البيت ، وقال : أي يصلح أمره ويرفع قدره في ليلة واحدة ، أو في ساعة واحدة من الليل ، حيث يتفق على خلافته أهل الحل والعقد فيها » . والمغربي / 533 ، وقال : « وهو حديث حسن كما قال الحفاظ ، وقد وهم بعضهم فظن أن ياسين هو ابن معاذ الزيات ، لأنه وقع في سنن ابن ماجة غير منسوب ، فحكم بضعفه بناء على وهمه ، وظنه أن ياسين هو الزيات لا العجلي ، أما العجلي فثقة » .
ورواه من مصادرنا : دلائل الإمامة / 247 ، عن علي عليه السلام كما في ابن أبي شيبة . وفي كمال الدين : 1 / 152 ، عن علي عليه السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي منا أهل البيت يصلح الله له أمره في ليلة ، وفي رواية أخرى : يصلحه الله في ليلة . فروي عن الصادق عليه السلام أنه قال لبعض أصحابه : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو ، فإن موسى بن عمران عليه السلام خرج ليقتبس لأهله ناراً ، فرجع إليهم وهو رسول نبي ، فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيه موسى عليه السلام في ليلة ، وهكذا يفعل الله تبارك وتعالى بالقائم الثاني عشر من الأئمة عليهم السلام ، يصلح أمره في ليلة كما أصلح أمر نبيه موسى ، ويخرجه من الحيرة والغيبة إلى نور الفرج والظهور » .
أقول : اتضح لك أن معنى « يصلح الله أمره ، أو يصلحه في ليلة » أنه يهئ له أسباب نصره وأداء مهمته الكبرى ، وهذا يشمل تهيئة وضع الأمة والأوضاع العالمية ، ويشمل التسديد الرباني المتناسب مع مهمته ومقامه عليه السلام .
وقد اشتبه المعنى على بعضهم فتخيل أن المهدي عليه السلام لا يكون صالحاً قبل تلك الليلة فيتوب الله تعالى عليه فيها ! وهي سذاجة وتسطيح ، فقد أجمع المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وآله سماه « المهدي » وهو يدل على عصمته الكاملة وسُمُوِّ شخصيته ، بينما يجعله هذا التفسير العامي ضالاً فاسقاً إلى ليلة ظهوره !
--------------------------- 424 ---------------------------
يوم المهدي عليه السلام أحد أيام الله الثلاثة
تفسير القمي : 1 / 367 : « في قوله تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ : قال : أيام الله ثلاثة : يوم القائم ، ويوم الموت ، ويوم القيامة » .
وفي مختصر البصائر / 18 : « عن موسى الحناط قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : أيام الله ثلاثة : يوم يقوم القائم عليه السلام ، ويوم الكَرة ، ويوم القيامة » .
وفي مشارق أنوار اليقين / 159 : « عن عمار ، عن أمير المؤمنين عليه السلام : الغيب : يوم الرجعة ، ويوم القيامة ، ويوم القائم ، وهي أيام آل محمد ، وإليها الإشارة بقوله : وذكرهم بأيام الله ، فالرجعة لهم ، ويوم القيامة لهم ، ويوم القائم لهم ، وحكمه إليهم ، ومعول المؤمنين فيه عليهم » . ومن قوله : واليه الإشارة . . من كلام البرسي رحمه الله .
لقاء الإمام عليه السلام بأصحابه الأبرار
تواترت الأحاديث بأن الله تعالى يحضر له أصحابه من أنحاء العالم إلى مكة « قزعاً كقزع الخريف » ففي تفسير العياشي : 2 / 56 ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال :
« يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب ، وأشار إلى ناحية ذي طوى « من شعاب مكة » حتى إذا كان قبل خروجه بليلتين انتهى المولى الذي يكون بين يديه حتى يلقى بعض أصحابه فيقول : كم أنتم هاهنا ؟ فيقولون : نحو من أربعين رجلاً . فيقول : كيف أنتم لو قد رأيتم صاحبكم ؟ فيقولون : والله لو يأوي بنا الجبال لأوينا معه !
ثم يأتيهم من القابلة فيقول لهم : أشيروا إلى ذوي أسنانكم وأخياركم عشرة ، فيشيرون له إليهم فينطلق بهم حتى يأتوا صاحبهم ، ويعدهم إلى الليلة التي تليها » .
وفي النعماني / 316 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إن صاحب هذا الأمر محفوظةٌ له أصحابه ، لو ذهب الناس جميعاً أتى الله بأصحابه ، وهم الذين قال فيهم الله عز وجل : فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِين . وهم الذين قال الله فيهم : فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ » .
--------------------------- 425 ---------------------------
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال : « منهم من يفقد عن فراشه ليلاً فيصبح بمكة ، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً ، يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه . قلت : جعلت فداك أيهم أعظم إيماناً ؟ قال : الذي يسير في السحاب نهاراً » . « النعماني / 312 » .
أقول : معنى سيرهم في السحاب نهاراً أن الله تعالى ينقلهم إلى مكة بالسحاب على نحو الكرامة والإعجاز ، فلا يتاجون إلى وسائل سفر ولا جوازات سفر .
وفي دلائل الإمامة / 307 : « يجمعهم الله إلى مكة في ليلة واحدة وهي ليلة الجمعة ، فيتوافون في صبيحتها إلى المسجد الحرام ، لا يتخلف منهم رجل واحد » . وهذا يتفق مع إصلاح أمره عليه السلام في ليلة ، وأن ظهوره مساء يوم الجمعة تاسع محرم .
الحركة الاختبارية شهادة النفس الزكية
تكون القوى الفاعلة في مكة عند ظهور المهدي عليه السلام كما يفهم من الروايات : حكومة الحجازالتي تجمع قواها رغم ضعفها لمواجهة ظهوره الذي يتطلع إليه المسلمون من مكة ، ويشغلهم في موسم الحج وفي العالم .
والقوة الثانية : مخابرات جيش السفياني الذي يتعقب الفارين من قبضته من المدينة ، ويستطلع الوضع لدخول مكة في الوقت المناسب لضرب أي حركة منها .
والقوة الثالثة : مخابرات الدول الأجنبية التي تعمل لمساعدة حكومة الحجاز وقوات السفياني وترصد الوضع في الحجاز وفي مكة خاصة . كما يكون لليمانيين دور ، لأن قائدهم من أتباع الإمام عليه السلام ودولتهم على حدود الحجاز .
في مثل هذا الجو المعادي يبدأ الإمام المهدي أرواحنا فداه حركته من الحرم الشريف ويسيطر على مكة . ومن الطبيعي أن لا تذكر الروايات تفاصيل حركته ، عدا تلك التي تنفع في إنجاح الثورة المقدسة أو لاتضرّ بها .
وأبرز ما تذكره أنه عليه السلام يرسل شاباً من أصحابه وأرحامه ، في الثالث والعشرين أو الرابع والعشرين من ذي الحجة ، أي قبل ظهوره بخمسة عشر ليلة ، ليلقي بيانه في المسجد الحرام ، وما أن يقف بعد الصلاة ويقرأ رسالة الإمام عليه السلام أو فقرات منها ، حتى يثبوا إليه ويقتلوه بوحشية بين الركن والمقام !
--------------------------- 426 ---------------------------
ويكون لشهادته المفجعة أثر في الأرض وفي السماء ، وتكون شهادته حركة اختبارية ذات فوائد متعددة ، فهي تكشف للناس وحشية بقايا السلطة ، وتمهد لحركة المهدي عليه السلام التي لاتتأخرعنها أكثر من أسبوعين ، وقد تبعث التراخي في أجهزة السلطة بسبب هذا الإقدام الوحشي العجول .
وأخبار شهادة هذا الشاب الزكي متعددة في مصادر الفريقين ، وتسميه الغلام ، والنفس الزكية ، ويسميه بعضها محمد بن الحسن ، وتقدمت أحاديثه في فصل أصحاب المهدي عليه السلام . وفي رواية طويلة عن أبي بصيرعن الإمام الباقر عليه السلام قال : « يقول القائم لأصحابه : يا قوم إن أهل مكة لايريدونني ، ولكني مرسل إليهم لأحتج عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم . فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له : إمض إلى أهل مكة فقل : يا أهل مكة أنا رسول فلان إليكم ، وهو يقول لكم : إنا أهل بيت الرحمة ومعدن الرسالة والخلافة ، ونحن ذرية محمد وسلالة النبيين ، وإنا قد ظلمنا واضطهدنا وقهرنا ، وابتُزَّ منا حقنا منذ قبض نبينا إلى يومنا هذا ، فنحن نستنصركم فانصرونا ، فإذا تكلم الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام وهي النفس الزكية .
فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه : أما أخبرتكم أن أهل مكة لايريدوننا ! فلا يدعونه حتى يخرج فيهبط من عقبة طوى في ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً ، عدة أهل بدر ، حتى يأتي المسجد الحرام فيصلي عند مقام إبراهيم عليه السلام أربع ركعات ، ويسند ظهره إلى الحجر الأسود ، ثم يحمد الله ويثني عليه ، ويذكر النبي ويصلي عليه ، ويتكلم بكلام لم يتكلم به أحد من الناس » .
وطُوى : أحد مداخل مكة ، وما ورد فيها عن النفس الزكية قوي في نفسه ، لكن المرجح عندي أن الإمام عليه السلام وأصحابه يدخلون المسجد الحرام فرادى .
يظهر الإمام عليه السلام في وتر من السنين
في النعماني / 262 : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « يقوم القائم عليه السلام في وتر من السنين : تسع ، واحدة ، ثلاث ، خمس » .
وفي الإرشاد / 361 : « عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين ، سنة إحدى ، أو ثلاث ، أو خمس ، أو سبع ، أو تسع » .
وفي غيبة الطوسي / 374 ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين ،
--------------------------- 427 ---------------------------
تسع ، وثلاث ، وخمس ، وإحدى » .
وروضة الواعظين : 2 / 263 ، وإعلام الورى / 429 ، والخرائج : 3 / 1161 ، ومنتخب الأنوار / 35 ، والعدد / 76 ، وأخبار الدول / 118 ، وإثبات الهداة : 3 / 514 .
بداية ظهوره يوم عليه السلام الجمعة تاسع محرم
الخصال : 2 / 394 : « عن محمد بن أبي عمير ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : السبت لنا ، والأحد لشيعتنا ، والاثنين لأعدائنا ، والثلاثاء لبني أمية ، والأربعاء يوم شرب الدواء ، والخميس تقضى فيه الحوائج ، والجمعة للتنظف والتطيب ، وهو عيد المسلمين ، وهو أفضل من الفطر والأضحى ، ويوم الغدير أفضل الأعياد ، وهو ثامن عشر من ذي الحجة وكان يوم الجمعة ، ويخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة ، وتقوم القيامة يوم الجمعة ، وما من عمل يوم الجمعة أفضل من الصلاة على محمد وآله » .
وتقدم في حديث راية النبي صلى الله عليه وآله عن الإمام الباقر عليه السلام : « فيهبط من عقبة طوى في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر حتى يأتي المسجد الحرام . . ويبايعه الثلاث مائة وثلاثة عشر وقليل من أهل مكة . ثم يخرج من مكة حتى يكون في مثل الحلقة قلت : وما الحلقة ؟ قال : عشرة آلاف رجل ، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله » .
يظهر عليه السلام يوم عاشوراء يوم سبت
في كمال الدين : 2 / 653 : « عن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : يخرج القائم عليه السلام يوم السبت يوم عاشوراء ، اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام » .
وفي الإرشاد / 361 : « عن أبي بصير : قال أبو عبد الله عليه السلام : ينادى باسم القائم عليه السلام في ليلة ثلاث وعشرين ويقوم في يوم عاشوراء ، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي عليه السلام . لكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام ، جبرئيل عليه السلام عن يمينه ينادي البيعة لله ، فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوى لهم طياً حتى يبايعوه ، فيملأ الله به الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
--------------------------- 428 ---------------------------
وفي غيبة الطوسي / 274 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت قائماً بين الركن والمقام ، بين يديه جبرئيل ينادي : البيعة لله ، فيملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » . والنعماني / 282 ، ونحوه التهذيب : 4 / 333 ، وروضة الواعظين / 263 ، وإعلام الورى / 430 وملاحم ابن طاووس / 194 ، وكشف الغمة : 3 / 252 ، و 324 . والعدد القوية / 65 ، والبحار : 52 / 285 وفي / 290 ، والفصول المهمة / 302 ، وفيه : وشخص قائم على يده ينادي البيعة البيعة . . ثم يسير من مكة حتى يأتي الكوفة . . فيصير إليه أنصاره فينزل نجفها ، ثم يفرق الجنود منها إلى الأمصار .
فيكون أول ظهوره عليه السلام يوم الجمعة حيث يسيطر على مكة ، ثم يظهر يوم السبت يوم عاشوراء ويعلن بيانه إلى العالم .
أقول : روى في التهذيب : 4 / 300 : « عن كثير النوا ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لزقت السفينة يوم عاشورا على الجودي فأمر نوح عليه السلام من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم . وقال أبو جعفر عليه السلام : أتدرون ما هذا اليوم ؟ هذا اليوم الذي تاب الله عز وجل فيه على آدم وحوا عليه السلام ، وهذا اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون ومن معه ، وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى عليه السلام فرعون ، وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام ، وهذا اليوم الذي تاب الله فيه على قوم يونس عليه السلام ، وهذا اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم عليه السلام ، وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم عليه السلام » .
لكن نفى الصدوق في أماليه / 127 ما تضمنته هذه الرواية لأنها من مقولات العامة .
رواية أن يوم عاشوراء يصادف يوم النوروز
روى في المهذب البارع : 1 / 194 : « عن المعلى بن خنيس ، عن الإمام الصادق عليه السلام رواية عن يوم النوروز جاء فيها : وهو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت وولاة الأمر ، ويظفره الله تعالى بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة ، وما من يوم نوروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج ، لأنه من أيامنا ، حفظه الفرس وضيعتموه » .
تواتر عن أهل البيت عليهم السلام أن يوم ظهوره عليه السلام يوم عاشوراء ، وفي عدد منها يوم سبت ، ويفهم من بعضها أنه يكون في الصيف ، فلا يصادف يوم النوروز الذي هو في آذار في أول الربيع .
--------------------------- 429 ---------------------------
بيان الإمام الأول إلى أهل مكة
ذكرت الروايات فقرات من خطبته عليه السلام ، أو بيانه الأول الذي يلقيه على أهل مكة ، مساء يوم الجمعة ، وبيانه الثاني الذي يوجهه صبيحة اليوم التالي إلى المسلمين والعالم . من ذلك ما رواه ابن حماد : 1 / 345 ، قال : « حدثنا سعيد أبو عثمان ، عن جابر عن أبي جعفر قال : ثم يظهر المهدي بمكة عند العشاء ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله وقميصه وسيفه وعلامات ونور وبيان ، فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته يقول : أذكركم الله أيها الناس ومقامكم بين يدي ربكم ، فقد اتخذ الحجة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب ، وأمركم أن لا تشركوا به شيئاً ، وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله ، وأن تحيوا ما أحيا القرآن وتميتوا ما أمات وتكونوا أعواناً على الهدى ووزراً على التقوى ، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها وآذنت بالوداع . فإني أدعوكم إلى الله وإلى رسوله والعمل بكتابه وإماتة الباطل وإحياء سنته .
فيظهر في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، عدة أهل بدر على غير ميعاد ، قزعاً كقزع الخريف ، رهبان بالليل أسد بالنهار ، فيفتح الله للمهدي أرض الحجاز ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم ، وتنزل الرايات السود الكوفة ، فتبعث بالبيعة إلى المهدي ، ويبعث المهدي جنوده في الآفاق ، ويميت الجور وأهله ، وتستقيم له البلدان ويفتح الله على يديه القسطنطينية » .
وقَزَع الخريف : غيومه وتكون متفرقة ثم تجتمع ، شبه بها تجمع أصحاب المهدي عليه السلام ، كما في نهج البلاغة خطبة رقم 166 ، ولا بد أنه أخذه من النبي صلى الله عليه وآله . ولعل ظهوره عليه السلام وتجمع أصحابه في فصل الخريف ، أو آخر الصيف .
وذكرت بعض الروايات أن رجلاً من أصحابه عليه السلام يقف أولاً في المسجد الحرام فيعرِّفُه للناس ويدعوهم إلى إجابته ، ثم يأتي هو عليه السلام ويلقي خطبته . ففي بحار الأنوار : 52 / 305 : « وروى السيد علي بن عبد الحميد بإسناده عن ابن محبوب رفعه إلى أبي جعفر عليه السلام قال : إذا خسف بجيش السفياني . . إلى أن قال : والقائم يومئذ بمكة عند الكعبة مستجيراً بها يقول :
أنا ولي الله ، أنا أولى بالله وبمحمد صلى الله عليه وآله ، فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم ، ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح . ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم .
--------------------------- 430 ---------------------------
ومن حاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد . ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين . إن الله تعالى يقول : إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ . ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . فأنا بقيةٌ آدم ، وخيرةُ نوح ، ومصطفى إبراهيم وصفوةُ محمد .
ألا ومن حاجني في كتاب الله ، فأنا أولى الناس بكتاب الله .
ألا ومن حاجني في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله فأنا أولى الناس بسنة رسول الله وسيرته .
وأنشد الله من سمع كلامي لما يبلغ الشاهد الغائب .
فيجمع الله له أصحابه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، فيجمعهم الله على غير ميعاد قزع كقزع الخريف ثم تلا هذه الآية : أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ، فيبايعونه بين الركن والمقام ، ومعه عهد رسول الله صلى الله عليه وآله قد تواترت عليه الآباء فان أشكل عليهم من ذلك شئ فإن الصوت من السماء لايشكل عليهم ، إذا نودي باسمه واسم أبيه » .
وبإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إن القائم ينتظر من يومه ذي طوى في عدة أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، حتى يسند ظهره إلى الحجر ويهز الراية المغلبة .
وبالإسناد المذكور يرفعه إلى علي بن الحسين عليه السلام في ذكر القائم عليه السلام في خبر طويل قال : « فيجلس عليه السلام تحت شجرة سمرة فيجيئه جبرئيل عليه السلام في صورة رجل من كلب ، فيقول : يا عبد الله ما يجلسك ههنا ؟ فيقول : يا عبد الله إني أنتظرأن يأتيني العشاء فأخرج في دبره إلى مكة ، وأكره أن أخرج في هذا الحر ، قال : فيضحك فإذا ضحك عرفه أنه جبرئيل ، قال : فيأخذ بيده ويصافحه ويسلم عليه ويقول له : قم ، ويجيئه بفرس يقال له البراق فيركبه ثم يأتي إلى جبل رضوى ، فيأتي محمد وعلي فيكتبان له عهداً منشوراً يقرؤه على الناس ، ثم يخرج إلى مكة والناس يجتمعون بها ، قال : فيقوم رجل منه فينادي : أيها الناس هذا طلبتكم قد جاءكم ، يدعوكم إلى ما دعاكم إليه رسول الله صلى الله عليه وآله قال : فيقومون ، قال : فيقوم هو بنفسه فيقول : أيها الناس أنا فلان بن فلان أنا ابن نبي الله ، أدعوكم إلى ما دعاكم إليه نبي الله ، فيقومون إليه ليقتلوه فيقوم ثلاث مائة ونيف على الثلاث مائة فيمنعونه ، منهم خمسون من أهل الكوفة ، وسائرهم من أفناء الناس ، لا يعرف بعضهم بعضاً ، اجتمعوا على غير ميعاد » .
--------------------------- 431 ---------------------------
أقول : إذا صحت الرواية فهي معجزة للإمام المهدي عليه السلام حيث يلتقي بجده في جبل رضوى ، وكأنه مطار لمن ينزل من السماء . وتدل روايات ظهوره عليه السلام على شوق المسلمين إليه وبحثهم عنه ، وخوفهم من إرهاب أعدائه ، الذين يبطشونه برسوله بوحشية مع أنه رسول ، ويستمر ذلك الخوف حتى يدخل الجيش اليمني .
وفي ذلك الجو لابد أن يكون الإمام عليه السلام قد أعد عدته بالأسباب الطبيعية ، وأن يكون أنصاره اليمانيون سيطروا على الحرم الشريف وعلى مكة ، لأنهم القوة الموالية للإمام التي يجب أن تمسك بزمام الأمر في مكة . ولا تذكر الروايات حدوث معركة أو قتل في المسجد الحرام ولا في مكة .
وكنت سمعت بعض العلماء أن أصحاب المهدي عليه السلام يقتلون إمام المسجد الحرام في تلك الليلة ، لكن غاية ما وجدته ما نقله صاحب إلزام الناصب رحمه الله في : 2 / 166 ، عن بعض العلماء قال : « وفي اليوم العاشرمن المحرم يخرج الحجة يدخل المسجد الحرام يسوق أمامه عنيزات ثمان عجاف « ثماني عجافاً » ويقتل خطيبهم ، فإذا قتل الخطيب غاب عن الناس في الكعبة ، فإذا جنه الليل ليلة السبت صعد سطح الكعبة ونادى أصحابه الثلاث مائة وثلاثة عشر ، فيجتمعون عنده من مشرق الأرض ومغربها ، فيصبح يوم السبت ويدعو الناس إلى بيعته » . انتهى . ولكنه نصٌّ عامي المتن غير مسند ، لهذا نرجح أن حركة ظهوره عليه السلام تستفيد من الرعب في قلوب أعدائه ، ومن الخطة المتقنة للسيطرة على مكة بدون سفك دماء . فهذا أمرٌ مقصودٌ منه عليه السلام قصداً ، لحفظ حرمة المسجد الحرام وقدسيته .
وفي تلك الليلة المباركة تتنفس مكة الصعداء ، وترفُّ عليها راية الإمام المهدي الموعود صلوات الله عليه ، وتشعُّ منها أنواره إلى أرجاء العالم . بينما يبذل الأعداء وإعلامهم العالمي غاية جهدهم للتعتيم على حركته المقدسة ، ثم يصورونها بعد ظهور خبرها بأنها حركة أحد المتطرفين المدعين للمهدية ، ويحركون قوات السفياني فتتوجه من المدينة إلى مكة .
وفي اليوم التالي لظهوره عليه السلام وهو يوم عاشوراء يوم سبت ، في الرواية ، يخاطب الإمام عليه السلام شعوب العالم بلغاتها ، ويطلب منهم النصرة على الكافرين والظالمين .
--------------------------- 432 ---------------------------
بيان الإمام عليه السلام العالمي يوم عاشوراء
روت مصادر الشيعة والسنة فقرات من خطبته عليه السلام وبيانه إلى العالم ، وتقدمت رواية فيه ، وروى العياشي : 2 / 56 : « عن عبد الأعلى الحلبي قال : قال أبو جعفر عليه السلام : والله لكأني أنظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر ، ثم ينشد الله حقه ، ثم يقول : يا أيها الناس من يحاجني في الله فأنا أولى الناس بالله ، ومن يحاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم ، يا أيها الناس من يحاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح ، يا أيها الناس من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى بإبراهيم ، يا أيها الناس من يحاجني في موسى فأنا أولى الناس بموسى ، يا أيها الناس من يحاجني في عيسى فأنا أولى الناس بعيسى ، يا أيها الناس من يحاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد صلى الله عليه وآله . يا أيها الناس من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله . ثم ينتهي إلى المقام فيصلي ركعتين ، ثم ينشد الله حقه .
قال أبو جعفر عليه السلام : هو والله المضطر في كتاب الله وهو قول الله : أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرض ، وجبرئيل على الميزاب في صورة طاير أبيض ، فيكون أول خلق الله يبايعه جبرئيل ، ويبايعه الثلاث مائة والبضعة عشر رجلاً . قال : قال أبو جعفر عليه السلام : فمن ابتلي في المسير وافاه في تلك الساعة ، ومن لم يبتل بالمسير فُقِدَ عن فراشه . ثم قال : هو والله قول علي بن أبي طالب عليه السلام : المفقودون عن فرشهم ، وهو قول الله : فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ، أصحاب القائم الثلاث مأة وبضعة عشر رجلاً ، قال : هم والله الأمة المعدودة التي قال الله في كتابه : وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ . قال : يجمعون في ساعة واحدة قزعاً كقزع الخريف ، فيصبح بمكة فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله فيجيبه نفر يسير ويستعمل على مكة ، ثم يسير فيبلغه أن قد قتل عامله » .
وتقدمت رواية الإختصاص / 255 ، وغيبة الطوسي / 269 ، في الخسف بجيش السفياني ، وفيها قوله عليه السلام : يا أيها الناس : إنا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس ، وإنا أهل بيت نبيكم محمد صلى الله عليه وآله ونحن أولى الناس بمحمد ، فأنا بقية من آدم وذخيرة من نوح ومصطفىً من إبراهيم وصفوةٌ من محمد . ألا ومن حاجني في سنة رسول الله ، فأنا أولى الناس بسنة رسول الله . فيجمع الله
--------------------------- 433 ---------------------------
عليه أصحابه ثلاث مائة وثلاثة عشر ، يجمعهم على غير ميعاد فيبايعونه بين الركن والمقام ومعه عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله قد توارثته الأبناء عن الآباء » .
ولك أن تقدر كيف سيهتز العالم لهذا الحدث الضخم المفاجئ ! وكيف ستفرح الشعوب الإسلامية المضطهدة ، وتعبر عن فرحتها بقائدها الموعود ، بمظاهرات ملايينها التي تهتف باسمه وتعلن استعدادها لنصرته .
يمكث الإمام عليه السلام في مكة طويلاً ثم يسير إلى المدينة
في البحار : 52 / 308 : « يخرج إلى المدينة فيقيم بها ما شاء ، ثم يخرج إلى الكوفة » .
وفي غيبة الطوسي / 284 : « فيقيم ما شاء الله أن يقيم » . والروايات عن مدة بقائه عليه السلام في مكة وعمله فيها قليلة ، ولا بد أن يكون من أول أعماله عليه السلام مخاطبة الشعوب الإسلامية والعالم ، وإعلان مشروعه العالمي .
وتذكر إحدى الروايات أنه يقيم الحد على سراق الكعبة الشريفة ، والمقصود بهم الحكام السراق !
ويبقى مدة في مكة ينتظر المعجزة الموعودة من جده النبي صلى الله عليه وآله وهي الخسف بالجيش الذي يقصده . فإذا وقعت الآية وخسف بجيش السفياني ، تحرك الإمام عليه السلام من مكة ومر في طريقه على مكان الخسف ووقف عنده .
ففي تفسير العياشي رحمه الله : 2 / 261 : « عن الإمام الباقر عليه السلام ، من حديث قال : « فالزم هؤلاء أبداً وإياك ومن ذكرت لك « إلزم الأئمة المعصومين عليهم السلام وإياك من الثائرين باسمهم » فإذا خرج رجل منهم معه ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً ، ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله عامداً إلى المدينة حتى يمرَّ بالبيداء حتى يقول : هذا مكان القوم الذين خسف بهم ، وهي الآية التي قال الله : أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأرض أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لايَشْعُرُونَ . أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ » . . . الخ .
وذكرت بعض الروايات أن جيش السفياني يدخل المدينة في رمضان ، والإمام عليه السلام يظهرفي محرم ، فتكون حركة جيش الخسف إلى مكة في ربيع الأول أو الثاني ، وتكون حركة الإمام عليه السلام
--------------------------- 434 ---------------------------
إلى المدينة بعد ذلك بأيام ، ولعلها في أوائل شهرربيع الأول ، وهو ابتداء إمامته عليه السلام ، ويعرف يوم التاسع منه بيوم فرحة الزهراء عليها السلام !
وتذكر الروايات أنه عليه السلام يعين والياً على مكة ، ويتوجه إلى المدينة بعشرة آلاف من جيشه ، أو خمسة عشر ألفاً ، فعن الإمام الصادق عليه السلام : « ويقيم بمكة حتى يتم أصحابه عشرة آلاف نفس ، ثم يسير منها إلى المدينة » . « الإرشاد / 363 » . وعنه عليه السلام : « وما يخرج إلا في أولي قوة ، وما تكون أولوا القوة أقل من عشرة آلاف » . « كمال الدين : 2 / 654
وفي تهذيب ابن عساكر « 4 / 538 » وغيره : « عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يوشك أن يرسل على أهل الشام سيْبٌ من السماء فيغرق جماعتهم ، حتى لو قاتلهم الثعالب غلبتهم ، فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي في ثلاث رايات ، المكثر يقول : هم خمسة عشرألفاً والمقل يقول هم اثنا عشر ألفاً ، أمارتهم : أمِتْ أمتْ ، يأتون بسبع رايات تحت كل راية منها رجل يطلب الملك فيقتلهم الله جميعاً ، ويرد الله إلى المسلمين ألفتهم ونعمتهم ، وقاصيهم ودانيهم » .
وذكرت أحاديث أن أهل مكة ينقلبون على الإمام عليه السلام بعد مسيره إلى المدينة ، ويقتلون عامله فيرجع إليهم !
فعن الإمام الباقر عليه السلام قال : « يبايع القائم بمكة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله ويستعمل على مكة ، ثم يسير نحو المدينة فيبلغه أن عامله قتل ، فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة ولا يزيد على ذلك » .
وفي البحار : 53 / 11 : « عن الإمام الصادق عليه السلام قال : يدعوهم « أهل مكة » بالحكمة والموعظة الحسنة فيطيعونه ، ويستخلف عليهم رجلاً من أهل بيته ويخرج يريد المدينة ، فإذا سار منها وثبوا عليه ، فيرجع إليهم فيأتونه مهطعين مقنعي رؤوسهم يبكون ويتضرعون ، ويقولون : يا مهدي آل محمد التوبة التوبة ! فيعظهم وينذرهم ويحذرهم ، ويستخلف عليهم منهم خليفة ويسير » . ومعنى وثبوا عليه : خلعوا طاعته أو قتلوه . ويأتي أن أهل المدينة يفعلون مثله !
وروى في الكافي : 8 / 224 ، عن الإمام الصادق عليه السلام : « ويهرب يومئذ من كان بالمدينة من ولد علي عليه السلام إلى مكة فيلحقون بصاحب هذا الأمر ، ويقبل صاحب هذا الأمر نحو العراق ، ويبعث جيشاً إلى المدينة فيأمن أهلها ويرجعون إليها » . وهي تدل على أنه عليه السلام يرسل جيشاً إلى المدينة قبل دخوله إليها ، ولعله بعد الخسف بجيش السفياني مباشرة .
--------------------------- 435 ---------------------------
ماذا يفعل الإمام عليه السلام في المدينة ؟
تذكر الروايات أن الإمام عليه السلام يخوض معركتين في المدينة المنورة ، على عكس الأمر في مكة . فعن الإمام الباقر عليه السلام في حديث طويل : « يدخل المدينة فتغيب عنهم عند ذلك قريش ، وهو قول علي بن أبي طالب عليه السلام : والله لودَّتْ قريش أن لي عندها موقفاً واحداً جزرَ جزور ، بكل ماملكته وكل ما طلعت عليه الشمس أو غربت .
ثم يُحدث حدثاً ، فإذا هو فعل ذلك ، قالت قريش : أخرجوا بنا إلى هذا الطاغية ، فوالله أن لو كان محمدياً ما فعل ، ولو كان علوياً ما فعل ، ولو كان فاطمياً ما فعل ، فيمنحه الله أكتافهم فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية .
ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة فيبلغه أنهم قد قتلوا عامله ، فيرجع إليهم فيقتلهم مقتلة ليس قتل الحرة إليها بشئ ! ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله » . « العياشي : 2 / 56 » .
فهذه الرواية تذكر معركتين في المدينة : الأولى ، بعد الحدث الذي يحدثه فيها فتنكره قريش ، ويبدو أنه يتعلق بهدم مسجد النبي صلى الله عليه وآله وقبره الشريف وإعادة بنائهما ، فيتخذ أعداؤه ذلك ذريعة لتحريك الناس عليه وقتاله ، فيقاتلهم ويقتل منهم مئات كما في بعض الروايات . عندها يتمنى القرشيون أتباع الخلافة لو أن علياً عليه السلام كان حاضراً ولو بقدر جزر جزور ، أي بقدر ذبح ناقة ، ليردَّ عنهم انتقام المهدي عليه السلام منهم ، لأن سياسة أمير المؤمنين عليه السلام فيهم كانت الحلم والعفو .
والمعركة الثانية ، بعد أن يسيطر على المدينة ويعين عليها حاكماً ، ويخرج متوجهاً إلى العراق وينزل « هو أو قائد جيشه » في منطقة الشقرة أو الشقرات ، وهي في الحجاز في الطريق إلى العراق ، فيخلع أهل المدينة الطاعة وينقلبون على واليه مرة أخرى ويقتلونه ، فيرجع إليهم الإمام عليه السلام ويقتل منهم أكثر مما قتل منهم الجيش الأموي في وقعة الحرة المشهورة ، ويخضع المدينة مجدداً لسلطته . وعدد قتلى الحرة بضعة عشر ألفاً في ثورتهم على يزيد بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام ، والتشبيه بها هنا من حيث كثرة القتلى فقط لأن الإمام عليه السلام مهدي من ربه ولا ظلم عنده .
يطرح الإمام المهدي عليه السلام في المدينة قضية أبي بكر وعمر
تدل أحاديث أهل البيت عليهم السلام على أن الإمام المهدي عليه السلام يطرح في المدينة موقفه من
--------------------------- 436 ---------------------------
أبي بكر وعمر ، ويعلن للمسلمين أنهما اتفقا مع الطلقاء على معصية النبي صلى الله عليه وآله في علي والعترة الطاهرة عليهم السلام ، وأخذوا منهم الخلافة وأجبروهم على بيعتهم ، فوضعوا الأمة في بحرصراع على السلطة ولم يسمعوا لتحذير النبي وحرموا الأمة من قيادة أهل البيت عليهم السلام الفريدة !
كما يطرح الإمام عليه السلام موضوع دفنهما في بيت النبي صلى الله عليه وآله ويعيد بناء المسجد النبوي الشريف ويفصل قبرهما عنه . . الخ .
ومن الطبيعي أن يسبب موقفه غضب كثير من أتباعهما في أرجاء العالم الإسلامي ، ويندم كثر ممن كانوا خرجوا في تظاهرات مؤيدة له ! لكن الإمام لا يعبأ بتأييد المؤيدين ولا بنقمة الناقمين ، ولا يهمه رضا أحد أو غضبه غير الله تعالى ، لأن التقية تنتهي بظهوره المقدس ، ولا تقية عنده مع أحد !
ومن الطبيعي أن يشغل هذا الموضوع العالم مدة ، ويكون حاداً في أسابيعه الأولى ، وأن يستعمل الإمام عليه السلام وسائل إقناع علمية وإعجازية ، وقد يكون منها مشاهد مصورة من التاريخ وسيرة النبي صلى الله عليه وآله ، بما علمه الله ويعرضها على العالم .
وقد تقدم في الرواية الصحيحة في فصل أصحابه عليه السلام ، من تفسير العياشي : 2 / 56 ، وبقية المصادر عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « فيصبح بمكة فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله فيجيبه نفر يسير ويستعمل على مكة ثم يسير ، فيبلغه أن قد قتل عامله فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة لا يزيد على ذلك شيئاً يعني السبي ، ثم ينطلق فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه عليه وآله السلام ، والولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام والبراءة من عدوه ولا يسمي أحداً . . ثم يدخل المدينة فتغيب عنهم عند ذلك قريش ، وهو قول علي بن أبي طالب عليه السلام : والله لودت قريش أن لي عندها موقفاً واحداً جزر جزور بكل ما ملكت وكل ما طلعت عليه الشمس أو غربت !
ثم يُحدث حدثاً ، فإذا هو فعل ذلك قالت قريش : أخرجوا بنا إلى هذه الطاغية ، فوالله أن لو كان محمدياً ما فعل ، ولو كان علوياً ما فعل ، ولو كان فاطمياً ما فعل ! فيمنحه الله أكتافهم فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية ! ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة فيبلغه أنهم قد قتلواعامله فيرجع إليهم فيقتلهم مقتلة ليس قتل الحرة إليها بشئ ! ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه والولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام والبراءة من عدوه ، حتى إذا بلغ إلى الثعلبية قام إليه
--------------------------- 437 ---------------------------
رجل من صلب أبيه وهو من أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ، ما خلا صاحب هذا الأمر ، فيقول : يا هذا ما تصنع ! فوالله إنك لتجفل الناس إجفال النعم ، أفبعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله أم بماذا ؟ فيقول المولى الذي ولي البيعة : والله لتسكتن أو لأضربن الذي فيه عيناك ، فيقول له القائم عليه السلام : أسكت يا فلان ، إي والله إن معي عهداً من رسول الله صلى الله عليه وآله ، هات لي يا فلان العيبة أو الطيبة أو الزنفليجة ، فيأتيه بها فيُقرؤه العهد من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيقول : جعلني الله فداك أعطني رأسك أقبله ، فيعطيه رأسه فيقبله بين عينيه ، ثم يقول : جعلني الله فداك جدد لنا بيعة ، فيجدد لهم بيعة » .
أقول : هذا الحديث وأمثاله يدل على أن عمله عليه السلام يكون صدمة لموروثات كثيرين ، وهزةً لوعي المؤمنين . وقد يكون هذا المعترض من أصحابه الخاصين وقع في قلبه شك ، أو يكون أشكل على الإمام عليه السلام ليفهم غيره ويُخرج الإمام عليه السلام العهد المعهود عنده من النبي صلى الله عليه وآله الذي يأمره فيه بإعلان موقفه من أبي بكر وعمر .
وفي كمال الدين : 2 / 377 : « عن عبد العظيم الحسني عن الإمام الجواد عليه السلام قال : ويجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر : ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض ، وذلك قول الله عز وجل : أينَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً إنَّ اللهَ على كلِّ شئ قدير ، فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره ، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عز وجل ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عز وجل ، قال عبد العظيم : فقلت له : يا سيدي وكيف يعلم أن الله عز وجل قد رضي ؟ قال : يلقي في قلبه الرحمة ، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما » .
وإن صح هذا الحديث فمعنى إحراقه اللات والعزى أنه يعلن التوحيد الخالص ويمنع عبادة المسلمين لشخصياتهم التي لم ينزل بها الله سلطاناً ، واتخاذهم إياهم أنداداً من دون الله ، كما قال الله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيد الْعَذَابِ » .
--------------------------- 438 ---------------------------
ردة فعل النواصب والبترية على عمل الإمام عليه السلام
البترية حركة في العراق يقول أصحابها إنا نتولى أهل البيت عليهم السلام وظالميهم معاً ، ويتخذون من الإمام موقفاً معادياً عليه السلام لموقفه في المدينة لأنه أعلن البراءة من أبي بكر وعمر ، ويحاولون منعه من الدخول إلى العراق ، لكن الجو العام يكون معه ! ففي دلائل الإمامة / 241 ، عن الإمام الباقر عليه السلام عن أبي الجارود من حديث : « ثم يبايعه من الناس ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، ثم يسير إلى المدينة فيسير الناس حتى يرضى الله عز وجل ، فيقتل ألفاً وخمس مائة قرشي ليس فيهم إلا فرخ زنية . . . ويسير إلى الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية شاكين في السلاح ، قراء القرآن فقهاء في الدين ، قد قرحوا جباههم وشمَّروا ثيابهم وعمهم النفاق ، وكلهم يقولون : يا ابن فاطمة إرجع لا حاجة لنا فيك ! فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الاثنين من العصر إلى العشاء ، فيقتلهم أسرع من جزر جزور ، فلا يفوت منهم رجل ، ولايصاب من أصحابه أح د ، دماؤهم قربانٌ إلى الله . ثم يدخل الكوفة فيقتل مقاتليها حتى يرضى الله .
قال : فلم أعقل المعنى ، فمكثت قليلاً ثم قلت : وما يدريه جعلت فداك متى يرضى الله عز وجل ؟ قال : يا أبا الجارود إن الله أوحى إلى أم موسى وهو خير من أم موسى ، وأوحى الله إلى النحل وهو خير من النحل ، فعقلت المذهب . فقال لي : أعقلت المذهب ؟ قلت : نعم » .
وبهذا تعرف أن البترية هم أول الخوارج على الإمام عليه السلام في العراق ، وأول من سماهم بذلك زيد بن علي رحمه الله قال لهم : « أتتبرؤون من فاطمة عليها السلام ، بترتم أمرنا ، بتركم الله » ! ومقصوده أن الولاية والبراءة معاً . « الفقيه : 4 / 445 » .
- *
--------------------------- 439 ---------------------------
الفصل الحادي والعشرون : ( العراق العاصمة ، العراق في عصر الظهور )
--------------------------- 440 ---------------------------
العراق عاصمة دولة العدل الإلهية
الأحاديث حول العراق كثيرة ، في علامات ظهور الإمام المهدي عليه السلام ، وحركة ظهوره وبعدها . ذلك أن الله عز وجل قدر وقضى أن يكون العراق عاصمة دولة العدل الإلهي العالمية ، التي يقيمها الإمام عليه السلام .
وتذكر الروايات المتعلقة بالعراق قبل الظهورحكام الجور فيه ، أو تمدح بعض بلدانه أو تذمها ، أو تتحدث عن نقص في الثمرات ، وخوف يشمل أهله لا يقر لهم معه قرار . . الخ . وقد أورد المفيد رحمه الله مجموعة علامات للظهور تكون في العراق وغيره . قال في الإرشاد : 2 / 368 : « جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي عليه السلام وحوادث تكون أمام قيامه ، وآيات ودلالات : فمنها خروج السفياني وقتل الحسني ، واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي ، وكسوف الشمس في النصف من رمضان وخسوف القمر في آخره ، على خلاف العادات ، وخسف بالبيداء ، وخسف بالمغرب وخسف بالمشرق ، وركود الشمس من عند الزوال إلى أوسط أوقات العصر ، وطلوعها من المغرب ، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين ، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام ، وهدم حائط مسجد الكوفة ، وإقبال رايات سود من قبل خراسان ، وخروج اليماني ، وظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات ، ونزول الترك الجزيرة ونزول الروم الرملة ، وطلوع نجم بالمشرق يضئ كما يضئ القمر ، ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه ، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها ، ونار تظهر بالمشرق طويلاً وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام ، وخلع العرب أعنتها وتملكها البلاد ، وخروجها عن سلطان العجم ، وقتل أهل مصر أميرهم ، وخراب الشام ، واختلاف ثلاث رايات فيه ، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ، ورايات كندة إلى خراسان ، وورود خيل من قبل الغرب حتى تربط بفناء الحيرة ، وإقبال رايات سود من المشرق نحوها ، وبثق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة ، وخروج ستين كذاباً كلهم يدعي النبوة ، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلهم يدعي الإمامة لنفسه ، وإحراق رجل عظيم القدر من بني العباس بين جلولاء وخانقين ، وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة السلام ، وارتفاع ريح سوداء بها في أول النهار ، وزلزلة حتى ينخسف كثير منها ، وخوف يشمل أهل العراق وبغداد ، وموت
--------------------------- 441 ---------------------------
ذريع فيه ، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلات ، وقلة ريع لما يزرعه الناس ، واختلاف صنفين من العجم وسفك دماء كثيرة فيما بينهم ، وخروج العبيد عن طاعات ساداتهم وقتلهم مواليهم ، ومسخ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير ، وغلبة العبيدعلى بلاد السادات ، ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كل أهل لغة بلغتهم ، ووجه وصدر يظهران للناس في عين الشمس ، وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون ويتزاورون . ثم يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتصل فتحيا بها الأرض بعد موتها وتعرف بركاتها ، وتزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي عليه السلام ، فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة ، فيتوجهون نحوه لنصرته ، كما جاءت بذلك الأخبار . وجملة من هذه الأحداث محتومة ومنها مشروطة ، والله أعلم بما يكون ، وإنما ذكرناها على حسب ما ثبت في الأصول ، وتضمنها الأثر المنقول » . انتهى .
أقول : ما ذكره قدس سره تعدادٌ لكثير من علامات الظهور البعيدة والقريبة ، بشكل مجمل غير متسلسل ، فمنها علامات قريبة لا يفصلها عن ظهورالإمام عليه السلام أكثر من أسبوعين ، كقتل النفس الزكية بين الركن والمقام ، بل هو في الحقيقة جزء من حركة الظهورلأنه رسول المهدي عليه السلام . ومنها ما يفصله عن ظهوره عليه السلام قرون عديدة كاختلاف بني العباس فيما بينهم ، وظهور المغربي في مصر وتملكه الشامات في حركة الفاطميين . وقصده رحمه الله بالمحتوم والمشروط منها : أن منها حتمي الوقوع على كل حال ، كما في السفياني ، واليماني ، وقتل النفس الزكية ، والنداء السماوي ، والخسف بجيش السفياني . ومنها مشروط بأحداث أخرى في مقادير الله سبحانه .
ضعف رواية جفاف الفرات
مصنف عبد الرزاق : 11 / 373 : « عن القاسم بن عبد الرحمن قال : شُكِيَ إلى ابن مسعود الفرات فقالوا : نخاف أن ينفتق علينا فلو أرسلت من يُسَكِّرُه ، فقال عبد الله : لا نُسكره فوالله ليأتين على الناس زمان لو التمستم فيه ملء طست من ماء ما وجدتموه ، وليرجعن كل ماء إلى عنصره ، ويكون بقية الماء والمسلمين بالشام » .
--------------------------- 442 ---------------------------
أقول : قصده برجوع كل شئ إلى عنصره ، ما روي أن مياه الأرض تجف قبل ظهور المهدي عليه السلام أو قبل القيامة . لكن أهل البيت عليهم السلام ردوا هذا الجفاف المزعوم وقالوا إن سنة ظهورالمهدي عليه السلام سنة غَيْداقة كثيرة المطر .
روى في الإرشاد / 361 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « سنة الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل في أزقة الكوفة » . وفي رواية أخرى قال : « إن قدام القائم عليه السلام لسنة غيداقة يفسد فيها الثمار والتمر في النخل ، فلا تشكُّوا في ذلك » .
ضعف روايات خراب بغداد
روت المصادر أحاديث في خراب بغداد ، كالذي رواه ابن المنادي / 43 ، عن جرير البجلي : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربل ، تجبى إليها كنوز الأرض يخسف بها ، فلهي أسرع ذهاباً في الأرض من الحديدة المحماة في الأرض الخوارة » . وتذكرة القرطبي : 2 / 681 و 697 ، وجامع السيوطي : 4 / 772 .
وفي تاريخ بغداد : 1 / 38 : « عن أبي الأسود الدؤلي : قال علي بن أبي طالب : سمعت حبيبي محمداً صلى الله عليه وآله يقول : سيكون لبني عمي مدينة من قبل المشرق بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة ، يشيد فيها بالخشب والآجر والجص والذهب ، يسكنها شرار خلق الله وجبابرة أمتي ، أما إن هلاكها على يد السفياني ، كأني بها والله قد صارت خاوية على عروشها » .
وقد عقدنا فصلاً في كتاب : الإمام الكاظم عليه السلام سيد بغداد ، لروايات خراب بغداد وخسفها وزوالها ، وأثبتنا أنها من موضوعات أتباع بني أمية ، يجيبون بذلك على إخبار أمير المؤمنين عليه السلام بخراب الشام في حرب السفياني لولده المهدي عليه السلام ، فنقموا على العراق وبغداد والكوفة ! لذلك لا نأخذ بروايات خراب بغداد على يد السفياني ! نعم صح إخبار النبي صلى الله عليه وآله بإنشاء بغداد وذم جبابرتها .
ومن ذلك ما رواه العلامة الحلي رحمه الله في كشف اليقين / 80 ، قال : « فصل في إخبار أمير المؤمنين عليه السلام بالمغيبات : ومن ذلك إخباره بعمارة بغداد ، وملك بني العباس ، وذكر أحوالهم ، وأخذ المغول الملك منهم . رواه والدي رحمه الله ، وكان ذلك سبب سلامة أهل الحلة والكوفة والمشهدين الشريفين من القتل » .
--------------------------- 443 ---------------------------
ثم ساق حديث ذهاب والده رحمه الله إلى بغداد ليقابل هولاكو الطاغية ، ويأخذ منه أماناً للحلة والمشهدين . ونص الحديث : « الزوراء وما أدراك ما الزوراء ، أرض ذات أثل يشتد فيها البنيان ويكثر فيها السكان ، ويكون فيها قهارم وخزان ، يتخذها ولد العباس موطناً ، ولزخرفهم مسكناً ، تكون لهم دار لهو ولعب ، ويكون بها الجور الجائر والخوف المخيف ، والأئمة الفجرة والقراء الفسقة والوزراء الخونة ، يخدمهم أبناء فارس والروم ، لا يأتمرون بمعروف إذا عرفوه ، ولا يتناهون عن منكر إذا أنكروه ، يكتفي الرجال منهم بالرجال والنساء بالنساء ! فعند ذلك الغم الغميم والبكاء الطويل ، والويل والعويل لأهل الزوراء ، من سطوات الترك وما هم الترك ، قوم صغار الحدق ، وجوههم كالمجان المطرقة ، لباسهم الحديد ، جرد مرد ، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدا ملكهم ، جهوري الصوت قوي الصولة عالي الهمة ، لا يمر بمدينة إلا فتحها ، ولاترفع له راية إلا نكسها ، الويل الويل لمن ناوأه ، فلا يزال كذلك حتى يظفر » .
وروى قريباً منه في كفاية الأثر / 213 : « عن علقمة بن قيس قال : خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام على منبر الكوفة خطبة اللؤلؤة ، فقال فيما قال في آخرها : « ألا وإني ظاعن عن قريب ومنطلق إلى المغيب ، فارتقبوا الفتنة الأموية والمملكة الكسروية وإماتة ما أحياه الله ، وإحياء ما أماته الله ، واتخذوا صوامعكم بيوتكم ، وعضوا على مثل جمر الغضا ، فاذكروا الله ذكراً كثيراً ، فذكره أكبر لو كنتم تعلمون . ثم قال : وتبنى مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيلة والفرات ، فلو رأيتموها مشيدة بالجص والآجر ، مزخرفة بالذهب والفضة واللازورد المستسقى ، والمرمر والرخام وأبواب العاج والأبنوس ، والخيم والقباب والشارات ، وقد عُليت بالساج والعرعر والصنوبر والخشب ، وشيدت بالقصور ، وتوالت عليها ملوك بني الشيصبان ، أربعة وعشرون ملكاً ، على عدد سني الملك الكديد ، فيهم السفاح والمقلاص والجموع والخدوع والمظفر والمؤنث والنظار والكبش والمهتور والعشار والمصطلم والمستصعب والعلام والرهباني والخليع والسيار والمسرف والكديد والأكتب والمترف والأكلب والوشيم والظلام والعيوق .
وتُعمل القبة الغبراء ذات القلادة الحمراء . في عقبها قائم الحق يسفر عن وجهه بين الأقاليم كالقمر المضئ بين الكواكب الدرية . ألا وإن لخروجه علامات عشراً : أولها طلوع الكوكب
--------------------------- 444 ---------------------------
ذي الذنب ويقارب من الحاوي ، ويقع فيه هرج ومرج وشغب ، وتلك علامات الخصب ، ومن العلامة إلى العلامة عجب ، فإذا انقضت العلامات العشر ، إذ ذاك يظهر القمر الأزهر ، وتمت كلمة الإخلاص لله على التوحيد » .
ويظهر أن الرواة حذفوا من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام ذم بني العباس ، وذكر المغول ، وأضافوا إليها أن بغداد سيخسف بها ، وستُدَمَّر على يد السفياني !
أهم روايات مصادر السنة حول البصرة
أبو داود : 4 / 113 : « عن صالح بن درهم قال : انطلقنا حاجين فإذا رجل فقال لنا : إلى جنبكم قرية يقال لها الأبلة ؟ قلنا : نعم ، قال : من يضمن لي منكم أن يصلي لي في مسجد العشار ركعتين أو أربعاً ، ويقول هذه لأبي هريرة ؟ سمعت خليلي أبا القاسم يقول : إن الله يبعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء ، لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم . وقال أبو داود : هذا مسجد مما يلي النهر » . والأبُلَّة : محلة قرب البصرة ، واليوم جزء منها . وروى مثله : ابن المنادي / 40 ، والبغوي : 3 / 486 .
أبو داود : 4 / 113 : « عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له : يا أنس ، إن الناس يمصرون أمصاراً ، وإن مصراً منها يقال له البصرة أو البصيرة ، فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإياك وسباخها وكلأها وسوقها ، وباب أمرائها ، وعليك بضواحيها ، فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف ، وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير » .
وفي ملاحم ابن المنادي / 38 : « عن أبي بكرة أخ زياد بن أبيه : قال النبي صلى الله عليه وآله : إن أناساً من أمتي ينزلون حائطاً يقال له البصرة ، وعنده نهر له يقال له دجلة ، وتكون من أمصار المهاجرين ، فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطورا ، قوم عراض الوجوه صغار الأعين ، حتى ينزلوا بشاطئ النهر فيفترق أهلها على ثلاث فرق ، فأما فرقة فيأخذون بأذناب الإبل والبرية فيهلكون » .
وفي المعجم الأوسط : 7 / 561 : « عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله : إن المسلمين يمصرون بعدي أمصاراً ، ومما يمصرون مصراً يقال لها البصيرة فإن أنت وردتها فإياك ومقصفها وسوقها
--------------------------- 445 ---------------------------
وباب سلطانها فإنها سيكون بها خسف ومسخ وقذف . آية ذلك الزمان أن يموت العدل ويفشو فيها الجور ويكثر فيها الزنا ويفشو فيها شهادة الزور » .
أقول : لا يمكن الاعتماد على هذه الروايات ، بعد أن شهد أهل البيت عليهم السلام بعدم وثاقة أنس ، وكذا أبو بكرة أخ زياد بن أبيه ، كما أن البغوي حكم بوضع الحديث الأخير ، وكذا ابن الجوزي ، وإن كان ابن حجر دافع عنه كما في هامش مصابيح البغوي : 3 / 486 ، فينبغي التوقف فيه ، لأن دواعي الوضع فيه وفي أمثاله قوية !
إخبار أمير المؤمنين عليه السلام عن ثورة الزنج بالبصرة
أوردنا في فصل الدجال الخطبة المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، التي رواها ابن ميثم البحراني في شرح نهج البلاغة : 1 / 289 ، خطبة 13 ، وهي مرسلة وفيها ذم البصرة وإخبارعن أحداث ستقع فيها مثل قوله : « كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شُرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر ! فقام إليه الأحنف بن قيس فقال : يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك ؟ قال : يا أبا بحر إنك لن تدرك ذلك الزمان وإن بينك وبينه لقروناً ، ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دوراً وآجامها قصوراً فالهرب الهرب فإنه لا بصيرة لكم يومئذ . ثم التفت عن يمينه فقال : كم بينكم وبين الأبلة ؟ فقال له المنذر بن الجارود : فداك أبي وأمي ، أربعة فراسخ ، قال له : صدقت فوالذي بعث محمداً وأكرمه بالنبوة وخصه بالرسالة وعجل بروحه إلى الجنة لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال : يا علي هل علمت أن بين التي تسمى البصرة والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ ، وقد يكون في التي تسمى الأبلة موضع أصحاب العشور ، يقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألفاً شهيدهم يومئذ بمنزلة شهداء بدر ! فقال له المنذر : يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي وأمي ؟ قال : يقتلهم إخوان الجن وهم جيل كأنهم الشياطين ، سود ألوانهم منتنة أرواحهم شديد كلبهم قليل سلبهم ، طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه ، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل ذلك الزمان مجهولون في الأرض معروفون في السماء تبكي السماء عليهم وسكانها والأرض وسكانها .
--------------------------- 446 ---------------------------
ثم هملت عيناه بالبكاء ثم قال : ويحك يا بصرة من جيش لارهج له ولا حس ! قال له المنذر : يا أمير المؤمنين وما الذي يصيبهم من قبل الغرق مما ذكرت ، وما الويح ، وما الويل ؟ فقال : هما بابان فالويح باب الرحمة والويل باب العذاب ، يا ابن الجارود نعم ، ثارات عظيمة منها عصبة يقتل بعضها بعضاً ، ومنها فتنة تكون بها خراب منازل وخراب ديار وانتهاك أموال ، وقتل رجال وسبي نساء ، يذبحن ذبحاً ، يا ويل أمرهن حديث عجب » . الخ .
وهي خطبة مرسلة لاسند لها ، فلا يمكن الأخذ بها ، ما عدا القسم الأول إلى قوله عليه السلام : « كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر » فهو مشهور رواه المحدثون والمؤرخون ، ويؤيده كلامه عليه السلام الذي يذكر فيه ثورة الزنج .
وقد شهد الرواة والمؤرخون أن أمير المؤمنين عليه السلام وصف ثورتهم قبل وقوعها بثلاثة قرون ، ومن ذلك خطبته في نهج البلاغة شرح الصالح / 148 خطبة 102 ، قال فيها : « فتن كقطع الليل المظلم ، لا تقوم لها قائمة ، ولا ترد لها راية ، تأتيكم مزمومة مرحولة ، يحفزها قائدها ويجهدها راكبها ، أهلها قوم شديد كلبهم قليل سلبهم ، يجاهدهم في سبيل الله قوم أذلة عند المتكبرين ، في الأرض مجهولون وفي السماء معروفون ، فويل لك يا بصرة عند ذلك ، من جيش من نقم الله لا رهج له ولا حس وسيبتلى أهلك بالموت الأحمر ، والجوع الأغبر » . وابن أبي الحديد : 7 / 102 .
قال الشريف الرضي رحمه الله : يومئ بذلك إلى صاحب الزنج ، ثم قال عليه السلام : ويل لسكككم العامرة والدور المزخرفة التي لها أجنحة كأجنحة النسور ، وخراطيم كخراطيم الفيلة ، من أولئك الذين لا يندب قتيلهم ولا يفقد غائبهم » . انتهى .
وقد انطبقت الأوصاف التي ذكرها عليه السلام على قائد ثورة الزنج ، وكانت ثورتهم ردة فعل على الظلم والترف واضطهاد العبيد . وعامة جيشه من الزنوج الحفاة الذين لاخيل لهم ، وادعى أنه علوي ، ورد النسابون دعواه .
روايات غرق البصرة
أما غرق البصرة فقال عليه السلام في الخطبة رقم 13 : « كنتم جند المرأة ، وأتباع البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم . أخلاقكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق . المقيم بينكم
--------------------------- 447 ---------------------------
مرتهن بذنبه ، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه . كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينة ، وقد بعث الله عليها العذاب من فوقها ، ومن تحتها ، وغرق من في ضمنها » .
وتنطبق هذه الأحداث على غرق البصرة الذي قال عنه في شرح النهج : 1 / 253 : « فأما إخباره عليه السلام أن البصرة تغرق ما عدا المسجد الجامع بها ، فقد رأيت من يذكر أن كتب الملاحم تدل على أن البصرة تهلك بالماء الأسود ينفجر من أرضها ، فتغرق ويبقى مسجدها . والصحيح أن المخبر به قد وقع ، فإن البصرة غرقت مرتين ، مرة في أيام القائم بأمر الله غرقت بأجمعها ، ولم يبق منها إلا مسجدها الجامع بارزاً بعضه كجؤجؤ الطائر حسب ما أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام . جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس ، ومن جهة الجبل المعروف بجبل السنام وخربت دورها وغرق كل ما في ضمنها ، وهلك كثير من أهلها ، وأحد هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة ، يتناقله خلفهم عن سلفهم » .
روايات خراب البصرة
روايات خراب البصرة ثلاثة أنواع : خرابها بالغرق ، وخرابها بثورة الزنج ، وخرابها بالخسف والتدمير . وقد وقع الخرابان الأولان في زمن العباسيين . أما خرابها الذي عدوه من علامات ظهور المهدي عليه السلام فعمدة رواياته اثنتان : الأولى : ما رواه المفيد رحمه الله في الإرشاد / 361 ، عن الصادق عليه السلام : « يزجر الناس قبل قيام القائم عليه السلام عن معاصيهم بنار تظهر في السماء وحمرة تجلل السماء ، وخسف ببغداد ، وخسف ببلدة البصرة ، ودماء تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في أهلها ، وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار » . ومثله إعلام الورى / 429 ، وعنهما إثبات الهداة : 3 / 733 ، و / 742 ، وفيه : وخسف بمنارة البصرة . وهو يدل على أنه الخسف محدود بمكان فهو غير ائتفاكها وانقلاب أسفلها أعلاها . فإن صحت تدل على أن الخسف الذي هو علامة للظهور في مكان منها .
والثانية : أن البصرة من المؤتفكات المذكورة في القرآن ، أي المدن المنقلبات بأهلها بالخسف والعقاب الإلهي ، وأنها ائتفكت ثلاث مرات وبقيت الرابعة . ففي البحار : 60 / 224 ، وغيره أن أمير المؤمنين عليه السلام قال في خطبته في البصرة : « يا منذر ، إن للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة
--------------------------- 448 ---------------------------
في زبر الأول ، لا يعلمها إلا العلماء ، منها الخريبة ومنها تدمر ومنها المؤتفكة . . . إلى أن قال : يا أهل البصرة ، إن الله لم يجعل لأحد من أمصار المسلمين خطة شرف ولاكرم إلا وقد جعل فيكم أفضل من ذلك ، وزادكم من فضله بمنه ما ليس لهم . أنتم أقوم الناس قبلة ، قبلتكم على المقام حيث يقوم الإمام بمكة ، وقارؤكم أقرأ الناس ، وزاهدكم أزهد الناس ، وعابدكم أعبد الناس ، وتاجركم أتجر الناس وأصدقهم في تجارته ، ومتصدقكم أكرم الناس صدقة ، وغنيكم أشد الناس بذلاً وتواضعاً ، وشريفكم أكرم الناس خلقاً ، وأنتم أكثر الناس جواراً ، وأقلهم تكلفاً لما لا يعنيه ، وأحرصهم على الصلاة في جماعة ، ثمرتكم أكثر الثمار ، وأموالكم أكثر الأموال ، وصغاركم أكيس الأولاد ، ونساؤكم أمنع الناس وأحسنهن تبعلاً ، سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلاحاً لمعاشكم ، والبحر سبباً لكثرة أموالكم ، فلو صبرتم واستقمتم لكانت شجرة طوبى لكم مقيلاً وظلاً ظليلاً ، غير أن حكم الله ماض وقضاءه نافذ لامعقب لحكمه ، وهو سريع الحساب ، يقول الله : وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً .
إلى أن قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي يوماً وليس معه غيري : إن جبرئيل الروح الأمين حملني على منكبه الأيمن حتى أراني الأرض ومن عليها وأعطاني أقاليدها ، وعلمني ما فيها وما قد كان على ظهرها ، وما يكون إلى يوم القيامة ، ولم يكبر ذلك علىّ كما لم يكبر على أبي آدم ، علمه الأسماء كلها ولم تعلمها الملائكة المقربون . وإني رأيت على شاطئ البحر قرية تسمى البصرة ، فإذا هي أبعد الأرض من السماء وأقربها من الماء ، وإنها لأسرع الأرض خراباً ، وأخشنها تراباً وأشدها عذاباً . ولقد خسف بها في القرون الخالية مراراً ، وليأتين عليها زمان وإن لكم يا أهل البصرة وما حولكم من القرى من الماء ليوماً عظيما بلاؤه . وإني لأعلم موضع منفجره من قريتكم هذه . ثم أمور قبل ذلك تدهمكم عظيمة أخفيت عنكم وعلمناها ، فمن خرج عنها عند دنو غرقها فبرحمة من الله سبقت له ، ومن بقي فيها غير مرابط فبذنبه » .
وروى في الكافي : 8 / 179 ، أن أبا بصير سأل الإمام الصادق عليه السلام عن قوله عز وجل : وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى ؟ فقال : هم أهل البصرة هي المؤتفكة قلت : وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ؟ قال : أولئك قوم لوط ائتفكت عليهم انقلبت عليهم » .
--------------------------- 449 ---------------------------
وفي تفسير القمي : 2 / 383 : « المؤتفكات البصرة ، والخاطئة فلانة » .
وقد روت ائتفاك البصرة المصادر السنية ، ففي الأربعين البلدانية لابن عساكر : 1 / 436 ، ومعجم البلدان : 1 / 436 : « لما قدم أمير المؤمنين عليه السلام البصرة بعد وقعة الجمل ارتقى منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أهل البصرة ، يا بقايا ثمود ، يا أتباع البهيمة ، يا جند المرأة ، رغا فاتبعتم ، وعقر فانهزمتم ! أما إني ما أقول ما أقول رغبة ولا رهبة منكم ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : تفتح أرض يقال لها البصرة أقْوَمُ أرض الله قبلةً ، قارؤها أقرأ الناس وعابدها أعبد الناس وعالمها أعلم الناس ، ومتصدقها أعظم الناس صدقة . منها إلى قرية يقال لها الأبلة أربعة فراسخ ، يستشهد عند مسجد جامعها وموضع عشورها ثمانون ألف شهيد ، الشهيد يومئذ كالشهيد يوم بدر معي . وهذا الخبر بالمدح أشبه .
وفي رواية أخرى أنه رقي المنبر فقال : يا أهل البصرة ويا بقايا ثمود ، يا أتباع البهيمة ويا جند المرأة ، رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم ، دينكم نفاق ، وأحلامكم دقاق ، وماؤكم زعاق .
يا أهل البصرة والبصيرة والسبخة والخريبة ، أرضكم أبعد أرض الله من السماء وأقربها من الماء ، وأسرعها خراباً وغرقاً . ألا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أما علمت أن جبريل حمل جميع الأرض على منكبه الأيمن فأتاني بها ، ألا إني وجدت البصرة أبعد بلاد الله من السماء وأقربها من الماء وأخبثها تراباً وأسرعها خراباً ، ليأتين عليها يوم لا يرى منها إلا شرفات جامعها كجوجؤ السفينة في لجة البحر . ثم قال : ويحك يا بصرة ويلك من جيش لا غبار له . فقيل يا أمير المؤمنين : ما الويح وما الويل ؟ فقال : الويح والويل بابان فالويح رحمة والويل عذاب .
وفي رواية : أن علياً رضي الله عنه لما فرغ من وقعة الجمل دخل البصرة فأتى مسجدها الجامع ، فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال : أما بعد فإن الله ذو رحمة واسعة ، فما ظنكم يا أهل البصرة ! يا أهل السبخة ، يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى الله الرابعة .
يا جند المرأة . . . إلى آخر ما تقدم . . ثم قال : انصرفوا إلى منازلكم وأطيعوا الله وسلطانكم . وخرج حتى صار إلى المربد والتفت وقال : الحمد لله الذي أخرجني من شر البقاع تراباً ، وأسرعها خراباً » .
--------------------------- 450 ---------------------------
وفي شرح مسلم للنووي : 1 / 153 : « قال صاحب المطالع : ويقال لها تدمر ويقال لها المؤتفكة ، لأنها ائتفكت بأهلها في أول الدهر » . وفي الفائق : 3 / 260 : « أنس : البصرة إحدى المؤتفكات ، فانزل في ضواحيها ، وإياك والملكة » . مَلك الطريق ومَلَكتُه : وسطه .
وفي الأربعين البلدانية : 5 / 219 : « في كلام أمير المؤمنين في ذم أهل البصرة . . . فهذا يدل على أن الائتفاك الانقلاب وليس بعلم لموضع بعينه ، إلا أن يكون لما انقلبت المؤتفكة ، سمي كل منقلب مؤتفكاً ، وصح من الاسم الصريح فعلاً » . ونحوه البدء والتاريخ / 436 .
وفي تفسير القمي : 2 / 339 : « المؤتفكة : البصرة ، والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام : يا أهل البصرة ويا أهل المؤتفكة ، ياجند المرأة وأتباع البهيمة ، رغا فأجبتم وعُقر فهربتم ، ماؤكم زعاق ، وأحلامكم رقاق ، وفيكم ختم النفاق ، ولُعنتم على لسان سبعين نبياً ! إن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرني أن جبرئيل أخبره أنه طُويَت له الأرض فرأى البصرة أقرب الأرضين من الماء ، وأبعدها من السماء ، وفيها تسعة أعشار الشر والداء العضال ، المقيم فيها مذنب ، والخارج منها متدارك برحمة ، وقد ائتفكت بأهلها مرتين وعلى الله تمام الثالثة ، وتمام الثالثة في الرجعة » .
وقد ذكرنا أن خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في البصرة مرسلة ، لا يمكن الأخذ بها ، ولو صح مضمونها في الجملة ، وأن البصرة ائتفكت في الماضي وستأتفك في المستقبل ، فلم يرد في أي نص منها تحديذ زمن ذلك أو أنه من علامات ظهورالإمام المهدي عليه السلام .
وقد حددته رواية تفسير القمي بأنه في الرجعة ، والرجعة قد تكون بعد دولة الإمام المهدي عليه السلام بقرون طويلة .
ويؤيد ذلك أن بعض رواياتها ذكرت أنه الخسف الموعود بقوله تعالى : وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً . وهذا أمرٌ عام قد يكون في الرجعة قبل القيامة ، ولا يختص بالبصرة .
الشيصباني طاغية العراق قبل السفياني
النعماني / 302 : « عن جابر الجعفي قال : سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام عن السفياني فقال : وأنى لكم بالسفياني حتى يخرج قبله الشيصباني ، يخرج من أرض كوفان ، ينبع كما ينبع الماء ،
--------------------------- 451 ---------------------------
فيقتل وفدكم ، فتوقعوا بعد ذلك السفياني ، وخروج القائم عليه السلام » . والشيصباني : الشيطاني ، ويستعمله الأئمة عليهم السلام للطواغيت . وأرض كوفان : العراق . ينبع كما ينبع الماء : أي يكون حكمه فجأة غير متوقع . يقتل وفدكم : أي وجهاء المؤمنين الذين يتقدمون الوفد ، ويكون قبل السفياني بقليل لقوله عليه السلام : فتوقعوا بعد ذلك السفياني . وهذه الصفات تنطبق على صدام ظاهراً ، فإن خرج بعده السفياني في الشام ، في عصرنا أو نحوه ، يكون صدام قطعاً شيصباني العراق الموعود .
الحسني الموعود
ورد ذكر الحسني في عدة أحاديث فبعضها ذكر الحسني النفس الزكية ، وقد عرفت أن النفس الزكية ثلاثة أشخاص : في ظهر الكوفة ، والمدينة ، ومكة . وبعضها ذكر حسنياً يقتل ، وقد يكون نفس الحسني الذي في ظهر الكوفة . وبعضها ذكر حسني المدينة وحسني مكة .
وقد اشتهر بين الناس أن الحسني هو الخراساني ، لكن لم أجد صلة الحسني بإيران في أي نص صحيح .
قال المفيد في الإرشاد : 2 / 368 : « فمنها « العلامات » : خروج السفياني وقتل الحسني » فهو يدل على قتل زعيم حسني ولم يعين بلده ، ويحتمل أن يكون من العراق .
وروى الطوسي في الغيبة / 280 ، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل أن الحسني يخرج من الحجازعند حركة الإمام المهدي عليه السلام إلى العراق ، ويدَّعي أنه هو المهدي ، ثم يعترف به ويسير معه ، قال : « يدخل المهدي الكوفة . . . ويخطب ولا يدري الناس وهو قول رسول الله صلى الله عليه وآله : كأني بالحسني والحسيني وقد قاداها فيسلمها إلى الحسيني فيبايعونه . فإذا كانت الجمعة الثانية قال الناس : يا ابن رسول الله ، الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله والمسجد لا يسعنا . . » .
وقال ابن طاووس / 145 : « ويلحقه الحسني في اثني عشر ألفاً ، فيقول له : أنا أحق بهذا الأمرمنك فيقول له : هات علامات دالة ، فيومئ إلى الطير فيسقط على كتفه ، ويغرس القضيب الذي بيده فيخضرويعشوشب . فيسلم إليه الحسني الجيش ويكون الحسني على مقدمته ، وتقع الصيحة بدمشق إن أعراب الحجاز قد جمعوا لكم » .
ونحوه رواية مرسلة في عقد الدرر / 90 : « وتسير الجيوش حتى تصير بوادي القرى في
--------------------------- 452 ---------------------------
هدوء ورفق ، ويلحقه هناك ابن عمه الحسني في اثني عشر ألف فارس فيقول : يا ابن عم أنا أحق بهذا الجيش منك ، أنا ابن الحسن وأنا المهدي . فيقول المهدي : بل أنا المهدي . فيقول الحسني : هل لك من آية فنبايعك ؟ فيومئ المهدي إلى الطير فتسقط على يده ، ويغرس قضيباً في بقعة من الأرض فيخضر ويورق ، فيقول له الحسني : يا ابن عم هي لك . ويسلم إليه جيشه ويكون على مقدمته ، واسمه على اسمه » .
ونحوه في إلزام الناصب : 2 / 178 ، من خطبة البيان ، وفيها : « ثم يسير بالجيوش ، حتى يصير إلى العراق والناس خلفه وأمامه ، على مقدمته رجل اسمه عقيل ، وعلى ساقته رجل اسمه الحارث ، فيلحقه رجل من أولاد الحسن في اثني عشر ألف فارس ويقول : يا ابن العم أنا أحق منك بهذا الأمر ، لأني من ولد الحسن وهو أكبر من الحسين فيقول المهدي : إني أنا المهدي . فيقول له : هل عندك آية أو معجزة أو علامة ؟ فينظر المهدي إلى طير في الهواء فيومئ إليه فيسقط في كفه ، فينطق بقدرة الله تعالى ويشهد له بالإمامة ، ثم يغرس قضيباً يابساً في بقعة من الأرض ليس فيها ماء فيخضر ويورق ، ويأخذ جلموداً كان في الأرض من الصخر ، فيفركه بيده ويعجنه مثل الشمع ، فيقول الحسني : الأمر لك ، فيسلم وتسلم جنوده » . انتهى .
فهذا كل ما ورد في الحسني ، وقد ضخم بعضهم رواياته وحمَّلها ما لا تحتمل ! بل ادعى بعضهم في العراق أنه هو الحسني ، وأنه وزير الإمام المهدي عليه السلام ، ولا يصح شئ من ذلك ، ولوصح وجود الحسني لكان شخصاً في أول أمره مخالفاً للإمام المهدي عليه السلام .
عوف السلمي الذي يخرج قبل السفياني
وقد ورد فيه رواية مرسلة في غيبة الطوسي / 270 : « عن حذلم بن بشير قال : « قلت لعلي بن الحسين عليه السلام : صف لي خروج المهدي ، وعرفني دلائله وعلاماته ، فقال : يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي ، بأرض الجزيرة ، ويكون مأواه تكريت وقتله بمسجد دمشق . ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند ، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس ، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان ، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ، ثم يخرج بعد ذلك » .
--------------------------- 453 ---------------------------
أقول : قد يكون عوف السلمي هذا خارجاً على الحكومة السورية ، وإن صحت روايته فهو قبل السفياني بمدة غير طويلة . أما الجزيرة التي هي مركز حركته فهي اسم لمنطقة عند الحدود العراقية السورية ، فهذا هو المعنى المفهوم للجزيرة في كتب التاريخ والحديث عندما تطلق بدون إضافة . وتسمى أيضاً جزيرة ربيعة ولا يفهم منها جزيرة العرب إلا بإضافة . والظاهر أن معنى مأواه تكريت أنها ملجأه في فراره ، ويؤيد ذلك أنها قريبة من مركز حركته في الجزيرة .
والموجود في البحار وغيبة الطوسي « تكريت » فيكون ما ورد في بعض النسخ بدلها « ومأواه بكريت أو بكويت » مصحفاً عن تكريت . وتنص الرواية على أنه يقتل بعدها في مسجد دمشق ، فيكون خروجه من أحداث بلاد الشام ، وله صلة بالعراق .
أزمة الجوع والخوف والقتل قبيل ظهوره عليه السلام
في مسند أحمد : 2 / 262 ، عن أبي هريرة : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : منعت العراق قفيزها ودرهمها ، ومنعت الشام مدها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم ! وقال : يشهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه ، قال أبو عبد الرحمن : سمعت يحيى بن معين ، وذكر أبا كامل فقال : كنت آخذ منه ذا الشأن ، وكان أبو كامل بغدادياً من الأمناء » .
وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي : 2 / 386 : « عن أبي نضرة قال : كنا عند جابر بن عبد الله فقال : يوشك أهل العراق أن لايجبى إليهم قفيز ولا درهم ، قلنا : من أين ذلك ؟ قال : من قبل العجم يُمنعون ذاك . ثم قال : يوشك أهل الشام أن لايجبى إليهم دينار ولا مد . قلنا : من أين ذاك ؟ قال : من قبل الروم » .
وفي السنن في الفتن : 6 / 1118 : « عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مَنَعت العراق درهمها وقفيزها ، ومَنَعت الشام مدها ودينارها ، ومَنَعت مصر إردبَّها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم ! ثلاث مرات » . انتهى .
ومعناه أنه ستحدث أزمة اقتصادية على العرب ، فتمنع وصول المواد التموينية من العراق والشام ومصر إلى الحجاز ، ويرجع المسلمون إلى فقرهم قبل الإسلام . وإذا صحَّ الحديث فهو
--------------------------- 454 ---------------------------
يتكلم عن مصادر تموين الحجاز في ذلك العصر ! وليس فيه ربط بالإمام المهدي عليه السلام ولعل سبب ربطهم به أنه ورد في رواية مسلم وأحمد في كلام جابر ، ثم تكلم بعده عن الإمام المهدي عليه السلام . قال أحمد في مسنده : 3 / 316 : « عن أبي نضرة قال : كنا عند جابر بن عبد الله قال : يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم ، قلنا : من أين ذاك ؟ قال : من قبل العجم يمنعون ذلك . ثم قال : يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مد ، قلنا : من أين ذاك ؟ قال : من قبل الروم يمنعون ذاك . قال : ثم أمسك هنيهة ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يكون في آخر أمتي خليفة يحثو المال حثواً لا يعده عداً . قال الجريري فقلت لأبي نضرة وأبي العلاء : أتريانه عمر بن عبد العزيز ؟ فقالا : لا » . ومثله في مسلم : 8 / 185 . لكن لا دليل فيه على ارتباط بالمهدي عليه السلام !
على أن الحاكم رواه « 4 / 454 » بدون ذكر المهدي عليه السلام وفي آخره : « والذي نفسي بيده ليعودن الأمر كما بدأ ، ليعودن كل إيمان إلى المدينة كما بدأ منها ، حتى يكون كل إيمان بالمدينة . »
لكن مصادرنا روت هذه الأزمة بشكل آخر ، ففي النعماني / 251 ، والعياشي : 1 / 68 ، عن الثمالي قال : « سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَئْ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ قال : ذلك جوع خاص وجوع عام ، فأما بالشام فإنه عام ، وأما الخاص بالكوفة يخص ولا يعم ، ولكنه يخص بالكوفة أعداء آل محمد فيهلكهم الله بالجوع . وأما الخوف فإنه عام بالشام وذاك الخوف إذا قام القائم ، وأما الجوع فقبل قيام القائم عليه السلام ، وذلك قوله : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَئْ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ » .
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال : « يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء ، وحمرة تجلل السماء وخسف ببغداد ، وخسف ببلدة البصرة ، ودماء تسفك بها ، وخراب دورها وفناء يقع في أهلها . وشمول أهل العراق خوف لا يكون معه قرار » .
وفي كمال الدين : 2 / 649 : « عن الإمام الصادق عليه السلام قال : إن قدام القائم علامات تكون من الله عز وجل للمؤمنين ، قلت : ما هي جعلني الله فداك ؟ قال : ذلك قول الله عز وجل : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ : يعني المؤمنين قبل خروج القائم عليه السلام بِشَئْ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ : قال : يبلوهم بشئ من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم ، والجوع بغلاء أسعارهم . وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ : قال : كساد التجارات وقلة الفضل . ونقص من الأنفس ، قال : موت ذريع . ونقص من الثمرات قال : قلة ريع ما يزرع .
--------------------------- 455 ---------------------------
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ عند ذلك بتعجيل خروج القائم عليه السلام . ثم قال لي : يا محمد هنا تأويله إن الله تعالى يقول : وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ » .
وفي النعماني / 250 : « عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لابد أن يكون قدام القائم سنة يجوع فيها الناس ويصيبهم خوف شديد من القتل ، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، فإن ذلك في كتاب الله لبين ، ثم تلا هذه الآية : نَبْلُوَنَّكُمْ بِشَئْ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ » .
ومعنى اختصاص الجوع بأعداء أهل البيت عليهم السلام في العراق ، أنه تكون أزمة ، تعاني منها مناطق من العراق دون مناطق . ومعنى قدام القائم عليه السلام : قريب ظهوره .
نزول قوات الروم الغربية في العراق
في غيبة الطوسي / 278 : « عن عمار بن ياسر أنه قال : إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان ولها أمارات ، فإذا رأيتم فالزموا الأرض وكفوا حتى تجئ أماراتها ، فإذا استثارت عليكم الروم والترك وجهزت الجيوش ، ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال ، واستخلف بعده رجل صحيح فيخلع بعد سنين من بيعته ، ويأتي هلاك ملكهم من حيث بدأ ، ويتخالف الترك والروم وتكثر الحروب في الأرض ، وينادي مناد من سور دمشق : ويل لأهل الأرض من شر قد اقترب ، ويخسف بغربي مسجدها حتى يخرحائطها . ويظهر ثلاثة نفر بالشام كلهم يطلب الملك : رجل أبقع ورجل أصهب ، ورجل من أهل بيت أبي سفيان ، يخرج في كلب ويحصر الناس بدمشق ، ويخرج أهل الغرب إلى مصر ، فإذا دخلوا فتلك أمارة السفياني ، ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد عليهم السلام .
وتنزل الترك الحيرة وتنزل الروم فلسطين ، ويسبق عبدُ الله عبدَ الله حتى يلتقي جنودهما بقرقيسيا على النهر ، ويكون قتال عظيم ، ويسير صاحب المغرب فيقتل الرجال ويسبي النساء ، ثم يرجع في قيس حتى ينزل الجزيرة السفياني ، فيسبق اليماني ويحوز السفياني ما جمعوا . ثم يسير إلى الكوفة فيقتل أعوان آل محمد صلى الله عليه وآله ويقتل رجلاً من مسميهم . ثم يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح .
--------------------------- 456 ---------------------------
وإذا رأيتم أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن أبي سفيان ، فالحقوا بمكة ، فعند ذلك تقتل النفس الزكية وأخوه بمكة ضيعةً ، فينادي مناد من السماء : أيها الناس إن أميركم فلان ، وذلك هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » . انتهى .
ولم يسندوا كلام عمار إلى النبي صلى الله عليه وآله كما أن صحة السند إلى عمار محل إشكال . لكن مضامينه وردت في أحاديث مسندة وهو يدل على تحرك للروم والترك سنة الظهور . لأنه جعل تحركهما علامة للمهدي عليه السلام .
ومعنى : استثارت : تحركت من ذاتها على بلاد المسلمين طمعاً فيها . ومعنى : يتخالف الترك والروم ، أي في صراعهم على النفوذ والسيطرة بعد أن كانوا متحالفين . وتكثر الحروب في الأرض : أي في مناطقها المختلفة ، وهذا موجود في عصرنا وقبله ، فلا تكاد قارة تخلو من حرب أو أكثر ، وذلك بسبب استثارة الروم ، وتحريك اليهود وإشعالهم فتيل الحروب . ويظهر أن صاحب المغرب والقيسي واليماني قادة فئات مسلحة ، تشارك في الحرب في قرقيسيا .
هذا ، وعدَّ المفيد رحمه الله من علامات الظهور ربط خيل المغرب بفناء الحيرة ، أي يستقر جيشهم قرب الكوفة والنجف . في الإرشاد : 2 / 368 : « فيحتمل أن تكون هذه القوات الغربية قبل السفياني . أما رايات المشرق الخراسانية فهي التي تدخل مع قوات اليماني لنصرة المهدي عليه السلام في سنة ظهوره عليه السلام . وكذا بثق الفرات وفيضانه في الكوفة » .
هدم سور مسجد الكوفة
وقد عدَّه المفيد رحمه الله في علامات الظهور ، ورواه النعماني / 276 : « عن خالد القلانسي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا هدم حائط مسجد الكوفة من مؤخره مما يلي دار ابن مسعود ، فعند ذلك زوال ملك بني فلان ، أما إن هادمه لا يبنيه » .
وفي غيبة الطوسي / 283 : « حتى انتهى « أمير المؤمنين عليه السلام » إلى مسجد الكوفة وكان مبنياً بخزف ودنان وطين فقال : ويل لمن هدمك ، وويل لمن سهَّل هدمك ، وويل لبانيك بالمطبوخ ، المغير قبلة نوح ، طوبى لمن شهد هدمك مع قائم أهل بيتي ، أولئك خيار الأمة مع أبرار العترة » .
--------------------------- 457 ---------------------------
أقول : هذه العلامة صريحة باتصالها بظهور الإمام صلوات الله عليه ، نعم قد يناقش في وقت هدم جدار المسجد وهل هو في سنة الظهور أم قبلها بسنوات ؟
قوات السفياني أو القوات السورية في العراق
يرسل السفياني حاكم سوريا قوة عسكرية إلى الحجازوأخرى إلى العراق ، وتسمى في الأحاديث جيش السفياني ، يعني الجيش السوري المنتدب لحفظ الأمن في المدينة المنورة ، وشبيهه في العراق ، ولا تذكر الروايات من الذي ينتدبه ، ولعلها الدول الكبرى !
وأحاديث هذين الجيشين كثيرة في مصادر الطرفين ، تتحدث عن خبرهما ، ويعرف جيشه الذي يرسله إلى الحجاز بجيش الخسف ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وقف في مكان وأخبرعنه وقال سيخسف به هنا ، ونزلت فيه آية .
أما وقت دخول جيش السفياني إلى المدينة والعراق ، فتذكر بعض الروايات أنه في رمضان بعد حكم السفياني لسوريا في رجب .
روى النعماني / 306 : « عن يونس بن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إذا خرج السفياني يبعث جيشاً إلينا وجيشاً إليكم ، فإذا كان كذلك ، فأتونا على كل صعب وذلول » .
ولا يعني ذلك أن السفياني يحكم العراق ، ولا أنه يجب على المؤمنين أن يتركوا له الساحة ، بل هو توجيه لبعض أصحابهم الخاصين أن يغادروا العراق إلى الحجاز لنصرة الإمام المهدي عليه السلام .
وفي تفسير القمي : 2 / 205 : « فإذا جاء إلى البيداء يخرج إليه جيش السفياني فيأمر الله الأرض فتأخذ أقدامهم ، وهو قوله : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيب : يعني بالقائم من آل محمد عليهم السلام . وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ » .
وقد حاول رواة السلطة تحريف جيش السفياني بتضخيمه ونسج الكذب عليه ، كما في رواية ابن حماد : 1 / 291 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام ، فتكون بينهم ملحمة عظيمة ، ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون فيقاتلهما جميعاً ، فيظهر عليهما جميعاً ، ثم يسير إليهم منصوراليماني من صنعاء بجنوده ، وله فورة شديدة يستقل الناس قبل الجاهلية ، فيلتقي هو والأخوص وراياتهم صفر وثيابهم ملونة ، فيكون بينهما قتال شديد ،
--------------------------- 458 ---------------------------
ثم يظهر الأخوص السفياني عليه ، ثم يظهر الروم وخروج إلى الشام ، ثم يظهر الأخوص ، ثم يظهر الكندي في شارة حسنة ، فإذا بلغ تل سما فأقبل ثم يسير إلى العراق . وترفع قبل ذلك اثنتا عشرة راية بالكوفة معروفة منسوبة ، ويقتل بالكوفة رجل من ولد الحسن أو الحسين ، يدعو إلى أبيه ، ويظهر رجل من الموالي ، فإذا استبان أمره وأسرف في القتل قتله السفياني » .
والحشو في هذه الرواية ظاهر ، وأمثالها كثير !
الزرقاوي هو صاحب السفياني ؟
غيبة الطوسي / 273 ، و 450 : « عن عمر بن أبان الكلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كأني بالسفياني أو بصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة ، فنادى مناديه : من جاء برأس شيعة عليٍّ فله ألف درهم ، فيثب الجارعلى جاره ويقول : هذا منهم ، فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم ! أما إن إمارتكم يومئذ لا تكون إلا لأولاد البغايا ، وكأني أنظر إلى صاحب البرقع ! قلت : ومن صاحب البرقع ؟ فقال : رجل منكم يقول بقولكم ، يلبس البرقع فيحوشكم فيعرفكم ولاتعرفونه ، فيغمز بكم رجلاً رجلاً ، أما إنه لا يكون إلا ابن بغي » !
وبهامشه : « في البحار ونسخ خطية من غيبة الطوسي : بصاحب السفياني » .
أقول : معنى صاحب السفياني أنه مقدمة له في عمله ضد أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم ، ولا يلزم أن يكون زمن خروجه متصلاً بخروج السفياني ، فقد يكون قبله بفترة ، فيمكن انطباقه على الزرقاوي ، لأنه أعطى على رأس الشيعي ألف دولار ! ويؤيده الحديث الصحيح بأنه يخرج قبل السفياني مقدمة له مصري ويماني فيمكن انطباقه على الظواهري المصري وابن لادن اليماني .
ضعف رواية دخول جيش السفياني إلى إيران
قال ابن حماد : 1 / 308 : « عن أرطاة قال : يدخل السفياني الكوفة فيسبيها ثلاثة أيام ويقتل من أهلها ستين ألفاً ، ثم يمكث فيها ثماني عشرة ليلة ، يقسم أموالها . ودخوله مكة بعد ما يقاتل الترك والروم بقرقيسيا . . وتقبل الرايات السود حتى تنزل على الماء ، فيبلغ من بالكوفة من أصحاب السفياني نزولهم فيهربون ، ثم ينزل الكوفة حتى يستنقذ من فيها من بني هاشم .
--------------------------- 459 ---------------------------
ويخرج قوم من سواد الكوفة يقال لهم العُصب ، ليس معهم سلاح إلا قليل ، وفيهم نفر من أهل البصرة فيدركون أصحاب السفياني فيستنقذون ما في أيديهم من سبي الكوفة . وتبعث الرايات السود بالبيعة إلى المهدي » .
وروى ابن حماد : 1 / 321 : « ، شبيها بحشو هذه الرواية عن شريح بن عبيد ، وراشد بن سعد ، وضمرة بن حبيب ، ومشايخهم قالوا : يبعث السفياني خيله وجنوده ، فيبلغ عامة الشرق من أرض خراسان وأرض فارس . . » .
وهذه كما ترى أقوال أشخاص وفيها تهافت ، فلا يمكن الأخذ بها ، وهي تعكس أمنيات أتباع بني أمية أن تحتل قواتهم خراسان والعراق !
ضعف رواية معركة إصطخر قرب الأهواز
ابن حماد : 1 / 302 : « عن أبي رومان ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة بعث في طلب أهل خراسان ، ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي فيلتقي هو والهاشمي برايات سود ، على مقدمته شعيب بن صالح ، فيلتقي هو وأصحاب السفياني بباب إصطخر ، فتكون بينهم ملحمة عظيمة فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني ، فعند ذلك يتمنى الناس المهدي ويطلبونه . ومثل ذلك قوله : يلتقي السفياني والرايات السود ، فيهم شاب من بني هاشم في كفه اليسرى خال ، وعلى مقدمته رجل من بني تميم يقال له شعيب بن صالح بباب إصطخر ، فتكون بينهم ملحمة » .
أقول : قد أكثر ابن حماد من روايات أقوال رواته الأمويين بدون سند ، في تضخيم جيش السفياني ، وزعموا أنه يسيطر على العراق ويدخل خراسان . ولا يمكن قبول هذه الرواة لأنها مرسلة مقطوعة ، ومهمة جيش السفياني محدودة بحفظ الأمن في المدينة وفي منطقة من العراق .
وروى في مختصر البصائر / 199 : رواية سماها خطبة المخزون ، فيها تضخيم لدور السفياني في العراق كمراسيل ابن حماد وأقاويل رواته ، وذكر فيها أن السفياني يقصد الكوفة بجيشه البالغ مئة وثمانين ألفاً ، ويقتل سبعين ألفاً . وهذا من أمنيات الأمويين وخيالاتهم . ولا يمكن قبول ذلك .
--------------------------- 460 ---------------------------
يفتح الإمام المهدي عليه السلام العراق ويتخذه عاصمة له
وأحاديثه كثيرة في مصادر الجميع ، وأنه يحرر العراق من بقايا قوات السفياني ومجموعات الخوارج ، ويتخذه قاعدة له وعاصمة لدولته . ولم أجد تحديداً دقيقاً لوقت دخوله عليه السلام إلى العراق ، لكنه يكون بعد بضعة شهور من ظهوره المقدس في مكة ، وتحرير الحجاز كله . وتصف بعض الروايات دخوله إلى العراق جواً وكأنه بسرب من الطائرات !
فعن الإمام الباقر عليه السلام : « ينزل القائم يوم الرجفة بسبع قباب من نور لا يعلم في أيها هو ، حتى ينزل ظهر الكوفة . وفي رواية : إنه نازل في قباب من نور حين ينزل بظهر الكوفة على الفاروق ، فهذا حين ينزل » . « تفسير العياشي : 1 / 103 » .
وتقدم في فصل أصحابه عليه السلام أن قواته تدخل إلى العراق مشياً :
« قال أبو جعفر عليه السلام : إذا قام القائم بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه : ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً ، ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وَقْرُ بعير ، ولا ينزل منزلاً إلا انبعث عين منه ، فمن كان جائعاً شبع ، ومن كان ظمآناً روي ، فهو زادهم حتى نزلوا النجف من ظهر الكوفة » .
« ويحمل معه حجر موسى بن عمران الذي انبجست منه اثنتا عشرة عيناً ، فلا ينزل منزلاً إلا نصبه فانبعثت منه العيون . . انبعث منه الماء واللبن دائماً ، فمن كان جائعاً شبع ، ومن كان عطشاناً رُوي » . « البصائر 188 / «
فهو يرسل جيشه براً بقيادة أحد أصحابه ، ويدخل هو عليه السلام جواً في سبع قباب من نور .
وفي البحار : 52 / 387 : « عن علي بن الحسين عليه السلام قال : يقتل القائم عليه السلام من أهل المدينة حتى ينتهي إلى الأجفر « مكان بين المدينة والعراق » ويصيبهم مجاعة شديدة ، قال : فيصبحون وقد نبتت لهم ثمرة يأكلون منها ويتزودون منها ، وهو قوله تعالى شأنه : وَآيَةٌ لَهُمُ الأرض الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ، ثم يسير حتى ينتهي إلى القادسية ، وقد اجتمع الناس بالكوفة وبايعوا السفياني » .
أقول : يشكل على هذه الرواية بأن الإمام عليه السلام يذهب إلى العراق جواً ، وجيشه يكون معهم حجر موسى عليه السلام . ، إلا أن يأتي الامام إلى ذلك المكان بعد دخوله العراق .
--------------------------- 461 ---------------------------
يدخل العراق وفيه ثلاث رايات قد اضطربت فيما بينها
تذكر الأحاديث أنه يدخل الكوفة ، أي العراق ، وفيه ثلاث اتجاهات متضاربة وهي الاتجاه المؤيد له عليه السلام والبترية والخوارج . فعن عمرو بن شمر عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « ذُكر المهدي عليه السلام فقال : يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له . ويدخل حتى يأتي المنبر فلا يدري الناس ما يقول من البكاء ، فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلي بهم يوم الجمعة ، فيأمر أن يخط له مسجد على الغري ويصلي بهم هناك ، ثم يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين عليه السلام نهراً يجري إلى الغريين ، حتى ينزل الماء في النجف ، ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء ، فكأني بالعجوز على رأسها مكتل فيه بُر ، تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كرى » . « الإرشاد للمفيد / 362 » .
أقول : هذه الصورة للمرأة تطحن حنطتها مجاناً في مطاحن نهر الفرات ، صورة من عصر الإمام الباقر عليه السلام ، وإذا صحت الرواية فهو يريد تقريب المعنى بصورة من عصره .
وفي غيبة الطوسي / 280 : « عن ثابت ، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل جاء فيه قوله عليه السلام : يدخل المهدي الكوفة . . ويخطب ولا يدري الناس ما يقول من البكاء ! وهو قول رسول الله صلى الله عليه وآله كأني بالحسني والحسيني وقد قاداها فيسلمها إلى الحسيني فيبايعونه ، فإذا كانت الجمعة الثانية قال الناس : يا ابن رسول الله الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وآله والمسجد لا يسعنا ، فيقول : أنا مرتادٌ لكم ، فيخرج إلى الغري فيخط مسجداً له ألف باب يسع الناس ، عليه أصيص ، ويبعث فيحفر من خلف قبر الحسين عليه السلام لهم نهراً يجري إلى الغريين حتى ينبذ في النجف ، ويعمل على فوهته قناطر وأرحاء في السبيل ، وكأني بالعجوز وعلى رأسها مكتل فيه بر حتى تطحنه بلا كراء » .
وفي البحار : 100 / 385 ، عن كتاب الفضل بن شاذان : فيجري خلف قبر الحسين عليه السلام نهراً يجري إلى الغري حتى يجري في النجف » . الخ . والبناء الأصيص : المحكم .
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « يبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب ، وتتصل بيوت الكوفة بنهري كربلاء والحيرة ، حتى يخرج الرجل على بغلة سفواء يريد الجمعة فلا يدركها » . « الغيبة للطوسي / 280 » . والسفواء : الخفيفة السريعة ، أي يركب وسيلة خفيفة سريعة فلا
--------------------------- 462 ---------------------------
يدرك صلاة الجمعة ، لأنه لا يجد محلاً فارغاً للصلاة .
وفي أمالي الصدوق / 189 مجلس / 40 : « عن الأصبغ بن نباتة قال : بينا نحن ذات يوم حول أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة إذ قال : يا أهل الكوفة لقد حباكم الله عز وجل بما لم يحب به أحداً ، ففضل مصلاكم وهو بيت آدم وبيت نوح وبيت إدريس ومصلى إبراهيم الخليل ومصلى أخي الخضر ومصلاي . وإن مسجدكم هذا أحد الأربعة المساجد التي اختارها الله عز وجل لأهلها ، وكأني به يوم القيامة في ثوبين أبيضين ، شبيه بالمحرم يشفع لأهله ولمن صلى فيه فلا ترد شفاعته . ولا تذهب الأيام حتى ينصب فيه الحجر الأسود . وليأتين عليه زمان يكون مصلى المهدي من ولدي ، ومصلى كل مؤمن ، ولا يبقى على الأرض مؤمن إلا كان به أو حن قلبه إليه ، فلا تهجروه وتقربوا إلى الله عز وجل بالصلاة فيه ، وارغبوا إليه في قضاء حوائجكم ، فلو يعلم الناس ما فيه من البركة لأتوه من أقطار الأرض ولو حبواً على الثلج » .
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج : 10 / 13 : « ومن عجيب ما وقفت عليه من ذلك قوله في الخطبة التي يذكر فيها الملاحم ، وهو يشير إلى القرامطة : ينتحلون لنا الحب والهوى ويضمرون لنا البغض والقلى ، وآية ذلك قتلهم وراثنا وهجرهم أحداثنا ! وصح ما أخبر به لأن القرامطة قتلت من آل أبي طالب عليه السلام خلقاً كثيراً .
وفي هذه الخطبة قال وهو يشير إلى السارية التي كان يستند إليها في مسجد الكوفة : كأني بالحجر الأسود منصوباً هاهنا ، ويحهم إن فضيلته ليست في نفسه بل في موضعه وأسه ، يمكث ها هنا برهةً ثم ها هنا برهة ، وأشار إلى البحرين ، ثم يعود إلى مأواه وأم مثواه ! ووقع الأمر في الحجر الأسود بموجب ما أخبر به » .
ينزل الإمام عليه السلام في النجف أولاً
تذكر الأحاديث أن الإمام المهدي عليه السلام عندما يدخل العراق ، يدخل إلى النجف ، ثم يتجه إلى مسجد السهلة ، وقد أوردنا في الفصل الثاني عشر حديث كامل الزيارات / 119 ، والعياشي : 2 / 56 ، في نصره عليه السلام بالملائكة .
وفي البحار : 52 / 308 : « عن الكابلي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : يُبايع القائم بمكة على كتاب الله
--------------------------- 463 ---------------------------
وسنة رسوله ، ويستعمل على مكة ، ثم يسير نحو المدينة فيبلغه أن عامله قتل ، فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة ولا يزيد على ذلك . ثم ينطلق فيدعو الناس بين المسجدين إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله والولاية لعلي بن أبي طالب والبراءة من عدوه ، حتى يبلغ البيداء فيخرج إليه جيش السفياني فيخسف الله بهم .
وفي خبر آخر : يخرج إلى المدينة فيقيم بها ما شاء ، ثم يخرج إلى الكوفة ويستعمل عليها رجلاً من أصحابه ، فإذا نزل الشفرة جاءهم كتاب السفياني إن لم تقتلوه لأقتلنَّ مقاتليكم ولأسبينَّ ذراريكم ، فيقبلون على عامله فيقتلونه ، فيأتيه الخبر فيرجع إليهم فيقتلهم ويقتل قريشاً حتى لا يبقى منهم إلا أكلة كبش ، ثم يخرج إلى الكوفة ، ويستعمل رجلاً من أصحابه ، فيقبل وينزل النجف » .
وفي دلائل الإمامة / 243 : « عن أمير المؤمنين عليه السلام : كأنني به قد عبر من وادي السلام إلى مسجد السهلة ، على فرس محجل له شمراخٌ يزهر ، ويدعو ويقول في دعائه : لا إله إلا الله حقاً حقاً ، لا إله إلا الله إيماناً وصدقاً ، لا إله إلا الله تعبداً ورقاً ، اللهم معين كل مؤمن وحيد ، ومذل كل جبار عنيد ، أنت كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق عليَّ الأرض بما رحبت ، اللهم خلقتني وكنت عن خلقي غنياً ، ولولا نصرك إياي لكنت من المغلوبين . يا مُبَعْثِرَ الرحمة من مواضعها ، ومخرج البركات من معادنها ، ويا من خص نفسه بشموخ الرفعة فأولياؤه بعزه يتعززون ، يامن وضعت له الملوك نير المذلة على أعناقها فهم من سطوته خائفون ، أسألك باسمك الذي قصرت عنه خلقك فكل لك مذعنون ، أسألك أن تصلي على محمد وعلى آل محمد ، وأن تنجز لي أمري ، وتعجل لي الفرج ، وتكفيني وتعافيني ، وتقضي حوائجي ، الساعة الساعة الليلة الليلة ، إنك على كل شئ قدير » .
وفي تفسير العياشي : 1 / 103 ، والنعماني / 308 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : يا أبا حمزة كأني بقائم أهل بيتي قد علا نجفكم ، فإذا علا فوق نجفكم نشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله ، فإذا نشرها انحطت عليه ملائكة بدر . قلت : وما راية رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : عمودها من عمد عرش الله ورحمته ، وسايرها من نصر الله ، لايهوي بها إلى شئ إلا أهلكه الله ! قلت : فمخبوءة عندكم حتى يقوم القائم عليه السلام أم يؤتى بها ؟ قال : لا بل يؤتى بها ، قلت : من يأتيه بها ؟ قال : جبرئيل عليه السلام » .
--------------------------- 464 ---------------------------
وفي أمالي المفيد / 45 : « عن أبي خالد الكابلي قال : قال لي علي بن الحسين عليه السلام : يا أبا خالد لتأتين فتن كقطع الليل المظلم لا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه ، أولئك مصابيح الهدى وينابيع العلم ، ينجيهم الله من كل فتنة مظلمة . كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان ، في ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً ، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله ، وإسرافيل أمامه ، معه راية رسول الله صلى الله عليه وآله قد نشرها ، لايهوي بها إلى قوم إلا أهلكهم الله عز وجل » .
وفي الإرشاد / 362 : « عن أبي جعفر عليه السلام : كأني بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة ، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله والمؤمنون بين يديه ، وهو يفرق الجنود في البلاد » .
وفي غيبة الطوسي / 275 : « عن أبي جعفر عليه السلام : إذا دخل القائم الكوفة لم يبق مؤمن إلا وهو بها أو يجئ « يحنُّ » إليها .
ملاحظات
أولاً : يلفتنا في أحاديث العراق أن الإمام عليه السلام يدخله في سبع قباب من نور كأنه سرب طائرات . ويرسل جيشه مشياً ومعهم حجر موسى عليه السلام ، وهومعجزة لتموينهم .
ثانياً : يظهرعلى العالم بأجهزة جديدة ، ومعجزات ! ففي حديث كامل الزيارات الصحيح / 119 قال الإمام الصادق عليه السلام : « كأني بالقائم على نجف الكوفة ، وقد لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله فينتفض هو بها فتستديرعليه فيغُشِّيها بحداجة من إستبرق ، ويركب فرساً أدهم بين عينيه شمراخ ، فينتفض به انتفاضة لا يبقى أهل بلد إلا وهم يرون أنه معهم في بلادهم ، فينشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله ، عمودها من عمود العرش وسائرها من نصر الله ، لا يهوي بها إلى شئ أبداً إلا هتكه الله ، فإذا هزها لم يبق مؤمن إلا صار قلبه كزبر الحديد » .
وتقدمت الرواية في أن راية النبي صلى الله عليه وآله نُشرت آخر مرة في حرب الجمل بالبصرة ، ثم شاء الله تعالى أن يكون نشرها بيد المهدي عليه السلام عند قبرأميرالمؤمنين عليه السلام ، ومعها ملائكتها ، ووسائل قوة ربانية !
وذكرت بعض الروايات أن الإمام عليه السلام يستخرج أسلحة وتجهيزات له من أرض النجف والكوفة ، أو يؤتى له بها إلى هناك ! ففي ملاحم ابن المنادي / 64 ، أن أمير المؤمنين عليه السلام قال :
--------------------------- 465 ---------------------------
« وإني لأعلم إلى من تُخرج الأرض ودايعها ، وتسلم إليه خزائنها ، ولو شئت أن أضرب برجلي فأقول أخرجوا من هاهنا بيضاً ودروعاً » ! أي خوذاً ، وآلات حرب .
وفي الإختصاص / 334 : « عن الإمام الصادق عليه السلام قال : إذا قام القائم أتى رحبة الكوفة فقال برجله هكذا ، وأومأ بيده إلى موضع ، ثم قال : إحفروا هاهنا فيحفرون فيستخرجون اثني عشر ألف درع ، واثني عشر ألف سيف ، واثني عشر ألف بيضة ، لكل بيضة وجهان ، ثم يدعو اثني عشر ألف رجل من الموالي من العرب والعجم فيلبسهم ذلك ، ثم يقول : [ إذهبوا ] من لم يكن عليه مثل ما عليكم فاقتلوه » .
وسيأتي في خبر الخوارج البترية أن أمير المؤمنين عليه السلام : « خرج يمشي حتى انتهى إلى باب قصر الإمارة بالكوفة ، فركض رجله فتزلزلت الأرض ، ثم قال : أما والله لقد علمت ما هاهنا ، أما والله لو قد قام قائمنا لأخرج من هذا الموضع اثني عشر ألف درع واثني عشر ألف بيضة ، لها وجهان ، ثم ألبسها اثني عشر ألف رجلاً من ولد العجم ، ثم ليأمرهم ليقتلن كل من كان على خلاف ما هم عليه ، وإني أعلم ذلك وأراه كما أعلم هذا اليوم » .
وذكرت الروايات أن الإمام عليه السلام يرسل هؤلاء الاثني عشر ألفاً إلى مدينة فيها الخوارج ، ويقول لهم : من لم يكن لابساً مثلكم فاقتلوه . وهذه الأسلحة والتجهيزات كرامة إلهية ، وقد تكون للإمام عليه السلام مصانع للأسلحة ، ويكون خبأها هناك .
ثالثاً : وصفت الأحاديث ناراً تقع بالكوفة عند ظهورالمهدي عليه السلام ، وقد تكون ناراً حقيقية أو تعبيراً عن قوة عسكرية تضرب أعداءه عليه السلام . ففي غيبة النعماني / 272 ، عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى : سَأل سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاِقع ، قال : « تأويلها فيما يأتي : عذاب يقع في الثوية يعني ناراً حتى ينتهي إلى الكناسة كناسة بني أسد حتى تمر بثقيف ، لا تدع وتراً لآل محمد إلا أحرقت ، وذلك قبل خروج القائم عليه السلام » . وعنه عليه السلام « الكافي : 8 / 206 » في قوله تعالى : بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ، قال : قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم ، فلايدعون وتراً لآل محمد صلى الله عليه وآله إلا قتلوه » .
وروى القمي في تفسيره « 2 / 385 » : « سئل أبو جعفر عليه السلام عن معنى سَأَلَ سَائِلٌ . . فقال : نار تخرج من المغرب ، وملك يسوقها من خلفها حتى تأتي دار بني سعد بن همام عند مسجدهم ، فلا تدع
--------------------------- 466 ---------------------------
داراً لبني أمية إلا أحرقتها وأهلها ولا داراً فيها وتر لآل محمد إلا أحرقتها ، وذلك المهدي عليه السلام » .
أقول : إن صحت هذه الروايات فالمرجح أن تلك النار والأحداث على أعدائه تكون قرب دخوله إلى العراق . أما دار سعد بن همام فمحلة بالكوفة ، ففي تاريخ الكوفة / 454 ، والفوائد الرجالية : 1 / 229 : « جمع من روى الحديث من آل أعين فكانوا ستين رجلاً . وحدثني أبو جعفر أحمد بن محمد بن لاحق الشيباني عن مشايخه : أن بني أعين بقوا أربعين سنة أربعين رجلاً لا يموت منهم رجل إلا ولد فيهم غلام ، وهم على ذلك يستولون على دور بني شيبان في خطة بني سعد بن همام ، ولهم مسجد الخطة يصلون فيه ، وقد دخله سيدنا أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام وصلى فيه » .
وسعد هذا يروي عن أبي هريرة « التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي : 1 / 425 » . ودار سعد قد تكون هنا رمزاً لأعداء الإمام المهدي ، لأنهم مضرب المثل في الشر ! قال في خزانة الأدب « 7 / 415 » : « وسمير وعبد الله وعمرو ، أولاد سعد بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان ، وهم سيارة مَرَدَة ، ليس يأتون على شئ إلا أفسدوه » .
وروى النعماني في الغيبة / 279 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : يا جابر لا يظهر القائم حتى يشمل الناس بالشام فتنة يطلبون المخرج منها فلا يجدونه ، ويكون قتل بين الكوفة والحيرة قتلاهم على سواء ، وينادي مناد من السماء » .
وإن صحت الرواية فهي من أحداث العراق المتزامنة مع فتنة الشام أو بعدها .
الإمام المهدي عليه السلام هو الآخذ بثأر الحسين عليه السلام
في كامل الزيارات / 336 : « عن الحلبي قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : لما قتل الحسين عليه السلام سمع أهلنا قائلاً يقول بالمدينة : اليوم نزل البلاء على هذه الأمة ، فلا ترون فرجاً حتى يقوم قائمكم فيشفي صدوركم ويقتل عدوكم ، وينال بالوتر أوتاراً » .
وفي كامل الزيارات / 63 : « عن محمد بن سنان ، عن رجل قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام في قوله تعالى : وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً ؟ قال : ذلك قائم آل محمد يخرج فيقتل بدم الحسين عليه السلام فلو قتل أهل الأرض لم يكن
--------------------------- 467 ---------------------------
مسرفاً ، وقوله : فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ : لم يكن ليصنع شيئاً يكون سرفاً . ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : يقتل والله ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها » .
الكافي : 1 / 465 : « عن محمد بن حمران قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لما كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان ، ضجت الملائكة إلى الله بالبكاء وقالت : يفعل هذا بالحسين صفيك وابن نبيك ؟ قال : فأقام الله لهم ظل القائم وقال : بهذا أنتقم لهذا » .
وفي الكافي : 1 / 534 : « عن كرَّام قال : حلفت فيما بيني وبين نفسي ألا آكل طعاماً بنهار أبداً حتى يقوم قائم آل محمد ، فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له : رجل من شيعتكم جعل لله عليه ألا يأكل طعاماً بنهار أبداً حتى يقوم قائم آل محمد ؟
قال : فصم إذاً يا كرام ولا تصم العيدين ولا ثلاثة التشريق ، ولا إذا كنت مسافراً ولا مريضاً ، فإن الحسين عليه السلام لما قتل عجَّت السماوات والأرض ومن عليهما والملائكة فقالوا : يا ربنا ائذن لنا في هلاك الخلق حتى نُجِدَّهم عن جديد الأرض بما استحلوا حرمتك وقتلوا صفوتك ! فأوحى الله إليهم : يا ملائكتي ويا سماواتي ويا أرضي أسكنوا ، ثم كشف حجاباً من الحجب فإذا خلفه محمد صلى الله عليه وآله واثنا عشر وصياً له ، وأخذ بيد فلان القائم من بينهم فقال : يا ملائكتي ويا سماواتي ويا أرضي ، بهذا أنتصر لهذا . قالها ثلاث مرات » .
وفي علل الشرايع / 160 : « عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام : يا ابن رسول الله لم سمي علي عليه السلام أمير المؤمنين وهو إسمٌ ما سمي به أحد قبله ، ولا يحل لأحد بعده ؟ قال : لأنه ميرة العلم يُمتار منه ولا يُمتار من أحد غيره . قال : فقلت : يا ابن رسول الله ، فلم سمي سيفه ذا الفقار ؟ فقال عليه السلام : لأنه ما ضرب به أحد من خلق الله إلا أفقره من هذه الدنيا من أهله وولده ، وأفقره في الآخرة من الجنة . قال : فقلت : يا ابن رسول الله فلستم كلكم قائمين بالحق ؟ قال : بلى . قلت : فلم سمي القائم قائماً ؟ قال : لما قتل جدي الحسين عليه السلام ضجت عليه الملائكة إلى الله تعالى بالبكاء والنحيب ، وقالوا : إلهنا وسيدنا أتغفل عمن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك ؟ فأوحى الله عز وجل إليهم : قروا ملائكتي فوعزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين . ثم كشف الله عز وجل عن الأئمة من ولد الحسين عليه السلام للملائكة فسَُّرت الملائكة بذلك ، فإذا أحدهم قائم يصلي
--------------------------- 468 ---------------------------
فقال الله عز وجل : بذلك القائم أنتقم منهم » .
وفي غيبة الطوسي / 115 : « عن الفضيل بن الزبير قال : سمعت زيد بن علي يقول : هذا المنتظر من ولد الحسين بن علي في ذرية الحسين وفي عقب الحسين عليه السلام . وهو المظلوم الذي قال الله تعالى : ومَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً : قال : وليه رجل من ذريته من عقبه ثم قرأ : وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ . . . فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ : قال : سلطانه حجته على جميع من خلق الله تعالى ، حتى يكون له الحجة على الناس ، ولا يكون لأحد عليه حجة » .
وفي تفسير القمي : 2 / 84 : « عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا : قال : إن العامة يقولون نزلت في رسول الله صلى الله عليه وآله لما أخرجته قريش من مكة ، وإنما هي للقائم عليه السلام إذا خرج يطلب بدم الحسين عليه السلام ، وهو قوله : نحن أولياء الدم وطلاب الدية » .
وفي مناقب آل أبي طالب : 4 / 85 : « عن الإمام زين العابدين عليه السلام في قصة قتل الملك الروماني ليحيى بن زكريا عليه السلام وكيف سلط الله عليهم من قتل منهم على دمه سبعين ألفاً ! جاء فيه قول الحسين عليه السلام : يا ولدي يا علي ، والله لا يسكن دمي حتى يبعث الله المهدي فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفاً » .
وفي تفسير العياشي : 2 / 290 : « عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً : قال : هو الحسين بن علي عليه السلام قتل مظلوماً ونحن أولياؤه ، والقائم منا إذا قام طلب بثأر الحسين فيَقتل حتى يقال قد أسرف في القتل . وقال : المقتول الحسين عليه السلام ووليه القائم ، والإسراف في القتل : أن يقتل غير قاتله . إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً : فإنه لا يذهب من الدنيا حتى ينتصر برجل من آل رسول الله صلى الله عليه وآله يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
وفي الكافي : 4 / 170 : « عن رزين قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لما ضُرب الحسين بن علي بالسيف فسقط ثم ابتدر ليقطع رأسه ، نادى مناد من بطنان العرش : ألا أيتها الأمة المتحيرة الضالة بعد نبيها ، لا وفقكم الله لأضحى ولا لفطر ! قال : ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : فلا جرم والله ما وفقوا ولا يوفقون حتى يثأر ثائر الحسين عليه السلام » .
--------------------------- 469 ---------------------------
تفسير فرات / 122 : « عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً : قال : سمى الله المهدي المنصور ، كما سمى أحمد محمداً ، وكما سمى عيسى المسيح عليه السلام » .
وفي تفسير القمي : 2 / 87 : « وَمَنْ عَاقَبَ : يعني رسول الله صلى الله عليه وآله بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ : يعني حسيناً أرادوا أن يقتلوه . ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ : يعني بالقائم من ولده » .
الخوارج على الإمام المهدي عليه السلام
تدل الأحاديث على أن الحركات المضادة للإمام عليه السلام هم جماعة السفياني والبترية ، وأنه عليه السلام يستعمل معهم الشدة تنفيذاً لعهد جده صلى الله عليه وآله . . ففي النعماني / 231 : « عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له : صالحٌ من الصالحين سَمِّه لي أريد القائم عليه السلام ، فقال : اسمه اسمي ، قلت : أيسير بسيرة محمد صلى الله عليه وآله ؟ قال : هيهات هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته ! قلت : جعلت فداك لمَ ؟ قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله سار في أمته بالمنِّ كان يتألف الناس ، والقائم يسير بالقتل ، بذاك أمر في الكتاب الذي معه ، أن يسير بالقتل ولايستتيب أحداً ، ويلٌ لمن ناواه » . وفي النعماني / 169 : « عن عبد الله بن عطاء قال : قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام : أخبرني عن القائم عليه السلام ، فقال : والله ما هو أنا ، ولا الذي تمدون إليه أعناقكم . لا تعرف ولادته . قلت : بما يسير ؟ قال : بما سار به رسول الله صلى الله عليه وآله هَدَرَ ما قبله واستقبل » .
وفي النعماني / 299 : « عن يعقوب السراج قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ثلاث عشرة مدينة وطائفة ، يحارب القائم أهلها ويحاربونه : أهل مكة ، وأهل المدينة ، وأهل الشام ، وبنو أمية ، وأهل البصرة ، وأهل دست ميسان ، والأكراد ، والأعراب ، وضبة ، وغنى ، وباهلة ، وأزد ، وأهل الري » .
وقد يكون المعنى أن أعداء الإمام عليه السلام يكونون كأهل هذه البلاد في ذلك العصر ، حيث كانوا أعداء لأهل البيت عليهم السلام .
--------------------------- 470 ---------------------------
البتريون أول الخوارج على الإمام عليه السلام
أول خارجة على الإمام المهدي عليه السلام في العراق ، البترية الذين يقولون نتولى أهل البيت عليهم السلام ولا نتبرأ من ظالميهم !
ففي دلائل الإمامة / 241 : « عن أبي الجارود أنه سأل الإمام الباقر عليه السلام : متى يقوم قائمكم ؟ قال : يا أبا الجارود لاتدركون ! فقلت : أهل زمانه ؟ فقال : ولن تدرك أهل زمانه ! يقوم قائمنا بالحق بعد إياس من الشيعة ، يدعو الناس ثلاثاً فلا يجيبه أحد ، فإذا كان اليوم الرابع تعلق بأستار الكعبة فقال : يا رب انصرني ، ودعوته لا تسقط ، فيقول تبارك وتعالى للملائكة الذين نصروا رسول الله يوم بدر ولم يحطوا سروجهم ولم يضعوا أسلحتهم فيبايعونه ، ثم يبايعه من الناس ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ! يسير إلى المدينة فيسير الناس ، ويسير إلى الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية شاكين في السلاح ، قراء القرآن ، فقهاء في الدين ، قد قرحوا جباههم وشمروا ثيابهم ، وعمهم النفاق ، وكلهم يقولون : يا ابن فاطمة إرجع لا حاجة لنا فيك ، فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الاثنين من العصر إلى العشاء ، فيقتلهم أسرع من جزر جزور ، فلا يفوت منهم رجل ، ولا يصاب من أصحابه أحد ، دماؤهم قربان إلى الله .
ثم يدخل الكوفة فيقتل مقاتليها حتى يرضى الله تعالى . قال فلم أعقل المعنى ، فمكثت قليلاً ، ثم قلت : جعلت فداك وما يدريه متى يرضى الله عز وجل ؟ قال : يا أبا الجارود إن الله أوحى إلى أم موسى وهو خير من أم موسى ، وأوحى الله إلى النحل وهو خير من النحل ، فعقلت المذهب فقال لي : أعقلت المذهب ؟ قلت : نعم » .
وفي الإرشاد / 364 : « روى أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل أنه قال : إذا قام القائم سار إلى الكوفة ، فيخرج منها بضعة عشر ألفاً يدعون البترية عليهم السلاح ، فيقولون له : إرجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة ، فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم . ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق مرتاب ويهدم قصورها ، ويقتل مقاتلتها حتى يرضى الله عز وعلا » .
وفي البحار : 52 / 387 : « من كتاب الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يقدم القائم عليه السلام حيت يأتي النجف فيخرج إليه من الكوفة جيش السفياني وأصحابه والناس معه ، وذلك يوم الأربعاء ،
--------------------------- 471 ---------------------------
فيدعوهم ويناشدهم حقه ، ويخبرهم أنه مظلوم مقهور ويقول : من حاجني في الله فأنا أولى الناس بالله ، إلى آخر ما تقدم من هذا ، فيقولون : إرجع من حيث شئت لا حاجة لنا فيك ، قد خبرناكم واختبرناكم ، فيتفرقون من غير قتال . فإذا كان يوم الجمعة يعاود فيجئ سهم فيصيب رجلاً من المسلمين فيقتله فيقال : إن فلاناً قد قتل ، فعند ذلك ينشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله ، فإذا نشرها انحطت عليه ملائكة بدر ، فإذا زالت الشمس هبَّت الريح له فيحمل عليهم هو وأصحابه ، فيمنحهم الله أكتافهم ويولون ، فيقتلهم حتى يدخلهم أبيات الكوفة وينادي مناديه : ألا لا تتبعوا مولياً ولا تجهزوا على جريح ، ويسير بهم كما سارعلي عليه السلام يوم البصرة » .
أقول : لعل أكثر هؤلاء البترية أصلهم شيعة ، وهم يخطِّئون الإمام عليه السلام لإعلانه موقفه من أبي بكر وعمر ، لأن ذلك برأيهم خطأ ، يسبب للإمام عليه السلام خسارة شعبية . وتدل الأحاديث ومنطق الأمورعلى أن تلك الفترة تكون فترة تحول في الولاءات إلى الإمام عليه السلام وعنه ! ففي غيبة النعماني / 317 : « عن إبراهيم بن عبد الحميد قال : أخبرني من سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول : إذا خرج القائم خرج من هذا الأمر من كان يرى أنه من أهله ، ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر » .
ويدل النص التالي على أن البترية كعبدة الأوثان لأنهم يعبدون أشخاصاً ولا يعبدون الله تعالى ، ففي غيبة الطوسي / 273 : « عن أبي بصير : قال أبو عبد الله عليه السلام : لينصرن الله هذا الأمر بمن لا خلاق له ، ولو قد جاء أمرنا لقد خرج منه من هو اليوم مقيم على عبادة الأوثان » .
آخر خارجة تخرج عليه من المقدادية في بعقوبة !
ذكرت الأحاديث أن خوارج رميلة الدسكرة آخر فئات الخوارج على المهدي عليه السلام وأخطرهم ، وأن قائدهم يكون فرعوناً وشيطاناً ، وهو من الموالي أي غير العرب !
ففي مروج الذهب « 2 / 418 » : « باب ذكر حروبه عليه السلام مع أهل النهروان : ثم ركب ومرَّ بهم وهم صرعى ، فقال : لقد صرعكم من غرَّكم ، قيل : ومن غرَّهم ؟ قال : الشيطان وأنفس السوء . فقال أصحابه : قد قطع الله دابرهم إلى آخر الدهر ، فقال : كلا والذي نفسي بيده ، وإنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء ، لا تخرج خارجة إلا خرجت بعدها مثلها ، حتى
--------------------------- 472 ---------------------------
تخرج خارجة بين الفرات ودجلة مع رجل يقال له الأشمط ، يخرج إليه رجل منا أهل البيت فيقتله . ولا تخرج بعدها خارجة إلى يوم القيامة » . والأشمط : الذي في شعر رأسه بياض وسواد .
وفي صحيح ابن أبي شيبة : 8 / 673 : « عن عبيد الله بن بشير بن جرير البجلي : قال علي : إن آخر خارجة تخرج في الإسلام بالرميلة رميلة الدسكرة ، فيخرج إليهم ناس فيقتلون منهم ثلثاً ويدخل ثلث ويتحصن ثلث في الدير دير مرمار ، فمنهم الأشمط ، فيحصرهم الناس فينزلونهم فيقتلونهم . فهي آخر خارجة تخرج في الإسلام » .
وفي البصائر / 336 : « عن يونس بن ظبيان عن الإمام الصادق عليه السلام : أول خارجة خرجت على موسى بن عمران بمرج دابق وهو بالشام ، وخرجت على المسيح بحرَّان وخرجت على أمير المؤمنين عليه السلام بالنهروان ، وتخرج على القائم بالدسكرة دسكرة الملك . ثم قال لي : كيف مالح دير بين ماكي مالح ، يعني عند قريتك وهو بالنبطية ، وذاك أن يونس كان من قرية دير بين ما ، يقال : الدسكرة التي عند دير بين ما » .
أقول : دسكرة الملك : في محافظة بعقوبة بالعراق قرب المقدادية ، بل يبدو أنها المقدادية نفسها . وفي أنساب السمعاني « 2 / 476 » : « يقال لها دسكرة الملك ، وهي قرية كبيرة تنزلها القوافل ، نزلت بها في التوجه والانصراف وبتُّ بها ليلتين » . وفي معجم البلدان : 2 / 455 : « قرية في طريق خراسان قريبة من شهرابان ، وهي دسكرة الملك ، كان هرمز بن سابور بن أردشير بن بابك يكثر المقام بها ، فسميت بذلك » .
وفي غيبة الطوسي / 283 : « عن الفضل بن شاذان عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : إذا قام القائم دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة حتى يبلغ أساسها ويصيرها عريشاً كعريش موسى ، وتكون المساجد كلها جَمَّاء لا شُرَفَ لها ، كما كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويوسع الطريق الأعظم فيصير ستين ذراعاً ، ويهدم كل مسجد على الطريق ، ويسد كل كوة إلى الطريق وكل جناح وكنيف وميزاب إلى الطريق ، ويأمر الله الفلك في زمانه فيبطئ في دوره حتى يكون اليوم في أيامه كعشرة من أيامكم ، والشهر كعشرة أشهر ، والسنة كعشر سنين من سنيكم .
ثم لا يلبث إلا قليلاً حتى يخرج عليه مارقة الموالي برميلة الدسكرة عشرة آلاف ، شعارهم :
--------------------------- 473 ---------------------------
يا عثمان يا عثمان ، فيدعو رجلاً من الموالي فيقلده سيفه فيخرج إليهم فيقتلهم حتى لا يبقى منهم أحد ، ثم يتوجه إلى كابل شاه وهي مدينة لم يفتحها أحد قط غيره ، فيفتحها ، ثم يتوجه إلى الكوفة فينزلها وتكون داره ، ويبهرج سبعين قبيلة من قبائل العرب » . ومارقة الموالي : أي من غير العرب ، أو قائدهم غيرعربي .
وذكرت رواية أن آخر خارجة على الإمام عليه السلام تكون في الكوفة ، ففي تفسير العياشي : 2 / 56 ، عن عبد الأعلى الحلبي ، عن الإمام الباقر عليه السلام من حديث طويل : « والله لكأني أنظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر ، ثم ينشد الله حقه ثم يقول : يا أيها الناس : من يحاجني في الله فأنا أولى الناس بالله ، ومن يحاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم . يا أيها الناس : من يحاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح . يا أيها الناس : من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى بإبراهيم . يا أيها الناس : من يحاجني في موسى فأنا أولى الناس بموسى . يا أيها الناس : من يحاجني في عيسى فأنا أولى الناس بعيسى . يا أيها الناس : من يحاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد صلى الله عليه وآله . يا أيها الناس : من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى بكتاب الله ، ثم ينتهى إلى المقام . . . قال أبو جعفر عليه السلام : يقاتلون والله حتى يُوَحَّدَ الله ولا يُشرك به شيئاً ، وحتى تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب ولا ينهاها أحد ، ويخرج الله من الأرض بذرها ، وينزل من السماء قطرها . . . فبينا صاحب هذا الأمر قد حكم ببعض الأحكام وتكلم ببعض السنن ، إذ خرجت خارجة من المسجد يريدون الخروج عليه ، فيقول لأصحابه : انطلقوا فتلحقوا بهم في التمارين فيأتونه بهم أسرى فيأمر بهم فيذبحون . وهي آخر خارجة تخرج على قائم آل محمد صلى الله عليه وآله » . ويحتمل أن يكون هؤلاء جزءً من خوارج رميلة الدسكرة ، فيقبض عليهم في الكوفة .
تصفية الإمام عليه السلام للعراق وتطهيره من أعدائه
بعد القضاء على آخرخارجة في التاريخ ، يتنفس العراق الصعداء في ظل سلطة الإمام المهدي عليه السلام ، ويدخل حياة جديدة بصفته عاصمة الإمام عليه السلام ، ومحط أنظار العالم . ثم تصبح الكوفة والسهلة والحيرة والنجف وكربلاء محلات لمدينة واحدة ، يتردد ذكرها على ألسنة شعوب العالم وقلوبهم ، ويقصدها القاصدون من أقاصي المعمورة ليلة الجمعة ، ويبكرون
--------------------------- 474 ---------------------------
لأداء صلاة الجمعة خلف المهدي عليه السلام في مسجده العالمي ذي الألف باب ، فلا يكاد المسلم يجد موضعاً للصلاة بين ملايين القاصدين . والأحاديث عن التطور في مركز عاصمته عليه السلام كثيرة ، لا يتسع لها المجال هنا .
وبتصفيته العراق وضمه إلى دولته ، تكون دولته عليه السلام شملت اليمن والحجاز وإيران والعراق ، ومعها بلاد الخليج . وفي تلك الفترة يأتيه الخراساني وقائد جيشه شعيب ، فيبايعه ويسلمه راية إيران . ويبدو أن مظاهرات المسلمين في تركيا المؤيدة للإمام عليه السلام تجبرحكومتهم على أن يطلبوا منه إرسال ممثل له ليحل المشكلة بينها وبين الناس ، فيرسل أحد أصحابه إلى تركيا ، ويتفقون على حكومة موالية للإمام عليه السلام .
وبذلك يتفرغ لأعدائه الخارجيين ، فيتوجه على رأس جيشه إلى الشام حتى ينزل مرج عذراء قرب دمشق ، استعداداً للمعركة مع السفياني ووراءه واليهود والروم ، وهي معركة فتح القدس ، كما يأتي في أحداث حركة ظهوره عليه السلام .
عاصمته عليه السلام الكوفة ، وسيكون لكربلاء شأن عظيم
عاصمته عليه السلام الكوفة ، وسيكون لكربلاء شأن عظيم
في بحار الأنوار : 53 / 11 : « قال المفضل : قلت : يا سيدي فأين تكون دارالمهدي ومجتمع المؤمنين ؟ قال : دارملكه الكوفة ، ومجلس حكمه جامعها ، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة ، وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريين . قال المفضل : يا مولاي كل المؤمنين يكونون بالكوفة ؟ قال : إي والله لا يبقى مؤمن إلا كان بها أو حواليها « وفي رواية : يحن إليها » وليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم ، وليودن أكثر الناس أنه اشترى شبراً من أرض السبع بشبر من ذهب « السبع من خطط همدان » ولتصيرن الكوفة أربعة وخمسين ميلاً وليجاورن قصورها كربلاء ، وليصيِّرن الله كربلاء معقلاً ومقاماً تختلف فيه الملائكة والمؤمنون ، وليكونن لها شأن من الشأن ، وليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن ودعا ربه بدعوة لأعطاه الله بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا ألف مرة » .
ومعنى مجلس حكمه في مسجد الكوفة : أي الذي يبنيه عليه السلام . والذكوات البيض : موضع اعتكافه للعبادة الربوات البيضاء جنوبي النجف . وأربعة وخمسين ميلاً : نحو ثمانين كيلومتر .
--------------------------- 475 ---------------------------
وفي غيبة الطوسي / 273 : « عن عبد الله بن الهذيل قال : لا تقوم الساعة حتى يجتمع كل مؤمن بالكوفة » . وروى ابن سعد : 6 / 10 ، عن عبد الله بن عمرو قال : إن أسعد الناس بالمهدي أهل الكوفة . ونحوه ابن أبي شيبة : 12 / 188 .
وفي التهذيب : 3 / 253 : « عن حبة العرني قال : خرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحيرة فقال : لتصلن هذه بهذه ، وأومأ بيده إلى الكوفة والحيرة ، حتى يباع الذراع فيما بينهما بدنانير ، وليُبنينَّ بالحيرة مسجد له خمس مائة باب يصلي فيه خليفة القائم « نائبه في الصلاة » لأن مسجد الكوفة ليضيق عنهم ، وليصلين فيه اثنا عشر إماماً عدلاً .
قلت : يا أمير المؤمنين ويسع مسجد الكوفة هذا الذي تصف الناس يومئذ ؟ قال : تبنى له أربع مساجد مسجد الكوفة أصغرها ، وهذا ومسجدان في طرفي الكوفة من هذا الجانب وهذا الجانب ، وأومأ بيده نحو البصريين والغريين » .
وفي كامل الزيارات / 30 : « عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبد الله عليه السلام أو عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : أيُّ بقاع الأرض أفضل بعد حرم الله عز وجل وحرم رسوله صلى الله عليه وآله ؟ فقال : الكوفة يا أبا بكر ، هي الزكية الطاهرة ، فيها قبور النبيين المرسلين وقبور غير المرسلين والأوصياء الصادقين . وفيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبياً إلا وقد صلى فيه ، ومنها يظهر عدل الله ، وفيها يكون قائمه والقوام من بعده ، وهي منازل النبيين والأوصياء والصالحين » .
وفي الكافي : 3 / 495 : « عن صالح بن أبي الأسود قال : قال أبو عبد الله عليه السلام وذكر مسجد السهلة فقال : أما إنه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله » .
وفي الكافي : 4 / 571 : « عن أبان بن تغلب قال : كنت مع أبي عبد الله عليه السلام فمر بظهر الكوفة فنزل فصلى ركعتين ، ثم تقدم قليلاً فصلى ركعتين ، ثم سار قليلاً فنزل فصلى ركعتين ثم قال : هذا موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، قلت : جعلت فداك والموضعين اللذين صليت فيهما ؟ قال : موضع رأس الحسين عليه السلام وموضع منزل القائم » .
وقد يكون منزل المهدي عليه السلام هناك قرب معتكفه في الذكوات البيض ، وقد يكون موضع منبره عند أول وروده إلى العراق ، كما في الرواية التالية وفي التهذيب : 6 / 34 ،
--------------------------- 476 ---------------------------
عن مبارك الخباز قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : أسرجوا البغل والحمار في وقت ما قدم وهو في الحيرة ، قال : فركب وركبت حتى دخل الجرف ، ثم نزل فصلى ركعتين ثم تقدم قليلاً آخر فصلى ركعتين ، ثم تقدم قليلاً آخر فصلى ركعتين ، ثم ركب ورجع فقلت له : جعلت فداك ما الأولتين والثانيتين والثالثتين ؟ قال : الركعتين الأولتين موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، والركعتين الثانيتين موضع رأس الحسين عليه السلام ، والركعتين الثالثتين موضع منبر القائم عليه السلام » .
وفي دلائل الإمامة / 244 : « عن فرات بن الأحنف قال : كنت مع أبي عبد الله عليه السلام ونحن نريد زيارة قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، فلما صرنا إلى الثوية نزل فصلى ركعتين فقلت : يا سيدي ما هذه الصلاة ؟ فقال : هذا موضع منبر القائم أحببت أن أشكر الله في هذا الموضع ، ثم مضى ومضيت معه حتى انتهى إلى القائم الذي على الطريق فنزل فصلى ركعتين ، فقلت : ما هذه الصلاة ؟ قال : ها هنا نزل القوم الذين كان معهم رأس الحسين عليه السلام في صندوق ، فبعث الله عز وجل طيراً فاحتمل الصندوق بما فيه فمر بهم جمَّال فأخذوا رأسه فجعلوه في الصندوق وحملوه ، فنزلت وصليت ها هنا . ثم مضى ومضيت معه حتى انتهى إلى موضع فنزل وصلى ركعتين وقال : هاهنا قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، أما إنه لا تذهب الأيام حتى يبعث الله رجلاً ممتحناً في نفسه بالقتل يبني عليه حصناً فيه سبعون طاقاً ، قال حبيب بن الحسين : سمعت هذا الحديث قبل أن يبنى على الموضع شئ ، ثم إن محمد بن زيد وجه فبنى عليه ، فلم تمض الأيام حتى امتحن محمد في نفسه بالقتل » .
بيت الإمام عليه السلام الشخصي في منطقة مسجد السهلة
روى الراوندي في قصصه / 80 : « عن أبي بصيرعن أبي عبد الله عليه السلام : يا أبا محمد كأني أرى نزول القائم في مسجد السهلة بأهله وعياله ، قلت : تكون منزله ؟ قال : نعم هو منزل إدريس وما بعث الله نبياً إلا وقد صلى فيه ، والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول الله صلى الله عليه وآله ، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلا وقلبه يحن إليه ، وما من يوم ولا ليلة إلا والملائكة يأوون إلى هذا المسجد يعبدون الله فيه . يا أبا محمد أما إني لو كنت بالقرب منكم ما صليت صلاة إلا فيه . ثم إذا قام قائمنا انتقم الله لرسوله ولنا أجمعين » .
- *
--------------------------- 477 ---------------------------
الفصل الثاني والعشرون : ( قسوة أعدائه ، قسوة أعداء الإمام المهدي عليه السلام وشدته عليهم )
--------------------------- 478 ---------------------------
لا بدَّ من استئصال الغُدد السرطانية
بالنظرة الأولى يبدو أن تطهير الأرض من الظلم والظالمين أمرٌغير ممكن ، فقد تجذَّرهؤلاء حتى تعودت الأرض وأهلها على طغيانهم ، وتعودت على أنين المظلومين وآهاتهم ، فكأن وجود الظالمين جزءٌ ضروري في المجتمع .
غيرأن الله العليم الحكيم جعل لكل شئ حداً ، وجعل للظلم نهاية . فقد جاء في تفسير قوله تعالى : يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ . عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « الله يعرفهم ، ولكن نزلت في القائم يعرفهم بسيماهم فيخبطهم بالسيف هو وأصحابه خبطاً » . « غيبة النعماني / 127 » .
وقد يرى البعض أن قتل الإمام المهدي عليه السلام للظالمين قسوةٌ وإفراط ، لكنه عملية جراحية ضرورية لتطهير المجتمعات منهم ، فلو استعمل معهم اللين والعفو لما انتهت مؤامراتهم ! ولذا أمر النبي صلى الله عليه وآله ولده المهدي عليه السلام في عهده اليه بالشدة معهم . ولا يُخاف من المهدي عليه السلام أن يقتل أحداً من الذين يؤمل اهتداؤهم وصلاحهم ، لأنه مهديٌّ من ربه ينظر بنور الله تعالى ، فهو كالخضرالذي قال الله فيه : آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً . بل الخضر عليه السلام وزيره ، وهو أميره .
في النعماني / 284 : « عن المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام وقد ذكر القائم فقلت : إني لأرجو أن يكون أمره في سهولة ، فقال : لا يكون ذلك حتى تمسحوا العلق والعرق » . ونحوه / 285 ، وفيه : أنتم اليوم أرخى بالاً منكم يومئذ ، قالوا : وكيف . . . وفي البحار : 52 / 358 و 284 : « كلا والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفواً لاستقامت لرسولالله صلى الله عليه وآله حين أدميت رباعيته وشُجَّ في وجهه ! كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق ، ثم مسح جبهته » .
وقال الصادق عليه السلام : « يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله صلى الله عليه وآله ، إن رسول الله أتاهم وهم يعبدون حجارة منقورة وخشباً منحوتة ، وإن القائم عليه السلام يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه » . « أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقَرّ » . « النعماني / 296 » .
وأمام هذا التكذيب والعناد ، لابد للإمام عليه السلام من اجتثاث الفاسدين .
--------------------------- 479 ---------------------------
شدة الإمام عليه السلام على الظالمين
في غيبة النعماني / 231 : « عن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن علياً عليه السلام قال : كان لي أن أقتل المولي وأجهز على الجريح ، ولكني تركت ذلك للعاقبة من أصحابي ، إن جُرحوا لم يُقتلوا ، والقائم له أن يقتل المولي ويجهز على الجريح » .
وفي الكافي : 8 / 233 : « عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا تمنى أحدكم القائم فليتمنه في عافية ، فإن الله بعث محمداً صلى الله عليه وآله رحمة ويبعث القائم نقمة » .
وفي غيبة الطوسي / 115 : « عن يحيى بن العلاء الرازي قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : يُنتج الله تعالى في هذه الأمة رجلاً مني وأنا منه ، يسوق الله تعالى به بركات السماوات والأرض ، فتنزل السماء قطرها ، وتخرج الأرض بذرها ، وتأمن وحوشها وسباعها ، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، ويَقتل حتى يقول الجاهل لو كان هذا من ذرية محمد لرحم » .
وروى ابن حماد : 1 / 350 : عن علي عليه السلام قال : « يفرج الله الفتن برجل منا ، يسومهم خسفاً ، لا يعطيهم إلا السيف ، يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً ، حتى يقولوا والله ما هذا من ولد فاطمة ، لو كان من ولدها لرحمنا . يغريه الله ببني العباس وبني أمية » .
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج : 7 / 58 : « وهذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السير وهي متداولة منقولة مستفيضة ، خطب بها علي عليه السلام بعد انقضاء أمر النهروان ، وفيها ألفاظ لم يوردها الرضي رحمه الله ، منها : فانظروا أهل بيت نبيكم فإن لبدوا فالبدوا ، وإن استنصروكم فانصروهم ، فليفرجن الله الفتنة برجل منا أهل البيت ، بأبي ابن خيرة الإماء ، لا يعطيهم إلا السيف هرجاً هرجاً ، موضوعاً على عاتقه ثمانية أشهر حتى تقول قريش : لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا ، يغريه الله ببني أمية حتى يجعلهم حطاماً ورفاتاً ، مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ، سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً » .
وفي الكافي : 1 / 431 : « عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً : ما يوعدون فهو خروج القائم عليه السلام وهو الساعة . فَسَيَعْلَمُونَ : ذلك اليوم وما نزل بهم من عذاب الله على
--------------------------- 480 ---------------------------
يدي قائمه فذلك قوله : مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً : يعني عند القائم ، وَأَضْعَفُ جُنْداً . قلت : قوله : وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً ؟ قال : يزيدهم ذلك اليوم هدى على هدى باتباعهم القائم حيث لا يجحدونه ولا ينكرونه » .
وفي النعماني / 233 : « عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه ، مما يقتل من الناس ! أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف ، ولا يعطيها إلا السيف ، حتى يقول كثير من الناس : ليس هذا من آل محمد ولو كان من آل محمد لرحم » .
وفي النعماني / 283 : « عن بشير بن أبي أراكة النبال ، ولفظ الحديث على رواية ابن عقدة قال : لما قدمت المدينة انتهيت إلى منزل أبي جعفر الباقر عليه السلام فإذا أنا ببغلته مسرجة بالباب ، فجلست حيال الدار ، فخرج فسلمت عليه فنزل عن البغلة وأقبل نحوي فقال : ممن الرجل ؟ فقلت : من أهل العراق ، قال : من أيها ؟ قلت : من أهل الكوفة ، فقال : من صحبك في هذا الطريق ؟ قلت : قوم من المحدثة ، فقال : وما المحدثة ؟ قلت : المُرْجِئة ، فقال : ويحُ هذه المرجئة إلى من يلجؤون غداً إذا قام قائمنا ؟ قلت : إنهم يقولون : لو قد كان ذلك كنا وأنتم في العدل سواء ، فقال : من تاب تاب الله عليه ، ومن أسرَّ نفاقاً فلا يبعد الله غيره ، ومن أظهر شيئاً أهرق الله دمه . ثم قال : يذبحهم والذي نفسي بيده كما يذبح القصاب شاته ، وأومأ بيده إلى حلقه . قلت : إنهم يقولون : إنه إذا كان ذلك استقامت له الأمور فلا يهريق محجمة دم ، فقال : كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح وأنتم العرق والعلق وأومأ بيده إلى جبهته » .
وفي الكافي : 1 / 432 : « عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال : سألته . . في حديث : قلت : حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً ؟ قال : يعني بذلك القائم وأنصاره » .
وفي حلية الأبرار : 2 / 597 : « محمد بن الحسن الشيباني في كشف البيان قال : روي في أخبارنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام ، أن هذه مخصوصة بصاحب الأمر الذي يظهر في آخر الزمان ، ويبيد الجبابرة والفراعنة ، ويملك الأرض شرقاً وغرباً ، فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً » .
--------------------------- 481 ---------------------------
يبدأ الإمام عليه السلام بقتل كذَّابي الشيعة !
رجال الكشي / 299 : « عن المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لو قام قائمنا لبدأ بكذابي الشيعة فقتلهم » .
وفي الايضاح / 208 : « عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « لو قد قام قائمنا بدأ بالذين ينتحلون حبنا فيضرب أعناقهم » .
وفي النعماني / 206 : « عن مالك بن ضمرة : قال أمير المؤمنين عليه السلام : يا مالك بن ضمرة كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا ؟ وشبَّك أصابعه وأدخل بعضها في بعض . فقلت : يا أمير المؤمنين ما عند ذلك من خير ! قال : الخير كله عند ذلك ، يا مالك عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله ورسوله صلى الله عليه وآله فيقتلهم ، ثم يجمعهم الله على أمر واحد » .
وفي غيبة الطوسي / 273 : « قال أبو عبد الله عليه السلام : لينصرن الله هذا الأمر بمن لا خلاق له ، ولو قد جاء أمرنا لقد خرج منه من هو اليوم مقيم على عبادة الأوثان » .
أقول : يظهر أن هؤلاء أصل الفتنة والاختلاف داخل الشيعة ، ولا يبعد أن يكونوا من علماء السوء المضلين والسياسيين المنحرفين ! والسبعون عددٌ حقيقي ، ويحتمل أن يكون تقريبياً .
هيبة الإمام عليه السلام ورعب أعدائه منه
روى النعماني / 239 : « عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : بينا الرجل على رأس القائم يأمره وينهاه إذ قال : أديروه ، فيديرونه إلى قدامه فيأمر بضرب عنقه ، فلا يبقى في الخافقين شئ إلا خافه » .
ومعناه : أن عقوبة الإمام عليه السلام تشمل المنافقين المتسترين ، الذين قد يكون بعضهم قريبين منه فيخونونه ، فيعرفهم بالنور الذي في قلبه ، وينفذ فيهم حكم الله تعالى .
وعن الإمام الباقر عليه السلام : « يقوم القائم بأمر جديد وقضاء جديد ، على العرب شديد . ليس شأنه إلا السيف ، ولايستتيب أحداً ، ولا تأخذه في الله لومة لائم » « البحار : 52 / 354 » .
والأمر الجديد : الإسلام الذي ابتعد عنه المسلمون ، يحييه المهدي عليه السلام فيكون شديداً على الذين يطيعون حكامهم .
--------------------------- 482 ---------------------------
وفي النعماني / 236 : « عن سدير الصيرفي ، عن رجل من أهل الجزيرة كان قد جعل على نفسه نذراً في جارية وجاء بها إلى مكة ، قال : فلقيت الحجبة فأخبرتهم بخبرها ، وجعلت لا أذكر لأحد منهم أمرها إلا قال : جئني بها وقد وفى الله نذرك . فدخلني من ذلك وحشة شديدة ، فذكرت ذلك لرجل من أصحابنا من أهل مكة فقال لي : تأخذ عني ؟ فقلت : نعم ، فقال : أنظر الرجل الذي يجلس بحذاء الحجر الأسود وحوله الناس ، وهو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام فأته فأخبره بهذا الأمر ، فانظر ما يقول لك فاعمل به ، قال : فأتيته فقلت : رحمك الله إني رجل من أهل الجزيرة ومعي جارية جعلتها عليَّ نذراً لبيت الله في يمين كانت علي ، وقد أتيت بها وذكرت ذلك للحجبة وأقبلت لا ألقى منهم أحداً إلا قال : جئني بها وقد وفى الله نذرك ، فدخلني من ذلك وحشة شديدة ! فقال : يا عبد الله إن البيت لا يأكل ولا يشرب ، فبع جاريتك واستقص وانظر أهل بلادك ممن حج هذا البيت ، فمن عجز منهم عن نفقته فأعطه حتى يقوى على العود إلى بلادهم ، ففعلت ذلك ثم أقبلت لا ألقى أحداً من الحجبة إلا قال : ما فعلت بالجارية ؟ فأخبرتهم بالذي قال أبو جعفر فيقولون : هو كذاب جاهل لا يدري ما يقول ، فذكرت مقالتهم لأبي جعفر عليه السلام فقال : قد بلغتني ، تبلغ عني ؟ فقلت : نعم ، فقال : قل لهم : قال لكم أبو جعفر : كيف بكم لو قد قطعت أيديكم وأرجلكم وعلقت في الكعبة ، ثم يقال لكم نادوا نحن سراق الكعبة ! فلما ذهبت لأقوم قال : إنني لست أنا أفعل ذلك ، وإنما يفعله رجل مني » .
وفي البحار : 52 / 387 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يقتل القائم عليه السلام حتى يبلغ السوق قال : فيقول له رجل من ولد أبيه : إنك لتجفل الناس إجفال النعم ، فبعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله أو بماذا ؟ قال : وليس في الناس رجل أشد منه بأساً ، فيقوم إليه رجل من الموالي فيقول له : لتسكتنَّ أو لأضربنَّ عنقك ! فعند ذلك يخرج القائم عليه السلام عهداً من رسول الله صلى الله عليه وآله » .
ومعنى من وُلد أبيه : علوي النسب . إجفال النعم : تخويف الغنم . حتى يبلغ السوق : سوق المدينة ، أو مكاناً اسمه السوق .
وفي رواية أن الذي يأمر المعترض بالسكوت هو « المولى الذي يتولى البيعة » أي المسؤول عن أخذ البيعة من الناس للإمام المهدي عليه السلام . فعن الإمام الباقر عليه السلام قال : « حتى إذا بلغ الثعلبية قام إليه
--------------------------- 483 ---------------------------
رجل من صلب أبيه ، وهو من أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ما خلا صاحب هذا الأمر ، فيقول : يا هذا ما تصنع ؟ فوالله إنك لتجفل الناس إجفال النعم أفبعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله أم بماذا ؟ فيقول المولى الذي ولي البيعة : والله لتسكتن أو لأضربن الذي فيه عيناك . فيقول له القائم : اسكت يا فلان . إي والله إن معي عهداً من رسول الله صلى الله عليه وآله هات يا فلان العَيْبة أو الزنفيلجة ، فيأتيه بها فيقرؤه العهد من رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول : جعلني الله فداك أعطني رأسك أقبله فيعطيه رأسه فيقبل بين عينيه ثم يقول : جعلني الله فداك جدد لنا بيعة ، فيجدد لهم بيعة » . « البحار : 52 / 343 » .
والعيْبة والزنفيلجة : الصندوق الصغير . الثعلبية : مكان بالعراق من جهة الحجاز .
البصائر / 78 : « عن أبي حمزة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام في حديث في تفسير عدة آيات إلى أن قال : وأما قوله : حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ يعني قيام القائم » .
ذل أعداء الإمام المهدي عليه السلام
تفسير التبيان : 1 / 420 : « عن السدي في قوله تعالى : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ : خزيهم في الدنيا أنهم إذا قام المهدي وفتحت قسطنطينية قتلهم » .
وخريدة العجائب / 260 ، وملاحم ابن طاووس / 143 ، وليس فيه : وفتح القسطنطينية .
وفي مختصر البصائر / 200 ، أن أعداء المهدي عليه السلام يفرون منه إلى الروم .
وفي تفسير القمي : 2 / 68 ، في تفسير قوله تعالى : فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ . قال : « يعني الكنوز التي كنتم تكنزون . قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ . فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ . لا يبقى منهم مخبر . . لا تبقى منهم عين تطرف » .
وفي الكافي : 8 / 227 : « عن سلام بن المستنيرقال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يحدث : إذا قام القائم عرض الإيمان على كل ناصب ، فإن دخل فيه بحقيقة وإلا ضرب عنقه أو يؤدي الجزية ، كما يؤديها اليوم أهل الذمة ، ويشد على وسطه الهميان ، ويخرجهم من الأمصار إلى السواد » .
--------------------------- 484 ---------------------------
وفي مختصر البصائر / 212 : « عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول : لو قد خرج قائم آل محمد عليهم السلام ، لنصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين ، ويكون جبرئيل أمامه ، وميكائيل عن يمينه ، وإسرافيل عن يساره ، والرعب مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله . والملائكة المقربون حذائه . أول من يبايعه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي صلوات الله عليه الثاني . معه سيف مخترط ، يفتح الله له الروم والصين والترك والديلم والسند والهند وكابل شاه والخزر . يا أبا حمزة لا يقوم القائم إلا على خوف شديد وزلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس وطاعون قبل ذلك ، وسيف قاطع بين العرب ، واختلاف شديد بين الناس ، وتشتت في دينهم ، وتغير من حالهم ، حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساءً من عظم ما يرى من كلب الناس وأكل بعضهم بعضاً .
وخروجه إذا خرج عند الإياس والقنوط ، فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره ، والويل كل الويل لمن ناواه وخالف أمره ، وكان من أعدائه . ثم قال : يقوم بأمر جديد وكتاب جديد وسنة جديدة وقضاء جديد ، على العرب شديد ، ليس شأنه إلا القتل ، لايستتيب أحداً ، ولا تأخذه في الله لومة لائم » .
تأويل الآيات : 2 / 550 : « عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قوله عز وجل : وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ : يعني إلى القائم عجل الله فرجه » .
وفي تأويل الآيات : 2 / 726 : « عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل : خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ : قال : يعني يوم خروج القائم عليه السلام » .
تفسير فرات / 194 : « عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى : وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ : فذلك يوم القائم وهو يوم الدين ، حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ : أيام القائم ، فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ : فما تنفعهم شفاعة لمخلوق ، ولن يشفع فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله يوم القيامة » .
خط بني أمية وبني العباس يستمر إلى ظهور المهدي عليه السلام
ينبغي الإلفات إلى أن كل الأحاديث التي تذكر أن الإمام المهدي عليه السلام يقاتل بني أمية أو بني العباس ، فهي تقصد أتباعهم وخطهم في ظلم أهل البيت عليهم السلام . وتوجد قرائن عديدة لفظية
--------------------------- 485 ---------------------------
ومعنوية على ذلك ، كالذي ما رواه النعماني / 302 : « عن علي بن أبي حمزة قال : زاملت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام بين مكة والمدينة فقال لي يوماً : يا علي لو أن أهل السماوات والأرض خرجوا على بني العباس لسقيت الأرض بدمائهم حتى يخرج السفياني ، قلت له : يا سيدي أمره من المحتوم ؟ قال : نعم ، ثم أطرق هنيئة ثم رفع رأسه وقال : ملك بني العباس مكر وخداع ، ويذهب حتى يقال لم يبق منه شئ ، ثم يتجدد حتى يقال ما مرّ به شئ » .
وروى النعماني / 303 ، صريحاً : « عن الحسن بن الجهم قال : قلت للرضا عليه السلام : أصلحك الله إنهم يتحدثون أن السفياني يقوم وقد ذهب سلطان بني العباس فقال : كذبوا إنه ليقوم وإن سلطانهم لقائم » .
وفي الإرشاد / 364 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا قام القائم من آل محمد صلوات الله عليهم أقام خمس مائة من قريش فضرب أعناقهم ، ثم أقام خمس مائة فضرب أعناقهم ، ثم خمس مائة أخرى ، حتى يفعل ذلك ست مرات ! قلت : ويبلغ عدد هؤلاء هذا ؟ قال : نعم منهم ، ومن مواليهم » .
وفي غيبة الطوسي / 116 : « عن عبيد الله بن شريك في حديث له اختصرناه ، قال : مرَّ الحسين على حلقة من بني أمية وهم جلوس في مسجد الرسول ، فقال : أما والله لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله مني رجلاً يقتل منكم ألفاً ومع الألف ألفاً ومع الألف ألفاً ! فقلت : جعلت فداك إن هؤلاء أولاد كذا وكذا لا يبلغون هذا ! فقال : ويحك في ذلك الزمان يكون الرجل من صلبه كذا وكذا رجلاً ، وإن مولى القوم من أنفسهم » .
فهذه الأحاديث تنص على استمرار حكم بني أمية وبني العباس إلى ظهور المهدي عليه السلام ، مع أن الأئمة عليهم السلام أخبروا بانتهاء ملك بني أمية ، فلا بد أن يكون مقصودهم خطهم المعادي لأهل البيت عليهم السلام وأنه سيستمر إلى ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف .
ويضاف إلى هذه القرينة المعنوية قرائن لفظية تذكر حكم آل فلان قبل ظهوره عليه السلام ، كما في قرب الإسناد / 164 : عن الإمام الرضا عليه السلام : « إن قدام هذا الأمر علامات ، حدث يكون بين الحرمين ، قلت : ماالحدث ؟ قال : عصبة تكون ، ويَقتل فلان من آل فلان خمسة عشر رجلاً » .
« ألا أخبركم بآخر ملك بني فلان ؟ قلنا : بلى يا أمير المؤمنين . قال : قتل نفس حرام في بلد
--------------------------- 486 ---------------------------
حرام ، من قوم من قريش . والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لهم ملك بعده غيرخمسة عشر ليلة » .
وفي الكافي : 1 / 337 ، عن الإمام الصادق عليه السلام : « إن للغلام غيبة قبل أن يقوم . . ثم قال : يا زرارة لابد من قتل غلام بالمدينة ، قلت : جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني ؟ قال : لا ، ولكن يقتله جيش آل بني فلان ، يجئ حتى يدخل المدينة فيأخذ الغلام فيقتله ، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لايمهلون فعند ذلك توقع الفرج إن شاء الله » .
يقيم الإمام عليه السلام حدّ الله تعالى على كثير من المنافقين
التهذيب : 6 / 172 : « عن أبي حمزة : قال أبو عبد الله عليه السلام : ولو قد قام القائم عليه السلام ما احتاج إلى مساءلتكم عن ذلك ، ولأقام في كثير منكم من أهل النفاق حد الله » . ومعناه أنه يقيم الحد على منافقين يتخلفون عنه ، وليس على كل عاص !
- *
--------------------------- 487 ---------------------------
الفصل الثالث والعشرون : ( الإيرانيون أنصاره ، الإيرانيون في عصر ظهور الإمام المهدي عليه السلام )
--------------------------- 488 ---------------------------
كثرة الأحاديث السُنية في مدح الإيرانيين
نلاحظ أن مصادر المذاهب السنية مليئة بالأحاديث في مدح الفرس ، حتى تستطيع أن تؤلف كتاباً في الأحاديث الصحيحة عندهم في مناقب الفرس وتفضيلهم على العرب . بينما هي في مصادرنا قليلة . وسبب ذلك أن الفرس كانوا مع السلطة ، وأسسوا لها المذاهب ، مقابل مذهب أهل البيت عليهم السلام ، ودونوا لها المصادر !
ومن أشهر أحاديثهم في مدح الفرس ، حديث : « الغنم السود والبيض » : الذي رواه الإمام الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في كتابه ذكر أصبهان ، عن أبي هريرة ، والنعمان بن بشير ، ومطعم بن جبير ، وأبي بكر ، وابن أبي ليلى ، وحذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وآله ، واللفظ لحذيفة ، أنه صلى الله عليه وآله قال : « إني رأيت الليلة كأن غنماً سوداً تتبعني ، ثم أردفها غنم بيض حتى لم أرَ السود فيها ! فقال أبو بكر : هذه الغنم السود العرب تتبعك ، وهذه الغنم البيض هي العجم تتبعك ، فتكثر حتى لا ترى العرب فيها ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : هكذا عَبَّرها الملَك » . أي هكذا فسرها الملك جبرئيل أو غيره .
وحديث : « لأنا أوثق بهم منكم » الذي رواه أبو نعيم في المصدر المذكور / 12 ، عن أبي هريرة قال : « ذكرت الموالي أو الأعاجم عند رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : والله لأنا أوثق بهم منكم أو من بعضكم » !
وقوله : « أو من بعضكم » إضافة من الراوي لحفظ ماء وجه العرب !
وحديث : « لو كان العلم والإيمان في الثريا » رواه أحمد وعبد الرزاق : 11 / 66 ، عن أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لو كان الدين عند الثريا لذهب إليه رجل أو قال رجال من أبناء فارس حتى يتناولوه » .
وفي مسند أحمد : 2 / 417 : « عن أبي هريرة قال : كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وآله إذ نزلت عليه سورة الجمعة ، فلما قرأ : وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ، قال رجل : من هؤلاء يا رسول الله ؟ فلم يراجعه صلى الله عليه وآله حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثاً ، وفينا سلمان الفارسي قال : فوضع النبي يده على سلمان وقال : لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء » .
وفي / 420 ، و 422 ، و 469 ، بأسانيد عن أبي هريرة . والبخاري : 6 / 188 ، كرواية أحمد الثالثة عن أبي هريرة . ومسلم : 4 / 1972 ، كرواية عبد الرزاق ، ورواية أحمد الثالثة . إلى آخر مصادره .
--------------------------- 489 ---------------------------
وروى الترمذي : 5 / 384 : « قال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله : يا رسول الله من هؤلاء الذين ذكر الله إن تولينا استبدلوا بنا ثم لم يكونوا أمثالنا ؟ قال : وكان سلمان بجنب رسول الله صلى الله عليه وآله قال : فضرب رسول الله فخذ سلمان وقال : هذا وأصحابه ، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس » .
وحديث : « ليصيرن أسداً لايفرون » . رواه عبد الرزاق : 11 / 385 : « عن الحسن البصري : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لتملأن أيديكم من العجم ، ثم ليصيرن أسداً لا يفرون ، ثم ليضربن أعناقكم وليأكلن فيئكم » .
والعجم : اسم لكل الشعوب غير العرب ، لكن غلب على الفرس ، والمعنى أنكم ستأسرون منهم كثيراً ، ثم يتحولون إلى فرسان ضدكم . وأحمد : 5 / 11 و 17 و 21 ، والروياني / 112 و 154 ، والطبراني الكبير : 7 / 268 ، كرواية أحمد الأولى ، والحاكم : 4 / 512 ، بنحو رواية أحمد الثالثة . وكذا حلية الأولياء : 3 / 24 . إلى آخر مصادره .
وحديث : « يساقون إلى الجنة » ، رواه أحمد : 5 / 338 : « عن سهل بن سعد الساعدي قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وآله بالخندق ، فأخذ الكِرْزِين فحفر به فصادف حجراً فضحك قيل : ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : ضحكت من ناس يؤتى بهم من قبل المشرق في النكول يساقون إلى الجنة » . والروياني / 202 ، والطبراني الكبير : 6 / 157 ، كأحمد ، والجامع الصغير : 2 / 123 ، وجمع الجوامع : 1 / 565 ، ووثقه مجمع الزوائد : 5 / 333 . الخ . والنكول : جمع نِكل ، القيود .
وحديث « أن الفرس عصبة بني هاشم » عن ابن عباس قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وذكرت عنده فارس : فارس عصبتنا أهل البيت » . انتهى .
يقصد بأهل البيت هنا العباسيين ، لأن ثورة العباسيين قام بها الفرس ، أما أهل البيت عليهم السلام في مذهبنا فهم مصطلح نبوي حددهم رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث الكساء المتواتر فقال : « اللهم هؤلاء أهل بيتي » وهم : علي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين خاتمهم المهدي عليهم السلام .
وحديث الضياطرة . رواه في شرح النهج : 20 / 284 : « قال : جاء الأشعث إليه « إلى علي عليه السلام » فجعل يتخطى الرقاب حتى قَرُب منه ثم قال له : يا أمير المؤمنين غلبتنا هذه الحَمْراء على قربك ، يعني العجم ، فركض المنبر برجله حتى قال صعصعة بن صوحان : ما لنا وللأشعث ليقولن أمير المؤمنين اليوم في العرب قولاً لا يزال يذكر ! فقال عليه السلام : من عذيري من
--------------------------- 490 ---------------------------
هؤلاء الضياطرة ، يتمرغ أحدهم على فراشه تمرغ الحمار ، ويهجر قوماً للذكر ! أفتأمرني أن أطردهم ؟ ! ما كنت لأطردهم فأكون من الجاهلين . أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، ليضربنكم على الدين عوداً ، كما ضربتموهم عليه بدءاً » . وهذا الحديث متواتر ، نص على صحته عدد من علمائهم .
كما ورد التعبير عن الفرس في حركة الإمام المهدي عليه السلام بسبعة عناوين : قوم سلمان . أهل المشرق . أهل خراسان . أصحاب الرايات السود . الفرس . أهل قم . أهل الطالقان . والمقصود بهم جميعاً الإيرانيون ، إلا بقرينة .
الإيرانيون أول ثلاث فئات ممهدة للمهدي عليه السلام
اتفقت المصادر كافة على ظهور حركة تمهد للمهدي عليه السلام من أهل المشرق ، وهم أصحاب الرايات السود ، وأنهم أبكر الممهدين لدولته ، الموطئين لسلطانه عليه السلام .
وتضيف مصادرنا ممهدين آخرين لدولة المهدي عليه السلام هم اليمانيون ، وحركة ثائرة على اليهود ، تقوم قبل ظهوره عليه السلام كما يأتي ، أو تكون في العراق ، ورد ذكرها في تفسير قوله تعالى : بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ، وأنهم قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم فلايدعون وتراً لآل محمد صلى الله عليه وآله إلا قتلوه . « الكافي : 8 / 206 » .
ففي العياشي : 2 / 281 : « عن صالح بن سهل ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله : وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ : قتل علي وطعن الحسن . وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً : قتل الحسين . فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا : إذا جاء نصر دم الحسين . بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ : قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم لا يدعون وتراً لآل محمد إلا حرقوه . وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً : قبل قيام القائم » .
والكافي : 8 / 206 ، وكامل الزيارات / 62 و 64 ، أوله بسند آخر ، ومختصر البصائر / 48 ، وتأويل الآيات : 1 / 277 ، والإيقاظ / 309 ، كلها عن الكافي . وإثبات الهداة : 3 / 552 ، بعضه عن العياشي . والبحار : 45 / 297 .
وحديث أبان بن تغلب عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل المشرق وأهل المغرب ، أتدري لم ذاك ؟ قلت : لا ، قال : للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل خروجه » .
--------------------------- 491 ---------------------------
« النعماني / 298 . وفي / 299 ، عن منصور بن حازم ، وفيه : قلت له : مم ذلك ؟ قال : مما يلقون من بني هاشم » .
فمعناه : أن أهل بيته عليه السلام من بني هاشم تكون لهم حركة قبله .
هذا ، ونقل كتاب يوم الخلاص حديث : « يأتي ولله سيف مخترط أي ثورة قائمة » وذكر له مصادر لم نجده فيها ، وإنما الموجود « ومعه سيف مخترط » ! وفي كتاب يوم الخلاص موارد من هذا النوع كثيرة .
فأحاديث التمهيد إذن ثلاث مجموعات :
أحاديث دولة أصحاب الرايات السود المتفق عليها عند الفريقين . وأحاديث دولة اليماني المتفق على أصلها أيضاً . والأحاديث الدالة على ظهور ممهدين قبل ظهوره عليه السلام بدون تحديدهم ، وتنطبق على من يقاتل اليهود لأنها وردت في تفسير قوله تعالى : بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا .
أما وقت قيام دولة اليمانيين الممهدين فهو مقارنٌ لخروج السفياني ، المعادي للمهدي عليه السلام في بلاد الشام .
وأما دولة الممهدين الإيرانيين فهي قبل ذلك ، فهم أبكر الممهدين للإمام عليه السلام ، لكن قيامهم لنصرته يكون في سنة الظهور . والمرجح أن بداية حركتهم تكون على يد رجل من قم ، فعن الإمام الكاظم عليه السلام قال : « رجل من قم يدعو الناس إلى الحق ، يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد ، لاتزلهم الرياح العواصف لايملون من الحرب ولايجبنون وعلى الله يتوكلون والعاقبة للمتقين » « البحار : 57 / 215 » . ولم تذكرالرواية المناسبة التي قيل فيها ذلك ، ولا متى يكون هذا الرجل والرواية مرسلة لكن قوتها في أنها من كتاب تاريخ قم للأشعري الذي ألفه سنة 378 هجرية .
ويفهم من حديث الإمام الباقر عليه السلام الصحيح في حركة أهل المشرق ، أنها تمرُّ في خمس مراحل ، آخرها قيامهم لنصرة الإمام عليه السلام في سنة ظهوره . وتذكر أحاديث الطرفين شخصيتين من الخراسانيين هما : الخراساني ، وقائد قواته شعيب بن صالح ، أو صالح بن شعيب .
ولا تحدد مصادرنا الفاصل بين ظهورهما وظهور الإمام عليه السلام . بينما ذكرت مصادر السنة أنهما قبل ظهوره عليه السلام بست سنوات ، لكنه توقيت لا يمكن الأخذ به . فقد روى ابن حماد : 1 / 278 و 310 ،
--------------------------- 492 ---------------------------
عن محمد بن الحنفية رحمه الله قال : « تخرج راية سوداء لبني العباس ، ثم تخرج من خراسان سوداء أخرى قلانسهم سود وثيابهم بيض ، على مقدمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح أو صالح بن شعيب من بني تميم ، يهزمون أصحاب السفياني حتى تنزل ببيت المقدس ، توطئ للمهدي سلطانه ، يمد إليه ثلاث مائة من الشام ، يكون بين خروجه وبين أن يسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراً » .
ورواه في القول المختصر / 34 ، والمسند الجامع 18 / 389 ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « تخرج من خراسان رايات سود ، لا يردها شئ حتى تنصب بإلياء وتأتي صحبة المهدي إلى بيت المقدس » .
لكن روايات مصادرنا الصحيحة تدل على أن حركة الخراساني وشعيب اللذين يسلمان الراية للإمام عليه السلام ، تكون مقارنة لظهور اليماني والسفياني ، كرواية النعماني / 253 ، عن أبي جعفر عليه السلام من حديث طويل ذكر فيه عدداً من الأحداث والعلامات ، جاء فيه : « خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد ، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً ، فيكون البأس من كل وجه ، ويل لمن ناواهم ، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم » .
ومعنى كنظام الخرز : أن خروجهم متتابع ، أو متفرع عن حدث واحد .
حديث أن أمر المهدي عليه السلام يبدأ من إيران
روى الفريقان أن بداية أمر المهدي عليه السلام تكون من المشرق ، ففي مختصر النعماني / 304 ، عن الحارث الهمداني ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : « المهدي أقبل جعد بخده خال ، يكون مبدؤه من قبل المشرق ، وإذا كان ذلك خرج السفياني فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر ، يخرج بالشام فينقاد له أهل الشام إلا طوائف من المقيمين على الحق يعصمهم الله من الخروج معه » . وإنما فسرنا « مبدؤه من قبل المشرق » بأنه مبدأ أمره ، لأن ظهوره عليه السلام من مكة قطعي ، فلا بد أن يكون معناه مبدأ أمره وحركة أنصاره من جهة المشرق .
وقد تصور الوهابيون أن المهدي نفسه عليه السلام يأتي من المشرق ، فادعوا المهدية لنجدي من غير
--------------------------- 493 ---------------------------
بني هاشم ، وأخذوه إلى مفتيهم ابن باز فأعجبه ، ثم أخذوه إلى أفغانستان والشيشان ، ليأتي من المشرق وينطبق عليه الحديث !
ويدل حديث الإمام الباقر عليه السلام أيضاً على أن هذه البداية تكون قبل خروج السفياني ، ويشير إلى أنه يكون بينها وبين السفياني مدة لأنها عطفت خروج السفياني عليها بالواو وليس الفاء أو ثُم : « وإذا كان ذلك خرج السفياني »
بل تشير أيضاً إلى علاقة سببية بين بداية التمهيد له عليه السلام من إيران وبين خروج السفياني ، وكأن حركة السفياني ردة فعل على هذا المد الممهد للمهدي عليه السلام .
حديث أصحاب الرايات السود وأهل المشرق
روته مصادر السنة كثيراً ومصادرنا ، ويعرف بحديث الرايات السود ، وحديث أهل المشرق ، وحديث ما يلقى أهل بيته صلى الله عليه وآله بعده . رووه عن ابن مسعود وعدد من الصحابة بفروق في بعض ألفاظه ، وقد نص عدد من علمائهم على صحته . ومن أقدم من رواه ابن حماد : 1 / 310 : « عن عبد الله بن مسعود قال : بينما نحن عند رسول الله إذ جاء فتية من بني هاشم فتغير لونه ! قلنا : يا رسول الله ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه ، فقال : إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإن أهل بيتي هؤلاء سيلقون بعدي بلاء وتطريداً وتشريداً ، حتى يأتي قوم من ها هنا من نحو المشرق ، أصحاب رايات سود ، يسألون الحق فلا يعطونه ، مرتين أو ثلاثاً ، فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلوه ، حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي ، فيملؤها عدلاً كما ملؤوها ظلماً ، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج ، فإنه المهدي » . وابن أبي شيبة : 15 / 235 ، بنحوه . وابن ماجة : 2 / 1366 ، ومسند الصحابة لابن كليب / 41 ، وفيه : « بينا نحن عند رسول الله إذ قال : يجئ قوم من ها هنا وأشار بيده نحو المشرق أصحاب رايات سود يسألون الحق . . » .
ورواه الحاكم : 4 / 464 ، وفيه : « أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج إلينا مستبشراً يعرف السرور في وجهه ، فما سألناه عن شئ إلا أخبرنا به ، ولا سكتنا إلا ابتدأنا ، حتى مرت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين ، فلما رآهم التزمهم وانهملت عيناه ، فقلنا : ما نزال نرى
--------------------------- 494 ---------------------------
في وجهك شيئاً نكرهه ، قال : إنا أهل بيت اختار لنا الله الآخرة على الدنيا ، وإنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد ، حتى ترتفع رايات سود من المشرق ، فيسألون الحق فلا يعطونه ، ثم يسألونه فلا يعطونه ، ثم يسألونه فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون . فمن أدركه منكم أو من أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبواً على الثلج ، فإنها رايات هدى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ، فيملك الأرض فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
ورواه السنن في الفتن : 5 / 1029 ، وفيه : « بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ قال : يجئ قوم من هاهنا وأشار بيده نحو المشرق أصحاب رايات سود يسألون الحق فلايعطونه ، مرتين أو ثلاثاً فيقاتلون فينصرون ، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه ، حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها عدلاً كما ملؤوها ظلماً . فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج » . ويدلنا وجود : واسم أبيه اسم أبي ، في رواية الحاكم ، على أنها رواية عباسية .
أما مصادرنا فرواه في : دلائل الإمامة / 233 و 235 ، بروايات عن ابن مسعود ، كابن حماد بتفاوت يسير ، وفيه : ولا يزالون كذلك حتى يأتي . ومناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان : 2 / 110 بنحوه ، وملاحم ابن طاووس / 52 ، عن ابن حماد ، وفي / 161 ، عن فتن زكريا ، وكشف الغمة : 3 / 262 ، عن أربعين أبي نعيم . وفي / 268 ، عن البيان للشافعي . والعدد القوية / 90 ، كرواية دلائل الإمامة الثانية بتفاوت يسير ، وإثبات الهداة : 3 / 595 ، عن كشف الغمة ، والبحار : 51 / 82 ، عن كشف الغمة ، و : 51 / 83 . . الخ .
لكن أدق نصوصه حديث الإمام الباقر عليه السلام الذي رواه النعماني / 273 ، عن أبي خالد الكابلي عنه عليه السلام قال : « كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه ، ثم يطلبونه فلا يعطونه ، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم ، فيعطون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا ، ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم . قتلاهم شهداء . أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر » .
فالحديث متواتر بالمعنى ، لأنه روي بطرق متعددة ، عن صحابة متعددين ، يعلم منها أن هذا المضمون صدرعن رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنه أخبر عن مظلومية أهل بيته عليهم السلام بعده وأن ظلامتهم ستستمرحتى يأتي قوم من المشرق يمهدون لمهديهم ، الذي يظهر بعد هؤلاء بفترة فيسلمونه رايتهم ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً .
--------------------------- 495 ---------------------------
ومن الواضح أن المقصود بقوم من المشرق وأصحاب الرايات السود : الإيرانيون ، وهو أمر متسالمٌ عليه عند جيل الصحابة الذين رووا الحديث ، وجيل التابعين الذين تلقوه منهم ، وأجيال من بعدهم ، حيث لم يذكرأحد منهم حتى بنحو الشذوذ أن المقصود بهؤلاء القوم أهل تركيا الفعلية أو أهل أفغانستان ، أو الهند مثلاً ، بل نص عدد من أئمة الحديث والمؤلفين على أنهم الفرس ، كما وردتسميتهم بالخراسانيين في عدة صيغ أو فقرات رويت من الحديث حتى عرف بحديث رايات خراسان . وعليه ، فتفسير الوهابيين لرايات المشرق بأهل أفغانستان والطالبان والشيشان ، شذوذٌ عن فهم كل المسلمين !
كما يتضح من نص الرواية أن حركتهم تواجه عداء من العالم وحرباً ، وتكون في أولها خروجاً على حاكمهم ، ثم تكون قرب ظهور المهدي عليه السلام قياماً لنصرة الإمام وتسليم الراية له .
كما يدل قول الإمام الباقر عليه السلام : « فيعطون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا ، ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم » على أنه سيكون بينهم خلاف سنة الظهور في تسليم راية بلدهم ، وأن أنصارالإمام المهدي عليه السلام سينتصرون على من خالفهم .
ففي غيبة الطوسي / 274 : « إذا خرجت الرايات السود إلى السفياني - التي فيها شعيب بن صالح - تمنى الناس المهدي فيطلبونه ، فيخرج من مكة ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله فيصلي ركعتين بعد أن ييأس الناس من خروجه لما طال عليهم من البلايا ، فإذا فرغ من صلاته انصرف فقال : يا أيها الناس ألحَّ البلاء بأمة محمد وبأهل بيته خاصة ، فهو باغ بغى علينا » .
وأخيراً ، فإن حديث الرايات السود من أخبارالمغيبات الدالة على نبوته صلى الله عليه وآله ، حيث تحقق ما أخبر به من ظلامة أهل بيته عليهم السلام واضطهادهم وتشريدهم في البلاد قروناً طويلة ، حتى وصلوا إلى أربع جهات العالم ، فلا نجد أسرة في العالم جرى عليهم من الاضطهاد والتشريد والتطريد كأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وذرياتهم وشيعتهم .
كما تحقق ما أخبر به صلى الله عليه وآله من حركة أهل المشرق في غصرنا . وقد وصف الإمام الباقر عليه السلام حركتهم وصفاً دقيقاً فقال : « كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق » وهو يدل على أنه حدثٌ من وعد الله المحتوم يعبرعنه النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام ب - « كأني بالشئ الفلاني أو الأمر الفلاني » ويعني يقينهم به كأنهم يرونه ، بل يدل على رؤيتهم له بالبصيرة التي خصهم الله بها . كما يدل على
--------------------------- 496 ---------------------------
مراحل حركتهم من بدايتها إلى عصر الظهور ، وأنها تنتهي بالقيام لله تعالى لنصرة المهدي عليه السلام !
ويدل قوله عليه السلام : « أما إني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر » على أن المدة بين قيامهم الأخير وبين ظهوره عليه السلام لا يزيد عن عمر إنسان . بل تدل المؤشرات على أن قيامهم الأخير بعد السفياني واليماني .
أحاديث نظن أنها أجزاء من حديث الرايات السود
يظهر أن الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجة « 2 / 1368 » وغيرهم : « يخرج ناس من المشرق يوطؤون للمهدي سلطانه » جزءٌ منه ، ومعنى وطأ له الأمر : جهزه وهيأه .
ومثله الطبراني في الأوسط : 1 / 200 ، بتفاوت يسير . وعنه بيان الشافعي / 490 ، وقال : هذا حديث حسن صحيح روته الثقاة والأثبات . وعقد الدرر / 125 ، وتذكرة القرطبي / 699 ، وفرائد السمطين : 2 / 333 ، وخريدة العجائب / 257 ، وتحفة الأشراف : 4 / 307 ، والمنار المنيف / 145 ، وفتن ابن كثير : 1 / 41 والحافظ المغربي / 555 ، وقال : الحديث صحيح ، إلخ . .
كما يحتمل أن يكون جزءً منه ما رواه الطبراني في الكبير : 4 / 229 : « عن خالد بن عرفطة أنه قال يوم قتل الحسين عليه السلام : هذا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله سمعت رسول الله يقول : إنكم ستبتلون في أهل بيتي من بعدي » . وعنه كشف الهيثمي : 3 / 233 . وفي مجمع الزوائد : 9 / 194 : رواه الطبراني والبزار ورجال الطبراني رجال الصحيح غير عمارة ، وعمارة وثقه ابن حبان .
وكذلك ما رواه ابن حماد : 1 / 313 ، « عن الحسن البصري أن رسول الله صلى الله عليه وآله : ذكر بلاء يلقاه أهل بيته ، حتى يبعث الله راية من المشرق سوداء ، من نصرها نصره الله ، ومن خذلها خذله الله ، حتى يأتوا رجلاً اسمه كاسمي ، فيولونه أمرهم فيؤيده الله وينصره » .
وكذلك حديث رايات خراسان إلى القدس ، روته مصادرهم كالترمذي : 3 / 362 ، وأحمد في مسنده ، وابن كثير في نهايته ، والبيهقي في دلائله ، وغيرهم . وصححه ابن الصديق المغربي في رسالته في الرد على ابن خلدون ، ونصه : « تخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شئ حتى تنصب بإيلياء » .
ونقله عنهم من مصادرنا ابن طاووس في الملاحم / 43 و 58 ، وهو يتحدث عن حركة جيش
--------------------------- 497 ---------------------------
من إيران نحو القدس . وهي حركة الإمام المهدي عليه السلام . وظنها بعضهم قبله .
وفي مجمع البحرين : « إيل بالكسر فالسكون : اسم من أسمائه تعالى عبراني أو سرياني . وقولهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بمنزلة عبد الله وتيم الله ونحوهما . وإيل : هو البيت المقدسوقيل بيت الله لأن إيل بالعبرانية الله » .
وبما أن قائد هذه الرايات شعيب بن صالح هو قائد جيش المهدي عليه السلام ، فالمقصود بها حملته عليه السلام لتحرير الشام والقدس .
وكذلك حديث كنوز الطالقان الذي روته مصادرهم عن علي عليه السلام كالحاوي للسيوطي : 2 / 82 ، وكنز العمال : 7 / 262 ، قال : « ويحاً للطالقان ، فإن لله عز وجل بها كنوزاً ليست من ذهب ولا فضة ، ولكنَّ بها رجالاً عرفوا الله حق معرفته ، وهم أنصار المهدي آخر الزمان » . وفي رواية ينابيع المودة / 449 : « بخٍ بخ للطالقان » .
وروته مصادرنا بلفظ آخر كما في البحار : 52 / 307 عن كتاب سرورأهل الإيمان لعلي بن عبد الحميد عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « له كنز بالطالقان ما هو بذهب ولا فضة وراية لم تنشر مذ طويت ، ورجال كأن قلوبهم زبر الحديد ، لا يشوبها شك في ذات الله ، أشد من الجمر لو حملوا على الجبال لأزالوها ! لا يقصدون براياتهم بلدة إلا خربوها ، كأن على خيولهم العقبان ، يتمسحون بسرج الإمام يطلبون بذلك البركة ويحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب ، يبيتون قياماً على أطرافهم ، ويصبحون على خيولهم ! رهبان بالليل ، ليوث بالنهار ، هم أطوع من الأمة لسيدها ، كالمصابيح ، كأن في قلوبهم القناديل ، وهم من خشيته مشفقون ، يدعون بالشهادة ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله . شعارهم يا لثارات الحسين ، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر ، يمشون إلى المولى أرسالاً ، بهم ينصر الله إمام الحق » . انتهى .
أقول : يصف الراوي هؤلاء الأنصار من محيط عصره ، والمقصود أنهم جنود شجعان مميزون بإيمانهم . وقد كنت أتصور أن المقصود بالطالقان في هذه الأحاديث المنطقة الواقعة في سلسلة جبال آلبرز ، على نحو مئة كيلو متر شمال غرب طهران ، وهي منطقة مؤلفة من عدة قرى تعرف باسم الطالقان ، ليس فيها مدينة ، ويعرف أهلها بالتقوى وقراءة القرآن وتعليمه من قديم .
لكن بعد التأمل في النصوص ترجح عندي أن المقصود بأهل الطالقان أهل إيران لا خصوص
--------------------------- 498 ---------------------------
منطقة الطالقان ، وأن الأئمة عليهم السلام سموهم أهل الطالقان ، لأن بلادهم كانت تسمى جبال الطالقان ، وتسمى خراسان ، وتسمى المشرق .
ومن أجزاء حديث الرايات السود حديث : سيصيب ولدعبد المطلب بلاء شديد ، رواه فرات في تفسيره / 164 ، عن أنس : « أن رسول الله صلى الله عليه وآله أتى ذات يوم ويده في يد علي بن أبي طالب ولقيه رجل إذ قال له : يا فلان لا تسبوا علياً فإنه من سبه فقد سبني ومن سبني فقد سب الله . إنه والله يا فلان لا يؤمن بما يكون من علي في آخر الزمان إلا ملك مقرب أو عبد قد امتحن الله قلبه للإيمان ! يا فلان إنه سيصيب ولد عبد المطلب بلاء شديد وإثرةٌ وقتل وتشريد ، فالله الله يا فلان في أصحابي وذريتي وذمتي ، فإن لله يوماً ينتصف فيه للمظلوم من الظالم » .
الخراساني قائد إيران وشعيب قائد جيشها
ذكرت الأحاديث في حركة ظهور المهدي عليه السلام أن الخراساني قائد إيران وشعيب بن صالح يأتيان إلى العراق لمبايعته وتسليمه راية بلادهم . ولم تذكر الروايات أن الإيرانيين يرسلون قوة لمساعدة الإمام عليه السلام في الحجاز ، لكن ذكربعضها عن غير طرق أهل البيت عليهم السلام حركة لقواتهم إلى العراق ، قبل ظهور الإمام عليه السلام .
قال ابن حماد : « تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة ، فإذا ظهر المهدي بعثت إليه بالبيعة » . « ابن حماد : 1 / 313 ، عن أبي جعفر عليه السلام ، وعنه عقد الدرر / 129 ، والحاوي : 2 / 69 ، والخرائج : 3 / 1158 وملاحم ابن طاووس / 55 » .
والأمر المؤكد أن الخراساني وشعيباً يبايعان الإمام عليه السلام بعد دخوله إلى العراق ، ثم يعين شعيباً قائداً عاماً لجيشه عليه السلام ، وتكون قوات الخراسانيين معه في زحفه عليه السلام لفتح القدس وفلسطين . نعم لا يبعد أن يأمر الإمام عليه السلام القوات الإيرانية بالدخول قبله إلى العراق لمواجهة قوات السفياني ووقف عدوانه على العراق .
ويدل عليه مضافاً إلى رواية ابن حماد ما في غيبة الطوسي / 274 : « إذا خرجت الرايات السود إلى السفياني التي فيها شعيب بن صالح ، تمنى الناس المهدي فيطلبونه ، فيخرج من مكة ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله » .
--------------------------- 499 ---------------------------
وقد أكثر ابن حماد من رواية دخول قوات الخراساني إلى العراق ، قبل ظهور الإمام عليه السلام لرد هجمة السفياني ، كروايته عن علي عليه السلام : 1 / 314 ، قال : « تخرج رايات سود تقاتل السفياني ، فيهم شاب من بني هاشم ، في كتفه اليسرى خال وعلى مقدمته رجل من بني تميم يدعى شعيب بن صالح فيهزم أصحابه » .
وعن عمار بن ياسرقال : « إذا بلغ السفياني الكوفة وقتل أعوان آل محمد خرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح » .
وروى عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : « يخرج شاب من بني هاشم بكفه اليمنى خال من خراسان برايات سود ، بين يديه شعيب بن صالح ، يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم » .
وروى عن الحسن البصري قال : « يخرج بالري رجل ربعة أسمر مولى لبني تميم كوسج يقال له شعيب بن صالح ، في أربعة آلاف ثيابهم بيض وراياتهم سود يكون على مقدمة المهدي لا يلقاه أحد إلا فله » .
والربعة : المربوع القامة . والكوسج : أكوس اللحية . فلَّه : ضربه وهزمه .
وروى عن سفيان الكعبي قال : « يخرج على لواء المهدي غلام حدث السن خفيف اللحية ، أصفر ، لو قاتل الجبال لهزها حتى ينزل إيليا » .
وروى عن عبد الله بن عمر : 1 / 372 ، قال : « يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق ، لو استقبلته الجبال لهدمها واتخذ فيها طرقاً » .
وفي مجمع الزوائد : 7 / 317 : « عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله جالساً في نفر من المهاجرين والأنصار وعلي بن أبي طالب عن يساره والعباس عن يمينه ، إذ تلاحى العباس ورجل من الأنصار فأغلظ الأنصاري للعباس ، فأخذ النبي بيد العباس ويد علي فقال : سيخرج من صلب هذا فتى يملأ الأرض جوراً وظلماً ، وسيخرج من هذا فتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التميمي ، فإنه يقبل من قبل المشرق ، وهو صاحب راية المهدي » . والمعجم الأوسط : 5 / 79 ، وجامع السيوطي : 8 / 759 ، والحاوي : 2 / 62 ، والفتاوى الحديثية / 27 ، والمغربي / 559 .
كما روى ابن حماد / 86 : « عن أبي جعفر قال : يبث السفياني جنوده في الآفاق بعد دخوله
--------------------------- 500 ---------------------------
الكوفة وبغداد ، فيبلغه فزعة من وراء النهر من أهل خراسان ، فيقبل أهل المشرق عليهم قتلاً ويذهب بجيشهم . فإذا بلغه ذلك بعث جيشاً عظيماً إلى إصطخر عليهم رجل من بني أمية ، فتكون لهم وقعة بقومش ، ووقعة بدولات الري ، ووقعة بتخوم زرع ، فعند ذلك يأمر السفياني بقتل أهل الكوفة وأهل المدينة ، وعند ذلك تقبل الرايات السود من خراسان ، على جميع الناس شاب من بني هاشم بكفه اليمنى خال ، يسهل الله أمره وطريقه ، ثم تكون له وقعة بتخوم خراسان ، ويسير الهاشمي في طريق الري فيسرح رجلاً من بني تميم من الموالي يقال له شعيب بن صالح إلى إصطخر إلى الأموي ، فيلتقي هو والمهدي والهاشمي ببيضاء إصطخر ، فتكون بينهما ملحمة عظيمة حتى تطأ الخيل الدماء إلى أرساغها .
ثم تأتيه جنود من سجستان عظيمة عليهم رجل من بني عدي ، فيظهر الله أنصاره وجنوده . ثم تكون وقعة بالمدائن بعد وقعتي الري ، وفي عاقرقوفا وقعة صيلمية يخبرعنها كل ناج . ثم يكون بعدها ذبح عظيم ببَاكل ، ووقعة في أرض من أرض نصيبين . ثم يخرج على الأخوص قوم من سوادهم وهم العصب ، عامتهم من الكوفة والبصرة حتى يستنقذوا ما في يديه من سبي كوفان » . الحاوي : 2 / 69 .
وهذه مراسيل مقطوعة ، وآثار الوضع فيها واضح ، وغرضها تطبيق الرايات السود على حركة أبي مسلم .
ضعف رواية دخول الإمام المهدي عليه السلام إيران قبل العراق
المتفق عليه في أحاديث الإمام المهدي عليه السلام أن منطلقه من مكة وهدفه القدس ، وفيما بين ذلك يقوم بترتيب أوضاع دولته الجديدة في الحجاز والعراق ، وإعداد جيشه للزحف إلى القدس . وتنفرد رواية في فتن ابن حماد بأنه عليه السلام يأتي أولاً إلى جنوب إيران ، حيث يبايعه الإيرانيون وقائدهم الخراساني وقائد جيشه شعيب بن صالح ، ثم يخوض بهم معركة ضد السفياني في منطقة البصرة ثم يدخل العراق . فقد روى ابن حماد : 1 / 302 : « : « عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة بعث في طلب أهل خراسان ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي ، فيلتقي هو والهاشمي برايات سود على مقدمته شعيب بن صالح ،
--------------------------- 501 ---------------------------
فيلتقي هو وأصحاب السفياني بباب إصطخر فيكون بينهم ملحمة عظيمة ، فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني . فعند ذلك يتمنى الناس المهدي ويطلبونه » .
وإصطخر مدينة في جنوب إيران . لكن الرواية ضعيفة ومعارضة بغيرها ، ومن المستبعد أن يأمرالإمام عليه السلام قوات الخراسانيين بالدخول إلى العراق لمواجهة قوات السفياني ، ولا يوجد نص صحيح في دخول الإمام عليه السلام إلى إيران .
روايات مصادرنا في الخراسانيين وأصحاب الرايات السود
وقد تقدم بعضها ، ومنها ما رواه في عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 59 : « عن الحسين بن علي قال : حدثني أبي علي بن أبي طالب قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : لا تقوم الساعة حتى يقوم قائم للحق منا ، وذلك حين يأذن الله عز وجل له ، ومن تبعه نجا ومن تخلف عنه هلك . الله الله عباد الله ، فأتوه ولو حبواً على الثلج ، فإنه خليفة الله عز وجل » .
ورواه في كفاية الأثر / 106 ، وفيه : قلنا : يا رسول الله متى يقوم قائمكم ؟ قال : إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً ، وهو التاسع من صلب الحسين . ودلائل الإمامة / 239 ، كالعيون بتفاوت يسير ، والصراط المستقيم : 2 / 116 ، بعضه ، وإثبات الهداة : 3 / 523 ، عن كفاية الأثر ، وفي / 572 ، أوله ، عن مناقب فاطمة وولدها .
بعض ما جاء في فضل قم
ورد في فضلها ومستقبلها أحاديث عن أهل البيت عليهم السلام ، يظهر منها أن قمّاً مشروع أسسه الأئمة عليهم السلام في وسط إيران على يد أصحاب الإمام زين العابدين عليه السلام سنة 73 هجرية ، ثم رعوها رعاية خاصة ، وأخبروا بأنها سيكون لها شأن في المستقبل ، ويكون أهلها أنصار المهدي المنتظر أرواحنا فداه . وتنص بعض الأحاديث على أن تسميتها بقم جاءت متناسبة مع اسم المهدي القائم بالحق أرواحنا فداه ، وأن أهلها ومنطقتها يقومون في نصرته عليه السلام .
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « قال لي : أتدري لم سمي قم ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : إنما سمي قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد صلوات الله عليه ويقومون معه ، ويستقيمون عليه وينصرونه » . « البحار : 57 / 215 » .
--------------------------- 502 ---------------------------
وقد أعطى الأئمة عليهم السلام لقم مفهوماً أوسع من مدينتها وتوابعها ، فاستعملوها بمعنى خط قم ونهجها في ولاية أهل البيت عليهم السلام والقيام مع مهديهم الموعود . فقد دخل جماعة من أهل الري على الإمام الصادق عليه السلام : « وقالوا : نحن من أهل الري ، فقال : مرحباً بإخواننا من أهل قم . فقالوا : نحن من أهل الري ، فقال : مرحباً بإخواننا من أهل قم . فقالوا : نحن من أهل الري . فأعاد الكلام ! قالوا ذلك مراراً وأجابهم بمثل ما أجاب به أولاً ، فقال : إن لله حرماً وهو مكة وإن لرسوله حرماً وهو المدينة ، وإن لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة ، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم ، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة ، فمن زارها وجبت له الجنة . قال الراوي : وكان هذا الكلام منه عليه السلام قبل أن يولد الكاظم عليه السلام » . « البحار : 57 / 217 » .
ومعناه أن مدينة قم حرم الأئمة من أهل البيت إلى المهدي عليهم السلام ، وأهل الري وغيرها هم من أهل قم ، لأنها تشمل إيران . لذلك قلنا إن المقصود بأهل قم ونصرتهم المهدي عليه السلام قد يكون مدينة قم وقد تكون أهل إيران الذين هم على خط قم .
ومعنى قول الراوي : وكان هذا الكلام منه قبل أن يولد الكاظم عليه السلام : أن الإمام الصادق عليه السلام أخبرعن ولادة حفيدته فاطمة بنت موسى بن جعفر قبل ولادة أبيها الكاظم عليهم السلام ، أي قبل سنة 128 للهجرة ، وأخبر أنها ستدفن في قم ، ثم تحقق ذلك بعد أكثر من سبعين سنة !
ومن العجيب أن إعداد الأئمة عليهم السلام لأهل قم لنصرة المهدي عليه السلام ، كان من أول تأسيسها ، وأن حبهم للمهدي كان معروفاً عنهم قبل ولادته ! عليه السلام فعن صفوان بن يحيى قال : « كنت يوماً عند أبي الحسن عليه السلام « الإمام الرضا » . فجرى ذكرأهل قم وميلهم إلى المهدي عليه السلام فترحم عليهم ، وقال : رضي الله عنهم ، ثم قال : إن للجنة ثمانية أبواب : واحد منها لأهل قم ، وهم خيار شيعتنا من بين سائر البلاد ، خمر الله تعالى ولايتنا في طينتهم » . « البحار : 57 / 218 » .
وقد يكون معناه باب الصدِّيقين المؤمنين بالغيب ، وقد حافظ أهل قم على حبهم للمهدي عليه السلام إلى عصرنا هذا .
وتحدثت روايتان عن الإمام الصادق عليه السلام عن مستقبل قم ودورها قرب ظهور المهدي إلى أن يظهر ، رواهما في البحار : 57 / 213 ، عن كتاب تاريخ قم للأشعري . تقول الأولى : « إن الله احتج بالكوفة على سائر البلاد ، وبالمؤمنين من أهلها على غيرهم من أهل البلاد ، واحتج ببلدة قم
--------------------------- 503 ---------------------------
على سائر البلاد ، وبأهلها على جميع أهل المشرق والمغرب من الجن والإنس ، ولم يَدَع قم وأهله مستضعفاً بل وفقهم وأيدهم . ثم قال : إن الدين وأهله بقم ذليل ، ولولا ذلك لأسرع الناس إليه فخرب قم وبطل أهله ، فلم يكن حجة على سائر البلاد . وإذا كان كذلك لم تستقر السماء والأرض ولم ينظروا طرفة عين ! وإن البلايا مدفوعة عن قم وأهله ، وسيأتي زمان تكون بلدة قم وأهلها حجة على الخلائق ، وذلك في زمان غيبة قائمنا إلى ظهوره ، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها . وإن الملائكة لتدفع البلايا عن قم وأهله ، وما قصده جبار بسوء إلا قصمه قاصم الجبارين ، وشغله عنه بداهية أو مصيبة أو عدو ، ويُنسي الله الجبارين في دولتهم ذكر قم وأهله ، كما نسوا ذكر الله » .
وتقول الثانية : « ستخلو كوفة من المؤمنين ، ويأزرعنها العلم كما تأزر الحية في جُحْرها ، ثم يظهرالعلم ببلدة يقال لها قم ، وتصير معدناً للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين ، حتى المخدرات في الحجال ، وذلك عند قرب ظهور قائمنا ، فيجعل الله قم وأهله قائمين مقام الحجة ، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها ولم يبق في الأرض حجة ، فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب ، فتتم حجة الله على الخلق حتى لا يبقى أحد لم يبلغ إليه الدين والعلم . ثم يظهر القائم عليه السلام ، ويصير سبباً لنقمة الله وسخطه على العباد لأن الله لا ينتقم من العباد إلا بعد إنكارهم حجة » .
وفي البحار : 60 / 218 ، عن كتاب تاريخ قم : « عن أبي مسلم العبدي ، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : تربة قم مقدسة وأهلها منا ونحن منهم ، لايريدهم جبار بسوء إلا عجلت عقوبته ما لم يخونوا إخوانهم ، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم جبابرة سوء ! أما إنهم أنصار قائمنا ودعاة حقنا . ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم اعصمهم من كل فتنة ونجهم من كل هلكة » . وفي نسخة : « ما لم يحولوا أحوالهم » .
وفي الإختصاص / 101 : « عن الإمام علي بن محمد العسكري عن أمير المؤمنين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما أسري بي إلى السماء الرابعة نظرت إلى قبة من لؤلؤ ، لها أربعة أركان وأربعة أبواب ، كلها من إستبرق أخضر ، قلت : يا جبرئيل ما هذه القبة التي لم أر في السماء الرابعة أحسن منها ؟ فقال : حبيبي محمد هذه صورة مدينة يقال لها قم ، يجتمع فيها عباد الله
--------------------------- 504 ---------------------------
المؤمنون ، ينتظرون محمداً وشفاعته للقيامة والحساب ، يجري عليهم الغم والهم والأحزان والمكاره . قال : فسألت علي بن محمد العسكري عليه السلام متى ينتظرون الفرج ؟ قال : إذا ظهر الماء على وجه الأرض » .
والمقصود ظهور الماء على وجه الأرض في قم ، أو ظهوره على شكل آية في العالم . وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله حدث علياً عليه السلام عن البصرة والأبلة وعن بلاد سيفتحها المسلمون ، فلا عجب أن يكون حدثه عن قم .
حديث : أتاح الله لأمة محمد صلى الله عليه وآله برجل منا أهل البيت
« عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال : يا أبا محمد ليس ترى أمة محمد صلى الله عليه وآله فرجاً أبداً ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم . فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد صلى الله عليه وآله برجل منا أهل البيت يسير بالتقى ويعمل بالهدى ، ولا يأخذ في حكمه الرُّشا ، والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه . ثم يأتينا الغليظ القصرة ، ذو الخال والشامتين ، القائد العادل الحافظ لما استودع ، يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملأها الفجار ظلماً وجوراً » .
وهو حديث ملفت لكنه ناقص ، والظاهر أن كلمة الغليظ القصرة تصحيف لكلمة أخرى ، لأنه وصف رجل عادل يأتي بعد الإمام المهدي وهو مخالف للمذهب . وقد نقله صاحب البحار قدس سره عن كتاب الإقبال لابن طاووس قدس سره ، وذكر في الإقبال / 599 ، أنه نقله في سنة اثنتين وستين وست مائة في كتاب الملاحم للبطائني ، لكنه نقله ناقصاً . والبطائني من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام وكتابه الملاحم مفقود .
أما بنو فلان في الحديث فلا يلزم أن يكونوا بني العباس كما فهمه ابن طاووس رحمه الله ، فقد يقصد بهم الأسرالتي تحكم قبل ظهورالمهدي عليه السلام . كما في الأحاديث التي تذكر الخلاف بين آل فلان من حكام الحجاز ، قبل ظهوره عليه السلام ، إنما تقصد آخر عائلة تحكم الحجاز قبله . وحديث أمير المؤمنين عليه السلام في قتل آل فلان للنفس الزكية قبل ظهورالإمام عليه السلام بأسبوعين : « ألا أخبركم بآخر ملك بني فلان ؟ قلنا : بلى يا أمير المؤمنين قال : قتل نفس حرام في بلد حرام ، من قوم من قريش . والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لهم ملك بعده غير خمسة عشر ليلة » . « البحار : 52 / 234 » .
--------------------------- 505 ---------------------------
ومثله أحاديث اختلاف بني فلان ، أو هلاك آخر حاكم منهم قبيل الظهور ، فلا بد من تفسيرها بغير بني العباس ، لأن بني العباس زال ملكهم على المغول كما أخبر الأئمة عليهم السلام ، وزوال ملك هؤلاء متصل بظهور المهدي عليه السلام .
وحتى الروايات التي تذكر بني العباس صراحة فقد تكون صدرت عن الأئمة عليهم السلام بتعبير « بني فلان ، وآل فلان » ورواها الراوي بني العباس لتصوره أنهم المقصودون . أو يكون المقصود به خط بني العباس المعادي للأئمة عليهم السلام لا أشخاصهم ، فإن كل فعاليات العداء لأهل البيت عليه السلام بعد المنصور العباسي ترجع إليه ، لأنه مؤسس ذلك !
هذا ، وقد روى في الفتوح : 2 / 78 : « عن علي عليه السلام خبراً في مدح خراسان وفتحها على يد المهدي ، وأموراً عن بخارى وخوارزم والشاشان وأبيجاب وبلخ وطالقان والترمذ واشجردة وسرخس وياسوج وجرجان وقومس وسمنان وطبرستان ، وغيرها » .
وفيها مدح لبعضها وذم لآخر ، وأثر الوضع عليه ظاهر ! كما لا يمكن تطبيقها على حركة ظهور الإمام عليه السلام فقد تكون عن أحداث مضت . ونحوه بيان الشافعي / 491 ، وعقد الدرر / 122 ، وجمع الجوامع : 2 / 104 ،
المخاض داخل إيران في سنة الظهور
تدل الأحاديث على أنه سيحدث صراع داخلي في إيران في سنة الظهور ، بين أنصار الإمام عليه السلام ومخالفيهم الذين لا يريدون تسليم بلدهم له عليه السلام . فقد تحدثت الروايات الصحيحة عن قيام أنصار الإمام عليه السلام بحركة واسعة في إيران تشبه الثورة ، وأنهم يغلبون من خالفهم .
قال الإمام الباقر عليه السلام « غيبة النعماني / 273 » : « كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلايعطونه ، ثم يطلبونه فلا يعطونه ، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم ، فيعطون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم ، قتلاهم شهداء ، أما إني لو أدركت ذلك ، لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر » .
فقوله : حتى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم ، يدل على أن الخلاف على راية ثورتهم أو بلدهم .
--------------------------- 506 ---------------------------
وذكرت روايات أنه سيخرج في تلك الفترة شخصيات من أنصارالمهدي عليه السلام في آذربيجان وخراسان وجيلان .
ففي غيبة النعماني / 200 و 271 : « عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنه قال لي أبي عليه السلام : لا بد لنا من آذربيجان لا يقوم لها شئ ، وإذا كان ذلك فكونوا أحلاس بيوتكم والْبُدُوا ما لبدنا ، فإذا تحرك متحركنا فاسعوا إليه ولو حبواً ، والله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام ، يبايع الناس على كتاب جديد ، على العرب شديد . وقال : ويل لطغاة العرب من شر قد اقترب » . وهذا يدل على حركة شعبية كاسحة في آذربيجان ، تكون في سنة الظهور ، يتبعها ظهور قائد يتحرك بأمرالإمام عليه السلام ، ويأتي ذلك في فصل الأتراك .
كما ذكرت الأحاديث قيام شخص في خراسان ، وشخص مرضي عند أهل البيت عليهم السلام في جيلان ، ففي غيبة النعماني / 274 ، عن الإمام الصادق عليه السلام : « أن أمير المؤمنين عليه السلام حدث عن أشياء تكون بعده إلى قيام القائم ، فقال الحسين : يا أمير المؤمنين متى يطهر الله الأرض من الظالمين ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لا يطهر الله الأرض من الظالمين حتى يسفك الدم الحرام . ثم ذكر أمر بني أمية وبني العباس في حديث طويل ، ثم قال : إذا قام القائم بخراسان ، وغلب على أرض كوفان وملتان ، وجاز جزيرة بني كاوان ، وقام منا قائم بجيلان ، وأجابته الآبر والديلمان . . » .
وهؤلاء الثلاثة : متحرك آذربيجان ، ومتحرك خراسان ، ومتحرك جيلان ، مترابطون ، يحركون الناس لنصرة الإمام عليه السلام ، ووزيره اليماني ، ولعلهم بتوجيه مباشر من الإمام عليه السلام ، لأنه يكون في تلك الفترة ظاهراً لكنه مُتَخَفٍّ .
- *
--------------------------- 507 ---------------------------
الفصل الرابع والعشرون : ( اليمانيون أنصاره ، اليمانيون في حركة ظهور المهدي عليه السلام )
--------------------------- 508 ---------------------------
تفضيل النبي صلى الله عليه وآله أهل اليمن على غيرهم
روى الجميع أحاديث مدح النبي صلى الله عليه وآله لأهل اليمن ، وتفضيلهم على غيرهم .
1 . ومن أشهرها ما رواه البخاري « 5 / 122 » : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « أتاكم أهل اليمن ، هم أرقُّ أفئدةً ، وألْيَنُ قلوباً ، الإيمان يمانٍ ، والحكمة يمانية ، والفخر والخُيَلاءُ في أصحاب الإبل ، والسكينة والوقار في أهل الغنم ! وعن ابن مسعود قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الإيمان هاهنا وأشار بيده إلى اليمن . والجفاء وغلظ القلوب في الفدَّادين عند أصول أذناب الإبل ، من حيث يطلع قرنا الشيطان ، ربيعة ومضر » .
2 . وما رواه مسلم « 1 / 51 » : عن أبي هريرة قال : « إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : رأس الكفر نحو المشرق ، والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل ، الفدَّادين أهل الوبر ، والسكينة في أهل الغنم » .
3 . وما رواه في الكافي « 8 / 70 » : عن الإمام محمد الباقر عليه السلام قال : « خرج رسول الله صلى الله عليه وآله لعرض الخيل فمر بقبر أبي أحيحة ، فقال أبو بكر : لعن الله صاحب هذا القبر ، فوالله إن كان ليصد عن سبيل الله ، ويكذب رسول الله ، فقال خالد ابنه : بل لعن الله أبا قحافة ، فوالله ما كان يقري الضيف ولا يقاتل العدو ، فلعن الله أهونهما على العشيرة فقداً . فألقى رسول الله خطام راحلته على غاربها ، ثم قال : إذا أنتم تناولتم المشركين فعموا ولا تخصوا ، فيغضب وُلْدُهُ . ثم وقف فعُرضت عليه الخيل فمر به فرس ، فقال عيينة بن حصن : إن من أمر هذا الفرس كيت وكيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ذرنا ، فأنا أعلم بالخيل منك ، فقال : عيينة وأنا أعلم بالرجال منك ! فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى ظهر الدم في وجهه فقال له : فأي الرجال أفضل ؟ فقال عيينة بن حصن : رجال يكونون بنجد يضعون سيوفهم على عواتقهم ، ورماحهم على كواثب خيلهم ، ثم يضربون بها قدماً قدماً . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : كذبت ، بل رجال أهل اليمن أفضل ، الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية ، ولولا الهجرة لكنت امرءً من أهل اليمن ، الجفا والقسوة في الفدَّادين أصحاب الوبر ربيعة ومضر ، من حيث يطلع قرن الشمس . ومذحج أكثر قبيل يدخلون الجنة ، وحضرموت خير من عامر بن صعصعة » .
4 . وفي شرح النووي لمسلم « 2 / 29 » : « أشار النبي صلى الله عليه وآله بيده نحو اليمن فقال : ألا إن الإيمان هاهنا ، وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل ، حيث يطلع قرنا
--------------------------- 509 ---------------------------
الشيطان ، في ربيعة ومضر .
وفي رواية : رأس الكفر نحو المشرق ، والفخر والخيلاء ، في أهل الخيل والإبل الفدادين أهل الوبر ، والسكينة في أهل الغنم . وفي رواية : الإيمانُ يمانٍ ، والفقه يمانٍ والحكمةُ يمانية .
وفي رواية : دعائم أمتي أهل اليمن .
وفي رواية : أتاكم أهل اليمن كقطع السحاب خير أهل الأرض .
وفي رواية : هم ألين قلوباً وأرق أفئدة . الإيمان يمان ، ورأس الكفر قبل المشرق .
وفي رواية : أشار بيده نحو اليمن فقال : إن اليُمْنَ ها هنا ، وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين ، عند أصول أذناب الإبل ، في ربيعة ومضر .
وفي رواية : أجد نَفَس ربكم من قبل اليمن ، ألا إن الكفر والفسوق وقسوة القلب في الفدادين أصحاب الشعر والوبر ، يغشاهم الشيطان .
وفي رواية : من أحب أهل اليمن فقد أحبني ، ومن أبغض أهل اليمن فقد أبغضني . الإيمان يمان إلى لخم وجذام وعاملة ، ومأكول حمير خير من آكلها « محكومها خير من حاكمها » ، وحضرموت خير من بني الحار .
وفي رواية : زينُ الحاج أهل اليمن . الإيمان يمان ، ومضرعند أذناب الإبل .
وفي رواية : جاءكم أهل اليمن يَبُسُّون بَسيساً . قومٌ رقيقةٌ قلوبهم ، راسخٌ إيمانهم ، ومنهم المنصور يخرج في سبعين ألفاً ، ينصر خلفي وخلف وصيي . حمائل سيوفهم المسك .
وفي رواية : خير الرجال رجال أهل اليمن ، الإيمان يمان إلى لخم وجذام وعاملة ، ومأكول حمير خير من آكلها ، وحضرموت خير من بني الحارث وقبيلة خير من قبيلة ، وقبيلة شر من قبيلة ، والله ما أبالي أن يهلك الحارثان كلاهما ، لعن الله الملوك الأربعة : جمداء ومخوساء ومشرحاء وأبضعة ، وأختهم العمردة ، ثم أمرني ربي عز وجل أن ألعن قريشاً مرتين فلعنتهم ، ثم أمرني ربي أن أصلي عليهم مرتين فصليت عليهم .
5 . وفي كتاب البلدان لابن الفقيه الهمذاني / 91 : « لما جاء أهل اليمن قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قد جاءكم أهل اليمن أرق قلوباً منكم ، وهم أول من جاءنا بالمصافحة . وقال : الإيمان يمان والحكمة يمانية والإسلام يمان وقال : أهل اليمن زين الحاج . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله
--------------------------- 510 ---------------------------
إذا تعذّر على أحدكم الملتمس فعليه بهذا الوجه ، وأشار إلى اليمن » .
6 . وفي رواية الكافي « 4 / 205 » عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « إن الله عز وجل أمر إبراهيم عليه السلام ببناء الكعبة وأن يرفع قواعدها ، ويُرِي الناس مناسكهم ، فبنى إبراهيم وإسماعيل عليه السلام البيت كل يوم سافاً حتى انتهى إلى موضع الحجر الأسود . قال : أبو جعفر عليه السلام : فنادى أبو قبيس إبراهيم عليه السلام : إن لك عندي وديعة ، فأعطاه الحجر فوضعه موضعه . ثم إن إبراهيم عليه السلام أذَّنَ في الناس بالحج فقال : أيها الناس إني إبراهيم خليل الله ، إن الله يأمركم أن تحجوا هذا البيت ، فحجوه . فأجابه من يحج إلى يوم القيامة ، وكان أول من أجابه من أهل اليمن » .
وفي عمدة القاري « 9 / 128 » : « قيل أول من أجابه أهل اليمن فهم أكثر الناس حجاً ، وهذا قول الجمهور » .
وفي عون المعبود « 5 / 175 » : « فسمعه من بين السماء والأرض . . فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، وأول من أجابه أهل اليمن ، فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة ، إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ » .
محاولة القرشيين إبطال أحاديث مدح اليمن
عظم على علماء السلطة القرشية مدح النبي صلى الله عليه وآله لأهل اليمن وتفضيلهم على أهل نجد والحجاز ! فحاولوا إبعاد الذم عن أهل نجد والحجاز وقالوا إن الفدَّادين الذين يحرثون على فدَّان البقر أي اليمنيين ! مع أنه صلى الله عليه وآله نصَّ على أن الفدَّادين أهل نجد والحجاز ، فقال كما في البخاري : الإيمان هاهنا ، وأشار بيده إلى اليمن . والجفاء وغلظ القلوب في الفدَّادين ، عند أصول أذناب الإبل من حيث يطلع قرنا الشيطان ، ربيعة ومضر .
وقال لعيينة بن حصن لما فضَّل أهل نجد : بل رجال أهل اليمن أفضل ، الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية ، ولولا الهجرة لكنت امرءً من أهل اليمن ، الجفا والقسوة في الفدَّادين أصحاب الوبر ربيعة ومضر ، من حيث يطلع قرن الشمس . ومذحج أكثر قبيل يدخلون الجنة ، وحضرموت خير من عامر بن صعصعة .
فالفدادون أهل صحراء ، وأصحاب إبل ، وأهل الشعر والوبر ، وأهل الخيل والوبر ، وليسوا
--------------------------- 511 ---------------------------
أهل زراعة . لذلك يتعين أن تكون كلمة الفدادين من فَدَدَ بمعنى صرَّخ ، وليس من فَدَنَ بمعنى فدَّان الحراثة . فالمعنى أن الجفاء في الفدَّادين أهل الصراخ والصياح على إبلهم وحيواناتهم وأنفسهم . وهم الذين صرخوا على النبي صلى الله عليه وآله من وراء بيته وقالوا : أخرج الينا يا محمد ! فقال الله عنهم : إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ .
والكلام بالصراخ : هاه ، هوه ، هاي . صفة النجديين في حياتهم اليومية إلى يومنا . فهذا معنى الفَدَّادين .
قال في الصحاح « 2 / 518 » : « الفديد : الصوت . وقد فدَّ الرجل يفدُّ فديداً . ورجل فَدَّاد : شديد الصوت . وفي الحديث : إن الجفاء والقسوة في الفدادين بالتشديد ، وهم الذين تعلوا أصواتهم في حروثهم ومواشيهم » .
وقال في مجمع البحرين « 3 / 119 » : « في الحديث : الجفاء والقسوة في الفدادين . الفدادون يفسر بوجهين : أحدهما أن يكون جمعاً للفداد ، وهو شديد الصوت من الفديد ، وذلك من دأب أصحاب الإبل . وهذا إذا رويته بتشديد الدال من فَدَّ يَفِدُّ : إذا رفع صوته . والوجه الآخر أنه جمع الفدان مشدداً ، وهي البقر التي يحرث عليها أهلها وذلك إذا رويته بالتخفيف » .
وفي الطراز « 6 / 134 » : « فد فديداً كحنَّ حنيناً : صاح وأجلب وعدا » .
محاولة ثانية لعلماء السلطة لإبطال مدح اليمن
ومن محاولاتهم لتخريب معنى الحديث ، وجعله مدحاً لأهل الحجاز ونجد ! ما قاله النووي في شرح مسلم « 2 / 32 » : « اختُلف في مواضع من هذا الحديث وقد جمعها القاضي عياض ، ونقحها مختصرة بعده الشيخ أبو عمرو بن الصلاح ، قال : أما ما ذكر من نسبة الإيمان إلى أهل اليمن فقد صرفوه عن ظاهره من حيث إن مبدأ الإيمان من مكة ثم من المدينة حرسهما الله تعالى ! فحكى أبو عبيد إمام الغرب ثم مَن بعده في ذلك أقوالاً :
أحدها : أنه أراد بذلك مكة فإنه يقال أن مكة من تهامة وتهامة من اليمن .
والثاني : أن المراد مكة والمدينة ، فإنه يروى في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله قال هذا الكلام وهو بتبوك ومكة والمدينة حينئذ بينه وبين اليمن ، فأشار إلى ناحية اليمن ، وهو يريد مكة والمدينة
--------------------------- 512 ---------------------------
فقال : الإيمان يمان ، ونسبهما إلى اليمن لكونهما حينئذ من ناحية اليمن ، كما قالوا الركن اليماني وهو بمكة لكونه إلى ناحية اليمن !
والثالث : ما ذهب إليه كثير من الناس وهو أحسنها عند أبي عبيد ، أن المراد بذلك الأنصار لأنهم يمانون في الأصل فنسب الإيمان إليهم . . ولو جمع أبو عبيد ومن سلك سبيله طرق الحديث بألفاظه كما جمعها مسلم وغيره ، وتأملوها لصاروا إلى غير ما ذكروه ، ولما تركوا الظاهر ، ولقضوا بأن المراد اليمن وأهل اليمن على ما هو المفهوم من إطلاق ذلك إذ من ألفاظه : أتاكم أهل اليمن ، والأنصار من جملة المخاطبين بذلك فهم إذن غيرهم ، وكذلك قوله صلى الله عليه وآله : جاء أهل اليمن ، وإنما جاء حينئذ غير الأنصار ، ثم إنه صلى الله عليه وآله وصفهم بما يقضى بكمال إيمانهم ورتب عليه الإيمان يمان ، فكان ذلك إشارة للإيمان إلى من أتاه من أهل اليمن ، لا إلى مكة والمدينة . ولا مانع من إجراء الكلام على ظاهره ، وحمله على أهل اليمن حقيقة ، لأن من اتصف بشئ وقوي قيامه به وتأكد اطلاعه منه ، ينسب ذلك الشئ إليه ، إشعاراً بتميزه به وكمال حاله فيه . وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الإيمان ، وحال الوافدين منه في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وفى أعقاب موته ، كأويس القرني وأبي مسلم الخولاني ، وشبههما ممن سلم قلبه وقوى إيمانه ، فكانت نسبة الإيمان إليهم لذلك إشعاراً بكمال إيمانهم ، من غير أن يكون في ذلك نفيٌ له عن غيرهم . فلا منافاة بينه وبين قوله صلى الله عليه وآله : الإيمان في أهل الحجاز .
ثم المراد بذلك الموجودون منهم حينئذ ، لا كل أهل اليمن في كل زمان فإن اللفظ لا يقتضيه ! هذا هو الحق في ذلك » .
أقول : حاول النووي أن يكون منصفاً ولم يستطع ، فقد خالف تمحلهم بأن اليمن في هذه الأحاديث بمعنى الحجاز أو الأنصار ، لأنه أحس أن ذلك تزوير لا يتحمله اللفظ ، فأقرأنها بمعناها المتبادر الظاهر ، لكنه حصرها بأهل ذلك الزمان ، ثم صحح رواية : الإيمان في أهل الحجاز وهي مقابل : الإيمان يمانٍ !
--------------------------- 513 ---------------------------
العموم والاستثناء في تفضيل النبي صلى الله عليه وآله لأهل اليمن
يدل مدح اليمانيين على أنهم أفضل نسبياً من غيرهم ، وهناك استثناءات لُبِّيَّة من هذا الإطلاق ، فهو لا ينفي الإيمان عن غيرهم ، كما لا ينفي تفضيل النبي صلى الله عليه وآله وعترته عليهم ، لأنهم لا يقاس بهم أحد .
كما لا ينفي أن يكون آخرون من الأمة أفضل منهم ، لأن الميزان : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ . وفي الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام « الكافي : 2 / 83 » : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبها بقلبه وباشرها بجسده وتفرغ لها ، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا ، على عسرأم على يسر » .
وقال علي عليه السلام « نهج البلاغة : 2 / 6 » : « إن أفضل الناس عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه وإن نقصه وكَرَثه من الباطل وإن جر إليه فائدة وزاده » .
وعن الإمام الصادق عليه السلام « المحاسن : 1 / 37 » : « من سبح الله مائة مرة ، كان أفضل الناس ذلك اليوم ، إلا من قال مثل قوله » .
لذلك لاخوف من تفضيل اليمانيين كما خافت قريش ، فهو تفضيل لشعب اليمن بعمومه وليس لكل فرد فرد فيه ، ففي اليمن كما في غيره أفراد أعداء لله ورسوله صلى الله عليه وآله من أهل النار ، لكن عموم اليمانيين جيدون . كما أن التفضيل لا يختص بالجيل الذي كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله كما زعم بعض علماء السلطة ، بل يشمل كل أجيالهم إلى يوم القيامة .
وينبغي التنبيه على أن ذكر النبي صلى الله عليه وآله لبني عاملة من جملة اليمن ، يدل على عموم المدح لفروعهم كالأنصار والعامليين . وهو فخر لهم نحسبه ذخراً .
عداء معاوية وبني أمية لأهل اليمن
روى البلاذري في أنساب الأشراف « 5 / 215 » قال الشعبي : « كتب زياد إلى معاوية : إن رأى أمير المؤمنين أن يكتب إليَّ بسيرة أسيرها في العرب . فكتب إليه معاوية : يا أبا المغيرة قد كنت لهذا منك منتظراً ، أنظر أهل اليمن فأكرمهم في العلانية وأهنهم في السر ، وانظر هذا الحيّ من ربيعة فأكرم أشرافهم وأهن سفلتهم ، فإن السفلة تبع للأشراف ،
--------------------------- 514 ---------------------------
فأما هذا الحي من مضر فإن فيهم فظاظة وغلظة ، فاحمل بعضهم على رقاب بعض ، ولا ترض بالظن دون اليقين ، وبالقول دون الفعل ، واترك الأمور بينك وبين الناس على أشدها ، والسلام » .
وفي التذكرة الحمدونية « 7 / 181 » : « قال معاوية لرجل من أهل اليمن : ما كان أحمق قومك حين ملَّكوا عليهم امرأة ! قال : قومك أشدُّ حماقةً إذ قالوا : اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ ، هلَّا قالوا : فاهدنا له » .
وروى الطبراني في الأوسط « 5 / 57 » : « أتى رسول الله صلى الله عليه وآله أعرابي فقال : يا رسول الله إلعن أهل اليمن ثلاثاً ، فسكت عنه ثم قال : أين هذا السائل الذي سألني أن ألعن أهل اليمن ؟ فقام إليه الرجل ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : إن الإيمان يمان والحكمة يمانية ، وأجد نَفَس ربكم من قبل اليمن ، ألا إن الكفر والفسوق وقسوة القلب في الفدَّادين ، أصحاب الشعر والوبر ، يغشاهم الشيطان على أعجاز الإبل ! فقام الرجل مغضباً ، فقال صلى الله عليه وآله : إرجع عليَّ أزيدك » !
وسيأتي في حديث اليماني الذي ينصر المهدي عليه السلام الذي رواه البخاري أن عبد الله بن عمرو أخبر اليمانيين بخبره عن النبي صلى الله عليه وآله فغضب معاوية وصعد المنبير ووبخ عبد الله ، وقال إنه لا يوجد ملك لغير قريش إلى أن تقوم القيامة !
أحاديث اليماني الموعود من مصادر السنيين
الحديث الأول : حديث اليماني الذي محاه معاوية !
قال عبد الله بن عمرو بن العاص يوماً لليمانيين إن رسول الله صلى الله عليه وآله وعدكم بملك يماني وروى لهم حديثه فاستبشروا .
وعرف معاوية فاستشاط غضباً ، وصعد المنبر وصبَّ غضبه على عبد الله بن عمرو ، ووبخه وسماه جاهلاً ، مع أن عبد الله أخبر منه بالحديث وكان يكتب أحاديث النبي في حياته صلى الله عليه وآله ، بينما كان معاوية هارباً في اليمن حتى توسط له العباس قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وآله فعفا عنه وجاء إلى المدينة !
--------------------------- 515 ---------------------------
قال البخاري في صحيحه « 4 / 155 ، و : 8 / 105 » : « كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش ، أن عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث أنه سيكون ملك من قحطان ، فغضب معاوية فقام خطيباً ، فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد فإنه بلغني أن رجالاً منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ، ولا تُؤثر عن رسول الله ، فأولئك جهالكم ! فإياكم والأماني التي تضل أهلها ! فإني سمعت رسول الله يقول : إن هذا الأمر في قريش ، لا يعاديهم أحد إلا كبَّه الله على وجهه ، ما أقاموا الدين » .
وبهذا الغضب محا معاوية حديث اليماني ! فأطاعه الرواة وغيبوه وضيعوه ، ثم حرفوه ! لكنه كان معروفاً للناس ، وأن اسم اليماني ثلاثة أحرف !
قال المسعودي عن ثورة عبد الرحمن بن الأشعث الكندي اليماني : « فلما عظمت جموعة ولحق به كثير من أهل العراق ورؤسائهم وقراؤهم ونساكهم عند قربه منها ، خلع عبد الملك وذلك بإصطخر فارس وخلعه الناس جميعاً وسمى نفسه ناصر المؤمنين ، وذكر له أنه القحطاني الذي ينتظره اليمانية ، وأنه يعيد الملك فيها ، فقيل له إن القحطاني على ثلاثة أحرف ! فقال : اسمي عبد ، وأما الرحمن فليس من اسمي » ! « التنبيه والأشراف / 272 » .
وقال البلخي في البدء والتاريخ « 2 / 184 » عن عبد الله بن عمرقال : « لما خرج سمي بالقحطاني وكتب إلى العمال : من عبد الرحمن ناصر أمير المؤمنين ، يقصد بذلك المهدي المنتظر عليه السلام . فقيل له : إن اسم القحطاني على ثلاثة أحرف ، فقال : اسمي عبد ، وليس الرحمن من اسمي » !
أقول : يدل ذلك على أن حديث اليماني كان متسالماً عليه عند الناس ، وأن اسمه ثلاثة حروف ، وقد يكون حسن ، وأنه ناصر الإمام المهدي عليه السلام .
ونلاحظ أن المصادر السنية بعد هذه الحادثة روت توبة عبد الله بن عمرو العاص ، وروت في اليماني أحاديث متضاربة ، بعضها يقول يأتي مع المهدي وبعضها يقول بعده ، وأكثرها يذمه ولا يمدحه !
وهذا يدلك على سيطرة القرشيين على رواية الحديث ، وأنهم منعوا رواية أي حديث يبشر بظهور قائد يماني ، لأنه يمس بقيادة قريش للعالم إلى يوم الدين !
--------------------------- 516 ---------------------------
الحديث الثاني : توبة عبد الله بن عمرو العاص !
روى ابن حماد في « 1 / 382 » : « حدثنا الوليد ، عن ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد الحضرمي ، عن الفضل بن عفيف الدؤلي ، عن عبد الله بن عمرو ، أنه قال : يا معشر اليمن ، تقولون : إن المنصور منكم ، والذي نفسي بيده إنه لقرشي أبوه ، ولو أشاء أن أسميه إلى أقصى جد هو له لفعلت » !
أقول : أراد أن يرضي معاوية والقرشيين فجعل المنصور اليماني قرشياً وأمه يمانية ! وهو يناقض حديثه الذي صدق فيه فأغضب معاوية ، فلو كان قرشياً لما غضب ! فهو في الأول صادق وفي الثاني كاذب !
الحديث الثالث : توبة عبد الله بن عمرو ثانيةً !
روى عنه ابن حماد « 1 / 394 » أن المهدي يُخرج أهل اليمن من الشام إلى بلادهم !
« جلس في مسجد دمشق ، في جماعة ليس فيهم إلا أهل اليمن فقال : يا أهل اليمن كيف أنتم إذا أخرجناكم من الشام ، واستأثرنا بها عليكم ؟ قالوا : أوَ يكون ذلك ؟ قال : نعم ورب الكعبة . فقال : مالكم لا تَكلمون ! فقال بعض القوم : أفنحن أظلم فيه أم أنتم ؟ قال : بل نحن . فقال اليماني : الحمد لله ، وَسَيَعْلَمُ أَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ » .
الحديث الرابع : تأييد كعب الأحبار لتوبة ابن عمرو !
فقد روى ابن حماد « 1 / 395 » عن كعب أنه قال : « ما المهدي إلا من قريش ، وما الخلافة إلا في قريش ، غير أن له أصلاً ونسباً في اليمن » .
الحديث الخامس : أبشركم بطاغية يماني !
روى البخاري « 4 / 159 » : « عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان ، يسوق الناس بعصاه » ! ومعناه أنه رجل طاغية يسوق الناس بعصاه ، ويكون قبيل قيام الساعة بقليل ! ولذا رواه أحمد ومسلم بعد الحبشي نحيف الساقين ،
--------------------------- 517 ---------------------------
الذي يهدم الكعبة ومكة !
قال أحمد « 2 / 417 » : « عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : ذو السويقتين من الحبشة يخرب بيت الله عز وجل . وقال صلى الله عليه وآله : لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه » !
ثم هونوا الخطب على أنفسهم بأن الطاغية اليماني المزعوم يكون قريب القيامة !
وقد أطال ابن حجر وحرر صفحات كثيرة في تحليل حديث ابن عمرو ، وتبرير إنكار معاوية له !
وأضاف محاولات إلى محاولاتهم توجيه الأحاديث المكذوبة في اليماني !
قال في فتح الباري « 13 / 102 » : « لم أقف على لفظ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في ذلك ، وهل هو مرفوع أو موقوف . . فإن كان حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً موافقاً لحديث أبي هريرة فلا معنى لإنكاره أصلاً ! وإن كان لم يرفعه وكان فيه قدر زائد يشعر بأن خروج القحطاني يكون في أوائل الإسلام ، فمعاوية معذور في إنكار ذلك عليه » !
أما العيني فكان أكثر اختصاراً ، قال في عمدة القاري « 16 / 87 » : « لم يرد اسمه عند الأكثرين لكن القرطبي جزم أنه جهجاه ، الذي وقع ذكره في صحيح مسلم من طريق آخر عن أبي هريرة بلفظ : لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل يقال له : الجهجاه . . وفي التوضيح : حديث القحطان يدل على أنه خليفة ولكنه يحمل على تغلبه .
وروى نعيم بن حماد في الفتن عن أرطأة بن المنذر أحد التابعين من أهل الشام : أن القحطاني يخرج بعد المهدي ويسير على سيرة المهدي . وأخرج أيضاً من طريق عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده مرفوعاً : يكون بعد المهدي القحطاني ، والذي بعثني بالحق ما هو دونه . . قلت : إذا كان القحطاني في زمن عيسى ، كيف يسوق الناس بعصاه وكيف يملك مع وجود عيسى عليه الصلاة والسلام ؟ على أن في رواية أرطأة ابن المنذر : أن القحطاني يعيش في الملك عشرين سنة » !
وستعرف من مجموع النصوص أن المنصور اليماني ممدوح على لسان النبي صلى الله عليه وآله وليس مذموماً ، كما زعم الرواة القرشيون !
--------------------------- 518 ---------------------------
الحديث السادس : أن اليماني بعد المهدي عليه السلام
روى ابن حماد في « 1 / 28 ، 105 ، 109 » عن كعب : « يكون بعد الجبابرة رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً ، ثم القحطاني بعده » !
وروى الطبراني في الكبير « 22 / 375 » : « أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : سيكون من بعدي خلفاء ، ومن بعد الخلفاء أمراء ، ومن بعد الأمراء ملوك ، ومن بعد الملوك جبابرة ، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، ثم يؤمر القحطاني فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه » .
ورواه بصيغ متقاربة وفي أكثرها : « والذي بعثني بالحق ما هو دونه » . ورووا في هذ المعنى أحاديث ظاهرة الضعف والحشو ، وأنها من تصور الرواة ! وبعضها نقلتها مصادرنا فتصور البعض أنه من أحاديثنا ، مثل : رواية ابن طاووس في الملاحم والفتن / 77 : « عن أرطأة قال : أمير العصب ليس من ذي ولا ذه ، ولكنهم يسمعون صوتاً ما قاله إنس ولا جان : بايعوا فلاناً باسمه ليس من ذي ولا ذه ولكنه خليفة يماني . قال الوليد : وفي علم كعب أنه يماني قرشي ، وهو أمير العصب ، والعصب : أهل اليمن ومن تبعهم من سائر الذين أخرجوا من بيت المقدس » .
وروى في الملاحم والفتن أيضاً / 168 : « عن أرطأة قال : فيجتمعون وينظرون لمن يبايعون ، فبيناهم كذلك إذا سمعوا صوتاً ما قاله إنس ولا جان : بايعوا فلاناً باسمه ، ليس من ذوي ولا ذو ، ولكنه خليفة يماني » .
ومن الواضح أن الراوي أخذ النداء السماوي باسم المهدي عليه السلام وجعله لغيره !
ومن أحاديثنا المتأثرة بهم ما رواه الطوسي في الغيبة / 463 : « عن أبي زرعة ، عن أبي عبد الله بن رزين ، عن عمار بن ياسر أنه قال : إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان ، ولها إمارات ، فإذا رأيتم فالزموا الأرض وكفوا حتى تجئ إماراتها . فإذا استثارت عليكم الروم والترك ، وجهزت الجيوش ، ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال ، واستخلف بعده رجل صحيح ، فيخلع بعد سنين من بيعته ، ويأتي هلاك ملكهم من حيث بدأ ويتخالف الترك والروم ، وتكثر الحروب في الأرض ، وينادي مناد من سور دمشق : ويل لأهل الأرض من شر قد اقترب ، ويخسف بغربي مسجدها حتى يخر حائطها ، ويظهر ثلاثة نفر بالشام كلهم يطلب الملك ، رجل أبقع ، ورجل أصهب ، ورجل من أهل بيت أبي سفيان يخرج في كلب ، ويحضر الناس
--------------------------- 519 ---------------------------
بدمشق ، ويخرج أهل الغرب إلى مصر . فإذا دخلوا فتلك إمارة السفياني ، ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد عليهم السلام ، وتنزل الترك الحيرة ، وتنزل الروم فلسطين ، ويسبق عبد الله عبد الله ، حتى يلتقي جنودهما بقرقيسياء على النهر ويكون قتال عظيم ، ويسير صاحب المغرب فيقتل الرجال ويسبي النساء ، ثم يرجع في قيس حتى ينزل الجزيرة السفياني ، فيسبق اليماني ويحوز السفياني ما جمعوا . ثم يسير إلى الكوفة فيقتل أعوان آل محمد صلى الله عليه وآله ويقتل رجلاً من مسميهم .
ثم يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح ، وإذا رأى أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن أبي سفيان فألحقوا بمكة ، فعند ذلك تقتل النفس الزكية وأخوه بمكة ضيعة ، فينادي مناد من السماء : أيها الناس إن أميركم فلان ، وذلك هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » .
فكل حديث يذم اليماني أو يعطيه صفات المهدي عليه السلام فهو مكذوب .
الحديث السابع : أحاديث ورد فيها اسم المنصور اليماني
وهي تدل على صحة البشارة النبوية بالمنصور اليماني بقطع النظر عن مضمون هذه الأحاديث وسقمها . وقد ادعى العباسيون أن المنصور منهم ، وسموا به أبا جعفر المنصور ، وادُّعي لغيرهم ، وهذه نماذج منها :
عن ابن عباس : « والله إن منا بعد ذلك السفاح والمنصور والمهدي ، يدفعها إلى عيسى بن مريم عليه السلام » . « الفتن : 1 / 96 » . وقد طبقوا المنصور على خليفتهم الدوانيقي وابنه المهدي !
وعن ابن عمرو العاص « 1 / 117 » : « يكون بعد الجبارين الجابر ، يجبر الله به أمة محمد صلى الله عليه وآله ، ثم المهدي ، ثم المنصور ، ثم السلام ، ثم أمير العصب ، فمن قدر على الموت بعد ذلك فليمت » .
وعن جابر ، عن أبي جعفر ، قال : « إذا ظهر السفياني على الأبقع ، والمنصور اليماني ، خرج الترك والروم فظهرعليهم السفياني » . « 1 / 223 » .
« عن أبي جعفرقال : « إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام ، فتكون بينهم ملحمة عظيمة ، ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون فيقاتلهما جميعاً ، فيظهر عليهما جميعاً ، ثم يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده » . « 1 / 290 » .
--------------------------- 520 ---------------------------
« ثم يخرج المهدي ومنصور من الكوفة هاربين ، ويبعث السفياني في طلبهما ، فإذا بلغ المهدي ومنصور مكة نزل جيش السفياني البيداء ، فيخسف بهم . ثم يخرج المهدي حتى يمر بالمدينة فيستنقذ من كان فيها من بني هاشم » . « 1 / 308 » .
وروى ابن حماد « 1 / 384 » : « عن ذي مخبر ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : كان هذا الأمر في حمير فنزعه الله تعالى منهم وصيره في قريش ، وسيعود إليهم » !
وروى ابن حماد « 1 / 410 » : « عن أرطاة ، قال : على يدي ذلك الخليفة اليماني الذي تفتح القسطنطينية ورومية على يديه ، يخرج الدجال وفي زمانه ينزل عيسى بن مريم عليه السلام على يديه تكون غزوة الهند ، وهو من بني هاشم » .
ورووا أحاديث في معناه كرواية ابن حماد « 1 / 383 » عن أرطاة ، قال : « على يدي ذلك الخليفة اليماني وفي ولايته تفتح رومية » .
ومن الواضح أن أكثر هذه الأحاديث من تخيلات الرواة ، لكن شاهدنا منها أن اسم المنصور اليماني تردد فيها وكان معروفاً ، وهو يدل على صحة أصل حديثه وأنه ممدوح .
أحاديث اليماني من طريق أهل البيت عليهم السلام
روت مصادرنا أحاديث صحيحة السند عن اليماني ، وأنه يظهر قبل الإمام المهدي عليه السلام ويمهد له ، ويكون ناصره ووزيره .
الحديث الأول : اليماني أحد المحتومات الخمس
في كتاب الإمامة والتبصرة للصدوق الأب رحمه الله / 128 : « عبد الله بن جعفر الحميري ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن محمد بن حكيم ، عن ميمون البان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : خمس قبل قيام القائم : اليماني ، والسفياني ، والمنادي ينادي من السماء ، وخسف بالبيداء ، وقتل النفس الزكية » .
وفي الكافي « 8 / 310 » : « محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن عمر بن حنظلة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :
--------------------------- 521 ---------------------------
خمس علامات قبل قيام القائم : الصيحة ، والسفياني ، والخسف ، وقتل النفس الزكية ، واليماني . فقلت : جعلت فداك إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه ؟ قال : لا ، فلما كان من الغد تلوت هذه الآية : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ، فقلت له : أهي الصيحة ؟ فقال : أما لو كانت خضعت أعناق أعداء الله عز وجل » .
ونحوه غيبة الطوسي / 436 ، والنعماني / 252 ، وفيه : للقائم خمس علامات : السفياني واليماني والصيحة من السماء ، وقتل النفس الزكية ، والخسف بالبيداء . ومثله كمال الدين : 2 / 649 ، عن ميمون البان ، وعمر بن حنظلة .
أقول : يدل هذا الحديث على أن لظهور الإمام المهدي عليه السلام أركاناً وضرورات أحدها اليماني . فالصيحة علامة موعودة لإثبات أنه مبعوث رباني .
والسفياني يعني ضرورة وجود العدو ، بميزان صراع الخير والشر .
واليماني يعني ضرورة وجود قوة تهيئ الأرضية لظهوره المقدس عليه السلام .
والنفس الزكية ضرورة لإظهار طغيان الحكومة المعادية له في الحجاز .
وخسف البيداء ، علامة وقف في مكانها النبي صلى الله عليه وآله ، فهي تعني اليقين بأن مهمة المهدي عليه السلام جزء لا يتجزأ من رسالة جده صلى الله عليه وآله .
الحديث الثاني : اليماني من المحتومات الست
قال النعماني في الغيبة / 261 : « أخبرنا علي بن أحمد البندنيجي قال : حدثنا عبيد الله بن موسى العلوي ، عن يعقوب بن يزيد ، عن زياد بن مروان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : النداء من المحتوم ، والسفياني من المحتوم ، واليماني من المحتوم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، وكف يطلع من السماء من المحتوم . قال : وفزعة في شهر رمضان توقظ النائم وتفزع اليقظان وتُخرج الفتاة من خدرها » .
أقول : المحتوم : الذي لا بد أن يقع . والظاهر أن الفزعة هي النداء السماوي ، ولعل في النص تقديماً وتأخيراً والواو في فزعة زائد . وقد وردت فيه علامة كفٌّ تطلع من السماء بدل خسف البيداء ، فصارت المحتومات ستاً .
--------------------------- 522 ---------------------------
الحديث الثالث : المنصور اليماني
في الغيبة للنعماني / 46 ، حدثنا محمد بن عبد الله بن المعمر الطبراني بطبرية سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة ، وكان هذا الرجل من موالي يزيد بن معاوية ومن النصاب ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني علي بن هاشم والحسين بن السكن معاً ، قالا : حدثنا عبد الرزاق بن همام ، قال : أخبرني أبي ، عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : « وفد على رسول الله أهل اليمن فقال النبي صلى الله عليه وآله : جاءكم أهل اليمن يبسون بسيساً « يسوقون إبلهم سريعاً » فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله قال : قوم رقيقة قلوبهم ، راسخٌ إيمانهم ، منهم المنصور يخرج في سبعين ألفاً ينصر خلفي وخلف وصيي ، حمائل سيوفهم المسك ! » .
أقول : قَبِلَ النعماني رواية هذا الناصبي لأنه يشترط الوثاقة في الراوي فقط بقطع النظر عن مذهبه ، ويظهرأنه وثق به لأنه روى ما يرد مذهبه !
وقال عدد من علماء الجرح والتعديل إن المطلوب في الراوي الوثاقة والاطمئنان بصدقه فقط ، ولذلك يأخذون من اللغوي والطبيب غير المسلم .
الحديث الرابع : الفرَج إذا اختلف آل فلان وأقبل اليماني
في الكافي « 8 / 224 » : « وعنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن يعقوب السراج قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : متى فرج شيعتكم ؟ قال فقال : إذا اختلف ولد العباس ووهى سلطانهم ، وطمع فيهم من لم يكن يطمع فيهم ، وخلعت العرب أعنتها ، ورفع كل ذي صيصية صيصيته ، وظهر الشامي ، وأقبل اليماني ، وتحرك الحسني ، وخرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكة بتراث رسول الله صلى الله عليه وآله . فقلت : ما تراث رسول الله ؟ قال : سيف رسول الله صلى الله عليه وآله ودرعه وعمامته وبرده وقضيبه ورايته ولأمته وسرجه ، حتى ينزل مكة فيخرج السيف من غمده ويلبس الدرع وينشرالراية والبردة والعمامة ، ويتناول القضيب بيده ، ويستأذن الله في ظهوره ، فيطَّلع على ذلك بعض مواليه فيأتي الحسني فيخبره الخبر فيبتدر الحسني إلى الخروج ، فيثب عليه أهل مكة فيقتلونه ويبعثون برأسه إلى الشامي ، فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر فيبايعه الناس ويتبعونه . ويبعث الشامي عند ذلك جيشاً إلى
--------------------------- 523 ---------------------------
المدينة فيهلكهم الله عز وجل دونها ، ويهرب يومئذ من كان بالمدينة من ولد علي عليه السلام إلى مكة فيلحقون بصاحب هذا الأمر . ويقبل صاحب هذا الأمر نحو العراق ، ويبعث جيشاً إلى المدينة فيأمن أهلها ويرجعون إليها » . وبعضه النعماني / 278 .
أقول : عَدَّت الرواية من العلامات : اختلاف بني العباس ، وضعف دولتهم وطمع الناس فيهم ، وفوضى في البلاد العربية « وظهر الشامي ، وأقبل اليماني ، وتحرك الحسني » ثم وصفت حركة الإمام المهدي عليه السلام .
وبنو العباس في هذه الروايات كناية عن حكومة تكون قبل الإمام عليه السلام ، لأن أهل البيت أخبروا أن ملك بني العباس سيزول على يد المغول بني قنطوراء . فالمقصود بهم هنا : الذين هم على خطهم ، ولذا سمتهم روايات : بني فلان : « فقال أبو عبد الله عليه السلام : واختلاف بني فلان من المحتوم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، وخروج القائم من المحتوم » . « غيبة الطوسي / 435 » .
وقد اتفقت الرواية على أن أول الفرج هلاك الفلاني واختلاف آل فلان ، كما في غيبة النعماني / 234 : « قال لي أبو عبد الله عليه السلام : أمسك بيدك : هلاك الفلاني وخروج السفياني ، وقتل النفس ، وجيش الخسف ، والصوت . قلت : وما الصوت هو المنادي ؟ قال : نعم ، وبه يعرف صاحب هذا الأمر ، ثم قال : الفرج كله هلاك الفلاني [ من بني العباس ] » .
وكلمة من بني العباس في الرواية بين قوسين ، لأن الراوي احتمل أنها زيادة من راوٍ آخر وأصلها آل فلان . وإذا كانت من تعبير المعصوم عليه السلام فهي كناية .
فاختلاف بني فلان قبل السفياني واليماني ، وهو من المحتوم ، وقد عدت الروايات تسعة أشياء من المحتومات .
ففي الكافي « 8 / 310 » : « محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد بن علي الحلبي قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : اختلاف بني العباس من المحتوم ، والنداء من المحتوم ، وخروج القائم من المحتوم ، قلت : وكيف النداء ؟ قال : ينادي مناد من السماء أول النهار : ألا إن عليا وشيعته هم الفائزون . قال : وينادي مناد آخر النهار : ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون » . ولعل المقصود بعثمان هنا : عثمان السفياني حاكم سوريا يومها .
وفي النعماني / 264 : « ثم قال « الإمام الباقر عليه السلام » : إذا اختلف بنو فلان فيما بينهم فعند ذلك
--------------------------- 524 ---------------------------
فانتظروا الفرج ، وليس فرجكم إلا في اختلاف بني فلان ، فإذا اختلفوا فتوقعوا الصيحة في شهر رمضان وخروج القائم ، إن الله يفعل ما يشاء ، ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبون حتى يختلف بنو فلان فيما بينهم ، فإذا كان كذلك طمع الناس فيهم ، واختلفت الكلمة وخرج السفياني » .
والحديث التالي يوضح المقصود من هلاك الفلاني واختلاف آله : رواه في غيبة الطوسي / 271 ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم ، ثم قال : إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد ، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله ، ويذهب ملك السنين ، ويصير ملك الشهور والأيام . فقلت يطول ذلك ؟ قال : كلا » . فهو حاكم في الحجاز يختلف ورثته بعده ، ويكون بينهم صراع على الملك حتى يضعف ملكهم ويضمحل . ويكون بعدهم السفياني .
أما تحرك الحسني المذكور في أكثر من رواية ، فهو غير النفس الزكية ، وهو حسني يخرج مدعياً أنه المهدي الموعود وورد أنه في العراق ، وورد أنه في مكة فيقتلونه . وأما النفس الزكية فهو شاب حسني يرسله الإمام المهدي عليه السلام برسالة ليقرأها في المسجد الحرام ، فيقتلونه ، فيبدأ غضب الله تعالى عليهم .
الحديث الخامس : اليماني يوالي علياً عليه السلام
قال الطوسي في الأمالي / 661 : « وبهذا الإسناد « أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم القزويني قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن وهبان الهنائي البصري قال : حدثني أحمد بن إبراهيم بن أحمد قال : أخبرني أبو محمد الحسن بن علي بن عبد الكريم الزعفراني قال : حدثني أحمد بن محمد بن خالد البرقي أبو جعفر قال : حدثني أبي ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : لما خرج طالب الحق قيل لأبي عبد الله عليه السلام : نرجو أن يكون هذا اليماني ؟ فقال : لا ، اليماني يوالي علياً عليه السلام ، وهذا يبرأ » .
وطالب الحق كما في الأعلام « 4 / 144 » : عبد الله بن يحيى الكندي الحضرمي : إمام إباضي خلع طاعة مروان بن محمد وبويع له بالخلافة ، واستولى على صنعاء ومكة بعد حروب . وبعث اليه
--------------------------- 525 ---------------------------
مروان بجيش فالتقيا على مقربة من صنعاء ، فقتل طالب الحق ، وأرسل رأسه إلى مروان بالشام .
ويدل الحديث على أن اليماني يحكم اليمن ، ولذا قال هشام : نرجو أن يكون هذا اليماني ، وذلك بعد حكمه اليمن ، أو ثورته ليحكم اليمن . وفَهْمُ هشامٍ حجة على أن اليماني يحكم اليمن ، ويدل هذا على دوره في ظهور الإمام بحكم جوار اليمن للحجاز ، وأن الحجاز يومها يعمه فراغ سياسي وفوضى .
الحديث السادس : وخروج اليماني من اليمن
قال الصدوق في كمال الدين / 328 : « وحدثنا محمد بن محمد بن عصام رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن يعقوب قال : حدثنا القاسم بن العلاء قال : حدثنا إسماعيل بن علي القزويني قال : حدثني علي بن إسماعيل ، عن عاصم بن حميد الحناط ، عن محمد بن مسلم الثقفي الطحان قال : دخلت على أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد صلى الله عليه وعليهم ، فقال لي مبتدئاً : يا محمد بن مسلم إن في القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله شبهاً من خمسة من الرسل . . . إلى أن قال : وأما شبهه من عيسى عليه السلام فاختلاف من اختلف فيه حتى قالت طائفة منهم ما ولد ، وقالت طائفة مات ، وقالت طائفة قتل وصلب .
وأما شبهه من جده المصطفى صلى الله عليه وآله فخروجه بالسيف ، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله ، والجبارين والطواغيت ، وأنه ينصر بالسيف والرعب ، وأنه لا ترد له راية . وإن من علامات خروجه : خروج السفياني من الشام ، وخروج اليماني من اليمن ، وصيحةٌ من السماء في شهر رمضان ، ومناد ينادي من السماء باسمه واسم أبيه عليه السلام » .
وفي كمال الدين / 330 : « حدثنا محمد بن محمد بن عصام قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال : حدثنا القاسم بن العلاء قال : حدثني إسماعيل بن علي القزويني قال : حدثني علي بن إسماعيل ، عن عاصم بن حميد الحناط ، عن محمد بن مسلم الثقفي قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام يقول : القائم منا منصور بالرعب ، مؤيد بالنصر ، تطوى له الأرض ، وتظهر له الكنوز ، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب ، ويظهر الله عز وجل به دينه على الدين كله ولو كره المشركون ، فلا يبقى في الأرض خراب إلا قد عُمِّر ، وينزل روح الله عيسى بن مريم عليه السلام فيصلي خلفه .
--------------------------- 526 ---------------------------
قال قلت : يا ابن رسول الله متى يخرج قائمكم ؟ قال : إذا تشبه الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال ، واكتفى الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، وركب ذوات الفروج السروج ، وقبلت شهادات الزور ، وردت شهادات العدول ، واستخف الناس بالدماء ، وارتكب الزنا ، وأكل الربا ، واتقيَ الأشرار مخافة ألسنتهم ، وخروج السفياني من الشام ، واليماني من اليمن ، وخسف بالبيداء ، وقتل غلام من آل محمد صلى الله عليه وآله بين الركن والمقام اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية ، وجاءت صيحة من السماء بأن الحق فيه وفي شيعته ، فعند ذلك خروج قائمنا .
فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة ، واجتمع إليه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً . وأول ما ينطق به هذه الآية : بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . ثم يقول : أنا بقية الله في أرضه ، وخليفته وحجته عليكم ، فلا يسلم عليه مسلم إلا قال : السلام عليك يا بقية الله في أرضه ، فإذا اجتمع إليه العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج ، فلا يبقى في الأرض معبود دون الله عز وجل من صنم ووثن وغيره إلا وقعت فيه نار فاحترق . وذلك بعد غيبة طويلة ، ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به » .
أقول : قوله عليه السلام في الرواية المتقدمة وغيرها : وإن من علامات خروجه : خروج السفياني من الشام ، وخروج اليماني من اليمن ، دليل على أنه من أهل اليمن ، وأنه يخرج في اليمن ويحكمها . وقد حاول بعضهم جعله من غير اليمن ، وأغرب فجَعَل اليماني من اليُمن ، وادعى بعضهم أنه هو اليماني الموعود ، وهو غير يماني . وكلها محاولات مردودة ، لأنها مخالفة لظهور النص والمتبادر منه .
الحديث السابع : السفياني واليماني والمرواني
روى النعماني / 262 : « أخبرنا محمد بن همام قال : حدثني جعفر بن محمد بن مالك ، قال : حدثني علي بن عاصم ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال : قبل هذا الأمرالسفياني ، واليماني ، والمرواني ، وشعيب بن صالح ، فكيف [ وكفٌّ ] يقول هذا وهذا » .
وروى ابن جرير الطبري « الشيعي » في دلائل الإمامة / 487 : « وعنه ، عن أبيه ، عن محمد بن همام ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن خالد التميمي ،
--------------------------- 527 ---------------------------
قال : حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب ، عن عمر بن حنظلة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قبل القائم عليه السلام خمس علامات : السفياني ، واليماني ، والمرواني ، وشعيب بن صالح ، وكفٌّ تقول : هذا هذا » .
أقول : رواية دلائل الإمامة : وكفٌّ تقول : هذا هذا ، أي تشير إلى المهدي عليه السلام ، هي الصحيحة ، وكلمة فكيف تصحيف لكف . ويدل عليه رواية فتن ابن حماد « 1 / 238 » : « عن ابن المسيب قال : تكون فتنة بالشام كأن أولها لعب الصبيان ، ثم لا يستقيم أمر الناس على شئ ولا تكون لهم جماعة حتى ينادي مناد من السماء : عليكم بفلان ، وتطلع كف تشير » .
وروى بمعناها : ينادي مناد من السماء : أميركم فلان . فهي كف تشير إلى المهدي عليه السلام ، ومنادٍ باسمه يدعو الناس إلى بيعته ، وذلك بعد اليماني والسفياني . والسفياني يحكم الشام ، واليماني يحكم اليمن ، وشعيب القائد العام في إيران .
أما المرواني فتدل روايةٌ في النعماني / 316 ، عن الإمام الباقر عليه السلام على أنه في خط السفياني ، وأنه قائد الجهة المقابلة للخط العباسي في قرقيسيا ، ووقته قبيل السفياني أو هو ممهد له ، قال عليه السلام : « إن لولد العباس والمرواني لوقعة بقرقيسياء يشيب فيها الغلام الحَزَوَّر « اليافع » ويرفع الله عنهم النصر ، ويوحي إلى طير السماء وسباع الأرض : إشبعي من لحوم الجبارين ، ثم يخرج السفياني » .
فالمرواني قائد في قرقيسيا ، يكون قبيل اليماني . والمروانيون في العراق كثرة وفيهم شيعة وسنة . فقد يكون المرواني مع أمير داعش ، أوخليفته .
الحديث الثامن : اليماني والسفياني كفرسي رهان
روى النعماني / 317 : « أخبرنا علي بن أحمد قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : اليماني والسفياني كفرسي رهان » .
ورواه الطوسي في أماليه « 2 / 275 » بسند صحيح أيضاً . ومعناه أن اليماني والسفياني ضدان يتنافسان . وقد ورد أن الخراساني والسفياني أيضاً كفرسي رهان « النعماني / 264 » لكن اليماني قبل الخراساني ، فهو عِدْل السفياني الأول .
--------------------------- 528 ---------------------------
الحديث التاسع : أهدى الرايات راية اليماني
قال الطوسي في الغيبة / 446 ، والقطب الراوندي في الخرائج « 3 / 1163 » : « وعنه « محمد بن أبي عمير » عن سيف بن عميرة ، عن بكر بن محمد الأزدي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « خروج الثلاثة الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة ، في شهر واحد ، في يوم واحد ، فليس فيها راية بأهدى من راية اليماني ، تهدي إلى الحق » . ومثله مختصر إثبات الرجعة / 17 ، مجلة تراثنا عدد 15 / 216 . وفي رواية الإرشاد « 2 / 375 » : « لأنه يدعو إلى الحق » .
والسبب في أن رايته أهدى : أنه مبعوث مباشرة من الإمام المهدي عليه السلام فهو وكيل خاص ونائب خاص ، والنائب الخا صمقدم على النائب العام ، وتجب طاعته على المؤمنين كافة ، وقد شرحت ذلك رواية النعماني التالية .
الحديث العاشر : اليماني نائب خاص وتجب على المؤمنين طاعته
قال النعماني / 262 : « أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال : حدثني أحمد بن يوسف بن يعقوب أبو الحسن الجعفي من كتابه قال : حدثنا إسماعيل بن مهران قال : حدثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ووهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرمحمد بن علي عليه السلام أنه قال : إذا رأيتم ناراً من المشرق شبه الهردي العظيم ، تطلع ثلاثة أيام أو سبعة ، فتوقعوا فرج آل محمد إن شاء الله عز وجل ، إن الله عزيز حكيم . ثم قال : الصيحة لا تكون إلا في شهر رمضان لأن شهر رمضان شهر الله ، والصيحة فيه هي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق .
ثم ذكر عليه السلام عدداً من الأحداث والعلامات وقال : « إذا اختلف بنو فلان فيما بينهم ، فعند ذلك فانتظروا الفرج ، وليس فرجكم إلا في اختلاف بني فلان ، فإذا اختلفوا فتوقعوا الصيحة في شهر رمضان وخروج القائم ، إن الله يفعل ما يشاء ، ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبون حتى يختلف بنو فلان فيما بينهم ، فإذا كان كذلك طمع الناس فيهم ، واختلفت الكلمة وخرج السفياني . . . ثم قال عليه السلام : خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة ، في شهر واحد في يوم واحد ، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً ، فيكون البأس من كل وجه ،
--------------------------- 529 ---------------------------
ويل لمن ناواهم ، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم ، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم ، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار ، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم . ثم قال لي : إن ذهاب ملك بني فلان كقصع الفخار وكرجل كانت في يده فخارة وهو يمشي ، إذ سقطت من يده وهو ساه عنها فانكسرت ، فقال حين سقطت : هاه شبه الفزع ، فذهاب ملكهم هكذا أغفل ما كانوا عن ذهابه » . ومثله الإرشاد / 360 ، وغيبة الطوسي / 271 ، وعنه الخرائج : 3 / 1163 .
ومعنى أن الثلاثة كنظام الخرز : أن أحداث خروجهم مرتبطة بحدث واحد ، أو محور واحد . وقد يكون معنى في يوم واحد مجرد التزامن .
والإشكال على الرواية بأن أحمد بن يوسف مجهول ، سيأتي الجواب عنه بأنه ثقة ، على أن الرواية شارحة لرواية الطوسي ، فإن لم تصح بنفسها فهي صحيحة بغيرها .
الحديث الحادي عشر : قبل اليماني كاسر عينه بصنعاء
قال النعماني / 285 ، « حدثنا علي بن الحسين قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار قال : حدثنا محمد بن حسان الرازي ، عن محمد بن علي الكوفي قال : حدثنا محمد بن سنان ، عن عبيد بن زرارة قال : عن عبيد بن زرارة قال : ذُكر عند أبي عبد الله عليه السلام السفياني فقال : أنَّى يخرج ذلك ؟ ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء »
أقول : جعل الإمام عليه السلام خروج كاسرعينه بصنعاء قبل السفياني ، ولم يجعله قبل اليماني ، مع أنهما في وقت واحد ، يشير إلى أنه في خط السفياني ! في مقابل اليماني وزير المهدي عليه السلام . ويشير إلى أن كاسر عينه لاينجح ، أو يحكم قليلاً .
ومعنى كاسر عينه أنه ينظر وعينه شبه مطبقة ، وتسمى العين المكسورة . قال ابن عبد ربه في الإستيعاب « 2 / 524 » : « وكان زياد [ ابن أبيه ] طويلاً جميلاً يكسر إحدى عينيه ، وفي ذلك يقول الفرزدق للحجاج :
وقبلك ما أعييت كاسر عينه زياداً فلم تعلق عليَّ حبائلُه »
--------------------------- 530 ---------------------------
وقال الخليل في العين « 6 / 300 » : « يقال : طَرْفَشَ ، إذا نظر وكسر عينيه » .
وفي معجم الأفعال المتعدية بحرف للأحمدي / 312 : « كسر عينه من السهر : غلبه النعاس ، وكسر كسراً من طرفه ، وكسر على طرفه ، غض منه شيئاً » .
الحديث الثاني عشر : يخرج قبل السفياني مصري ويماني
رواه الطوسي في الغيبة / 271 ، بسند موثق أو صحيح : « عن الفضل بن شاذان ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن محمد بن مسلم الثقفي : « يخرج قبل السفياني مصري ويماني » . ومعناه أنهما في خط السفياني يمهدان له . وينطبق على الظواهري المصري وابن لادن اليمني . وتقديم الظواهري يدل على أن دوره أكبر .
مسائل حول اليماني
المسألة الأولى : مكانة اليماني عند الإمام المهدي عليه السلام
روى الطوسي في الغيبة / 445 : « عن الفضل بن شاذان ، عن محمد بن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن بكر بن محمد الأزدي ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « خروج الثلاثة : الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة ، في شهر واحد ، في يوم واحد ، وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق » ورواه في مختصر إثبات الرجعة : ح 17 « مجلة تراثنا عدد 15 / 216 » . . وسنده صحيح ، فقد نص علماء الرجال على توثيق رجاله ، وهو صريح في أن المعصوم عليه السلام حكم بأن راية اليماني أهدى الرايات قبل ظهور المهدي عليه السلام .
وهذا مقام عظيم لليماني ، يوجب على الأمة طاعته والإنضواء تحت رايته . فقوله عليه السلام : يهدي إلى الحق ، إشارة إلى قاعدة : أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لايَهِدّيِ إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ . وفي بعض النسخ : تهدي إلى الحق ، أي رايته ، وهدايتها بصاحبها . فاليماني قائم مقام الإمام المهدي عليه السلام ، وإليه تنتهي المرجعية العليا ، وولاية الفقيه . وهو نائب خاص ، والنائب الخاص مقدم على النائب العام .
--------------------------- 531 ---------------------------
وقد شرحت ذلك رواية النعماني / 262 ، قال عليه السلام : « وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم ، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم ، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار ، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم » .
ويؤيدها ما رواه النعماني / 316 ، بسند صحيح : « اليماني والسفياني كفرسي رهان » . أي أنه في الهدى عِدْلُ السفياني في الضلال ، وروي ذلك في الخراساني أيضاً ، لكن اليماني متقدم زمناً عليه .
وقد أشكل بعضهم على هذه الرواية بأحمد بن يوسف الجعفي وقال إنه مهمل لم يذكر في كتب الرجال ، لكن السيد الخوئي قدس سره وثقه وقال في معجمه « 3 / 163 » : « مولى بني تيم الله ، كوفي ، كان منزله بالبصرة ومات ببغداد ، ثقة ، رجال الشيخ ، في أصحاب الرضا عليه السلام .
أقول : الظاهر اتحاده مع أحمد بن يوسف المتقدم ، الذي ذكر الشيخ ، أن له روايات ومع أحمد بن يوسف الجعفي ، الذي ذكره في ترجمة الأصبغ ، وإلالذكرهما في رجاله ، فإن موضوعه أعم ، وأوسع ، وكونه جعفيا لا ينافي كونه مولى بني تيم الله ، فإن منزله كان بالبصرة ، فجاز ولاؤه فيها لبني تيم الله وعلى ذلك فهو من المعمرين ، لا محاله ، فإن أحمد بن محمد بن سعيد المولود سنة 249 قد روى عنه ، وهو من أصحاب الرضا عليه السلام » .
على أن قولنا إنه نائب خاص يعني أن الإمام عليه السلام سيعتمده ويرسله ليحكم اليمن . فطاعته متوقفة على اعتماد الإمام عليه السلام وهذا ما سنشاهده إن شاء الله ، أو يشاهده أهل ذلك العصر .
المسألة الثانية : المحتوم محتومٌ من الله وليس محتوماً على الله
1 . ورد في أحاديث المهدي عليه السلام وصف تسعة أشياء بأنها محتومة : اختلاف بني فلان ، والسفياني ، واليماني ، وقتل النفس الزكية ، والنداء السماوي ، وكفٌّ تظهر في السماء ، وخسف البيداء ، وطلوع الشمس من مغربها ، كما ورد أن القائم من المحتوم . وتصور بعضهم أن المحتوم يقع فيه البداء بمعنى التغيير ، والصحيح أنه لا بداء فيه ، وهو رأي الصدوق ، والمفيد ، والطوسي ، من علمائنا القدماء ، والنائيني ، والخوئي ، والبلاغي وغيرهم ، من المتأخرين .
--------------------------- 532 ---------------------------
أما حديث أبي هاشم الجعفري « النعماني / 315 » قال : « كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم ، فقلت لأبي جعفر : هل يبدو لله في المحتوم ؟ قال : نعم . قلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم . فقال : إن القائم من الميعاد ، والله لا يخلف الميعاد » .
فالجواب عنه أولاً : أن الرواية ضعيفة السند ، فلا يستدل بها . وثانياً : لو صحت فالمحتوم له معانٍ ، والمقصود هنا أنه محتومٌ منه تعالى ، وليس محتوماً عليه كما زعم اليهود : وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ .
وهذا معنى قول الإمام الصادق عليه السلام عن جده عبد المطلب « الكافي : 1 / 447 » : « يبعث عبد المطلب أمة وحده ، عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء . وذلك أنه أول من قال بالبداء ، قال : وكان عبد المطلب أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى رعاته في إبل قد ندَّت له ، فجمعها فأبطأ عليه ، فأخذ بحلقة باب الكعبة وجعل يقول : يا رب أتهلك آلك ؟ إن تفعل فأمرٌ ما بدا لك ! فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله بالإبل وقد وجه عبد المطلب في كل طريق وفي كل شعب في طلبه ، وجعل يصيح : يا رب أتهلك آلك ، إن تفعل فأمر ما بدا لك . ولما رأى رسول الله أخذه فقبله وقال : يا بني لا وجهتك بعد هذا في شئ فإني أخاف أن تغتال فتقتل » .
2 . من يستنكر البداء لا ينتبه إلى معناه ، فمعنى قولك : بدا لله أن يفعل كذا : قرر أن يفعله ، وليس معناه ظهر له بعد خفائه . قال تعالى : بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَأنوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ . فالذي بدا لهم ليس خفياً عليهم .
بل يستعمل فيما لا ظهور فيه أبداً كقوله تعالى : ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ . قال الإمام الصادق عليه السلام : « ما بدا لله في شئ ، إلا كان في علمه قبل أن يبدو له » . « الكافي : 1 / 148 » . وفي صحيح البخاري « 4 / 146 » « إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأعمى وأقرع ، بدا لله عز وجل أن يبتليهم ، فبعث إليهم ملكاً » .
3 . لأفعاله تعالى أصول وقواعد وقوانين ، فلا يصح أن نُبَسِّطَها ونُصدرعليها أحكاماً بلا علم . لاحظ قول الإمام الكاظم عليه السلام : « لا يكون شئ في السماوات ولا في الأرض إلا بسبع : بقضاء وقدر وإرادة ومشيئة وكتاب وأجل وإذن ، فمن زعم غير هذا فقد كذب على الله » . « الكافي : 1 / 150 » .
--------------------------- 533 ---------------------------
4 . وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ . أي زعموا أنه تعالى فرغ من الخلق والأمر ولا يستطيع تغيير شئ ! ووافقهم بعض المسلمين ، كما روى أحمد « 2 / 52 » : « قال عمر : يا رسول الله أرأيت ما نعمل فيه أفي أمر قد فرغ منه أو مبتدأ أو مبتدع ؟ قال : فيما فرغ منه ، فاعمل يا ابن الخطاب فإن كلاً ميسر لما خلق له » . ونحوه البخاري : 4 / 131 .
وروى في شرح الأسماء الحسنى : 2 / 84 » . : « أنحن في أمر فرغ أم في أمر مستأنف ؟ فقال عليه السلام : في أمر فرغ وفي أمر مستأنف » . « وهذا معنى : بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ . وإن نوقش في الرواية فمضمونها لا شك فيه .
5 . في عيون أخبار الرضا 2 / 160 » : « : قال سليمان المروزي للرضا عليه السلام : ألا تخبرني عن إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، في أي شئ أنزلت ؟ قال عليه السلام : يا سليمان ليله القدر يقدر الله عز وجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة من حياة أو موت أو خير أو شر أو رزق ، فما قدره في تلك الليلة فهو من المحتوم . قال سليمان : الآن قد فهمت جعلت فداك ، فزدني . قال عليه السلام : يا سليمان إن من الأمور أموراً موقوفة عند الله عز وجل ، يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويمحو ما يشاء .
يا سليمان إن علياً عليه السلام كان يقول : العلم علمان ، فعلم علمه الله وملائكته ورسله ، فما علمه ملائكته ورسله فإنه يكون ولا يكذب نفسه ، ولا ملائكته ولا رسله عليهم السلام . وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحداً من خلقه ، يقدم منه ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ، ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء . قال سليمان للمأمون : يا أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومي هذا البداء ولا أكذب به ، إن شاء الله » .
المسألة الثالثة : ماذا سيكون موقف المرجعية والدولة من اليماني ؟
عندما يبعث الإمام المهدي عليه السلام اليماني ليحكم اليمن ، ويتخذها قاعدة للدعوة له ونصرته ، فمن الطبيعي أن يعطيه القدرات والمعلومات والمعجزات التي يحتاجها في عمله العظيم . وهذه سيرة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام .
--------------------------- 534 ---------------------------
وقد أرسل الأنبياء عليهم السلام أشخاصاً لمهمات أقل من مهمة اليماني وأعطوهم قدرات ومعجزات ، فقد أرسل عيسى عليه السلام بعض الرسل وأعطاهم قدرة شفاء المرضى ، ثم أرسل شمعون الصفا عليه السلام إلى روما وأعطاه القدرة على شفاء المرضى وإحياء الموتى . وأرسل الإمام الباقر عليه السلام جابر بن يزيد الجعفي رضي الله عنه إلى الكوفة لينشر حديث النبي صلى الله عليه وآله ، وأعطاه كرامات ومعجزات .
ومهمة اليماني أعقد وأضخم من تلك المهمات ، فلا بد أن يعطيه الإمام عليه السلام من العلم والمعجزات ما يكفي ليقتنع به الناس المنصفون ويطيعوه . هذا ، مضافاً إلى أن الإمام عليه السلام سيكون بعد خروج السفياني واليماني ظاهراً جزئياً ، يشاهده العديد من الناس ، فيُرجعهم إلى اليماني .
ومع ذلك لابد أن نقدر أن أوساطاً من الشيعة في إيران والعراق وغيرهما سترفض طاعة اليماني ، لأنهم يرون أنفسهم أعلى منه مقاماً ، وأقدم حضارة ومدنية ، لكن المعجزات وتأكيدات الإمام عليه السلام ستكون عوناً له في مهمته .
والظاهر أن المخاض الذي ذكرت الأحاديث أنه سيكون في إيران قرب الظهور ، سببه الخلاف بينهم في الدخول في طاعة المهدي واليماني . فقد روى النعماني / 200 و 271 ، تحرك آذربيجان سنة الظهور عن أبي بصير : « قال الإمام الصادق عليه السلام : لا بد لنا من آذربيجان لا يقوم لها شئ ، وإذا كان ذلك فكونوا أحلاس بيوتكم والْبُدُوا ما لبدنا ، فإذا تحرك متحركنا فاسعوا إليه ولو حبواً ، والله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد على العرب شديد » .
والنتيجة : أن الشيعة في العالم سيُمتحنون باليماني ، لأنه قيادة جديدة سياسية وعلمية ، فيطيعه أكثرهم ، ومنهم من لا يطيعه ! لأنه يصعب على العلماء والحوزات أن يقبلوا ما يخالف ما درسوه واعتادوا عليه من مفاهيم وأحكام شرعية ! ويصعب على الإيرانيين أصحاب الحضارة والمدنية العريقة ، أن يطيعوا اليماني ، وهم أقدم منه حضارة وثقافة !
والذي يهون الخطب أن مدة الامتحان سبعة أشهر فقط ، ثم يظهر الإمام عليه السلام .
--------------------------- 535 ---------------------------
المسألة الرابعة : دور اليماني في دولة المهدي عليه السلام
أول مهمات اليماني أن يحكم اليمن ويدعو العالم إلى اتباع الإمام المهدي عليه السلام ويبشر بأنه قادم عن قريب . وقد وردت إشارة إلى حركة عسكرية لليماني ، والظاهر أنها نحو مكة « الكافي : 8 / 224 » قال عليه السلام : « وظهر الشامي ، وأقبل اليماني ، وتحرك الحسني » وطبيعي أن يطلب الإمام عليه السلام من اليماني أن يدخل بجيشه ويحرر مكة ، لأن حكومة الحجاز رغم ضعفها تكون شرسة !
فعندما يخرج الحسني مدعياً أنه المهدي الموعود يثورون في وجهه ويقتلونه ، ثم يرسل الإمام عليه السلام قبل أسبوعين من ظهوره شاباً حسنياً ، ليقرأ رسالة منه في المسجد ، فيبتدرون اليه ويقتلونه بوحشية .
لذلك كان طبيعياً أن تدخل قوات اليماني وتحرر مكة . والظاهر أن الإمام عليه السلام لايواجه معركة مهمة في مكة والمدينة ولا في الخليج ، بسبب خوفهم جميعاً من الجيش اليماني ، فيأتون اليه خاضعين .
ولذلك ورد أن المهدي عليه السلام ينشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله في العراق عندما يريد التوجه إلى الشام ، وليس قبله .
وذكرت رواية دوراً عسكرياً لليماني في العراق ، وهو بعيد ، لأن الإمام عليه السلام لا يحتاج اليه هناك ، نعم يحتاج اليه في معركته في سورية وفلسطين مع السفياني ومن ورائه اليهود . لكن لم أجد رواية معتبرة تذكرجيش اليماني فيها .
ومهما يكن ، فإن اليماني سيكون حاكم اليمن والحجاز والخليج من قبل المهدي عليه السلام ويتوجه المهدي إلى العراق فيرتب وضعه ، وبعد أشهرقليلة يتوجه إلى معركته الموعودة في دمشق ، وبانتصاره فيها يدخل القدس ويخطب في اليهود بالعبرية ، ويستخرج لهم أسفاراً من التوراة من جبل بفلسطين ، فيؤمن له منهم ثلاثون ألفاً .
عندها ، يتحرك الغرب ضده ويعلن الحرب عليه ، فينزل الله عيسى بن مريم عليه السلام ، ويقنع الغرب بهدنة واتفاقية سلام مع المهدي عليه السلام . . الخ .
--------------------------- 536 ---------------------------
قيل اسم اليماني حسن أو حسين
ورد قول مرسل أن اسم اليماني « حسن أو حسين » من ذرية زيد بن علي صلى الله عليه وآله . ففي مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي / 196 ، وطبعة / 246 ، قال : « ثم يخرج ملكٌ من اليمن ، من صنعاء وعدن أبيض كالقطن ، اسمه حسين أو حسن ، فيذهب بخروجه غمر الفتن ، فهناك يظهر مباركاً زكياً ، وهادياً مهدياً ، وسيداً علوياً ، فيفرح الناس إذا أتاهم ، بمن الله الذي هداهم ، فيكشف بنوره الظلماء ، ويظهر به الحق بعد الخفاء ، ويفرق الأموال في الناس بالسواء ، ويغمد السيف فلا يسفك الدماء ، ويعيش الناس في البشر والهناء ، ويغسل بماء عدله عين الدهر من القذى ، ويرد الحق على أهل القرى » .
وهو كما ترى قول مرسل مسجوع مرصوف ، قائله مجهول ، وليس رواية ، لكن قد يكون صاحبه أخذه من رواية ! وله شبيه من رواية ابن حماد وغيره ، لكن لا يمكننا أن نبني على رواية مرسلة .
رواية يخرج المهدي من كرعة واليماني من يكلا
كما رووا حديثين لا يمكننا أن نبني عليهما ، فقد روى الشافعي في البيان / 510 : « عن عبد الله بن عمر : قال رسول الله : يخرج المهدي من قرية باليمن يقال لها كرعة . وقال : هذا حديث حسن رزقناه عالياً ، أخرج أبو الشيخ الأصبهاني في عواليه كما سقناه ، ورواه أبو نعيم في مناقب المهدي » . ومعجم البلدان : 4 / 452 ، والأربعون البلدانية 4 / 452 »
وروى الخزار في كفاية الأثر / 147 ، بثلاث طرق : « عن الأصبغ بن نباتة ، وشريح بن هاني بن شريح وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن علي عليه السلام قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة إذ دخل علينا جماعة من أصحابه منهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعبد الرحمن بن عوف ، فقال سلمان : يا رسول الله إن لكل نبي وصياً وسبطين ، فمن وصيك وسبطاك ؟ فأطرق ساعة ثم قال ، من حديث عدد فيه الأئمة من أهل بيته عليهم السلام : « ثم يغيب عنهم إمامهم ما شاء الله ، ويكون له غيبتان إحداهما أطول من الأخرى . ثم التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رافعاً صوته : الحذر إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي . قال علي عليه السلام : فقلت : يا رسول الله فما تكون هذه الغيبة ؟ قال : الصمت حتى يأذن الله له بالخروج ، فيخرج من اليمن من قرية
--------------------------- 537 ---------------------------
يقال لها أكرعة ، على رأسه غمامة ، متدرع بدرعي متقلد بسيفي ذي الفقار ، ومناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، ذلك عندما تصير الدنيا هرجاً ومرجاً ، ويغار بضعهم على بعض ، فلا الكبير يرحم الصغير ، ولا القوي يرحم الضعيف ! فحينئذ يأذن الله له بالخروج » .
وروى ابن حماد في الفتن : 1 / 381 : « قال أبو عبد الله نعيم : يخرج من قرية يقال لها يكلا خلف صنعاء بمرحلة ، أبوه قرشي وأمه يمانية » . ووادي يكلا قرب صنعاء كما في معجم البلدان ، والأربعين البلدانية لابن عساكر : 5 / 346 .
والثابت أن المهدي عليه السلام يخرج من مكة من المسجد الحرام ، فلا يمكن قبول رواية كرعة أو يكلا ، إلا أن يكون المقصود بها أن حركة وزيره اليماني تبدأ من هذه القرية أو تلك ، شبيهاً بما ورد من أن أمر المهدي عليه السلام يبدأ من المشرق ، ومقصودهم أنصاره أهل المشرق ورايات خراسان .
- *
--------------------------- 538 ---------------------------
--------------------------- 539 ---------------------------
الفصل الخامس والعشرون : ( معركة القدس ، فلسطين ومعركة القدس في عصر الظهور )
--------------------------- 540 ---------------------------
أوصاف آخر فتنة قبل ظهور المهدي عليه السلام
تقدم في فصل الفتن الموعودة أن ظهورالإمام عليه السلام يكون على أثر فتنة ، ففي الطبراني الأوسط : 5 / 338 ، عن طلحة : قال النبي صلى الله عليه وآله : « ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلا جاش منها جانب ، حتى ينادي مناد من السماء إن أميركم فلان » .
وروى الحاكم : 4 / 553 ، وصححه : « عن علي : ستكون فتنة يحصل الناس منها كما يحصل الذهب في المعدن ، فلا تسبوا أهل الشام وسبوا ظلمتهم فإن فيهم الأبدال . وسيرسل الله إليهم سيباً من السماء فيفرقهم حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم ، ثم يبعث الله عند ذلك رجلاً من عترة الرسول صلى الله عليه وآله في اثني عشر ألفاً ، يقاتلهم أهل سبع رايات ، ليس من صاحب راية إلا وهو يطمع بالملك فيقتتلون ويهزمون ، ثم يظهر الهاشمي فيرد الله إلى الناس ألفتهم ونعمتهم ، فيكونون على ذلك حتى يخرج الدجال » . وأوسط الطبراني : 1 / 203 ، وتهذيب ابن عساكر : 1 / 72 ، ومجمع الزوائد : 7 / 317 .
وفي فتن ابن حماد : 1 / 57 ، عن أبي سعيد : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ستكون بعدي فتن : منها فتنة الأحلاس ، يكون فيها حرب وهرب . ثم بعدها فتن أشد منها . ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت ، حتى لا يبقى بيت إلا دخلته ، ولا مسلم إلا صكته ، حتى يخرج رجل من عترتي » .
وفي مصنف عبد الرزاق : 11 / 361 : « تكون فتنة بالشام ، كأن أولها لعب الصبيان ، تطفو من جانب وتسكن من جانب ، فلا تتناهى حتى ينادي مناد : إن الأمير فلان » .
وفي فتن ابن حماد : 1 / 56 و 238 : « عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تأتيكم بعدي أربع فتن : الأولى يستحل فيها الدماء ، والثانية يستحل فيها الدماء والأموال ، والثالثة يستحل فيها الدماء والأموال والفروج ، والرابعة صماء عمياء مطبقة ، تمور مور الموج في البحر ، حتى لا يجد أحد من الناس منها ملجأ ! تطيف بالشام وتغشى العراق وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها ، وتعرك الأمة فيها بالبلاء عرك الأديم ، ثم لا يستطيع أحد من الناس يقول فيها مه مه ! ثم لايرتقونها من ناحية إلا انفتقت من ناحية أخرى . . . يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ، ولا ينجو منها إلا من دعا كدعاء الغرق في البحر ، تدوم اثني عشر عاماً ، تنجلي حين تنجلي وقد انحسرت الفرات عن جبل من ذهب ، فيقتتلون عليه حتى يقتل من كل تسعة سبعة » .
وفي ابن حماد : 1 / 238 : « إذا ثارت فتنة فلسطين تردَّدُ في الشام تردُّدَ الماء في القربة ، ثم تنجلي حين تنجلي وأنتم قليل نادمون » .
--------------------------- 541 ---------------------------
أقول : إن صحت هذه الأحديث فقد تكون الفتن التي وصفتها قد تحققت . لكن الأمر المهم فيها أنها تدل على استمرار هذه الفتن إلى ظهور المهدي عليه السلام .
السفياني يملك فلسطين والكور الخمس
في النعماني / 304 : « عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا استولى السفياني على الكور الخمس فعُدُّوا له تسعة أشهر . وزعم هشام أن الكور الخمس : دمشق ، وفلسطين ، والأردن ، وحمص ، وحلب » .
لكن رواية كمال الدين « 2 / 651 » عن الإمام الصادق عليه السلام فسرت الكور الخمس . قال عبد الله بن أبي منصورالبجلي : « سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اسم السفياني فقال : وما تصنع باسمه ؟ إذا ملك كور الشام الخمس : دمشق وحمص وفلسطين والأردن وقنسرين ، فتوقعوا عند ذلك الفرج ، قلت : يملك تسعة أشهر ؟ قال : لا ، ولكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوماً » .
وهذا يدل على أن السفياني يشمل حكمه سوريا والأردن وفلسطين ، أو قسماً منها . أما الأردن فيمكن أن يحكمه بواسطة ثورة أنصاره النواصب ، وأما فلسطين فلا بد أن يعطيه حكمها اليهود بشكل من الأشكال ليقوم بإسكات أهلها .
حديث رايات خراسان المتجهة إلى القدس
ونصه : « تخرج من خراسان رايات سود ، فلا يردها شئ حتى تنصب بإيلياء » .
وقد رواه علماء السنة كالترمذي : 3 / 362 ، وأحمد في مسنده ، وابن كثير في نهايته ، والبيهقي في دلائله ، وغيرهم . وصححه ابن الصديق المغربي في رسالته في الرد على ابن خلدون ، وقال ابن حماد : 1 / 312 : « يخرج على لواء المهدي غلام حدث السن خفيف اللحية أصفر ، لو قاتل الجبال لهزها حتى ينزل إيليا » .
وفي المعجم الأوسط : 4 / 323 : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « يخرج من خراسان رايات سود لا يردها شئ حتى تنصب بإيلياء » .
وروت مصادرنا شبيهاً بها كما في الفتن لابن طاووس / 43 و 58 و 121 ، ويحتمل أن يكون جزءً
--------------------------- 542 ---------------------------
من الحديث المتقدم ، لأنه يتحدث عن جيش يتجه من إيران إلى إيلياء أي القدس .
قال في مجمع البحرين : « إيل بالكسر فالسكون اسم من أسمائه تعالى عبراني أو سرياني . وإيل هو البيت المقدس وقيل بيت الله لأن إيل بالعبرانية الله . وفي شرح القاموس : إيلياء بالكسر يمد ويقصر ، ويشدد فيهما : اسم مدينة القدس » . واحتمل بعضهم أن تكون هذه الحملة قبل ظهور المهدي عليه السلام ، لكن لا يصح ، لأن قائدها صالح بن شعيب قائد جيش المهدي عليه السلام في حملته لتحرير الشام وفلسطين . على أن روايتها تشبه روايات حركة أبي مسلم الخراساني ، فلا يعتمد عليها .
نزول الروم في العراق وفلسطين
ذكرت رواية في غيبة الطوسي / 378 ، عن عمار بن ياسر أن الترك تنزل العراق وتنزل الروم الرملة ، قال : « وتنزل الترك الحيرة وتنزل الروم فلسطين ، ويسبق عبد الله عبد الله حتى يلتقي جنودهما بقرقيسيا على النهر ويكون قتال عظيم » . فهي تتحدث عن معركة قرقيسيا ، أي في سنة ظهور الإمام عليه السلام ، لكن لا يمكن الاعتماد على تفاصيلها لأنها غير تامة السند .
معركة دمشق والقدس
وهي أكبر معارك الإمام عليه السلام في المرحلة الأولى من ظهوره ، بعد معاركه الصغيرة في الحجاز والعراق . والطرف المقابل له السفياني حاكم سوريا ، ويكون ثقل المعركة في دمشق ، ومحورها دمشق طبرية القدس ، فينتصر الإمام عليه السلام على السفياني ويدخل القدس فاتحاً منتصراً . وكأن السفياني يكون خط دفاع اليهود ، ويكون انتصار الإمام عليه انتصاراً عليهم .
وقد ورد أن الخراب والتهديم في دمشق يكون كبيراً ، وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : « لأبنين بمصر منبراً ، ولأنقضن دمشق حجراً حجراً ، ولأخرجن اليهود من كل كور العرب ، ولأسوقن العرب بعصاي هذه . فقال الراوي وهو عباية الأسدي : قلت له : يا أمير المؤمنين كأنك تخبر أنك تحيا بعدما تموت ؟ فقال : هيهات يا عباية ذهبت غير مذهب . يفعله رجل مني ، أي المهدي عليه السلام » . « معاني الأخبار : 406 » .
أما المعركة التالية للإمام عليه السلام فتكون مع الروم وهي الملحمة العظمى ، وتكون بعد الأولى بسبع سنين ،
--------------------------- 543 ---------------------------
حيث يعقد الإمام عليه السلام صلحاً مع الروم بعد معركة القدس مدته عشر سنين فينقضونه بعد سبع سنين ، ويحشدون جيوشهم في المنطقة فتكون معركة الملحمة العظمى ، ومحورها أوسع ، وتكون أشبه بحرب عالمية .
ففي سنن الداني / 100 : « عن أبي سعيد الخدري : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يخرج رجل من أمتي يعمل بسنتي ، ينزل الله له البركة من السماء ، وتخرج له الأرض بركتها ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً . يعمل سبع سنين على هذه الأمة وينزل بيت المقدس » . والطبراني الأوسط 2 / 15 ، وعقد الدرر / 20 و / 156 ، والمنار المنيف / 151 ، ومجمع الزوائد 7 / 317 .
وقوله يعمل سبع سنين ، لا بد من حملها على مدة الهدنة قبل نقضها من الروم .
وقال الحافظ المغربي / 524 : « رجاله ثقات كما ذكره عن ابن حبان ، ولم نجد فيهم لأحد طعناً ، ولا لسند الحديث علة ، أما ذكر الحسن بن يزيد السعدي وزيادته فيه بين أبي الصديق وأبي سعيد ، فذاك من المزيد في متصل الأسانيد ، وهو مقبول من الثقة ، فإن كان أبو الواصل قد حفظ فهو دليل على أن أبا الصديق سمع الحديث من الحسن بن يزيد ، عن أبي سعيد . . وذلك يستدعي ضرورة أن تكون رجال أوائل أسانيدهم غير رجال الستة ، مع وجود الصحيح والحسن فيها بكثرة ، فبطلان هذا الإيهام لا يختلف فيه اثنان » .
وفي العطر الوردي / 64 ، عن حذيفة : « إن المهدي يبايع بين الركن والمقام ، ويخرج متوجهاً إلى الشام ، وجبرئيل على مقدمته وميكائيل على ساقته ، يفرح به أهل السماء وأهل الأرض والطير والوحش والحيتان في البحر » .
روى ابن حماد : 1 / 349 : « عن علي عليه السلام قال : ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس ، وتنقل إليه الخزائن ، وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته ، من غير قتال » .
وأورد ابن حماد في : 1 / 347 ، نحو عشرين حديثاً وأثراً تحت عنوان : « خروج المهدي من مكة إلى بيت المقدس » .
وروت مصادرنا عدداً منها ، منها : عن ابن وزير الغافقي أنه سمع علياً عليه السلام يقول : يخرج في اثني عشر ألفاً إن قلوا وخمسة عشر ألفاً إن كثروا ، يسير الرعب بين يديه ، لايلقاه عدو إلا هزمهم بإذن الله ، شعارهم أمت أمت ، لا يبالون في الله لومة لائم ، فيخرج إليهم سبع رايات من الشام فيهزمهم ويملك ، فترجع إلى المسلمين محبتهم ونعمتهم وقاصتهم وبزارتهم ، فلا يكون بعدهم إلا
--------------------------- 544 ---------------------------
الدجال . قلنا : وما القاصة والبزارة ؟ قال : يقبض الأمر حتى يتكلم الرجل بأشياء لا يخشى شيئاً » .
وفي ملاحم ابن طاووس رحمه الله عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصف هذه المعركة قال : « فيغضب الله على السفياني ، ويغضب خلق الله لغضب الله تعالى ، فترشقهم الطير بأجنحتها ، والجبال بصخورها ، والملائكة بأصواتها ! ولا تكون ساعة حتى يهلك الله أصحاب السفياني كلهم ، ولا يبقى على الأرض غيره وحده ، فيأخذه المهدي فيذبحه تحت الشجرة التي أغصانها مدلاة على بحيرة طبرية » .
وتذكر بعض الروايات نوعاً آخر من الإمداد الغيبي للمسلمين فيها فتقول : « يُسمع يومئذ صوت من السماء منادياً ينادي : ألا إن أولياء الله فلان ، يعني المهدي ، فتكون الدَّبَرة على أصحاب السفياني ، فيقتلون حتى لا يبقى منهم إلا الشريد » .
وقد يشكل بعضهم على هذه المعركة بأن مصادرغيرنا قد أكثرت من روايتها ، وخلطتها بحركة بني العباس ، لكن ذلك لا يضربالتصديق بها بعد أن أيدتها أحاديث الأئمة عليهم السلام وكانت منسجمة مع الحركة الأساسية للإمام المهدي عليه السلام من مكة إلى العراق ، ثم إلى دمشق والقدس .
يعسكر الإمام عليه السلام في مرج عذراء قرب دمشق
جاء في حديث جابر المطول عن الإمام الباقر عليه السلام : « ثم يأتي الكوفة فيطيل المكث بها ما شاء الله أن يمكث حتى يظهر عليها . ثم يسير حتى يأتي العذراء هو ومن معه وقد التحق به ناس كثير ، والسفياني يومئذ بوادي الرملة . حتى إذا التقوا وهو يوم الأبدال ، يخرج أناس كانوا مع السفياني مع شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله ويخرج ناس كانوا مع آل محمد إلى السفياني ، فهم من شيعته حتى يلحقوا بهم ، ويخرج كل ناس إلى رايتهم وهو يوم الأبدال . قال أمير المؤمنين عليه السلام : ويقتل يومئذ السفياني ومن معه حتى لا يدرك منهم مخبر ، والخائب يومئذ من خاب من غنيمة كلب » . وهذا يدل على التأييد الشعبي للإمام عليه السلام ، حيث يدخل جيشه سوريا بدون مقاومة .
يهزم الله على يديه السفياني ويهزم الروم
روى ابن حماد : 1 / 352 : « عن عبد الله بن مسعود قال : يبايع المهدي سبعة رجال علماء توجهوا إلى مكة من أفق شتى على غير ميعاد ، قد بايع لكل رجل منهم ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً ،
--------------------------- 545 ---------------------------
فيجتمعون بمكة فيبايعونه ، ويقذف الله محبته في صدور الناس ، فيسير بهم وقد توجه إلى الذين بايعوا خيل السفياني عليهم رجل من جَرَم ، فإذا خرج من مكة خلف أصحابه ومشى في إزار ورداء حتى يأتي الجرمي فيبايع له ، فتُندِّمه كلب على بيعته ، فيأتيه فيستقيله البيعة فيقيله ، ثم يعبئ جيوشه لقتاله فيهزمه ويهزم الله على يديه الروم ، ويذهب الله على يديه الفتن ، وينزل الشام » .
وروى ابن حماد : 1 / 349 ، عن علي عليه السلام قال : « إذا بعث السفياني إلى المهدي جيشاً فخسف بهم بالبيداء ، وبلغ ذلك أهل الشام ، قالوا لخليفتهم : قد خرج المهدي فبايعه وادخل في طاعته وإلا قتلناك ! فيرسل إليه بالبيعة ، ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس ، وتنقل إليه الخزائن وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته من غير قتال ، حتى تبنى المساجد بالقسطنطينية وما دونها . ويخرج قبله رجل من أهل بيته بأهل المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر ، يقتل ويمثل ويتوجه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت » .
ومضمون هذه الرواية صحيح لأنه منسجم مع المحتوم من انتصار المهدي عليه السلام بالرعب وبالقتال . وفي مقابل ذلك توجد روايات تؤيد مزاعم كعب تقول إن المهدي عليه السلام ينهزم ويتوفى ، مع أن الوعد الإلهي والأحاديث الصحيحة تقول إنه لا ترد له راية ، وإنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، ولا يموت قبل ذلك .
قال في ابن حماد : 1 / 399 : « عن محمد بن الحنفية قال : ينزل خليفة من بني هاشم بيت المقدس يملأ الأرض عدلاً ، يبني بيت المقدس بناءً لم يبن مثله ، يملك أربعين سنة تكون هدنة الروم على يديه في سبع سنين بقين من خلافته ، ثم يغدرون به ، ثم يجتمعون له بالعمق فيموت فيها غماً ، ثم يلي بعده رجل من بني هاشم ، ثم تكون هزيمتهم وفتح القسطنطينية على يديه ، ثم يسير إلى رومية فيفتحها ويستخرج كنوزها ومائدة سليمان بن داود عليه السلام ثم يرجع إلى بيت المقدس فينزلها ، ويخرج الدجال في زمانه ، وينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيصلي خلفه » . فقد عالج الراوي الكذب بأن جعل المهدي اثنين ، ينهزم الأول وينتصرالثاني !
الضغط الشعبي على السفياني لكي يبايع الإمام المهدي عليه السلام
روت ذلك مصادر السنيين ، ولم تروه مصادرنا إلا منقولاً عن غيرنا ، وهو يدل على ضعف
--------------------------- 546 ---------------------------
السفياني وانخفاض شعبيته حتى بين أهل الشام . قال ابن حماد / 97 : « عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : يسير بهم في اثني عشر ألفاً إن قلوا أو خمسة عشرألفاً إن كثروا ، شعارهم : أمت أمت ، حتى يلقاه السفياني فيقول : أخرجوا إليَّ ابن عمي حتى أكلمه ، فيخرج إليه فيكلمه فيسلم له الأمر ويبايعه ، فإذا رجع السفياني إلى أصحابه ندمته كلب ، فيرجع ليستقيله فيقيله ، فيقتتل هو وجيش السفياني على سبع رايات ، كل صاحب راية منهم يرجو الأمر لنفسه فيهزمهم المهدي . قال أبو هريرة : فالمحروم من حرم نهب كلب » . وأحمد : 2 / 356 ، عن أبي هريرة . وعقد الدرر / 84 ، ومجمع الزوائد : 7 / 315 ، والدر المنثور : 5 / 241 ، والحاوي : 2 / 72 ، عن ابن حماد . والحاكم : 4 / 431 ، عن أبي هريرة مرفوعاً وصححه : وفيه : المحروم من حرم غنيمة كلب ولو عقالاً ،
وروى ابن حماد / 95 : « عن الإمام الباقر عليه السلام : إذا سمع العائذ الذي بمكة بالخسف خرج مع اثني عشر ألفاً فيهم الأبدال حتى ينزلوا إيليا . . ويؤدي إليه السفياني الطاعة ، ثم يخرج حتى يلقى كلباً وهم أخواله ، فيعيرونه بما صنع ويقولون : كساك الله قميصاً فخلعته ، فيقول : ما ترون أستقيله البيعة ؟ فيقولون : نعم . فيأتيه إلى إيليا فيقول : أقلني ، فيقول : إني غير فاعل ، فيقول : بلى . . . ثم يقول : هذا رجل قد خلع طاعتي فيأمر به عند ذلك فيذبح على بلاطة إيليا . ثم يسير إلى كلب فينهبهم فالخائب من خاب يوم نهب كلب » .
وهذا النص يصور حالة الشام وفلسطين عند ظهوره عليه السلام وهو من إسقاط الراوي ، لكنه لا يضر في أصل ما اتفقت عليه المصادر من حركته عليه السلام إلى القدس .
ويشبهه في مصادرنا حديث العياشي في : 2 / 59 : « عن عبد الأعلى الحلبي : قال أبو جعفر عليه السلام : لكأني أنظر إليهم يعني القائم عليه السلام وأصحابه مصعدين من نجف الكوفة ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً كأن قلوبهم زبر الحديد ، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، يسير الرعب أمامه شهراً وخلفه شهراً ، أمده الله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين . حتى إذا صعد النجف قال لأصحابه : تعبدوا ليلتكم هذه ، فيبيتون بين راكع وساجد ، يتضرعون إلى الله ، حتى إذا أصبح قال : خذوا بنا طريق النخيلة ، وعلى الكوفة جند مجند ، قلت : جند مجند ؟ قال : إي والله حتى ينتهي إلى مسجد إبراهيم عليه السلام بالنخيلة فيصلي فيه ركعتين ، فيخرج إليه من كان بالكوفة من مرجئها وغيرهم من جيش السفياني ، فيقول لأصحابه : استطردوا
--------------------------- 547 ---------------------------
لهم ، ثم يقول : كروا عليهم . قال أبو جعفر عليه السلام : ولا يجوز والله الخندق منهم مخبر ، ثم يدخل الكوفة فلا يبقى مؤمن إلا كان فيها أو حن إليها ، وهو قول أمير المؤمنين عليه السلام .
ثم يقول لأصحابه : سيروا إلى هذه الطاغية ، فيدعوه إلى كتاب الله وسنة نبيه فيعطيه السفياني من البيعة سلماً ، فيقول له كلب وهم أخواله : يا هذا ما صنعت ؟ ! والله ما نبايعك على هذا أبداً ، فيقول : ما أصنع ؟ فيقولون : إستقله ، فيستقيله ثم يقول له القائم : خذ حذرك فإنني أديت إليك وأنا مقاتلك ، فيصبح فيقتلهم فيمنحه الله أكتافهم ، ويأخذ السفياني أسيراً فينطلق به ويذبحه بيده . ثم يرسل جريدة خيل إلى الروم فيستحضرون بقية بني أمية ، فإذا انتهوا إلى الروم قالوا : أخرجوا إلينا أهل ملتنا عندكم فيأبون ويقولون : والله لا نفعل ، فيقول الجريدة : والله لو أمرنا لقاتلناكم ثم ينطلقون إلى صاحبهم فيعرضون ذلك عليه فيقول : إنطلقوا فأخرجوا إليهم أصحابهم ، فإن هؤلاء قد أتوا بسلطان عظيم . وهو قول الله : فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ . لاتَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ . قال : يعني الكنوز التي كنتم تكنزون . قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ . فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ . لا يبقى منهم مخبر » .
وهذا النص يصف سرعة انتصار الإمام عليه السلام في العراق على الخوارج عليه ، ثم حركته إلى الشام والقدس . لكنه نص عامي اللغة وفيه إسقاط عصر الراوي على النص !
أما النص التالي فيصف سرعة هزيمة السفياني واليهود على يد الإمام عليه السلام . وقد رواه في البحار : 52 / 388 ، عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : « ثم إن الله تعالى يمنح القائم وأصحابه أكتافهم فيقتلونهم حتى يفنوهم ، حتى أن الرجل يختفي في الشجرة والحجرة فتقول الشجرة والحجرة : يا مؤمن هذا رجل كافر فاقتله فيقتله ، قال : فتشبع السباع والطيور من لحومهم ، فيقيم بها القائم ما شاء ، قال : ثم يعقد بها القائم ثلاث رايات : لواء إلى القسطنطينية يفتح الله له ، ولواء إلى الصين فيفتح له ، ولواء إلى جبال الديلم فيفتح له » . وهذا يشبه الحديث المتواترعن معركة المسلمين الآتية مع اليهود .
رواية أن الإمام المهدي عليه السلام ينزل بيت المقدس
روى ابن حماد : 2 / 354 : « عن أرطاة قال : ثم يعود المهدي إلى مكة ثلاث سنين ، ثم يخرج
--------------------------- 548 ---------------------------
رجل من كلب ، فيخرج من كان في أرض إرم كرهاً ، فيسير إلى المهدي إلى بيت المقدس في اثني عشر ألفاً ، فيأخذ السفياني فيقتله على باب جيرون » . وروى ابن حماد : 1 / 387 : عن المشيخة ، عن كعب قال : « صاحب جلاء أهل اليمن رجل من بني هاشم منزله ببيت المقدس ، حرسه اثنا عشر ألفاً ، يجلي أهل اليمن حتى ينتهوا إلى مقدم الأرض » .
أقول : أصل حركة الإمام عليه السلام إلى القدس صحيحة ، لكن التفاصيل من تصور الرواة ، ومنها قولهم إنهيعادي اليمانيين ويُجليهم من بلاد الشام !
رواية جبار قريش الذي ينزل بيت المقدس !
أكثر رواة السلطة من أحاديث دخول الإمام المهدي عليه السلام إلى القدس ، وأضافوا له ووضعوا روايات فيه ، ومنها ما يلي :
في ابن حماد : 1 / 403 : « عن كعب قال : يستخلف رجل من قريش من شر الخلق ينزل بيت المقدس ، وتنقل إليه الخزائن وأشراف الناس فيتجبرون فيها ويشتد حجابه وتكثر أموالهم ، حتى يطعم الرجل منهم الشهر والآخر الشهرين والثلاثة ، حتى يكون مهزولهم كسمين سائر الناس ، وينشو فيهم نشوٌ كالعجول المرباة على المذاود ، ويطفئ الخليفة سنناً كانت معروفة ويبتدع سنناً لم تكن ، ويظهر الشر في زمانه ويظهر الزنا وتشرب الخمر علانية ، ويخيف العلماء في زمانه خوفاً ، حتى لو أن رجلاً ركب راحلة ثم طاف الأمصار كلها لم يجد رجلاً من العلماء يحدثه بحديث علم من الخوف ، وفي زمانه يكون المسخ والخسف ، ويكون الإسلام غريباً كما بدأ غريباً ، ويكون المتمسك بدينه كالقابض على الجمرة وكخارط القتاد في الليلة المظلمة ، حتى يصير من شأنه أن يرسل ابنته تمر في السوق ومعها الشرط عليها بطيطان من ذهب وثوب لا يواريها مقبلة ولا مدبرة ، فلو تكلم أحد من الناس في الإنكار عليه في ذلك بكلمة واحدة ضربت عنقه ، يبدأ فيمنع الناس الرزق ثم يمنعهم العطاء ، ثم بعد ذلك يأمر بإخراج أهل اليمن من الشام ، فتخرجهم الشرط متفرقين لا تترك جنداً يصل إلى جند ، حتى يخرجوهم من الريف كله ، فينتهون إلى بصرى ، وذلك عند آخر عمره . فيتراسل أهل اليمن فيما بينهم حتى يجتمعوا كاجتماع قزع الخريف ، فينصبون من
--------------------------- 549 ---------------------------
حيث كانوا بعضهم إلى بعض ، عصباً عصباً ، ثم يقولون : أين تذهبون وتتركون أرضكم ومهاجركم فيجتمع رأيهم على أن يبايعوا رجلاً منهم ، فبيناهم يقولون نبايع فلاناً بل فلاناً ، إذ سمعوا صوتاً ما قاله إنس ولا جان بايعوا فلاناً يسميه لهم ، فإذا هو رجل قد رضوا به وقنعت به الأنفس ليس من ذي ولا من ذي ، ثم يرسلون إلى جبار قريش نفراً منهم فيقتلهم ويرد رجلاً منهم يخبرهم ما قد كان ، ثم إن أهل اليمن يسيرون إليه ولجبار قريش من الشرط عشرون ألفاً ، فيسير أهل اليمن فيقابلهم لخم وجذام وعاملة وجدس ، فينزلون لهم الطعام والشراب والقليل والكثير ويكونون يومئذ مغوثة لليمن ، كما كان يوسف مغوثة لإخوته بمصر .
والذي نفس كعب بيده إن لخم وجذام وعاملة وجدس لمن أهل اليمن ، يا أهل اليمن فإن جاؤوكم يلتمسون نسبهم فيكم فصلوهم فإنهم منكم ، ثم يسيرون جميعاً حتى يشرفوا على بيت المقدس ، فيلقاهم جبار قريش في الجموع فيهزمهم أهل اليمن ولا يقومون لأهل اليمن » .
وفي الفتن : 2 / 622 : « يكون في زمان الهاشمي الذي يتجبر في بيت المقدس بعد المهدي أن يبعث بجارية عليها لباس لايواريها ، في زمانه يكون رجف ومسخ وخسف » .
وفي الفتن : 1 / 387 : « عن أبي الزاهرية ، عن كعب قال : ينزل رجل من بني هاشم بيت المقدس حرسه اثنا عشر ألفاً . . . عن كعب قال : حرسه ستة وثلاثون ألفاً ، على كل طريق لبيت المقدس اثنا عشر ألفاً . قال الوليد : وأخبرني جراح عن أرطاة : فيطول عمره ويتجبر ويشتد حجابه في آخر زمانه ، وتكثر أمواله وأموال من عنده حتى يصير مهزولهم كسمين سائر المسلمين . . . ثم ذكر قصة جبار قريش المتقدمة ، وغرائب من أحداث تكون في المستقبل ، والظالم فيها القرشيون ، والمظلوم اليمانيون ، ووالغريب أن شخصية المهدي فيها ثانوية ! »
ملاحظات على روايات معركة دمشق والقدس
1 - نلاحظ الحشوالكثير في هذه الروايات ، خاصة روايات ابن حماد وهو أهم مصدرعندهم في روايات الملاحم والفتن ، وعامة ذلك من خيالات كعب الأحبار وتلاميذه ، فهم يتكلمون من عندهم وقد ينسبون كلامهم إلى النبي صلى الله عليه وآله ! وكلامهم يعكس الصراع بين اليمانية والقيسية ، الذي اشتد بعد موت يزيد .
--------------------------- 550 ---------------------------
2 - من الواضح أن الرواة أسقطوا أحاديث المهدي عليه السلام على عصرهم وأنفسهم ! ووصفوا أصحابهم بأوصاف أصحابه عليه السلام مثل أنهم يأتون كقزع الخريف . . الخ .
3 - يتناقض عدد منها مع أصول الروايات في مصادر الطرفين ، كالتي تزعم موت المهدي عليه السلام وأنه يحكم بعده قرشي جبار ، وأن اليمانيين يتقاتلون مع القرشيين ، ويفنى القرشيون حتى لا يبقى منهم أحد ، ويكون النعل القرشي تحفة من التحف ! وكذلك العناصر الخيالية عن الروم والقسطنطينية وعيسى عليه السلام ، وعن الدجال وما يكون بعد المهدي عليه السلام . وهو من نوع تحريفهم أحاديث الشام والدجال .
4 - تجد بين هذا الغث فقرات صحيحة وإن كانت قليلة ، وقد أيدتها روايات أهل البيت عليهم السلام ، كأحاديث معركة الإمام عليه السلام مع السفياني في الشام ، ثم يدخل بعدها إلى القدس بسهولة ! ونستبعد صحة ما ذكروه من أن المهدي عليه السلام يذبح السفياني بيده عند بحيرة طبرية ، ونرجح أن السفياني يقتل في الشام ، كما ورد في رواية .
تأثير انتصار الإمام الكاسح ودخوله القدس
طبيعي أن يكون لانتصار الإمام المهدي عليه السلام ودخوله القدس وقعٌ كبير على الغربيين ، وأن يجن جنونهم لهزيمة اليهود ! فيعلنون الحرب على الإمام عليه السلام مع تخوفهم من مواجهته لامتلاكه أسلحة تكافئ أسلحتهم ، أو تتفوق عليها . وفي ذلك الوقت الحساس ينزل المسيح عليه السلام فيهتز له الغرب ، ويقترح الهدنة بين الغربيين والمهدي عليه السلام . وقد وصفها النبي صلى الله عليه وآله بأنها آخرهدنة تكون بين المسلمين والروم ، وأمير الناس يومئذ المهدي من ولدي عليه السلام . وسيأتي ذكرها .
مدة حروب الإمام المهدي عليه السلام ثمانية أشهر
في كمال الدين : 1 / 318 : « عن عيسى الخشاب قال : قلت للحسين بن علي عليه السلام : أنت صاحب هذا الأمر ؟ قال : لا ، ولكن صاحب الأمر الطريد الشريد ، الموتور بأبيه ، المكنى بعمه ، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر » .
وتحسب الثمانية أشهر من فتحه راية النبي صلى الله عليه وآله في ظهر اللكوفة بعد مجيئه من الحجاز .
- *
--------------------------- 551 ---------------------------
الفصل السادس والعشرون : ( معركة اليهود ، اليهود والمعركة في عصر الظهور )
--------------------------- 552 ---------------------------
الآيات في دور اليهود في عصر الظهور
ذكرنا في كتاب عصر الظهور أن آيات القرآن تنص على أن اليهود يشعلون نار الحروب في الأرض ، وأن الله تعالى تكفل بإطفاء نارهم !
قال عز وجل : وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً ، وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَاداً وَاللهُ لايُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ . « المائدة : 64 » .
وهو وعد بإطفاء كل حرب يشعلونها ، سواء كانوا فيها طرفاً أو حركوا لها آخرين .
وفي هذا القرن تضاعف إشعالهم نيران الحروب على المسلمين ، فحركوا عليهم الغرب والشرق ، واغتصبوا فلسطين وأقاموا فيها دولتهم ، وعلوا علواً كبيرا .
فلا بد أن يتحقق الوعد الإلهي بإطفاء نارهم . ومن طرق إطفاء نارهم صراعاتهم الداخلية فهي باب من اللطف الإلهي بالناس ، وكذلك تسليط الآخرين عليهم ، قال عز وجل : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ . « الأعراف : 167 » . والمعنى : أنه تعالى قضى بأن يسلط عليهم من يعاقبهم ويعذبهم إلى يوم القيامة ، وشتتهم في الأرض جماعات ، منهم الصالح ومنه الطالح ، وامتحنهم بالخير والشر ، لعلهم يتوبون ويرجعون إلى الهدى ! وقد سلط عليهم ملوك مصر وبابل واليونان والفرس والروم ، وغيرهم ، ما عدا فترات حكم فيها الأنبياء عليه السلام وفترة علوهم الفعلية التي تسبق الانتقام منهم .
وقد فصَّلت هذا الوعد الإلهي آيات مطلع سورة الإسراء ، فقال الله تعالى :
« سُبْحَانَ الذي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ . وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِى إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِى وَكِيلا . ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُوراً . وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ في الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً .
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولا . ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً . إِنْ
--------------------------- 553 ---------------------------
أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَاعَلَوْا تَتْبِيراً . عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً » .
وخلاصة معناها : حكمنا في القضاء المبرم في التوراة لبني إسرائيل بأنكم ستفسدون في المجتمع البشري مرتين ، وتستكبرون على الناس وتعلون عليهم علواً كبيراً مرة واحدة .
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ . أي إذا جاء وقت عقوبة إفسادكم الأول أرسلنا عليكم عباداً لنا ، أصحاب قوة وبطش . فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا . . كناية عن سهولة الفتح الأول لفلسطين على يد المسلمين ، حيث جاس جنود المسلمين بين بيوتهم يتعقبون المقاتلين .
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً . أي أعدنا لكم الغلبة عليهم ، وأعطيناكم أموالاً وأولاداً ، وأنصاراً في العالم .
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا . . ثم يستمر وضعكم هذا فترة ، فإن تبتم وعملتم خيراً فهو خير لأنفسكم ، وإن أسأتم وطغيتم وعلوتم فهو لكم أيضاً .
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً . أي نسلط عليكم نفس العباد فيسوؤوا وجوهكم ، ثم يدخلوا المسجد فاتحين كما دخلوه أول مرة ، ويسحقوا علوكم سحقاً .
عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً . أي لعل الله أن يرحمكم بعد هذه العقوبة الثانية ، وإن عدتم إلى إفسادكم عدنا إلى معاقبتكم ، وحصرناكم عن ذلك في الدنيا ، ثم جعلنا لكم جهنم حصراً في الآخرة .
والنتيجة : أن تاريخ اليهود من بعد موسى عليه السلام إلى آخر حياتهم يتلخص بإفسادهم الأول ، ثم عقوبتهم على يد المسلمين . ثم يغلبون المسلمين ويكثر أنصارهم في العالم ، ويكون علوهم لأول مرة ، فيجئ وعد العقوبة الثانية على يد نفس القوم .
فالعقوبة الأولى على إفسادهم وقعت على يد المسلمين في صدر الإسلام ، ثم رد الله لهم الكرة لهم على المسلمين فأفسدوا مرة ثانية ، ثم تحقق علوهم في الأرض ، وستكون عقوبتهم على أيدي المسلمين أيضاً .
--------------------------- 554 ---------------------------
وهذا ما نصت عليه الأحاديث الشريفة عن الأئمة عليهم السلام ، وفسرت القوم الذين يبعثهم الله تعالى على اليهود في المرة الثانية بأنهم المهدي عليه السلام وأصحابه ، وأنهم أهل قم وقوم يبعثهم الله قبل خروج القائم ، فلا يدعون وتراً لآل محمد صلى الله عليه وآله إلا قتلوه .
ففي البحار : 60 / 216 : « عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قرأ هذه الآية . . فقلنا : جعلنا فداك من هؤلاء ؟ فقال ثلاث مرات : هم والله أهل قم » .
وفي تفسير العياشي : 2 / 141 و 281 : « عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قرأ قوله تعالى : بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ، وقال : هو القائم وأصحابه أولوا بأس شديد » .
والأحاديث الثلاثة متفقة في المقصود ، لأن أهل قم بمعنى أنصار المهدي عليه السلام وكذلك أهل الكوفة . ويبدو أن مقاومة المسلمين لليهود تكون على مراحل حتى يظهر الإمام عليه السلام ، فيكون القضاء النهائي عليهم بيده .
وذهب بعضهم في تفسيرها بعيداً ، وتصور أن القوم الذين يبعثهم الله على اليهود للعقوبة الثانية غير المسلمين ، مع أنهم في المرتين أمة واحدة ، وصفاتهم لا تنطبق إلا على المسلمين ! فحتى لو صح وصف ملوك المصريين والبابليين واليونان والفرس والروم وغيرهم ممن تسلطوا على اليهود ، بأنهم « عباداً لنا » فإنه لم يحدث أن اليهود عادوا وغلبوا أحداً منهم وجعلهم الله أكثر نفيراً عليهم إلا المسلمين ، كما لم يتحقق علو اليهود الكبير على الشعوب والدول إلا في عصرنا !
وكذلك القول في آيات حشرهم الأول وحشرهم الثاني ، وقد وقع الحشر الأول بعد حرب الأحزاب ، لمَّا نقضوا عهدهم مع النبي صلى الله عليه وآله قال الله تعالى : هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَلِ الْحَشْرِ . . . وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّار .
أما حشرهم الثاني فهو تجميعهم في فلسطين قبل القضاء عليهم ، كما قال تعالى : وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائيلَ اسْكُنُوا الأرض فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً » . « الإسراء : 104 » . واللفيف الجماعة من قبائل شتى . « تفسير القمي : 2 / 29 » . ولا يتسع المجال لبيان خطأ من فسرالآيات بالحشر يوم القيامة .
--------------------------- 555 ---------------------------
المعركة الموعودة بين اليهود والمسلمين
اتفقت مصادر المسلمين على أن النبي صلى الله عليه وآله أخبر أمته بأن لهم معركة مع اليهود في آخر الزمان في فلسطين .
وتتشابه مضامينها وتعابيرها مع ما ورد في تفسير قوله تعالى : بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ، بأن المبعوثين عليهم المهدي وأصحابه .
ففي مصنف عبد الرزاق : 11 / 399 ، وابن حماد : 2 / 574 ، وابن أبي شيبة : 15 / 144 : « عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر : يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله » . وبرواية أخرى قال : « ينزل عيسى بن مريم فإذا رآه الدجال ذاب كما تذوب الشحمة ، فيقتل الدجال ويتفرق عنه اليهود ، حتى أن الحجر ليقول : يا عبد الله المسلم هذا عندي يهودي فتعال فاقتله » .
وفي مسند أحمد : 2 / 417 : « عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لا تقوم الساعة حتى يقتل المسلمون اليهود ، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر أو الشجر فيقول الحجر أو الشجر : يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود » .
وفي البخاري : 3 / 232 ، و : 4 / 51 ، عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : تقاتلون اليهود حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر فيقول : يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله . وعن أبي هريرة : لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي : يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله » . ونحوه مسلم : 8 / 188 ، ، والبيهقي : 9 / 175 ، وأحمد : 2 / 417 ، والجامع للأصول : 5 / 356 .
وفي مجمع الزوائد : 7 / 348 ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لتقاتلن المشركين حتى يقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن أنتم شرقيه وهم غربيه ، ولاأدرى أين الأردن يومئذ . رواه الطبراني والبزار ورجال البزار ثقات » . ونحوه الآحاد والمثاني : 4 / 409 ، وتاريخ دمشق : 62 / 323 ، بروايتين .
وروى نحوه ابن حماد : 2 / 568 ، عن حذيفة بن اليمان ، عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث فيه مبالغات عن الدجال أيضاً ، جاء فيه : « فبينما أنتم على ذلك حتى ينزل عيسى بن مريم بإيليا وفيها
--------------------------- 556 ---------------------------
جماعة من المسلمين وخليفتهم . . . ثم يفترقون ويختبؤون تحت كل شجر وحجر حتى يقول الحجر : يا عبد الله يا مسلم تعال هذا يهودي ورائي فاقتله ، ويدعو الشجر مثل ذلك غير شجرة الغرقدة شجرة اليهود لا تدعو إليهم أحداً يكون عندها » .
ونحوه في ابن حماد : 2 / 570 ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، جاء فيه : « فإذا بعيسى بن مريم بين ظهرانيهم ، فينكب إمامهم عنه ليصلي بهم ، فيأبى عيسى بن مريم حتى يصلي إمامهم تكرمة لتلك العصابة ، ثم يمشي إلى الدجال وهو في آخر رمق فيضربه فيقتله ، فعند ذاك صاحت الأرض فلم يبق حجر ولا شجر ولا شئ إلا قال : يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله ، إلا الغرقدة فإنها شجرة يهودية » .
فهذه المعركة القطعية مع اليهود لا تفسير لها إلا بمعركة الإمام المهدي عليه السلام معهم .
وتقدمت بعض أحاديثها في فصل فلسطين والقدس ، ولعل أشهر ها في مصادر السنة ما رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر : يا مسلم هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود » .
كما نصت أحاديث قتال عيسى عليه السلام للدجال على وجود اليهود مع الدجال ، وأنهم أكثر أتباعه ، كما في مسند أحمد « 3 / 367 » في حديث طويل عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله يصف فيه قتل الدجال وفيه : « حتى أن الشجرة والحجر ينادي يا روح الله هذا يهودي ، فلا يترك ممن كان يتبعه أحداً إلا قتله » .
والحاكم : 4 / 530 ، بنحوه وصححه ، وعقد الدرر / 232 ، بعضه ، ومجمع الزوائد : 7 / 343 ، وقال عن إسنادي أحمد : رجال أحدهما رجال الصحيح ، والدر المنثور : 2 / 242 ، عن أحمد ، وكذا جمع الجوامع : 1 / 995 ، وابن خزيمة ، وأبو يعلى ، والحاكم ، والضياء المقدسي . . الخ .
وروى عبد الرزاق : 11 / 397 ، حديثاً طويلاً عن الدجال فيه أساطير ، لكن قال فيه : « فينزل ابن مريم فيحسرعن أبصارهم ، وبين أظهرهم رجل عليه لامته يقولون : من أنت يا عبد الله ؟ فيقول : أنا عبد الله ورسوله وروحه وكلمته عيسى بن مريم ، اختاروا بين إحدى ثلاث : بين أن يبعث الله على الدجال وجنوده عذاباً من السماء ، أو يخسف بهم الأرض ، أو يسلط عليهم
--------------------------- 557 ---------------------------
سلاحكم ويكف سلاحهم عنكم ، فيقولون : هذه يا رسول الله أشفى لصدورنا ولأنفسنا ، فيومئذ ترى اليهودي العظيم الطويل الأكول الشروب لا تُقل يده سيفه من الرعدة ، فيقومون إليهم فيسلطون عليهم » . ونحوه ابن حماد : 2 / 552 ، وتهذيب ابن عساكر : 1 / 194 .
ومن مصادرنا نصت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام أن المهدي سيطهر بلاد العرب من اليهود ، قال عليه السلام : « لأبنين بمصر منبراً ، ولأنقضن دمشق حجراً حجراً ولأخرجن اليهود من كل كور العرب ، ولأسوقن العرب بعصاي هذه . فقال الراوي وهو عباية الأسدي : قلت له : يا أمير المؤمنين كأنك تخبر أنك تحيا بعدما تموت ؟ فقال : هيهات يا عباية ذهبت غير مذهب ! يفعله رجل مني أي المهدي عليه السلام » . « معاني الأخبار للصدوق : 406 ، ومعناه أنه عليه السلام يخرجهم من فلسطين ، وينهي دولتهم العنصرية .
من يسلم من اليهود على يد الإمام المهدي عليه السلام
تقدم في فصل أصحاب المهدي عليه السلام أنه يستخرج نسخة التوراة والإنجيل من غار بأنطاكية ، وجبل بالشام ، وجبل فلسطين ، وبحيرة طبرية ، ويحاجُّ بها اليهود . ففي ابن حماد : 1 / 355 : « عن كعب قال : يستخرج تابوت السكينة من غار بأنطاكية فيه التوراة التي أنزل الله تعالى على موسى ، والإنجيل الذي أنزل الله عز وجل على عيسى ، يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم » .
وفي ابن حماد : 1 / 357 : « عن كعب قال : إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى أسفار من أسفار التوراة يستخرجها من جبال الشام ، يدعو إليها اليهود ، فيسلم على تلك الكتب جماعة كثيرة ، ثم ذكر نحواً من ثلاثين ألفاً » .
أقول : نعم ، المهدي عليه السلام يهدي إلى نسخ من التوراة ويسلم على يده جماعة من اليهود ، لكن لا يص ما زعمه كعب من أن سبب تسميته بالمهدي عليه السلام أنه يهدي إلى أسفارالتوراة ، فهذا تضخيم للتوراة وتصغير للمهدي عليه السلام !
وقد توهم بعضهم بأن ما ورد في مصادرنا من أنه سمي المهدي لأنه يهدي إلى أمر خفي ، أنه يهدي إلى التوراة ، لكن الأمر الخفي أعم ، ففي غيبة الطوسي / 282 » . : « فقلت : لأي شئ سمي
--------------------------- 558 ---------------------------
المهدي ؟ قال : لأنه يهدى إلى كل أمر خفي » . فهو أعم من الهداية إلى نسخة التوراة ، وإن كانت من مفرداته .
وروى ابن حماد : 1 / 355 و 360 : « عن سليمان بن عيسى قال : بلغني أنه على يدي المهدي يظهر تابوت السكينة من بحيرة طبرية ، حتى تحمل فتوضع بين يديه ببيت المقدس ، فإذا نظرت إليه اليهود أسلمت إلا قليلاً منهم » .
وفي سنن البيهقي : 9 / 180 : « عن مجاهد ، في قوله عز وجل : حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا قال : يعني حتى ينزل عيسى بن مريم فيسلم كل يهودي وكل نصراني وكل صاحب ملة ، وتأمن الشاة الذئب ، ولا تقرض فأرة جراباً ، وتذهب العداوة من الأشياء كلها ، وذلك ظهور الإسلام على الدين كله » .
وفي الدر المنثور : 3 / 231 : « وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، والبيهقي في سننه عن جابر في قوله : ليُظْهرَهُ على الدِّين كُلِّه ، قال : لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلا الإسلام » .
تابوت السكينة
تابوت السكينة صندوق فيه مواريث الأنبياء عليهم السلام ، وقد جعله الله آيةً لبني إسرائيل على إمامة الذي يكون عنده ، وقد جاءت به الملائكة تحمله بين جموع بني إسرائيل ، حتى وضعته أمام طالوت عليه السلام ، ثم سلمه طالوت إلى داود ، وداود إلى سليمان ، وسليمان إلى وصيه آصف بن برخيا عليهم السلام . ، ثم فقده بنو إسرائيل عندما تركوا وصي سليمان عليه السلام وبايعوا غيره !
قال الله تعالى : وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . « البقرة : 247 » .
وعقيدتنا أن تابوت السكينة وكل مواريث الأنبياء عليهم السلام جمعها الله لنبينا صلى الله عليه وآله ثم إلى أوصيائه عليهم السلام ، فهي الآن عند الإمام المهدي عليه السلام . ولم يرد عن أهل البيت عليه السلام أنه يستخرجه من أنطاكية أو غيرها . كما ورد عندنا أنه عليه السلام سمي المهدي : « لأنه يهدي لأمر خفي ، يهدي إلى ما في صدور الناس » .
--------------------------- 559 ---------------------------
« دلائل الإمامة / 249 » . ولا صحة لقول كعب إنه سمي المهدي لأنه يهدي إلى التوراة وتابوت السكينة ، يريد تضخيم التوراة وتصغير مكانة المهدي عليه السلام !
كشف الهيكل
ورد في تعداد علامات الظهور عبارة : « وكشف الهيكل » فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال : « ولذلك آيات وعلامات : أولهن إحصار الكوفة بالرصد والقذف . وتخريق الزوايا في سكك الكوفة . وتعطيل المساجد أربعين ليلة . وكشف الهيكل . وخفق رايات تهتز حول المسجد الأكبر ، القاتل والمقتول في النار » . « تاريخ الكوفة للبراقي / 110 » .
ويظهر أنه هيكل سليمان عليه السلام ، لكن يحتمل أن يكون أثراً تاريخياً غيره ، فقد ورد بنحو مطلق ، ولم يذكر من يكشفه .
رايات خراسان نحو القدس
وتقدمت في فصل الإيرانيين ، كالحديث المستفيض : « تخرج من خراسان راياتٌ سودٌ فلا يردها شئ حتى تنصب في إيلياء » . والمرجح أنها تكون صحبة الإمام المهدي عليه السلام .
- *
--------------------------- 560 ---------------------------
--------------------------- 561 ---------------------------
الفصل السابع والعشرون : ( نزول عيسى عليه السلام ، نزول عيسى من السماء ونصرته الإمام المهدي عليه السلام )
--------------------------- 562 ---------------------------
آيات نزول عيسى عليه السلام
من عقائد عامة المسلمين أن عيسى عليه السلام سينزل من السماء إلى الأرض . قال الله تعالى : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً . « النساء : 159 » . وقال تعالى : وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ . « الزخرف : 61 » . والمعنى : أنه عليه السلام آية من آيات الساعة ، وما من أحد من أهل الكتاب النصارى واليهود ، إلا سيؤمن به عندما ينزله الله إلى الدنيا ، ويرونه ويرون آياته . وهذا بذاته معجزة لأن اليهود إلى اليوم لا يؤمنون به ويتهمون أمه قال الإمام الباقر عليه السلام : « ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا ، فلا يبقى أهل ملة يهودي ولا نصراني إلا آمن به قبل موته ، ويصلي خلف المهدي » . « البحار : 14 / 350 » .
فالحكمة من رفعه إلى السماء أن الله تعالى ادَّخره لدورعظيم في مرحلة حساسة من التاريخ ، يكون أتباعه وعُبَّاده فيها قوة عائقة عن وصول الهدى إلى الشعوب وإقامة دولة العدل الإلهي العالمي .
لهذا كان من الطبيعي أن ينزل عليه السلام في العالم المسيحي ، وأن تَعُمَّ بلادهم فرحة ومظاهرات شعبية ، ويعتبروا نزوله نصراً لهم مقابل ظهور مهدي المسلمين .
والوضع الطبيعي أن يخبر الإمام المهدي عليه السلام بوقت نزوله ، وأن ينتظره ويراقبه ملايين الناس ويشاهدوا نزوله عليه السلام .
وأن يظهرالله على يديه أنواع المعجزات ويهتدي بذلك كثيرون . وأول ثمرات نزوله عليه السلام تخفيف عداء الغربيين للإسلام والمهدي عليه السلام وعقد اتفاقية سلام بينه وبين الدول الغربية . وقد ورد أن مدة هذا الصلح تكون عشر سنين .
ولا يبعد أن تكون صلاة عيسى خلف المهدي عليه السلام بعد سنين من نزوله ، عندما تنقض الدول الغربية معاهدة الصلح ، وتحشد جيوشها لحرب المهدي عليه السلام فيتخذ المسيح موقفه الصريح إلى جانبه ، ويأتي إلى الشرق ويأتمَّ به .
أما كسره الصليب وقتله الخنزير الذي أفاضت في روايته مصادر السنيين ، فيكون بعد هزيمة الغربيين في معركتهم مع الإمام المهدي عليه السلام ودخوله هو والمسيح عليه السلام إلى عواصمهم ، واستقبال شعوبها لهما بالهتاف والتكبير .
وقد رُفع المسيح عليه السلام وهوكهلٌ ، وينزل من السماء كهلاً . وقد ورد في تفسير قوله تعالى :
--------------------------- 563 ---------------------------
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ . « آل عمران : 46 » . أن تكليمه الناس في المهد عند ولادته ، وكهلاً عندما ينزل من السماء ، وقال ابن عباس : رفع وهو ابن ثلاثين سنة « البغوي : 2 / 77 » والكهولة تبدأ عند وَخْطِ الشيب كما نص اللغويون .
وفي تفسير مجمع البيان : 2 / 295 : « وكهلاً ، بعد نزوله من السماء ليقتل الدجال ، وذلك لأنه رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وذلك قبل الكهولة » . ونسبه الطبري في تفسيره : 3 / 371 ، إلى ابن زيد ، ونسبه الثعلبي في تفسيره « 3 / 69 » إلى الحسن بن الفضل البجلي ، وكذا الرازي : 8 / 55 .
وقال البغوي : 1 / 308 : « قيل للحسين بن الفضل : هل تجدون نزول عيسى في القرآن ؟ قال : نعم ، قوله : وكهلاً ، وهو لم يكتهل في الدنيا ، وإنما معناه وكهلاً بعد نزوله من السماء » .
أقول : حتى لو كان تكليمه للناس كهلاً قبل رفعه إلى السماء ، كما قال البيضاوي : 2 / 40 ، والزركشي : 3 / 67 ، والدر المنثور : 2 / 24 ، فإنه يكلمهم كهلاً بعد نزوله أيضاً .
وفي تفسير الطبري : 6 / 14 : « عن ابن زيد في قوله تعالى : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ، قال : ابن عباس ، وابن زيد ، وأبو مالك ، والحسن البصري : إذا نزل عيسى بن مريم فقتل الدجال ، لم يبق يهودي في الأرض إلا آمن به ، قال : وذلك حين لا ينفعهم الإيمان » .
وروى البيهقي : 9 / 180 : « عن مجاهد في قوله عز وجل : حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ، يعني حتى ينزل عيسى بن مريم » . والجامع لأحكام القرآن 16 / 228 .
أحاديث نزول عيسى عليه السلام من مصادرهم
روى بخاري في صحيحه : 4 / 205 : « كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم » .
ومسلم : 1 / 136 ، و 137 ، وأبو عوانة : 1 / 106 ، وابن المنادي / 57 ، وابن حبان : 8 / 283 و 284 ، والبيهقي في الأسماء / 535 ، والبغوي : 3 / 516 . . إلى آخر مصادره .
وفي الطيالسي / 335 : « عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الأنبياء إخوة لعَلَّات أمهاتهم شتى ودينهم واحد ، فأنا أولى الناس بعيسى بن مريم ، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي ، فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين مُمَصَّرتين ، كأن رأسه يقطر ، ولم يصبه بلل . وإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويفيض المال ، حتى يهلك الله
--------------------------- 564 ---------------------------
في زمانه الملل كلها غير الإسلام ، وحتى يهلك الله في زمانه مسيح الضلال الأعور الكذاب ، وتقع الأمنة في الأرض ، حتى يرعى الأسد مع الإبل ، والنمر مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الصبيان بالحيَّات ، ولايعض بعضها بعضاً . ثم يبقى في الأرض أربعين سنة ، ثم يموت ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه » . وعبد الرزاق : 11 / 401 ، وابن حماد / 163 و 164 ، ونحوه ابن أبي شيبة : 15 / 158 ، وأحمد : 2 / 406 ، و 437 ، وأبو داود : 4 / 117 ، و 118 ، والمسند الجامع : 18 / 434 . إلخ .
وأبناء العَلَّات والإخوة لعَلَّات : بفتح العين وتشديد اللام : الاخوة لأب من أمهات شتى . والثوب الُممَصَّر : الذي في لونه صفرة خفيفة .
وفي مسند أحمد : 2 / 411 : « عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : يوشك من عاش منكم أن يلقى عيسى بن مريم ، إماماً مهدياً وحكماً عدلاً ، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية وتضع الحرب أوزارها » .
أي لا يقبل من أهل الكتاب إلا الإسلام أو القتال . وتضع أوزارها : تنتهي .
وفي جامع السيوطي : 9 / 442 : « ثم لئن قام على قبري فقال : يا محمد ، لأجيبنه » .
وفي مسند الشاميين : 1 / 317 : « ويزيد في الحلال ! قال أبو الأشعث : والله يا أبا هريرة ما أظنه يزيد في شئ من الحلال في النساء ! فنظر اليَّ وتبسم وقال : إنك قد أصبت » . ومعناه أن أبا الأشعث كذب أبا هريرة ، فقبل ذلك أبو هريرة وكذب نفسه !
وفي بيان الشافعي / 500 : « عن أبي سعيد : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه . . أخرجه الحافظ أبو نعيم في كتاب مناقب المهدي عليه السلام وكتابه أصل » .
وفي بيان الشافعي / 497 : « عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : فيلتفت المهدي وقد نزل عيسى عليه السلام كأنما يقطر من شعره الماء فيقول المهدي : تقدم صل بالناس ، فيقول عيسى : إنما أقيمت الصلاة لك ، فيصلي عيسى خلف رجل من ولدي ، فإذا صليت قام عيسى حتى جلس في المقام فيبايعه ، فيمكث أربعين سنة . وقال : قلت : هكذا أخرجه أبو نعيم في مناقب المهدي » .
وفي القول المختصر / 8 : فيصلي بهم إمامهم ، وإمام عيسى .
وفي ارتقاء الغرف / 253 ، عن حذيفة : فيصلي خلف رجل من ولدي .
وفي بدائع الزهور / 189 : « عن أويس الثقفي : قال النبي صلى الله عليه وآله : ينزل عيسى بن مريم
--------------------------- 565 ---------------------------
عند قيام الساعة ، ويكون نزوله على المنارة البيضاء التي بشرق جامع دمشق ، وصفته مربوع القامة ، أسود أشعر ، أبيض اللون ، فإذا نزل يدخل المسجد ويقعد على المنبر ، فتتسامع الناس به فيدخل عليه المسلمون والنصارى واليهود ، فيزدحمون هناك حتى يطأ بعضهم رأس بعض ، فيأتي مؤذن المسلمين فيقيم الصلاة ، وهي صلاة الفجر ، فيصلي عيسى مأموماً مقتدياً بالمهدي » .
وفي أحمد : 4 / 216 و 217 ، وابن شيبة : 15 / 136 : « عن عثمان بن أبي العاص قال : من حديث طويل : فينزل عيسى بن مريم عن صلاة الفجر فيقول له أمير الناس : تقدم يا روح الله فصل بنا فيقول : إنكم معشر الأمة أمراء بعضهم على بعض ، تقدم أنت فصل بنا ، فيتقدم الأمير فيصلي بهم ، فإذا انصرف أخذ عيسى حربته فيذهب نحو الدجال ، فإذا رآه ذاب كما يذوب الرصاص ، ويضع حربته بين ثندوته فيقتله ، ثم ينهزم أصحابه » . .
وفي عقد الدرر / 274 : « عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في قصة الدجال : ويدخل المهدي عليه السلام بيت المقدس ويصلي بالناس إماماً ، فإذا كان يوم الجمعة وقد أقيمت الصلاة نزل عيسى بن مريم بثوبين مشرقين حمر ، كأنما يقطر من رأسه الدهن ، رَجْلُ الشعر صبيح الوجه أشبه خلق الله عز وجل بأبيكم إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام ، فيلتفت المهدي فينظرعيسى عليه السلام فيقول لعيسى : يا ابن البتول صل بالناس . فيقول : لك أقيمت الصلاة فيتقدم المهدي فيصلي بالناس ويصلي عيسى خلفه ويبايعه . ويخرج عيسى فيلتقي الدجال فيطعنه فيذوب كما يذوب الرصاص ، ولا تقبل الأرض منهم أحداً ، لا يزال الحجر والشجر يقول يا مؤمن تحتي كافر أقتله .
ثم إن عيسى عليه السلام يتزوج امرأة من غسان ويولد له منها مولود ، ويخرج حاجاً فيقبض الله تعالى روحه في طريقه قبل وصوله إلى مكة » .
وفي سنن الداني / 143 : « عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تزال طائفة من أمتي تقاتل عن الحق حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس ، ينزل على المهدي فيقال له تقدم يا نبي الله فصل لنا ، فيقول : إن هذه الأمة أمير بعضهم على بعض لكرامتهم على الله عز وجل » .
وفي أحمد ، والحاكم : 2 / 595 ، وصححه 2 / 290 : « عن أبي هريرة : قال رسول الله : صلى الله عليه وآله
--------------------------- 566 ---------------------------
ينزل عيسى بن مريم فيقتل الخنزير ويمحو الصليب ، وتجمع له الصلاة ، ويعطي المال حتى لا يُقبل ، ويضع الخراج ، وينزل الروحاء فيحج منها أو يعتمر أو يجمعهما قال : وتلا أبو هريرة : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً » . .
أقول : إحفظ عليك هذه الأحاديث التي صححوا عدداً منها ، وهي تنص على صلاة عيسى خلف المهدي عليه السلام واقتدائه به ، قبل أن ينتبه الشُّراح من غفلتهم ويمحوها !
وفي ابن حماد / 161 : « عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : إذا بلغ الدجال عقبة أفِيق ، وقع ظله على المسلمين فيوترون قسيهم لقتاله فيسمعون نداء : أيها الناس قد أتاكم الغوث وقد ضعفوا من الجوع فيقولون : هذا كلام رجل شبعان يسمعون ذلك النداء ثلاثاً ، وتشرق الأرض بنورها ، وينزل عيسى بن مريم ورب الكعبة وينادي : يا معشر المسلمين أحمدوا ربكم وسبحوه وهللوه وكبروه ، فيفعلون فيستبقون يريدون الفرار ويبادرون ، فيضيق الله عليهم الأرض إذا أتوا باب لد في نصف ساعة ، فيوافقون عيسى بن مريم قد نزل بباب لد ، فإذا نظر إلى عيسى فيقول : أقم الصلاة ، يقول الدجال : يا نبي الله قد أقيمت الصلاة ، يقول عيسى : يا عدو الله أقيمت لك فتقدم فصل ، فإذا تقدم يصلي قال عيسى : يا عدو الله زعمت أنك رب العالمين ، فلم تصلي ؟ فيضربه بمقرعة معه فيقتله ، فلا يبقى من أنصاره أحد تحت شئ أو خلفه إلا نادى : يا مؤمن هذا دجالي فاقتله » . انتهى . وهو نصٌّ تظهر فيه تأثيرات كعب في الوضع ، وإنما أوردناه وأمثاله ليعرف حاله !
أحاديث نزول عيسى عليه السلام من مصادرنا
في تفسير القمي : 1 / 158 : « عن شهر بن حوشب قال : قال لي الحجاج : آية في كتاب الله قد أعيتني ! فقلت : أيها الأمير أيةُ آيةٍ هي ؟ فقال قوله : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ، والله إني لآمر باليهودي والنصراني فتضرب عنقه ، ثم أرمقه بعيني فما أراه يحرك شفتيه حتى يخمد . فقلت : أصلح الله الأمير ليس على ما تأولت ، قال : كيف هو ؟ قلت : إن عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملة يهودي ولا نصراني إلا آمن به قبل موته ، ويصلي خلف المهدي ، قال : ويحك أنى لك هذا ، ومن أين جئت به ؟ فقلت :
--------------------------- 567 ---------------------------
حدثني به محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، فقال : جئت بها والله من عين صافية » .
وفي أمالي الصدوق / 181 : « عن معمر بن راشد قال : سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول : أتى يهودي النبي صلى الله عليه وآله فقام بين يديه يحد النظر إليه ، فقال : يا يهودي ما حاجتك ؟ قال : أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله وأنزل عليه التوراة والعصا ، وفلق له البحر وأظلَّه بالغمام ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وآله : إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه ولكني أقول إن آدم عليه السلام لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لمَّا غفرت لي ، فغفرها الله له . وإن نوحاً لما ركب في السفينة وخاف الغرق قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني من الغرق ، فنجاه الله عنه . وإن إبراهيم لما ألقي في النار قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني منها ، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً . وإن موسى لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني ، فقال الله جل جلاله : لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى ! يا يهودي ، إن موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئاً ولا نفعته النبوة . يا يهودي ، ومن ذريتي المهدي ، إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته قدمه وصلى خلفه » .
وفي كمال الدين : 1 / 331 : « عن أبي أيوب المخزومي قال : ذكر أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام سِيَر الخلفاء الاثني عشر الراشدين صلوات الله عليهم ، فلما بلغ آخرهم قال : الثاني عشر الذي يصلي عيسى بن مريم عليه السلام خلفه » .
وفي تفسير فرات / 44 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : يا خيثمة سيأتي على الناس زمان لا يعرفون الله ما هو التوحيد ، حتى يكون خروج الدجال ، وحتى ينزل عيسى بن مريم من السماء ويقتل الله الدجال على يده ، ويصلي بهم رجل منا أهل البيت ، ألا ترى أن عيسى يصلي خلفنا وهو نبي إلا ونحن أفضل منه » .
وقال الكراجكي في التفضيل / 24 : « ومما نقلته الشيعة وبعض محدثي العامة أن المهدي عليه السلام إذا ظهر أنزل الله تعالى المسيح عليه السلام فإنهما يجتمعان فإذا حضرت صلاة الفرض قال المهدي للمسيح عليه السلام : تقدم يا روح الله يريد تقدم للإمامة ، فيقول المسيح : أنتم أهل بيت لايتقدمكم أحد ، فيتقدم المهدي عليه السلام ثم يصلي المسيح خلفه » .
--------------------------- 568 ---------------------------
لماذا حرفت السلطة أحاديث نزول المسيح عليه السلام
أحاديث نزول عيسى عليه السلام واقتداؤه بالمهدي عليه السلام ، ثقيلة على أتباع الخلافة القرشية ، لأنها أولاً تدل على أفضلية المهدي على عيسى عليه السلام ولأنها تفضل أصحاب عيسى على الذين سموهم الصحابة والجيل الأول ، وزعموا أنهم أفضل الأمة .
ففي استدراك الذهبي : 2 / 1121 : « ليدركن الدجال قوماً مثلكم أو خيراً منكم ، ثلاث مرات ، ولن يُخزي الله أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها » .
وفي استدراك الذهبي : 2 / 774 : « ليدركن المسيح من هذه الأمة أقواماً إنهم لمثلكم أو خير منكم ، ثلاث مرات ، ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها » .
وفي تذكرة القرطبي : 2 / 762 : « ليدركنَّ المسيحُ بن مريم رجالاً من أمتي مثلكم ، أو خيراً منكم » .
وروى الديلمي في الفردوس : 5 / 515 : « عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله : ينزل عيسى بن مريم على ثمان مائة رجل وأربع مائة امرأة ، خيار من على الأرض وأصلح من مضى » .
ورواه الحاكم : 3 / 41 : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ليدركن الدجال قوم مثلكم أو خيراً منكم ثلاث مرات ، ولن يخزي الله أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » .
وروى الترمذي في نوادر الأصول / 156 : « عن ابن سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله عندما سمع بكاء المسلمين على من استشهد في تبوك فسألهم مايبكيكم ؟ فقالوا : وما لنا لانبكي وقد قتل خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل منا ! قال : لا تبكوا ، فإنما مثل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها ، فاجتث رواكبها وهيأ مساكنها وحَلَّقَ سَعْفَها ، فأطعمت عاماً فوجاً ثم عاماً فوجاً ، ولعل آخرها طعماً يكون أجودها قنواناً وأطولها شمراخاً ، والذي بعثني بالحق نبياً ليجدن ابن مريم في أمتي خلفاً من حواريه » . والرواكب : مايركب الأشجار من زوائد منها أو من غيرها . وحلق سعفها : قصه وكربه . القِنوان مفرد وجمع : الأعذاق والقطوف . الشمراخ : جمعه شماريخ : غصون الأعذاق . خلفاً من حواريه : أصحاباً بدل أصحابه .
وأما الحديث الذي يذكر أئمة العترة فهو : « كيف يهلك الله أمة أنا في أولها ، وعيسى
--------------------------- 569 ---------------------------
في آخرها ، والمهدي من أهل بيتي في وسطها » . وقال عنه الشافعي في كتابه البيان / 508 : هذا حديث حسن ، رواه الحافظ أبو نعيم في عواليه وأحمد بن حنبل في مسنده ، كما أخرجناه !
وقال السلمي في عقد الدرر / 146 : « أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، ورواه الحافظ أبو نعيم في عواليه ! وفي هامشه : ولم أجد الحديث في مسند الإمام أحمد » ! أقول : ونحن أيضاً لم نجده ، فقد حذفته الأيدي السارقة !
أما مصادرنا فروت الحديث ولم تظلم منه شيئاً ، ففي عيون أخبار الرضا : 1 / 52 ، عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « أبشروا ثم أبشروا ثلاث مرات ، إنما مثل أمتي كمثل غيث لا يدرى أوله خير أم آخره ، إنما مثل أمتي كمثل حديقة أطعم منها فوج عاماً ، ثم أطعم منها فوج عاماً ، لعل آخرها فوج يكون أعرضها بحراً وأعمقها طولاً وفرعاً وأحسنها حباً . وكيف تهلك أمة أنا أولها واثنا عشر من بعدي من السعداء وأولوا الألباب والمسيح بن مريم آخرها ، ولكن يهلك من بين ذلك نتج الهرج ، ليسوا مني ولست منهم » . ومثله الخصال : 2 / 475 ، وكمال الدين : 1 / 269 ، وكفاية الأثر / 230 ، والعمدة / 432 ، والإيقاظ / 374 ، وإثبات الهداة : 3 / 617 ، عن مشكاة المصابيح ، وغاية المرام / 710 .
وفي عيون أخبار الرضا : 1 / 53 ، عن علي بن الحسين عن أبيه : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كيف تهلك أمة أنا وعلي وأحد عشر من ولدي أولوا الألباب أولها ، والمسيح بن مريم آخرها ولكن يهلك بين ذلك من لست منه وليس مني » .
وفي غيبة الطوسي / 114 : « عن عبد الله بن عمرو العاص : قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث طويل : فعند ذلك خروج المهدي ، وهو رجل من ولد هذا ، وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، به يمحق الله الكذب ويذهب الزمان الكلِب ، به يخرج ذل الرق من أعناقكم ، ثم قال : أنا أول هذه الأمة ، والمهدي أوسطها وعيسى آخرها ، وبين ذلك ثبج أعوج » .
أقول : روت مصادر أتباع الخلافة هذا الحديث ، عن ابن عمرو العاص ، بنحو ما رواه الشيخ الطوسي ، ففي نوادر أصول الترمذي / 156 ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله : كيف يهلك الله أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها ، والمهدي من أهل بيتي في وسطها » . ورواه في تفسير الثعلبي : 3 / 82 ، وتفسير الطبري : 3 / 203 ، وتاريخ دمشق : 5 / 394 ، و : 47 / 522 .
--------------------------- 570 ---------------------------
لكن المتفق عليه في كافة المصادر أن المهدي عليه السلام في آخر الأمة ، لذلك نرجح أن يكون أصل الحديث ما رواه في أخبار الدول / 76 ، عن ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « كيف تهلك أمة أنا أولها ، وعيسى بن مريم في آخرها ، والشهداء من أهل بيتي في وسطها » . انتهى . وفي نوادر المعجزات / 197 ، عن ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « كيف تهلك أمة أنا أولها والمهدي من أهل بيتي أوسطها ، وعيسى بن مريم في آخرها » .
وفي الطيالسي / 270 : « عن أنس قال النبي صلى الله عليه وآله : مَثَلُ أمتي مَثَل المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره » . ومثله أحمد : 3 / 130 ، و 143 ، و : 4 / 319 ، وتأويل مختلف الحديث / 115 .
ورواه الترمذي : 5 / 152 بأكمل منه ، ونصه : « أبشروا أبشروا إنما أمتي كالغيث لا يدرى آخره خير أم أوله ، أو كحديقة أطعم منها فوج عاماً ثم أطعم منها فوج عاماً . كيف تهلك أمة أنا أولها والمهدي أوسطها والمسيح آخرها ، ولكن بين ذلك ثبج أعوج ، ليس مني ولا أنا منهم . وقال : وفي الباب عن عمار وعبد الله بن عمرو وابن عمر ، وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه . روى عبد الرحمن بن مهدي أنه كان يثبت حماد بن يحيى الأبح ، وكان يقول : هو من شيوخنا » . ونوادر الأصول / 156 ، وأبو يعلى : 1 / 165 ، وابن حبان : 9 / 176 ، والبغوي : 4 / 233 ، ومسند الشهاب : 2 / 276 ، ومجمع الزوائد : 10 / 68 ، قال : رواه أحمد ، والبزار ، والطبراني ورجال البزار رجال الصحيح غير الحسن بن قزعة وعبيد بن سليمان الأغر وهما ثقتان .
والنتيجة : أن أحاديث اقتداء عيسى بالمهدي عليه السلام صحيحة ، فهو أفضل منه ، مع أنه رسول من أولي العزم عليهم السلام ، والمهدي ليس نبياً . وأصحاب عيسى والمهدي عليه السلام أفضل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله .
رووا أن من يقتل الدجال عيسى وروينا أن المهدي عليه السلام يقتله
ورد في نصوص اليهود والنصارى وأتباع الخلافة أن الذي يقتل الدجال هو المسيح عليه السلام ، وفي نصوص أهل البيت عليهم السلام أن الذي يقتله هو المهدي عليه السلام .
ويؤيده ما رووه أن عيسى عليه السلام يبعث وزيراً لا أميراً . فقد روى الطيالسي / 170 : « عن مجمع بن جارية : أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يقتل ابن مريم الدجال بباب لِدّ » .
--------------------------- 571 ---------------------------
وقد يكون هذا النص من أقوال كعب التي جعلوها أحاديث نبوية ، كما تقدم . وروى ابن حماد / 158 ، أن عمر قال لرجل من اليهود : « إني قد بلوت منك صدقاً ، فأخبرني عن الدجال فقال : وإله يهود ليقتلنه ابن مريم بفناء لد » .
وعن كعب قال : « إذا سمع الدجال نزول عيسى بن مريم هرب ، فيتبعه عيسى فيدركه عند باب لد فيقتله ، فلا يبقى شئ إلا دل على أصحاب الدجال فيقول : يا مؤمن هذا كافر » . وهو تحريف من كعب لقول النبي صلى الله عليه وآله : « لا يبقى حجر ولا شجر إلا قال يا مسلم هذا يهودي خلفي فاقتله » ! فحرفه كعب وتبعه تلميذه ابن العاص !
أبو هريرة كان يأمل أن يدرك المسيح عليه السلام !
روى عبد الرزاق : 11 / 402 : « عن يزيد بن الأصم قال : كنت أسمع أبا هريرة يقول : تروني شيخاً كبيراً قد كادت ترقوتاي تلتقي من الكبر ، والله إني لأرجو أن أدرك عيسى وأحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وآله فيصدقني » .
ورواه ابن حماد : 161 ، وفيه : ثم التفت فرآني من أحدث القوم ، فقال : يا ابن أخي : إن أدركته فاقرأه مني السلام » . ونحوه ابن شيبة : 15 / 145 . ولا قيمة علمية لتمنيات أبي هريرة ، وقد جعلها على لسان النبي صلى الله عليه وآله مع الأسف !
ففي مسند أحمد : 2 / 298 ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله : « إني لأرجو إن طال بي عمر أن ألقى عيسى بن مريم عليه السلام ، فإن عجل بي موت فمن لقيه فليقرؤه مني السلام ! » ومثله أحمد : 2 / 298 ، والطبراني الصغير : 1 / 256 ، والحاكم : 4 / 545 ، ومجمع الزوائد : 8 / 5 ، وقال : رواه أحمد بإسنادين مرفوع وهو هذا ، وموقوف ورجالهما رجال الصحيح .
زعموا أن المسيح يدفن مع النبي صلى الله عليه وآله
روى الترمذي : 5 / 588 : مكتوب في التوراة صفة محمد وصفة عيسى يدفن معه » . وقال ابن كثير قال عنه : ولكن لا يصح إسناده . « النهاية : 2 / 118 » .
وقد رووا ذلك عن عائشة ، قال ابن كثير في كتاب المسيح / 149 : « عن عائشة مرفوعاً أنه
--------------------------- 572 ---------------------------
يدفن مع رسول الله وأبي بكر وعمر في الحجرة النبوية » .
وتبني ذلك ابن سلام اليهودي فقال كما في ابن حماد : 2 / 580 : « نجد في التوراة « ! » أن عيسى بن مريم يدفن مع محمد » . ولا يوجد في التوراة ذكر للمسيح فضلاً عن قبره ودفنه !
وفي تاريخ بخاري : 1 / 263 : ليدفنن عيسى بن مريم مع النبي « ص » في بيته .
وفاء الوفا : 2 / 814 : « عن عبد الله بن عمرو : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ينزل عيسى بن مريم إلى الأرض فيتزوج ويولد له ، ويمكث خمساً وأربعين سنة ، ثم يموت فيدفن معي في قبري ، فأقوم أنا وعيسى بن مريم من قبر واحد بين أبي بكر وعمر » . وفي خطط المقريزي : 1 / 188 : « روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لوفد جذام : مرحباً بقوم شعيب وأصهار موسى ، ولا تقوم الساعة حتى يتزوج فيكم المسيح ويولد له » .
والنتيجة : أنه ليس عندهم مستند صحيح في هذه المقولة .
--------------------------- 573 ---------------------------
أربع مسائل في نزول عيسى عليه السلام
المسألة الأولى : أين ينزل عيسى عليه السلام
المرجح عندي أن المسيح عليهم السلام ينزل في الغرب ، في إحدى عواصم أتباعه ، فالوضع الطبيعي المنطقي أنه بعد أن ينتصر المهدي عليه السلام ويدخل القدس ، أن يهتز العالم الغربي غضباً ويبدأ بالتحضير لحرب الإمام عليه السلام ، فيكون نزول المسيح عليه السلام آية لهم ويخبرهم المهدي عليه السلام بنزوله في اليوم الفلاني والساعة والمكان ، ومن الطبيعي أن يكون الممكان نزوله في بلادهم .
ولهذا نلاحظ أن الطرفين رووا نزوله عليه السلام ولم يحددوا مكانه . ففي مسند أحمد ( 2 / 290 ) ونحوه في صحيح البخاري ( 4 / 143 ) : ، عن أبي هريرة قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ليوشكن ان ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال »
ومن مصادرنا روى علي بن إبراهيم في تفسيره ( 1 / 158 ) : عن الإمام الباقر عليه السلام : « إن عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا ، فلا يبقى أهل ملة يهودي ولا نصراني إلا آمن به قبل موته ، ويصلي خلف المهدي » .
ثم روت مصادرالحكومات عن كعب الأحبار كما في ابن حماد : 2 / 567 : « قال : يهبط المسيح عيسى بن مريم عليه السلام عند القنطرة البيضاء ، على باب دمشق الشرقي ، إلى طرف الشجرة »
لكنه كلام لا قيمة له علمياً لأنه قول كعب ولم يسنده إلى أحد ! ومع ذلك فقد قبلوه واعتمدوه ، وقبلوا الأسوأ منه وهو أسطورة النواس بن سمعان ، وهو شخص مغمور مشكوك في صحبته وفي أبيه وعشيرته ، ولم يروعنه البخاري وروى عنه مسلم ، كما ذكرناه في بحث الدجال : 4 / 2250 : قال : « ذكر رسول الله الدجال ذات غداة ، فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل ، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال : ماشأنكم ؟ قلنا : يا رسول الله ذكرت الدجال غداةً ، فخفضت فيه ورفعت ، حتى ظنناه في طائفة النخل ! فقال : غير الدجال أخوفني عليكم ، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم ، إنه شاب قطط عينه طافئة ، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن ، فمن أدركه منكم
--------------------------- 574 ---------------------------
فليقرأ عليه فواتيح سورة الكهف . إنه خارج من خلة بين الشام والعراق ، فعاث يميناً وعاث شمالاً . يا عباد الله فاثبتوا . قلنا : يا رسول الله وما لبثه في الأرض ؟ قال : أربعون يوماً ، يومٌ كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم . قلنا : يا رسول الله ، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا ، أقدروا له قدره . قلنا : يا رسول الله وما إسراعه في الأرض ؟ قال : كالغيث استدبرته الريح ، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له ، فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت دَرّاً ، وأسيغه ضروعاً ، وأمده خواصر ، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله ، فينصرف عنهم فيصبحون مملحين ليس بأيديهم شئ من أموالهم ، ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك ، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك ! فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين ، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قَطَرَ ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ، فلا يجد ريح نَفَسه أحد إلا مات ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفه ، فيطلبه حتى يدركه بباب لُد فيقتله .
ثم يأتي عيسى بن مريم قومٌ قد عصمهم الله منه ، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى : إني قد أخرجت عباداً لي لا يَدَانِ لأحد بقتالهم فحرِّز عبادي إلى الطور ، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، فيمرأوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف « الدود » في رقابهم فيصبحون فَرْسَى « صرعى » كموت نفس واحدة ! ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض ، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيراً كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيت شاء الله ، ثم يرسل الله مطراً لا يكنُّ منه بيت مدر ولا وبر ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة ، ثم يقال للأرض : أنبتي ثمرتك وردي بركتك ، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون
--------------------------- 575 ---------------------------
بقحفها ، ويبارك في الرَّسل « قطعة الإبل » حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ، واللقحة من الغنم لتكفي النفر من الناس ، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم ، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحُمَر ، فعليهم تقوم الساعة » .
ثم رواه مسلم في : 8 / 199 ، وابن ماجة : 2 / 1356 ، وأبو داود : 4 / 117 ، والترمذي : 4 / 510 ، والبدء والتاريخ : 2 / 193 ، والطبراني الكبير : 8 / 171 ، والحاكم : 4 / 492 ، وصححه بشرط الشيخين . وفي / 536 ، وصححه بشرط مسلم .
وذُرَى الحيوان : سنامه وأعلاه . والخواصر والذروع : جمع خاصرة . وذرعه أي ضرعه الذي فيه الحليب ، وصف لجودته وكثرة حليبه . ويعسوب النحل : ملكتها . والغرض : الهدف . والنَّغَف : في الأصل الحزام الجلدي ، شُبِّهت به الحشرات التي تبعث على جيف يأجوج ومأجوج بزعمهم . والزَّهم بفتح الزاي : الوغف والنتن .
ومعنى : فلا يجد ريح نَفَسه أحد إلا مات ، ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفه : أن كل من يصل اليه نفس المسيح عليه السلام يموت . ونفسه يصل إلى حيث ينتهي طرفه !
والباحث العادي يعرف أن هذه الأحاديث إسرائيليات ، وقد خلطها الرواة البدو بخيالهم ، وبعضهم لا يعرف اللغة ، لأن اليعاسيب يتبعها النحل ولا تَتَبع . ومن الغريب أن هذه الأحاديث عندهم في أعلى درجات الصحة !
ولا يمكن الاعتماد عليها ، سواء لأسانيدها ، أو لمتنها ، ولأنها عندهم معارضة بحديث جابر كما في سنن الداني / 143 : « عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تزال طائفة من أمتي تقاتل عن الحق حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس ، ينزل على المهدي فيقال له تقدم يا نبي الله فصل لنا ، فيقول : إن هذه الأمة أمير بعضهم على بعض لكرامتهم على الله عز وجل » .
ولا يرد علينا الإشكال بأن القمي روى في تفسيره ( 2 / 268 ) : « ثم رفعه الله إلى السماء ، ويهبط إلى الأرض بدمشق وهو الذي يقتل الدجال » . لأنها الرواية الوحيدة اليتيمة بين رواياتنا الكثيرة التي لاتذكر مكان نزوله ، ويكفي في تضعيفها أنها موافقة لقول كعب والنواس .
--------------------------- 576 ---------------------------
المسألة الثانية : محاولة إنكار اقتداء عيسى بالمهدي عليه السلام !
وحديثه صحيح عند المخالفين لأهل البيت عليهم السلام ، ولا يمكنهم التهرب منه ، لكنهم كرهوه ، لأنه ثقيل على قلبهم ، يجعل مهدي العترة عليه السلام أفضل من رسول من أولي العزم عليهم السلام .
فقد رواه البخاري : 4 / 205 : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم » ! ومثله مسلم : 1 / 136 ، و 137 ، وأبو عوانة : 1 / 106 ، وابن المنادي / 57 ، وابن حبان : 8 / 283 284 ، والبغوي : 3 / 516 . إلى آخر المصادر .
كما روى مسلم : 1 / 137 أو : 1 / 95 ، و : 3 / 1524 ، وأحمد : 3 / 345 : « عن جابر أن النبي قال : فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم : تعال صل بنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء ليكرم الله هذه الأمة » . والبيهقي : 9 / 39 و 180 ، وأبو يعلى : 4 / 59 ، وأبو عوانة : 1 / 106 ، وابن حبان : 8 / 289 ، والداني / 143 ، والمحلى : 1 / 9 و : 7 / 391 ، وعمدة القاري : 16 / 40 ، إلى آخر المصادر .
وقد عقد السلمي في عقد الدرر في أخبار المنتظر / 106 : « الباب العاشر في أن عيسى بن مريم يصلي خلفه ويبايعه وينزل في نصرته » وأورد فيه تسعة أحاديث وأثرين : وهي حديث بخاري ومسلم ، وحديث أبي نعيم عن حذيفة ، وحديث ابن حماد عن عبد الله بن عمرو ، وحديث جابر من سنن الداني ، وحديث هشام بن محمد من كتاب ابن حماد ، وحديث أبي أمامة من الحلية وابن حماد ، وحديث حذيفة من سنن الداني ، وحديث جابر من مسند أحمد ، وقول كعب الأحبار ، وقول السدي من كتاب ابن حماد .
وقال ابن حجر في فتح الباري « 6 / 358 » : « وفي صلاة عيسى عليه السلام خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخرالزمان وقرب قيام الساعة ، دلالة للصحيح من الأقوال إن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة » .
كما فسره في إرشاد الساري بالمهدي مصرحاً باقتداء عيسى به ، وكذا في عمدة القاري .
وأما في فيض الباري فأورد عن ابن ماجة القزويني حديثاً مفسراً لحديث البخاري ثم قال : فهذا صريح في أن مصداق الإمام في الأحاديث هو الإمام المهدي . . إلى أن قال : وبأي حديث بعده يؤمنون !
لكنهم مع ذلك يستعظمون أن يصلي عيسى خلف المهدي عليه السلام ، وقد هونوا ذلك عليهم
--------------------------- 577 ---------------------------
بأن عيسى يصلي خلفه مرة واحدة ثم يصلي إماماً ، وأن صلاته خلفه تكريمٌ للأمة وليس تفضيلاً للمهدي عليه السلام !
وهذا من بؤسهم وستكثارهم ما أعطاه الله تعالى لآل محمد صلى الله عليه وآله ، ولو أعطاه لآل أبي بكر أوآل عمر أو لأحد من بني أمية ، لتبجحوا به ، ورفعوه علماً !
وقال بعضهم إن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله : وإمامكم منكم ، أي يؤمكم بكتابكم ! ورده الشافعي في البيان / 496 ، وقال إنه تأويل باطل . وقال المناوي في فيض القدير : 6 / 17 : « فإنه ينزل عند صلاة الصبح على المنارة البيضاء شرقي دمشق ، فيجد الإمام المهدي يريد الصلاة فيحس به فيتأخر ليتقدم فيقدمه عيسى عليه السلام ويصلي خلفه ! فأعظم به فضلاً وشرفاً لهذه الأمة ، ولا ينافي ما ذكر في هذا الحديث ما اقتضاه بعض الآثار من أن عيسى هو الإمام بالمهدي ، وجزم به السعد التفتازاني وعلله بأفضليته ، لإمكان الجمع بأن عيسى يقتدي بالمهدي أولاً ليظهر أنه نزل تابعاً لنبينا حاكماً بشرعه ، ثم بعدُ يقتدي المهدي به على أصل القاعدة من اقتداء المفضول بالفاضل » .
لاحظ أنهم جردوا المهدي عليه السلام من الفضيلة ، وجعلوا صلاة عيسى خلفه فضلاً وشرفاً للأمة فقط !
وقلَّ فيهم المعافى من مرض القلب ، فيقول : إن عيسى يقتدي بالمهدي عليه السلام ، وهذا يدل على أنه أفضل منه ولا ضير فيه !
المسألة الثالثة : تأثير عيسى عليه السلام في الشعوب المسيحية
لا بد أن سيكون له عليه السلام تأثير كبير في توعية شعوب العالم ، وخاصة الشعوب الغربية ، وتغيير الأوضاع السياسية ، وقد ورد أنه يحتج على الروم بالمهدي عليه السلام ، ففي النعماني / 146 : « عن عبد الله بن ضمرة ، عن كعب الأحبار قال في حديث طويل : ومن نسل علي القائم المهدي الذي يبدل الأرض غير الأرض ، وبه يحتج عيسى بن مريم على نصارى الروم والصين » . .
أقول : رواية النعماني لهذا النص عن كعب يدل على أنهم قد يقبلون منه ما ينسجم مع عقائد المسلمين . ومعناه : أن الآيات التي سيظهرها الله تعالى على يد المهدي عليه السلام ستكون بمستوى أن يحتج بها الأنبياء أولوا العزم عليهم السلام .
--------------------------- 578 ---------------------------
المسألة الرابعة : في مدة بقاء عيسى عليه السلام في الأرض
« وردت في ذلك روايات تقدم عدد منها ، واتفقت على أنه يبقى مدة ويموت في حياة الإمام المهدي عليه السلام ، وفي بعضها أنه يبقى ثلاثين سنة ، وفي بعضها أربعين ، وشذت رواية مرسلة نقلها في إلزام الناصب أن الإمام المهدي عليه السلام يموت في حياة عيسى عليه السلام ولعلها تصحيف . قال في : 2 / 182 ، في نسخة مرسلة من خطبة البيان : « بعد ذلك يموت المهدي ويدفنه عيسى بن مريم في المدينة بقرب قبر جده رسول الله صلى الله عليه وآله يقبض الملك روحه من الحرمين ، وكذلك يموت عيسى ، ويموت أبو محمد الخضر ، ويموت جميع أنصار المهدي ووزراؤه ، وتبقى الدنيا إلى حيث ما كانوا عليه من الجهالات والضلالات ، وترجع الناس إلى الكفر . فعند ذلك يبدأ الله بخراب المدن والبلدان » .
ولا يمكن قبول ذلك لأنه ينقض الغرض من وجود الإمام المهدي عليه السلام وهو أنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، وينافي أن دولة أهل البيت عليهم السلام آخر الدول ، ولا ظلم بعدها . وهوأشبه بكلام كعب الأحبار !
كما ورد أن عيسى عليه السلام يقاتل مع المسلمين اليهود والروم والدجال ، وأنه يحج إلى بيت الله الحرام كل عام ، ويتزوج ويولد له ، ثم يتوفاه الله تعالى ويدفنه المسلمون . وهذا معقول في أمره عليه السلام . وكنت رأيت في بعض المصادر وضاع عني أن المهدي عليه السلام يتولى دفنه على أعين الناس ، ويكفنه بثوب من غزل أمه مريم عليها السلام ، ويدفنه في القدس في قبرها .
- *
--------------------------- 579 ---------------------------
الفصل الثامن والعشرون : ( الروم والمهدي عليه السلام ، الروم في عصر الظهور وبعده )
--------------------------- 580 ---------------------------
الروم ودورهم في عصر الظهور
المقصود بالروم في أحاديث آخر المهدي عليه السلام : شعوب أوروبا الشرقية والغربية وامتدادهم في أمريكا ، فهؤلاء هم أبناء الروم ، وورثة أمبراطوريتهم التاريخية . وقد يقال : إن الروم في القرآن غير هؤلاء ، بل هم الذين حاربهم النبي والمسلمون ، وهم البيزنطيون الذين كانت عاصمتهم روما في إيطاليا ، ثم صارت القسطنطينية ، حتى فتحها المسلمون وسموها « إسلام بول » ويلفظها الناس استنبول .
والجواب : أن الروم المذكورين في القرآن ، هم أنفسهم أصحاب الإمبراطورية الرومية أو البيزنطية المعروفة ، وهم أنفسهم الغربيون الفعليون ، فهم أحفادهم وامتدادهم السياسي والحضاري ، وقد كانت الشعوب الأوربية الفرنسية والبريطانية والألمانية وغيرها ، أجزاء من الإمبراطورية الرومية في ثقافتها وسياستها ودينها . وأباطرة الروم البيزنطيون أنفسهم في روما وقسطنطينية على مدى الألفي سنة ، كانوا من أصول وأعراق أوربية متعددة ولعل أكثرهم من ألمانيا ، كما أن اليونان صارت جزءً من الإمبراطورية الرومانية . ولهذا عندما ضعفت الإمبراطورية الرومية ، تسمى عدد من ملوكهم في ألمانيا وغيرها بالقياصرة . فالأحاديث عن الروم أو بني الأصفركما سماهم العرب ، تشمل الشعوب والقبائل الفرنجية كلها ، وقد سماهم المسلمون الروم الفرنجة ، وجمعوا اسمهم على أروام .
كثرة المكذوبات حول الروم
يصعب أن تقوم بتصفية الصحيح في أحاديث الإمام المهدي عليه السلام والروم ، لكثرة المكذوبات من رواة الخلافة القرشية ، ولعل رائدهم في ذلك ابن حماد المتوفى سنة 227 هجرية ، وهو من كبار أئمتهم ومن شيوخ البخاري ، فقد سوَّدَ عشرات الصفحات في كتابه الفتن حول الروم والملاحم الموعودة معهم ، قلَّما تجد بينها حديثاً يمكنك أن تنسبه إلى النبي صلى الله عليه وآله ، أو أثرأً معقولاً عن الصحابة والتابعين !
ويصور رواة ابن حماد أن مستقبل العالم سينتهي قريباً بعد سنوات ! فعندما يفتح المسلمون القسطنطينية سيخرج الدجال ثم يخرج عيسى والمهدي عليه السلام ، ثم تخرج يأجوج ومأجوج ، ودابة
--------------------------- 581 ---------------------------
الأرض ، ثم تخرج نار من عدن تسوق الناس إلى المحشر ، ثم تهبُّ ريح طيبة تقبض أرواح المؤمنين ، ثم يموت الباقون بعد أربعين يوماً !
ويزعم أن كل ذلك يتم في مدة قصيرة نحو خمسين سنة !
ومنتج هذا الفيلم هو كعب الأحبار وتلاميذه من الصحابة والتابعين ! وقد قدموا لنا ركاماً من مخيلاتهم وأسقطوا عليه أوضاع عصرهم وبداوتهم ، ومما نسجوا عليه فتح القسطنطينية الذي استعصى وفشلت غزوات المسلمين لها على مدى تسعة قرون ، حتى فتحها محمد الفاتح سنة 875 هجرية . !
إستمع إلى إمامهم ابن حماد يحدثك عن المهدي والروم : قال في الفتن : 2 / 475 و 548 و 679 : « عن عبد الله بن عمرو قال : ملاحم الناس خمس : فثنتان قد مضتا ، وثلاث في هذه الأمة : ملحمة الترك ، وملحمة الروم ، وملحمة الدجال ، ليس بعد ملحمة الدجال ملحمة » . وفي الفتن : 2 / 519 و 597 : « عن وهب بن منبه قال : أول الآيات الروم ، ثم الثانية الدجال والثالثة يأجوج ، والرابعة عيسى بن مريم » .
وفي الفتن : 2 / 523 : « عن كعب قال : لا يخرج الدجال حتى تفتح المدينة . . . عن بشير بن عبد الله بن يسار قال : أخذ عبد الله بن بسر المزني صاحب رسول الله بأذني ، فقال : يا ابن أخي لعلك تدرك فتح القسطنطينية ، فإياك إن أدركت فتحها أن تترك غنيمتك منها ! فإن بين فتحها وبين خروج الدجال سبع سنين » . ونحوه في الفتن : 2 / 692 : « عن عبد الله بن عمرو قال : يخرج الدجال بعد فتح القسطنطينية ، قبل نزول عيسى بن مريم ببيت المقدس » .
وفي الفتن : 2 / 524 : « عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر ، قال وأخبرنا صفوان عن أبي اليمان عن كعب مثله . . . وأخبرني ضمرة بن حبيب أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أبي بحرية أنه بلغه أنك تحدث عن معاذ في الملحمة والقسطنطينية وخروج الدجال ؟ فكتب إليه أبو بحرية : إنه سمع معاذاً يقول : الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر . . . »
عن ابن محيريز قال : « الملحمة العظمى وخراب القسطنطينية وخروج الدجال حمل امرأة . .
--------------------------- 582 ---------------------------
عن عبد الله بن بسر عن النبي صلى الله عليه وآله : بين الملحمة وفتح القسطنطينية ست سنين ويخرج الدجال في السنة السابعة . . . »
عن كعب قال : يخرج الدجال في سنة ثمانين والله أعلم .
عن كعب عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « لن يجمع الله على هذه الأمة سيف الدجال وسيف الملحمة » . وفي الفتن : 2 / 527 : « بلغني أن الدجال يخرج بعد فتح القسطنطينية ، وبعدما يقيم المسلمون فيها ثلاث سنين وأربعة أشهر وعشراً » .
وفي الفتن : 2 / 530 : « عن كعب : يأتيهم الخبر بعد فتحها يعني فتح القسطنطينية ، فيرفضون ما في أيديهم فيخرجون فيجدونه باطلاً ! لا يخرج الدجال إلا بعدها تتعلق به حية إلى جانب البحر ثم يخرج ! وفي رواية تتعلق به حية إلى ساحل البحر » .
وفي الفتن : 2 / 483 : « عن عمير بن مالك قال : كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص بالإسكندرية يوماً ، فذكروا فتح القسطنطينية ورومية ، فقال بعض القوم : تفتح القسطنطينية قبل رومية ، وقال بعضهم : تفتح رومية قبل القسطنطينية ، فدعا عبد الله بن عمرو بصندوق له فيه كتاب فقال : تفتح القسطنطينية قبل رومية ، ثم تغزون رومية بعد القسطنطينية فتفتحونها ، وإلا فأنا عبد الله من الكاذبين ! يقولها ثلاث مرات » !
وفي الفتن : 2 / 499 : « عبد الله بن عمرو يقول : يوشك أن يخرج حمل الضان ثلاث مرار . قلت : ما حمل الضان ؟ قال : رجل أحد أبويه شيطان يملك الروم يجئ في ألف ألف وخمس مائة ألف ألف ألف في البر ، وخمس مائة ألف في البحر ، حتى ينزل أرضاً يقال لها العمق فيقول لأصحابه : إن لي في سفنكم طلبة ، فإذا نزلوا عنها أمر بها فأحرقت ، ثم يقول لا قسطنطينية لكم ولارومية ، فمن شاء فليقم ! ويستمد المسلمون بعضهم بعضاً ، فذكر الحديث حتى تستفتحوا القسطنطينية الزانية ! إني لأجدها في كتاب الله تعالى الزانية » .
وفي الفتن : 1 / 399 : « عن محمد بن الحنفية قال : ينزل خليفة من بني هاشم بيت المقدس يملأ الأرض عدلاً ، يبني بيت المقدس بناء لم يبن مثله . . ثم يجتمعون له بالعمق فيموت فيها غماً » .
وفي الفتن : 2 / 466 : « شريح بن عبيد قال : سمعت كعب الحبر يقول : سميت القسطنطينية
--------------------------- 583 ---------------------------
بخراب بيت المقدس فتعززت وتجبرت ، فدعيت المستكبرة ، وقالت يكون عرش ربي بني على الماء فقد بنيت على الماء ، فوعدها الله تعالى العذاب قبل يوم القيامة فقال : لأنزعن حليك وحريرك وخميرك ولأتركنك لا يصيح فيك ديك ، ولا أجعل لك عامراً إلا الثعالب ، ولا نباتاً إلا الحجارة والينبوت ، ولأنزلن عليك ثلاث نيران نار من زفت ونار من كبريت ونار من نفط ، ولأتركنك جلحاء قرعاء لا يحول بينك وبين السماء شئ ، وليبلغني صوتك ودخانك وأنا في السماء ، فإنه طال ما أشرك بالله تعالى فيها وعبد غيره . وليقترعن فيها بجوارٍ ما يكدن يرين الشمس من حسنهن ، فلايعجزن من بلغ منكم أن يمشي منكم إلى بيت بلاط ملكهم فإنكم ستجدون فيه كنز اثني عشر ملكاً من ملوكهم ، كلهم يزيد فيه ولا ينقص منه على تماثيل بقر أو خيل من نحاس يجري على رؤسها الماء ، فليقتسمن كنوزها كيلاً بالأترسة وقطعاً بالفؤس ، فإنكم منه على ذلك حتى يعجلكم النار التي وعدها الله فتحتملون ما استطعتم من كنوزها حتى تقتسموه بالفرقدونة ، فيأتيكم آت من قبل الشام إن الدجال قد خرج ! فترفضون ما في أيديكم ، فإذا بلغتم الشام وجدتم الأمر باطلاً ، وإنما هي نَفْجَة كذب » .
كيف كان يبيع كعب بضاعته ؟
نختم بما رواه ابن حماد وتفاخر به عن مؤلفات أستاذهم كعب ، وكيف كان يبيع هذا الحشو إلى الخليفة وبطانته . قال ابن حماد في الفتن : 2 / 492 : « عن سعيد بن جابر قال له رجل من آل معاوية : ألا تقرأ صحيفة من صحف أخيك كعب ؟ قال فطرح إليَّ صحيفة مكتوب فيها : قل لصور مدينة الروم ، وهي تسمى بأسماء كثيرة ، قل لصور : بما عتيتِ عن أمري وتجبرت بعد بجبروتك عنه تبارين بجبروتك عن جبروتي ، وتمثلين يكون فلكك منه بعرشي ، لأبعثن عليك عبادي الأميين وولد سبأ أهل اليمن ، الذين يردون الذكر كما ترد الطير الجياع اللحم ، وكما ترد الغنم العطاش الماء ، ولأنزعن قلوب أهلك ، ولأشدن عمر قلوبهم ولأجعلن كل صوت أحدهم عند الباس كصوت الأسد يخرج من الغابة ، فيصيح به الرعاة ، فلا تزده أصواتهم إلا جرأة وشدة ، ولأجعلن كل حوافر خيولهم كالحديد على الصفا ليدرك يوم البأس ، ولأشدن عمر أوتار قسيهم ، ولأتركنك لأنه جلحاء للشمس ،
--------------------------- 584 ---------------------------
ولأتركنك لا ساكن لك إلا الطير والوحش ، ولأجعلن كل حجارتك كبريتاً ، ولأجعلن كل دخانك يحول دون طير السماء ، ولأسمعن جزائر البحر صوتك . . في وعيد كثير لم يحفظه كله » .
إن هذا النص يدل على أن كعباً كان يؤلف لمعاوية وأمراء بني أمية ، وينشر حشوه بين المسلمين ، ويزعم أنه وحيٌ عن لسان الله تعالى ، وجده في التوراة ، أو أنزل عليه !
ولم ينس كعب أن يجعل لليمانيين سهماً في فتح القسطنطينية ، لكن الله تعالى كذَّبه وجعل فتحها بعد ثمانية قرون على يد أتراك ، ليس فيهم يماني ولا عربي !
كما كان كعب يرافق جيش الفتح أحياناً لكن إلى المناطق الآمنة ويحدثهم بمغيباته ! فقد روى عمر بن شبة في تاريخ المدينة : 3 / 1117 ، أن الشاب الشيعي محمد بن أبي حذيفة الأموي ، وهو من قادة فتح مصر ، كان يهزأ بكعب !
« عن محمد بن سيرين قال : « ركب كعب الأحبار ومحمد بن أبي حذيفة في سفينة قِبَلَ الشام ، زمن عثمان في غزوة غزاها المسلمون ، فقال محمد لكعب : كيف تجد نعت سفينتنا هذه في التوراة تجري غداً في البحر ؟ ! فقال كعب : يا محمد لاتسخر بالتوراة ، فإن التوراة كتاب الله . قال : ثم قال له محمد ذاك ثلاث مرات » ! انتهى .
لاحظ أن كعباً جعل السخرية بكلامه وأوهامه سخرية بالتوراة ! لكن محمد بن أبي حذيفة كان رحمه الله شيعياً ، فتراه يكرر كلامه على كعب ، ساخراً بهرطقته !
--------------------------- 585 ---------------------------
أقوى النصوص حول الروم في عصر الإمام المهدي عليه السلام
استثارة الروم على المسلمين
قال الإمام الباقر عليه السلام كما في الإرشاد / 359 ، في حديث صحيح في علامات الظهور : « وخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية ، ونزول الترك الجزيرة ، ونزول الروم الرملة ، واختلاف كثير عند ذلك في كل أرض حتى تخرب الشام ، ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها : راية الأصهب ، وراية الأبقع ، وراية السفياني » .
وفي الأصول الستة عشر / 79 : « عن جابر : قال لي محمد بن علي عليه السلام : ضع خدك على الأرض ولا تحرك رجليك حتى ينزل الروم الرميلة ، والترك الجزيرة ، وينادي مناد من دمشق » .
وفي الغيبة للطوسي / 278 ، عن عمار بن ياسر أنه قال : « إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان ، ولها أمارات ، فالزموا الأرض وكفوا حتى تجئ أماراتها ، فإذا استثارت عليكم الروم والترك . . . ويتخالف الترك والروم وتكثر الحروب في الأرض ، وينادي مناد من سور دمشق : ويل لأهل الأرض من شر قد اقترب ، ويخسف بغربي مسجدها حتى يخر حائطها ، ويظهر ثلاثة نفر بالشام كلهم يطلب الملك : رجل أبقع ورجل أصهب ، ورجل من أهل بيت أبي سفيان يخرج في كلب ، ويحصرالناس بدمشق ، ويخرج أهل الغرب إلى مصر ، فإذا دخلوا فتلك أمارة السفياني » .
مجئ الروم إلى السواحل وخروج أهل الكهف
في مختصر البصائر / 201 : « وقفت على كتاب خطب لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وعليه خط السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس ، ما صورته : هذا الكتاب ذكر كاتبه رجلين بعد الصادق عليه السلام فيمكن أن يكون تأريخ كتابته بعد المأتين من الهجرة ، لأنه عليه السلام انتقل بعد سنة مائة وأربعين من الهجرة ، وقد روى بعض ما فيه عن أبي روح فرج بن فروة ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد عليه السلام ، وبعض ما فيه عن غيرهما . ذكر في الكتاب المشار إليه خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام تسمى المخزون . . ثم ذكر الخطبة بطولها وجاء فيها : « وينادي مناد في شهر رمضان من ناحية المشرق عندما تطلع الشمس يا
--------------------------- 586 ---------------------------
أهل الهدى اجتمعوا ، وينادي من ناحية المغرب بعد ما تغيب الشمس يا أهل الضلالة اجتمعوا ، ومن الغد عند الظهر تكور الشمس فتكون سوداء مظلمة ، واليوم الثالث يفرق بين الحق والباطل بخروج دابة الأرض ، وتقبل الروم إلى قرية بساحل البحر عند كهف الفتية ، ويبعث الله الفتية من كهفهم إليهم رجل يقال له تمليخا والآخر مكسلينا وهما الشهداء المسلمون للقائم فيبعث أحد الفتية إلى الروم فيرجع بغير حاجة ويبعث بالآخر فيرجع بالفتح فيومئذ تأويل هذه الآية : وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض طَوْعاً وَكَرْهاً » .
بعض أعداء المهدي عليه السلام يهربون إلى بلاد الروم
في الكافي : 8 / 51 : « عن بدر بن الخليل الأسدي قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في قول الله عز وجل : فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ . لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ، قال : إذا قام القائم وبعث إلى بني أمية بالشام فهربوا إلى الروم ، فيقول لهم الروم : لا ندخلنكم حتى تتنصروا ، فيعلقون في أعناقهم الصلبان فيُدخلونهم . فإذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا الأمان والصلح ، فيقول أصحاب القائم : لا نفعل حتى تدفعوا إلينا من قبلكم منا . قال : فيدفعونهم إليهم فذلك قوله : لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ، قال : يسألهم عن الكنوز وهو أعلم بها . قال : قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ . فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ . بالسيف » .
ومعناه أن أصحاب المهدي عليه السلام يحشدون قواتهم في مواجهة الروم ويهددونهم . والمقصود ببني أمية : أصحاب السفياني كما ورد في رواية أخرى .
ويبدو أن لهم أهمية سياسية ، ولذلك يهدد المهدي عليه السلام وأصحابه الروم بالحرب إذا لم يسلموهم إياهم . وسيأتي بمعناه في فصل التفسير ، في تفسير قوله تعالى : حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا .
وفي تفسير العياشي : 2 / 235 : « عن جميل بن دراج قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ : وإن كان مكر بني برهان بالقائم لتزول منه قلوب الرجال » .
--------------------------- 587 ---------------------------
أقول : نقله عن العياشي ، البحراني في تفسير البرهان : 2 / 321 : مكر بني العباس . وفي تفسير القمي « 1 / 371 » : مكر بني فلان . ويطلق عليهم في بعض الروايات بني الأعيبس وبني شيصبان .
والمقصود أن خطط الحكومات المعادية تكون قوية ماكرة ، تزول منها قلوب الرجال ، لكن الله تعالى ينصر وليه عليهم .
أحاديث الصلح بين الإمام المهدي عليه السلام والروم
في الطبراني الكبير : 8 / 101 و 120 : « عن أبي أمامة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : سيكون بينكم وبين الروم أربع هدن ، يوم الرابعة على يد رجل من أهل هرقل ، يدوم سبع سنين . فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستورد بن غيلان : يا رسول الله من إمام الناس يومئذ ؟ قال : المهدي من ولدي ابن أربعين سنة ، كأن وجهه كوكب دري ، في خده الأيمن خال أسود ، عليه عباءتان قطوانيتان ، كأنه من رجال بني إسرائيل ، يملك عشرين سنة ، يستخرج الكنوز ، ويفتح مدائن الشرك » . ومعنى يوم الرابعة : أي عقد الهدنة الرابعة . والعباءة القطوانية : البيضاء القصيرة الخمل . كأنه من رجال بني إسرائيل : أي جميل ، يشبه في كمال بدنه أبناء يعقوب عليه السلام .
وذكرت روايات أن مدة الصلح تكون عشر سنين ، وينقضها الروم بعد سبع سنين ويهاجمون المسلمين بجيش كبير . فقد روى ابن حماد : 2 / 470 ، في ذلك عدة روايات ، منها قول النبي صلى الله عليه وآله : « فيخرج الروم على ثمانين غاية تحت كل غاية إثنا عشر ألفاً » . والغاية : الراية ، أي بنحو مليون جندي . ورواه الطبراني في مسند الشاميين : 1 / 133 .
ويؤيده ما روي عن أهل البيت عليهم السلام في أصحاب الكهف عن مختصر البصائر / 201 ، من خطبة أمير المؤمنين عليه السلام أن الإمام المهدي عليه السلام يقيم الحجة على الروم قبل المعركة ، ويرسل إليهم بعض أصحابه الخاصين ، فيستخرجون أصحاب الكهف ، ونسخ التوراة ويحتجون بها عليهم .
تخريبهم حديث الصلح مع الروم وزيادتهم فيه !
أخذ بعض الرواة حديث صلح المسلمين مع الروم على يد المهدي عليه السلام وأسقطوه على عصرهم ، وزادوا فيه عناصر الصراع مع الروم يومذاك ! لاحظ اهتمام ابن ماجة : 2 / 1369 ،
--------------------------- 588 ---------------------------
بتطبيقه على عصره ، قال : « قال لي جبير : انطلق بنا إلى ذي مخمر وكان رجلاً في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فانطلقت معهما ، فسأله عن الهدنة فقال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : سيكون بينكم . . الخ . » !
ثم لاحظ كيف دخلت خيالات الرواة فحرفوه فصار كما روى ابن حماد : 1 / 397 : « يكون بين المهدي وبين الروم هدنة ، ثم يهلك المهدي ثم يلي رجل من أهل بيته يعدل قليلاً ثم يسل سيفه على أهل فلسطين فيثورون به ، فيستغيث بأهل الأردن ، فيمكث فيهم شهرين يعدل بعد المهدي ، ثم يسل سيفه عليهم فيثورون به ، فيخرج هارباً حتى ينزل دمشق ، فهل رأيت الأسكفة التي عند باب الجابية حيث موضع توابيت الصرف الحجر المستدير دونه على خمسة أذرع ، عليها يذبح ! ولاينطفئ ذكر دمه حتى يقال قد أرست الروم بين صور إلى عكا ، فهي الملاحم » .
ثم دخل عنصر الشام والدجال فيه كما في رواية ابن حماد / 7 ، عن عوف قال : « قال رسولالله صلى الله عليه وآله : أُعْدُدْ ياعوف ستاً بين يدي الساعة : أولهن موتي فاستبكيت حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وآله يسكتني ، ثم قال : قل إحدى . والثانية : فتح بيت المقدس ، قل اثنتين . والثالثة : مَوَتَانٌ يكون في أمتي كقعاص « مرض » الغنم ، قل ثلاثاً . والرابعة : فتنة تكون في أمتي ، قال وعظمها ، قل أربعاً . والخامسة : يفيض المال فيكم حتى يعطى الرجل الماية الدينار فيتسخطها ، قل خمساً . والسادسة : هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر ، ثم يسيرون إليكم فيقاتلونكم والمسلمون يومئذ في أرض يقال لها الغوطة ، في مدينة يقال لها دمشق » .
أقول : ذكر دمشق والدجال من إضافات كعب وأتباعه ، لأنه لاذكر لها في رواية قدماء المصنفين كابن أبي شيبة : 15 / 104 ، عن عوف بن مالك ، ومعاذ بن جبل . وكذا أحمد : 5 / 228 ، وفي : 6 / 22 ، وفي : 6 / 27 ، عن عوف .
وهذا يعني أنهم زادوا ذكر دمشق والمرج ذي التلول والدجال ، وعناصر الصراع يومها مع الروم ، فأفقدوا حديث النبي صلى الله عليه وآله مصداقيته ! راجع أيضاً وقارن : بخاري : 4 / 123 ، وأبا داود : 4 / 300 ، وابن ماجة : 2 / 1341 ، والروياني / 123 ، والطبراني الأوسط : 1 / 67 ، والكبير : 18 / 40 ، ومسند الشاميين : 1 / 398 .
ويؤكد ما قلناه ما ذكره في فتح الباري : 6 / 199 ، في المعركة الموعودة التي تلي الصلح مع الروم : « وقال ابن المنير : أما قصة الروم فلم تجتمع إلى الآن ، ولا بلغنا أنهم غزوا في البر في هذا
--------------------------- 589 ---------------------------
العدد ، فهي من الأمور التي لم تقع بعد ، وفيه بشارة ونذارة ، وذلك أنه دل على أن العاقبة للمؤمنين مع كثرة ذلك الجيش ، وفيه إشارة إلى أن عدد جيوش المسلمين سيكون أضعاف ما هو عليه . ووقع في رواية للحاكم من طريق الشعبي عن عوف بن مالك في هذا الحديث أن عوف بن مالك قال لمعاذ في طاعون عمواس : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي : أعدد ستاً بين يدي الساعة فقد وقع منهن ثلاث يعني موته صلى الله عليه وآله وفتح بيت المقدس والطاعون . قال : وبقي ثلاث . فقال له معاذ : إن لهذا أهلاً . ووقع في الفتن لنعيم بن حماد أن هذه القصة تكون في زمن المهدي على يد ملك من آل هرقل » . انتهى .
ونخلص من مجموع الروايات إلى أن الهدنة الأخيرة مع الروم تكون على يد المهدي ومعه المسيح عليه السلام وأن الروم ينقضونها بعد سنين ويغزون المنطقة بنحو مليون جندي ، فتكون بينهم معركة فاصلة ينتصرفيها المهدي عليه السلام انتصاراً كاسحاً . وبذلك ينفتح أمامه باب الدخول إلى قلوب شعوب الغرب ، وبمساعدة المسيح عليه السلام .
معنى فتح الإمام المهدي عليه السلام المدينة الرومية بالتكبير
في العلل المتناهية : 2 / : 855 ، عن عبد الله المزني ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لا تقوم الساعة حتى يفتح الله على المسلمين قسطنطنية ورومية بالتسبيح والتكبير » .
ويظهر أن الفكرة أعجبت كعب الأحبار فأسقطها على القسطنطينية في عصره ! ففي عقد الدرر / 180 ، عن قصص الأنبياء للكسائي ، عن كعب الأحبار قال : « يخرج المهدي إلى بلاد الروم وجيشه مائة ألف ، فيدعو ملك الروم إلى الإيمان فيأبى ، فيقتتلان شهرين فينصرالله تعالى المهدي ، ويقتل من أصحابه خلقاً كثيراً ، وينهزم ويدخل إلى القسطنطينية ، فينزل المهدي على بابها ولها يومئذ سبعة أسوار ، فيكبر المهدي سبع تكبيرات فيخرُّ كل سور منها ، فعند ذلك يأخذها المهدي ، ويقتل من الروم خلقاً كثيراً ، ويسلم على يديه خلق كثير » .
وفي الفتن : 2 / 475 : « عن بكر بن سوادة ، عن شيخ من حِمْير قال : ليكونن لكم من عدوكم بهذه الرملة رملة إفريقية يوم تقبل الروم في ثمان مائة سفينة ، فيقاتلونكم على هذه الرملة ، ثم يهزمهم الله فتأخذون سفنهم فتركبوا بها إلى رومية ، فإذا أتيتموها كبرتم ثلاث تكبيرات ،
--------------------------- 590 ---------------------------
ويرتج الحصن من تكبيركم فينهار في الثالثة قدر ميل فيدخلونها ، فيرسل الله عليهم غمامة تغشاهم ، فلا تُنهنهم حتى يدخلوها ، فلا تنجلي تلك الغبرة حتى تكونوا على فرشهم » .
وفي عقد الدرر / 139 ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، في قصة المهدي وفتوحاته : « ثم يسير ومن معه من المسلمين ، لا يمرون على حصن ببلد الروم إلا قالوا عليه لا إله إلا الله فتتساقط حيطانه . ثم ينزل من القسطنطينية فيكبرون تكبيرات فينشف خليجها ويسقط سورها . ثم يسير إلى رومية فإذا نزل كبر المسلمون ثلاث تكبيرات ، فتكون كالرملة على نشز » .
وفي القول المختصر / 14 : « يفتح رومية بأربع تكبيرات ويقتل بها ست مائة ألف ، ويستخرج منها حلي بيت المقدس والتابوت الذي فيه السكينة ، ومائدة بني إسرائيل ورضاضة الألواح وحلة آدم وعصى موسى ، ومنبر سليمان ، وقفيزين من المن الذي أنزل الله عز وجل على بني إسرائيل أشد بياضاً من اللبن ، ثم يأتي المدينة التي يقال لها القاطع طولها ألف ميل وعرضها خمس مائة ميل ولها ستون وثلاث مائة باب ، يخرج من كل باب مائة ألف مقاتل ، فيكبرون عليها أربع تكبيرات فيسقط حائطها فيغنمون ما فيها ، ثم يقيمون فيها سبع سنين ، ثم ينتقلون منها إلى بيت المقدس ، فيبلغهم أن الدجال قد خرج في يهود أصبهان » .
وتلاحظ أن أفكارهم عن القسطنطينية والدجال ، أضيفت إلى نص الحديث ولم تكن فيه ، وصار كلام كعب حديثاً نبوياً !
والصحيح أن فتح المدينة يكون بعد انتصار الإمام عليه السلام على الروم ، وسبب حربه معهم أنهم ينقضون الصلح معه ويعلنون الحرب ، فيعلن عيسى عليه السلام وقوفه إلى صفه ويصلي خلفه ، ويكون لعيسى عليه السلام تيار شعبي واسع في الغرب يعارض حربهم للإمام المهدي عليه السلام . وبعد انتصار الإمام عليه السلام تترجح كفة عيسى وأتباعه المؤمنين ، فيدخل هو والإمام عليه السلام إلى عواصم الروم ، وتستقبلهما بالتكبير !
يحتج عيسى على الروم بالإمام المهدي عليه السلام
في غيبة النعماني / 146 : « عن عبد الله بن ضمرة ، عن كعب الأحبار أنه قال : في حديث طويل : ومن نسل علي القائم المهدي ، الذي يبدل الأرض غير الأرض ، وبه يحتج عيسى
--------------------------- 591 ---------------------------
بن مريم على نصارى الروم والصين . إن القائم المهدي من نسل علي أشبه الناس بعيسى بن مريم خلقاً وخلقاً وسمتاً وهيبة ، يعطيه الله عز وجل ما أعطى الأنبياء ويزيده ويفضله . إن القائم من ولد علي عليه السلام له غيبة كغيبة يوسف ، ورجعة كرجعة عيسى بن مريم ، ثم يظهر بعد غيبته مع طلوع النجم الأحمر ، وخراب الزوراء وهي الري ، وخسف المزورة وهي بغداد ، وخروج السفياني ، وحرب ولد العباس مع فتيان أرمينية وآذربيجان ، تلك حرب يقتل فيها ألوف وألوف ، كل يقبض على سيف محلى تخفق عليه رايات سود . تلك حرب يشوبها الموت الأحمر والطاعون الأغبر » .
والعجب هنا : كيف يروي كعب الأحبار هذه الفضيلة للإمام المهدي عليه السلام مع بعده عن أهل البيت عليهم السلام وتقربه إلى الحكومات المخالفة لهم ؟ !
والجواب : أن كعباً كان حشويَاً يجمع الغث والسمين ، ويخلط الحق بالباطل ، ويجمع من هنا وهناك ، ويسوِّقُه بأسلوبه على الحكام والناس . لذلك قد نقرأعنه بعض الحق . على أنه شاب هذا الحديث بباطل من عنده ، فإن المسلمين رووا شبه المهدي عليه السلام بجده صلى الله عليه وآله ، فجعله كعب أشبه الناس بعيسى خلقاً وخلقاً . « نوادر الأخبار / 268 » .
يبعث المهدي عليه السلام بقتال الروم في الملحمة
ابن حماد / 192 : « عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله قال : تخرج الروم في الملحمة العظمى ومعهم الترك وبرجان والصقالبة » . والبرجان : قوم ورد ذكرهم في حروب المسلمين مع البزنطيين . والصقالبة : أهل جزيرة صقلية الإيطالية ، وكانت مملكة ولها دور في الحملات الصليبية ، وكان هذا الاسم يطلق في صدر الإسلام على سكان بعض مناطق آسيا التركية .
وفي فتن ابن حماد : 1 / 355 : « عن كعب قال : المهدي يبعث بقتال الروم ، يعطى فقه عشرة ، يستخرج تابوت السكينة من غار بأنطاكية ، فيه التوراة التي أنزل الله تعالى على موسى عليه السلام والإنجيل الذي أنزل الله عز وجل على عيسى عليه السلام ، يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم » .
--------------------------- 592 ---------------------------
أشد الناس عليكم الروم
أحمد : 4 / 230 : « عن المستورد قال : بينا أنا عند عمرو بن العاص فقلت له : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أشد الناس عليكم الروم ، وإنما هلكتهم مع الساعة . فقال له عمرو : ألم أزجرك عن مثل هذا » .
ومجمع الزوائد : 6 / 212 ، وحسنه ، والجامع الصغير : 1 / 160 ، وفيض القدير : 1 / 512 .
وفي ابن حماد / 134 : فبلغ ذلك عمرو بن العاص فقال : ما هذه الأحاديث التي تذكر عنك أنك تقولها عن النبي صلى الله عليه وآله ؟ فقال له المستورد : قلت الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله ! قال عمرو : لئن قلت ذلك إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأصبر الناس عند مصيبة ، وخير الناس لمساكينهم وضعفائهم . ونحوه أحمد : 4 / 230 ، وتاريخ بخاري : 8 / 16 ، ومسلم : 4 / 2222 .
أقول : معنى أشد الناس على المسلمين الروم ، أنهم أقوى أعدائهم . وفي نفس الوقت احترمهم الإسلام أكثر من غيرهم فاعترف بدينهم وشرع التعايش معهم ، وإن لم يعترفوا بالإسلام . وقد فضلهم الأئمة عليهم السلام على النواصب .
خزي الروم بعد الملحمة العظمى
في تفسير الطبري : 1 / 399 : « عن السدي قال في قوله تعالى : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ : أما خزيهم في الدنيا إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية قَتَلَهم ، فذلك الخزي » . والتبيان : 1 / 420 ، والدر المنثور : 1 / 108 .
ومن الملفت ما ورد من أن الإمام الباقر عليه السلام فسرقوله تعالى : وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ . بأنه فرحهم بغلبتهم للروم على يد الإمام المهدي عليه السلام ! « الكافي : 8 / 269 » .
وروى في دلائل الإمامة / 248 : « عن الإمام الصادق عليه السلام قال : في قبورهم بقيام القائم عليه السلام » . وهو عن فرح الأموات ، ويدل على فرح الأحياء . وفسرت رواية الروم ببني أمية ، وأن فرح المؤمنين بانتصار المهدي عليه السلام عليهم « تأويل الآيات : 1 / 434 » .
--------------------------- 593 ---------------------------
أقول : الوعد الإلهي في سورة الروم بفرح المؤمنين بهزيمة الفرس وانتصار الروم ، محدد ببضع سنين ، لكن الأئمة عليهم السلام فسروه بأنه بشارة بفرح المؤمنين في المستقبل بنصرهم على الروم وبني أمية .
يتعايش الإمام عليهم السلام مع النصارى ويقبل منهم الجزية
في مزار ابن المشهدي / 135 ، وفضل الكوفة ومساجدها / 43 : « وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال لي : يا أبا محمد كأني أرى نزول القائم بأهله وعياله في مسجد السهلة . قلت : أيكون منزله ؟ قال : نعم ، كان فيه منزل إدريس ومنزل إبراهيم ، وما بعث الله نبياً إلا وقد صلى فيه ، وفيه مسكن الخضر . والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول الله صلى الله عليه وآله ! وما من مؤمن ولا مؤمنة إلا وقلبه يحن إليه . وفيه صخرة فيها صورة كل نبي . وما صلى فيه أحد فدعا الله مما يخاف إلا أجابه . فقلت : إن هذا لهو الفضل ، قال : أزيدك ؟ قلت : نعم ، قال : هو من البقاع التي أحب الله أن يدعى فيها ، وما من يوم ولا ليلة إلا والملائكة يزورون هذا المسجد يعبدون الله فيه ، أما إني لو كنت بالقرب منكم ما صليت صلاة إلا فيه . يا أبا محمد : لو لم يكن من الفضل إلا نزول الملائكة والأنبياء فيه لكان كثيراً ، فكيف وهذا الفضل وما لم أصف لك أكثر ، قلت : جعلت فداك لا يزال القائم فيه أبداً ؟ قال : نعم . قلت : فمن بعده ؟ قال : هكذا من بعده إلى انقضاء الخلق . قلت : فما يكون من أهل الذمة عنده ؟ قال : يسالمهم كما سالمهم رسول الله صلى الله عليه وآله ويؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون . قلت : فمن نصب لكم عداوة ؟ قال : لا يا أبا محمد ، ما لمن خالفنا في دولتنا من نصيب ، إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا ، فأما اليوم فحرام علينا وعليكم ذلك ، فلا يغرنك أحد » .
أقول : يبدو أن الإمام المهدي عليه السلام يطبق خطة نشرالإسلام في العالم بالمنطق والإقناع ، ويعطي الحرية لأهل الكتاب بشروط ، فينمو فيهم تيار الإسلام .
ومن جهة أخرى فإن المسيح عليه السلام بعد هدنة الروم مع المهدي عليه السلام ، يعمل في الغرب لمدة سبع سنين ، فيكون الإسلام في الغرب تياراً واسعاً ، مؤيداً للإمام المهدي عليه السلام .
--------------------------- 594 ---------------------------
تخريب كعب حديث الملحمة العظمى
معنى الملاحم : المعارك الآتية ، وهي في علم الحديث مصطلح لإخبار النبي صلى الله عليه وآله بالمعارك والتغيرات التي ستقع في المستقبل ، وسميت المعركة بالملحمة ، لما يقع فيها من القتل وفَرْيِ اللحم ، أو بسبب التحام المقاتلين فيها .
وقد ألف العلماء في الملاحم ، ورووا فيها الكثير ، وكثر فيها الكذابون ، حتى زاد المكذوب على الصحيح ! ومن أكثر الكذابين تأثيراً كعب الأحبار ، فهو أستاذ علماء الخلافة في الملاحم والفتن ، وقد نصبه الخليفة عمر مستشاراً له ، وأطلق يده ولسانه وقلمه ، وقربه الخلفاء بعده ، فنشرأساطيره وتحريفاته في ثقافة المسلمين وصحاحهم !
وقد اتفق الرواة على أن آخر الملاحم معركة المهدي عليه السلام مع الروم وسموها الملحمة العظمى ، وجعلها كعب معركة فتح القسطنطينية ، وجعل خروج الدجال على أثر فتحها ، وقد فتحت بعد قرون ، ولم يخرج الدجال على أثرها !
قال ابن حماد : 2 / 499 : « عن كعب قال : الملحمة العظمى وخراب القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر » !
فصار كلامه حديثاً نبوياً عن الصحابي عبد الله بن بسر ، وسعد بن أبي وقاص ، وغيرهما ، كما تراه في مسند أحمد : 1 / 178 ، و : 4 / 189 و : 5 / 234 ، وتاريخ بخاري : 8 / 431 ، وابن ماجة : 2 / 1370 ، وغيرها . . !
وقال مسلم : 4 / 2221 : « عن أبي هريرة قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق ، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ ، فإذا تصافوا قالت الروم : خلوا بيننا وبين الذين سبقوا منا نقاتلهم ، فيقول المسلمون لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا ، فيقاتلونهم فيهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً ، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ، ويفتح الثلث لا يفتنون أبداً فيفتحون قسطنطينية ، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون ، إذ صاح فيهم الشيطان أن المسيح قد خلفكم في أهليكم ، فيخرجون وذلك باطل ، فإذا جاءوا الشام خرج حينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف ، إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فأمهم ، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فلو تركه لذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده ، فيريهم دمه في حربته » .
--------------------------- 595 ---------------------------
ورواه البغوي : 3 / 480 ، وابن حبان : 8 / 286 ، والحاكم : 4 / 482 و 476 . وقال : صحت الرواية أن فتحها مع قيام الساعة ! فانظر إلى تأثير كعب ، بل إلى تآمره مع الروم !
زعموا أن الملحمة مع الروم نهاية الأمة الإسلامية
زعم كعب أن فتح بيت المقدس يعني نهاية الأمة وخراب عاصمتها المدينة المنورة ! وأقنع بذلك الخليفة وقبله منه ، كما رووه في أصح المصادر !
روى ابن أبي شيبة : 15 / 135 : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : عُمْرَانُ بيت المقدس خرابُ يثرب ، وخرابُ يثرب خروج الملحمة ، وخروجُ الملحمة فتح القسطنطينية ، وفتحُ القسطنطينية خروج الدجال . ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو منكبيه ثم قال : إن هذا هو الحق كما أنك ها هنا ، أو كما أنت قاعد ، يعني معاذاً » ! وأحمد : 5 / 232 و 245 ، وأبو داود : 4 / 110 ، والحاكم : 4 / 420 ، وفيه : ثم ضرب معاذ على منكب عمر بن الخطاب فقال : والله إن ذلك لحق كما أنك جالس !
وقت الملحمة العظمى ومكانها بخيالات كعب وتلاميذه !
كان كعب يزعم أن الملحمة العظمى مع الروم على الأبواب ، ففي فتن ابن حماد : 2 / 480 : « عن كعب قال : الملاحم على يدي رجل من أهل هرقل الرابع والخامس يقال له طبارة ! قال كعب : وأمير الناس يومئذ رجل من بني هاشم « المهدي عليه السلام » يأتيه مدد اليمن سبعون ألفاً حمائل سيوفهم المسد » .
وصار كلام كعب حديثاً نبوياً ! رواه الصحابي المهاجر بن حبيب ، فزعم أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « الخامس من آل هرقل على يديه تكون الملاحم . قال أرطاة : فولي أربعة من آل هرقل ، قال أصحاب النبي : فبقي الخامس » . « ابن حماد : 2 / 500 » .
وفي الفتن : 2 / 470 : « عن المهاجر بن حبيب أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : الخامس من آل هرقل الذي يكون على يديه الملاحم . وقال : يملك هرقل ثم ابنه من بعده قسطة بن هرقل ، ثم ابنه قسطنطين بن قسطة ، ومن ثم ابنه اصطفار بن قسطنطين ، ثم خرج ملك الروم من آل هرقل إلى لبون وولده من بعده ، وسيعود الملك من الخامس من آل هرقل ، الذي تكون على يديه الملاحم » . انتهى .
--------------------------- 596 ---------------------------
ثم تنازل كعب عن الإمبراطور طبارة ، واختار بدله إمبراطورة أنثى ، وزعم أن الملحمة تكون في عهدها !
قال ابن حماد : 2 / 500 : « عن كعب قال : يلي الروم امرأة فتقول : اعملوا لي ألف سفينة أفضل ألواح عُملت على وجه الأرض ، ثم أخرجوا إلى هؤلاء الذين قتلوا رجالنا وسبوا نساءنا وأبناءنا ، فإذا فرغوا منها قالت : إركبوا إن شاء الله وإن لم يشأ ! فيبعث الله عليهم ريحاً فيقمصها بقولها وإن لم يشأ ! ثم يعمل لها ألف أخرى مثلها ، ثم تقول مثل قولها ، ويبعث الله عليها ريحاً فيقمصها ! ثم يعمل لها ألف أخرى فتقول : إركبوا إن شاء الله ، قال فيخرجون ، فيسيرون حتى يتنهوا إلى تل عكا » . وأيد كلام كعب اثنان من تلاميذه هما أبو الزاهرية وضمرة ، فقالا : « تجلب الروم عليكم في البحر من رومية إلى رومانية ، فيحلون عليكم بساحلكم بعشرة آلاف قلع فيسكنون ما بين وجه الحجر إلى يافا ، وينزل حدهم وجماعتهم بعكا ، فينفر أهل الشام إلى مواخيرهم فيقلوا فيبعثون إلى أهل اليمن فيستمدونهم فيمدونهم بأربعين ألفاً ، حمائل سيوفهم المسد ، فيسيرون حتى يحلوا بعكا وبها حد القوم وجماعتهم ، فيفتح الله لهم » . « ابن حماد : 2 / 487 » .
وأيده أبو هريرة ، راوية الإسلام بزعمهم ، فروى عنه ابن حماد : 2 / 487 : « يفتتحون رومية حتى يعلق أبناء المهاجرين سيوفهم في رومية ، فيقفل القافل من القسطنطينية فيرى أنه قد قفل » !
وأيده زميله عبد الله بن عمرو العاص فروى عنه في مجمع الزوائد : 7 / 319 ، ووثقه ! أن رجلاً « أحد أبويه شيطان يملك الروم ، يجئ في ألف ألف من الناس ، خمس مائة ألف في البر وخمس مائة ألف في البحر ، ينزلون أرضاً يقال لها العمق فيقول لأصحابه : إن لي في سفينتكم بقية فيحرقها بالنار ثم يقول : لارومية لكم ولا قسطنطينية لكم ، من شاء أن يفر . ويستمد المسلمون بعضهم بعضاً حتى يمدهم أهل عدن أبين ، فيقول لهم المسلمون إلحقوا بهم ، فكونوا سلاحاً واحداً ، فيقتتلون شهراً حتى يخوض في سنابكها الدماء ، وللمؤمن يومئذ كفلان من الأجر على من كان قبله إلا ما كان من أصحاب محمد « أي إلا الصحابة فهم أفضل منه » فإذا كان آخر يوم من الشهر قال الله تبارك وتعالى : اليوم أسلُّ سيفي وأنصر ديني وأنتقم من عدوي ، فيجعل الله لهم الدائرة عليهم فيهزمهم الله حتى تستفتح القسطنطينية ، فيقول
--------------------------- 597 ---------------------------
أميرهم : لا غلول اليوم ، فبينما هم كذلك يقسمون بأترستهم الذهب والفضة ، إذ نودي فيهم أن الدجال قد خلفكم في دياركم » .
فاعجب لهذا التلفيق والكذب من كعب وتلاميذه ، كيف اخترعوه وضيعوا حديث النبي صلى الله عليه وآله عن المهدي عليه السلام والروم !
وزعم كعب أن معقل المسلمين وقاعدتهم دمشق
في مسند الشاميين : 1 / 335 : « عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : فسطاط المسلمين يوم الملحمة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق ، من خير مدائن الشام » . وفي مسند الشاميين : 2 / 266 : يوم الملحمة الكبرى بأرض يقال لها الغوطة فيها مدينة يقال لها دمشق ، فهي خير مساكن الناس يومئذ » .
وروى الحاكم : 4 / 486 : « يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين بأرض يقال لها الغوطة » وصححه . وفي جامع المسانيد : 15 / 39 : « دمشق من خير منازل المسلمين في الملاحم » . وأبو داود : 4 / 111 ، وابن المنادي / 37 . ومصادره كثيرة .
وزعم كعب ، وتخيل كعب . . فصار كذبه أحاديث نبوية !
فقد جعل فتح القسطنطينية على يد اليهود من بني إسحاق وليس على يد المسلمين فسارع الرواة إلى تحويله إلى حديث نبوي ، وروى مسلم : 4 / 2238 : « عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر ؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق ، فإذا جاؤها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم ، قالوا لا إله إلا الله والله أكبر ، فيسقط أحد جانبيها . . . الخ » . انتهى .
فالذي يفتحها هم اليهود إذن ! وهذه جرأة مكشوفة من كعب ، ثم من أبي هريرة ، يقلُّ نظيرها !
وقال كعب : يهرب ثلة وثلة المسلمين ، فصار كذبه حديثاً نبوياً !
روى ابن حماد في الفتن : 2 / 467 : « أن كعباً كان يقول : إذا كانت الملحمة العظمى ملحمة
--------------------------- 598 ---------------------------
الروم هربت منكم ثلة فلحقت بالعدو ، وخرجت ثلة أخرى فأسلموكم ، خسف الله ببعضهم وبعث على من بقي منهم طيراً يخطف أبصارهم ، ثم تبقى الثلة الباقية . فيا عباد الله من أدرك ذلك منكم فغلبته نفسه على الجبن فليدخل تحت إكافة أو يمسك بعمود فسطاطه وليصبر فإن الله تعالى ناصر الثلة الباقية ، وذلكم حين يستضعفكم الروم ويطمعون فيكم ، يقول صاحب الروم إذا أصبحتم فاركبوا على ذات حافر من الدواب ، ثم أوطؤهم وطأة واحدة ، لا يذكر هذا الدين في الأرض أبداً يعني الإسلام ، قال فيغضب الله عز وجل عند ذلك ، حتى يكون « يقعد » في السماء الرابعة وفيها سلاح الله وعذابه ، فيقول لم يبق إلا أنا وديني الإسلام ، وأهل اليمن قيس لأنصرن عبادي اليوم !
ويد الله بين الصفين إذا أمالها على قوم كانت الدبرة عليهم ، فيا أهل اليمن لا تبغضوا قيساً وياقيس أحبوا أهل اليمن ، فإن قيساً من خيار الناس أنفساً وأخلاقاً ، والذي نفس كعب بيده لايجالد عن دين الإسلام يومئذ إلا أنتم يا أهل اليمن » .
ونسبوا إلى حذيفة ما يستحيل أن يقوله !
روى الداني في سننه / 104 ، عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله حديثاً طويلاً من صفحات ، جاء فيه : « ويسير المهدي حتى يأتي دمشق ومن معه من المسلمين ، فيبعث الله عز وجل عليه الروم ، وهو الخامس من آل هرقل يقال له طبارة ، وهو صاحب الملاحم فتصالحوهم سبع سنين حتى تغزو أنتم وهم عدواً خلفهم وتغنمون وتسلمون أنتم وهم جميعاً ، فتنزلون بمرج ذي تلول ، فبينما الناس كذلك انبعث رجل من الروم فقال : غلب الصليب فيقوم رجل من المسلمين إلى الصليب فيكسره ويقول : الله الغالب ، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : فعند ذلك يغدرون وهم أولى بالغدر ، وتستشهد تلك العصابة ، فلا يفلت منهم أحد ، فعند ذلك ما يجمعون لكم للملحمة كحمل امرأة ، فيخرجون عليكم في ثمانين غاية تحت كل غاية إثنا عشر ألفاً حتى يحلوا بعمق أنطاكية ، فلا يبقى بالحيرة ولا بالشام نصراني إلا رفع الصليب وقال : ألا من كان بأرض نصرانية فلينصرها اليوم ، فيسير إمامكم ومن معه من المسلمين من دمشق حتى يحل بعمق أنطاكية ، فيبعث إمامكم إلى الشام أعينوني ، ويبعث
--------------------------- 599 ---------------------------
إلى أهل المشرق أنه قد جاءنا عدو من خراسان على ساحل الفرات ، فيقاتلون ذلك العدو أربعين صباحاً قتالاً شديداً . ثم إن الله عز وجل ينزل النصر على أهل المشرق ، فيقتل منهم تسع مائة ألف وتسع وتسعون ألفاً ، وتنكشف بقيتهم من قبورهم تلك ، فيقوم مناد من المشرق : يا أيها الناس أدخلوا الشام فإنها معقل المسلمين وإمامكم بها .
قال حذيفة : فخير مال المسلمين يومئذ رواحل يرحل عليها إلى الشام ، وأحمرة ينقل عليها حتى يلحق بدمشق ! ويبعث إمامهم إلى اليمن أعينوني فيقبل سبعون ألفاً من اليمن على قلائص عدن ، حمائل سيوفهم المسد ويقولون : نحن عباد الله حقاً حقاً ، لا نريد عطاء ولا رزقاً حتى يأتوا المهدي بعمق أنطاكية ، فيقتتل الروم والمسلمون قتالاً شديداً فيستشهد من المسلمين ثلاثون ألفاً ، ويقتل سبعون أميراً نورهم يبلغ إلى السماء . قال حذيفة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أفضل شهداء أمتي شهداء الأعماق وشهداء الدجال . ويشتعل الحديد بعضه على بعض ، حتى أن الرجل من المسلمين ليضرب العلج بالسفود من الحديد فيشقه ويقطعه بابين وعليه درع ، فيقتلونهم مقتلة حتى تخوض الخيل في الدم ، فعند ذلك يغضب الله تبارك وتعالى عليهم فيطعن بالرمح النافذ ، ويضرب بالسيف القاطع ويرمي بالقوس التي لا تخطئ ، فلا رومي يسمع بعد ذلك اليوم ، ويسيرون قدماً قدماً ، فلأنتم يومئذ خيار عباد الله عز وجل ليس منكم يومئذ زان ولا غال ولاسارق . . . لا تمرون بحصن في أرض الروم فتكبرون عليه إلا خرَّ حايطه ، فتقتلون مقاتلته ، حتى تدخلوا مدينة الكفر القسطنطينية ، فتكبرون عليها أربع تكبيراًت فيسقط حايطها . قال حذيفة : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله عز وجل يهلك قسطنطينية ورومة ، فتدخلونها فتقتلون بها أربع مائة ألف ، وتستخرجون منها كنوزاً كثيرة ذهباً وكنوز جوهر ، تقيمون في دار البلاط . قيل يا رسول الله وما دار البلاط ؟ قال : دار الملك ، ثم تقيمون بها سنة » . وروى أجزاء منها : تفسير الطبري : 15 / 17 ، و : 22 / 72 ، والفردوس : 5 / 523 ، وتهذيب ابن عساكر : 1 / 196 ، وتذكرة القرطبي : 2 / 693 ، وفي / 704 ، وتفسير القرطبي : 14 / 314 ، وعقد الدرر / 74 ، 136 ، 149 . إلى آخر مصادرهم .
وكلها من خيالات كعب ونسج تلاميذه على حديث النبي صلى الله عليه وآله عن المهدي عليه السلام والروم ، نسبوها إلى حذيفة رحمه الله ، ووصلوا تخيلهم إلى قيام القيامة !
--------------------------- 600 ---------------------------
وجعلوا الإمام المهدي عليه السلام موظفاً عند اليهود !
رووا وأكثروا أن الإمام المهدي عليه السلام يستخرج من كنيسة رومية كنوز بيت المقدس وحُليَّه وزينته التي سرقها الروم ، ويردها إلى بيت المقدس بمئة سفينة ، أو بألف وسبع مئة سفينة ! فروى الطبري في تفسيره : 15 / 29 ، عن حذيفة كما زعموا ، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : « إن بني إسرائيل لما اعتدوا وعلوا وقتلوا الأنبياء ، بعث الله عليهم ملك فارس بختنصر وكان الله ملكه سبع مئة سنة ، فسار إليهم حتى دخل بيت المقدس فحاصرها وفتحها ، وقتل على دم زكريا سبعين ألفاً ، ثم سبي أهلها وبني الأنبياء عليهم السلام وسلب حلي بيت المقدس واستخرج منها سبعين ألفاً ومئة ألف عجلة من حلي حتى أورده بابل ! قال حذيفة : فقلت : يا رسول الله لقد كان بيت المقدس عظيماً عند الله ؟ قال : أجل بناه سليمان بن داود من ذهب ودر وياقوت وزبرجد ، وكان بلاطه بلاطة من ذهب وبلاطة من فضة وعُمُدُهُ ذهباً ، أعطاه الله ذلك وسخر له الشياطين يأتونه بهذه الأشياء في طرفة عين ، فسار بختنصر بهذه الأشياء حتى نزل بها بابل ، فأقام بنو إسرائيل في يديه مئة سنة تعذبهم المجوس وأبناء المجوس ، وفيهم الأنبياء وأبناء الأنبياء ! ثم إن الله رحمهم فأوحى إلى ملك من ملوك فارس يقال له كورس وكان مؤمناً « ! » أن سر في بقايا بني إسرائيل حتى تستنقذهم ، فسار كورس ببني إسرائيل وحلي بيت المقدس حتى رده إليه ، فأقام بنو إسرائيل مطيعين لله مئة سنة ، ثم إنهم عادوا في المعاصي فسلط الله عليهم أبطيانحوس ، فغزا بأبناء من غزا مع بختنصر فغزا بني إسرائيل حتى أتاهم في بيت المقدس ، فسبى أهلها وأحرق بيت المقدس ، وقال لهم : يا بني إسرائيل إن عدتم في المعاصي عدنا عليكم بالسباء ، فعادوا في المعاصي فسير الله عليهم السباء الثالث ملك رومية يقال له قاقس بن إسبايوس ، فغزاهم في البر والبحر فسباهم وسبى حلي بيت المقدس ، وأحرق بيت المقدس بالنيران . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : هذا من صنعة حلي بيت المقدس ، ويرده المهدي إلى بيت المقدس ، وهو ألف سفينة وسبع مئة سفينة ، يرسى بها على يافا حتى تنقل إلى بيت المقدس ، وبها يجمع الله الأولين والآخرين » .
وفي فتن ابن حماد : 2 / 485 : « عن ربيعة بن الفارسي قال : يسير منكم جيش إلى رومية فيفتتحونها ويأخذون حلية بيت المقدس ، وتابوت السكينة ، والمائدة ، والعصا ، وحلة آدم ، فيؤمر على ذلك غلام شاب ، فيردها إلى بيت المقدس » .
--------------------------- 601 ---------------------------
وقال السلمي في عقد الدرر / 93 : « الفصل الثاني في فتح مدينة القاطع وما يليها ورجوع حلي بيت المقدس إليها . . عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى الله عليه وآله في قصة المهدي وفتحه لرومية ، قال : ثم يكبرون عليها أربع تكبيرات فيسقط حائطها ، وإنما سميت رومية لأنها كرمانة من كثرة الخلق ! فيقتلون بها ست مائة ألف ويستخرجون منها حلى بيت المقدس والتابوت الذي فيه السكينة ، ومائدة بني إسرائيل ، ورضاضة الألواح ، وعصا موسى ، ومنبر سليمان ، وقفيزين من المنِّ الذي أنزل الله على بني إسرائيل ، أشد بياضاً من اللبن » . الخ .
وقال السلمي بعده : « وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في قصة المهدي قال : ويتوجه إلى الآفاق ، فلا تبقى مدينة وطأها ذو القرنين إلا دخلها وأصلحها ، ولا يبقى جبار إلا هلك على يديه ، ويشفي الله عز وجل قلوب أهل الإسلام ، ويحمل حلى بيت المقدس في مائة مركب ، تحط على غزة وعكا وتُحمل إلى بيت المقدس . . » .
وفي ينابيع المودة : 3 / 267 : « أن ابن إسمانوس جاء بيت المقدس وحارب بني إسرائيل وأخذ حلي بيت المقدس وأحرق منه ما أحرق ، وحمل منه ألف وسبع مائة سفينة خالية ، فأراد أن يورده في رومية غرقت السفن . أخبر بذلك حذيفة بن اليمان ، وذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ليستخرجن المهدي ذلك من البحر حتى يؤديه إلى بيت المقدس ، ثم يسير المهدي ومن معه إلى البحر المحيط . . » .
أقول : قد يكون نبوخذ نصر ، أو الرومان وجدوا شيئاً من الذهب والمذهبات في بيت المقدس وأخذوه ، فجعل اليهود حلية بيت المقدس ظلامة عظيمة لهم شبيها بالهولوكست ! ولم يستطيعوا إثبات أنها في روما ، فقالوا إن السفن غرقت في البحر ! ثم زعموا أنها في روما وأن المهدي عليه السلام يستخرجها ويرجعها إلى مكانها !
وجعلوه موظفاً عندهم لاسترجاع مسروقات بختنصر ، أو غنائم الروم منهم ، ويردها إليهم !
دور اليمانيين والخراسانيين في ملحمة الإمام مع الروم
من الطبيعي أن يكون لأهل اليمن دورٌ في معارك الإمام المهدي عليه السلام ، لأن حاكم اليمن المنصور اليماني وزيره ومعتمده . وكذا للإيرانيين بحكم أن القائد العام لقوات الإمام عليه السلام
--------------------------- 602 ---------------------------
شعيب بن صالح ، إيراني .
يضاف إليهم بقية جيش الإمام عليه السلام من العراق والبلاد العربية والإسلامية . لكن كعباً صور المعركة بين الروم واليمانيين وكأنها في عصره فقال : « إن الله تعالى يمد أهل الشام إذا قاتلهم الروم في الملاحم بقطيعتين ، دفعة سبعين ألفاً ، ودفعة ثمانين ألفاً من أهل اليمن ، حمائل سيوفهم المسد » . « الفتن : 2 / 469 » .
وفي الفتن : 2 / 481 : « عن كعب قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله الملحمة فسمى الملحمة من عدد القوم وأنا أفسرها لكم : إنه يحضرها إثنا عشر ملكاً ، ملك الروم أصغرهم وأقلهم مقاتلة ، ولكنهم كانوا هم الدعاة وهم دعوا تلك الأمم واستمدوا بهم ، وحرام على أحد يرى عليه حقاً للإسلام أن لا ينصر الإسلام يومئذ ، وليبلغن مدد المسلمين يومئذ صنعاء الجَنَد ، وحرام على أحد يرى عليه حقاً للنصرانية أن لاينصرها يومئذ . ولتمدنهم يومئذ الجزيرة بثلاثين ألف نصراني ، فيترك الرجل فدانه يقول أذهب أنصر النصرانية ، ويسلط الحديد بعضه على بعض . . إلى آخر الأسطورة » .
- *
--------------------------- 603 ---------------------------
الفصل التاسع والعشرون : ( الترك والمهدي عليه السلام ، الترك في عصر ظهور المهدي عليه السلام )
--------------------------- 604 ---------------------------
المقصود بالترك في أحاديث عصر الظهور
كنت أرجح أن يكون المقصود بالترك في أحاديث الظهور : ترك تركيا والروس ومن حولهم من شعوب أوروبا الشرقية ، لأنه يعبر عنهم في مصادر الإسلام بأمم الترك . وأرى الآن أنه يجب ملاحظة القرائن في كل حديث ذكر الترك ، فالأصل أن يكون المقصود به ترك تركيا إلا أن تكون قرينة على تعميم لغيرهم .
الترك المغول
أشهر نص عنهم إخبار أمير المؤمنين بأن زوال ملك العباسيين يكون على أيديهم ففي نهج البلاغة : خطبة 128 : « كأني أراهم قوماً كأن وجوههم المجان المطرقة ، يلبسون السرق والديباج ، ويعتقبون الخيل العتاق ، ويكون هناك استحرار قتل ، حتى يمشي المجروح على المقتول ، ويكون المفلت أقل من المأسور ! فقال له بعض أصحابه : قد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب ، فضحك عليه السلام وقال للرجل وكان كلبياً : يا أخا كلب ، ليس هو بعلم غيب ، وإنما هو تعلم من ذي علم . وإنما علم الغيب علم الساعة وما عده الله سبحانه بقوله : إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ . فيعلم الله سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أنثى ، وقبيح أو جميل ، وسخي أو بخيل ، وشقي أو سعيد ، ومن يكون من النار حطباً ، أو في الجنان للنبيين مرافقاً . فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحدٌ إلا الله ، وما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيه صلى الله عليه وآله فعلمنيه ، ودعا لي بأن يعيه صدري ، وتضطم عليه جوانحي » . انتهى .
وروى نحوه الحاكم : 4 / 474 ، وصححه ، قال : « عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : يجئ قوم صغار العيون عراض الوجوه كأن وجوههم الجحف ، فيلحقون أهل الإسلام بمنابت الشيح ! كأني أنظر إليهم وقد ربطوا خيولهم بسواري المسجد ، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وآله : يا رسول الله من هم ؟ قال : الترك » انتهى .
فهذا إخبار بغزو المغول لبلاد المسلمين ، ويصح عده من علامات الظهورالبعيدة لا القريبة .
وقد روى عنهم ابن حماد عدداً من النصوص قال في الفتن : 1 / 220 : « عن مكحول
--------------------------- 605 ---------------------------
عن النبي صلى الله عليه وآله قال : للترك خرجتان خرجة يخربون آذربيجان ، والثانية يربطون خيولهم بالفرات ، لاترك بعدها . .
عن أرطاة قال : يقاتل السفياني الترك ، ثم يكون استئصالهم على يدي المهدي ، وهو أول لواء يعقده المهدي يبعثه إلى الترك . . عن عبد الله بن عمرو قال : بقيت من الملاحم واحدة ، أولها ملحمة الترك بالجزيرة » . وابن حماد : 1 / 273 ، و : 2 / 677 ، و 683 ، وابن طاووس / 99 ، و 191 و 370 . ويشبهه رواية عبد الرزاق : 11 / 380 : « عن ابن مسعود قال : كأني بالترك قد أتتكم على براذين مجذمة « مقصوصة » الآذان حتى تربطها بشط الفرات » . ورواه الطبراني الكبير : 9 / 192 ، والحاكم : 4 / 475 ومجمع الزوائد : 7 / 312
الترك في معركة قرقيسيا
ومن حديث الترك ، معركتهم مع السفياني في قرقيسا ، وهي معركة موعودة تكون قرب ظهورالإمام المهدي عليه السلام . وتقدمت بعض أحاديثها في فصل بلاد الشام ، واسم قرقيسيا معرب عن كركيسيا بمعنى حلبة الخيل ، ولعلها كلمة رومانية ، وتقع على الحدود السورية العراقية التركية ، ويوجد بقايا مدينة تعرف بهذا الاسم عند مصب نهر الخابور ، قرب دير الزور السورية « معجم البلدان : 4 / 328 » . وتقع قرب التل الأبيض ، ورأس العين ، وعندهما آبارالنفط السورية . وقد وصفتها روايات مصادر الطرفين بأنها معركة عظيمة ، وتفاوتت في تسمية الأطراف المتصارعة فيها ، فذكرت منهم الترك ، والسفياني ، والروم ، وبني العباس ، وبني أمية ، والقيسية ، والمرواني . ولم تذكر روايات أهل البيت عليهم السلام أن المهدي عليه السلام أو شيعته طرف فيها . أما سببها فجعلته بعض الروايات كنزاً يظهر في مجرى الفرات ، والخلاف عليه بين السفياني والترك والروم . وذكر بعضها أن السفياني يشارك فيها ثم يتوجه إلى العراق .
ومن رواياتها في الكافي : 8 / 295 : أن الإمام الباقر عليه السلام قال لميُسَّر : « يا مُيَسَّرُ كم بينكم وبين قرقيسا ؟ قلت : هي قريب على شاطئ الفرات . فقال : أما إنه سيكون بها وقعة لم يكن مثلها منذ خلق الله تبارك وتعالى السماوات والأرض ، ولا يكون مثلها ما دامت السماوات والأرض مأدبة للطير ، تشبع منها سباع الأرض وطيور السماء ! يهلك فيها قيس ولا يدعى
--------------------------- 606 ---------------------------
لها داعية . قال : وروى غير واحد وزاد فيه : وينادي مناد هلموا إلى لحوم الجبارين » .
وفي الكافي : 8 / 278 : عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إن لله مائدة وفي رواية مأدبة بقرقيسياء يَطَّلِعُ مطلع من السماء فينادي : يا طير السماء ويا سباع الأرض ، هلموا إلى الشبع من لحوم الجبارين » .
وفي الكافي : 8 / 303 ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال : « قال لي أبو جعفر عليه السلام : إن لولد العباس والمرواني لوقعة بقرقيسياء يشيب فيها الغلام الحَزَوَّر ، يرفع الله عنهم النصر ، ويوحي إلى طير السماء وسباع الأرض إشبعي من لحوم الجبارين ثم يخرج السفياني » .
وروى المفيد رحمه الله في الإختصاص / 255 : « عن جابر الجعفي قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : يا جابر إلزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها : أولها اختلاف ولد فلان ، وما أراك تدرك ذلك ، ولكن حدث به بعدي . . . فأول أرض تخرب الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات : راية الأصهب ، وراية الأبقع ، وراية السفياني ، فيلقى السفياني الأبقع فيقتتلون فيقتله ومن معه ويقتل الأصهب ، ثم لا يكون همه إلا الإقبال نحو العراق ، ويمر جيشه بقرقيسا ، فيقتلون بها مائة ألف رجل من الجبارين » .
والظاهر أن الترك هنا ترك تركيا وليس غيرهم ، وقد ذكرت بعض الروايات أنهم ينزلون قبل خروج السفياني الجزيرة ، أي جزيرة ربيعة أو ديار بكر القريبة من قرقيسيا . وأن الروم ينزلون الرملة ، رملة مصر ، أو رملة فلسطين .
ونلاحظ أن رواية الكافي « 8 / 303 » ذكرت أن طرفيها ولد العباس والمرواني لأهل البيت عليهم السلام ، ثم قالت : ثم يخرج السفياني ، أي يخرج أثناء معركة قرقيسيا ، ويشارك فيها !
وقد ربطت عدة روايات معركة قرقيسيا بكنز مختلف عليه ، منها روايات ابن حماد : 1 / 239 ، و 235 ، و 611 ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « ينحسر الفرات عن جبل من ذهب وفضة ، فيقتل عليه من كل تسعة سبعة . فإن أدركتموه فلا تقربوه . . .
الفتنة الرابعة ثمانية عشر عاماً ، ثم تنجلي حين تنجلي وقد انحسرالفرات عن جبل من ذهب ، تنكب عليه الأمة فيقتل من كل تسعة سبعة » .
ولو صحت أحاديث الكنز المذكور ، فيحتمل أن يكون منبع نفط ، أو منجم ذهب يكتشف هناك ،
--------------------------- 607 ---------------------------
ويكون موضع خلاف بين الدول الثلاث أو فئات معها . والظاهر أن الترك الذين هم طرف مقابل السفياني في هذه المعركة ، هم أهل تركيا الفعلية ، لأن النزاع على ثروة عند حدود سوريا وتركيا .
الرواية المنسوبة إلى ابن مازيار
وهي رواية طويلة رواها في كمال الدين : 2 / 465 عن لقائه بالإمام المهدي عليه السلام في غيبته في مكان قرب الطائف ، وأن الإمام عليه السلام أخبره بعلامات ظهوره المقدس وفيها عبارة تتعلق بالترك وهي : « يا ابن مهزيار كيف خلفت إخوانك في العراق ؟ قلت : في ضنك عيش وهناة ، قد تواترت عليهم سيوف بني الشيصبان . فقال : قاتلهم الله أنى يؤفكون ، كأني بالقوم قد قتلوا في ديارهم وأخذهم أمر ربهم ليلاً ونهاراً . فقلت : متى يكون ذلك يا ابن رسول الله ؟ قال : إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة بأقوام لاخلاق لهم والله ورسوله منهم براء ، وظهرت الحمرة في السماء ثلاثاً ، فيها أعمدة كأعمدة اللجين تتلألأ نوراً ، ويخرج السروشي من أرمنية وآذربيجان يريد وراء الري الجبل الأسود المتلاحم بالجبل الأحمر ، لزيق جبل طالقان ، فيكون بينه وبين المروزي وقعة صيلمانية يشيب فيها الصغير ويهرم منها الكبير ، ويظهرالقتل بينهما ، فعندها توقعوا خروجه إلى الزوراء فلا يلبث بها حتى يوافي باهات ، ثم يوافي واسط العراق فيقيم بها سنة أو دونها ، ثم يخرج إلى كوفان فيكون بينهم وقعة من النجف إلى الحيرة إلى الغري ، وقعة شديدة تذهل منها العقول ، فعندها يكون بوار الفئتين وعلى الله حصاد الباقين . ثم تلا قوله تعالى : إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرض مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ » .
بينما جاء نصها في غيبة الطوسي / 159 : « وسألني عن أهل العراق ، فقلت سيدي قد ألبسوا جلباب الذلة ، وهم بين القوم أذلاء ! فقال لي : يا ابن مازيار لتملكونهم كما ملكوكم وهم يومئذ أذلاء ، فقلت : سيدي لقد بعد الوطن وطال المطلب ، فقال : يا ابن مازيار أبي أبو محمد عهد إليَّ أن لا أجاور قوماً غضب الله عليهم ولعنهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم ، وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلا وعرها ومن البلاد إلا عفرها ، والله مولاكم
--------------------------- 608 ---------------------------
أظهر التقية فوكلها بي ، فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج . فقلت : يا سيدي متى يكون هذا الأمر ؟ فقال إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة ، واجتمع الشمس والقمر ، واستدار بهما الكواكب والنجوم ، فقلت متى يا ابن رسول الله ؟ فقال لي : في سنة كذا وكذا تخرج دابة الأرض من بين الصفا والمروة ومعها عصا موسى وخاتم سليمان ، تسوق الناس إلى المحشر » .
وفي رواية دلائل الإمامة / 296 : « ثم قال يا ابن المهزيار ومد يده : ألا أنبؤك الخبر ؟ إذا قعد الصبي ، وتحرك المغربي ، وسار العماني ، وبويع السفياني ، يؤذن لولي الله فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، فأجئ إلى الكوفة وأهدم مسجدها وأبنيه على بنائه الأول ، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة ، وأحج بالناس حجة الإسلام ، وأجئ إلى يثرب . . . فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان . قلت يا سيدي ما يكون بعد ذلك ؟ قال : الكرة الكرة الرجعة الرجعة ، ثم تلا هذه الآية : ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً » .
أقول : لا يمكن الأخذ بهذه الرواية لأن سندها غير تام ، والموثق من آل مهزيار هو علي بن مهزيار رحمه الله وقد توفي قبل الغيبة ، فلا بد أن تكون الرواية عن أحد أولاده أو أولاد أخيه ، وفي توثيقه كلام !
قال السيد الخوئي رحمه الله في معجم رجال الحديث : 13 / 212 : « ومن الغريب أن بعضهم توهم بقاءه إلى زمان الغيبة أيضاً ، وذلك بتخيل أن علي بن مهزيارهو علي بن إبراهيم بن مهزيار المتقدم ، الذي تشرف بخدمة الإمام الحجة سلام الله عليه ، وهذا التوهم بمكان من الفساد ، فإنك قد عرفت أن قصة تشرف علي بن مهزيار بخدمة الإمام عليه السلام غير ثابتة ، وعلى تقدير الثبوت فهو ابن مهزيار لا نفسه ، وقد صرح الصدوق في المشيخة والنجاشي والشيخ في ذكر طريقهما بأنه إبراهيم بن مهزيار أخو علي بن مهزيار » .
وهذا كاف في سقوط الرواية ، فكيف إذا أضفنا التفاوت والتهافت في نصها والبعد عن علامات الظهور . فالسؤال في رواية كمال الدين عن هلاك الظالمين العباسيين ، وجاء جوابه بأحداث تتعلق بالعباسين في عصرها ، ولا علاقة لها بعلامات الظهور . أما رواية غيبة الطوسي ففيها فقرة عن علامات الظهور ، لكنها مجملة من ناحية ، ولأنها جعلت دابة الأرض
--------------------------- 609 ---------------------------
من العلامات ، وهو شذوذ عن روايات أهل البيت عليهم السلام لأنها من علامات القيامة لا الظهور !
وأما رواية دلائل الإمامة ففيها علامات معروفة وردت في غيرها ، والذي يتعلق منها بالترك قوله : « ويخرج السروشي من أرمنية وآذربيجان يريد وراء الري الجبل الأسود المتلاحم بالجبل الأحمر لزيق جبل طالقان » . وهذا وصف لحركة جيش من أرمينية وباكو ، يتجه نحو طهران وبغداد ، في طريق حركة الجيوش في ذلك العصر ، فإن صحت فهي عن حدث في ذلك العصر .
رايات الترك المؤيدة للإمام المهدي عليه السلام
روى النعماني في الغيبة / 274 ، عن الإمام الصادق عليه السلام « أن أمير المؤمنين عليه السلام حدث عن أشياء تكون بعده إلى قيام القائم ، فقال الحسين : يا أمير المؤمنين متى يطهر الله الأرض من الظالمين ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لا يطهر الله الأرض من الظالمين حتى يسفك الدم الحرام . ثم ذكر أمر بني أمية وبني العباس في حديث طويل ، ثم قال : إذا قام القائم بخراسان ، وغلب على أرض كوفان وملتان ، وجاز جزيرة بني كاوان ، وقام منا قائم بجيلان ، وأجابته الآبر والديلمان ، وظهرت لولدي رايات الترك متفرقات في الأقطار والجنبات ، وكانوا بين هنات وهنات .
إذا خربت البصرة ، وقام أمير الأمرة بمصر ، فحكى عليه السلام حكاية طويلة ، ثم قال : إذا جهزت الألوف ، وصفت الصفوف وقتل الكبش الخروف ، هناك يقوم الآخر ويثور الثائر ويهلك الكافر ، ثم يقوم القائم المأمول ، والإمام المجهول ، له الشرف والفضل ، وهو من ولدك يا حسين لا ابنَ مثله ، يظهر بين الركنين ، في دريسين باليين ، يظهرعلى الثقلين ، ولا يترك في الأرض دمين . طوبى لمن أدرك زمانه ، ولحق أوانه ، وشهد أيامه » .
أقول : القائم بخراسان : قد يقصد الخراساني الذي يقوم قرب ظهورالمهدي عليه السلام .
ومُلتان : بضم الميم وسكون اللام بلد قرب غزنة حسب معجم البلدان « 5 / 189 » وهو الآن إقليم في باكستان ، ولم نجد فيه جزيرة بني كاوان ، نعم يوجد كاودان وكاوردان وهما قريتان في طبرستان من قرى آمل . وثوبين دريسين : أي باليين . وقوله : لا يترك في الأرض دمين : قد يكون تصحيفاً لدِينين ، وقد يكون معناه ما رواه في المحاسن / 87 ، عن الإمام الصادق عليه السلام : « دمان في الإسلام حلال ، لا يقضي فيهما أحد بحكم الله حتى يقوم قائمنا ، الزاني المحصن يرجمه ، ومانع الزكاة يضرب عنقه » .
--------------------------- 610 ---------------------------
والآبر : قرية في سجستان « معجم البلدان : 1 / 49 » . وديلمان : نسبة إلى الديلم أو جمعه بلغة الفرس ، من قرى أصبهان « معجم البلدان : 2 / 544 » . ومعناه أن هذه المناطق تستجيب للداعي إلى أهل البيت عليهم السلام في كيلان .
والذي يتعلق بالترك قوله عليه السلام : « وظهرت لولدي رايات الترك متفرقات في الأقطار والجنبات » . وهو يدل على تحفز جماعات من الترك في عدة مناطق لنصرة الإمام عليه السلام ، ويظهر أنه يكون بعد النداء السماوي وإعلان ظهوره عليه السلام . كما تدل بقية الروايات ، ويكون دور الترك الضغط على الفئة المخالفة للإمام عليه السلام في إيران .
حركة الترك الممهدة في آذر بيجان
أهم حركة إيجابية للترك وأصحها سنداً : تحرك ترك آذربيجان إيران في سنة الظهور . فقد رواه النعماني في الغيبة / 200 و 271 : « عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنه قال لي أبي عليه السلام : لا بد لنا « ر » من آذربيجان لا يقوم لها شئ ، وإذا كان ذلك فكونوا أحلاس بيوتكم والْبُدُوا ما لبدنا ، فإذا تحرك متحركنا فاسعوا إليه ولو حبواً ، والله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد على العرب شديد . وقال : ويل لطغاة العرب من شر قد اقترب » .
أقول : روت بعض المصادر هذا الحديث بلفظ : « لا بد لنارٍ من آذربيجان » . وقد تصورها ابن طاووس رحمه الله « الملاحم والفتن / 370 » وغيره أنها نار تظهرهناك . والصحيح أنها حركة تمهد لظهوره عليه السلام ولفظ الحديث : « لا بد لنا من آذربيجان » وليس لنار . ويدل عليه أن سياقه في علامات ظهور الإمام المهدي عليه السلام وفيه توجيه للشيعة بأن يتحركوا بعد ظهور هذه الحركة في آذربيجان . وهذا هو القيام الموعود للإيرانيين في سنة ظهوره عليه السلام ، في حديث الإمام الباقر عليه السلام الذي رواه النعماني / 273 ، عن أبي خالد الكابلي عنه عليه السلام قال : « كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه ، ثم يطلبونه فلا يعطونه ، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم ، فيعطون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا ، ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم . قتلاهم شهداء . أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر » .
وقد أسند الإمام الصادق عليه السلام حديثها إلى أبيه الإمام الباقر عليه السلام المعروف بأخبار المغيبات ،
--------------------------- 611 ---------------------------
وأنه قال إن حركة آذربيجان لا بد منها للظهور المقدس ، لأنها المرحلة الأخيرة من حركة أهل المشرق ، ووقتها سنة الظهور .
وتشير الرواية إلى أن بعض شخصيات هذه الحركة منصوبون من قبل المهدي عليه السلام كالقائم بخراسان والقائم بجيلان ، وأن الجيلاني سيد هاشمي للتعبيرعنه قائم منا .
وتدل رواية النعماني / 274 ، إلى أن رايات الترك ترتفع داعية للإمام المهدي عليه السلام ، فقد جاء فيها : « وقام منا قائم بجيلان ، وأجابته الآبر والديلمان ، وظهرت لولدي رايات الترك متفرقات في الأقطار والجنبات » .
وقد ذكرنا في فصل دور إيران ، المخاض الداخلي الذي يحدث في إيران بين مؤيدي الإمام المهدي عليه السلام وبين مخالفيهم ، وأن ترك آذربيجان الإيرانيين يكونون عاملاً حاسماً لإنجاح حركة المؤيدين للإمام عليه السلام ، وتسليمه راية إيران .
تحرك الأتراك تاييداً للإمام المهدي عليه السلام
من الطبيعي بمنطق الأحداث أن تكون تركيا في طليعة البلاد التي تتأثر بظهور الإمام المهدي عليه السلام فيتحرك أهلها في مظاهرات ، ويكون مطلبهم حكومة مؤيدة له . وأن يتعاظم هذا التأثير عندما يصل عليه السلام إلى العراق ويتخذه عاصمته .
وبسبب تأييد الشعب التركي للإمام عليه السلام يصبح الإمام طرفاً في الوضع الداخلي ، وبهذا نفهم حديث أرطاة بن المنذر بن الأسود السكوني : « أول لواء يعقده المهدي يبعثه إلى الترك فيهزمهم ، ويأخذ ما معهم من السبي والأموال ، ثم يسير إلى الشام فيفتحها » . ابن حماد / 128 .
ويحتمل أن أرطاة سمعه منه عليه السلام ولم يصرح فقد كانت له مكانة عند السلطة وتوفي سنة 163 ، وروى عنه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة . « تهذيب التهذيب : 1 / 173 » . لكن توجد في النص غير إرساله مشكلة تصويره للترك كأنهم جيش يُغيرعلى المسلمين ويأخذ منهم سبياً ، وقد يكون ذلك إضافة من الراوي لأن بعض المصادر اكتفت بالفقرة الأولى ، فيحتمل أن يرسل الإمام المهدي عليه السلام أحد أصحابه إلى تركيا لحل مشكلة شعبها مع السلطة ، وقد يكون معه قوة عسكرية رمزية ، وينجح في مهمته وتتشكل دولة في تركيا موالية له ، قبل أن يتوجه إلى معركته مع السفياني .
- *
--------------------------- 612 ---------------------------
--------------------------- 613 ---------------------------
الفصل الثلاثون : ( معالم دولة العدل ، معالم دولة العدل الإلهي على يد المهدي عليه السلام )
--------------------------- 614 ---------------------------
الطور الجديد للحياة البشرية على يد الإمام عليه السلام
تدخل الحياة على يد الإمام المهدي عليه السلام طوراً جديداً بالمعنى الكامل للكلمة ، سواءً في معرفة الإنسان للكون ولنفسه أو في علومه أو في هدفه وطريقة عيشه . ويكفي أن نقرأ أن الإمام عليه السلام يضيف إلى العلوم في عصره خمساً وعشرين ضعفاً ، وذلك قفزة في تقدم العلوم والحياة الإنسانية على الأرض بجميع مرافقها .
ففي الخرائج : 2 / 841 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « العلم سبعة وعشرون جزءً ، فجميع ما جاءت به الرسل جزءان ، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الجزءين ، فإذا قام القائم أخرج الخمسة والعشرين جزءً ، فبثها في الناس وضم إليها الجزئين حتى يبثها سبعة وعشرين جزءً » .
وهذا الحديث وإن كان ناظراً إلى علوم الأنبياء والرسل عليهم السلام من العلم بالله سبحانه ورسالته والآخرة ، لكنه يشمل العلوم الطبيعية التي ورد أن الأنبياء عليهم السلام علموا الناس أصولها وفتحوا لهم أبوابها ، وقد ورد أن إدريس عليه السلام علَّم الناس الخياطة ، وعلمهم نوح عليه السلام النجارة وصناعة السفن ، وداود وسليمان صناعة الدروع . . الخ .
فالمقصود بالعلم هنا يشمل علوم الدين والطبيعة ، وأن نسبة ما يكون في أيدي الناس من العلوم إلى ما يعلمهم إياه عليه السلام نسبة اثنين إلى خمس وعشرين ! ولنا أن نتصور الحياة إذا تطورعلم الطب والفضاء مثلاً ، خمساً وعشرين ضعفاً ؟ !
وفي كمال الدين : 2 / 674 ، عن الصادق عليه السلام قال : « إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى له كل منخفض من الأرض وخفض له كل مرتفع ، حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته . فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها » .
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب . وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق » .
وروي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال : « كأني بأصحاب القائم وقد أحاطوا بما بين الخافقين ، ليس شئ إلا وهو مطيع لهم ، حتى سباع الأرض وسباع الطير تطلب رضاهم ، وكل شئ . حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول : مرَّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم » . « كمال الدين : 2 / 673 » .
--------------------------- 615 ---------------------------
وعنه عليه السلام : « إن قائمنا إذا قام مد الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبينه بريد يكلمهم فيسمعونه وينظرون إليه وهو في مكانه » . « الكافي : 8 / 241 » .
وتقدم من دلائل الإمامة / 249 ، في فصل أصحاب الإمام عليه السلام : « إذا قام قائمنا بعث في أقاليم الأرض . . . فيقول : عهدك في كفك واعمل بما ترى » .
وقد يكون ذلك على نحو الإعجاز والكرامة لهم ، أو يكون بوسائل متطورة . وورد أن للمهدي علوماً مذخورة تحت بلاطة في أهرام مصر ، لا يصل إليها أحد قبله . « كمال الدين / 565 » .
يلهم الله الإمام المهدي عليه السلام العلوم
في كمال الدين : 2 / 653 : « عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن العلم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله لينبت في قلب مهدينا كما ينبت الزرع على أحسن نباته . فمن بقي منكم حتى يراه فليقل حين يراه : السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ، ومعدن العلم ، وموضع الرسالة » .
وفي غيبة الطوسي / 282 : « عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام : من أدرك منكم قائمنا فليقل حين يراه : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ، ومعدن العلم ، وموضع الرسالة » .
في عصر الإمام عليه السلام يتغير نوع الطاقة والإضاءة
تدل أحاديث على تغير نوع النور والطاقة ومصدرهما ، ولا يبعد أن يكون ذلك بطرق علمية جديدة . ففي تفسير القمي : 2 / 253 : « عن المفضل أنه سمع الإمام الصادق عليه السلام يقول في قوله تعالى : وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبِّهَا : رب الأرض يعني إمام الأرض ، فقلت : فإذا خرج يكون ماذا ؟ قال : إذاً يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ، ويجتزئون بنور الإمام » !
وفي دلائل الإمامة / 241 و 260 : « عن المفضل بن عمر الجعفي قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها ، واستغنى العباد عن ضوء الشمس ، وصار الليل والنهار واحداً ، وذهبت الظلمة ، وعاش الرجل في زمانه ألف سنة يولد في كل سنة غلام لا يولد له جارية ، يكسوه الثوب فيطول عليه كلما طال ، ويتلون عليه أي لون شاء » .
أقول : إن صح هذا الحديث فمعناه أن الله تعالى يُعلم الإمام عليه السلام أساليب جديدة للإضاءة
--------------------------- 616 ---------------------------
والطاقة ، أو يُفَعِّل خصوصية في شخصيته عليه السلام توجب إضاءة الأرض . وأن معدل العمر يرتفع ويتحكم الوالدان في جنس المولود ، وأن من يفضل الصبي على البنت يولد له ألف ذكر .
ويتصل أهل الأرض بأهل الكواكب الأخرى
في البصائر / 429 : « عن الإمام الباقر عليه السلام قال : إن ذا القرنين قد خُيِّر بين السحابين فاختار الذلول ، وذُخر لصاحبكم الصعب . قال قلت : وما الصعب ؟ قال : ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق ، فصاحبكم يركبه . أمَا إنه سيركب السحاب ويرقى في الأسباب ، أسباب السماوات السبع والأرضين السبع ، خمسٌ عوامر ، واثنان خرابان » .
وفي البصائر / 409 : « عن الإمام الصادق عليه السلام قال : إن الله خيَّر ذا القرنين السحابين الذلول والصعب ، فاختار الذلول ، وهو ما ليس فيه برق ولا رعد ، ولو اختار الصعب لم يكن له ذلك ، لأن الله ادخره للقائم » .
أقول : يشير قوله عليه السلام بأن خمساً من الأرضين معمورة ، إلى أنه يتم الاتصال بمجتمعاتها ! بل تدل الآية القرآنية : يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرض فَانْفُذُوا لاتَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ ، على أن الإنسان باستطاعته أن ينفذ من أقطار السماوات والأرض المنظورة إلى خارجها من آفاق الكون الأخرى ! وهذا يعني أن الحياة على الأرض تدخل مرحلة جديدة أوجها الانفتاح على عالم الآخرة والجنة ، الذي يتحرك عالم الشهادة بزمانه ومكانه وأشيائه نحوه ليلتقي به .
وتقدم في فصل أصحاب المهدي عليه السلام عن الإمام الباقر عليه السلام : « إن ذا القرنين كان عبداً صالحاً ، ناصح الله سبحانه فناصحه ، وسخر له السحاب وطويت له الأرض ، وبسط له في النور فكان يبصر بالليل كما يبصر بالنهار ، وإن أئمة الحق كلهم قد سخر الله تعالى لهم السحاب ، وكان يحملهم إلى المشرق والمغرب لمصالح المسلمين ، ولإصلاح ذات البين ، وعلى هذا حال المهدي عليه السلام » . « الخرائج : 2 / 930 » .
وبهذا يمكنك أن تفهم « الرجعة » وعودة عدد من الأنبياء والأئمة عليهم السلام ونزولهم إلى الأرض ، زائرين ، أو ليحكموا بعد المهدي عليه السلام . وهذه نماذج من أحاديثها : عن الإمام زين العابدين عليه السلام في قوله تعالى : إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ؟
--------------------------- 617 ---------------------------
قال : « يرجع إليكم نبيكم صلى الله عليه وآله » . « البحار : 53 / 56 » .
وعن الصادق عليه السلام أنه « سئل عن قوله تعالى : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ؟ فقال : ما يقول الناس فيها ؟ قلت يقولون إنها في القيامة . فقال : يحشر الله في القيامة من كل أمة فوجاً ويترك الباقين ؟ ! إنما ذلك في الرجعة ، فأما آية القيامة فهذه : وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً . إلى قوله : موعداً » . « البحار : 53 / 40 » .
وعن أبي بصير قال : « قال لي أبو جعفر عليه السلام : ينكر أهل العراق الرجعة ؟ قلت : نعم . قال : أما يقرؤون القرآن » . « البصائر / 25 » . وعن زرارة قال : « سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الأمور العظام من الرجعة وأشباهها فقال : إن هذا الذي تسألون عنه لم يجئ أوانه : بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ » . « البحار : 53 / 40 » .
وفي رواية : « إن الرجعة ليست بعامة وهي خاصة ، لا يرجع إلا من مُحض الإيمان محضاً ، أو مُحض الشرك محضاً » . « البحار : 53 / 36 » وستأتي بقية أحاديثها .
رجعة بعض المؤمنين إلى الدنيا
العياشي : 2 / 112 : « عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن قول الله : إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ؟ قال : يعني في الميثاق . قال : ثم قرأت عليه : التَّائِبُونَ العَابِدُون ، فقال أبو جعفر : لا ، ولكن اقرأها : التائبين العابدين . وقال : إذا رأيت هؤلاء فعند ذلك هؤلاء اشترى منهم أنفسهم وأموالهم يعني في الرجعة » .
ورواه العياشي : 2 / 113 ، وفيه : « ما من مؤمن إلا وله ميتة ، من مات بعث حتى يقتل ومن قتل بعث حتى يموت » .
وروي العياشي : 2 / 112 : « عن زرارة قال : كرهت أن أسأل أبا جعفر عليه السلام في الرجعة ، فاحتلت مسألة لطيفة أبلغ فيها حاجتي فقلت : جعلت فداك أخبرني عمن قتل مات ؟ قال : الموت موت والقتل قتل ، قال : فقلت له : ما أحد يقتل إلا مات ! قال : فقال : يا زرارة قول الله أصدق من قولك ، قد فرق بينهما في القرآن ، قال : أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ . وقال : وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ
--------------------------- 618 ---------------------------
لإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ . ليس كما قلت يا زرارة ، الموت موت والقتل قتل ، وقد قال الله : إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ . . الآية . قال : فقلت له : إن الله يقول : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ، أفرأيت من قتل لم يذق الموت ؟ قال : فقال : ليس من قتل بالسيف كمن مات على فراشه ، إن من قتل لا بد من أن يرجع إلى الدنيا حتى يذوق الموت » .
رجعة بعض الشهداء إلى الدنيا
مختصر البصائر / 17 : « عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : ليس من مؤمن إلا وله قتلة وموتة ، إنه من قتل نشرحتى يموت ، ومن مات نشرحتى يقتل ، ثم تلوت على أبي جعفر عليه السلام هذه الآية : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ . فقال : ومنشورة . قلت : قولك ومنشورة ما هو ؟ فقال : هكذا أنزل بها جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله كل نفس ذائقة الموت ، ومنشورة ، ثم قال : ما في هذه الأمة أحد برٌّ ولا فاجرٌ إلا وينشر ، أما المؤمنون فينشرون إلى قرة أعينهم ، وأما الفجار فينشرون إلى خزي الله إياهم . ألم تسمع أن الله تعالى يقول : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ ، وقوله : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ، يعني بذلك محمداً صلى الله عليه وآله ، قيامه في الرجعة ينذر فيها . وقوله : إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً لِلْبَشَر ، يعني محمداً صلى الله عليه وآله نذيراً للبشر في الرجعة . وقوله : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، قال : يظهره الله عز وجل في الرجعة . وقوله : حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ ، هو علي بن أبي طالب صلوات الله عليه إذا رجع في الرجعة .
قال جابر : قال أبو جعفر عليه السلام : قال أمير المؤمنين عليه السلام في قوله عز وجل : رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ، قال : هو أنا إذا خرجت أنا وشيعتي وخرج عثمان بن عفان وشيعته ونقتل بني أمية ، فعندها يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين » .
وفي مختصر البصائر / 19 : « عن صفوان بن يحيى عن الرضا عليه السلام قال : سمعته يقول في الرجعة : من مات من المؤمنين قتل ، ومن قتل منهم مات » .
أقول : هذا من غرائب الأحاديث التي تقول بأن المؤمن لا بد أن يكون شهيداً في سبيل الله تعالى ، فإن لم يقتل في حياته الأولى يُرَدُّ في الرجعة حتى يستشهد !
--------------------------- 619 ---------------------------
ويؤيد ذلك قوله تعالى : وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ . سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ . وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ « محمد : 4 - 6 » لأن من قتل فهو شهيد مهتدٍ ، فوعده تعالى بأنه سوف يهديهم ويصلح بالهم قبل الجنة ، لا تفسير له إلا بالرجعة .
تطور الحياة في عصره عليه السلام ورؤية المؤمنين للملائكة
في دلائل الإمامة / 241 : « عن محمد بن فضيل ، عن الإمام الرضا عليه السلام قال : إذا قام القائم يأمر الله الملائكة بالسلام على المؤمنين ، والجلوس معهم في مجالسهم ، فإذا أراد واحد حاجة أرسل القائم من بعض الملائكة أن يحمله ، فيحمله الملك حتى يأتي القائم ، فيقضي حاجته ثم يرده ، ومن المؤمنين من يسير في السحاب ، ومنهم من يطير مع الملائكة ، ومنهم من يمشي مع الملائكة مشياً ، ومنهم من يسبق الملائكة ، ومنهم من يتحاكم الملائكة إليه ، والمؤمن أكرم على الله من الملائكة ، ومنهم من يصيره القائم قاضياً بين مائة ألف من الملائكة » !
المؤمن في عصر الإمام عليه السلام يُحيي الموتى بإذن الله
في دلائل الإمامة / 246 : « عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا قام القائم استنزل المؤمن الطير من الهواء فيذبحه فيشويه ويأكل لحمه ولا يكسرعظمه ثم يقول له إحْيَ بإذن الله ، فيحيا ويطير ! وكذلك الظباء من الصحارى .
ويكون عليه السلام ضوءَ البلاد ونورها ولا يحتاجون إلى شمس ولا قمر ، ولا يكون على وجه الأرض مؤذ ولا شر ولا سم ولا فساد أصلاً ، لأن الدعوة سماوية ليست بأرضية ، ولا يكون للشيطان فيها وسوسة ولا عمل ولا حسد ولا شئ من الفساد ، ولا تشوك الأرض والشجر ، وتبقى الأرض قائمة كلما أخذ منها شئ نبت من وقته وعاد كحاله . وإن الرجل ليكسو ابنه الثوب فيطول معه كلما طال ويتلون عليه أي لون أحب وشاء . ولو أن الرجل الكافر دخل جحر ضب ، أو توارى خلف مدرة أو حجر أو شجر ، لأنطق الله ذلك الشئ الذي يتوارى فيه حتى يقول : يا مؤمن خلفي كافر فخذه ، فيؤخذ ويقتل . ولا يكون لإبليس هيكل يسكن فيه والهيكل البدن ، ويصافح المؤمنون الملائكة ، ويوحى إليهم ، ويحيون الموتى بإذن الله » .
--------------------------- 620 ---------------------------
المرحلة الأولى قبل الرخاء في عصره عليه السلام
تدل أحاديث الإمام المهدي عليه السلام على أنه تمرُّ مدة من أول ظهوره عليه السلام يكون فيها ضائقة اقتصادية ، قبل أن يظهر الله له كنوز الأرض ويوزعها على الناس ، وقد تمتد الفترة الأولى ثمانية أشهر وهي مدة حروبه حتى يسيطرعلى بلاد العرب والمسلمين . حيث ورد أنه عليه السلام يموِّل حروبه بشكل طبيعي . ففي تفسير العياشي : 2 / 87 : « عن معاذ بن كثير صاحب الأكسية ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام قال : مُوَسَّعٌ على شيعتنا أن ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف ، فإذا قام قائمنا حرم على كل ذي كنز كنزه ، حتى يأتيه به فيستعين به على عدوه ، وهو قول الله عز وجل : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم » . وروى مثله الكافي : 4 / 61 .
ورووا أن عمر بن الخطاب أراد أن يأخذ خزائن الكعبة فنهاه علي عليه السلام وقال له إن صاحبها هو المهدي الذي يستخرجها وينفقها في سبيل الله . ففي ابن حماد / 100 ، بسنده عن طاووس قال : « ودَّعَ عمر بن الخطاب البيت ، ثم قال : والله ما أراني أدع خزائن البيت وما فيه من السلاح والمال ، أم أقسمه في سبيل الله ؟ فقال له علي بن أبي طالب : إمض يا أمير المؤمنين فلست بصاحبه ، إنما صاحبه منا شاب من قريش يقسمه في سبيل الله في آخر الزمان » .
وفي أخبار مكة للأزرقي : 1 / 246 : « عن الحسين بن علي : أن عمر قال لعلي بن أبي طالب : لقد هممت أن أقسم هذا المال يعني مال الكعبة ، فقال له علي : إن استطعت ذلك ! فقال عمر : ومالي لا أستطيع ذلك أوَلا تعينني على ذلك ؟ فقال علي : إن استطعت ذلك ! فردها عمر ثلاثاً ، فقال علي : ليس ذلك إليك . فقال عمر : صدقت . » .
كما ورد أن الإمام المهدي عليه السلام يعاقب الممتنعين عن دفع الزكاة ، ففي المحاسن / 88 : « قال أبو عبد الله عليه السلام : ما ضاع مال في بر ولا بحر إلا من منع الزكاة . وقال : إذا قام القائم أخذ مانع الزكاة فضرب عنقه » .
يجمع كنوز الأرض ويخطب في الناس
« وتجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها فيقول للناس : تعالوا إلى ما قطعتم فيه
--------------------------- 621 ---------------------------
الأرحام ، وسفكتم فيه الدماء الحرام ، وركبتم فيه ما حرم الله عز وجل ، فيعطي شيئاً لم يعطه أحد كان قبله ، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً ، كما ملئت ظلماً وجوراً وشراً » . « غيبة النعماني / 237 » .
وفي صحيح مسلم : 2 / 701 : « عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تقئ الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة ، فيجئ القاتل فيقول : في هذا قتلت ، ويجئ القاطع فيقول : في هذا قطعت رحمي ! ويجئ السارق فيقول : في هذا قطعت يدي ! ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً » .
ورواه الترمذي : 4 / 493 ، وحسنه ، والحميدي : 3 / 298 ، وقال ابن الأثير في النهاية : وفي حديث ابن مسعود : يوشك أن ترمي الأرض بأفلاذ كبدها مثل الأواس : هي السواري والأساطين ، أي تخرج الأرض ما فيها من الذهب والفضة ، مثل الأعمدة .
وفي ابن أبي شيبة : 15 / 86 : « عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : فبينا الناس كذلك إذ قذفت الأرض بأفلاذ كبدها من الذهب والفضة ، لا ينفع بعد شئ منه ، ذهب ولا فضة » .
وروى مثله الحاكم : 4 / 555 ، وصححه بشرط الشيخين ، وجمع الجوامع : 2 / 534 والدر المنثور : 6 / 59 ، الخ .
ورواه من مصادرنا : مختصر البصائر / 201 : « من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام يصف المسلمين في ذلك العصر : وتُخرج له الأرض كنوزها ، ويقول القائم : كلوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية ، فالمسلمون يومئذ أهل صواب للدين ، أذن لهم في الكلام فيومئذ تأويل هذه الآية : وَجَاءَ رَبُّكَ وَالملكُ صَفّاً » .
وفي كمال الدين : 2 / 368 : « عن محمد بن زياد الأزدي قال : سألت سيدي موسى بن جعفر عن قول الله عز وجل : وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ؟ فقال عليه السلام : النعمة الظاهرة الإمام الظاهر ، والباطنة الإمام الغائب ، فقلت له : ويكون في الأئمة من يغيب ؟ قال : نعم يغيب عن أبصار الناس شخصه ، ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره ، وهو الثاني عشر منا ، يسهل الله له كل عسير ، ويذلل له كل صعب ، ويظهر له كنوز الأرض ، ويقرب له كل بعيد ، ويبير به كل جبار عنيد ، ويهلك على يده كل شيطان مريد . ذلك ابن سيدة الإماء ، الذي تخفى على الناس ولادته ، ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله عز وجل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً »
--------------------------- 622 ---------------------------
مختصر إثبات الرجعة / 216 : « عن محمد بن حمران قال : قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام : إن القائم منا منصور بالرعب ، مؤيد بالنصر ، تطوى له الأرض ، وتظهر له الكنوز كلها ، ويظهر الله تعالى به دينه على الدين كله ولو كره المشركون ، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب ، ولا يبقى في الأرض خراب إلا عَمِر . . الخ . » .
يحيي الله به الأرض بعد موتها
في النعماني / 32 : « عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى : إعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ : أي يحييها الله بعدل القائم عند ظهوره ، بعد موتها بجور أئمة الضلال » .
في سنة ظهوره عليه السلام تمطر السماء 24 مطرة
غيبة الطوسي / 443 : « عن إسماعيل الأسدي قال : حدثني سعيد بن جبير قال : السنة التي يقوم فيها المهدي تمطر أربعاً وعشرين مطرة ، يرى أثرها وبركتها » .
« ثم يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتصل فتحيى بها الأرض من بعد موتها وتعرف بركاتها ، وتزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي ، فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة ، فيتوجهون نحوه لنصرته » . « الإرشاد : 2 / 369 » .
وفي الإرشاد / 381 : « عن عبد الكريم الخثعمي ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : إذا آن قيام القائم مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب ، مطراً لم تر الخلائق مثله فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم ، وكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ، ينفضون شعورهم من التراب » .
يحثو المال للناس حثياً بدون عدٍّ !
روى ابن حماد / 98 : « عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي المال بغير عدد » . وفي / 100 : « عن جابر بن عبد الله عن النبي : صلى الله عليه وآله يكون في أمتي خليفة ،
--------------------------- 623 ---------------------------
يحثي المال حثياًً ، لا يعده عداً » . ورواه ابن أبي شيبة : 15 / 196 ، وأحمد : 3 / 5 و 38 ، و 48 ، و 60 ، ومسلم : 4 / 2234 ، و 2235 ، و 470 ، وابن حبان : 8 / 240 ، والحاكم : 4 / 454 ، وصححه على شرط مسلم . . إلى آخر المصادر .
وفي مسند أحمد : 3 / 96 ، عن أبي سعيد الخدري : « أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ليبعثن الله عز وجل في هذه الأمة خليفة يحثي المال حثياًً ولا يعده عداً » .
ورواه أحمد في : 3 / 98 : « عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري بنحوه ، وقال فيه : إن من أمرائكم أميراً يحثي المال حثياًً ولا يعده عداً ، يأتيه الرجل فيسأله فيقول خذ ، فيبسط الرجل ثوبه فيحثي فيه ، وبسط رسول الله صلى الله عليه وآله ملحفة غليظة كانت عليه ، يحكي صنيع الرجل ، ثم جمع إليه أكنافها ، قال : فيأخذه ثم ينطلق » .
وفي البيان للشافعي / 515 : « عن عبد الرحمن بن عوف ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ليبعثن الله تعالى من عترتي رجلاً ، أفرق الثنايا ، أجلى الجبهة ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويفيض المال فيضاً » . وعقد الدرر / 16 ، والمنار المنيف / 146 ، وإثبات الهداة : 3 / 593 .
« يكون على الناس إمام لايعدُّ لهم الدراهم ، ولكن يحثو » . « عبد الرزاق : 11 / 372 » .
وفي أمالي الطوسي : 2 / 126 : « عن خمر بن نوف أبي الوداك قال : قلت لأبي سعيد الخدري : والله ما يأتي علينا عام إلا وهو شر من الماضي ، ولا أمير إلا وهو شر ممن كان قبله ، فقال أبو سعيد : لولا ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لقلت ما يقول ، ولكن سمعت رسول الله يقول : لا يزال بكم الأمر حتى يولد في الفتنة والجور من لا يعرف غيرها ، حتى تملأ الأرض جوراً ، فلا يقدر أحد يقول الله ، ثم يبعث الله عز وجل رجلاً مني ومن عترتي ، فيملأ الأرض عدلاً كما ملأها من كان قبله جوراً ، وتخرج له الأرض أفلاذ كبدها ، ويحثو المال حثواً ولا يعده عداً ، وذلك حين يضرب الإسلام بجرانه » .
يشمل الغنى كل الناس فلا يقبل أحد صدقة
في الإرشاد / 363 : « عن الإمام الصادق عليه السلام : وتُظهر الأرض من كنوزها حتى يراها الناس على وجهها ، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته ، فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك ، واستغنى الناس بما رزقهم الله من فضله » .
--------------------------- 624 ---------------------------
وفي النعماني / 150 : « عن الكاهلي ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : تواصلوا وتباروا وتراحموا ، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليأتين عليكم وقت لا يجد أحدكم لديناره ودرهمه موضعاً ! فقلت : وأنى يكون ذلك ؟ فقال : عند فقدكم إمامكم ، فلا تزالون كذلك حتى يطلع عليكم كما تطلع الشمس آيسَ ما تكونون . فإياكم والشك والارتياب ، وانفوا عن أنفسكم الشكوك ، وقد حذرتكم فاحذروا . أسأل الله توفيقكم وإرشادكم » .
ابن أبي شيبة : 3 / 111 : « عن حارثة بن وهب الخزاعي : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تصدقوا فإنه يوشك أن يخرج الرجل بصدقته ، فلا يجد من يقبلها » .
ونحوه صحيح بخاري : 2 / 135 ، وبرواية أخرى فيها : « لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته ، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه : لا إرب لي . وبرواية ثالثة فيها : ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب ، ثم لا يجد أحداً يأخذها منه . ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلُذْنَ به ، من قلة الرجال وكثرة النساء » .
أقول : هذه الأحاديث عن استغناء الناس وعدم قبول أحد الصدقة ، من مختصات عصر المهدي عليه السلام كما دلت الأحاديث ، وكما دل الواقع إلى يومنا . لكن رواية البخاري عن قلة النساء لا تصح عندنا ، فهي من إضافة الراوي .
ينعم الناس في زمانه حتى يتمنى الأحياء الأموات
عبد الرزاق : 11 / 371 : « عن أبي سعيد الخدري قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم ، فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ، لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلى صبته مدراراً ، ولا تدع الأرض من مائها شيئاً إلا أخرجته ، حتى تتمنى الأحياء الأموات » .
وفي ابن حماد : 1 / 360 : « عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله قال : تنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قط ، ترسل السماء عليهم مدراراً ، ولا تدع الأرض شيئاً من
--------------------------- 625 ---------------------------
النبات إلا أخرجته ، والمال كدوس يقوم الرجل فيقول : يا مهدي أعطني فيقول خذ » .
وفي مسند أحمد : 3 / 21 : « عن أبي سعيد الخدري قال : خشينا أن يكون بعد نبينا حدث فسألنا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يخرج المهدي في أمتي خمساً أو سبعاً أو تسعاً ، زيد الشاك ، قال قلت : أي شئ ؟ قال سنين ، ثم قال : يرسل السماء عليهم مدراراً ، ولا تدخر الأرض من نباتها شيئاً ويكون المال كدوساً ، قال : يجئ الرجل إليه فيقول : يا مهدي أعطني أعطني ، قال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمل » .
وفي ينابيع المودة / 467 : « وقال بعضهم من أهل الله أصحاب الكشف والشهود وعلماء الحروف : إنني ناقل عن الإمام علي كرم الله وجهه : سيأتي الله بقوم يحبهم الله ويحبونه ويملك من هو بينهم غريب ، فهو المهدي أحمر الوجه ، بشعره صهوبة ، يملأ الأرض عدلاً بلا صعوبة ، يعتزل في صغره عن أمه وأبيه ، ويكون عزيزاً في مرباه ، فيملك بلاد المسلمين بأمان ويصفو له الزمان ، ويسمع كلامه ويطيعه الشيوخ والفتيان ، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، فعند ذلك كملت إمامته وتقررت خلافته ، والله يبعث من في القبور ، وتعمر الأرض وتصفو وتزهو بمهديها وتجري به أنهارها وتعدم الفتن والغارات ، ويكثر الخير والبركات » .
أقول : لا يحتاج ذلك إلى مكاشفات الصوفية ، فقد روى مضمونه كل المسلمين .
يوزع الإمام عليه السلام الأراضي من جديد
في تهذيب الأحكام : 4 / 145 : « عن عمر بن يزيد قال : سمعت رجلاً من أهل الجبل يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أخذ أرضاً مواتاً تركها أهلها ، فعمرها وأكرى أنهارها ، وبني فيها بيوتاً وغرس فيها نخلاً وشجراً ؟
قال : فقال أبو عبد الله عليه السلام : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : من أحيا أرضاً من المؤمنين فهي له ، وعليه طسقها « أجرتها » يؤديه إلى الإمام في حال الهدنة ، فإذا ظهر القائم عليه السلام فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه » .
وفي الكافي : 5 / 283 ، عن سنان قال : « قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن لي أرض خراج ، وقد ضقت بها ذرعاً قال : فسكت هنيهة ثم قال : إن قائمنا لو قد قام كان نصيبك في الأرض أكثر منها ،
--------------------------- 626 ---------------------------
ولو قد قام قائمنا كان الأستان أمثل من قطائعهم » .
والمعنى أن ماتشكو منه من قلة ريع الأرض سيرتفع في زمن المهدي عليه السلام ، فيكون ضمانك للقطعة الصغيرة « الأستان » أنفع وأحسن من ضمان المساحات الكبيرة اليوم .
وفي قرب الإسناد / 39 : « عن الإمام الصادق عليه السلام قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بالنزول على أهل الذمة ثلاثة أيام ، وقال : إذا قام قائمنا اضمحلت القطائع فلا قطائع » . والقطائع : الأرض الزراعية ، أو غيرها مما يقطعها الحكام لبعض الناس .
وفي الكافي : 1 / 408 : « عن عمر بن يزيد ، قال : رأيت مسمعاً بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد الله عليه السلام تلك السنة مالاً فرده أبو عبد الله عليه السلام ، فقلت له : لم رد عليك أبو عبد الله المال الذي حملته إليه ؟ قال : فقال لي : إني قلت له حين حملت إليه المال : إني كنت وليت البحرين الغوص فأصبت أربع مائة ألف درهم ، وقد جئتك بخمسها بثمانين ألف درهم ، وكرهت أن أحبسها عنك ، وأن أعرض لها وهي حقك الذي جعله الله تبارك وتعالى في أموالنا . فقال : أوَمالنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس يا أبا سيار ؟ إن الأرض كلها لنا ، فما أخرج الله منها من شئ فهو لنا .
فقلت له : وأنا أحمل إليك المال كله ؟ فقال : يا أبا سيار قد طيبناه لك وأحللناك منه فضم إليك مالك ، وكلُّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا ، فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم ، ويترك الأرض في أيديهم .
وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا ، فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم صَغَرَة . ثم قال : قال عمر بن يزيد : فقال لي أبو سيار : ما أرى أحداً من أصحاب الضياع ولا ممن يلي الأعمال يأكل حلالاً غيري ، إلا من طيبوا له ذلك » .
والمقصود بشيعتهم في زمان المهدي عليه السلام المسلمون الذين يهتدون به . وبأعداء المهدي عليه السلام الكفار والمنافقين .
وفي الكافي : 1 / 407 : « عن أبي خالد الكابلي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : وجدنا في كتاب علي عليه السلام : إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، وأنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ، ونحن المتقون والأرض كلها لنا ، فمن أحيا أرضاً من المسلمين فعمرها
--------------------------- 627 ---------------------------
فليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منه . فإن تركها وأخربها بعد ما عمرها فأخذها رجل من المسلمين بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها ، فليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منه حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف فيحوزها ويمنعها ويخرجهم عنها ، كما حواها رسول الله صلى الله عليه وآله ومنعها إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنه يقاطعهم ويترك الأرض في أيديهم » . .
وفي تفسير العياشي : 2 / 25 : « عن عمار الساباطي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، قال فما كان لله فهو لرسوله ، وما كان لرسول الله فهو للإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله » .
يسع عدله والرخاء في عصره البَرَّ والفاجر
في المحاسن / 61 : « عن بشر الأسدي قال : حدثني الحسين بن علي قال لي : يا بشر بن غالب من أحبنا لا يحبنا إلا لله ، جئنا نحن وهو كهاتين ، وقدر بين سبابتيه ومن أحبنا لا يحبنا إلا للدنيا فإنه إذا قام قائم العدل وسع عدله البر والفاجر » .
ابن حماد : 1 / 355 : « عن جعفر بن سيار الشامي قال : يبلغ من رد المهدي المظالم حتى لو كان تحت ضرس إنسان شئ انتزعه حتى يرده » .
رحيم بالمساكين شديد على المسؤولين
في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان : 2 / 160 : « عن علي عليه السلام قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : المهدي من أهل بيتي جواد بالمال رحيم بالمساكين » .
وفي فتن ابن حماد : 1 / 355 : « عن طاووس قال : علامة المهدي : أن يكون شديداً على العمال ، جواداً بالمال ، رحيماً بالمساكين . . المهدي كأنما يلعق المساكين الزبد » .
وفي الفتن : 1 / 356 : « عن طاووس قال : إذا كان المهدي زيد المحسن في إحسانه ، وتيب على المسئ في إساءته ، وهو يبذل المال ويشد على العمال ، ويرحم المساكين » .
--------------------------- 628 ---------------------------
الضمان الاجتماعي والاقتصادي وتعميم الثقافة
النعماني / 238 : « عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : كأنني بدينكم هذا لا يزال مولياً يفحص بدمه ، ثم لا يرده عليكم إلا رجل منا أهل البيت ، فيعطيكم في السنة عطاءين ويرزقكم في الشهر رزقين ، وتؤتون الحكمة في زمانه ، حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله » .
شعبية الإمام القوية وحب الأمة له عليه السلام
روى ابن حماد في الفتن : 1 / 356 : « قادة المهدي خير الناس ، أهل نصرته وبيعته ، من أهل كوفان واليمن وأبدال الشام . مقدمته جبريل وساقته ميكائيل ، محبوب في الخلائق ، يطفئ الله تعالى به الفتنة العمياء ، وتأمن الأرض ، حتى إن المرأة لتحج في خمس نسوة ما معهن رجل . لا يتقي شيئاً إلا الله تعطي الأرض زكاتها والسماء بركتها » .
وروى في : 1 / 358 : « عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله : تأوي إليه أمته كما تأوي النحلة إلى يعسوبها ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، حتى يكون الناس على مثل أمرهم الأول ، لايوقظ نايماً ولا يهرق دماً » .
عمران بلاد العرب وما بين مكة والمدينة
أوردنا في فصل بلاد العرب في عصر الظهور الأحاديث التي تنص على أن أرض العرب الصحراوية القاحلة تعود في عصره عليه السلام مروجاً وأنهاراً !
وفي تفسير القمي : 2 / 346 : « عن يونس بن ظبيان عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى : مُدْهَامَّتَان ، قال : يتصل ما بين مكة والمدينة نخلاً » .
مسجد الجمعة العالمي بين الكوفة وكربلاء
في الإرشاد / 362 و 363 : « عن المفضل بن عمر : إذا قام قائم آل محمد عليه السلام بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب ، واتصلت بيوت أهل الكوفة بنهري كربلاء . . ويُعَمَّر الرجل في ملكه
--------------------------- 629 ---------------------------
حتى يولد له ألف ولد ذكر لا يولد فيهم أنثى ، وتظهر الأرض من كنوزها حتى يراها الناس على وجهها ، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك ، واستغنى الناس بما رزقهم الله من فضله » .
قد يدل هذا الحديث على تحكم الطب في عصره بنوع المولود ، وأن بعضهم يريد الذكور فقط ، وبعضهم يريد الإناث فقط . ونحوه غيبة الطوسي / 280 ، وفيه : « ويبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب ، وتتصل بيوت الكوفة بنهري كربلاء وبالحيرة ، حتى يخرج الرجل يوم الجمعة على بغلة سفواء ، يريد الجمعة فلا يدركها » .
أقول : هذا المسجد هو مسجد الجمعة العالمي ، ولا بد أن يكون له مطار ومواقف للسيارات ووسائط النقل المستعملة في عصره . ومكانه ظهر الكوفة ، ولا بد أن يمتد نحو كربلاء ، أو في صحراء النجف باتجاه الحجاز . والسفواء : الخفيفة السريعة ، أي يركب وسيلة سريعة فلا يدرك صلاة الجمعة ، لأنه لا يجد محلاً فارغاً لوسيلته أو لصلاته .
ارتقاء الوضع الصحي والروحي
في حلية الأولياء : 3 / 184 : « عن جابر ، عن أبي جعفر قال : إن الله تعالى يلقي في قلوب شيعتنا الرعب ، فإذا قام قائمنا وظهر مهدينا كان الرجل أجرأ من ليث ، وأمضى من سنان » . وينابيع المودة / 448 ، و 489 ، والاختصاص / 26 ، وفيه : « فإذا وقع أمرنا وخرج مهدينا كان أحدهم أجرأ من الليث وأمضى من السنان » .
وفي النعماني / 317 : « عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن علي بن الحسين عليهم السلام ، أنه قال : إذا قام القائم أذهب الله عن كل مؤمن العاهة ، ورد إليه قوته » .
وفي الخصال : 2 / 541 : « عن علي بن الحسين عليه السلام قال : إذا قام قائمنا أذهب الله عز وجل عن شيعتنا العاهة وجعل قلوبهم كزبر الحديد ، وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلاً ، ويكونون حكام الأرض وسنامها » .
وفي الإختصاص / 8 : « قال أبو عبد الله عليه السلام : يكون شيعتنا في دولة القائم سنام الأرض وحكامها ، يعطى كل رجل منهم قوة أربعين رجلاً » .
--------------------------- 630 ---------------------------
وفي البصائر / 24 : « عن سعد ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : حديثنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن أو مدينة حصينة ، فإذا وقع أمرنا وجاء مهدينا كان الرجل من شيعتنا أجرى من ليث ، وأمضى من سنان ، يطأ عدونا برجليه ويضربه بكفيه ، وذلك عند نزول رحمة الله وفرجه على العباد » .
وفي دلائل الإمامة / 320 : « عن يونس بن ظبيان قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فذكر أصحاب القائم فقال : ثلاث مائة وثلاثة عشر ، وكل واحد يرى نفسه في ثلاث مائة » .
يُقَسِّمُ العالم إلى 313 ولاية
في دلائل الإمامة / 249 : « عن أبي جعفر عليه السلام : « إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً يقول : عهدك في كفك ، فإذا ورد عليك أمرلا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك واعمل بما فيها » .
والظاهر أن ذلك على نحو الإعجاز ، وقد يكون في كفه جهاز متطور .
وفي كمال الدين : 2 / 673 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : كأني بأصحاب القائم عليه السلام وقد أحاطوا بما بين الخافقين ، فليس من شئ إلا وهو مطيع لهم حتى سباع الأرض وسباع الطير ، يطلب رضاهم كل شئ ، حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول : مرَّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم عليه السلام » .
وروى الأولى في غيبة النعماني / 319 ، وزاد بعدها : « ويبعث جنداً إلى القسطنطينية ، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء ، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء ، قالوا : هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو ؟ فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة فيدخلونها فيحكمون فيها ما يشاؤون » .
وهذا قد يصح في مدن الروم الأخرى غير القسطنطينية ولا يصح فيها لأنها فتحت وسكانها مسلمون . وقد تكون عنواناً لبلاد الروم .
وفي البصائر / 258 : « عن الإمام الصادق عليه السلام قال : لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني رجل يحكم بحكومة آل داود ، لا يسأل عن بينة ، يعطي كل نفس حكمها » .
وفي الإرشاد / 365 : « إذا قام قائم آل محمد عليه السلام حكم بين الناس بحكم داود عليه السلام لا يحتاج
--------------------------- 631 ---------------------------
إلى بينة ، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه ، ويخبر كل قوم بما استبطنوه ، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم » .
في الكافي : 1 / 509 : « عن الحسن بن ظريف قال : اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب فيهما إلى أبي محمد عليه السلام فكتبت أسأله عن القائم إذا قام بما يقضي وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس ؟ وأردت أن أسأله عن شئ لحمي الربع فأغفلت خبر الحمى ، فجاء الجواب : سألت عن القائم ، فإذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داود عليه السلام لا يسأل البينة . وكنت أردت أن تسأل لحمي الربع فأنسيت فاكتب في ورقة وعلقه على المحموم فإنه يبرأ بإذن الله إن شاء الله : يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، فعلقنا عليه ما ذكر أبو محمد فأفاق » .
أقول : معنى يحكم بحكم داود ، بالقضية التي أراها الله تعالى لداود كنموذج للحكم الواقعي في قصة الشاب الذي سرق عنباً من كرم ، وإلا فجميع الأنبياء عليهم السلام مأمورون بالحكم بين الناس بالظاهر والبينات والأيْمان .
نعم ورد في تفسير حكم آل داود : « كان سليمان لا يسأل الناس بينة » . « البصائر / 259 » .
أما معالجة الحمى بالآية فقد يكون عاماً ، وقد يكون لصاحب الرسالة بأمر الإمام ودعائه عليه السلام .
من حكام الولايات خمسون امرأة
تقدم في فصل أصحابه عليه السلام أن منهم خمسين امرأة : « ويجئ والله ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة ، يجتمعون بمكة على غير ميعاد ، قزعاً كقزع الخريف يتبع بعضهم بعضاً ، وهي الآية التي قال الله : أيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَئ قَدِيرٌ » .
وقد تكون إدارة الولايات بالانتخاب
تدل أحاديث الإمام المهدي عليه السلام على أن القضاء يكون مختصاً بالإمام وأصحابه ، لأنه يحتاج إلى علم رباني بالواقع ، أما بقية أمور العالم فلا يبعد أن تكون إدارتها بمشاركة الناس بآليات كقوانين الانتخابات ، خاصة أن وعي الناس يرتقي ويتكامل في عصره عليه السلام . ففي الكافي : 1 / 25 :
--------------------------- 632 ---------------------------
« عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد ، فجمع بها عقولهم ، وكملت به أحلامهم » .
قد يصل العالم إلى مجتمع اللانقد
في الإختصاص / 24 : « عن بريد العجلي قال : قيل لأبي جعفر الباقر عليه السلام : إن أصحابنا بالكوفة جماعة كثيرة ، فلو أمرتهم لأطاعوك واتبعوك ، فقال : يجئ أحدهم إلى كيس أخيه فيأخذ منه حاجته ؟ فقال : لا ، قال : فهم بدمائهم أبخل . ثم قال : إن الناس في هدنة تُناكحهم وتوارثهم ، وتقيم عليهم الحدود ، وتؤدي أماناتهم ، حتى إذا قام القائم جاءت المزايلة ، ويأتي الرجل إلى كيس أخيه فيأخذ حاجته لا يمنعه » .
مصادقة الإخوان للصدوق / 20 : « عن إسحاق بن عمار قال : كنت عند أبي عبد الله فذكر مواساة الرجل لإخوانه وما يجب لهم عليه ، فدخلني من ذلك أمر عظيم ، عرف ذلك في وجهي فقال : إنما ذلك إذا قام القائم وجب عليهم أن يجهزوا إخوانهم وأن يقووهم » .
وفي تفسير العياشي : 2 / 87 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : المؤمن إن كان عنده من ذلك شئ ينفقه على عياله ما شاء ، ثم إذا قام القائم فيحمل إليه ما عنده ، فما بقي من ذلك يستعين به على أمره ، فقد أدى ما يجب عليه » .
أقول : هذه الأحاديث تصف حالة أصحاب الإمام عليه السلام أول ظهوره . وقد يصل المجتمع في عصره إلى مرحلة الاستغناء عن النقد ، فيعمل كلٌّ في مجاله قربة إلى الله ، ويأخذ حاجته بدون ثمن ! ولعل هذا أصل ما يتناقله الناس عن زمان ومجتمع ، يعمل فيه الناس لله تعالى بدون أجر ، ويأخذون حاجاتهم بالصلوات على النبي وآله صلى الله عليه وآله .
يصحح هندسة المساجد والمشاهد
في غيبة الطوسي / 472 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله إلى أساسه ، ويردُّ البيت إلى موضعه ، ويقيمه على أساسه » .
هذه الرواية ويوجد شبيه بها تدل على تجديد الإمام عليه السلام لبناء الكعبة ومسجد النبي صلى الله عليه وآله . ولا
--------------------------- 633 ---------------------------
بد أن يشمل التجديد المساجد الكبرى في العالم ومشاهد الأئمة عليهم السلام .
, في إثبات الوصية / 215 : « عن ابن هاشم قال : كنت عند أبي محمد عليه السلام قال : إذا قام القائم أمر بهدم المنابر التي في المساجد ، فقلت في نفسي لأي معنى هذا ؟ فقال لي معنى هذا أنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي ولا حجة » .
وفي غيبة الطوسي / 283 : « عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : إذا قام القائم دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة حتى يبلغ أساسها ويُصَيُّرها عريشاً كعريش موسى ، وتكون المساجد كلها جَمَّاء لا شُرَفَ لها ، كما كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويوسع الطريق الأعظم فيصير ستين ذراعاً ، ويهدم كل مسجد على الطريق » .
وهاتان الروايتان ويوجد شبيه بهما إن صحت فيهي تدل على أن هندسة المساجد في عصرالمهدي عليه السلام تكون بسيطة وغير مسقوفة ، هذا في المناطق التي لا يحتاج الأمر فيها إلى سقف بسبب البرد أو الحر .
ينظم الإمام عليه السلام موسم الحج وقوانين السير
في الكافي : 4 / 427 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أول ما يظهر القائم من العدل أن ينادي مناديه أن يسلم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف » .
وهذا معناه أن الإمام عليه السلام يجعل الأولوية لمن لم يحج ، ولا بد أنه يقوم بتوسعة الحرمين والمناسك أيضاً .
وفي التهذيب : 10 / 314 : « عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : إذا قام قائمنا عليه السلام قال : يا معشر الفرسان سيروا في وسط الطريق ، يا معشر الرجال سيروا على جنبي الطريق ، فأيما فارس أخذ على جنبي الطريق فأصاب رجلاً عيب ، ألزمناه الدية ، وأيما رجل أخذ في وسط الطريق فأصابه عيب فلا دية له » .
وهذا رمز يدل على أن قوانين السير تكون في عصره متطورة تراعي حاجات الناس .
--------------------------- 634 ---------------------------
يطبق أحكاماً شرعية بعهد معهود من جده صلى الله عليه وآله
في الهداية / 64 : « عن الإمام الصادق عليه السلام : إن الله عز وجل آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأجساد بألفي عام ، فإذا قام قائمنا أهل البيت ورث الأخ من الذي آخى بينهما في الأظلة ، ولم يورث الأخ من الولادة » .
دلائل الإمامة / 260 : « جرهم بن أبي جهنة قال : سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام يقول : إن الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ، ثم خلق الأبدان بعد ذلك فما تعارف منها في السماء تعارف في الأرض ، وما تناكرمنها في السماء تناكر في الأرض . فإذا قام القائم ورث الأخ في الدين ، ولم يورث الأخ في الولادة ، وذلك قول الله عز وجل في كتابه : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ . . . فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ » .
وفي الخصال : 1 / 169 : « عن الصادق عليه السلام : لو قد قام القائم لحكم بثلاث لم يحكم بها أحد قبله : يقتل الشيخ الزاني ، ويقتل مانع الزكاة ، ويورث الأخ أخاه في الأظلة » .
وفي المحاسن / 87 : « قال أبو عبد الله عليه السلام : دمان في الإسلام حلال ، لا يقضي فيهما أحد بحكم الله حتى يقوم قائمنا ، الزاني المحصن يرجمه ، ومانع الزكاة يضرب عنقه » .
إذا صحت هذه الروايات فقتل مانع الزكاة يكون في المرحلة الأولى قبل غنى الناس ، وقتل الشيخ الزاني لأن دافع الشهوة عنده ضعيف ، فيكون منحرفاً نفسياً .
وفي الكافي : 5 / 132 : « عن أبي عبد الله عليه السلام : قال قلت له : رجل من مواليك يستحل مال بني أمية ودماءهم ، وإنه وقع لهم عنده وديعة ؟ فقال : أدوا الأمانات إلى أهلها وإن كانوا مجوساً ، فإن ذلك لا يكون حتى يقوم قائمنا أهل البيت عليه السلام فيحل ويحرم » .
المقصود بهذا الحديث جواز مصادرة الأموال للإمام عليه السلام لأنه أعرف بما يحل وما يحرم .
يُحَرِّمُ ربح المؤمن على أخيه المؤمن
من لا يحضره الفقيه : 3 / 313 : « عن سالم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخبر الذي روي أن من كان بالرهن أوثق منه بأخيه المؤمن فأنا منه برئ ، فقال : ذلك إذا ظهر الحق وقام قائمنا
--------------------------- 635 ---------------------------
أهل البيت . قلت : فالخبر الذي روي أن ربح المؤمن على المؤمن ربا ، ما هو ؟ قال : ذاك إذا ظهر الحق وقام قائمنا أهل البيت ، وأما اليوم فلا بأس بأن يبيع من الأخ المؤمن ويربح عليه » . وهذا يدل على أنظمة خاصة بالبيع والربح في عصره عليه السلام .
تصطلح في عصره السباع والمؤذيات
روى الحاكم : 4 / 514 : « عن ابن عباس وصححه : وأما المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، وتأمن البهائم والسباع ، وتلقي الأرض أفلاذ كبدها . قال قلت : وما أفلاذ كبدها ؟ قال : أمثال الأسطوانة من الذهب والفضة » .
وفي الإحتجاج : 2 / 290 : « عن زيد بن وهب الجهني قال : لما طعن الحسن بن علي بالمدائن أتيته وهو متوجع فقلت : ما ترى يا ابن رسول الله فإن الناس متحيرون ؟ فقال : أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ، إبتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي . . . قال قلت : تترك يا ابن رسول الله شيعتك كالغنم ليس لها راع ؟ قال : وما أصنع يا أخا جهينة ، إني والله أعلم بأمر قد أدى به إليَّ ثقاته ، إن أمير المؤمنين عليه السلام قال لي ذات يوم وقد رآني فرحاً : يا حسن أتفرح ؟ ! كيف بك إذا رأيت أباك قتيلاً ؟ كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو أمية وأميرها الرحب البلعوم الواسع الإعفجاج ، يأكل ولا يشبع ، يموت وليس له في السماء ناصر ولا في الأرض عاذر ، ثم يستولي على غربها وشرقها ، يدين له العباد ويطول ملكه ، يستن بسنن أهل البدع والضلال ، ويميت الحق وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله ، يقسم المال في أهل ولايته ويمنعه من هو أحق به ، ويذل في ملكه المؤمن ، ويقوى في سلطانه الفاسق ، ويجعل المال بين أنصاره دولاً ، ويتخذ عباد الله خَولاً ، يدرس في سلطانه الحق ويظهر الباطل ، ويقتل من ناواه على الحق ، ويدين من والاه على الباطل !
فكذلك حتى يبعث الله رجلاً في آخر الزمان وكلب من الدهر وجهل من الناس ، يؤيده الله بملائكته ، ويعصم أنصاره وينصره بآياته ، ويظهره على أهل الأرض حتى يدينوا طوعاً وكرهاً ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً وبرهاناً ، يدين له عرض البلاد وطولها ، لا يبقى كافر إلا آمن به ولا صالح إلا صلح ، وتصطلح في ملكه السباع ، وتخرج الأرض
--------------------------- 636 ---------------------------
نباتها ، وتنزل السماء بركتها ، وتظهر له الكنوز ، يملك ما بين الخافقين أربعين عاماً . فطوبى لمن أدرك أيامه وسمع كلامه » .
وقد ورد وصف الحياة الموعودة في المستقبل ، في التوراة الموجودة ، سفر أشعيا - إصحاح 35 - 25 : « الذئب والحمل يرعيان معا والأسد » .
لا يعود الظلم بعده إلى الأرض
تمتد دولة أهل البيت عليهم السلام إلى يوم القيامة ، ولا تُرفع الحجة من الأرض إلا قبل يوم القيامة بأربعين يوماً ، حيث يسود الأشرار الذين تقوم عليهم القيامة .
في الكافي : 1 / 329 : « عن عبد الله بن جعفر الحميري قال : اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو رحمه الله عند أحمد بن إسحاق ، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف ، فقلت له : يا أبا عمرو إني أريد أن أسألك عن شئ وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه ، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً ، فإذا كان ذلك رفعت الحجة وأغلق باب التوبة ، فلم يك يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ، فأولئك أشرار من خلق الله عز وجل وهم الذين تقوم عليهم القيامة . . الخ . » .
فأقره معتمد الإمام عليه السلام . وسيأتي ذكر ذلك في حديث مولد الإمام المهدي عليه السلام .
- *
--------------------------- 637 ---------------------------
الفصل الحادي والثلاثون : ( الإعداد للغيبة ، كيف أعد النبي صلى الله عليه وآله والعترة الأمة لغيبة المهدي عليه السلام ) ؟
--------------------------- 638 ---------------------------
إعداد النبي صلى الله عليه وآله الأمة لتحمل غيبة الإمام عليه السلام !
عندما أوصى النبي صلى الله عليه وآله أمته بالقرآن والعترة قال لهم إن ربه أخبره أنهما مقترنان ومستمران إلى يوم القيامة ولن يفترقا .
ففي مسند أحمد : 3 / 17 ، و 14 ، و 26 و 59 : « إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عز وجل وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي . وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروني بمَ تخلفوني فيهم » .
وهوحديث متواترعند الجميع ، ونصه من مصادرنا : « إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإن اللطيف الخبير قد عهد إليَّ أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض كهاتين وجمع بين مسبحتيه ، ولا أقول كهاتين وجمع بين المسبحة والوسطى ، فتسبق إحداهما الأخرى ، فتمسكوا بهما لا تزلوا ولا تضلوا ، ولا تقدموهم فتضلوا » . « الكافي : 2 / 415 » .
وهنا سؤال : ما دام عدد الأئمة بنص النبي صلى الله عليه وآله إثنا عشر إماماً ! فكيف يستوعب وجودهم مستقبل الأمة ، ولا يفترقون عن القرآن إلى يوم القيامة ؟
والجواب : أن الثاني عشرمنهم عليهم السلام ستكون فيه آية كالخضر عليه السلام ، فيمد الله في عمره ويغيب عن أمته طويلاً ، وعندما يرجع إليهم ينزل المسيح عليه السلام لمساعدته على إقامة دولة العدل الإلهي في العالم ، فينفذ برنامجه الجديد للأرض وأهلها ، وتدخل الحياة على يده طوراً جديداً ، ثم تستمر إمامة العترة إلى قيام الساعة ، بمن يرجع منهم وبمن هو على خطهم عليهم السلام .
وبسبب هذه الخطة الإلهية أخبرالله رسوله صلى الله عليه وآله أن العترة والقرآن لن يفترقا حتى يوم القيامة ، وفي نفس الوقت أعدَّ النبي صلى الله عليه وآله الأمة لتتحمل المرحلة الطويلة فأكَّد أولاً الحجة على أمته . وأخبرها بمأساة عترته واضطهادها . ودعا المؤمنين إلى تحمل اضطهاد الحكومات للعترة وشيعتهم . وأعدَّ المؤمنين لتقبل غيبة الإمام الثاني عشر عليه السلام وأمرهم بالأمل بظهوره مهما طال الزمن . وكذلك تحدث الأئمة عليهم السلام عن غيبة الإمام المهدي عليه السلام .
--------------------------- 639 ---------------------------
أن المهدي عليه السلام مثل ذي القرنين يظهر بعد غيبة
كمال الدين : 2 / 394 : « عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن ذا القرنين كان عبداً صالحاً جعله الله عز وجل حجة على عباده ، فدعا قومه إلى الله وأمرهم بتقواه ، فضربوه على قرنه ، فغاب عنهم زماناً حتى قيل مات أو هلك ، بأي واد سلك ؟ ثم ظهر ورجع إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر .
وفيكم من هو على سنته ! وإن الله عز وجل مكن لذي القرنين في الأرض ، وجعل له من كل شئ سبباً وبلغ المغرب والمشرق ، وإن الله تبارك وتعالى سيجري سنته في القائم من ولدي ، فيبلغه شرق الأرض وغربها ، حتى لا يبقى منهلاً ولا موضعاً من سهل ولا جبل وطأه ذو القرنين إلا وطأه . ويظهر الله عز وجل له كنوز الأرض ومعادنها ، وينصره بالرعب فيملأ الأرض به عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
وفي الخرائج : 2 / 930 : « عن الإمام الباقر عليه السلام : إن ذا القرنين كان عبداً صالحاً ناصح الله سبحانه فناصحه وسخر له السحاب وطويت له الأرض ، وبسط له في النور فكان يبصر بالليل كما يبصر بالنهار .
وإن أئمة الحق كلهم قد سخر الله تعالى لهم السحاب ، وكان يحملهم إلى المشرق والمغرب لمصالح المسلمين ولإصلاح ذات البين وعلى هذا حال المهدي ، ولذلك يسمى صاحب المرأى والمسمع ، فله نور يرى به الأشياء من بعيد كما يرى من قريب ، ويسمع من بعيد كما يسمع من قريب ، وإنه يسيح في الدنيا كلها ، على السحاب مرة ، وعلى الريح أخرى ، وتطوى له الأرض مرة ، فيدفع البلايا عن العباد والبلاد ، شرقاً وغرباً » .
أقول : قرنا الإنسان أعلى جنبي رأسه . وحديث الإمام الباقر عليه السلام يكشف حقيقة مهمة عما سخره الله لذي القرنين رضي الله عنه ، وعن حياة الأئمة عليهم السلام وأنهم كانوا يتحركون في المشرق والمغرب بقدرة الله تعالى لمصالح المسلمين وإصلاح أمورهم . وأن الشكل الكامل الظاهر من ذلك يتحقق للمهدي الموعود عليه السلام
--------------------------- 640 ---------------------------
يغيب عنكم كغيبة موسى عليه السلام عن قومه
كمال الدين / 145 : « عن أمير المؤمنين : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما حضرت يوسف عليه السلام الوفاة جمع شيعته وأهل بيته فحمد الله وأثنى عليه ، ثم حدثهم بِشِرَّةٍ تنالهم يقتل فيها الرجال ، وتشق بطون الحبالى وتذبح الأطفال ، حتى يظهر الله الحق في القائم من ولد لاوي بن يعقوب ، وهو رجل أسمر طوال ونعته لهم بنعته ، فتمسكوا بذلك .
ووقعت الغيبة والشدة على بني إسرائيل وهم منتظرون قيام القائم أربع مائة سنة ، حتى إذا بشروا بولادته ورأوا علامات ظهوره ، اشتدت عليهم البلوى وحمل عليهم بالخشب والحجارة ، وطلب الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر ، وراسلوه فقالوا : كنا مع الشدة نستريح إلى حديثك ، فخرج بهم إلى بعض الصحاري وجلس يحدثهم حديث القائم ونعته وقرَّب الأمر ، وكانت ليلة قمراء ، فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم موسى عليه السلام وكان في ذلك الوقت حديث السن وقد خرج من دار فرعون يظهر النزهة ، فعدل عن موكبه وأقبل إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خز ، فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت ، فقام إليه وانكب على قدميه فقبلهما ثم قال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرانيك ، فلما رأى الشيعة ذلك علموا أنه صاحبهم ، فأكبوا على الأرض شكراً لله عز وجل ، فلم يزدهم على أن قال : أرجو أن يعجل الله فرجكم ، ثم غاب بعد ذلك ، وخرج إلى مدينة مَدْين فأقام عند شعيب ما أقام .
فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الأولى ، وكانت نيفاً وخمسين سنة . واشتدت البلوى عليهم واستتر الفقيه فبعثوا إليه : إنه لاصبر لنا على استتارك عنا ، فخرج إلى بعض الصحاري واستدعاهم ، وطيب نفوسهم وأعلمهم أن الله عز وجل أوحى إليه أنه مفرج عنهم بعد أربعين سنة ، فقالوا بأجمعهم : الحمد لله ، فأوحى الله عز وجل إليه قل لهم : قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم الحمد لله ، فقالوا : كل نعمة فمن الله ، فأوحى الله إليه قل لهم قد جعلتها عشرين سنة ، فقالوا : لا يأتي بالخير إلا الله ، فأوحى الله إليه : قل لهم : قد جعلتها عشراً ، فقالوا : لا يصرف السوء إلا الله ، فأوحى الله إليه قل لهم : لا تبرحوا ، فقد أذنت لكم في فرجكم ، فبينا هم كذلك إذ طلع موسى عليه السلام راكباً حماراً ، فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به فيه ، وجاء موسى حتى وقف عليهم فسلم عليهم فقال له الفقيه : ما اسمك ؟ فقال : موسى ، قال :
--------------------------- 641 ---------------------------
ابن من ؟ قال : ابن عمران ، قال : ابن من ؟ قال : ابن قاهث بن لاوي بن يعقوب ، قال : بماذا جئت ؟ قال : جئت بالرسالة من عند الله عز وجل ، فقام إليه فقبل يده ثم جلس بينهم ، فطيب نفوسهم وأمرهم أمره ، ثم فارقهم فكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة » .
والشِرَة : بكسر الشين مؤنث الشر بمعنى هجمة شريرة . وطُلب الفقيه فاستتر : أي طلبته السلطة . والشيعة : الأنصار ، قال تعالى : وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ ، أي من شيعة نوح .
أقول : يحتج بعضهم بهذا الحديث على أن وقت الظهور يمكن أن يعجله دعاء المؤمنين أو استقامتهم ومستوى إيمانهم . لكن يجاب عنه بأن تقديم ظهور موسى عليه السلام كان ظاهرياً بالنسبة إلى المنتظرين ، أما في الواقع فهو في علم الله تعالى كما قال : وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَاخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ .
ولو سلمنا أنه تقديمٌ لظهور موسى عليه السلام لسبب من الناس ، فلا يلزم أن ينطبق على الإمام المهدي عليه السلام ، والأمر المؤكد أن الدعاء بتعجيل فرجه عليه السلام يعود نفعه لنا ، كما نص الإمام عليه السلام في توقيع إسحاق بن يعقوب ، الصحيح ، قال : « وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم » . « غيبة الطوسي / 293 » .
يشبه في غيبته نبي الله عزير عليه السلام
غيبة الطوسي / 260 : « عن مؤذن مسجد الأحمر قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : هل في كتاب الله مثل للقائم عليه السلام ؟ فقال : نعم آية صاحب الحمار أماته الله مأة عام ثم بعثه » . وروى شبيهاً به عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « مثل أمرنا في كتاب الله مثل صاحب الحمار ، أماته الله مائة عام ثم بعثه » .
أهل بيتي كنجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم
النعماني / 16 و 155 : « عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مثل أهل بيتي مثل نجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم ، حتى إذا نجم منها طلع فرمقتموه بالأعين ، وأشرتم إليه بالأصابع أتاه ملك الموت فذهب به ، ثم لبثتم في ذلك سبتاً من دهركم ، واستوت بنو عبد المطلب ولم يُدْرَ أيٌّ من أي ، فعند ذلك يبدو نجمكم فاحمدوا الله واقبلوه » .
--------------------------- 642 ---------------------------
والسبت : المدة قليلة أو كثيرة ، سميت سبتاً أي سكوناً بين حدثين ، أو سكوناً قبل حدث .
وفي جامع المسانيد والسنن : 5 / 440 : « ومن حديث موسى بن عبيدة الربذي ، عن إياس عن أبيه مرفوعاً : النجوم أمان للسماء ، وأهل بيتي أمان لأمتي » .
وفي مسند شمس الأخبار : 1 / 133 : « عن أبي شعبة عن النبي صلى الله عليه وآله : أنه قال : مثل أهل بيتي في أمتي مثل النجوم ، كلما أفل نجم طلع نجم » .
وفي البرهان / 40 : « عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله : يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها . . . مَثَلُك ومثل الأئمة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق . ومثلكم كمثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة » .
وفي تيسير المطالب / 129 : « حدثني نصر بن حماد قال : سمعت شعبة يقول حين ظهر إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مثل أهل بيتي في أمتي مثل النجوم كلما أفل نجم طلع نجم » . انتهى .
أقول : حكم علماء الحديث بأن حديث : « أصحابي كالنجوم » موضوعٌ مكذوب . وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله قاله في أهل البيت عليهم السلام ، فجعلوه للصحابة فلم يضبط معهم ، لأنهم متباغضون متقاتلون ، فكيف يكون اتباع أي منهم اهتداءً ؟ ولو صح الحديث فالذي يتبع سعد بن عبادة مهتدٍ ، وقد حكم بكفر أصحاب السقيفة ؟
المهدي وغيبته : عهد معهود من الله إلى نبيه صلى الله عليه وآله
في كمال الدين : 1 / : 51 : « عن علي عليهم السلام قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني ، حتى يقول أكثر الناس : ما لله في آل محمد حاجة ! ويشك آخرون في ولادته . فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ، ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً بشكه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني ، فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل ، وإن الله عز وجل جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون » .
وفي كمال الدين : 1 / 253 : « عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لما أنزل الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ ، قلت :
--------------------------- 643 ---------------------------
يا رسول الله عرفنا الله ورسوله ، فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ؟ فقال عليه السلام : هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين بعدي ، أولهم علي بن أبي طالب ، ثم الحسن والحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام . ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي . ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده ، ابن الحسن بن علي ، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها . ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للايمان .
قال جابر : فقلت له يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقال عليه السلام إي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب . يا جابر هذا من مكنون سر الله ومخزون علمه ، فاكتمه إلا عن أهله » .
كمال الدين : 1 / 207 : « عن سليمان بن مهران الأعمش ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام قال : نحن أئمة المسلمين ، وحجج الله على العالمين ، وسادة المؤمنين ، وقادة الغر المحجلين ، وموالي المؤمنين . ونحن أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء . ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها . وبنا ينزل الغيث ، وتنشر الرحمة ، وتخرج بركات الأرض . ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها .
ثم قال : ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها ، ظاهر مشهور أو غائب مستور . ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة الله فيها ولولا ذلك لم يعبد الله . قال سليمان : فقلت للصادق عليه السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور ؟ قال : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب » .
غيبة الإمام عليه السلام بسبب ظلم أهل الأرض وجورهم
النعماني / 141 : « عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : خبر تدريه خير من عشر ترويه . إن لكل حق حقيقة ولكل صواب نوراً . ثم قال : إنا والله لا نَعُدُّ الرجل من شيعتنا
--------------------------- 644 ---------------------------
فقيهاً حتى يُلحَن له فيَعرف اللحن ! إن أمير المؤمنين عليه السلام قال : على منبر الكوفة : إن من ورائكم فتناً مظلمة عمياء منكسفة لا ينجو منها إلا النُّوَمة ، قيل يا أمير المؤمنين وما النومة ؟ قال : الذي يعرف الناس ولا يعرفونه .
واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجة لله عز وجل ، ولكن الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم ، ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجة الله لساخت بأهلها . ولكن الحجة يعرف الناس ولا يعرفونه ، كما كان يوسف يعرف الناس وهم له منكرون . ثم تلا : يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ » .
من العلل الأساسية لطول غيبة الإمام عليه السلام
تفسير القمي : 2 / 316 : « قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام : ألم يكن علي عليه السلام قوياً في بدنه قوياً في أمر الله ؟ قال له أبو عبد الله عليه السلام : بلى . قال له : فما منعه أن يدفع أو يمتنع ؟ قال : قد سألت فافهم الجواب : منع علياً عليه السلام من ذلك آية من كتاب الله فقال : وأي آية ؟ فقرأ : لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . إنه كان لله ودايع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين ، فلم يكن علي عليه السلام ليقتل الآباء حتى تخرج الودايع ، فلما خرج ظهرعلى من ظهر وقتله . وكذلك قائمنا أهل البيت لا يظهر أبداً حتى تخرج ودايع الله . فإذا خرجت يظهر على من يظهر فيقتله » .
التاسع من صُلب الحسين يغيب عنهم !
كفاية الأثر / 120 : « عن عمار بن ياسر قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض غزواته ، وقَتَلَ عليٌّ عليه السلام أصحاب الألوية وفرق جمعهم ، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي ، وقتل شيبة بن نافع ، أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت له : يا رسول الله صلى الله عليك ، إن علياً قد جاهد في الله حق جهاده . فقال ، في حديث طويل في فضل علي عليه السلام ، جاء فيه : يا عمار إن الله تبارك وتعالى عهد إليَّ أنه يخرج من صلب الحسين تسعة ، والتاسع من ولده يغيب عنهم ، وذلك قوله عز وجل : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ . يكون له غيبة طويلة يرجع عنها قوم ويثبت عليها آخرون ! فإذا كان في آخر الزمان يخرج فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً
--------------------------- 645 ---------------------------
ويقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، وهو سميي وأشبه الناس بي . يا عمار سيكون بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فاتبع علياً وحزبه » .
كمال الدين : 1 / 287 : « عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن علي بن أبي طالب إمام أمتي ، وخليفتي عليها من بعدي ، ومن ولده القائم المنتظر ، الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً . والذي بعثني بالحق بشيراً إن الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر . فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال : يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة ؟ قال : إي وربي ، وليمحصن الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين . يا جابر إن هذا أمرٌ من أمر الله وسرٌّ من سر الله ، مطويٌّ عن عباد الله ، فإياك والشك فيه ، فإن الشك في أمر الله عز وجل كفر » .
أمير المؤمنين يحدث الأمة عليه السلام عن النجم الغائب
تقدم في الفتن المتصلة بظهور الإمام عليه السلام : « عن الأصبغ بن نباتة ، قال : أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته متفكراً ينكت في الأرض ، فقلت : يا أمير المؤمنين مالي أراك متفكراً تنكت في الأرض أرغبة منك فيها ؟ فقال : لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط ، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي ، هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ، تكون له غيبة وحيرة ، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون . فقلت : يا أمير المؤمنين وكم تكون الحيرة والغيبة ؟ قال : سبتٌ من الدهر . فقلت : وإن هذا لكائن ؟ فقال : نعم كما أنك مخلوق ، وأنى لك بهذا الأمر يا أصبغ ، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة . فقلت : ثم ما يكون بعد ذلك ؟ فقال : ثم يفعل الله ما يشاء ، فإن له بداءات وإرادات وغايات ، ونهايات » . « الكافي : 1 / 338 » .
وفي النعماني / 140 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « زاد الفرات على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فركب هو وابناه الحسن والحسين فمرَّ بثقيف ، فقالوا : قد جاء علي يردُّ الماء . فقال علي عليه السلام : أما والله ، لأقتلن أنا وابناي هذان ، وليبعثن الله رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا ، وليغيبن عنهم تمييزاً لأهل الضلالة حتى يقول الجاهل : ما لله في آل محمد من حاجة » .
--------------------------- 646 ---------------------------
وفي نهج البلاغة / 145 ، خطبة 100 : « : الحمد لله الناشر في الخلق فضله ، والباسط بالجود يده ، نحمده في جميع أموره ونستعينه على رعاية حقوقه ، ونشهد أن لا إله غيره ، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله ، أرسله بأمره صادعاً ، وبذكره ناطقاً ، فأدى أميناً ، ومضى رشيداً ، وخلف فينا راية الحق ، من تقدمها مرق ومن تخلف عنها زهق ومن لزمها لحق . دليلها مكيث الكلام بطئ القيام سريع إذا قام . فإذا أنتم ألنتم له رقابكم ، وأشرتم إليه بأصابعكم جاءه الموت فذهب به ، فلبثتم بعده ما شاء الله حتى يطلع الله لكم من يجمعكم ويضم نشركم ، فلا تطمعوا في غير مقبل ، ولا تيأسوا من مدبر ، فإن المدبر عسى أن تزل به إحدى قائمتيه وتثبت الأخرى ، فترجعا حتى تثبتا جميعاً . ألا إن مثل آل محمد صلى الله عليه وآله كمثل نجوم السماء ، إذا خوى نجم طلع نجم ، فكأنكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع ، وأراكم ما كنتم تأملون » .
وقال ابن ميثم البحراني في شرحه : 3 / 6 خطبة 97 : وهذا الفضل يشتمل على إعلامهم بما يكون بعده من أمر الأئمة عليهم السلام ، وتعليمهم ما ينبغي أن يفعل الناس معهم ، ويمنيهم بظهور إمام من آل محمد عقيب آخر ، ووعدهم بتكامل صنايع الله فيهم بما يأملونه من ظهور إمام منتظر . . إشارة إلى منة الله عليهم بظهور الإمام المنتظر وإصلاح أحوالهم بوجوده ، ووجدت له عليه السلام في أثناء بعض خطبه في اقتصاص ما يكون بعده ، فصلاً يجري مجرى الشرح لهذا الوعد ، وهو أن قال : يا قوم إعلموا علماً يقيناً أن الذي يستقبل قائمنا من أمر جاهليتكم ليس بدون ما استقبل الرسول من أمر جاهليتكم ، وذلك أن الأمة كلها يومئذ جاهلية إلا من رحم الله ، فلا تعجلوا فيعجل الخرق بكم ، واعلموا أن الرفق يُمن ، وفي الأناة بقاء وراحة ، والإمام أعلم بما ينكر . ولعمري لينزعن عنكم قضاة السوء ، وليقبض عنكم المرائين ، وليعزلن عنكم أمراء الجور ، وليطهرن الأرض من كل غاش ، وليعملن فيكم بالعدل ، وليقومن فيكم بالقسطاس المستقيم ، وليتمنين أحياؤكم لأمواتكم رجعة الكرة عما قليل فيعيشوا إذن ، فإن ذلك كائن » .
وفي شرح النهج : 7 / 94 : « ثم يطلع الله لهم من يجمعهم ويضمهم ، يعني من أهل البيت عليه السلام ، وهذا إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الوقت ، وعند أصحابنا أنه غير موجود الآن وسيوجد ، وعند الإمامية أنه موجود الآن » .
الإحتجاج : 1 / 251 : « جاء بعض الزنادقة إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام وقال له : لولا ما
--------------------------- 647 ---------------------------
في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلت في دينكم : فقال له عليه السلام في حديث طويل جاء فيه : أما إنه سيأتي على الناس زمان يكون الحق فيه مستوراً ، والباطل ظاهراً مشهوراً ، وذلك إذا كان أولى الناس بهم أعداهم له ، واقترب الوعد الحق ، وعظم الإلحاد وظهر الفساد ، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ، ونحلهم الكفار أسماء الأشرار ، فيكون جهد المؤمن أن يحفظ مهجته من أقرب الناس إليه . ثم يتيح الفرج لأوليائه ويظهرصاحب الأمر على أعدائه » .
وفي النعماني / 156 : « عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : صاحب هذا الأمر من ولدي هو الذي يقال مات أو هلك ؟ لا ، بل في أي واد سلك » .
الإمام الحسن عليه السلام : يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته
كمال الدين : 1 / 315 : « عن أبي سعيد عقيصا ، قال : لما صالح الحسن بن علي عليه السلام معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس ، فلامه بعضهم على بيعته ، فقال عليه السلام : ويحكم ما تدرون ما عملت ! والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت . ألا تعلمون أنني إمامكم مفترض الطاعة عليكم ، وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسولالله صلى الله عليه وآله عليَّ ؟ قالوا : بلى . قال : أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام ، كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران إذ خفيَ عليه وجه الحكمة في ذلك ، وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصواباً ؟
أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، إلا القائم الذي يصلى روح الله عيسى بن مريم خلفه ؟ فإن الله عز وجل يخفي ولادته ويغيب شخصه ، لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج . ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ، ابن سيدة الإماء ، يطيل الله عمره في غيبته ، ثم يظهره بقدرته ، في صورة شاب دون أربعين سنة ، وذلك ليعلم أن الله على كل شئ قدير » .
الإمام الحسين عليه السلام : صاحب الغيبة الذي يقسم ميراثه وهو حيّ !
تقدم في البشارة بعد الفتنة المتصلة بظهوره ، أحاديث ، منها في كمال الدين : 1 / 317 : « عن الحسين بن علي عليه السلام قال : قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي ، وهو صاحب الغيبة ، وهو الذي يقسم ميراثه وهو حي » !
--------------------------- 648 ---------------------------
الإمام زين العابدين عليه السلام : وإنَّ للقائم منا غيبتين
كمال الدين : 1 / 323 : « عن علي بن الحسين عليه السلام قال : فينا نزلت هذه الآية : وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ . وفينا نزلت هذه الآية : وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ، والإمامة في عقب الحسين بن علي بن أبي طالب إلى يوم القيامة . وإن للقائم منا غيبتين : إحداهما أطول من الأخرى أما الأولى فستة أيام أو ستة أشهر أو ستة سنين . وأما الأخرى فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به ، فلا يثبت عليه إلا من قوي يقينه وصحت معرفته ، ولم يجد في نفسه حرجاً مما قضينا ، وسلم لنا أهل البيت » .
الإمام الباقر عليه السلام : كيف أنتم إذا غيب الله عنكم نجمكم ؟
الكافي : 1 / 338 : « عن معروف بن خربوذ ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنما نحن كنجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم ، حتى إذا أشرتم بأصابعكم وملتم بأعناقكم ، غيَّب الله عنكم نجمكم ، فاستوت بنو عبد المطلب ، فلم يعرف أيٌّ من أيٍّ ، فإذا طلع نجمكم فاحمدوا ربكم » .
ومثله كمال الدين : 1 / 329 ، وفيه : « قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام أخبرني عنكم ؟ قال : أظهر الله عز وجل لكم صاحبكم فاحمدوا الله عز وجل ، وهو يُخيَّرُ الصعب والذلول فقلت : جعلت فداك فأيهما يختار ؟ قال يختار الصعب على الذلول » .
كمال الدين : 1 / 330 : « عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال : يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم ، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان ، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري جل جلاله فيقول : عبادي وإمائي آمنتم بسري وصدقتم بغيبي ، فأبشروا بحسن الثواب مني فأنتم عبادي وإمائي ، حقاً منكم أتقبل وعنكم أعفو ولكم أغفر ، وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء . ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي . قال جابر فقلت : يا ابن رسول الله فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان ؟ قال : حفظ اللسان ولزوم البيت » .
وفي النعماني / 154 : « عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام : يا أبا الجارود ، إذا دار الفلك وقالوا مات أو هلك ، وبأي واد سلك ، وقال الطالب له أنى يكون ذلك وقد بليت عظامه
--------------------------- 649 ---------------------------
فعند ذلك فارتجوه ، وإذا سمعتم به فأتوه ولو حبواً على الثلج » .
وفي النعماني / 176 : « عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إن للقائم غيبة ، ويجحده أهله ! قلت : ولم ذاك ؟ قال : يخاف ، وأومأ بيده إلى بطنه » .
وفي النعماني / 177 : « إن للغلام غيبة قبل أن يقوم ، وهو المطلوب تراثه » .
وفي كفاية الأثر / 248 : « عن الكميت بن أبي المستهل قال : دخلت على سيدي أبي جعفر محمد بن علي الباقر فقلت يا ابن رسول الله إني قد قلت فيكم أبياتاً ، أفتأذن لي في إنشادها ؟ فقال : إ نها أيام البيض قلت : فهو فيكم خاصة قال : هات فأنشأت أقول :
أضحكني الدهر وأبكاني والدهر ذو صرف وألوانِ
لتسعة بالطف قد غودروا صاروا جميعاً رَهْنَ أكفان
فبكى وبكى أبو عبد الله وسمعت جارية تبكي من وراء الخباء فلما بلغت إلى قولي :
وستةٌ لا يُتَجَارى بهم بنو عقيل خيرُ فرسان
ثم عليُّ الخير مولاكم ذكرهم هيَّجَ أحزاني
فبكى عليه السلام ثم قال : ما من رجل ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينيه ماء ولو قدر مثل جناح بعوضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة ، وجعل ذلك حجاباً بينه وبين النار ، فلما بلغت قولي :
من كان مسروراً بما مسَّكم أو شامتاً يوماً من الآن
فقد ذللتم بعد عزَّ فما أدفع ضيماً حين يغشاني
أخذ بيدي وقال : اللهم اغفر للكميت ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فلما بلغت إلى قولي :
متى يقوم الحق فيكم متى يقوم مهديُّكمُ الثاني
قال : سريعاً إن شاء الله سريعاً ، ثم قال : يا أبا المستهل إن قائمنا هو التاسع من ولد الحسين ، لأن الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله اثنا عشر وهو القائم . قلت : يا سيدي فمن هؤلاء الإثنا عشر ؟ قال : أولهم علي بن أبي طالب ، وبعده الحسن والحسين ، وبعد الحسين علي بن الحسين ، وأنا ، ثم بعدي هذا ووضع يده على كتف جعفر . قلت : فمن بعد هذا ؟ قال : ابنه موسى ، وبعد موسى ابنه علي ، وبعد علي ابنه محمد ، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ،
--------------------------- 650 ---------------------------
وهو أبو القائم الذي يخرج فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ويشفي صدور شيعتنا . قلت : فمتى يخرج يا ابن رسول الله ؟ قال : لقد سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك فقال : إنما مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة » .
الإمام الصادق عليه السلام : ما ينكرون أن يمد الله في عمر المهدي !
في إثبات الوصية / 225 : « قال عليه السلام في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام : اللهم لابد لأرضك من حجة على خلقك ، يهديهم إلى دينك ويعلمهم علمك ، لئلا تبطل حجتك ، ولا يضل أتباع أوليائك بعد إذ هديتهم ، ظاهراً وليس بالمطاع ، أو مكتماً مترقباً إن غاب عن الناس شخصه في حال هدنة لم يغب عنهم مثبوت علمه ، فآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة فهم به عاملون » .
وفي النعماني / 172 : « عن حازم بن حبيب قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له : أصلحك الله إن أبوي هلكا ولم يحجا وإن الله قد رزق وأحسن ، فما تقول في الحج عنهما ؟ فقال : إفعل فإنه يُبْرَدُ « يرسل » لهما ، ثم قال لي : يا حازم إن لصاحب هذا الأمر غيبتين يظهر في الثانية ، فمن جاءك يقول إنه نفض يده من تراب قبره فلا تصدقه » .
وفي النعماني / 245 : « عن خلاد بن الصفار قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام هل ولد القائم ؟ فقال : لا ، ولو أدركته لخدمته أيام حياتي » .
وفي غيبة الطوسي / 259 : « أنهم ذكروا للإمام الصادق عليه السلام استغراب المخالفين غيبة المهدي وطول عمره عليه السلام فقال : ما ينكرون أن يمد الله لصاحب هذا الأمر في العمر ، كما مد لنوح عليه السلام في العمر » !
وفي دلائل الإمامة / 290 : « عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : للقائم غيبتان إحداهما أطول من الأخرى » .
وفي النعماني / 171 : « عن إبراهيم بن عمر اليماني قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام : إن لصاحب هذا الأمر غيبتين . وسمعته يقول : لا يقوم القائم ولأحد في عنقه بيعة » .
وفي النعماني / 173 : « عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام : إن للقائم غيبتين ، يقال له في إحداهما هلك ، ولا يدرى في أي واد سلك » .
--------------------------- 651 ---------------------------
الكافي : 1 / 340 : « عن مفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لصاحب هذا الأمرغيبتان ، إحداهما يرجع منها إلى أهله ، والأخرى يقال : هلك في أي واد سلك ! قلت : كيف نصنع إذا كان كذلك ؟ قال : إذا ادعاها مدع فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله » .
الكافي : 1 / 340 : « قال أبو عبد الله عليه السلام : للقائم غيبتان : إحداهما قصيرة والأخرى طويلة ، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته ، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه » .
الكافي : 1 / 338 : « عن مفضل بن عمر قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ، وعنده في البيت أناس فظننت أنه إنما أراد بذلك غيري ، فقال : أما والله ليغيبن عنكم صاحب هذا الأمر ، وليخملن هذا حتى يقال : مات ، هلك ، في أي واد سلك ؟ ولتكفؤن كما تكفأ السفينة في أمواج البحر ، لا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه وكتب الإيمان في قلبه وأيده بروح منه . ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أيٌّ من أي ، قال : فبكيت فقال : ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ فقلت : جعلت فداك كيف لا أبكي وأنت تقول اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أيٌّ من أي ؟ قال : وفي مجلسه كوة تدخل فيها الشمس فقال : أبَيِّنَةٌ هذه ؟ فقلت : نعم ، قال : أمرنا أبين من هذه الشمس » .
ونحوه النعماني / 151 ، وفيه : فنظر إلى شمس قد دخلت في الصفة فقال : ترى هذه الشمس يا مفضل ؟ قلت : نعم يا مولاي ، قال : والله لأمرنا أنور وأبين منها » .
الكافي : 1 / 335 : « عن يمان التمار قال : كنا عند أبي عبد الله عليه السلام جلوساً فقال لنا : إن لصاحب هذا الأمر غيبة ، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد ، ثم قال هكذا بيده ، فأيكم يمسك شوك القتاد بيده ؟ ثم أطرق ملياً ثم قال : إن لصاحب هذا الأمر غيبة ، فليتق الله عبد وليتمسك بدينه » .
كمال الدين : 2 / 333 : « عن صفوان بن مهران ، عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال : من أقر بجميع الأئمة وجحد المهدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمداً صلى الله عليه وآله نبوته ، فقيل له : يا ابن رسول الله ، فمن المهدي من ولدك ؟ قال : الخامس من ولد السابع ، يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته » .
الكافي : 1 / 338 : « عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن بلغكم عن صاحب هذا الأمر غيبة فلا تنكروها » .
كمال الدين : 2 / 341 : « عن صفوان بن مهران الجمال ، قال : قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام :
--------------------------- 652 ---------------------------
أما والله ليغيبن عنكم مهديكم حتى يقول الجاهل منكم ما لله في آل محمد حاجة ! ثم يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
النعماني / 154 و 155 : « عن حماد الجلاب قال : ذكر القائم عند أبي عبد الله عليه السلام فقال : أما إنه لو قد قام لقال الناس : أنى يكون هذا ؟ وقد بليت عظامه مذ كذا وكذا » .
دلائل الإمامة / 251 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين فشكى إليه طول دولة الجور ! فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : والله ما تأملون حتى يهلك المبطلون ويضمحل الجاهلون ويأمن المتقون ، وقليل ما يكون حتى يكون لأحدكم موضع قدمه ، وحتى يكونوا على الناس أهون من الميتة عند صاحبها ، فبينا أنتم كذلك إذ جاء نصر الله والفتح ، وهو قوله عز وجل في كتابه : حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا » .
النعماني / 158 : « عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : إذا فقد الناس الإمام مكثوا سبتاً لا يدرون أياً من أي ، ثم يظهر الله عز وجل لهم صاحبهم » .
كمال الدين : 2 / 350 : « عن زرارة : قال أبو عبد الله عليه السلام : يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم ، فقلت له : ما يصنع الناس في ذلك الزمان ؟ قال : يتمسكون بالأمر الذي هم عليه حتى يتبين لهم » .
الكافي : 1 / 337 - 339 « عن عبيد بن زرارة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : يفقد الناس إمامهم ، يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه » . لقائم غيبتان يشهد في إحداهما المواسم ، يرى الناس ولا يرونه » .
كمال الدين : 2 / 440 : « عن محمد بن عثمان العمري قال : سمعته عليه السلام يقول : والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة ، فيرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه » .
دلائل الإمامة / 261 : « عن الإمام الصادق عليه السلام قال : العام الذي لا يشهد صاحب هذا الأمر الموسم ، لا يقبل من الناس » .
الكافي : 1 / 333 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أقرب ما يكون العباد من الله جل ذكره وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجة الله عز وجل ولم يظهر لهم ، ولم يعلموا مكانه ، وهم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجة الله جل ذكره ولا ميثاقه ، فعندها فتوقعوا الفرج صباحاً ومساءً ، فإن أشد ما
--------------------------- 653 ---------------------------
يكون غضب الله على أعدائه إذا افتقدوا حجته ولم يظهر لهم ، وقد علم أن أولياءه لا يرتابون ، ولو علم أنهم يرتابون ما غيب حجته عنهم طرفة عين ، ولا يكون ذلك إلا على رأس شرار الناس » .
النعماني / 159 : « عن عبد الله بن سنان قال : دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله عليه السلام فقال : كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً يرى ؟ فلا ينجو من تلك الحيرة إلا من دعا بدعاء الغريق ، فقال أبي : هذا والله البلاء ، فكيف نصنع جعلت فداك حينئذ ؟ قال : إذا كان ذلك ولن تدركه فتمسكوا بما في أيديكم حتى يتضح لكم الأمر » .
وفي إثبات الوصية / 226 : « عن الحرث بن مغيرة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : القائم إمام ابن إمام ، يأخذون منه حلالهم وحرامهم قبل قيامه ، قلت : أصلحك الله إذا فقد الناس الإمام عمن يأخذون ؟ قال : إذا كان ذلك فأحب من كنت تحب وانتظر الفرج فما أسرع ما يأتيك » .
هذا ، وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام تحريم تسمية المهدي عليه السلام . ففي الكافي : 1 / 333 : « عن ابن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : صاحب هذا الأمر لا يسميه باسمه إلا كافر » .
وقد حمل أغلب فقهائنا الروايات التي تنهى عن تسميته على ظرف غيبته الأولى بعد ولادته ، حيث كانت السلطة تتعقبه .
الإمام الكاظم عليه السلام : النعمة الباطنة : الإمام الغائب
كمال الدين : 2 / 360 : « عن العباس بن عامر القصباني قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام يقول : صاحب هذا الأمر من يقول الناس لم يولد بعد » .
وفي كمال الدين : 2 / 368 : « في تفسير قوله تعالى : وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ؟ قال عليه السلام : النعمة الظاهرة الإمام الظاهر ، والباطنة الإمام الغائب ، فقلت له : ويكون في الأئمة من يغيب ؟ قال : نعم يغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره ، وهو الثاني عشر منا . . » .
الإمام الرضا عليه السلام : المهدي خفي الولادة غيرخفي في نسبه
الكافي : 1 / 341 : « عن أيوب بن نوح قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : إني أرجو أن تكون
--------------------------- 654 ---------------------------
صاحب هذا الأمر ، وأن يسوقه الله إليك بغير سيف ، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك ، فقال : ما منا أحد اختلف إليه الكتب ، وأشير إليه بالأصابع ، وسئل عن المسائل ، وحملت إليه الأموال ، إلا اغتيل أو مات على فراشه ، حتى يبعث الله لهذا الأمرغلاماً منا خفي الولادة والمنشأ ، غير خفي في نسبه » .
كمال الدين : 2 / 372 : « عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول : أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى عليه السلام قصيدتي التي أولها :
مدارسُ آياتٍ خَلَتْ من تلاوةٍ ومنزلُ وَحْيٍ مُقْفِرِ العَرَصَاتِ
فلما انتهيت إلى قولي :
خروجُ إمامٍ لا محالةَ خارجٍ يقوم على اسمِ الله والبركاتِ
يميزُ فينا كل حقٍّ وباطلٍ ويجزي على النعماء والنقماتِ
بكى الرضا عليه السلام بكاء شديداً ، ثم رفع رأسه إلي فقال لي : يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم ؟ وأما متى فإخبارعن الوقت ، فقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه عليهم السلام ، أن النبي صلى الله عليه وآله قيل له : يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك ؟ فقال عليه السلام : مَثَلُه مَثَلُ الساعة التي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً » .
كمال الدين : 2 / 480 : « عن فضال ، عن الإمام الرضا عليه السلام قال : كأني بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه ، قلت له : ولم ذاك يا ابن رسول الله ؟ قال : لأن إمامهم يغيب عنهم ، فقلت : ولم ؟ قال : لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف » .
النعماني / 180 : « عن محمد بن أبي يعقوب البلخي : قال سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول : إنكم ستبتلون بما هو أشد وأكبر ، تبتلون بالجنين في بطن أمه والرضيع . حتى يقال : غاب ومات ، ويقولون : لا إمام . وقدغاب رسول الله صلى الله عليه وآله وغاب وغاب ، وها أنا ذا أموت حتف أنفي » .
الهداية الكبرى / 364 : « عن الريان بن الصلت قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : القائم المهدي بن الحسن لا يرى جسمه ولا يسميه باسمه أحد بعد غيبته ، حتى يراه ويعلن باسمه ويسمعه
--------------------------- 655 ---------------------------
كل الخلق . فقلنا له : يا سيدنا وإن قلنا صاحب الغيبة ، وصاحب الزمان والمهدي ، قال هو كله جايز مطلق ، وإنما نهيتكم عن التصريح باسمه ليخفى اسمه عن أعدائنا ، فلا يعرفوه » .
الكافي : 1 / 333 : « عن الريان بن الصلت قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول وسئل عن القائم فقال : لا يرى جسمه ولا يسمى اسمه » .
الإمام الجواد عليه السلام : الثالث من ولدي المهدي المنتظر في غيبته
كمال الدين : 2 / 377 : « عن عبد العظيم الحسني قال : دخلت على سيدي محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم أهو المهدي أو غيره ، فابتدأني فقال لي : يا أبا قاسم ، إن القائم منا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ويطاع في ظهوره ، هو الثالث من ولدي ، والذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله بالنبوة وخصنا بالإمامة ، إنه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، وإن الله تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة ، كما أصلح أمر كليمه موسى عليه السلام إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً ، فرجع وهو رسول نبي . ثم قال عليه السلام : أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج » .
وتقدم من كمال الدين : 2 / 378 ، عن الصقر بن أبي دلف عنه عليه السلام من حديث قال : « فقلت له : ولم سمي المنتظر ؟ قال : لأن له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها ، فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ بذكره الجاحدون ، ويكذب فيها الوقاتون ، ويهلك فيها المستعجلون ، وينجو فيها المسلِّمون » .
النعماني / 186 : « عن عبد العظيم الحسني ، عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام أنه سمعه يقول : إذا مات ابني عليٌّ بدا سراج بعده ثم خفي ، فويل للمرتاب وطوبى للغريب الفارِّ بدينه ، ثم يكون بعد ذلك أحداث تشيب فيها النواصي ، وتسير الصم الصلاب » .
وفي النعماني / 185 : « عن أمية بن علي القيسي قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام : من الخلف بعدك ؟ فقال : ابني علي وابنا علي ، ثم أطرق ملياً ثم رفع رأسه ثم قال : إنها ستكون حيرة ، قلت : فإذا كان ذلك فإلى أين ؟ فسكت ثم قال : لا أين ! حتى قالها ثلاثاً فأعدت عليه ،
--------------------------- 656 ---------------------------
فقال : إلى المدينة ، فقلت : أي المدن ؟ فقال : مدينتنا هذه وهل مدينة غيرها » ؟
وفي إثبات الوصية / 193 : « عن محمد بن عثمان الكوفي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال له : إن حدث بك ، وأعوذ بالله ، حادث فإلى من ؟ فقال : إلى ابني هذا يعني أبا الحسن . ثم قال : أما إنها ستكون فترة ، قلت : فإلى أين ؟ فقال : إلى المدينة قلت : أي مدينة ؟ قال : هذه المدينة مدينة الرسول صلى الله عليه وآله ، وهل مدينة غيرها » .
الإمام الهادي عليه السلام : وأنى لكم بالخلف بعد الخلف ؟ !
كمال الدين : 2 / 382 : « عن علي بن عبد الغفار قال : لما مات أبو جعفر الثاني عليه السلام كتبت الشيعة إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام يسألونه عن الأمر ، فكتب عليه السلام : الأمر لي ما دمت حياً ، فإذا نزلت بي مقادير الله عز وجل آتاكم الله الخلف مني ، وأنى لكم بالخلف بعد الخلف » .
الإمامة والتبصرة / 93 : « عن علي بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام أسأله عن الفرج ؟ فكتب : إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين ، فتوقعوا الفرج » .
الكافي : 1 / 341 : « عن أيوب بن نوح ، عن أبي الحسن الثالث عليه السلام قال : إذا رفع علمكم من بين أظهركم ، فتوقعوا الفرج من تحت أقدامكم » .
الكافي : 1 / 328 و 332 : « عن داود بن القاسم قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : الخلف من بعدي الحسن ، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ؟ فقلت : ولمَ جعلني الله فداك ؟ فقال : إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه ، فقلت فكيف نذكره ؟ فقال قولوا : الحجة من آل محمد عليهم السلام » .
الإمام العسكري عليه السلام : له غيبة يحار فيها الجاهلون !
كمال الدين : 2 / 409 : « حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال : حدثني أبو علي بن همام قال : سمعت محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه يقول : سمعت أبي يقول : سئل أبو محمد الحسن بن علي وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه أن الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة ، وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة
--------------------------- 657 ---------------------------
جاهلية ؟ فقال : إن هذا حق كما أن النهار حق . فقيل له : يا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك ؟ فقال : ابني محمد هو الإمام والحجة بعدي ، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية ، أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون ويهلك فيها المبطلون ، ويكذب فيها الوقاتون ، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة » .
رواية عن الحاخام وهب بن منبه في غيبة المهدي عليه السلام !
من الغرائب أن بعض الروايات في الأئمة الاثني عشر عليهم السلام رووها عن كعب الأحبار ووهب بن منبه كهذه الرواية ، مع أنهما كانا مع السلطة ضد أهل البيت عليهم السلام . وتفسير ذلك أنهم كانوا ينقلون من كتب اليهود كالتوراة والتلمود وغيرهما ، وقد قرؤوا في التوراة بشارة الله تعالى لإبراهيم باثني عشر إماماً من ذرية إسماعيل عليه السلام .
قال ابن كثير : 6 / 280 : « وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه : أن الله تعالى بشر إبراهيم بإسماعيل وأنه ينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثني عشر عظيماً » . انتهى .
وهو في التوراة الفعلية - العهد القديم والجديد : 1 / 25 ، طبعة مجمع الكنائس الشرقية - سفر التكوين - الإصحاح السابع عشر ، قال : « 18 - وقال إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك . 19 - فقال الله : بل سارة امرأتك تلد لك ابنا وتدعو اسمه إسحق ، وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً لنسله من بعده . 20 - وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ، ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً ، اثني عشر رئيساً يلد ، وأجعله أمة كبيرة . 21 - ولكن عهدي أقيمه مع إسحق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت ، في السنة الآتية » . وقد ترجمها كعب الأحبار اثني عشر قيِّماَ ، والصحيح اثني عشر إماماً . لذلك ليس غريباً أن يروي كعب وابن وهب أحياناً بعض الحق ، كهذا الحديث :
في مقتضب الأثر / 41 ، عن وهب بن منبه قال : « إن موسى نظر ليلة الخطاب إلى كل شجرة في الطور وكل حجر ونبات تنطق بذكر محمد صلى الله عليه وآله واثني عشر وصياً له من بعده ، فقال موسى : إلهي لا أرى شيئاً خلقته إلا وهو ناطق بذكر محمد صلى الله عليه وآله وأوصيائه الاثني عشر ، فما منزلة هؤلاء عندك ؟ قال : يا ابن عمران إني خلقتهم قبل خلق الأنوار ، وجعلتهم في خزانة
--------------------------- 658 ---------------------------
قدسي يرتعون في رياض مشيتي ، ويتنسمون روح جبروتي ، ويشاهدون أقطار ملكوتي ، حتى إذا شئت مشيِّتي أنفذت قضائي وقدري . يا ابن عمران إني سبقت بهم السباق حتى أزخرف بهم جناني . يا ابن عمران : تمسك بذكرهم فإنهم خزنة علمي وعيبة حكمتي ومعدن نوري .
قال حسين بن علوان فذكرت ذلك لجعفر بن محمد عليه السلام فقال : حق ذلك هم إثنا عشر من آل محمد صلى الله عليه وآله : علي ، والحسن ، والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي ، ومن شاء الله . قلت : جعلت فداك ، إنما أسألك لتفتيني بالحق ، قال : أنا ، وابني هذا ، وأشار إلى ابنه موسى عليه السلام ، والخامس من ولده يغيب شخصه ولا يحل ذكره باسمه » .
- *
--------------------------- 659 ---------------------------
الفصل الثاني والثلاثون : ( الموقتون الكذبة ، الموقتون الكذبة والمحاضير الحمقى )
--------------------------- 660 ---------------------------
الأئمة عليهم السلام يعالجون مشكلة المحاضير والمستعجلين !
المَحَاضير : اسم ابتكره أهل البيت عليهم السلام للمستعجلين من شيعتهم ، الذين كانت تدفعهم ظلامتهم وحبهم للقتال للإنضمام إلى أي داع يدعو إلى الثورة !
ومفردها مِحضار : لكن لا يقال إلا محضير بالياء « لسان العرب : 4 / 201 » وهو اسم للفرس الكثير العدو وليس للفرس السريع ! وقد سمى الأئمة عليهم السلام المستعجلين أصحاب المحاضير ، أي أصحاب أنفسهم التي هي كالخيل الراغبة في السباق ، وسموهم أيضاً : المحاضير ! وكانوا يهدئونهم ويشرحون لهم أن قضية الإمام المهدي عليه السلام خطة ربانية طويلة النفَس ، فعليهم أن يصبروا ولا يستعجلوا أمر الله تعالى . ويشرحون لهم عدم صحة تحركهم تحت راية لم تأخذ شرعيتها من الإمام عليه السلام ، ويحذرونهم من نتائج عجلتهم وتفريطهم بأنفسهم ، ويطمئنوهم بأن عدوهم مهما اضطهدهم فلن يستطيع أن يستأصلهم ، لأن استمرارهم مضمون من الله تعالى !
قال الإمام الصادق عليه السلام : « هلكت المحاضير ! قال قلت : وما المحاضير ؟ قال : المستعجلون ! ونجا المقربون وثبتت الحصن على أوتادها . كونوا أحلاس بيوتكم فإن الغَبَرة على من أثارها ، وإنهم لايريدونكم بجائحة ، إلا أتاهم الله بشاغل إلا من تعرض لهم » . « غيبة النعماني / 203 » .
وفي تاريخ الكوفة / 151 : « قال أمير المؤمنين عليه السلام للكوفة : ويحك يا كوفة وأختك البصرة ، كأني بكما تُمَدَّان مد الأديم وتُعركان عرك العكاظي « عرك الجلد للدبغ » . ألا إني أعلم فيما أعلمني الله عز وجل أنه ما أراد بكما جبار سوء ، إلا ابتلاه الله بشاغل » . عن البلدان لابن الفقيه / 200 ، ورواه ربيع الأبرار / 94 ، وشرح إحقاق الحق : 8 / 173 ، عن البلدان لليعقوبي / 164 ط . ليدن .
وروى الكشي / 459 : « عن علي بن جعفر عليه السلام قال : جاء رجل إلى أخي عليه السلام فقال له : جعلت فداك من صاحب هذا الأمر ؟ فقال : أما إنهم يفتنون بعد موتي فيقولون : هو القائم وما القائم إلا بعدي بسنين » .
وفي غيبة النعماني / 198 : « عن صالح بن ميثم ويحيى بن سابق ، جميعاً عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال : هلك أصحاب المحاضير ، ونجا المقربون ، وثبتت الحصن على أوتادها . إن بعد الغم فتحاً عجيباً » .
وتقدم في فصل السفياني : « عن عيص بن القاسم قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :
--------------------------- 661 ---------------------------
عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له ، وانظروا لأنفسكم ، فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجئ بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها ! والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها ثم كانت الأخرى باقية فعمل على ما قد استبان لها ! ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة ، فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم . إن أتاكم آت منا فانظروا على أي شئ تخرجون ؟ ولا تقولوا خرج زيد فإن زيداً كان عالماً وكان صدوقاً ولم يدعكم إلى نفسه ، إنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه ، إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه ، فالخارج منا اليوم إلى أي شئ يدعوكم ؟ إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام ؟ فنحن نشهدكم أنا لسنا نرضى به ! وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد ، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منا ، إلا مع من اجتمعت بنو فاطمة معه ، فوالله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه » . « الكافي : 8 / 264 ، وعلل الشرائع / 577 » .
وفي الكافي : 8 / 295 : « عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت ، يعبد من دون الله عز وجل » .
النعماني / 194 و 195 عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : أوصني ، فقال : أوصيك بتقوى الله وأن تلزم بيتك وتقعد في دهماء هؤلاء الناس ، وإياك والخوارج منا فإنهم ليسوا على شئ ولا إلى شئ ! واعلم أن لبني أمية ملكاً لا يستطيع الناس أن تردعه ، وأن لأهل الحق دولة إذا جاءت ولاها الله لمن يشاء منا أهل البيت ، فمن أدركها منكم كان عندنا في السنام الأعلى ، وإن قبضه الله قبل ذلك خار له .
واعلم أنه لا تقوم عصابة تدفع ضيماً أو تعز ديناً إلا صرعتهم المنية والبلية حتى تقوم عصابة شهدوا بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، لا يوارى قتيلهم ، ولا يرفع صريعهم ، ولا يداوى جريحهم ! قلت : من هم ؟ قال : الملائكة » .
الكافي : 2 / 23 : « عن إسماعيل الجعفي قال : دخل رجل على أبي جعفر عليه السلام ومعه صحيفة ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : هذه صحيفة مخاصم ، يسأل عن الدين الذي يقبل فيه العمل ، فقال : رحمك الله هذا الذي أريد ، فقال أبو جعفر عليه السلام : شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا
--------------------------- 662 ---------------------------
شريك له ، وأن محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله وتقر بما جاء من عند الله ، والولاية لنا أهل البيت والبراءة من عدونا ، والتسليم لأمرنا ، والورع والتواضع وانتظار قائمنا ، فإن لنا دولة إذا شاء الله جاء بها » .
وفي البرهان للمتقي الهندي / 174 : « عن مسند المحاملي أن الإمام الباقر عليه السلام قال : يزعمون أني أنا المهدي ، وإني إلى أجلي أدنى مني إلى ما يدَّعون » .
في غيبة النعماني / 87 : « عن داود بن كثير الرقي قال : دخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام بالمدينة فقال لي : ما الذي أبطأ بك يا داود عنا ؟ فقلت : حاجة عرضت بالكوفة ، فقال : من خلفت بها ؟ فقلت : جعلت فداك خلفت بها عمك زيداً ، تركته راكباً على فرس متقلداً سيفاً ، ينادي بأعلى صوته : سلوني سلوني قبل أن تفقدوني ، فبين جوانحي علم جم ، قد عرفت الناسخ من المنسوخ والمثاني والقرآن العظيم ، وإني لعَلَمٌ بين الله وبينكم . فقال لي : يا داود لقد ذهبت بك المذاهب ، ثم نادى : يا سماعة بن مهران إيتني بسلة الرطب ، فأتاه بسلة فيها رطب فتناول منها رطبة فأكلها واستخرج النواة من فيه فغرسها في الأرض ، ففلقت وأنبتت وأطلعت وأغدقت ، فضرب بيده إلى بسرة من عذق فشقها واستخرج منها رقاً أبيض ففضه ودفعه إليَّ ، وقال : إقرأه ، فقرأته وإذا فيه سطران : السطر الأول : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ! والثاني : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، الحسن بن علي ، الحسين بن علي ، علي بن الحسين ، محمد بن علي ، جعفر بن محمد ، موسى بن جعفر ، علي بن موسى ، محمد بن علي ، علي بن محمد ، الحسن بن علي ، الخلف الحجة .
ثم قال : يا داود أتدري متى كتب هذا في هذا ؟ قلت : الله أعلم ورسوله وأنتم ، فقال : قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام » .
كما عالج الأئمة عليهم السلام تسرع المستعجلين في توقيت ظهورالإمام المهدي عليه السلام ، وكذبوا الموقتين رجماً بالغيب ، جهلاً أو تضليلاً للناس ! ففي الكافي : 1 / 368 : « عن الفضل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت لهذا الأمر وقت ؟ فقال : كذب الوقاتون كذب الوقاتون كذب الوقاتون . إن موسى عليه السلام لما خرج وافداً إلى ربه واعدهم ثلاثين يوماً ، فلما زاده الله على
--------------------------- 663 ---------------------------
الثلاثين عشراً قال قومه قد أخلفنا موسى ، فصنعوا ما صنعوا ! فإذا حدثناكم الحديث فجاء على ما حدثناكم فقولوا : صدق الله ، وإذا حدثناكم الحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به فقولوا : صدق الله ، تؤجروا مرتين » .
وفي الإمامة والتبصرة / 94 : « عن أبي عبيدة الحذاء قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذا الأمر ، متى يكون ؟ قال : إن كنتم تؤملون أن يجيئكم من وجه ، ثم جاءكم من وجه فلا تنكروه » .
النعماني / 289 : « عن محمد بن مسلم قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا محمد ، من أخبرك عنا توقيتاً ، فلا تهابن أن تكذبه ، فإنا لا نوقت لأحد وقتاً » .
ومثله غيبة الطوسي / 262 : « وفيه : من وقَّت لك من الناس شيئاً فلا تهابَنَّ أن تكذبه . . ما وقتنا فيما مضى ، ولا نوقت فيما يستقبل » .
وفي الكافي : 1 / 368 : « عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن القائم عليه السلام فقال : كذب الوقاتون ، إنا أهل البيت لا نوقت . وفيها : أبى الله إلا أن يخالف وقت الموقتين » .
الكافي : 1 / 368 : « عن عبد الرحمن بن كثير قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه مهزم فقال له : جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظر متى هو ؟ فقال : يا مهزم كذب الوقاتون وهلك المستعجلون ونجا المسلمون » .
وفي الكافي : 1 / 368 : « عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : يا ثابت إن الله تبارك وتعالى كان وقَّت هذا الأمر في السبعين ، فلما أن قتل الحسين صلوات الله عليه اشتد غضب الله تعالى على أهل الأرض ، فأخره إلى أربعين ومائة ، فحدثناكم فأذعتم الحديث ، فكشفتم قناع الستر ، ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتاً عندنا ، ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب . قال أبو حمزة : فحدثت بذلك أبا عبد الله عليه السلام فقال : قد كان ذلك » .
وفي غيبة الطوسي / 263 ، والعياشي : 2 / 218 : « قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إن علياً عليه السلام كان يقول : إلى السبعين بلاء وكان يقول بعد البلاء رخاء ، وقد مضت السبعون ولم نر رخاء ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام . . قد كان ذاك » .
وفي إثبات الوصية / 131 ، والخرائج : 1 / 178 : « معنى قوله : إلى السبعين بلاء ، أن الله عز وجل
--------------------------- 664 ---------------------------
وقت الفرج سنة سبعين ، فلما قتل الحسين غضب الله على أهل ذلك الزمان فأخره إلى حين » .
وفي تحف العقول / 310 : « عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث قال : يا ابن النعمان إن العالم لا يقدر أن يخبرك بكل ما يعلم ، لأنه سر الله الذي أسره إلى جبرئيل ، وأسره جبرئيل إلى محمد ، وأسره محمد إلى علي ، وأسره علي إلى الحسن ، وأسره الحسن إلى الحسين ، وأسره الحسين إلى علي ، وأسره علي إلى محمد ، وأسره محمد إلى من أسرَّه . فلا تعجلوا ، فوالله لقد قرب هذا الأمر ثلاث مرات فأذعتموه فأخره الله . والله ما لكم سر إلا وعدوكم أعلم به منكم » .
وفي الكافي : 8 / 362 : « عن زرارة ، قال : سأله حمران فقال : جعلني الله فداك ، لو حدثتنا متى يكون هذا الأمر فسررنا به ؟ فقال : يا حمران إن لك أصدقاء وإخواناً ومعارف ، إن رجلاً كان فيما مضى من العلماء وكان له ابن لم يكن يرغب في علم أبيه ، ولايسأله عن شئ ، وكان له جار يأتيه ويسأله ويأخذ عنه ، فحضر الرجل الموت فدعا ابنه فقال : يا بني إنك قد كنت تزهد فيما عندي ، وتقل رغبتك فيه ، ولم تكن تسألني عن شئ ، ولي جار قد كان يأتيني ويسألني ويأخذ مني ويحفظ عني ، فإن احتجت إلى شئ فأته وعرفه جارك . فهلك الرجل وبقي ابنه فرأى ملك ذلك الزمان رؤيا فسأل عن الرجل فقيل له قد هلك ، فقال الملك : هل ترك ولداً ؟ فقيل له نعم ترك ابناً ، فقال إئتوني به ، فبعث إليه ليأتي الملك ، فقال الغلام : والله ما أدري لما يدعوني الملك وما عندي علم ، ولئن سألني عن شئ لأفتضحن ، فذكر ما كان أوصاه أبوه به ، فأتى الرجل الذي كان يأخذ العلم من أبيه فقال له : إن الملك قد بعث إلي يسألني ولست أدري فيم بعث إليَّ ، وقد كان أبي أمرني أن آتيك إن احتجت إلى شئ ، فقال الرجل : ولكني أدري فيما بعث إليك ، فإن أخبرتك فما أخرج الله لك من شئ فهو بيني وبينك ، فقال : نعم ، فاستحلفه واستوثق منه أن يفي له ، فأوثق له الغلام فقال : إنه يريد أن يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا ؟ فقل له : هذا زمان الذئب . فأتاه الغلام فقال له الملك : هل تدري لم أرسلت إليك ؟ فقال : أرسلت إلي تريد أن تسألني عن رؤيا رأيتها أي زمان هذا ؟ فقال له الملك : صدقت ، فأخبرني أي زمان هذا ؟ فقال له : زمان الذئب ، فأمر له بجائزة ، فقبضها الغلام وانصرف إلى منزله وأبى أن يفي لصاحبه ، وقال : لعلي لا أنفذ هذا المال ولا آكله حتى أهلك ، ولعلي لا أحتاج ولا أسأل عن مثل هذا الذي سئلت عنه ، فمكث ما شاء الله .
--------------------------- 665 ---------------------------
ثم إن الملك رأى رؤيا فبعث إليه يدعوه فندم على ما صنع ، وقال : والله ما عندي علم آتيه به ، وما أدري كيف أصنع بصاحبي وقد غدرت به ولم أف له ، ثم قال : لآتينه على كل حال ولأعتذرن إليه ولأحلفن له فلعله يخبرني ، فأتاه فقال له : إني قد صنعت الذي صنعت ولم أف لك بما كان بيني وبينك ، وتفرق ما كان في يدي ، وقد احتجت إليك فأنشدك الله أن لاتخذلني ، وأنا أوثق لك أن لا يخرج لي شئ إلا كان بيني وبينك ، وقد بعث إليَّ الملك ولست أدري عما يسألني ، فقال : إنه يريد أن يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا ؟ فقل له : إن هذا زمان الكبش ، فأتى الملك فدخل عليه ، فقال : لما بعثت إليك ؟ فقال : إنك رأيت رؤيا ، وإنك تريد أن تسألني أي زمان هذا ، فقال له : صدقت : فأخبرني أي زمان هذا ؟ فقال : هذا زمان الكبش ، فأمر له بصلة ، فقبضها وانصرف إلى منزله ، وتدبر في رأيه في أن يفي لصاحبه أو لا يفي له ، فهمَّ مرة أن يفعل ومرة أن لا يفعل ، ثم قال : لعلي أن لا أحتاج إليه بعد هذه المرة أبداً وأجمع رأيه على ما صنع على الغدر ، وترك الوفاء فمكث ما شاء الله .
ثم إن الملك رأى رؤيا فبعث إليه فندم على ما صنع فيما بينه وبين صاحبه ، وقال : بعد غدرمرتين كيف أصنع ، وليس عندي علم ، ثم أجمع رأيه على إتيان الرجل ، فأتاه فناشده الله تبارك وتعالى وسأله أن يُعَلِّمه ، وأخبره أن هذه المرة يفي له وأوثق له وقال : لاتدعني على هذه الحال فإني لا أعود إلى الغدر وسأفي لك ، فاستوثق منه . فقال : إنه يدعوك يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا ؟ فإذا سألك فأخبره أنه زمان الميزان . قال فأتى الملك فدخل عليه فقال له : لم بعثت إليك ؟ فقال : إنك رأيت رؤيا وتريد أن تسألني أي زمان هذا ، فقال : صدقت فأخبرني أي زمان هذا ؟ فقال : هذا زمان الميزان ، فأمر له بصلة فقبضها وانطلق بها إلى الرجل ، فوضعها بين يديه وقال : قد جئتك بما خرج لي فقاسمنيه ، فقال له العالم : إن الزمان الأول كان زمان الذئب ، وإنك كنت من الذئاب ، وإن الزمان الثاني كان زمان الكبش يهم ولا يفعل ، وكذلك كنت أنت تهم ولا تفي ، وكان هذا زمان الميزان وكنت فيه على الوفاء ، فاقبض مالك لا حاجة لي فيه ورده عليه » !
وقال في البحار : 14 / 497 : « إن لك أصدقاء وإخواناً : لعل المقصود من إيراد الحكاية بيان أن هذا الزمان ليس زمان الوفاء بالعهود ، فإن عرفتك زمان ظهور الأمر فلك أصدقاء
--------------------------- 666 ---------------------------
ومعارف ، فتحدثهم به فيشيع الخبر بين الناس وينتهي إلى الفساد » .
أقول : معناه أن الإمام الباقر عليه السلام يعرف وقت ظهور المهدي عليه السلام ولكن يخشى أن يتسرب الخبر كما ذكر المجلسي رحمه الله ، فالأئمة عليهم السلام يعرفون وقت الظهور . ويؤيده أنهم أخبروا أنه كان سنة كذا وتأخر بسبب إذاعته .
وهنا بحث آخر : هل أن وقت الظهور محدد في علم الله تعالى ، لا يتغير ، أم يتغير تبعاً لحالة الناس أو دعائهم ، وهل يؤثر دعاؤنا في تعجيل الفرج وتقريب وقته ، أم تنحصر فائدته بنا كما قال عليه السلام في التوقيع : وأكثروا من الدعاء بتعجيل الفرج فإن في ذلك فرجكم ؟
وبحث آخر ، في معنى توقيت ظهوره عليه السلام ، ومعنى تأخيره بسبب فعل الناس ، وفي معنى مشيئة الله وقضائه وقدره ، والحكمة من إظهار أمر سيكون فيه البداء .
وبحث آخر ، في معنى نهي الأئمة عليهم السلام عن الخروج على الحاكم الظالم ، وهل يحتاج الخروج والثورة إلى قيادة المعصوم عليه السلام أو إذنه ، أم أنها أحاديث تختص بظرفها فقط ، والثورة واجبة على من يستطيع ، كما يرى السيد الخميني قدس سره . . وكلها بحوث مفيدة لكن لا يتسع لها هذا الكتاب .
- *
--------------------------- 667 ---------------------------
الفصل الثالث والثلاثون : ( ولادة المهدي ، ولادة الإمام المهدي عليه السلام )
--------------------------- 668 ---------------------------
1 - الإبتكار النبوي لتعيين المهدي عليه السلام
من معجزات النبي صلى الله عليه وآله أنه أوتي جوامع الكلم ، ومن جوامع كلمه صلى الله عليه وآله تحديده للإمام المهدي عليه السلام بأنه التاسع من ذرية الحسين عليه السلام وابن خيرة الإماء .
فهو تحديد يبطل ادعاء المدعين ، وكذا قوله صلى الله عليه وآله : المهدي من عترتي . من أولاد فاطمة . بنا فتح الله وبنا يختم . لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوله الله . يملأ الأرض قسطاً وعدلاً . يحثو المال حثواً ولا يعده عداً . نحن سبعة ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة . . أنا وعلي أخي وحمزة عمي وجعفر ابن عمي والحسن والحسين والمهدي . الخ .
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله : « المهدي هو الخامس بعد السابع من ولدي » . وقوله صلى الله عليه وآله في وصف المهدي عليه السلام : « التاسع من صلب الحسين . بأبي ابن خيرة الإماء » وهو إخبارٌبطول عمره حتى يظهر عليه السلام . وهذه الأوصاف لا تنطبق إلا على المهدي بن الحسن العسكري عليه السلام ، فهو التاسع من صلب الحسين عليه السلام ، وأمه نرجس وهي أمةٌ رومية رضي الله عنها .
وقد تورط المخالفون في تأويل هذا الحديث فزعموا أن المهدي عليه السلام سيولد وتكون أمه أمَةً ، لكن عصر الإماء قد انتهى . ثم كيف يوصف بأنه سيولد وهو التاسع من صلب الحسين عليه السلام واليوم يفصلنا عن الحسين عليه السلام أكثر من أربعين جداً ، لأن معدل الجد ثلاثون سنة ، والإمام الحسين عليه السلام استشهد في سنة إحدى وستين هجرية ؟ !
ويظهر أن قول النبي صلى الله عليه وآله : « بأبي ابن خيرة الإماء » كان معروفاً فادعى بعضهم انطباقه على زيد الشهيد رحمه الله . ففي النعماني / 229 : « عن أبي الصباح قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال لي : ما وراءك ؟ فقلت : سرور من عمك زيد ، خرج يزعم أنه ابن سبية ، وهو قائم هذه الأمة ، وأنه ابن خيرة الإماء ، فقال : كذب ليس هو كما قال ، إن خرج قتل » !
أقول : لابد أن يكون التكذيب لادعاء من ادعى أن زيداً هو المهدي عليه السلام ، فقد وردت أحاديث صحيحة عن الإمام الصادق وغيره من الأئمة عليهم السلام في مدح زيد الشهيد رحمه الله وعلو مقامه ، وأنه دعا إلى مقاومة الظلم وإمامة الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله .
وقد استعمل أمير المؤمنين عليه السلام تعبير النبي صلى الله عليه وآله بأن المهدي ابن خيرة الإماء ، مرات عديدة ، فقد قال عليه السلام كما في شرح النهج : 7 / 58 : « فانظروا أهل بيت نبيكم ، فإن لبدوا فالبدوا ،
--------------------------- 669 ---------------------------
وإن استنصروكم فانصروهم ، فليفرجن الله الفتنة برجل منا أهل البيت ، بأبي ابن خيرة الإماء ، لا يعطيهم إلا السيف ، هرجاً هرجاً موضوعاً على عاتقه ثمانية أشهر ، حتى تقول قريش : لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا . يغريه الله ببني أمية حتى يجعلهم حطاماً ورفاتاً ، مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً . سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً » .
قال الشارح : « فإن قيل : ومن هذا الرجل الموعود به الذي قال عنه : بأبي ابن خيرة الإماء ؟ قيل : أما الإمامية فيزعمون أنه إمامهم الثاني عشر ، وأنه ابن أمة اسمها نرجس ، وأما أصحابنا فيزعمون أنه فاطمي يولد في مستقبل الزمان لأم ولد ، وليس بموجود الآن » . انتهى .
أقول : أين الإماء كما تخيل ابن أبي الحديد لتكون والدة الإمام المهدي عليه السلام منهن ؟ !
وفي النعماني / 229 ، بسنده عن الحارث الهمداني ، قال قال أمير المؤمنين عليه السلام : « بأبي ابن خيرة الإماء ، يعني القائم من ولده عليهم السلام ، يسومهم خسفاً ويسقيهم بكأس مصبَّرة ، ولا يعطيهم إلا السيف هرجاً ، فعند ذلك تتمنى فَجَرَةُ قريش لو أن لها مفاداةً من الدنيا وما فيها ليَغفر لها ، لا يكفُّ عنهم حتى يرضى الله » .
وفي مقتضب الأثر / 31 ، بسنده عن جماعة أنهم كانوا عند علي عليه السلام : « فكان إذا أقبل ابنه الحسن عليه السلام يقول : مرحباً يا ابن رسول الله ، وإذا أقبل الحسين عليه السلام يقول : بأبي أنت وأمي يا أبا ابن خيرة الإماء ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ما بالك تقول هذا للحسن وتقول هذا للحسين ؟ ومن ابن خيرة الإماء ؟ فقال : ذاك الفقيد الطريد الشريد ، محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين هذا ، ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام » .
وفي غيبة النعماني / 228 : « عن عبد الرحيم القصير قال قلت لأبي جعفر عليه السلام : قول أمير المؤمنين عليه السلام : بأبي ابن خيرة الإماء ، أهي فاطمة عليها السلام ؟ فقال : إن فاطمة عليها السلام خيرة الحرائر . ذاك المبدح بطنه المشرب حمرة ، رحم الله فلاناً » .
أي ذاك المهدي ، عظيم البدن ، وجهه أبيض مشرب بحمرة .
وفي الإرشاد : 2 / 382 : « عن جابر الجعفي قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام قال : سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين عليه السلام فقال : أخبرني عن المهدي ما اسمه ؟ فقال : أما اسمه فإن حبيبي عليه السلام عهد إليَّ ألا أحدث به حتى يبعثه الله . قال : فأخبرني عن صفته ؟ قال : هو شاب
--------------------------- 670 ---------------------------
مربوع حسن الوجه ، حسن الشعر ، يسيل شعره على منكبيه ، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه ، بأبي ابن خيرة الإماء » .
2 - الإمام المهدي ابن خيرة الإماء وكذا جده الإمام الجواد عليه السلام
ورد تعبير : « ابن خيرة الإماء » عن النبي صلى الله عليه وآله في حق الإمام المهدي عليه السلام ، وفي حق الإمام الجواد عليه السلام : « وأمه أمةٌ نوبية سوداء » . كان الإمام الجواد عليه السلام أسمر ، فاستغلت ذلك السلطة للنيل من الإمام الرضا وأشاعت أن محمداً الجواد ليس ابنه لأنه ليس أبيض مثله ! وجاؤوا بالقافة ، فحكموا بأنه ابنه ، فنصره الله على الكذابين ! « قال عمه علي بن جعفر في قصة حكم القافة وتكذيبهم ادعاء المفترين : فقمت فمصصت ريق أبي جعفر عليه السلام ثم قلت له : أشهد أنك إمامي عند الله ! فبكى الرضا ثم قال : يا عم ! ألم تسمع أبي وهو يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : بأبي ابن خيرة الإماء ، ابن النوبية الطيبة الفم ، المنتجبة الرحم ، ويْلَهم ، لعن الله الأعَيْبِس وذريته صاحب الفتنة ، ويقتلهم « ابنه ابن خيرة الإماء » سنين وشهوراً وأياماً ، يسومهم خسفاً ويسقيهم كأساً مصبرة ، وهو الطريد الشريد ، الموتور بأبيه وجده صاحب الغيبة ، يقال : مات أو هلك أي واد سلك ؟ ! أفيكون هذا يا عم إلا مني ؟ ! فقلت : صدقت جعلت فداك » . « الكافي : 1 / 322 »
فالإمام الجواد عليه السلام ابن خيرة الإماء النوبية ، والإمام المهدي عليه السلام ابن خيرة الإماء الرومية ، وهو الطريد الشريد صاحب الغيبة ، وهو المنتقم من خط الضلال ، الذي يمثله بنو أمية ، وبنو الأعيبس ، أي العباس .
3 - من ابتكارات الأئمة عليهم السلام في تحديد شخصية المهدي عليهم السلام
ومن ذلك تحديدهم للمهدي عليه السلام بالاسم ، والأم ، والعدد ، والصفات ، والشخص . ففي النعماني / 179 : « عن أبي الهيثم الميثمي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال : إذا توالت ثلاثة أسماء : محمد وعلي والحسن ، كان رابعهم قائمهم » .
وفي غيبة الطوسي / 36 : « عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : على رأس السابع منا الفرج » .
--------------------------- 671 ---------------------------
وقال في إثبات الهداة : 3 / 499 : المراد السابع منه عليه السلام ، لا من علي عليه السلام .
وفي غيبة الطوسي / 28 : « في خبر آخر عن الإمام الصادق عليه السلام : يظهر صاحبنا ، وهو من صلب هذا ، وأومأ بيده إلى موسى بن جعفر عليه السلام ، فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، وتصفو له الدنيا » .
وفي كمال الدين : 2 / 334 : « عن المفضل بن عمر قال : دخلت على سيدي جعفر بن محمد عليه السلام فقلت : يا سيدي لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك ؟ فقال لي : يا مفضل : الإمام من بعدي ابني موسى ، والخلف المأمول المنتظر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى » .
وفي كمال الدين / 383 : « عن الصقر بن أبي دلف قال : سمعت علي بن محمد بن علي الرضا يقول : إن الإمام بعدي الحسن ابني ، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
وفي الكافي : 1 / 341 : « عن أبي حمزة قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له : أنت صاحب هذا الأمر ؟ فقال : لا ، فقلت : فولدك ؟ فقال : لا ، فقلت فولد ولدك هو ؟ قال : لا ، فقلت : فولد ولد ولدك ؟ فقال : لا ، قلت : من هو ؟ قال : الذي يملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، على فترة من الأئمة ، كما أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث على فترة من الرسل » .
تجري في ولادته وغيبته سنن عدد من الأنبياء عليهم السلام
في كمال الدين : 1 / 321 : « عن سعيد بن جبيرقال : سمعت سيد العابدين علي بن الحسين يقول : في القائم منا سنن من الأنبياء : سنة من أبينا آدم ، وسنة من نوح ، وسنة من إبراهيم ، وسنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من أيوب ، وسنة من محمد صلوات الله عليهم . فأما من آدم ونوح فطول العمر ، وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس ، وأما من موسى فالخوف والغيبة ، وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه ، وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى ، وأما من محمد صلى الله عليه وآله فالخروج بالسيف » .
وفي كمال الدين : 1 / 152 و 340 : « عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : في القائم سنة من موسى بن عمران . فقلت : وما سنته من موسى بن عمران ؟ قال : خفاء مولده وغيبته
--------------------------- 672 ---------------------------
عن قومه ، فقلت : وكم غاب موسى عن أهله وقومه ؟ فقال : ثمانٍ وعشرين سنة » .
وفي كمال الدين : 2 / 350 : « عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إن في صاحب هذا الأمر سنناً من الأنبياء : سنة من موسى بن عمران ، وسنة من عيسى ، وسنة من يوسف ، وسنة من محمد صلوات الله عليهم . فأما سنة من موسى بن عمران فخائف يترقب ، وأما سنة من عيسى فيقال فيه ما قيل في عيسى ، وأما سنة من يوسف فالستر ، يجعل الله بينه وبين الخلق حجاباً يرونه ولا يعرفونه ، وأما سنة من محمد صلى الله عليه وآله فيهتدي بهداه ويسير بسيرته » .
وفي النعماني / 164 : « عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول : في صاحب هذا الأمر سنن من أربعة أنبياء : سنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من يوسف ، وسنة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين ، فقلت : ما سنة موسى ؟ قال : خائف يترقب . قلت : وما سنة عيسى ؟ فقال : يقال فيه ما قيل في عيسى ، قلت : فما سنة يوسف ؟ قال : السجن والغيبة . قلت : وما سنة محمد صلى الله عليه وآله ؟ قال : إذا قام سار بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أنه يبين آثار محمد ، ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً هرجاً حتى يرضى الله . قلت : فكيف يعلم رضا الله ؟ قال : يُلقي الله في قلبه الرحمة » .
ورواه دلائل الإمامة / 291 ، وفيه : وأما شبهه من يوسف فإن إخوته يبايعونه ويخاطبونه وهم لا يعرفونه .
وفي كمال الدين : 2 / 28 « وأما سنة يوسف فإن إخوته كانوا يبايعونه ويخاطبونه ولايعرفونه ، وأما سنة عيسى فالسياحة ، وأما سنة محمد صلى الله عليه وآله فالسيف » .
وفي كمال الدين : 1 / 327 : « فأما شبهه من يونس بن متى : فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن . . . وأما شبهه من موسى عليه السلام فدوام خوفه وطول غيبته وخفاء ولادته ، وتعب شيعته من بعده مما لقوا من الأذى والهوان ، إلى أن أذن الله عز وجل في ظهوره ونصره وأيده على عدوه . . . وأما شبهه من جده المصطفى صلى الله عليه وآله فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله وأعداء رسوله والجبارين والطواغيت ، وأنه ينصر بالسيف والرعب وأنه لا ترد له راية . وإن من علامات خروجه : خروج السفياني من الشام ، وخروج اليماني « من اليمن » وصيحة من السماء في شهر رمضان ، ومنادياً ينادي من السماء باسمه واسم أبيه » .
--------------------------- 673 ---------------------------
وفي كمال الدين / 480 : « لأن الله عز وجل أبى إلا أن تجري فيه سنن الأنبياء عليهم السلام في غيباتهم ، وإنه لابد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم ، قال الله تعالى : لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ، أي سنن من كان قبلكم » .
وفي كمال الدين 2 / 479 : « عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : صاحب هذا الأمر تعمى ولادته على هذا الخلق ، لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج » . وفي / 480 : « ويصلح الله عز وجل أمره في ليلة واحدة » .
العباسيون على سنة نمرود وفرعون !
ذكرت مصادر الأديان والتاريخ أن المنجمين أخبروا نمروداً بأن ولداً يولد في تلك السنة في عاصمته ، يخشى منه على ملكه ، فمنع نمرود الإنجاب ، وكان يقتل كل مولود ذكر ! وكذلك أخبروا فرعون ، فكان يقتل كل مولود ذكر من بني إسرائيل . ففي تفسير القمي : 1 / 207 : « وكل نمرود بكل امرأة حامل فكان يذبح كل ولد ذكر ، فهربت أم إبراهيم بإبراهيم من الذبح ، وكان يشب إبراهيم في الغار يوماً كما يشب غيره في الشهر ، حتى أتى له في الغار ثلاثة عشر سنة ، فلما كان بعد ذلك زارته أمه فلما أرادت أن تفارقه تشبث بها فقال يا أمي أخرجيني ، فقالت له يا بني إن المَلِك إنْ علم أنك ولدت في هذا الزمان ، قتلك » .
وفي تفسير القمي 2 / 135 : عن أبي جعفرالإمام الباقر عليه السلام قال : « إن موسى لما حملت به أمه لم يظهر حملها إلا عند وضعه ، وكان فرعون قد وكل بنساء بني إسرائيل نساء من القبط يحفظنهن ، وذلك أنه كان لما بلغه عن بني إسرائيل انهم يقولون إنه يولد فينا رجل يقال له موسى بن عمران ، يكون هلاك فرعون وأصحابه على يده ، فقال فرعون عند ذلك : لأقتلن ذكور أولادهم حتى لا يكون ما يريدون ، وفرق بين الرجال والنساء ، وحبس الرجال في المحابس ، فلما وضعت أم موسى بموسى نظرت إليه وحزنت عليه واغتمت وبكت وقالت يذبح الساعة ، فعطف الله بقلب الموكلة بها عليه فقالت لام موسى : ما لك قد اصفر لونك ؟ فقالت : أخاف ان يذبح ولدي ! فقالت : لا تخافي وكان موسى لا يراه أحد إلا أحبه ، وهو قول الله : وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ، فأحبته القبطية الموكلة به وأنزل الله على موسى
--------------------------- 674 ---------------------------
التابوت ونوديت أمه : أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ، وهو البحر . وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ . فوضعته في التابوت وأطبقت عليه وألقته في النيل . وكان لفرعون قصرعلى شط النيل منتزها فنظر من قصره ومعه آسية امرأته فنظر إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج والرياح تضربه ، حتى جاءت به إلى باب قصر فرعون ، فأمر فرعون بأخذه ، فأخذ التابوت ورفع إليه ، فلما فتحه وجد فيه صبياً ، فقال : هذا إسرائيلي ، وألقى الله في قلب فرعون لموسى محبة شديدة ، وكذلك في قلب آسية . وأراد فرعون ان يقتله فقالت آسية لا تقتله : عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون . أنه موسى ، ولم يكن لفرعون ولد فقال : إئتوا ظئرا تربيه ، فجاؤوا بعدة نساء قد قتل أولادهن ، فلم يشرب لبن أحد من النساء وهو قول الله : وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ ، وبلغ أمه أن فرعون قد أخذه فحزنت وبكت كما قال الله : وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ . يعني كادت أن تخبر بخبره أو تموت ، ثم ضبطت نفسها ، فكان كما قال الله عز وجل : لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَالَتْ لأُخْتِهِ أي لأخت موسى قُصِّيهِ أي اتبعيه فجاءت أخته إليه فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ . أي عن بعد وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ، فلما لم يقبل موسى ثدي أحد من النساء اغتم فرعون غماً شديداً ، فقالت أخته : هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ . فقال : نعم فجاءت بأمه فلما اخذته في حجرها وألقمته ثديها التقمه وشرب ، ففرح فرعون وأهله وأكرموا أمه ، فقالوا لها : ربيه لنا فإنا نفعل بك ما نفعل ، وذلك قول الله تعالى : فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ . وكان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل كلما يلدون ، ويربي موسى ويكرمه ولا يعلم أن هلاكه على يده ! فلما درج موسى كان يوماً عند فرعون فعطس موسى فقال الحمد لله رب العالمين ، فأنكر فرعون عليه ولطمه وقال : ما هذا الذي تقول ؟ فوثب موسى على لحيته وكان طويل اللحية فهلبها ، أي قلعها فألمه ألماً شديداً بلطمته إياه ، فهم فرعون بقتله فقالت امرأته : هذا غلام حدث لا يدري ما يقول ، فقال فرعون : بل يدري ، فقالت امرأته ضع بين يديه تمراً وجمراً ، فإن ميز بينهما فهوالذي تقول ، فوضع بين يديه تمراً وجمراً وقال له : كل ، فمد يده إلى التمر فجاء جبرئيل فصرفها إلى الجمر ، فأخذ الجمر في فيه فاحترق لسانه وصاح وبكى .
--------------------------- 675 ---------------------------
فقالت آسية لفرعون : ألم أقل لك إنه لا يعقل ، فعفا عنه .
فقلت لأبي جعفر عليه السلام : فكم مكث موسى غائباً عن أمه حتى رده الله عليها ؟ قال : ثلاثة أيام فقلت كان هارون أخا موسى لأبيه وأمه ؟ قال : نعم أما تسمع الله تعالى يقول : يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلا بِرَأْسِى . فقلت : فأيهما كان أكبر سناً ؟ قال : هارون . قلت : فكان الوحي ينزل عليهما جميعاً ؟ قال : الوحي ينزل على موسى وموسى يوحيه إلى هارون . فقلت له : أخبرني عن الأحكام والقضاء والأمر والنهي أكان ذلك اليهما ؟ قال : كان موسى الذي يناجي ربه ويكتب هارون العلم ويقضي بين بني إسرائيل ، وهارون يخلفه إذا غاب من قومه للمناجاة ، قلت : فأيهما مات قبل صاحبه ؟ قال هارون قبل موسى عليه السلام وماتا جميعاً في التيه ، قلت فكان لموسى ولد ، قال لا كان الولد لهارون والذرية له . قال : فلم يزل موسى عند فرعون في أكرم كرامة حتى بلغ مبلغ الرجال وكان ينكر عليه ما يتكلم به موسى من التوحيد حتى هم به ، فخرج موسى من عنده ودخل المدينة فإذا رجلان يقتتلان أحدهما يقول بقول موسى والآخر يقول بقول فرعون : فاستغاثه الذي من شيعته ، فجاء موسى فوكز صاحب فرعون فقضي عليه وتوارى في المدينة فلما كان من الغد جاء آخر فتشبث بذلك الرجل الذي يقول بقول موسى ، فاستغاث بموسى ، فلما نظر صاحبه إلى موسى قال له : أتريد ان تقتلني كما قلت نفسا بالأمس . فخلى عن صاحبه وهرب ، وكان خازن فرعون مؤمناً بموسى قد كتم إيمانه ستمائة سنة وهو الذي قال الله : وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا ان يقول ربي الله . وبلغ فرعون خبر قتل موسى الرجل ، فطلبه ليقتله فبعث المؤمن إلى موسى : قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلا يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ . فَخَرَجَ مِنْهَاكما حكى الله ، خَائِفًا يَتَرَقَّبُ . قال يلتفت عن يمنة ويسرة ويقول : قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . ومر نحو مدين وكان بينه وبين مدين مسيره ثلاثة أيام فلما بلغ باب مدين رأى بئراً يستقي الناس منها لأغنامهم ودوابهم فقعد ناحية ولم يكن أكل منذ ثلاث أيام شيئاً ، فنظر إلى جاريتين في ناحية ومعهما غنيمات لا تدنوان من البئر ، فقال لهما مالكما لا تستقيان ؟ قالتا كما حكى الله : لا نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ . فرحمهما موسى ودنا من البئر فقال لمن على البئر أستقي لي دلواً ولكم دلواً ، وكان
--------------------------- 676 ---------------------------
الدلو يمده عشرة رجال ، فاستقى وحده دلواً لمن على البئر ودلواً لبنتي شعيب ، وسقى أغنامهما . ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ . وكان شديد الجوع .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : إن موسى كليم الله حيث سقى لهما : ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ . والله ما سأل الله إلا خبزاً يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض ، ولقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه من هزاله فلما رجعتا ابنتا شعيب إلى شعيب قال لهما أسرعتما الرجوع ، فأخبرتاه بقصة موسى عليه السلام ولم تعرفاه فقال شعيب لواحدة منهن : إذهبي إليه فادعيه لنجزيه أجر ما سقى لنا فجاءت إليه كما حكى الله تعالى : تَمْشِى عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فقام موسى معها ومشيت أمامه فسفقتها الرياح فبان عجزها ، فقال لها موسى : تأخري ودليني على الطريق بحصاة تلقيها أمامي أتبعها ، فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء ، فلما دخل على شعيب قص عليه قصته ، فقال له شعيب : لا تخف نجوت من القوم الظالمين . قالت إحدى بنات شعيب : يا أبت استأجره ان خير من استأجرت القوي الأمين ، فقال لها شعيب : أما قوته فقد عرفتيه أنه يستقي الدلو وحده ، فبم عرفت أمانته ؟ فقالت إنه لما قال لي تأخري عني ودليني على الطريق ، فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء فهذه أمانته ، فقال له شعيب : قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَىَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِى ثَمَانِىَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ . قَالَ ذَلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَىَّ ، أي لا سبيل علي إن عملت عشر سنين أو ثمان سنين ، فقال موسى : وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ . قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أي الأجلين قضى ؟ قال أتمها عشر حجج . . الخ . .
وفي مستدرك الحاكم : 2 / 574 : « عن وهب بن منبه قال : ولما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها جميع الناس ، فلم يطلع على حملها أحد من خلق الله ، وذلك شئ أسرها الله به لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل . فلما كانت السنة التي يولد فيها موسى بن عمران ، بعث فرعون القوابل وتقدم إليهن ، وفتش النساء تفتيشاً لم يفتشهن قبل ذلك ، وحملت أم موسى بموسى فلم ينتأ بطنها ولم يتغير لونها ولم يفسد لبنها ، فكانت القوابل لايتعرضن
--------------------------- 677 ---------------------------
لها ، فلما كانت الليلة التي ولد فيها موسى ولدته أمه ولا رقيب عليها ولا قابل ، ولم يطلع عليها أحد إلا أختها مريم ، وأوحى الله إليها أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِين ، قال : فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي ولا يتحرك ، فلما خافت عليه وعليها عملت له تابوتاً مطبقاً ، ومهدت له فيه ثم ألقته في البحر ليلاً كما أمرها الله ! وعملت التابوت على عمل سفن البحر خمسة أشبار في خمسة أشبار ، ولم يقيَّر ، فأقبل التابوت يطفو على الماء فألقى البحر التابوت بالساحل في جوف الليل ، فلما أصبح فرعون جلس في مجلسه على شاطئ النيل فبصر بالتابوت فقال لمن حوله من خدمه : إئتوني بهذا التابوت فأتوه به ، فلما وضع بين يديه فتحوه فوجد فيه موسى ، قال فلما نظر إليه فرعون قال : كيف أخطأ هذا الغلام الذبح ، وقد أمرت القوابل أن لا يكتمن مولوداً يولد ! قال : وكان فرعون قد استنكح امرأة من بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم ، وكانت من خيار النساء المعدودات ، ومن بنات الأنبياء عليهم السلام وكانت أماً للمسلمين ترحمهم وتتصدق عليهم وتعطيهم ويدخلون عليها ، فقالت لفرعون وهي قاعدة إلى جنبه هذا الوليد أكبر من ابن سنة ، وإنما أمرت أن تذبح الولدان لهذه السنة ، فدعه يكون قرة عين لي ولك ، لاتَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ . أن هلاكهم على يديه وكان فرعون لا يولد له إلا البنات . . » .
السلطة القرشية من قديم تبحث عن الإمام المهدي عليهم السلام
في إثبات الهداة : 3 / 570 : عن الفضل بن شاذان بسند صحيح عن الإمام العسكري عليه السلام قال : « وضع بنو أمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلتين : إحداهما أنهم كانوا يعلمون أنه ليس لهم في الخلافة حق ، فيخافون من ادعائنا إياها وتستقر في مركزها . وثانيهما أنهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منا ، وكانوا لا يشكون أنهم من الجبابرة والظلمة ، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وإبادة نسله ، طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولد القائم أو قتله ، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم ، إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون » .
--------------------------- 678 ---------------------------
وقد بدأ البحث عن المهدي عليه السلام من يوم بشر به جده رسول الله صلى الله عليه وآله ، وتقدم أن عمر سأل علياً عليه السلام عن اسمه فاعتذر ، لأن النبي صلى الله عليه وآله أسرَّه اليه ، فسأله عن صفته .
وتقدم في فصل تحريفاتهم للبشارة النبوية من تاريخ أهل البيت للطبري المؤرخ ، قول معاوية لابن عباس : « وقد زعمتم أن لكم مُلكاً هاشمياً ومهدياً قائماً ، والمهدي عيسى بن مريم ، وهذا الأمر في أيدينا حتى نسلمه إليه » !
لكن معاوية مع ذلك ادعى أنه هو المهدي ، كما وثقناه من مسند أحمد .
قال الصدوق رحمه الله في كمال الدين / 47 : « كفعل فرعون في قتل أولاد بني إسرائيل ، للذي قد كان ذاع منهم وانتشر بينهم من كون موسى بينهم ، وهلاك فرعون ومملكته على يديه ، وكذلك كان فعل نمرود قبله في قتل أولاد رعيته وأهل مملكته في طلب إبراهيم عليه السلام ، زمان انتشار الخبر بوقت ولادته ، وكون هلاك نمرود وأهل مملكته ودينه على يديه . كذلك فعل طاغية زمان الحسن بن علي والد صاحب الزمان عليه السلام وطلب ولده والتوكيل بداره وحبس جواريه ، والإنتظار بهن وضع الحمل الذي كان بهن » .
وقد كان الأمويون بعد معاوية يبحثون عن المهدي عليه السلام ! ففي النعماني / 288 : « عن أبي خالد الكابلي قال : لما مضى علي بن الحسين عليه السلام دخلت على محمد بن علي الباقر عليه السلام فقلت له : جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك وأنسي به ووحشتي من الناس ، قال : صدقت يا أبا خالد فتريد ماذا ؟ قلت : جعلت فداك ، قد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفة لو رأيته في بعض الطريق لأخذت بيده ، قال : فتريد ماذا يا أبا خالد ؟ قلت أريد أن تسميه لي حتى أعرفه باسمه فقال : سألتني والله يا أبا خالد عن سؤال مجهد ، ولقد سألتني عن أمر ما كنت محدثاً به أحداً ، ولو كنت محدثاً به أحداً لحدثتك ، ولقد سألتني عن أمر لو أن بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة » .
كان الملوك العباسيون يعرفون إمامة العترة عليهم السلام
كان العباسيون يعرفون جيداً أن الأئمة من عترة النبي صلى الله عليه وآله اختارهم الله تعالى وأوصى النبي صلى الله عليه وآله بطاعتهم ! لكن الملك عقيم كما قال هارون الرشيد لابنه المأمون . فقد روى
--------------------------- 679 ---------------------------
الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 85 ، عن المأمون أن أباه هارون لما زار المدينة زاره الإمام الكاظم عليه السلام : « فقام الرشيد لقيامه وقبل عينيه ووجهه ، ثم أقبل عليَّ وعلى الأمين والمؤتمن فقال : يا عبد الله ويا محمد ويا إبراهيم ، إمشوا بين يدي عمكم وسيدكم ، خذوا بركابه وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله ، فأقبل عليَّ أبو الحسن موسى بن جعفر سراً بيني وبينه فبشرني بالخلافة فقال لي : إذا ملكت هذا الأمر فأحسن إلى وُلدي ، ثم انصرفنا وكنت أجرأ وُلد أبي عليه ، فلما خلا المجلس قلت : يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته وأجللته وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته وأقعدته في صدر المجلس وجلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له ! قال : هذا إمام الناس وحجة الله على خلقه وخليفته على عباده ! فقلت : يا أمير المؤمنين أوَليست هذه الصفات كلها لك وفيك ؟ فقال : أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر ، وموسى بن جعفر إمام حق ، والله يا بني إنه لأحقُّ بمقام رسول الله مني ومن الخلق جميعاً ! ووالله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك ، فإن الملك عقيم !
فلما أراد الرحيل من المدينة إلى مكة أمر بصرة سوداء فيها مائتا دينار ، ثم أقبل على الفضل بن الربيع ، فقال له : إذهب بهذه إلى موسى بن جعفر وقل له : يقول لك أمير المؤمنين : نحن في ضيقة وسيأتيك برنا بعد الوقت .
فقمت في صدره فقلت : يا أمير المؤمنين تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وساير قريش وبني هاشم ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسه آلاف دينار إلى ما دونها ، وتعطى موسى بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مئتي دينار ، أخس عطية أعطيتها أحداً من الناس ؟ ! فقال : أسكت لا أم لك ، فإني لو أعطيت هذا ما ضمنته له ، ما كنت أمنته أن يضرب وجهي غداً بمائه ألف سيف من شيعته ومواليه ! وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم !
فلما نظر إلى ذلك مخارق المغنى ، دخله في ذلك غيظ ، فقام إلى الرشيد فقال : يا أمير المؤمنين قد دخلت المدينة وأكثر أهلها يطلبون مني شيئاً ، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئاً ، لم يتبين لهم تفضل أمير المؤمنين عليَّ ومنزلتي عنده ! فأمر له بعشرة آلاف دينار ، فقال : يا أمير المؤمنين
--------------------------- 680 ---------------------------
هذا لأهل المدينة وعليَّ دين أحتاج أن أقضيه ، فأمر له بعشرة آلاف دينار أخرى ، فقال له : يا أمير المؤمنين بناتي أريد أزوجهن وأنا محتاج إلى جهازهن ، فأمر له بعشرة آلاف دينار أخرى فقال له : ياأميرالمؤمنين لا بد من غلة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي وأزواجهن القوت ، فأمر له بإقطاع ما تبلغ غلته في السنة عشرة آلاف دينار وأمر أن يعجل ذلك عليه من ساعته !
ثم قام مخارق من فوره وقصد موسى بن جعفر وقال له : قد وقفت على ما عاملك به هذا الملعون ، وما أمر لك به ! وقد احتلت عليه لك وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار وإقطاعاً يغل في السنة عشرة آلاف دينار ، ولا والله يا سيدي ما أحتاج إلى شئ من ذلك ما أخذته إلا لك ! وأنا أشهد لك بهذه الإقطاع وقد حملت المال إليك !
فقال عليه السلام : بارك الله لك في مالك وأحسن جزاك ، ما كنت لآخذ منه درهماً واحداً ولا من هذه الإقطاع شيئاً ، وقد قبلت صلتك وبرك ، فانصرف راشداً ، ولا تراجعني في ذلك فقبل يده وانصرف » !
أقول : هنيئاً لهذا المغني ، وبؤساً لهارون ! وقبل زمن هارون كان العباسيون يعرفون أن علياً والعترة عليهم السلام أئمة ربانيون ، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله العباس وأولاده بأنهم سيحكمون ويَطْغَوْن . وعندما ولد جدهم علي بن عبد الله بن العباس في الكوفة ، سماه أمير المؤمنين عليه السلام علياً وقال له : خذ إليك أبا الأملاك ! ( شرح النهج : 7 / 148 ) وكانت أسماء ملوكهم في صحيفة عند محمد بن الحنفية ، ويقال إنها وصلت إلى بني العباس من أبي هاشم بن محمد بن الحنفية .
ثم كان أبناؤهم يعرفون جيداً إمامة الإمام زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق عليهم السلام ، ويسألونهم عن مستقبلهم ولو بكلمة ، ولهم في ذلك أخبار دونتها مصادر التاريخ والحديث .
زادت السلطة رقابتها وتحداها الإمام العسكري عليهم السلام
عندما اقترب عدد أئمة العترة عليهم السلام من اثني عشر ، زاد خوف السلطة العباسية منهم فأجبرت العاشرمنهم الإمام علي الهادي وولده
--------------------------- 681 ---------------------------
الإمام الحسن عليه السلام على الإقامة في العاصمة سامراء ، التي كانت تسمى العسكر ، فعرفا بلقب العسكريين .
ثم بدا للخليفة العباسي أن يقتل الإمام الهادي عليه السلام فقتله ، وشدد الرقابة على ولده الإمام الحسن العسكري عليه السلام لأنه الحادي عشر ، ثم قرر أن يقتله ليمنع ولادة الإمام الثاني عشر الموعود الذي يهدد ملكهم ! ولا يبعد أن يكون الخليفة هدد الإمام العسكري عليه السلام بالقتل إن هو تزوج ، وكان يتصور أنه سيتزوج امرأة قرشية كما تفعل شخصيات قريش ، لكنه عليه السلام أعتق جاريته نرجس الرومية وتزوجها ، وشاء الله أن يكون ولده المهدي عليه السلام منها .
ففي كمال الدين : 2 / 408 : « عن علان الرازي قال : أخبرني بعض أصحابنا أنه لما حملت جارية أبي محمد عليه السلام قال : ستحملين ذكراً ، واسمه محمد ، وهو القائم من بعدي » .
وفي كمال الدين : 2 / 407 : « عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي أنه خرج من أبي محمد عليه السلام توقيع : زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل ! وقد كذب الله عز وجل قولهم ، والحمد لله » .
وفي غيبة الطوسي / 134 و 138 : « قال أبو محمد حين ولد الحجة عليه السلام : زعمت الظلمة أنهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل ! كيف رأوا قدرة القادر ! وسماه المؤمل » .
وفي الكافي : 1 / 329 ، و 514 : « عن أحمد بن محمد بن عبد الله قال : خرج عن أبي محمد حين قتل الزبيري لعنه الله : هذا جزاء من اجترأ على الله في أوليائه ، يزعم أنه يقتلني وليس لي عقب ، فكيف رأى قدرة الله فيه ؟ وولد له ولد سماه م ح م د في سنة ست وخمسين ومائتين » . ورواه في كمال الدين : 2 / 430 ، بسند صحيح ، عن معلى بن محمد البصري قال : خرج عن أبي محمد حين قتل الزبيري . . الخ .
أقول : يقصد بالزبيري الخليفة العباسي ابن المعتز الذي هو الزبير بن المتوكل ، وقد حكم المعتز ثلاث سنوات وتسعة أشهر ، وهو الذي قتل الإمام الهادي عليه السلام ، ثم أجبره القادة الأتراك على خلع نفسه ، ونصبوا بعده المهتدي فحكم أحد عشر شهراً وقتله الأتراك ، وهو الذي حبس الإمام العسكري عليه السلام وأراد قطع نسله فأهلكه الله تعالى . وكان يعرف أن الثاني عشر هو الخطر على ملكهم ، فأراد قتل الحادي عشر !
ثم نصب الأتراك بعده المعتمد بن المتوكل وحكم ثلاثاً وعشرين سنة ، وفي عصره ولد الإمام المهدي عليه السلام ، وفي السنة الخامسة من ملكه قام بجريمة قتل الإمام العسكري عليه السلام .
وفي غيبة الطوسي / 205 : « عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت محبوساً مع أبي محمد عليه السلام
في حبس المهتدي بن الواثق فقال لي : يا أبا هاشم إن هذا الطاغي أراد أن يعبث بالله
--------------------------- 682 ---------------------------
في هذه الليلة وقد بتر الله عمره وجعله للقائم من بعده ، ولم يكن لي ولد وسأرزق ولداً . قال أبو هاشم : فلما أصبحنا شغب الأتراك على المهتدي فقتلوه ، وولي المعتمد مكانه وسلمنا الله تعالى » .
وقال في البحار : 50 / 313 : شغب الأتراك على المهتدي وأعانهم العامة لما عرفوا من قوله بالاعتزال والقدر ، وقتلوه ونصبوا مكانه المعتمد وبايعوا له ، وكان المهتدي قد صحح العزم على قتل أبي محمد عليه السلام فشغله الله بنفسه حتى قتل » .
وفي دلائل الإمامة / 423 : « وعاش بعد أبيه أيام إمامته بقية ملك المعتز ، ثم ملك المهتدي ، ثم ملك أحمد بن جعفر المتوكل المعروف بالمعتمد اثنين وعشرين سنة وأحد عشر شهراً ، وبعد خمس سنين من ملكه استشهد ولي الله ، وقد كمل عمره تسعاً وعشرين سنة . ومات مسموماً يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين من الهجرة ، بسر من رأى ، ودفن في داره إلى جانب قبر أبيه عليه السلام » .
وقال ابن حبيب في المحبر / 42 : « وليَ المهتدي . . لست خلون من رجب سنة ست وخمسين ومائتين ، فكانت ولايته أحد عشر شهراً . وفى خلافته خرج الخارجي بالبصرة في شهر رمضان سنة ست وخمسين ومائتين . وتولى المعتمد ، وأمه فتيان ، مولده يوم الأحد لست خلون من رجب سنة ست وخمسين ومائتين وكنيته أبو العباس ، فأقام ثلاثاً وعشرين سنة » .
وفي الخرائج : 1 / 478 : « عن عيسى بن صبيح قال : دخل الحسن العسكري عليه السلام علينا الحبس وكنت به عارفاً فقال لي : لك خمس وستون سنة وشهر ويومان ، وكان معي كتاب دعاء عليه تاريخ مولدي ، وإني نظرت فيه فكان كما قال ، ثم قال : هل رزقت ولداً ؟ قلت : لا ، فقال : اللهم ارزقه ولداً يكون له عضداً ، فنعم العضد الولد ، ثم تمثل عليه السلام :
من كان ذا عضد يدركْ ظلامتَه إن الذليل الذي ليست له عضد
قلت له : ألك ولد ؟ قال : إي والله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، فأما الآن فلا ، ثم تمثل وقال :
لعلك يوماً أن تراني كأنما بنيَّ حَوَالَيَّ الأسودُ اللوابد
فإن تميماً قبل أن يلد الحص أقام زماناً وهو في الناس واحد » .
--------------------------- 683 ---------------------------
الإمام العسكري عليه السلام يبشر بولادة المهدي عليه السلام !
كمال الدين : 2 / 431 : « حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري قال : حدثنا محمد بن أحمد العلوي ، عن أبي غانم الخادم قال : ولد لأبي محمد عليه السلام ولد فسماه محمداً ، فعرضه على أصحابه يوم الثالث وقال : هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم ، وهو القائم الذي تمتد إليه الأعناق بالإنتظار ، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً » .
وفي كمال الدين : 2 / 408 : « عن أحمد بن علي بن كلثوم ، عن علي بن أحمد الرازي ، عن أحمد بن إسحاق بن سعد قال : سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام يقول : الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي ، أشبه الناس برسولالله صلى الله عليه وآله خلقاً وخلقاً ، يحفظه الله تبارك وتعالى في غيبته ، ثم يظهره الله فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
كمال الدين : 2 / 435 ، بسنده عن جماعة منهم معاوية بن حكيم ومحمد بن أيوب بن نوح قالوا : « عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي عليه السلام ونحن في منزله وكنا أربعين رجلاً فقال : هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم ، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا ، أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا ! قالوا فخرجنا من عنده فما مضت إلا أيام قلائل حتى مضى أبو محمد عليه السلام » .
كمال الدين : 2 / 384 : « عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري قال : دخلت على أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن الخلف بعده ، فقال لي مبتدئاً : يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يُخل الأرض منذ خلق آدم عليه السلام ، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة ، من حجة لله على خلقه ، به يدفع البلاء عن أهل الأرض ، وبه ينزل الغيث ، وبه يخرج بركات الأرض . قال : فقلت له : يا ابن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك ؟ فنهض مسرعاً فدخل البيت ، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر ، من أبناء الثلاث سنين ، فقال : يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله عز وجل وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا ، إنه سَمِيُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وكَنِيُّه ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً .
--------------------------- 684 ---------------------------
يا أحمد بن إسحاق مَثَلُهُ في هذه الأمة مثل الخضر ، ومثله مثل ذي القرنين ، والله ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلا من ثبته الله عز وجل على القول بإمامته ، ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه .
فقال أحمد بن إسحاق : فقلت له : يا مولاي فهل من علامة يطمئن إليها قلبي ؟ فنطق الغلام عليه السلام بلسان عربي فصيح ، فقال : أنا بقية الله في أرضه ، والمنتقم من أعدائه فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق . فقال أحمد بن إسحاق : فخرجت مسروراً فرحاً ، فلما كان من الغد عدت إليه فقلت له : يا ابن رسول الله ، لقد عظم سروري بما مننت عليَّ ، فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين ؟ فقال : طول الغيبة يا أحمد ، قلت : يا ابن رسول الله وإن غيبته لتطول ؟ قال : إي وربي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به ، ولا يبقى إلا من أخذ الله عز وجل عهده لولايتنا ، وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه . يا أحمد بن إسحاق : هذا أمر من أمر الله ، وسر من سر الله ، وغيب من غيب الله ، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غداً في عليين .
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : لم أسمع بهذا الحديث إلا من علي بن عبد الله الوراق وجدت بخطه مثبتاً فسألته عنه فرواه لي عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن إسحاق رضي الله عنه كما ذكرته » .
وروى الطوسي في الغيبة / 151 : « أن أحمد بن إسحاق سأل أبا محمد عليه السلام عن صاحب هذا الأمر فأشار بيده ، أي أنه حي غليظ الرقبة » .
وفي كمال الدين / 433 : « حدثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق القمي قال : لما ولد الخلف الصالح ورد عن مولانا أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام إلى جدي أحمد بن إسحاق كتاب فإذا فيه مكتوب بخط يده عليه السلام الذي كان ترد به التوقيعات عليه ، وفيه : ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً ، وعن جميع الناس مكتوماً ، فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والولي لولايته ، أحببنا إعلامك ليسرك الله به مثل ما سرنا به والسلام » .
وفي الكافي : 1 / 328 : « عن عمرو الأهوازي قال : أراني أبو محمد ابنه وقال : هذا صاحبكم من بعدي » .
وفي الكافي : 1 / 328 : « عن محمد بن علي بن بلال قال : خرج إلي من أبي محمد قبل مضيه بسنتين
--------------------------- 685 ---------------------------
يخبرني بالخلف من بعده ، ثم خرج إلي من قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده » .
وفي الكافي : 1 / 328 : « عن أبي هاشم الجعفري قال : قلت لأبي محمد عليه السلام جلالتك تمنعني من مسألتك ، فتأذن لي أن أسألك فقال : سل ، قلت : يا سيدي هل لك ولد ؟ فقال : نعم . فقلت : فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه ؟ قال : بالمدينة » .
وفي كمال الدين : 2 / 407 ، و 436 : « عن يعقوب بن منقوش قال : دخلت على أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام وهو جالس على دكان في الدار ، وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل فقلت له : سيدي من صاحب هذا الأمر ؟ فقال : إرفع الستر ، فرفعته فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك ، واضح الجبين ، أبيض الوجه ، دري المقلتين شثن الكفين ، معطوف الركبتين ، في خده الأيمن خال ، وفي رأسه ذؤابة ، فجلس على فخذ أبي محمد عليه السلام ثم قال لي : هذا صاحبكم ، ثم وثب فقال له : يا بني أدخل إلى الوقت المعلوم ، فدخل البيت وأنا أنظر إليه ، ثم قال لي : يا يعقوب أنظر من في البيت فدخلت فما رأيت أحداً » .
وفي الكافي : 1 / 329 : « عن ضوء بن علي العجلي ، عن رجل من أهل فارس سماه قال : أتيت سامرا ولزمت باب أبي محمد عليه السلام فدعاني ، فدخلت عليه وسلمت فقال : ما الذي أقدمك ؟ قلت : رغبة في خدمتك ، قال فقال لي : فالزم الباب ، قال فكنت في الدار مع الخدم ، ثم صرت أشتري لهم الحوائج من السوق وكنت أدخل عليهم من غير إذن إذا كان في الدار رجال ، قال فدخلت عليه يوماً ، وهو في دار الرجال فسمعت حركة في البيت فناداني : مكانك لا تبرح ، فلم أجسر أن أدخل ولا أخرج ، فخرجت عليَّ جارية معها شئ مغطى ، ثم ناداني أدخل فدخلت ونادى الجارية فرجعت إليه ، فقال لها : إكشفي عما معك ، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه ، وكشف عن بطنه فإذا شعر نابت من لبته إلى سرته ، أخضر ليس بأسود ، فقال : هذا صاحبكم ، ثم أمرها فحملته ، فما رأيته بعد ذلك » .
ورواه في الكافي : 1 / 514 ، وفيه : « فقال ضوء بن علي : فقلت للفارسي : كم كنت تقدر له من السنين ؟ قال : سنتين . قال العبدي : فقلت لضوء : كم تقدر له « اليوم » أنت ؟ قال : أربع عشرة سنة . قال أبو علي وأبو عبد الله ونحن نقدر له إحدى وعشرين سنة » .
والخرائج : 2 / 957 ، وفيه : « وقال لي : يا أبا فلان كيف حالك ؟ فدعاني بكنيتي ثم قال لي :
--------------------------- 686 ---------------------------
يا فلان فسماني باسمي ، ثم سألني عن رجل رجل من رجال ونساء من أهلي ، فتعجبت من ذلك ثم قال لي . . » .
وفي غيبة الطوسي / 215 : « عن محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيين قالا : دخلنا على أبي محمد الحسن عليه السلام بسر من رأى ، وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته ، حتى دخل عليه بدر خادمه فقال : يا مولاي بالباب قوم شُعْثٌ غُبْر ، فقال لهم : هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن ، في حديث طويل يسوقانه ، إلى أن قال الحسن عليه السلام لبدر : فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري ، فما لبثنا إلا يسيراً حتى دخل عثمان ، فقال له سيدنا أبو محمد عليه السلام : إمض يا عثمان فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال الله واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال . ثم ساق الحديث إلى أن قالا : ثم قلنا بأجمعنا : يا سيدنا والله إن عثمان لمن خيار شيعتك ، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك ، وأنه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى ، قال : نعم واشهدوا علي أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم » .
نور المهدي عليه السلام وملائكته عند ولادته
في كمال الدين : 2 / 433 : « عن محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه يقول : لما ولد الخلف المهدي عليه السلام سطع نور من فوق رأسه إلى أعناق السماء ، ثم سقط لوجهه ساجداً لربه تعالى ذكره ، ثم رفع رأسه وهو يقول : شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسلام . قال : وكان مولده يوم الجمعة » .
وفي كمال الدين : 2 / 499 : « قال أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الكندي قال : قال لي أبو طاهر البلالي : التوقيع الذي خرج إليَّ من أبي محمد عليه السلام فعلقوه في الخلف بعده ، وديعة في بيتك ، فقلت له : أحب أن تنسخ لي من لفظ التوقيع ما فيه ، فأخبر أبا طاهر بمقالتي فقال له : جئني به حتى يسقط الإسناد بيني وبينه ، فخرج إليَّ من أبي محمد عليه السلام قبل مضيه بسنتين ، يخبرني بالخلف من بعده ، ثم خرج إلي بعد مضيه بثلاثة أيام يخبرني بذلك ، فلعن الله من جحد أولياء الله حقوقهم ، وحمل الناس على أكتافهم ، والحمد الله كثيراً » .
--------------------------- 687 ---------------------------
تَعَمَّدَ الإمام العسكري أن يوسع العقيقة عن ابنه عليه السلام
أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن يصلي لربه وينحر ، شكراً لله على كوثر العترة عليهم السلام فنحرعقيقة عن الحسن والحسين واقتدى به الأئمة عليهم السلام . وعندما ولد الإمام المهدي عليه السلام وسع والده الإمام الحسن العسكري عليه السلام العقيقة عن ولده وأكثرَ منها ، وهي الذبيحة التي تذبح شكراً على المولود . ففي كمال الدين : 2 / 432 : عن « محمد بن إبراهيم الكوفي ، أن أبا محمد عليه السلام بعث إليَّ بعض من سماه لي بشاة مذبوحة وقال : هذه عقيقة ابني محمد » .
وفي كمال الدين : 2 / 430 : « عن أبي جعفر العمري قال : لما ولد السيد عليه السلام قال أبو محمد عليه السلام : إبعثوا إلى أبي عمرو ، فبعث إليه فصار إليه فقال له : إشتر عشرة آلاف رطل خبز وعشرة آلاف رطل لحم وفرقه ، أحسبه قال على بني هاشم ، وعق عنه بكذا وكذا شاة » .
وفي الهداية الكبرى / 358 : « عن البشار بن إبراهيم بن إدريس صاحب نفقة أبي محمد عليه السلام قال : وجه إليَّ مولاي أبو محمد كبشين وقال : أعقرهما عن أبي الحسن ، وكل وأطعم إخوانك ففعلت ، ثم لقيته بعد ذلك فقال : المولود الذي ولد لي مات ، ثم وجه لي بأربع أكبشة ، وكتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم . أعقر هذه الأربعة أكبشة عن مولاك وكل هنأك الله ، ففعلت ولقيته بعد ذلك فقال لي : إنما ستر الله ابني الحسن بابني الحسين وموسى ، لولادة محمد مهدي هذه الأمة والفرج الأعظم » .
ومعناه : أن الله تعالى ستر ولادة المهدي عليه السلام بمولود قبله سماه الحسين ، فمات . وبلغ خبر موته السلطان ، فاطمأن بأنه لم يبق للإمام عليه السلام ولد حي !
وفي كمال الدين : 2 / 475 : « عن أبي الأديان قال : كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وأحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علته التي توفي فيها صلوات الله عليه ، فكتب معي كتباً وقال : إمض بها إلى المدائن ، فإنك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر ، وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل .
قال أبو الأديان : فقلت : يا سيدي فإذا كان ذلك فمن ؟ قال : من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي . فقلت : زدني ، فقال : من يصلي عليَّ فهو القائم بعدي ، فقلت : زدني ،
--------------------------- 688 ---------------------------
فقال : من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي ، ثم منعتني هيبته أن أسأله عما في الهميان .
وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ، ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر ، كما ذكر لي عليه السلام ، فإذا أنا بالواعية في داره ، وإذا به على المغتسل ، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزونه ويهنونه ، فقلت في نفسي : إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة ، لأني كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور ، فتقدمت فعزيت وهنيت فلم يسألني عن شئ .
ثم خرج عقيد فقال : يا سيدي قد كفن أخوك فقم وصل عليه ، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله ، يقدمهم السمان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة ، فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفناً ، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه ، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة ، بشعره قطط ، بأسنانه تفليج ، فجبذ برداء جعفر بن علي وقال : تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي ، فتأخر جعفر ، وقد اربَدَّ وجهه واصْفَرَّ ! فتقدم الصبي وصلى عليه ، ودفن إلى جانب قبر أبيه عليه السلام .
ثم قال : يا بصري هات جوابات الكتب التي معك ، فدفعتها إليه ، فقلت في نفسي : هذه بينتان بقي الهميان ، ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر ، فقال له حاجز الوشاء : يا سيدي من الصبي لنقيم الحجة عليه ؟ فقال : والله ما رأيته قط ولا أعرفه ! فنحن جلوس ، إذ قدم نفر من قم ، فسألوا عن الحسن بن علي عليه السلام فعرفوا موته فقالوا : فمن نعزي ؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي ، فسلموا عليه وعزوه وهنوه وقالوا : إن معنا كتباً ومالاً ، فتقول ممن الكتب وكم المال ؟ فقام ينفض أثوابه ويقول : تريدون منا أن نعلم الغيب ! قال : فخرج الخادم فقال : معكم كتب فلان وفلان وفلان وهميان فيه ألف دينار ، وعشرة دنانير منها مطلية ، فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا : الذي وجه بك لأخذ ذلك هو الإمام ، فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك ، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية ، فطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حَبَلاً بها لتغطي حال الصبي فسلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي !
وبَغَتَهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة ، وخروج صاحب الزنج بالبصرة ، فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم ، والحمد لله رب العالمين » .
--------------------------- 689 ---------------------------
المهدي كعيسى ويحيى عليهم السلام آتاه الله الحكم صبياً
في الكافي : 1 / 384 : « عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألته يعني أبا جعفر عليه السلام عن شئ من أمر الإمام فقلت : يكون الإمام ابن أقل من سبع سنين ؟ فقال : نعم وأقل من خمس سنين . فقال سهل : فحدثني علي بن مهزيار بهذا في سنة إحدى وعشرين ومائتين » .
وروى في إثبات الوصية / 223 : « عن علي بن مهزيار قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام وقد نص على أبي محمد : يا سيدي أيجوز أن يكون الإمام ابن سبع سنين ؟ قال : نعم ، وابن خمس سنين » .
أقول : النبوة والإمامة الربانية ليست بالسن ، فقد تكلم عيسى عليه السلام في المهد وقال إنه نبي ، وقال الله تعالى عن يحيى : وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله : « ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ، ويعلمه محاسن أخلاق العالم ليله ونهاره . » « نهج البلاغة : 2 / 157 » .
فلاعجب أن يحيط وليه المهدي الموعود لإصلاح الأرض بملائكته ، لحفظه ، وإعداده .
- *
--------------------------- 690 ---------------------------
--------------------------- 691 ---------------------------
الفصل الرابع والثلاثون : ( أحاديث الولادة ، من الأحاديث الصحيحة السند في ولادته عليه السلام )
--------------------------- 692 ---------------------------
خلاصة بحث السيد الميلاني
تبلغ الأحاديث والآثار والشهادات في مولد الإمام المهدي أرواحنا فداه ، المئات . وقد بحث أسانيدها ونص على صحة العديد منها علماء ماضون ومعاصرون ، ومن المعاصرين آية الله الميلاني في كتابه الإمام المهدي عليه السلام في الفكر الإسلامي ، نشرته دار الرسالة ، وآية الله المهري في كتابه رد على أباطيل أحمد الكاتب نشرته شبكة رافد الثقافية . والشيخ أحمد الماحوزي في كتابه : ولادة القائم المهدي بالروايات الصحيحة الصريحة ، تقرير السيد وليد المزيدي . وهذه خلاصة ما كتبه السيد الميلاني في بحثه المذكور / 106 :
« تثبت ولادة أي إنسان بإقرار أبيه ، وشهادة القابلة ، وإن لم يره أحد قط غيرهما ، فكيف لو شهد المئات برؤيته ، واعترف المؤرخون بولادته ، وصرح علماء الأنساب بنسبه ، وظهر على يديه ما عرفه المقربون إليه ، وصدرت منه وصايا وتعليمات ، ونصائح وإرشادات ، ورسائل وتوجيهات ، وأقوال مشهورة ، وكلمات مأثورة ، وكان وكلاؤه معروفين ، وسفراؤه معلومين ، وأنصاره في كل عصر وجيل بالملايين . فهل يريد من أنكر ولادة الإمام المهدي أكثر من هذا لإثبات ولادته ، أم تراه يقول كما قال المشركون لجده النبي صلى الله عليه وآله : وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعا . . »
إخبار الإمام العسكري بولادة ابنه المهدي عليه السلام
1 - ويدل عليه الخبر الصحيح عن محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد بن إسحاق ، عن أبي هاشم الجعفري قال : « قلت لأبي محمد عليه السلام : جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن لي أن أسألك ؟ فقال : سل ، قلت : يا سيدي هل لك ولد ؟ فقال : نعم ، فقلت : فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه ؟ قال : بالمدينة » .
2 - والخبر الصحيح عن علي بن محمد ، عن محمد بن علي بن بلال قال : خرج إلي من أبي محمد قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده ، ثم خرج إلي من قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده . والمراد بعلي بن محمد هو الثقة الأديب الفاضل ابن بندار ، وأما عن محمد بن علي بن بلال فإنه من الوثاقة والجلالة أشهر من نار على علم ، بحيث كان يراجعه مثل
--------------------------- 693 ---------------------------
أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه .
من شهد برؤيته عليهم السلام من معاصري ولادته وغيرهم
3 - شهدت السيدة العلوية الطاهرة حكيمة بنت الإمام الجواد ، أخت الإمام الهادي ، وعمة الإمام العسكري عليهم السلام ، التي تولت أمر نرجس أم الإمام المهدي عليه السلام في ولادتها ، وساعدتها بعض النسوة منهن جارية أبي علي الخيزراني ، التي أهداها إلى الإمام العسكري عليه السلام ، كما صرح بذلك الثقة محمد بن يحيى ، ومارية ونسيم خادمة الإمام العسكري عليه السلام . ولا يخفى أن ولادات المسلمين لا يطلع عليها غير النساء القوابل . وقد أجرى الإمام العسكري عليه السلام السنة الشريفة بعد ولادة المهدي عليه السلام فعقَّ عنه بعقيقة كما يفعل الملتزمون بالسنة حينما يرزقهم الله تعالى مولوداً .
وشهد برؤية الإمام في حياة أبيه عدد من أصحاب أبيه وجده . كما شهد آخرون برؤيته بعد وفاة أبيه ، وذلك في غيبته الصغرى التي ابتدأت من سنة 260 ه - . إلى سنة 329 ه .
ولكثرة من شهد على نفسه بذلك نقتصرعلى ما ذكره المشايخ المتقدمون وهم : الكليني « ت 329 ه » الذي أدرك الغيبة الصغرى . والصدوق « ت 381 ه » وقد أدرك من الغيبة الصغرى أكثر من عشرين عاماً . والشيخ المفيد « ت 413 ه » ، والشيخ الطوسي « ت 460 ه » . ولا بأس بذكر اليسير من رواياتهم الخاصة في تسمية من رآه عليه السلام ثم الاكتفاء بأسماء المشاهدين له عليه السلام المذكورين في كتب المشايخ الأربعة .
4 - فمن تلك الروايات : ما رواه الكليني في الكافي « 1 / 329 » بسند صحيح : « عن محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى جميعاً ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو رحمه الله عند أحمد بن إسحاق فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف فقلت له : يا أبا عمرو إني أريد أن أسألك عن شئ وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه ، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً ، فإذا كان ذلك رفعت الحجة وأغلق باب التوبة فلم يك يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ، فأولئك شرار من خلق الله عز وجل وهم الذين تقوم عليهم القيامة ، ولكني أحببت أن أزداد يقيناً ، وإن إبراهيم عليه السلام سأل ربه عز وجل أن يريه كيف
--------------------------- 694 ---------------------------
يحيي الموتى : قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ، وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته وقلت من أعامل أو عمن آخذ وقولَ من أقبل ؟ فقال له : العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي ، وما قال لك عني فعني يقول فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون ، وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد عليه السلام عن مثل ذلك ، فقال له : العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني فعني يؤديان ، وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان ، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك . قال : فخرَّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال : سل حاجتك ، فقلت له : أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد عليه السلام ؟ فقال : إي والله ورقبته مثل ذا وأومأ بيده « أي إلى رقبته » فقلت له : فبقيت واحدة فقال لي : هات ، قلت : فالاسم ؟ قال : محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك ، ولا أقول هذا من عندي فليس لي أن أحلل ولا أحرم ولكن عنه عليه السلام ، فإن الأمر عند السلطان أن أبا محمد مضى ولم يخلف ولداً ، وقسم ميراثه وأخذه من لاحق له فيه ، وهو ذا وعياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم ، أو ينيلهم شيئاً وإذا وقع الاسم وقع الطلب ، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك » .
5 - ومنها : ما رواه في الكافي بسند صحيح : عن علي بن محمد بن بندار الثقة ، عن مهران القلانسي الثقة قال : قلت للعمري : قد مضى أبو محمد ؟ فقال لي : « قد مضى ولكن خلف فيكم من رقبته مثل هذه ، وأشار بيده » . أي رقبته غليظة .
6 - ومنها : ما رواه الصدوق بسند صحيح عن أجلاء المشايخ قال : « حدثنا محمد بن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري قال : قلت لمحمد بن عثمان العمري رضي الله عنه : إني أسألك سؤال إبراهيم ربه جل جلاله حين قال : رَبِّ أَرِني كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ، فأخبرني عن صاحب هذا الأمر هل رأيته ؟ قال : نعم وله رقبه مثل ذي وأشار بيده إلى عنقه » . « كمال الدين : 2 / 441 » .
7 - ومنها : ما رواه الصدوق في كمال الدين قال : وحدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود رضي الله عنه قال : سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه رضي الله عنه بعد موت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه ، أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان عليه السلام أن يدعو الله عز وجل أن يرزقه ولداً ذكراً قال : فسألته ، فأنهى ذلك ثم أخبرني بعد
--------------------------- 695 ---------------------------
ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعا لعلي بن الحسين وأنه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به وبعده أولاد .
وقال الصدوق بعد ذلك : « قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : كان أبو جعفر محمد بن علي الأسود رضي الله عنه كثيراً ما يقول لي إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، وأرغب في كتب العلم وحفظه : ليس بعجب أن تكون لك هذه الرغبة في العلم ، وأنت ولدت بدعاء الإمام عليه السلام » .
8 - ومنها ما رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن أجلاء هذه الطائفة وشيوخها قال : « وأخبرني محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله ، عن أبي عبد الله محمد بن أحمد الصفواني قال : أوصى الشيخ أبو القاسم رضي الله عنه إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه فقام بما كان إلى أبي القاسم « السفير الثالث » فلما حضرته الوفاة ، حضرت الشيعة عنده وسألته عن الموكل بعده ولمن يقوم مقامه فلم يظهر شيئاً من ذلك ، وذكر أنه لم يؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن » .
9 - روايات صريحة برؤية السفراء الأربعة وغيرهم للإمام المهدي عليه السلام منهم : إبراهيم بن إدريس أبو أحمد ، وإبراهيم بن عبدة النيسابوري ، وإبراهيم بن محمد التبريزي ، وإبراهيم بن مهزيار أبو إسحاق الأهوازي ، وأحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري ، ورآه مرة أخرى مع سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري ، وأحمد بن الحسين بن عبد الملك أبو جعفر الأزدي ، وأحمد بن عبد الله الهاشمي من ولد العباس مع تمام تسعة وثلاثين رجلاً ، وأحمد بن محمد بن المطهر أبو علي ، من أصحاب الهادي والعسكري عليه السلام ، وأحمد بن هلال أبو جعفر العبرتائي وهو غال ، لكن شهادته قبل غلوه ، وكان معه جماعة منهم : علي بن بلال ، ومحمد بن معاوية بن حكيم ، والحسن بن أيوب بن نوح ، وعثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه إلى تمام أربعين رجلاً ، وإسماعيل بن علي النوبختي أبو سهل ، وأبو عبد الله بن صالح ، وأبو محمد الحسن بن وجناء النصيبي ، وأبو هارون من مشايخ محمد بن الحسن الكرخي ، وجعفر الكذاب عم الإمام المهدي عليه السلام رآه مرتين ، والسيدة العلوية الطاهرة حكيمة بنت الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام ، والزهري وقيل الزهراني ومعه العمري رضي الله عنه ، ورشيق صاحب المادراي ، وأبو القاسم الروحي رضي الله عنه ، وعبد الله السوري ، وعمرو الأهوازي ،
--------------------------- 696 ---------------------------
وعلي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي ، وعلي بن محمد الشمشاطي رسول جعفر بن إبراهيم اليماني ، وغانم أبو سعيد الهندي ، وكامل بن إبراهيم المدني ، وأبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه ، ومحمد بن أحمد الأنصاري أبو نعيم الزيدي ، وكان معه في مشاهدة الإمام المهدي عليه السلام : أبو علي المحمودي ، وعلان الكليني ، وأبو الهيثم الديناري ، وأبو جعفر الأحول الهمداني ، وكانوا زهاء ثلاثين رجلاً فيهم السيد محمد بن القاسم العلوي العقيقي ، والسيد الموسوي محمد بن إسماعيل بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، وكان أسن شيخ في عصره من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومحمد بن جعفر أبو العباس الحميري على رأس وفد من شيعة مدينة قم ، ومحمد بن الحسن بن عبيد الله التميمي الزيدي ، المعروف بأبي سورة ، ومحمد بن صالح بن علي بن محمد بن قنبر الكبير مولى الإمام الرضا عليه السلام ، ومحمد بن عثمان العمري رضي الله عنه ، وكان قد رآه مع أربعين رجلاً بإذن الإمام العسكري ، وكان من جملتهم : معاوية بن حكيم ، ومحمد بن أيوب بن نوح ، ويعقوب بن منقوش ، ويعقوب بن يوسف الضراب الغساني ، ويوسف بن أحمد الجعفري .
شهادة وكلاء المهدي ومن وقف على معجزاته عليهم السلام برؤيته
10 - ذكر الصدوق من وقف على معجزات الإمام المهدي عليه السلام ورآه ، وقد بلغوا من الكثرة حداً يمتنع معه اتفاقهم على الكذب ، لا سيما وهم من بلدان شتى ، وإليك بعضهم : فمن بغداد : العمري وابنه ، وحاجز ، والبلالي ، والعطار . ومن الكوفة : العاصمي . ومن أهل الأهواز : محمد بن إبراهيم بن مهزيار . ومن أهل قم : أحمد بن إسحاق . ومن أهل همدان : محمد بن صالح . ومن أهل الري : البسامي ، والأسدي ، محمد بن أبي عبد الله الكوفي . ومن أهل آذربيجان : القاسم بن العلاء . ومن أهل نيسابور : محمد بن شاذان .
ومن غير الوكلاء . من أهل بغداد : أبو القاسم بن أبي حليس ، وأبو عبد الله الكندي وأبو عبد الله الجنيدي ، وهارون القزاز ، والنيلي ، وأبو القاسم بن دبيس ، وأبو عبد الله بن فروخ ، ومسرور الطباخ مولى أبي الحسن عليه السلام ، وأحمد ومحمد ابنا الحسن ، وإسحاق الكاتب من بني نوبخت ، وغيرهم . ومن همدان : محمد بن كشمرد وجعفر بن حمدان ، ومحمد بن هارون بن عمران . ومن الدينور : حسن بن هارون ، وأحمد بن أخية ، وأبو الحسن . ومن أصفهان :
--------------------------- 697 ---------------------------
ابن باشاذالة . ومن الصيمرة : زيدان . ومن قم : الحسن بن النضر ، ومحمد بن محمد ، وعلي بن محمد بن إسحاق ، وأبوه والحسن بن يعقوب . ومن أهل الري : القاسم بن موسى ، وابنه ، وأبو محمد بن هارون ، وعلي بن محمد ، ومحمد بن محمد الكليني ، وأبو جعفر الرفاء . ومن قزوين : مرداس ، وعلي بن أحمد . ومن نيسابور : محمد بن شعيب بن صالح . ومن اليمن : الفضل بن يزيد ، والحسن بن الفضل بن يزيد ، والجعفري ، وابن الأعجمي ، وعلي بن محمد الشمشاطي . ومن مصر : أبو رجاء وغيره . ومن نصيبين : أبو محمد الحسن بن الوجناء النصيبي . كما ذكر أيضاً من رآه عليه السلام من أهل شهرزور ، والصيمرة ، وفارس وقابس ، ومرو .
شهادة الخدم والجواري والإماء برؤية المهدي عليهم السلام
11 - كما شاهد الإمام المهدي من كان يخدم أباه العسكري عليه السلام في داره مع بعض الجواري والإماء ، كطريف الخادم أبي نصر ، وخادمة إبراهيم بن عبدة النيسابوري التي شاهدت مع سيدها الإمام المهدي عليه السلام ، وأبي الأديان الخادم ، وأبي غانم الخادم الذي قال : ولد لأبي محمد عليه السلام ولد فسماه محمداً ، فعرضه على أصحابه يوم الثالث وقال : هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم وهو القائم الذي تمتد إليه الأعناق بالإنتظار ، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً . وشهد بذلك أيضاً : عقيد الخادم ، والعجوز الخادمة ، وجارية أبي علي الخيزراني التي أهداها إلى الإمام العسكري عليه السلام .
تصرف السلطة دليل على ولادة الإمام المهدي عليهم السلام
12 - ولد الإمام الحسن العسكري عليه السلام في شهر ربيع الآخر سنة 232 ، وقد عاصر ثلاثة من سلاطين بني العباس وهم : المعتز « ت 255 » ، والمهتدي « ت 256 » ، والمعتمد « ت 279 » . وقد كان المعتمد شديد التعصب والحقد على آل البيت عليهم السلام ومن تصفح الطبري وغيره ، واستقرأ ما في حوادث سنة 257 - 260 ، وهي السنوات الأولى من حكمه ، عرف حقده على أئمة أهل البيت عليهم السلام . ولقد عاقبه الله في حياته إذ لم يكن في يده شئ من ملكه حتى إنه احتاج إلى ثلاث مائة دينار فلم ينلها ، ومات ميتة سوء فرماه الأتراك في رصاص مذاب !
--------------------------- 698 ---------------------------
ومن مواقفه الخسيسة أمره شرطته بعد وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام مباشرة بتفتيش داره والبحث عن الإمام المهدي عليه السلام والأمر بحبس جواري أبي محمد عليه السلام ، واعتقال حلائله يساعدهم بذلك جعفر الكذاب طمعاً في أن ينال منزلة أخيه العسكري عليه السلام في نفوس شيعته ، حتى جرى بسبب ذلك كما يقول الشيخ المفيد على مخلَّفي أبي محمد عليه السلام كل عظيمة من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف ! فكان موقفه من مهدي الأمة كموقف فرعون من نبي الله موسى عليه السلام الذي ألقته أمه خوفاً عليه في اليم صبياً .
شهادات علماء الأنساب بولادة الإمام المهدي عليهم السلام
13 - ومن أدلة ولادته عليه السلام شهادة علماء الأنساب ، فهم الخبراء في ذلك ، ومنهم :
أ - النسابة الشهير أبو نصر سهل بن عبد الله بن داود بن سليمان البخاري من أعلام القرن الرابع الهجري ، كان حياً سنة 341 . وهو من أشهر علماء الأنساب المعاصرين لغيبة الإمام المهدي عليه السلام الصغرى التي انتهت سنة 329 . قال في سر السلسلة العلوية : ووَلَدَ علي بن محمد التقي عليه السلام جعفراً وهو الذي تسميه الإمامية جعفر الكذاب ، وإنما تسميه الإمامية بذلك لادعائه ميراث أخيه الحسن دون ابنه القائم الحجة عليه السلام ، لا طعناً في نسبه » .
ب - السيد العمري النسابة المشهور من أعلام القرن الخامس ، قال ما نصه : « ومات أبو محمد عليه السلام وولده من نرجس معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله ، وسنذكر حال ولادته والأخبار التي سمعناها بذلك ، وامتحن المؤمنون بل كافة الناس بغيبته ، وشره جعفر بن علي إلى مال أخيه وحاله ، فدفع أن يكون له ولد ، وأعانه بعض الفراعنة على قبض جواري أخيه » .
ج - الفخر الرازي الشافعي « ت 606 » قال في كتابه الشجرة المباركة في أنساب الطالبية تحت عنوان : أولاد الإمام العسكري عليه السلام ما هذا نصه : « أما الحسن العسكري الإمام ، فله ابنان وبنتان : إما الابنان فأحدهما : صاحب الزمان ، والثاني موسى درج في حياة أبيه . وأما البنتان : ففاطمة درجت في حياة أبيها ، وأم موسى درجت أيضاً » .
د - المروزي الأزورقاني « ت بعد سنة 614 » فقد وصف في كتاب الفخري جعفر بن الإمام الهادي في محاولته إنكار ولد أخيه بالكذاب ، وهو يدل على اعتقاده بولادة الإمام المهدي .
--------------------------- 699 ---------------------------
ه - السيد النسابة جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبه « ت 828 » قال في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : « أما علي الهادي فيلقب العسكري لمقامه بسر من رأى وكانت تسمى العسكر ، وأمه أم ولد ، وكان في غاية الفضل ونهاية النبل ، أشخصه المتوكل إلى سر من رأى فأقام بها إلى أن توفي ، وأعقب من رجلين هما : الإمام أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام ، وكان من الزهد والعلم على أمر عظيم ، وهو والد الإمام محمد المهدي ثاني عشر الأئمة عند الإمامية ، وهو القائم المنتظر عندهم ، من أم ولد اسمها نرجس . واسم أخيه أبو عبد الله جعفر الملقب بالكذاب لادعائه الإمامة بعد أخيه الحسن » .
وقال في الفصول الفخرية المطبوع باللغة الفارسية ، ما ترجمته : « أبو محمد الحسن الذي يقال له العسكري ، والعسكر هو سامراء ، جلبه المتوكل وأباه إلى سامراء من المدينة ، واعتقلهما . وهو الحادي عشر من الأئمة الاثني عشر ، وهو والد محمد المهدي عليه السلام ثاني عشرهم » .
و - النسابة الزيدي السيد أبو الحسن محمد الحسيني اليماني الصنعاني من أعيان القرن الحادي عشر . ذكر في المشجرة . . تحت اسم الإمام علي التقي المعروف بالهادي عليه السلام ، خمسة من البنين وهم : « الإمام العسكري ، الحسين ، موسى ، محمد ، علي . وكتب تحت اسم الإمام العسكري عليه السلام مباشرة : محمد بن . وبإزائه : منتظر الإمامية » .
ز - محمد أمين السويدي « ت 1246 » قال في سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب : « محمد المهدي : وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين ، وكان مربوع القامة ، حسن الوجه والشعر ، أقنى الأنف ، صبيح الجبهة » .
ح - النسابة المعاصر محمد ويس الحيدري السوري ، قال في الدرر البهية في الأنساب الحيدرية والأويسية . . الإمام الحسن العسكري : « ولد بالمدينة سنة 231 ، وتوفي بسامراء سنة 260 . الإمام محمد المهدي : لم يذكر له ذرية ، ولا أولاد له أبداً » . ثم علق في هامش العبارة الأخيرة : « ولد في النصف من شعبان ، سنة 255 ، وأمه نرجس ، وصفه فقالوا عنه : ناصع اللون ، واضح الجبين ، أبلج الحاجب ، مسنون الخد ، أقنى الأنف ، أشم ، أروع ، كأنه غصن بان ، وكأن غرته كوكب دري ، في خده الأيمن خال كأنه فتات مسك على بياض الفضة ، وله وفرة سمحاء تطالع شحمة أذنه ، ما رأت العيون أقصد منه ولا أكثر حسناً وسكينة وحياء » .
--------------------------- 700 ---------------------------
اعتراف عدد من علماء من أهل السنة بولادة الإمام المهدي عليهم السلام
14 - ثم أورد السيد الميلاني كلام ابن الأثير في تاريخ سنة 260 ، وابن خلكان في وفيات الأعيان ، والذهبي في سيره ، والعبر ، في سنة 256 ، وقد ذكروا ولادة الإمام المهدي عليه السلام .
استدلال المحقق الحلي بمشاهدته ومكاتبته
قال المحقق الحلي رحمه الله في كتابه المسلك في أصول الدين / 311 : « ويدل على وجوده من حيث النقل اتفاق طائفة كثيرة من الشيعة على مشاهدته ، وطائفة على مكاتبته ومراسلته ، اتفاقاً يحصل من مجموعه اليقين بوجوده .
فمن المشاهدين له من النساء : حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى عليهم السلام ، ونسيم ، ومارية ، وجارية الخيزراني . ومن الرجال : أبو هارون ، فإنه قال : رأيت صاحب الزمان صلوات الله عليه وكان مولده يوم الجمعة سنة ست وخمسين ومائتين . وأبو غانم الخادم قال : ولد لأبي محمد عليه السلام ولد فسماه محمداً وعرضه على أصحابه الثالث . وعن محمد بن معاوية أبو حكيم ، ومحمد بن أيوب ، ومحمد بن عثمان العمري قالوا : عرض علينا أبو محمد عليه السلام ابنه صلوات الله عليه ونحن أربعون رجلاً ، فقال : هذا إمامكم بعدي .
ومن وكلائه ومكاتبيه العمري وابنه ، ومحمد بن مهزيار ، وأحمد بن إسحاق ، والقاسم بن العلاء ، والبسامي ، ومحمد بن شاذان ، وغيرهم مما لا يحصى كثرة ، ممن يحصل بهم التواترعند الوقوف على أخبارهم والاطلاع على ما نقل عنهم ، ويزول به الريب .
وربما استبعد كثير من المخالفين بقاءه عليه السلام هذا العمر المتطاول ، غفولاً منهم عن قدرة الله تعالى ، وقلة تأمل فيما نقل من أخبارالمعمرين مثل نوح عليه السلام فإنه عاش بنص القرآن ما يزيد على ألف سنة إلا خمسين عاماً ، وفي الأخبارألف سنة وخمس مائة سنة ، ومثل سليمان فإنه عاش سبع مائة سنة واثنتي عشرة سنة . وفي زمن نبينا سلمان الفارسي رضي الله عنه ، فإنه عاش أربع مائة سنة وخمسين عاماً . فلو لم نقف على ذلك لعلمنا أن ذلك داخل في قدرة الله تعالى ، وغير متعذرعليه سبحانه ، إذا اقتضت المصلحة » . انتهى .
--------------------------- 701 ---------------------------
تسع روايات صحيحة مضافاً إلى ما ذكرناه
مضافاً إلى ما أوردناه ، ومضافاً إلى الصحاح التي أوردها السيد الميلاني ، والتواتر الذي احتج به المحقق الحلي رحمه الله ، نورد تسعة أحاديث صحيحة أخرى ، إتماماً للحجة على المعاند :
1 - كشف الحق / 33 : « قال أبو محمد بن شاذان رحمه الله : حدثنا محمد بن حمزة بن الحسن بن عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، قال : سمعت أبا محمد عليه السلام يقول : ولد ولي الله وحجته على عباده ، وخليفتي من بعدي ، مختوناً ، ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين عند طلوع الفجر ، وكان أول من غسله رضوان خازن الجنان ، مع جمع من الملائكة المقربين بماء الكوثر والسلسبيل ، ثم غسلته عمتي حكيمة بنت محمد بن علي الرضا . قال محمد بن حمزة : أمه مليكة التي يقال لها بعض الأيام سوسن وفي بعضها ريحانة . وكان صقيل ونرجس أيضاً من أسمائها » .
أقول : أعتق الإمام عليه السلام جاريته وتزوجها وغير اسمها ، بسبب رقابة الخليفة المشددة لمنع ولادة الإمام المهدي عليه السلام .
2 - تقدم في فصل إعداد النبي صلى الله عليه وآله الأمة لغيبة الإمام عليه السلام من كمال الدين « 2 / 409 » عن محمد بن عثمان العمري قدس سره قال : « سمعت أبي يقول : سئل أبو محمد الحسن بن علي عليه السلام وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه عليهم السلام : إن الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة ، وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ؟ فقال : إن هذا حق كما أن النهار حق ، فقيل له : يا ابن رسول الله ، فمن الحجة والإمام بعدك ؟ فقال : ابني محمد هو الإمام والحجة بعدي ، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية . أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون ويهلك فيها المبطلون ، ويكذب فيها الوقاتون ، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة » .
3 - إثبات الوصية / 217 : « عن أحمد بن إسحاق قال : دخلت على أبي محمد عليه السلام فقال لي : يا أحمد ، ما كان حالكم فيما كان الناس فيه من الشك والارتياب ؟ قلت يا سيدي لما ورد الكتاب بخبر سيدنا ومولده لم يبق منا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلا قال بالحق ، فقال : أما علمتم أن الأرض لا تخلو من حجة الله ، ثم أمر أبو محمد عليه السلام والدته بالحج
--------------------------- 702 ---------------------------
في سنة تسع وخمسين ومأتين ، وعرفها ما يناله في سنة الستين ، وأحضر الصاحب عليه السلام ، فأوصى إليه وسلم الاسم الأعظم والمواريث والسلاح إليه . وخرجت أم أبي محمد مع الصاحب عليهم السلام جميعاً إلى مكة » .
4 - تقدم من إثبات الهداة : 3 / 569 : « عن الفضل بن شاذان في كتاب إثبات الرجعة ، عن محمد بن عبد الجبار قال : قلت لسيدي الحسن بن علي عليه السلام : يا ابن رسول الله جعلني الله فداك : أحب أن أعلم من الإمام وحجة الله على عباده من بعدك ؟ فقال : إن الإمام وحجة الله من بعدي ابني ، سَمِيُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وكَنِيُّه ، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه ، قلت : ممن هو يا بن رسول الله ؟ قال : من ابنة ابن قيصر ملك الروم ، ألا إنه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ثم يظهر » .
5 - كمال الدين : 2 / 440 : « عن عبد الله بن جعفر الحميري قال : سمعت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه يقول : رأيته صلوات الله عليه متعلقاً بأستارالكعبة في المستجار وهو يقول : اللهم انتقم لي من أعدائي » .
6 - كمال الدين : 2 / 433 ، عن محمد بن عثمان العمري قال : « لما ولد الخلف المهدي عليه السلام سطع نور من فوق رأسه إلى أعناق السماء ، ثم سقط لوجهه ساجداً لربه تعالى ذكره ، ثم رفع رأسه وهو يقول : شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسلام . قال : وكان مولده يوم الجمعة » .
7 - وفي غيبة الطوسي / 217 : « عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال ، وأحمد بن هلال ومحمد بن معاوية بن حكيم ، والحسن بن أيوب بن نوح ، قالوا جميعاً : اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام نسأله عن الحجة من بعده وفي مجلسه عليه السلام أربعون رجلاً ، فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري فقال له : يا ابن رسول الله أريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به مني . فقال له : أجلس يا عثمان ، فقام مغضباً ليخرج فقال : لا يخرجن أحد ، فلم يخرج منا أحد إلى أن كان بعد ساعة فصاح عليه السلام بعثمان فقام على قدميه ، فقال : أخبركم بما جئتم ؟ قالوا : نعم يا بن رسول الله ، قال : جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي . قالوا : نعم ، فإذا غلام كأنه قطع قمر ، أشبه الناس بأبي محمد ، فقال : هذا إمامكم من بعدي وخليفتي
--------------------------- 703 ---------------------------
عليكم ، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم . ألا وإنكم لاترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر ، فاقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا إلى أمره ، واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه » .
8 - كمال الدين : 2 / 381 : « عن أبي هاشم داود بن القاسم قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : الخلف من بعدي الحسن ، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ، فقلت : ولم جعلني الله فداك ؟ فقال : إنكم لا ترون شخصه ، ولا يحل لكم ذكره باسمه ، فقلت فكيف نذكره ؟ فقال قولوا : الحجة من آل محمد عليهم السلام » .
9 - إثبات الهداة : 3 / 700 : « روى الفضل بن شاذان في كتاب إثبات الرجعة قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن فارس النيسابوري قال : لما هم الوالي عمرو بن عوف بقتلي ، غلب عليَّ خوف عظيم ، فودعت أهلي وتوجهت إلى دارأبي محمد عليه السلام لأودعه وكنت أردت الهرب ، فلما دخلت عليه رأيت غلاماً جالساً في جنبه ، وكان وجهه مضيئاً كالقمر ليلة البدر ، فتحيرت من نوره وضيائه وكاد ينسيني ما كنت فيه ، فقال : يا إبراهيم لاتهرب فإن الله سيكفيك شره فازداد تحيري ! فقلت لأبي محمد عليه السلام : يا سيدي يا ابن رسول الله من هذا وقد أخبرني بما كان في ضميري ؟ قال : هو ابني وخليفتي من بعدي . وفي آخره أنه لما خرج أخبره عمه بأن المعتمد قد أرسل أخاه وأمره بقتل عمرو بن عوف » .
ورواه عنه كشف الحق / 44 ، وفيه : « وهو الذي يغيب غيبة طويلة ، ويظهر بعد امتلاء الأرض جوراً وظلماً فيملؤها عدلاً وقسطاً . فسألته عن اسمه ، قال : هو سمي رسول الله وكنيه ، ولا يحل لأحد أن يسميه باسمه أو يكنيه بكنيته ، إلى أن يظهر الله دولته وسلطنته ، فاكتم يا إبراهيم ما رأيت وسمعت منا اليوم إلا عن أهله ، فصليت عليهما وآبائهما وخرجت مستظهراً بفضل الله تعالى ، واثقاً بما سمعته من الصاحب ، فبشرني علي بن فارس بأن المعتمد قد أرسل أبا أحمد أخاه ، وأمره بقتل عمرو ، فأخذه أبو أحمد في ذلك اليوم وقطعه عضواً عضواً ، والحمد لله رب العالمين » .
--------------------------- 704 ---------------------------
شهادة قابلته عمة أبيه حكيمة بنت الجواد عليهم السلام
ألَّفَ المحدث السيد هاشم البحراني قدس سره كتاباً عدَّد فيه من تشرف برؤية الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف حتى انتهى إلى ست وسبعين شخصاً ، وعد أولهم عمة أبيه حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام . « الذريعة : 3 / 326 » .
وروت مصادرنا شهادة حكيمة رحمها الله بولادته صلوات الله عليه ، بعدة طرق وبعضها صحيح السند ، وبين رواياتها تفاوت في الإجمال والتفصيل ، وبعضه من الظروف التي كانت تحيط بآل الإمام العسكري عليه السلام كوالدته وعمته حكيمة .
ويظهر من بعض الروايات أن حكيمة كانت في المدينة لفترة ، ومعناه أنها اضطرت أن تترك سامراء مدة ، ثم عادت إليها في فسحة من أحداث الصراع بين القادة الأتراك على نصب الخليفة وعزله ، وتوفيت بها ودفنت إلى جنب قبر الإمامين العسكريين عليه السلام ! ونورد فيما يلي بعض روايات شهادتها ونشير إلى الباقي :
كمال الدين : 2 / 417 : « عن محمد بن بحر الشيباني قال : وردت كربلا سنة ست وثمانين ومائتين ، قال : وزرت قبر غريب رسول الله عليه السلام ثم انكفأت إلى مدينة السلام متوجهاً إلى مقابر قريش ، في وقت قد تضرمت الهواجر وتوقدت السمائم ، فلما وصلت منها إلى مشهد الكاظم عليه السلام واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة ، المحفوفة بحدائق الغفران ، أكببت عليها بعبرات متقاطرة ، وزفرات متتابعة وقد حجب الدمع طرفي عن النظر ، فلما رقأت العبرة وانقطع النحيب ، فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه وتقوس منكباه ، وثفنت جبهته وراحتاه ، وهو يقول لآخر معه عند القبر : يا ابن أخي لقد نال عمك شرفاً بما حمله السيدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم ، التي لم يحمل مثلها إلا سلمان ، وقد أشرف عمك على استكمال المدة وانقضاء العمر ، وليس يجد في أهل الولاية رجلاً يفضي إليه بسره ! قلت : يا نفس لا يزال العناء والمشقة ينالان منك بإتعابي الخف والحافر في طلب العلم ، وقد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدل على علم جسيم وأثر عظيم ! فقلت : أيها الشيخ ومن السيدان ؟ قال : النجمان المغيبان في الثرى بسر من رأى ، فقلت : إني أقسم بالموالاة وشرف محل هذين السيدين من الإمامة والوراثة أني خاطب علمهما وطالب آثارهما وباذل من نفسي الإيمان المؤكدة على حفظ أسرارهما . قال : إن كنت صادقاً
--------------------------- 705 ---------------------------
فيما تقول فأحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم ، فلما فتش الكتب وتصفح الروايات منها قال : صدقت أنا بشر بن سليمان النخاس من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد عليه السلام وجارهما بسر من رأى ، قلت : فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما قال : كان مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري عليه السلام فقهني في أمر الرقيق ، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلا بإذنه فاجتنبت بذلك موارد الشبهات ، حتى كملت معرفتي فيه ، فأحسنت الفرق بين الحلال والحرام . فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأى ، وقد مضى هوي من الليل إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعاً فإذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام يدعوني إليه ، فلبست ثيابي ودخلت عليه ، فرأيته يحدث ابنه أبا محمد وأخته حكيمة من وراء الستر ، فلما جلست قال : يا بشر إنك من ولد الأنصار وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف ، فأنتم ثقاتنا أهل البيت ، وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها شأو الشيعة في الموالاة بها ، بسرٍّ أطلعك عليه وأنفذك في ابتياع أمة ، فكتب كتاباً ملصقاً بخط رومي ولغة رومية وطبع عليه بخاتمه ، وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً ، فقال : خذها وتوجه بها إلى بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة كذا ، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا ، وبرزن الجواري منها ، فستحدق بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس وشراذم من فتيان العراق ، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك ، إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا ، لابسة حريرتين صفيقتين ، تمتنع من السفور ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها ، ويشغل نظره بتأمل مكاشفها ، من وراء الستر الرقيق فيضربها النخاس فتصرخ صرخة رومية ، فأعلم أنها تقول : واهتك ستراه ، فيقول بعض المبتاعين : علي بثلاث مائة ديناراً فقد زادني العفاف فيها رغبة ، فتقول بالعربية : لو برزت في زي سليمان وعلى مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك ! فيقول النخاس : فما الحيلة ولا بد من بيعك ، فتقول الجارية : وما العجلة ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى أمانته وديانته . فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس وقل له : إن معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخط رومي ، ووصف فيه
--------------------------- 706 ---------------------------
كرمه ووفاه ونبله وسخاءه ، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه ، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك .
قال بشر بن سليمان النخاس : فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسن عليه السلام في أمر الجارية فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديداً وقالت لعمر بن زيد النخاس : بعني من صاحب هذا الكتاب ، وحلفت بالمحرجة المغلظة إنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها ، فما زلت أشاحه في ثمنها حتى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السلام من الدنانير في الشستقة الصفراء ، فاستوفاه مني وتسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة ، وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد ، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاها عليه السلام من جيبها ، وهي تلثمه وتضعه على خدها وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها ، فقلت : تعجباً منها : أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه ؟ قالت : أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء ، أعرني سمعك وفرغ لي قلبك : أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم ، وأمي من ولد الحواريين ، تنسب إلى وصي المسيح شمعون ، أنبئك العجب العجيب ، إن جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه ، وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة ، فجمع في قصره من نسل الحواريين ومن القسيسين والرهبان ثلاث مائة رجل ومن ذوي الأخطار سبع مائة رجل وجمع من أمراء الأجناد وقواد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف ، وأبرز من بهو ملكه عرشاً مصوغاً من أصناف الجواهر إلى صحن القصر ، فرفعه فوق أربعين مرقاة ، فلما صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان ، وقامت الأساقفة عكفاً ، ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض ، وتقوضت الأعمدة فانهارت إلى القرار ، وخر الصاعد من العرش مغشياً عليه ! فتغيرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم ، فقال كبيرهم لجدي : أيها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني ، فتطير جدي من ذلك تطيراً شديداً ، وقال للأساقفة : أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان ، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جده ، لأزوج منه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده ، فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأول ، وتفرق الناس ، وقام جدي قيصر مغتماً ودخل قصره وأرخيت الستور ، فأريت في تلك الليلة
--------------------------- 707 ---------------------------
كأن المسيح وشمعون وعدة من الحواريين ، قد اجتمعوا في قصر جدي ، ونصبواً فيه منبراً يباري السماء علواً وارتفاعاً ، في الموضع الذي كان جدي نصب فيه عرشه ، فدخل عليهم محمد مع فتية وعدة من بنيه فيقوم إليه المسيح فيعتنقه فيقول : يا روح الله إني جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا وأومأ بيده إلى أبي محمد صاحب هذا الكتاب ، فنظر المسيح إلى شمعون فقال له : قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله صلى الله عليه وآله . قال : قد فعلت ، فصعد ذلك المنبر وخطب محمد وزوجني ، وشهد المسيح وشهد بنو محمد والحواريون ، فلما استيقظت من نومي أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدي مخافة القتل ، فكنت أسرها في نفسي ولا أبديها لهم ، وضرب صدري بمحبة أبي محمد حتى امتنعت من الطعام والشراب وضعفت نفسي ودق شخصي ومرضت مرضاً شديداً ، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدي وسأله عن دوائي ، فلما برح به اليأس قال : يا قرة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فأزودكها في هذه الدنيا ؟ فقلت : يا جدي أرى أبواب الفرج علي مغلقة ، فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من أسارى المسلمين وفككت عنهم الأغلال ، وتصدقت عليهم ومننتهم بالخلاص لرجوت أن يهب المسيح وأمه لي عافية وشفاء ، فلما فعل ذلك جدي تجلدت في إظهار الصحة في بدني ، وتناولت يسيراً من الطعام فسر بذلك جدي ، وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم ، فرأيت أيضاً بعد أربع ليال كأن سيدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف وصيفة من وصائف الجنان ، فتقول لي مريم : هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمد عليه السلام ، فأتعلق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمد من زيارتي ، فقالت لي سيدة النساء عليها السلام : إن ابني أبا محمد لا يزورك وأنت مشركة بالله وعلى مذهب النصارى ، وهذه أختي مريم تبرأ إلى الله تعالى من دينك ، فإن ملت إلى رضا الله عز وجل ورضا المسيح ومريم عنك وزيارة أبي محمد إياك فتقولي : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن أبي محمداً رسول الله ، فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة النساء إلى صدرها فطيبت لي نفسي ، وقالت : الآن توقعي زيارة أبي محمد إياك فإني منفذته إليك ، فانتبهت وأنا أقول : واشوقاه إلى لقاء أبي محمد فلما كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمد عليه السلام في منامي فرأيته كأني أقول له : جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت
--------------------------- 708 ---------------------------
قلبي بجوامع حبك ؟ قال : ما كان تأخيري عنك إلا لشركك ، وإذ قد أسلمت فإني زائرك في كل ليلة ، إلى أن يجمع الله شملنا في العيان ، فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية .
قال بشر فقلت لها : وكيف وقعت في الأسر فقالت : أخبرني أبو محمد ليلة من الليالي أن جدك سيسرب جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا ، ثم يتبعهم ، فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصائف من طريق كذا ، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين ، حتى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت ، وما شعر أحد بي بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك ، وذلك باطلاعي إياك عليه ، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت : نرجس . فقال : اسم الجواري ، فقلت : العجب إنك رومية ولسانك عربي ؟ قالت : بلغ من ولوع جدي وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمان له في الاختلاف إلي ، فكانت تقصدني صباحاً ومساء وتفيدني العربية حتى استمر عليها لساني واستقام . قال بشر : فلما انكفأت بها إلى سر من رأى دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري فقال لها : كيف أراك الله عز الإسلام وذل النصرانية وشرف أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله ؟ قالت : كيف أصف لك يا ابن رسول الله ما أنت أعلم به مني ؟ قال : فإني أريد أن أكرمك ، فأيما أحب إليك عشرة آلاف درهم ؟ أم بشرى لك فيها شرف الأبد ؟ قالت : بل البشرى ، قال عليه السلام : فأبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، قالت : ممن ؟ قال عليه السلام : ممن خطبك رسول الله صلى الله عليه وآله له من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالرومية ، قالت : من المسيح ووصيه ؟ قال : فممن زوجك المسيح ووصيه ؟ قالت : من ابنك أبي محمد ؟ قال : فهل تعرفينه ؟ قالت : وهل خلوت ليلة من زيارته إياي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيدة النساء أمه ! فقال أبو الحسن عليه السلام : يا كافور ادع لي أختي حكيمة فلما دخلت عليه قال عليه السلام لها : ها هيه فاعتنقتها طويلاً وسرت بها كثيراً ، فقال لها مولانا : يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك وعلميها الفرائض والسنن ، فإنها زوجة أبي محمد وأم القائم عليه السلام » .
وفي كمال الدين : 2 / 426 : « عن محمد بن عبد الله الطهوي قال : قصدت حكيمة بنت محمد بعد مضي أبو محمد عليه السلام أسألها عن الحجة وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم
--------------------------- 709 ---------------------------
فيها فقالت لي : أجلس فجلست ، ثم قالت : يا محمد إن الله تبارك وتعالى لا يخلي الأرض من حجة ناطقة أو صامتة ، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين تفضيلاً للحسن والحسين عليه السلام وتنزيهاً لهما أن يكون في الأرض عديلهما ، إلا أن الله تبارك وتعالى خص ولد الحسين بالفضل على ولد الحسن عليه السلام كما خص ولد هارون على ولد موسى ، وإن كان موسى حجة على هارون عليه السلام ، والفضل لولده إلى يوم القيامة . ولابد للأمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ، ويخلص فيها المحقون ، كي لا يكون للخلق على الله حجة . وإن الحيرة لا بد واقعة بعد مضي أبي محمد الحسن ! فقلت : يا مولاتي هل كان للحسن عليه السلام ولد ؟ فتبسمت ثم قالت : إذا لم يكن للحسن عقب فمن الحجة من بعده ، وقد أخبرتك أنه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين عليه السلام . فقلت : يا سيدتي حدثيني بولادة مولاي وغيبته عليه السلام ؟ قالت : نعم كانت لي جارية يقال لها : نرجس فزارني ابن أخي فأقبل يحدق النظر إليها فقلت له : يا سيدي لعلك هويتها فأرسلها إليك ؟ فقال لها : لا يا عمة ، ولكني أتعجب منها فقلت : وما أعجبك ؟ فقال عليه السلام : سيخرج منها ولد كريم على الله عز وجل الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً فقلت : فأرسلها إليك يا سيدي ؟ فقال : إستأذني في ذلك أبي عليه السلام قالت : فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن عليه السلام فسلمت وجلست ، فبدأني وقال : يا حكيمة إبعثي نرجس إلى ابني أبي محمد قالت : فقلت : يا سيدي على هذا قصدتك على أن أستأذنك في ذلك ، فقال لي : يا مباركة إن الله تبارك وتعالى أحب أن يشركك في الأجر ، ويجعل لك في الخير نصيباً .
قالت حكيمة : فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزينتها ووهبتها لأبي محمد عليه السلام ، وجمعت بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أياماً ، ثم مضى إلى والده ووجهت بها معه .
قالت حكيمة : فمضى أبو الحسن عليه السلام وجلس أبو محمد عليه السلام مكان والده ، وكنت أزوره كما كنت أزور والده ، فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفي ، فقالت : يا مولاتي ناوليني خفك فقلت : بل أنت سيدتي ومولاتي ، والله لا أدفع إليك خفي لتخلعيه ولا لتخدميني ، بل أنا أخدمك على بصري ، فسمع أبو محمد عليه السلام ذلك فقال : جزاك الله يا عمة خيراً ، فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس ، فصحت بالجارية وقلت : ناوليني ثيابي لأنصرف فقال عليه السلام :
--------------------------- 710 ---------------------------
لا ، يا عمتا بيتي الليلة عندنا ، فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عز وجل ، الذي يحيي الله عز وجل به الأرض بعد موتها . فقلت : ممن يا سيدي ، ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحَبَل ؟ فقال : من نرجس لا من غيرها ، قالت : فوثبت إليها فقلبتها ظهراً لبطن ، فلم أر بها أثر حبل ، فعدت إليه عليه السلام فأخبرته بما فعلت ، فتبسم ثم قال لي : إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل ، لأن مثلها مثل أم موسى لم يظهر بها الحبل ، ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى ، وهذا نظير موسى عليه السلام . قالت حكيمة : فعدت إليها فأخبرتها بما قال ، وسألتها عن حالها فقالت : يا مولاتي ما أرى بي شيئاً من هذا ، قالت حكيمة : فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر ، وهي نائمة بين يدي لاتقلب جنباً إلى جنب ، حتى إذا كان آخر الليل وقت طلوع الفجر ، وثبت فزعة فضممتها إلى صدري وسميت عليها ، فصاح أبو محمد عليه السلام وقال : إقرئي عليها إنا أنزلناه في ليلة القدر ، فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها : ما حالك ؟ قالت : ظهر الأمر الذي أخبرك به مولاي ، فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني ، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ ، وسلم عليَّ ! قالت حكيمة : ففزعت لما سمعت فصاح بي أبو محمد عليه السلام لا تعجبي من أمر الله عز وجل ، إن الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً ، ويجعلنا حجة في أرضه كباراً ، فلم يستتم الكلام حتى غيبت عني نرجس فلم أرها كأنه ضرب بيني وبينها حجاب ، فعدوت نحو أبي محمد عليه السلام وأنا صارخة ، فقال لي : إرجعي يا عمة فإنك ستجديها في مكانها .
قالت : فرجعت فلم ألبث أن كشف الغطاء الذي كان بيني وبينها ، وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشى بصري ، وإذا أنا بالصبي عليه السلام ساجداً لوجهه جاثياً على ركبتيه ، رافعاً سبابتيه ، وهو يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن جدي محمداً رسول الله وأن أبي أمير المؤمنين ، ثم عد إماماً إماماً عليهم السلام إلى أن بلغ إلى نفسه . ثم قال : اللهم أنجز لي ما وعدتني وأتمم لي أمري وثبت وطأتي ، وأملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً .
فصاح بي أبو محمد عليه السلام فقال : يا عمة تناوليه وهاتيه ، فتناولته وأتيت به نحوه ، فلما مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي سلم على أبيه فتناوله الحسن عليه السلام منى ، وناوله لسانه فشرب منه ، ثم قال : إمضي به إلى أمه لترضعه ، ورديه إليَّ . قالت : فتناولته أمه فأرضعته فرددته إلى
--------------------------- 711 ---------------------------
أبي محمد والطير ترفرف على رأسه ، فصاح بطير منها فقال له : إحمله واحفظه ورده إلينا في كل أربعين يوماً ، فتناوله الطير وطار به في جو السماء وأتبعه سائر الطير ، فسمعت أبا محمد عليه السلام يقول : أستودعك الله الذي أودعته أم موسى موسى . فبكت نرجس فقال لها : أسكتي فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديك ، وسيعاد إليك كما رد موسى إلى أمه ، وذلك قول الله عز وجل : فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ . قالت حكيمة فقلت : وما هذا الطير ؟ قال : هذا روح القدس الموكل بالأئمة عليهم السلام يوفقهم ويسددهم ويربيهم بالعلم .
قالت حكيمة : فلما كان بعد أربعين يوماً ، رد الغلام ووجه إلي ابن أخي عليه السلام فدعاني ، فدخلت عليه فإذا أنا بالصبي متحرك يمشي بين يديه ، فقلت : يا سيدي هذا ابن سنتين ؟ فتبسم ثم قال : إن أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشأون بخلاف ما ينشأ غيرهم ، وإن الصبي منا إذا كان أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة ، وإن الصبي منا ليتكلم في بطن أمه ويقرأ القرآن ويعبد ربه عز وجل ، وعند الرضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليه صباحاً ومساء . قالت حكيمة : فلم أزل أرى ذلك الصبي في كل أربعين يوماً ، إلى أن رأيته رجلاً قبل مضي أبي محمد عليه السلام بأيام قلائل فلم أعرفه فقلت لابن أخي عليه السلام من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه ؟ فقال لي : هذا ابن نرجس ، وهذا خليفتي من بعدي ، وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي . قالت حكيمة : فمضى أبو محمد عليه السلام بعد ذلك بأيام قلائل ، وافترق الناس كما ترى ، ووالله إني لأراه صباحاً ومساء ، وإنه لينبئني عما تسألون عنه فأخبركم ، ووالله إني لأريد أن أسأله عن الشئ فيبدؤني به ، وإنه ليرد عليَّ الأمر فيخرج إلي منه جوابه من ساعته من غير مسألتي . وقد أخبرني البارحة بمجيئك إليَّ وأمرني أن أخبرك بالحق .
قال محمد بن عبد الله : فوالله لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطلع عليها أحد إلا الله عز وجل فعلمت أن ذلك صدق وعدل من الله عز وجل ، لأن الله عز وجل قد أطلعه على ما لم يطلع عليه أحداً من خلقه » .
في دلائل الإمامة / 268 ، عن إسماعيل الحسني ، عن حكيمة ابنة محمد بن علي الرضا قالت : « قال لي الحسن بن علي العسكري عليه السلام ذات ليلة أو ذات يوم : أحب أن تجعلي إفطارك الليلة عندنا ، فإنه يَحدث في هذه الليلة أمر ، فقلت ما هو ؟ قال : إن القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله
--------------------------- 712 ---------------------------
يولد في هذه الليلة ، فقلت ممن ؟ قال من نرجس ، فصرت إليه ودخلت الجواري فكان أول من تلقتني نرجس فقالت : يا عمة كيف أنت أنا أفديك فقلت لها : بل أنا أفديك يا سيدة نساء هذا العالم ، فخلعتُ خُفي وجاءت لتصب على رجلي الماء ، فحلفتها ألا تفعل ، وقلت لها : إن الله قد أكرمك بمولود تلدينه في هذه الليلة ، فرأيتها لما قلت لها ذلك قد لبسها ثوب من الوقار والهيبة ، ولم أر بها حملاً ولا أثر حمل فقالت : أي وقت يكون ذلك ؟ فكرهت أن أذكر وقتاً بعينه فأكون قد كذبت ، فقال لي أبو محمد : في الفجر الأول . فلما أفطرت وصليت وضعت رأسي ونمت ، ونامت نرجس معي في المجلس ، ثم انتبهت وقت صلاتنا فتأهبت ، وانتبهت نرجس وتأهبتْ ، ثم إني صليت وجلست أنتظر الوقت ونام الجواري ونامت نرجس ، فلما ظننت أن الوقت قد قرب خرجت فنظرت إلى السماء وإذا الكواكب قد انحدرت ، وإذا هو قريب من الفجر الأول ، ثم عدت فكأن الشيطان خبَّث قلبي . قال أبو محمد : لا تعجلي فكأنه قد كان ، وقد سجدت فسمعته يقول في دعائه شيئاً لم أدر ما هو ، ووقع عليَّ السبات في ذلك الوقت ، فانتبهت بحركة جارية فقلت لها : بسم الله عليك ، فسكنت إلى صدري فرمت به عليَّ ، وخرت ساجدة فسجد الصبي وقال : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وعلي حجة الله ، وذكر إماماً إماماً حتى انتهى إلى أبيه ، فقال أبو محمد : إليَّ ابني ، فذهبت لأصلح منه شيئاً فإذا هو مسوى مفروغ منه ، فذهبت به إليه ، فقبل وجهه ويديه ورجليه ، ووضع لسانه في فمه وزقه كما يزق الفرخ ، ثم قال إقرأ : فبدأ بالقرآن من : بسم الله الرحمن الرحيم . الخ .
ثم إنه دعا بعض الجواري ممن علم أنها تكتم خبره فنظرت ، ثم قال سلموا عليه وقبلوه ، وقولوا استودعناك الله ، وانصرفوا . ثم قال : يا عمة أدعي لي نرجس ، فدعوتها وقلت لها : إنما يدعوك لتودعيه فودعته ، وتركناه مع أبي محمد ، ثم انصرفنا . ثم إني صرت إليه من الغد فلم أره عنده فهنيته ، فقال : يا عمة هو في ودايع الله إن يأذن الله في خروجه » .
وفي الخرائج : 1 / 455 : « عن حكيمة قالت : دخلت يوماً على أبي محمد عليه السلام فقال : يا عمة بيتي عندنا الليلة فإن الله سيظهر الخلف فيها . قلت : وممن ؟ قال : من نرجس . قلت : فلست أرى بنرجس حملاً . قال : يا عمة إن مثلها كمثل أم موسى ، لم يظهر حملها بها إلا وقت ولادتها ، فبت أنا وهي في بيت ، فلما انتصف الليل صليت أنا وهي صلاة
--------------------------- 713 ---------------------------
الليل ، فقلت في نفسي : قد قرب الفجر ولم يظهر ما قال أبو محمد ، فناداني أبو محمد عليه السلام من الحجرة : لا تعجلي فرجعت إلى البيت خجلة ، فاستقبلتني نرجس ترتعد فضممتها إلى صدري ، وقرأت عليها قل هو الله أحد وإنا أنزلناه وآية الكرسي ، فأجابني الخلف من بطنها يقرأ كقراءتي . قالت : وأشرق نور في البيت ، فنظرت فإذا الخلف تحتها ساجد إلى القبلة ، فأخذته فناداني أبو محمد عليه السلام من الحجرة : هلمي بابني إليَّ يا عمة . قالت فأتيته به فوضع لسانه في فيه وأجلسه على فخذه ، وقال : أنطق يا بني بإذن الله . فقال : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ . وصلى الله على محمد المصطفى ، وعلي المرتضى ، وفاطمة الزهراء ، والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي أبي .
قالت حكيمة : وغمرتنا طيور خضر ، فنظر أبو محمد إلى طائر منها فدعاه فقال له : خذه واحفظه حتى يأذن الله فيه فإن الله بالغ أمره . قالت حكيمة : قلت لأبي محمد : ما هذا الطائر وما هذه الطيور ؟ قال : هذا جبرئيل وهذه ملائكة الرحمة ، ثم قال : يا عمة رديه إلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ . فرددته إلى أمه . قالت : ولما ولد كان نظيفاً مفروغاً منه ، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب : جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً » .
ويظهر أن في الرواية تقديماً وتأخيراً ، وأن قول حكيمة رحمها الله « وغمرتنا طيور خضر » كان آخر الرواية . وهذا طبيعي في الروايات الطويلة المتعددة الأحداث .
وفي غيبة الطوسي / 140 : « عن أبي عبد الله المطهري ، عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا قالت : بعث إلي أبو محمد عليه السلام سنة خمس وخمسين ومأتين في النصف من شعبان وقال : يا عمة إجعلي الليلة إفطارك عندي ، فإن الله عز وجل سيسرك بوليه وحجته على خلقه ، خليفتي من بعدي . قالت حكيمة : فتداخلني لذلك سرور شديد ، وأخذت ثيابي عليَّ ، وخرجت من ساعتي حتى انتهيت إلى أبي محمد عليه السلام وهو جالس في صحن داره وجواريه حوله ، فقلت :
--------------------------- 714 ---------------------------
جعلت فداك يا سيدي ، الخلف ممن هو ؟ قال : من سوسن ، فأدرت طرفي فيهن فلم أر جارية عليها أثر غير سوسن ، قالت حكيمة : فلما أن صليت المغرب والعشاء الآخرة ، أُتيت بالمائدة فأفطرت أنا وسوسن وبايتُّها في بيت واحد ، فغفوت غفوة ثم استيقظت ، فلم أزل مفكرة فيما وعدني أبو محمد من أمر ولي الله ، فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كل ليلة للصلاة ، فصليت صلاة الليل حتى بلغت إلى الوتر ، فوثبت سوسن فزعة وخرجت فزعة ، وأسبغت الوضوء ، ثم عادت فصلت صلاة الليل وبلغت إلى الوتر ، فوقع في قلبي أن الفجر قد قرب فقمت لأنظر فإذا بالفجر الأول قد طلع ، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد عليه السلام ، فناداني من حجرته لا تشكي وكأنك بالأمر الساعة قد رأيته إن شاء الله تعالى . قالت حكيمة : فاستحييت من أبي محمد عليه السلام ومما وقع في قلبي ورجعت إلى البيت وأنا خجلة ، فإذا هي قد قطعت الصلاة وخرجت فزعة فلقيتها على باب البيت ، فقلت : بأبي أنت وأمي هل تحسين شيئاً ؟ قالت : نعم يا عمة إني لأجد أمراً شديداً . قلت : لاخوف عليك إن شاء الله تعالى ، وأخذت وسادة فألقيتها في وسط البيت وأجلستها عليها وجلست منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة ، فقبضت على كفي وغمزت غمزة شديدة ، ثم أنت أنة وتشهدت ونطرت تحتها فإذا أنا بولي الله صلوات الله عليه متلقياً الأرض بمساجده ، فأخذت بكتفيه فأجلسته في حجري ، فإذا هو نظيف مفروغ منه ، فناداني أبو محمد عليه السلام : يا عمة هلمي فأتيني بابني ، فأتيته به فتناوله وأخرج لسانه فمسح عينيه ففتحها ، ثم أدخله في فيه فحنكه ثم في أذنيه ، وأجلسه في راحته اليسرى ، فاستوى ولي الله جالساً فمسح يده على رأسه وقال له : يا بني أنطق بقدرة الله ، فاستعاذ ولي الله عليه السلام من الشيطان الرجيم واستفتح : بسم الله الرحمن الرحيم ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ . وصلى على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أمير المؤمنين والأئمة واحداً واحداً حتى انتهى إلى أبيه عليهم السلام ، فناولنيه أبو محمد وقال : يا عمة رديه إلى أمه حتى تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ، فرددته إلى أمه وقد انفجر الفجر الثاني ، فصليت الفريضة وعقبت إلى أن طلعت الشمس . ثم ودعت أبا محمد وانصرفت إلى منزلي ، فلما كان بعد ثلاث اشتقت إلى ولي الله فصرت إليهم فبدأت بالحجرة
--------------------------- 715 ---------------------------
التي كانت سوسن فيها فلم أر أثراً ، ولا سمعت ذكراً فكرهت أن أسأل ، فدخلت على أبي محمد فاستحييت أن أبدأ بالسؤال ، فبدأني فقال : هو يا عمة في كنف الله وحرزه وستره وغيبه حتى يأذن الله له ، فإذا غيب الله شخصي وتوفاني ورأيت شيعتي قد اختلفوا ، فأخبري الثقات منهم ، وليكن عندك وعندهم مكتوماً ، فإن ولي الله يغيبه الله عن خلقه ويحجبه عن عباده ، فلا يراه أحد حتى يقدم له جبرئيل عليه السلام فرسه لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً » .
وفي / 143 ، برواية أخرى فيها : « واكتمي خبر هذا المولود علينا ، ولا تخبري به أحداً حتى يبلغ الكتاب أجله ، فأتيت أمه وودعتهم » .
ودلائل الإمامة / 269 ، وكمال الدين : 2 / 424 و 43 ، و / 426 ، وغيبة الطوسي / 142 ، بسندين ، و 143 و 147 ، وروضة الواعظين : 2 / 256 ، وإعلام الورى / 394 .
المجدي في أنساب الطالبين / 131 ، بسنده عن علان الكلابي قال : « صحبت أبا جعفر محمد بن علي بن محمد بن علي الرضا وهو حديث السن ، فما رأيت أوقر ولا أزكى ولا أجل منه ، وكان خلفه أبو الحسن العسكري عليه السلام بالحجاز طفلاً وقدم عليه مشتداً ، فكان مع أخيه الإمام أبي محمد لا يفارقه ، وكان أبو محمد يأنس به وينقبض مع أخيه جعفر . قال علان : حدثني أبو جعفر رضي الله عنه قال : كانت عمتي حكيمة تحب سيدي أبا محمد وتدعو له وتتضرع أن ترى له ولداً ، وكان أبو محمد اصطفى جارية يقال لها نرجس ، وكان اسمها قبل ذلك صقيل فلما كانت ليلة النصف من شعبان دخلت فدعت لأبي محمد فقال لها : يا عمة كوني الليلة عندنا لأمر قد حدث ، فقالت حكيمة : وكنت أتفقد جواري أبي محمد ، فلا أرى عليهن أثر حمل وكنت آنس بنرجس وأقلبها الظهر والبطن ولا أرى دلالة الحمل عليها . قال أبو جعفر : فأقامت كما رسم ، فلما كان وقت الفجر اضطربت نرجس فقامت إليها عمتي قالت : فأدخلت يدي إلى ثيابها ووقع علي نوم عظيم ، فما أدري فيما كان مني غير أني رأيت المولود على يدي ، فأتيت به أبا محمد وهو مختون مفروغ منه ، فأخذه وأمر يده على ظهره وعينه ، وأدخل لسانه في فيه ، وأذن في أذنه وقام في الأخرى ثم رده إلي ، وقال : يا عمة إذهبي به إلى أمه ، قالت : فذهبت به فقبلته ورددته إليه . ثم رفع حجاب بيني وبين سيدي أبي محمد فانسفر عنه وحده ، فقلت يا سيدي ما فعل المولود ؟ فقال أخذه من هو أحق به ،
--------------------------- 716 ---------------------------
فإذا كان يوم السابع فأتنا . قالت : فجئت إليه في اليوم السابع ، فإذا المولود بين يديه في ثياب صفر وعليه من البهاء والنور ما أخذ بمجامع قلبي ، فقلت : سيدي هل عندك من علم في هذا المولود المبارك فتلقيه إلي ، فقال : يا عمة ، هذا المنتصر لأولياء الله ، المنتقم من أعداء الله ، الذي يأخذ الله بثأره ، ويجمع به ألفتنا ، هذا الذي بشرنا به ودللنا عليه قالت : فخررت لله ساجدة شكراً على ذلك . قالت : ثم كنت أتردد إلى أبي محمد فلا أراه ، فقلت له يوماً : يا مولاي ما فعل سيدنا ومنتظرنا ؟ فقال أودعناه الذي استودعته أم موسى ابنها » .
وفي كمال الدين / 507 : « عن أحمد بن إبراهيم قال : دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا ، أخت أبي الحسن صاحب العسكر عليهم السلام في سنه اثنتين وستين ومائتين فكلمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها ، فسمت لي من تأتم بهم ، ثم قالت : والحجة ابن الحسن بن علي فسمته ، فقلت لها : جعلني الله فداك معاينةً أو خبراً ؟ فقالت خبراً عن أبي محمد عليه السلام كتب به إلى أمه ، فقلت لها : فأين الولد ؟ فقالت : مستور ، فقلت : إلى من تفزع الشيعة ؟ فقالت إلى الجدة أم أبي محمد عليه السلام ، فقلت لها : أقتدي بمن وصيته إلى امرأة ؟ فقالت : اقتداءً بالحسين بن علي فإن الحسين بن علي عليه السلام أوصى إلى أخته زينب بنت علي في الظاهر ، فكان ما يخرج عن علي بن الحسين من علم ينسب إلى زينب ستراً على علي بن الحسين ، ثم قالت : إنكم قوم أصحاب أخبار أما رويتم أن التاسع من ولد الحسين بن علي يقسم ميراثه وهو في الحياة » .
وروى في كمال الدين : 2 / 517 : « عن محمد بن علي بن أحمد البزرجي ، أن أحد الهاشميين أمر جاريته المسنة أن تروي فقالت إن سيدتها قالت لها : إمضي إلى دار الحسن بن علي فقولي لحكيمة : تعطينا شيئاً نستشفي به لمولودنا هذا ، فلما مضيت وقلت كما قال لي مولاي ، قالت حكيمة : إيتوني بالميل الذي كحل به المولود الذي ولد البارحة ، تعني ابن الحسن بن علي عليه السلام فأتيت بميل فدفعته إلي ، وحملته إلى مولاتي فكحلت به المولود فعوفي ، وبقي عندنا وكنا نستشفي به ثم فقدناه » .
وروى الطوسي في الغيبة / 144 : « عن أحمد بن بلال بن داود الكاتب ، وكان عامياً بمحل من النصب لأهل البيت عليهم السلام يظهر ذلك ولا يكتمه ، قال : كانت دورنا بسر من رأى مقابل
--------------------------- 717 ---------------------------
دار ابن الرضا يعني أبا محمد الحسن بن علي ، فغبت عنها دهراً طويلاً إلى قزوين وغيرها ، ثم قضي لي الرجوع إليها ، فلما وافيتها وقد كنت فقدت جميع من خلفته من أهلي وقراباتي إلا عجوزاً كانت ربتني ، ولها بنت معها ، وكانت من طبع الأول مستورة صائنة ، لاتحسن الكذب ، وكذلك موليات لنا بقين في الدار ، فأقمت عندهن أياماً ثم عزمت الخروج ، فقالت العجوزة : كيف تستعجل الانصراف وقد غبت زماناً ؟ فأقم عندنا لنفرح بمكانك ، فقلت لها على جهة الهزؤ : أريد أن أصير إلى كربلاء ، وكان الناس للخروج في النصف من شعبان أو ليوم عرفة ، فقالت : يا بني أعيذك بالله أن تستهين بما ذكرت ، أو تقوله على وجه الهزؤ ، فإني أحدثك بما رأيته يعني بعد خروجك من عندنا بسنتين : كنت في هذا البيت نائمة بالقرب من الدهليز ومعي ابنتي وأنا بين النائمة واليقظانة ، إذ دخل رجل حسن الوجه نظيف الثياب طيب الرائحة فقال : يا فلانة يجيئك الساعة من يدعوك في الجيران ، فلا تمتنعي من الذهاب معه ولا تخافي ففزعت فناديت ابنتي ، وقلت لها هل شعرت بأحد دخل البيت ؟ فقالت : لا ، فذكرت الله وقرأت ونمت ، فجاء الرجل بعينه وقال لي : مثل قوله ، ففزعت وصحت بابنتي فقالت : لم يدخل البيت فاذكري الله ولا تفزعي ، فقرأت ونمت فلما كان في الثالثة جاء الرجل وقال : يا فلانة قد جاءك من يدعوك ويقرع الباب فاذهبي معه ، وسمعت دق الباب فقمت وراء الباب وقلت : من هذا ؟ فقال : إفتحي ولا تخافي ، فعرفت كلامه وفتحت الباب فإذا خادم معه إزار فقال : يحتاج إليك بعض الجيران لحاجة مهمة ، فادخلي ولف رأسي بالملاءة وأدخلني الدار وأنا أعرفها فإذا بشقاق مشدودة وسط الدار ورجل قاعد بجنب الشقاق ، فرفع الخادم طرفه فدخلت ، وإذا امرأة قد أخذها الطلق وامرأة قاعدة خلفها كأنها تقبلها ، فقالت المرأة تعينيننا فيما نحن فيه ، فعالجتها بما يعالج به مثلها ، فما كان إلا قليلا حتى سقط غلام فأخذته على كفي وصحت : غلام غلام ! وأخرجت رأسي من طرف الشقاق ، أبشر الرجل القاعد ، فقيل لي لا تصيحي ، فلما رددت وجهي إلى الغلام قد كنت فقدته من كفي فقالت لي المرأة القاعدة : لاتصيحي ! وأخذ الخادم بيدي ولف رأسي بالملاءة ، وأخرجني من الدار وردني إلى داري وناولني صرة وقال : لاتخبري بما رأيت أحداً ، فدخلت الدار ورجعت إلى فراشي في هذا البيت وابنتي نائمة فأنبهتها وسألتها هل علمت بخروجي ورجوعي ؟
--------------------------- 718 ---------------------------
فقالت : لا . وفتحت الصرة في ذلك الوقت وإذا فيها عشرة دنانير عدداً ، وما أخبرت بهذا أحداً ، إلا في هذا الوقت لما تكلمت بهذا الكلام على حد الهزؤ فحدثتك إشفاقاً عليك ، فإن لهؤلاء القوم عند الله عز وجل شأناً ومنزلة ، وكل ما يدعونه حق ! قال : فعجبت من قولها وصرفته إلى السخرية والهزء ، ولم أسألها عن الوقت غير أني أعلم يقيناً أني غبت عنهم في سنة نيف وخمسين ومائتين ، ورجعت إلى سر من رأى في وقت أخبرتني العجوزة بهذا الخبر في سنة إحدى وثمانين ومائتين ، في وزارة عبد الله بن سليمان لما قصدته ، قال حنظلة فدعوت بأبي الفرج المظفر بن أحمد حتى سمع معي هذا الخبر » .
وفي هذا الخبر دلالةٌ على إرهاب السلطة وتجسسها ، وحساسيتها من ولادة الثاني عشر صلوات الله عليه . ودلالةٌ على أن زيارة قبر الحسين عليه السلام كانت ظاهرة شعبية في شعبان وفي عرفة ، وأن زوار قبره عليه السلام من سامراء كانوا كثرة ، وذلك رغم منع المتوكل وغيره من ملوكهم من زيارته ، وهدم القبر الشريف . . الخ .
كما أن فيه دلالة على أن الإمام العسكري عليه السلام أراد أن يطلع على ولادة المهدي عليه السلام نساء يثق بكتمانهن كهذه العجوز التي دعاها لتكون مع عمته حكيمة فنفعها الله ببركته . ودلالةً على أن كبار موظفي الدولة كصاحب الخبر ابن بلال كانوا نواصب ، وأنه أراد بعد سنين أن يتقرب إلى شيعي فروى له الخبر . . الخ .
تشرف سعد بن عبد الله الأشعري بلقاء الإمام المهدي عليه السلام
كمال الدين : 2 / 454 : « عن أحمد بن مسرور ، عن سعد بن عبد الله الأشعري قال : كنت امرءً لَهِجاً بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها ، كَلِفاً باستظهار ما يصح لي من حقائقها ، مغرماً بحفظ مشتبهها ومستغلقها ، شحيحاً على ما أظفر به من معضلاتها ومشكلاتها ، متعصباً لمذهب الإمامية ، راغباً عن الأمن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم والتعدي إلى التباغض والتشاتم ، معيباً للفرق ذوي الخلاف ، كاشفاً عن مثالب أئمتهم ، هتاكاً لحجب قادتهم . إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة ، وأطولهم مخاصمة ، وأكثرهم جدلاً ، وأشنعهم سؤالاً وأثبتهم على الباطل قدماً ، فقال ذات يوم وأنا أناظره : تباً لك ولأصحابك
--------------------------- 719 ---------------------------
يا سعد ، إنكم معشر الرافضة تقصدون المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما ، وتجحدون من رسول الله ولايتهما وإمامتهما . هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته ، أما علمتم أن رسول الله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار ، إلا علماً منه أن الخلافة له من بعده وأنه هو المقلد لأمر التأويل والملقى إليه أزمة الأمة ، وعليه المعول في شعب الصدع ولم الشعث وسد الخلل ، وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك ، وكما أشفق على نبوته ، أشفق على خلافته ، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة إلى مكان يستخفي فيه ، ولما رأينا النبي متوجهاً إلى الإنجحار ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد ، استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر للغار للعلة التي شرحناها . وإنما أبات علياً على فراشه لما لم يكن يكترث به ، ولم يحفل به لاستثقاله ، ولعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها . قال سعد : فأوردت عليه أجوبة شتى ، فما زال يعقب كل واحد منها بالنقض والرد علي ، ثم قال : يا سعد ودونكها أخرى بمثلها تخطم أنوف الروافض : ألستم تزعمون أن الصديق المبرأ من دنس الشكوك والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام ، كان يسران النفاق ، واستدللتم بليلة العقبة ، أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أو كرهاً ؟ قال سعد : فاحتلت لدفع هذه المسألة عني خوفاً من الإلزام وحذرا من أني إن أقررت له بطوعهما للإسلام احتج بأن بدء النفاق ونشأته في القلب لا يكون إلا عند هبوب روائح القهر والغلبة ، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد إليه قلبه ، نحو قول الله تعالى : فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا . . وإن قلت : أسلما كرهاً كان يقصدني بالطعن ، إذ لم تكن ثمة سيوف منتضاة كانت تريهما البأس .
قال سعد : فصدرت عنه مزوراً قد انتفخت أحشائي من الغضب ، وتقطع كبدي من الكرب ، وكنت قد اتخذت طوماراً وأثبت فيه نيفاً وأربعين مسألة من صعاب المسائل ، لم أجد لها مجيباً لعلى أن أسأل عنها خبير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد عليه السلام ، فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصداً نحو مولانا بسر من رأى ، فلحقته في بعض المنازل فلما تصافحنا قال : بخير لحاقك بي ، قلت : الشوق ثم العادة في الأسئلة .
--------------------------- 720 ---------------------------
قال : قد تكافينا على هذه الخطة الواحدة ، فقد برح بي القرم إلى لقاء مولانا أبي محمد عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل في التنزيل ، فدونكها الصحبة المباركة ، فإنها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه ، ولا تفنى غرائبه ، وهو إمامنا .
فوردنا سر من رأى فانتهينا منها إلى باب سيدنا فاستأذنا ، فخرج علينا الإذن بالدخول عليه وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب ، قد غطاه بكساء طبري فيه مائة وستون صرة من الدنانير والدراهم ، على كل صرة منها ختم صاحبها .
قال سعد : فما شبهت وجه مولانا أبي محمد عليه السلام حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفى من لياليه أربعاً بعد عشر ، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر ، على رأسه فرق بين وفرتين كأنه ألف بين واوين ، وبين يدي مولانا رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها ، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة ، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض شيئاً قبض الغلام على أصابعه ، فكان مولانا يدحرج الرمانة بين يديه ويشغله بردها ، كيلا يصده عن كتابة ما أراد ، فسلمنا عليه فألطف في الجواب ، وأومأ إلينا بالجلوس فلما فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده ، أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه ، فوضعه بين يديه ، فنظر الهادي عليه السلام إلى الغلام وقال له : يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك ، فقال : يا مولاي أيجوز أن أمد يداً طاهرة إلى هدايا نجسة ، وأموال رجسة ، قد شيب أحلها بأحرمها ؟ فقال مولاي : يا ابن إسحاق ، استخرج ما في الجراب ليميز ما بين الحلال والحرام منها ، فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام : هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم ، يشتمل على اثنين وستين ديناراً ، فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها ، وكانت إرثاً له عن أبيه خمسة وأربعون ديناراً ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً ، وفيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير ! فقال مولانا : صدقت يا بني ، دُلَّ الرجل على الحرام منها ، فقال عليه السلام : فتش عن دينار رازي السكة ، تاريخه سنة كذا ، قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه ، وقراضة آملية وزنها ربع دينار ، والعلة في تحريمها أن صاحب هذه الصرة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل مَنّاً وربع مَنّ ، فأتت على ذلك مدة وفي انتهائها قيض لذلك الغزل سارق ، فأخبر به
--------------------------- 721 ---------------------------
الحائك صاحبه فكذبه واسترد منه بدل ذلك مناً ونصف مَنٍّ غزلاً أدق ، مما كان دفعه إليه ، واتخذ من ذلك ثوباً ، كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه !
فلما فتح رأس الصرة ، صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه ، وبمقدارها على حسب ما قال ! واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة . ثم أخرج صرة أخرى فقال الغلام : هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم ، تشتمل على خمسين ديناراً لا يحل لنا لمسها . قال : وكيف ذاك ؟ قال : لأنها من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكاره في المقاسمة ، وذلك أنه قبض حصته منها بكيل واف ، وكان ما حص الأكار بكيل بخس ! فقال مولانا : صدقت يا بني .
ثم قال : يا أحمد بن إسحاق إحملها بأجمعها لتردها أو توصي بردها على أربابها ، فلا حاجة لنا في شئ منها ، وائتنا بثوب العجوز . قال أحمد : وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته .
فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب ، نظر إليَّ مولانا أبو محمد عليه السلام فقال : ما جاء بك يا سعد ؟ فقلت : شوقني أحمد بن إسحاق على لقاء مولانا ، قال : والمسائل التي أردت أن تسأله عنها ؟ قلت : على حالها يا مولاي ! قال : فسل قرة عيني وأومأ إلى الغلام ! فقال لي الغلام : سل عما بدا لك منها ، فقلت له : مولانا وابن مولانا إنا روينا عنكم أن رسول الله صلى الله عليه وآله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه السلام حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة : إنك قد أرهجت على الإسلام وأهله بفتنتك ، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك ، فإن كففت عني غربك وإلا طلقتك ، ونساء رسول الله صلى الله عليه وآله قد كان طلاقهن وفاته ، قال : ما الطلاق ؟ قلت : تخلية السبيل ، قال : فإذا كان طلاقهن وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله قد خليت لهن السبيل ، فلم لا يحل لهن الأزواج ؟ قلت : لأن الله تبارك وتعالى حرم الأزواج عليهن ، قال : كيف وقد خلى الموت سبيلهن ؟ قلت : فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله صلى الله عليه وآله حكمه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ؟ قال : إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي صلى الله عليه وآله فخصهن بشرف الأمهات ، فقال رسول الله : يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق لهن ما دمن لله على الطاعة فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج ، وأسقطها من شرف أمومة المؤمنين . قلت : فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في عدتها حل للزوج أن يخرجها من بيته ؟ قال : الفاحشة المبينة وهي السحق دون الزنا ، فإن المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحد
--------------------------- 722 ---------------------------
ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزوج بها لأجل الحد ، وإذا سحقت وجب عليها الرجم والرجم خزي ، ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه ومن أخزاه فقد أبعده ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه . قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله عن أمر الله لنبيه موسى عليه السلام : فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ، فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من إهاب الميتة ؟ فقال عليه السلام : من قال ذلك فقد افترى على موسى عليه السلام واستجهله في نبوته ، لأنه ما خلا الأمر فيها من خطيئتين ، إما أن تكون صلاة موسى فيهما جائزة أو غير جائزة ، فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة ، وإن كانت مقدسة مطهرة فليست بأقدس وأطهر من الصلاة ، وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما ، فقد أوجب على موسى أنه لم يعرف الحلال من الحرام ، وما علم ما تجوز فيه الصلاة وما لم تجز ، وهذا كفر . قلت : فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما . قال : إن موسى ناجى ربه بالواد المقدس فقال : يا رب إني قد أخلصت لك المحبة مني ، وغسلت قلبي عمن سواك ، وكان شديد الحب لأهله فقال الله تعالى : إخلع نعليك ، أي إنزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة ، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولاً .
قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله عن تأويل « كهيعص » ؟ قال : هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع الله عليها عبده زكريا ، ثم قصها على محمد صلى الله عليه وآله وذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل فعلمه إياها ، فكان زكريا إذا ذكر محمداً وعلياً وفاطمة والحسن والحسين سريَ عنه همه وانجلى كربه ، وإذا ذكر الحسين خنقته العبرة ، ووقعت عليه البهرة ! فقال ذات يوم : يا إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسليت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي ؟ فأنبأه الله تعالى عن قصته ، وقال : كهيعص ، فالكاف اسم كربلا ، والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد وهو ظالم الحسين عليه السلام ، والعين عطشه ، والصاد صبره ، فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيها الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته : إلهي أتفجع خير خلقك بولده إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ، إلهي أتلبس علياً وفاطمة ثياب هذه المصيبة ، إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما ؟ ! ثم كان يقول : اللهم ارزقني ولداً تقر به عيني على الكبر ،
--------------------------- 723 ---------------------------
واجعله وارثاً وصياً واجعل محلة مني محل الحسين ، فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ، ثم افجعني به كما تفجع محمداً حبيبك بولده ! فرزقه الله يحيى وفجعه به ، وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين عليه السلام كذلك ، وله قصة طويلة . قلت : فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم ؟
قال : مصلح أو مفسد ؟ قلت : مصلح ، قال : فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد ؟ قلت : بلى ، قال : فهي العلة ، وأوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله تعالى وأنزل عليهم الكتاب وأيدهم بالوحي والعصمة ، إذ هم أعلام الأمم وأهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى عليه السلام ، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا هما بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن ؟ قلت : لا ، فقال : هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه ، اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاً ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم ، فوقعت خيرته على المنافقين ! قال الله تعالى : وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا . . إلى قوله : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً . . فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ . . فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعاً على الأفسد دون الأصلح ، وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد ، علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور ، وما تكن الضمائر وتتصرف عليه السرائر ، وأنه لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح .
ثم قال مولانا : يا سعد ، وحين ادعى خصمك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أخرج مع نفسه مختار هذه الأمة إلى الغار إلا علماً منه أن الخلافة له من بعده ، وأنه هو المقلد أمور التأويل والملقى إليه أزمة الأمة ، وعليه المعول في لم الشعث وسد الخلل وإقامة الحدود وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر ، فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه ، وإنما أبات علياً على فراشه لما لم يكن يكترث له ولم يحفل به لاستثقاله إياه وعلمه أنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها . فهلا نقضت عليه دعواه بقولك :
--------------------------- 724 ---------------------------
أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم ؟ فكان لا يجد بداً من قوله لك : بلى ، قلت : فكيف تقول حينئذ : أليس كما علم رسول الله صلى الله عليه وآله أن الخلافة من بعده لأبي بكر ، علم أنها من بعد أبي بكر لعمر ، ومن بعد عمر لعثمان ، ومن بعد عثمان لعلي ؟ فكان أيضاً لا يجد بداً من قوله لك : نعم ، ثم كنت تقول له : فكان الواجب على رسول الله صلى الله عليه وآله أن يخرجهم جميعاً على الترتيب إلى الغار ، ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ، ولايستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم وتخصيصه أبا بكر وإخراجه مع نفسه دونهم !
ولما قال : أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعاً أو كرهاً ؟ لمَ لمْ تقل له : بل أسلما طمعاً وذلك بأنهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة وفي سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم ، من حال إلى حال ، من قصة محمد صلى الله عليه وآله ومن عواقب أمره ، فكانت اليهود تذكر أن محمداً يسلط على العرب كما كان بختنصر سلط على بني إسرائيل ، ولا بد له من الظفر بالعرب كما ظفر بختنصر ببني إسرائيل ، غير أنه كاذب في دعواه أنه نبي ! فأتَيَا محمداً فساعداه على شهادة ألا إله إلا الله ، وبايعاه طمعاً في أن ينال كل واحد منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت أموره واستتبت أحواله . . . كما أتى طلحة والزبير علياً عليه السلام فبايعاه وطمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد ، فلما آيسا نكثا بيعته وخرجا عليه ، فصرع الله كل واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين .
قال سعد : ثم قام مولانا الحسن بن علي الهادي عليه السلام للصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكياً ، فقلت : ما أبطاك وأبكاك ؟ قال : قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره ، قلت : لا عليك فأخبره ، فدخل عليه مسرعاً وانصرف من عنده متبسماً ، وهو يصلي على محمد وآل محمد ، فقلت : ما الخبر ؟ قال : وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدمي مولانا يصلي عليه .
قال سعد : فحمدنا الله تعالى على ذلك وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا أياماً فلا نرى الغلام بين يديه ، فلما كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا ، وانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائماً وقال : يا ابن رسول الله قد دنت
--------------------------- 725 ---------------------------
الرحلة واشتدت المحنة ، فنحن نسأل الله تعالى أن يصلي على المصطفى جدك وعلى المرتضى أبيك وعلى سيدة النساء أمك ، وعلى سيدي شباب أهل الجنة عمك وأبيك ، وعلى الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك ، وأن يصلي عليك وعلى ولدك ، ونرغب إلى الله أن يعلي كعبك ويكبت عدوك ، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك . قال : فلما قال هذه الكلمات استعبر مولانا حتى استهلت دموعه وتقاطرت عبراته ، ثم قال : يا ابن إسحاق لاتَكَلَّفْ في دعائك شططاً ، فإنك ملاق الله تعالى في صدرك هذا ، فخرَّ أحمد مغشياً عليه ، فلما أفاق قال : سألتك بالله وبحرمة جدك إلا شرفتني بخرقة أجعلها كفناً ، فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهماً فقال : خذها ولاتنفق على نفسك غيرها ، فإنك لن تعدم ما سألت ، وإن الله تبارك وتعالى لن يضيع أجر من أحسن عملاً .
قال سعد : فلما انصرفنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حلوان على ثلاثة فراسخ ، حُمَّ أحمد بن إسحاق ، وثارت به علة صعبة أيس من حياته فيها ، فلما وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات ، دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطناً بها ، ثم قال : تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي ، فانصرفنا عنه ورجع كل واحد منا إلى مرقده . قال سعد : فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فترة ، ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم خادم مولانا أبي محمد عليه السلام وهو يقول : أحسن الله بالخير عزاكم ، وجبر بالمحبوب رزيتكم ، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه ، فقوموا لدفنه فإنه من أكرمكم محلاً عند سيدكم ، ثم غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتى قضينا حقه ، وفرغنا من أمره رحمه الله » . ودلائل الإمامة / 274 ، ونحوه الإحتجاج : 2 / 461 ، وثاقب المناقب / 254 ، مختصراً ، وكذا الخرائج : 1 / 481 ، وتأويل الآيات : 1 / 299 ، وإرشاد القلوب : 1 / 421 . . الخ .
الزهري الذي تشرف برؤية الإمام عليه السلام
غيبة الطوسي / 164 : « محمد بن يعقوب ، رفعه عن الزهري قال : طلبت هذا الأمر طلباً شاقاً حتى ذهب لي فيه مال صالح ، فوقعت إلى العمري وخدمته ولزمته ، وسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان ، فقال لي : ليس إلى ذلك وصول ، فخضعت فقال لي : بكر بالغداة فوافيت
--------------------------- 726 ---------------------------
فاستقبلني ومعه شاب من أحسن الناس وجهاً ، وأطيبهم رائحة ، بهيئة التجار ، وفي كمه شئ كهيئة التجار ، فلما نظرت إليه دنوت من العمري ، فأومأ إلي فعدلت إليه وسألته فأجابني عن كل ما أردت ، ثم مر ليدخل الدار وكانت من الدور التي لا يكترث لها ، فقال العمري إن أردت أن تسأل سل ، فإنك لا تراه بعد ذا ، فذهبت لأسأل فلم يسمع ، ودخل الدار وما كلمني بأكثر من أن قال : ملعون ملعون من أخر العشاء إلى أن تشتبك النجوم ، ملعون ملعون من أخر الغداة إلى أن تقضي النجوم ، ودخل الدار » .
من قصص الذين تشرفوا بلقائه عليه السلام
في الكافي : 1 / 519 ، عن علي بن الحسين اليماني ، فيه قصة مجيئه إلى سامراء ، وتشرفه بلقاء الإمام عليه السلام . وكمال الدين : 2 / 491 ، والهداية الكبرى / 72 ، والإرشاد / 352 ، وتقريب المعارف / 193 . وكشف الغمة : 3 / 242 ، عن الإرشاد ، والبحار : 51 / 329 و 330 .
وفي الكافي : 1 / 331 : « عن أبي عبد الله بن صالح أنه رآه عند الحجر الأسود والناس يتجاذبون عليه وهو يقول : ما بهذا أمروا » .
ومثله الإرشاد / 350 ، والمستجاد / 530 وعنه كشف الغمة : 3 / 240 ، والصراط المستقيم : 2 / 240 ، وتبصرة الولي / 766 ، والبحار : 52 / 60 . وفي كمال الدين : 2 / 493 ، عن أبي القاسم بن أبي حليس ، في كرامة رآها من الإمام عليه السلام في سامراء . وعيون المعجزات / 144 ، والخرائج : 3 / 1131 ، وإثبات الهداة : 3 / 674 و 699 ، عن كمال الدين ، وعيون المعجزات ، والبحار : 51 / 331 ، عن كمال الدين . وفي تنبيه الخواطر : 2 / 303 ، عن الشريف عمر بن حمزة ، ومشاهدته الإمام عليه السلام .
قصة محمد بن قولويه رحمه الله
الخرايج : 1 / 475 : « عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال : لما وصلت بغداد في سنة تسع وثلاثين « وثلاث مائة » للحج وهي السنة التي ردَّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت ، كان أكبر همي الظفر بمن ينصب الحجر ، لأنه مضى في أثناء الكتب قصة أخذه ، وأنه ينصبه في مكانه الحجة في الزمان ، كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين عليه السلام في مكانه فاستقر . فاعتللت علة صعبة خفت منها على نفسي ، ولم يتهيأ لي ما قصدت له ،
--------------------------- 727 ---------------------------
فاستنبت المعروف بابن هشام ، وأعطيته رقعة مختومة ، أسأل فيها عن مدة عمري ، وهل تكون المنية في هذه العلة أم لا ؟ وقلت : همي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه ، وإنما أندبك لهذا . قال فقال المعروف بابن هشام : لما حصلت بمكة وعُزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملةً تمكنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه ، وأقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس . فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم ، فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه ، فتناوله ووضعه في مكانه ، فاستقام كأنه لم يزل عنه ، وعلت لذلك الأصوات ، وانصرف خارجاً من الباب ، فنهضت من مكاني أتبعه وأدفع الناس عني يميناً وشمالاً ، حتى ظن بي الاختلاط في العقل ، والناس يفرجون لي وعيني لا تفارقه ، حتى انقطع عن الناس ، فكنت أسرع السير خلفه وهو يمشي على تؤده ولا أدركه ، فلما حصل بحيث لا أحد يراه غيري ، وقف والتفت إليَّ فقال : هات ما معك فناولته الرقعة ، فقال من غير أن ينظر فيها : قل له لا خوف عليك في هذه العلة ، ويكون ما لا بد منه بعد ثلاثين سنة ! قال : فوقع عليَّ الزَّمَع حتى لم أُطِقْ حراكاً وتركني وانصرف ! قال أبو القاسم : فأعلمني بهذه الجملة ، فلما كان سنة تسع وستين اعتل أبو القاسم فأخذ ينظر في أمره وتحصيل جهازه إلى قبره ، وكتب وصيته واستعمل الجد في ذلك . فقيل له : ما هذا الخوف ؟ وترجو أن يتفضل الله تعالى بالسلامة فما عليك مخوفة . فقال : هذه السنة التي خوفت فيها ، فمات في علته » .
مليكة أم الإمام المهدي من ذرية شمعون الصفا عليهم السلام
صحت الرواية عندنا أن الله تعالى جعل أم الإمام المهدي عليه السلام حفيدة قيصر الروم ، وأن أمها من ذرية شمعون الصفا عليه السلام . وتقول روايتنا إن شمعون عليه السلام سافر إلى روما مرات ، وآمنت على يده زوجة قيصر ، لكنه رجع إلى قومه ، وليس عندنا رواية عن أولاده وبناته ومن بقي منهم في روما وصار من أهلها . لكن ذكرت النصوص المسيحية أن زوجته كانت معه في روما ، وأنها قُتلت معه ، فمن القريب أن يكون له فيها ذرية .
قال في قصة الحضارة « 4 / 3944 » : « ويحدثنا لكتانتيوس Lactantius عن قدوم بطرس
--------------------------- 728 ---------------------------
إلى روما في عهد نيرون ، وأكبر الظن أن الرسول زار روما عدة مرات . . وتقول النصوص القديمة إن زوجته قتلت معه وإنه أرغم أن يراها تساق للقتل » . فطبيعي أن يكون له أولاد في روما وغيرها ، وأن تكون بعض بناته وحفيداته تزوجن في روما ، وأن يكون مستواهن من مستوى أبناء القياصرة .
روى في إثبات الهداة « 3 / 569 » عن الفضل بن شاذان رحمه الله : « عن محمد بن عبد الجبار قال قلت لسيدي الحسن بن علي عليه السلام : يا ابن رسول الله جعلني الله فداك : أحب أن أعلم من الإمام وحجة الله على عباده من بعدك ؟ فقال : إن الإمام وحجة الله من بعدي ابني سميُّ رسول الله وكنِيُّه ، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه . قلت : ممن هو يا ابن رسول الله ؟ قال : من ابنة ابن قيصر ملك الروم . ألا إنه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ، ثم يظهر » .
أقول : سند الرواية صحيح بامتياز ، فقد رواها الفضل بن شاذان الثقة عن الإمام الهادي عليه السلام بواسطة واحدة ، هو محمد بن عبد الجبار ، وهو ثقة . وهي تدل على أن والدة الإمام عليه السلام مليكة من ذرية شمعون الصفا عليه السلام ، وتُقَوِّي الرواية التالية المفصلة ، والتي هي بنفسها صحيحة أيضاً .
كيف جاء الله بمليكة إلى الإمام العسكري عليه السلام ؟
روى الصدوق قدس سره في كمال الدين « 2 / 417 » : « عن محمد بن بحر الشيباني قال : وردت كربلا سنة ست وثمانين ومائتين قال : وزرت قبر غريب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم انكفأت إلى مدينة السلام متوجهاً إلى مقابر قريش في وقت قد تضرمت الهواجر وتوقدت السمائم ، فلما وصلت منها إلى مشهد الكاظم عليه السلام واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة ، المحفوفة بحدائق الغفران ، أكببت عليها بعبرات متقاطرة ، وزفرات متتابعة ، وقد حجب الدمع طرفي عن النظر ، فلما رقأت العبرة وانقطع النحيب ، فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه وتقوس منكباه ، وثفنت جبهته وراحتاه ، وهو يقول لآخر معه عند القبر : يا ابن أخي لقد نال عمك شرفاً بما حَمَّلَهُ السيدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم ، التي لم يحمل مثلها إلا سلمان ، وقد أشرف عمك على استكمال المدة وانقضاء العمر ، وليس يجد في أهل الولاية رجلاً
--------------------------- 729 ---------------------------
يفضي إليه بسره . قلت : يا نفس لا يزال العناء والمشقة ينالان منك بإتعابي الخف والحافر في طلب العلم ، وقد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدل على علم جسيم وأثر عظيم ، فقلت : أيها الشيخ ومن السيدان ؟ قال : النجمان المغيبان في الثرى بسر من رأى . فقلت : إني أقسم بالموالاة وشرف محل هذين السيدين من الإمامة والوراثة إني خاطب علمهما ، وطالب آثارهما وباذل من نفسي الإيمان المؤكدة على حفظ أسرارهما ، قال : إن كنت صادقاً فيما تقول ، فأحضر ما صحبك من الآثار عن نَقَلة أخبارهم ، فلما فتش الكتب وتصفح الروايات منها قال : صدقت ، أنا بشر بن سليمان النخاس ، من ولد أبي أيوب الأنصاري ، أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد وجارهما بسر من رأى ، قلت : فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما ، قال : كان مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري فقهني في أمر الرقيق فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلا بإذنه ، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات ، حتى كملت معرفتي فيه ، فأحسنت الفرق بين الحلال والحرام . فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأى ، وقد مضى هوي من الليل إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعاً ، فإذا أنا بكافور الخادم رسولٌ مولانا أبي الحسن علي بن محمد صلى الله عليه وآله يدعوني إليه ، فلبست ثيابي ودخلت عليه فرأيته يحدث ابنه أبا محمد وأخته حكيمة من وراء الستر ، فلما جلست قال : يا بشر إنك من ولد الأنصار ، وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف ، فأنتم ثقاتنا أهل البيت ، وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها شأو الشيعة في الموالاة بها : بسرٍّ أطلعك عليه وأنفذك في ابتياع أمَة .
فكتب كتاباً ملصقاً بخط رومي ولغة رومية ، وطبع عليه بخاتمه ، وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً فقال : خذها وتوجه بها إلى بغداد ، واحضر معبرالفرات ضحوة كذا ، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وبرزن الجواري منها ، فستحدق بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس وشراذم من فتيان العراق ، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخاس ، عامة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا ، لابسة حريرتين صفيقتين ، تمتنع من السفور ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها ، ويشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء السترالرقيق ، فيضربها النخاس فتصرخ صرخة رومية ، فأعلم أنها تقول : واهتك ستراه ، فيقول بعض
--------------------------- 730 ---------------------------
المبتاعين علي بثلاث مائة ديناراً ، فقد زادني العفاف فيها رغبة ، فتقول بالعربية : لوبرزت في زي سليمان وعلى مثل سريرملكه ما بدت لي فيك رغبة ، فأشفق على مالك ، فيقول النخاس : فما الحيلة ولا بد من بيعك . فتقول الجارية : وما العجلة ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى أمانته وديانته ، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس وقل له : إن معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخط رومي ، ووصف فيه كرمه ووفاه ونبله وسخاءه ، فَنَاوِلْهَا لتتأمل منه أخلاق صاحبه ، فإن مالت إليه ورضيته ، فأنا وكيله في ابتياعها منك .
قال بشر بن سليمان النخاس : فامتثلت جميع ما حَدَّهُ لي مولاي أبو الحسن عليه السلام في أمر الجارية ، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديداً ، وقالت لعمر بن زيد النخاس : بعني من صاحب هذا الكتاب ، وحلفت بالمحرجة المغلظة إنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها ، فما زلت أشاحُّهُ في ثمنها حتى استقرالأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السلام من الدنانير في الشستقة الصفراء ، فاستوفاه مني وتسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة ، وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد ، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاها عليه السلام من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدها ، وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها ، فقلت تعجباً منها : أتلثمين كتاباً ، ولا تعرفين صاحبه ؟
قالت : أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء عليهم السلام ، أعرني سمعك وفرغ لي قلبك : أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم ، وأمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون عليه السلام ، أنبؤك العجب العجيب : إن جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه ، وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة ، فجمع في قصره من نسل الحواريين ومن القسيسين والرهبان ثلاث مائة رجل ومن ذوي الأخطار سبع مائة رجل ، وجمع من أمراء الأجناد وقواد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف ، وأبرز من بهوملكه عرشاً مصوغاً من أصناف الجواهر ، إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة ، فلما صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان ، وقامت الأساقفة عُكَّفاً ونُشرت أسفار الإنجيل ، تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض ، وتقوضت الأعمدة فانهارت إلى القرار ، وخر الصاعد من العرش مغشياً
--------------------------- 731 ---------------------------
عليه ! فتغيرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم ، فقال كبيرهم لجدي : أيها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني ، فتطير جدي من ذلك تطيراً شديداً ، وقال للأساقفة : أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان ، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جده ، لأزوج منه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده ، فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأول ! وتفرق الناس وقام جدي قيصر مغتماً ودخل قصره ، وأرخيت الستور ! فأُرِيتُ في تلك الليلة كأن المسيح وشمعون وعدة من الحواريين ، قد اجتمعوا في قصر جدي ونصبوا فيه منبراً يباري السماء علواً وارتفاعاً ، في الموضع الذي كان جدي نصب فيه عرشه ، فدخل عليهم محمد صلى الله عليه وآله مع فتية وعدة من بنيه ، فيقوم إليه المسيح عليه السلام فيعتنقه فيقول : يا روح الله إني جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا ، وأومأ بيده إلى أبي محمد صاحب هذا الكتاب فنظر المسيح إلى شمعون فقال له : قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله صلى الله عليه وآله قال : قد فعلت ، فصعد ذلك المنبر وخطب محمد صلى الله عليه وآله وزوجني ، وشهد المسيح عليه السلام وشهد بنومحمد والحواريون ، فلما استيقظت من نومي أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدي مخافة القتل ، فكنت أسرُّها في نفسي ولا أبديها لهم . وضرب صدري بمحبة أبي محمد حتى امتنعت من الطعام والشراب ، وضعفت نفسي ودق شخصي ومرضت مرضاً شديداً ، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدي وسأله عن دوائي ، فلما برَّحَ به اليأس قال : يا قرة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فأزودكها في هذه الدنيا ؟ فقلت : يا جدي أرى أبواب الفرج عليَّ مغلقة ، فلوكشفت العذاب عمن في سجنك من أسارى المسلمين ، وفككت عنهم الأغلال وتصدقت عليهم ومننتهم بالخلاص ، لرجوت أن يهب المسيح وأمه لي عافية وشفاء .
فلما فعل ذلك جدي تجلدت في إظهار الصحة في بدني ، وتناولت يسيراً من الطعام فَسُرَّ بذلك جدي ، وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم ، فرأيت أيضاً بعد أربع ليال كأن سيدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران ، وألف وصيفة من وصائف الجنان فتقول لي مريم : هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمد ، فأتعلق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمد من زيارتي ، فقالت لي سيدة النساء عليها السلام : إن ابني أبا محمد لايزورك وأنت مشركة بالله
--------------------------- 732 ---------------------------
وعلى مذهب النصارى ، وهذه أختي مريم تبرأ إلى الله تعالى من دينك ، فإن ملت إلى رضا الله عز وجل ورضا المسيح ومريم عنك ، وزيارة أبي محمد إياك فتقولي : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله . فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة النساء إلى صدرها فطيبت لي نفسي وقالت : الآن توقعي زيارة أبي محمد إياك ، فإني منفذته إليك . فانتبهت وأنا أقول : وا شوقاه إلى لقاء أبي محمد ، فلما كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمد في منامي ، فرأيته كأني أقول له جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك ! قال : ما كان تأخيري عنك إلا لشركك ، وإذ قد أسلمت فإني زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان ، فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية !
قال بشر : فقلت لها وكيف وقعت في الأسر ؟ فقالت : أخبرني أبو محمد ليلة من الليالي أن جدَّك سيسرب جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا ثم يتبعهم ، فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم ، مع عدة من الوصائف من طريق كذا ، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت ، وما شعر أحد بي بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك ، وذلك بإطلاعي إياك عليه . وقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت نرجس ، فقال : اسم الجواري .
فقلت : العجب أنك رومية ولسانك عربي . قالت : بلغ من ولوع جدي وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إلي امرأة ترجمان له في الاختلاف إلي ، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتفيدني العربية ، حتى استمر عليها لساني واستقام .
قال بشر : فلما انكفأت بها إلى سرمن رأى دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري عليه السلام فقال لها : كيف أراك الله عز الإسلام وذل النصرانية وشرف أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله ؟ قالت : كيف أصف لك يا ابن رسول الله ما أنت أعلم به مني . قال : فإني أريد أن أكرمك ، فأيما أحب إليك عشرة آلاف درهم أم بشرى لك فيها شرف الأبد ؟ قالت : بل البشرى ، قال : فأبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً ، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .
قالت : ممن ؟ قال : ممن خطبك رسول الله صلى الله عليه وآله له من ليلة كذا من شهركذا من سنة كذا بالرومية . قالت : من المسيح ووصيه ؟ قال : فممن زوجك المسيح ووصيه ؟ قالت :
--------------------------- 733 ---------------------------
من ابنك أبي محمد . قال : فهل تعرفينه ؟ قالت : وهل خلوت ليلة من زيارته إياي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيدة النساء أمه ؟
فقال أبو الحسن عليه السلام : يا كافور أدع لي أختي حكيمة ، فلما دخلت عليه قال لها : ها هيه ، فاعتنقتها طويلاً وسرت بها كثيراً ، فقال لها مولانا : يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك وعلميها الفرائض والسنن ، فإنها زوجة أبي محمد ، وأم القائم عليه السلام » . ووراه بنحوه دلائل الإمامة / 262 ، بتفاوت يسير ، وروضة الواعظين : 1 / 252 ومناقب ابن شهرآشوب : 4 / 440 مختصراً ، ومنتخب الأنوار / 51 ، وإثبات الهداة : 3 / 363 ، و 365 ، و 409 و 495 ، والبحار : 51 / 6 و 10 .
ملاحظات
1 . راوي هذه الرواية العالم المؤلف الأديب محمد بن بحر الشيباني رحمه الله ، وقد تقدم توثيقه ، وأن الصدوق رحمه الله استشهد على عقائد المذهب بفقرات من كتبه . أما سيدنا الخوئي قدس سره فطبَّقَ منهجه المتشدد ، وَضَعَّفَ الرواية ! قال في رجاله « 4 / 224 » : « لكن في سند الرواية عدة مجاهيل ، على أنك قد عرفت فيما تقدم أنه لا يمكن إثبات وثاقة شخص برواية نفسه » .
يقصد بذلك قول الإمام الهادي عليه السلام لبشر بن سليمان الأنصاري : فأنتم ثقاتنا أهل البيت . ويقصد أنه لا يُثبت وثاقة سليمان لأنه هو الذي رواه . لكن يكفي لصحة الرواية اعتضادها برواية محمد بن عبد الجبار الصحيحة المتقدمة ، ثم يكفي في توثيق الشيباني ارتضاء الصدوق والقميين لروايته رغم تشددهم ، وأن دواعي الوضع هنا منتفية . وقد ارتضى هذا المبنى الشيخ الأنصاري قدس سره وصحح به رواية استشارة عمرلأميرالمؤمنين عليه السلام في الفتوحات وإذنه بها .
قال في المكاسب « 2 / 243 » : « والظاهر أن أرض العراق مفتوحة بالإذن كما يكشف عن ذلك ما دل على أنها للمسلمين . وأما غيرها مما فتحت في زمان خلافة الثاني ، وهي أغلب ما فتحت ، فظاهر بعض الأخبار كون ذلك أيضاً بإذن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وأمره ، ففي الخصال في أبواب السبعة في باب أن الله تعالى يمتحن أوصياء الأنبياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ، وبعد وفاتهم في سبعة مواطن . . إلى أن قال : فإن القائم بعد صاحبه ، يعني عمر بعد أبي بكر كان يشاورني في موارد الأمور فيصدرها عن أمري ، ويناظرني في غوامضها
--------------------------- 734 ---------------------------
فيمضيها عن رأيي ، لا أعلم أحداً ولا يعلمه أصحابي يناظر في ذلك غيري . . .
ثم قال : وفي سند الرواية جماعة تُخرجها عن حد الاعتبار ، إلا أن اعتماد القميين عليها وروايتهم لها ، مع ما عُرف من حالهم لمن تتبعها من أنهم لا يخرجون في كتبهم رواية في راويها ضعف إلا بعد احتفافها بما يوجب الاعتماد عليها جابرٌ لضعفها في الجملة » .
فهذا كافٍ في تصحيح رواية مليكة رضي الله عنها ، فكيف إذا أضفنا اليه الصحيحة المتقدمة عن محمد بن عبد الجبار ، وهي وحدها كافية لتصحيحها .
2 . تدل الرواية على المستوى العلمي والعقلي الجيد لبشرالأنصاري رحمه الله لأنه لم يحدث الشيباني حتى امتحنه واطمأن إلى أنه عالم موالٍ : « قال : إن كنت صادقاً فيما تقول فأحضر ماصحبك من الآثار عن نَقَلة أخبارهم . . فلما فتش الكتب وتصفح الروايات منها قال : صدقت . أنا بشر بن سليمان . . » .
3 . ما وصفته مليكة من سقوط المنصة والزينة والصلبان والعريس ، وتكرارذلك مع العريس الثاني الذي أرادوها لها ، كان آيةً ربانية لقيصرليفهم أن هذا العمل نحسٌ فيتركه ، وقد فَهم ذلك وتركه . وقد رأيتُ بعض النواصب يسخر من قصة نرجس رضي الله عنها ، وفي نفس الوقت يؤمن بكراماتٍ لابن تيمية أعظم منها ، ويأتمُّ بأنداد نصبهم أئمة لا يعقلون الخطاب ولا الجواب !
4 . كانت تسمى مليكة ، نرجس ، وسوسن ، وريحانة ، وصقيل . « كشف الحق / 33 » .
وسبب تعدد التسمية أن الخليفة وظف جاسوسات على بيت الإمام عليه السلام لمعرفة الحامل من نسائه ، لأن ابنه هو الثاني عشر الذي يُنهي دولة الظالمين .
أسرة والدة الإمام المهدي عليه السلام
حسب النصوص التي صحت عندنا ، لابد أن تكون السيدة مليكة أم المهدي عليه السلام قد ولدت نحو 235 هجرية ، أي نحو 850 ميلادية ، لأن جدها القيصر أراد تزويجها من ابن عمها وعمرها ثلاث عشرة سنة ، فحدثت المعجزة وسقطت منصة العرس بزينتها وصلبانها ومن عليها ، ففهم القيصر أن في الأمر سراً فألغى العرس !
وأصابت مليكة الحمى وخاف جدها عليها ، فجاء بالأطباء . . ثم رأت في منامها فاطمة
--------------------------- 735 ---------------------------
الزهراء عليها السلام ، فأسلمت على يدها وصار يأتيها أبو محمد عليه السلام في المنام ، فوجهها الإمام عليه السلام في منامها أن تخرج مع جواريها وتتبع جيشاً أرسله جدها لقتال المسلمين ، وكان الجيش الرومي يتجه عادة إلى ديار بكرعلى حدود العراق مع الروم أو إلى منطقة أرض روم ، وهي حدود آذربيجان المسلمة مع الروم .
وقد تعمدت مليكة ووصائفها أن يسلكن طريقاً يوقعهن في قبضة الجيش الإسلامي ، فأخذوهن مع الأسرى إلى بغداد ، ولا بد أن عمرها يومها كان دون العشرين سنة . فتكون ولادتها نحو 237 هجرية يساوي 852 م . لأنها رزقت بابنها المهدي عليه السلام في : 15 شعبان / 255 ، هجري ، وهو يساوي يوم الجمعة : 2 / 8 / 869 ، ميلادي ، كما في تحويل التاريخ الهجري إلى ميلادي .
أما جدها القيصر الذي ولدت في عهده ، فيصح أن يكون تيوفيل أو ثيوفئيل من حيث العمر ، لكن لم أجد ذكراً لابنه يشوعا والدها ، وقد ذكروا أن تيوفيل ورثه ابنه ميخائيل الثالث ، ثم ذكروا أن تيوفيل مات سنة 227 ، أي قبل ولادة مليكة ! قال الطبري « 7 / 318 » : « بويع في يوم توفي المعتصم ، ابنُهُ هارون الواثق بن محمد المعتصم وذلك في يوم الأربعاء لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة 227 . وهلك هذه السنة توفيل ملك الروم ، وكان ملكه اثنتي عشرة سنة » . وقال الطبري « 7 / 348 » : « وفيها « سنة 233 » وثب ميخائيل بن توفيل على أمه تذورة ، فشمَّسها وأدخلها الدير ، وقتل اللغثيط لأنه اتهمها به . وكان مُلكها ست سنين » . أي خاف ابنها أن تتزوج اللغثيط ، وتنقل الملك من ابنها إلى زوجها .
وقال الطبري « 7 / 608 » : « وفيها « سنة 254 » وثب بسيل المعروف بالصقلبي . . على ميخائيل بن توفيل ملك الروم فقتله ، وكان ميخائيل منفرداً بالمملكة أربعاً وعشرين سنة . وتملك الصقلبي بعده على الروم » .
أقول : يظهر بذلك أن الإمبراطور ثيوفيلوس حكم من سنة 842 ميلادية إلى سنة 866 ميلادية . وهو الوقت الذي نشأت فيه أم الإمام عليه السلام وجاءت إلى سامراء . فيصح أن يكون توفيل جدها ، لكن لم نجد ترجمة لابنه يشوعا .
وفي قصة الحضارة « 5 / 4973 » : « ثيوفيلس « 829 - 842 » المشترع المصلح ، والملك البناء ، والإداري الحي الضمير ، الذي أحيا سنه اضطهاد محطمي التماثيل وقضى عليه
--------------------------- 736 ---------------------------
الزحار . وأرملته ثيودورا التي حكمت البلاد نيابة عنه حكماً قديراً « 842 - 856 » وأنهت عهد الاضطهاد . وميخائيل الثالث السكير « 842 - 867 » الذي أسلم الإمبراطورية بعجزه اللطيف إلى أمه أولاً ، ثم إلى قيصر بارداس caesar Bardas عمه المثقف القدير بعد وفاتها .
ثم تظهر على المسرح على حين غفلة شخصية فذة لم تكن منتظرة تخرج على كل سابقة عدا سابقة العنف ، وتؤسس الأسرة المقدونية القوية ، فقد ولد باسل المقدوني « 862 ؟ » بالقرب من هدريانوبل Hadriaople من أسرة أرمنية من الزراع . وأسره البلغار وهو صغير وقضى شبابه بينهم وراء الدانوب ، في البلاد التي كانت وقتئذ معروفة باسم مقدونية . ثم فر منهم وهو في الخامسة والعشرين من عمره ، واتخذ سبيله إلى القسطنطينية ، واستأجره أحد رجال السياسة ليكون سائساً لخيوله ، لأنه أعجب بقوة جسمه وضخامة رأسه ، وصحب سيده في بعثة إلى بلاد اليونان ، وهناك استلفت نظر الأرملة دنيليس Danielis وحصل على بعض ثروتها . ولما رجع إلى العاصمة روَّضَ جواداً جموحاً يملكه ميخائيل الثالث ، فأدخله الإمبراطور في خدمته . وظل يرتقي فيها حتى صار رئيس التشريفات ، وإن لم يكن يعرف القراءة والكتابة . وكان باسيل على الدوام قديراً فيما يوكل إليه من الأعمال ، سريع الاستجابة لها ، فلما طلب ميخائيل زوجاً لعشيقته ، طلق باسيل زوجه القروية ، وأرسلها إلى تراقية مع بائنة طيبة ، وتزوج يودوسيا Eudocia التي ظلت في خدمة الإمبراطور . وهكذا حبى ميخائيل باسيل بعشيقته ولكن المقدوني ظن أنه يستحق العرش جزاء له على فعلته ، فأقنع ميخائيل بأن بارداس يأتمر به ليخلعه ، ثم قتل بارداس بيديه الضخمتين « 866 » وكان ميخائيل قد اعتاد من زمن طويل أن يملك دون أن يحكم فجعل باسيل إمبراطوراً وترك له جميع شؤون الحكم . ولما هدده ميخائيل بعزله ، دبر باسيل اغتياله وأشرف على هذا الإغتيال بنفسه ، وانفرد هو بالإمبراطورية « 867 » وهكذا كانت المناصب مفتحة الأبواب لذوي الكفاية حتى في عهد الملكيات الوراثية المطلقة . وهكذا أنشأ ابن الفلاح الأمي غير المثقف بتذلله وجرائمه أطول الأسر الحاكمة البيزنطية عهداً ، وبدأ حكماً دام تسع عشرة سنة امتاز بالإدارة الحازمة ، والقوانين الصالحة ، والقضاء العادل ، والخزانة الغاصة بالمال ، وببناء الكنائس والقصور الجديدة
--------------------------- 737 ---------------------------
في المدينة التي استولى عليها » .
أقول : خلاصة ما ذكره هذا المؤخ الغربي الكبير : أن القيصر ثيوفيلس حكم من سنة 829 - 842 ميلادية . وأرملته ثيودورا التي حكمت البلاد نيابة عنه ، من سنة 842 - 856 . وابنه ميخائيل الثالث الذي حكم من سنة 842 - 867 . ثم عمه قيصر بارداس . ثم جاء القيصر باسل المقدوني ، وأسس الأسرة المقدونية التي حكمت نحو 200 سنة .
وعلى هذا التسلسل ، وعلى فرضية أن أم الإمام عليه السلام ولدت نحو 850 ، يكون القيصرالذي هو جدها : تيوفيل ، وقد يكون ميخائيل الثالث ، لأنه كان حاكماً إلى سنة 267 أي إلى أن صارعمرها سبع عشرة سنة ، فتكون تركت القسطنطينية في عصره .
قال المسعودي « التنبيه والإشراف / 145 » : « ميخائيل بن توفيل ملكَ ثمانياً وعشرين سنة ، بقية أيام الواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين . وكانت أمه تدورة تدبر الملك معه ، ثم أراد قتلها لأمر كان منها ، فهربت ولحقت بالدير فترهبت .
ونازعه في الملك رجل من أهل عمورية من أبناء الملوك السالفة يعرف بابن بقراط ، فلقيه ميخائيل وقد أخرج من في سجونه من المسلمين للقتال معه وقواهم بالخيل والسلاح ، فظفر بابن بقراط فشوه بخلقه ولم يقتله ، لأنه لم يلبس ثياب الفرفير والخف الأحمر . وقَتَلَ ميخائيلَ بسيلُ الصقلبي جدُّ قسطنطين بن لاون بن بسيل ، الملك على الروم في هذا الوقت ، المؤرخ به كتابنا وهو سنة 345 » . يقصد أنه من ذريته .
فالمرجح أن يشوعا ابن ميخائيل الثالث ، هو جد مليكة أم الإمام عليه السلام وكان له ابن أخ ، فأراد أن يزوجه حفيدته مليكة فحدثت الآية .
وفي مكتبة التاريخ ، وفي مصادره : تاريخ الدولة البيزنطيه د . محمد حسنين ربيع :
http : / / مكتبةالتاريخ . com / 2011 / 07 / theodora - wife - of - emperor - theophilus . html
« أن الإمبراطور ثيوفيليوس بعد موت زوجته ، تزوج بثيودورا وأنجب منها خمس بنات وولد ، هو ميخائيل الثالث ، وتوفى الإمبراطور ثيوفيليوس سنه 842 م . وترك ابنه ميخائيل ووريثه الوحيد وعمره لم يتجاوز السادسة ، وأوصى أن تتولى الأمبراطوره ثيودورا أمه الوصاية عليه ، وعاونها في الوصاية مجلس مكون من كبار رجال الدولة ، وكان أشهرهم
--------------------------- 738 ---------------------------
ثيوكتيستوس عم ثيودورا ، وكانت ثيودورا هي الحاكمة للدولة البيزنطيه لمده 14 سنة ، وقام على تنشئة الإمبراطور ميخائيل الثالث ، عمه برداس فأهمل في تربيته وتنشئته ، فساء خلقه وأدمن شرب الخمر والمقامرة ، حتى أطلق عليه البيزنطيون لقب السكير ويبدو أن خاله برداس تعمد هذا ليبعده عن الحكم ، وفعلاً حصل برداس على درجة كبيرة من النفوذ والتصرف في شؤون الحكم .
وحدث في عهد ثيودورا المفاوضات لفداء الأسرى مع المسلمين ، وتم الفداء على ضفاف نهر اللامس سنه 845 م .
وفي سنه 846 م . أرسلت ثيودورا جيشاً إلى صقلية لاستعادتها ، لكن جيوشها هزمت على يد الأغالبه . وفي مايو 853 م . أرسلت ثيودورا أسطولاً إلى دمياط وبلاد الشام ، ولم تكن في دمياط حامية ، لأن حاميه دمياط غادرت المدينة للاشتراك في عرض حربي بمناسبه عيد الأضحى ، فتعرضت المدينة للسلب والنهب من قبل البيزنطيين واخذو 600 أسيراً من أهل المدينة ، وكثيراً من المؤن .
كانت نهاية ثيودورا على يد أخيها برداس الذي حدثت مشادة بينه وبين ثيوكتيسوس عم ثيودورا وعشيقها ، فقام برداس بالوشايه عند الإمبراطور ميخائيل الثالث أن ثيوكتيسوس ينوي الزواج من ثيودورا ، فأمر الإمبراطور ميخائيل الثالث بسجن ثيوكتيسوس ، وقتل سنه 854 م . وعندما ادعى أحد الرهبان أنه ابن ثيودورا ، وأنه الأحق في تولى الحكم ، أمر برداس بالقبض عليه وقتله ، وأكره الإمبراطور ميخائيل الثالث أمه الأمبراطوره ثيودورا وإخوته على الترهب » .
أقول : رغم ما تقدم ، فلا بد من القول إن معلوماتنا قليلة عن أسرة مليكة عليها السلام ، لكن مصادرها في اللغة اليونانية ، ثم في اللاتينية والإيطالية وافرة ، تحتاج إلى تتبع واستقصاء .
وذكر لي بعضهم أن المصادروالمفصلة في تاريخ الأباطرة الشرقيين ، حكام القسطنطينية ، مكتوبة باللغة اليونانية . ونورد فيما يلي قائمة بأسماء الأباطرة الذين حكموا بيزنطة لتكون عوناً للباحث ، لأن ما رأيته من بحوث كلها ضعيفة .
--------------------------- 739 ---------------------------
قائمة بأسماء الأباطرة البيزنطيين
كما ورد في موقع : https : / / en . wikipedia . org / wiki / List _ of _ Byzantine _ emperors
« ثبت بأسماء أباطرة الدولة البيزنطية من قسطنطين الأول حتى سقوط الدولة البيزنطية عام 1453 م . على يد السلطان العثماني محمد الفاتح :
- قسطنطين الأول 337 م .
- قنسطنطينوس 361 م .
- يوليانوس المرتد 363 م .
- يوفيانوس 364 م .
- والنس 378 م .
- ثيودوسيوس الأول 395 م .
- اركاديوس 408 م .
- ثيودوسيوس الثاني 450 م .
- مرقيانوس 457 م .
- لاوون الأول 474 م .
- لاوون الثاني 474 م .
- زينون 491 م .
- انسطاسيوس الأول 518 م .
- يوستينوس الأول 527 م .
- يوستنيانوس الأول 565 م .
- يوستنيوس الثاني 578 م .
- طيباريوس الثاني 582 م .
- موريقيوس 602 م .
- ثيودسيوس الشريك 602 م .
- فوقاس 610 م .
- هرقل الأول 641 م .
- قسطنطين الثالث 641 م .
- هرقليون 641 م .
- قسطنطين الثالث 641 م .
- هرقليون 641 م .
- قسطنس الثاني 668 م .
- قسطنطين الرابع 668 م
- هرقليوس 681 م
- طيباريوس 681 م
- قسطنطين الرابع 685 م .
- يوستيانوس الثاني 695 م .
- لاونديوس 698 م .
- طيباريوس الثالث 705 م .
- يوستنيانوس الثاني 711 م .
- طيباريوس 711 م .
- فيليبيكوس البرداني 713 م .
- انسطاسيوس الثاني ارتيموس 715 م .
- ثيودسيوس الثالث 717 م .
- لاوون الثالث الأيسورى 740 م .
- قسطنطين الخامس 740 م .
--------------------------- 740 --------------------------- - كوبرونيموس الزبلي 775 م .
- لاوون الرابع 775 م .
- لاوون الخرز ] 780 م .
- قسطنطين السادس 780 م .
- ايرينة 802 م .
- نيقفوروس الأول 811 م .
- استوراقيوس 811 م .
- ميخائيل الأول 813 م .
- لاوون الخامس 820 م .
- ميخائيل الثاني 829 م .
- ثيوفيلوس 842 م .
- ميخائيل الثالث « السكير » 866 م .
- باسيليوس الأول 867 م .
- باسيليوس المقدوني 886 م .
- لاوون السادس 886 م .
- الإسكندر 912 م
- لاوون الحكيم 912 م
- قسطنطين السابع 913 م
- بورفير وجنيتوس 919 م
- كريستوفر ليكابينوس 931 م
- رومانوس الأول 944 م
- قسطنطين السابع 944 م
- استيفن ليكابينوس 945 م
- قسطنطين ليكابينوس 945 م
- قسطنطين بورفيروجينتوس 959 م
- رومانوس الثاني 963 م
- باسيلوس الثاني 963 م
- نيقفوراس الثاني فوقاس 969 م
- يوحنا الأول جيمسكى 976 م
- باسيلوس جلاد البلغار 1025 م
- قسطنطين الثامن 1028 م
- رومانوس الثالث أرجيروس 1034 م
- ميخائيل الرابع 1041 م
- ميخائيل الخامس الشماع 1042 م
- زوية 1042 م
- قسطنطين التاسع 1055 م
- ثيودورا 1056 م
- ميخائيل السادس 1057 م
- اسحق الأول 1059 م
- قسطنطين العاشر دوقاس 1067 م
- ميخائيل السابع 1071 م
- رومانوس ديوجينيس 1071 م
- ميخائيل بارابيناكس 1078 م
- نيقفوروس الثالث بوتنياس 1081 م
- قسطنطين دوقاس 1090 م
- يوحنا الثاني 1118 م
- الكسيوس الأول كوممنينوس 1118 م
- الكسيوس 1142 م
--------------------------- 741 --------------------------- - يوحنا كاليوهانيس 1143 م
- عمانويل الأول 1180 م
- الكسيوس الثاني 1183 م
- اندرينوكس الأول 1185 م
- اسحق انجيلوس 1195 م
- الكسيوس الثالث 1203 م
- الكسيوس الرابع 1204 م
- اسحق الثاني 1204 م
- الكسيوس الخامس مورتزفيلوس 1204
- ثيودور الأول لاسكارس 1222 م .
- يوحنا الثالث دوقاس فاتاتزيس 1254 م
- ثيودورالثانيلاسكارس فاتاتزيس 1258 م
- يوحنا الرابع دوقاس 1258 م
- ميخائيل باليوجيس الثامن 1282 م
- اندرينوكوس الثاني 1328 م
- اندرينوكس الثالث 1341 م
- يوحنا الخامس 1347 م
- يوحنا السادس 1355 م
- ماثيو كانتا كوزينى 1355 م
- يوحنا الخامس « مرة ثانية » 1376 م
- اندرينيكوس الرابع 1379 م
- يوحنا السابع 1390 م
- عمانويل الثاني 1425 م
- يوحنا السابع 1412 م
- يوحنا الثامن 1448 م
- قسطنطين الحادي عشر 1453 م
قالوا : إن أول من أسس استانبول بَحَّارة من ميجارا عام 657 ق . م . وكان اسمها مدينة بيزنطه . وأول من بناها ومصَّرها الإمبراطور قسطنطين 324 م . وسماها باسمه واحتفل بافتتاحها بحفل مهيب في 11 مايو 330 م . وفي سنة 1453 م . فتحها السلطان العثماني محمد الفاتح ، وأنهى الدولة البيزنطية وسماها إستامبول ، واتخذها عاصمة .
وفي الختام : يعجب المرء من الوسائل العديدة التي هيأها الله تعالى لوليه المهدي عليه السلام لتغيير العالم ، وإقامة دولة العدل الإلهي ، ومنها أنه ادخر له عيسى عليه السلام لينزل في الوقت المناسب ، ويتولى إقناع أتباعه الغربيين .
كما جعل الله في شخصية المهدي عليه السلام عناصر جذب عديدة للشعوب ، فهو من عترة النبي صلى الله عليه وآله ، وقد بشر به وكتب له رسالة وعهداً معهوداً وكتباً ، لتكون منهاج عمله .
وهو من جهة جده زين العابدين عليه السلام يتصل نسبه بكسرى ، لأن أم زين العابدين حفيدة
--------------------------- 742 ---------------------------
كسرى . ومن جهة أمه مليكة أو نرجس رضي الله عنها ، يتصل نسبه بالقياصرة من جهة أبيها ، ويتصل بشمعون الصفا وهارون من جهة أمها .
فالمهدي عليه السلام عربي فارسي رومي ، وينتسب إلى فرعي إبراهيم عليه السلام ، إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام من جهة أبيه ، وإسحاق بن إبراهيم من جهة أمه .
ختام في فضل ليلة مولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان
في مصنف عبد الرزاق : 4 / 316 : « عن كثير بن مرة : إن الله يطلع ليلة النصف من شعبان إلى العباد ، فيغفر لأهل الأرض إلا رجل مشرك أو مشاحن » .
وفي مصنف عبد الرزاق : 4 / 317 : « عن ابن عمر قال : خمس ليال لا ترد فيهن الدعاء ، ليلة الجمعة ، وأول ليلة من رجب ، وليلة النصف من شعبان ، وليلتا العيدين » .
وروى أحمد ووثقه في الزوائد 2 / 176 : « عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفرلعباده إلا لاثنين مشاحن وقاتل نفس » .
وفي أمالي الشجري : 2 / 107 : « عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وآله قال : إن الله تبارك وتعالى ينزل في النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لكل بشر ما خلا مشركاً ، أو إنساناً في قلبه شحناء » .
وفي أمالي الشجري : 2 / 101 : « عن موسى بن جعفر عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله : إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا « سبحانه هو أجل وأعظم من أن يزول عن مكانه ، ولكن نزوله على الشئ إقباله عليه لا بجسم » فيقول : هل من سائل فأعطيه سؤله ، هل من مستغفر فأغفر له ، هل من تائب فأقبل توبته ، هل من مدين فأسهل عليه قضاء دينه ؟ فاغتنموا هذه الليلة وسرعة الإجابة فيها » .
وفي التوحيد للصدوق / 176 : « عن إبراهيم بن أبي محمود ، قال : قلت للرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ؟ فقال عليه السلام : لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه والله ما قال رسول الله كذلك ! إنما قال : إن الله تبارك وتعالى ينزل ملكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة
--------------------------- 743 ---------------------------
في الثلث الأخير ، وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فأعطيه ، هل من تائب فأتوب عليه ، هل من مستغفر فأغفر له ؟ يا طالب الخير أقبل ، يا طالب الشرأقصر ، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر . فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء . حدثني بذلك أبي عن جدي ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله » .
وروى الصدوق في ثواب الأعمال / 101 : « عن كردوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أحيا ليلة العيد ، وليلة النصف من شعبان ، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب » .
وفي أمالي الطوسي : 1 / 302 : « عن جعفر بن محمد الصادق قال : سئل الباقرعن فضل ليلة النصف من شعبان فقال : هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر ، فيها يمنح الله تعالى العباد فضله ، ويغفر لهم بمنه ، فاجتهدوا في القربة إلى الله فيها ، فإنها ليلة آلى الله تعالى على نفسه أن لا يرد سائلاً له فيها ما لم يسأل معصية . وإنها الليلة التي جعلها الله لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبينا صلى الله عليه وآله ، فاجتهدوا في الدعاء والثناء على الله عز وجل فإنه من سبح الله تعالى فيها مائة مرة وحمده مائة مرة وكبره مائة مرة غفر الله تعالى له ما سلف من معاصيه ، وقضى له حوائج الدنيا والآخرة ما التمسه منه وما علم حاجته إليه وإن لم يلتمسه منه ، كرماً منه تعالى وتفضلاً على عباده . قال أبو يحيى : فقلت لسيدنا الصادق عليه السلام : أيش الأدعية فيها ؟ فقال : إذا أنت صليت العشاء الآخرة فصل ركعتين ، إقرأ في الأولى بالحمد وسورة الجحد وهي : قل يا أيها الكافرون ، واقرأ في الركعة الثانية بالحمد وسورة التوحيد وهي : قل هو الله أحد ، فإذا أنت سلمت قلت : سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة والحمد لله ثلاثاً وثلاثين مرة ، والله أكبر أربعاً وثلاثين مرة ، ثم قل : يا من إليه ملجأ العباد في المهمات . . . إلى آخرالدعاء . فإذا فرغ سجد يقول : يا رب عشرين مرة . يا محمد ، سبع مرات . لا حول ولا قوة إلا بالله ، عشر مرات . ما شاء الله ، عشر مرات . لا قوة إلا بالله ، عشر مرات . ثم تصلي على النبي صلى الله عليه وآله وتسأل الله حاجتك ، فوالله لو سألت بها بفضله وبكرمه عدد القطر لبلغك الله إياها بكرمه وفضله » .
وفي كامل الزيارات : 1 / 179 : « عن علي بن الحسين عليه السلام قال : « من أحب أن يصافحه مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي ، فليزر قبر أبي عبد الله الحسين بن علي عليه السلام في النصف من شعبان ، فإن أرواح النبيين عليهم السلام يستأذنون الله في زيارته فيؤذن لهم . منهم خمسة أولو العزم
--------------------------- 744 ---------------------------
من الرسل . قلنا من هم ؟ قال : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم أجمعين . قلنا له : ما معنى أولي العزم ؟ قال : بعثوا إلى شرق الأرض وغربها ، جنها وإنسها » .
وفي إثبات الهداة : 3 / 581 : « وقد وجد بخط الشهيد رحمه الله عن الصادق عليه السلام قال : « إن الليلة التي يولد فيها القائم عليه السلام لا يولد فيها مولود إلا كان مؤمناً ، وإن ولد في أرض الشرك نقله الله إلى الإيمان ببركة الإمام عليه السلام » .
أقول : لو سألت علماء المذاهب : لماذا هذه المكانة الخاصة عند الله تعالى لليلة نصف شعبان ؟ لما وجدوا جواباً إلا على مذهبنا بأن الله تعالى اختارها مولداً لوليه المهدي الموعود عليه السلام الذي سيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً ، وينهي الظلم .
- *
--------------------------- 745 ---------------------------
الفصل الخامس والثلاثون : ( غيبته الصغرى ، من سيرة الإمام عليه السلام في غيبته الصغرى )
--------------------------- 746 ---------------------------
1 - السلطة تبحث عن الإمام بعد وفاة أبيه ’
الكافي : 1 / 525 : « عن الحسين بن الحسن العلوي قال : كان رجل من ندماء روز حسني ، وآخر معه فقال له : هو ذا يَجبي الأموال وله وكلاء ، وسموا جميع الوكلاء في النواحي وأنهى ذلك إلى عبيد الله بن سليمان الوزير ، فهمَّ الوزيربالقبض عليهم فقال السلطان : أطلبوا أين هذا الرجل ، فإن هذا أمرغليظ ، فقال عبيد الله بن سليمان : نقبض على الوكلاء ، فقال السلطان : لا ، ولكن دسوا لهم قوماً لا يعرفون بالأموال فمن قبض منهم شيئاً قبض عليه ، قال فخرج بأن يتقدم إلى جميع الوكلاء أن لا يأخذوا من أحد شيئاً ، وأن يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا الأمر ، فاندس لمحمد بن أحمد رجل لا يعرفه وخلا به فقال : معي مال أريد أن أوصله ، فقال له محمد : غلطت أنا لا أعرف من هذا شيئاً ، فلم يزل يتلطفه ومحمد يتجاهل عليه ، وبثوا الجواسيس وامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدم إليهم » .
وتقريب المعارف / 197 ، وفيه : « ورووا أن قوماً وَشَوْا إلى عبيد الله بن سليمان الوزير بوكلاء النواحي وقالوا : الأموال تجبى إليهم ، وسموهم له جميعهم ، فهمَّ بالقبض عليهم ، فخرج الأمر من السلطان » .
وعبيد الله بن سليمان وزير المعتضد من سنة 278 ، إلى سنة 288 . « ذيل تاريخ بغداد : 2 / 40 » .
2 - السلطة تمنع زيارة قبر الإمام الحسين وموسى بن جعفر عليهم السلام
الكافي : 1 / 525 : « عن علي بن محمد قال : خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحير ، فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي فقال له : إلق بني الفرات والبرسيين وقل لهم : لايزوروا مقابر قريش فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه » .
ورواه في البحار : 51 / 312 ، وقال : « بنو الفرات رهط الوزير أبي الفتح الفضل بن جعفر بن فرات ، كان من وزراء بني العباس . . . وبرس قرية بين الحلة والكوفة ، والمراد بزيارة مقابر قريش زيارة الكاظمين ’ » .
--------------------------- 747 ---------------------------
3 - هجوم السلطة على دار الإمام العسكري عليه السلام بعد وفاته
كمال الدين : 2 / 473 : « عن أبي الحسين الحسن بن وجناء قال : حدثنا أبي عن جده ، أنه كان في دار الحسن بن علي عليه السلام فكبستنا الخيل وفيهم جعفر بن علي الكذاب واشتغلوا بالنهب والغارة ، وكانت همتي في مولاي القائم عليه السلام . قال : فإذا أنا به قد أقبل وخرج عليهم من الباب ، وأنا أنظر إليه وهو ابن ست سنين ، فلم يره أحد حتى غاب » .
كمال الدين : 2 / 498 : « عن سعد بن عبد الله قال : حدثني أبو علي المتيلي قال : جاءني أبو جعفر ، فمضى بي إلى العباسية وأدخلني خربة وأخرج كتاباً فقرأه عليَّ ، فإذا فيه شرح جميع ما حدث على الدار وفيه : إن فلانة يعني أم عبد الله تؤخذ بشعرها وتُخرج من الدار ، ويُحدر بها إلى بغداد ، فتقعد بين يدي السلطان ! وأشياء مما يحدث ! ثم قال لي : إحفظ ثم مزق الكتاب ! وذلك من قبل أن يحدث ما حدث بمدة » .
أقول : يقصد بأبي جعفر : محمد بن عثمان بن سعيد العمري رحمه الله ، حيث أخبره بقصة هجوم السلطة لتفتيش بيت الإمام العسكري عليه السلام بحثاً عن المهدي عليه السلام ، وأنهم كانوا يشكُّون بامرأة أنها أم المهدي عليه السلام فطلب الخليفة إحضارها إلى بغداد !
وتقدم أن الإمام العسكري عليه السلام أخبر أم المهدي عليه السلام بما سيجري ، فطلبت منه أن يدعو لها أن تموت قبله ، فدعا لها فتوفيت ، فدفنها وكتب على قبرها : هذا قبر أم محمد ، رضي الله عنها .
4 - جعفر الكذاب يدعي أنه إمام
تقدم من مختصر إثبات الرجعة / 8 ، عن الإمام زين العابدين عليه السلام أن سبب تسمية الإمام جعفر بالصادق عليه السلام أنه سيكون منهم جعفرالكاذب ، الذي يدعي الإمامة ! وهوعمُّ الإمام المهدي عليه السلام ، وكان فاسقاً ماجناً يشرب الخمر ، ويضرب بالطنبور ، ويقامر بالجوسق ، وينادم الخليفة العباسي !
وتقدم من كمال الدين : 2 / 475 ، أن الخليفة قدم نديمه جعفر الكذاب ليصلي على جنازة الإمام العسكري عليه السلام : « فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه ، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة بشعره قطط بأسنانه تفليج ، فجبذ برداء جعفر بن علي وقال : تأخر ياعمّ فأنا
--------------------------- 748 ---------------------------
أحق بالصلاة على أبي ! فتأخر جعفر وقد ارْبَدَّ وجهه واصفرّ ! فتقدم الصبي وصلى عليه ! وأضاف الراوي : ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر ، فقال له حاجز الوشاء : يا سيدي من الصبي لنقيم الحجة عليه ؟ فقال : والله ما رأيته قط ولا أعرفه ، فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي عليه السلام فعرفوا موته فقالوا : فمن نعزي ؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي فسلموا عليه وعزوه وهنوه وقالوا : إن معنا كتباً ومالاً فتقول ممن الكتب وكم المال ؟ فقام ينفض أثوابه ويقول : تريدون منا أن نعلم الغيب ، قال : فخرج الخادم « أي جاءهم خادم الإمام من داخل البيت » فقال : معكم كتب فلان وفلان وفلان وهميان فيه ألف دينار ، عشرة دنانير منها مطلية ، فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا : الذي وجه بك لأخذ ذلك هو الإمام ، فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك ، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية فطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حَبَلاً بها لتغطي حال الصبي ، فسلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي ! وبَغَتَهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة ، وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم ، والحمد لله رب العالمين » . انتهى .
وذكرت روايةٌ أن الخليفة أمر بحبس الجارية صقيل ، وهو اسم أطلق على أم الإمام وبقيت في حبسهم سنتين مع بقية النساء ، لأن فتوى فقهائهم أن أكثر الحمل سنتان ! فكانوا ينتظرون أن تضع حملها فيقتلوا ابنها ! وكان حبسهن بإشراف مباشر من قاضي قضاة الخلافة ابن أبي الشوارب ، بسبب أهمية الموضوع عند الخليفة .
وتقدم في ترجمة والدة الإمام المهدي عليه السلام أن شخصاً باسم الخيزراني كان أهدى جارية إلى الإمام العسكري عليه السلام ففرت من المنزل عندما داهمته السلطة ، وذهبت إلى بيت سيدها السابق وحدثته عن ولادة الإمام عليه السلام . « كمال الدين : 2 / 431 » .
وفي روضة الواعظين / 266 : « وكان قد أخفى مولده ، وستر أمره لصعوبة الوقت وشدة طلب سلطان الزمان إياه ، واجتهاده في البحث عن أمره لما شاع من مذهب الشيعة الإمامية فيه وعرف من انتظارهم له ، فلم يظهره والده في حياته عليه السلام ، ولا عرفه الجمهور بعد وفاته ، وتولى جعفر بن علي أخو أبى محمد عليه السلام أخذ تركته ، وسعى في حبس جواري أبى محمد
--------------------------- 749 ---------------------------
واعتقال حلائله ، وشنع على أصحابه بانتظارهم ولده ، وقطعهم بوجوده والقول بإمامته ، وأغرى بالقوم حتى أخافهم وشردهم ، وجرى على مخلفي أبى محمد عليه السلام بسبب ذلك شئ عظيم من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذل ، ولم يظفر السلطان منهم بطائل وحاز جعفر ظاهر تركة أبي محمد ، واجتهد في القيام عند الشيعة مقام أخيه فلم يقبل أحد منهم ذلك ولا اعتقد فيه ، فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه وبذل مالاً جليلاً وتقرب بكل ما ظن أنه يتقرب به ، فلم ينتفع بشئ من ذلك » .
ويظهر أن الهجوم الأول على دارالإمام عليه السلام وقع بعد دفن الإمام العسكري عليه السلام ، مباشرةً ، وسببه أن الإمام المهدي عليه السلام فاجأهم بظهوره وصلاته على جنازة أبيه ’ . أما الهجوم الثاني فكان تنفيذاً لمرسوم الخليفة بأن جعفر الكذاب هو الوارث الوحيد لأخيه ، فجاء جعفر مع الشرطة ، ليضبط تركة أخيه عليه السلام ، ويستلم داره !
ففي كمال الدين : 2 / 442 : « عن محمد بن صالح بن علي بن محمد بن قنبر الكبير ، مولى الرضا عليه السلام قال : خرج صاحب الزمان على جعفر الكذاب من موضع لم يعلم به عندما نازع في الميراث بعد مضي أبي محمد عليه السلام فقال له : يا جعفر مالك تعرض في حقوقي ! فتحير جعفر وبهت ! ثم غاب عنه فطلبه جعفر بعد ذلك في الناس فلم يره ! فلما ماتت الجدة أم الحسن أمرت أن تدفن في الدار ، فنازعهم وقال : هي داري لا تدفن فيها ! فخرج عليه السلام فقال : يا جعفر أدارك هي ؟ ثم غاب عنه فلم يره بعد ذلك » .
وفي الكافي : 1 / 524 : « عن علي بن محمد قال : باع جعفر فيمن باع صبية جعفرية ، كانت في الدار يربونها ، فبعث بعض العلويين وأعلم المشتري خبرها ! فقال المشتري : قد طابت نفسي بردها ، وأن لا أرزأ من ثمنها شيئاً فخذها ، فذهب العلوي فأعلم أهل الناحية الخبر فبعثوا إلى المشتري بأحد وأربعين ديناراً ، وأمروه بدفعها إلى صاحبها » .
وفي غيبة الطوسي / 174 : « عن سعد بن عبد الله الأشعري قال : حدثنا الشيخ الصدوق أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري رحمه الله أنه جاءه بعض أصحابنا يعلمه أن جعفر بن علي كتب إليه كتاباً يعرفه فيه نفسه ، ويعلمه أنه القيم بعد أخيه ، وأن عنده من علم الحلال والحرام وما يحتاج إليه وغير ذلك من العلوم كلها !
--------------------------- 750 ---------------------------
قال أحمد بن إسحاق : فلما قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان عليه السلام وصيرت كتاب جعفر في درجه ، فخرج الجواب إليَّ في ذلك : بسم الله الرحمن الرحيم . أتاني كتابك أبقاك الله ، والكتاب الذي أنفذته درجه وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمنه على اختلاف ألفاظه ، وتكرر الخطأ فيه ، ولو تدبرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه ، والحمد لله رب العالمين ، حمداً لا شريك له على إحسانه إلينا ، وفضله علينا . أبى الله عز وجل للحق إلا إتماماً وللباطل إلا زهوقاً ، وهو شاهد علي بما أذكره ، ولي عليكم بما أقوله إذا اجتمعنا ليوم لا ريب فيه ويسألنا عما نحن فيه مختلفون . إنه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعاً إمامة مفترضة ولا طاعة ولا ذمة ، وسأبين لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله تعالى . يا هذا يرحمك الله إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثاً ولا أهملهم سدى ، بل خلقهم بقدرته وجعل لهم أسماعاً وأبصاراً وقلوباً وألباباً ، ثم بعث إليهم النبيين عليهم السلام مبشرين ومنذرين ، يأمرونهم بطاعته وينهونهم عن معصيته ، ويعرفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم ، وأنزل عليهم كتاباً وبعث إليهم ملائكة ، يأتين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم ، وما آتاهم من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة والآيات الغالبة ، فمنهم من جعل النار عليه برداً وسلاماً واتخذه خليلاً ، ومنهم من كلمه تكليماً ، وجعل عصاه ثعباناً مبيناً ، ومنهم من أحيا الموتى بإذن الله ، وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله ، ومنهم من علمه منطق الطير وأوتي من كل شئ . ثم بعث محمداً صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين ، وتمم به نعمته وختم به أنبياءه عليهم السلام ، وأرسله إلى الناس كافة ، وأظهر من صدقه ما أظهر ، وبين من آياته وعلاماته ما بين ، ثم قبضه صلى الله عليه وآله حميداً فقيداً سعيداً ، وجعل الأمر بعده إلى أخيه وابن عمه ووصيه ووارثه علي بن أبي طالب عليه السلام ، ثم إلى الأوصياء من ولده واحداً واحداً ، أحيا بهم دينه ، وأتم بهم نوره ، وجعل بينهم وبين إخوانهم وبني عمهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقاناً بيناً ، يعرف به الحجة من المحجوج والإمام من المأموم ، بأن عصمهم من الذنوب ، وبرأهم من العيوب ، وطهرهم من الدنس ، ونزههم من اللبس ، وجعلهم خزان علمه ومستودع حكمته وموضع سره ، وأيدهم بالدلائل ، ولولا ذلك لكان الناس على سواء ، ولادَّعى أمر الله عز وجل كل أحد ، ولما عُرف الحق من الباطل ، ولا العالم من الجاهل .
--------------------------- 751 ---------------------------
وقد ادعى هذا المبطل المفتري على الله الكذب بما ادعاه ، فلا أدري بأية حالة هي له رجاء أن يتم دعواه ، أبفقه في دين الله ؟ فوالله ما يعرف حلالاً من حرام ، ولا يفرق بين خطأ وصواب ! أم بعلم ؟ فما يعلم حقاً من باطل ، ولا محكماً من متشابه ، ولا يعرف حد الصلاة ووقتها ! أم بورع ؟ فالله شهيد على تركه الصلاة الفرض أربعين يوماً ، يزعم ذلك لطلب الشعوذة ، ولعل خبره قد تأدى إليكم ! وهاتيك ظروف مسكره منصوبة ، وآثار عصيانه لله عز وجل مشهورة قائمة . أم بآية فليأت بها ، أم بحجة فليقمها ، أم بدلالة فليذكرها ! قال الله عز وجل في كتابه : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ . قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرض أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُواْ مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ . وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ .
فالتمس تولى الله توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك ، وامتحنه وسله عن آية من كتاب الله يفسرها ، أو صلاة فريضة يبين حدودها ، وما يجب فيها لتعلم حاله ومقداره ، ويظهر لك عواره ونقصانه ، والله حسيبه .
حفظ الله الحق على أهله ، وأقره في مستقره ، وقد أبى الله عز وجل أن تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين ’ . وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحق واضمحل الباطل وانحسر عنكم . وإلى الله أرغب في الكفاية ، وجميل الصنع والولاية ، وحسبنا الله ونعم الوكيل » .
وفي كمال الدين : 2 / 476 : « عن أبي الحسن علي بن سنان الموصلي قال : حدثني أبي قال : لما قبض سيدنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهما ، وفد من قم والجبال وفود ، بالأموال التي كانت تحمل على الرسم والعادة ، ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن عليه السلام فلما أن وصلوا إلى سر من رأى سألوا عن سيدنا الحسن بن علي عليه السلام فقيل لهم : إنه قد فقد ، فقالوا : ومن وارثه ؟ قالوا : أخوه جعفر بن علي ، فسألوا عنه فقيل لهم إنه قد خرج متنزهاً وركب زورقاً في الدجلة يشرب ومعه المغنون ! قال : فتشاور القوم فقالوا : هذه ليست من صفة الإمام ، وقال بعضهم لبعض : إمضوا بنا حتى نرد هذه الأموال على أصحابها !
--------------------------- 752 ---------------------------
فقال أبو العباس محمد بن جعفر الحميري القمي : قفوا بنا حتى ينصرف هذا الرجل ونختبر أمره بالصحة . قال : فلما انصرف دخلوا عليه فسلموا عليه وقالوا : يا سيدنا نحن من أهل قم ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها ، وكنا نحمل إلى سيدنا أبي محمد الحسن بن علي الأموال فقال : وأين هي ؟ قالوا : معنا ، قال : إحملوها إليَّ . قالوا : لا ، إن لهذه الأموال خبراً طريفاً ، فقال : وما هو ؟ قالوا إن هذه الأموال تجمع ويكون فيها من عامة الشيعة الدينار والديناران ثم يجعلونها في كيس ويختمون عليه ، وكنا إذا وردنا بالمال على سيدنا أبي محمد عليه السلام يقول : جملة المال كذا وكذا ديناراً . من عند فلان كذا ، ومن عند فلان كذا ، حتى يأتي على أسماء الناس كلهم ، ويقول ما على الخواتيم من نقش .
فقال جعفر : كذبتم ، تقولون على أخي ما لا يفعله ، هذا علم الغيب ولا يعلمه إلا الله . قال : فلما سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلى بعض ، فقال لهم : احملوا هذا المال إليَّ ، قالوا : إنا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب المال ، ولا نسلم المال إلا بالعلامات التي كنا نعرفها من سيدنا الحسن بن علي عليه السلام ، فإن كنت الإمام فبرهن لنا ، وإلا رددناها إلى أصحابها يرون فيها رأيهم . قال : فدخل جعفر على الخليفة وكان بسر من رأى فاستعدى عليهم ، فلما أحضروا قال الخليفة : احملوا هذا المال إلى جعفر ، قالوا : أصلح الله أمير المؤمنين إنا قوم مستأجرون ، وكلاء لأرباب هذه الأموال ، وهي وداعة لجماعة ، وأمرونا بأن لا نسلمها إلا بعلامة ودلالة ، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام ! فقال الخليفة : فما كانت العلامة التي كانت مع أبي محمد ؟ قال القوم : كان يصف لنا الدنانير وأصحابها والأموال وكم هي . فإذا فعل ذلك سلمناها إليه ، وقد وفدنا إليه مراراً فكانت هذه علامتنا معه ودلالتنا ، وقد مات . فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر ، فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه ، وإلا رددناها إلى أصحابها !
فقال جعفر : يا أمير المؤمنين إن هؤلاء قوم كذابون يكذبون على أخي ، وهذا علم الغيب ! فقال الخليفة : القوم رسل وما على الرسول إلا البلاغ المبين .
قال : فبهت جعفر ولم يرد جواباً ، فقال القوم : يتطول أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى من يبدرقنا حتى نخرج من هذه البلدة ، قال : فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها ، فلما أن خرجوا
--------------------------- 753 ---------------------------
من البلد خرج إليهم غلام أحسن الناس وجهاً كأنه خادم ، فنادى : يا فلان بن فلان ، ويا فلان بن فلان ، أجيبوا مولاكم ، قال فقالوا : أنت مولانا ، قال : معاذ الله أنا عبد مولاكم ، فسيروا إليه قالوا : فسرنا معه حتى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي عليه السلام ، فإذا ولده القائم سيدنا عليه السلام قاعدعلى سريركأنه فلقة قمر ، عليه ثياب خضر فسلمنا عليه فرد علينا السلام ، ثم قال : جملة المال كذا وكذا ديناراً . حمل فلان كذا ، وفلان كذا ، ولم يزل يصف حتى وصف الجميع . ثم وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدواب ، فخررنا سجدا لله عز وجل شكراً لما عرفنا ، وقبلنا الأرض بين يديه ، وسألناه عما أردنا فأجاب ، فحملنا إليه الأموال .
وأمرنا القائم عليه السلام أن لانحمل إلى سرمن رأى بعدها شيئاً من المال ، فإنه ينصب لنا ببغداد رجلاً يحمل إليه الأموال ويخرج من عنده التوقيعات ، قال فانصرفنا من عنده ودفع إلى أبي العباس محمد بن جعفر القمي الحميري شيئاً من الحنوط والكفن ، فقال له : أعظم الله أجرك في نفسك ، قال : فما بلغ أبو العباس عقبة همدان حتى توفي رحمه الله . وكنا بعد ذلك نحمل الأموال إلى بغداد إلى النواب المنصوبين بها ، ويخرج من عندهم التوقيعات .
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : هذا الخبر يدل على أن الخليفة كان يعرف هذا الأمر كيف هو وأين موضعه ، فلهذا كف عن القوم عما معهم من الأموال ، ودفع جعفراً الكذاب عن مطالبتهم ، ولم يأمرهم بتسليمها إليه ، إلا أنه كان يحب أن يَخفى هذا الأمر ولا ينتشر ، لئلا يهتدي إليه الناس فيعرفونه !
وقد كان جعفر الكذاب حمل إلى الخليفة عشرين ألف دينار لما توفي الحسن بن علي وقال : يا أمير المؤمنين تجعل لي مرتبة أخي الحسن ومنزلته . فقال الخليفة : إعلم أن منزلة أخيك لم تكن بنا ، إنما كانت بالله عز وجل ، ونحن كنا نجتهد في حط منزلته والوضع منه ، وكان الله عز وجل يأبى إلا أن يزيده كل يوم رفعة ، لما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة . فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته ، فلا حاجة بك إلينا ، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما كان في أخيك ، لم نغنك في ذلك شيئاً » .
وفي كمال الدين : 2 / 488 : « عن محمد بن شاذان بن نعيم قال : بعث رجل من أهل بلخ بمال ورقعة ليس فيها كتابة ، قد خط فيها بأصبعه كما تدور من غير كتابة ، وقال للرسول :
--------------------------- 754 ---------------------------
إحمل هذا المال فمن أخبرك بقصته وأجاب عن الرقعة ، فأوصل إليه المال ، فصار الرجل إلى العسكر ، وقصد جعفراً وأخبره الخبر فقال له جعفر : تقر بالبداء ؟ قال الرجل : نعم ، قال له : فإن صاحبك قد بدا له ، وأمرك أن تعطيني المال ! فقال له الرسول : لا يقنعني هذا الجواب فخرج من عنده وجعل يدور على أصحابنا ، فخرجت إليه رقعة قال : هذا مال قد كان غرر به وكان فوق صندوق ، فدخل اللصوص البيت وأخذوا ما في الصندوق ، وسلم المال ، وردت عليه الرقعة وقد كتب فيها كما تدور ، وسألت الدعاء فعل الله بك وفعل » .
وفي الكافي : 1 / 523 : « عن الحسن بن عيسى العريضي قال : لما مضى أبو محمد عليه السلام ورد رجل من أهل مصر بمال إلى مكة للناحية ، فاختلف عليه فقال بعض الناس : إن أبا محمد مضى من غير خلف والخلف جعفر ، وقال بعضهم : مضى أبو محمد عن خلف فبعث رجلاً يكنى بأبي طالب فورد العسكر ومعه كتاب ، فصار إلى جعفر وسأله عن برهان ، فقال : لا يتهيأ في هذا الوقت ، فصار إلى الباب وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا ، فخرج إليه : آجرك الله في صاحبك فقد مات وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة ليعمل فيه بما يجب ، وأجيب عن كتابه » .
وفي كمال الدين : 2 / 483 : « عن إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ ، فوردت في التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام : أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا ، فاعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة ، ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح عليه السلام . أما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف عليه السلام .
وأما الفقاع فشربه حرام ولا بأس بالشلماب ، وأما أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا ، فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع ، فما آتاني الله خير مما آتاكم . وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله تعالى ذكره وكذب الوقاتون . وأما قول من زعم أن الحسين عليه السلام لم يقتل ، فكفر وتكذيب وضلال .
وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنهم حجتي عليكم ، وأنا حجة الله عليهم . وأما محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه وعن أبيه من قبل ، فإنه ثقتي وكتابه كتابي . وأما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله له قلبه ويزيل عنه شكه . وأما ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر وثمن المغنية حرام .
--------------------------- 755 ---------------------------
وأما محمد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت .
وأما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع فملعون ، وأصحابه ملعونون ، فلا تجالس أهل مقالتهم فإني منهم برئ ، وآبائي عليهم السلام منهم براء . وأما المتلبسون بأموالنا ، فمن استحل منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران . وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث . وأما ندامة قوم قد شكوا في دين الله عز وجل على ما وصلونا به ، فقد أقلنا من استقال ، ولا حاجة في صلة الشاكين .
وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عز وجل يقول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ، إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي .
وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي ، فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب ، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، فأغلقوا باب السؤال عما لايعنيكم ، ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم . والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى » .
5 - من توقيعات الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف - إجاباته ورسائله
ولادة الصدوق رحمه الله بدعاء الإمام عليه السلام
ولادة الصدوق رحمه الله بدعاء الإمام عليه السلام
كمال الدين / 502 : « حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود رضي الله عنه قال : سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه رضي الله عنه ، بعد موت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان عليه السلام أن يدعو الله عز وجل أن يرزقه ولداً ذكراً . قال : فسألته فأنهى ذلك ، ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعا لعلي بن الحسين وأنه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به وبعده أولاد . قال أبو جعفر محمد بن علي الأسود رضي الله عنه ، وسألته في أمر نفسي أن يدعو الله لي أن يرزقني ولداً ، فلم يجبني إليه وقال : ليس إلى هذا سبيل ، قال : فولد لعلي بن الحسين رضي الله عنه محمد بن علي وبعده أولاد ولم يولد لي شئ .
--------------------------- 756 ---------------------------
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : كان أبو جعفر محمد بن علي الأسود رضي الله عنه كثيراً ما يقول لي إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد وأرغب في كتب العلم وحفظه : ليس بعجب أن يكون لك هذه الرغبة في العلم ، أنت ولدت بدعاء الإمام عليه السلام » .
وفي رجال النجاشي / 261 : « علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي أبو الحسن ، شيخ القميين في عصره ومتقدمهم وفقيههم وثقتهم ، كان قدم العراق واجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله وسأله مسائل ، ثم كاتبه بعد ذلك على يد علي بن جعفر بن الأسود يسأله أن يوصل له رقعة إلى الصاحب عليه السلام ، ويسأله فيها الولد فكتب إليه : قد دعونا الله لك بذلك ، وسترزق ولدين ذكرين خيرين . فولد له أبو جعفر وأبو عبد الله من أم ولد ، وكان أبو عبد الله الحسين بن عبد الله يقول سمعت أبا جعفر يقول : أنا ولدت بدعوة صاحب الأمر عليه السلام ، ويفتخر بذلك » .
وفي غيبة الطوسي / 187 ، بمعناه ، وفيه : « أن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته بنت عمه محمد بن موسى بن بابويه ، فلم يرزق منها ولداً ، فكتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه أن يسأل الحضرة أن يدعو الله أن يرزقه أولاداً فقهاء ، فجاء الجواب : إنك لا ترزق من هذه وستملك جارية ديلمية وترزق منها ولدين فقيهين . قال : وقال لي أبو عبد الله بن سورة حفظه الله : ولأبي الحسن بن بابويه رحمه الله ثلاثة أولاد محمد والحسين فقيهان ماهران في الحفظ ، ويحفظان ما لا يحفظ غيرهما من أهل قم ، ولهما أخ اسمه الحسن وهو الأوسط مشتغل بالعبادة والزهد لا يختلط بالناس ولا فقه له . قال ابن سورة : كلما روى أبو جعفر وأبو عبد الله ابنا علي بن الحسين شيئاً ، يتعجب الناس من حفظهما ويقولون لهما : الشأن خصوصية لكما بدعوة الإمام لكما ، وهذا أمر مستفيض في أهل قم » .
إخباره عليه السلام بوفاة سفيره العمري رحمه الله
في غيبة الطوسي / 226 : « عن جعفر بن أحمد النوبختي قال : قال لي أبي أحمد بن إبراهيم وعمي أبو جعفر عبد الله بن إبراهيم وجماعة من أهلنا ، يعني بني نوبخت : إن أبا جعفر العمري لما اشتدت حاله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة ، منهم أبو علي بن همام ،
--------------------------- 757 ---------------------------
وأبو عبد الله بن محمد الكاتب ، وأبو عبد الله الباقطاني ، وأبو سهل بن إسماعيل النوبختي ، وأبو عبد الله بن الوجنا ، وغيرهم من الوجوه والأكابر ، فدخلوا على أبي جعفر رضي الله عنه فقالوا له : إن حدث أمر فمن يكون مكانك ؟ فقال لهم : هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي ، القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر عليه السلام ، والوكيل والثقة الأمين ، فارجعوا إليه في أموركم وعولوا عليه في مهماتكم ، فبذلك أمرت وقد بلغت » .
وفي كمال الدين : 2 / 502 : « وحدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود رضي الله عنه ، أن أبا جعفر العمري حفر لنفسه قبراً وسواه بالساج ، فسألته عن ذلك فقال : للناس أسباب . ثم سألته بعد ذلك فقال : قد أمرت أن أجمع أمري . فمات بعد ذلك بشهرين رضي الله عنه » .
جوابه عليه السلام في نفي التفويض
غيبة الطوسي / 178 : « عن علي بن أحمد الدلال القمي قال : اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عز وجل فوض إلى الأئمة صلوات الله عليهم أن يخلقوا أو يرزقوا ، فقال قوم هذا محال لا يجوز على الله تعالى ، لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عز وجل ، وقال آخرون بل الله تعالى أقدر الأئمة على ذلك وفوضه إليهم فخلقوا ورزقوا ، وتنازعوا في ذلك تنازعاً شديداً فقال قائل : ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري فتسألونه عن ذلك فيوضح لكم الحق فيه ، فإنه الطريق إلى صاحب الأمر عجل الله فرجه ، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلمت وأجابت إلى قوله ، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه ، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته : إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسم الأرزاق ، لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ . وأما الأئمة عليهم السلام فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ، ويسألونه فيرزق ، إيجاباً لمسألتهم ، وإعظاماً لحقهم » .
رده عليه السلام على الغلاة ونهيه عن الغلو
في الإحتجاج : 2 / 473 : « ومما خرج عن صاحب الزمان صلوات الله عليه رداً على الغلاة من التوقيع ، جواباً لكتاب كتب على يدي محمد بن علي بن هلال الكرخي :
--------------------------- 758 ---------------------------
يا محمد بن علي ، تعالى الله وجل عما يصفون سبحانه وبحمده ، ليس نحن شركاءه في علمه ولا في قدرته ، بل لا يعلم الغيب غيره كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه : قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض الْغَيْبَ إِلا اللهُ . وأنا وجميع آبائي من الأولين آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من النبيين ، ومن الآخرين محمد رسول الله وعلي بن أبي طالب وغيرهم ممن مضى من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين ، إلى مبلغ أيامي ومنتهى عصري ، عبيد الله عز وجل ، يقول الله عز وجل : وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى . يا محمد بن علي قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم ، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه ، فأشهد الله الذي لا إله إلا هو وكفى به شهيداً ورسوله محمداً صلى الله عليه وآله وملائكته وأنبياؤه وأولياؤه عليهم السلام ، وأشهدك وأشهد كل من سمع كتابي هذا ، أني برئ إلى الله وإلى رسوله ممن يقول إنا نعلم الغيب ونشاركه في ملكه ، أو يحلنا محلاً سوى المحل الذي رضيه الله لنا وخلقنا له ، أو يتعدى بنا عما قد فسرته لك وبينته في صدر كتابي . وأشهدكم أن كل من نبرأ منه فإن الله يبرأ منه وملائكته ورسله وأولياؤه .
وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانة في عنقك ، وعنق من سمعه أن لايكتمه لأحد من مواليَّ وشيعتي ، حتى يظهر على هذا التوقيع الكلُّ من مواليَّ ، لعل الله عز وجل يتلافاهم فيرجعون إلى دين الله الحق ، وينتهون عما لا يعلمون منتهى أمره ، ولامبلغ منتهاه ، فكل من فهم كتابي ولا يرجع إلى ما قد أمرته ونهيته فقد حلت عليه اللعنة من الله ، وممن ذكرت من عباده الصالحين » .
وفي تفسيرالعياشي : 1 / 16 : « عن يوسف بن السخت البصري ، قال : رأيت التوقيع بخط محمد بن محمد بن علي فكان فيه : الذي يجب عليكم ولكم أن تقولوا إنا قدوة الله وأئمة وخلفاء الله في أرضه وأمناؤه على خلقه ، وحججه في بلاده ، نعرف الحلال والحرام ، ونعرف تأويل الكتاب وفصل الخطاب » .
--------------------------- 759 ---------------------------
رسالته عليه السلام في تقوية ضعفاء الشيعة
غيبة الطوسي / 172 : « عن علي بن إبراهيم الرازي قال : حدثني الشيخ الموثوق به بمدينة السلام قال : تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشيعة في الخلف ، فذكر ابن أبي غانم أن أبا محمد عليه السلام مضى ولا خلف له ، ثم إنهم كتبوا في ذلك كتاباً وأنفذوه إلى الناحية وأعلموه بما تشاجروا فيه . فورد جواب كتابهم بخطه عليه وعلى آبائه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم . عافانا الله وإياكم من الضلالة والفتن ووهب لنا ولكم روح اليقين ، وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب . إنه أنهيَ إليَّ ارتياب جماعة منكم في الدين ، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمورهم ، فغمنا ذلك لكم لا لنا وساءنا فيكم لا فينا ، لأن الله معنا ولا فاقة بنا إلى غيره ، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا ، ونحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائعنا . يا هؤلاء ما لكم في الريب تترددون وفي الحيرة تنعكسون ، أوَ ما سمعتم الله عز وجل يقول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ ؟ أوَما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون ويحدث في أئمتكم عن الماضين والباقين منهم عليهم السلام ؟ أوَما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها ، وأعلاماً تهتدون بها من لدن آدم عليه السلام إلى أن ظهر الماضي عليه السلام ، كلما غاب علم بدا علم ، وإذا أفل نجم طلع نجم ؟ فلما قبضه الله إليه ظننتم أن الله تعالى أبطل دينه وقطع السبب بينه وبين خلقه ! كلا ، ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله سبحانه وهم كارهون . وإن الماضي عليه السلام مضى سعيداً فقيداً على منهاج آبائه عليهم السلام حذو النعل بالنعل ، وفينا وصيته وعلمه ومن هو خلفه ومن هو يسد مسده ، لا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم ، ولا يدعيه دوننا إلا جاحد كافر ، ولولا أن أمر الله تعالى لا يغلب وسره لا يظهر ولا يعلن لظهر لكم من حقنا ما تبيَّن منه عقولكم ويزيل شكوككم ، لكنه ما شاء الله كان لكل أجل كتاب ، فاتقوا الله وسلموا لنا وردوا الأمر إلينا ، فعلينا الإصدار كما كان منا الإيراد ، ولا تحاولوا كشف ما غطي عنكم ، ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلى الشمال ، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنة الواضحة ، فقد نصحت لكم والله شاهد عليَّ وعليكم . ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم والإشفاق عليكم ، لكنا عن مخاطبتكم في شغل فيما قد امتحنا به من منازعة الظالم العتل الضال المتتابع في غيه
--------------------------- 760 ---------------------------
المضاد لربه ، الداعي ما ليس له الجاحد حق من افترض الله طاعته . وفي ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله لي أسوة حسنة ، وسيردي الجاهل رداءة عمله ، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار ، عصمنا الله وإياكم من المهالك والأسواء والآفات والعاهات كلها برحمته ، فإنه ولي ذلك والقادر على ما يشاء ، وكان لنا ولكم ولياً وحافظاً ، والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ، ورحمة الله وبركاته » .
النهي عن تسميته عليه السلام في الغيبة الصغرى
في الكافي : 1 / 333 : « عن أبي عبد الله الصالحي قال : سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمد عليه السلام أن أسأل عن الاسم والمكان . فخرج الجواب : إن دللتهم على الاسم أذاعوه وإن عرفوا المكان دلوا عليه . .
عن ابن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : صاحب هذا الأمر لا يسميه باسمه إلا كافر » .
كمال الدين : 2 / 509 : « عن أحمد بن الخضر بن أبي صالح الخجندي ، أنه خرج إليه من صاحب الزمان عليه السلام توقيع بعد أن كان أُغري بالفحص والطلب ، وسار عن وطنه ليتبين له ما يعمل عليه ، وكان نسخة التوقيع : من بحث فقد طلب ، ومن طلب فقد دل ، ومن دل فقد أشاط ، ومن أشاط فقد أشرك ! فكفَّ عن الطلب ورجع » .
وفي كمال الدين : 2 / 482 و 383 : « عن علي بن عاصم الكوفي يقول : خرج في توقيعات صاحب الزمان : ملعون ملعون ، من سماني في محفل من الناس » .
وفي غيبة الطوسي / 196 : « أنه كتب على يد الشيخ أبى القاسم بن روح رضي الله عنه إلى الصاحب عليه السلام يشكو تعلق قلبه واشتغاله بالفحص والطلب ، ويسأل الجواب بما تسكن إليه نفسه ويكشف له عما يعمل عليه ، قال : فخرج إلى توقيع نسخته : من بحث فقد طلب ، ومن طلب فقد دل ، ومن دل فقد أشاط ومن أشاط فقد أشرك . وسكنت نفسي وعدت إلى وطني مسروراً ، والحمد لله » .
أقول : حمل أكثر فقهائنا النهي عن التسمية ، على أنه مختص بعصرغيبته الصغرى عندما كان أعداؤه يطلبونه طلباً حثيثاً ، فكانوا يهاجمون المكان الذي يظنونه فيه ، كما حبسوا من
--------------------------- 761 ---------------------------
احتملوا أنها حاملة به ! ولهذا قال عامة فقهائنا لا يحرم تسميته بعد عصر الغيبة الصغرى ، لزوال علة التحريم . وقال النادر منهم يحرم تسميته حتى في الغيبة الكبرى . ولا يبعد أن يشمل النهي عن التسمية السنة التي تسبق ظهوره عليه السلام ، لأن أعداءه سيطلبونه بشكل حثيث ، بل ورد أن السفياني يقتل في المدينة من كان على اسمه .
نماذج من أجوبته الفقهية وكراماته عليه السلام
في غيبة الطوسي / 228 : « نسخة أجوبته عليه السلام عن مسائل محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري بسم الله الرحمن الرحيم ، أطال الله بقاءك ، وأدام عزك وتأييدك وسعادتك وسلامتك ، وأتم نعمته وزاد في إحسانه إليك ، وجميل مواهبه لديك وفضله عندك ، وجعلني من السوء فداك وقدمني قبلك . . . » .
الإحتجاج : 1 / 487 : « وسئل عن رجل يكون في محمله والثلج كثير بقامة رجل ، فيتخوف إن نزل الغوص فيه ، وربما يسقط الثلج وهو على تلك الحال ، ولا يستوي له أن يلبد شيئاً عنه لكثرته وتهافته ، هل يجوز أن يصلي في المحمل الفريضة فقد فعلنا ذلك أياماً فهل علينا في ذلك إعادة أم لا ؟ فأجاب : لا بأس عند الضرورة والشدة .
وسئل عن الرجل يلحق الإمام وهو راكع فيركع معه ويحتسب تلك الركعة ، فإن بعض أصحابنا قال : إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتد بتلك الركعة ؟
فأجاب : إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة ، وإن لم يسمع تكبيرة الركوع .
وسئل عن رجل صلى الظهر ودخل في صلاة العصر ، فلما أن صلى من صلاة العصر ركعتين استيقن أنه صلى الظهر ركعتين ، كيف يصنع ؟ فأجاب : إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين ، وإن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الآخرتين تتمة لصلاة الظهر ، وصلى العصر بعد ذلك .
وسئل عن أهل الجنة يتوالدون إذا دخلوها أم لا ؟ فأجاب : إن الجنة لا حمل فيها للنساء ولا ولادة ، ولا طمث ولا نفاس ولا شقاء بالطفولية ، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين
--------------------------- 762 ---------------------------
كما قال سبحانه ، فإذا اشتهى المؤمن ولداً خلقه الله بغير حمل ولا ولادة ، على الصورة التي يريد ، كما خلق آدم عبرة . . .
وسئل عن رجل ادعى على رجل ألف درهم وأقام به البينة العادلة ، وادعى عليه أيضاً خمس مائة درهم في صك آخر ، وله بذلك بينة عادلة ، وادعى عليه أيضاً ثلاث مائة درهم في صك آخر ، ومائتي درهم في صك آخر ، وله بذلك كله بينة عادلة . ويزعم المدعى عليه أن هذه الصكاك كلها قد دخلت في الصك الذي بألف درهم ، والمدعي منكر أن يكون كما زعم ، فهل يجب الألف الدرهم مرة واحدة ، أو يجب عليه كلما يقيم البينة به ؟ وليس في الصكاك استثناء إنما هي صكاك على وجهها . فأجاب : يؤخذ من المدعى عليه ألف درهم مرة ، وهي التي لا شبهة فيها ، ويرد اليمين في الألف الباقي على المدعي ، فإن نكل فلا حق له .
وسئل عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره ، هل يجوز لك أم لا ؟ فأجاب عليه السلام : يوضع مع الميت في قبره ، ويخلط بحنوطه إن شاء الله .
وسئل فقال : روي لنا عن الصادق عليه السلام أنه كتب على إزار ابنه : إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله ، فهل يجوز أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره ؟ فأجاب : يجوز ذلك .
وسئل هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر ، وهل فيه فضل ؟ فأجاب : يسبح الرجل به فما من شئ من السبح أفضل منه ، ومن فضله أن الرجل ينسى التسبيح ويدير السبحة ، فيكتب له التسبيح . وسئل عن السجدة على لوح من طين القبر وهل فيه فضل ؟ فأجاب : يجوز ذلك وفيه الفضل . وسئل : عن الرجل يزور قبور الأئمة عليه السلام هل يجوز أن يسجد على القبرأم لا ؟ وهل يجوز لمن صلى عند بعض قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ، ويقوم عند رأسه ورجليه ؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعل للقبر خلفه أم لا ؟ فأجاب : أما السجود على القبر ، فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة ، والذي عليه العمل أن يضع خده الأيمن على القبر . وأما الصلاة فإنها خلفه ويجعل القبر أمامه ، ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره ، لأن الإمام لا يُتقدم ولا يساوى .
وسئل فقال : روى عن الفقيه في بيع الوقف خبر مأثور : إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم ، فاجتمع أهل الوقف على بيعه وكان ذلك لصالح لهم أن يبيعوه ، فهل يجوز
--------------------------- 763 ---------------------------
أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على البيع ، أم لا يجوز إلا أن يجتمعوا كلهم على ذلك ؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه ؟ فأجاب : إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه ، وإن كان على قوم من المسلمين فليجمع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين إن شاء الله .
وسئل هل يجوز للمحرم أن يصير على إبطه المرتك والتوتيا لريح العرق أم لا يجوز ؟ فأجاب : يجوز ذلك وبالله التوفيق .
وسئل عن الضرير إذا شهد في حال صحته على شهادة ، ثم كف بصره ولا يرى خطه فيعرفه ، هل تجوز شهادته أم لا وإن ذكر هذا الضرير الشهادة ، هل يجوز أن يشهد على شهادته أم لا يجوز ؟ فأجاب : إذا حفظ الشهادة وحفظ الوقت جازت شهادته .
وسئل عن الرجل يوقف ضيعة أو دابة ، ويشهد على نفسه باسم بعض وكلاء الوقف ، ثم يموت هذا الوكيل أو يتغير أمره ويتولى غيره ، هل يجوز أن يشهد الشاهد لهذا الذي أقيم مقامه إذا كان أصل الوقف لرجل واحد أم لا يجوز ذلك ؟ فأجاب : لا يجوز ذلك لأن الشهادة لم تقم للوكيل ، وإنما قامت للمالك ، وقد قال الله : وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لله . . .
وسئل عن صلاة جعفر بن أبي طالب رحمه الله في أي أوقاتها أفضل أن تصلي فيه ، وهل فيها قنوت ؟ وإن كان ففي أي ركعة منها ؟ فأجاب : أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة ، ثم في أي الأيام شئت وأي وقت صليتها من ليل أو نهار فهو جائز ، والقنوت فيها مرتان : في الثانية قبل الركوع ، وفي الرابعة بعد الركوع .
وسئل عن الرجل ينوي إخراج شئ من ماله وأن يدفعه إلى رجل من إخوانه ، ثم يجد في أقربائه محتاجاً ، أيصرف ذلك عمن نواه له أو إلى قرابته ؟ فأجاب : يصرفه إلى أدناهما وأقربهما من مذهبه ، فإن ذهب إلى قول العالم عليه السلام : لا يقبل الله الصدقة وذو رحم محتاج ، فليقسم بين القرابة وبين الذي نوى حتى يكون قد أخذ بالفضل كله . .
وسئل : عن المسح على الرجلين وبأيهما يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعاً معاً ؟ فأجاب : يمسح عليهما معاً ، فإن بدأ بأحدهما قبل الأخرى فلا يبتدئ إلا باليمين . وسأل عن صلاة جعفر في السفر هل يجوز أن يصلي أم لا ؟ فأجاب : يجوز ذلك . . . » .
--------------------------- 764 ---------------------------
كمال الدين : 2 / 500 : « عن الحسين بن إسماعيل الكندي : وكتب جعفر بن حمدان : فخرجت إليه هذه المسائل في أحكام الأولاد والوقف . . . » .
الكافي : 1 / 524 : « عن أبي عقيل عيسى بن نصر ، قال : كتب علي بن زياد الصيمري يسأل كفناً ، فكتب إليه : إنك تحتاج إليه في سنة ثمانين ، فمات في سنة ثمانين ، وبعث إليه بالكفن قبل موته بأيام » .
كمال الدين : 2 / 510 : « عن إسحاق بن حامد الكاتب في كرامة له عليه السلام مع رجل أرسل له قماشاً .
الكافي : 1 / 520 : « عن زيد اليماني في كرامة ظهرت له في توقيع من الإمام عليه السلام .
الكافي : 1 / 523 : « عن محمد بن علي بن شاذان النيسابوري ، ظهرت له كرامة في مال أرسله إلى الإمام عليه السلام .
هذا ، والتواقيع الصادر عنه عليه السلام عديدة جمعناها في معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام .
- *
--------------------------- 765 ---------------------------
الفصل السادس والثلاثون : ( علامات ظهوره ، علامات الظهور المبارك )
--------------------------- 766 ---------------------------
تقدم في الفصول السابقة ذكر أكثر العلامات ، ومن أوثقها ما رواه جابر الجعفي عن الإمام محمد الباقر عليه السلام في أصحاب الإمام المهدي عليه السلام . « تفسير العياشي : 1 / 64 » .
وقد أفرط بعضهم في تعداد العلامات ، وفي تطبيقاتها ، بينما أفرط آخرون في ردها ورد تطبيقاتها مع أنها واضحة . والمنهج الصحيح هو التثبت من النص والالتزام به عندما يثبت ، وقبول تطبيقه عندما يكون جلياً .
ربَّى الأئمة عليهم السلام شيعتهم على الأمل وانتظارالفَرَج
الإمامة والتبصرة / 93 : « عن علي بن محمد الصيمري ، عن علي بن مهزيار : قال : كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام : أسأله عن الفرج ؟ فكتب : إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين ، فتوقعوا الفرج » .
وفي الإرشاد / 360 : « عن الحسن بن الجهم قال : سأل رجل أبا الحسن عليه السلام عن الفرج فقال : تريد الإكثار أم أجمل لك ؟ فقال : بل تجمل لي ، قال : إذا ركزت رايات قيس بمصر ، ورايات كندة بخراسان » .
والسؤال هنا عن فَرَج خاص في زمن الإمام الكاظم عليه السلام ، أيام شدة السلطة وبطش هارون بالشيعة ، وقد تصور بعضهم أنه الفرج بظهور الإمام المهدي عليه السلام .
وصف عصور الظلم وخاصة عصر ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف
مختصر إثبات الرجعة / 217 : « عن محمد بن مسلم قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام : متى يظهر قائمكم ؟ قال : إذا كثرت الغواية وقلت الهداية ، وكثر الجور والفساد ، وقلَّ الصلاح والسداد ، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، ومال الفقهاء إلى الدنيا ، وأكثر الناس إلى الأشعار والشعراء ، ومسخ قوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير ، وأقبل السفياني ، ثم خرج الدجال وبالغ في الإغواء والإضلال ، فعند ذلك ينادى باسم القائم عليه السلام في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ، ويقوم في يوم عاشوراء ، فكأني أنظر إليه قائماً بين الركن والمقام وينادي جبرئيل بين يديه : البيعة لله فتقبل إليه شيعته » .
--------------------------- 767 ---------------------------
ورواه في إثبات الهداة : 3 / 570 : « عن الغيبة للفضل بن شاذان ، وفيه : « فتقبل شيعته إليه من أطراف الأرض تطوى لهم طياً حتى يبايعوا ، ثم يسير إلى الكوفة فينزل على نجفها ، ثم يفرق الجنود منها إلى الأمصار لدفع عمال الدجال ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً . قال فقلت له : يا ابن رسول الله ، فداك أبي وأمي ، أيعلم أحد من أهل مكة من أين يجئ قائمكم إليها ؟ قال : لا , ثم قال : لا يظهر إلا بغتة بين الركن والمقام » .
أقول : المقصود بالدجال في هذا الحديث ليس الدجال الموعود ، بل حاكم أوعالم سوء مع السفياني عليه السلام . وقد يفهم من الحديث أن قتل السفياني قبل ظهور المهدي عليه السلام وهو مخالف للأحاديث المتواترة . ويبدو أنه وقع تقديم وتأخير في هذا الحديث .
النعماني / 278 : « عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : إن بين يدي القائم سنين خداعة ، يُكَذَّبُ فيها الصادق ويُصدق فيها الكاذب ، ويُقرب فيها الماحل . وفي حديث : وينطق فيها الرويبضة ، فقلت : وما الرويبضة وما الماحل ؟ قال : أوَما تقرؤون القرآن قوله : وهو شديد المحال ؟ قال : يريد المكر . فقلت : وما الماحل ؟ قال : يريد المكار » .
كفاية الأثر / 213 : « عن علقمة بن قيس قال : خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام على منبر الكوفة خطبة اللؤلؤة ، فقال فيما قال في آخرها : ألا وإني ظاعن عن قريب ، ومنطلق إلى المغيب ، فارتقبوا الفتنة الأموية ، والمملكة الكسروية ، وإماتة ما أحياه الله ، وإحياء ما أماته الله ، واتخذوا صوامعكم بيوتكم ، وعضوا على مثل جمر الغضا ، فاذكروا الله ذكراً كثيراً ، فذكره أكبر لو كنتم تعلمون . ثم قال : وتُبنى مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيلة والفرات ، فلو رأيتموها مشيدة بالجص والآجر ، مزخرفة بالذهب والفضة واللازورد المستسقى ، والمرمر والرخام وأبواب العاج والأبنوس ، والخيم والقباب والشارات ، وقد عليت بالساج والعرعر والصنوبر والخشب ، وشيدت بالقصور وتوالت عليها ملوك بني الشيصبان « الشيطان » أربعة وعشرون ملكاً ، على عدد سني المُلك الكديد ، فيهم السفاح والمقلاص والجموع والخدوع والمظفر والمؤنث والنظار والكبش والمهتور والعشار والمصطلم والمستصعب والعلام والرهباني والخليع والسيار والمسرف والكديد والأكتب والمترف والأكلب والوشيم والظلام والعيوق . وتعمل القبة الغبراء ذات القلاة الحمراء « مبنى له قبة وبرج أحمر » في عقبها قائم الحق يسفر
--------------------------- 768 ---------------------------
عن وجهه بين الأقاليم كالقمر المضئ بين الكواكب الدرية .
ألا وإن لخروجه علامات عشراً : أولها طلوع الكوكب ذي الذنب ويقارب من الحاوي ، ويقع فيه هرج ومرج وشغب ، وتلك علامات الخصب ، ومن العلامة إلى العلامة عجب ، فإذا انقضت العلامات العشر إذ ذاك يظهر بنا القمر الأزهر ، وتمت كلمة الإخلاص لله على التوحيد . . . نعم إنه لعهد عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وآله أن الأمر يملكه اثنا عشر إماماً تسعة من صلب الحسين ، ولقد قال النبي صلى الله عليه وآله : لما عرج بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش فإذا مكتوب عليه : لا اله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته بعلي ، ورأيت اثني عشر نوراً فقلت : يا رب أنوار من هذه ؟ فنوديت : يا محمد هذه الأنوار الأئمة من ذريتك . قلت : يا رسول الله أفلاتسميهم لي . . وذكر أسماء الأئمة عليهم السلام وقال : والقائم من ولد الحسين ، سميي وأشبه الناس بي ، يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
ورواه ملاحم ابن طاووس / 136 ، وفيه : « خطب بها قبل خروجه من البصرة بخمسة عشر يوماً . . »
الكافي : 8 / 37 : « عن حمران قال : قال أبو عبد الله عليه السلام وذكر هؤلاء عنده وسوء حال الشيعة عندهم ، فقال : إني سرت مع أبي جعفر المنصور وهو في موكبه ، وهو على فرس وبين يديه خيل ومن خلفه خيل ، وأنا على حمار إلى جانبه ، فقال لي : يا أبا عبد الله قد كان ينبغي لك أن تفرح بما أعطانا الله من القوة ، وفتح لنا من العز ، ولا تخبر الناس أنك أحق بهذا الأمر منا وأهل بيتك فتغرينا بك وبهم ! قال فقلت : ومن رفع هذا إليك عني فقد كذب ! فقال لي : أتحلف على ما تقول ؟ قال فقلت : إن الناس سحرة يعني يحبون أن يفسدوا قلبك علي فلا تمكنهم من سمعك ، فإنا إليك أحوج منك إلينا . فقال لي : تذكر يوم سألتك هل لنا ملك ؟ فقلت : نعم طويل عريض شديد ، فلاتزالون في مهلة من أمركم وفسحة من دنياكم حتى تصيبوا منا دماً حراماً في شهر حرام في بلد حرام . فعرفت أنه قد حفظ الحديث ، فقلت : لعل الله عز وجل أن يكفيك ، فإني لم أخصك بهذا وإنما هو حديث رويته ، ثم لعل غيرك من أهل بيتك يتولى ذلك فسكت عني !
فلما رجعت إلى منزلي أتاني بعض موالينا فقال : جعلت فداك والله لقد رأيتك في موكب
--------------------------- 769 ---------------------------
أبي جعفر وأنت على حمار وهو على فرس ، وقد أشرف عليك يكلمك كأنك تحته ، فقلت بيني وبين نفسي : هذا حجة الله على الخلق ، وصاحب هذا الأمر الذي يقتدى به ، وهذا الآخر يعمل بالجور ويقتل أولاد الأنبياء عليهم السلام ويسفك الدماء في الأرض بما لا يحب الله ، وهو في موكبه وأنت على حمار ، فدخلني من ذلك شك حتى خفت على ديني ونفسي ! قال فقلت : لو رأيت من كان حولي وبين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي من الملائكة لاحتقرته واحتقرت ما هو فيه !
فقال : الآن سكن قلبي ، ثم قال : إلى متى هؤلاء يملكون أو متى الراحة منهم ؟
فقلت : أليس تعلم أن لكل شئ مدة ؟ قال : بلى . فقلت : هل ينفعك علمك ؟ إن هذا الأمر إذا جاء كان أسرع من طرفة العين ؟ إنك لو تعلم حالهم عند الله عز وجل وكيف هي ، كنت لهم أشد بغضاً ، ولو جهدت أو جهد أهل الأرض أن يدخلوهم في أشد مما هم فيه من الاثم ، لم يقدروا ، فلا يستفزنك الشيطان ، فإن العِزَّةَ لله وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لايَعْلَمُونَ . ألا تعلم أن من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف ، هو غداً في زمرتنا ؟ فإذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله ، ورأيت الجور قد شمل البلاد ، ورأيت القرآن قد خلق وأحدث فيه ما ليس فيه ، وَوُجِّهَ على الأهواء ، ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفئ الماء ، ورأيت أهل الباطل قد استُعملوا على أهل الحق ، ورأيت الشر ظاهراً لايُنهى عنه ويُعذر أصحابه ، ورأيت الفسق قد ظهر واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، ورأيت المؤمن صامتاً لا يُقبل قوله ، ورأيت الفاسق يَكذب ولا يُرد عليه كذبه وفريته ، ورأيت الصغير يستحقر الكبير ، ورأيت الأرحام قد تقطعت . . الخ . »
دلائل الإمامة / 253 : « عن سلمان الفارسي قال : خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام بالمدينة ، وقد ذكر الفتنة وقربها ، ثم ذكر قيام القائم من ولده ، وأنه يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً . قال سلمان : فأتيته خالياً فقلت : يا أمير المؤمنين متى يظهر القائم من ولدك ؟ فتنفس الصعداء وقال : لا يظهر القائم حتى تكون أمور الصبيان ، وتضييع حقوق الرحمان ، ويتغنى بالقرآن بالتطريب والألحان . . » . إلى آخر صفات عصور الظلم وعصرالظهور ، وهي من العلامات العامة البعيدة .
--------------------------- 770 ---------------------------
الكسوف والخسوف قبل ظهور المهدي عليه السلام
كمال الدين : 2 / 655 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : تنكسف الشمس لخمس مضين من شهر رمضان ، قبل قيام القائم عليه السلام » .
النعماني / 272 : « عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : علامة خروج المهدي كسوف الشمس في شهر رمضان ، في ثلاث عشرة وأربع عشرة منه » .
دلائل الإمامة / 259 : « أم سعيد الأحمسية قالت : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك يا ابن رسول الله ، اجعل في يدي علامة من خروج القائم ، قال لي : يا أم سعيد إذا انكسف القمر ليلة البدر من رجب وخرج رجل من تحته فذاك عند خروج القائم » .
الكافي : 8 / 212 : « عن بدر بن الخليل الأزدي قال : كنت جالساً عند أبي جعفر عليه السلام فقال : آيتان تكونان قبل قيام القائم لم تكونا منذ هبط آدم إلى الأرض : تنكسف الشمس في النصف من شهر رمضان ، والقمر في آخره . فقال رجل : يا ابن رسول الله تنكسف الشمس في آخر الشهر والقمر في النصف ! فقال أبو جعفر عليه السلام : إني أعلم ما تقول ، ولكنهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم عليه السلام » .
النعماني / 271 : « عن ورد أخي الكميت ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام أنه قال : إن بين يدي هذا الأمر انكساف القمر لخمس تبقى ، والشمس لخمس عشرة ، وذلك في شهر رمضان . وعنده يسقط حساب المنجمين » .
سنن الدارقطني : 2 / 65 : « عن جابر ، عن محمد بن علي قال : إن لمهدينا آيتين لم تكونا منذ خلق السماوات والأرض ، ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان ، وتنكسف الشمس في النصف منه ، ولم تكونا منذ خلق الله السماوات والأرض » .
من العلامات جرأة دول الصغيرة على مخالفة الجبارين
النعماني / 269 : « عن أبي بصير قال : سئل أبو جعفر الباقر عليه السلام عن تفسير قول الله عز وجل : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ : فقال : يريهم في أنفسهم المسخ ، ويريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم ، فيرون قدرة الله في أنفسهم وفي الآفاق .
--------------------------- 771 ---------------------------
وقوله : حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ : يعني بذلك خروج القائم هو الحق من الله عز وجل يراه هذا الخلق لابد منه » .
الحرب والطاعون قبل ظهور المهدي عليه السلام
1 . كمال الدين : 2 / 655 : « عن سليمان بن خالد ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : قدام القائم موتان : موت أحمر وموت أبيض ، حتى يذهب من كل سبعة خمسة ، الموت الأحمر السيف ، والموت الأبيض الطاعون » .
2 . كمال الدين : 2 / 655 : « عن أبي بصير ، ومحمد بن مسلم قالا : سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول : لا يكون هذا الأمرحتى يذهب ثلث الناس ، فقيل له : إذا ذهب ثلث الناس فما يبقى ؟ فقال : أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي » .
3 . النعماني / 277 : « عن أمير المؤمنين عليه السلام : بين يدي القائم موت أحمر ، وموت أبيض وجراد في حينه ، وجراد في غير حينه ، أحمر كالدم . فأما الموت الأحمر فبالسيف وأما الموت الأبيض فالطاعون » .
4 . وفي قرب الإسناد / 170 : « عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام وقال : قدام هذا الأمر بيوح ، قلت وما البيوح ؟ قال : قتل دائم لا يفتر » !
وفي النعماني / 271 : « فلم أدرِ ما البيوح ، فحججت فسمعت أعرابياً يقول : هذا يوم بيوح ، فقلت له : ما البيوح ؟ فقال : الشديد الحر » .
5 . غيبة النعماني / 283 : « عن زرارة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : النداء حق ؟ قال : إي والله حتى يسمعه كل قوم بلسانهم . وقال أبو عبد الله عليه السلام : لا يكون هذا الأمر حتى يذهب تسعة أعشار الناس » .
6 . ابن حماد : 1 / 91 : « عن كيسان الرواشي القصار وكان ثقة ، قال حدثني مولاي قال : سمعت علياً رضي الله عنه يقول : لا يخرج المهدي حتى يقتل ثلث ، ويموت ثلث ، ويبقى ثلث » .
7 . الصراط المستقيم : 2 / 258 : « عن كتاب عبد الله بن بشار رضيع الحسين عليه السلام : إذا أراد الله أن يظهر آل محمد بدأ الحرب من صفر إلى صفر ، وذلك أوان خروج المهدي .
--------------------------- 772 ---------------------------
قال ابن عباس : يا أمير المؤمنين ما أقرب الحوادث الدالة على ظهوره ؟ فدمعت عيناه وقال : إذا فتق بثق في الفرات فبلغ أزقة الكوفة ، فليتهيأ شيعتنا للقاء القائم » .
8 . في مختصر بصائر الدرجات / 195 : « وقفت على كتاب خطب لمولانا أمير المؤمنين وعليه خط السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاوس ، ما صورته : هذا الكتاب ذكر كاتبه رجلين بعد الصادق صلوات الله عليه ، فيمكن أن يكون تاريخ كتابته بعد المائتين من الهجرة ، لأنه عليه السلام انتقل بعد سنة مائة وأربعين من الهجرة ، وقد روى بعض ما فيه عن أبي روح فرج بن فروة ، عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عليه السلام ، وبعض ما فيه عن غيرهما .
ذكر في الكتاب المشار إليه خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام تسمى المخزون ، وهي : الحمد الله الأحد المحمود ، الذي توحد بملكه وعلا بقدرته ، أحمده على ما عرف من سبيله ، وألهم من طاعته ، وعَلَّمَ من مكنون حكمته ، فإنه محمود بكل ما يولي ، مشكور بكل ما يبلي ، وأشهد أن قوله عدل وحكمه فصل . . ثم ساق خطبة طويلة ، وجاء فيها بعد ثلاث صفحات منها : إن أمرنا صعب مستصعب ، لا يحتمله ملك مقرب أو نبي مرسل ، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان ، لا يعي حديثنا إلا حصون حصينة ، أو صدور أمينة ، أو أحلام رزينة . يا عجباً كل العجب بين جمادى ورجب . فقال رجل من شرطة الخميس : ما هذا العجب يا أمير المؤمنين ؟ قال : وما لي لا أعجب وقد سبق القضاء فيكم ، وما تفقهون الحديث إلا صوتات بينهن موتات ، حصد نبات ، ونشر أموات . يا عجباً كل العجب بين جمادى ورجب ! قال أيضاً رجل : يا أمير المؤمنين ما هذا العجب الذي لا تزال تعجب منه ؟ قال : ثكلت الآخر أمه ، وأي عجب يكون أعجب من أموات يضربون هامات الأحياء ! قال : أنى يكون ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، كأني انظر إليهم ، قد تخللوا سكك الكوفة ، وقد شهروا سيوفهم على مناكبهم ، يضربون كل عدو لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وللمؤمنين ، وذلك قول الله عز وجل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ .
أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني ، لأنا بطرق السماء أعلم من العالم بطرق الأرض ،
--------------------------- 773 ---------------------------
أنا يعسوب المؤمنين ، وغاية السابقين ، ولسان المتقين ، وخاتم الوصيين ، ووارث النبيين ، وخليفة رب العالمين ، أنا قسيم النار ، وخازن الجنان ، وصاحب الحوض ، وصاحب الأعراف ، فليس منا أهل البيت إمام إلا وهو عارف بجميع أهل ولايته وذلك قول الله تبارك وتعالى : إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ .
ألا أيها الناس سلوني قبل أن تشرع برجلها فتنة شرقية ، وتطأ في خطامها بعد موت وحياة ، أو تشب نار بالحطب الجزل غربي الأرض ، ورافعة ذيلها تدعو يا ويلها بذحلة أو مثلها ، فإذا استدار الفلك قلتم مات أو هلك ، بأي واد سلك ، فيومئذ تأويل هذه الآية : ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا . ولذلك آيات وعلامات ، أولهن إحصار الكوفة بالرصد والخندق وتحريق الزوايا في سكك الكوفة ، وتعطيل المساجد أربعين ليلة ، وتخفق رايات ثلاث حول المسجد الأكبر ، يشبهن بالهدي ، القاتل والمقتول في النار ، وقتل كثير وموت ذريع ، وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة ، في سبعين والمذبوح ، بين الركن والمقام ، وقتل الأسبع المظفر صبراً في بيعة الأصنام ، مع كثير من شياطين الإنس . وخروج السفياني براية خضراء وصليب من ذهب ، أميرها رجل من كلب واثني عشر ألف عنان من خيل ، يحمل السفياني متوجهاً إلى مكة والمدينة ، أميرها أحد من بني أمية يقال له خزيمة ، أطمس العين الشمال ، على عينه طرفة ، تميل به الدنيا ، فلا ترد له راية حتى ينزل المدينة ، فيجمع رجالاً ونساءً من آل محمد صلى الله عليه وآله فيحبسهم في دار بالمدينة يقال لها دار أبي الحسن الأموي ، ويبعث خيلاً في طلب رجل من آل محمد قد اجتمع إليه رجال من المستضعفين بمكة ، أميرهم رجل من غطفان حتى إذا توسطوا الصفايح البيض بالبيداء يخسف بهم ، فلا ينجو منهم أحد إلا رجل واحد بحول الله وجهه في قفاه لينذرهم ، وليكون آية لمن خلقه ، فيومئذ تأويل هذه الآية : وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ . ويبعث السفياني مائة وثلاثين ألفاً إلى الكوفة فينزلون بالروحاء والفاروق ، وموضع مريم وعيسى عليه السلام بالقادسية ، ويسير منهم ثمانون ألفاً حتى ينزلوا الكوفة ، موضع قبر هود عليه السلام بالنخيلة فيهجموا عليه يوم زينة ، وأمير الناس جبار عنيد يقال له الكاهن الساحر فيخرج من مدينة يقال لها الزوراء في خمسة
--------------------------- 774 ---------------------------
آلاف من الكهنة ، ويقتل على جسرها سبعين ألفاً حتى يحتمي الناس الفرات ثلاثة أيام من الدماء ونتن الأجسام ، ويسبي من الكوفة أبكاراً لا يكشف عنها كف ولا قناع حتى يوضعن في المحامل ، يزلف بهن الثوية ، وهي الغريين . ثم يخرج عن الكوفة مائة ألف بين مشرك ومنافق حتى يضربوا دمشق ، لا يصدهم عنها صاد ، وهي إرم ذات العماد .
وتقبل رايات شرقي الأرض ، ليست بقطن ولا كتان ولا حرير ، مختمة في رؤس القنا بخاتم السيد الأكبر ، يسوقها رجل من آل محمد صلى الله عليه وآله يوم تطير بالمشرق يوجد ريحها بالمغرب كالمسك الأذفر ، يسير الرعب أمامها شهراً .
ويخلف أبناء سعد السقاء بالكوفة طالبين بدماء آبائهم ، وهم أبناء الفسقة حتى تهجم عليهم خيل الحسين يستبقان كأنهما فرسا رهان ، شعث غبر أصحاب بواكي وفوارح ، إذ يضرب أحدهم برجله باكية يقول لا خير في مجلس بعد يومنا هذا ، اللهم فإنا التائبون الخاشعون الراكعون الساجدون ، فهم الأبدال الذين وصفهم الله عز وجل : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهَرِينَ . والمطهرون نظراؤهم من آل محمد صلى الله عليه وآله . ويخرج رجل من أهل نجران راهب مستجيب للإمام فيكون أول النصارى إجابة ، ويهدم صومعته ويدق صليبها ، ويخرج بالموالي وضعفاء الناس والخيل ، فيسيرون إلى النخيلة بأعلام هدى فيكون مجتمع الناس جميعاً من الأرض كلها بالفاروق ، وهي محجة أمير المؤمنين عليه السلام وهي ما بين البرس والفرات فيقتل بومئذ فيما بين المشرق والمغرب ثلاثة آلاف من اليهود والنصارى يقتل بعضهم بعضاً فيومئذ تأويل هذه الآية : فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ بالسيف وتحت ظل السيف ، ويخلف من بني الأشهب الزاجر اللحظ ، في أناس من غير أبيه هراباً حتى يأتوا سبطرى عوذاً بالشجر ، فيومئذ تأويل هذه الآية : فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ . لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ . ومساكنهم الكنوز التي غلبوا عليها من أموال المسلمين ، ويأتيهم يومئذ الخسف والقذف والمسخ ، فيومئذ تأويل هذه الآية : وما هي من الظالمين ببعيد . وينادي مناد في شهر رمضان من ناحية المشرق عندما تطلع الشمس : يا أهل الهدى اجتمعوا ، وينادي من ناحية المغرب بعد ما يغيب الشمس : يا أهل الضلالة اجتمعوا ،
--------------------------- 775 ---------------------------
ومن الغد عند الظهر تكور الشمس فتكون سوداء مظلمة ، واليوم الثالث يفرق بين الحق والباطل بخروج دابة الأرض ، وتقبل الروم إلى قرية بساحل البحر عند كهف الفتية ويبعث الله الفتية من كهفهم منه رجل يقال له تمليخا والاخر كمسلمينا ، وهما الشهداء المسلمون للقائم ، فيبعث أحد الفتية إلى الروم فيرجع بغير حاجة ويبعث بالآخر فيرجع بالفتح ، فيومئذ تأويل هذه الآية : وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ، ثم يبعث الله من كل أمة فوجاً ليريهم ما كانوا يوعدون ، فيومئذ تأويل هذا الآية : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ . والوزع خفقان أفئدتهم .
ويسير الصديق الأكبر براية الهدى والسيف ذو الفقار والمخصرة ، حتى ينزل أرض الهجرة مرتين ، وهي الكوفة فيهدم مسجدها ويبنيه على بنائه الأول ، ويهدم ما دونه من دور الجبابرة ، ويسير إلى البصرة ، حتى يشرف على بحرها ومعه التابوت وعصا موسى فيعزم عليه فيزفر زفرة بالبصرة فنصير بحراً لجياً فيغرقها لا يبقى فيها غير مسجدها كجؤكجؤ السفينة على ظهر الماء . ثم يسير إلى حرور ، ثم يحرقها ويسير من باب بني أسد حتى يزفر زفرة في ثقيف وهم زرع فرعون . ثم يسير إلى مصر فيعلو منبرها ويخطب الناس ، فتستبشر الأرض بالعدل ، وتعطي السماء قطرها والشجر ثمرها ، والأرض نباتها ، وتتزين لأهلها ، وتأمن الوحوش حتى ترتعي في طرف الأرض كأنعامهم ، ويقذف في قلوب المؤمنين العلم فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من العلم ، فيومئذ تأويل هذه الآية : يُغْنِ اللَّهُ كُلاً مِنْ سَعَتِهِ . وتخرج لهم الأرض كنوزها ، ويقول القائم : كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ . فالمسلمون يومئذ أهل صواب للدين أذن لهم في الكلام فيومئذ تأويل هذه الآية : وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا . فلا يقبل الله يومئذ إلا دينه الحق الا لله الدين الخالص ، فيومئذ تأويل هذه الآية : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ . وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ . فيمكث فيما بين خروجه إلى يوم موته ثلاث مائة سنة ونيفاً ، وعدة أصحابه ثلاث مائة وثلاثة عشر ، منهم تسعة من بني إسرائيل وسبعون من الجن ومائتان وأربعة وثلاثون فيهم سبعون الذين غضبوا للنبي صلى الله عليه وآله إذ هجته مشركوا
--------------------------- 776 ---------------------------
قريش فطلبوا إلى نبي الله صلى الله عليه وآله أن يأذن لهم في إجابتهم فأذن لهم حيث نزلت هذه الآية : إِلا أَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا أَلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَأَنْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ أَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ . وعشرون من أهل اليمن ، منهم المقداد بن الأسود ومائتان وأربعة عشر الذين كانوا بساحل البحر مما يلي عدن ، فبعث إليهم نبي الله برسالة فأتوا مسلمين وتسعة من بني إسرائيل ومن أفناء الناس ألفان وثمان مائة وسبعة عشر ، ومن الملائكة أربعون ألفاً من ذلك من المسومين ثلاثة آلاف ومن المردفين خمسة آلاف ، فجميع أصحابه عليه السلام سبعة وأربعون ألفاً ومائة وثلاثون من ذلك تسعة رؤس مع كل رأس من الملائكة أربعة آلاف من الجن والإنس عدة يوم بدر فيهم يقاتل وإياهم ينصر الله وبهم ينتصر وبهم يقدم النصر ومنهم نضرة الأرض . كتبتها كما وجدتها وفيها نقص حروف » .
ملاحظات
1 . تتفق الروايات المتقدمة على أنه تقع حرب قبيل ظهور الإمام المهدي عليه السلام وتكون خسائرها البشرية كثيرة ، ويذكر بعضها أنه يبلغ ثلث العالم أو أكثر ، وبعضها يذكر موتين أحمر وأبيض ، ولا يذكر ثلث العالم أو ثلثيه ، وبعضها يذكر ذهاب ثلث الناس ، ولا يحدد أنهم من المشاركين في القتال ، أو من أهل منطقة ، أو من كل العالم .
وآخر رواية أوردناها تذكر أن الحرب تمتد من صفر إلى صفر ولا تذكر عدد القتلى .
ومما يضعف روايتها في رأيي أن مصادر السنة تؤكد عليها أكثر من مصادرنا !
كما أن الروايات لاتحدد وقتها إلا بأنها قدام الإمام عليه السلام وبين يديه ، وأقواها سنداً رواية محمد بن مسلم الثقفي رحمه الله التي تذكر أن ثلث الناس يفنون قبل ظهوره ، ولاتذكر متى وأين ، وتفسرها رواية سليمان بن خالد بحرب ، ثم رواية ابن أبي نصر التي تذكر القتل البيوح قبل ظهوره عليه السلام ، ولا تحدد خسائره .
وقد تكون هذه الحرب متزامنة مع ظهوره عليه السلام أو بعده بقليل ، فقد عبرت الأحاديث عما يقع بعد الظهور بالعلامة ، كما في جيش الخسف ، ولعل هذه مثلها .
كما تدل رواية كمال الدين « 2 / 655 » على أن هذه الحرب أو الطاعون بعيدة عن المسلمين ،
--------------------------- 777 ---------------------------
لأنها تقول : « فقيل له : إذا ذهب ثلث الناس فما يبقى ؟ فقال : أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي » . ولذلك فسرها بعضهم بحرب تكون بين الهند والصين . أو بين روسيا والصين والغرب .
ويؤيده ما ورد في الخطبة المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام : « فيقتل يومئذ ما بين المشرق والمغرب ثلاثة آلاف ألف من اليهود والنصارى ، يقتل بعضهم بعضاً ، فيومئذ تأويل هذه الآية : فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ . بالسيف »
2 . مضافاً إلى ضعف سند الخطبة المسماة بالمخزون ، فإن ركة بعض فقراتها وتهافتها ، تدل على أنها موضوعة لكن واضعها ضمنها عدداً من الأحاديث ، وتصوراته لما سيكون ، فغاية ما تصلح أن تكون مؤيدة ، وقد تفردت بأن الحرب الموعودة قبل ظهور الإمام عليه السلام تكون بين النصارى أنفسهم . كما تفردت بوصف الحرب بأنها فتنة شرقية تشب بالحطب الجزل غربي الأرض ، رافعة ذيلها تدعو يا ويلها . .
3 . والنتيجة أنه صحت الرواية بأنه ستقع حرب سنة ظهور المهدي عليه السلام ، وتكون بعيدة عن المؤمنين بل عن المسلمين . والله العالم .
- *
--------------------------- 778 ---------------------------
--------------------------- 779 ---------------------------
الفصل السابع والثلاثون : ( الرجعة إلى الدنيا ، رجعة نبينا وبعض الأنبياء والأئمة عليهم السلام إلى الدنيا )
--------------------------- 780 ---------------------------
أصالة عقيدة الرجعة عند الشيعة
تستعمل الرجعة في أحاديث أهل البيت عليهم السلام بمعنى رجعة أهل البيت بعد غيبة مهديهم عليهم السلام ، وبمعنى الرجعة من الآخرة إلى الدينا ، وهي لأهل البيت عليهم السلام وأقوام .
ففي من لا يحضره الفقيه : 3 / 458 ، قال الصادق عليه السلام : « ليس منا من لم يؤمن بكرَّتنا ويستحل متعتنا » .
وفي المسائل السروية للمفيد / 207 ، عن الصادق عليه السلام : « ليس منا من لم يقل بمتعتنا ، ويؤمن برجعتنا . وقال : فإنما أراد بذلك ما اختصه من القول به في أن الله تعالى يحيى قوماً من أمة محمد بعد موتهم قبل يوم القيامة ، وهذا مذهب مختص به آل محمد صلى الله عليه وآله » .
وقال في المحتضر / 12 : « وذلك مما أجمع عليه الإمامية ، نقل الإجماع من الشيعة على هذه المسألة الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه ، ونقل الإجماع أيضاً السيد المرتضى رضي الله عنه ، فقد نقلا إجماع الإمامية على رجعة جماعة من المؤمنين من قبورهم بعد موتهم ، مع الإمام عليه السلام إذا ظهر » .
من سخرية المخالفين بعقيدة الرجعة
كان الإعتقاد بالرجعة معروفاً عن أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ، ونقلوا قصص التشنيع على الشيعة بذلك ، ففي الفصول المختارة / 59 : « عن معاذ بن سعيد الحميري قال : شهد السيد إسماعيل بن محمد الحميري عند سوار القاضي بشهادة ، فقال له : ألستَ إسماعيل بن محمد الذي يعرف بالسيد ؟ فقال : نعم ، فقال له : كيف أقدمت على الشهادة عندي وأنا أعرف عداوتك للسلف ؟ فقال السيد : قد أعاذني الله من عداوة أولياء الله ، وإنما هو شئ لزمني ! ثم نهض فقال له : قم يا رافضي فوالله ما شهدت بحق ! فخرج السيد رحمه الله وهو يقول :
أبوك ابنُ سارقِ عنزِ النبيِّ وأنت ابنُ بنت أبي جُحْدُرِ
ونحن على رغمك الرافضون ونَ لأهل الضلالة والمنكر
ثم عمل شعراً وكتبه في رقعة وأمر من ألقاها في الرقاع بين يدي سوار ، فأخذ الرقعة سوار فلما وقف عليها خرج إلى أبي جعفر المنصور ، وكان قد نزل الجسر الأكبر ، ليستعدي على السيد ،
--------------------------- 781 ---------------------------
فسبقه السيد إلى المنصور فأنشأ قصيدته التي يقول فيها :
يا أمين الله يا منصور يا خير الولاةِ
إن سوار بن عبد الله من شر القضاة
جده سارق عنزٍ فجرةٌ من فجرات
نعثليٌّ جمليٌّ لكمُ غير موات
والذي كان ينادي من وراء الحجرات
ياهناتِ اخرج إلينا إننا أهل هناتِ
فاكفنيه لا كفاه الله شر الطارقاتِ
قال : فضحك المنصور وقال : نصبتك قاضياً فامدحه كما هجوته ، فأنشد السيد :
إني امرؤ من حمير أسرتي بحيث تحوي سروها حمير
آليتُ لا أمدح ذا نائل له سناءٌ وله مفخر
إلا من الغر بني هاشم - إن لهم عندي يداً تشكر
إن لهم عندي يداً شكرها - حق وإن أنكرها منكر
يا أحمد الخير الذي إنما - كان علينا رحمة تنشر
حمزة والطيار في جنة - فحيث ما شاء دعا جعفر
منهم وهادينا الذي نحن من بعد عمانا فيه نستبصر
لما دجا الدين ورق الهدى - وجارأهل الأرض واستكبروا
وكان أيضاً مما جرى له من سوار ما حدث به الحرث بن عبيد الله الربعي قال : كنت جالساً في مجلس المنصور وهو بالجسر الأكبر وسوار عنده ، والسيد ينشده :
إن الإله الذي لا شئَ يشبهه آتاكمُ الملك للدنيا وللدين
آتاكم الله ملكاً لا زوالَ له حتى يقاد إليكم صاحب الصين
وصاحب الهند مأخوذ برمته وصاحب الترك محبوس على هون
حتى أتى على القصيدة والمنصور مسرور ، فقال سوار : هذا والله يا أمير المؤمنين يعطيك بلسانه ما ليس في قلبه ، والله إن القوم الذين يدين بحبهم لغيرُكم ، وإنه لينطوي في عداوتكم .
--------------------------- 782 ---------------------------
فقال السيد : والله إنه لكاذب ، وإنني في مديحك لصادق ، ولكنه حمله الحسد إذ رآك على هذه الحال ، وإن انقطاعي ومودتي لكم أهل البيت لمعرق لي فيها عن أبويَّ ، وإن هذا وقومه لأعداؤكم في الجاهلية والإسلام ، وقد أنزل الله عز وجل على نبيه عليه وآله السلام في أهل بيت هذا : إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ . فقال المنصور : صدقت . فقال سوار : يا أمير المؤمنين إنه يقول بالرجعة ، ويتناول الشيخين بالسب والوقيعة فيهما !
فقال السيد : أما قوله بأني أقول بالرجعة فإن قولي في ذلك على ما قال الله تعالى : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ . وقد قال في موضع آخر : وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً . فعلمت أن هاهنا حشرين أحدهما عام والآخر خاص ، وقال سبحانه : قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيل . وقال الله تعالى : فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ . وقال الله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ . فهذا كتاب الله عز وجل . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يحشر المتكبرون في صور الذر يوم القيامة . وقال : لم يجر في بني إسرائيل شئ إلا ويكون في أمتي مثله حتى المسخ والخسف والقذف . وقال حذيفة : والله ما أبعد أن يمسخ الله كثيراً من هذه الأمة قردة وخنازير ! فالرجعة التي نذهب إليها هي ما نطق به القرآن وجاءت به السنة ، وإنني لأعتقد أن الله تعالى يرد هذا يعني سواراً إلى الدنيا كلباً أو قرداً أو خنزيراً أو ذرة ، فإنه والله متجبر متكبر كافر ! قال : فضحك المنصور ، وأنشأ السيد يقول :
جاثيتُ سواراً أبا شملةٍ عند الإمام الحاكم العادل
فقال قولاً خطأ كله عند الورى الحافيِ والناعل
ما ذب عما قلت من وصمة في أهله بل لج في الباطل
وبان للمنصور صدقي كما قد بان كذب الأنوك الجاهل
فقال المنصور : كفَّ عنه ! فقال السيد : يا أمير المؤمنين البادي أظلم يكف عني حتى أكف عنه فقال المنصور لسوار : تكلم بكلام فيه نَصَفة ، كفَّ عنه حتى لايهجوك » .
--------------------------- 783 ---------------------------
الرجعة خاصة ببعض الأبرار والفجار وليست عامة
في تصحيح الإعتقاد / 215 ، عن الإمام الصادق عليه السلام : « إنما يرجع إلى الدنيا عند قيام القائم من محض الإيمان محضاً ، أو محض الكفر محضاً ، فأما ما سوى هذين فلا رجوع لهم إلى يوم المآب » .
وفي مختصر البصائر / 25 : « عن أبي بصير : قال لي أبو جعفر عليه السلام : ينكر أهل العراق الرجعة ؟ قلت : نعم . قال : أمايقرؤن القرآن : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ؟ الآية » .
وفي تفسير القمي : 1 / 24 و : 2 / 36 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما يقول الناس في هذه الآية : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ؟ قلت : إنها في القيامة ، قال : ليس كما يقولون إن ذلك في الرجعة ، أيحشر الله في القيامة من كل أمة فوجاً ويدع الباقين ! إنما آية القيامة قوله : وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً » .
وفي تفسير القمي : 2 / 131 : « عن المفضل ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ، قال : ليس أحد من المؤمنين قتل إلا يرجع حتى يموت ، ولا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً ومن محض الكفر محضاً » .
وفي مختصر البصائر / 194 : « عن محمد بن سلام ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله : قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ؟ قال : هو خاص لأقوام في الرجعة بعد الموت ويجري في القيامة ، فبعداً للقوم الظالمين » . ورواه في البحار : 53 / 116 و 59 ، وقال : « أحد الإحيائين في الرجعة والآخر في القيامة ، وإحدى الإماتتين في الدنيا ، والأخرى في الرجعة » .
عقيدة الرجعة في زيارة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام
وردت عقيدة الرجعة في أهم الزيارات وهي الزيارة الجامعة ، فقد جاء فيها : « مؤمن بإيابكم ، مصدق برجعتكم منتظر لأمركم ، مرتقب لدولتكم ، آخذ بقولكم عامل بأمركم ، مستجير بكم ، مؤمن بسركم وعلانيتكم ، وشاهدكم وغائبكم ، وأولكم وآخركم ، ونصرتي لكم مُعَدَّةٌ ، حتى يحيي الله تعالى دينه بكم ، ويردكم في أيامه ، ويظهركم لعدله ويمكنكم في أرضه ، وجعلني ممن يقتص آثاركم ويسلك سبيلكم ، ويهتدي بهداكم ،
--------------------------- 784 ---------------------------
ويحشر في زمرتكم ، ويكر في رجعتكم ، ويُمَلَّك في دولتكم ، ويُشَرَّفَ في عافيتكم » . « الفقيه : 2 / 609 ، والتهذيب : 6 / 95 » .
وفي مصباح المتهجد / 253 : « روي عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال : من أراد أن يزور قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وقبر أمير المؤمنين . . . فليقم مستقبل القبلة وليقل : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام عليك أيها النبي المرسل ، والوصي المرتضى ، والسيدة الكبرى ، والسيدة الزهراء ، والسبطان المنتجبان ، والأولاد والأعلام ، والأمناء المنتجبون المستخزنون ، جئت انقطاعاً إليكم وإلى آبائكم ، وولدكم الخلف على بركة الحق ، فقلبي لكم مُسَلِّم ، ونصرتي لكم معدة حتى يحكم الله بدينه ، فمعكم معكم لامع عدوكم ، إني لمن القائلين بفضلكم ، مُقِرٌّ برجعتكم ، لا أنكر الله قدرة ، ولاأزعم إلا ما شاء الله » .
الإعتقاد بالمهدي عليه السلام والرجعة من الإيمان بالغيب
تفسير القمي : 2 / 391 : « علي بن إبراهيم : وقوله : عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا . قال : يخبر الله رسوله صلى الله عليه وآله الذي يرتضيه بما كان قبله من الأخبار ، وما يكون بعده من أخبار القائم ، والرجعة ، والقيامة » .
تفسير القمي : 1 / 383 : « عن أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في قوله تعالى : فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ . يعني أنهم لا يؤمنون بالرجعة أنها حق » .
بعض المسلمين سيحلفون أن الرجعة لا تكون
تفسير العياشي : 2 / 259 : « عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله : وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ ؟ قال : ما يقولون فيها ؟ قلت : يزعمون أن المشركين كانوا يحلفون لرسول الله صلى الله عليه وآله أن الله لا يبعث الموتى ، قال : تباً لمن قال هذا ! ويلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات والعزى ؟ قلت : جعلت فداك فأوجدنيه أعرفه ، قال : لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوماً من شيعتنا قَبَايعُ سيوفهم على عواتقهم ، فيبلغ ذلك قوماً من شيعتنا لم يموتوا فيقولون : بعث فلان وفلان من قبورهم مع القائم ، فيبلغ
--------------------------- 785 ---------------------------
ذلك قوماً من أعدائنا فيقولون : يا معشر الشيعة ما أكذبكم هذه دولتكم وأنتم تكذبون فيها ، لا والله ما عاشوا ولا تعيشون إلى يوم القيامة . فحكى الله قولهم فقال : وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ » . تفسير العياشي : 2 / 259 : « عن سيرين قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ قال : ما يقول الناس في هذه الآية : وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ ؟ قال يقولون لا قيامة ولا بعث ولا نشور ، فقال : كذبوا والله ، إنما ذلك إذا قام القائم وكرَّ معه المكرون ، فقال أهل خلافكم : قد ظهرت دولتكم يا معشر الشيعة وهذا من كذبكم تقولون رجع فلان وفلان وفلان ، لا والله لا يبعث الله من يموت ؟ ألا ترى أنهم قالوا : وأقسموا بالله جهد أيمانهم ، كانت المشركون أشد تعظيماً باللات والعزى من أن يقسموا بغيرها ، فقال الله : بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً . . لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ . إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَئ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » .
النبي صلى الله عليه وآله يرجع إلى الدنيا حسب الوعد الإلهي
تفسير القمي : 1 / 25 ، و : 2 / 147 : « عن عمرو بن شمر قال : ذكر عند أبي جعفر عليه السلام جابر فقال : رحم الله جابراً ، لقد بلغ من علمه أنه كان يعرف تأويل هذه الآية : إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ، يعني الرجعة » .
تأويل الآيات : 1 / 424 ، ومختصر البصائر / 210 : « عن أبي مروان ، وعن عبد الله بن حماد الأنصاري قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل : إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ؟ قال فقال لي : لا والله لا تنقضي الدنيا ولا تذهب حتى يجتمع رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام بالثوية ، فيلتقيان ويبنيان بالثوية مسجداً له إثنا عشر ألف باب . يعني موضعاً بالكوفة » .
مختصر البصائر / 24 : « عن بكير بن أعين قال : قال لي من لا أشك فيه ، يعني أبا جعفر عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وعلياً عليه السلام سيرجعان » .
وفي تفسير القمي : 2 / 147 : « عن أبي خالد الكابلي ، عن علي بن الحسين عليه السلام في قوله : إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ، قال : يرجع إليكم نبيكم صلى الله عليه وآله وأميرالمؤمنين والأئمة عليهم السلام »
--------------------------- 786 ---------------------------
وفي تفسير القمي : 2 / 391 : « قوله : حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ : قال : القائم وأميرالمؤمنين عليهم السلام في الرجعة . فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً : قال هو قول أمير المؤمنين عليه السلام : والله يا ابن صهاك : لولا عهد من رسول الله ، وكتاب من الله سبق لعلمت أينا أضعف ناصراً وأقل عدداً . قال : فلما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله ما يكون من الرجعة ، قالوا : متى يكون هذا ؟ قال الله : قل يا محمد : إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً » .
وفي الكافي : 8 / 247 : « عن الحسن بن شاذان الواسطي قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أشكو جفاء أهل واسط وحملهم عليَّ ، وكانت عصابة من العثمانية تؤذيني ، فوقع بخطه : إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق أوليائنا على الصبر في دولة الباطل ، فاصبر لحكم ربك ، فلو قد قام سيد الخلق لقالوا : يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ » .
وفي مختصر البصائر / 26 : « عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل : يا أيها المدثر قم فأنذر : يعني بذلك محمداً صلى الله عليه وآله وقيامه في الرجعة ينذر فيها . وفي قوله : إِنَّهَا لاحْدَى الْكُبَرِ ، يعني محمداً صلى الله عليه وآله . نذِيرًا لِلْبَشَرِ : في الرجعة . وفي قوله : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ : في الرجعة » .
مختصر البصائر / 26 : « عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يقول : إن المدثر هو كائن عند الرجعة ، فقال له رجل : يا أمير المؤمنين أحياةٌ قبل القيامة ، ثم موت ؟ فقال له عند ذلك : نعم والله لكفرة من الكفر بعد الرجعة ، أشد من كفرات قبلها » .
الرجعة على مراحل وأول من يرجع الإمام الحسين عليه السلام
مختصر البصائر / 18 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إن أول من يكر في الرجعة الحسين بن علي عليه السلام ويمكث في الأرض أربعين سنة حتى يسقط حاجباه على عينيه » .
ومختصر البصائر / 28 ، وفيه : « فقال : أبو عبد الله عليه السلام : في قول الله عز وجل : إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ، قال : نبيكم صلى الله عليه وآله راجع إليكم » .
مختصر البصائر / 24 : « عن حمران بن أعين وأبي الخطاب أنهما سمعا أبا عبد الله عليه السلام يقول : أول من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا : الحسين بن علي عليه السلام وإن الرجعة ليست بعامة وهي خاصة لا يرجع إلامن محض الإيمان محضاً أو محض الشرك محضاً » .
--------------------------- 787 ---------------------------
مختصر البصائر / 22 و 27 : « قال أبو جعفر عليه السلام لنا : ولسوف يرجع جاركم الحسين بن علي عليه السلام ألفاً فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من الكبر » .
وفي مختصر البصائر / 48 ، عن الإمام الصادق عليه السلام : « ويقبل الحسين في أصحابه الذين قتلوا معه ، ومعه سبعون نبياً كما بعثوا مع موسى بن عمران ، فيدفع إليه القائم الخاتم ، فيكون الحسين عليه السلام هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ، ويواريه في حفرته » .
وفي مختصر البصائر / 48 : « عن أبي عبد الله عليه السلام ، سئل عن الرجعة أحق هي ؟ قال : نعم فقيل له : من أول من يخرج ؟ قال الحسين عليه السلام يخرج على أثر القائم عليه السلام . قلت : ومعه الناس كلهم ؟ قال : لا ، بل كما ذكر الله تعالى في كتابه : يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً : قوم بعد قوم » .
وفي تفسير فرات / 203 : « حدثنا أبو القاسم العلوي معنعناً عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله : يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَة . الراجفة : الحسين بن علي عليه السلام والرادفة : علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو أول من ينفض رأسه من التراب مع الحسين بن علي في خمسة وتسعين ألفاً ، وهو قول الله : إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ . يَوْمَ لايَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ » .
وفي مختصر البصائر / 27 : « عن يونس بن ظبيان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي عليه السلام ، فأما يوم القيامة فإنما هو بعث إلى الجنة وبعث إلى النار » .
وفي الخرائج : 2 / 848 : « عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال الحسين عليه السلام لأصحابه قبل أن يقتل : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يا بني إنك ستساق إلى العراق ، وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين ، وهي أرض تدعى عمورا . وإنك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك ، لا يجدون ألم مس الحديد ، وتلا : يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ، تكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً . فأبشروا ، فوالله لئن قتلونا فإنا نرد على نبينا صلى الله عليه وآله ، ثم أمكث ما شاء الله فأكون أول من تنشق عنه الأرض فأخرج خرجة توافق خرجة أمير المؤمنين وقيام قائمنا عليه السلام وحياة رسول الله صلى الله عليه وآله . ثم لينزلن عليَّ وفد من السماء من عند الله لم ينزلوا إلى الأرض قط ، ولينزلن إلي جبرئيل وميكائيل وإسرافيل
--------------------------- 788 ---------------------------
وجنود من الملائكة ، ولينزلن محمد وعلي وأنا وأخي وجميع من منَّ الله عليه في حمولات من حمولات الرب ، خيل بلق من نور لم يركبها مخلوق ، ثم ليهزن محمدٌ صلى الله عليه وآله لواءه ، وليدفعنه إلى قائمنا مع سيفه ، ثم إنا نمكث من بعد ذلك ما شاء الله . ثم إن الله يخرج من مسجد الكوفة عيناً من دهن وعيناً من لبن وعيناً من ماء . ثم إن أمير المؤمنين عليه السلام يدفع إليَّ سيف رسول الله صلى الله عليه وآله فيبعثني إلى الشرق والغرب ولا آتي على عدو إلا أهرقت دمه ، ولا أدع صنماً إلا أحرقته ، حتى أقع إلى الهند فأفتحها ، وإن دانيال ويونس يخرجان إلى أمير المؤمنين عليه السلام يقولان صدق الله ورسوله ، ويبعث الله معهما إلى البصرة سبعين رجلاً فيقتلون مقاتلتهم ، ويبعث بعثاً إلى الروم فيفتح الله لهم ، ثم لأقتلن كل دابة حرم الله لحمها حتى لا يكون على وجه الأرض إلا الطيب ، وأعرض على اليهود والنصارى وساير الملل ، ولأخيرنهم بين الإسلام والسيف ، فمن أسلم مننت عليه ومن كره الإسلام أهرق الله دمه ، ولا يبقى رجل من شيعتنا إلا أنزل الله إليه ملكاً يمسح عن وجهه التراب ويعرفه أزواجه ومنزلته في الجنة ، ولا يبقى على وجه الأرض أعمى ولا مقعد ولا مبتلى إلا كشف الله عنه بلاءه بنا أهل البيت .
ولتنزلن البركة من السماء إلى الأرض حتى أن الشجرة لتقصف بما يريد الله فيها من الثمرة ، وليأكلن ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء . وذلك قوله تعالى : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا . ثم إن الله ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شئ في الأرض وما كان فيها ، حتى أن الرجل منهم يريد أن يعلم علم أهل بيته فيخبرهم بعلم ما يعملون » .
تفسير العياشي : 2 / 282 : « قال أبو عبد الله عليه السلام : إن أول من يكر إلى الدنيا الحسين بن علي عليه السلام وأصحابه ويزيد بن معاوية وأصحابه فيقتلهم حذو القذة بالقذة ! ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً » .
مختصر البصائر / 29 : « عن جابر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن لعلي عليه السلام في الأرض كرة مع الحسين ابنه صلوات الله عليهما ، يقبل برايته حتى ينتقم له من أمية ، ومعاوية وآل معاوية ، ومن شهد حربه ، ثم يبعث الله إليهم بأنصاره يومئذ ، من أهل الكوفة ثلاثين ألفاً ومن ساير الناس سبعين ألفاً ، فيلقاهما بصفين مثل المرة الأولى حتى يقتلهم ،
--------------------------- 789 ---------------------------
ولا يبقى منهم مخبر . ثم يبعثهم الله عز وجل فيدخلهم أشد عذابه مع فرعون وآل فرعون . ثم كرة أخرى مع رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يكون خليفة في الأرض ، وتكون الأئمة عليهم السلام عماله ، وحتى يعبد الله علانية ، فتكون عبادته علانية في الأرض كما عبد الله سراً في الأرض .
ثم قال : إي والله وأضعاف ذلك ، ثم عقد بيده أضعافاً . يعطي الله نبيه صلى الله عليه وآله ملك جميع أهل الدنيا منذ يوم خلق الله الدنيا إلى يوم يفنيها ، حتى ينجز له موعده في كتابه كما قال : ويظهره على الدين كله ولو كره المشركون » .
رجعة بعض الأنبياء والأئمة عليه السلام
تفسير العياشي : 1 / 181 : « عن فيض بن أبي شيبة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام وتلا هذه الآية : وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ، قال : لتؤمنن برسول الله صلى الله عليه وآله ولتنصرن أمير المؤمنين عليه السلام . قلت : ولتنصرن أمير المؤمنين ؟ قال : نعم من آدم فهلم جراً ، ولا يبعث الله نبياً ولا رسولاً ، إلا رُدّ إلى الدنيا حتى يقاتل بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام » .
تفسير القمي : 1 / 106 : « عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما بعث الله نبياً من لدن آدم فهلم جراً إلا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو قوله : لتؤمنن به ، يعني : رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولتنصرنه يعني أمير المؤمنين عليه السلام » .
تفسير القمي : 2 / 132 : « قال : الآيات أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام ، إذا رجعوا يعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم ، والدليل على أن الآيات هم الأئمة قول أمير المؤمنين : عليه السلام والله ما لله آية أكبر مني . فإذا رجعوا إلى الدنيا يعرفهم أعداؤهم في الدنيا » .
مختصر البصائر / 28 : « عن سليمان الديلمي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل : إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً ؟ فقال : الأنبياء رسول الله صلى الله عليه وآله وإبراهيم وإسماعيل وذريته عليهم السلام . والملوك : الأئمة عليهم السلام . قال فقلت : وأي ملك أعطيتم ؟ فقال : ملك الجنة ، وملك الكرة » .
--------------------------- 790 ---------------------------
دلائل الإمامة / 296 : « عن علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي قال : خرجت في بعض السنين حاجاً ، إذ دخلت المدينة وأقمت بها أياماً ، أسأل وأستبحث عن صاحب الزمان . . في حديث طويل تقدم بعضه عن تشرفه بلقائه عليه السلام . قال ابن مهزيار : « قلت : يا سيدي ما يكون بعد ذلك ؟ قال : الكرة الكرة ، الرجعة الرجعة ، ثم تلا هذه الآية : ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً » .
إسماعيل النبي يرجع مع الحسين عليه السلام
كامل الزيارات / 65 : « عن بريد بن معاوية العجلي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يا ابن رسول الله أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول : وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً ، أكان إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام ، فإن الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم ؟ فقال عليه السلام : إن إسماعيل مات قبل إبراهيم ، وإن إبراهيم كان حجة لله قائماً صاحب شريعة ، فإلى من أرسل إسماعيل إذن ؟ فقلت : جعلت فداك : فمن كان ؟ قال عليه السلام : ذاك إسماعيل بن حزقيل النبي عليه السلام بعثه الله إلى قومه فكذبوه فقتلوه وسلخوا وجهه فغضب الله له عليهم ، فوجه إليه إسطاطائيل ملك العذاب ، فقال له : يا إسماعيل أنا إسطاطائيل ملك العذاب ، وجهني إليك رب العزة لأعذب قومك بأنواع العذاب إن شئت ، فقال له إسماعيل : لا حاجة لي في ذلك ، فأوحى الله إليه فما حاجتك يا إسماعيل ؟ فقال : يا رب إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية ولمحمد بالنبوة ولأوصيائه بالولاية ، وأخبرت خير خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن علي عليه السلام من بعد نبيها ، وإنك وعدت الحسين عليه السلام أن تُكرَّه إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به ، فحاجتي إليك يا رب أن تكرني إلى الدنيا حتى أنتقم ممن فعل ذلك بي كما تكر الحسين عليه السلام . فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ذلك ، فهو يكر مع الحسين عليه السلام » .
الرجعة من التأويل الذي لا يحيط الناس بعلمه
تفسير العياشي : 2 / 122 : « عن حمران قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الأمور العظام من
--------------------------- 791 ---------------------------
الرجعة وغيرها فقال : إن هذا الذي تسألوني عنه لم يأت أوانه ، قال الله : بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ » .
معاينة الناس الحق في الرجعة
التنزيل والتحريف للسياري / 70 : « عن أبي عبد الله بن نجيح اليماني قال : قلت : لأبي عبد الله عليه السلام : لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ؟ قال : النعيم الذي أنعم الله عليكم محمد وآل محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين . في قوله عز وجل ، عين اليقين : قال المعاينة . وقوله تعالى : كلا سوف تعلمون ، ثم كلا سوف تعلمون ، قال : مرة في الكوفة الكرة ، ومرة في القيامة » .
الأرض تحيا بالرجعة
في تفسير القمي : 2 / 171 : « في قوله : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرض الْجُرُزِ ، قال : الأرض الخراب ، وهو مثل ضربه الله في الرجعة والقائم عليه السلام ، فلما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بخبر الرجعة قالوا : متى هذا الفتح إن كنتم صادقين » .
بعض آيات الآخرة هي في الرجعة
تفسير العياشي : 2 / 306 : « عن أبي بصير ، عن أحدهما عليه السلام في قول الله : وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً . فقال : الرجعة » .
الرجعة هي الصيحة في الآية
تفسير القمي : 2 / 327 : « عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله : يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوج . قال : هي الرجعة » .
رجعة بعض النواصب والإقتصاص منهم
دلائل الإمامة / 247 : « عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله : إذا قام قائمنا رد الله كل مؤذ
--------------------------- 792 ---------------------------
للمؤمنين في زمانه ، في الصورة التي كانوا عليها وفيها بين أظهرهم ، لينتصف منهم المؤمنون » .
تفسير القمي : 2 / 65 ، و 170 : « عن معاوية بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام عن قول الله : وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ، قال : هي والله النصاب ، قال : جعلت فداك قد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية حتى ماتوا ، قال : ذلك والله في الرجعة . . . وأما قوله : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ؟ قال : العذاب الأدنى عذاب الرجعة بالسيف ومعنى قوله : لعلهم يرجعون يعني فإنهم يرجعون في الرجعة حتى يعذبوا » .
مختصر البصائر / 17 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : وقوله : حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد ، هو علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، إذا رجع في الرجعة » .
مختصر البصائر / 28 : « عن محمد بن عبد الله بن الحسين قال : دخلت مع أبي على أبي عبد الله عليه السلام فجرى بينهما حديث ، فقال أبي لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول في الكرَّة ؟ قال : أقول فيها ما قال الله عز وجل ، وذلك أن تفسيرها صار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قبل أن يأتي هذا الحرف بخمس وعشرين ليلة ، قول الله عز وجل : قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ، إذا رجعوا إلى الدنيا ولم يقضوا ذحولهم . فقال له أبي : يقول الله عز وجل : فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ، أي شئ أراد بهذا ؟ فقال : إذا انتقم منهم وماتت الأبدان ، بقيت الأرواح ساهرة لا تنام ولا تموت » .
مختصر البصائر / 21 : « عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبى عبد الله عليه السلام فقلت : إنا نتحدث أن عمرو بن ذر لا يموت حتى يقاتل قائم آل محمد عليه السلام !
فقال : إن مثل ابن ذر مثل رجل في بني إسرائيل يقال له عبد ربه ، وكان يدعو أصحابه إلى ضلالة فمات ، فكانوا يلوذون بقبره ويتحدثون عنده ، إذ خرج عليهم من قبره ينفض التراب من رأسه ويقول لهم كيت وكيت » !
أقول : عمرو بن ذر الهمداني قصاص معروف بطول لحيته ، تقرب إلى بني العباس وكان قصاصاً في جيشهم يحرضهم على الثورة « تاريخ الإسلام للذهبي : 8 / 405 » وجعلوه قاضياً ، وقد وثقه ابن حجر في رواة الآثار / 144 ، قال : « عمرو بن ذر الهمداني . . . والصواب عمر بضم العين وهو ثقة مشهور » . انتهى .
--------------------------- 793 ---------------------------
لكنه عندنا مذموم ، ففي رجال الطوسي : 2 / 483 ، أنه استعد مع ابن قيس الماصر والصلت بن بهرام ليتحدوا الإمام الباقر عليه السلام وزعموا أنهم حرروا له أربعة آلاف مسألة ليسألوه عنها ويحرجوه ، فلما دخلوا لم يسألوه عن شئ كأنهم أصابهم الخرس ! فقال الإمام الباقر عليه السلام لعمرو بن ذر : يا ابن ذر ألا تحدثنا ببعض ما سقط إليكم من حديثنا ؟ قال : بلى يا ابن رسول الله . قال : إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله وأهل بيتي إن تمسكتم بهما لن تضلوا . فقال أبو جعفر عليه السلام : يا ابن ذرفإذا لقيت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ماخلفتني في الثقلين ، فماذا تقول له ؟ قال : فبكي ابن ذر حتى رأيت دموعه تسيل على لحيته ، ثم قال : أما الأكبر فمزقناه ، وأما الأصغر فقتلناه ! فقال أبو جعفر عليه السلام : إذن تصدقه يا ابن ذر ! لا والله لا تزول قدم يوم القيامة حتى يسأله عن ثلاث : عن عمره فيما أفناه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن حبنا أهل البيت . قال : فقاموا وخرجوا ، فقال أبو جعفر لمولى له : اتبعهم فانظر ما يقولون ، قال : فتبعهم ثم رجع ، فقال : جعلت فداك سمعتهم يقولون لابن ذر : على هذا خرجنا معك ؟ ! فقال : ويلكم ما أقول ! إن رجلاً يزعم أن الله يسألني عن ولايته ، وكيف أسأل رجلاً يعلم حد الخوان وحد الكوز » . انتهى .
ويفهم منه أن عمرو بن ذر القصاص كان ناصبياً كبيراً ، وأن الرجعة تشمله !
تشبيه الرجعة بإحياء قوم موسى عليه السلام في الميقات
في المحكم والمتشابه / 112 ، عن تفسير النعماني : « عن إسماعيل بن جابر قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يقول : في حديث طويل لأمير المؤمنين عليه السلام عن القرآن ، فيه أسئلة عن آيات القرآن وأحكامه ، قال فيه : وأما الرد على من أنكر الرجعة فقول الله عز وجل : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ أي إلى الدنيا . وأما معنى حشر الآخرة فقوله عز وجل : وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً . وقوله سبحانه : وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ : في الرجعة ، فأما في القيامة فهم يرجعون . ومثل قوله تعالى : وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ : وهذا لا يكون إلا في الرجعة . ومثله ما خاطب الله
--------------------------- 794 ---------------------------
به الأئمة ووعدهم من النصر والانتقام من أعدائهم فقال سبحانه : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ، وهذا إنما يكون إذا رجعوا إلى الدنيا .
ومثل قوله تعالى : وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين ، وقوله سبحانه : إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ : أي رجعة الدنيا .
ومثله قوله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ . وقوله عز وجل : وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا ، فردهم الله تعالى بعد الموت إلى الدنيا » .
وفي تفسير القمي : 2 / 75 : « عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليه السلام قالا : كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة . فهذه الآية من أعظم الدلالة في الرجعة « وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ » لأن أحداً من أهل الإسلام لا ينكر أن الناس كلهم يرجعون إلى القيامة ، من هلك ومن لم يهلك . وقوله : ولا يرجعون أيضاً عنى في الرجعة ، فأما إلى القيامة فيرجعون حتى يدخلوا النار » .
رواية أن إبليس يظهر ويرجمه المؤمنون
معاني الأخبار / 139 : « عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : سمعت أبا الحسن علي بن محمد العسكري عليهم السلام يقول : معنى الرجيم أنه مرجوم باللعن ، مطرود من مواضع الخير ، لا يذكره مؤمن إلا لعنه ، وإن في علم الله السابق أنه إذا خرج القائم لا يبقى مؤمن في زمانه إلا رجمه بالحجارة ، كما كان قبل ذلك مرجوماً باللعن » .
وفي سعد السعود / 32 : « فصل فيما نذكره من صحائف إدريس عليه السلام : وجدت هذه الصحف بنسخة عتيقة يوشك أن يكون تاريخها من مائتين من السنين ، بخزانة كتب مشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وقد ذهب أولها وآخرها ، فكان الموجود منها نحو سبعة كراسات ، وقوائمه بقالب ربع الورقة الكبيرة ، إلى أن قال
--------------------------- 795 ---------------------------
في وصف المسلمين : أولئك أوليائي اخترت لهم نبياً مصطفى وأميناً مرتضى فجعلته لهم نبياً ورسولاً ، وجعلتهم له أولياء وأنصاراً ، تلك أئمة اخترتها للنبي المصطفى وأميني المرتضي ، ذلك وقت حجبته في علم غيبي ، ولابد أنه واقع ليبيدك يومئذ وخيلك ورجلك وجنودك أجمعين ، فاذهب : فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ » .
رواية أن النبي صلى الله عليه وآله يقتل إبليس وحزبه في الرجعة
مختصر البصائر / 26 : « عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن إبليس قال : قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ، فأبى الله ذلك عليه فقال : فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ، فإذا كان يوم الوقت المعلوم ظهر إبليس لعنه الله في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم إلى يوم الوقت المعلوم ، وهي آخر كرة يكرها أمير المؤمنين عليه السلام . فقلت : وإنها لكرات ؟ قال : نعم إنها لكرات وكرات ، ما من إمام في قرن إلا ويكر معه البر والفاجر في دهره حتى يديل الله المؤمن من الكافر ، فإذا كان يوم الوقت المعلوم كر أمير المؤمنين عليه السلام في أصحابه وجاء إبليس في أصحابه ، ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال لها : الروحاء قريب من كوفتكم ، فيقتتلون قتالاً لم يقتتل مثله منذ خلق الله عز وجل العالمين ، فكأني أنظر إلى أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام قد رجعوا إلى خلفهم القهقرى مائة قدم ، وكأني أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات ، فعند ذلك يهبط الجبار عز وجل في ظلل من فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأمر ، ورسول الله صلى الله عليه وآله بيده حربة من نور ، فإذا نظر إليه إبليس رجع القهقرى ناكصاً على عقبيه ، فيقول له أصحابه : أين تريد وقد ظفرت ؟ فيقول : إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ ، فيلحقه النبي صلى الله عليه وآله فيطعنه طعنة بين كتفيه فيكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه ، فعند ذلك يعبد الله عز وجل ولا يشرك به شيئاً ، ويملك أمير المؤمنين عليه السلام أربعاً وأربعين ألف سنة ، حتى يلد الرجل من شيعة علي ألف ولد من صلبه ذكراً ، في كل سنة ذكراً ، وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما حوله ، بما شاء الله » .
تفسير القمي : 2 / 245 : « عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى : قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ
--------------------------- 796 ---------------------------
الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ، قال : يوم الوقت المعلوم : يوم يذبحه رسول الله صلى الله عليه وآله على الصخرة التي في بيت المقدس » .
رواية أن المهدي عليه السلام يقتل إبليس
تفسير العياشي : 2 / 242 : « عن وهب بن جميع مولى إسحق بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عن قول إبليس : قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ . إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ . قال له وهب : جعلت فداك أي يوم هو ؟ قال : يا وهب أتحسب أنه يوم يبعث الله فيه الناس ؟ إن الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا ، فإذا بعث الله قائمنا كان في مسجد الكوفة ، وجاء إبليس حتى يجثو بين يديه على ركبتيه فيقول : يا ويله من هذا اليوم فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه فذلك اليوم هو الوقت المعلوم » .
وفي ينابيع المودة / 424 : « هو يوم يقتله رسول الله صلى الله عليه وآله بعد قيام قائمنا المهدي عليه السلام » .
وتقدم في فصل العراق من تفسير القمي : 2 / 339 : « المؤتفكة البصرة ، والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام : يا أهل البصرة ويا أهل المؤتفكة . . . وقد ائتفكت بأهلها مرتين وعلى الله تمام الثالثة وتمام الثالثة في الرجعة » .
- *
--------------------------- 797 ---------------------------
الفصل الثامن والثلاثون : ( آيات المهدي ، بعض الآيات المفسرة بالإمام المهدي عليه السلام )
--------------------------- 798 ---------------------------
آيات الوعد الإلهي بالاستخلاف في الأرض
تضمنت فصول المعجم العديد من الآيات المفسرة بالإمام المهدي عليه السلام ، في أحاديث النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام ، وكلمات علماء التفسير . وهذا الفصل لما بقي منها ، وهو يدل على عمق عقيدة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في نسيج القرآن والإسلام .
ففي الكافي : 1 / 193 : « عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله جل جلاله : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ؟ قال : هم الأئمة عليهم السلام » .
وفي تأويل الآيات : 1 / 368 : « نزلت في علي بن أبي طالب والأئمة من ولده عليهم السلام ، وعنى به ظهور القائم عليه السلام » .
النعماني / 240 : « عن أبي عبد الله عليه السلام في معنى قوله عز وجل : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ . وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ؟ قال : نزلت في القائم وأصحابه » .
النعماني / 276 : « عن يونس بن ظبيان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا كان ليلة الجمعة أهبط الرب تعالى ملكاً إلى السماء الدنيا ، فإذا طلع الفجر جلس ذلك الملك على العرش فوق البيت المعمور ، ونصب لمحمد وعلي والحسن والحسين عليهم السلام منابر من نور فيصعدون عليها ، وتجمع لهم الملائكة والنبيون والمؤمنون وتفتح أبواب السماء ، فإذا زالت الشمس قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا رب ميعادك الذي وعدت به في كتابك . وهو هذه الآية : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ، ثم يقول الملائكة والنبيون مثل ذلك ، ثم يخرُّ محمد وعلي والحسن والحسين سجداً ، ثم يقولون : يا رب إغضب فإنه قد هتك حريمك وقتل أصفياؤك وأذل عبادك الصالحون ! فيفعل الله ما يشاء . وذلك يوم معلوم » .
تفسير القمي : 1 / 14 : « وقوله : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض ، نزلت في القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله » .
--------------------------- 799 ---------------------------
تفسير القمي : 2 / 87 : « عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ، قال عليه السلام : وهذه الآية لآل محمد عليهم السلام إلى آخر الآية ، والمهدي وأصحابه يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ، ويظهر الدين ويميت الله به وأصحابه البدع والباطل ، كما أمات السفهاء الحق ، حتى لا يرى أثر للظلم » .
الإحتجاج : 1 / 256 : « عن أمير المؤمنين عليه السلام من حديث طويل قال فيه : كل ذلك لتتم النظرة التي أوحاها الله تعالى لعدوه إبليس ، إلى أن يبلغ الكتاب أجله ، ويحق القول على الكافرين ، ويقترب الوعد الحق الذي بينه في كتابه بقوله : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، وذلك إذا لم يبق من الإسلام إلا اسمه ، ومن القرآن إلا رسمه ، وغاب صاحب الأمر بإيضاح الغدر له في ذلك ، لاشتمال الفتنة على القلوب ، حتى يكون أقرب الناس إليه أشدهم عداوة له ، وعند ذلك يؤيده الله بجنود لم تروها ، ويظهر دين نبيه صلى الله عليه وآله على يديه على الدين كله ، ولو كره المشركون » .
غيبة الطوسي / 110 : « عن إسحاق بن عبد الله بن علي بن الحسين ، في هذه الآية : فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ : قال : قيام القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله قال : وفيه نزلت : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لايُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً : قال : نزلت في المهدي » .
البحار : 51 / 64 : « ووجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجباعي قال : وجدت بخط الشيخ الشهيد رحمه الله : روى الصفواني في كتابه عن صفوان ، عن أبي عبد الله عليه السلام وذكر حديثاً يقول فيه : اللهم أنجز لنا ما وعدتنا إنك لا تخلف الميعاد ، قال : قلت : يا سيدي فأين وعد الله ؟ قال : قول الله عز وجل : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض » .
كفاية الأثر / 56 : « عن جابر بن عبد الله قال : دخل جندب بن جنادة اليهودي من خيبر ، على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد أخبرني عما ليس لله وعما ليس عند الله وعما لا يعلمه الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أما ما ليس لله فليس لله شريك . وأما ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد . وأما ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود إنه عزير بن الله ،
--------------------------- 800 ---------------------------
والله لا يعلم له ولداً . فقال جندب : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله حقاً . ثم قال : يا رسول الله إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران عليه السلام فقال لي : يا جندب أسلم على يد محمد ، واستمسك بالأوصياء من بعده ، فقد أسلمت فرزقني الله ذلك ، فأخبرني بالأوصياء بعدك لأتمسك بهم ؟ فقال : يا جندب أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل . فقال : يا رسول الله إنهم كانوا اثني عشر ، هكذا وجدنا في التوراة ، قال : نعم ، الأئمة بعدي إثنا عشر .
فقال : يا رسول الله كلهم في زمن واحد ؟ قال : لا ولكنهم خَلَفٌ بعد خَلَف ، فإنك لا تدرك منهم إلا ثلاثة ، قال : فسمهم لي يا رسول الله ، قال : نعم إنك تدرك سيد الأوصياء ووارث الأنبياء وأبا الأئمة علي بن أبي طالب بعدي ، ثم ابنه الحسن ، ثم الحسين ، فاستمسك بهم من بعدي ولايغرنك جهل الجاهلين . فإذا كانت وقت ولادة ابنه علي بن الحسين سيد العابدين يقضي الله عليك ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه . فقال : يا رسول الله هكذا وجدت في التوراة البانقطه شبراً وشبيراً ، فلم أعرف أساميهم ، فكم بعد الحسين من الأوصياء وما أساميهم ؟ فقال : تسعة من صلب الحسين والمهدي منهم ، فإذا انقضت مدة الحسين قام بالأمر بعده ابنه علي ويلقب بزين العابدين ، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه يدعى بالباقر ، فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده ابنه جعفر يدعى بالصادق ، فإذا انقضت مدة جعفر قام بالأمر بعده ابنه موسى يدعى بالكاظم ، ثم إذا انتهت مدة موسى قام بالأمر بعده ابنه علي يدعى بالرضا ، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه يدعى بالزكي ، فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده علي ابنه يدعى بالنقي ، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده الحسن ابنه يدعى بالأمين ، ثم يغيب عنهم إمامهم . قال : يا رسول الله هو الحسن يغيب عنهم ، قال : لا ولكن ابنه الحجة . قال يا رسول الله ، فما اسمه ؟ قال : لايسمى حتى يظهره الله .
قال جندب : يا رسول الله قد وجدنا ذكرهم في التوراة ، وقد بشرنا موسى بن عمران بك وبالأوصياء بعدك من ذريتك . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ، فقال جندب : يا رسول الله فما خوفهم ؟
--------------------------- 801 ---------------------------
قال : يا جندب في زمن كل واحد منهم سلطان يعتريه ويؤذيه فإذا عجل الله خروج قائمنا يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً . ثم قال : طوبى للصابرين في غيبته ، طوبى للمتقين على محجتهم ، أولئك وصفهم الله في كتابه : الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ . وقال : أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » .
الخصال : 2 / 474 : « عن عمرو البكائي ، عن كعب الأحبار ، قال في الخلفاء : هم إثنا عشرفإذا كان عند انقضائهم ، وأتى طبقة صالحة مد الله لهم في العمر ، كذلك وعد الله هذه الأمة ثم قرأ : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، قال : وكذلك فعل الله ببني إسرائيل . وليس بعزيز أن تجمع هذه الأمة يوماً أو نصف يوم : وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ » .
هذا ، وتقدمت روايات في تفسيرالآية في فصل أصحاب الإمام عليه السلام وفصل الرجعة . وينبغي التذكير بأن الاستخلاف الإلهي والخلافة الإلهية في القرآن خاصة ببعض الأنبياء والأئمة عليهم السلام ، وقد عممه أتباع الخلافة لكل حاكم ، ثم عممه المتصوفة إلى عامة الناس ، وقد بحثنا ذلك في كتاب ألف سؤال وإشكال !
المستضعفون الموعودون بالتمكين هم آل محمد عليهم السلام
غيبة الطوسي / 113 : « عن علي عليه السلام في قوله تعالى : وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ . قال : هم آل محمد ، يبعث الله مهديهم بعد جَهْدهم ، فيُعزهم ويُذل عدوهم » .
نهج البلاغة : 1 / 506 : « لتعطفن علينا الدنيا بعد شماسها ، عطف الضروس على ولدها ، ثم قرأ : وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ » .
دلائل الإمامة / 237 : « عن سلمان قال : قال لي رسول الله : إن الله تعالى لم يبعث نبياً ولا رسولاً إلا جعل له اثني عشر نقيباً . . ثم سمى نقباءه الاثني عشر عليهم السلام وقال : ثم ابنه محمد
--------------------------- 802 ---------------------------
بن الحسن المهدي القائم بأمر الله ، ثم قال : يا سلمان وذلك تأويل هذه الآية : وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ . قال : فقمت من بين يديه ، وما أبالي لقيت الموت أو لقيني » .
معاني الأخبار / 79 : « عن المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وآله نظر إلى علي والحسن والحسين عليهم السلام فبكى وقال : أنتم المستضعفون بعدي ! قال المفضل : فقلت له : ما معنى ذلك يا بن رسول الله ؟ قال : معناه أنكم الأئمة بعدي ، إن الله عز وجل يقول : وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ، فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة » .
وفي البرهان : 3 / 220 : عن الصادقين عليه السلام : « إن فرعون وهامان هنا هما شخصان من جبابرة قريش ، يحييهما الله تعالى عند قيام القائم من آل محمد في آخر الزمان ، فينتقم منهما بما أسلفا » .
هذا ، وتقدم تفسير آيات توريث الأرض للصالحين في فصل أصحابه عليه السلام . وتقدمت روايات تتصل بالموضوع في فصل ولادته عليه السلام ، وفي فصل الرجعة .
آيات الوعد الإلهي بإظهار دينه وإتمام نوره
الكافي : 1 / 432 : « عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال : سألته عن قول الله عز وجل : يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ؟ قال : يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بأفواههم . قلت : وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ ؟ قال : والله متم الإمامة ، لقوله عز وجل : فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا ، فالنور هو الإمام .
قلت : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ؟ قال : هو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيه والولاية هي دين الحق . قلت : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ؟ قال : يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم ، قال : يقول الله : مُتِمُّ نُورِهِ : ولاية القائم . وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ : بولاية علي ، قلت : هذا تنزيل ؟ قال : نعم أما هذا الحرف فتنزيل وأما غيره فتأويل » .
تفسير القمي : 2 / 365 : « يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ ؟ قال : بالقائم
--------------------------- 803 ---------------------------
من آل محمد عليهم السلام حتى إذا خرج يظهره الله على الدين كله حتى لا يعبد غير الله ، وهو قوله صلى الله عليه وآله : يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » .
تفسير القمي : 2 / 317 : « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ هو الإمام الذي يظهره الله على الدين كله فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، وهذا مما ذكرنا أن تأويله بعد تنزيله » .
كمال الدين : 2 / 670 : « قال أبو عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ : والله ما نزل تأويلها بعد ، ولاينزل تأويلها حتى يخرج القائم عليه السلام ، فإذا خرج القائم لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام ، إلا كره خروجه ، حتى أن لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت : يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله » .
تفسير مجمع البيان : 9 / 464 : « وروى العياشي بالإسناد عن عمران بن ميثم عن عباية أنه سمع أمير المؤمنين عليه السلام يقول : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، أظهرَ بعد ذلك ؟ قالوا : نعم . قال : كلا ، فوالذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلا وينادى فيها بشهادة أن لا إله إلا الله بكرة وعشياً » . ولا يوجد في نسخة تفسير العياشي الناقصة التي بأيدينا .
التهذيب : 6 / 154 : « عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن القائم إذا قام بأي سيرة يسير في الناس ؟ فقال : بسيرة ما سار به رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يظهر الإسلام .
قلت : وما كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : أبطل ما كان في الجاهلية واستقبل الناس بالعدل ، وكذلك القائم عليه السلام إذا قام يبطل ما كان في الهدنة مما كان في أيدي الناس ، ويستقبل بهم العدل » .
مسلم : 4 / 2230 : « عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى ! فقلت يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، أن ذلك تاماً ! قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ، ثم يبعث الله ريحاً طيبة فتوفي كل من في قلبه مثقال حبة من
--------------------------- 804 ---------------------------
خردل من إيمان ، فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم » .
والحاكم : 4 / 446 ، وصححه بشرط مسلم . والبغوي : 3 / 519 ، من صحاحه ، وجامع الأصول : 11 / 84 ، وعبد الرزاق : 11 / 381 ، ومسلم بعضه : 1 / 109 .
تفسير الطبري : 10 / 82 : « عن أبي هريرة في قوله : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، قال : حين خروج عيسى بن مريم » . والبيهقي : 9 / 180 ، عن جابر بن عبد الله ، ومثله الدر المنثور : 3 / 241 ، وقال : « وأخرج عبد بن حميد ، وأبو الشيخ ، عن أبي هريرة » .
سنن البيهقي : 9 / 180 : « عن مجاهد في قوله : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، قال : إذا نزل عيسى بن مريم لم يكن في الأرض إلا الإسلام » .
بيان الشافعي / 528 : « عن سعيد بن جبير في تفسير قوله عز وجل : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، قال : هو المهدي من عترة فاطمة . وقال : وأما من قال إنه عيسى فلا تنافي بين القولين إذ هو مساعد للإمام على ما تقدم » .
وفي تفسير الرازي : 16 / 40 : « روي عن أبي هريرة أنه قال : هذا وعد من الله بأنه تعالى يجعل الإسلام عالياً على جميع الأديان .
ثم قال الراوي : وتمام هذا إنما يحصل عند خروج عيسى ، وقال السدي : ذلك عند خروج المهدي لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام أو أدى الخراج » .
أقول : الآية وعدٌ إلهي بإظهار دينه على الدين كله ، وذلك لا يتحقق إلا على يد المهدي عليه السلام ، أما عيسى عليه السلام فينزل وزيراً لا أميراً . ومع ذلك خاف علماء السلطة من تفسيرها بالمهدي عليه السلام إلا النادر منهم ، وقالوا إنها تقصد نزول عيسى عليه السلام !
آيات الأمر بالقتال حتى لا تكونَ فتنة
الكافي : 8 / 201 : « عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : قول الله عز وجل : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاتَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ ؟ فقال : لم يجئ تأويل هذه الآية بعد ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله رخص لهم لحاجته وحاجة أصحابه ، فلو قد جاء تأويلها لم يقبل منهم ، لكنهم يقتلون حتى يوحد الله عز وجل وحتى لا يكون شرك » .
--------------------------- 805 ---------------------------
تفسير العياشي : 2 / 56 : « عن زرارة قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : سئل أبي عن قول الله : وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً . وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ ؟ فقال : إنه تأويل لم يجئ تأويل هذه الآية ، ولو قد قام قائمنا بعده سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية ، وليبلغن دين محمد صلى الله عليه وآله ما بلغ الليل حتى لا يكون شرك على ظهر الأرض ، كما قال الله » .
الهداية الكبرى / 74 : « المفضل بن عمر ، قال : سألت سيدي أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام . . في حديث جاء فيه : قلت قوله : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ : ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله ظهر على الدين ؟ قال : يا مفضل لو كان ظهر على الدين كله ما كان مجوسية ولا نصرانية ولا يهودية ولا صابئة ولا فرقة ، ولا خلاف ولا شك ولا شرك ولا عبدة أصنام ولا أوثان ، ولا اللات ولا العزى ، ولا عبدة الشمس ولا القمر ولا النجوم ، ولا النار ولا الحجارة ، وإنما قوله : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، في هذا اليوم . وهذا المهدي وهذه الرجعة . وهو قوله : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ » .
لا تضع الحرب أوزارها إلا على يد المهدي عليه السلام
الخصال : 2 / 572 : « عن مكحول قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لقد علم المستحفظون من أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وآله أنه ليس فيهم رجل له منقبة إلا وقد شركته فيها وفضلته ! ولي سبعون منقبة لم يشركني فيها أحد منهم . قلت : يا أمير المؤمنين فأخبرني بهن ، فقال عليه السلام . . :
وأما الثالثة والخمسون ، فإن الله تبارك وتعالى لن يذهب بالدنيا حتى يقوم منا القائم ، يقتل مبغضينا ولا يقبل الجزية ، ويكسر الصليب والأصنام ، وتضع الحرب أوزارها ، ويدعو إلى أخذ المال فيقسمه بالسوية ، ويعدل في الرعية » .
أقول : تقدمت أحاديث في تفسير : حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ، في فصل الفئة الثابتة حتى يظهر إمامها المهدي ، وفسرتها روايات السنة بنزول المسيح وخروج الدجال .
الكافي : 5 / 10 : « عن أبي عبد الله عليه السلام : قال سأل رجل عن حروب أمير المؤمنين عليه السلام
--------------------------- 806 ---------------------------
وكان السائل من محبينا ، فقال أبو جعفر عليه السلام : بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله بخمسة أسياف ، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى أن تضع الحرب أوزارها ، ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم في ذلك اليوم ، فيومئذ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً . وسيف منها ملفوف وسيف منها مغمود سله إلى غيرنا وحكمه إلينا » .
لاييأس الكفار من دين المسلمين إلا في عصره عليه السلام
العياشي : 1 / 292 : « عن جابر قال : قال أبو جعفر عليه السلام في هذه الآية : الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ : يوم يقوم القائم عليه السلام يئس بنو أمية ، فهم الذين كفروا ، يئسوا من آل محمد عليهم السلام » .
الإمام المهدي عليه السلام من الغيب الموعود
كمال الدين : 2 / 340 : « عن داود بن كثير الرقي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، في قول الله عز وجل : الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ؟ قال : من أقر بقيام القائم أنه حق » .
تأويل الآيات : 1 / 31 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : أ . ل . م ، وكل حرف في القرآن مقطعة من حروف اسم الله الأعظم الذي يؤلفه الرسول والإمام فيدعو به فيجاب . قال قلت قوله : ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ ؟ فقال : الكتاب أمير المؤمنين لا شك فيه إنه إمام هدى للمتقين ، فالآيتان لشيعتنا هم المتقون الذين يؤمنون بالغيب ، وهو البعث والنشور وقيام القائم والرجعة . ومما رزقناهم ينفقون ، قال : مما علمناهم من القرآن يتلون » .
كمال الدين : 2 / 340 : « عن يحيى بن أبي القاسم قال : سألت الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل : اَلَمِ . ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ؟ قال : المتقون شيعة علي عليه السلام والغيب : فهو الحجة الغائب ، وشاهد ذلك قول الله عز وجل : وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ » .
--------------------------- 807 ---------------------------
آيات الحث على الثبات والمرابطة العقائدية
النعماني / 27 و 199 : « عن بريد بن معاوية العجلي ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام في معنى قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا ؟ قال : إصبروا على أداء الفرائض ، وصابروا عدوكم ، ورابطوا إمامكم المنتظر » .
العياشي : 1 / 212 : « عن يعقوب السراج قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : تبقى الأرض يوماً بغير عالم منكم يفزع الناس إليه ؟ قال : فقال لي : إذاً لا يعبد الله يا أبا يوسف ، لا تخلو الأرض من عالم منا ، ظاهر يفزع الناس إليه في حلالهم وحرامهم ، وإن ذلك لمبين في كتاب الله ، قال الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا ، على دينكم ، وَصَابِرُوا : عدوكم ومن يخالفكم . وَرَابِطُوا : على إمامكم . وَاتَّقُوا اللهَ : فيما أمركم به وافترض عليكم » .
أقول : ورد في الصحيح أن وجود الإمام ضروري ، إما ظاهر مشهور ، أو خائف مستور ، قال أمير المؤمنين عليه السلام « نهج البلاغة : 4 / 37 » : « لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة ، إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً ، لئلا تبطل حجج الله وبيناته » . فرواية يعقوب السراج فيها سقط ، أو أن الراوي روى بعضها فقط .
الكافي : 1 / 420 : « عن محمد بن مسلم : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : استقاموا على الأئمة واحداً بعد واحد , تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ » .
المهدي عليه السلام من أولي الأمر في الآية
كمال الدين : 1 / 222 : « عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ؟ قال : الأئمة من ولد علي وفاطمة عليها السلام إلى أن تقوم الساعة » .
العياشي : 1 / 251 : « عن أبان ، أنه دخل على أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : فسألته عن قول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ؟ فقال : ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام ثم سكت ، قال :
--------------------------- 808 ---------------------------
فلما طال سكوته قلت : ثم من ؟ قال : ثم الحسن ثم سكت ، فلما طال سكوته قلت : ثم من ؟ قال : الحسين ، قلت : ثم من ؟ قال : ثم علي بن الحسين وسكت ، فلم يزل يسكت عند كل واحد حتى أعيد المسألة فيقول حتى سماهم إلى آخرهم عليهم السلام » .
الكافي : 1 / 426 : « الحسين بن نعيم الصحاف ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام إلى أن قال : وسألته عن قول الله عز وجل : وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ؟ فقال : أما والله ما هلك من كان قبلكم ، وما هلك من هلك حتى يقوم قائمنا ، إلا في ترك ولايتنا وجحود حقنا . وما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله من الدنيا حتى ألزم رقاب هذه الأمة حقنا ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم » .
العياشي : 1 / 246 : « عن بريد بن معاوية ، قال : كنت عند أبي جعفر عليه السلام فسألته عن قول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ .
قال فكان جوابه أن قال : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ - فلان وفلان - وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً : الأئمة الضالة والدعاة إلى النار هؤلاء أهدى من آل محمد وأوليائهم سبيلاً . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً . أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ - يعني الإمامة والخلافة - فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً . نحن الناس الذين عنى الله ، والنقير النقطة التي رأيت في وسط النواة . أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ؟ فنحن المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة دون خلق الله جميعاً . فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً . يقول : فجعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمة ، فكيف يقرون بذلك في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمد صلى الله عليه وآله ؟ ! فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً . إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً . وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً .
قال قلت : قوله في آل إبراهيم : وآتيناهم ملكا عظيماً ، ما الملك العظيم ؟ قال : أن جعل منهم أئمةً من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله فهو الملك العظيم . قال ثم قال : إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ
--------------------------- 809 ---------------------------
نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً . قال : إيانا عنى أن يؤدي الأول منا إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح .
وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ، الذي في أيديكم ، ثم قال للناس : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، فجمع المؤمنين إلى يوم القيامة أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ : إيانا عنى خاصة . فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً .
فإن خفتم تنازعاً في الأمر فارجعوا إلى الله وإلى الرسول وأولي الأمر منكم ، هكذا نزلت وكيف يأمرهم بطاعة أولي الأمر ويرخص لهم في منازعتهم ، إنما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم » .
أهل البيت عليهم السلام هم الصديقون الذين أنعم الله عليهم
تفسير فرات / 30 : « عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل جاء فيه : وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين مع الملائكة لم يحل بحليته أحد من الآدميين في الجنة ، شئ شرفه الله به . والسبطان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، ومن ولدت إياهما . والمهدي يجعله الله مَن أحب منا أهل البيت . ثم قال : أبشروا ثلاثاً . وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً . ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيماً » .
وبمعناه في تفسير فرات / 35 : « عن الأصبغ بن نباتة ، وفيه : إذا جمع الله الأولين والآخرين كان أفضلهم سبعة منا بني عبد المطلب : الأنبياء أكرم الخلق على الله ، ونبينا أكرم الأنبياء ، ثم الأوصياء أفضل الأمم بعد الأنبياء ووصيه أفضل الأوصياء ثم الشهداء أفضل الأمم بعد الأنبياء والأوصياء وحمزة سيد الشهداء ، وجعفرذو الجناحين ، يطير مع الملائكة » .
الكافي : 1 / 450 : « رأيت أمير المؤمنين عليه السلام يوم افتتح البصرة وركب بغلة رسولالله صلى الله عليه وآله قال : يا أيها الناس ألا أخبركم بخير الخلق يوم يجمعهم الله » .
--------------------------- 810 ---------------------------
آية : أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ
تأويل الآيات : 1 / 403 : « عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، في قول الله عز وجل : أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ؟ قال : هذه نزلت في القائم عليه السلام إذا خرج تعمم وصلى عند المقام وتضرع إلى ربه ، فلا ترد له راية أبداً » .
وفي تفسير القمي : 2 / 129 : « عن صالح بن عقبة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نزلت في القائم من آل محمد عليهم السلام ، هو والله المضطر إذا صلى في المقام ركعتين ودعا الله فأجابه ، ويكشف السوء ويجعله خليفة في الأرض » .
تأويل الآيات : 1 / 402 : « عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن القائم إذا خرج دخل المسجد الحرام فيستقبل الكعبة ويجعل ظهره إلى المقام ، ثم يصلي ركعتين ، ثم يقوم فيقول : يا أيها الناس أنا أولى الناس بآدم ، يا أيها الناس أنا أولى الناس بإبراهيم ، يا أيها الناس أنا أولى الناس بإسماعيل ، يا أيها الناس أنا أولى الناس بمحمد صلى الله عليه وآله ، ثم يرفع يديه إلى السماء فيدعو ويتضرع حتى يقع على وجهه ، وهو قوله عز وجل : أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرض الَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ » .
يوم الفتح الموعود في الآية هو المهدي عليه السلام
تأويل الآيات : 2 / 445 : « عن ابن دراج قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قول الله عز وجل : وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ . يوم الفتح يوم تفتح الدنيا على القائم ، لا ينفع أحداً تقرب بالإيمان ، ما لم يكن قبل ذلك مؤمناً وبهذا الفتح موقناً ، فذلك الذي ينفعه إيمانه ويعظم عند الله قدره وشأنه ، وتزخرف له يوم البعث جنانه ، وتحجب عنه نيرانه ، وهذا أجر الموالين لأمير المؤمنين وذريته الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين » .
كمال الدين / 18 و 30 : « عن علي بن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في قول الله عز وجل : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَاتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأتِيَ رَبُّكَ أَوْ يأتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يأتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا
--------------------------- 811 ---------------------------
إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ، فقال : الآيات هم الأئمة ، والآية المنتظرة هو القائم عليه السلام ، فيومئذ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ، قيامه بالسيف ، وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه عليهم السلام » .
وفي تفسير القمي : 2 / 366 : « وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب : يعني في الدنيا بفتح القائم عليه السلام » .
هذا ، وقد تقدمت بقية رواياته في فصل الطائفة الثابتة حتى يظهر إمامها .
يوم المهدي عليه السلام يأتي تأويل القرآن
تفسير القمي : 1 / 235 : « وقوله : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ . . فهو من الآيات التي تأويلها بعد تنزيلها ، قال : ذلك في القائم عليه السلام ويوم القيامة » .
آية : حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا
في دلائل الإمامة / 250 : « عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نزلت في بني فلان ثلاث آيات : قوله عز وجل : حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً ، يعني القائم بالسيف . فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ . وقوله عز وجل : فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَئ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ . فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . قال أبو عبد الله : السيف . وقوله عز وجل : فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ . لاتَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ : يعني القائم يسأل بني فلان كنوز بني أمية » .
أن الله أخذ ميثاق الأنبياء على الإقرار بالمهدي عليهم السلام
البصائر / 70 ، و 71 : « عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال فيه : ثم أخذ الميثاق على النبيين فقال : أَلَسْتُ بِربِّكم ؟ ثم قال : وإن هذا محمد رسول الله ، وإن هذا علي أمير المؤمنين ؟ قَالُوا بَلَى ، فثبتت بهم النبوة . وأخذ الميثاق على أولي العزم : ألا إني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي ، وإن المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي ،
--------------------------- 812 ---------------------------
وأنتقم به من أعدائي ، وأعبد به طوعاً وكرهاً . قَالُوا أَقْرَرْنَا ، وشهدنا يا رب . . » .
أخبر الله إبراهيم بولده المهدي عليه السلام
تأويل الآيات : 2 / 496 ، عن أبي بصير يحيى بن أبي القاسم قال : « سأل جابر بن يزيد الجعفي جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن تفسير هذه الآية : وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ، فقال عليه السلام : إن الله سبحانه لما خلق إبراهيم عليه السلام كشف له عن بصره فنظر فرأى نوراً إلى جنب العرش ، فقال : إلهي ما هذا النور ؟ فقيل له : هذا نور محمد صفوتي من خلقي . ورأى نوراً إلى جنبه فقال : إلهي وما هذا النور ؟ فقيل له : هذا نور علي بن أبي طالب ناصر ديني . ورأى إلى جنبهم ثلاثة أنوار فقال : إلهي ما هذه الأنوار ؟ فقيل له : هذا نور فاطمة فطمت محبيها من النار ، ونور ولديها الحسن والحسين . ورأى تسعة أنوار قد حفوا بهم فقال : إلهي وما هذه الأنوار التسعة ؟ قيل : يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولد علي وفاطمة . فقال إبراهيم : إلهي بحق هؤلاء الخمسة إلا عرفتني من التسعة ؟ قيل : يا إبراهيم أولهم علي بن الحسين وابنه محمد وابنه جعفر وابنه موسى وابنه علي وابنه محمد وابنه علي وابنه الحسن والحجة القائم ابنه . فقال إبراهيم : إلهي وسيدي أرى أنواراً قد أحدقوا بهم لا يحصي عددهم إلا أنت قيل : يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب . فقال إبراهيم : وبم يُعرف شيعته ؟ قال : بصلاة إحدى وخمسين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، والقنوت قبل الركوع ، والتختم في اليمين ، فعند ذلك قال إبراهيم : اللهم اجعلني من شيعة أمير المؤمنين ، قال : فأخبر الله في كتابه فقال : وإن من شيعته لإبراهيم » .
أن المهدي عليه السلام يرث مساكن الذين ظلموا
العياشي : 2 / 235 : « عن سعد بن عمر ، عن غير واحد ممن حضر أبا عبد الله عليه السلام ورجل يقول : قد ثبت دار صالح ودار عيسى بن علي ، ذكر دور العباسيين فقال رجل : أراناها الله خراباً أو خربها بأيدينا ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : لا تقل هكذا ، بل تكون مساكن القائم وأصحابه ، أما سمعت الله يقول : وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ » .
--------------------------- 813 ---------------------------
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ
مختصر البصائر / 200 : « وقفت على كتاب خطب لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وعليه خط السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاوس ما صورته : هذا الكتاب ذكر كاتبه رجلين بعد الصادق عليه السلام فيمكن أن يكون تاريخ كتابته بعد المائتين من الهجرة ، لأنه عليه السلام انتقل بعد سنة مائة وأربعين من الهجرة . وقد روى بعض ما فيه عن أبي روح فرج بن فروة عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد عليه السلام ، وبعض ما فيه عن غيرهما . ذكر في الكتاب المشار إليه خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام تسمى المخزون ، ثم ذكر الخطبة بطولها ، وجاء فيها :
ثم يخرج عن الكوفة مائة ألف بين مشرك ومنافق ، حتى يضربوا دمشق لا يصدهم عنها صاد ، وهي إرم ذات العماد . وتقبل رايات من شرقي الأرض ليست بقطن ولا كتان ولا حرير مختمة في رؤس القنا بخاتم السيد الأكبر ، يسوقها رجل من آل محمد يوم تطير بالمشرق . . إلى أن قال : ويأتيهم يومئذ الخسف والقذف والمسخ ، فيومئذ تأويل هذه الآية : مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ » .
آية : فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ
النعماني / 174 : « عن المفضل بن عمر ، قال : سمعته يقول : يعني أبا عبد الله عليه السلام : قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليهم السلام : إذا قام القائم عليه السلام قال : فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِي حُكْمًا وَجَعَلَنِى مِنَ أَلْمُرْسَلِينَ » .
يُحِقُّ حق أهل البيت عليهم السلام ويبطل باطل بني أمية وأمثالهم
تفسير العياشي : 2 / 50 : « عن جابر قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن تفسير هذه الآية في قول الله : وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ، لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ؟ قال أبو جعفر عليه السلام : تفسيرها في الباطن يريد الله فإنه شئ يريده ولم يفعله بعد ، وأما قوله : يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ، فإنه يعني يحق حق آل محمد ، وأما قوله : بِكَلِمَاتِهِ ،
--------------------------- 814 ---------------------------
قال : كلماته في الباطن علي هو كلمة الله في الباطن ، وأما قوله : وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ، فهم بنو أمية هم الكافرون يقطع الله دابرهم ، وأما قوله : لِيُحِقَّ الْحَقَّ ، فإنه يعني ليحق حق آل محمد حين يقوم القائم . وأما قوله : وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ ، يعني القائم فإذا قام يبطل باطل بني أمية ، وذلك قوله : لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ » .
أن المهدي عليه السلام آخرحلقات العروة الوثقى
مائة منقبة / 71 : « عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : معاشر الناس إعلموا أن الله تعالى جعل لكم بابا من دخله أمن من النار ومن الفزع الأكبر . فقام إليه أبو سعيد الخدري فقال : يا رسول الله اهدنا إلى هذا الباب حتى نعرفه قال : هو علي بن أبي طالب سيد الوصيين وأميرالمؤمنين ، وأخو رسول رب العالمين .
معاشر الناس : من أحب أن يتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ، فليتمسك بولاية علي بن أبي طالب ، فإن ولايته ولايتي ، وطاعته طاعتي .
معاشر الناس : من أحب أن يعرف الحجة بعدي ، فليعرف علي بن أبي طالب . معاشر الناس : من أراد أن يتولى الله ورسوله ، فليقتد بعلي بن أبي طالب بعدي والأئمة من ذريتي ، فإنهم خُزَّان علمي .
فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال : يا رسول الله وما عدة الأئمة ؟
فقال صلى الله عليه وآله : يا جابر سألتني رحمك الله عن الإسلام بأجمعه ، عدتهم عدة الشهور ، وهي عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ، وعدتهم عدة العيون التي انفجرت لموسى بن عمران عليه السلام حين ضرب بعصاه الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً . وعدتهم عدة نقباء بني إسرائيل : وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً ، فالأئمة يا جابر اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم القائم المهدي » .
المهدي عليه السلام صاحب ليلة القدر
تفسير فرات / 218 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ؟ الليلة فاطمة ،
--------------------------- 815 ---------------------------
والقدر الله ، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر . وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها أو معرفتها - الشك من أبي القاسم - قوله : وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ : يعني خيراً من ألف مؤمن وهي أم المؤمنين . تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ ، والملائكة المؤمنون الذين يملكون علم آل محمد عليهم السلام . وَالرُّوحُ : الروح القدس هي فاطمة . بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ، يعني حتى يخرج القائم » .
تأويل الآيات : 2 / 820 : « عن أبي يحيى الصنعاني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : قال لي أبي محمد : قرأ علي بن أبي طالب : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر ِ ، وعنده الحسن والحسين فقال له الحسين : يا أبتاه كأن بها من فيك حلاوة ؟ فقال له : يا ابن رسول الله وابني ، إني أعلم فيها ما لا تعلم ، إنها لما نزلت بعث إلي جدك رسول الله صلى الله عليه وآله فقرأها عليَّ ، ثم ضرب على كتفي الأيمن وقال : يا أخي ووصيي وولي أمتي بعدي ، وحرب أعدائي إلى يوم يبعثون : هذه السورة لك من بعدي ، ولولدك من بعدك ، إن جبرئيل أخي من الملائكة حدَّث إليَّ أحداثَ أمتي في سنتها ، وإنه ليحدث ذلك إليك كأحداث النبوة ، ولها نور ساطع في قلبك وقلوب أوصيائك إلى مطلع فجر القائم عليه السلام » .
تأويل الآيات : 2 / 818 : « عن حمران قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عما يفرق في ليلة القدر ، هل هو ما يقدر الله فيها ؟ قال : لا توصف قدرة الله ، إلا أنه قال : فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم ، فكيف يكون حكيماً إلا ما فرق . ولا توصف قدرة الله سبحانه ، لأنه يحدث ما يشاء . وأما قوله : لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، يعني فاطمة سلام الله عليها . وقوله : تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ، والملائكة في هذا الموضع : المؤمنون الذين يملكون علم آل محمد صلى الله عليه وآله . والرُّوحُ روح القدس وهو في فاطمة عليها السلام . و : مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ . . يقول من كل أمر مسلَّمة . حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر : حتى يقوم القائم عليه السلام » .
أن المهدي عليه السلام يضع الأغلال والآصار عن المؤمنين
الكافي : 1 / 429 : « عن أبي عبيدة الحذاء قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الاستطاعة وقول الناس ؟ فقال وتلا هذه الآية : وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ :
--------------------------- 816 ---------------------------
يا أبا عبيدة ، الناس مختلفون في إصابة القول وكلهم هالك . قال قلت : قوله : إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ؟ قال : هم شيعتنا ولرحمته خلقهم ، وهو قوله : وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ، يقول : لطاعة الإمام الرحمة التي يقول : وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَئٍْ : يقول : علم الإمام ووسع علمه الذي هو علمه بكل شئ هم شيعتنا . ثم قال : فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ : يعني ولاية غير الإمام وطاعته . ثم قال : الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ : يعني النبي صلى الله عليه وآله والوصي والقائم عليه السلام . يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ : والمنكرمن أنكر فضل الإمام وجحده . وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ : أخذ العلم من أهله . وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ : والخبائث قول من خالف . وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ : وهي الذنوب التي كانوا فيها قبل معرفتهم فضل الإمام . وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ : والأغلال ما كانوا يقولون مما لم يكونوا أمروا به من ترك فضل الإمام ، فلما عرفوا فضل الإمام وضع عنهم إصرهم ، والإصر الذنب وهي الآصار .
ثم نسبهم فقال : فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ : يعني بالإمام ، وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : يعني الذين اجتنبوا الجبت والطاغوت أن يعبدوها ، والجبت والطاغوت فلان وفلان وفلان ، والعبادة طاعة الناس لهم ، ثم قال : وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ . . ثم جزاهم فقال : لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ . والإمام يبشرهم بقيام القائم وبظهوره وبقتل أعدائهم وبالنجاة في الآخرة والورود على محمد صلى الله على محمد وآله الصادقين على الحوض » .
ولِكُلِّ قَوْمٍ هَاد
العياشي : 2 / 204 : « عن حنان بن سدير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول في قول الله تبارك وتعالى : إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا المنذر وعلي الهادي ، وكل إمام هاد للقرن الذي هو فيه » .
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ
الكافي : 1 / 536 : « عن عبد الله بن سنان قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ، قال : إمامهم الذي بين أظهرهم وهو قائم أهل زمانه » .
--------------------------- 817 ---------------------------
حرمان الناس من الاستفادة من المهدي عليه السلام
تفسير القمي : 2 / 85 : « قوله : وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍمَشِيدٍ ، قال : هومَثَلٌ لآل محمد عليهم السلام . قوله : بئر معطلة : هي التي لايستسقى منها وهو الإمام الذي قد غاب فلا يقتبس منه العلم ، والقصر المشيد هو المرتفع وهو مَثَلٌ لأمير المؤمنين عليه السلام ، والأئمة وفضائلهم المشرفة على الدنيا وهو قوله : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ » . أقول : المقصود أن أهل البيت عليهم السلام أئمة الأمة ومنبع علمها وخيرها ، وقد صاروا بسبب ظلم الأمة كالعيون المعطلة والصروح الربانية المتروكة ، وأدى ذلك إلى انحطاط الأمة .
آيات الفتنة والتمحيص في عصر غيبته عليه السلام
قرب الإسناد / 162 : « عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الرضا عليه السلام قال : وكان جعفر عليه السلام يقول : والله لا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا وتمحصوا ، ثم يذهب من كل عشرة شئ ، ولا يبقى منكم إلا الأندر ، ثم تلا هذه الآية : أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ » .
أن ظهور المهدي عليه السلام تأويل الآية
تأويل الآيات : 1 / 372 : « عن علي بن أسباط في قول الله عز وجل : الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ : قال : إن الملك للرحمن اليوم ، وقبل اليوم ، وبعد اليوم ، ولكن إذا قام القائم عليه السلام لم يعبد إلا الله عز وجل بالطاعة » .
المهدي عليه السلام مظهر قدرة الله تعالى في عترة النبي صلى الله عليه وآله
مناقب ابن شهرآشوب : 2 / 181 : « ابن عباس ، وابن مسعود ، وجابر ، والبراء ، وأنس وأم سلمة ، والسدي ، وابن سيرين ، والباقر عليه السلام ، في قوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً : قالوا : هو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، والقائم في آخر الزمان ، لأنه لم يجتمع نسب وسبب في الصحابة والقرابة إلا له ، فلأجل ذلك استحق الميراث بالنسب والسبب » .
--------------------------- 818 ---------------------------
الأوصياء عليهم السلام هم عباد الرحمن في الآية
تفسير فرات / 107 : « عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تبارك وتعالى : وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً . . . إلى قوله : خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ، ثلاث عشرة آية . قال : هم الأوصياء يمشون على الأرض هوناً ، فإذا قام القائم عرفوا كل ناصب عليه ، فإن أقر بالإسلام وهي الولاية ، وإلا ضربت عنقه ، أو أقر بالجزية فأداها كما يؤدي أهل الذمة » .
إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَمَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ
غيبة الطوسي / 109 : « عن ابن عباس ، في قوله : وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ . فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ . قال : هوخروج المهدي عليه السلام »
وفي مجمع البيان : 7 / 152 : « وروى العياشي بإسناده عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قرأ الآية . . وقال : هم شيعتنا أهل البيت ، يفعل الله ذلك بهم على يدي رجل منا ، وهو مهدي هذه الأمة وهو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي ، اسمه اسمي ، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
العذاب على أعداء المهدي عليه السلام
تفسير القمي : 1 / 312 : « عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً : يعني ليلا أو نهاراً مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ : فهذا عذاب ينزل في آخر الزمان على فسقة أهل القبلة ، وهم يجحدون نزول العذاب عليهم » .
سنة يعقوب في بنيه جرت في المهدي عليه السلام
العياشي : 1 / 61 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن تفسير هذه الآية : أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ؟ قال : جرت في القائم عليه السلام » .
--------------------------- 819 ---------------------------
جفنة فاطمة وهي مائدة أهل البيت عند المهدي عليهم السلام
العياشي : 1 / 171 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن فاطمة ضمنت لعلي عليه السلام عمل البيت والعجين والخبز وقَمَّ البيت ، وضمن لها علي ما كان خلف الباب ، من نقل الحطب ، وأن يجئ بالطعام فقال لها يوماً : يا فاطمة هل عندك شئ ؟ قالت : لا والذي عظم حقك ، ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شئ نقريك به . قال : أفلا أخبرتني ؟ قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وآله نهاني أن أسألك شيئاً ! فقال : لاتسألي ابن عمك شيئاً ، إن جاءك بشئ عفواً وإلا فلا تسأليه . قال : فخرج فلقي رجلاً فاستقرض منه ديناراً ، ثم أقبل به وقد أمسى ، فلقي مقداد بن الأسود فقال للمقداد : ما أخرجك في هذه الساعة ؟ قال : الجوع والذي عظم حقك ياأميرالمؤمنين .
قال : قلت لأبي جعفر : ورسول الله حيٌّ ؟ قال : ورسول الله صلى الله عليه وآله حيّ ! قال : فهو أخرجني فقد استقرضت ديناراً وسأوثرك به ، فدفعه إليه فأقبل فوجد رسول الله صلى الله عليه وآله جالساً وفاطمة تصلي وبينهما شئ مغطى ، فلما فرغت أحضرت ذلك الشئ فإذا جفنة من خبز ولحم ! قال : يا فاطمة أنى لك هذا ؟ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ألا أحدثك بمثَلك ومَثَلها ؟ قالت : بلى ، قال : مثل زكريا إذا دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقاً : قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَمِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ . فأكلوا منها شهراً وهي الجفنة التي يأكل منها القائم عليه السلام وهي عندنا » .
أن المهدي عليه السلام هو السنبلة السابعة بعد الإمام الصادق عليه السلام
العياشي : 1 / 147 : « عن المفضل بن محمد الجعفي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله : كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ؟ قال : الحبة فاطمة صلى الله عليها ، والسبع السنابل سبعة من ولدها سابعهم قائمهم . قلت : الحسن ؟ قال : إن الحسن إمام من الله مفترض طاعته ، ولكن ليس من السنابل السبعة ، أولهم الحسين وآخرهم القائم . فقلت : قوله في كل سنبلة مائة حبة ؟ قال : يولد للرجل منهم في الكوفة مائة من صلبه وليس ذاك إلا هؤلاء السبعة » .
وقال في إثبات الهداة : 3 / 548 : « لعل المراد السابع من الصادق عليه السلام لأنه هو المتكلم » .
--------------------------- 820 ---------------------------
أقول : المعنى الذي ذكره رحمه الله هو المتعين ، وأن هؤلاء السبعة من الأئمة عليهم السلام أولهم الإمام الصادق عليه السلام مثلهم كسبع سنابل ، وأن كل واحد منهم يلد مئة من صلبه ، موالين لأهل البيت عليهم السلام كشيعتهم في الكوفة ، لأنها كانت مركز مواليهم عليهم السلام .
ظهور المهدي عليه السلام هو الأجل القريب في الآية
العياشي : 1 / 258 ، و : 2 / 235 ، والكافي : 8 / 330 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : والله الذي صنعه الحسن بن علي عليه السلام كان خيراً لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس ، والله لفيه نزلت هذه الآية : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ . . إنما هي طاعة الإمام فطلبوا القتال . فلما كتب عليهم القتال مع الحسين قالوا : رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ، وقوله : رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ، أرادوا تأخير ذلك إلى القائم عليه السلام » .
ظهور المهدي عليه السلام هو العذاب الأكبر في الآية
تأويل الآيات : 2 / 444 : « عن مفضل بن عمر قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ؟ قال : الأدنى غلاء السعر ، والأكبر المهدي بالسيف » .
والمحجة / 173 ، وفيه : « عن محمد بن الحسن الشيباني في كشف البيان قال : روي عن جعفر الصادق عليه السلام في معنى الآية : إن الأدنى القحط والجدب ، والأكبر خروج القائم المهدي عليه السلام بالسيف في آخر الزمان » .
مسخ بعض أعداء الحق عند ظهور المهدي عليه السلام
في غيبة النعماني / 269 : « عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام قول الله عز وجل : لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، ما هو عذاب خزي الدنيا ؟ فقال : وأي خزي أخزى يا أبا بصير من أن يكون الرجل في بيته وحجاله وعلى إخوانه وسط عياله ، إذ شق
--------------------------- 821 ---------------------------
أهله الجيوب عليه وصرخوا فيقول الناس ما هذا ؟ فيقال : مسخ فلان الساعة ! فقلت : قبل قيام القائم عليه السلام أو بعده ؟ قال : لا بل قبله » .
ظهور المهدي عليه السلام هو النصرالموعود في الآية
تفسير القمي : 2 / 149 : « وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ : يعني القائم عليه السلام ، لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ » .
المهدي عليه السلام آية في صدور المؤمنين
تأويل الآيات : 1 / 432 : « عن عبد العزيز العبدي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل : بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ؟ قال : هم الأئمة من آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين باقية دائمة في كل حين » .
التنزيل والتحريف / 43 : « عن ابن أسباط قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الآية : هو آيات بينات ، فقال : بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ : نحن هم . فقال الرجل جعلت فداك متى يقوم القائم : فقال : كلنا قائم بأمر الله واحد بعد واحد ، حتى يجئ صاحب السيف ، فإذا جاء كان الأمر غير هذا » .
الإمام المهدي عليه السلام ختام الكلمة الباقية
كمال الدين : 1 / 323 : « عن ثابت الثمالي ، عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه قال : فينا نزلت هذه الآية : وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ ، وفينا نزلت هذه الآية : وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ، والإمامة في عقب الحسين بن علي بن أبي طالب إلى يوم القيامة . وإن للقائم منا غيبتين : إحداهما أطول من الأخرى . أما الأولى فستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين ، وأما الأخرى فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به فلا يثبت عليه إلا من قوي يقينه وصحت معرفته ، ولم يجد في نفسه حرجاً مما قضينا ، وسلم لنا أهل البيت » .
--------------------------- 822 ---------------------------
أقول : من الثابت أن الأئمة عليهم السلام لم يوقتوا مدة الغيبة الأولى ولا الثانية ، ويبدو أن أصل : يغيب ستة ، يغيب سبتاً من الدهر ثم صحفت ، ثم فسرها بعضهم بالشهور أو السنين وتخيلوها جزءً من الرواية ، وتقدمت في فصل كيف أعد النبي الأمة .
كفاية الأثر / 86 : « عن أبي هريرة قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن قوله عز وجل : وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ؟ قال : جعل الإمامة في عقب الحسين عليه السلام يخرج من صلبه تسعة من الأئمة ومنهم مهدي هذه الأمة . ثم قال عليه السلام : لو أن رجلاً صَفَنَ بين الركن والمقام ثم لقي الله مبغضاً لأهل بيتي دخل النار » .
الإمامة والتبصرة / 49 : « عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تعالى : وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ، قال في عقب الحسين عليه السلام فلم يزل هذا الأمر منذ أفضى إلى الحسين عليه السلام ينتقل من والد إلى ولد لا يرجع إلى أخ ولا إلى عم ، ولا يعلم أن أحداً منهم إلا وله ولد » .
تأويل النبأ العظيم عند ظهور المهدي عليه السلام
الكافي : 8 / 287 : « عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل : قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ . . . إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ : هو أمير المؤمنين عليه السلام . وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين : قال : عند خروج القائم عليه السلام » .
أن المهدي عليه السلام لا يعمل بالتقية
تأويل الآيات : 2 / 539 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله : إدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، فقال رسول الله : أُمِرْتُ بالتقية ، فسار بها عشراً حتى أمر أن يصدع بما أمر . ثم أمر بها علياً فسار بها حتى أمر أن يصدع بها ، ثم أمر الأئمة بعضهم بعضاً فساروا بها فإذا قام قائمنا سقطت التقية وجرد السيف ولم يأخذ من الناس ولم يعطهم إلا السيف » .
--------------------------- 823 ---------------------------
الحروف المقطعة ترتبط بالإمام المهدي عليه السلام
تفسير القمي : 2 / 267 : « عن يحيى بن ميسرة الخثعمي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : ح . م . ع . س . ق : أعداد سني القائم . وقاف : جبل محيط بالدنيا من زمرد أخضر فخضرة السماء من ذلك الجبل . وعلم كل شئ في عسق » .
تأويل الآيات : 2 / 542 : « عن السكوني عن أبي جعفر عليه السلام قال : حم : حتم ، وعين : عذاب ، وسين : سنون كسني يوسف ، وقاف : قذف وخسف ومسخ يكون في آخر الزمان بالسفياني وأصحابه ، وناس من كلب ثلاثون ألفاً يخرجون معه . وذلك حين يخرج القائم عليه السلام بمكة ، وهو مهدي هذه الأمة » .
تفسير الثعلبي : 8 / 303 : « قال بكر بن عبد الله المزني . . : سين : سناء المهدي . ق : قوة عيسى عليه السلام حين ينزل فيقتل النصارى ويخرب البيع » .
البدء والتاريخ : 2 / 170 : « وقال بعض أهل التفسير في : حم عسق ، إن الحاء حرب والميم ملك بني أمية ، والعين عباسية ، والسين سفيانية » !
ظهور المهدي عليه السلام نهاية مهلة الظالمين
تأويل الآيات : 1 / 392 : « عن معلى بن خنيس ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ ؟ قال : خروج القائم . مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ : قال : هم بنو أمية الذين متعوا في دنياهم » .
الكافي : 1 / 435 : « عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام : في حديث قال فيه : قلت : مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ ؟ قال : معرفة أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ . قال : يستوفي نصيبه من دولتهم . وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ : قال : ليس له في دولة الحق مع القائم نصيب » .
المهدي عليه السلام يسلطه الله تعالى على دماء الظلمة
التنزيل والتحريف / 49 : « عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ :
--------------------------- 824 ---------------------------
يا محمد من تكذيبهم إياك ، فإني منتقم منهم برجل منك ، وهو قائمي الذي سلطته على دماء الظلمة واذكر عبدنا داود . . الآية » .
مهلة ظالمي أهل البيت عليهم السلام إلى ظهور القائم عليه السلام
تفسير القمي : 2 / 416 : « عن أبي بصير في قوله : فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ : ما له قوة يقوى بها على خالقه ، ولا ناصر من الله ينصره إن أراد به سوءً . قلت : إنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً ؟ قال : كادوا رسول الله صلى الله عليه وآله وكادوا علياً وكادوا فاطمة عليه السلام ! فقال الله : يا محمد إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً فمَهِّل الكافرين يا محمد أمهلهم رويداً ، لوقت بعث القائم عليه السلام فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش وبني أمية وسائر الناس » .
أن المهدي عليه السلام يُصْلِي أعداءه نار الحرب
الكافي : 8 / 50 : « عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت : هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ : قال : يغشاهم القائم بالسيف . قال : قلت : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ : قال : خاضعة لا تطيق الامتناع . قال : قلت : عَامِلَةٌ ؟ قال : عملت بغير ما أنزل الله . قال : قلت : نَاصِبَةٌ ؟ قال : نصبت غير ولاة الأمر . قال : قلت : تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً ؟ قال : تصلى نار الحرب في الدنيا على عهد القائم وفي الآخرة نار جهنم » .
أن الله تعالى يحق الحق بالمهدي عليه السلام
تفسير القمي : 2 / 275 : « عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : في قول الله عز وجل : قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى : يعني في أهل بيته . قال : جاءت الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا : إنا قد آوينا ونصرنا ، فخذ طائفة من أموالنا فاستعن بها على ما نابك . فأنزل الله : قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ، يعني على النبوة . إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى : يعني في أهل بيته . ثم قال : ألا ترى أن الرجل يكون له صديق ، وفي نفس ذلك الرجل شئ على أهل بيته ، فلا يسلم صدره ، فأراد الله أن لا يكون في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله شئ على أمته ففرض عليهم المودة في القربى ، فإن أخذوا أخذوا مفروضاً وإن تركوا تركوا مفروضاً .
--------------------------- 825 ---------------------------
قال : فانصرفوا من عنده ، وبعضهم يقول : عرضنا عليه أموالنا ، فقال : قاتلوا عن أهل بيتي من بعدي . وقالت طائفة ما قال هذا رسول الله ! وجحدوه وقالوا كما حكى الله : أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً ! فقال الله : فَإِنْ يَشَأِ اللهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ : قال لو افتريت ، وَيَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ : يعني بالنبي وبالأئمة والقائم من آل محمد . إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ » .
العهد المكتوب للمهدي عليه السلام من جده صلى الله عليه وآله
دلائل الإمامة / 256 : « عن محمد بن علي الهمداني ، عن أبي عبد الله قال : الليلة التي يقوم فيها قائم آل محمد ينزل رسول الله وأميرالمؤمنين وجبرئيل عليهم السلام على حراء ، فيقول له جبرئيل : أجب ، فيخرج رسول الله رقاً من حجزة إزاره ، فيدفعه إلى علي فيقول له أكتب : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا عهد من الله ورسوله ومن علي بن أبي طالب لفلان بن فلان باسمه واسم أبيه ، وذلك قول الله عز وجل في كتابه : وَالطُّورِ . وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ . فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ . وهو الكتاب الذي كتبه علي بن أبي طالب ، والرق المنشور : الذي أخرجه رسول الله من حجزة إزاره ، قلت : والبيت المعمور وهو رسول الله ؟ قال : نعم ، المملي رسول الله والكاتب علي » .
أن المهدي عليه السلام وشيعته من السابقين
النعماني / 90 : « عن داود بن كثير الرقي قال : قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام : جعلت فداك أخبرني عن قول الله عز وجل : وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ؟ قال : نطق الله بها يوم ذرأ الخلق في الميثاق قبل أن يخلق الخلق بألفي عام . فقلت : فسِّر لي ذلك ، فقال : إن الله عز وجل لما أراد أن يخلق الخلق خلقهم من طين ، ورفع لهم ناراً فقال : أدخلوها ، فكان أول من دخلها محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وأميرالمؤمنين والحسن والحسين وتسعة من الأئمة ، إمام بعد إمام ثم أتبعهم بشيعتهم ، فهم والله السابقون » .
حياة الأرض بعدل المهدي عليه السلام بعد موتها بالجور
كمال الدين : 2 / 668 : « عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل : اعْلَمُوا
--------------------------- 826 ---------------------------
أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا : قال : يحييها الله عز وجل بالقائم عليه السلام ، بعد موتها ، موتها : كفر أهلها والكافر ميت » .
غيبة الطوسي / 109 : « عن ابن عباس في قوله : إعلموا أن الله يحيي الأرض : يعني يصلح الأرض بقائم آل محمد . بَعْدَ مَوْتِهَا ، يعني من بعد جور أهل مملكتها . قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ : الآيات بقائم آل محمد لعلكم تعقلون » .
النعماني / 24 : « عن رجل من أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال : سمعته يقول : نزلت هذه الآية في سورة الحديد : وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ : في أهل زمان الغيبة ، ثم قال عز وجل : إعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ : وقال : إنما الأمد أمد الغيبة فإنه أراد عز وجل يا أمة محمد أو يا معشر الشيعة ، لا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد ، فتأويل هذه الآية جاء في أهل زمان الغيبة وأيامها دون غيرهم من أهل الأزمنة وإن الله تعالى نهى الشيعة عن الشك في حجة الله تعالى ، أو أن يظنوا أن الله تعالى يخلي أرضه منها طرفة عين ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في كلامه لكميل بن زياد : بلى اللهم لا تخلو الأرض من حجة الله إما ظاهر معلوم أو خائف مغمور ، لئلا تبطل حجج الله وبيناته . وحذرهم من أن يشكوا ويرتابوا فيطول عليهم الأمد فتقسو قلوبهم . ثم قال عليه السلام ألا تسمع قوله تعالى في الآية التالية لهذه الآية : إعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ : أي يحييها الله بعدل القائم عند ظهوره بعد موتها بجور أئمة الضلال » .
المهدي عليه السلام هو الماء المعين في الآية
كمال الدين : 1 / 325 : « عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ؟ فقال : هذه نزلت في القائم ، يقول : إن أصبح إمامكم غائباً لا تدرون أين هو فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء والأرض ، وحلال الله عز وجل وحرامه ؟ ثم قال عليه السلام : والله ما جاء تأويل هذه الآية ولا بد أن يجئ تأويلها » .
وفي كتاب التحريف والتنزيل / 62 : « عن الحلبي ، عن أبي عبد الله : فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ :
--------------------------- 827 ---------------------------
إن غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد » .
وفي إثبات الوصية / 226 : « عن عباد بن يعقوب الأسدي عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : سألته عن قول الله عز وجل : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً . . . قال : فقدتم إمامكم فلم تروه فما أنتم صانعون » .
إنكار المكذبين لنسب الإمام المهدي عليه السلام
تأويل الآيات : 2 / 771 : « عن عبد الله بن بكير ، يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل . . . : إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ : قال : يعني تكذيبه بالقائم عليه السلام إذ يقول له لسنا نعرفك ، ولست من ولد فاطمة عليها السلام كما قال المشركون لمحمد صلى الله عليه وآله » .
أن الإمام المهدي عليه السلام يلهم ببدء ظهوره
الكافي : 1 / 343 : « عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ : قال : إن منا إماماً مظفراً مستتراً ، فإذا أراد الله عز ذكره إظهار أمره ، نكت في قلبه نكتة فظهر ، فقام بأمر الله تبارك وتعالى » .
ومثله إثبات الوصية / 228 : « عن المفضل قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تفسير جابر فقال : لا تحدث به السفلة فيذيعوه ، أما تقرأ في كتاب الله عز وجل » .
وفي تأويل الآيات : 2 / 732 : « قال عليه السلام : إذا نقر في أذن الإمام القائم أذن له في القيام » .
وقال في البحار : 51 / 57 : « لعل المراد أن تلك الاسرار إنما تظهر عند قيام القائم عليه السلام ورفع التقية ، ويحتمل أن يكون الاستشهاد بالآية لبيان عسر فهم تلك العلوم التي يظهرها القائم ، وشدتها على الكافرين ، كما يدل عليه تمام الآية » .
أن دولة إبليس تنتهي بظهور المهدي عليه السلام
تأويل الآيات : 2 / 734 : « عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل : ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً : قال : يعني بهذه الآية إبليس اللعين خلقه وحيداً من غير أب ولا أم ، وقوله : وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً
--------------------------- 828 ---------------------------
مَمْدُوداً : يعني هذه الدولة إلى يوم الوقت المعلوم ، يوم يقوم القائم . وَبَنِينَ شُهُوداً ، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ، ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ، كَلا إِنَّهُ كَانَ لآياتنَا عَنِيداً : يقول : معانداً للأئمة يدعوا إلى غير سبيلها ، ويصد الناس عنها وهي آيات الله » .
تفسير القمي : 2 / 395 : « عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله : ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ، إلى قوله : فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ . ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ : قال : عذاب بعد عذاب ، يعذبه القائم عليه السلام » .
يغيب المهدي عليه السلام كالنجم الغائب ويقبل كالشهاب الثاقب
الكافي : 1 / 341 : « عن أم هاني قالت : سألت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام عن قول الله تعالى : فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ، الْجَوَارِ الْكُنَّسِ : قالت : فقال : إمام يخنس سنة ستين ومائتين ، ثم يظهر كالشهاب يتوقد في الليلة الظلماء ، فإن أدركت زمانه قرت عينك » .
« وفي رواية : الخُنس : إمام يخنس في زمانه عند انقطاع من علمه عند الناس . . ثم يبدو » .
كمال الدين / 330 : « عن أم هاني الثقفية قالت : غدوت على سيدي محمد بن علي الباقر عليه السلام فقلت له : يا سيدي آية في كتاب الله عز وجل عرضت بقلبي فأقلقتني وأسهرت ليلي ، قال : فسلي يا أم هاني . قالت : قلت : يا سيدي قول الله عز وجل : فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ؟ قال : نعم المسألة سألتني يا أم هاني . هذا مولود في آخر الزمان ، هو المهدي من هذه العترة ، تكون له حيرة وغيبة ، يضل فيها أقوام ، ويهتدي فيها أقوام : فيا طوبى لك إن أدركته ، ويا طوبى لمن أدركه » .
النبي صلى الله عليه وآله السماء ، والأئمة عليهم السلام البروج
الإختصاص / 223 : « عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت ابن عباس يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إلى أن قال : أتقدر يا ابن عباس أن الله يقسم بالسماء ذات البروج ويعني به السماء وبروجها ؟ قلت يا رسول الله فما ذاك ؟ أما السماء فأنا ، وأما البروج فالأئمة بعدي ، أولهم علي وآخرهم المهدي » .
--------------------------- 829 ---------------------------
تأويل الآيات : 2 / 805 : « عن سليمان الديلمي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قول الله عز وجل : وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ؟ قال : الشمس : رسول الله صلى الله عليه وآله أوضح للناس دينهم . قلت : وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ؟ قال : ذاك أمير المؤمنين تلا رسول الله صلى الله عليه وآله . قلت : وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا ؟ قال : ذاك الإمام من ذرية فاطمة نسل رسول الله صلى الله عليه وآله فيجلي ظلام الجور والظلم ، فحكى الله سبحانه عنه فقال : وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا ، يعني به القائم عليه السلام » .
المهدي عليه السلام هو الوتر في الآية
المناقب : 1 / 281 : « عن الباقر عليه السلام في تفسير قوله : وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْر : يا جابر ، والفجر جدي وليال عشر أئمة ، والشفع أمير المؤمنين والوتر : اسم القائم » .
المهدي عليه السلام هو الفجر في سورة الفجر
تأويل الآيات : 2 / 792 : « عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قوله عز وجل : وَالْفَجْرِ : هو القائم عليه السلام . وَلَيَالٍ عَشْر : الأئمة عليهم السلام من الحسن إلى الحسن . والشفع : أمير المؤمنين وفاطمة عليه السلام . والوتر : هو الله وحده لا شريك له . والليل إذا يسر : هي دولة حبتر ، فهي تسري إلى قيام القائم عليه السلام » .
المهدي عليه السلام في سورة الضحى والشمس والليل
تفسير فرات / 212 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال الحارث الأعور للحسين عليه السلام : يا ابن رسول الله جعلت فداك أخبرني عن قول الله في كتابه : وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا . قال : ويحك يا حارث ذلك محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وآله . قال قلت : جعلت فداك قوله : وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ؟ قال : ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يتلو محمداً صلى الله عليه وآله . قال : قلت : قوله : وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا ؟ قال : ذلك القائم من آل محمد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً » .
تأويل الآيات : 2 / 803 : « عن الفضل بن العباس ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، أنه قال : وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا : الشمس أمير المؤمنين عليه السلام ، وضحاها قيام القائم عليه السلام لأن الله سبحانه قال :
--------------------------- 830 ---------------------------
مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحىً . وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا : الحسن والحسين عليه السلام . وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا : هو قيام القائم عليه السلام . وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا : حبتر ودولته قد غشي عليه الحق . وأما قوله : وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ، قال : هو محمد عليه وآله السلام هو السماء ، الذي يسمو إليه الخلف في العلم . وقوله : كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ، قال : ثمود رهط من الشيعة فإن الله سبحانه يقول : وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ ، وهو السيف إذا قام القائم عليه السلام . وقوله تعالى : فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا ، هو النبي صلى الله عليه وآله . ناقة الله وسقياها : قال : الناقة الإمام الذي فهم عن الله وفهم عن رسوله . وسقياها : أي عنده مستقى العلم . فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا ، قال : في الرجعة . ولا يخاف عقباها : قال : لا يخاف من مثلها إذا رجع » .
تفسير القمي : 2 / 425 : « عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل : وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ؟ قال : الليل في هذا الموضع فلان غشي أمير المؤمنين في دولته التي جرت له عليه ، وأميرالمؤمنين عليه السلام يصبر في دولتهم حتى تنقضي . قال : وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ؟ قال : النهار هو القائم منا أهل البيت ، إذا قام غلب دولته الباطل والقرآن ضرب فيه الأمثال للناس وخاطب الله نبيه به ، ونحن فليس يعلمه غيرنا » .
المهدي عليه السلام يهدي إلى دين القيمة
تأويل الآيات : 2 / 831 : « عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل : وذلك دين القيمة قال : إنما هو ذلك دين القائم عليه السلام » .
- *
--------------------------- 831 ---------------------------
الفصل التاسع والثلاثون ( سفراء المهدي ، سفراء الإمام عليه السلام وكذابون ادعوا السفارة )
--------------------------- 832 ---------------------------
ثقة عموم الشيعة بالسفراء الأربعة رضوان الله عليهم
تقدم في فصول الكتاب ما يدل على دقة الشيعة وتشددهم في التعامل مع سفراء الإمام عليه السلام ، وأنهم أجمعوا على وثاقة عثمان بن سعيد العمري الأسدي وابنه محمد رضي الله عنهما ، لأنهم سمعوا فيهما شهادة الإمامين الهادي والعسكري عليه السلام ، ورأوا على أيديهما المعجزات والكرامات التي توجب اليقين بأن الأجوبة ليست منهما ، بل من الإمام المهدي عليه السلام . وكان الشيعة يتشددون مع المدعي ، وقد ردوا ادعاء جعفرالكذاب بأنه الإمام ، وادعاء غيره بأنه سفير الإمام عليه السلام لأنهم طلبوا منهم المعجزة فلم يأتوا بها . وهذا دليلٌ على قوة حجة المذهب ، وقيامه على الدليل القطعي .
قال في كمال الدين : 2 / 516 ، والاحتجاج : 2 / 291 : « وأما الأبواب المرضيون والسفراء الممدوحون في زمان الغيبة : فأولهم الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، نصبه أولاً أبو الحسن علي بن محمد العسكري ، ثم ابنه أبو محمد الحسن عليه السلام فتولى القيام بأمورهما حال حياتهما ، ثم بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان عليه السلام وكانت توقيعاته وجواب المسائل تخرج على يديه فلما مضى لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه وناب منابه في جميع ذلك . فلما مضى هو قام بذلك أبو القاسم حسين بن روح من بني نوبخت ، فلما مضى قام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري . ولم يقم أحد منهم بذلك إلا بنص عليه من قبل صاحب الأمر عليه السلام ، ونصب صاحبه الذي تقدم عليه ، ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر عليه السلام تدل على صدق مقالتهم وصحة بابيتهم . فلما حان سفر أبي الحسن السمري من الدنيا وقرب أجله ، قيل له : إلى من توصي ؟ فأخرج إليهم توقيعاً نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم : يا علي بن محمد السمري ، أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة ، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً . وسيأتي إلى شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذابٌ مُفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
فنسخوا هذا التوقيع وخرجوا ، فلما كان اليوم السادس عادوا إليه وهو يجود بنفسه فقال
--------------------------- 833 ---------------------------
له بعض الناس : من وصيك من بعدك ؟ فقال : لله أمر هو بالغه وقضى ، فهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه وأرضاه » .
ونلاحظ أن الصدوق رحمه الله رواه بواسطة واحدة عن السمري ، هو الحسن بن أحمد المكتَّب ، الذي يروي عنه بإجلال ويترضى عنه في كتبه . وقد ترجم له ابن حجر في لسان الميزان : 2 / 271 : « قال علي بن الحكم في مشايخ الشيعة : كان مقيماً بقم وله كتاب في الفرائض أجاد فيه ، وأخذ عنه أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه وكان يعظمه » .
أقول : وقعت شبهة لبعضهم فتصور أن هذا الحديث يدل على عدم إمكان مشاهدة الإمام عليه السلام في غيبته الكبرى نهائياً ، لأنه اشتبه في فهم العبارة الأخيرة من التوقيع : « وسيأتي إلى شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذابٌ مُفتر » فقد فسر المشاهدة بالرؤية ، بينما هي الحضورالمستمرعند الإمام عليه السلام ويعني السفارة عنه . كما غفل عن قرينة : يأتي إلى شيعتي ، وعن الأحاديث الصحيحة في الرؤية في عصرالغيبة .
وقد كتبنا في جواب ذلك رسالة بعنوان : جواب على شبهة شيخ وسيد في رؤية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف . وأوردنا الأحاديث الصحيحة ، ومنها : قول الإمام الصادق عليه السلام « الكافي : 1 / 340 ، وغيبة النعماني / 194 » : « للقائم غيبتان : إحداهما طويلة ، والأخرى قصيرة ، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته ، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه في دينه » . وقوله عليه السلام : « لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة ، ولا بد له في غيبته من عُزلة ، ونعم المنزل طيبة ، وما بثلاثين من وحشة » . يضاف إلى ذلك أن عدداً من الثقات العدول ، الأصحاء الأبدان والأذهان ، أخبروا أنهم رأوه عليه السلام ، في قصص صحيحة مستفيضة .
كان للإمام عليه السلام وكلاء غير السفراء الأربعة
نورد فيما يلي نص الشيخ الطوسي رحمه الله من كتاب الغيبة / 345 ، لأنه يعطي أضواء على وكلاء الأئمة الممدوحين رضي الله عنهم . قال رحمه الله : « فصل في ذكر طرف من أخبار السفراء الذين كانوا في حال الغيبة ، وقبل ذكر من كان سفيراً حال الغيبة ، نذكر طرفاً من أخبار من كان يختص بكل إمام ويتولى له الأمر على وجه من الإيجاز ، ونذكر من كان ممدوحاً منهم
--------------------------- 834 ---------------------------
حسن الطريقة ، ومن كان مذموماً سئ المذهب ليعرف الحال في ذلك ، وقد روي في بعض الأخبار أنهم عليهم السلام قالوا : خدامنا وقوامنا شرار خلق الله ، وهذا ليس على عمومه وإنما قالوه لأن فيهم من غير وبدل وخان على ما سنذكره .
وقد روى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه ، عن محمد بن صالح الهمداني قال : كتبت إلى صاحب الزمان عليه السلام إن أهل بيتي يؤذوني ويقرعوني بالحديث الذي روي عن آبائك عليهم السلام أنهم قالوا : خدامنا وقوامنا شرار خلق الله ، فكتب : ويحكم ما تقرؤن ما قال الله تعالى : وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً ، فنحن والله القرى التي بارك فيها ، وأنتم القرى الظاهرة .
فمن المحمودين : حمران بن أعين : أخبرنا الحسين بن عبيد الله ، عن أبي جعفر محمد بن سفيان البزوفري ، عن أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة قال : قال أبو جعفر عليه السلام وذكرنا حمران بن أعين فقال : لايرتد والله أبداً ، ثم أطرق هنيئة ثم قال : أجل لايرتد والله أبداً .
ومنهم : المفضل بن عمر : بهذا الإسناد عن أحمد بن إدريس . . عن هشام بن أحمر قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن المفضل بن عمر ، وهو في ضيعة له في يوم شديد الحر ، والعرق يسيل على صدره ، فابتدأني فقال : نِعْمَ واللهِ الذي لا إله إلا هو الرجل المفضل بن عمر الجعفي ، نِعْمَ والله الذي لا إله إلا هو الرجل المفضل بن عمر الجعفي ، حتى أحصيت بضعاً وثلاثين مرة يكررها . وقال : إنما هو والد بعد والد .
وروي عن هشام بن أحمر قال : حملت إلى أبي إبراهيم عليه السلام إلى المدينة أموالاً فقال : ردها فادفعها إلى المفضل بن عمر ، فرددتها إلى جعفي فحططتها على باب المفضل .
وروي عن موسى بن بكر قال : كنت في خدمة أبي الحسن عليه السلام فلم أكن أرى شيئاً يصل إليه إلا من ناحية المفضل ، ولربما رأيت الرجل يجئ بالشئ فلا يقبله منه ، ويقول : أوصله إلى المفضل .
ومنهم : المعلى بن خُنيس : وكان من قوام أبي عبد الله عليه السلام ، وإنما قتله داود بن علي بسببه وكان محموداً عنده ، ومضى على منهاجه ، وأمره مشهور .
--------------------------- 835 ---------------------------
فروي عن أبي بصير قال : لما قَتل داود بن علي المعلى بن خنيس فصلبه ، عَظُم ذلك على أبي عبد الله عليه السلام واشتد عليه وقال له : يا داود ! على ما قتلت مولاي وقيِّمي في مالي وعلى عيالي ؟ والله إنه لاوجه عند الله منك ، في حديث طويل ، وفي خبر آخر أنه قال : أما والله لقد دخل الجنة .
ومنهم : نصر بن قابوس اللخمي : فروي أنه كان وكيلا لأبي عبد الله عليه السلام عشرين سنة ولم يُعلم أنه وكيل ، وكان خيراً فاضلاً . وكان عبد الرحمن بن الحجاج وكيلاً لأبي عبد الله عليه السلام ومات في عصر الرضا عليه السلام على ولايته .
ومنهم : عبد الله بن جُندب البجلي : وكان وكيلاً لأبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليه السلام وكان عابداً رفيع المنزلة لديهما ، على ما روي في الأخبار .
ومنهم : ما رواه أبو طالب القمي ، قال : دخلت على أبي جعفر الثاني عليه السلام في آخر عمره فسمعته يقول : جزى الله صفوان بن يحيى ، ومحمد بن سنان ، وزكريا بن آدم ، وسعد بن سعد عني خيراً ، فقد وفوا لي .
وكان زكريا بن آدم ممن تولاهم ، وخرج فيه عن أبي جعفر عليه السلام : ذكرت ما جرى من قضاء الله في الرجل المتوفى ، رحمه الله تعالى يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً ، فقد عاش أيام حياته عارفاً بالحق قائلاً به ، صابراً محتسباً للحق ، قائماً بما يجب لله ولرسوله عليه ، ومضى غير ناكث ولا مبدل ، فجزاه الله أجر نيته وأعطاه جزاء سعيه .
وأما محمد بن سنان : فإنه روي عن علي بن الحسين بن داود قال : سمعت أبا جعفر الثاني عليه السلام يذكر محمد بن سنان بخير ويقول : رضي الله عنه برضائي عنه ، فما خالفني وما خالف أبي قط .
ومنهم : عبد العزيز بن المهتدي القمي الأشعري ، خرج فيه عن أبي جعفر عليه السلام : قُبضت والحمد لله وقد عرفت الوجوه التي صارت إليك منها ، غفر الله لك ولهم الذنوب ورحمنا وإياكم . وخرج فيه : غفر الله لك ذنبك ، ورحمنا وإياك ، ورضي عنك برضائي عنك .
ومنهم : علي بن مهزيار الأهوازي ، وكان محموداً . أخبرني جماعة عن التلعكبري عن أحمد بن علي الرازي ، عن الحسين بن علي ، عن أبي الحسن البلخي ، عن أحمد بن مابندار الإسكافي ، عن العلاء النداري ، عن الحسن بن شمون قال : قرأت هذه الرسالة على علي بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني بخطه : بسم الله الرحمن الرحيم . يا علي أحسن الله جزاك
--------------------------- 836 ---------------------------
وأسكنك جنته ، ومنعك من الخزي في الدنيا والآخرة ، وحشرك الله معنا . يا علي قد بلوتك وخبرتك في النصيحة والطاعة والخدمة ، والتوقير والقيام بما يجب عليك ، فلو قلت إني لم أر مثلك لرجوت أن أكون صادقاً ، فجزاك الله جنات الفردوس نزلاً ، فما خفي عليَّ مقامك ولا خدمتك في الحر والبرد ، في الليل والنهار ، فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها ، إنه سميع الدعاء .
ومنهم : أيوب بن نوح بن دراج : ذكر عمرو بن سعيد المدائني ، وكان فطحياً ، قال : كنت عند أبي الحسن العسكري عليه السلام بِصِرْيَا « قرية قرب المدينة » إذ دخل أيوب بن نوح ووقف قدامه ، فأمره بشئ ثم انصرف ، والتفت إليَّ أبو الحسن عليه السلام وقال : يا عمرو إن أحببت أن تنظر إلى رجل من أهل الجنة فانظر إلى هذا .
ومنهم : علي بن جعفر الهمداني : وكان فاضلاً مرضياً ، من وكلاء أبي الحسن وأبي محمد عليه السلام . روى أحمد بن علي الرازي ، عن علي بن مخلد الأيادي قال : حدثني أبو جعفر العمري رضي الله عنه قال : حج أبو طاهر بن بلال فنظر إلى علي بن جعفر وهو ينفق النفقات العظيمة ، فلما انصرف كتب بذلك إلى أبي محمد عليه السلام فوقع في رقعته : قد كنا أمرنا له بمائة ألف دينار ، ثم أمرنا له بمثلها ، فأبى قبوله إبقاء علينا ، ما للناس والدخول في أمرنا فيما لم ندخلهم فيه ! قال : ودخل على أبي الحسن العسكري عليه السلام فأمر له بثلاثين ألف دينار .
ومنهم : أبو علي بن راشد : أخبرني ابن أبي جيد ، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار ، عن محمد بن عيسى قال : كتب أبو الحسن العسكري عليه السلام إلى الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها : قد أقمتُ أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه ومن قبله من وكلائي ، وقد أوجبتُ في طاعته طاعتي وفي عصيانه الخروج إلى عصياني ، وكتبت بخطي .
وروى محمد بن يعقوب رفعه إلى محمد بن فرج قال : كتبت إليه أسأله عن أبي علي بن راشد ، وعن عيسى بن جعفر بن عاصم ، وعن ابن بند ، وكتب إلي : ذكرت ابن راشد رحمه الله فإنه عاش سعيداً ، ومات شهيداً ، ودعا لابن بند والعاصمي ، وابن بند ضرب بعمود وقتل ، وابن عاصم ضرب بالسياط على الجسر ثلاث مائة سوط ، ورميَ به في الدجلة ! فهؤلاء جماعة المحمودين ، وتركنا ذكر استقصائهم ، لأنهم معروفون ، مذكورون في الكتب » . انتهى .
--------------------------- 837 ---------------------------
وفي الخرائج : 3 / 1108 : « وكيل أبي محمد عليه السلام الشيخ عثمان بن سعيد العمري ، ثم ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان ، ثم أبو القاسم الحسين بن روح ، ثم الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري ثم كانت الغيبة الطولى . وكانوا كل واحد منهم يعرفون كمية المال جملة وتفصيلاً ، ويسمون أربابها ، بإعلامهم ذلك من القائم عليه السلام » .
وقال الحر العاملي في وسائل الشيعة : 20 / 79 : « الفائدة السابعة في ذكر أصحاب الإجماع وأمثالهم كأصحاب الأصول ونحوهم ، والجماعة الذين وثقهم الأئمة عليهم السلام وأثنوا عليهم وأمروا بالرجوع إليهم ، والعمل برواياتهم ، والذين عُرفت عدالتهم بالتواتر ، فيحصل بوجودهم في السند قرينة توجب ثبوت النقل والوثوق ، وإن رووا بواسطة . قال الشيخ الثقة الجليل أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال ما هذا لفظه : قال الكشي : أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام ، وانقادوا لهم بالفقه فقالوا : أفقه الأولين ستة : زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد ، وأبو بصير الأسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي . قالوا : وأفقه الستة زرارة . وقال بعضهم : مكان أبي بصير الأسدي : أبو بصير المرادي ، وهو ليث بن البختري . انتهى .
ثم أورد أحاديث كثيرة في مدحهم وجلالتهم وعلو منزلتهم ، والأمر بالرجوع إليهم ، تقدم بعضها في كتاب القضاء ، ثم قال : تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون ، وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم ، ستة نفر : جميل بن دراج ، وعبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحماد بن عيسى ، وحماد بن عثمان ، وأبان بن عثمان . قالوا : وزعم أبو إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون ، أن أفقه هؤلاء جميل بن دراج . وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله عليه السلام » .
وقال في الوسائل : 20 / 88 : « وهذا القسم كثير يعلم بالتتبع لكتب الرجال وغيرها . وأما الجماعة الذين وثقهم الأئمة عليهم السلام وأثنوا عليهم وأمروا بالرجوع إليهم والعمل برواياتهم ، ونصبوهم وكلاء وجعلوهم مرجعاً للشيعة ، فهم كثيرون ، ونحن نذكر جملة منهم ، وأكثرهم مذكور في كتاب الغيبة للشيخ ، وقد تقدم بعضهم في القضاء ، ويأتي جملة أخرى منهم .
--------------------------- 838 ---------------------------
فمن أجلائهم وعظمائهم محمد بن عثمان العمري ، وعثمان بن سعيد العمري ، والحسين بن روح النوبختي ، وعلي بن محمد السمري ، وحمران بن أعين ، والمفضل بن عمر ، والمعلى بن خنيس ، ونصر بن قابوس ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، وعبد الله بن جندب ، وصفوان بن يحيى ، ومحمد بن سنان ، وزكريا بن آدم ، وسعد بن سعد ، وعبد العزيز بن المهتدي ، وعلي بن مهزيار ، وأيوب بن نوح ، وعلي بن جعفر الهمَّاني ، وأبو علي بن راشد ، وبنو فضال ، وزرارة ، وبريد العجلي ، وأبو بصير ليث بن البختري ، ومحمد بن مسلم ، وأبو بصير الأسدي ، والحارث بن المغيرة ، وأبان بن تغلب ، وأبان بن عثمان ، ويونس بن عبد الرحمن ، وعلي بن حديد ، وأبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي ، وهو محمد بن أبي عبد الله ، وأحمد بن إسحاق الأشعري ، وإبراهيم بن محمد الهمداني ، وأحمد بن حمزة بن اليسع ، وحاجز بن يزيد ، ومحمد بن علي بن بلال ، والعاصمي ، ومحمد بن إبراهيم بن مهزيار ، وأبوه ، ومحمد بن صالح الهمداني ، وأبوه ، والقاسم بن العلاء ، ومحمد بن شاذان النيسابوري ، والفضل بن شاذان النيسابوري ، وعلي بن مهزيار ، والحارث المرزباني ، وغيرهم .
ونقل ابن طاووس في كشف المحجة من كتاب الرسائل لمحمد بن يعقوب الكليني وعن علي بن إبراهيم ، بسنده إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه دعا كاتبه عبد الله بن أبي رافع فقال : أدخل إليَّ عشرة من ثقاتي ، فقال : سمهم لي يا أمير المؤمنين ، فقال : أدخل : أصبغ بن نباتة ، وأبا الطفيل عامر بن واثلة الكناني ، وزر بن حبيش ، وجويرة بن مسهر ، وخندف بن زهير ، وحارث بن مصرف ، والحارث الأعور ، وعلقمة بن قيس ، وكميل بن زياد ، وعمير بن زرارة . . . الحديث
وروى الصدوق في عيون الأخبار ، بالإسناد السابق ، عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا عليه السلام ، في كتاب إلى المأمون قال : محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله . . إلى أن قال : والبراءة من الذين ظلموا آل محمد حقهم ، وذكر جملة من أنواعهم وأصنافهم . ثم قال : والولاية لأمير المؤمنين عليه السلام والمقبولين من الصحابة الذين مضوا على منهاج نبيهم صلى الله عليه وآله ولم يغيروا ولم يبدلوا ، مثل سلمان الفارسي ، وأبي ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود ، وعمار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان ، وأبي الهيثم التيهان ، وسهل بن حنيف ، وعثمان ، وأخويه ، وعُبَادَة بن الصامت ، وأبي أيوب الأنصاري ، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ، وأبي سعيد الخدري ، وأمثالهم ،
--------------------------- 839 ---------------------------
رضي الله عنهم . والولاية لأتباعهم وأشياعهم والمهتدين بهدايتهم السالكين منهاجهم .
وروى الكشي عن الثقات ، عن أبي محمد الرازي قال : كنت أنا وأحمد بن أبي عبد الله البرقي بالعسكر ، فورد علينا رسول من الرجل عليه السلام فقال : الغائب العليل ثقة ، وأيوب بن نوح ، وإبراهيم بن محمد الهمداني ، وأحمد بن حمزة ، وأحمد بن إسحاق ثقاتٌ جميعاً . وروى الشيخ في كتاب الغيبة نحوه .
وقال الكشي : حكى بعض الثقات بنيسابور وذكر توقيعاً طويلاً من جملته ، يا إسحاق إقرأ كتابنا علي البلالي رضي الله عنه ، فإنه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه ، واقرأه على المحمودي عافاه الله فما أحمدنا لطاعته فإذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا ، والذي يقبض من موالينا .
وروى الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عبد الله بن أحمد ، عن إبراهيم بن الحسن ، عن وهيب بن حفص ، عن إسحاق بن جرير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : كان سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأبو خالد الكابلي ، من ثقات علي بن الحسين عليه السلام . . الحديث . وقد تقدم في المواريث حديث محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : حدثني جابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن يكذب جابر ، أن ابن الأخ يقاسم الجد .
وتقدم في المواقيت حديث يزيد بن خليفة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، فقال : إذاً لا يكذب علينا . وتقدم في القضاء عن العسكري عليه السلام أنه سئل عن كتب بني فضال فقال : خذوا بما رووا ، ودعوا ما رأوا .
وروى الصدوق في كتاب إكمال الدين عن محمد بن محمد الخزاعي ، عن أبي علي الأسدي ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، أنه ذكر عدد من انتهى إليه ممن وقف على معجزات صاحب الزمان عليه السلام ورآه من الوكلاء ببغداد : العمري ، وابنه ، وحاجز ، والبلالي ، والعطار ، ومن الكوفة : العاصمي . ومن الأهواز : محمد بن إبراهيم بن مهزيار . ومن أهل قم : أحمد بن إسحاق . ومن أهل همدان : محمد بن صالح . ومن أهل الري : السامي ، والأسدي ، يعني نفسه . ومن آذربيجان : القاسم بن العلا . ومن نيسابور : محمد بن شاذان النعيمي . ومن غير الوكلاء من أهل بغداد : أبو القاسم بن أبي حابس ، وذكر جماعة كثيرين .
--------------------------- 840 ---------------------------
وقال الشهيد الثاني في شرح الدراية : تعرف العدالة المعتبرة في الراوي بتنصيص عدلين عليها أو بالاستفاضة ، بأن تشتهرعدالته بين أهل النقل وغيرهم من أهل العلم ، كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمد بن يعقوب الكليني وما بعده إلى زماننا هذا ، لا يحتاج أحد من هؤلاء المشايخ المشهورين إلى تنصيص على تزكيته ، ولا تنبيه على عدالته ، لما اشتهر في كل عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم ، زيادة على العدالة ، وإنما يتوقف على التزكية غير هؤلاء . انتهى .
والحق أن كثيراً من علمائنا المتقدمين والمصنفين المذكورين في كتب الرجال من غير تضعيف كذلك ، لما ظهر من آثارهم واشتهر من أحوالهم ، وإن لم يصرحوا بتوثيقهم في بعض المواضع . ومما يؤيد قول الشهيد الثاني أنه قد نقل حصول وضع الحديث في زمان ظهورالأئمة عليهم السلام من بعض الضعفاء ، وكان الثقات يعرضون ما يشكون فيه على الأئمة عليهم السلام ، وعلى الكتب المعتمدة ، وكان الأئمة عليهم السلام يخبرونهم بالحديث الموضوع ابتداء غالباً ، ولم ينقل أنه وقع وضع حديث في زمان الغيبة من أحد من مشهوري الشيعة ، ونسب إلى الأئمة عليهم السلام أصلاً ، وعلى تقدير تحققه فلم يقع من علماء الإمامية المشهورين شئ من ذلك قطعاً ، وهذا ضروري ، والله أعلم » .
السفيران العَمْرِيّان الأسديان رحمهما الله
قال الطوسي في رجاله / 389 : « عثمان بن سعيد العمري يكني أبا عمرو السمان ، ويقال له الزيات . خدمه « الإمام الهادي عليه السلام » وله إحدى عشرة سنة ، وله إليه عهد معروف » .
وقال في الغيبة / 353 : « فأما السفراء الممدوحون في زمان الغيبة : فأولهم من نصبه أبو الحسن علي بن محمد العسكري ، وأبو محمد الحسن بن علي بن محمد ابنه عليهم السلام ، وهو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العَمْري رحمه الله وكان أسدياً ، وإنما سمي العَمْري لما رواه أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب بن بنت أبي جعفر العمري ، قال أبو نصر : كان أسدياً فنسب إلى جده فقيل العمري ، وقد قال قوم من الشيعة إن أبا محمد الحسن بن علي عليه السلام قال : لايُجمع على امرئ بين عثمان وأبو عمرو ! وأمر بكسر كنيته فقيل العمري . ويقال له : العسكري أيضاً ، لأنه كان من عسكر سر من رأى ، ويقال له : السمان ، لأنه كان يتجر في السمن تغطية على الأمر ، وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمد عليه السلام ما يجب عليهم
--------------------------- 841 ---------------------------
حمله من الأموال ، أنفذوا إلى أبي عمرو ، فيجعله في جراب السمن وزقاقه ، ويحمله إلى أبي محمد عليه السلام تقية وخوفاً .
فأخبرني جماعة ، عن أبي محمد هارون بن موسى ، عن أبي علي محمد بن همام الإسكافي قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري قال : حدثنا أحمد بن إسحاق بن سعد القمي قال : دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت : يا سيدي أنا أغيب وأشهد ، ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت ، فقول من نقبل ، وأمر من نمتثل ؟ فقال لي صلوات الله عليه : هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ما قاله لكم فعني يقوله ، وما أداه إليكم فعني يؤديه .
فلما مضى أبو الحسن عليه السلام وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري عليه السلام ذات يوم فقلت له عليه السلام مثل قولي لأبيه ، فقال لي : هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعني يقوله ، وما أدى إليكم فعني يؤديه .
قال أبو محمد هارون : قال أبو علي : قال أبو العباس الحميري : فكنا كثيراً ما نتذاكر هذا القول ، ونتواصف جلالة محل أبي عمرو . وأخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون ، عن محمد بن همام ، عن عبد الله بن جعفر قال : حججنا في بعض السنين بعد مضي أبي محمد عليه السلام فدخلت على أحمد بن إسحاق بمدينة السلام ، فرأيت أبا عمرو عنده ، فقلت إن هذا الشيخ وأشرت إلى أحمد بن إسحاق ، وهو عندنا الثقة المرضي ، حدثنا فيك بكيت وكيت ، واقتصصت عليه ما تقدم يعني ما ذكرناه عنه من فضل أبي عمرو ومحله ، وقلت : أنت الآن ممن لا يشك في قوله وصدقه ، فأسألك بحق الله وبحق الإمامين اللذين وثقاك : هل رأيت ابن أبي محمد الذي هو صاحب الزمان ؟ فبكى ، ثم قال : على أن لا تخبر بذلك أحداً وأنا حيٌّ . قلت : نعم . قال : قد رأيته عليه السلام وعنقه هكذا ، يريد أنها أغلظ الرقاب حسناً وتماماً . قلت : فالاسم ؟ قال : نهيتم عن هذا .
وروى أحمد بن علي بن نوح أبو العباس السيرافي ، قال : أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد المعروف بابن برينة الكاتب ، قال : حدثني بعض الشراف من الشيعة الإمامية أصحاب الحديث ، قال : حدثني أبو محمد العباس بن أحمد الصائغ ، قال : حدثني الحسين
--------------------------- 842 ---------------------------
بن أحمد الخصيبي ، قال : حدثني محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيان ، قالا : دخلنا على أبي محمد الحسن عليه السلام بسر من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته ، حتى دخل عليه بدر خادمه ، فقال : يا مولاي بالباب قوم شعث غبر ، فقال لهم : هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن ، في حديث طويل يسوقانه إلى أن ينتهي إلى أن قال الحسن عليه السلام لبدر : فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري ، فما لبثنا إلا يسيراً حتى دخل عثمان ، فقال له سيدنا أبو محمد عليه السلام : إمض يا عثمان فإنك الوكيل والثقة المأمون » .
وتقدم في ولادة الإمام المهدي قول أبيه عليه السلام : نعم ، واشهدوا عليَّ أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي ، وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم » .
عنه ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ، بن بنت أبي جعفر العمري قدس الله روحه وأرضاه ، عن شيوخه أنه لما مات الحسن بن علي صلى الله عليه وآله حضر غسله عثمان بن سعيد رضي الله عنه وأرضاه ، وتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره مأموراً بذلك ، للظاهر من الحال التي لا يمكن جحدها ، ولا دفعها إلا بدفع حقائق الأشياء في ظواهرها .
وكانت توقيعات صاحب الأمر عليه السلام تخرج على يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان إلى شيعته وخواص أبيه أبي محمد عليه السلام ، بالأمر والنهي والأجوبة عما يسأل الشيعة عنه ، إذا احتاجت إلى السؤال فيه ، بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام ، فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتهما إلى أن توفي عثمان بن سعيد رحمه الله ورضي عنه ، وغسله ابنه أبو جعفر وتولى القيام به وحصل الأمر كله مردوداً إليه ، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته ، لما تقدم له من النص عليه بالأمانة والعدالة ، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن عليه السلام وبعد موته ، في حياة أبيه عثمان رحمة الله عليه . قال : وقال جعفر بن محمد بن مالك الفزاري البزاز ، عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال ، وأحمد بن هلال ، ومحمد بن معاوية بن حكيم ، والحسن بن أيوب بن نوح ، في خبر طويل مشهور ، قالوا جميعاً : اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام ، نسأله عن الحجة من بعده ، وفي مجلسه أربعون . . وتقدم في ولادته عليه السلام أن أباه أحضره في مجلس ضم أربعين رجلاً إلى أن قال عليه السلام :
هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم ،
--------------------------- 843 ---------------------------
ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر ، فاقبلوا من عثمان ما يقوله ، وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله ، فهو خليفة إمامكم ، والأمر إليه . . في حديث طويل .
قال أبو نصر هبة الله بن محمد : وقبر عثمان بن سعيد بالجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان ، في أول الموضع المعروف في الدرب المعروف بدرب جبلة ، في مسجد الدرب يمنة الداخل إليه ، والقبر في نفس قبلة المسجد رحمه الله .
قال محمد بن الحسن مصنف هذا الكتاب : رأيت قبره في الموضع الذي ذكره ، وكان بني في وجهه حائط وبه محراب المسجد ، وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيق مظلم ، فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرة ، وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة ثمان وأربع مائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربع مائة . ثم نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج وأبرز القبر إلى برَّا ، وعمل عليه صندوقاً وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره ، ويتبرك جيران المحلة بزيارته ويقولون هو رجل صالح ، وربما قالوا : هو ابن داية الحسين عليه السلام ، ولا يعرفون حقيقة الحال فيه ، وهو إلى يومنا هذا وذلك سنة سبع وأربعين وأربع مائة على ما هو عليه .
ذكر أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري والقول فيه :
عبد الله بن جعفر الحميري قال : خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري قدس الله روحه ، في التعزية بأبيه رضي الله تعالى عنه ، وفي فصل من الكتاب : إنا لله وإنا إليه راجعون ، تسليماً لأمره ورضاً بقضائه ، عاش أبوك سعيداً ، ومات حميداً ، فرحمه وألحقه بأوليائه ومواليه ، فلم يزل مجتهداً في أمرهم ساعياً فيما يقربه إلى الله عز وجل وإليهم ، نضر الله وجهه وأقاله عثرته .
وفي فصل آخر : أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء ، رزئت ورزئنا ، وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسره الله في منقلبه . وكان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك يخلفه من بعده ، ويقوم مقامه بأمره ، ويترحم عليه ، وأقول الحمد لله ، فإن الأنفس طيبة بمكانك ، وما جعله الله عز وجل فيك وعندك ، أعانك الله وقواك ، وعضدك ووفقك ، وكان لك ولياً وحافظاً ، وراعياً وكافياً .
--------------------------- 844 ---------------------------
وأخبرني جماعة ، عن هارون بن موسى ، عن محمد بن همام قال : قال لي عبد الله بن جعفر الحميري : لما مضى أبو عمرو رضي الله تعالى عنه ، أتتنا الكتب بالخط الذي كنا نكاتب به بإقامة أبي جعفر رضي الله عنه مقامه . وبهذا الإسناد عن محمد بن همام قال : حدثني محمد بن حمويه بن عبد العزيز الرازي في سنة ثمانين ومائتين ، قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي ، أنه خرج إليه بعد وفاة أبي عمرو : والابن وقاه الله ، لم يزل ثقتنا في حياة الأب رضي الله عنه وأرضاه ، ونضر وجهه ، يجري عندنا مجراه ، ويسد مسده ، وعن أمرنا يأمر الابن ، وبه يعمل ، تولاه الله ، فانته إلى قوله ، وعرِّف معامِلتنا ذلك . « بكسر الميم : من يتعامل معنا » .
وأخبرنا جماعة عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه وأبي غالب الزراري وأبي محمد التلعكبري كلهم ، عن محمد بن يعقوب ، عن إسحاق بن يعقوب ، قال : سألت محمد بن عثمان العمري رحمه الله أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ ، فوقع التوقيع بخط مولانا صاحب الدار عليه السلام ، وذكرنا الخبر فيما تقدم : وأما محمد بن عثمان العمري فرضي الله تعالى عنه وعن أبيه من قبل ، فإنه ثقتي وكتابه كتابي . قال أبو العباس : وأخبرني هبة الله بن محمد بن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه ، عن شيوخه قالوا : لم تزل الشيعة مقيمة على عدالة عثمان بن سعيد ومحمد بن عثمان رحمها الله تعالى ، إلى أن توفي أبو عمرو عثمان بن سعيد رحمه الله تعالى ، وغسله ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان ، وتولى القيام به وجعل الأمر كله مردوداً إليه ، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته ، لما تقدم له من النص عليه بالأمانة والعدالة ، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن عليه السلام وبعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد ، لا يختلف في عدالته ولا يرتاب بأمانته ، والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة في المهمات طول حياته ، بالخط الذي كانت تخرج في حياة أبيه عثمان ، لا يعرف الشيعة في هذا الأمر غيره ، ولا يرجع إلى أحد سواه .
وقد نقلت عنه دلائل كثيرة ، ومعجزات الإمام عليه السلام ظهرت على يده ، وأمورٌ أخبرهم بها عنه ، زادتهم في هذا الأمر بصيرة ، وهي مشهورة عند الشيعة ، وقد قدمنا طرفاً منها ، فلا نطول بإعادتها ، فإن في ذلك كفاية للمنصف إن شاء الله تعالى .
قال ابن نوح : أخبرني أبو نصر هبة الله بن بنت أم كلثوم ، بنت أبي جعفر العمري قال :
--------------------------- 845 ---------------------------
كان لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري كتب مصنفة في الفقه مما سمعها من أبي محمد الحسن عليه السلام ، ومن الصاحب عليه السلام ومن أبيه عثمان بن سعيد ، عن أبي محمد ، وعن أبيه علي بن محمد عليه السلام ، فيها كتب ترجمتها : كتب الأشربة ذكرت الكبيرة أم كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله عنها ، أنها وصلت إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله ، عنه عند الوصية إليه ، وكانت في يده . قال أبو نصر : وأظنها قالت : وصلت بعد ذلك إلى أبي الحسن السمري رضي الله عنه وأرضاه . قال أبو جعفر بن بابويه روي عن محمد بن عثمان العمري قدس سره أنه قال : والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة ، يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه .
وأخبرني جماعة ، عن محمد بن علي بن الحسين قال : أخبرنا أبي ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسى بن المتوكل ، عن عبد الله بن جعفر الحميري أنه قال : سألت محمد بن عثمان رضي الله عنه فقلت له : رأيت صاحب هذا الأمر ؟ قال : نعم ، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول : اللهم أنجز لي ما وعدتني .
قال محمد بن عثمان رضي الله عنه : ورأيته صلوات الله عليه متعلقاً بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول : اللهم انتقم لي من أعدائك .
وبهذا الإسناد عن محمد بن علي عن أبيه قال : حدثنا علي بن سليمان الزراري ، عن علي بن صدقة القمي رحمه الله قال : خرج إلى محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه ابتداءً من غير مسألة ليخبر الذين يسألون عن الاسم : إما السكوت والجنة ، وإما الكلام والنار ، فإنهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه ، وإن وقفوا على المكان دلوا عليه .
قال ابن نوح : أخبرني أبو نصر هبة الله بن محمد قال : حدثني أبو علي بن أبي جيد القمي رحمه الله قال : حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد الدلال القمي قال : دخلت على أبي جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنه يوماً لأسلم عليه ، فوجدته وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها ، ويكتب آياً من القرآن ، وأسماء الأئمة عليهم السلام على حواشيها ، فقلت له : يا سيدي ما هذه الساجة ؟ فقال لي : هذه لقبري تكون فيه أوضع عليها أو قال : أسند إليها ، وقد فرغت منه وأنا في كل يوم أنزل فيه فأقرأ جزءً من القرآن فأصعد ، وأظنه قال فأخذ بيدي وأرانيه ، فإذا كان يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا صرت إلى الله عز وجل ودفنت فيه ، وهذه الساجة معي !
--------------------------- 846 ---------------------------
فلما خرجت من عنده أثبتتُّ ما ذكره ولم أزل مترقباً به ذلك ، فما تأخر الأمر حتى اعتل أبو جعفر فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها ودفن فيه . قال أبو نصر هبة الله : وقد سمعت هذا الحديث من غير أبي علي ، وحدثتني به أيضاً أم كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله تعالى عنهما .
وأخبرني جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنه قال : حدثني محمد بن علي بن الأسود القمي أن أبا جعفر العمري قدس سره حفر لنفسه قبراً وسواه بالساج ، فسألته عن ذلك فقال : للناس أسباب ، وسألته عن ذلك فقال : قد أمرت أن أجمع أمري . فمات بعد ذلك بشهرين رضي الله عنه وأرضاه . وقال أبو نصرهبة الله : وجدت بخط أبي غالب الزراري رحمه الله وغفر له ، أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري مات في آخر جمادى الأولى سنة خمس وثلاث مائة . وذكر أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد أن أبا جعفر العمري رحمه الله مات في سنة أربع وثلاث مائة وأنه كان يتولى هذا الأمر نحواً من خمسين سنة ، يحمل الناس إليه أموالهم ويخرج إليهم التوقيعات بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام إليهم بالمهمات في أمر الدين والدنيا ، وفيما يسألونه من المسائل بالأجوبة العجيبة رضي الله عنه وأرضاه .
قال أبو نصر هبة الله : إن قبر أبي جعفر محمد بن عثمان عند والدته ، في شارع باب الكوفة ، في الموضع الذي كانت دوره ومنازله فيه ، وهو الآن في وسط الصحراء .
ذكر إقامة أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري ، أبا القاسم الحسين بن روح رضي الله عنهما مقامه بعده ، بأمر الإمام صلوات الله عليه :
أخبرني الحسين بن إبراهيم القمي قال : أخبرني أبو العباس أحمد بن علي بن نوح رحمه الله قال : أخبرني أبو علي أحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري رحمه الله ، قال : حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد المدائني المعروف بابن قزدا ، في مقابر قريش قال : كان من رسمي إذا حملت المال الذي في يدي إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس سره أن أقول له : ما لم يكن أحد يستقبله بمثله : هذا المال ومبلغه كذا وكذا للإمام عليه السلام فيقول لي : نعم دعه فأراجعه فأقول له : تقول لي : إنه للإمام ؟ فيقول : نعم للإمام عليه السلام فيقبضه . فصرت إليه آخر عهدي به قدس سره
--------------------------- 847 ---------------------------
ومعي أربع مائة دينار ، فقلت له على رسمي فقال لي : إمض بها إلى الحسين بن روح ، فتوقفت فقلت : تقبضها أنت مني على الرسم ؟ فرد علي كالمنكر لقولي وقال : قم عافاك الله فادفعها إلى الحسين بن روح !
فلما رأيت في وجهه غضباً خرجت وركبت دابتي فلما بلغت بعض الطريق رجعت كالشاك فدققت الباب فخرج إلي الخادم فقال : من هذا ؟ فقلت أنا فلان فاستأذن لي فراجعني وهو منكر لقولي ورجوعي ! فقلت له : أدخل فاستأذن لي فإنه لابد من لقائه فدخل فعرفه خبر رجوعي ، وكان قد دخل إلى دار النساء فخرج وجلس على سرير ورجلاه في الأرض وفيهما نعلان يصف حسنهما وحسن رجليه ، فقال لي : ما الذي جرأك على الرجوع ولمَ لمْ تمتثل ما قلته لك ؟ فقلت : لم أجسر على ما رسمته لي . فقال لي وهو مغضب : قم عافاك الله فقد أقمت أبا القاسم حسين بن روح مقامي ونصبته منصبي ، فقلت : بأمر الإمام ؟ فقال : قم عافاك الله ، كما أقول لك !
فلم يكن عندي غير المبادرة ، فصرت إلى أبي القاسم بن روح وهو في دار ضيقة فعرَّفته ما جرى فسرَّ به وشكر الله عز وجل ، ودفعت إليه الدنانير ، وما زلت أحمل إليه ما يحصل في يدي بعد ذلك .
وسمعت أبا الحسن علي بن بلال بن معاوية المهلبي يقول في حياة جعفر بن محمد بن قولويه : سمعت أبا القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي يقول : سمعت جعفر بن أحمد بن متيل القمي يقول : كان محمد بن عثمان أبو جعفر العمري رضي الله عنه له من يتصرف له ببغداد نحو من عشرة أنفس ، وأبو القاسم بن روح رضي الله عنه فيهم ، وكلهم كانوا أخص به من أبي القاسم بن روح ، حتى أنه كان إذا احتاج إلى حاجة أو إلى سبب ينجزه على يد غيره لما لم يكن له تلك الخصوصية ، فلما كان وقت مضي أبي جعفر رضي الله عنه وقع الاختيار عليه وكانت الوصية إليه .
قال : وقال مشايخنا : كنا لا نشك أنه إن كانت كائنة من أمر أبي جعفر لا يقوم مقامه إلا جعفر بن أحمد بن متيل أو أبوه ، لما رأينا من الخصوصية به ، وكثرة كينونته في منزله حتى بلغ أنه كان في آخر عمره لا يأكل طعاماً إلا ما أصلح في منزل جعفر بن أحمد بن متيل وأبيه ، بسبب وقع له . وكان طعامه الذي يأكله في منزل جعفر وأبيه ! وكان أصحابنا
--------------------------- 848 ---------------------------
لا يشكون إن كانت حادثة لم تكن الوصية إلا إليه من الخصوصية به ، فلما كان عند ذلك ، ووقع الاختيار على أبي القاسم سلموا ولم ينكروا ، وكانوا معه وبين يديه كما كانوا مع أبي جعفر رضي الله عنه ، ولم يزل جعفر بن أحمد بن متيل في جملة أبي القاسم رضي الله عنه وبين يديه ، كتصرفه بين يدي أبي جعفر العمري إلى أن مات رضي الله عنه ، فكل من طعن على أبي القاسم فقد طعن على أبي جعفر ، وطعن على الحجة صلوات الله عليه .
وأخبرنا جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود رحمه الله قال : كنت أحمل الأموال التي تحصل في باب الوقف إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري رحمه الله فيقبضها مني ، فحملت إليه يوماً شيئاً من الأموال في آخر أيامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين ، فأمرني بتسليمه إلى أبي القاسم الروحي رضي الله عنه ، فكنت أطالبه بالقبوض ، فشكا ذلك إلى أبي جعفر رضي الله عنه « لمراقبة السلطة » فأمرني أن لا أطالبه بالقبوض وقال : كل ما وصل إلى أبي القاسم فقد وصل إليَّ ، فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا أطالبه بالقبوض .
وبهذا الإسناد عن محمد بن علي بن الحسين قال : أخبرنا علي بن محمد بن متيل ، عن عمه جعفر بن أحمد بن متيل قال : لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسأله وأحدثه ، وأبو القاسم بن روح عند رجليه ، فالتفت إليَّ ثم قال : أُمِرْتُ أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح . قال : فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني ، وتحولت إلى عند رجليه . قال ابن نوح : وحدثني أبو عبد الله الحسين بن علي بن بابويه القمي ، قدم علينا البصرة في شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وثلاث مائة ، قال : سمعت علوية الصفار والحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنهما يذكران هذا الحديث ، وذكرا أنهما حضرا بغداد في ذلك الوقت ، وشاهدا ذلك .
وأخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى قال : أخبرني أبو علي محمد بن همام رضي الله عنه وأرضاه ، أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه جمعنا قبل موته ، وكنا وجوه الشيعة وشيوخها ، فقال لنا : إن حدث علي حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي ، فقد أمرت أن أجعله في موضعي بعدي ، فارجعوا إليه وعولوا في أموركم عليه .
--------------------------- 849 ---------------------------
وأخبرني الحسين بن إبراهيم ، عن ابن نوح ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد قال : حدثني خالي أبو إبراهيم جعفر بن أحمد النوبختي ، قال : قال لي أبي أحمد بن إبراهيم وعمي أبو جعفر عبد الله بن إبراهيم وجماعة من أهلنا ، يعني بني نوبخت : أن أبا جعفر العمري لما اشتدت حاله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة ، منهم أبو علي بن همام ، وأبو عبد الله بن محمد الكاتب ، وأبو عبد الله الباقطاني ، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي ، وأبو عبد الله بن الوجناء ، وغيرهم من الوجوه والأكابر ، فدخلوا على أبي جعفر فقالوا له : إن حدث أمر فمن يكون مكانك ؟ فقال لهم : هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر عليه السلام ، والوكيل والثقة الأمين ، فارجعوا إليه في أموركم ، وعولوا عليه في مهماتكم ، فبذلك أمرت ، وقد بلَّغْتُ .
وبهذا الإسناد عن هبة الله بن محمد بن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري ، قالت : حدثتني أم كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله عنه ، قالت : كان أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه وكيلاً لأبي جعفر رضي الله عنه سنين كثيرة ، ينظر له في أملاكه ، ويلقي بأسراره الرؤساء من الشيعة ، وكان خصيصاً به حتى أنه كان يحدثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه وأنسه . قالت : وكان يدفع إليه في كل شهر ثلاثين ديناراً رزقاً له ، غير ما يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة ، مثل آل الفرات وغيرهم لجاهه ولموضعه وجلالة محله عندهم ، فحل في أنفس الشيعة محلاً جليلاً لمعرفتهم باختصاص أبي إياه وتوثيقه عندهم ، ونشر فضله ودينه ، وما كان يحتمله من هذا الأمر ، فمهدت له الحال في طول حياة أبي ، إلى أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه ، فلم يُختلف في أمره ، ولم يشك فيه أحد إلا جاهل بأمر أبي أولاً ، مع ما لست أعلم أن أحداً من الشيعة شك فيه . وقد سمعت هذا من غير واحد من بني نوبخت رحمهم الله ، مثل أبي الحسن بن كبرياء وغيره .
وأخبرني جماعة عن أبي العباس بن نوح قال : وجدت بخط محمد بن نفيس فيما كتبه بالأهواز : أول كتاب ورد من أبي القاسم رضي الله عنه : نعرفه عرفه الله الخير كله ورضوانه وأسعده بالتوفيق ، وقفنا على كتابه وثقتنا بما هو عليه ، وإنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرانه ، زاد الله في إحسانه إليه إنه ولي قدير ، والحمد لله لا شريك له وصلى الله على رسوله
--------------------------- 850 ---------------------------
محمد وآله ، وسلم تسليماً كثيراً . وردت هذه الرقعة يوم الأحد لست ليال خلون من شوال سنة خمس وثلاث مائة » . ثم روى بعض التوقيعات .
وفي / 447 : « محمد بن عثمان بن سعيد العمري ، يكنى أبا جعفر وأبوه يكنى أبا عمرو جميعاً وكيلان من جهة صاحب الزمان عليه السلام ، ولهما منزلة جليلة عند الطائفة » .
وروى في كمال الدين : 2 / 510 ، تعزية الإمام عليه السلام لمحمد بن عثمان بوفاة أبيه رحمه الله .
وقال العلامة في الخلاصة / 220 : « وهو ثقة جليل القدر ، وكيل أبي محمد عليه السلام . واختلف في تسميته بالعَمْري فقيل إنه ابن بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه فنسب إلى جده ، فقيل العمري وقيل : إن أبا محمد العسكري قال : لايُجمع على امرئ بين عثمان وأبي عمرو ، وأمر بكسر كنيته فقيل العمري » .
وقال العلامة / 250 : « يكنى أبا جعفر وأبوه يكنى أبا عمرو ، جميعاً وكيلان في خدمة صاحب الزمان عليه السلام ، ولهما منزلة جليلة عند هذه الطائفة ، وكان محمد قد حفر لنفسه قبراً وسوَّاه بالساج . . . فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي ، فقال : لله أمر هو بالغه . والغيبة الثانية هي التي وقعت بعد مضي السمري » .
وقال السيد الخوئي قدس سره في معجمه : 12 / 122 : « ذكره الشيخ في السفراء الممدوحين وأثنى عليه وروى عدة روايات في مدحه وجلالته . . . »
وروى السيد الخوئي في معجمه : 7 / 154 ، قول الإمام العسكري عليه السلام في العمري : « فإنه الطاهر الأمين العفيف القريب منا وإلينا » وقال : أقول : سند التوقيع قوي وفيه تصريح بجلالة العمري وعظمته ، فضلاً عن وثاقته » . انتهى .
وفي كمال الدين / 519 : « قال الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي علي البغدادي : ورأيت تلك السنة بمدينة السلام امرأة فسألتني عن وكيل مولانا عليه السلام من هو ؟ فأخبرها بعض القميين أنه أبو القاسم الحسين بن روح ، وأشار إليها فدخلت عليه وأنا عنده ، فقالت له أيها الشيخ أي شئ معي ؟ فقال : ما معك فألقيه في الدجلة ، ثم ائتيني حتى أخبرك ، قال : فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فألقته في الدجلة ، ثم رجعت ودخلت إلى أبي القاسم الروحي قدس الله روحه ، فقال أبو القاسم لمملوكة له : أخرجي إليَّ الحُق ، فأخرجت إليه حقةً ،
--------------------------- 851 ---------------------------
فقال للمرأة : هذه الحُقة التي كانت معك ورميت بها في الدجلة ، أخبرك بما فيها أو تخبريني ؟ فقالت له : بل أخبرني أنت فقال : في هذه الحقة زوج سوار ذهب وحلقة كبيرة فيها جوهرة ، وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر ، وخاتمان أحدهما فيروزج والآخر عقيق . فكان الأمر كما ذكر ، لم يغادر منه شيئاً . ثم فتح الحقة فعرض علي ما فيها فنظرت المرأة إليه ، فقالت : هذا الذي حملته بعينه ورميت به في الدجلة ، فغشي عليَّ وعلى المرأة فرحاً بما شاهدناه من صدق الدلالة . ثم قال الحسين لي بعد ما حدثني بهذا الحديث : أشهد عند الله عز وجل يوم القيامة بما حدثت به ، أنه كما ذكرته لم أزد فيه ولم أنقص منه ، وحلف بالأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم ، لقد صدق فيما حدث به وما زاد فيه وما نقص منه » !
وفي كمال الدين / 503 ، قصة فيها أن أبا القاسم بن روح رحمه الله تكلم بالفارسية مع امرأة بلهجة بلدها ، مع أنه لم يكن يعرفها .
وفي كمال الدين : 2 / 504 ، عن جعفر بن محمد بن متيل : « دعاني أبو جعفر محمد بن عثمان السمان المعروف بالعمري رضي الله عنه ، فأخرج إلى ثويبات معلمة ، وصرة فيها دراهم ، فقال لي : يحتاج أن تصير بنفسك إلى واسط في هذا الوقت ، وتدفع ما دفعت إليك إلى أول رجل يلقاك عن صعودك من المركب إلى الشط بواسط ، قال : فتداخلني من ذلك غم شديد ، وقلت مثلي يرسل في هذا الأمر ويحمل هذا الشئ الوتح « التافه » ؟ قال : فخرجت إلى واسط وصعدت من المركب فأول رجل يلقاني سألته عن الحسن بن محمد بن قطاة الصيدلاني وكيل الوقف بواسط فقال : أنا هو من أنت ؟ فقلت : أنا جعفر بن محمد بن متيل ، قال فعرفني باسمي وسلم علي وسلمت عليه وتعانقنا ، فقلت له : أبو جعفر العمري يقرأ عليك السلام ودفع إلي هذه الثويبات وهذه الصرة ، لأسلمها إليك ، فقال : الحمد لله فإن محمد بن عبد الله الحائري قد مات ، وخرجت لإصلاح كفنه ، فحل الثياب وإذا فيها ما يحتاج إليه من حَبر وثياب وكافور في الصرة ، وكرى الحمالين والحفار ! قال : فشيعنا جنازته وانصرفت » .
السفير الثالث الحسين بن روح قدس سره
قال العلامة في الخلاصة / 432 : « ووكيله عثمان بن سعيد العمري ، أبو عمرو ، وأول من
--------------------------- 852 ---------------------------
نصبه العسكري عليه السلام ، ثم نص أبو عمرو على ابنه أبي جعفر محمد بن عثمان . ونص الإمام العسكري عليه السلام أيضاً عليه ، فلما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان الوفاة واشتدت حاله ، حضر عنده جماعة من وجوه الشيعة ، منهم أبو علي بن همام وأبو عبد الله محمد الكاتب ، وأبو عبد الله الباقطاني ، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي وأبو عبد الله بن الوجناء ، وغيرهم من الوجوه الأكابر ، فقالوا له : إن حدث أمر فمن يكون مكانك فقال لهم : هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي ، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر ، والوكيل والثقة الأمين فارجعوا في أموركم إليه وعولوا في مهماتكم عليه ، فبذلك أمرتُ وقد بلغت . ثم أوصى أبو القاسم بن روح إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري ، فلما حضرته الوفاة سئل أن يوصي فقال : لله أمر هو بالغه . ومات رحمه الله سنة تسع وعشرين وثلاث مائة » .
وفي كمال الدين / 503 ، عن جعفر بن محمد بن متيل قال : « لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري السمان رضي الله عنه الوفاة ، كنت جالساً عند رأسه أسائله وأحدثه ، وأبو القاسم الحسين بن روح ، فالتفت إلي ثم قال لي : قد أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح . قال : فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني ، وتحولت عند رجليه » .
وفي علل الشرائع : 1 / 241 : « العلة التي من أجلها لم يجعل الله تعالى الأنبياء والأئمة في جمع أحوالهم غالبين : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال : كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه ، مع جماعة فيهم علي بن عيسى القصري ، فقام إليه رجل فقال له : أريد أسألك عن شئ ، فقال له : سل عما بدا لك ، فقال الرجل : أخبرني عن الحسين بن علي عليه السلام أهو وليُّ الله ؟ قال : نعم ، قال : أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدو الله ؟ قال : نعم ، قال الرجل : فهل يجوز أن يسلط الله عدوه على وليه ؟ فقال له أبو القاسم قدس الله روحه : إفهم عني ما أقول لك : إعلم أن الله تعالى لا يخاطب الناس بشهادة العيان ولا يشافههم بالكلام ، ولكنه عز وجل بعث إليهم رسولاً من أجناسهم وأصنافهم ، بشراً مثلهم ، فلو بعث إليهم رسلاً من غير صنفهم وصورهم ، لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم ، فلما جاؤوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، قالوا لهم أنتم مثلنا فلا
--------------------------- 853 ---------------------------
نقبل منكم حتى تأتون بشئ نعجز أن نأتي بمثله ، فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه ، فجعل الله تعالى لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها ، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار ، فغرق جميع من طغى وتمرد ، ومنهم من ألقيَ في النار فكانت عليه برداً وسلاماً ، ومنهم من أخرج له من الحجر الصلد ناقة وأجرى في ضرعها لبناً ، ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العيون ، وجعل له العصا اليابسة ثعباناً فتلقف ما يأفكون ، ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله تعالى وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، ومنهم من انشق له القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب ، وغير ذلك .
فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله ، كان من تقدير الله تعالى ولطفه بعباده وحكمته ، أن جعل أنبيائه مع هذه المعجزات في حال غالبين وفي أخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين في حال مقهورين ، ولو جعلهم عز وجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم ، لاتخذهم الناس آلهة من دون الله تعالى ، ولمَا عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختيار !
ولكنه عز وجل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ، ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين ، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين ، وليعلم العباد أن لهم عليهم السلام إلهاً هو خالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله ، وتكون حجة الله تعالى ثابتة على من تجاوز الحد فيهم ، وادعى لهم الربوبية ، أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل ، ولِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ .
قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه : فعدت إلى الشيخ أبى القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه من الغد ، وأنا أقول في نفسي : أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه ؟ فابتدأني فقال لي : يا محمد بن إبراهيم لأن أخرُّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق ، أحبُّ إليَّ من أن أقول في دين الله تعالى ذكره برأيي ومن عند نفسي ! بل ذلك عن الأصل ومسموع عن الحجة صلوات الله وسلامه عليه » .
قال في تهذيب المقال : 2 / 406 : « وروى عنه جماعة منهم محمد بن زياد : التهذيب : 6 / 93 .
--------------------------- 854 ---------------------------
وروى عنه جماعة : منهم جعفر بن أحمد بن متيل كثيراً ، وعلي بن محمد بن متيل : الإكمال / 465 وأبو الحسن علي بن أحمد العقيقي : الإكمال 469 والغيبة / 193 ، ومحمد بن إبراهيم ابن إسحاق الطالقاني : الإكمال / 471 ، والغيبة / 296 ، ومحمد بن الحسن الصيرفي الدورقي بأرض بلخ : الإكمال / 480 ، والحسين بن محمد القمي المعروف بأبي علي البغدادي من مشايخ الصدوق : الإكمال / 482 ، وأحمد الداودي : الإكمال / 483 ، وأحمد بن إبراهيم النوبختي : الغيبة / 228 ، وأبو الحسن بن كبرياء النوبختي : الغيبة / 237 ، والحسين بن علي بن سفيان البزوفري : الغيبة / 238 ، وأحمد بن محمد الصفواني : الغيبة / 238 ، وترك الهروي المتكلم : الغيبة / 239 ، وأبو جعفر محمد بن أحمد ابن الزكوزكي : الغيبة / 239 ، وعبد الله الكوفي خادمه : الغيبة / 239 ، وأبو الحسن الأيادي : الغيبة / 240 ، وسلامة بن محمد : الغيبة / 240 ، وأبو عبد الله بن غالب : الغيبة / 236 ، وابنه روح بن الحسين بن روح : الغيبة / 251 ، وأبو علي محمد بن همام : الغيبة / 252 ، والحسن بن محمد بن جمهور : التهذيب : 6 / 93 ، والحسن بن علي الوجناء النصيبي : الغيبة 192 ، وأحمد بن الحسن بن أبي صالح الخجندي : الغيبة / 196 ، وأحمد بن محمد أبو غالب الزراري : الغيبة / 197 » . انتهى .
ثم ذكر فيمن روى عنه : والد الصدوق رحمهما الله .
السفير الرابع علي بن محمد السمري قدس سره
في كمال الدين / 432 : « وكيله عثمان بن سعيد ، فلما مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمد بن عثمان ، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح ،
--------------------------- 855 ---------------------------
وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنهم ، قال : فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصى فقال : لله أمر هو بالغه ، فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه » .
غيبة الطوسي / 393 : « ذكر أمر أبي الحسن علي بن محمد السمري بعد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنهما ، وانقطاع الأعلام به ، وهم الأبواب :
أخبرني جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ، عن الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السلام قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن خليلان قال : حدثني أبي عن جده عتاب ، من ولد عتاب بن أسيد ، قال : ولد الخلف المهدي صلوات الله عليه يوم الجمعة ، وأمه ريحانة ويقال لها نرجس ويقال لها صقيل ويقال لها سوسن ، إلا أنه قيل بسبب الحمل صقيل ، وكان مولده لثمان خلون من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين ، ووكيله عثمان بن سعيد ، فلما مات عثمان بن سعيد أوصى إلى أبي جعفر محمد بن عثمان رحمه الله وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه ، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه ، فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي فقال : لله أمر هو بالغه . فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه .
وأخبرني محمد بن محمد بن النعمان ، والحسين بن عبيد الله ، عن أبي عبد الله محمد بن أحمد الصفواني قال : أوصى الشيخ أبو القاسم رضي الله عنه إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه ، فقام بما كان إلى أبي القاسم ، فلما حضرته الوفاة حضرت الشيعة عنده ، وسألته عن الموكل بعده ولمن يقوم مقامه ، فلم يظهر شيئاً من ذلك ، وذكر أنه لم يؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن .
وأخبرني جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، قال : حدثنا أبو الحسن صالح بن شعيب الطالقاني رحمه الله في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة قال : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن مخلد قال : حضرت بغداد عند المشايخ رحمهم الله ، فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري قدس سره ابتداءً منه : رحم الله علي بن الحسين بن بابويه القمي . قال فكتب المشايخ تأريخ ذلك اليوم ، فورد الخبر أنه توفي في ذلك اليوم . ومضى أبو الحسن السمري رضي الله عنه بعد ذلك ، في النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاث مائة .
أقول : تقدم في فصل السفراء التوقيع الذي قرأه السمري رحمه الله يأمره فيه أن لا يعهد إلى أحد بعده ، لأن الغيبة التامة بدأت .
وفي دلائل الإمامة / 524 : « قال علي بن محمد السمري : كتبت إليه أسأله عما عندك من العلوم فوقع عليه السلام : علمنا على ثلاثة أوجه : ماض ، وغابر ، وحادث ، أما الماضي فتفسير ، وأما الغابر فموقوف ، وأما الحادث فقذفٌ في القلوب ونقرٌ في الأسماع ، وهو أفضل علمنا ، ولا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وآله . .
حدثني أبو المفضل قال : حدثني محمد بن يعقوب قال : كتب علي بن محمد السمري يسأل الصاحب عليه السلام كفناً يتبين ما يكون من عنده ، فورد : إنك تحتاج إليه سنة إحدى وثمانين ، فمات في الوقت الذي حده وبعث إليه بالكفن قبل أن يموت بشهر » .
--------------------------- 856 ---------------------------
أقول : لابد أن الكفن كان لغير السمري رحمه الله . وروى كمال الدين : 2 / 503 ، إخبار السمري بوفاة والد الصدوق رحمه الله .
الحسين بن روح رجل مرحلة التحولات
نلاحظ أولاً : أن بعض المؤرخين سموا القرن الرابع الهجري « قرن التشيع » لأنه شهد موجة شيعية واسعة . وقد وثَّق ذلك المستشرق آدم متز في كتابه « الحضارة الإسلامية في القرن الرابع » فقد قويت الدولة الفاطمية في المغرب ، وأخذت تضغط في مطلع القرن الرابع على مصر حتى احتلتها وجعلتها عاصمتها . ونجحت ثورة العلويين في شمال إيران وأسسوا دولتهم في طبرستان . كما تفاقم خطر القرامطة الذين يدعون أنهم شيعة وأن قائدهم من ذرية علي عليه السلام ، وتواصلت غاراتهم السنوية الوحشية على قوافل الحجاج ! ثم أغاروا على مكة المكرمة وقتلوا الحجاج بشكل فجيع ، وسرقوا الحجر الأسود بحماقة ، وعطلوا الحج ووصلت غاراتهم إلى أطراف بغداد ، والى بلاد الشام وفلسطين !
لكن هذه الظروف العالمية المحيطة بالدولة العباسية ، بقدر ما كانت نفوذاً للعلويين والتشيع كانت بنفسها عوامل ضغط على الشيعة داخل الدولة العباسية ! ومن الطبيعي أن يتهم العباسيون الشيعة في بغداد بأنهم مؤيدون للفاطميين أو على صلة بهم أو أنصارٌ للعلويين في طبرستان ، وحتى للقرامطة .
كما ابتلي الشيعة بظهور حركات الغلو من مدعي السفارة الكذابين ، الذين كان أحدهم يبدأ بادعاء السفارة والمقام عند الإمام المهدي عليه السلام ثم يدعي حلول روح الإمام عليه السلام فيه ، ثم يدعي حلول الله تعالى في النبي والأئمة عليهم السلام ، ثم فيه !
وكان أولهم الشريعي وصاحبه ابن نصير ، ثم الحلاج ، ثم الشلمغاني . . الخ . وقد وجد كل واحد من هؤلاء أنصاراً من عوام الناس ، بل من بعض شخصيات السلطة وديوان الخلافة ورئاسة الوزراء ، هذا إذا لم تكن الخلافة نفسها وراء تشجيع هذا الغلو لتبرر ضرب الشيعة !
في هذا الخضم كان قائد سفينة التشيع شخصية يمتلئ يقيناً وعمقاً فكرياً وقوة أعصاب ، هو أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي قدس سره ، فقد قاد الشيعة ومثل فكرأهل البيت عليه السلام بجدارة ،
--------------------------- 857 ---------------------------
فحفظ استقلالهم عن الزيدية في طبرستان ، والفاطميين في المغرب ومصر ، والقرامطة في الجزيرة وأطرافها ، وميزهم عن مفتريات المغالين وأكاذيبهم ، فكان رحمه الله رجل المرحلة بحق .
ثانياً : كان للسفير الثاني محمد بن عثمان العمري رحمه الله مكانة عظيمة في بغداد ، وكان له نحو عشرة من أصحابه علماء أتقياء مؤهلين لخلافته برأي الناس ، ومن أبرزهم أحمد بن متيل وابنه جعفر ، ولم يكن الحسين بن روح منهم ، وكان من متديني آل نوبخت وعلمائهم . فاختاره الله تعالى لصفات يعلمها ، وظهر منها قوة شخصيته ومتانة أعصابه كما شهد ابن متيل وأبو سهل النوبختي ، فقد روى الطوسي في الغيبة / 391 : « قال ابن نوح : وسمعت جماعة من أصحابنا بمصر يذكرون أن أبا سهل النوبختي سئل فقيل له : كيف صار هذا الأمر إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك ؟ فقال : هم أعلم وما اختاروه ، ولكن أنا رجل ألقى الخصوم وأناظرهم ولو علمت بمكانه كما علم أبو القاسم ، وضغطتني الحجة لعلي كنت أدل على مكانه ، وأبو القاسم فلو كانت الحجة تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه ! أو كما قال » . انتهى .
أقول : هذه القوة والمتانة في شخصية الحسين بن روح رحمه الله كانت معروفة لأصحابه ، وكانت العامل الثاني بعد تدينهم لقبوله والخضوع له ، بمجرد أن أخبرهم السفير الثاني بأن الإمام عليه السلام أمره أن يعهد اليه . قال جعفر بن متيل رحمه الله كما في كمال الدين / 503 : « لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري السمان رضي الله عنه الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسائله وأحدثه وأبو القاسم الحسين بن روح ، فالتفت إليَّ ثم قال لي : قد أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح قال : فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت عند رجليه » .
ثالثاً : على أن أعجب ما نقرؤه عن الحسين بن روح رحمه الله تشدده في التقية في ظروف شديدة الخطر على الشيعة في بغداد ، ففي غيبة الطوسي / 384 : « وكان أبو القاسم رحمه الله من أعقل الناس عند المخالف والموافق ويستعمل التقية . فروى أبو نصر هبة الله بن محمد قال : حدثني أبو عبد الله بن غالب حمو أبي الحسن بن أبي الطيب قال : ما رأيت من هو أعقل من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ، ولعهدي به يوماً في دار ابن يسار وكان له محل عند السيدة
--------------------------- 858 ---------------------------
والمقتدر عظيم ، وكانت العامة أيضاً تعظمه ، وكان أبو القاسم يحضر تقية وخوفاً . وعهدي به وقد تناظر اثنان فزعم واحد أن أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله ، ثم عمر ثم علي ، وقال الآخر : بل علي أفضل من عمر ، فزاد الكلام بينهما . فقال أبو القاسم رضي الله عنه : الذي اجتمعت الصحابة عليه هو تقديم الصديق ثم بعده الفاروق ثم بعده عثمان ذو النورين ثم علي الوصي . وأصحاب الحديث على ذلك ، وهو الصحيح عندنا ! فبقي من حضر المجلس متعجباً من هذا القول وكاد العامة الحضور يرفعونه على رؤسهم وكثر الدعاء له والطعن على من يرميه بالرفض . فوقع عليَّ الضحك ، فلم أزل أتصبر وأمنع نفسي وأدس كمي في فمي ، فخشيت أن أفتضح ، فوثبت عن المجلس ونظر إلي ففطن بي ، فلما حصلت في منزلي فإذا بالباب يطرق فخرجت مبادراً ، فإذا بأبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه راكباً بغلته قد وافاني من المجلس قبل مضيه إلى داره . فقال لي : يا أبا عبد الله أيدك الله لم ضحكتَ ؟ فأردت أن تهتف بي كأن الذي قلته عندك ليس بحق ؟ فقلت : كذاك هو عندي . فقال لي : إتق الله أيها الشيخ فإني لا أجعلك في حل ، تستعظم هذا القول مني ! فقلت : يا سيدي رجل يرى بأنه صاحب الإمام ووكيله ، يقول ذلك القول لا يتعجب منه ، ولايضحك من قوله هذا ؟ ! فقال لي : وحياتك لئن عدت لأهجرنك ! وودعني وانصرف !
قال أبو نصر هبة الله بن محمد : حدثني أبو الحسن بن كبرياء النوبختي قال : بلغ الشيخ أبا القاسم رضي الله عنه أن بواباً كان له على الباب الأول ، قد لعن معاوية وشتمه ، فأمر بطرده وصرفه عن خدمته ، فبقي مدة طويلة يسأل في أمره ، فلا والله ما رده إلى خدمته ، وأخذه بعض الأهل فشغله معه ! كل ذلك للتقية .
قال أبو نصرهبة الله : وحدثني أبو أحمد درانويه الأبرص الذي كانت داره في درب القراطيس قال : قال لي إني كنت أنا وإخوتي ندخل إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه نعامله ، قال : وكانوا باعة ونحن مثلاً عشرة ، تسعة نلعنه وواحد يشكك ، فنخرج من عنده بعدما دخلنا إليه تسعة نتقرب إلى الله بمحبته ، وواحد واقف ! لأنه كان يجارينا في فضل الصحابة ما رويناه ، وما لم نروه فنكتبه لحسنه عنه ، رضي الله عنه » .
وفي مناقب آل أبي طالب : 3 / 105 : « وسأل بزل بديل الهروي الحسين بن روح رضي الله عنه
--------------------------- 859 ---------------------------
فقال : كم بنات رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال : أربع ، فقال : أيتهن أفضل ؟ فقال : فاطمة ، قال : ولم صارت أفضل وكانت أصغرهن سناً وأقلهن صحبة لرسول الله ؟ قال : لخصلتين خصها الله بهما ، أنها ورثت رسول الله ونسل رسول الله منها ، ولم يخصها بذلك إلا بفضل إخلاص عرفه من نيتها » . وسيأتي في سجنه قدس سره أن غرضهم من هذه الأسئلة كان الإيقاع به وبالشيعة !
رابعاً : إن اختيار الله تعالى للسفارة عن حجته على عباده عليه السلام أحد أوليائه من بني نوبخت ، يشبه بعثته نبياً من الوسط الحاكم ! فبنو نوبخت لهم مكانة في الدولة العباسية من زمن المنصور ، فعندما دخل المنصور سجن الأمويين في الأهواز رآه نوبخت وكان مسجوناً أيضاً ، وكان منجماً ومترجماً ، فتفرس فيه أنه من بني هاشم وأنه سيحكم ، فكتب له المنصور وعداً بمقام إذا وصل إلى الحكم ، وعندما نجحت الثورة العباسية وفى المنصور لنوبخت وأعطاه إقطاعات واسعة وأسلم نوبخت على يده ، « تاريخ الذهبي : 9 / 467 » . وجعله المنصور مستشاراً ، وبنى عاصمته بغداد برأيه ، ومن يومها دخلت أسرة نوبخت في تاريخ البلاط العباسي والحياة الثقافية والسياسية ، وكان لهم حيٌّ وسط العاصمة بغداد ، وبيوتهم معروفة يزورها شخصيات الدولة والوزراء ، بل ذكر المؤرخون أن رئيس الوزراء المهلبي دفن في مقبرتهم ، مما يدل على أنها كانت في محل مناسب ويقع سوق بغداد « الشورجة » في محلتهم .
يظهر أن بني نوبخت تشيعوا مبكراً في زمن المأمون أو قبله . ونبغ منهم علماء ومؤلفون إلى جانب المنجمين والمترجمين . وكان الشيخ أبو القاسم بن روح قدس سره من علمائهم غير المعروفين فاختاره الله للسفارة . راجع في بني نوبخت : أنساب السمعاني : 5 / 529 ، ووفيات الأعيان : 2 / 127 ، ومروج الذهب / 1304 ، ورجال النجاشي / 373 . . الخ .
خامساً : رافقت سفارة الحسين بن روح قدس سره « 305 - 326 » خلافة المقتدر العباسي الذي بويع سنة 295 ، وكان عمره 13 سنة وحكم ربع قرن وقتل سنة 220 « قتله رجل من البربر وقلع ثيابه فمر به رجل فستر سوأته بحشيش ثم حفر له ودفن وخفي أثره » . « مآثر الإنافة : 1 / 274 » . وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد / 1270 : « وخلع في خلافته دفعتين الأولى بعد جلوسه بأربعة أشهر وأيام بابن المعتز ، وبطل الأمر من يومه . والدفعة الثانية بعد إحدى وعشرين سنة وشهرين ويومين من خلافته ، خلع نفسه وأشهد عليه وأجلس القاهر يومين
--------------------------- 860 ---------------------------
وبعض اليوم الثالث ، ووقع الخلف بين العسكرين ، وعاد المقتدر إلى حاله ! وكان مولده لثمان بقين من شهر رمضان سنة اثنتين وثمانين ومائتين ، وقتل بالشماسية يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال سنة عشرين وثلاث مائة . فكانت خلافته خمساً وعشرين سنة إلا خمسة عشراً يوماً . وكانت سنُّه ثمانياً وثلاثين سنة وشهراً وعشرين يوماً . . . ووزر له العباس بن الحسن ، ثم علي بن محمد بن موسى بن الفرات ، ثم عبيد الله بن خاقان ، ثم أبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجراح ، ثم حامد بن العباس ، ثم أحمد بن عبيد الله الخصيبي ، ثم محمد بن علي بن مقلة ، ثم سليمان بن الحسن بن مخلد بن الجراح ، ثم عبيد الله بن محمد الكلوذاني ، ثم الحسين بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب ، ثم الفضل بن جعفر بن موسى بن الفرات » . انتهى .
أقول : الوزير يومها يعني رئيس الوزراء الذي بيده مالية الدولة وكثير من أمورها الإدارية ، ويشكل هو وقادة الجيش وولاة الأمصار مراكز القوى الثلاث في الدولة ، وقد تكون مراكز قوى غيرها . وكان من هؤلاء الأحد عشر الذين استوزرهم المقتدر بضعة وزراء شيعة ، أو يميلون إلى التشيع ، منهم ابن مقلة مبتكر الخط ، وأبرزهم ابن الفرات الذي كان استوزره الخليفة ثم عزله وصادر أمواله وسجنه ، ثم فرضت عليه كفاءته أن يعيده ، وكان محبوباً عند الناس .
ففي تهذيب الأنساب : 2 / 414 : « وكان يقارب البرامكة في الجود ، حتى قال الشاعر :
- آل الفرات وآل برمك ما لكمْ - قلَّ المعينُ لكم وقلَّ الناصر »
وقال الصابي في تاريخ الوزراء / 3 : « بنو الفرات من قرية تدعى بابلي صريفين من النهروان الأعلى ، وكان لهم بها أقارب يزيدون على ثلاث مائة نفس . وأول من ساد منهم أبو العباس أحمد بن محمد بن موسى بن الفرات ، وكان حسن الكتابة ظاهر الكفاية ، خبيراً بالحساب والأعمال ، متقدماً على أهل زمانه في هذه الأحوال . . . حدث أبو الفضل بن عبد الحميد الكاتب قال : لما تولى أبو القاسم عبيد الله بن سليمان وزارة المعتضد بالله والدنيا منغلقة بالخوارج ، والأطماع مستحكمة من جميع الجوانب ، والمواد قاصرة والأموال معدومة ، وقد استخرج إسماعيل بن بلبل خراج السواد لسنتين في سنة ، وليس في الخزائن موجود من مال ولا صياغة أحتاج في كل يوم إلى ما لا بد منه من النفقات إلى سبعة آلاف دينار وتعذر عليه قيام وجهها ! وقال لي يوماً وهو في مجلسه من دار المعتضد بالله : يا أبا الفضل قد وردنا
--------------------------- 861 ---------------------------
على دنيا خراب مستغلقة ، وبيوت مال فارغة وابتداء عقد لخليفة جديد الأمر ، وبيننا وبين الإفتتاح مدة « وقت قبض الخراج » ولا بد لي في كل يوم من سبعة آلاف دينار لنفقات الحضرة على غاية الاقتصار والتجزئة ، فإن كنت تعرف وجهاً تعينني به ، فأحب أن ترشدني إليه ؟ وكنت أعرف منها وجوهاً بالنصف فقلت وأنا أحب تخليص بني الفرات : إن أردت أن أحصل لك ذلك وزيادة فأطلق ابني الفرات واستعملهما . قال : فنهض ودخل على المعتضد بالله وعرفه الصورة وقال : أنا بعيد العهد بالعمل ، وابنا الفرات قد خبرا الأعمال ووجوه الأموال ، وعندهما من علم ذاك ما يحتاج إليهما فيه . فقال له المعتضد : وكيف تصلح لنا نياتهما وقد استفسدناهما وأسأنا إليهما وصادرناهما ؟ فقال له : إذا أردت أن تصطنعهما وتستصلحهما صلحاً ونصحاً . فقال له المعتضد : ربما اجتمعا عليك وأفسدا بيني وبينك ، والأمر في حبسهما وإطلاقهما إليك . فخرج وعرفني ما جرى وأحضر أبا العباس وأدناه وقال له : قد استوهبتك وعملت على اصطناعك ، والاستعانة بك فكيف تكون ؟ قال : أبذل وسعي في كل ما قضى حقك وخفف عنك . وخرج إليه عبيد الله بما هو فيه وقص عليه أمره فيما يعانيه ، فقال له : يتقدم الوزير بإحضار أحمد بن محمد الطائي وعلي بن محمد أخي يعني أبا الحسن ، وتفردني وإياهما ، ففعل عبيد الله ذلك واعتزل أبو العباس وأبو الحسن وخاطبا الطائي على أن يضمناه أعمال الكوفة والقصر وباروسما الأعلى والأسفل وما يجري مع ذلك ، وقررا معه الضمان على أن يحمل من ماله في كل يوم سبعة آلاف دينار ، وفي كل شهر ستة آلاف دينار ، وأخذا خطة بالتزام الضمان وتصحيح المال على ما تقرر . . . فطلب أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات وهو محبوس يومئذ مع أبي العباس أحمد أخيه ، وقد لحقتهما مكاره وعلق أبو العباس بحبال في يديه بقيت آثارها فيهما مدة حياته ، وصودر على مائة وعشرين ألف دينار صح منها ستون ، فجئ به من محبسه يرسف في قيوده ، وعليه جبة دنسة وشعره طويل ، فلما مثل بين يديه قال : الله الله أيها الوزير ، وجعل يشكو ما أصابه وأصاب أبا العباس أخاه من المكاره وفرائصه ترعد ! فسكنه عبيد الله بن سليمان وقربه وأجلسه ، وخاطبه بما أزال به روعه وخوفه . ثم خاطبه في المسألة عن أمر الأعمال والعمال ، فانبسط أبو الحسن انبساط رجل جالس في الصدر وأخذ يقول : ناحية كذا مبلغ مالها كذا ، وقد حمل منه كذا وبقي كذا ، وعاملها مستقيم الطريقة ،
--------------------------- 862 ---------------------------
وناحية كذا على صورة كذا وعاملها غير مضطلع بها ، وينبغي أن يستبدل به فيها ، وناحية كذا على حال كذا ، وعاملها ضعيف وينبغي أن يشد بمشارك أو مشارف . حتى أتى على أمور الدنيا . . . والتفت إلى من كان بين يديه وقال : أرأيتم مثل ابن الفرات ومثل كتَّابي الذين صرفوه ! والله لأخاطبن الخليفة في العفو عن أبي الحسن وأبي العباس وأستعينن بهما ، فإنه لاعوض للسلطان عنهما . ومضت أيام وخاطب في معناها واستوهبهما واستعملهما » . انتهى .
أقول : كان آل الفرات من العوائل المعروفة في بغداد ، هم وآل نوبخت ، وآل بسطام الجعفيين ويقال لهم بنو سبرة ، وكذلك آل حمدان أمراء الموصل وحلب ، وكان بعضهم في بغداد ، ثم آل مقلة ، ويظهر أن الباقطانيين كانوا شيعة أيضاً ، ففي الكافي : 1 / 525 ، عن علي بن محمد قال : خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحير ، فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي فقال له : إلق بني الفرات والبرسيين وقل لهم : لا يزوروا مقابر قريش ، فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه » .
وذكر في نشوار المحاضرة / 1066 ، دفاع الوزير ابن الفرات عن إعطائه المناصب الكبيرة للشيعة بأنهم أكفأ من غيرهم ، قال : « يتمعضني الناس بتعطيلي مشايخ الكتاب وتفريقي الأعمال على آل بسطام وآل نوبخت ، والله لولا أنه لا يحسن تعطيل نفر من العمال وقد قلدتهم ، لما استعملت في الدنيا ، إلا آل نوبخت دون غيرهم . قال أبو الحسين : وإنما كان يتعصب لآل بسطام لرياسة أبي العباس عليه وللمذهب ، ويتعصب لآل نوبخت للمذهب » .
سادساً : كانت أم المقتدر من عوامل قُوَّته ، وهي جارية صقلبية أي بلغارية « الوافي : 11 / 74 ، ومعجم البلدان : 1 / 87 » كان اسمها ناعمة وسماها المعتضد بعد ولادتها المقتدر « شغب » وكانت قوية الشخصية ، ويظهر أنها هي التي أقنعت قادة الجيش ببيعة ابنها الصغير .
قال الزركلي : 3 / 168 : « مدبرة حازمة كانت من جواري المعتضد بالله أبي جعفر وأعتقها وتزوجها . ولما آلت الخلافة إلى ابنها « المقتدر » سنة 295 ه وعمره ثلاث عشرة سنة ، قامت بتوجيهه واستولت على أمور الخلافة .
وأمرت سنة 306 قهرمانة لها اسمها ثمل ، أن تجلس للنظر في عرائض الناس يوماً في كل جمعة ، فكانت تجلس ويحضر الفقهاء والقضاة والأعيان وتبرز التواقيع وعليها خطها .
--------------------------- 863 ---------------------------
ولما ثار عبد الله بن حمدان على المقتدر ، وناصره بعض رجال المقتدر وخلعوه سنة 317 استتر عند أمه ، وقيل حمل هو وأمه في دار مؤنس المظفر . وكان لها ست مائة ألف دينار في الرصافة ، فأخذت ثم لم تلبث أن عادت إلى تدبير الشؤون بعد قمع الثورة في السنة نفسها ، وظلت إلى أن قتل ابنها سنة 320 وولي القاهر فضربها وعذبها وكانت صالحة وكان متحصلها في السنة ألف ألف دينار ، فتتصدق بها وتخرج من عندها مثلها » ! انتهى .
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام : 23 / 399 : « وأول ما فعل « الخليفة القاهر » أن صادر آل المقتدر وعذبهم وأحضر أم المقتدر وهي مريضة فضربها بيده ضرباً مبرحاً ! فلم تظهر من مالها سوى خمسين ألف دينار ، وأحضر القضاة وأشهد عليها ببيع أملاكها . . . وما زال يعذبها حتى ماتت معلقة بحبل » ! وقد خُلع بعد سنة ونصف ، وسملت عيناه ! « مروج الذهب / 1304 » .
ويظهر أن المقتدر وأمه رأوا كرامات لأبي القاسم بن روح قدس سره فكانا يحترمانه ويعظمانه في المرحلة الأولى ، قبل تحريك الحنابلة لهما ضد الشيعة ، ففي غيبة الطوسي / 384 : « وكان أبو القاسم رحمه الله من أعقل الناس عند المخالف والموافق . . . وكان له محل عند السيدة والمقتدر عظيم وكانت العامة أيضاً تعظمه » .
وقال ابن حجر في لسان الميزان : 2 / 283 : « أحد رؤساء الشيعة في خلافة المقتدر ، وله وقائع في ذلك مع الوزراء إلى أن قال : كان كثير الجلالة في بغداد » .
سابعاً : نورد نصين يكشفان عن دور الحسين بن روح قدس سره في الأحداث الكبرى ! قال الصفدي في الوافي بالوفيات : 12 / 226 : « أبو القاسم الشيعي ، الحسين بن روح بن بحر أبو القاسم . قال ابن أبي طي : هو أحد الأبواب لصاحب الأمر ، نص عليه بالنيابة أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري . . . وكثرت غاشيته ، حتى كان الأمراء يركبون إليه والوزراء والمعزولون عن الوزارة والأعيان . وتواصف الناس عقله ، ولم يزل أبو القاسم على مثل هذه الحال حتى ولي حامد بن العباس الوزارة ، فجرى له معه أمور وخطوب يطول شرحها ، وقبض عليه وسجن خمسة أعوام ، وأطلق من الحبس لما خلع المقتدر ، فلما أعيد إلى الخلافة شاوروه فيه قال : دعوه فبخطيئته جرى علينا ما جرى ! وبقيت حرمته على ما كانت عليه ، ورمي بأنه كان
--------------------------- 864 ---------------------------
يكاتب القرامطة ليحاصروا بغداد ، وأن الأموال تجبى إليه ، وكان يفتي الشيعة ويفيدهم ، وكاد أمره يتم ويستفحل ، إلى أن توفي سنة ست وعشرين وثلاث مائة » .
وقال الذهبي في سيره : 15 / 222 : « كبير الإمامية ، ومن كان أحد الأبواب إلى صاحب الزمان المنتظر ، الشيخ الصالح أبو القاسم حسين بن روح بن بحر القيني . قال ابن أبي طي في تاريخه : نص عليه بالنيابة أبو جعفر محمد بن عثمان العمري . . . . فروى علي بن محمد الأيادي عن أبيه قال : شاهدته يوماً وقد دخل عليه أبو عمر القاضي فقال له أبو القاسم : صواب الرأي عند المشفق عبرةٌ عند المتورط ، فلا يفعل القاضي ما عزم عليه ، فرأيت أبا عمر قد نظر إليه ، ثم قال : من أين لك هذا ؟ فقال : إن كنت قلتُ لك ما عرفتَهُ فمسألتي من أين لك ، فضول ! وإن كنت لم تعرفه فقد ظفرت بي . قال : فقبض أبو عمر على يديه وقال : لا بل والله أؤخرك ليومي أو لغدي ! فلما خرج قال أبو القاسم : ما رأيت محجوجاً قط يلقى البرهان بنفاق مثل هذا ! كاشفته بما لم أكاشف به غيره !
ولم يزل أبو القاسم وافر الحرمة إلى أن وزر حامد بن العباس ، فجرت له معه خطوب يطول شرحها ، ثم سرد ابن أبي طي ترجمته في أوراق ، وكيف أخذ وسجن خمسة أعوام ، وكيف أطلق وقت خلع المقتدر ، فلما أعادوه إلى الخلافة شاوروه فيه فقال : دعوه فبخطيته أوذينا . وبقيت حرمته على ما كانت إلى أن مات في سنة ست وعشرين وثلاث مئة . وقد كاد أمره أن يظهر ! قلت : ولكن كفى الله شره فقد كان مضمراً لشق العصا . وقيل كان يكاتب القرامطة ليقدموا بغداد ويحاصروها . وكانت الإمامية تبذل له الأموال ، وله تلطف في الذب عنه ، وعبارات بليغة تدل على فصاحته وكمال عقله . وكان مفتي الرافضة وقدوتهم ، وله جلالة عجيبة ! وهو الذي رد على الشلمغاني لما علم انحلاله » . انتهى .
هذا وكانت الثورة على المقتدر من اثنين من قادة جيشه هما : نازوك وابن حمدان ، لكن القائد الكبير مؤنس تغلب عليهما ، وأعاده إلى الخلافة . « صلة تاريخ الطبري / 97 » .
فهذان النصَّان للصفدي والذهبي وهما من غير الشيعة ، يكشفان عن جلالة الحسين بن روح قدس سره ودوره العظيم في أحداث الخلافة وصراعات القوى :
1 - يدلان على أنه شخصية غير عادية ، فهو عالم شيعي سفير إمام الشيعة الغائب صلوات الله
--------------------------- 865 ---------------------------
عليه ، وله احترام وإجلال عند كبار رجال الدولة ، ابتداء من الخليفة ووالدته « السيدة » إلى عامة الناس ! وقولهما : « وتواصف الناس عقله » وقول الذهبي : « وله جلالة عجيبة » يردُّ ادعاء ابن حجر أن هذه الجلالة والاحترام ادعاها له الشيعة !
قال في لسان الميزان : 2 / 283 : « الحسين بن روح بن بحر أبو القاسم ، أحد رؤوساء الشيعة في خلافة المقتدر ، وله وقائع في ذلك مع الوزراء ، ثم قبض عليه وسجن في المطمورة ، وكان السبب في ذلك « . . . بياض » ومات سنة ست وعشرين وثلاث مائة . وقد افترى له الشيعة الإمامية حكايات وزعموا أن له كرامات ومكاشفات ، وزعموا أنه كان في زمانه الباب إلى المنتظر ، وأنه كان كثير الجلالة في بغداد . والعلم عند الله » انتهى .
ويقصد ابن حجر بقوله « والعلم عند الله » أنه يشك في كلامه السابق ولا يجزم به !
2 - ويدل ذلك وغيره على أن الحسين بن روح قدس سره دخل في عمق القضايا السياسية ، لكن بأسلوبه الخاص الذي وجهه به الإمام عليه السلام ، فكان ينصح ويحذر ، ويأمر كبار الشخصيات بما يخبره به الإمام عليه السلام ، وكان الجميع يحترمونه ويهابونه ، لأنهم لمسوا صدق إخباراته عن المستقبل وتوجيهاته واستفادوا منها ! والقصة التي نقلها الذهبي عن قاضي القضاة ، لا تدل على أنه لم ينفذ أمره ، ونصها : « دخل عليه أبو عمر القاضي فقال له أبو القاسم : صواب الرأي عند المشفق عبرةٌ عند المتورط ، فلا يفعل القاضي ما عزم عليه ، فرأيت أبا عمر قد نظر إليه ثم قال : من أين لك هذا ؟ فقال : إن كنت قلتُ لك ما عرفتَهُ فمسألتي من أين لك فضول ! وإن كنت لم تعرفه فقد ظفرت بي . قال : فقبض أبو عمرعلى يديه وقال : لا بل والله أؤخرك ليومي أو لغدي ! فلما خرج قال أبو القاسم : ما رأيت محجوجاً قط يلقى البرهان بنفاق مثل هذا ! كاشفته بما لم أكاشف به غيره » . ومعناه أن قاضي القضاة كان يزوره في بيته كغيره من الوزراء ، وقد يكون الخليفة وأمه يزورانه أيضاً ، ولم أجد أي نص في أنه كان يزور أحداً منهم ! وكان قاضي القضاة عزم على أمر كبير ، قد يكون قتل أحد المسؤولين في صراع السلطة الذي كانت الأطراف فيه تحتاج إلى حكم القاضي بقتل بعضهم البعض وسمل العيون والمصادرة والنهب . فبادره الحسين بن روح قدس سره ناصحاً أن لا يفعل ما عزم عليه ! فارتبك وسأله : من أخبره بما عزم عليه ؟ ! وكأن المسألة من نوع التواطؤ السري للغاية بين قاضي القضاة وأحد صناع القرار ، وأبرزهم :
--------------------------- 866 ---------------------------
الخليفة ، وأمه ، ورئيس الوزراء ، ومؤنس قائد الجيش ! فأجابه ابن روح رحمه الله : ما دام ما أقول لك صحيحاً ، فلماذا تسأل من أين عرفته ؟ وإن كان غير صحيح ، فلك الحق أن تتهمني ! عندها قال القاضي : لا أتهمك ، لكن أمهلك يوماً أو يومين حتى تخبرني من أين عرفت ! فلما ذهب القاضي أظهر ابن روح قدس سره تعجبه من نفاقه ، وأنه بدل أن يخضع للبرهان القطعي الذي كوشف به ويشكره على نصيحته ، استعمل النفاق وقال : أمهلك حتى تخبرني من أخبرك !
وهذا يدلنا على أن القاضي اعترف ضمناً بأن ما أخبره صحيح ، فقد اتهمه ابن روح بالنفاق لأنه هرب من الموضوع إلى سؤال من أين عرفت هذا ؟ وهو يعرف أن مصدر علم ابن روح هو الإمام المهدي عليه السلام الملهم من ربه تعالى !
وقد ترجم الذهبي في سيره : 14 / 555 ، لهذا القاضي فقال : « أبو عمر القاضي الإمام الكبير ، قاضي القضاة ، محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل ابن عالم البصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم البصري ثم البغدادي . . . حدث عنه الدارقطني ، والقاضي أبو بكر الأبهري ، وأبو بكر بن المقرئ . . . . وكان عديم النظيرعقلاً وحلماً وذكاء بحيث إن الرجل كان إذا بالغ في وصف شخص قال : كأنه أبو عمر القاضي . . . . ولم يرأجل من مجلسه للحديث : البغوي عن يمينه ، وابن صاعد عن شماله ، وابن زياد النيسابوري وغيره بين يديه . . . . ومات سنة عشرين وثلاث مئة » .
3 - كان هدف الحسين بن روح قدس سره من تدخله بالسياسة أوهدف الإمام صلوات الله عليه ، أن يترسخ مذهب أهل البيت عليهم السلام في الأمة فكرياً وعملياً ، ويتميزعن غيره من مذاهب الغلو والتقصير ، ويأخذ طريقه في حياة الأمة حتى يحين وقت الظهور . وقد تحققت آخر مراحل هذا الهدف على يد السفراء الأربعة للإمام عليه السلام وخاصة الحسين بن روح قدس سره ، وتعلم الشيعة أن يرجعوا إلى فقهائهم ويتكيفوا مع غيبة إمامهم عليه السلام وزمن الفترة الذي امتحن الله به الأمة .
4 - أقدم حامد بن العباس وزير المقتدر على سجن الحسين بن روح قدس سره ، وحبسوه في سجن قصر الخليفة ، وكان سجن القصر أفضل من سجن الوزير ، بدليل أنه عندما غضب الخليفة على الوزير حامد هذا وعزله ، طلب أن يكون سجنه في قصر الخليفة وليس في سجن الوزير الذي جاء بعده . « الكامل : 8 / 141 » . وعندما وقعت الثورة على الخليفة المقتدر وخلعوه ، نهبوا
--------------------------- 867 ---------------------------
قصره وفتحوا سجنه وأطلقوا من فيه ، ثم أعيد الخليفة فشاوروه هل يرجعون الشيخ ابن روح إلى السجن فقال : « دعوه فبخطيئته جرى علينا ما جرى » برواية الصفدي ، ونحوها رواية الذهبي ! ومعناه أن المقتدر كان يعتقد بأن ابن روح قدس سره رجل صالح ، وأن الثورة عليه وخلعه كانا عقوبةً له ، لأنه سجن ولي الله الحسين بن روح !
أما مدة سجنه قدس سره فرووا أنها خمس سنوات ، وذكرت رواية غيبة الطوسي / 307 ، أن خروجه من السجن كان في آخر سنة اثني عشر وثلاث مئة ، أو أول ثلاثة عشر . أما سبب سجنه قدس سره فجعلها ابن حجر في نسخته « بياضاً » ! وقال عنها الذهبي : « ولم يزل أبو القاسم على مثل هذه الحال حتى ولي حامد بن العباس الوزارة فجرى له معه أمور وخطوب يطول شرحها ، وقبض عليه وسجن خمسة أعوام » .
ولم نجد في مصادر التاريخ والسير ما هي تلك الخطوب إلا ما ذكر الذهبي وغيره عن تاريخ ابن أبي طي الحلبي رحمه الله ، وهو كتاب تاريخ مفصل ، مفقود في عصرنا مع الأسف !
ويمكن أن نعرف السبب ، إذا عرفنا أن المقتدر لم يتبنَّ سياسة المتوكل في النصب لأهل البيت عليهم السلام والعداء لشيعتهم ، بل كان يعمل بسياسة المأمون وحفيده الواثق في الموازنات بين الشيعة والسنة ، وكان يحترم الحسين بن روح احتراماً خاصاً . لكن مجسمة الحنابلة استطاعوا أن يحدثوا موجة مضادة للشيعة في بغداد ويؤثِّروا على المقتدر ، ويفرضوا عليه حامد بن العباس رئيس وزراء ، وجعلوا من موقف الشيعة من أبي بكر وعمر شعاراً ، وأخذوا يمتحنون به الناس ، ومنعوا زيارة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء ، وقبر الإمام الكاظم عليه السلام في بغداد . . الخ .
وكان حامد بن العباس فارسياً يتبنى أفكار المتوكل ومجسمة الحنابلة ، وهو الذي سجن الحسين بن روح رحمه الله .
وذكرت مصادرهم أن الوزير كان يروج لفكرة قدم القرآن ويدعي أن الواثق وهو العدو اللدود لمجسمة الحنابلة ، قد تاب قبل وفاته عن رأيه بخلق القرآن ووافق المجسمة ! ففي تاريخ بغداد : 14 / 18 : « حدثني حامد بن العباس عن رجل عن المهتدي ، أن الواثق مات وقد تاب عن القول بخلق القرآن » . انتهى .
ولا يتسع المجال لتفصيل هذه المسألة ، وخلاصتها أن المأمون واجه موجة النصب والتجسيم
--------------------------- 868 ---------------------------
الأموي فكتب منشوراً في البراءة من معاوية ، وأمر بقتل من قال بالتشبيه ورؤية الله تعالى ، وأن القرآن جزء من ذاته !
ثم جاء أخوه المعتصم بعده فخالفه وقرب مجسمة الحنابلة ، ثم جاء الواثق فأعاد سياسة المأمون ، فقام مجسموا الحنابلة بحركة ضده في بغداد ، فقتل رئيسهم أحمد بن نصر الخزاعي وذبحه بيده سنة إحدى وثلاثين ومئتين ! راجع تاريخ بغداد : 5 / 384 ، و 386 ، وتهذيب الكمال : 1 / 508 ، وتاريخ اليعقوبي : 2 / 482 .
قال ابن كثير في النهاية : 10 / 334 : « وكان الواثق من أشد الناس في القول بخلق القرآن ، يدعو إليه ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً ، اعتماداً على ما كان عليه أبوه قبله وعمه المأمون ، من غير دليل ولا برهان ولا حجة ولا بيان ولا سنة ولا قرآن ، فقام أحمد بن نصرهذا يدعو إلى الله وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، في أشياء كثيرة دعا الناس إليها . فاجتمع عليه جماعة من أهل بغداد والتف عليه من الألوف . » . انتهى .
ولم يُبيِّن ابن كثير معنى « أشياء كثيرة دعا الناس إليها » ولو كان صريحاً لقال إنها نهيه عن تقديس بني أمية وعن بغض أهل البيت عليهم السلام ورؤية الله وتشبيهه بخلقه ، وعن تكفير الشيعة واستباحة دمائهم ، بحجة أنهم مشركون أو أنهم يسبون الصحابة . . الخ . ثم جاء المتوكل وتبنى مذهب مجسمي الحنابلة ، وأسس منهم حزباً سماه « أهل الحديث » كانت مهمته محاربة الشيعة ومهاجمة مجالسهم في عاشوراء ومطاردة من يزورون منهم كربلاء والكاظمية ! وانتهت موجة المتوكل بقتله ، وسار الخلفاء بعده على سياسة الموازنة بين المذاهب والقوى السياسية ، وكان منهم المقتدر ، حتى قوي الحنابلة وفرضوا عليه وزارة حامد بن العباس !
إن ما تراه في سيرة ابن روح قدس سره من استعماله التقية حتى في معاوية ، يدل على عمل مجسمة الحنابلة في وزارة صاحبهم أن يقتلوه ويستبيحوا دماء الشيعة بفتواه ! ولكنهم لم يجدوا عليه مستنداً فحبسوه ، وقد يكون المقتدر أو والدته « السيدة » جعلوا حبسه في سجن قصر الخليفة !
ولابد أن الخليفة وأمه وكثيراً من رجالهم يعتقدون بوجود الإمام المهدي عليه السلام وأن أبا القاسم سفيره ، لأنهم لمسوا منه كرامات تدل على صدقه ، ولذلك كان الواثق يعتقد بأن ما أصابه كان بسبب أذيتهم له . رضوان الله عليه ، وصلوات الله على سيده صاحب الزمان .
--------------------------- 869 ---------------------------
مؤلفات في سيرة السفراء الأربعة رضوان الله عليهم
دوَّن علماؤنا قديماً وحديثاً سيرة السفراء وأحاديثهم رضوان الله عليهم ، وألفوا فيهم الكتب الخاصة ، فقد ذكر في الذريعة إلى تصانيف الشيعة : 1 / 353 : « أخبار الوكلاء الأربعة ، وهم عثمان بن سعيد ، ومحمد بن عثمان ، والحسين بن روح ، وعلي بن محمد السمري ، النواب المخصصون في الغيبة الصغرى ، والسفراء والأبواب فيها للحجة المهدي عليه السلام ، لأبي العباس أحمد بن علي بن العباس بن نوح السيرافي نزيل البصرة ، من مشايخ النجاشي ، توفي حدود النيف والعشرة بعد الأربع ماية ، كما يظهر من فهرس الشيخ ، حيث إنه قال فيه إنه مات عن قرب ، وكان شروع الشيخ في الفهرس بأمر الشيخ المفيد ، لكنه فرغ منه بعد وفاته حيث ذكر فيه حكاية يوم وفاة المفيد في سنة 413 ، فيكون وفاة السيرافي أيضاً في هذه الحدود .
أخبار الوكلاء الأربعة : المذكورين ، لأبي عبد الله الجوهري أحمد بن محمد بن عياش ، صاحب مقتضب الأثر المتوفى سنة 401 ، ذكره النجاشي » . انتهى .
راجع في أحوال السفراء الأربعة رضي الله عنهم ، المؤلفات في أحاديث الإمام المهدي عليه السلام ، وعامة كتب الرجال والتراجم ، وقد ترجمتنا لهم في كتاب : عصر الشيعة .
الشيعة يتبركون بقبور السفراء الأربعة في بغداد
وقبورهم كلهم في بغداد رضوان الله عليهم ، فقد انتقل السفير الأول عثمان بن سعيد رحمه الله إلى بغداد بعد سنة أو سنتين من وفاة الإمام العسكري عليه السلام ، كما دلت رواية أحمد بن محمد الدينوري ، فأوصى أن يقوم مقامه ابنه محمد الذي نص عليه الإمام العسكري عليه السلام فقال جواباً على سؤالهم : « نعم واشهدوا عليَّ أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي ، وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم » . « غيبة الطوسي / 415 » لكن لم أجد تاريخ وفاته رحمه الله ، مع أنهم نصوا على وصيته ومراسم غسله وقبره . وقد تقدم وصف الشيخ الطوسي رحمه الله لقبره رحمه الله وزيارته له . « الغيبة / 358 »
كما نص المحدثون على أن السفير الثاني أبو جعفر محمد بن عثمان رحمه الله توفي سنة 305 ، وأن الإمام عليه السلام أخبره عن وفاته قبلها بشهرين ، فاستعد وحفر قبراً ، وكان يقرأ فيه القرآن وكتب على لوحة آيات من القرآن ، وأسماء الأئمة عليهم السلام ، ليدفنها معه . كما رووا أن وفاة الحسين بن روح رحمه الله
--------------------------- 870 ---------------------------
كانت سنة 326 ، في شعبان كما في غيبة الطوسي / 386 : « عن بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه أن قبر أبي القاسم الحسين بن روح في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل ، وإلى الدرب الآخر ، وإلى قنطرة الشوك رضي الله عنه . قال : وقال لي أبو نصر : مات أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه في شعبان سنة ست وعشرين وثلاث مائة ، وقد رويت عنه أخباراً كثيرة » .
أما وفاة علي بن محمد السمري فكانت سنة 329 ، في نصف شعبان ، وقد وصف الطوسي قبره فقال في / 396 : « عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب أن قبر أبي الحسن السمري رضي الله عنه في الشارع المعروف بشارع الخلنجي ، من ربع باب المحول ، قريب من شاطئ نهر أبي عتاب . وذكر أنه مات رضي الله عنه في سنة تسع وعشرين وثلاث مائة » .
« أ - أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رحمه الله وكان وكيلاً للأئمة الثلاثة أبي الحسن الهادي وأبي محمد العسكري وأبي القاسم المهدي عليهم السلام ، قبره بالجانب الغربي من بغداد مما يلي سوق الميدان معروف يزار ويتبرك به الشيعة .
ب - - أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري رحمه الله ابن النائب السابق وخليفته في مقامه بأمر الصاحب عليه السلام ، وهو المعروف بالخلاني توفي سنة 305 ، آخر جمادى الأولى وكانت أيام سفارته وسفارة أبيه قبله خمساً وأربعين سنة ، ابتدأت سنة 260 إلى سنة 305 ه - ، وقبره في الجانب الشرقي من بغداد عند والدته في شارع باب الكوفة ، في الموضع الذي كانت دوره ومنازله .
ج - - أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي رحمه الله تشرف بالنيابة من سنة 305 إلى أن توفى سنة 326 ه في 18 شعبان ، وقبره ببغداد ، في الجانب الشرقي في سوق العطارين ، يزار ويتبرك به ، وهو معروف .
د - أبو الحسين علي بن محمد السمري رحمه الله وهو آخر السفراء تشرف بالنيابة في 18 شعبان سنة 326 إلى أن توفى سنة 329 ه وهي آخر الغيبة الصغرى وأول الغيبة الكبرى ، وقبره في الجانب الغربي من بغداد مما يلي سوق الهرج والسراجين ، وهو معروف ومشهور ، يزار ويتبرك به » . انتهى .
--------------------------- 871 ---------------------------
وقال الشيخ حرز الدين في مراقد المعارف ، عن قبر الكليني رحمه الله : « مرقده ببغداد في الجهة المؤدية إلى باب الكوفة بجانب الرصافة ، في الضفة الشرقية لنهر دجلة برأس الجسر القديم ، في جامع الصفوية المعروف بجامع الآصفية تحريفاً ، ثم بتكية المولوية . . . زرنا مرقد الشيخ الكليني لأول مرة سنة 1305 ه ببغداد وكان قد دلنا على قبر الشيخ الكراجكي فضيلة الشيخ إمام الجامع والمقيم بنفس الجامع ، فكان رسم قبره دكة عالية بارتفاع ثلثي قامة إنسان خلف دكة قبر الشيخ الكليني قدس سره . وفي وقته لم نشاهد على الدكة الصخرة القديمة ، ورأينا رسم موضعها بعد قلعها ، وكان إلى جانب هذه الدكة رسم قبرين مردومين يظهر ذلك من الحجارة والأنقاض الباقية كالأكمتين .
قلت : المعروف والمشهور أن بهذه الجهة الشرقية من الرصافة في تلك الأزمنة دور سكن متقاربة لوجوه علماء الشيعة الإمامية ، ومنها دار ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني التي صارت من بعد مسجداً ومقبرة له ولبعض وجوه علماء الشيعة ، ففي صدر هذا السوق المستطيل مع مجرى نهر دجلة ، المعروف بسوق الهرج تارة وسوق السراجين أخرى ، وبسوق السراي في زماننا المتأخر : مرقد الشيخ عثمان بن سعيد العمري ، وفي وسطه عند رأس الجسر العتيق مرقد الشيخ الكليني ، والشيخ الكراجكي ، وأسفل منهما بيسيرعند انحدار دجلة مرقد الشيخ علي بن محمد السمري في مسجد القبلانية » . هامش كتاب : التعجب من أغلاط العامة للكراجكي / 16 .
بقية الوكلاء في عصر السفراء الأربعة
وهم بضعة عشر شخصاً ، وأشهرهم : محمد بن جعفر الأسدي ، وحاجز بن يزيد الوشاء البغدادي ، وأحمد بن إسحاق الأشعري ، وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري .
قال الطوسي في الغيبة / 415 : « وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل . منهم أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي رحمه الله : أخبرنا أبو الحسين بن أبي جيد القمي ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن صالح بن أبي صالح قال : سألني
--------------------------- 872 ---------------------------
بعض الناس في سنة تسعين ومائتين قبض شئ ، فامتنعت من ذلك وكتبت أستطلع الرأي ، فأتاني الجواب : بالري محمد بن جعفر العربي فليدفع إليه فإنه من ثقاتنا .
وروى محمد بن يعقوب الكليني ، عن أحمد بن يوسف الشاشي قال : قال لي محمد بن الحسن الكاتب المروزي : وجهت إلى حاجز الوشاء مائتي دينار ، وكتبت إلى الغريم بذلك فخرج الوصول ، وذكر : أنه كان له قبلي ألف دينار وأني وجهت إليه مائتي دينار ، وقال : إن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري . فورد الخبر بوفاة حاجز رضي الله عنه بعد يومين أو ثلاثة ، فأعلمته بموته فاغتم . فقلت له : لا تغتم فإن لك في التوقيع إليك دلالتين ، إحداهما إعلامه إياك أن المال ألف دينار ، والثانية أمره إياك بمعاملة أبي الحسين الأسدي لعلمه بموت حاجز .
وبهذا الإسناد عن أبي جعفر محمد بن علي بن نوبخت قال : عزمت على الحج وتأهبت فورد عليَّ : نحن لذلك كارهون ، فضاق صدري واغتممت ، وكتبت أنا مقيم بالسمع والطاعة غير أني مغتم بتخلفي عن الحج ، فوقَّع : لا يضيقن صدرك فإنك تحج من قابل . فلما كان من قابل استأذنت فورد الجواب ، فكتبت إني عادلت محمد بن العباس وأنا واثق بديانته وصيانته فورد الجواب : الأسدي نعم العديل فإن قدم فلا تختر عليه ، قال : فقدم الأسدي فعادلته . . .
عن محمد بن شاذان النيشابوري قال : اجتمع عندي خمس مائة درهم ، تنقص عشرون درهماً فلم أحب أن ينقص هذا المقدار ، فوزنت من عندي عشرين درهماً ودفعتها إلى الأسدي ، ولم أكتب بخبر نقصانها وأني أتممتها من مالي ، فورد الجواب : قد وصلت الخمس مائة التي لك فيها عشرون ! ومات الأسدي على ظاهر العدالة لم يتغير ولم يطعن عليه ، في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة .
ومنهم أحمد بن إسحاق وجماعة : خرج التوقيع في مدحهم . روى أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي محمد الرازي قال : كنت وأحمد بن أبي عبد الله بالعسكر ، فورد علينا رسول من قبل الرجل فقال : أحمد بن إسحاق الأشعري ، وإبراهيم بن محمد الهمداني ، وأحمد بن حمزة بن اليسع ثقات » . انتهى .
أقول : الرواية التالية تعطينا صورة عن حالة السفراء ومدعي السفارة في بغداد : ففي
--------------------------- 873 ---------------------------
دلائل الإمامة / 282 : « عن أحمد بن الدينوري السراج المكنى بأبي العباس الملقب بأستاره قال : انصرفت من أربيل إلى الدينور أريد الحج ، وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي بسنة أو سنتين ، وكان الناس في حيرة فاستبشروا أهل الدينور بموافاتي ، واجتمع الشيعة عندي فقالوا قد اجتمع عندنا ستة عشر ألف دينار من مال الموالي ، ويحتاج أن تحملها معك وتسلمها بحيث يجب تسليمها ، قال : فقلت يا قوم هذه حيرة ، ولا نعرف الباب في هذا الوقت ، قال فقالوا : إنما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك ، فاحمله على ألا تخرجه من يدك إلا بحجة ، قال فحمل إلي ذلك المال في صرر باسم رجل ، فحملت ذلك المال وخرجت فلما وافيت قرميسين ، وكان أحمد بن الحسن مقيماً بها فصرت إليه مسلِّماً ، فلما لقيني استبشر بي ثم أعطاني ألف دينار في كيس ، وتخوت ثياب من ألوان معتمة ، لم أعرف ما فيها ، ثم قال لي أحمد : إحمل هذا معك ولا تخرجه عن يدك إلا بحجة ، قال فقبضت منه المال والتخوت بما فيها من الثياب ، فلما وردت بغداد لم يكن لي همة غير البحث عمن أشير إليه بالبابية ، فقيل لي إن ها هنا رجلاً يعرف بالباقطاني يدعي بالبابية ، وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدعى بالبابية ، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدعى بالبابية . قال : فبدأت بالباقطاني فصرت إليه فوجدته شيخاً بهياً له مروة ظاهرة ، وفرش عربي وغلمان كثير ، ويجتمع عنده الناس يتناظرون ، قال فدخلت إليه وسلمت عليه فرحب وقرب وبر وسر . قال : فأطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس ، قال فسألني عن حاجتي ، فعرفته أني رجل من أهل الدينور ومعي شئ من المال أحتاج أن أسلمه ، قال لي : إحمله ، قال : فقلت أريد حجة ، قال تعود إليَّ في غد ، قال فعدت إليه من الغد فلم يأت بحجة ، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأت بحجة .
قال : فصرت إلى إسحاق الأحمر فوجدته شاباً نظيفاً ، منزله أكبر من منزل الباقطاني ، وفرشه ولباسه ومروته أسرى ، وغلمانه أكثر من غلمانه ، ويجتمع عنده من الناس أكثر مما يجتمعون عند الباقطاني ، قال فدخلت وسلمت فرحب وقرب . قال : فصبرت إلى أن خف الناس فسألني عن حاجتي ، فقلت له كما قلت للباقطاني ، وعدت إليه ثلاثة أيام فلم يأت بحجة . قال فصرت إلى أبى جعفر العمري ، فوجدته شيخاً متواضعاً عليه مبطنة بيضاء ، قاعد على لبد في بيت صغير ليس له غلمان ، ولا له من المروة والفرش ما وجدت لغيره . قال : فسلمت
--------------------------- 874 ---------------------------
فرد جوابي وأدناني وبسط مني ، ثم سألني عن حالي ، فعرفته أني وافيت من الجبل وحملت مالاً ، فقال إن أحببت أن يصل هذا الشئ إلى حيث يجب ، يجب أن تخرج إلى سر من رأى وتسأل عن دار ابن الرضا ، وعن فلان بن فلان الوكيل ، وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها ، فإنك تجد هناك ما تريد . قال : فخرجت من عنده ومضيت نحو سر من رأى ، وصرت إلى دار ابن الرضا وسألت عن الوكيل ، فذكر البواب أنه مشتغل في الدار وأنه يخرج آنفاً ، فقعدت على الباب أنتظر خروجه ، فخرج بعد ساعة فقمت وسلمت عليه ، وأخذ بيدي إلى بيت كان له ، وسألني عن حالي وعما وردت له ، فعرفته أني حملت شيئاً من المال من ناحية الجبل ، وأحتاج أن أسلمه بحجة ، قال فقال : نعم ، ثم قدم إليَّ طعاماً وقال لي تغدَّ بهذا واسترح فإنك تعب ، وإن بيننا وبين الصلاة الأولى ساعة ، فإني أحمل إليك ما تريد ، قال فأكلت ونمت ، فلما كان وقت الصلاة نهضت وصليت وذهبت إلى المشرعة فاغتسلت وانصرفت ، ومكثت إلى أن مضى من الليل ربعه فجاءني ومعه درج فيه : بسم الله الرحمن الرحيم : وافى أحمد بن محمد الدينوري ، وحمل ستة عشر ألف دينار في كذا وكذا صرة ، فيها صرة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً ، وصرة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً ، إلى أن عد الصرار كلها ! وصرة فلان بن فلان المراغي ستة عشر ديناراً . قال فوسوس لي الشيطان فقلت إن سيدي أعلم بهذا مني ، فما زلت أقرأ ذكر الصرة وذكر صاحبها ، حتى أتيت عليها على آخرها ، ثم ذكر : قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن البادراني أخي الصراف كيساً فيه ألف دينار ، وكذا وكذا تختاً ثياباً منها ثوب فلاني ، وثوب لونه كذا ، حتى نسب الثياب إلى آخرها بأنسابها وألوانها . قال فحمدت الله وشكرته على ما منَّ به عليَّ من إزالة الشك عن قلبي ، وأمر بتسليم جميع ما حملته إلى حيث ما يأمرك أبو جعفر العمري ! قال : فانصرفت إلى بغداد وصرت إلى أبي جعفر العمري ، قال وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيام ، قال فلما بصر بي أبو جعفر العمري قال لي : لمَ لمْ تخرج ؟ فقلت يا سيدي من سر من رأى انصرفت ، قال : فأنا أحدث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة على أبي جعفر العمري من مولانا عليه السلام ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي ، فيه ذكر المال والثياب وأمر أن يسلم جميع ذلك إلى أبي جعفر
--------------------------- 875 ---------------------------
محمد بن أحمد بن جعفرالقطان القمي . فلبس أبو جعفر العمري ثيابه وقال لي : إحمل ما معك إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي ، قال فحملت المال والثياب إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان وسلمتها ، وخرجت إلى الحج ، فلما انصرفت إلى الدينوراجتمع عندي الناس ، فأخرجت الدرج الذي أخرجه وكيل مولانا إليَّ وقرأته على القوم ، فلما سمع ذكر الصرة باسم الزراع سقط مغشياً عليه ، فما زلنا نعلله حتى أفاق سجد شكراً لله عز وجل ، وقال : الحمد لله الذي من علينا بالهداية ، الآن علمت أن الأرض لا تخلو من حجة ، هذه الصرة دفعها والله إلي هذا الزراع ، ولم يقف على ذلك إلا الله عز وجل .
قال : فخرجت ولقيت بعد ذلك بدهر أبا الحسن البادراني وعرفته الخبر ، وقرأت عليه الدرج قال : يا سبحان الله ما شككت في شئ فلا تشكن في أن الله عز وجل لا يخلي أرضه من حجة . إعلم لما غزا أرتكوكين يزيد بن عبد الله بسهرورد ، وظفر ببلاده واحتوى على خزائنه ، صار إليَّ رجل وذكر أن يزيد بن عبد الله جعل الفرس الفلاني والسيف الفلاني في باب مولانا ، قال فجعلت أنقل خزائن يزيد بن عبد الله إلى أرتكوكين أولاً فأولاً ، وكنت أدافع الفرس والسيف إلى أن لم يبق شئ غيرهما ، وكنت أرجو أن أخلص ذلك لمولانا ، فلما اشتد مطالبة أرتكوكين إياي ولم يمكنني مدافعته ، جعلت في السيف والفرس في نفسي ألف دينار وزنتها ودفعتها إلى الخازن ، وقلت إدفع هذه الدنانير في أوثق مكان ، ولا تخرجن إليَّ في حال من الأحوال ، ولواشتدت الحاجة إليها ، وسلمت الفرس والنصل ، قال : فأنا قاعد في مجلسي بالري أبرم الأمور وأوفي القصص وآمر وأنهى ، إذ دخل أبو الحسن الأسدي ، وكان يتعاهدني الوقت بعد الوقت ، وكنت أقضي حوائجه ، فلما طال جلوسه وعليه بؤس كثير ، قلت له ما حاجتك ؟ قال : أحتاج منك إلى خلوة ، فأمرت الخازن أن يهيئ لنا مكاناً من الخزانة فدخلنا الخزانة ، فأخرج إلي رقعة صغيرة من مولانا فيها : يا أحمد بن الحسن الألف دينار التي لنا عندك ، ثمن النصل والفرس ، سلمها إلى أبي الحسن الأسدي . قال : فخررت لله عز وجل ساجداً شاكراً لما منَّ به عليَّ ، وعرفت أنه خليفة الله حقاً ، فإنه لم يقف على هذا أحد غيرك ، فأضفت إلى ذلك المال ثلاثة آلاف دينار سروراً بما من الله عليَّ بهذا الأمر » .
أقول : هذا يدل على تشدد الشيعة فيمن ادعى السفارة ، وأنهم كانوا يطلبون المعجزة ويرونها على يد السفراء والوكلاء الموثقين رضوان الله عليهم . كما يظهر أن حاكم الري وبعض القادة
--------------------------- 876 ---------------------------
كانوا شيعة ، وأن الإمام عليه السلام أرسل وكيله أبا الحسن الأسدي إلى أحدهم ليقبض منهم الخمس ، وأخبره بنيته التي لم يطلع عليها أحد .
كما روى الصدوق في كمال الدين : 2 / 488 ، توثيق حاجز بن يزيد والأسدي الوكيلين ، عن نصر بن الصباح البلخي ، وأن الإمام المهدي عليه السلام أمر بعضهم بأن يراجعهما وكانا في الري .
وفي خلاصة العلامة / 117 : « روى الكشي عن محمد بن مسعود قال : حدثني محمد بن نصير قال : حدثني أحمد بن محمد بن عيسى أنه كان وكيلاً ، وهذا سند صحيح » .
وفي الكافي : 1 / 521 ، عن الحسن بن عبد الحميد قال : « شككت في أمر حاجز فجمعت شيئاً ثم صرت إلى العسكر فخرج إلي : ليس فينا شك ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا ، رُدَّ ما معك إلى حاجز بن يزيد
سياسة الأئمة عليه السلام في قبول الأخماس والنذور والهدايا
من الأمور الملفتة في الإسلام أن الله تعالى خصص مالية عظيمة لعترة النبي صلى الله عليه وآله على مدى الأجيال ، وقد اتفق المسلمون على أن هذا التشريع نزل مبكراً قبل معركة بدر عند أول واردات حصلت عليها الدولة الإسلامية ، ثم نزل قوله تعالى : وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَئٍْ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَئ قَدِيرٌ . « الأنفال : 41 »
فسهم الله تعالى من الخمس لرسوله صلى الله عليه وآله ، والنصف الآخر يصرفه الرسول صلى الله عليه وآله على ذي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل من بني هاشم .
وقد اتفقوا على أن النبي صلى الله عليه وآله بلَّغ الأمة تكريم الله لبني هاشم ، وعين الصحابي محمية بن جزء مسؤولاً عن الخمس فكان يجمعه ويصرفه عليهم بأمر النبي صلى الله عليه وآله ففي صحيح مسلم : 3 / 118 : « اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا : والله لو بعثنا هذين الغلامين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فكلماه فأمَّرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس وأصابا مما يصيب الناس . . . فلما صلى رسول الله الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا ثم قال : أخرجا ما تصرران ، ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش قال :
--------------------------- 877 ---------------------------
فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا فقال : يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس ، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات ، فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون . قال فسكت طويلاً . . . ثم قال : إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس . ادعوا لي محمية وكان على الخمس ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب . قال : فجاءاه فقال لمحمية : أنكح هذا الغلام ابنتك ، للفضل بن عباس ، فأنكحه . وقال لنوفل بن الحارث : أنكح هذا الغلام ابنتك . وقال لمحمية : أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا . . وروى حديثاً آخر فيه : ثم قال لنا : إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس ، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد » ! ونحوه أحمد : 4 / 166 ، وعون المعبود : 8 / 146 ، وفي الإستيعاب : 4 / 1463 : « واستعمله رسول الله صلى الله عليه وآله على الأخماس وأمره أن يصدق عن قوم بني هاشم في مهور نسائهم » .
وفي الإصابة : 6 / 37 : « وكان عامل رسول الله صلى الله عليه وآله على الأخماس » . وقال اليعقوبي : 2 / 76 : « وعلى المقاسم يوم بدر محمية بن جزء ، بن عبد يغوث الزبيدي ، حليف بني جمح » .
وفي إمتاع الأسماع : 1 / 205 : « وأخرج رسول الله صلى الله عليه وآله الخمس من جميع المغنم ، فكان يليه محمية بن جزء ، وكان يجمع إليه الأخماس وكانت الصدقات على حدتها » . ورواه في شرح فتح القدير « 2 / 273 » وقال : « روى البخاري عنه عليه الصلاة والسلام : نحن أهل البيت لا تحل الصدقة لنا » . انتهى .
وليس غرضنا هنا بيان تعمد الخلفاء عدم إعطائهم الخمس خوفاً من قوتهم المالية ! بل بيان سبب سياسة الأئمة المعصومين عليهم السلام تجاه حقهم في الخمس ، فكانوا أحياناً يطالبون به كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام فاستكثره عمر ولم يعطه ! وأحياناً يعرضون عنه ويتركونه كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام في فدك وغيرها ، وأحياناً يهبونه لشيعتهم لكي تَحِلَّ معيشتهم وتطيب ولادتهم ، أو يطلبونه منهم ويحذرون من أكل درهم واحد منه ! كما نلاحظ في أحاديث الإمام الهادي والعسكري والمهدي عليهم السلام . . والسبب في هذا التفاوت أن الله تعالى أعطاهم الحق فيه فلهم تركه أو أخذه حسب ما يرونه .
روى الصدوق عنه عجل الله تعالى فرجه الشريف بسند صحيح في كمال الدين : 2 / 483 : « وأما المتلبسون بأموالنا ، فمن استحل منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران . وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه
--------------------------- 878 ---------------------------
في حل إلى وقت ظهورأمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث . وأما ندامة قوم قد شكوا في دين الله عز وجل على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال ولا حاجة لنا في صلة الشاكين » .
وقال عليه السلام كما في غيبة الطوسي / 172 : « إنه أنهيَ إليَّ ارتياب جماعة منكم في الدين ، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمورهم ، فغمنا ذلك لكم لا لنا ، وساءنا فيكم لا فينا ، لأن الله معنا ولا فاقة بنا إلى غيره ، والحق معنا ، فلن يوحشنا من قعد عنا ، ونحن صنائع ربنا ، والخلق بعد صنائعنا » .
تواتر رؤية الإمام عليه السلام في غيبته وتكذيب من ادعى السفارة
تقدمت رواية الصدوق رحمه الله الصحيحة في كمال الدين : 2 / 516 : « حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب رضي الله عنه قال : كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري قدس الله روحه ، فحضرته قبل وفاته بأيام ، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم ، يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز وجل ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً ، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . قال : فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده ، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له : من وصيك من بعدك ؟ فقال : لله أمر هو بالغه . ومضى رضي الله عنه ، فهذا آخر كلام سمع منه » .
وتقدم أن المنفي فيه هو ادعاء المشاهدة أي السفارة والحضور ، وليس الرؤية بقرينة تعبير المشاهدة ، وبقرينة قوله عليه السلام قبله : « وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة . . » . فالإدعاء المحكوم بكذبه هو الذي يأتي صاحبه الشيعة فيخبرهم بأنه يشاهد الإمام عليه السلام ويحضرعنده ، وأنه سفيره وواسطته إلى الناس ، وهو ينطبق على من ادعى مقام السفارة ولو لم يسمها سفارة ، فيجب رده وتكذيبه ولا يجوز القبول منه ، بل يجب فضحه بطلب المعجزة منه كما اختبر الشيعة جعفر
--------------------------- 879 ---------------------------
الكذاب والحلاج والشلمغاني ، وأشباههم لأنهم ورثة هؤلاء المدعين .
فكل من ادعى مشاهدة الإمام عليه السلام في غيبته الكبرى وأنه كلفه بتبليغ أحد ولو شيئاً صغيراً أو كبيراً ، فهو مدعٍ للسفارة وهو كذاب مفتر لا يجوز تصديقه ولا اتباعه .
أما الذي يدعي أنه تشرف برؤيته عليه السلام ورأى منه كرامة ، أو أمره بأمر أو عمل لا يتعلق بمقام السفارة ، ولا يأتي الشيعة ويدعي مقاماً ولا سفارة ، فلا يجب تكذيبه ولا يصح ، بل يجب تصديقه إذا تمت فيه شروط التصديق .
وقد تواترت روايات مشاهدته والتشرف بلقائه في غيبته الكبرى عجل الله تعالى فرجه الشريف من عدد من الثقات الأجلاء العدول السالمي الحواس والفكر والدين ، وقد ظهر صدق عدد منهم بأدلة حسية .
--------------------------- 880 ---------------------------
كذابون ادعوا السفارة والنيابة عن الأئمة عليهم السلام مذهب أهل البيت عليهم السلام ينفي الغلو والانحراف
كان مذهب أهل البيت عليهم السلام وما زال ينفي عنه غلو الغالين ، نفياً بَتّاً لا لين فيه ، كما ينفي عنه تقصير المقصرين ، لأنه يستند الوحي الإلهي النقيّ عن الغلو والتقصير . وقد سجلت مصادرنا مواقف الأئمة الحاسم ممن ادعى لهم الألوهية ، أو أي نوع من الشراكة مع الله تعالى ، أو ادعى لهم النبوة ، أو ادعى السفارة عنهم كذباً .
وأحد أسباب الغلو فيهم عليهم السلام أن بعض الناس تبهره معجزاتهم عليه السلام ، ويضيق عقله عن عظمة الله تعالى وعظمة عطائه لأوليائه ، ويسول له الشيطان أن المخلوق خالق ، فيزعم أن الله تعالى حلَّ في الإمام عليه السلام ، ثم يدعي أن الإمام حلَّ فيه ! وقد ردَّ الأئمة عليهم السلام هذه الانحرافات ، وعلموا الناس العبودية المحضة لله تعالى .
مواقف الأئمة عليهم السلام من الذين غَلَوْا فيهم وألَّهُوهم
في مناقب آل أبي طالب : 1 / 227 : « أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ، ويزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فدعاه وسأله ، فأقر بذلك وقال : أنت هو ، فقال له : ويلك قد سخر منك الشيطان ، فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب ! فلما أبى حبسه واستتابه ثلاثة أيام ، فأحرقه بالنار ! « أي دخن عليه ليتوب » .
وروي أن سبعين رجلاً من الزط أتوه عليه السلام بعد قتال أهل البصرة يدعونه إلهاً بلسانهم ، وسجدوا له قال لهم : ويلكم لا تفعلوا إنما أنا مخلوق مثلكم ! فأبوا عليه فقال : فإن لم ترجعوا عما قلتم فيَّ وتتوبوا إلى الله ، لأقتلنكم ، قال : فأبوا فخدَّ لهم أخاديد وأوقد ناراً ، فكان قنبر يحمل الرجل بعد الرجل على منكبه فيقذفه في النار ، ثم قال :
إني إذا أبصرت أمراً منكرا أوقدت ناراً ودعوت قنبرا
ثم احتفرت حُفَراً فحُفَرا وقنبرٌ يخطم خطماً منكرا » .
والصحيح أنه عليه السلام حبسهم وأتم عليهم الحجة ، واستتابهم فلم يتوبوا ، ثم حفر لهم حفرتين
--------------------------- 881 ---------------------------
مثقوبتين على بعضهما ، ودخَّن عليهم ، فلم يرجعوا فأمر بقتلهم . ولا صحة لقول من قال أحرقهم . كما قال ابن عبد البر في التمهيد : 5 / 317 : « فاتخذوه رباً وادعوه إلهاً وقالوا له : أنت خالقنا ورازقنا ، فاستتابهم واستأنى وتوعدهم ، فأقاموا على قولهم ، فحفر لهم حفراً دخن عليهم فيها طمعاً في رجوعهم فأبوا ، فحرقهم » .
وكذلك كان موقف الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، فقد تبرأ ممن ادعى له الربوبية ولعنه ، ففي رجال الطوسي : 2 / 587 : « عن أبي بصير ، قال لي أبو عبد الله : يا أبا محمد إبرأ ممن يزعم أنا أرباب ، قلت : برئ الله منه ، قال : إبرأ ممن يزعم أنا أنبياء . قلت : برئ الله منه .
وفي أصل زيد الزراد / 46 ، قال : « لما لبَّى أبو الخطاب بالكوفة ، وادعى في أبى عبد الله ما ادعى ، دخلت على أبي عبد الله عليه السلام مع عبيد بن زرارة ، فقلت له : جعلت فداك لقد ادعى أبو الخطاب وأصحابه فيك أمراً عظيماً ! إنه لبى : لبيتك جعفرلبيك معراج ! وزعم أصحابه أن أبا الخطاب أسري به إليك ، فلما هبط إلى الأرض من ذلك دعا إليك ، ولذلك لبى بك ! قال : فرأيت أبا عبد الله عليه السلام قد أرسل دمعته من حماليق عينيه ، وهو يقول : يا رب برئت إليك مما ادعى فيَّ الأجدع عبد بني أسد ! خشع لك شعري وبشرى ، عبدٌ لك ابن عبد لك خاضع ذليل !
ثم أطرق ساعة في الأرض كأنه يناجي شيئاً ، ثم رفع رأسه وهو يقول : أجل أجل عبدٌ خاضعٌ ، خاشعٌ ذليل لربه ، صاغرٌ راغمٌ ، من ربه خائفٌ وجل . لي والله ربٌّ أعبده ، لا أشرك به شيئاً ! ماله أخزاه الله وأرعبه ، ولا آمن روعته يوم القيامة ، ما كانت تلبية الأنبياء هكذا ، ولا تلبية الرسل ، إنما لبت : بلبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك !
ثم قمنا من عنده فقال : يا زيد إنما قلت لك هذا لأستقر في قبري . يا زيد ، أستر ذلك عن الأعداء » . انتهى . وقصده عليه السلام أن ينتبه زيد الزراد لئلا يستغل ذلك بنو العباس ضد الشيعة ويتهمونهم بعبادة أهل البيت عليهم السلام !
وفي الكافي : 8 / 225 : « عن مالك بن عطية : خرج إلينا أبو عبد الله عليه السلام وهو مغضب ، فقال : إني خرجت آنفاً في حاجة ، فتعرض لي بعض سودان المدينة فهتف بي : لبيك يا جعفر بن محمد لبيك ! فرجعت عَوْدي على بدئي إلى منزلي ، خائفاً ذعراً مما قال ، حتى سجدت في مسجدي لربي ، وعفرت له وجهي ، وذللت نفسي ، وبرئت إليه مما هتف بي ! ولو أن عيسى بن مريم
--------------------------- 882 ---------------------------
عدا ما قال الله فيه ، إذاً لصُمَّ صماً لا يسمع بعده أبداً ، وعمي عمى لا يبصر بعده أبداً ، وخرس خرساً لا يتكلم بعد أبداً ، ثم قال : لعن الله أبا الخطاب وقتله بالحديد » .
وفي هامشه : « واستجيب دعاؤه عليه السلام فيه ، ذكر الكشي أنه بعث عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس ، وكان عامل المنصورعلى الكوفة إلى أبي الخطاب وأصحابه ، لما بلغه أنهم قد أظهروا الإباحات ، ودعوا الناس إلى نبوة أبي الخطاب ، وأنهم مجتمعون في المسجد ، لزموا الأساطين ، يُرُون الناس أنهم لزموها للعبادة !
وبعث إليهم رجلاً فقتلهم جميعاً ، فلم يفلت منهم إلا رجل واحد أصابته جراحات فسقط بين القتلى يعد فيهم ، فلما جنه الليل خرج من بينهم فتخلص ، وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمال . وروي أنهم كانوا سبعين رجلاً » .
وفي رجال الطوسي : 2 / 584 : « عن حنان بن سدير : كنت جالساً عند أبي عبد الله ومُيَسِّرٌعنده ، ونحن في سنة ثمان وثلاثين ومائة ، فقال ميسر بياع الزطي : جعلت فداك عجبت لقوم كانوا يأتون معنا إلى هذا الموضع ، فانقطعت آثارهم وفنيت آجالهم . قال : ومن هم ؟ قلت : أبو الخطاب وأصحابه ، وكان متكئاً فجلس فرفع إصبعه إلى السماء ، ثم قال : على أبي الخطاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، فأشهد بالله أنه كافر فاسق مشرك ، وأنه يحشر مع فرعون في أشد العذاب ، غدواً وعشياً ، ثم قال : أما والله إني لأنْفَسُ على أجساد أصليت معه النار » .
وفي معاني الأخبار / 388 : « قيل له : إن أبا الخطاب يذكرعنك أنك قلت له : إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت فقال عليه السلام : لعن الله أبا الخطاب ، والله ما قلت له هكذا ، ولكني قلت : إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من خير يقبل منك ، إن الله عز وجل يقول : مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . ويقول تبارك وتعالى : مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً » .
وكذلك كان موقف الإمام الكاظم عليه السلام ، قال ابن المغيرة : « كنت عند أبي الحسن عليه السلام أنا ويحيى بن عبد الله بن الحسن فقال يحيى : جعلت فداك إنهم يزعمون أنك تعلم الغيب ؟ فقال : سبحان الله سبحان الله ، ضع يدك على رأسي ، فوالله ما بقيت في جسدي شعرة
--------------------------- 883 ---------------------------
ولا في رأسي إلا قامت ! قال ثم قال : لا والله ما هي إلا وراثة عن رسول الله صلى الله عليه وآله » . « رجال الطوسي : 2 / 587 » .
وكذلك كان موقف الإمام الرضا عليه السلام : ففي معجم رجال الحديث : 18 / 135 : « قال الكشي / 428 : قال نصر بن صباح : محمد بن الفرات كان بغدادياً ، حدثني الحسين بن الحسن القمي قال : حدثني سعد بن عبد الله قال : حدثني العبيدي عن يونس قال : قال أبو الحسن الرضا عليه السلام : يا يونس أما ترى إلى محمد بن الفرات وما يكذب عليَّ ؟ فقلت : أبعده الله وأسحقه وأشقاه . فقال : قد فعل الله ذلك به ، أذاقه الله حر الحديد كما أذاق من كان قبله ممن كذب علينا ، يا يونس إنما قلت ذلك لتحذِّر عنه أصحابي ، وتأمرهم بلعنه والبراءة منه ، فإن الله يبرأ منه .
قال سعد : وحدثني ابن العبيدي قال : حدثني أخي جعفر بن عيسى ، وعلي بن إسماعيل الميثمي ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال : آذاني محمد بن الفرات ، آذاه الله وأذاقه الله حر الحديد ، آذاني لعنه الله ما آذى أبو الخطاب لعنه الله جعفر بن محمد عليه السلام بمثله ، وما كذب علينا خطابي مثل ما كذب محمد بن الفرات ، والله ما من أحد يكذب علينا إلا ويذيقه الله حر الحديد .
قال محمد بن عيسى : فأخبراني وغيرهما : أنه ما لبث محمد بن الفرات إلا قليلاً ، حتى قتله إبراهيم بن شكلة أخبث قتلة ، فكان محمد بن الفرات يقول : إنه باب ، وإنه نبي وكان القاسم اليقطيني وعلي بن حسكة القمي كذلك يدعيان ، لعنهما الله » .
وفي الإعتقادات للصدوق / 99 : « كان الرضا عليه السلام يقول في دعائه : اللهم إني أبرأ إليك من الحول والقوة ، فلا حول ولا قوة إلا بك . اللهم إني أبرأ إليك من الذين ادعوا لنا ما ليس لنا بحق . اللهم إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا . اللهم لك الخلق ومنك الأمر ، وإياك نعبد وإياك نستعين . اللهم أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولين وآبائنا الآخرين . اللهم لا تليق الربوبية إلا بك ، ولا تصلح الإلهية إلا لك ، فالعن النصارى الذين صغروا عظمتك ، والعن المضاهئين لقولهم من بريتك . اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك ، لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً ، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً . اللهم من زعم أننا أرباب فنحن إليك منه براء ، ومن زعم أن إلينا الخلق وعلينا الرزق ، فنحن إليك منه براء ، كبراءة عيسى من النصارى . اللهم إنا لم ندعهم إلى ما يزعمون فلا تؤاخذنا بما يقولون ، واغفر لنا
--------------------------- 884 ---------------------------
ما يزعمون . رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً ، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِراً كَفَّاراً » .
وكذلك كان موقف الإمام الهادي عليه السلام ، ففي رجال الطوسي : 2 / 805 : « قال نصر بن الصباح : الحسن بن محمد المعروف بابن بابا ، ومحمد بن نصير النميري ، وفارس بن حاتم القزويني ، لعن هؤلاء الثلاثةَ عليُّ بن محمد العسكري عليه السلام . وذكر أبو محمد الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين ابن بابا القمي .
قال سعد : حدثني العبيدي قال : كتب إلي العسكري عليه السلام ابتداءً منه : أبرأ إلى الله من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمي فابرأ منهما ، فإني محذرك وجميع مواليَّ ، وإني ألعنهما عليهما لعنة الله ، مستأكليْن يأكلان بنا الناس ، فتَّانيْن مؤذييْن ، آذاهما الله وأركسهما في الفتنة ركساً . يزعم ابن بابا أني بعثته نبياً وأنه باب ! عليه لعنة الله ، سخر منه الشيطان فأغواه ، فلعن الله من قبل منه ذلك ! يا محمد إن قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فافعل ، فإنه قد آذاني ، آذاه الله في الدنيا والآخرة . . . » . انتهى .
أقول : وهناك آخرون ادعوا في الأئمة عليه السلام الألوهية أو الحلول ، وكان هدف أكثرهم أن يصلوا إلى ادعاء حلول روح النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام فيهم ، أو حلول الله سبحانه فيهم !
وأغلب هؤلاء كانوا شخصيات في عصرهم ، وبعضهم كان يساندهم خلفاء أو وزراء . وقد بقي هذا الخط التحريفي بعد وفاة الإمام العسكري وغيبة المهدي عليه السلام ، وأبرز المدعين : الشريعي أو السريعي ، والنصيري النميري ، والحلاج ، والشلمغاني . وابن هلال الكرخي ، وابن بلال ، وأبو بكر البغدادي ، وأبو دلف المجنون . .
السريعي والنميري والكرخي والبغدادي والمجنون
قال الطوسي رحمه الله في الغيبة / 397 : « ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباً وافتراءً لعنهم الله : أولهم المعروف بالشريعي : أخبرنا جماعة عن أبي محمد التلعكبري ، عن أبي علي محمد بن همام قال : كان الشريعي يكنى بأبي محمد قال هارون : وأظن اسمه كان الحسن ، وكان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي بعده عليهم السلام ، وهو أول من ادعى مقاماً لم
--------------------------- 885 ---------------------------
يجعله الله فيه ، ولم يكن أهلاً له ، وكذب على الله وعلى حججه عليهم السلام ، ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء ، فلعنته الشيعة وتبرأت منه ، وخرج توقيع الإمام عليه السلام بلعنه والبراءة منه .
قال هارون : ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد ، قال : وكل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولاً على الإمام وأنهم وكلاؤه ، فيدعون الضعفة بهذا القول إلى موالاتهم ، ثم يترقى الأمر بهم إلى قول الحلاجية ، كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه ! عليهم جميعاً لعائن الله تترى .
ومنهم محمد بن نصير النميري : قال ابن نوح : أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمد قال : كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام فلما توفي أبو محمد ادعى مقام أبي جعفر محمد بن عثمان ، أنه صاحب إمام الزمان ، وادعى له البابية ، وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والجهل ولَعْن أبي جعفرمحمد بن عثمان له ، وتبريه منه واحتجابه عنه ، وادعى ذلك الأمر بعد الشريعي .
قال أبو طالب الأنباري : لما ظهر محمد بن نصير بما ظهر لعنه أبو جعفر رضي الله عنه وتبرأ منه ، فبلغه ذلك فقصد أبا جعفر رضي الله عنه ليعطف بقلبه عليه ، أو يعتذر إليه ، فلم يأذن له وحجبه ورده خائباً .
وقال سعد بن عبد الله : كان محمد بن نصير النميري يدعي أنه رسول نبي ، وأن علي بن محمد عليه السلام أرسله ، وكان يقول بالتناسخ ، ويغلو في أبي الحسن عليه السلام ويقول فيه بالربوبية ، ويقول بالإباحة للمحارم وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم ويزعم أن ذلك من التواضع والإخبات والتذلل في المفعول به ، وأنه من الفاعل إحدى الشهوات والطيبات ، وأن الله عز وجل لا يحرم شيئاً من ذلك !
وكان محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات يقوي أسبابه ويعضده ! أخبرني بذلك عن محمد بن نصير أبو زكريا يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان ، أنه رآه عياناً وغلام له على ظهره قال : فلقيته فعاتبته على ذلك ، فقال : إن هذا من اللذات وهو من التواضع لله وترك التجبر !
قال سعد فلما اعتل محمد بن نصير العلة التي توفي فيها ، قيل له وهو مثقل اللسان : لمن هذا الأمر من بعدك ؟ فقال بلسان ضعيف ملجلج : أحمد ، فلم يدروا من هو فافترقوا بعده
--------------------------- 886 ---------------------------
ثلاث فرق ، قالت فرقة : إنه أحمد ابنه ، وفرقة قالت : هو أحمد بن محمد بن موسى بن الفرات ، وفرقة قالت : إنه أحمد بن أبي الحسين بن بشر بن يزيد ، فتفرقوا ، فلا يرجعون إلى شئ !
ومنهم أحمد بن هلال الكرخي : قال أبو علي بن همام : كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمد عليه السلام ، فاجتمعت الشيعة على وكالة محمد بن عثمان رضي الله عنه بنص الحسن عليه السلام في حياته ، ولما مضى الحسن قالت الشيعة الجماعة له : ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه وقد نص عليه الإمام المفترض الطاعة ؟ فقال لهم : لم أسمعه ينص عليه بالوكالة ، وليس أنكر أباه يعني عثمان بن سعيد ، فأما أن أقطع أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه . فقالوا : قد سمعه غيرك فقال : أنتم وما سمعتم ووقف على أبي جعفر ، فلعنوه وتبرؤا منه ثم ظهر التوقيع على يد أبي القاسم بن روح بلعنه والبراءة منه ، في جملة من لعن !
ومنهم أبو طاهر محمد بن علي بن بلال : وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري نضر الله وجهه ، وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للإمام وامتناعه من تسليمها ، وادعائه أنه الوكيل حتى تبرأت الجماعة منه ولعنوه ، وخرج فيه من صاحب الزمان عليه السلام ما هو معروف .
وحكى أبو غالب الزراري قال : حدثني أبو الحسن محمد بن محمد بن يحيى المعاذي قال : كان رجل من أصحابنا قد انضوى إلى أبي طاهر بن بلال بعدما وقعت الفرقة ، ثم إنه رجع عن ذلك وصار في جملتنا فسألناه عن السبب ، قال : كنت عند أبي طاهر بن بلال يوماً وعنده أخوه أبو الطيب وابن حرز وجماعة من أصحابه ، إذ دخل الغلام فقال : أبو جعفر العمري على الباب ، ففزعت الجماعة لذلك وأنكرته للحال التي كانت جرت ، وقال : يدخل ، فدخل أبو جعفر رضي الله عنه فقام له أبو طاهر والجماعة وجلس في صدر المجلس ، وجلس أبو طاهر كالجالس بين يديه ، فأمهلهم إلى أن سكتوا . ثم قال : يا أبا طاهر نشدتك الله أو نشدتك بالله ألم يأمرك صاحب الزمان عليه السلام بحمل ما عندك من المال إليَّ ؟ فقال : اللهم نعم .
فنهض أبو جعفر رضي الله عنه منصرفاً ، ووقعت على القوم سكتة ، فلما تجلت عنهم قال له أخوه أبو الطيب : من أين رأيت صاحب الزمان ؟ فقال أبو طاهر : أدخلني أبو جعفر رضي الله عنه
--------------------------- 887 ---------------------------
إلى بعض دوره ، فأشرف علي من علو داره ، فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه ، فقال له أبو الطيب : ومن أين علمت أنه صاحب الزمان ؟ قال : قد وقع علي من الهيبة له ودخلني من الرعب منه ما علمت أنه صاحب الزمان ، فكان هذا سبب انقطاعي عنه » .
وفي الإحتجاج : 2 / 289 : « وكذلك كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن عليه السلام ، فلما توفي ادعى البابية لصاحب الزمان ، ففضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والغلو والتناسخ ، وكان يدعي أنه رسول نبي أرسله علي بن محمد عليه السلام ويقول بالإباحة للمحارم . وكان أيضاً من جملة الغلاة أحمد بن هلال الكرخي وقد كان من قبل في عدد أصحاب أبي محمد عليه السلام ، ثم تغير عما كان عليه وأنكر بابية أبي جعفر محمد بن عثمان ، فخرج التوقيع بلعنه من قبل صاحب الأمر والزمان وبالبراءة منه ، في جملة من لعن وتبرأ منه ، وكذا كان أبو طاهر محمد بن علي بن بلال ، والحسين بن منصور الحلاج ، ومحمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقري ، لعنهم الله ، فخرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعاً على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله ، ونسخته : عرِّف أطال الله بقاك وعرَّفك الله الخير كله وختم به عملك ، من تثق بدينه وتسكن إلى نيته ، من إخواننا أدام الله سعادتهم : بأن محمد بن علي المعروف بالشلمغاني عجل الله له النقمة ولا أمهله ، قد ارتد عن الإسلام وفارقه وألحد في دين الله ، وادعى ماكفر معه بالخالق جل وتعالى ، وافترى كذباً وزوراً ، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً ، كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيداً وخسروا خسراناً مبيناً ، وأنا برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته ، منه ولعناه ، عليه لعاين الله تترى في الظاهر منا والباطن ، في السر والجهر ، وفي كل وقت ، وعلى كل حال ، وعلى كل من شايعه وبلغه هذا القول منا فأقام على توليه بعده . أعلمهم تولاك الله أننا في التوقي والمحاذرة منه على مثل ما كنا عليه ممن تقدمه من نظرائه من : السريعي والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم ، وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة ، وبه نثق وإياه نستعين ، وهو حسبنا في كل أمورنا ونعم الوكيل » .
وفي مقالات الإسلاميين / 7 : « أصحاب الشريعي يزعمون أن الله حل في خمسة أشخاص : في النبي وفي علي وفي الحسن وفي الحسين وفي فاطمة ، فهؤلاء آلهة عندهم وليس يطعن
--------------------------- 888 ---------------------------
أصحاب الشريعي على النبي ولا يقولون عنه ما حكيناه عن الصنف الذي ذكرناه قبلهم . وقالوا : لهذه الأشخاص الخمسة التي حل فيها الإله خمسة أضداد ، فالأضداد أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعمرو بن العاص .
وافترقوا في الأضداد على مقالتين : فزعم بعضهم أن الأضداد محمودة ، لأنه لا يعرف فضل الأشخاص الخمسة إلا بأضدادها ، فهي محمودة من هذا الوجه !
وزعم بعضهم أن الأضداد مذمومة وأنها لا تحمد بحال من الأحوال .
وحكي أن الشريعي كان يزعم أن البارئ جل جلاله يحل فيه ، وحكي أن فرقة من الرافضة يقال لهم النميرية أصحاب النميري ، يقولون أن البارئ كان حالاً في النميري » . انتهى .
وفي معجم رجال الحديث للسيد الخوئي : 18 / 317 : « محمد بن نصير النميري : قال الكشي « 383 » : قال أبو عمرو : وقالت فرقة بنبوة محمد بن نصير الفهري النميري ، وذلك أنه ادعى أنه نبي رسول وأن علي بن محمد العسكري عليه السلام أرسله ! » وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن عليه السلام ويقول فيه بالربوبية ، ويقول بإباحة المحارم . . . إلى آخر ما في غيبة الطوسي / 398 .
وفي الذريعة : 3 / 268 : « تاريخ العلويين ، تأليف محمد أمين بن علي غالب بن سليمان آقا بن إبراهيم آقا ، المنتهي نسبه على ما ذكره المؤلف في الكتاب إلى يعرب بن قحطان ، وذكر أن العلويين القاطنين في سواحل بحر الشام في عدة بلاد وعاصمتهم اللاذقية ، وهم أتباع محمد بن نصير النميري ، كلهم شيعة اثنا عشرية معتقدون بإمامة الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام ، وإنما ينكرون نيابة النواب الأربعة ويكذبونهم ويقولون إن باب الإمام العسكري كان السيد أبا شعيب محمد بن نصير البصري النميري ، وبعده أبو محمد عبد الله بن محمد الحنان الجنبلاني ، المولود سنة 235 والمتوفى سنة 287 ، واليه تنسب الطريقة الجنبلانية ، وبعده تلميذه السيد حسين بن حمدان الخصيبي المولود سنة 260 والمتوفى سنة 346 ، كان يسكن جنبلان ، ثم رحل إلى حلب وبها ألف الهداية الكبرى لحاكمها سيف الدولة بن حمدان ، وكان له وكلاء منهم السيد علي الجسري وكيله في بغداد . أقول : تظهر الحقائق بالرجوع إلى ترجمة محمد بن نصير والحسين بن حمدان ، في كتب الغيبة وكتب رجالنا » . انتهى .
هذا ، وتجد أخبار محمد بن نصير وغلو أتباعه فيه في كتاب الهداية الكبرى للحسين بن حمدان
--------------------------- 889 ---------------------------
الخصيبي . وقد خلط السمعاني في الأنساب « 5 / 498 » بين النصيري وبين عبد الله بن سبأ ، مع أن الفرق بينهما أكثر من قرنين !
ومنهم أحمد بن هلال العبرتائي : قال الطوسي رحمه الله في الغيبة / 351 : « روى محمد بن يعقوب قال : خرج إلى العمري في توقيع طويل اختصرناه : ونحن نبرأ إلى الله تعالى من ابن هلال لا رحمه الله وممن لايبرأ منه فأعْلِم الإسحاقي وأهل بلده مما أعلمناك من حال هذا الفاجر ، وجميع من كان سألك ويسألك عنه . ومنهم أبو طاهر محمد بن علي بن بلال ، وغيرهم ، مما لا نطول بذكرهم ، لأن ذلك مشهور موجود في الكتب » .
ابن حسكة وابن حاتم وفارس والسمهري وأبو الزرقاء . .
يظهر من مصادرنا أن بعض هؤلاء المضلين كانوا متأثرين بالفلسفة المجوسية في الحلول ، فقد ذكروا أن السريعي كان أبرز تلاميذ أستاذه ابن حسكة القمي ، وكان دينهم الكفر برسول الله صلى الله عليه وآله وتأليه الأئمة عليهم السلام ، وادعاء أن الله تعالى حل فيهم !
ولا بد أن تكون نسبة القمي لوجوده فترة من عمره في قم ، فقد كان أهل قم يُخرجون منها المنحرفين .
قال المحقق البحراني في الحدائق الناضرة : 1 / 12 : « ورد في جملة من الأخبار التي رواها ثقة الاسلام في جامعه الكافي وغيره في غيره ، وإلى تحذيرهم الشيعة عن مداخلة كل من أظهرالبدع وأمرهم بمجانبتهم ، وتعريفهم لهم بأعيانهم ، كما عرفت فيما تلونا من الأخبار . ومن ذلك أيضاً ما خرج عن الأئمة المتأخرين صلوات الله عليهم أجمعين ، في لعن جماعة ممن كانوا كذلك ، كفارس بن حاتم القزويني ، والحسن بن محمد بن بابا ، ومحمد بن نصير النميري ، وأبي طاهر محمد بن علي بن بلال ، وأحمد بن هلال ، والحسين بن منصور الحلاج ، وابن أبي العزاقر ، وأبي دلف ، وجمع كثير ممن يتسمى بالشيعة ، ويظهر المقالات الشنيعة من الغلو والإباحات والتناسخ ونحوها . وقد خرجت في لعنهم التوقيعات عنهم عليهم السلام في جميع الأماكن والبراءة منهم . وقد ذكر الشيخ قدس سره في كتاب الغيبة جمعاً من هؤلاء ، وأورد الكشي أخباراً فيما أحدثوا ، وما خرج فيهم من التوقيعات لذلك » .
--------------------------- 890 ---------------------------
وفي رجال الكشي : 2 / 804 ، ملخصاً : « قال نصر بن الصباح : إن الحسين بن علي الخواتيمي كان غالياً ملعوناً ، وكان أدرك الرضا عليه السلام . قال نصر بن الصباح : الحسن بن محمد المعروف بابن بابا ، ومحمد بن نصير النميري ، وفارس بن حاتم القزويني ، لعن هؤلاء الثلاثةَ عليُّ بن محمد العسكري عليه السلام » .
وذكر أبو محمد الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين ابن بابا القمي . قال سعد : حدثني العبيدي قال : « كتب إلي العسكري عليه السلام ابتداءً منه : أبرأُ إلى الله من الفهري ، والحسن بن محمد بن بابا القمي فابرأْ منهما ، فإني محذرك وجميع مواليَّ ، وأني ألعنهما عليهما لعنة الله ، مستأكلين يأكلان بنا الناس ، فتانين مؤذيين آذاهما الله ، وأركسهما في الفتنة ركساً . يزعم ابن بابا أني بعثته نبياً وأنه باب ، عليه لعنة الله ، سخر منه الشيطان فأغواه ، فلعن الله من قبل منه ذلك ، يا محمد إن قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فافعل ، فإنه قد آذاني ، آذاه الله في الدنيا والآخرة » .
قال أبو عمرو : « وقالت فرقة بنبوة محمد بن نصير النميري ، وذلك أنه ادعى أنه نبي رسول ، وأن علي بن محمد العسكري عليه السلام أرسله ، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن عليه السلام . . . قال نصر بن الصباح : موسى السواق له أصحاب علياوية « مغالون من علا يعلو » يقعون في محمد رسول الله صلى الله عليه وآله » .
وعلي بن حسكة الحَوّار قمي ، كان أستاذ القاسم الشعراني اليقطيني . وابن بابا ، ومحمد بن موسى الشريعي ، كانا من تلامذة علي بن حسكة ، ملعونون لعنهم الله .
--------------------------- 891 ---------------------------
وذكر الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين علي بن حسكة . قال نصر بن الصباح : « العباس بن صدقة ، وأبو العباس الطرناني ، وأبو عبد الله الكندي المعروف بشاه رئيس ، كانوا من الغلاة الكبار الملعونين .
حدثني موسى بن جعفر بن وهب . . كتب عروة إلى أبي الحسن عليه السلام في أمر فارس بن حاتم ، فكتب : كذبوه وهتكوه أبعد الله وأخزاه ، فهو كاذب في جميع ما يدعي ويصف ، ولكن صونوا أنفسكم عن الخوض والكلام في ذلك ، وتوقوا مشاورته ولا تجعلوا له السبيل إلى طلب الشر ، كفانا الله مؤنته ومؤنة من كان مثله . . . »
وذكر الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين : « الفاجر فارس بن حاتم القزويني . . . حدثني محمد بن عيسى بن عبيد ، أن أبا الحسن العسكري عليه السلام أمر بقتل فارس بن حاتم القزويني ، وضمن لمن قتله الجنة فقتله جنيد . وكان فارس فتاناً يفتن الناس ، ويدعو إلى البدعة ، فخرج من أبي الحسن عليه السلام هذا فارس لعنه الله يعمل من قبلي فتاناً داعياً إلى البدعة ودمه هدر لكل من قتله ، فمن هذا الذي يريحني منه ويقتله ، وأنا ضامن له على الله الجنة . . . »
إسحاق الأنباري قال : « قال لي أبو جعفر الثاني عليه السلام : ما فعل أبو السمهري لعنه الله ، يكذب علينا ، ويزعم أنه وابن أبي الزرقاء دعاة إلينا ، أشهدكم أني أتبرأ إلى الله عز وجل منهما ، إنهما فتانان ملعونان . . »
ومنهم أبو بكر البغدادي : قال الطوسي رحمه الله في الغيبة : « ذكر أمر أبي بكر البغدادي : ابن أخ الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ، وأبي دلف المجنون .
أخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، عن أبي الحسن علي بن بلال المهلبي ، قال : سمعت أبا القاسم جعفر بن محمد بن قولويه يقول : أما أبو دلف الكاتب لا حاطَّه الله فكنا نعرفه ملحداً ثم أظهر الغلو ، ثم جن وسلسل ، ثم صار مفوضاً . وما عرفناه قط إذا حضر في مشهد إلا استخف به ، ولا عرفته الشيعة إلا مدة يسيرة ، والجماعة تتبرأ منه وممن يومي إليه وينمس به . وقد كنا وجهنا إلى أبي بكر البغدادي لما ادعى له هذا ما ادعاه فأنكر ذلك وحلف عليه ، فقبلنا ذلك منه ، فلما دخل بغداد مال إليه وعدل عن الطائفة وأوصى إليه ، لم نشك أنه على مذهبه فلعناه وبرئنا منه ، لأن عندنا أن كل من ادعى الأمر بعد السمري رحمه الله فهو كافر منمس ضال مضل . وبالله التوفيق .
وذكر أبو عمرو محمد بن محمد بن نصر السكري ، قال : « لما قدم ابن محمد بن الحسن بن الوليد القمي من قبل أبيه والجماعة على أبي بكر البغدادي وسألوه عن الأمر الذي حكي فيه من النيابة ، أنكر ذلك ، وقال : ليس إلي من هذا شئ ، وعرض عليه مال فأبى ، وقال : محرم علي آخذ شئ منه ، فإنه ليس إليَّ من هذا الأمر شئ ، ولا ادعيت شيئاً من هذا ، وكنت حاضراً لمخاطبته إياه بالبصرة » .
ومنهم أبو دلف المجنون : قال الطوسي في الغيبة / 413 : « وذكر ابن عياش قال : اجتمعت
--------------------------- 892 ---------------------------
يوماً مع أبي دلف ، فأخذنا في ذكر أبي بكر البغدادي ، فقال لي : تعلم من أين كان فضل سيدنا الشيخ قدس الله روحه وقدس به على أبي القاسم الحسين بن روح وعلى غيره ؟ فقلت له : ما أعرف . قال : لأن أبا جعفر محمد بن عثمان قدم اسمه على اسمه في وصيته . قال فقلت له : فالمنصور إذاً أفضل من مولانا أبي الحسن موسى عليه السلام ! قال : وكيف ؟ قلت : لأن الصادق عليه السلام قدم اسمه على اسمه في الوصية ! فقال لي : أنت تتعصب على سيدنا وتعاديه ! فقلت : والخلق كلهم تعادي أبا بكر البغدادي وتتعصب عليه غيرك وحدك ، وكدنا نتقاتل ونأخذ بالأزياق ! وأمر أبي بكر البغدادي في قلة العلم والمروة أشهر ، وجنون أبي دلف أكثر من أن يحصى ، لانشغل كتابنا بذلك ولا نطول بذكره . وذكر ابن نوح طرفاً من ذلك » .
الحَلاّج - الحسين بن منصور
1 . اتفق عامة المؤرخين وفقهاء المذاهب على أن الحلاج ادعى ادعاءات كبيرة خرج بها عن ملة الإسلام ، فقد ادعى أنه وكيل الإمام المهدي عليه السلام ، ثم ادعى الألوهية « الإثنا عشرية للحر العاملي / 52 » ومع ذلك فقد تبناه بعض الصوفية ، وبعض أهل العرفان . وتبناه الباحثون الغربيون ومن تأثر بهم ، وضخموا شخصيته !
2 . وقد اتفق عامة فقهائنا على ذمه ، وعدوه من الذين صدرالتوقيع من الإمام المهدي عليه السلام بلعنه والبراءة منه . وذكره الشيخ الطوسي رحمه الله في الغيبة / 401 ، تحت عنوان « المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباً وافتراء لعنهم الله » قال :
« ومنهم الحسين بن منصور الحلاج : أخبرنا الحسين بن إبراهيم ، عن أبي العباس أحمد بن علي بن نوح ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري ، قال : لما أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاج ويظهر فضيحته ويخزيه ، وقع له أن أبا سهل إسماعيل بن علي النوبختي رضي الله عنه ، ممن تجوزعليه مخرقته وتتم عليه حيلته ، فوجه إليه يستدعيه وظن أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله ، وقدر أن يستجره إليه فيتمخرق به ، ويتشوف بانقياده على غيره فيستتب له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة ، لقدر أبي سهل في أنفس الناس ، ومحله من العلم والأدب أيضاً
--------------------------- 893 ---------------------------
عندهم ، ويقول له في مراسلته إياه : إني وكيل صاحب الزمان عليه السلام - وبهذا أولاً كان يستجر الجهال ثم يعلو منه إلى غيره - وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ماتريده من النصرة لك لتقوي نفسك ولا ترتاب بهذا الأمر . فأرسل إليه أبو سهل رضي الله عنه يقول له : إني أسألك أمراً يسيراً يخفُّ مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين ، وهو أني رجل أحب الجواري وأصبو إليهن ، ولي منهن عدة أتحظاهن والشيب يبعدني عنهن ، وأحتاج أن أخضبه في كل جمعة ، وأتحمل منه مشقة شديدة لأسترعنهن ذلك ، وإلا انكشف أمري عندهن ، فصار القرب بعداً والوصال هجراً ، وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته ، وتجعل لحيتي سوداء ، فإني طوع يديك ، وصائر إليك ، وقائل بقولك وداع إلى مذهبك ، مع ما لي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة !
فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته ، وجهل في الخروج إليه بمذهبه ، وأمسك عنه ولم يرد إليه جواباً ولم يرسل إليه رسولاً ، وصيره أبو سهل رضي الله عنه أحدوثة وضحكة يُطَنَّز به عند كل أحد ، وشهَّر أمره عند الصغير والكبير ، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره ، وتنفير الجماعة عنه .
وأخبرني جماعة عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أن ابن الحلاج صار إلى قم ، وكاتب قرابة أبي الحسن يستدعيه ويستدعي أبا الحسن أيضاً ويقول : أنا رسول الإمام ووكيله . قال : فلما وقعت المكاتبة في يد أبي رضي الله عنه خرقها ، وقال لموصلها إليه : ما أفرغك للجهالات ! فقال له الرجل - وأظن أنه قال إنه ابن عمته أو ابن عمه - فإن الرجل قد استدعانا فلم خرقت مكاتبته ، وضحكوا منه وهزئوا به ، ثم نهض إلى دكانه ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه . قال : فلما دخل إلى الدار التي كان فيها دكانه نهض له من كان هناك جالساً غير رجل رآه جالساً في الموضع فلم ينهض له ولم يعرفه أبي ، فلما جلس وأخرج حسابه ودواته كما يكون التجار ، أقبل على بعض من كان حاضراً فسأله عنه فأخبره ، فسمعه الرجل يسأل عنه فأقبل عليه وقال له : تسأل عني وأنا حاضر ؟ فقال له أبي : أكبرتك أيها الرجل وأعظمت قدرك أن أسألك فقال له : تخرق رقعتي وأنا أشاهدك تخرقها ؟ فقال له أبي : فأنت الرجل إذاً ! ثم قال : يا غلام برجله وبقفاه ، فخرج من الدارالعدو
--------------------------- 894 ---------------------------
لله ولرسوله صلى الله عليه وآله ، ثم قال له : أتدعي المعجزات عليك لعنة الله ، أو كما قال ! فأخرج بقفاه ، فما رأيناه بعدها بقم » !
3 . وقد ادعى الحلاج حلول الأئمة عليهم السلام في وكيل الإمام محمد بن عثمان العَمْري ، مقدمة لادعاء الحلول فيه ، فنهى العمري ابنته أن تلتقي مع امرأة تعتقد بذلك من بني بسطام فقال : « يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة بعدما جرى منها ، ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتك ، ولا رسولاً إن أنفذته إليك ولا تلقيها بعد قولها ، فهذا كفرٌ بالله تعالى وإلحاد ، قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ، ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم : بأن الله تعالى اتحد به وحل فيه ، كما يقول النصارى في المسيح عليه السلام ! ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله » . « الغيبة / 405 » . وسيأتي ذلك في ترجمة الشلمغاني .
وقال المفيد في تصحيح اعتقادات الإمامية / 134 : « والحلاجية ضرب من أصحاب التصوف ، وهم أصحاب الإباحة والقول بالحلول ، ولم يكن الحلاج يتخصص بإظهار التشيع ، وإن كان ظاهر أمره التصوف ، وهم قوم ملحدة وزنادقة يموهون بمظاهرة كل فرقة بدينهم ، ويدعون للحلاج الأباطيل ، ويجرون في ذلك مجرى المجوس في دعواهم لزرادشت المعجزات ، ومجرى النصارى في دعواهم لرهبانهم الآيات والبينات ، والمجوس والنصارى أقرب إلى العمل بالعبادات منهم ، وهم أبعد من الشرائع والعمل بها من النصارى والمجوس » .
وفي الحدائق الناضرة : 1 / 12 : « ومن ذلك أيضاً ما خرج عن الأئمة المتأخرين صلوات الله عليهم أجمعين في لعن جماعة ممن كانوا كذلك ، كفارس بن حاتم القزويني ، والحسن بن محمد بن بابا ، ومحمد بن نصير النميري ، وأبي طاهر محمد بن علي بن بلال ، وأحمد بن هلال ، والحسين بن منصور الحلاج ، وابن أبي العزاقر ، وأبي دلف ، وجمع كثير ممن يتسمى بالشيعة ، ويظهر المقالات الشنيعة ، من الغلو والإباحات والتناسخ ونحوها ، وقد خرجت في لعنهم التوقيعات عنهم عليهم السلام في جميع الأماكن والبراءة منهم » .
وفي : الإثنا عشرية للحر العاملي / 180 : « وقد قال في بعض كلامه : سبحاني سبحاني ما أعظم شاني ! وقال : ليس في جبتي سوى الله ! فانظر إلى من هذا كلامه وهذه دعواه واعتقاده ، الذي هو أعظم الكفر والإلحاد ! ولا سبيل إلى تأويله ولا ضرورة له إلى إطلاقه ، لو كان يريد
--------------------------- 895 ---------------------------
به خلاف ظاهره لا ما هو نص فيه . . .
وليت شعري كيف تعيَّن تأويل هذا الكفر والإلحاد وأمثاله من أقوالهم وأفعالهم ؟ ! ولو فتح هذا الباب لما أمكن الحكم بارتداد أحد ولا فسقه ولا ثبوت حد عليه ولا مال ولا قصاص ! فإن باب التأويل واسع وذلك يستلزم بطلان الشريعة وهدمها . والتأويل إنما يلزم إذا عارضه من كلام ذلك القائل ما هو صريح في المخالفة » .
4 . كتبت مصادر التاريخ مجلداً من قصص الحلاج وأقواله ومكذوبات أتباعه . أما ما كتبه المستغربون حوله في عصرنا من رسائل جامعية ومقالات وبحوث ، عن عرفانه ، وعشقه لله تعالى ، وظلامته ومأساته ، فيبلغ أضعاف ذلك !
وقد أرخ له الطبري فقال : 8 / 255 : « ثم دخلت سنة إحدى وثلاث مائة . . . وفيها أحضر دار الوزير علي بن عيسى رجل ذكر أنه يعرف بالحلاج ويكنى أبا محمد ، مشعوذ ، ومعه صاحب له ، سمعت جماعة من الناس يزعمون أنه يدعي الربوبية ، فصلب هو وصاحبه ثلاثة أيام ، كل يوم من ذلك من أوله إلى انتصافه ، ثم ينزل بهما فيؤمر بهما إلى الحبس ، فحبس مدة طويلة فافتتن به جماعة ، منهم نصر القشوري وغيره ، إلى أن ضج الناس ودعوا على من يعيبه وفحش أمره ، وأخرج من الحبس فقطعت يداه ورجلاه ، ثم ضربت عنقه ، ثم أحرق بالنار » .
وفي أنساب السمعاني : 2 / 292 : « الحلاج : بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام ألف ، هذه النسبة إلى حلج القطن ، والمشهور بها أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج . . . وكان جده مجوسياً اسمه محمي من أهل بيضاء فارس ، نشأ الحسين بواسط وقيل بتستر ، وقدم بغداد فخالط الصوفية وصحب من مشيختهم الجنيد بن محمد ، وأبا الحسين النوري ، وعمرو بن عثمان المكي . . . وتلمذ لسهل بن عبد الله سنين ، ثم صعد إلى بغداد وكان بالأوقات يلبس المسوح ، وبالأوقات يمشي بخرقتين مصبَّغ ، ويلبس بأوقات الدراعة والعمامة ، ويمشي بالقباء أيضاً على زي الجند .
وأول ما سافر من تستر إلى البصرة كان له ثمان عشرة سنة ، ثم خرج بخرقتين إلى عمرو بن عثمان المكي ، وإلى الجنيد بن محمد ، وأقام مع عمرو بن عثمان ثمانية عشر شهراً . . . ثم رجع إلى بغداد مع جماعة من الفقراء ، ثم عاد إلى مكة وجاور سنة ، ورجع إلى بغداد وقصد الجنيد . . .
--------------------------- 896 ---------------------------
ورجع إلى تستر وأقام نحو سنة ، ووقع له عند الناس قبول عظيم ، حتى حسده جميع من في وقته ، ولم يزل عمرو بن عثمان يكتب في أمره إلى خوزستان ، ويتكلم فيه بالعظائم حتى حَرِدَ « أي غضب الحلاج » ورمى بثياب الصوفية ولبس قباء ، وأخذ في صحبة أبناء الدنيا ، ثم خرج وغاب عنا خمس سنين إلى خراسان وما وراء النهر ، ورحل إلى سجستان وكرمان ، ثم رجع إلى فارس فأخذ يتكلم على الناس ويتخذ المجلس ويدعو الخلق إلى الله ، وكان يعرف بفارس بأبي عبد الله الزاهد وصنف لهم تصانيف . . .
ثم خرج إلى البصرة وأقام مدة يسيرة ، وخرج ثانياً إلى مكة ولبس المرقعة والفوطة وخرج معه في تلك السفرة خلق كثير ، وحسده أبو يعقوب النهرجوري ، فتكلم فيه فرجع إلى البصرة وأقام شهراً ، وجاء إلى الأهواز ورجع إلى بغداد ومكة ، ثم وقع له أن يدخل بلاد الشرك ويدعو الخلق إلى الله ، فقصد الهند والصين وتركستان ، ورجع وحج وجاور ، ثم رجع إلى بغداد ، واقتنى العقار وبنى داراً » .
وفي تاريخ بغداد : 8 / 112 : « وأقام ببغداد سنة واحدة ، ثم قال لبعض أصحابه : إحفظ ولدي حمد إلى أن أعود أنا ، فإني قد وقع لي أن أدخل إلى بلاد الشرك وأدعو الخلق إلى الله عز وجل ، وخرج ، فسمعت بخبره أنه قصد إلى الهند ، ثم قصد خراسان ثانياً ، ودخل ما وراء النهر وتركستان . . . ثم كثرت الأقاويل عليه بعد رجوعه من هذه السفرة ، فقام وحج ثالثاً وجاور سنتين ، ثم رجع وتغيرعما كان عليه في الأول ، واقتنى العقار ببغداد وبنى داراً . . . فكان يقول قوم إنه ساحر ، وقوم يقولون مجنون ، وقوم يقولون له الكرامات وإجابة السؤال ، واختلفت الألسن في أمره حتى أخذه السلطان وحبسه » .
وفي تاريخ بغداد : 8 / 116 : « سمعت محمد بن علي الكتاني يقول : دخل الحسين بن منصور مكة في ابتداء أمره ، فجهدنا حتى أخذنا مرقعته ، قال السوسي : أخذنا منها قملة فوزناها فإذا فيها نصف دانق من كثرة رياضته وشدة مجاهدته . . .
علي بن أحمد الحاسب قال : سمعت والدي يقول : وجهني المعتضد إلى الهند لأمور أتعرفها ليقف عليها ، وكان معي في السفينة رجل يعرف بالحسين بن منصور ، وكان حسن العشرة طيب الصحبة ، فلما خرجنا من المركب ونحن على الساحل والحمالون ينقلون الثياب من
--------------------------- 897 ---------------------------
المركب إلى الشط ، فقلت له : إيش جئت إلى ها هنا ؟ قال : جئت لأتعلم السحر وأدعو الخلق إلى الله تعالى . قال : وكان على الشط كوخ وفيه شيخ كبير فسأله الحسين بن منصور : هل عندكم من يعرف شيئاً من السحر ؟ قال : فأخرج الشيخ كبة غزل وناول طرفه الحسين بن منصور ، ثم رمى الكبة في الهواء فصارت طاقة واحدة ، ثم صعد عليها ونزل ! وقال للحسين بن منصور : مثل هذا تريد ؟ ثم فارقني ولم أره بعد ذلك إلا ببغداد . . . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت منصوراً يقول : سمعت بعض أصحابنا يقول : وقف الشبلي عليه وهو مصلوب ، فنظر إليه وقال : ألم ننهك عن العالمين . . .
سمعت أبا بكر بن أبي سعدان يقول : الحسين بن منصور مموه مُمَخْرِق . قال أبو عبد الرحمن : سمعت عمرو بن عثمان يلعنه ويقول : لو قدرت عليه لقتلته بيدي ، فقلت إيش الذي وجد الشيخ عليه ؟ قال : قرأت آية من كتاب الله ، فقال : يمكنني أن أؤلف مثله وأتكلم به ! قال : وسمعت أبا زرعة الطبري يقول : سمعت أبا يعقوب الأقطع يقول : زوجت ابنتي من الحسين بن منصور لما رأيت من حسن طريقته واجتهاده ، فبان لي بعد مدة يسيرة أنه ساحر محتال خبيث كافر . لما قدم بغداد يدعو ، استغوى كثيراً من الناس والرؤساء ، وكان طمعه في الرافضة أقوى لدخوله في طريقهم ، فراسل أبا سهل بن نوبخت يستغويه ، وكان أبو سهل من بينهم مثقفاً فهماً فطناً . . .
سمعت أبا بكر بن سعدان يقول : قال لي الحسين بن منصور : تؤمن بي حتى أبعث إليك بعصفورة تطرح من ذرقها وزن حبة على كذا مناً من نحاس فيصير ذهباً ؟ ! قال : فقلت له : بل أنت تؤمن بي حتى أبعث إليك بفيل يستلقي فتصير قوائمه في السماء ، فإذا أردت أن تخفيه أخفيته في إحدى عينيك ! قال فبهت وسكت » .
وفي تاريخ بغداد : 8 / 123 : « وضع الحيل على تضليل الناس من جهات تشبه الشعوذة والسحر وادعاء النبوة . . . وتراقى به الأمر حتى ذكر أنه ادعى الربوبية . . . وانتشر خبره وتكلم الناس في قتله ، فأمر أمير المؤمنين بتسليمه إلى حامد بن العباس وأمر أن يكشفه بحضرة القضاة ، ويجمع بينه وبين أصحابه ، فجرى في ذلك خطوب طوال .
ثم استيقن السلطان أمره ووقف على ما ذكر له عنه ، فأمر بقتله وإحراقه بالنار ،
--------------------------- 898 ---------------------------
فأحضر مجلس الشرطة بالجانب الغربي يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلاث مائة ، فضرب بالسياط نحواً من ألف سوط ، وقطعت يداه ورجلاه ، وضربت عنقه ، وحرقت جثته بالنار ، ونصب رأسه للناس على سور السجن الجديد ، وعلقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه . . . قال أبو بكر بن حمشاذ : حضرعندنا بالدينور رجل ومعه مخلاة ، فما كان يفارقها بالليل ولا بالنهار ، ففتشوا المخلاة فوجدوا فيها كتاباً للحلاج عنوانه : من الرحمن الرحيم إلى فلان بن فلان ، فوجه إلى بغداد قال : فأحضر وعرض عليه ، فقال : هذا خطي وأنا كتبته ، فقالوا : كنت تدعي النبوة فصرت تدعي الربوبية ! فقال : ما أدعي الربوبية ولكن هذا عين الجمع عندنا ، هل الكاتب إلا الله وأنا واليد فيه آلة !
وأظهر أبو علي الأوارجي لعلي بن عيسى أن محمد بن علي القنائي ، وكان أحد الكتاب يعبد الحلاج ويدعو الناس إلى طاعته ، فوجه علي بن عيسى إلى محمد بن علي القنائي من كبس منزله وقبض عليه ، وقرره علي بن عيسى فأقر أنه من أصحاب الحلاج ، وحمل من داره إلى علي بن عيسى دفاتر ورقاعاً بخط الحلاج ، فالتمس حامد بن العباس من المقتدر بالله أن يسلم إليه الحلاج ومن وجد من دعاته . . . فقبض حامد عليهم وناظرهم فاعترفوا أنهم من أصحاب الحلاج ودعاته ، وذكروا لحامد أنهم قد صح عندهم أنه إله ، وأنه يحيى الموتى وكاشفوا الحلاج بذلك فجحده وكذبهم ، وقال : أعوذ بالله أن أدعى الربوبية أو النبوة ، وإنما أنا رجل أعبد الله وأكثر الصوم والصلاة وفعل الخير ، ولا أعرف غير ذلك » .
وفي سير أعلام النبلاء : 14 / 313 : « قال الفقيه أبو علي بن البناء : كان الحلاج قد ادعى أنه إله ، وأنه يقول بحلول اللاهوت في الناسوت ، فأحضره الوزيرعلي بن عيسى فلم يجده إذ سأله يحسن القرآن والفقه ولا الحديث ، فقال : تعلمك الفرض والطهور أجدى عليك من رسائل لا تدري ما تقول فيها . . .
وكان قد استغوى نصراً القشوري من طريق الصلاح والدين ، لا بما كان يدعو إليه فخوف نصر السيدة أم المقتدر من قتله ، وقال : لا آمن أن يلحق ابنك عقوبة هذا الصالح . فمنعت المقتدر من قتله فلم يقبل ، وأمر حامداً بقتله فحم المقتدر يومه ذلك ، فازداد نصر وأم المقتدر افتتاناً وتشكك المقتدر ، فأنفذ إلى حامد يمنعه من قتله فأخر ذلك أياماً إلى أن عوفي المقتدر . فألح
--------------------------- 899 ---------------------------
عليه حامد وقال : يا أمير المؤمنين ! هذا إن بقي قلب الشريعة ، وارتد خلق على يده ، وأدى ذلك إلى زوال سلطانك ، فدعني أقتله وإن أصابك شئ فاقتلني ! فأذن له في قتله فقتله من يومه . . .
وقد جئ بكتب وجدت في داره من دعاته في الأطراف يقولون فيها : وقد بذرنا لك في كل أرض ما يزكو فيها ، وأجاب قوم إلى أنك الباب يعني للإمام ، وآخرون يعنون أنك صاحب الزمان ، يعنون الإمام الذي تنتظره الإمامية ، وقوم إلى أنك صاحب الناموس الأكبر يعنون النبي صلى الله عليه وآله وقوم يعنون أنك هو هو ، يعني الله عز وجل ! قال : فسئل الحلاج عن تفسيرهذه الكتب ، فأخذ يدفعه ويقول : هذه الكتب لا أعرفها ، هذه مدسوسة علي ، ولا أعلم ما فيها . . .
ذكر محمد بن إسحاق النديم الحسين الحلاج وحط عليه ، ثم سرد أسماء كتبه : كتاب طاسين الأول ، كتاب الأحرف المحدثة والأزلية ، كتاب ظل ممدود ، كتاب حمل النور والحياة والأرواح ، كتاب الصهور ، كتاب تفسير : قل هو الله أحد ، كتاب الأبد والمأبود ، كتاب خلق الانسان والبيان ، كتاب كيد الشيطان ، كتاب سر العالم والمبعوث ، كتاب العدل والتوحيد ، كتاب السياسة ، كتاب علم الفناء والبقاء ، كتاب شخص الظلمات ، كتاب نور النور ، كتاب الهياكل والعالم ، كتاب المثل الأعلى ، كتاب النقطة وبدو الخلق ، كتاب القيامات ، كتاب الكبر والعظمة ، كتاب خزائن الخيرات ، كتاب موائد العارفين ، كتاب خلق خلائق القرآن ، كتاب الصدق والإخلاص ، كتاب التوحيد ، كتاب النجم إذا هوى ، كتاب الذاريات ذرواً ، كتاب هو هو ، كتاب كيف كان وكيف يكون ، كتاب الوجود الأول ، كتاب لا كيف ، كتاب الكبريت الأحمر ، كتاب الوجود الثاني ، كتاب الكيفية والحقيقة ، وأشياء غير ذلك » . راجع أيضاً : سير الذهبي : 17 / 254 ، وميزان الإعتدال : 1 / 548 .
وفي صلة تاريخ الطبري للقرطبي / 60 : « وكان الحلاج هذا رجلاً غوياً خبيثاً ، ينتقل في البلدان ويموه على الجهال ، ويرى قوماً أنه يدعو إلى الرضا من آل محمد ، ويظهر أنه سني لمن كان من أهل السنة ، وشيعي لمن كان مذهبه التشيع ، ومعتزلي لمن كان مذهبه الاعتزال . وكان مع ذلك خفيف الحركات شعوذياً ، قد حاول الطب وجرب الكيميا ، فلم يزل يستعمل المخاريق حتى استهوى بها من لاتحصيل عنده . ثم ادعى الربوبية وقال بالحلول . وعظم افتراؤه على الله عز وجل ورسله . ووجدت له كتب فيها حماقات وكلام مقلوب
--------------------------- 900 ---------------------------
وكفر عظيم ، وكان في بعض كتبه إني المغرق لقوم نوح والمهلك لعاد وثمود ! وكان يقول لأصحابه : أنت نوح وأنت موسى وأنت محمد ، قد أعدت أرواحهم إلى أجسادكم !
قال محمد بن يحيى الصولي : أنا رأيت هذا الرجل مرات ، وخاطبته فرأيته جاهلاً يتعاقل وعيياً يفصح ، وفاجراً يظهر التنسك ويلبس الصوف !
فأول من ظفر به علي بن أحمد الراسبي لما اطلع منه على هذه الحال فقيده وأدخله بغداد على جمل قد شهره ، وكتب بقصته وما ثبت عنده في أمره ، فأحضره علي بن عيسى أيام وزارته في سنة 301 ، وأحضر الفقهاء ونوظر فأسقط في لفظه ولم يحسن من القرآن شيئاً ، ولامن الفقه ولا من الحديث ولا من الشعر ولا من اللغة ولا من أخبار الناس ! فسخفه وصفعه . . . وقد كان ابن الفرات كبسه في وزارته الأولى وعنى بطلبه موسى بن خلف ، فأفلت هو وغلام له ، ثم ظفر به في هذه السنة ، فسلم إلى الوزير حامد . وكان عنده يخرجه إلى من حضره ، فيصفع وتنتف لحيته . . » .
5 . صنع المتصوفة ومحبوهم شخصية من خيالهم للحلاج ، ليحببوا به الناس ، فرووا له كلمات رنانة ، وكذبوا له قصصاً فتانة ، فصار في عالم التصوف والفلسفة والعرفان غير الحلاج في عالم العيان ، وجعلوه رمزاً للصوفي المظلوم من أهل عصره !
ومن الأمور المستغربة من القاضي الشهيد السيد نور الله التستري رحمه الله أنه مدح الحلاج ، مع أنه عالم دافع عن المذهب الحق والأئمة الطاهرين عليهم السلام واستشهد بسبب ذلك ، لكنه وقع في حسن ظنه بالحلاج وابن عربي ، لأنه لم يقرأ عنهما أكثر .
قال الوحيد البهبهاني في تعليقته / 149 : « قوله الحسين بن منصور : في الوجيزة : فيه ذم كثير ، وفي البلغة : بلغ بعض الأجلة من الشيعة في مدحه حتى ادعوا أنه من الأولياء ، مثل صاحب مجالس المؤمنين ، وصاحب محبوب القلوب وغيرهما ، ولا يخلو من غرابة » . انتهى .
وقال في كتاب فيض الإله في ترجمة القاضي نور الله / 43 : « قال الفاضل الكشميري في كتاب نجوم السماء في ضمن ترجمة القاضي قدس سره ما محصله : لا يخفى أن ما ذكره القاضي السيد نور الله التستري في كتاب مجالس المؤمنين وغيره من مدح جماعة من الصوفية وحسن الظن بهم ، كمدح الحسين بن منصور الحلاج الذي صدر التوقيع المشتمل على لعنه من مولانا
--------------------------- 901 ---------------------------
صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه ، كما نقله علماؤنا الإمامية رضوان الله عليهم في كتبهم المعتبرة ، ومثل مدح سفيان الثوري ، وأبي يزيد البسطامي ، ومحيي الدين العربي ، وأضرابهم من متقدمي الصوفية ومتأخريهم ، من الذين ثبت عند علماء الإمامية فساد مذهبهم وسوء عقيدتهم ، لا يستلزم تصوف القاضي المادح لهم ، لأن مدح شخص لا ينحصر في اختيار مسلكه وقبول مذهبه . . » .
6 . ووقع شبيه ذلك لبعض علماء السنة ، ففي مغني المحتاج للشربيني : 4 / 134 : « وقد سئل ابن سريج عن الحسين الحلاج لما قال : أنا الحق فتوقف فيه وقال : هذا رجل خفي علي أمره وما أقول فيه شيئاً . وأفتى بكفره بذلك القاضي أبو عمرو الجنيد وفقهاء عصره ، وأمر المقتدر بضربه ألف سوط . . .
والناس مع ذلك مختلفون في أمره ، فمنهم من يبالغ في تعظيمه ، ومنهم من يكفره لأنه قتل بسيف الشرع ، وجرى ابن المقري تبعاً لغيره على كفر من شك في كفر طائفة ابن عربي الذين ظاهر كلامهم عند غيرهم الاتحاد ، وهو بحسب ما فهموه من ظاهر كلامهم . ولكن كلام هؤلاء جارعلى اصطلاحهم ، إذ اللفظ المصطلح عليه حقيقة في معناه الاصطلاحي مجاز في غيره ، والمعتقد منهم لمعناه معتقد لمعنى صحيح . وأما من اعتقد ظاهره من جهلة الصوفية فإنه يُعرَّف ، فإن استمر على ذلك بعد تعريفه صار كافراً » .
وقال ابن العربي في تفسيره : 2 / 233 : « فأما المؤمن بالإيمان الحقيقي الموحد التام الاستعداد ، المحب الغالب المحبة ، فيصيبه كهيئة الزكمة ، أي السَّكْرَة التي قال فيها أبو زيد قدس الله روحه : سبحاني ما أعظم شأني ! والحسين بن منصور رحمه الله : أنا الحق ثم يرتفع عنه سريعاً لمزيد العناية الإلهية وقوة الاستعداد الفطرية ، وشدة المحبة الحقيقية ، فيتنبه لذلك ويتعذب به غاية التعذب ، ويشتاق إلى الإنطماس في عين الجمع غاية الشوق ، فيقول : هذا عذاب أليم ، ويطلب الفناء الصرف كما قال الحلاج :
بيني وبينك « إنِّيِّي » ينازعني فارفع بفضلك إنيي من البين » !
كما أبدى الآلوسي في تفسيره : 5 / 159 ، إعجابه بالحلاج ، وزعم أن معرفة الله اختلطت بكل أجزاء بدنه ، حتى أن دمه كتب بكل قطرة منه كلمة « الله » ! قال : وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً :
--------------------------- 902 ---------------------------
حيث تخللت المعرفة جميع أجزائه من حيث ما هو مركب ، فلم يبق جوهر فرد إلا وقد حلت فيه معرفة ربه عز وجل ، فهو عارف به بكل جزء منه ومن هنا قيل : إن دم الحلاج لما وقع على الأرض انكتب بكل قطرة منه : الله » .
ثم أفتى الآلوسي في : 16 / 214 ، بأن الحلاج معذور في ادعاء الألوهية ! قال : إذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى : جاوز الحد في المعصية حتى ادعى الربوبية ، وذلك أثر سكر القهر الذي هو وصف النفس الأمارة ! ويقابله سكر اللطف وهو وصف الروح ومنه ينشأ الشطح ودعوى الأنانية قالوا : وصاحبه معذور ، وإلا لم يكن فرق بين الحلاج مثلاً وفرعون » . انتهى . وهذا غاية التحريف والكيل بمكيالين ، في أمر واحد هو ادعاء الألوهية ، والعياذ بالله !
أما ابن تيمية فوجد حلاً لتصحيح ادعاءات أتباع الحلاج وغيرهم ، وهو أن الله تعالى يعطي فسقة الجن القدرة على المعجزات ! قال في دقائق التفسير : 2 / 142 : « كما جرى مثل هذا لي كنت في مصر في قلعتها ، وجرى مثل هذا إلى كثير من الترك من ناحية المشرق ، وقال له ذلك الشخص : أنا ابن تيمية ، فلم يشك ذلك الأمير أني أنا هو ! وأخبر بذلك ملك ماردين وأرسل بذلك ملك ماردين إلى مصر ، رسولاً وكنت في الحبس فاستعظموا ذلك ، وأنا لم أخرج من الحبس ، ولكن كان هذا جنياً يحبنا فيصنع بالترك التتر مثل ما كنت أصنع بهم ، لما جاؤوا إلى دمشق ، كنت أدعوهم إلى الإسلام فإذا نطق أحدهم بالشهادتين أطعمتهم ما تيسر ، فعمل معهم مثل ما كنت أعمل !
وأراد بذلك إكرامي ليظن ذاك أني أنا الذي فعلت ذلك ! قال لي طائفة من الناس : فلم لا يجوز أن يكون ملكاً ؟ قلت : لا ، إن الملك لا يكذب ، وهذا قد قال أنا ابن تيمية وهو يعلم أنه كاذب في ذلك . وكثير من الناس رأى من قال إني أنا الخضر . وإنما كان جنياً ، ثم صار من الناس من يكذب بهذه الحكايات إنكاراً لموت الخضر ، والذين قد عرفوا صدقها يقطعون بحياة الخضر ، وكل من الطائفتين مخطئ ، فإن الذين رأوا من قال إني أنا الخضر هم كثيرون صادقون والحكايات متواترة ، لكن أخطؤوا في ظنهم أنه الخضر ، وإنما كان جنياً !
ولهذا يجري مثل هذا لليهود والنصارى فكثيراً ما يأتيهم في كنائسهم من يقول إنه الخضر ، وكذلك اليهود يأتيهم في كنائسهم من يقول إنه الخضر ، وفي ذلك من الحكايات الصادقة ما
--------------------------- 903 ---------------------------
يضيق عنه هذا الموضع ، يبين صدق من رأى شخصاً وظن أنه الخضر ، وأنه غلط في ظنه أنه الخضر وإنما كان جنياً . وقد يقول أنا المسيح أو موسى أو محمد أو أبو بكر أو عمر أو الشيخ فلان ، فكل هذا قد وقع والنبي صلى الله عليه وآله قال : من رآني في المنام فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي . قال ابن عباس : في صورته التي كان عليه في حياته ، وهذه رؤيا في المنام ، وأما في اليقظة فمن ظن أن أحداً من الموتى يجئ بنفسه للناس عياناً قبل يوم القيامة ، فمن جهله أُتِيَ . ومن هنا ضلت النصارى حيث اعتقدوا أن المسيح بعد أن صلب كما يظنون أنه أتى إلى الحواريين وكلمهم ووصاهم ، وهذا مذكور في أناجيلهم ، وكلها تشهد بذلك وذاك الذي جاء كان شيطاناً قال أنا المسيح ، ولم يكن هو المسيح نفسه . ويجوز أن يشتبه مثل هذا على الحواريين كما اشتبه على كثير من شيوخ المسلمين ، ولكن ما أخبرهم المسيح قبل أن يرفع بتبليغه فهو الحق الذي يجب عليهم تبليغه ، ولم يرفع حتى بلغ رسالات ربه ، فلا حاجة إلى مجيئه بعد أن رفع إلى السماء .
وأصحاب الحلاج لما قتل كان يأتيهم من يقول أنا الحلاج فيرونه في صورته عياناً ، وكذلك شيخ بمصر يقال له الدسوقي بعد أن مات ، كان يأتي أصحابه من جهته رسائل وكتب مكتوبة ، وأراني صادق من أصحابه الكتاب الذي أرسله فرأيته بخط الجن ! وقد رأيت خط الجن غير مرة ! وفيه كلام من كلام الجن ، وذاك المعتقد يعتقد أن الشيخ حي وكان يقول انتقل ثم مات ، وكذلك شيخ آخركان بالمشرق وكان له خوارق من الجن ، وقيل كان بعد هذا يأتي خواص أصحابه في صورته فيعتقدون أنه هو .
وهكذا الذين كانوا يعتقدون بقاء علي أو بقاء محمد بن الحنفية ، قد كان يأتي إلى بعض أصحابهم جني في صورته ، وكذا منتظر الرافضة قد يراه أحدهم أحياناً ويكون المرئي جنياً ! فهذا باب واسع واقع كثيراً » . انتهى .
أقول : لا يمكن قبول عقيدة ابن تيمية لأنها تنسب إلى الله الظلم والعبث ، تعالى الله عما يصفون ، فهي تزعم أنه يعطى فسقة الجن القدرة على المعجزة ، ولو صح ذلك لما أمكن تصديق الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، لاحتمال أن يكونوا جناً كذابين !
ومن ناحية أخرى على صاحب هذه العقيدة أن يشك في كل إنسان يراه ، سواء كان نبياً أو صالحاً أو طالحاً ، فربما كان جنياً ! ويسري هذا الشك إلى ابن تيمية في نفسه !
--------------------------- 904 ---------------------------
الشَّلمغاني ابن أبي العزاقر
كان الشلمغاني في شبابه عالماً مستقيماً موثوقاً ، وله بعض الكتب في الفقه والحديث ، لكنه لما تقدم به العمر أغواه الشيطان فانطبق عليه قول الله تعالى عنه : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وقد بدأ بالانحراف بادعائه أنه سفير الإمام المهدي عليه السلام وأخذ يخدع الناس بأنه شريك ابن روح قدس سره ، في السفارة للإمام المهدي عليه السلام ، ثم تدرج في الحلول حتى ادعى أنه الله تعالى حل فيه ، وهو نفس الطريق الذي سلكه الحلاج ، الذي كان معاصراً له وقُتل قبله ببضع عشرة سنة ، لكن الشلمغاني زينت له بدعته ، ولم يأخذ العبرة من الحلاج ، وقد أثر على عوائل وشخصيات بغدادية سياسية منهم آل بسطام ، فنشر فيهم بدعة الحلول شبيهاً بمذهب المخمسة الكرخيين ، الذين زعموا أن الله حل في الخمسة أصحاب الكساء عليهم السلام ، بل كان مذهب الشلمغاني أسوأ من مذهب الكرخيين ، وقد روى ابن الأثير وغيره من المؤرخين هرطقاته وتأثيره على بعض أصحابه ، ومحاكمته وقتله .
قال المفيد في الفصول العشرة / 16 : « محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني ، المتوفى سنة 323 . كان متقدماً في أصحابنا ، ومستقيم الطريقة ، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله على ترك المذهب والدخول في المذاهب الردية ، فظهرت منه مقالات منكرة ، وخرج في لعنه التوقيع من الناحية . له كتاب : الغيبة » . انتهى .
وروى الشيخ الطوسي كيف تمكن الشلمغاني بحيله أن يؤثرعلى بعض الناس . قال في الغيبة / 403 : « ومنهم ابن أبي العزاقر : أخبرني الحسين بن إبراهيم ، عن أحمد بن نوح ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ، ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه ، قال : حدثتني الكبيرة أم كلثوم بنت أبي جعفرالعمري رضي الله عنه قالت : كان أبو جعفر بن أبي العزاقر وجيهاً عند بني بسطام ، وذاك أن الشيخ أبا القاسم رضي الله تعالى عنه وأرضاه ، كان قد جعل له عند الناس منزلة وجاهاً ، فكان عند ارتداده يحكي كل كذب وبلاء وكفر لبني بسطام ، ويسنده عن الشيخ أبي القاسم فيقبلونه منه ويأخذونه عنه ، حتى انكشف ذلك لأبي القاسم رضي الله عنه فأنكره وأعظمه ، ونهى بني بسطام عن كلامه وأمرهم بلعنه والبراءة منه ، فلم ينتهوا وأقاموا على توليه ، وذاك أنه كان يقول لهم :
--------------------------- 905 ---------------------------
إنني أذعت السروقد أخذ عليَّ الكتمان ، فعوقبت بالإبعاد بعد الإختصاص ، لأن الأمر عظيم لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن ، فيؤكد في نفوسهم عظم الأمر وجلالته . فبلغ ذلك أبا القاسم رضي الله عنه ، فكتب إلى بني بسطام بلعنه والبراءة منه ، وممن تابعه على قوله ، وأقام على توليه ! فلما وصل إليهم أظهروه عليه ، فبكى بكاء عظيماً ثم قال : إن لهذا القول باطناً عظيماً وهو أن اللعنة الإبعاد ، فمعنى قوله : لعنه الله أي باعده الله عن العذاب والنار ، والآن قد عرفت منزلتي ومَرَّغَ خديه على التراب ، وقال : عليكم بالكتمان لهذا الأمر !
قالت الكبيرة رضي الله عنها : وقد كنت أخبرت الشيخ أبا القاسم أن أم أبي جعفر بن بسطام قالت لي يوماً وقد دخلنا إليها ، فاستقبلتني وأعظمتني ، وزادت في إعظامي حتى انكبت علي رجلي تقبلها ! فأنكرت ذلك وقلت لها : مهلاً يا ستي ، فإن هذا أمر عظيم ، وانكببت على يدها ، فبكت ثم قالت : كيف لا أفعل بك هذا وأنت مولاتي فاطمة عليها السلام ؟ فقلت لها وكيف ذاك يا ستي ؟ فقالت لي : إن الشيخ أبا جعفر محمد بن علي خرج إلينا بالسر ! قالت : فقلت لها : وما السر ؟ قالت : قد أخذ علينا كتمانه ، وأفزع إن أنا أذعته عوقبت ! قالت : وأعطيتها موثقاً أني لا أكشفه لأحد واعتقدت في نفسي الاستثناء بالشيخ رضي الله عنه ، يعني أبا القاسم الحسين بن روح . قالت : إن الشيخ أبا جعفر قال لنا : إن روح رسول الله صلى الله عليه وآله انتقلت إلى أبيك ، تعني أبا جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنه ، وروح أمير المؤمنين عليه السلام انتقلت إلى بدن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ، وروح مولاتنا فاطمة عليها السلام انتقلت إليك ، فكيف لا أعظمك يا ستنا ! فقلت لها : مهلاً ، لا تفعلي ، فإن هذا كذب يا ستنا ، فقالت لي : هو سرٌّ عظيم ، وقد أخذ علينا أننا لا نكشف هذا لأحد ، فالله الله فيَّ لا يحل لي العذاب ، ويا ستي فلو لا أنك حملتني على كشفه ما كشفته لك ، ولا لأحد غيرك !
قالت الكبيرة أم كلثوم رضي الله عنها : فلما انصرفت من عندها دخلت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح رضي الله عنه فأخبرته بالقصة ، وكان يثق بي ويركن إلى قولي ، فقال لي : يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة بعدما جرى منها ، ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتك ، ولا رسولاً إن أنفذته إليك ، ولاتلقيها بعد قولها ، فهذا كفر بالله تعالى وإلحاد ، قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ، ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم : بأن الله تعالى اتحد به وحل
--------------------------- 906 ---------------------------
فيه ، كما يقول النصارى في المسيح عليه السلام ! ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله . قالت : فهجرت بني بسطام وتركت المضي إليهم ، ولم أقبل لهم عذراً ، ولا لقيت أمهم بعدها ، وشاع في بني نوبخت الحديث ، فلم يبق أحد إلا وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني ، والبراءة منه ، وممن يتولاه ورضي بقوله أو كلمه ، فضلاً عن موالاته .
ثم ظهر التوقيع من صاحب الزمان عليه السلام بلعن أبي جعفر محمد بن علي ، والبراءة منه وممن تابعه وشايعه ورضي بقوله ، وأقام على توليه بعد المعرفة بهذا التوقيع .
وله حكايات قبيحة ، وأمور فظيعة ننزه كتابنا عن ذكرها ، ذكرها ابن نوح وغيره .
وكان سبب قتله أنه لما أظهر لعنه أبو القاسم بن روح رضي الله عنه ، واشتهر أمره وتبرأ منه ، وأمر جميع الشيعة بذلك ، لم يمكنه التلبيس فقال في مجلس حافل فيه رؤساء الشيعة وكل يحكي عن الشيخ أبي القاسم لعنه والبراءة منه : إجمعوا بيني وبينه حتى آخذ يده ويأخذ بيدي ، فإن لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه ، وإلا فجميع ما قاله فيَّ حق ، ورقي ذلك إلى الراضي ، لأنه كان ذلك في دار ابن مقلة ، فأمر بالقبض عليه وقتله ، فقتل واستراحت الشيعة منه .
وقال أبو الحسن محمد بن أحمد بن داود : كان محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر لعنه الله ، يعتقد القول بحمل الضد ، ومعناه أنه لا يتهيأ إظهار فضيلة للولي إلا بطعن الضد فيه ، لأنه يحمل سامعي طعنه على طلب فضيلته ، فإذا هو أفضل من الولي ، إذ لا يتهيأ إظهار الفضل إلا به ! وساقوا المذهب من وقت آدم الأول إلى آدم السابع ، لأنهم قالوا : سبع عوالم وسبع أوادم ، ونزلوا إلى موسى وفرعون ومحمد وعلي مع أبي بكر ومعاوية .
وأما في الضد فقال بعضهم : الولي ينصب الضد ويحمله على ذلك ، كما قال قوم من أصحاب الظاهر : إن علي بن أبي طالب عليه السلام نصب أبا بكر في ذلك المقام !
وقال بعضهم : لا ، ولكن هو قديم معه لم يزل ، قالوا : والقائم الذي ذكره أصحابه الظاهرأنه من ولد الحادي عشر ، فإنه يقوم معناه إبليس ، لأنه قال : فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إلَّا إبْلِيس ، فلم يسجد ، ثم قال : لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، فدل على أنه كان قائماً في وقت ما أمر بالسجود ثم قعد بعد ذلك ! وقوله : يقوم القائم : إنما هو ذلك القائم الذي أمر بالسجود فأبى وهو إبليس لعنه الله . وقال شاعرهم لعنهم الله :
--------------------------- 907 ---------------------------
يا لاعناً للضد من عَدِيِّ ما الضدُّ إلا ظاهرُ الوليِّ
والحمد للمهيمن الوفيِّ لست على حال كحماميِّ
ولاحجاميٍّ ولا جغديِّ قد فقت من قولٍ على الفهديِّ
نعم وجاوزت مدى العبد يِّ فوق عظيمٍ ليس بالمجوسيِّ
لأنه الفرد بلا كيفيِّ متحدٌ بكل أوحديِّ
مخالطُ النوري والظلميِّ يا طالباً من بيت هاشميِّ
وجاحداً من بيت كسرويِّ قد غاب في نسبة أعجميِّ
في الفارسي الحسب الرضيِّ كما التوى في العُرْبِ من لُوَيِّ
وقال الصفواني : سمعت أبا علي بن همام يقول : سمعت محمد بن علي العزاقري الشلمغاني يقول : الحق واحد وإنما تختلف قمصه ! فيوم يكون في أبيض ، ويوم يكون في أحمر ، ويوم يكون في أزرق . قال ابن همام : فهذا أول ما أنكرته من قوله ، لأنه قول أصحاب الحلول » !
وأضاف الطوسي صفحة / 408 : « وأخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى ، عن أبي علي محمد بن همام أن محمد بن علي الشلمغاني لم يكن قط باباً إلى أبي القاسم ولا طريقاً له ، ولا نصبه أبو القاسم لشئ من ذلك على وجه ولا سبب ، ومن قال بذلك فقد أبطل ، وإنما كان فقيهاً من فقهائنا ، وخلَّطَ وظهرعنه ما ظهر وانتشر الكفر والإلحاد عنه ، فخرج فيه التوقيع على يد أبي القاسم بلعنه ، والبراءة ممن تابعه وشايعه وقال بقوله !
وأخبرني الحسين بن إبراهيم ، عن أحمد بن علي بن نوح ، عن أبي نصرهبة الله بن محمد بن أحمد ، قال : حدثني أبو عبد الله الحسين بن أحمد الحامدي البزاز ، المعروف بغلام أبي علي بن جعفر المعروف بابن زهومة النوبختي ، وكان شيخاً مستوراً ، قال : سمعت روح بن أبي القاسم بن روح يقول : لما عمل محمد بن علي الشلمغاني كتاب التكليف ، قال الشيخ ، يعني أبا القاسم رضي الله عنه : أطلبوه إليَّ لأنظره فجاؤوا به فقرأه من أوله إلى آخره ، فقال : ما فيه شئ إلا وقد روي عن الأئمة عليهم السلام ، إلا موضعين أو ثلاثة ، فإنه كذب عليهم في روايتها لعنه الله .
وأخبرني جماعة عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود ، وأبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، أنهما قالا : مما أخطأ محمد بن علي في المذهب في باب الشهادة أنه
--------------------------- 908 ---------------------------
روى عن العالم عليه السلام أنه قال : إذا كان لأخيك المؤمن على رجل حق فدفعه عنه ، ولم يكن له من البينة عليه إلا شاهد واحد ، وكان الشاهد ثقة رجعت إلى الشاهد فسألته عن شهادته ، فإذا أقامها عندك شهدت معه عند الحاكم على مثل ما يشهده عنده ، لئلا يتوي حق امرئ مسلم . واللفظ لابن بابويه ، وقال : هذا كذب منه ، ولسنا نعرف ذلك . وقال : في موضع آخر كذب فيه .
نسخة التوقيع الخارج في لعنه : أخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى قال : حدثنا محمد بن همام قال : خرج على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة في لعن ابن أبي العزاقر ، والمداد رطب لم يجف . وأخبرنا جماعة عن ابن داود قال : خرج التوقيع من الحسين بن روح في الشلمغاني ، وأنفذ نسخته إلى أبي علي بن همام في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة . قال ابن نوح : وحدثنا أبو الفتح أحمد بن ذكا مولى علي بن محمد بن الفرات رحمه الله قال : أخبرنا أبو علي بن همام بن سهيل بتوقيع خرج في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة . قال محمد بن الحسن بن جعفر بن إسماعيل بن صالح الصيمري : أنفذ الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه من محبسه في دار المقتدر ، إلى شيخنا أبي علي بن همام في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة ، وأملاه أبو علي وعرفني أن أبا القاسم رضي الله عنه راجع في ترك إظهاره ، فإنه في يد القوم وحبسهم ، فأُمر بإظهاره وأن لا يخشى ويأمن ، فتخلص وخرج من الحبس بعد ذلك بمدة يسيرة ، والحمد لله .
التوقيع : عرف ، أطال الله بقاءك وعرفك الخير كله وختم به عملك ، من تثق بدينه وتسكن إلى نيته من إخواننا أسعدكم الله ، وقال ابن داود : أدام الله سعادتكم ، من تسكن إلى دينه وتثق بنيته . جميعاً : بأن محمد بن علي المعروف بالشلمغاني زاد بن داود وهو ممن عجل الله له النقمة ولا أمهله ، قد ارتد عن الإسلام وفارقه - اتفقوا - وألحدَ في دين الله وادعى ما كفر معه بالخالق جل وتعالى ، وافترى كذباً وزوراً ، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً . كذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعيداً وخسروا خسراناً مبيناً ، وإننا قد برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله وآله صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليهم منه ولعناه عليه لعائن الله - زاد بن داود تترى - في الظاهر منا والباطن في السروالجهر ، وفي كل وقت وعلى كل حال ، وعلى من شايعه وتابعه ، أو بلغه هذا القول منا وأقام على توليه بعده . قال هارون : وأخذ أبو علي هذا التوقيع
--------------------------- 909 ---------------------------
ولم يدع أحداً من الشيوخ إلا وأقرأه إياه ، وكوتب من بعد منهم بنسخته في ساير الأمصار فاشتهرذلك في الطائفة ، فاجتمعت على لعنه والبراءة منه . وقتل محمد بن علي الشلمغاني في سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة » .
حسد الشلمغاني للحسين بن روح قدس سره
بدأ انحراف الشلمغاني لما كان الحسين بن روح قدس سره مستتراً من السلطة قبل أن يسجنوه ، ففي تلك الفترة كان واسطة بينه وبين الناس يراجعونه ويأخذ رسائلهم فيعطيها لابن روح ، فلما ظهر له انحرافه عزله وجعل مكانه العالم الثقة علي بن همام . روى الطوسي في الغيبة / 302 : « عن أبي غالب الزراري رحمه الله قال : قدمت من الكوفة وأنا شاب إحدى قدماتي ، ومعي رجل من إخواننا قد ذهب على أبي عبد الله اسمه ، وذلك في أيام الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله واستتاره ونصبه أبا جعفر محمد بن علي المعروف بالشلمغاني ، وكان مستقيماً لم يظهر منه ما ظهر من الكفر والإلحاد ، وكان الناس يقصدونه ويلقونه لأنه كان صاحب الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح سفيراً بينهم وبينه في حوائجهم ومهماتهم . فقال لي صاحبي : هل لك أن تلقى أبا جعفر وتحدث به عهداً فإنه المنصوب اليوم لهذه الطائفة ، فإني أريد أن أسأله شيئاً من الدعاء يكتب به إلى الناحية ، قال : فقلت : له نعم ، فدخلنا إليه فرأينا عنده جماعة من أصحابنا فسلمنا عليه وجلسنا ، فأقبل على صاحبي فقال : من هذا الفتى معك ، فقال له : رجل من آل زرارة بن أعين ، فأقبل علي فقال : من أي زرارة أنت ؟ فقلت : يا سيدي أنا من ولد بكير بن أعين أخي زرارة ، فقال : أهل بيت جليل عظيم القدر في هذا الأمر ، فأقبل عليه صاحبي فقال له : يا سيدنا أريد المكاتبة في شئ من الدعاء فقال : نعم . قال : فلما سمعت هذا اعتقدت أن أسأل أنا أيضاً مثل ذلك ، وكنت اعتقدت في نفسي ما لم أبده لأحد من خلق الله ، حال والدة أبي العباس ابني وكانت كثيرة الخلاف والغضب عليَّ ، وكانت مني بمنزلة ، فقلت في نفسي أسأل الدعاء لي في أمر قد أهمني ولا أسميه ، فقلت أطال الله بقاء سيدنا وأنا أسأل حاجة ، قال : وما هي ؟ قلت : الدعاء لي بالفرج من أمر قد أهمني ، قال : فأخذ درجاً بين يديه كان أثبت فيه حاجة الرجل ، فكتب : والزراري يسأل الدعاء له
--------------------------- 910 ---------------------------
في أمر قد أهمه ! قال : ثم طواه فقمنا وانصرفنا . فلما كان بعد أيام قال لي صاحبي : ألا نعود إلى أبي جعفر فنسأله عن حوائجنا التي كنا سألناه فمضيت معه ودخلنا عليه ، فحين جلسنا عنده أخرج الدرج ، وفيه مسائل كثيرة قد أجيب في تضاعيفها ، فأقبل على صاحبي فقرأ عليه جواب ما سأل ، ثم أقبل علي وهو يقرأ فقال : وأما الزراري وحال الزوج والزوجة فأصلح الله ذات بينهما ، قال فورد عليَّ أمر عظيم ، وقمنا فانصرفت ، فقال لي : قد ورد عليك هذا الأمر ، فقلت : أعجب منه ! قال : مثل أي شئ ؟ فقلت : لأنه سر لم يعلمه إلا الله تعالى وغيري فقد أخبرني به فقال : أتشك في أمر الناحية ؟ أخبرني الآن ما هو فأخبرته فعجب منه . ثم قضى أن عدنا إلى الكوفة فدخلت داري وكانت أم أبي العباس مغاضبة لي في منزل أهلها ، فجاءت إلي فاسترضتني واعتذرت ووافقتني ولم تخالفني حتى فرق الموت بيننا » !
أقول : يظهر من هذا الحديث ان الشلمغاني كان يوصل الرسائل والمسائل ، وهذه واحدة منها لأنها تضمنت معجزة عن حاجة الزراري . فانحراف الشلمغاني حدث بعد هذه القصة عندما كان الحسين بن روح في سجن الخليفة المقتدر ، وهو سجن سياسي ، ذكرناه في ترجمة السفير ابن روح رضي الله عنه .
وفي غيبة الطوسي / 307 : « عن الحسن بن جعفر بن إسماعيل بن صالح الصيمري قال : لما أنفذ الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه التوقيع في لعن ابن أبي العزاقر ، أنفذه من محبسه في دار المقتدر إلى شيخنا أبي علي بن همام رحمه الله في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة وأملاه أبو علي رحمه الله عليَّ ، وعرفني أن أبا القاسم رضي الله عنه راجع في ترك إظهاره ، فإنه في يد القوم وفي حبسهم ، فأمر بإظهاره وأن لا يخشى ويأمن ، فتخلص فخرج من الحبس بعد ذلك بمدة يسيرة والحمد لله » .
وفي غيبة الطوسي / 307 : « عن أبي علي بن همام قال : أنفذ محمد بن علي الشلمغاني العزاقري إلى الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه ، يسأله أن يباهله وقال : أنا صاحب الرجل وقد أمرت بإظهار العلم وقد أظهرته باطناً وظاهراً فباهلني ! فأنفذ إليه الشيخ رضي الله عنه في جواب ذلك : أينا تقدم صاحبه فهو المخصوم ، فتقدم العزاقري فقتل وصلب ، وأخذ معه ابن أبي عون ، وذلك في سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة » .
--------------------------- 911 ---------------------------
ومعناه أنه كان بين صدور لعنه وبين قتله أحد عشرة سنة ، وأنه تدرج في هذه السنين من ادعاء المشاركة في السفارة لابن روح رحمه الله وحلول أرواح الأئمة في ابن روح ثم فيه ، حتى وصل إلى ادعاء الألوهية والعياذ بالله !
ولا نعرف هل تبعه أحد من آل بسطام الذين أثر عليهم ، أما ابن عون الذي قتل معه فكان يعتقد بألوهيته ، شبيهاً بمحمد بن علي القنائي الذي اعتقد ألوهية الحلاج !
وكلما تأمل الإنسان في وضع الشلمغاني وعلمه ومكانته ، وقربه من نور الإمام عليه السلام ، والمعجزات التي رآها منه بواسطة سفيره الحسين بن روح رحمه الله ، لا يرى سبباً لانحرافه إلا قلة عقله ، فهذا الذي أوصله إلى سوء العاقبة في الدنيا والآخرة .
قال الشيخ الطوسي رحمه الله في الغيبة / 391 : « ذكر محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني في أول كتاب الغيبة الذي صنفه : وأما ما بيني وبين الرجل المذكور زاد الله في توفيقه ، فلا مدخل لي في ذلك إلا لمن أدخلته فيه ، لأن الجناية عليَّ فإني وليها . وقال في فصل آخر : ومن عظمت منته عليه تضاعفت الحجة عليه ولزمه الصدق فيما ساءه وسره ، وليس ينبغي فيما بيني وبين الله إلا الصدق عن أمره مع عظم جنايته ، وهذا الرجل منصوب لأمر من الأمور لا يسع العصابة العدول عنه فيه ، وحكم الإسلام مع ذلك جار عليه ، كجريه على غيره من المؤمنين » . انتهى .
فالشلمغاني يعترف بأن الحسين بن روح قدس سره منصوب بالسفارة من الإمام صلوات الله عليه ، ولكنه يعتبره ظالماً له لأنه منصوب معه ، فظلمه ابن روح حيث لم يعترف بسفارته !
الشلمغاني في مصادر التاريخ
في تاريخ ابن الأثير : 8 / 290 : « ذكر قَتْل الشلمغاني وحكاية مذهبه . وفي هذه السنة قتل أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر ، وشلمغان التي ينسب إليها قرية بنواحي واسط . وسبب ذلك أنه قد أحدث مذهباً غالياً في التشييع والتناسخ وحلول الإلهية فيه ، إلى غير ذلك مما يحكيه ، وأظهر ذلك من فعله أبو القاسم الحسين بن روح ، الذي تسميه الإمامية الباب ، متداولَ وزارة حامد بن العباس . ثم اتصل أبو جعفر الشلمغاني بالمحسن بن أبي الحسن بن الفرات في وزارة أبيه الثالثة ، ثم إنه طُلب في وزارة الخاقاني فاستتر وهرب
--------------------------- 912 ---------------------------
إلى الموصل ، فبقي سنين عند ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان في حياة أبيه عبد الله بن حمدان ، ثم انحدر إلى بغداد واستتر ، وظهر عنده ببغداد أنه يدعي لنفسه الربوبية ، وقيل إنه اتبعه على ذلك الحسين بن القاسم بن عبد الله بن سليمان بن وهب ، الذي وزر للمقتدر بالله ، وأبو جعفر وأبو علي ابنا بسطام ، وإبراهيم بن محمد بن أبي عون ، وابن شبيب الزيات ، وأحمد بن محمد بن عبدوس ، كانوا يعتقدون ذلك فيه ! وظهر ذلك عنهم ، وطُلبوا أيام وزارة ابن مقلة للمقتدر بالله ، فلم يوجدوا .
فلما كان في شوال سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة ظهر الشلمغاني ، فقبض عليه الوزير ابن مقلة وسجنه وكبس داره ، فوجد فيها رقاعاً وكتباً ممن يدعي عليه أنه على مذهبه يخاطبونه بما لا يخاطب به البشر بعضهم بعضاً ، وفيها خط الحسين بن القاسم فعرضت الخطوط فعرفها الناس ، وعرضت على الشلمغاني فأقر أنها خطوطهم وأنكر مذهبه وأظهر الإسلام ، وتبرأ مما يقال فيه ! وأُخذ ابن أبي عون وابن عبدوس معه وأُحضرا معه عند الخليفة ، وأُمرا بصفعه فامتنعا !
فلما أُكرها مدَّ ابن عبدوس يده وصفعه ، وأما ابن أبي عون فإنه مد يده إلى لحيته ورأسه فارتعدت يده ، فقبل لحية الشلمغاني ورأسه ثم قال : إلهي وسيدي ورازقي ! فقال له الراضي : قد زعمت أنك لا تدعي الإلهية فما هذا ؟ فقال : وما عليَّ من قول ابن أبي عون ، والله يعلم إنني لا قلت له إنني إله قط ! فقال ابن عبدوس : إنه لم يدع الإلهية وإنما ادعى أنه الباب إلى الإمام المنتظر مكان ابن روح ، وكنت أظن أنه يقول ذلك تقية !
ثم أُحضروا عدة مرات ومعهم الفقهاء والقضاة والكتاب والقواد ، وفي آخر الأيام أفتى الفقهاء بإباحة دمه ، فصلب ابن الشلمغاني وابن أبي عون في ذي القعدة ، وأحرقا بالنار .
وكان من مذهبه أنه إله الآلهة يحق الحق ، وأنه الأول القديم الظاهر الباطن الرازق التام المومأ إليه بكل معنى . وكان يقول إن الله سبحانه وتعالى يحل في كل شئ على قدر ما يحتمل ، وأنه خلق الضد ليدل على المضدود ، فمن ذلك أنه حل في آدم لما خلقه في إبليسه أيضاً ، وكلاهما ضد لصحابه لمضادته إياه في معناه ، وأن الدليل على الحق أفضل من الحق ، وأن الضد أقرب إلى الشئ من شبهه ، وأن الله عز وجل إذا حل في جسد ناسوتي ظهر من القدرة
--------------------------- 913 ---------------------------
والمعجزة ما يدل على أنه هو ، وأنه لما غاب آدم ظهر اللاهوت في خمسة ناسوتية ، كلما غاب منهم واحد ظهر مكانه آخر ، وفي خمسة أبالسة أضداد لتلك الخمسة . ثم اجتمعت اللاهوتية في إدريس وإبليسه ، وتفرقت بعدهما كما تفرقت بعد آدم . واجتمعت في نوح عليه السلام وإبليسه وتفرقت عند غيبتهما . واجتمعت في هود وإبليسه وتفرقت بعدهما . واجتمعت في صالح وإبليسه عاقرالناقة وتفرقت بعدهما . واجتمعت في إبراهيم وإبليسه نمروذ وتفرقت لما غابا . واجتمعت في هارون وإبليسه فرعون وتفرقت بعدهما . واجتمعت في سليمان وإبليسه وتفرقت بعدهما . واجتمعت في عيسى وإبليسه فلما غابا تفرقت في تلامذة عيسى وأبالستهم . ثم اجتمعت في علي بن أبي طالب وإبليسه .
ثم إن الله يظهر في كل شئ وكل معنى . وإنه في كل أحد بالخاطر الذي يخطر بقبله ، فيتصور له ما يغيب عنه حتى كأنه يشاهده ، وأن الله إسمٌ لمعنى ، وأن من احتاج الناس إليه فهو إله ، ولهذا المعنى يستوجب كل أحد أن يسمى إلهاً ، وأن كل أحد من أشياعه يقول إنه رب لمن هو في دون درجته ، وأن الرجل منهم يقول أنا رب لفلان وفلان رب لفلان وفلان رب ربي حتى يقع الانتهاء إلى ابن أبي العزاقر فيقول : أنا رب الأرباب لا ربوبية بعده !
ولا ينسبون الحسن والحسين رضي الله عنهما إلى علي كرم الله وجهه ، لأن من اجتمعت له الربوبية لا يكون له ولد ولا والد ! وكانوا يسمون موسى ومحمداً الخائنين ، لأنهم يدعون أن هارون أرسل موسى وعلياً أرسل محمداً فخاناهما ! ويزعمون أن علياً أمهل محمداً عدة سنين أصحاب الكهف ، فإذا انقضت هذه العدة وهي ثلاث مائة وخمسون سنة انتقلت الشريعة ! ويقولون إن الملائكة كل من ملك نفسه وعرف الحق ، وأن الجنة معرفتهم وانتحال مذهبهم ، والنارالجهل بهم والعدول عن مذهبهم ! ويعتقدون ترك الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات ، ولا يتناكحون بعقد ويبيحون الفروج ، ويقولون إن محمداً بعث إلى كبراء قريش وجبابرة العرب ونفوسهم أبية فأمرهم بالسجود ، وأن الحكمة الآن أن يمتحن الناس بإباحة فروج نسائهم ، وأنه يجوز أن يجامع الإنسان من شاء من ذوي رحمه وحرم صديقه وابنه ، بعد أن يكون على مذهبه ! وأنه لا بد للفاضل منهم أن ينكح المفضول ليولج النور فيه ، ومن امتنع من ذلك قلب في الدورالذي يأتي بعد هذا العالم امرأة ، إذ كان مذهبهم التناسخ !
--------------------------- 914 ---------------------------
وكانوا يعتقدون إهلاك الطالبيين والعباسيين .
تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً .
وما أشبه هذه المقالة بمقالة النصيرية ولعلها هي هي ، فإن النصيرية يعتقدون في ابن الفرات ويجعلونه رأساً في مذهبهم . وكان الحسين بن القاسم بالرقة فأرسل الراضي بالله إليه ، فقتل آخر ذي القعدة وحمل رأسه إلى بغداد » .
وذكر نحوه في وفيات الأعيان : 2 / 156 ، قال : « وفي هذه السنة قتل أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر ، وسبب ذلك أنه أحدث مذهباً غالياً في التشيع والتناسخ وحلول الإلهية فيه ، إلى غير ذلك مما يحكيه ، وأظهر ذلك من فعله أبو القاسم الحسين بن روح الذي تسميه الإمامية الباب ، فطُلب ابن الشلمغاني فاستتر ، وهرب إلى الموصل ، وأقام سنين ثم انحدر إلى بغداد . . . » .
وذكر أن الذي حاكمه هو الخليفة الراضي نفسه ! وذكر نحوه مآثر الإنافة : 1 / 289 ، والوافي للصفدي : 8 / 226 ، و : 4 / 81 ، وجاء فيه : وجرت أمور وأفتى العلماء بإباحة دمه فأحرق ، وكان ابن أبي عون أحد أتباعه ، وهو الفاضل الذي له التصانيف المليحة مثل الشهاب والأجوبة المسكتة ، وهو من أعيان الكتاب .
ونحوه الذهبي في تاريخ الإسلام : 24 / 115 . وقال في سير أعلام النبلاء : 14 / 567 : « وقد كان أبو علي الحسين « بن أبي عون » ويقال الجمال ، وزر للمقتدر في سنة تسع عشرة وثلاث مئة ، ولقبوه عميد الدولة ، وعزل بعد سبعة أشهر وسجن ، وعقد له مجلس في كائنة الشلمغاني ونوظر ، فظهرت رقاعه يخاطب الشلمغاني فيها بالإلهية . وعاش ثمانياً وسبعين سنة » . وذكر نحوه شذرات الذهب : 1 / 293 ، وفيه : « وشاع أنه يدعي الآلهية ، وأنه يحيي الموتى ، وكثر أتباعه فأحضره ابن مقلة عند الراضي بالله » .
خذوا بما رووا وذروا مارأوا
أعطى الأئمة عليهم السلام قاعدة في كتب العلماء الذين كانوا مستقيمين ، ثم انحرفوا مثل الشلمغاني ، فقالوا : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا . قال الطوسي قدس سره في الغيبة / 389 : « قال أبو الحسين بن تمام :
--------------------------- 915 ---------------------------
حدثني عبد الله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه ، قال : سئل الشيخ يعني أبا القاسم رضي الله عنه عن كتب ابن أبي العزاقر بعدما ذُمَّ وخرجت فيه اللعنة ، فقيل له : فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملاء ؟ فقال : أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما وقد سئل عن كتب بني فضال ، فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء ؟ فقال صلوات الله عليه : خذوا بما رووا ، وذروا ما رأوا » .
وقال النجاشي / 378 : « محمد بن علي الشلمغاني أبو جعفر المعروف بابن أبي العزاقر كان متقدماً في أصحابنا ، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الردية ، حتى خرجت فيه توقيعات ، فأخذه السلطان وقتله وصلبه . وله كتب منها : كتاب التكليف ، ورسالة إلى ابن همام ، وكتاب ماهية العصمة ، كتاب الزاهر بالحجج العقلية ، كتاب المباهلة ، كتاب الأوصياء ، كتاب المعارف ، كتاب الإيضاح ، كتاب فضل النطق على الصمت ، كتاب فضل العمرتين ، كتاب الأنوار ، كتاب التسليم ، كتاب البرهان والتوحيد ، كتاب البداء والمشيئة ، كتاب نظم القرآن ، كتاب الإمامة الكبير ، كتاب الإمامة الصغير . قال أبو الفرج محمد بن علي الكاتب القنائي : قال لنا أبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب : حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني في استتاره بمعلثايا ، بكتبه » .
وفي غيبة الطوسي / 393 : « عن محمد بن أحمد بن داود القمي قال : وجدت بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه ، على ظهر كتاب فيه جوابات ومسائل أنفذت من قم يسأل عنها هل هي جوابات الفقيه عليه السلام أو جوابات محمد بن علي الشلمغاني ؟ لأنه حكي عنه أنه قال : هذه المسائل أنا أجبت عنها ، فكتب إليهم على ظهر كتابهم : بسم الله الرحمن الرحيم : قد وقفنا على هذه الرقعة وما تضمنته فجميعه جوابنا ، ولا مدخل للمخذول الضال المضل المعروف بالعزاقري لعنه الله في حرف منه ، وقد كانت أشياء خرجت إليكم على يدي أحمد بن بلال وغيره من نظرائه ، وكان من ارتدادهم عن الإسلام مثل ما كان من هذا ، عليهم لعنة الله وغضبه . فاستثبتُّ قديماً في ذلك ، فخرج الجواب : ألا من استثبت ، فإنه لا ضرر في خروج ما خرج على أيديهم ، وإن ذلك صحيح .
--------------------------- 916 ---------------------------
وروي قديماً عن بعض العلماء عليهم السلام أنه سئل عن مثل هذا بعينه في بعض من غضب الله عليه ، فقال عليه السلام : العلم علمنا ولا شئ عليكم من كفر من كفر ، فما صح لكم مما خرج على يده برواية غيره له من الثقات رحمهم الله فاحمدوا الله واقبلوه ، وما شككتم فيه أو لم يخرج إليكم في ذلك إلا على يده ، فردوه إلينا لنصححه أو نبطله ، والله تقدست أسماؤه وجل ثناؤه ولي توفيقكم ، وحسبنا في أمورنا كلها ونعم الوكيل » .
وفي غيبة الطوسي / 389 : « عن أبي الحسين محمد بن الفضل بن تمام رحمه الله قال : سمعت أبا جعفر بن محمد بن أحمد بن الزكوزكي رحمه الله وقد ذكرنا كتاب التكليف ، وكان عندنا أنه لا يكون إلا مع غال ! وذلك أنه أول ما كتبنا الحديث فسمعناه يقول : وأيش كان لابن أبي العزاقر في كتاب التكليف ، إنما كان يصلح الباب ويدخله إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه فيعرضه عليه ويحككه ، فإذا صح الباب خرج فنقله وأمرنا بنسخه ، يعني أن الذي أمرهم به الحسين بن روح رضي الله عنه . قال أبو جعفر : فكتبته في الأدراج بخطي ببغداد . قال ابن تمام : فقلت له : تفضل يا سيدي فادفعه إلي حتى أكتبه من خطك ، فقال لي : قد خرج عن يدي . فقال ابن تمام : فخرجت وأخذت من غيره ، فكتبت بعدما سمعت هذه الحكاية » . انتهى .
وفي الذريعة إلى تصانيف الشيعة : 4 / 406 : « كتاب التكليف لأبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبى العزاقر المقتول . ألفه في حال استقامته فحمله الحسد لمقام الحسين بن روح النوبختي على ترك المذهب . . .
ويروى عنه هذا الكتاب أبو المفضل الشيباني المتوفى 387 ، ويرويه عنه أيضاً والد الصدوق ، إلا رواية شهادة الرجل لأخيه بغير علم » . وفي الذريعة : 21 / 187 : « المعارف لأبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني ، المعروف بابن أبي العزاقر » . هذا ، ويرى بعضهم أن كتاب التكليف للشلمغاني هو نفسه كتاب فقه الرضا لوالد الصدوق رحمه الله . ومع أنه احتمال فلا ضير فيه بعد أن صححه سفير الإمام عليه السلام ، وأيدت أحاديثه وفتاواه المصادر الأخرى الكثيرة .
مذهب المخمسة الحلولية
وأصل مذهب المخمسة مأخوذ من مذهب الحلول المجوسي ، قالوا : « إن سلمان الفارسي
--------------------------- 917 ---------------------------
والمقداد وعماراً وأبا ذر وعمر بن أمية الضمري ، هم الموكلون بمصالح العالم ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً » . « خلاصة الأقوال للعلامة / 364 » .
ثم نقلوها إلى النبي وعلي وفاطمة والحسنين صلوات الله عليهم ! ولعل أول من أشاع ذلك في بغداد أحمد بن هلال الكرخي ، الملعون على لسان الإمام المهدي عليه السلام ، فسُمِّيَ أتباعه الكرخية والكرخيين .
قال الطوسي في الغيبة / 414 : « وكان الكرخيون مُخَمِّسَة لا يشك في ذلك أحد من الشيعة ، وقد كان أبو دلف يقول ذلك ويعترف به ويقول : نقلني سيدنا الشيخ الصالح قدس الله روحه ونور ضريحه ، عن مذهب أبي جعفر الكرخي إلى المذهب الصحيح ، يعني أبا بكر البغدادي . وجنون أبي دلف وحكايات فساد مذهبه أكثر من أن تحصى ، فلا نطول بذكرها الكتاب ها هنا » . انتهى .
وقد ترجم الحموي في معجم البلدان « 4 / 447 » لكرخيٍّ آخر على نفس المذهب ، لكنه من كرخة الأهواز لا كرخة بغداد ، قال : « أبو جعفر الكرخي المعروف بالجَرْو وهذا الرجل مشهور بالجلالة فيهم قديماً ، وكان مقيماً بالبصرة ، قال : وشاهدته أنا وهو شيخ كبير وقد اختلت حاله فصار يلي الأعمال الصغار من قبل عمال البصرة ، وكان أبو القاسم بن أبي عبد الله البريدي لما ملك البصرة صادره على مال أقرف به وسمر يديه في حائط وهو قائم على كرسي ، فلما سمرت يداه بالمسامير في الحائط نُحِّيَ الكرسي من تحته وسلت أظافيره وضرب لحمه بالقضيب الفارسي ولم يمت ولا زمن قال : ورأيته أنا بعد ذلك بسنين صحيحاً لا عيب لهم إلا ما كانوا يرمون به من الغلو ، فإن القاسم وولديه استفاض عنهم أنهم كانوا مخمسة يعتقدون أن علياً وفاطمة والحسن والحسين ومحمداً صلى الله عليه وآله ، خمسة أشباح أنوار قديمة لم تزل ولا تزال ، إلى غير ذلك من أقوال هذه النحلة وهي مقالة مشهورة » .
وأصل مذهب المُخَمِّسة من بشار الشعيري : فهو تطوير لمذهب « العلياوية » الذي ظهر في زمن الإمام الصادق عليه السلام .
فقد روى الطوسي رحمه الله في رجاله : 2 / 701 : « عن مرازم قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : تعرف مُبشر ، بَشَّر بتوهم الاسم ؟ قال : الشعيري ، فقلت : بشار ؟ قال بشار ! قلت : نعم جار لي ، قال :
--------------------------- 918 ---------------------------
إن اليهود قالوا ووحدوا الله ، وإن النصارى قالوا ووحدوا الله ، وأن بشاراً قال قولاً عظيماً ! إذا قدمت الكوفة فأته وقل له : يقول لك جعفر : يا كافر ، يا فاسق ، يا مشرك ، أنا برئ منك ! قال مرازم : فلما قدمت الكوفة فوضعت متاعي وجئت إليه فدعوت الجارية ، فقلت قولي لأبي إسماعيل هذا مرازم ، فخرج إليَّ فقلت له : يقول لك جعفر بن محمد : يا كافر يا فاسق يا مشرك أنا برئ منك ! فقال لي : وقد ذكرني سيدي ! قال قلت : نعم ذكرك بهذا الذي قلت لك ! فقال : جزاك الله خيراً وفعل بك ، وأقبل يدعو لي !
ومقالة بشارهي مقالة العلياوية يقولون إن علياً عليه السلام هرب وظهر بالعلوية الهاشمية ، وأظهر أنه عبده ورسوله بالمحمدية ، فوافق أصحاب أبي الخطاب في أربعة أشخاص علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وأن معنى الأشخاص الثلاثة فاطمة والحسن والحسين تلبيس ، والحقيقة شخص علي ، لأنه أول هذه الأشخاص في الأمة . وأنكروا شخص محمد صلى الله عليه وآله وزعموا أن محمداً عبد علي ! وأقاموا محمداً صلى الله عليه وآله مقام ما أقامت المخمسة سلمان ، وجعلوه رسولاً لمحمد صلى الله عليه وآله فوافقوهم في الإباحات والتعطيل والتناسخ . نعوذ بالله من الكفر » !
وفي رجال الطوسي : 2 / 775 : « عن عثمان بن عيسى الكلابي ، أنه سمع محمد بن بشير يقول : الظاهر من الإنسان آدم والباطن أزلي . . . لما مات أوصى إلى ابنه سميع بن محمد فهو الإمام ، ومن أوصى إليه سميع فهو إمام مفترض الطاعة على الأمة إلى وقت خروج موسى بن جعفر عليه السلام ! وزعموا أن الفرض عليهم من الله تعالى إقامة الصلوات الخمس وصوم شهر رمضان ، وأنكروا الزكاة والحج وسائر الفرائض ، وقالوا بإباحة المحارم والفروج والغلمان ، واعتلوا في ذلك بقول الله تعالى : أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ . وقالوا بالتناسخ . .
وزعمت هذه الفرقة والمخمسة والعلياوية وأصحاب أبي الخطاب ، أن كل من انتسب إلى أنه من آل محمد ، فهو مبطل في نسبه مفتر على الله كاذب ، وأنهم الذين قال الله تعالى فيهم إنهم يهود ونصارى في قوله : وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ . . . إذ كان محمد عندهم وعلي ، هو رب لا يلد ولا يولد ولا يستولد ! تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً .
--------------------------- 919 ---------------------------
وكان سبب قتل محمد بن بشير لعنه الله ، لأنه كان معه شعبذة ومخاريق . . . وكان عنده صورة قد عملها وأقامها شخصاً كأنه صورة أبي الحسن « الإمام الكاظم عليه السلام » في ثياب حرير ، وقد طلاها بالأدوية ، وعالجها بحيل عملها فيها ، حتى صارت شبيهاً بصورة إنسان ، وكان يطويها فإذا أراد الشعبذة نفخ فيها فأقامها ! وكان يقول لأصحابه إن أبا الحسن عليه السلام عندي ، فإن أحببتم أن تروه وتعلموا أني نبي فهلموا أعرضه عليكم ، فكان يدخلهم البيت والصورة مطوية معه فيقول لهم : هل ترون في البيت مقيماً أو ترون فيه غيري وغيركم ؟ فيقولون : لا ، ليس في البيت أحد ، فيقول : أخرجوا فيخرجون من البيت فيصيرهو وراء الستر ويسبل الستر بينه وبينهم ثم يقدم تلك الصورة ، ثم يرفع الستر بينه وبينهم ، فينظرون إلى صورة قائمة وشخص كأنه شخص أبي الحسن لا ينكرون منه شيئاً ، ويقف هو منه بالقرب فيريهم من طريق الشعبذة أنه يكلمه ويناجيه ويدنو منه كأنه يسارُّه ، ثم يغمزهم أن يتنحوا فيتنحون ، ويسبل الستر بينه وبينهم فلا يرون شيئاً ! وكانت معه أشياء عجيبة من صنوف الشعبذة ، ما لم يروا مثلها فهلكوا بها ، فكانت هذه حاله مدة حتى رفع خبره إلى بعض الخلفاء ، أحسبه هارون أو غيره ممن كان بعده من الخلفاء ، وأنه زنديق ، فأخذه وأراد ضرب عنقه فقال : يا أمير المؤمنين استبقني ، فإني أتخذ لك أشياء يرغب الملوك فيها فأطلقه ، فكان أول ما اتخذ له الدوالي ، فإنه عمد إلى الدوالي فسواها وعلقها ، وجعل الزيبق بين تلك الألواح ، فكانت الدوالي تمتلئ من الماء وتميل الألواح وينقلب الزيبق من تلك الألواح فيتبع الدوالي لهذا ، فكانت تعمل من غير مستعمل لها وتصب الماء في البستان ، فأعجبه ذلك ، مع أشياء عملها يضاهي الله بها في خلقه الجنة . فقَوَّدَه « جعله قائداً » وجعل له مرتبة ، ثم إنه يوماً من الأيام انكسر بعض تلك الألواح فخرج منها الزيبق فتعطلت فاستراب أمره وظهر عليه التعطيل والإباحات . وقد كان أبو عبد الله وأبو الحسن يدعوان الله عليه ، ويسألانه أن يذيقه حر الحديد ، فأذاقه الله حر الحديد » . انتهى .
أقول : من الواضح أن مذهب المخمسة اقتباس من الحلول والتناسخ الفارسي والهندي ، وقد كان ضغط الحكومات على الشيعة لإجبارهم على تقديس أبي بكر وعمر وعثمان ، عاملاً في اختراع بعض المشعوذين لنظرية الأضداد المحمودة ، لمدح من خالف أهل البيت عليهم السلام .
--------------------------- 920 ---------------------------
وقد ترجم علماؤنا لعدد من المغالين الذين سلكوا طريق الشلمغاني والكرخيين ، منهم علي بن أحمد الكوفي الذي توفي سنة 352 : « كان إمامياً مستقيم الطريقة وصنف كتباً كثيرة سديدة ، ثم خلط وأظهر مذهب المخمسة ، وصنف كتاباً في الغلو والتخليط ! وقال ابن الغضائري : كذاب غال صاحب بدعة ومقالة » . « خلاصة الأقوال للعلامة / 364 » .
ولا يتسع المجال لعرض تفاصيل هذه المذاهب والبدع وانخداع العوام بها . والذي يهون أمرهم أنهم انتهوا كلهم ولم يبق منهم إلا قلة يؤلهون علياً عليه السلام ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .
الشلمغانيون في عصرنا
ما زالت ظاهرة ادعاء المهدية ، وادعاء السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام مستمرة إلى يومنا هذا ، وهي تكثر وتقل حسب الظروف . على أنهم كثرة نسبياً حتى في الظروف العادية ، فقد قرأت أن عدد المسجونين في مصر بتهمة هذا الادعاء نحو عشرين شخصاً ، سوى من أخذ عليهم تعهد بالتوقف عن نشر دعاويهم . وفي فلسطين عدة أشخاص ، وفي اليمن ، وفي السعودية أكثر من شخص من الوهابية ، ومنهم الشيخ اللحيدان ، وله موقع على النت .
ومن عوامل قِلَّة وجود المدعين أن الحكومات تمنعهم من نشر مزاعمهم أو تحبسهم ، أو يتصدى لهم الناس فيكشفون زيفهم ويقيمون الحجة عليهم .
ولهذا يكثرون عندما تكون الحكومة ضعيفة في بلد ، أو يحدث فيه فراغ سياسي ، أو يكون لجهات خارجية غرضٌ في تكوين حركاتهم . وقد كثر في العراق المدعون بعد الاحتلال الأمريكي ، وتميزوا عن أمثالهم في مصر وإفريقيا وفلسطين والحجاز والبحرين ، بأنهم كوَّنوا حركات مسلحة ، ومن أشهرهم حركة جند السماء في النجف ، وحركة المهدويين في البصرة بزعامة أحمد إسماعيل كاطع ، المسمى باليماني ، وبأحمد الحسن !
لقد سافر القرعاوي وأحمد إسماعيل إلى الهند وتعلموا شيئاً من السحر ، لكن الحلاج كان أذكى منهم جميعاً ، لأنه أتقن عمله وعاش التصوف أو عايش المتصوفة ، وقدم أدبيات جديدة في العشق والفناء والتجلي والحلول ! ثم ترك ولده الصغير أمانة عند صديق له في بغداد ، وسافر إلى الهند وتحمل مشاق السفر والغربة ليتعلم السحر والشعوذة .
--------------------------- 921 ---------------------------
كما كان الشلمغاني أعلم منهم جميعاً ، لأنه درس وباحث حتى وصل إلى مرحلة علمية متقدمة ، وألف في زمن استقامته كتباً اعتمدها علماؤنا حتى بعد انحرافه وكفره ، عملاً بقاعدة : « خذوا بما رَوَوْا وذَرُوا ما رَأوْا » .
فالشلمغانيون في عصرنا ليس عندهم ذكاء الحلاج وجاذبيته ، ولا علم الشلمغاني وماضيه في الإستقامة ! لكنهم مع ذلك يشتركون معهما في أكثر الصفات ، ومنها :
1 . التأرجح بين قلت ولم أقل ، وفعلت ولم أفعل ! وهو صفة المناور الذي يريد أن يحتفظ بموقع وسطي ، فلا يقع في قفص الإقرار ، ولا يترك البدعة والإصرار !
2 . التخفي والسِّرِّية ، لأنهم يخافون من الذين يعرفون كذبهم ، فيبتعدون عنهم ولا يقبلون مناظرتهم ، ويخافون من الناس أن يطلبوا منهم دليلاً لايملكونه !
وقد اتخذوا في العراق والبحرين وغيرهما شكل تنظيم حزب سري ، يُصدر رئيسه الأوامر والبرامج لأتباعه ، ويتدخل في أمورهم الشخصية حتى في ملابسهم فيأمرهم مثلاً أن لا يلبسوا جوارب ، ويصدرأمره بطلاق الأزواج ، أو بالزواج ، ويُبَلِّغهم ذلك على أنه أوامر من الإمام المهدي عليه السلام !
3 . إذا قرأت لأحدهم أو تعرفت عليه كيف ينظر إلى نفسه ، تجده يحمل في رأسه وقلبه أطناناً من الغرور ، ويزعم أنه يلتقي بالإمام عليه السلام وأنه صاحبه الخاص ، الآمر الناهي باسمه !
وبما أن الإمام المهدي عليه السلام ولي الله في أرضه ، فعليه أن يعظِّم نفسه ، لتتناسب شخصيته مع دعواه !
وفي مقابل تعظيمه لنفسه تراه ينظر إلى عامة المسلمين والمؤمنين على أنهم همجٌ رعاع ، لا يفهمون ولا يعقلون ، لأنهم لا يقبلون دعوته ولا يطيعونه ، ولو قبلوها وأطاعوه لصاروا أذكياء فاهمين ، وربما جعلهم عباقرة !
4 . كما نلاحظ خوفهم من لغة الوضوح والسهولة ، واستعمالهم لغة رمزية صناعية متعمدة ، ليوهموا الناس أنهم أهل علم وبلاغة ، وعندهم معانٍ عميقة تحتاج إلى تفهيم وشرح للعوام ! وليهربوا من مسؤولية الكلام الصحيح الصريح !
5 . يستعملون لغة التصوف والعرفان في علاقة المريد بالمراد والسالك بالشيخ ، ويلقلقون ألسنتهم بمفاهيم المقامات الربانية والسير إلى الله تعالى ، والعشق الإلهي والتجلي ! وفي هذا التجلي الكاذب تكمن بذور الحلول ، وميكروب ادعاء الألوهية !
--------------------------- 922 ---------------------------
نماذج من منطقهم وهروبهم من المناظرة
في بلد عربي طلبت حضور رئيسهم لأناقشه في دعواه السفارة للإمام روحي فداه ، فلم يحضر ! لكنه بعد مغادرتي البلد ، أرسل لي معاونه رسالة يشكو فيها أني سمعت فيهم كلام الناس ، وطلب مني أن لا أنشر اسمه ! قال في رسالته ما نصه :
« فكلّ ما نُقِلَ لك عنّا هو افتراءٌ علينا . . . . فما بالك ونحن نستعيذُ بالله من الجَهَلة ، والذين لا بدَّ لمسْتَ لَمَماً من بعضهم منْ ضحالة أسئلتهم لك ، وبسيطِ اهتماماتهم ، التي تسأل عنْ أغلفةِ مولاها سيّدِ العالم حجّةِ الدهر ، ومنجاة العالمين « ص » تستفهم ، لا عن معناه وحقيقته وآثاره ، وأهدافه وآماله وآلامه ، وشؤونه وقضاياه ، بل الأسئلة التي لا تُدْرِك مِنْ معنى إمامها إلا القشورَ والزبَدَ والنّقشةَ والصورة ، مِنْ سردابٍ وجُبّةٍ وخاتَمٍ ، وخالٍ وشذراتٍ مِن روايات الوصْف « الصحيحِ بعضُها » والتي ظاهرُها لا يفيد أهلَ الباطن وباطنُها لا يُفيد أهلَ الظاهر ، وباطنُها وظاهرُها معاً لا يُغني أهلَ الجهادِ والعمل والتحقيق والتمكين . أما حالُ السائلين بها وياللحسرة فمخالفٌ لحالِ مولاها المسئولِ عنه عجل الله تعالى فرجه الشريف بعيدٌ عن روحه ، ملتمسٌ غيرَ الذي يَسُرّه ، غيرُ لاهجٍ لهجَه ، ولا بناهجٍ نهجه ، ولا مُعتلجٍ ومُعالجٍ لقضاياه .
فهل تعتقدُ يا مولانا الشيخ بأنّ تلك الحشودَ قد اقتربتْ مِن مولاها الأعظم ، بتلكم الأسئلةِ الهشّة والتعريف الهيكلي ، أو أنها نالت زلفاها بالسخرية منا والتجييش علينا !
فإنا لله وهو المُستعان . . فوحقِّ مولاك لقد كانوا هم هكذا قبل أنْ تجئ ، وهكذا يكونون بعد أنْ رحلتَ . . هكذا هم بالأمس واليوم وغداً . . . بعيدون جداً عنْ إمامهم بعيدون بالمعرفة والأخلاق والإخلاص والعمل ، بعيدون بروح الدين والتمزّق والتناكر . . . فلم يستفيدوا مِن وجودك بين ظهرانيهم شيئاً منْ ورَعِك وزكاتك وتقواك وتحقيقِك ، ونخشى أنْ تكون أنت مَنْ استفدتَ منهم مِنْ مرير ما يُفترى به علينا ، تأخذُه أخذَ الحقيقة ، وتُمضيه إمضاءَ الرواية الموثوقة » .
يقصد بذلك تبرئة حزبه ، والطعن في الجمهورالمحتشد لسماع حديثي عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف .
وأجبته عن هذه الفقرة فكتبت له :
تعليقي على هذا الكلام : أني أستغفر الله مما تفضلت به عليَّ من مدح ، فأنا لست أهلاً لأن
--------------------------- 923 ---------------------------
أكون داعياً إلى مولاي ولا شادياً بعظيم مدائحه التي خصه الله بها ، ومفاخره التي تَوَّجَهُ الله بها صلوات ربي عليه . .
وإنما أنا عبد مسكين ينسبني الناس إلى شيعته ومواليه وموالي آبائه الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم ، ويسألونني عما قرأته عنهم ، وكل أملي أن يشملني مولاي برضاه ، ولا يؤاخذني بقول الناس إني قريب منه .
وأما كلامك عن المؤمنين الذين يحتشدون حول من يَذْكر مولاهم ، ويَسْتَحْفَونَهُ عنه السؤال لعله يحكي لهم عنه . . فهو خطأ ذريع في تقييمك لهؤلاء الأبرار ، الذين قد يكون منهم البَدَل المصطفى ، وولي الله الذي لا ترد له دعوة ، الذي لو أراد الله أن يختار من يضع عنده سره ، ويودع في قلبه مشيئته ، لاختاره دونك ودوني !
إن هذه النظرة الخاطئة في التقييم لعوام المؤمنين ، بابٌ ينفث منه الشيطان في أذن الإنسان ، ليتخيل أنه خير من العامي الذي يسأل عن لباس مولاه وشكله ، وعن بسمته وغضبه ، ويرى أنه أقرب من العامي إلى فهم معنى مولاه : « وحقيقته وآثاره وأهدافه وآماله وآلامه وشئونه وقضاياه » كما عبرت ، وللأسف . .
اللهم إني أعوذ بك من أن أزدريَ مؤمناً ، وقد أخفيتَ وليَّك في عبادك ، وأعوذ بك أن أدعي أني خيرمن عامي ذي أسمال ، أو من أميٍّ يُصنف في الجهال . . فإنما هي قلوب عبادك المستورعالمها عنا ، تعمر ما شئت منها بما شئت من مواهبك اللدنية وعطاياك السنية ، وتُفقر قلب العبد الخاسر إن شئت بمجازاته وحرمانه ، وقد قال وليك وحجتك الإمام الصادق عليه السلام ما معناه : « ترى الرجل خطيباً مصقعاً لا يخطئ بلام ولا واو ، وإن قلبه لأظلم من الليل المظلم ، وترى الرجل لا يكاد يبين عما في نفسه ، وإن قلبه ليزهر كالمصباح » .
يشهد الله أني أتبرك بمجالس العوام الذين يأتون ليستمعوا إلى عزاء أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، أو فضائل أحد من أهل بيت النبوة الطاهرين عليهم السلام ، لأني آمل أن تكون محلَّ فيض عطاء رب العالمين ، وعناية ولي المؤمنين ، بسبب عجوز أثقلتها السنون وحملت نفسها إلى مجلسهم ، ووكفت دمعتها لذكراهم ، أو بسبب طفل يتيم جاء شوقاً ليسمع ذكر مواليه ، فقصده الإمام روحي فداه ، أو أرسل اليه من يمسح على رأسه ، كرامة له أو لأمه وأبيه » .
--------------------------- 924 ---------------------------
وكتبت له في جوابه عن فقرة أخرى : « وقلتم هداني الله وإياكم : « هذا كلّه ونحنُ لمْ ندّعِ الزندقةَ ولا الإلحاد ، ولا المُجونَ ولا الفساد ، بل ادّعينا ما أُمِرنا أنْ ندّعيه ، أنّا تشرّفنا باللّقاء بمنْ هو خيْرٌ لنا مِنْ كلّ هذه العباد . . . الخ . » .
واسمحوا لي بالتعليق على قولكم : « أنّا تشرّفنا باللّقاء بمنْ هو خيْرٌ لنا مِنْ كلّ هذه العباد »
فهل المسألة الكبرى في اللقاء أنه تعويضٌ لكم عن هؤلاء العباد ؟ ! وهل هذه الزاوية الشخصية أعظم ما في اللقاء عندكم ؟ ! أين نعيكم على العوام أنهم لا يفهمون المعنى في حجة الله على خلقه : « وحقيقته وآثاره وأهدافه وآماله وآلامه وشئونه وقضاياه » ؟ !
أعتقد لو أن عامياً موقناً ، مستوفر العقل صافي القلب ، تشرف بلقائه عليه السلام لكان شغله الشاغل مولاه ، وأنوار معناه ومبناه ، ولأذهله عن نفسه ، وأن يكون لقاؤه به أو لا يكون عوضاً عن ذم الذامين ، وأذى المؤذين وظلم الأقربين !
فأنى لمن زَهَرَ مصباح اليقين في قلبه ، وفنيت ذاته في ربه ، وتعلقت بمولاه ، أن يشغله من مولاه ما يتعلق بذاته هو ، وأنه حصل على ما هو خير له من هذه العباد ؟ !
إن كلامكم هذا لب مطلبكم ، فأنتم تدَّعون تشرفاً بلقاء ولي الله وحجته صلوات الله عليه ، وتدعون أنه روحي له الفداء أمركم بإعلان هذ الادعاء .
وهذه أسئلة أرجو أن تجيبوني عليها :
1 - جاء كلامكم بضمير الجمع : « بل ادعينا ما أُمِرنا أنْ ندعيه ، أنا تشرفنا باللقاء » فهل تشرفتم باللقاء جميعاً ، أو تشرف صاحبكم ، وأنتم تشرفتم بواسطته ؟
2 - هل أمركم المولى روحي فداه بمجرد إعلان اللقاء وإخبار الناس به ، وأن تتحملوا تكذيبهم وأذاهم ، أم أمركم بدعوة الناس اليه ؟ فإني لم أسمع من أحد فاز بشرف اللقاء ، أنه ادعى أنه أمره بإعلان ذلك ، فضلاً عن الدعوة إلى نفسه !
3 - هل صحيح ما نقل عنكم أو عن بعضكم أنه يدعي أنه أعطي قدراً من ولاية المولى عجل الله تعالى فرجه الشريف ، فصار أولى بالناس من الأب والأم والزوج وحاكم الشرع ؟
4 - هل أمركم المولى بأن تكونوا حزباً سرياً ، أو تؤسسوا جمعية ومؤسسات ! وتعملوا لكسب الناس إلى حزبكم ومؤسساتكم ودعوتكم ؟ وأي دين هذا ؟ !
--------------------------- 925 ---------------------------
وكتبت لشخص آخر منهم ، في جواب رسالته :
إن ما ينقل عنك أمرٌ عظيم ، وأي ادعاء لبشر منا أكبر من قوله إنه على صلةٍ بحجة الله في أرضه وأمينه على سره ، وأنه يتلقى التوجيه منه ، صلوات الله عليه ؟ ! فوالله إني أتشرف أن أكون خادماً طول عمري لمن أقام دليلاً على ذلك !
وسؤالي الأول : إن هذه الدعوى العظيمة وهي التشرف بلقاء الإمام المهدي صلوات الله عليه ، والحظوة بالتوجيه المباشر منه والنيابة عنه ، دعوى خطيرة لا تصلح بدون دليل لائقٍ بمستواها السامي ، واضح وضوحاً يشرق في الآفاق ، وتخضع له الأعناق . . فأين هو الدليل ؟
والسؤال الثاني : أن من كان في هذا المقام الشامخ المدعى ، لا يحتاج إلى حزب وتشكيلات ، لأنه متصل بمن عنده الاسم الأعظم ، والقلوب بيده كالخاتم !
كما لا يحتاج إلى جمعيات ومؤسسات ومنافسات وانتخابات . . لأن من له صلة بمولى الكل ، يكون بمثابة الأب لجميع المؤمنين ، ففيضه يصل إلى الأقربين والأبعدين . فهل معنى التحزب والتنافس ، إلا الاحتياج لما يحتاج اليه العوام ، والفقر إلى ما يفنى من الحطام ؟ ! فكيف نجمع بين ادعائك لهذا المقام الرباني السامي ، وسلوكك الحزبي مع الأتباع كرئيس كشافة مع أشبال صغار ، أو كقائد ميليشيا مع منتمين أغرار !
وكيف تفسر السلوك التنافسي مع مخالفيكم كالذي يسود في بلادنا بين الفئات ، شبيهاً بخباثة المخابرات الغربية ، أو بجهالة الفضوليات الشرقية !
ما زلت أرجو جواباً لهذا الإرتياب ، بأن تقيموا لي الدليل فأصدقكم ، أو تعجزوا عنه فأكون معذوراً إن قلت إنهم يدعون دعاوي عظيمة ، بلا دليل !
وغني عن القول أن الدليل هنا لا يصح أن يكون إلا معجزة صريحة واضحة ، تتناسب مع خطورة الدعوى ، وعظمة المدعي إن صدق !
ولم يجب أحد منهم على كلامي ، ولا يستطيعون !
يزعم أنه يحمل رسالة من المهدي عليه السلام
جاءني المدعو الشيخ حيدرمشتت مرات عديدة ، وكان يسألني فأجيبه ، وبعد سنوات ادعى
--------------------------- 926 ---------------------------
أنه اليماني ، ثم تشارك في الدعوى مع تلميذه أحمد إسماعيل كاطع .
وجاءني ذات مرة يزعم أنه يحمل لي رسالة من الإمام المهدي عليه السلام يدعوني إلى الإيمان به وبصاحبه اليماني ، وقال لي : جئت برسالتين ، واحدة لك والثانية للسيد القائد الخامنئي . فسألته : ممن الرسالة ؟ قال : من الإمام صاحب الزمان عليه السلام !
فجمعت نفسي وتوجهت اليه قائلاً : يا شيخ حيدر ، هل أنت متأكد ؟ ! قال : نعم . قلت له : لا تستعجل . . فإني أسألك : هل أنت التقيت بالإمام المهدي صلوات الله عليه ، الإمام الحجة بن الحسن ، التاسع من ذرية الحسين عليهم السلام الذي بشر به جده المصطفى صلى الله عليه وآله ، وادخره الله تعالى ليملأ به الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً . . هل أنت التقيت به وكتب لي رسالة ، وأمرك أن توصلها لي ؟ !
قال : نعم ! فعدت وشرحت له ونصحته ، ورويتُ له قصة الحلاج كيف ادعى السفارة عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وكتب إلى والد الشيخ الصدوق قدس سره في قم يدعوه إلى الإيمان به ، وكيف أجابه ، ثم جاء الحلاج إلى قم ، فوبخه ونفاه من المدينة !
وختمت بقولي : أعتذر عن استلام رسالتك ! وما دمت التقيت بالإمام عليه السلام وكلفك بإيصالها لي فقل له : إن فلاناً رفض أن يستلمها حتى يرى معجزة تكون دليلاً على صدقي وصدق الرسالة . فقال لي : حسناً ، ماذا تريد معجزة ؟ قلت له : نفس المعجزة التي طلبها والد الصدوق رحمه الله من الحلاج : أن يعيد لحيتي البيضاء ، بلونها عندما كنت شاباً . فسكت مدة ، فانشغلت بالكتابة ، وبعد مدة طويلة قال : هل تقبل أن ترى الليلة مناماً ؟ قلت له : ولا عشرين مناماً ! إن ديننا ومذهبنا مبني يا شيخ حيدرعلى أدلة قطعية ، فهل نأخذ ديننا من المنامات ؟ إن دين الله أعز من أن يؤخذ من منام ، بل يحتاج إلى دليل برهاني منطقي تخضع له العقول ، ومعجزةٍ واضحةٍ تخضع لها الأعناق .
قال الإمام الكاظم عليه السلام : إن لله على الناس حجتين : حجة ظاهرة وحجة باطنة . فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام وأما الباطنة فالعقول . فسكت حيدر ، ثم نهض مودعاً : في أمان الله . . !
يزعم أنه ابن المهدي عليه السلام وشعاره نجمة إسرائيل !
ظهر في العراق بعد سقوط صدام تسع حركات منحرفة ، أهمها اثنتان : حركة جند السماء بقيادة القرعاوي الذي ادعى أنه المهدي الموعود عليه السلام ، وجمع أنصاره قرب النجف في معسكر
--------------------------- 927 ---------------------------
سري ، لأجل احتلال النجف وكربلاء وإعلانهما إمارة إسلامية بقيادته . فحاصرتهم قوات الحكومة وخاضت معهم معركة كبيرة حتى قضت عليهم ، وقتلت المهدي المزعوم !
والثانية : حركة أحمد إسماعيل كاطع في البصرة ، وهي امتداد لجند السماء بفكرها الوهابي وتمويلها . وقد سمى نفسه أحمد الحسن وادعى أنه ابن المهدي عليه السلام ووصيه وزعم أن أباه أرسله ، فهو سفيره إلى العالمين ، وهو اليماني الموعود !
وكتب مناشير دعا فيها علماء الأديان إلى المباهلة ، وكتب : « فإن لم يستجيبوا لدعوتي فليعلموا أنهم ومن يتبعهم في ضلال مبين ، وسيبيدهم الله بالعذاب والمثلات » ! وختم بيانه بختمه وهو نجمة اليهود السداسية !
وقد أرسلت له الشيخ عبد الحسين الحلفي إلى التنومة قرب البصرة ، فوجده شخصاً حَيَّالاً فارغاً من العلم ، فدعاه إلى المباهلة واتفقا على يوم معين ، وأن تكون المباهلة بأن يأخذ أحدهما بيد الآخر ويدعوَا الله تعالى أن يهلك المبطل وينجي المحق منهما ، ويلقيا بنفسيهما معاً في شط العرب !
لكن أحمد إسماعيل نكص ولم يحضر للمباهلة ، ثم اشترط أن يجمعوا له كل مراجع الشيعة ليناظرهم ويباهلهم !
وكان يرسل لي أشخاصاً فكنت أدعوه إلى قم للمناقشة فيعتذر ، ثم أرسل شخصين مُخَوَّلين ، فناقشتهما فوجدتهما عاميين ، من أهل الهوى والجدل ، فسألتهما إن كان صاحبهما عنده معجزة ، فقالا : نعم عنده معجزات جميع الأنبياء والمرسلين فطلبت أن يرينا واحدة منها ، فسألاني ماذا تريد ؟ فقلت : هذا شارون رئيس وزراء إسرائيل يقتل المسلمين ، فليدع عليه بالهلاك ، وليخبرنا متى يهلكه الله تعالى ، وكيف يهلكه ؟ فدخلا إلى غرفة واتصلا بإمامهما تلفونياً ، ثم قالا غداً نعطيك الجواب . وفي الغد قالا : إن الإمام المهدي عليه السلام لم يأذن بإهلاك أولمرت ! ولا يتسع الكتاب لإيراد قصصنا مع هذا الضال وأنصاره ، وقد كتبنا في رد أباطيله كتاباً سميناه : دجال البصرة ، يمكنك قراءته من هذا الرابط : www . alameli . net
وقد استعرضنا فيه حركته وكشفنا ما لَفَّقَهُ من أدلة ، وذكرنا في مقدمته أن أبرز صفات مدعي المهدية : العامية ، والتزوير ، والوقاحة . وعقدنا فصلاً لمساندة الوهابية والصهيونية لحركته ، وأنه لذلك جعل شعارها نجمة إسرائيل . وذكرنا أنه اتفق مع حيدر مشتت ثم اختلفا ،
--------------------------- 928 ---------------------------
فألف حيدركتاباً وفضحه ، فقتله الدجال !
وعقدنا فصلاً لنقض أدلته التي زوَّرها ولفَّقها ، من رواية حرَّف معناها ، أو حرَّف نصها كرواية كتاب البحار التي تقول : ثم يظهر ابن النبي المهدي ، فحذف كلمة النبي وجعلها « ثم يظهر ابن المهدي » ليطبقها على نفسه !
وفصلاً لإبطال استدلاله بالمنامات والإستخارة بشرط أن توافق بدعته ! وبينا أن أصل دينه أنه رأى الإمام المهدي عليه السلام في المنام سنة 1424 ! وأنه عامي لا يجيد حتى قراءة القرآن ، ولا قواعد الإملاء واللغة !
الرد الحاسم على كل من ادعى الارتباط الخاص بالإمام عليه السلام
المشكلة ليست في هؤلاء المدعين فقط بل فيمن يتبعونهم ! فمنهم شياطين مثلهم ، ومنهم بسطاء صادقون ! فيجب رفع مستوى الوعي والمعرفة في الناس حتى لا يجد الدجالون من يصغي إليهم !
إن كل من يدعي أن له ارتباطاً خاصاً بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وأنه أمره بشئ ليبلغه للناس ، فهذا يدعي السفارة عن الإمام عليهم السلام ، وهذه الادعاء الخطير لا يجوز تصديقه إلا بمعجزة علنية واضحة لا خفاء فيها ولا شك .
فيقال له مثلاً : إنك مستجاب الدعوة فادع ، أو إنك ترى الإمام عليه السلام فقل له إن الناس كذبوني ، وطلبوا مني المعجزة الفلانية وقد كان الأئمة عليهم السلام يرسلون الشخص برسالة ويجعلون معه معجزة ، وكان الشيعة يراجعون السفراء فيرون منهم الآيات والمعجزات ، فإن لم يأت مدعي الارتباط الخاص بالإمام عليه السلام ، فهو كذابٌ مُفْتَرٍ .
وقد طلبت من امرأة في البحرين تدعي السفارة أن تطلب من الإمام أن يهلك الله طاغية اليهود ويخبرنا بيوم هلاكه ، فوعدت بذلك ، وفي اليوم الثاني قالت إن ذلك سيكون بعد أربع سنوات وكسراً ، وإن أولمرت تقتله امرأة في هذا التاريخ !
فقلت لها هذا بعيد فاختاري لنا معجزة في شهر أو أسبوعين ، فوعدت بذلك ، ثم ولَّتْ ولم تعقب !
ثم مضى التاريخ الذي حددته ، ولم يمت أولمرت !
- *
--------------------------- 929 ---------------------------
الفصل الأربعون : ( الأدعية والزيارات ، من الأدعية للمهدي عليه السلام والزيارات )
--------------------------- 930 ---------------------------
تميز مذهبنا بثروة الأدعية والزيارت للنبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام ، وقد اهتم رواتنا وعلماؤنا رضوان الله عليهم بتدوينها في كتب خاصة ، وهي ثروةٌ مهمة علمية وتربوية ، وتسجيلٌ تاريخي لارتباط الشيعة بنبيهم صلى الله عليه وآله وأئمتهم الطاهرين عليهم السلام .
ومن أقدم كتب الأدعية في الإسلام الصحيفة السجادية ، التي كتبها الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، وهي تدهش العلماء بأفكارها وبلاغتها .
ومن أقدم كتب الزيارة كتاب كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله المتوفى سنة 368 ، هجرية ، وهوأستاذ الشيخ المفيد محمد بن النعمان رحمه الله المتوفى سنة 413 ، فنُحيل إلى تلك المصادر وما فيها من ثروة ، من زيارات الأئمة عليهم السلام عامة ، والإمام المهدي عليه السلام خاصة ، ونكتفي هنا بذكر نماذج منها :
الصلاة والتسليم على أطائب العترة عليهم السلام والدعاء لهم
الصحيفة السجادية / 250 ، قال عليهم السلام بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله : « ربِّ صل على أطائب أهل بيته الذين اخترتهم لأمرك ، وجعلتهم خَزَنةَ علمك ، وحَفَظةَ دينك ، وخلفاءك في أرضك ، وحججك على عبادك ، وطهرتهم من الرجس والدنس تطهيراً بإرادتك ، وجعلتهم الوسيلة إليك والمسلك إلى جنتك .
ربِّ صل على محمد وآله ، صلاةً تُجْزِلُ لهم بها من نِحلك وكرامتك ، وتكمل لهم الأشياء من عطاياك ونوافلك ، وتوفر عليهم الحظ من عوائدك وفوائدك .
ربِّ صل عليه وعليهم صلاةً لا أمَد في أولها ، ولا غاية لأمدها ولا نهاية لآخرها . ربِّ صل عليهم زِنَةَ عرشك وما دونه ، ومِلْءَ سمواتك وما فوقهن ، وعدد أرضيك وما تحتهن وما بينهن ، صلاةً تقربهم منك زلفى ، وتكون لك ولهم رضاً ، متصلة بنظائرهن أبداً .
اللهم إنك أيدت دينك في كل أوان بإمام ، أقمته علماً لعبادك ، ومناراً في بلادك ، بعد أن وصلت حبله بحبلك ، وجعلته الذريعة إلى رضوانك ، وافترضت طاعته وحذرت معصيته ، وأمرت بامتثال أمره والانتهاء عند نهيه ، وألا يتقدمه متقدم ، ولا يتأخر عنه متأخر ، فهو عصمة اللائذين ، وكهف المؤمنين ، وعروة المتمسكين ، وبهاء العالمين .
--------------------------- 931 ---------------------------
اللهم فأوزع لوليك شكر ما أنعمت به عليه ، وأوزعنا مثله فيه ، وآته من لدنك سلطاناً نصيراً ، وافتح له فتحاً يسيراً ، وأعنه بركنك الأعز ، واشدد أزره ، وقوِّ عضده ، وراعه بعينك ، واحمه بحفظك ، وانصره بملائكتك ، وامدده بجندك الأغلب ، وأقم به كتابك وحدودك وشرائعك ، وسنن رسولك صلواتك اللهم عليه وآله ، وأحْيِ به ما أماته الظالمون من معالم دينك ، واجْلُ به صدأ الجور عن طريقتك ، وأَبِنْ به الضرَّاء من سبيلك ، وأزل به الناكبين عن صراطك ، وامحق به بغاة قصدك عوجاً ، وألن جانبه لأوليائك ، وابسط يده على أعدائك .
وهب لنا رأفته ورحمته وتعطفه وتحننه ، واجعلنا له سامعين مطيعين ، وفي رضاه ساعين ، وإلى نصرته والمدافعة عنه مكنفين ، وإليك وإلى رسولك صلواتك اللهم عليه وآله بذلك متقربين .
اللهم وصل على أوليائهم المعترفين بمقامهم ، المتبعين منهجهم المقتفين آثارهم ، المستمسكين بعروتهم ، المتمسكين بولايتهم ، المؤتمين بإمامتهم ، المسلِّمين لأمرهم ، المجتهدين في طاعتهم ، المنتظرين أيامهم ، المادين إليهم أعينهم ، الصلوات المباركات الزاكيات الناميات الغاديات الرائحات ، وسلم عليهم وعلى أرواحهم ، واجمع على التقوى أمرهم ، وأصلح لهم شؤونهم ، وتب عليهم إنك أنت التواب الرحيم وخير الغافرين ، واجعلنا معهم في دار السلام ، برحمتك يا أرحم الراحمين » .
الدعاء للإمام المهدي عليه السلام يوم الجمعة ويوم العيد
الصحيفة السجادية / 283 : « وكان من دعائه عليه السلام يوم الأضحى ويوم الجمعة :
اللهم هذا يوم مبارك والمسلمون فيه مجتمعون في أقطار أرضك . . . اللهم صل على محمد وآل محمد إنك حميد مجيد ، كصلواتك وبركاتك وتحياتك على أصفيائك ، إبراهيم وآل إبراهيم ، وعجل الفرج والروح والنصرة والتمكين والتأييد لهم . اللهم واجعلني من أهل التوحيد والإيمان بك والتصديق برسولك ، والأئمة الذين حتمت طاعتهم ، ممن يجري ذلك به وعلى يديه . آمين رب العالمين » .
--------------------------- 932 ---------------------------
الدعاء له عليه السلام في ليالي شهر رمضان
رواه في الكافي : 3 / 422 ، عن الإمام الباقر عليه السلام علمه لمحمد بن مسلم رحمه الله كجزء من الخطبة الأولى في صلاة الجمعة ، ويقصد به الدعاء للإمام المعصوم في كل عصر ، وروته مصادرنا ضمن الدعاء المعروف بدعاء الإفتتاح ، الذي يقرؤه الشيعة في ليالي شهر رمضان ، سمي بذلك لأن أوله : اللهم إني أفتتح الثناء بحمدك . .
وفيه تمجيد بليغ لله تعالى ، وصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وعلى عترته الطاهرين عليهم السلام . وفيه الدعاء التالي للإمام المهدي عليه السلام :
« اللهم وصلِّ على وليِّ أمرك القائم المؤمَّل والعدل المنتظر ، أحففه بملائكتك المقربين ، وأيده بروح القدس يا رب العالمين . اللهم اجعله الداعيَ إلى كتابك والقائمَ بدينك ، استخلفه في الأرض كما استخلفت الذين من قبله ، مكِّنْ له دينه الذي ارتضيته له ، أبدله من بعد خوفه أمناً ، يعبدك لا يشرك بك شيئاً .
اللهم أعزه وأعزز به وانصره وانتصر به ، وانصره نصراً عزيزاً .
اللهم أظهر به دينك وملة نبيك ، حتى لا يستخفي بشئ من الحق مخافة أحد من الخلق . اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله ، وتذل بها النفاق وأهله ، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك ، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة . اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه ، وما قصرنا عنه فبلغناه . اللهم المُمْ به شعثنا ، واشعب به صدعنا ، وارتق به فتقنا ، وكثر به قلتنا ، وأعز به ذلتنا ، وأغن به عائلنا ، واقض به عن مغرمنا واجبر به فقرنا ، وسُدَّ به خَلتنا ، ويسر به عسرنا ، وبيض به وجوهنا ، وفك به أسرنا ، وأنجح به طلبتنا ، وأنجز به مواعيدنا ، واستجب به دعوتنا ، وأعطنا به فوق رغبتنا .
يا خير المسؤولين ، وأوسع المعطين ، إشف به صدورنا ، وأذهب به غيظ قلوبنا ، واهدنا به لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ، وانصرنا على عدوك وعدونا إله الحق آمين .
اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا ، وغيبة إمامنا ، وكثرة عدونا ، وشدة الفتن بنا ، وتظاهر الزمان علينا ، فصل على محمد وآل محمد وأعنا على ذلك بفتح تعجله ، وبضر تكشفه ،
--------------------------- 933 ---------------------------
ونصر تعزه ، وسلطان حق تظهره ، ورحمة منك تجللناها ، وعافية منك تلبسناها ، برحمتك يا أرحم الراحمين » .
الدعاء له عليه السلام بالحفظ والنصر
روي هذا الدعاء عن الأئمة عليهم السلام ، تدعو به لأحدهم وتسميه ، ففي الكافي : 4 / 162 : « تكرر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ، ساجداً وقائماً وقاعداً ، وعلى كل حال ، وفي الشهر كله ، وكيف أمكنك ، ومتى حضرك من دهرك ، تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله : اللهم كن لوليك فلان بن فلان في هذه الساعة ، وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وناصراً ودليلاً وقائداً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً » .
دعاء الندبة الذي يقرؤه الشيعة صباح يوم الجمعة
رواه السيد ابن طاووس في الإقبال : 1 / 504 ، ورواه في بحار الأنوار في مواضع ، منها : 99 / 104 ، عن كتاب محمد بن الحسين بن سفيان البزوفري رضي الله عنه : دعاء الندبة ، وذكر أنه الدعاء لصاحب الزمان صلوات الله عليه ، ويستحب أن يدعى به في الأعياد الأربعة ، والذي أطمئن به أن الحيري رواه عن أحد السفراء الأربعة رضوان الله عليهم ، فقد رواه ابن المشهدي في المزار / 573 ، وقال : « الدعاء للندبة : قال محمد بن أبي قرة : نقلت من كتاب أبي جعفر محمد بن الحسين بن سفيان البزوفري رضي الله عنه هذا الدعاء ، وذكر فيه أنه الدعاء لصاحب الزمان صلوات الله عليه وعجل فرجه وفرجنا به ، ويستحب أن يدعى به في الأعياد الأربعة .
وفي هامشه : رواه الطبرسي في الإحتجاج : 2 / 492 ، بإسناده عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، وعنه البحار : 53 / 171 ، ورواه في : 94 / 2 ، و : 102 / 81 ، باختلاف يسيرعن السيد في مصباح الزائر 223 ، ورواه عنه البحار : 102 / 92 ، ورواه في : 94 / 36 ، مع اختلاف عن خط الشيخ الجبعي ، نقلاً عن خط الشيخ الأجل علي بن السكون ، عن أبي محمد عربي بن مسافر العبادي ، عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن طحال المقدادي ، عن أبي علي الطوسي ، عن والده ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن حسين البزا ر ، عن محمد بن أحمد بن يحيى القمي ، عن محمد بن علي بن زنجويه القمي ، عن الحميري قدس سره » .
--------------------------- 934 ---------------------------
وهو دعاء طويل رقيق ، ومنه :
« الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وسلم تسليماً ، اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك الذين استخلصتهم لنفسك ودينك ، إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال ، بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك ، وعلمت منهم الوفاء به فقبلتهم وقربتهم وقدمت لهم الذكر العلي والثناء الجلي ، وأهبطت عليهم ملائكتك وكرمتهم بوحيك ورفدتهم بعلمك ، وجعلتهم الذرائع إليك والوسيلة إلى رضوانك . فبعضٌ أسكنته جنتك إلى أن أخرجته منها ، وبعضهم حملته في فلكك ونجيته مع من آمن معه من الهلكة برحمتك ، وبعض اتخذته لنفسك خليلاً ، وسألك لسان صدق في الآخرة فأجبته ، وجعلت ذلك علياً ، وبعض كلمته من شجرة تكليماً وجعلت له من أخيه ردءاً ووزيراً ، وبعض أولدته من غير أب وآتيته البينات وأيدته بروح القدس . وكل شرعت له شريعة ونهجت له منهاجاً وتخيرت له أوصياء مستحفظاً بعد مستحفظ ، من مدة إلى مدة ، إقامةً لدينك وحجة على عبادك ولئلا يزول الحق عن مقره ويغلب الباطل على أهله ، ولئلا يقول أحد : لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً منذراً وأقمت لنا علماً هادياً ، فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى . إلى أن انتهيت بالأمر إلى حبيبك ونجيبك محمد صلى الله عليه وآله فكان كما انتجبته سيد من خلقته وصفوة من اصطفيته وأفضل من اجتبيته ، وأكرم من اعتمدته ، قدمته على أنبيائك وبعثته إلى الثقلين من عبادك ، وأوطأته مشارقك ومغاربك وسخرت له البراق ، وعرجت بروحه إلى سمائك ، وأودعته علم ما كان وما يكون إلى انقضاء خلقك ، ثم نصرته بالرعب وحففته بجبرئيل وميكائيل والمسومين من ملائكتك ، ووعدته أن تظهر دينه على الدين كله ، ولو كره المشركون وذلك بعد أن بوأته مبوأ صدق من أهله ، وجعلت له ولهم أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين ، فيه آيات بينات مقام إبراهيم ، ومن دخله كان آمناً ، وقلت : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً . ثم جعلت أجر محمد صلواتك عليه وآله مودتهم في كتابك ، فقلت : قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ، وقلت : قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ، وقلت : قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ
--------------------------- 935 ---------------------------
سَبِيلاً ، فكانوا هم السبيل إليك ، والمسلك إلى رضوانك . فلما انقضت أيامه ، قام وليه علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما وعلى آلهما هادياً إذ كان هو المنذر ولكل قوم هاد ، فقال والملا أمامه : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ، وقال : من كنت نبيه فعلي أميره ، وقال : أنا وعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى ، وأحله محل هارون من موسى ، فقال : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وزوجه ابنته سيدة نساء العالمين ، وأحل له من مسجده ما حل له ، وسد الأبواب إلا بابه ، ثم أودعه علمه وحكمته ، فقال : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها ، ثم قال : أنت أخي ووصيي ووارثي ، لحمك لحمي ودمك دمي وسلمك سلمي وحربك حربي ، والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي ، وأنت غداً على الحوض خليفتي ، وأنت تقضي ديني وتنجز عداتي ، وشيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي في الجنة وهم جيراني . ولولا أنت يا علي لم يعرف المؤمنون بعدي . وكان بعده هدى من الضلال ونوراً من العمى وحبل الله المتين وصراطه المستقيم ، لا يسبق بقرابة في رحم ولا بسابقة في دين ولا يلحق في منقبة يحذو حذو الرسول صلى الله عليهما وآلهما ويقاتل على التأويل ولا تأخذه في الله لومة لائم ، قد وتر فيه صناديد العرب وقتل أبطالهم وناوش ذؤبانهم ، فأودع قلوبهم أحقاداً بدرية وخيبرية وحنينية وغيرهن ، فأضبت على عداوته وأكبت على منابذته حتى قتل الناكثين والقاسطين والمارقين .
ولما قضى نحبه وقتله أشقى الآخرين يتبع أشقى الأولين لم يمتثل أمر رسولالله صلى الله عليه وآله في الهادين بعد الهادين ، والأمة مصرةٌ على مقته مجتمعة على قطيعة رحمه وإقصاء ولده إلا القليل ممن وفى لرعاية الحق فيهم ، فقتل من قتل وسبي من سبي وأقصي من أقصي ، وجرى القضاء لهم بما يرجى له حسن المثوبة ، وكانت الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، وسبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً ، ولن يخلف الله وعده هو العزيز الحكيم .
فعلى الأطائب من أهل بيت محمدٍ وعليٍّ صلى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم فلتَدُرَّ الدموع ، وليصرخ الصارخون ، ويعجَّ العاجون !
--------------------------- 936 ---------------------------
أين الحسن ، أين الحسين ، أين أبناء الحسين ، صالحٌ بعد صالح ، وصادقٌ بعد صادق ، أين السبيل بعد السبيل ، أين الخيرة بعد الخيرة ، أين الشموس الطالعة ، أين الأقمار المنيرة ، أين الأنجم الزاهرة ، أين أعلام الدين ، وقواعد العلم . أين بقية الله التي لا تخلو من العترة الهادية . . الخ .
زيارة آل ياسين والدعاء بعدها
نص الزيارة برواية الطبرسي رحمه الله في الإحتجاج : 2 / 316 :
« 1 . سلامٌ على آل ياسين .
2 . السلامُ عليك يا داعيَ الله وربانيَّ آياته .
3 . السلام عليك يا بابَ الله ودَيَّانَ دينه .
4 . السلام عليك يا خليفةَ الله وناصرَ حقه .
5 . السلام عليك يا حجةَ الله ودليل إرادته .
6 . السلام عليك يا تاليَ كتاب الله وترجمانه .
7 . السلام عليك يا بقيةَ الله في أرضه .
8 . السلام عليك يا ميثاقَ الله الذي أخذه ووكَّده .
9 . السلام عليك يا وعدَ الله الذي ضمنه .
10 . السلام عليك أيها العلمُ المنصوب ، والعِلْمُ المصبوب ، والغوْث والرحمة الواسعة وعداً غير مكذوب .
11 . السلام عليك حين تقعد ، السلام عليك حين تقوم .
12 . السلام عليك حين تقرأ وتُبين .
13 . السلام عليك حين تُصلي وتقنت .
14 . السلام عليك حين تركع وتسجد .
15 . السلام عليك حين تُكبر وتُهلل .
16 . السلام عليك حين تحمد وتستغفر .
--------------------------- 937 ---------------------------
17 . السلام عليك حين تُمسي وتصبح .
18 . السلام عليك في الليل إذا يغشى ، والنهار إذا تجلى .
19 . السلام عليك أيها الإمام المأمون .
20 . السلام عليك أيها المُقَدَّمُ المأمول .
21 . السلام عليك بجوامع السلام .
22 . أشهدك يا مولاي أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
23 . وأن محمداً عبده ورسوله ، لا حبيب إلا هو وأهله .
24 . وأشهد أن أمير المؤمنين حجته ، والحسن حجته ، والحسين حجته ، وعلي بن الحسين حجته ، ومحمد بن علي حجته ، وجعفر بن محمد حجته ، وموسى بن جعفر حجته ، وعلي بن موسى حجته ، ومحمد بن علي حجته ، وعلي بن محمد حجته ، والحسن بن علي حجته ، وأشهد أنك حجة الله .
25 . أنتم الأول والآخر ، وأن رجعتكم حق لا شك فيها ، يوم : لايَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا .
26 . وأن الموت حق ، وأن ناكراً ونكيراً حق .
27 . وأشهد أن النشر والبعث حق ، وأن الصراط والمرصاد حق ، والميزان والحساب حق ، والجنة والنار حق ، والوعد والوعيدبهما حق .
28 . يا مولاي شقيَ من خالفكم ، وسَعِدَ من أطاعكم .
29 . فاشهد على ما أشهدتك عليه ، وأنا وليٌّ لك ، برئٌ من عدوك ، فالحق ما رضيتموه ، والباطل ما سخطتموه ، والمعروف ما أمرتم به ، والمنكر ما نهيتم عنه . فنفسي مؤمنة بالله وحده لا شريك له ، وبرسوله وبأميرالمؤمنين ، وبأئمة المؤمنين . بكم يا مولاي ، أولكم وآخركم . ونصرتي معدة لكم ، ومودتي خالصة لكم » .
--------------------------- 938 ---------------------------
نص الزيارة برواية كتاب المزار لمحمد بن جعفر المشهدي / 566 :
« حدثنا الشيخ الأجل الفقيه العالم أبو محمد ، عربي بن مسافرالعبادي رضي الله عنه ، قراءةً عليه بداره بالحلة السيفية ، في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة .
وحدثني الشيخ العفيف أبو البقاء ، هبة الله بن نماء بن علي بن حمدون رحمه الله ، قراءة عليه أيضاً بالحلة السيفية ، قالا جميعاً :
حدثنا الشيخ الأمين أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن علي بن طحال المقدادي رحمه الله ، بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، في الطرز الكبير الذي عند رأس الإمام عليه السلام ، في العشر الأواخر من ذي الحجة ، سنة تسع وثلاثين وخمس مائة ، قال : حدثنا الشيخ الأجل السيد المفيد أبو علي الحسن بن محمد الطوسي رضي الله عنه ، بالمشهد المذكور ، في العشر الأواخر من ذي العقدة ، سنة تسع وخمس مائة ، قال : حدثنا السيد السعيد الوالد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن أشناس البزاز ، قال : أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن يحيى القمي ، قال : حدثنا محمد بن علي بن زنجويه القمي ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : قال أبو علي الحسن بن أشناس ، وأخبرنا أبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني ، أن أبا جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أخبره وأجاز له جميع ما رواه ، أنه خرج إليه من الناحية ، حرسها الله ، بعد المسائل والصلاة والتوجه ، أوله :
بسم الله الرحمن الرحيم ، لا لأمر الله تعقلون ولا من أوليائه تقبلون ، حكمةٌ بالغةٌ ، وَمَا تُغْنِى الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ . والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . فإذا أردتم التوجه بنا إلى الله تعالى وإلينا ، فقولوا كما قال الله تعالى : سلام على آل يس . ذلك هو الفضل المبين ، والله ذو الفضل العظيم ، لمن يهديه صراطه المستقيم .
التوجه : قد آتاكم الله يا آل يس خلافته ، وعِلْمَ مجاري أمره ، فيما قضاه ودبره وأراده في ملكوته ، وكشف لكم الغطاء ، وأنتم خزنته وشهداؤه وعلماؤه وأمناؤه ، وساسة العباد ، وأركان البلاد ، وقضاة الأحكام ، وأبواب الإيمان .
ومن تقديره منائح العطاء بكم ، إنفاذه محتوماً مقروناً ، فما شئ منه إلا وأنتم له السبب
--------------------------- 939 ---------------------------
واليه السبيل ، خياره لوليكم نعمة ، وانتقامه من عدوكم سخطة ، فلا نجاة ولا مفزع إلا أنتم ، ولا مذهب عنكم ، يا أعين الله الناظرة ، وحملة معرفته ، ومساكن توحيده في أرضه وسمائه . أنت يا حجة الله وبقيته ، كمال نعمته ، ووارث أنبيائه وخلفائه ، ما بلغناه من دهرنا ، وصاحب الرجعة لوعد ربنا ، التي فيها دولة الحق وفرجنا ، ونصر الله لنا وعزنا .
السلام عليك أيها العلم المنصوب ، والعلم المصبوب ، والغوث والرحمة الواسعة ، وعداً غير مكذوب . السلام عليك يا صاحب المرأى والمسمع ، الذي بعين الله مواثيقه ، وبيد الله عهوده ، وبقدرة الله سلطانه .
أنت الحكيم الذي لا تعجله العصبية ، والكريم الذي لا تبخله الحفيظة ، والعالم الذي لا تجهله الحمية ، مجاهدتك في الله ذات مشية الله ومقارعتك في الله ذات انتقام الله ، وصبرك في الله ذو أناة الله ، وشكرك لله ذو مزيد الله ورحمته .
السلام عليك يا محفوظاً بالله ، الله نَوَّرَ أمامه ووراءه ويمينه وشماله وفوقه وتحته . السلام عليك يا مخزوناً في قدرة الله ، الله نَور سمعه وبصره . السلام عليك يا وعد الله الذي ضمنه ، ويا ميثاق الله الذي أخذه ووكده .
السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته . السلام عليك يا باب الله وديان دينه . السلام عليك يا خليفة الله وناصر حقه . السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته . السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه . السلام عليك في آناء ليلك ونهارك . السلام عليك يا بقية الله في أرضه . السلام عليك حين تقوم ، السلام عليك حين تقعد ، السلام عليك حين تقرأ وتبين ، السلام عليك حين تصلي وتقنت ، السلام عليك حين تركع وتسجد ، السلام عليك حين تعوذ وتسبح ، السلام عليك حين تهلل وتكبر ، السلام عليك حين تحمد وتستغفر ، السلام عليك حين تمجد وتمدح ، السلام عليك حين تمسي وتصبح ، السلام عليك في الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ، السلام عليك في الآخرة والأولى .
السلام عليكم يا حجج الله ، ورعاتنا ، وقادتنا ، وأئمتنا ، وسادتنا ، وموالينا . السلام عليكم ، أنتم نورنا ، وأنتم جاهنا أوقاتَ صلواتنا ، وعصمتنا لدعائنا وصلاتنا ، وصيامنا واستغفارنا ، وسائر أعمالنا .
--------------------------- 940 ---------------------------
السلام عليك أيها الإمام المأمول ، السلام عليك بجوامع السلام . أشهدك يا مولاي ، أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، لا حبيب إلا هو وأهله ، وأن أمير المؤمنين حجته ، وأن الحسن حجته ، وأن الحسين حجته ، وأن علي بن الحسين حجته ، وأن محمد بن علي حجته ، وأن جعفر بن محمد حجته ، وأن موسى بن جعفر حجته ، وأن علي بن موسى حجته ، وأن محمد بن علي حجته ، وأن علي بن محمد حجته ، وأن الحسن بن علي حجته ، وأنت حجته ، وان الأنبياء دعاة وهداة رشدكم . أنتم الأول والآخر وخاتمته ، وإن رجعتكم حق لا شك فيها يوم ، لايَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ، وأن الموت حق ، وأن منكراً ونكيراً حق ، وأن النشر حق ، والبعث حق ، وأن الصراط حق ، والمرصاد حق ، وأن الميزان حق ، والحساب حق ، وأن الجنة والنار حق ، والجزاء بهما للوعد والوعيد حق ، وأنكم للشفاعة حق ، لاتُردون ولا تُسبقون بمشية الله ، وبأمره تعملون . ولله الرحمة والكلمة العليا ، وبيده الحسنى ، وحجة الله النعمى ، خلق الجن والإنس لعبادته ، أراد من عباده عبادته ، فشقيٌّ وسعيد ، قد شقي من خالفكم ، وسعد من أطاعكم . وأنت يا مولاي فاشهد بما أشهدتك عليه ، تخزنه وتحفظه لي عندك ، أموت عليه وأنشر عليه وأقف به ، ولياً لك ، بريئاً من عدوك ، ماقتاً لمن أبغضكم ، وادّاً لمن أحبكم . فالحق ما رضيتموه ، والباطل ما سخطتموه ، والمعروف ما أمرتم به ، والمنكر ما نهيتم عنه ، والقضاء المثبت ما استأثرت به مشيتكم ، والمحو ما استأثرت به سنتكم . فلا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ومحمد عبده ورسوله ، وعلي أمير المؤمنين حجته ، والحسن حجته ، والحسين حجته ، وعلي حجته ، ومحمد حجته ، وجعفر حجته ، وموسى حجته ، وعلي حجته ، ومحمد حجته ، وعلي حجته ، والحسن حجته ، وأنت حجته وأنتم حججه وبراهينه .
أنا يا مولاي مستبشر بالبيعة التي أخذ الله عليَّ شرطها قتالاً في سبيله ، اشترى به أنفس المؤمنين ، فنفسي مؤمنة بالله وبكم يا مولاي ، أولكم وآخركم ، ونصرتي لكم معدة ، ومودتي خالصة لكم ، وبراءتي من أعدائكم ، أهل الحردة والجدال ثابتة لثاركم . أنا ولي وحيد ، والله إله الحق يجعلني كذلك ، آمين آمين . من لي إلا أنت فيما دِنت واعتصمت بك فيه ، تحرسني فيما تقربت به إليك ، يا وقاية الله وستره وبركته ، أغثني أدركني ، صلني بك ولا تقطعني .
--------------------------- 941 ---------------------------
اللهم إليك بهم توسلي وتقربي . اللهم صل على محمد وآله وصلني بهم ولا تقطعني ، اللهم بحجتك اعصمني ، وسلامك على آل يس . مولاي ، أنت الجاه عند الله ربك وربي » . انتهى .
هذا هو النص الكامل للزيارة برواية ابن المشهدي رحمه الله ، وقد صرح بحَذْف مسائل الحميري رحمه الله وأجوبة الإمام عليه السلام عليها من النص ، وليته أوردها كاملة ، لأنها جزءٌ من الرسالة توضح المقصود بالتوبيخ في الفقرة الأولى وهي قوله : لا لأمر الله تعقلون ولا من أوليائه تقبلون . . الخ . فلا بد أن تكون جواباً لأناس طرحوا بعض المقولات .
ومع ثقتنا بصحة السند وأمانة الرواة ، من محمد بن المشهدي إلى عبد الله بن جعفرالحميري ، فإنا نتوقف في الدعاء المروي بعدها ، لوجود خلل في لفظه . والمرجح عندي أنها من نص الحسين بن روح ، وقد نص هو قدس سره على أنه كان مجازاً من الإمام عليه السلام بكتابة أجوبة بعض المسائل . قال الشيخ الطوسي في الغيبة / 373 : « أخبرنا جماعة عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود القمي قال : وجدت بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي ، وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه ، على ظهر كتاب فيه جوابات ومسائل أنفذت من قم ، يسأل عنها : هل هي جوابات الفقيه عليه السلام أو جوابات محمد بن علي الشلمغاني ، لأنه حكي عنه أنه قال : هذه المسائل أنا أجبت عنها ، فكتب إليهم على ظهر كتابهم : بسم الله الرحمن الرحيم : قد وقفنا على هذه الرقعة وما تضمنته فجميعه جوابنا عن المسائل ، ولا مدخل للمخذول الضال المضل المعروف بالعزاقري لعنه الله ، في حرف منه » .
فنلاحظ أن الحسين بن روح قدس سره قال إنها « جوابنا » وهو أعم من أن يكون بخط الإمام عليه السلام ونصه ، أو بمضمونه عن الإمام عليه السلام ونص وكيله الحسين بن روح . وليس عجيباً أن يأمر الإمام عليه السلام الحسين بن روح رحمه الله بالإجابة على نوع من المسائل ، ويخوله أن يُعَلِّمَ الشيعة زيارة الأئمة عليهم السلام .
وهذا الاحتمال لايقلل من قيمة الزيارة ، خاصة أن بلاغتها من نوع كلام الأئمة عليهم السلام ، فإن تكن من إملاء الحسين بن روح رضي الله عنه ، فهو أتقى من أن يقول شيئاً في الدين لم يسمعه من إمامه المهدي عليه السلام بلفظه أو بمعناه .
كما ترى في هذه القصة البليغة التي رواها الصدوق رحمه الله في علل الشرائع « 1 / 241 » قال : « حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال : كنت عند الشيخ أبي القاسم
--------------------------- 942 ---------------------------
الحسين بن روح قدس الله روحه ، مع جماعة فيهم علي بن عيسى القصري ، فقام إليه رجل فقال له : أريد أسألك عن شئ ، فقال له : سل عما بدا لك ، فقال الرجل : أخبرني عن الحسين بن علي عليه السلام أهو ولي الله ؟ قال : نعم . قال : أخبرني عن قاتله لعنه الله ، أهو عدو الله ؟ قال : نعم . قال الرجل : فهل يجوز أن يسلط الله عدوه على وليه ؟ ! فقال له أبو القاسم قدس الله روحه : إفهم عني ما أقول لك ، إعلم أن الله تعالى لا يخاطب الناس بشهادة العيان ، ولا يشافههم بالكلام ، ولكنه عز وجل بعث إليهم رسلاً من أجناسهم وأصنافهم ، بشراً مثلهم ، فلو بعث إليهم رسلاً من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم ، فلما جاؤوهم وكانوا من جنسهم ، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، قالوا لهم : أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى تأتونا بشئ نعجز أن نأتي بمثله ، فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه . فجعل الله تعالى لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها ، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار ، فغرق جميع من طغى وتمرد ، ومنهم من ألقيَ في النار فكانت عليه برداً وسلاماً ، ومنهم من أخرج له من الحجر الصلد ناقة وأجرى في ضرعها لبناً ، ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العيون ، وجعل له العصا اليابسة ثعباناً فتلقف ما يأفكون . ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله تعالى ، وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم . ومنهم من انشق له القمر وكلمته البهائم ، مثل البعير والذئب وغير ذلك .
فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله ، كان من تقدير الله تعالى ولطفه بعباده وحكمته ، أن جعل أنبياءه عليهم السلام مع هذه المعجزات ، في حالٍ غالبين وفي أخرى مغلوبين ، وفي حالٍ قاهرين وفي حالٍ مقهورين . ولو جعلهم عز وجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم ، لاتخذهم الناس آلهة من دون الله تعالى ، ولما عُرِفَ فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار .
ولكنه عز وجل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ، ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين ، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين ، وليعلم العباد أن لهم عليهم السلام إلهاً هو خالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله ، وتكون حجة الله تعالى ثابتة على من تجاوز الحد فيهم ، وادعى لهم الربوبية ،
--------------------------- 943 ---------------------------
أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل عليهم السلام : لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ .
قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه : فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه من الغد ، وأنا أقول في نفسي : أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه ؟ فابتدأني فقال لي : يا محمد بن إبراهيم ، لأن يُلْقَى بي من شاهق ، أو أَخِرَّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق ، أحبُّ إليَّ من أن أقول في دين الله تعالى ذكره برأيي ومن عند نفسي ، بل ذلك عن الأصل ، ومسموع من الحجة صلوات الله وسلامه عليه » .
أقول : هذا يدل على مقام عظيم للحسين بن روح قدس سره ، وأنه عرف ما في نفس الشخص ، وأن سفراء الإمام عليه السلام لا يقولون إلا بعلم ويقين ، ورواية عن الإمام عليه السلام ، وليس باجتهاد وظن .
زيارة لكل معصوم يزار بها المهدي عليهم السلام
في مصباح المتهجد / 357 : « عن عبد الله بن محمد بن العابد قال : سألت مولاي أبا محمد الحسن بن علي عليه السلام في منزله بسر من رأى سنة خمس وخمسين ومائتين أن يملي علي من الصلاة على النبي وأوصيائه عليه وعليهم السلام ، وأحضرت معي قرطاساً كثيراً ، فأملى علي لفظاً من غير كتاب :
اللهم صلِّ على وليك وابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم ، وأوجبت حقهم وأذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيراً . اللهم انصره وانتصر به لدينك ، وانصر به أولياءك وأولياءه وشيعته وأنصاره واجعلنا منهم . اللهم أعذه من شر كل باغ وطاغ ومن شر جميع خلقك ، واحفظه من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، واحرسه وامنعه أن يوصل إليه بسوء ، واحفظ فيه رسولك وآل رسولك ، وأظهر به العدل وأيده بالنصر ، وانصر ناصريه واخذل خاذليه ، واقصم به جبابرة الكفر واقتل به الكفار والمنافقين وجميع الملحدين حيث كانوا وأين كانوا من مشارق الأرض ومغاربها وبرها وبحرها ، واملأ به الأرض عدلاً وأظهر به دين نبيك عليه وآله السلام . واجعلني اللهم من أنصاره وأعوانه وأتباعه وشيعته ، وأرني في آل محمد ما يأملون وفي عدوهم ما يحذرون . إله الحق آمين » .
--------------------------- 944 ---------------------------
زيارة الإمام عليه السلام في داره
رواها في مصباح الزائر / 332 ، وأولها : « الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، ولله الحمد ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وعرفنا أولياءه وأعداءه ، ووفقنا لزيارة أئمتنا ولم يجعلنا من المعاندين الناصبين ، ولا من الغلاة المفوضين ، ولا من المرتابين المقصرين ، السلام على ولي الله وابن أوليائه . . الخ . » .
وفي كتاب مزار المفيد / 95 : الدعاء له عليه السلام بالحفظ والنصر ، بعد زيارة الحسين عليه السلام .
وروى في مصباح الكفعمي / 550 : دعاء آخر لتجديد العهد مع الإمام عليه السلام .
وروى في مهج الدعوات / 16 و 232 : مناجاة الإمام المهدي عليه السلام لله تعالى .
وروى في الكافي : 3 / 325 : الدعاء للنبي والأئمة عليهم السلام في سجدة الشكر .
وروى في كامل الزيارات / 174 : « عن الباقر عليه السلام ، دعاء في الولاية والبراءة .
وروى في جمال الأسبوع / 285 ، الدعاء له عليه السلام بعد صلاة جعفر الطيار .
وروى في مصباح المتهجد / 326 ، الدعاء له عليه السلام في قنوت صلاة الجمعة .
وفي من لا يحضره الفقيه : 1 / 329 ، الدعاء له عليه السلام في سجدة الشكر .
وفي مصباح المتهجد / 328 ، الدعاء بتعجيل الفرج بالمهدي عليه السلام .
وفي الكافي : 2 / 547 ، والفقيه : 1 / 327 ، الدعاء له عليه السلام بعد الفريضة .
وروى في دلائل الإمامة / 300 ، الصلاة على النبي والأئمة والدعاء للمهدي عليهم السلام . وفي مصباح المتهجد / 708 ، وإقبال الأعمال / 515 ، ومصباح الكفعمي / 688 ، والبلد الأمين / 265 ، الدعاء له عليه السلام في يوم المباهلة .
وفي مصباح الزائر / 178 ، زيارة الأئمة والإمام المهدي عليهم السلام .
وروى في مصباح الزائر / 327 ، زيارة أخرى للإمام عليه السلام .
وروى السيد ابن طاووس في المصباح / 312 ، والحر العاملي في الإيقاظ / 296 ، زيارة الإمام المهدي عليه السلام في بيته بعد زيارة قبر والده وجده عليهم السلام ، عن مزار المفيد والشهيد وابن طاووس ، والبحار : 102 / 178 ، وهي طويلة .
وفي مهج الدعوات / 165 ، دعاء التوسل بالنبي والأئمة عليهم السلام : « قال أبو حمزة الثمالي :
--------------------------- 945 ---------------------------
انكسرت يد ابني مرة ، فأتيت به يحيى بن عبد الله المجبر ، فنظر إليه فقال : أرى كسراً قبيحاً ، ثم صعد غرفته ليجئ بعصابة ورفادة ، فذكرت في ساعتي تلك ما علمني علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام فأخذت يد ابني فقرأت عليه ومسحت الكسر ، فاستوى الكسر بإذن الله تعالى ، فنزل يحيى بن عبد الله فلم ير شيئاً ! فقال : ناولني اليد الأخرى فلم ير كسراً ، فقال : سبحان الله ، أليس عهدي به كسراً قبيحاً فما هذا ؟ ! أما إنه ليس بعجب من سحركم معاشر الشيعة ! فقلت : ثكلتك أمك ليس هذا بسحر ، بل إني ذكرت دعاء سمعته من مولاي علي بن الحسين عليه السلام فدعوت به ، فقال : علمنيه . فقلت : أبعد ما سمعتُ ما قلتَ ! لا ولا نعمة عين لست من أهله . قال حمران بن أعين : فقلت لأبي حمزة : نشدتك بالله إلا ما أوردتناه وأفدتناه ، فقال : سبحان الله ما ذكرت ما قلت إلا وأنا أفيدكم ، أكتبوا : بسم الله الرحمن الرحيم ، يا حي قبل كل حي ، يا حي بعد كل حي ، يا حي مع كل حي ، يا حي حين لا حي ، يا حي يبقى ويفنى كل حي ، لا إله إلا أنت . يا حي يا كريم ، يا محيي الموتى ، يا قائم على كل نفس بما كسبت ، إني أتوجه إليك ، وأتوسل إليك ، وأتقرب إليك ، بجودك وكرمك ورحمتك التي وسعت كل شئ ، وأتوجه إليك وأتوسل إليك بحرمة هذا القرآن ، وبحرمة الإسلام ، وشهادة أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، وأن محمداً عبدك ورسولك ، وأتوجه إليك وأتوسل إليك وأستشفع إليك ، بنبيك نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله ، بحق خلف الأئمة الماضين ، والإمام الزكي الهادي المهدي ، الحجة بعد آبائه على خلقك ، المؤدي عن علم نبيك ، ووارث علم الماضين من الوصيين ، المخصوص الداعي إلى طاعتك وطاعة آبائه الصالحين . يا محمد يا أبا القاسماه ، بأبي أنت وأمي ، إلى الله أتشفع بك ، وبالأئمة من ولدك ، وبعلي أمير المؤمنين ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي والخلف القائم المنتظر » .
وفي مهج الدعوات / 253 ، والبحار : 94 / 346 ، والمصباح للكفعمي / 278 . دعاء الإعتقاد والتوسل به عليه السلام إلى الله تعالى . ودعاء آخر يسمى دعاء الإعتقاد أيضاً ، ذكره في مهج الدعوات / 233 ، والكفعمي / 278 ، والبلد الأمين / 387 ، عن الكاظم عليه السلام .
--------------------------- 946 ---------------------------
وهناك مجموعة أدعية أخرى في : مهج الدعوات / 295 ، و 302 ، وفي 334 : « عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن الإمام الباقر عليه السلام » . « حجاب مولانا صاحب الزمان عليه السلام » .
وروى في مهج الدعوات / 278 : دعاء العلوي المصري ، وأن الإمام المهدي عليه السلام علمه إياه ، والبحار : 95 / 266 ، وتبصرة الولي : / 212 .
وفي مصباح المتهجد / 639 ، وإقبال الأعمال / 364 ، والبلد الأمين / 250 ، والبحار : 98 / 234 : « دعاء الموقف لعلي بن الحسين عليه السلام » وفيه دعاء لكل الأئمة عليهم السلام
وفي مصباح المتهجد / 54 : « تعقيب صلاة الظهر . . . وذكر دعاء للإمام عليه السلام ، أوله : يا سامع كل صوت ، يا جامع كل فوت ، يا بارئ النفوس بعد الموت . . » .
وفي فلاح السائل / 170 : « ومن المهمات عقيب الظهر الاقتداء بالصادق عليه السلام في الدعاء للمهدي عليه السلام الذي بشر به محمد رسول الله صلى الله عليه وآله أمته في صحيح الروايات ، ووعدهم أنه يظهر في آخر الأوقات » . ثم ذكر سنده .
وفي مصباح المتهجد / 345 : « روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه يستحب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وآله بعد العصر يوم الجمعة بهذه الصلاة .
وفي التهذيب : 3 / 143 : « الدعاء له عليه السلام يوم غدير خم » .
وفي مصباح المتهجد / 266 : « بعد ركعتي صلاة الزهراء عليها السلام » .
وفي مهج الدعوات / 68 ، والإيقاظ / 313 : « دعاء روي أنه عليه السلام دعا به في قنوته » .
« تم كتاب المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف »
« والحمد لله رب العالمين » .
--------------------------- 947 ---------------------------
الفهرس
--------------------------- 948 ---------------------------
--------------------------- 949 ---------------------------
--------------------------- 950 ---------------------------
--------------------------- 951 ---------------------------
--------------------------- 952 ---------------------------
--------------------------- 953 ---------------------------
--------------------------- 954 ---------------------------
--------------------------- 955 ---------------------------
--------------------------- 956 ---------------------------
--------------------------- 957 ---------------------------
--------------------------- 958 ---------------------------
--------------------------- 959 ---------------------------
--------------------------- 960 ---------------------------
--------------------------- 961 ---------------------------
--------------------------- 962 ---------------------------
--------------------------- 963 ---------------------------
--------------------------- 964 ---------------------------
--------------------------- 965 ---------------------------
--------------------------- 966 ---------------------------
--------------------------- 967 ---------------------------
--------------------------- 968 ---------------------------
--------------------------- 969 ---------------------------
--------------------------- 970 ---------------------------
--------------------------- 971 ---------------------------
--------------------------- 972 ---------------------------
--------------------------- 973 ---------------------------
--------------------------- 974 ---------------------------
--------------------------- 975 ---------------------------
--------------------------- 976 ---------------------------
--------------------------- الغلاف 2 ---------------------------
المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عج
بحوث موضوعية في أربعين فصلا شملت ما رواه المسلمون في البشارة النبوية بالإمام المهدي عج الذي ينهي الظلم ويقيم دولة العدل في الأرض .
وينزل عيسى بن مريم عليه السلام ليساعده في مهمته .
كما شملت الآيات المفسرة لأحاديثه وصفاته وعلامات ظهوره .
وحركة ظهوره ومعالم دولته .